Translate

الأحد، 10 أبريل 2022

كتاب : ثمرات النظر في علم الأثر محمد بن إسماعيل الأميرالصنعاني

كتاب : ثمرات النظر في علم الأثر محمد بن إسماعيل الأميرالصنعاني 
--------------

ثمرات النظر في علم الأثر
مقدمة المصنف بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لك يا واهب كل كمال وشكرا لك يا مانح الجزيل من النوال ويا فاتح الأقفال عن أبواب كل إشكال
وصلاتك وسلامك على من ختمت ببعثه سلسلة الإرسال وعلى آله أئمة المعارف والعوارف خير آل
وبعد فإنه لما من الله بمذاكرة مع بعض الأعلام في شرح نخبة الفكر للحافظ الإمام العلامة الشهاب أحمد بن علي بن حجر أفاض الله عليه شآبيب الإنعام وأنزله بفضله بحبوحة دار السلام

وانتهت إلى بحث الجرح والتعديل عرضت عند المذاكرة فروع ناشئة عن ذلك التأصيل فرغب ذلك القلم إلى تحريرها في الأوراق تحريرا للفظها وحفظا لمعناها وإبانة للحق النافع يوم يعنو كل نفس ما عناها فأخذت في رقم ما وقع ثم اتصل به ما هو أرفع قدرا وأنفع والله أسأله أن يخلص لوجهه الأعمال ويعيذنا من موبقات الأفعال والأقوال وسميته ثمرات النظر في علم الأثر

رواية صاحب البدعة المكفرة والمفسقة فأقول قسم الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى البدعة في النخبة إلى قسمين إلى ما يكون بمكفر أو بمفسق واختار

في شرحها أن الأول لا يكون قادحا في الراوي إلا إذا كان ردا لأمر معلوم من الدين ضرورة أو عكسه أي إثباتا لأمر معلوم بالضرورة أنه ليس منه
وإنما فسرنا العكس بهذا لأن ذكر الاعتقاد لا دخل له في كون الفعل بدعة فلا بد من حمله على إثبات أمر ليقابل إنكار أمر فيكون إلماما بالأمرين اللذين هما مرجع البدعة ومنشؤها وهما

النقص في الدين والزيادة فيه كما صرح بذلك صاحب الإيثار فالأول إشارة إلى الثاني والثاني إشارة إلى الأول
أو هما إلا إذا كان ردا لأمر معلوم
ولقد وهم من فسر العكس بإنكار أمر واعتقاد خلافه وزحلق العبارة عما تفيده إذ لا بد من حمل الاعتقاد على إثبات أمر مجازا من باب إطلاق السبب على المسبب وكان حق العبارة أن يقول أو إثبات غيره أي إثباتا لأمر في الدين معلوم بالضرورة أنه ليس منه قلت إلا أنه لا يخفى أنه من كان بهذه الصفة فهو كافر لرده ما علم من الدين ضرورة وإثباته ما ليس منه ضرورة وكلا الأمرين كفر وإنه تكذيب للشارع وتكذيبه في أي أمر علم من الدين ضرورة إثباته أو نفيه كفر فهذا ليس من محل النزاع إذ النزاع في مجرد الابتداع لا في الكافر الكفر الصريح فلا نزاع

فيه
وإذا كان من هو بهذه الصفة فقد جاوز رتبة الابتداع إلى أشر منه وأنه لا يرد من أهل ذلك القسم إلا هذا عرفت أنه لا يرد أحد من أهل هذا القسم وأن كل مبتدع مقبول
وأما ما يكون ابتداعه بمفسق فقد اختاره لنفسه ونقله عن الجماهير أنه يقبل ما لم يكن داعية وحينئذ فرده لأجل كونه داعية إلى بدعته لا لأجل بدعته فتحصل من هذا أن كل مبتدع مقبول سواء كان بمكفر أو بمفسق واستثناؤه لمن رد ما علم فاثبت من الدين ضرورة أو زاد فيه ما ليس بضرورة ليس لأجل بدعته بل لرده وإثباته ما ليس من الدين ضرورة وكذا رد الداعية لأجل دعوته لا لأجل بدعته والكل ليس من محل النزاع

ثم لا يخفى أن الحافظ وأهل مذهبه لا يرون التكفير بالتأويل

فكأنه قسم البدعة على رأي غيره إذ لا يرى كفر أحد من أهل القبلة والآتي بما يكفره به من يرى كفر التأويل مبتدع واضح البدعة كما قال ابن الحاجب ومن لم يكفر فهو عنده واضح البدعة انتهى

مسألة قبول كافر التأويل وفاسقه وهذه هي مسألة قبول كافر التأويل وفاسقه وقد نقل صاحب العواصم إجماع الصحابة على قبول فساق التأويل من عشر طرق في كتبه الأربعة ونقل أدلة غير الإجماع واسعة إذا عرفت هذا فحق عبارة النخبة أن يقال ونقبل المبتدع مطلقا إلا الداعية
وقال الذهبي في الميزان في ترجمة أبان بن تغلب ما لفظه

البدعة على ضربين فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كان التشيع بلا غلو ولا تحرق فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو ذهب حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة
ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك فهذه النوع لا يحتج بهم ولا كرامة انتهى
قلت هذا المثيل لأحد أنواع الابتداع وإلا فمن الابتداع النصب بل هو شر من التشيع لأنه التدين ببغض علي رضي الله عنه كما في القاموس فالأمران بدعة إذ الواجب والسنة محبة كل مؤمن بلا غلو في المحبة
أما وجوب محبة أهل الإيمان فأدلته طافحة كما في صحيح مسلم مرفوعا ( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ) الحديث
بل حصر صلى الله عليه و سلم الإيمان في الحب

في الله كما في حديث ( وهل الإيمان إلا الحب في الله )

الغلو في الدين وأما تحريم الغلو في كل أمر من أمور الدين فثابت كتابا وسنة ( لا تغلوا في دينكم ) ( إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) أخرجه أحمد والنسائي وابن

ماجه والحاكم
إلا أنه لا يتحقق الغلو إلا بإطلاق ما لا يحل إطلاقه في المحبوب المغلو في حبه أو فعل ما لا يحل فعله أو ذكر الغير بما لا يحل لأجله
وأما زيادة صحبة الشخص لبعض أهل الإيمان مع محبته لهم جميعا فهذا لا إثم فيه ولا قدح به وإن سمي غلوا وقد كان بعض المؤمنين عند رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب إليه من بعض واشتهر أن أسامة ابن زيد رضي الله عنه حب رسول الله وكانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه
إذا عرفت هذا فالشيعي المطلق قد أتى بالواجب من محبة هذا البعض من المؤمنين فإن كان غاليا فقد ابتدع بالغلو وأثم إن أفضى

به إلى ما لا يحل
وأما مجرد زيادة المحبة والميل فهو إذا صح أنه غلو فلا إثم فيه

أقسام التشيع وقد اتضح لك أن الحافظ الذهبي قسم التشيع ثلاثة أقسام
الأول تشيع بلا غلو وهذا لا كلام فيه كما أفاده قوله أو كان التشيع بلا غلو ولا تحرق
ولا يخفى أنه صفة لازمة لكل مؤمن وإلا فما تم إيمانه إذ منه موالاة المؤمنين سيما رأسهم وسابقهم إليه فكيف يقول فول ذهب حديث هؤلاء يريد الذين والوا عليا رضي الله عنه بلا غلو وما الذي يذهبه بعد وصفه لهم بالدين والصدق والورع ليت شعري أيذهبه فعلهم لما وجب من موالاة أمير المؤمنين الذي لو أخلوا به لأخلوا بواجب وكان قادحا فيهم ولله

در كثير من التابعين وتابعيهم فقد أتوا بالواجب ودخلوا تحت قوله تعالى ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ) وتحت قوله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان )
ومن ها هنا تعلم أن القول بأن مطلق التشيع بدعة ليس بصحيح والقدح به باطل ولا قدح به حتى يضاف إليه الرفض الكامل وسب الشيخين رضي الله عنهما وحينئذ فالقدح فيه بسب الصحابي لا بمجرد التشيع
والقسم الثاني من غلا في التشيع وأسلفنا لك أنه أتى بواجب وابتدع فيه إن سلم أن مجرد الغلو بدعة إلا أنها بدعة لم

تفض بصاحبها إلى كفر ولا فسق فهو غير مردود اتفاقا إذ قد قيل عند الجماهير من أفضت به بدعته إلى أحدهما كما سلف آنفا
الثالث من أقسام التشيع من غلا وحط على الشيخين فهذا قد أفضى به غلوه إلى محرم قطعا وهو سباب المسلم وقد ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أن سباب المؤمن فسوق فهذا فاعل المحرم قطعا خارج عن حد العدالة فاسق تصريحا فاعل لكبيرة كما يأتي وتارك أيضا لواجب وحينئذ فرده والقدح فيه ليس لأجل مطلق تشيعه وهو موالاته لعلي رضي الله عنه بل لسبه المسلم وفعله المحرم فعرفت أن التشيع المطلق ليس بصفة قدح وجرح من

حيث هو بل هو صفة تزكية لأنه لا بد للمؤمن من موالاة أهل الإيمان فإذا عرف بها صارت تزكية فإذا وقع في عباراتهم القدح بقولهم فلان شيعي فهو من القدح المبهم لا يقبل حتى يتبين أنه من النوع القادح وهو غلو الرفض

تعريف النصب وأما النصب فعرفت من رسمه عن القاموس أنه التدين ببغض علي رضي الله عنه فالمتصف به مبتدع شر ابتداع أيضا فاعل لمحرم تارك لواجب فإن محبة علي رضي الله عنه مأمور بها عموما وخصوصا
أما الأول فلأنه داخل في أدلته إيجاب محبة أهل الإيمان
وأما الخاصة فأحاديث لا يأتي عليها العد آمرة بحبه ومخبرة بأنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وقد أودعنا الروضة الندية شرح

التحفة العلوية من ذلك شطرا من الأحاديث بحمد الله معزوة إلى محله مصححة ومحسنة فالناصبي أتى بمحرم قطعا ولم يأت بالواجب الآخر من موالاة سائر أهل الإيمان كالصحابة إذ ليس من لازمه محبة بقية الصحابة وهب أنه من لازمه فلا يخرجه عن الإخلال بواجب محبة علي رضي الله عنه وفعله لمحرم من بغضه
فالشيعي المطلق في رتبة علية أتى بالواجب وترك المحرم والناصبي في أدنى رتبة وأخفضها فاعل للمحرم وتارك للواجب فإن انتهى نصبه إلى إطلاق لسانه بسب الوصي رضي الله عنه فقد انتهت به بدعته إلى الفسق الصريح كما انتهت بالشيعي الساب بدعة غلوه إلى ذلك وخير التشيع تشيع من قال
( أنا شيعي لآل المصطفى ... غير أني لا أرى سب السلف )
( أقصد الإجماع في الدين ومن ... قصد الإجماع لم يخش التلف )
( لي بنفسي شغل عن كل من ... للهوى قرض قوما أو قذف )
والشيعي إن انضاف إلى حبه لعلي رضي الله عنه بغض أحد من السلف فقد ساوى مطلق الناصبي في بغضه لبعض أهل

الإيمان فإن قلت هل يقدح في دينه ببغضه لبعض المؤمنين قلت البغض أمر قلبي لا يطلع عليه فإن اطلع عليه كما هو المفروض هنا كان قدحا إذ الكلام في الناصبي ولا يعرف أنه ناصبي إلا بالاطلاع على بغضه لرأس أهل الإيمان
فمن عرف بمثل هذه المعاصي ردت روايته لأنه ليس بعدل على تعريف ابن حجر للعدالة إذ قد حد في رسمها اللغوي عدم الابتداع ولا يتم إلا بخلو القلب عن بغض أهل الإيمان كيف وقد ثبت أن بغضه رضي الله عنه علامة النفاق

وبهذا عرفت أن الناصبي المطلق خارج عن العدالة فإن انضاف إلى نصبه إطلاق لسانه فيمن يبغضه فقد ازداد عنها بعدا والشيعي المطلق محقق العدالة وإن أبغض وسب فارق العدالة وحينئذ يتبين لك أنه كل التمثيل ببدعة النصب للابتداع الخارم للعدالة أولى إذ هو على كل حال بدعة قادحة بخلاف التشيع فالمطلق منه ليس ببدعة بل فعله واجب
وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح
التشيع محبة علي عليه السلام وتقديمه على الصحابة فمن قدمه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فهو غال في التشيع ويطلق عليه رافضي وإلا فشيعي فإن انضاف إلى ذلك السب والتصريح بالبغض فغال في الرفض انتهى كلامه
فقسم التشيع أيضا ثلاثة أقسام رفض وغلو في الرفض وتشيع
فالأول انضاف إلى محبته لعلي رضي الله عنه تقديمه على الشيخين والثاني انضاف إليها بغض الشيخين والسب لهما

والثالث المحب فقط وهذا التقسيم وقع في ذكره لبدعة التشيع
وأقول أما محبته مطلقا وهو القسم الثالث فإنه شرط في إيمان كل مؤمن وليس من البدعة في دبير ولا قبيل
وهل الإيمان إلا الحب في الله وحينئذ عرفت أن كل مؤمن شيعي
وأما الساب فسب المؤمن فسوق صحابيا كان أو غيره إلا أن سباب الصحابة أعظم جرما لسوء أدبه مع مصحوبه صلى الله عليه و سلم ولسابقتهم في الإسلام
وقد عدوا سب الصحابة من الكبائر كما يأتي عن الفريقين الزيدية ومن يخالف مذهبهم
وقد عرفت أنه دل كلام الذهبي وكلام الحافظ ابن حجر على أن التشيع بكل أقسامه بدعة ولا يخفى أن مطلق التشيع

الذي هو موالاة علي واجب وفاعل الواجب لا يكون مبتدعا
فإن قلت هذا كله مبني على أن قول الحافظ وتقديمه على الصحابة ليس من جملة رسم التشيع وأي مانع عن جعله قيدا فيقيد أن التشيع محبة علي رضي الله عنه مع تقديمه على الصحابة فلا يتم أن مجرد محبته تشيع قلت يمنع عنه أنه إن حمل لفظ الصحابة في كلامه في الرسم على من عدا الشيخين لزم أن من قدمه على أي صحابي ولو من الطلقاء أو ممن ثبت له مجرد اللقاء يكون شيعيا لأن لفظ الصحابة للجنس فهو في قوة من قدمه على أي صحابي وهذا لا يقوله أحد فإنه من السابقين الأولين من العشرة المشهود لهم بالجنة وهم مقدمون على غيرهم بالنصوص
ولأنه بالاتفاق ليس يسمى الشيعي من قدم عليا على أي فرد من أفراد الصحابة أو حمل على الشيخين فقط فيكون التشيع محبة علي رضي الله عنه وتقديمه على الشيخين فهذا بعينه هو الذي أفاده

بقوله فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال فحينئذ تداخل الأقسام ولا يشمل كلامه وضابطه رسم التشيع المطلق أو حمل على المشايخ الثلاثة فهذا الإشكال باق إذ من قدمه على الثلاثة فقد قدمه على الشيخين مع الخلل الذي عرفته أيضا
وإنما بلغت عبارته إلى هذا الخلل على التقادير الأربعة بسبب جعل قوله تقديمه على الصحابة قيدا تعين حملها على ما تصح به وتفيد وأن قوله وتقديمه استئنافية والواو للاستئناف قدمها إرهاصا لقوله فمن قدمه على أبي بكر وعمر وأن المراد من الصحابة الشيخان ذكرهما ألا إجمالا ثم ثانيا تفصيلا وأن قوله

محبة علي فقط هو رسم مطلق التشيع وأيد هذا قوله وإلا فشيعي فإن مراده وألا يقدمه على الشيخين لدي بل يحبه فقط وهذا هو المطلق
وأيده أيضا بما عرفناه من تصرفاتهم في كتب الرجال وتسمع من كلامنا الآتي كثيرا من عباراتهم في ذلك وأيده قول الحافظ الذهبي في ضابطه أو كان التشيع بلا غلو
فهذان الحافظان يوافقان أن التشيع أقسام ثلاثة تشيع مطلق هو محبته رضي الله عنه فقط
ومحبته مع تقديمه على الشيخين ومحبته مع التقديم والسب الأول شيعي والثاني غال في التشيع ويطلق عليه رافضي الثالث غال في الرفض
هذا مفاد كلام الحافظين وهما إماما الفن

وعلى كلامهما وقع البحث في هذه الرسالة

حقيقة البدعة ثم اعلم أن البدعة وحقيقتها الفعلية المخالفة للسنة ولها تعاريف حاصلها ما لم يكن على عهده صلى الله عليه و سلم
وتنقسم إلى ثلاثة أنواع لا يقتضي كفرا ولا فسقا وهي التي قال فيها عمر رضي الله عنه في جماعة التراويح نعمت

البدعة قال المناوي في كتابه في التعاريف قد يكون من

البدعة ما ليس بمكروه فتسمى بدعة مباحة وهو ما يشهد لحسنه أصل الشرع واقتضته مصلحة تندفع بها مفسدة
والنوعان الآخران ما يؤول إلى أحد الأمرين كما عرفت
فالأولى لا قدح بها اتفاقا ولا تخل بالعدالة وإن دخلت في مسمى البدعة وشملها اشتراط فقدها في حصول العدالة وذلك لأنه لا يخلو عنها طائفة بل يكاد أنه لا يخلو عنها فرد إلا في عصمة الله وإن كانت عباراتهم في رسم العدالة عامة والأحاديث الآتية دالة على أنه لا فرق بين أنواعها إلا أنهم كما عرفت قسموها هذا التقسيم وقسموها أيضا إلى مستحسنة وغير مستحسنة وما أظن هذا التقسيم إلا من جملة الابتداع وها هنا أبحاث تتعلق بكلامهم

اشتراط العدالة في رسم الصحيح والحسن الأول أنهم أخذوا في رسم الصحيح والحسن عدالة الراوي كما سبق للحافظ في النخبة ومثله في كتب صاحب العواصم وفي جميع كتب أصول الحديث وفسر الحافظ العدالة بأنها ملكة

تحمل على ملازمة التقوى والمروءة
وفسر التقوى بأنها اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة فأفاد أن العدالة شرط للراوي
وقد عرفت أن ترك البدعة من ماهية العدالة فالعدل لا يكون عدلا إلا باجتناب البدعة بأنواعها
ولا يخفى أن هذا يناقض ما قرره الحافظ من القول بقبول المبتدع مناقضة ظاهرة على أن في رسم الحافظ للتقوى قصورا فإنها اجتناب المحرمات والإتيان بالواجبات وقد اقتصر على الفصل الأول من فصلي رسمها
ومنهم من فسرها بالاحتراز عما يذم شرعا وهو صحيح شامل للأمرين
إن قلت أخذهم الفسق في رسم العدالة فيه أيضا إخلال فبأنهم قبلوا فاسق التأويل وقد أخذوا العدالة له شرطا في الراوي وأخذوا عدم الفسق في رسمها فالفاسق غير عدل قلت يتعين حمل الفسق في الرسم على الفسق الصريح لأنه المتبادر عند

الإطلاق وليندفع التناقض

ذم المبتدعة المبحث الثاني لا يخفى ما ورد في السنة من الأحاديث الواسعة في ذم المبتدعة والوعيد الشديد لهم أخرج مسلم وابن ماجه وغيرهما من حديث جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وفيه أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه و سلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة
وأخرج الطبراني من حديث أنس مرفوعا إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته قال الحافظ المنذري إسناده حسن ورواه ابن ماجه أيضا وابن أبي حاتم في كتاب السنة عن ابن عباس رضي الله عنه لفظه أبى الله تعالى أن

يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ورواه ابن ماجه أيضا من حديث حذيفة مرفوعا ولفظه لا يقبل الله تعالى لصاحب بدعة صوما ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا ويخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين

وفي الزواجر لابن حجر الأخير أنه صح لعن من أحدث حدثا
وأخرج الطبراني ما من أمة ابتدعت بعد نبيها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة وقد صح حديث ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب الدعوة

@ 51 @

وقد عد منهم تارك السنة
قال في الزواجر وقد عد شيخ الإسلام الصلاح العلائي في قواعده والجلال البلقيني وغيرهما البدعة من الكبائر ولفظ الجلال البلقيني في تعداد الكبائر السادسة عشرة البدعة وهي المراد بترك السنة
إذا عرفت هذا فلا يخلو إما أن يقول قائل المبتدع عدل وإن ابتداعه لا يخل بعدالته فهذا رجوع عن رسم العدالة بما ذكره فهذه الأحاديث وأقوال العلماء منادية على أن الابتداع من الكبائر وقد رسموا الكبيرة بما توعد عليه بخصوصه وهو صادق على البدعة
ومن هنا ينقدح لك أن من حذف البدعة من رسم

العدالة فلدخولها في لفظ الكبائر المذكورة في الرسم
أو يقول إنها تخل بالعدالة فهذا يعود على شرطية العدالة في الراوي بالنقض

تفسير العدالة المبحث الثالث تفسير العدالة بما ذكره الحافظ تطابقت عليه كتب الأصول وإن حذف البعض قيد الابتداع إلا أنهم الكل اتفقوا أنها ملكة إلى آخره وهذا ليس معناها لغة ففي القاموس العدل ضد الجور وهو إن كان كلامه في هذه الألفاظ قليل الإفادة لأنه يقول والجور نقيض العدل فيدور
وفي النهاية العدل الذي لا يميل به الهوى
وهو وإن كان تفسيرا للعادل فقد أفاد المراد في غيرها العدل الاستقامة
وللمفسرين في قوله تعالى ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )

أقوال في تفسيره قال الرازي بعد سرده للأقوال إنه عبارة عن الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط وهو قريب من تفسيره بالاستقامة
وقد فسر الاستقامة الصحابة وهم أهل اللغة بعدم الرجوع إلى عبادة الأوثان وأنكر أبو بكر رضي الله عنه على من فسرها بعدم الإتيان بذنب وقال حملتم الأمر على أشده وفسرها الوصي كرم الله وجهه بالإتيان بالفرائض
نقد العدالة بالملكة المذكورة والحاصل أن تفسير العدالة بالملكة المذكورة ليس معناها لغة ولا أتى عن الشارع حرف واحد بما يفيدها والله تعالى قال في الشهود ( وأشهدوا ذوي عدل ) ( ممن ترضون من الشهداء ) وهو كالتفسير للعدل والمرضي من تسكن النفس إلى خبره ويرضى به القلب ولا يضطرب من من خبره ويرتاب ومنه ( تجارة عن تراض )
وفي كلام الوصي رضي الله عنه حدثني رجال مرضيون وأرضاهم عمر وقال صلى الله عليه و سلم ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه )

فالعدل من اطمأن القلب إلى خبره وسكنت النفس إلى ما رواه

وأما القول بأنه من لو هذه الملكة التي هي كيفية راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة يمتنع بها عن اقتراف كل فرد من أفراد الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة تمرة والرذائل الجائزة كالبول في الطرقات وأكل غير السوقي فيه فهذا تشديد في العدالة

لا يتم إلا في حق المعصومين وأفراد من خلص المؤمنين بل قد جاء في الأحاديث أن كل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون ) وأنه ما من نبي إلا عصى أو هم بمعصية فما ظنك عمن سواهم وحصول هذه الملكة في كل راو من رواة الحديث عزيز الحصول لا يكاد يقع
ومن طالع تراجم الرواة علم ذلك وأنه ليس العدل إلا من قارب وسدد وغلب خيره شره وفي الحديث ( المؤمن واه ) أي واه لدينه

بالذنوب راقع له بالتوبة فالسعيد من مات على رقعه أخرجه البزار وإن كان فيه ضعف فهو منجبر بحديث ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم ) وهو حديث

صحيح فالمؤمن المرضي العدل لا بد مقارفته لشيء من الذنوب لكن غالب حاله السلامة ويأتي عن الشافعي رضي الله عنه قول حسن في العدالة
وهذا بحث لغوي لا يقلد فيه أهل الأصول وإن تطابقوا عليه فهو مما يقوله الأول ثم يتابعه عليه الآخر من غير نظر
إذا عرفت ما أسلفناه وقد عرفت نقل الإجماع عن الصحابة رضي الله عنهم في قبول خبر المبتدع كما قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة رضي الله عنه إن من تصفح آثارهم واقتص أخبارهم عرف أنهم لما صاروا أحزابا وتفرقوا فرقا وانتهى الأمر بينهم إلى القتل والقتال كان بعضهم يروي عن بعض من غير مناكرة بينهم في ذلك بل اعتماد أحدهم على رواية من يخالفه

كاعتماده على رواية من يوافقهم
ومثله قال الشيخ أحمد الرصاص في كتاب الجوهرة إن الفتنة لما وقعت بينهم كان بعضهم يحدث عن بعض من غير مناكرة ويسند الرجل إلى من يخالفه كما يسند إلى من يوافقه
علمت أن ذلك يستلزم الإجماع على أن مدار قبول الرواية ظن صدق الراوي لا عدالته المفسرة بحد الحافظ وغيره
قال ابن الصلاح كتب الأئمة طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة
قلت ما ذاك إلا لكون الابتداع غير مخل بالعدالة قطعا بل هو مخل بها لكنه دار القبول على ظن الصدق وذلك لأدلة
الأول أن خبر المبتدع يفيد الظن والعمل بالظن حسن

عقلا
الثاني أن في مخالفتهم مضرة مطنونة ودفع الضرر المظنون عن النفس واجب
الثالث إما أن يحصل بخبرهم الرجحان أو لا إن حصل فإما أن يعمل به أو بالمرجوح أو يساوي بينهما وقد علمت أن ترجيح المرجوح على الراجح أو المساواة بينهما في الترجيح قبيح عقلا فوجب العمل بالراجح إذا عرفت أنه يفيد الظن وأنه يجب العمل بالظن عقلا

الأدلة على وجوب العمل به شرعا كثيرة
الآية الأولى قوله تعالى ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ) وهو عام في كل ما جاء عن الله تعالى سواء كان من كلامه أو كلام رسوله صلى الله عليه و سلم وسواء كان معلوما أو مظنونا فكل خبر عن الله تعالى أو عن رسوله حصل الظن به فقد صدق عليه أنه جاءنا عن الله تعالى
الثانية قوله تعالى ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) فهذا عام فيما أتانا عن الله تعالى والآية وإن كانت خطابا لأهل الكتاب فهي في حقنا كذلك وتقرير الحجة بها كما سلف
الثالثة قوله ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) الآية
وتقريرها كما سلف والخبر المظنون عن الرسول قد أتانا عنه فيجب العمل به والأدلة من هذا النوع واسعة جدا أو ناهضة على المدعي وقد ثبت عنه صلى الله عليه و سلم ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما

استطعتم ) فيجب في تعرف ما أتانا الله تعالى وأمرنا بأخذه بذل الوسع في ذلك بحسب الطاقة كما قال تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) وهنا رتب ثلاث
الأولى أن يعلم اللفظ الوارد عن الشارع والمعنى وهذا يكون كثيرا في القرآن والسنة المتواترة
الثانية أن يعلم اللفظ ويظن المعنى وذلك أيضا يكون في القرآن كثيرا والمتواتر من السنة
الثالثة أن يظن اللفظ والمعنى أو يعلم المعنى ويظن اللفظ وكلاهما في السنة

فإن قلت يلزم على هذا قبول خبر الكافر والفاسق الصريح أيضا إذا حصل الظن لوجود العلة
قلت منع منه الإجماع فخصص العلة

قبول فاسق التأويل واعلم أنه قد استدل في العواصم على قبول خبر فاسق التأويل بحديث أنه قبل الأعرابي الذي شهد برؤية هلال رمضان فقال له ( أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا ) أو بنحوه من الأدلة إلا أن في استدلاله بذلك بحثا لأنه

@ 66 @

بناه على أن عدالة أهل ذلك العصر كانت غير منوطة بإسلامهم وهو قائل بخلافه لذهابه إلى أن أهل ذلك العصر كانت العدالة منهم منوطة بالإسلام والقيام بأركانه واجتناب معاصي الخوارج كما نقله عن أبي طالب واختاره فهذا لا يتم به الاستدلال على قبول قول المبتدعين إذ قد بني على عدالة أهل ذلك العصر

النبوي إلا من ظهر منه ما يخرج به
الكلام الآن معه على من تحقق جرح عدالته وأنه إنما قبل لحصول الظن بخبره
وكذلك استدلاله بخبر الأمة السوداء التي سألها صلى الله عليه و سلم ( هل هي مؤمنة فأشارت أن الله ربها فقال صلى الله عليه و سلم هي مؤمنة )

وكذلك ذكره الحديث ( إن ابني هذا سيد ويصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين )
قال في الأول هذا دليل على قبول كل من آمن بالله ورسوله من أهل الإسلام ما لم يثبت فيه فعل ما يجرح به وقال في الثاني فسماهم مسلمين والمسلم مقبول ما لم يظهر جرحه فإنه يقال هذا يقتضي أنك تريد أن من أسلم وآمن من أهل ذلك العصر

فإنه عدل وهو الظاهر من كلامه وهذا غير محل النزاع إذ الكلام مع من يرد فساق التأويل والمبتدعة
لا يقال لعل صاحب العواصم يختار في رسم العدالة غير ما يختاره الجمهور وأنه من ثبت إسلامه ثبتت عدالته من أهل ذلك العصر وغيره لأنا نقول هذا مسلم في أنه اختاره لكن في حق الصحابة وأهل العصر النبوي إذ الظاهر فيهم العدالة كما سبق نقل اختياره له وبه قال المحدثون وأهل الأثر وأما في حق غيرهم فغير مسلم
وجعله ظن الصدق علة في قبول الرواية دليل على أنه لا يرى ذلك وإلا لما افتقر إلى إقامة الأدلة على ذلك ولكان أحوج على إقامة الدليل على هذا الأصل الكبير ولأنه صرح أن ظاهر العلماء العدالة ما لم يظهر ما يجرحهم وينفي العلم بالظاهر وجعل هذا القول المختار القوي حيث قال المختار القوي ما ذهب إليه

أبو عمر بن عبد البر وأبو عبد الله بن المواق وهو أن كل حامل علم معروف بالعدالة فإنه مقبول في علمه محمول أبدا على السلامة حتى يظهر ما يجرحه وذكر أدلة هذا القول وهذا ظاهر في أنه يرى رأي الجمهور في أن الأصل الفسق ولذا عين هذه الطائفة بالعدالة وسرد أدلة ذلك هنالك إلا أنه يختار في الصحابة وأهل العصر النبوي أن الظاهر فيهم العدالة ما نقله هو عن الشافعي رضي الله عنه فإنه قال متى سلم أن العدالة هي ترك جميع الذنوب والمعاصي عز وجودها في جميع المواضع التي يشترط فيها كعقد النكاح والطلاق على السنة وعقد البيوع والعقود والحدود وقد دل الشرع على ما تبين أن العدالة مرتبة دون هذه المرتبة
وقد حسن ابن كثير حديث أبي هريرة مرفوعا ( من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة ومن غلب جوره عدله فله النار ) ومن ذلك ما ورد في الحديث

وأجمعت الأمة عليه من أنه لا يقبل من بينه وبين أخيه إحنة مع أنه مقبول على من ليس بينه وبين أخيه إحنة فلم يخرج المسلم الثقة بالإحنة التي بينه وبين أخيه ما لم يسرف في العداوة إلى حد لا يتجاوز إليه أهل الدين

كلام مستحسن للشافعي في العدالة قال وقد قال الشافعي في العدالة قولا استحسنه كثير من العقلاء من بعده قال لو كان العدل من لم يذنب لم نجد عدلا ولو كان كل ذنب لا يمنع من العدالة لم نجد مجروحا ولكن من ترك

الكبائر وكانت محاسنه أكثر من مساوئه فهو عدل انتهى
قلت وهذا قوله حسن ويؤيده أن أهل اللغة فسروا العدل بنقيض الجور وليس الجور عبارة عن ملكة راسخة توجب إتيان كل معصية ولا الجائر لغة كل من يأتي معصية بل من غلب جوره على عدله وفي الحديث ( بعثت في زمن الملك العادل ) يعني كسرى وإن كان الحديث ضعيفا
ومعلوم أنه يأتي من الجور

جانبا لو لم يكن إلا كفره بالله ورسله هذا
وأما القول بأن الأصل الفسق كما قال العضد في شرح مختصر المنتهى وتابعه عليه الآخذون من كتابه وغيرهم واستدل بأن العدالة طارئة ولأنه أكثر ففيه تأمل لأن الفسق أيضا طارىء فإن الأصل أن كل مكلف يبلغ من سن تكليفه على الفطرة فهو عدل فإن بقي عليها من غير مخالفته لم يفسق ويأتي بما يجب فهو على عدالته مقبول الرواية وإن لابس المفسقات فله حكم ما لابسه
ثم رأيت السعد في شرح الشرح قد أشار إلى هذا وتعقبه صاحب الجواهر بما ليس بجيد
وأما الاستدلال بأن الأصل هو الغالب والفسق في المسلمين أغلب فقد قيد هذا بعض المحققين بأن الأغلبية إنما هي في زمن تبع تبع التابعين لا في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم لحديث ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب ) قلت وقوله صلى الله عليه و سلم ( ثم يفشو

الكذب ) يشعر بأن الخيرية بالنظر إلى صدق الأقوال
وأما استدلال من استدل على أغلبية الفسق بقوله تعالى ( وقليل ما هم ) ( وقليل من عبادي الشكور )

( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) فغير جيد إذ المراد أن المؤمنين قليل بالنسبة إلى الكفار كما يدل عليه سياق الآيات إلا أن أهل العدالة قليل بالنسبة إلى المسلمين الذين ليسوا بعدول
ثم قال فيحمل الفرد المجهول على الأعم الأغلب فهذا بعد تسليم أن الأغلب الفسق ليس لنا أن نحمل المسلم المجهول العدالة على الأعم الأغلب وهو فسقه لأنه إضرار به وتفسيق لا بنص ولا قياس ولا شيء من الأدلة مع أنه قد تقرر أنه لا تفسيق إلا بقاطع
ثم نعود إلى الاستدلال على أن المعتد في قبول الأخبار حصول ظن الصدق وأن مجهول العدالة مقبول خبره لما ثبت عن علي رضي الله عنه أنه كان يستحلف الراوي ومعلوم أنه لا يحلف معروف العدالة إذ العدالة مانعة من الكذب ومحصلة للظن بصدق خبره
ولا يحلف المعروف بالفجور وعدم العدالة إذ يمينه لا ترفع الريبة عن خبره فالمحلف من يجهل حاله فيجوز أن تكون يمينه

رافعة للريبة محصلة للظن ولذا قال وحدثني أبو بكر وصدق فإنه لما عرف عدالته لم يستحلفه كما هو ظاهر كلامه ولفظه كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثا ينفعني الله به ما شاء أن ينفعني وإن حدثني غيره استحلفته وحدثني أبو بكر وصدق ذكره الحافظ الذهبي في تذكرته وقال هو حديث حسن وساق طريقه
ففيه دليل أن مناط القبول ظن الصدق وطلب الظن الأقوى مهما أمكن من وظيفة من يتقي الله حق تقاته وقد أمكن ها هنا تحصيله بيمين الراوي

ويدل لذلك أنه صلى الله عليه و سلم كان يقبل خبر من يخبره ومعلوم أنه لظنه بالصدق حتى يبين الله له بالوحي عدم صدق المخبر مثل خبر زيد ابن أرقم حين أخبره بمقالة عبد الله بن أبي ثم لما جاء ابن أبي وعاتبه صلى الله عليه و سلم على ما قاله وبلغه وأقسم بالله ما قال شيئا وإن زيدا كاذب فعذره وصدقه صلى الله عليه و سلم وقال لزيد عمه ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه و سلم
وفشت الملامة لزيد في الأنصار وكذبوه حتى أنزل الله تعالى سورة المنافقين بتصديق زيد رضي الله عنه وتكذيب ابن أبي فقد قبل صلى الله عليه و سلم خبر زيد أولا ورتب عليه عتاب ابن أبي ثم قبل حديث ابن أبي ورتب عليه الناس تكذيب زيد
فإن قلت ابن أبي منافق والمنافق كافر فيلزم قبول خبر الكافر قلت قد ثبت بالإجماع بأن المنافقين لهم في الدنيا أحكام

المؤمنين ومنها قبول أخبار من يظن صدقه منهم وهذا الحديث من أدلته في الباب وغيره من الأدلة فإنه صلى الله عليه و سلم قبل خبره مع علمه بنفاقه حتى أكذبه الله
وكذلك قصة بني أبيرق وقوله صلى الله عليه و سلم ( هم أهل بيت يذكر عنهم إسلام وصلاح ) لما أخبره مخبر أنهم كذلك ثم أخبره تعالى

بحقيقة حالهم وأنزل فيهم الآيات في سورة النساء
فقد كان صلى الله عليه و سلم يقبل خبر من يخبره عن هؤلاء ويرتب عليه أحكاما ومعلوم أنه لا يعمل إلا بظن أو بعلم لا سبيل إلى الثاني هنا فهو يعمل استنادا في حصول الظن بخبرهم أو إحسان الظن بهم فإنهم لا يكذبون فإنه قد كان يتنزه عن الكذب الكفار لقبحه عندهم
بل أبلغ من هذا أنه صلى الله عليه و سلم أمر بغزو بني المصطلق لما أخبره الوليد بن عقبة أنهم تجمعوا لرد رسوله حتى أنزل الله تعالى ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) الآية
إن قلت لعله صلى الله عليه و سلم ماكان يعمل بأخبار أهل ذلك العصر إلا لعدالتهم لا بمجرد حصول الظن بأخبارهم قلت الإنصاف أن أهل

ذلك العصر كغيرهم فيهم العصاة وأهل التقوى ففيهم من ارتكب فاحشة الزنى وفيهم من شرب المسكر وحد عليه ومنهم من قذف المحصنات وفيهم من قتل النفس التي حرم الله وفيهم من غل من المغنم وفيهم من سرق وقطعت يده هذا في حياته صلى الله عليه و سلم
وفيهم المنافقون لا يعلمهم رسول الله صلى الله عليه و سلم كما قال تعالى ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ) وفيهم المرجفون ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة ) وإذ كان لا يعلمهم صلى الله عليه و سلم ولا يعرف نفاقهم فيكف يميز العدل عن غيره وأما المنافقون المعروفون بالنفاق كابن أبي فسلف آنفا قبول أخبارهم ومعاملتهم معاملة من يظن صدقه صلى الله عليه و سلم من المؤمنين ما

لم يكذبهم الله نعم من صحب المصطفى صلى الله عليه و سلم واتبعه حق الإتباع أمم من أهل ذلك العصر متقون رضي الله عنه ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا إلا أنه لا يقتضي الحكم على أهل كل عصر بالعدالة
إن قلت قوله صلى الله عليه و سلم ( خير القرون قرني ) الحديث
تزكية منه صلى الله عليه و سلم لأهل عصره ومن بعدهم ممن ذكرهم
قلت تقدمت الإشارة إلى أنه إخبار عن خيريتهم بالنظر إلى الصدق والعدالة أخص منه وكذلك الصدق شعار الأغلب منهم ولذا قال ثم يفشو الكذب فإنه يشعر أن ثم كذبا في تلك الأعصار المخبرة إلا أنه لا فشو غلبة
فإن قلت الممادح جملة الواردة كتابا وسنة أدلة على عدالة أهل ذلك العصر
قلت قد وردت الممادح في جملة الأمة ولا تقتضي تزكية

الأفراد اتفاقا فكذلك هنا لأن الثناء على الجملة لا يقتضي الثناء على كل فرد فرد
فإن قلت قبوله صلى الله عليه و سلم لأخبار أهل ذلك العصر دليل على عدالتهم ولا يقدح فيه أنه أتاه الوحي أن فيهم كذابين وأن ممن أخبره فاسقا قلت ومتى سلمنا أن العدالة التي رسموها شرط في قبول الرواية وأين دليلها ولا يتم الاستدلال بأن قبوله صلى الله عليه و سلم دليل لها حتى يتم أنها شرط وإلا فهو دور
فإن قلت قد دار قبوله صلى الله عليه و سلم لأخبارهم على أحد الأمرين إما حصول الظن أو عدالة الراوي فحمله على أحد الأمرين دون الآخر تحكم
قلت عدالة الراوي ما قام الدليل على شرطيتها وظن الصدق أمر لا بد منه إذ لا عمل إلا عن علم أو ظن فحملناه على المتيقن
ونحن في مقام النفي لشرطية العدالة المخصوصة فالدليل

المثبت على أنه قد قام الإجماع على قبول غير العدل على رسمهم العدالة والعمل بروايتهم من كل الأمة كما سنحققه الآن في سرد من رووا عنه في الأمهات التي هي عمدة أهل الإسلام من غير العدول على رسمهم العدالة

قف على هذه النكتة
ثقة المبتدع وقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري إنه لا أثر للتضعيف مع الصدق والضبط انتهى
وهما مظنتا حصول الظن بصدق الراوي ورووا عن الخوارج وهم أشد الناس بدعة
لأنهم يكفرون من يكذب فقبولهم لحصول الظن بخبرهم
قال أبو داود ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج

وفي البخاري من المبتدعة أمم لا يحصون وفي غيره من الأمهات وناهيك أنه أخرج لعمران بن حطان الخارجي المادح لقاتل علي رضي الله عنه بالأبيات المشهورة السائرة

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى قال المبرد وكان عمران بن حطان رأس القعد من الصفرية وخطيبهم

وشاعرهم انتهى
والقعد قوم يقولون بقول الخوارج ولا يرون الخروج بل يزينونه وكان عمران داعية إلى مذهبه أخرج له البخاري في المتابعات
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي لعمران بن مسلم القصير قال يحيى القطان كان يرى القدر وهو مستقيم الحديث وأخرج الستة للفضل بن دكين وهو شيعي وأخرج الستة لأبي معاوية الضرير قال الحاكم احتجا به وقد اشتهر عنه الغلو
قال الذهبي غلو التشيع وقد وثقه العجلي

وأخرجوا أيضا لعدي بن ثابت وقد قال فيه ابن معين شيعي مفرط وقال الدارقطني رافضي غال
وأخرج البخاري لإبراهيم بن طهمان وقد رموه بالإرجاء وأخرج البخاري لإسماعيل بن أبان وهو أحد شيوخه قال الجوزجاني كان مائلا عن الحق ولم يكن يكذب في الحديث قال ابن عدي يعني ما عليه الكوفيون من التشيع
قال الحافظ ابن حجر الجوزجاني كان ناصبيا منحرفا عن علي فهو ضد الشيعي المنحرف عن عثمان والصواب موالاتهم جميعا ولا ينبغي لنا تسمع قول مبتدع في مبتدع انتهى
وأخرج الشيخان لأيوب بن عايذ بن مدلج وثقة ابن معين وأبو حاتم والنسائي والعجلي وأبو داود وزاد أبو داود وكان مرجئا وقال البخاري وكان يرى الإرجاء إلا أنه صدوق

وأخرج الجماعة لثور بن يزيد الديلمي شيخ مالك وثقة ابن معين وأبو زرعة والنسائي وغيرهم وقال ابن عبد البر صدوق لم يتهمه أحد وكان ينسب إلى رأي الخوارج والقول بالقدر ولم يكن يدعو إلى شيء من ذلك وقال ابن عبد البر فيه سئل مالك كيف رويت عن داود بن الحصين وثور بن يزيد وذكر غيرهما وكانوا يرون القدر فقال كانوا لئن يخروا من السماء إلى الأرض أسهل عليهم من أن يكذبوا
وأخرج البخاري لثور بن يزيد الحمصي واتفقوا على تثبته في الحديث مع قوله بالقدر وكان يرمى بالنصب قال يحيى بن معين وكان يجالس قوما ينالون من علي رضي الله عنه لكنه كان لا يسب قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى احتج به الجماعة
وأخرج البخاري وأصحاب السنن لحريز بن عثمان الحمصي

ووثقه أحمد وابن معين والأئمة وقال الفلاس كان يبغض عليا رضي الله عنه وقال أبو حاتم لا أعلم بالشام أثبت منه ولم يصح عندي ما يقال فيه من النصب قال الحافظ ابن حجر جاء عنه ذلك من غير وجه وجاء عنه خلاف ذلك وروي عنه أنه تاب من ذلك
وأخرج البخاري عن شيخه خالد القطواني قال ابن سعد كان متشيعا مفرطا وقال صالح جزرة ثقة إلا أنه يتشيع
وأخرج البخاري وأصحاب السنن لحصين بن نمير الواسطي أبو محصن الضرير ووثقه أبو زرعة وغيره وقال أبو خيثمة كان يحمل على علي رضي الله عنه فلم أعد إليه
وأخرج البخاري وغيره لهشام بن عبد الله الدستوائي أحد الأثبات مجمع على ثقته وإتقانه قال محمد بن سعيد كان

حجة ثقة إلا أنه كان يرى القدر
وأخرج البخاري والترمذي والنسائي ليحيى بن صالح أبو حائطي الحمصي وثقه ابن معين وأبو اليمان قال إسحاق بن منصور كان مرجئا
إذا عرفت هذا فهؤلاء جماعة بين مرجىء وقدري وشيعي وناصبي غال وخارجي أخرجت أحاديثهم في الصحيحين وغيرهما ووثقوا كما سمعت وهم قطرة من رجال الكتب الستة الذين لهم هذه البدع وحكموا بصحة أحاديثهم مع الابتداع الذي ليس وراءه وراء وهل وراء بدعة الخوارج من شيء
فهو دليل ناهض على إجماعهم على أن عمدة قبول الرواية وعلتها حصول الظن بصدق الراوي وعدم تلوثه بالكذب ألا ترى قول مالك في جماعة لا عدالة لهم كانوا لئن يخروا من السماء إلى الأرض أسهل عليهم من أن يكذبوا فما لاحظ إلا ظنه بصدقهم وقول من قال في إسماعيل بن أبان كان مائلا عن الحق إلا أنه كان

لا يكذب في الحديث

مناقشة غريبة وكذا توثيقهم لجميع من سمعت مع ذكرهم لعظائم بدعهم ما ذاك إلا لأن المدار على ظن الصدق لا غير
وكفاك بقول الحافظ ابن حجر إنه لا أثر للتضعيف مع ظن الصدق والضبط
وإذا عرفت هذا اتضح لك ما في رسم الصحيح والحسن من الاختلال حيث أخذوا عدالة الراوي شرطا فيهما وفسروا العدالة بما لا بدعة معه ووصلوا إلى محل التصحيح والتحسين فحكموا على أحاديث المبتدعة بهما
وقد أطبقت على تلك الشريطة كتب أصول الحديث وكتب أصول الفقه حتى إنه لم يستدل ابن الحاجب في مختصر المنتهى ولا من تابعه كمؤلف نهاية السؤل وشرحها على شرطية العدالة في الراوي وإنما اشتغلا بتفسيرها

كأن شرطيتها أمر قد علم من الدين ضرورة

أقسام الرواة إنما قسموا الرواة ثلاثة أقسام معروف العدالة ومعروف الفسق ومجهول الحال لا يعرف فسقه ولا عدالته واستدلوا على عدم قبول الآخرين وأشار ابن الحاجب إلى دليل قبول العدل بالإجماع ولكن قبوله على غير شرطيته إذ معناه العدل مقبول ومعناها لا يقبل إلا العدل
وكأنهم يقولون إذا تم الدليل على عدم قبول الآخرين علم أنه لا بد من شرطية العدالة إلا أن ما سمعته من أحوال رواة الصحيح والحسن يقلع هذا الاشتراط لهذه العدالة المعروفة عندهم كما عرفت بالكلية مع أنه إنما يلزم العلم بذلك لو كانت القسمة حاضرة وهي ليست كذلك لإمكان واقع وهو مفترق متغاير

الحسنة

الفرق بين الشهادة والرواية إن قلت لعلهم يقولون دليل شرطية عدالة الراوي القياس على عدالة الشهود الثابتة بالنص قلت اختلافهما في الشروط يمنع عن الإلحاق فإنه شرط في الشهادة العدد والذكورة وعدم القرابة للمشهود له وعدم العداوة للمشهود عليه ولم يشترط في الرواية ذلك فلا سبيل إلى الإلحاق

مع أنهم قد صرحوا أنه لا يلزم في الرواية ما يلزم في الشهادة لأن باب الشهادة أضيق ولإلحاق الأخف على الأغلظ
وبعد هذا يظهر لك أنه لا اعتماد إلا على ظن الصدق وكون الراوي مصونا عن الكذب كما عرفت من نصوص أئمة الحديث
نعم الإشكال عليهم في قبول رواية الرافضي الساب للصحابة والناصبي الساب لعلي رضي الله عنه مع عدهم السب للصحابة من الكبائر كما صرح به في جمع الجوامع وفي الفصول فإذا

قبلوا فاعل الكبيرة وليس إلا لظن صدقه مع أن مرتكب الكبيرة فاسق تصريح لا تأويل
وقد سبق في تفسير العدالة أنه لا بد من السلامة منه وقد نقل الإجماع على عدم قبول قول فاسق التصريح كما في الفصول وغيره واستدل له صاحب الفصول بقوله تعالى ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) الآية
وأصاب في الاستدلال بها على ذلك لأنها نزلت في الوليد ابن عقبة كما تطابق عليه أئمة التفسير وهو فاسق تصريح بشربه الخمر كما في صحيح مسلم وذكره بشرب الخمر ابن عبد البر والذهبي وإن كان نزول الآية لسبب قضيته مع بني المصطلق وكذبه عليهم كما هو معروف
ولم يصب ابن الحاجب وصاحب الغاية في الاستدلال

بها على رد فاسق التأويل لما سمعت من أنها نزلت في فاسق التصريح ولا يقال لا يقصر العام على سببه بناء على أن الفعل في سياق الشرط يفيد العموم كما ذكره شارح جمع الجوامع ونسبه إلى ابن الحاجب لأنه بعد تسليم ذلك

فسق التأويل ففسق التأويل اصطلاح عرفي ليس له في اللغة ذكر والآية لا تحمل على المعاني العرفية الحادثة والاصطلاح الجديد اتفاقا فعلى تسليم العموم شمل كل فاسق تصريح
على أن في الاستدلال بها على عدم قبول خبره أبحاث ذكرها في العواصم تشير إلى شيء من ذلك وهو أنه تعالى قال ( فتبينوا ) أي فتوثقوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة ولا يعتمد قول الفاسق لأن من لا يتحامى عن جنس

الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه
هذا كلامه ولا يخفى أنه قد مر غير مرة في هذه الرسالة التصريح بعدم لزوم الكذب للفسق بل للكفر وأنه تتنزه عنه الكفار فضلا عن الفساق وسيأتي تصريحه بتنزه الفساق عنه فيما سننقله من تنقيحه
وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه فتثبتوا والتثبت والتبين متقاربان وهما طلب الثبات والبيان والتعرف وفي تفسير البيان أوجب الله تعالى على المؤمنين التبين والتثبت عند إخبار الفاسق وشهادته
قلت فالآية أمرت بالتبين كما في قوله تعالى ( إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ) الآية وليس أمرا بالرد كما في قوله

تعالى عند الأمر بالقذف ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) وفي غيرهم ( لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ) وفي الآية الأخرى ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين )
فإن قلت الأمر بالتبين لخبره في معنى الأمر برده قلت لا بل رتب الله تعالى واجبا على خبره هو التبين فقد ثبت بخبره حكم بخلاف الرد فإنه لم يثبت بالمردود حكما أصلا إنما بقي شيئا معه على الأصل وهو براءة الذمة عدم الحكم بشيء فوجوده وعدمه سواء
وقد عد صاحب العواصم في الاستدلال على عدم دلالة الآية على رد خبر فاسق التأويل كما صنع ابن الحاجب وصاحب الغاية ما ينيف على خمسة

عشر إشكالا

وإذا تتبعت ما سلف علمت أن الآية دلت على أنه يتوقف في خبر الفاسق تصريحا لا يرد بل يقتضي البحث عما أخبر به لا رد خبره
فإن قلت قد وقع الإجماع على عدم قبول خبره ورده فيكف نافى الإجماع الآية قلت لا نسلم الإجماع كيف وهؤلاء أئمة الحديث رووا عن فساق التصريح الذين يسبون الشيخين ويسبون عليا وغيرهم وحينئذ فلا بد من تخصيص الكبائر في رسم العدالة بما عدا سب المسلم
ومن هنا تزداد بصيرة في أن رسم العدالة بذلك الرسم لا يتم في حق الرواة وأن المرجع ليس إلا في ظن الصدق
فإن قلت قد أبطل الله تعالى شهادة القاذف فقال ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) والقذف كبيرة فيلحق به سائر الكبائر في عدم القبول لأخبار مرتكبها

قلت أما أولا فإنه قياس فاسد الوضع لمصادمته آية التبين
وثانيا إنه لا قياس لكبيرة على كبيرة لعدم معرفة الوجه الجامع وإلا لزم إيجاب حد القذف في كل كبيرة بالقياس عليه
فالحق أن القذف لعظم حرمة المؤمنات وهتك حجاب عفتهن كانت عقوبة القاذف شديدة في الدنيا بأمرين جلده ثمانين جلدة ثم إسقاطه عن قبول الشهادة ولو في حبة خردل فلا يحلق به غيره
فإن قلت وكيف يعرف أن المخبر يفيد خبره الظن فإنه إنما يعرف ذلك من خالط المخبر قلت ما يعرف به عدالة المخبرين الذين لم يلقهم المخبر له يعرف صدق المخبرين فإن معرفة أحوال الرواة من تراجمهم يفيد ذلك
المبتدع الداعية إلى بدعت
تنبيه سبقت الإشارة إلى أنهم قد استثنوا من المبتدعة الداعية فقالوا ولا يقبل خبره قال في التنقيح فإن قلت ما الفرق بين الداعية وغيره عندهم قلت ما أعلم أنهم ذكروا فيه شيئا ولكن نظرت فلم أجد غير وجهين
أحدهما أن الداعية شديد الرغبة في استمالة قلوب الناس إلى ما يدعوهم إليه فربما حمله عظيم ذلك على تدليس أو تأويل
الوجه الثاني أن الرواية عن الداعية تشتمل على مفسدة وهي إظهار أهليته للرواية وأنه من أهل الصدق والأمانة وذلك تغرير لمخالطته وفي مخالطة من هو كذلك للعامة مفسدة كبيرة
قلت وهذا الوجه الآخر قد أشار إليه أبو الفتح القشيري نقله عنه الحافظ ابن حجر ثم قال في التنقيح والجواب عن الأول أنها تهمة ضعيفة لا تساوي الورع أي المانع الشرعي الذي يمنع ذلك المبتدع المتدين من الفسوق في الدين وارتكاب دناءة الكذب

الذي يتنزه عنه كثير من الفسقة المتمردين
كيف والكاذب لا يخفى تزويره وعما قليل ينكشف تدليسه وتغريره ويفهمه النقاد وتتناوله ألسنة أهل الأحقاد وأهل المناصب الرفيعة يأنفون من ذلك فكيف إذا كانوا من أهل الجمع بين الصيانة والديانة
وقد احتجوا بقتادة لما قويت عندهم عدالة أمانته وهو داعية على أصولهم إلى بدعة الاعتزال
قال الذهبي في التذكرة كان يرى القدر ولم يكن يقنع حتى كان يصيح به صياحا
ثم قال صاحب التنقيح والجواب عن الثاني أنا نقول إما أن يقوم الدليل الشرعي على قبولهم أو لا إن لم يدل على

وجوب قبولهم لم نقبلهم دعاة كانوا أو غير دعاة وإن دل على وجوب القبول لم يصلح ما أورده مانعا من امتثال الأمر ولا مسقطا انتهى
فعلمت من هذا كله قبول من لم يتهم بالكذب وعدم شرطية العدالة بالمعنى الذي أرادوه وهو أنه لا يرد من المبتدعة إلا من أجاز الكذب لنصرة مذهبه كالخطابية

جلالة الصحابة واعلم أنها سبقت إشارة إلى شأن الصحابة رضي الله عنهم عند ذكرنا أهل العصر النبوي فهو أعم من أصحابه وأما الصحابة رضي الله عنهم فلهم شأن جليل وشأو نبيل ومقام رفيع وحجاب منيع فارقوا في دين الله أهلهم وأوطانهم وعشائرهم وإخوانهم وأنصارهم وأعوانهم وهم الذين أثنى الله جل جلاله عليهم في كتابه وأودع ثناءهم شريف كلامه وخطابه

وفيهم الممادح النبوية والأخبار الرسولية بأنه لا يبلغ أحد مد أحدهم ولا نصيفه ولو أنفق مثل أحد ذهبا
إلا أن تفسير الصحابي بمن لقيه صلى الله عليه و سلم أبو بمن رآه وتنزيل تلك الممادح عليه فيه بعد يأباه الإنصاف ولا يقال لرعية الملك أصحاب الملك وإن رأوه ورآهم ولقوه ولقيهم بل أصحابه من لهم به اختصاص وهم طبقات في ذلك متفاوتة نعم هذا

اللفظ الذي هو لفظ الصاحب فيه توسع في اللغة كثير يطلق على من لابس أي شيء ولو من الجمادات ( يا صاحبي السجن ) ( أصحاب الجنة ) و ( أصحاب النار ) وعلى من ليس على ملة من أضيف إليه ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت ) وبالجملة فاللفظ متسع نطاق إطلاقه غير مقيد بشيء يخصه

إلا أن الفرد الكامل عند إطلاقه على الملازم لمن أضيف إليه وإن أطلق على من رآه أو لقيه فإنه أقل من الأول قطعا استعمالا وتبادرا حال الإطلاق وليس كل من رأى من أضيف إليه يصلح إطلاقه عليه فإن أهل الجنة يرون النار وأهلها ( وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار ) ( فرآه في سواء الجحيم ) ولا يقال لهم أصحاب النار
ولم يدر الإطلاق على الرؤية كما دار على الملازمة فإنه يطلق على من لم يره المصاحب ولا لاقاه كما يقال قتل من أصحاب الملك في المعركة الفلانية كذا ومن أصحاب عدوه كذا ولعل فيمن قتل من لم يلق الملك ولا رآه بل يقال لمن في مصر مثلا أصحاب السلطان وما رآهم ولا رأوه لما كانوا ينتسبون إليه في أي أمر
وإذا تقرر هذا فهو وإن صح الإطلاق على من لاقاه صلى الله عليه و سلم ولو لحظة من ليل أو نهار إلا أن الممادح القرآنية والأحاديث النبوية والصفات الشريفة العلية التي كانت هي الدليل على عدالتهم وعلو

منزلتهم ورفعة مكانهم تخص الذين صحبوه صحبة محققة ولازموه ملازمة ظاهرة الذين قال الله تعالى فيهم ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود )
فهذه الصفات إما كاشفة أو مقيدة وعلى كل تقدير فليس كل من رآه له هذه الصفات ضرورة وكذلك الصفات التي بعدها في قوله تعالى ( ومثلهم في الإنجيل )
نعم لمن رآه مؤمنا به ولاقاه واكتحل بأنوار محياه شرف لا يجهل وقد قال صلى الله عليه و سلم ( طوبى لمن رآني ولمن رأى من رآني طوبى لهم وحسن مآب ) أخرجه الطبراني وفيه بقية إلا أنه صرح

بالسماع فزال ما يخاف من تدليسه كما قاله الهيثمي
إلا أنه قال لا يبلغ إلى محل من لاقاه ولازمه في صباحه ومساه ولازمه في حله وأرحاله وتابعه في جميع أفعاله وأقواله واستمر على طريقته التي كان عليها بعد وفاته فهؤلاء هم أعيان الصحابة وهم أعني
هؤلاء أمم لا يحصون أهل بدر وأحد والحديبية وبيعة الرضوان

والمحدثون وإن أطلقوا أن كل الصحابة عدول فقد ذكروا قبائح لجماعة لهم رؤية تخرجهم عن عموم دعوى العدالة كما قال الحافظ الذهبي في النبلاء في مروان بن الحكم لعنه الله ما لفظه بعد سياق طرف من أحواله وحضر الوقعة يوم الجمل وقتل طلحة ونجا وليته ما نجا انتهى
وفي الميزان مروان بن الحكم له أعمال موبقة نسأل الله السلامة رمى طلحة بسهم وفعل وفعل
فهذا تصريح بفسقه وقال في ترجمة طلحة من النبلاء إن مروان بن الحكم قاتل طلحة ثم قال قاتل طلحة في الوزر كقاتل علي رضي الله عنه
وقال ابن حزم في أسماء الخلفاء والأئمة أن مروان

ابن الحكم أول من شق عصا المسلمين بلا شبهة ولا تأويل وذكر أنه قتل النعمان بن بشير أول مولود في الإسلام للأنصار صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر أنه خرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة
وقال ابن حبان في صحيحه عائذا بالله أن يحتج بمروان وذويه في شيء من كتبنا وكل من أئمة الحديث تكلم بما هو وقع منه
والعجب من الحافظ ابن حجر حيث قال مروان بن الحكم يقال له رؤية فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه ثم قال فأما قتل طلحة فكان فيه متأولا كما قرره الإسماعيلي وغيره
ثم قال إنما حمل عنه من روى عنه البخاري عن مروان أنه قبل خروجه على ابن الزبير ثم قال وقد اعتمد مالك على حديثه ورأيه والباقون سوى مسلم انتهى
فقوله إن ثبتت له رؤية فلا يعرج على من تكلم فيه
هو محل

التعجب كادت الرؤية تجاوز حد العصمة وأن لا يخرج من ثبتت له بقتل نفس معصومة ولا غيرها من الموبقات وكلام الذهبي فيه هو الإنصاف دون كلام الحافظ ولو اقتصر في العذر لرواية البخاري وغيره عنه بما نقله عن عروة بن الزبير أن مروان باغ كان لا يتهم في الحديث لكان أقرب وأن العمدة تحري الصدق
وأما اعتذاره بأنه قتل طلحة متأولا فعذر لا يبقى معه لعاص معصية بل يدعي له التأويل وهو كتأويل من تأول لمعاوية في فواقره أنه مجتهد أخطأ في اجتهاده مع أنه قد نقل العلامة العامري الإجماع على أنه باغ والباغي غير مجتهد في بغيه وإلا لما سمي باغيا
وفي العواصم وقد اعترف أهل الحديث بأجمعهم بأن المحاربين لعلي رضي الله عنه معاوية ومن تبعه بغاة عليه وأنه صاحب الحق انتهى
وأما قبول روايتهم عن البغاة فلما عرفت من الإجماع على

قبولهم وأنه ليس مدار الرواية إلا على ظن الصدق وأحسن من قال
( قالوا النواصب قد أخطأ معاوية ... في الاجتهاد وأخطأ فيه صاحبه )
( والعفو في ذاك مرجو لفاعله ... وفي أعالي جنات الخلد راكبه )
( قلنا كذبتم فلم قال النبي لنا ... في النار قاتل عمار وسالبه ) ثم قوله فلا يعرج على من تكلم فيه إن ثبتت له الرؤية مراده إلا إذا لم يثبت فيقبل فيه القدح وقد نقضه آخر لما قال إنما روى عنه من روى قبل خروجه على ابن الزبير انتهى
إلا أن يقال مراده أنه لم يصح ثبوتها له ولو سلمنا أنه سمع فيه القدح فيجاب عنه بأنه لا يضر ذلك في الرواية عنه قبل وقوع ما جرح به فلا يخدش ذاك في هذا وقد خالف المحدثون ابن

حجر فإنهم صرحوا بفسق من له رؤية كبسر بن أرطاة
قال الدارقطني كانت له صحبة ولم تكن له استقامة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال ابن عبد البر كان ابن معين يقول إنه رجل سوء قال ابن عبد البر وذلك لعظائم ارتكبها في الإسلام
وكذلك الوليد بن عقبة قال الذهبي في النبلاء في ترجمته كان يشرب الخمر وحد على شربها وروي شعره في شربها قال وهو الذي صلى بأصحابه الفجر أربعا وهو سكران ثم التفت إليهم وقال أزيدكم وقد ذكر المحدثون في كتب معرفة الصحابة من ارتد وكفر من الصحابة بعد إسلامه والكفر أعظم الكبائر

والقصد من هذا بيان أن أقوال الحافظ إن ثبتت رؤية لمروان فلا يعرج على من تكلم فيه في أنه جعل الرؤية كالعصمة وكلامه خلاف ما عليه أئمة الحديث
ولا يقال من ارتد فقد استثنوه من اسم الصحبة لأنا نقول ليس مرادنا إلا أن الرؤية ليست بمانعة من ارتكاب المعاصي ولا يقال فيها إن ثبتت فلا يعرج على كلام من تكلم في صاحبها فإن هذا أصل لم يوافق قائله عليه ولا يطابق ما عرف من كلام أئمة الحديث

نتائج البحث وإذا أحطت علما بما أسلفناه فها هنا فوائد هي كالنتائج والفروع لما قدمناه
الأولى أن التوثيق ليس عبارة عن التعديل في اصطلاحهم بل عن أن الموثق اسم مفعول صادق لا يكذب مقبول الرواية كما سمعته من توثيقهم من ليس بعدل
فالعدالة في اصطلاحهم أخص من التوثيق ووجود الأعم

لا يستلزم وجود الأخص
الثانية التعديل بأنه أخرجه له الشيخان كما يقولونه كثيرا أو أحدهما أو احتجا به أو أحدهما ليس تعديلا بل هو توثيق أيضا
فقول الشيخ أبي الحسن المقدسي في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح هذا جاز القنطرة حتى لا يلتفت إلى ما قيل فيه كأنه يريد كثير منهم جازها وإلا فكيف يجوزها النواصب وغلاة الشيعة وأهل الإرجاء والمبتدعة ممن هم في الصحيح
الثالثة قدح المبتدع في المبتدع لا يقبل على أصلهم كما قال الحافظ في الرد على الجوزجاني في قدحه على إسماعيل بن أبان بالتشيع وهذه فائدة جليلة تؤخذ من غضون الأبحاث وقد صرح بها الأصوليون حيث قالوا لا يقبلان أي الجرح والتعديل إلا من عدل

ولكنه لا يتم إلا لمن عد ترك البدعة من ماهية العدالة كما فعله الحافظ وابن الحاجب لا كما نقله صاحب غاية السؤل فإنه حذف قيد الابتداع ولم يبين في شرحه وجه حذفه كأنه لما قاله السعد في شرح الشرح إن في كون البدعة مخلة بالعدالة نظر انتهى ولم يبين وجه النظر إلا يكون أن الغزالي لم يذكرها في رسم العدالة ولم يتكلم صاحب جواهر التحقيق على هذا
وقد عرفت مما أسلفناه أن الأولى ترك قيد الابتداع إلا أن يدرج في الكبائر لما عرفت من نهوض الأدلة على أنها منها وقد عده صاحب الزواجر منها وهو صادق عليه حدها بأنها ما توعد عليه بعينه كما في الفصول وجمع الجوامع فما نظره السعد غير صحيح إلا أن يريد أنها قد دخلت في قيد من قيود حد العدالة وإلا صح أن هذا مراده فإنه جعل محل النظر إخلالها بالعدالة
وإذا عرفت أنه لا يقبل مبتدع في مبتدع فقد قل من خلا عن الابتداع من الجارحين لغيرهم فلا ينبغي على ما قالوا إنه يقبل قول

جارح حتى يعلم خلوه من البدعة بجميع أنواعها لإطلاقهم إياها في الرسم
الرابعة من يقبل فساق التأويل وينقل الإجماع على قبولهم كالأمير الحسين صاحب الشفاء فإنه قال في كتابه شفاء الأورام في كتاب الوصايا وأما الفاسق التأويل فإنا لا نبطل كفاءته في النكاح كما تقدم ونقبل خبره الذي نجعله أصلا للأحكام الشرعية لإجماع الصحابة على قبول أخبار البغاة على أمير المؤمنين عليه السلام وإجماعهم حجة انتهى
فلا يعاب عليه روايته عن المغيرة بن شعبة أول حديث في كتابه وغيره يعاب عليه قدحه في جرير بن عبد الله ورده لخبره بعد ما جعل غيره مقبولا معه وهو البغي
الخامسة قول الأصوليين من طرق التعديل رواية من لا يروي إلا عن عدل طريقة عزيزة الوجود بل عديمة فإن هذين

الشيخين صاحبي الصحيح هما أحسن الناس رجالا وكذلك النسائي قال الذهبي وابن حجر يتعنت في الرجال وقد سمعت ما في كتبهم ممن ليس بعدل أو غيرهم أبعد وأبعد عن ذلك الالتزام
وبه يعلم أن قول الحافظ ابن حجر إن شرط الصحيح أن يكون رواية معروفا بالعدالة فمن زعم أن أحدا منهم أي ممن في الصحيحين مجهول العدالة فكأنه نازع المصنف أيضا في دعواه أنه معروف ولا شك أن المدعي لمعرفته مقدم على من يدعي عدم معرفته لما مع المثبت من زيادة العلم انتهى
هذا مسلم في هذا النوع لكن كيف يتم فيمن عرف بعدم العدالة كعمران بن حطان من رجال البخاري ومروان من رجالهما لما عرفت من اعتماد مالك على مروان واعتماد الشيخين على مالك وقولهم ليس لمروان في مسلم سلم لكن مالك من

رجال مسلم وربما كان فيه من حديث مروان من طريقه وقد تقرر أن الجارح أولى من المعدل لأن عنده زيادة علم ولأن قبوله عمل بالجارح والمعدل والإعمال أولى من الإهمال
إن قلت ما روى ملتزم الرواية عن العدول إلا عن عدل في ظنه ولعله لم يطلع على ما فيه من قدح أو كان يرى إنما قدح به ليس بجارح عنده لاختلاف أنظار النظار إلى ذلك
قلت معلوم أن هذا مراد الملتزم وعذره إلا أنا نقول بعد تتبع النقاد لرواية ذلك الملتزم ووجودهم في رواية المجروحين وغير العدول شكك ذلك على الناظر في عدالة من روى عنه هؤلاء الملتزمون لعدالة الرواة لتجويز أنه ليس بعدل ودليل التجويز ظهور غير العدل في روايتهم وحينئذ فلا يبقى مجرد روايات من لا يروي إلا عن عدل تعديلا وهذا أوضح ويأتي هذا في الفائدة العاشرة

السادسة من البعد عن الإنصاف قول ابن القطان إن في رجال الصحيحين من لا يعلم إسلامه فضلا عن عدالته وكم بين هذا وبين قول الحافظ السابق آنفا وكلام ابن القطان وإن تلقاه بعض محققي المتأخرين بالقبول فليس بمقبول إذ من المعلوم أنه لا يروي أحد من أهل العلم كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم عن غير مسلم فلا بالإفراط ولا بالتفريط وكلا طرفي قسط الأمور ذميم
السابعة قول الذهبي إن أهل البدعة الكبرى الحاطين على الشيخين الدعاة إلى ذلك لا يقبلون ولا كرامة غير صحيح فقد

خرجوا الجماعة من أهل هذا القبيل كعدي بن ثابت وتقدم لك أنه قال الدارقطني رافضي غال
وأخرج الستة لأبي معاوية الضرير قال الذهبي إنه غال في التشيع ووثقه العجلي ولا يخفى من وثقوه من أهل هذه الصفة
ولا تراهم يعولون إلا على الصدق كما قال البخاري في أيوب ابن عائذ بن مدلج كان يرى الإرجاء إلا أنه صدوق وقد وثقه من سلف
والعجب من قول غلاة الشيعة ورد مثل الحارث الأعور والقدح فيه بالتشيع حتى تكلف مسلم في مقدمة صحيحه بذكر أشياء عن الحارث لا تعد قدحا ولا جرحا كقوله إنه قال تعلمت الوحي في سنتين أو في ثلاث سنين وفي الرواية الأخرى القرآن هين الوحي شديد

قال في شرح مسلم للنووي ذكر مسلم هذا في جملة ما أنكر على الحارث الأعور وجرح به وأخذ عليه من قبيح مذهبه وغلوه في التشيع وكذبه انتهى
قلت العجب من القدح بهذه العبارات التي ما يكاد يتبين المراد بها مع صحة حملها على ما لا ضير فيه كما تسمعه عن الخطابي وأعجب من ذلك قول شارح مسلم إنها من قبيح مذهبه وغلوه في التشيع وأي مآس لهذه الألفاظ بالتشيع ما هذا بإنصاف
ولقد أحسن القاضي عياض حيث قال أرجو أن هذا يعني الكلام الذي نقله مسلم عن الحارث من أخف أحواله لاحتماله الصواب فقد فسره بعضهم بأن الوحي هنا الكتابة ومعرفة الخط قال الخطابي يقال أوحى ووحي إذا كتب
وعلى هذا ليس على الحارث في هذا درك انتهى
إن قلت قد قدحوا فيه بالكذب قلت تعجبنا من

قدحهم فيه بالتشيع ومن إثباتهم كلاما ليس فيه شيء من قدح ولا تشيع
الثامنة أهل الحديث اتفق لهم في مخالفة فروعهم لأصولهم مثلما اتفق لأهل سائر الفنون أصلوا أنه لا يقبل الداعية وسمعت قبولهم له وأصلوا أنه لا يقبل غلاة الروافض وسمعت قبولهم لهم وأصلوا أنه لا يقبل غلاة أهل الإرجاء ونراهم يقبلونهم وأصلوا أنه لا يقبل أهل القدر ونراهم يقبلون من اتصف به وهذا كله يرشدك إلى صحة ما قررناه من أنه لا يلاحظ إلا ظن الصدق وأنه مدار الرواية
ولقد كرر في العواصم أن المعتبر في الراوي ظن الصدق
التاسعة كلام الأقران والمتضادين في المذاهب والعقائد لا ينبغي قبوله فقد فتح باب التمذهب عداوات وتعصبات قل من سلم منها إلا من عصمة الله قال الحافظ الذهبي في ترجمة أحمد

ابن عبد الله بن أبي نعيم ما لفظه كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد لا ينجو منه إلا من عصمه الله وما علمت أن عصرا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى النبيين والصديقين فلو شئت لسردت لك من ذلك كراريس انتهى

وهذا كلام الذهبي ونصه وقد عيب عليه ما عابه عليه غيره قال ابن السبكي في الطبقات نقلا عن الحافظ صلاح الدين العلائي ما لفظه الشيخ شمس الدين الذهبي لا شك في دينه وورعه وتحريه فيما يقول ولكنه غلب عليه منافرة التأويل والغفلة عن التنزيه حتى أثر ذلك في طبعه انحرافا شديدا عن أهل التنزيه وميلا قويا إلى أهل الإثبات فإذا ترجم لأحد منهم أطنب في محاسنه وتغافل عن غلطاته وإذا ذكر أحدا من أهل الطرف الآخر كالغزالي وإمامه الجويني لا يبالغ في وصفه ويكثر من أقوال من طعن فيه وإذا ظفر لأحدهم بغلطة ذكرها
وكذا في أهل عصرنا إذا لم يقدر على التصريح يقول في ترجمته والله يصلحه ونحو ذلك
وسببه المخالفة في العقيدة
انتهى

قال ابن السبكي وقد وصل يريد الذهبي من التعصب وهو شيخنا إلى حد يسخر منه وأنا أخشى عليه يوم القيامة من غالب علماء المسلمين والذي أفتي به أنه لا يجوز الاعتماد على شيخنا الذهبي في ذم أشعري ولا مدح حنبلي
وأقول الصلاح العلائي وابن السبكي شافعيان إمامان كبيران والذهبي إمام كبير الشأن حنبلي المذهب وبين هاتين الطائفتين في العقائد وفي الصفات وغيرها تنافر كلي فلا يقبلان عليه تعين ما قالاه
وقال ابن السبكي قد عقد ابن عبد البر بابا في حكم قول العلماء بعضهم في بعض بدأ فيه بحديث الزبير دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء
قال ابن السبكي وقد

عيب على ابن معين كلامه في الشافعي وتكلمه في مالك بن أبي ذئب وغيره
قلت إذا كان الأمر كما سمعت فكيف حال الناظر في كتب الجرح والتعديل وقد غلب التمذهب والمخالفة في العقائد حتى إنه يوصف الرجل بأنه حجة أو يوصف بأنه دجال باعتبار اختلاف حال الاعتقادات والأهواء
فمن هنا كان أصعب شيء في علوم الحديث الجرح والتعديل فلم يبق للباحث طمأنينة إلى قول أحد ثم ما بعد قول ابن السبكي إنه لا يقبل قول الذهبي في مدح حنبلي ولا ذم أشعري

وقد صار الناس عالة على الذهبي وكتبه ولكن الحق أنه لا يقبل على الذهبي بما ذكره هو وبما ذكره الذهبي أنهم لا يقبلون الأقران بعضهم على بعض
ثم إن كان مرادهم بالأقران المتعاصرون في قرن واحد والمتساوون في العلوم فهو مشكل لأنه لا يعرف حال الرجل إلا من عاصره ولا يعرف حاله من بعده إلا بأخبار من قارنه
إن أريد الأول وإن أريد الثاني فأهل العلم هم الذين يعرفون أمثالهم ولا يعرف أولي الفضل إلا ذوو الفضل فالأولى إناطة ذلك لمن يعلم أن بينهما تنافسا أو تحاسدا أو شيئا يكون سببا لعدم الثقة لقبول بعضهم في بعض لا لكونه من الأقران فإنه لا يعرف عدالته ولا جرحه إلا من أقرانه وأعظم ما فرق بين الناس هذه العقائد والاختلاف فيها فليحذر عن قبول المختلفين فيها بعضهم في بعض قبل البحث عن سبب القدح والتثبت في صحة نسبته إليه وأعون شيء على معرفة ذلك في هذه الأعصار البحث في كتب الرجال المتعددة المختلف مؤلفوها وسنقرر آخرا ما يكشف هذه الغمة
العاشرة وجود الحديث في الصحيحين أو أحدهما لا

يقضي بصحته بالمعنى الذي سبق لوجود الرواية فيهما عمن عرفت أنه غير عدل فقول الحافظ ابن حجر أن رواتهما قد حصل الاتفاق على تعديلهم بطرق اللزوم محل نظر لقوله إن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول هو قول سبقه إليه ابن الصلاح وأبو طاهر المقدسي وأبو عبد الرحيم عبد الخالق وإن اختلف هؤلاء في إفادة هذا التلقي العلم أو الظن
وبسط السيد محمد بن إبراهيم الأمير رحمه الله سبب الخلاف في كتبه وأنه جواز الخطأ على المعصوم في ظنه أو عدمه وطول الكلام في ذلك أيضا
ولنا عليه أنظار وأودعناها رسالتنا المسماة حل العقال وصحته في حيز المنع
بيان ذلك أنا نورد عليه سؤال الاستفسار عن طرفي هذه

الدعوى فنقول في الأول هل المراد أن كل الأمة من خاصة وعامة تلقتها بالقبول أو المراد علماء الأمة المجتهدون ومن البين أن الأول غير مراد وأن الثاني دعوى على كل فرد من أفراد الأمة المجتهدين أنه تلقى الكتابين بالقبول فلا بد من البرهان عليها وإقامته على هذه الدعوى من المتعذرات عادة كإقامة البينة على دعوى الإجماع الذي جزم به أحمد بن حنبل وغيره أن من ادعاه فهو كاذب
وإن كان هذا في عصره قبل عصر تأليف الصحيحين فكيف من بعده والإسلام لا يزال منتشرا وتباعد أطراف أقطاره والذي يغلب به الظن أن من العلماء المجتهدين من لا يعرف الصحيحين إذ معرفتهما بخصوصهما ليست شرطا في الاجتهاد وبالجملة فنحن نمنع هذه الدعوى ونطالب بدليلها

السؤال الثاني على تقدير تسليم الدعوى الأولى فهل المراد بالتلقي بالقبول تلقي أصل الكتابين وجملتهما وأنهما لهذين الإمامين الجليلين الحافظين فهذا لا يفيد إلا الحكم بصحة نسبتهما إلى مؤلفيهما
ولا يفيد المطلوب أو المراد بالتلقي بالقبول لكل فرد من أفراد أحاديثهما وهذا هو المفيد المطلوب إذ هو الذي رتب عليه الاتفاق على تعديل رواتهما فإن المتلقي بالقبول هو ما حكم المعصوم بصحته ظنا كما رسمه بذلك السيد محمد بن إبراهيم رحمه الله وهو يلاقي قول الأصوليين إنه الذي يكون الأمة بين عامل به ومتأول له إذ لا يكون ذلك إلا فيما صح لهم
ويحتمل أنه يدخل في الحسن فلا يلاقي رسمه رسمهم إلا أنه لا يخفى عدم صحة هذه الدعوى وبرهان ذلك ما سمعته مما نقلناه من كلام العلماء من عدم عدالة كل من فيهما بل بالغ ابن

القطان فقال فيهما من لا يعلم إسلامه وهذا تفريط وقد تلقاه بعض محققي المتأخرين كما أسلفناه
وإنما قلنا إنه تفريط لما علم من أنه لا يروي أحد من أئمة المسلمين عن غير مسلم أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم كما أن دعوى عدالة كل من فيهما إفراط وإذا كان كذلك فمن أين يتلقى بالقبول إلا أنه قد استثنى ابن الصلاح من التلقي بالقبول لأحاديثهما ما انتقاه الحفاظ كالدارقطني وابن مسعود الدمشقي وأبي علي الغساني قال الحافظ ابن حجر وهو احتراز حسن

وقال وعده ما اجتمع لنا من ذلك مما في كتاب البخاري وشاركه مسلم في بعضها مئة وعشرة أحاديث وتتبعها الحافظ في مقدمة الفتح وأجاب عن العلل التي قدح بها وبسط الأجوبة
وقال آخر ليست كلها واضحة بل أكثرها الجواب عنه ظاهر والقدح فيه مندفع وبعضها الجواب عنه محتمل واليسير منه في الجواب عنها تعسف انتهى معنى كلامه
وأقول فيه أن المدعي تلقي الأمة بالقبول وهو أخص من الصحة وقد ذهب الأكثر ومنهم ابن حجر إلى إفادته العلم بخلاف ما حكم له لمجرد الصحة فغاية ما يفيد الظن ما لم ينضم إليه غير ذلك فيفيده وهذه الأحاديث مخرجة عن الصحيحين لا عن التلقي بالقبول فإن كان ما لم يصح غير متلقي فالصواب في العبارة أن يقال غير صحيحة لا غير متلقاه بالقبول لإيهامه أنها صحيحة إذ ليس عنها إلا التلقي بالقبول وهو أخص من الصحة ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم والحال أنها ليست

بصحيحة
وأما قول السيد محمد بن إبراهيم الأمير رحمه الله إن الأمة تلقتها بالقبول وإن صاحب الكشاف والأمير الحسين ذكرا الصحيحين بلفظ الصحيح ونقل منهما ذلك
ففي الاستدلال بهذا الإطلاق توقف عندي لأن لفظ صحيح البخاري وصحيح مسلم صارا لقبين للكتابين فإطلاق ذلك عليهما من إطلاق الألقاب على مسمياتها ولا يلزم منه الإقرار بالمعنى الأصلي الإضافي
نعم لا شك أن الصحيحين أشرف كتب الحديث قدرا وأعظمها ذكرا وأن أحاديثهما أرفع الأحاديث درجة في القبول من غيرها لخصائص اختصا بها منها جلالة مؤلفيها وإمامتهما في هذا الشأن وبلوغهما غاية في الديانة والإتقان
ثم ما رزق هذان الكتابان من الحظ والقبول عند أئمة هذا الشأن

وفرسان ذلك الميدان فبحثوا عن رجالهما وتكلموا على كل ذرة فيهما مما لهما وعليهما فغالب أئمة الإسلام وأعلام الأعلام ما بين خادم لهما بالكلام عليهما على رجالهما أو معانيهما أو على لغتهما أو على إعرابهما أو مختصر فيهما أو مخرج عليهما
فهما أجل كتب الحديث وأحاديثهما السالمة عن التكلم فيهما أقرب الأحاديث تحصيلا للظن المطلوب ونفس العالم أسكن إلى ما فيهما منها إلى ما في غيرهما هذا شيء يجده الناظر من نفسه إن أنصف وكان من أهل العلم إنما لا ندعي لهما زيادة على ما يستحقانه ولا يهضم منهما ما هو أهل له
وأما قول البخاري لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا وما تركت من الصحيح أكثر
وقوله ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح فهو كلام صحيح إخبار عن نفسه أنه تحري الصحيح في نظره
وقد قال زين الدين إن قول المحدثين هذا حديث صحيح

مرادهم فيما ظهر لنا عملا بظاهر الإسناد لأنه مقطوع بصحته في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان على الثقة انتهى
قلت فيجوز الخطأ والنسيان على البخاري نفسه فيما حكم بصحته وإن كان تجويزا مرجوحا لأنه بعد تتبع الحفاظ لما في كتابه فإظهار ما خالف هذا القول المنقول عنه فيه من الشرطية ما ينهض التجويز ويقود العالم الفطن النظار إلى زيادة الاختبار وهذا ما وعدنا به في آخر الفائدة الخامسة
على أن البخاري ومسلما لم يذكرا شرطا للصحيح وإنما استخرج الأئمة لهما شروطا بالتتبع لطرق رواتهما ولم يتفق المتتبعون على شرط معروف بل اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا
يعرف ذلك من مارس كتب أصول الحديث
والأقرب أنهما لا يعتمدان إلا على الصدق والضبط كما اخترناه
وقد صرح به الحافظ ابن حجر فيما أسلفناه عنه أنه لا أثر للتضعيف مع الصدق والضبط وأنهما لا يريدان العدل إلا ذلك إن ثبت عنهما أنهما شرطا أن لا تكون الرواية إلا عن عدل وسلمنا ثبوت اشتراطهما العدالة في الراوي فمن أين علم أن معناها

عندهما ما فسرتموها به مما أسلفناه في رسمهما
قال ابن طاهر شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المجمع عليه ثقة نقله إلى الصحابي المشهور قال زين الدين ليس ما قاله بجيد لأن النسائي ضعف جماعة أخرج لهما الشيخان أو أحدهما
قال السيد محمد بن إبراهيم رحمه الله ليس هذا مما اختص به النسائي بل قد شاركه غير واحد في ذلك من أئمة الجرح والتعديل كما هو معروف في كتب هذا الشأن ولكنه تضعيف مطلق غير مبين السبب وهو غير مقبول على الصحيح انتهى
قلت ليس ما أطلقه السيد محمد رحمه الله بصحيح فكم من جرح في رجالهما مبين السبب كما سمعته فيما سلف ولئن سلم فأقل أحوال الجرح المطلق أن يوجب توقفا في الراوي وحثا على البحث عن تفصيل أحواله وما قيل فيه
ولا شك أن هذا يفت في عضد القطع بالصحة
وهذه فائدة مستقلة أعني تأثير القدح المطلق توقفا في المجروح يوجب عدم العمل بروايته حتى يفتش عما قيل وإلا لزم العمل والقطع بالحكم مع الشك والاحتمال وذلك ينافي القطع قطعا

ولا نغتر بقولهم الجرح المطلق لا يعتبر به ففيه ما سمعت
فإن قلت إذا كان الحال ما ذكرت من أنه لا يقبل الأقران بعضهم في بعض ولا التمذهب في غير أهل مذهبهم فقد ضاق نطاق معرفة الجرح والتعديل ولا بد منهما للناظر لنفسه وأهل المذاهب في هذه الأزمة كل حزب بما لديهم فرحون وكل فريق في غيرهم يقدحون
قلت إن شددت يديك على ما أسلفناه لك من الأدلة أنه ليس الشرط في قبول الرواية إلا صدق الراوي وضبطه هان عليك هذا الخطب الجليل وحصل لك في أصل الرواية أصل أصيل وذلك أن غالب الجرح والتضعيف بمثل القول بالقدر والرؤية وبالإرجاء وبغلو التشيع وغيرها مما يعود إلى العقائد والمذاهب كخلق القرآن ومسألة الأفعال
وليست عندنا هذه قوادح في الراوي من حيث الرواية وإن كان

بعضها قادحا من حيث الديانة فباب الرواية غير باب الديانة وإذا كان قد تحقق الإجماع عل قبول رواية من سفك دم أهل الإسلام كسفك دماء عبدة الأوثان وأقدم عليهم بالسيف والسنان وأخاف إخوانه من أعيان أهل الإيمان لظن صدقه في الرواية وتأويله في الجنان وإن كان تأويله ترده العقول ولا تقبله الفحول كتأويل معاوية أن قاتل عمار رضي الله عنه هو علي عليه السلام لأنه الذي جاء به إلى رماحهم وألقاه بين سيوفهم وكفاحهم وقد ألزمه عبد الله بن عمر بأن قال حمزة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأفحمه

فالأولى قبول من يرى الإرجاء والقدر ونحوهما فإنه لم يعتقد ذلك ويدعو إليه إلا لاعتقاده أنه دين الله تعالى الذي قامت عليه الأدلة فلم يبق القدح عندنا إلا بالكذب أو سوء الحفظ أو الوضع وما لاقاه في معناه مع أن الكذب عنه رادع طبيعي في الجبلة ولذا قيل يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب وليس بحديث كما قد توهم
وقد كان يتنزه عنه أشر خلق الله كالتسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فإنهم قالوا ( لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ) فإنه كما قال جار الله رحمه الله وفي هذا دليل قاطع على أن الكذب قبيح عند الكفرة الذين لا يعرفون الشرع ونواهيه ولا يخطر ببالهم
ألا ترى أنهم قصدوا قتل نبي الله ولم يرضوا لأنفسهم أن يكونوا كاذبين حتى سووا للصدق في خبرهم حيلة يتصونون بها عن الكذب انتهى
وفي خبر أبي سفيان مع هرقل الذي ساقه البخاري أوائل

صحيحه أنه ترك الكذب لئلا يؤثر عنه هذا فكيف لا يتنزه عنه المسلمون بل أعيانهم وهم رواة كلامه صلى الله عليه و سلم فإن الراوي قد يلابس بعض ما ينكر عليه ولا يصدر عنه الكذب في روايته
وهذا الزهري كان يخالط خلفاء الأموية ويلبس زي الأجناد ويفعل ما عابه عليه نظراؤه من أهل العلم في عصره وعدوه قبيحا عليه ولما ذكر له بعض خلفائهم كلاما في قوله تعالى ( والذي تولى كبره منهم ) الآية وكذب الزهري لما ذكر له الحق قال ما معناه والله لو كان إباحة الكذب بين دفتي المصحف أو نادى مناد من السماء بإباحته لما فعلته انتهى
فتحرز عن الكذب وبالغ في التنزه عنه مع غشيانه لما عيب عليه
وأما حديث ثم يفشو الكذب فلا ينافي أن تكون طائفة من الأمة متحرزة عنه فقد ثبت أنها لا تزال طائفة من الأمة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم وأي طائفة أعظم من

رواة حديثه صلى الله عليه و سلم ويؤيد ذلك حديث ( إنه يحمل هذا العلم عن كل خلف عدوله ) صححه ابن عبد البر وروي عن أحمد بن حنبل أنه

@ 145 @

حديث صحيح
واعلم أنه ليس مرادنا من هذا نفي وقوع الكذب من الرواة بل قد تحقق وقوعه بلا ريب بل مرادنا أنه لا يقبل القدح بالكذب والوضع إلا فيمن علم خلاعته وتساهله في الدين وارتكابه للعظائم فإنه لا يقدم على الكذب عليه صلى الله عليه و سلم إلا من كان لا ديانة له محققة

فلا يقال يعارض ما ذكرت من الورع عنه الداعي إليه وهو ما في النفوس من محبة الرئاسة بالتسمي بالمحدث والترفع والدعوى الباطلة بأنه حافظ للأحاديث راولها صاحب الروايات حافظ العصر ونحو ذلك من الألقاب القاطعة للأعناق الحاملة على تحلي الإنسان بغير ما هو أهله
لأنا نقول هذا لا يكون إلا لمن له إلمام بمخافة الله وتقواه السامع للوعيد فيمن تقول عليه صلى الله عليه و سلم ما لم يقله ولا يصدر هذا إلا عن خليع تفضحه خلاعته وتنفر عنه وعن الرواية عنه وعن قبوله
ولا يخفى على ناقد حقيقة حاله ومثل هذا لا يكون بحمد الله مقبولا عن أحد من طوائف الرواة ولا يقبل ترويجه بل هو أقرب شيء إلى الافتضاح فهو مأمون دخوله في الرواة الذين قبلهم أساطين الحفاظ المفتشين عن كل ذرة والمتتبعين كل لفظة
ولا يكون الكذب إلا لخليع لا يبالي بالهتك كما قال بعض الخلفاء وقد عوتب على الكذب لو غرغرت به لهواتك ما فارقته

كما قيل لكذاب هل صدقت قط فقال لولا أني صادق في قول لا لقلتها
وأمثال هؤلاء قد صان الله أحاديث رسول صلى الله عليه و سلم أن يكونوا من رواتها وقد جعل الله لكلامه صلى الله عليه و سلم رونقا وطلاوة وحلاوة يكاد يعرف الممارسين لأحاديثه كلامه صلى الله عليه و سلم من كلام غيره فإنه قد أوتي صلى الله عليه و سلم جوامع الكلم وأتاه الله من البلاغة ما لم يؤت أحدا من العالمين ولمعاني كلامه ومقاصده ما يعرف به كلامه من كلام غيره في الأغلب
وقد أخرج أحمد وأبو يعلى عن أبي أسيد وأبي حميد مرفوعا إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه بعيد عنكم فأنا أبعدكم منه وإن كان قد

ضعف فمعناه حسن فإن قلت إذا كانت أئمة الجرح والتعديل قد قيل فيهم ما قيل فكيف يأمن الناظر لديه أن يقولوا فيمن خالف مذهبهم كاذب أو وضاع وليس كذلك فكيف الثقة بهم قلت قد عرفنا من تتبع أحوالهم الإنصاف فيما يقولونه ألا تراهم يقولون ثقة إلا أنه كان يتشيع كان حجة إلا أنه كان يرى القدر كان ثقة إلا أنه كان مرجئا كان مائلا عن الحق ولم يكذب في الحديث كان يرى القدر وهو مستقيم الحديث فهذا دليل أن القوم كانوا يذكرون في الشخص ما هو عليه

واتصف به من خير وشر ولا يتقولون عليه إذ لو كانوا يتقولون لرموا من خالفهم في المذاهب بالكذب ولما وثقوا شيعيا ولا قدريا ولا مرجئا
وهب أنهم يتفق لهم شيء من ذلك فلا تأخذ بأول قول يطرق سمعك من إمام جرح وتعديل بل تتبع ما قاله فيه غيره واستقراء القرائن فلا بد وأن يحصل لك ظن تعمل به أو تقف على العمل به
وصدق من درج من قبلنا وحسن حاله أو قبحه لا يعرف إلا بقرائن تؤخذ مما يسرده عنه الرواة والمؤرخون وأهل المعرفة بأحوال الناس وأيامهم وهذه قرائن دلت على إنصاف أئمة هذا الشأن وإن كانت لهم هفوات فإنه لم يثبت إلا عصمة الأنبياء من نوع الإنسان
فإن قلت ما أردت من جمع هذه الكلمات قلت فوائد جمة وأمور مهمة يعرف قدرها من هو في هذا الشأن من الأئمة فقد اشتملت على نفائس الأنظار وعلى عيون مسائل يظمأ إلى معينها حملة الآثار وبيت قصيدها وعمدة مقصودها بيان أنه لا يشترط في قبول الرواة إلا ظن صدق الراوي وضبطه ولا يرد إلا بكذبه وسوء

حفظه ونحوهما وأن هذا شرط متفق عليه بين كل طائفة
والخلاف في القدح وما عداه قد أقمنا الأدلة على أنه لا قدح به في الرواية والله سبحانه ولي كل توفيق وهداية
نسأله أن يرزقنا معرفة الحق واتباعه ويجعلنا أهله وأتباعه وصلى الله على من نرجو بجاهه الشفاعة في يوم الحشر والنشر وقيام الساعة وعلى آله وأزواجه أصحاب المؤمنين والحمد لله رب العالمين انتهى بحمد الله

====

كتاب : الرحلة في طلب الحديث أحمد بن علي بن ثابت البغدادي أبو بكر

كتاب : الرحلة في طلب الحديث أحمد بن علي بن ثابت البغدادي أبو بكر 

 

ذكر الرحلة في طلب الحديث والأمر بها والحث عليها وبيان فضلها بسم الله الرحمن الرحيم
أخبر الشيخ الأجل الثقة أبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف أنبا الشيخ أبو محمد سعد الله بن علي بن الحسين بن أيوب في ربيع  الآخر سنة ست وخمسمائة أنبأ الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي قال 
 
1 - أنبا أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان الطرازي بنيسابور ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ثنا الحسن بن عطية ثم أبو عاتكة
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
اطلبوا العلم ولو بالصين فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم ضعيف

@ 73 @

@ 74 @

2 - أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل المتوثي ثنا أبو سهل أحمد بن محمد عبد الله بن زياد القطان ثنا محمد بن غالب التمتام وأنبا أبو الحسن العباس بن عمر بن العباس الكلوذاني أنبا عثمان بن أحمد الدقاق ثنا جعفر ابن هاشم ومحمد بن غالب بن حرب قالا ثنا الحسن بن عطية زاد ابن الفضل البزاز ثنا أبو عاتكة زاد ابن الفضل طريف بن سلمان ثم أتفقا على أنس قال العباس ابن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال اطلبوا العلم ولو بالصين فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم 
 

3 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحي بن عبد الجبار السكري أنبا يحيى بن وصيف الخواص ثنا عبد الله بن الحسن الحراني أنبا أبو بكر الأعين وأخبرنيه أبو الحسن علي بن حمزة بن أحمد المؤذن بالبصرة ثنا أبو بكر أحمد بن عبيد الله النهر ديري ثنا محمد بن يزيد الراسبي ثنا العباس بن أبي طالب ببغداد قالا ثنا الحسن بن عطية عن أبي عاتكة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اطلبوا العلم ولو بالصين زاد العباس فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم

4 - أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الحرشي بنيسابور ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثم إبراهيم بن مرزوق البصري بمصر وأنبأ أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز أنبا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد ثنا محمد بن يونس وأنبا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ بأصبهان ثنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد ثنا محمد بن يونس بن موسى قالا   ثنا عبد الله بن داود الخريبي عن عاصم وفي حديث محمد بن يونس قال ثم عاصم بن رجاء بن حيوة وأنبا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقري أنبأ محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدد ثنا ابن داود قال سمعت عاصم ابن رجاء بن حيوة يحدث عن داود بن جميل عن كثير بن قيس قال كنت جالسا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فأتاه رجل فقال يا أبا الدرداء جئتك من المدينة مدينة الرسول لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ولا جئت لحاجة قال لا
قال ولا لتجارة قال لا
قال ولا جئت إلا لهذا الحديث قال لا
قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول 
       [[[ من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك به طريقا من طرق الجنة وإنا الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض وكل شيء حتى الحيتان 
 

في جوف الماء إن العلماء ورثة الأنبياء أن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وأورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحض وافر
وهذا لفظ حديث الأصم

@ 80 @

5 - ورواه عبد الوهاب بن الضحاك العرضي عن إسماعيل بن عياش الحمصي عن عاصم بن رجاء بن حيوة كرواية ابن داود أنباه أبو الحسن احمد بن محمد بن أحمد العتيقي وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري قالا أنبا محمد بن المظفر الحافظ ثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ثنا عبد الوهاب ابن الضحاك ثنا ابن عياش عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس قال جاء رجل من أهل المدينة إلى أبي الدرداء بدمشق يسأله عن حديث بلغه يحدث به أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له أبو الدرداء ما جاء بك تجارة قال لا قال ولا جئت طالب حاجة قال لا قال وما جئت تطلب إلا هذا الحديث قال لا قال فأبشر إن كنت صادقا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما من رجل يخرج من بيته يطلب علما إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يطلب وإلا سلك الله به طريقا إلى الجنة

وإن العالم ليستغفر له من في السموات والأرض حتى الحيتان في البحر ولفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب إن العلماء هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم
6 - خالفه غسان بن الربيع الكوفي عن ابن عياش فقال ما أنبا أبو محمد عبد الله بن أبي بكر بن شاذان وأبو عبد الله محمد عبد الواحد بن محمد بن جعفر وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قالوا أنبا القاضي أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن فهد الموصلي ثم أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى ثنا غسان بن الربيع عن إسماعيل بن عياش عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن جميل بن قيس أن رجلا جاء من المدينة إلى أبي الدرداء فسأله عن حديث فقال له أبو الدرداء ما جاء بك حاجة ولا جئت في طلب تجارة وساق الحديث بطوله

7 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن طلحة بن أحمد بن هارون الواعظ وأبو عمرو عثمان بن محمد بن يوسف العلاف قال أحمد ثنا وقال عثمان أنبا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ثنا يعقوب بن يوسف القزويني ثنا محمد بن سعيد بن سابق ثنا أبو جعفر الرازي عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال ما جاء بك قلت ابتغاء العلم قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من خرج من بيته ابتغاء العلم وضعت الملائكة أجنحتها له رضا بما يصنع

@ 84 @

8 - أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن طلحة الواعظ بأصبهان ثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال سمعت أبا يحيى زكريا بن يحيى الساجي قال كنا نمشي في أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين فأسرعنا المشي وكان معنا رجل ما جن متهم في دينه فقال
ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها كالمستهزىء فما زال من موضعه حتى جفت رجلاه وسقط

9 - أخبرنا أبو الحسين علي بن القاسم بن الحسن الشاهد بالبصرة ثنا أبو روق البهراني ثنا عبيد الله بن الجهم الأنماطي بالبصرة سنة تسع وأربعين ومائتين ثم حمزة بن ربيعة عن أبي مطيع معاوية بن يحيى قال أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أن اتخذ نعلين من حديد وعصى من حديد واطلب العلم حتى تنكسر العصا وتنخرق النعلان
10 - أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري إجازة وحدثينه الحسن بن محمد الخلال عنه قراءة ثنا إبراهيم بن أحمد بن الحسن القرمنسيني ثنا أحمد بن محمد بن الحسن بن أبي حمزة ثنا محمد بن وزير الواسطي قال

سمعت يزيد بن هارون يقول لحماد بن زيد يا أبا إسماعيل هل ذكر الله تعالى أصحاب الحديث في القرآن فقال نعم ألم تسمع إلى قوله عز و جل فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم فهذا في كل من رحل في طلب العلم والفقه ورجع به إلى من وراءه فعلمه إياه
11 - أخبرنا أبو القاسم الأزهري والحسن بن محمد الخلال قالا ثنا محمد بن العباس الخزاز ثنا عبد الله بن أبي داود ثنا جعفر بن أبي سلمة ثنا عبد الله بن عمر ثنا الوليد بن بكير عن عمر بن نافع
عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله تعالى السائحون قال هم طلبة الحديث

12 - أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري قراءة عليه أنبا إسماعيل بن علي الخطبي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال
سألت أبي رحمه الله عمن طلب العلم ترى له أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه أو ترى أن يرحل إلى المواضع التي فيها العلم فيسمع منهم
قال يرحل يكتب عن الكوفيين والبصريين وأهل المدينة ومكة يشام الناس يسمع منهم

13 - أخبرنا أبو القاسم رضوان بن محمد بن الحسن الدينوري ثنا أبو علي أحمد بن عبد الله الأصبهاني قال سمعت أبا عبد الله بن محمد بن إسحاق العطار يقول سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول
سمعت أبي يقول طلب علو الإسناد من الدين
14 - أخبرنا أبو نعيم الحافظ أخبرني محمد بن عبد الله الضبي في كتابه قال حدثني أبو عمر عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن عمر القرشي ثنا أبي ثنا جعفر الطيالسي قال
سمعت يحي بن معين يقول أربعة لا تؤنس منهم رشدا حارس الدرب ومنادي القاضي وابن المحدث ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث
15 - اخبرني محمد بن أبي القاسم الأزرق أنبا أبو بكر محمد بن الحسن النقاش أن محمد بن عصام حدثهم بمرو قال سمعت عبد الرحمن بن محمد بن حاتم قال
بلغني أن إبراهيم بن ادهم قال إن الله تعالى يرفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث

16 - أخبرنا أبو منصور أحمد بن الحسين بن علي بن عمر بن محمد السكري ثنا محمد بن إسماعيل الوراق إملاء ثنا علي ابن محمد بن أحمد ثنا الحسن بن علي بن ياسر ثنا أبو بكر بن أبي عتاب الأعين
ثنا زكريا بن عدي قال رأيت ابن المبارك في النوم فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي برحلتي في الحديث

17 - أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان أنبا عبد الله بن جعفر بن در ستويه النحوي ثنا يعقوب بن سفيان حدثني الفضل بن زياد قال
قال أحمد بن حنبل رحمه الله لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه رحل إلى اليمن وإلى مصر وإلى الشام والبصرة والكوفة وكان من رواة العلم وأهل ذلك كتب عن الصغار والكبار
كتب عن عبد الرحمن بن المهدي وعن الفزاري وجمع أمرا عظيما
18 - وقال يعقوب حدثني الفضل قال سمعت أحمد رحمه الله وقال له رجل
عمن ترى يكتب الحديث

فقال له أخرج إلى أحمد بن يوسف فإنه شيخ الإسلام
19 - أخبرنا ابن الفضل ثنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب قال حدثني أبو بكر بن عبد الملك ثنا عبد الرزاق ثنا معمر قال
قال لي أيوب إن كنت راحلا إلى أحد فارحل إلى ابن طاوس وإلا فالزم تجارتك
20 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق البزاز أنبا إسماعيل بن علي الخطبي وأبو علي بن الصواف وأحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي رحمه الله ورضي عنه ثنا عبد الصمد ثنا همام ثنا عاصم بن بهدلة قال
حدثني زر بن حبيش قال وفدت في خلافة عثمان بن عفان وإنما حملني على الوفادة لقي أبي بن كعب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم

21 - حدثنا ابن الفضل أنبا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم عن أبي قطن عن أبي خلدة
عن أبي العالية قال كنا نسمع بالرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة بالبصرة فما نرضى حتى أتيناهم فسمعنا منهم
22 - أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل ابن شاذان الصيرفي بنيسابور أنبا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو نوح قراد أنبا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال
كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه فأول ما أفتقد منه صلاته فإن أجده يقيمها أقمت وسمعت منه وإن أجده يضيعها رجعت ولم أسمع منه وقلت هو لغير الصلاة أضيع
23 - أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل المحاملي والحسن بن أبي بكر بن شاذان قالا أنبا محمد بن محمد بن أحمد بن مالك الإسكافي ثم أبو الأحوص محمد بن الهيثم القاضي ثنا أبو سعيد الجعفي
ثم وكيع قال كنت أرى ابن عون في النوم من شوقي إليه وأنا أختلف إلى الأعمش فلما مات الأعمش رحلت إليه فسمعت منه

24 - أخبرنا ابن الفضل أنبا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان قال حدثني الفضل هو ابن زياد قال
سمعت أبا عبد الله يقول ليس تضم إلى معمر أحدا إلا وجدته فوقه رحل في الحديث إلى اليمن وهو أول من رحل فقال له أبو جعفر والشام فقال لا الجزيرة
25 - أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله ابن مهدي البزاز أنبا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار ثنا أحمد بن منصور بن راشد ثنا علي بن الحسن أنبا أبو حمزة عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال
قال عبد الله والذي لا إله غيره لقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه و سلم بضعا وسبعين سورة ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغني الإبل إليه لأتيته

26 - أنبا بن الفضل أنبا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ثنا ابن نمير ثنا يحيى بن عيسى عن سفيان عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال
قال عبد الله ما أنزلت آية إلا وأنا أعلم فيما أنزلت ولو أني أعلم أن أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل والمطايا لأتيته

27 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد الحناني أنبا علي بن محمد بن الزبير الكوفي ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا جعفر بن عون ثنا عيسى الحناط
عن الشعبي قال لو أن رجلا سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن فحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبله من عمره رأيت أن سفره لا يضيع
28 - أنشدني أبو علي الحسن بن علي بن محمد الوخشي الحافظ باصبهان قال أنشدني أبو الفضل العباس بن محمد الخرساني ... رحلت أطلب أصل العلم مجتهدا ... وزينة المرء في الدنيا الأحاديث ... لا يطلب العلم إلا بازل ذكر ... وليس يبغضه إلا المخانيث ... لا تعجبن بمال سوف تتركه ... فإنما هذه الدنيا مواريث

ذكر رحلة نبي الله موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم وفتاه في طلب العلم
29 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني قال قرأت على أبي العباس بن حمدان حدثكم محمد بن نعيم بن عبد الله ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنبا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع سعيد بن جبير يقول
قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موسى ليس بصاحب الخضر إنما هو موسى آخر
فقال ابن عباس كذب عدو الله

قال ابن عباس حدثنا أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه حيث لم يرد العلم إليه فقال عبد لي عند مجمع البحرين وهو أعلم منك
قال أي رب فكيف به
قال تأخذ حوتا فاجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثم
قال فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلقا يمشيان معه فتاه يوشع بن نون حتى أتى الصخرة فنام واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فأمسك الله عن الحوت الماء مثل الطاق وجاوز موسى فلما

استيقظ موسى نسي أن يخبره بالحوت
وقال له إني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان إن أذكره الآية
فلما كان من الغد قال له موسى آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا فلم يجد النصب حتى جاوز حيث أمره الله
قال ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة وكان للحوت سربا ولهما عجبا فإذا رجل مسجى نائم فسلم موسى
فقال له الخضر وأني بأرضك السلام أو قال بأرضي السلام الشك من اسحاق
فقال له موسى أنا موسى بني إسرائيل أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا
قال إنك على علم علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم علمنيه لا تعلمه أنت قال فإني أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا

قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا
قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا
قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا
فانطلقا يمشيان إلى الساحل فعرف الخضر فحمل بغير نول في السفينه فلم يفجأ إلا والخضر يريد أن يقلع لوحا
فقال موسى أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا
قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا
قال لا تؤاخذني بما نسيت
قال وكانت الأولى نسيانا قال وجاء عصفور فوقع على حرف من السفينة فنقر من البحر فقال له الخضر ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مانقص العصفور من

هذا البحر
فلما خرجا من البحر أبصر غلاما من الغلمان يلعب فتناوله فقطع رأسه فقال موسى أقتلت نفسا زكيه بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا
قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا
قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا
فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فقال الخضر هكذا بيده فأقامه
فقال له موسى أتينا أهل هذه القرية فلم يضيفونا فلو أتخذت عليه أجرا
قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة تلا الآيات

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وددنا أنه كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما
قال وكان ابن عباس يقرأ وأما الغلام فكان كافرا قال ابن عباس وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا
30 - أخبرني أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن عبيد الله النجار ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن شداد المطرز ثنا عبد الله

بن محمد بن عبد العزيز ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا يعقوب القمي ثنا هارون بن عنترة عن أبيه
عن ابن عباس قال سأل موسى عليه السلام ربه فقال أي رب أي عبادك أحب إليك
قال الذي يذكرني ولا ينساني
قال رب فأي عبادك أعلم
قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى
قال رب فأي عبادك أقضى
قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى
قال ومن ذاك يا رب
قال ذاك الخضر

قال وأين أطلبه
قال على الساحل عند الصخرة التي ينقلب عندها الحوت
قال فخرج موسى يطلبه حتى كان منه ما ذكر الله تعالى فانتهى موسى إليه عند الصخرة فسلم كل واحد منها على صاحبه
فقال له موسى إني أحب أن تصحبني
قال أنك لن تطيق صحبتي
قال بلى
قال فإن صحبتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا
فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا امرا
قال ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرا
قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا
فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله

قال اقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال
ألم أقل لك إنك لن تسطيع معي صبرا
قال إن سألتك عن شيء بعدها فلاتصاحبني قد بلغت من لدني عذرا
فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه
قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا
قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا قال فأخبره بما قال الله تعالى فسار به في البحر حتى انتهى إلى مجمع البحور
قال يا موسى هل تدري أي مكان هذا قال لا

قال هذا مجمع البحور ليس في الأرض مكان اكثر ماءا من هذا
قال وبعث ربك الخطاف فجعل يستقى من الماء بمنقاره قال يا موسى كم ترى هذا الخطاف رزئ من هذا الماء
قال ما اقل ما رزىء
قال فان علمي وعلمك في علم الله كقدر ما حمل هذا الخطاف من هذا الماء
وقد كان موسى قد حدث نفسه بأنه ليس أحد اعلم منه أو تكلم به من ثم أمر أن يأتي الخضر
قال بعض آهل العلم أن فيما عاناه موسى من الدأب
والسفر وصبر عليه من التواضع والخضوع للخضر بعد معاناة قصده مع محل موسى من الله وموضعه من كرامته وشرف نبوته دلالة على ارتفاع قدر العلم وعلو منزلة أهله وحسن

التواضع لمن يلتمس منه ويؤخذ عنه ولو ارتفع عن التواضع لمخلوق أحد بارتفاع درجة وسمو منزلة لسبق إلى ذلك موسى فلما اظهر الجد والاجتهاد والانزعاج عن الوطن والحرص عن
الاستفادة مع الاعتراف بالحاجة إلى أن يصل من العلم إلى ما هو غائب عنه دل على انه ليس في الخلق من يعلو على هذه الحال ولايكبر0 عنها

وقد رحل غير واحد من أصحاب رسول الله صلىالله عليه وسلم في الحديث إلى البلاد البعيدة وعدة من التابعين بعدهم نحن نورد أخبارهم التي أدت إلينا ذلك عنهم بمشيئة الله ومعونته
ذكر من رحل في حديث واحد من الصحابة الاكرمين رضي الله عنهم أجمعين 31 - اخبرنا أبو بكر محمد بن احمد بن يوسف الصياد والحسن بن أبى بكر قالا أنبا احمد بن يوسف بن خلاد العطار وأنبا الحسن بن ابي بكر أنبا محمد بن محمد بن احمد ابن مالك الإسكافي قالا ثنا الحارث بن محمد بن أبى أسامة وأخبرتنا أم الفرج فاطمة بنت هلال بن احمد الكرخي قالت أنا عثمان بن احمد بن عبدالله الدقاق ثنا الحارث بن أبى أسامة التميمي ثنا يزيد بن هارون أنبا همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد المكي وحدثني أبو القاسم عبد الله

ابن احمد بن علي السوذرجاني لفظا بأصبهان وسياق الحديث له ثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن المقري ثنا أبو يعلى الموصلي ثنا شيبان ثنا همام ثنا القاسم بن عبد الواحد قال حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبى طالب أن جابر بن عبد الله حدثه قال بلغني عن رجل من أصحاب رسول الله صلة الله عليه وسلم حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم لم اسمعه منه قال فابتعت بعيرا فشددت عليه رحلي فسرت إليه شهرا حتى آتيت الشام فإذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاري قال فأرسلت إليه جابرا على الباب
قال فرجع إلي الرسول فقال جابر بن عبد الله فقلت نعم
قال فرجع الرسول إليه فخرج الي فاعتنقني واعتنقته
قال قلت حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم في المظالم لم أسمعه فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه
فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول

يحشر الله العباد أو قال يحشر الله الناس قال وأومأ بيده إلى الشام عراة غرلا بهما
قلت ما بهما قال ليس معهم شيء
قال فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لاحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلة ولا ينبغي لأحد من أهل النار يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة
قال قلنا كيف هو وإنما نأتي الله تعالى عراة غرلا بهما
قال بالحسنات والسيئات

@ 112 @

32 - وهكذا رواه عبد الوارث بن سعيد التنوري عن القاسم بن عبد الواحد أخبرناه علي بن أحمد بن عمر المقري أنبا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدد ثنا عبد الوارث عن القاسم بن عبد الواحد عن عبد الله بن محمد ابن عقيل
عن جابر بن عبد الله قال بلغني حديث عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فاشتريت بعيرا فشددت عليه رحلا ثم سرت إليه شهرا حتى قدمت مصر قال فخرج إلي غلام أسود فقلت أستأذن لي على فلان
قال فدخل فقال إن أعرابيا بالباب يستأذن
قال فاخرج إليه فقل له من أنت
قال فقال له أخبره أني جابر بن عبدالله
قال فخرج إليه فالتزم كل واحد منهما صاحبه
قال فقال ما جاء بك

قال حديث بلغني أنك تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في القصاص وما أعلم أحدا يحفظه غيرك فأحببت أن تذاكرنيه
فقال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا كان يوم القيامة حشر الله عباده عراة غرلا بهما فيناديهم بصوت يسمعه من بعد منهم كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا تظالموا اليوم لاينبغي لاحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار قبله مظلمة ولا ينبغي لاحد من أهل النار أن يدخل النار ولأحد من أهل الجنة قبله مظلمة حتى اللطمة باليد
قالوا يا رسول الله وكيف وإنما نأتي الله عراة غرلا بهما

قال من الحسنات والسيئات
33 - وروي عن أبي جارود العبسي عن جابر بن عبد الله أخبرنيه عبد العزيز بن علي الأرجي ثنا علي بن عمر ابن محمد الحربي ثنا حامد بن بلال البخاري ثنا محمد بن عبد الله المقري البخاري ثنا يحيى بن النضر ثنا عيسى غنجار عن عمر بن الصبح عن مقاتل بن حيان عن أبي جارود العبسي

أن جابر بن عبد الله قال بلغني حديث في القصاص وكان صاحب الحديث بمصر فاشتريت بعيرا وشددت عليه رحلا ثم سرت شهرا حتى وردت مصر فسألت عن صاحب الحديث فدللت عليه وإذا هو باب لاط فقرعت الباب فخرج إلي مملوك له أسود فقلت ها هنا أبو فلان فكست علي فدخل فقال لمولاه بالباب أعرابي يطلبك فقال اذهب فقل له من آنت فقلت أنا جابر بن عبد الله صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فخرج إلي فرحب بي واخذ بيدي قلت حديث في القصاص لا اعلم أحدا ممن بقي احفظ له منك فقال أجل سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول

إن الله يبعثكم يوم القيامة حفاة عراة غرلا وهو تعالى على عرشه ينادي بصوت له رفيع غير فظيع يسمع البعيد كما يسمع القريب يقول انا الديان لا ظلم عندي وعزتي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم ولو لطمة ولو ضربة يد على يد ولأقتصن للجماء من القرناء ولأسألن الحجر لم نكب الحجر ولأسألن العود لم خدش صاحبه في ذلك أنزل علي في كتابه
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس

شيئا
ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي عمل قوم لوط ألا فلتترقب أمتي العذاب إذا تكافأ الرجال بالرجال والنساء بالنساء 4
34 - أخبرنا أبو نعيم الحافظ ثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا ابن جريج قال سمعت أبا سعد الأعمى يحدث عطاء بن أبي رباح قال خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر وهو بمصر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قدم أتى منزل مسلمة بن مخلد الانصاري وهو أمير مصر فأخبر به فجعل فخرج إليه فعانقه وقال ما جاء بك يا أبا أيوب قال حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يبق أحد

سمعه غيري وغير عقبة فابعث من يدلني على منزله قال فبعث معه من يدله على منزل عقبة فأخبر عقبة به فجعل فخرج إليه فعانقه وقال ما جاء بك يا أبا أيوب فقال حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يبق أحد سمعه غيري وغير ك في ستر المؤمن قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من ستر مؤمنا في الدنيا على خربه ستره الله يوم القيامة فقال له أبو أيوب صدقت ثم انصرف أبو أيوب

إلى راحلته فركبها راجعا إلى المدينة فما أدركته جائزة مسلمة ابن مخلد إلا بعريش مصر
35 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان الغزال وكان عبدا صالحا ثنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي إملاء ثنا أبو علي بشر بن موسى الأسدي ثنا أبو عبد الرحمن المقري ثنا عبد الرحمن بن زياد قال

حدثني مسلم ابن يسار أن رجلا من الأنصار ركب من المدينة إلى عقبة بن عامر وهو بمصر حتى لقيه فقال له أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من ستر مؤمنا في الدنيا ستره الله يوم القيامة فقال نعم قال فكبر الأنصاري وحمد الله ثم انصرف
36 - أخبرنا محمد بن أحمد بن يوسف الصياد أنبا أحمد ابن يوسف بن خلاد ثنا الحارث بن محمد ثنا كثير بن هشام

ثنا جعفر بن برقان ثنا يحيى أبو هاشم الدمشقي قال جاء رجل من أهل المدينة إلى مصر فقال لحاجب أميرها قل للأمير يخرج إلى فقال الحاجب ما قال لنا أحد منذ نزلنا هذا البلد غيرك إنما كان يقال استأذن لنا على الأمير قال ايته فقل له هذا فلان بالباب فخرج إليه الأمير فقال إنما أتيتك أسألك عن حديث واحد فيمن ستر عورة مسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من ستر عورة مسلم فكأنما أحيا موءودة

37 - أخبرني أبو القاسم عبيد الله بن أحمد الصيرفي أنبا الحسين بن عمر الضراب ثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي ثنا شريح بن يونس ثنا هشيم عن سيار عن جرير بن حيان أن رجلا رحل إلى مصر في هذا الحديث ولم يحل رحلة حتى رجع من ستر على أخيه في الدنيا ستر الله عليه في الآخرة

38 - أخبرنا أبو بكر البرقاني أنبا محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي أنبا الحسين بن إدريس ثنا ابن عمار ثنا معن بن عيسى أنبا مالك أن رجلا خرج إلى مسلمة بن مخلد بمصر في حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم
39 - أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي بالبصرة ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ثنا الحسن بن علي ثنا يزيد أنبا الجريري عن عبد الله بن بريدة أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه فقال أما إني لم آتك زائرا ولكن سمعت أنا وأنت حديثا من رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثا رجوت أن يكون عندك منه علم قال ما هو قال كذا وكذا وساق الحديث

40 - أخبرني أبو علي عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فضالة الحافظ النيسابوري بالري أنبا عبد الله بن محمد السمذي النيسابوري ثنا عبد الله بن محمد بن مسلم الجوربذي ثنا نصر بن مرزوق أبو الفتح المصري قال سمعت عمرو ابن أبي سلمة يقول قلت للأوزاعي أنا ألزمك منذ أربعة أيام ولم أسمع منك إلا ثلاثين حديثا

قال وتستقل ثلاثين حديثا في أربعة أيام لقد سار جابر بن عبد الله إلى مصر واشترى راحلة وركبها حتى سأل عقبة بن عامر عن حديث واحد وانصرف وأنت تستقل ثلاثين حديثا في أربعة أيام
ذكر الرواية عن التابعين والخالفين في مثل ذلك 41 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزق البزاز ثنا أبو جعفر محمد بن عمرو ابن البختري الرزاز إملاء ثنا جعفر بن هاشم البزاز العسكري ثنا علي بن بحر ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بن أنس وأنبا محمد بن الفرج البزاز أنبا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد ثنا أبي ثنا عبد الرحمن قال سمعت مالكا قال قال سعيد بن المسيب إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد
42 - أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان أنبا

عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثني عبد العزيز ابن عبد الله الأويسي ثنا مالك بن أنس أنه بلغه أن سعيد ابن المسيب قال إن كنت لأسير في طلب الحديث الواحد مسيرة الليالي والأيام قال مالك وكان سعيد بن المسيب يختلف إلى أبي هريرة بالشجرة وهو ذو الحليفة رواه خالد بن نزار عن مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب ورواه إسحاق بن محمد الفروي عن مالك انه بلغه عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب
43 - أما رواية خالد بن نزار فأخبرني الحسن بن أبي طالب ثنا محمد بن العباس الخزاز ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا أحمد بن صالح ثنا خالد بن نزار عن مالك ابن أنس عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال إن كنت لأرحل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد

44 - وأما رواية إسحاق بن محمد الفروي فأنبا أبو العلاء محمد بن الحسن بن محمد الوراق ثنا أبو بكر أحمد ابن كامل القاضي ثنا أبو إسماعيل الترمذي ثنا إسحاق بن محمد الفروي ثنا مالك أنه بلغه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال إن كنت لأسير الليالي في الحديث الواحد
45 - أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا الربيع بن

سليمان المرادي ثنا أيوب بن سويد ثنا يحي بن زيد الباهلي من أهل البصرة وكان ثقة قال قال عبيد الله بن عدي بن الخيار أحد بني نوفل بن عبد مناف بلغني حديث عن علي خفت إن مات ألا أجده عند غيره فرحلت حتى قدمت العراق فسألته عن الحديث فحدثني وأخذ علي عهدا ألا أخبر به أحدا ولوددت لو لم يفعل فأحدثكموه فلما كان ذات يوم جاء حتى صعد المنبر في إزار ورداء متوحشا قرنا فجاء الأشعث بن قيس حتى أخذ بإحدى عضادتي المنبر ثم قال علي ما بال أقوام يكذبون علينا يزعمون أن عندنا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ليس عند غيرنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم كان عاما ولم يكن خاصا وما عندي عنه ما ليس عند المسلمين إلا شيء في قرني هذا فأخرج منه صحيفة فإذا فيها من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل فقال له الأشعث بن قيس دعها يا رجل فإنها عليك لا لك

فقال قبحك الله ما يدريك ما علي لا لي أضحت هزاله راعي الضأن تهزأ بي ماذا يريبك مني راعي الضأن

46 - أخبرنا أبو القاسم عبيد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله بن محمد الحربي ثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد المقري النقاش ثنا محمد بن خزيمة بنيسابور ثنا بشر بن هلال ثنا جعفر عن علي بن زيد عن أبي عثمان قال بلغني عن أبي هريرة حديث أنه قال

إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة فحججت ذلك العام ولم أكن أريد الحج إلا للقائه في هذا الحديث فأتيت أبا هريرة فقلت يا أبا هريرة بلغني عنك حديث فحججت العام ولم أكن أريد الحج إلا لألقاك قال فما هو قلت إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة فقال أبو هريرة ليس هكذا قلت ولم يحفظ الذي حدثك قال أبو عثمان فظننت أن الحديث قد سقط قال إنما قلت إن الله ليعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة ثم قال أو ليس في كتاب الله تعالى ذلك قلت كيف

قال لأن الله يقول من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والكثيرة عند الله أكثر من ألفي ألف وألفي ألف
47 - أخبرنا محمد بن الحسين القطان أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح وأنبا عبد العزيز بن علي الوراق وعلي

ابن المحسن المعدل قالا أخبرنا عبيد الله بن محمد بن سليمان المخرمي أنبا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي حدثني أحمد بن خالد هو الخلال ثنا معن بن عيسى ثنا معاوية بن صالح عن ربيعه بن يزيد قال سمعت ابن الديلمي يقول بلغني حديث عن عبد الله ابن عمرو بن العاص فركبت إليه إلى الطائف أسأله عنه وكان ابن الديلمي بفلسطين قال فدخلت عليه وهو في حديقة له فوجدته مختصرا بيد رجل كنا نتحدث بالشام أن ذلك الرجل من شربة الخمر قال فقلت له يا أبا محمد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في شارب الخمر شيئا قال فاختلج الرجل يده من يد عبد الله بن عمرو فقال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا

قلت ما حديث بلغني عنك تقوله إن صلاة في بيت المقدس كألف صلاة وإن القلم قد جف فقال عبد الله اللهم إني لا أحل لهم أن يقولوا إلا ما سمعوا مني قالها ثلاثا قال ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن سليمان بن داود سأل الله ثلاثا سأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه وسأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله من أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه أن يغفر له هذا آخر حديث أبي صالح وزاد معن وسياق الحديث له قال وسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله خلق الناس في ظلمة فأخذ نورا من نوره فألقى عليهم فأصاب من شاء وأخطأ من شاء فقد عرف من يخطئه ممن يصيبه فمن أصابه من نوره اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول إن القلم قد جف

48 - أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل أنبا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ثنا عبد الله بن يوسف ثنا محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم عن ابن الديلمي الذي كان يسكن بيت المقدس أنه ركب في طلب عبد الله بن عمرو بن العاص إلى المدينة فسأل عنه فقالوا قد سار إلى مكة فاتبعه فوجده في زرعه الذي يسمى الوهط قال ابن الديلمي فدخلت عليه فقلت يا عبد الله ما هذا الحديث الذي بلغنا عنك 138

قال ما هو قلت إنك تقول صلاة في بيت المقدس خير من ألف صلاة في غيرها إلا الكعبة قال اللهم إني لا أحل لهم أن يقولوا علي ما لم أقل إن سليمان حين فرغ من بيت المقدس قرب قربانا فتقبل منه فدعا الله بدعوات منهن اللهم أيما عبد مؤمن زارك في هذا البيت تائبا إليك إنما جاء يتنصل عن خطاياه وذنوبه أن تتقبل منه وتتركه من خطاياه كيوم ولدته أمه
49 - أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن أحمد بن بشار النيسابوري بالبصرة ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمويه العسكري ثنا جعفر بن محمد القلانسي ثنا آدم بن أبي إياس

ثنا شعبة وأنا أبو بكر البرقاني قال قرأت على أبي العباس بن حمدان حدثكم الحسن بن علي السدي ثنا علي بن الجعد أنبا شعبة ثنا المغيرة بن النعمان قال سمعت سعيد بن جبير يقول اختلف فيها أهل الكوفة في قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال نزلت هذه الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم في آخر مانزل ما نسخها شيء واللفظ لحديث آدم

50 - أخبرنا محمد بن الحسين القطان أنبا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو بكر الحميدي ثنا سفيان ثنا صالح ابن صالح بن حي الهمذاني وكان خيرا من ابنيه علي والحسن وكان علي خيرهما يريد من الآخر قال جاء رجل إلى الشعبي وأنا عنده فقال يا أبا عمرو إن ناسا عندنا يقولون إذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته قال الشعبي حدثني أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين الرجل من أهل الكتاب كان مؤمنا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه و سلم فله أجران ورجل كانت له جارية فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم اعتقها وتزوجها فله أجران وعبد أطاع الله وأدى حق سيده فله أجران

خذها بغير شيء فلقد كان الرجل يرحل في أدنى منها إلى المدينة
51 - وأخبرنا محمد بن الحسين أنبا عبد الله ثنا يعقوب ثنا أبو بكر ثنا سفيان قال سمعت عطاء يحدث عن عبد الله ابن عبيد بن عمير وربما قال سفيان لا أدري ذكر فيه عن أبيه أم لا قال قيل لابن عمر ما لنا لا نراك تستلم إلا هذين الركنين فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن استلام الركنين يحط الخطايا كما يتحات ورق الشجر

قال سفيان حدثني بهذا الحديث عطاء وأنا وهو في الطواف قال فكأنه لم يرني أعجبت به فقال أتزهد في هذا يا ابن عيينة حدثت به الشعبي فقال لو رحل في هذا الحديث كذا وكذا لكان أهلا له

52 - أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق أنبا عثمان بن أحمد الدقاق ثنا حنبل بن إسحاق ثنا إبراهيم بن نصر ثنا أبو إسماعيل المؤدب عن سعد بن إسحاق عن أبان عن الحسن قال رحلت إلى كعب بن عجرة من البصرة إلى الكوفة فقلت ما كان فداؤك حين أصابك الأذى قال شاة

53 - حدثني عبد الله بن أحمد السوذرجاني ثنا أبو بكر بن المقري ثنا أبو يعلى الموصلي ثنا محمد بن المنهال أخو حجاج ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال أقمت في المدينة ثلاثا ما لي بها حاجة إلا قدوم رجل بلغني عنه حديث فبلغني انه يقدم فأقمت حتى قدم فحدثني به

45 - أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ثنا محمد بن عمرو الرزاز ثنا جعفر بن هاشم ثنا علي بن بحر ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد وأنبا ابن رزق أنبا عثمان بن أحمد ثنا حنبل ثنا أبو عبد الله ثنا عبد الرحمن عن حماد عن أيوب قال قال أبو قلابة لقد أقمت بالمدينة ثلاثا مالي حاجة إلا رجل يقدم عنده حديث فأسمعه منه
55 - أنبا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي وأبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا محمد بن المهلب الحراني ثنا عبد الرحمن بن عمرو الحراني ثنا محمد بن الفضيل قال

قال لي مغيرة سمعت من عمارة بن القعقاع حديثا ذكره عن إبراهيم قال وكان عمارة قد خرج إلى مكة فاكتريت حمارا فلحقته بالقادسية فحدثني عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه و سلم تمر به الفتية من قريش فلا يتغير لونه وتمر الفتية من أهل بيته فيتغير لونه فقلنا يا رسول الله لا نزال نرى منك ما يشق علينا تمر بك الفتية من قريش فلا يتغير لونك وتمر بك الفتية من أهل بيتك فيتغير لونك قال إن أهلي هؤلاء اختارهم الله للآخرة ولم يخترهم للدنيا وسيلقون بعدي تطريدا وتشريدا وبلاء شديدا
56 - أنبا الحسن بن أبي بكر أنبا مكرم بن أحمد القاضي ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن زياد بن عبد الله الرازي مولى بني هاشم ثنا عبد المؤمن بن علي ثنا ابن فضيل قال قال مغيرة بن مقسم سمعت من

عمارة بن القعقاع حديث إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا رأى الفتية من أهل بيته تغير لونه قال قال لي المغيرة كان عمارة قد خرج إلى مكة فاكتريت حمارا فصرت إلى القادسية فلما رآني قال ما جاء بك قال قلت حديث إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم فقال نعم حدثني إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا نظر إلى الفتية من أهل بيته تغير لونه وقال إن أهل بيتي هؤلاء اختار الله لهم الآخرة ولم يختر لهم الدنيا وسيلقون بعدي تطريدا وتشريدا وذكر حديثا طويلا
57 - أخبرنا ابن الفضل أنبا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثني حيوة ابن شريح ثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن بسر بن عبيد الله الحضرمي قال إن كنت لأركب إلى مصر من الأمصار في الحديث الواحد لأسمعه

58 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الدقاق ثنا أحمد بن إسحاق النهاوندي ثنا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد ثنا ابن بهان وهو الحسين بن بهان العسكري ثنا سهل بن عثمان ثنا زيد بن الحباب العكلي عن جعفر بن سليمان عن أبان ابن أبي عياش قال قال لي أبو معشر الكوفي خرجت من الكوفة إليك إلى البصرة في حديث بلغني عنك قال فحدثته به
59 - حدثنا أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عثمان

التميمي بدمشق أنبا القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي ثنا أبو عبيد محمد بن أحمد الناقد ثنا أبو يحيى محمد بن سعيد العطار الضرير قال سمعت نصر بن حماد الوراق يقول كنا قعودا على باب شعبة نتذاكر فقلت ثنا إسرائيل عن

@ 150 @

أبي إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر قال كنا نتناوب رعية الإبل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فجئت ذات يوم والنبي حوله أصحابه فسمعته يقول من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين فاستغفر الله إلا غفر له

فقلت بخ بخ فجذبني رجل من خلفي فالتفت فإذا عمر بن الخطاب فقال الذي قبل أحسن فقلت وما قال قال قال من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قيل له ادخل من أي أبواب الجنة شئت قال فخرج شعبة فلطمني ثم رجع فدخل فتنحيت من ناحية قال ثم خرج فقال ماله يبكي بعد فقال له عبد الله بن إدريس إنك أسأت إليه فقال شعبة انظر ما تحدث إن أبا إسحاق حدثني بهذا الحديث عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر قال فقلت لأبي إسحاق من عبد الله بن عطاء قال فغضب ومسعر بن كدام حاضر قال فقلت له لتصححن لي هذا أو لأخرقن ما كتبت عنك فقال لي مسعر عبد الله بن عطاء بمكة قال شعبة فرحلت إلى مكة لم أرد الحج أردت الحديث فلقيت عبد الله بن عطاء فسألته فقال سعد بن إبراهيم حدثني

فقال لي مالك بن أنس سعد بالمدينة لم يحج العام قال شعبة فرحلت إلى المدينة فلقيت سعد بن إبراهيم فسألته فقال الحديث من عندكم زياد بن مخراق حدثني قال شعبة فلما ذكر زيادا قلت أي شيء هذا الحديث بينما هو كوفي إذ صار مدنيا إذ صار بصريا قال فرحلت إلى البصرة فلقيت زياد بن مخراق فسألته فقال ليس هو من بابتك قلت حدثني به قال لا ترده قلت حدثني به قال حدثني شهر بن حوشب عن أبي ريحانة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال شعبة فلما ذكر شهر بن حوشب قلت دمر علي هذا الحديث لو صح لي مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أحب إلي من أهلي ومالي والناس أجمعين

60 - قال أبو يحيى قدم علينا المثنى بن معاذ بن معاذ وسألته عن هذا الحديث فقلت هل عندكم يعني له أصل بالبصرة قال نعم حدثني بشر بن المفضل عن شعبة بمثل هذه الصفة

61 - أخبرنا أبو نعيم الحافظ أنبا أبو بكر محمد بن جعفر بن الليث الواسطي ثنا أسلم بن سهل حدثني عبد الحميد بن بيان قال سمعت هشيما يقول كنت أكون بأحد المصرين فيبلغني أن بالمصر الآخر حديثا فأرحل فيه حتى أسمعه وأرجع
62 - حدثنا أبو القاسم سعيد بن محمد بن الحسن المرور وذي من لفظه بصيدا أنبا أحمد بن علي بن الحسن بن إسحاق الكشقائي بزبيد اليمن ثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة أبو العباس

الرازي ثنا إسماعيل بن محمود ثنا محمد بن كيسان ثنا هارون ابن المغيرة عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال لا تشتر مودة ألف رجل بعداوة رجل واحد قال هارون قدم علي ابن المبارك فجاء إلي وهو على

الرحل فسألني عن هذا الحديث فحدثته فقال ما وضعت رحلي من مرو إلا لهذا الحديث
63 - حدثنا أبو بكر البرقاني أنبا عمر بن نوح البجلي ثنا أبو بكر أحمد بن عبد العزيز بن حماد المصري ثنا علي بن فضالة الصغدي ثنا أبو بكر الكلوذاني يعني محمد بن رزق الله وأنبا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عبد الأعلى الرقي أنبا أبو الحسين عبد الله بن القاسم بن سهل الصواف بالموصل ثنا عبد الله بن زياد ثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني واللفظ لحديث البرقاني ثنا زيد بن الحباب ثنا سفيان الثوري عن أسامة بن زيد عن موسى بن علي اللخمي عن أبيه عن أبي قيس مولى عمرو عن عمرو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال فرق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر

قال زيد بن الحباب فلما ذهبت لأقوم من مجلس سفيان الثوري قال لي رجل أنا خلفت أسامة حيا بالمدينة فركبت راحلتي وأتيت المدينة فلقيت أسامة فقلت حديث حدثنيه سفيان الثوري عنك عن موسى بن علي عن أبيه عن أبي قيس مولى عمرو عن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم قال
فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر
قال نعم حدثني موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه عن أبي قيس مولى عمرو عن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه و سلم قال فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر قال زيد فلما ذهبت لأقوم من مجلس أسامة قال رجل أنا خلفت موسى بن علي حيا بمصر فركبت راحلتي وأتيت مصر فجلست ببابه فخرج إلي شيخ راكب على فرس

قال ألك حاجة قال قلت نعم حديث حدثنيه سفيان الثوري عن أسامة بن زيد عنك عن أبيك عن أبي قيس مولى عمرو عن عمرو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال فرق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر
فقال نعم حدثني أبي عن أبي قيس مولى عمرو عن عمرو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال فرق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر
64 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الدقاق ثنا أحمد ابن إسحاق النهاوندي ثنا الحسن بن عبدالرحمن ثنا عمر بن

إسحاق الشيرجي ثنا أبو جعفر التمار قال سمعت الشاذكوني يقول دخلت الكوفة نيفا وعشرين دخلة أكتب الحديث فأتيت حفص بن غياث فكتبت حديثه فلما رجعت إلى البصرة وصرت في بنانة لقيني ابن أبي خدويه فقال يا سليمان من أين جئت قلت من الكوفة قال حديث من كتبت

قلت حديث حفص بن غياث قال أفكتبت علمه كله قال نعم قال أذهب عليك منه شيء قلت لا قال فكتبت عنه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم ضحى بكبش فحيل كان يأكل في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد قلت لا قال فأسخن الله عينيك أيش كنت تعمل بالكوفة قال فوضعت خرجي عند النرسيين ورجعت إلى الكوفة فأتيت حفصا فقال من أين قلت من البصرة

قال لم رجعت قلت ان ابن أبي خدويه ذاكرني عنك بكذا وكذا فحدثني ورجعت ولم يكن لي حاجة بالكوفة غيرها
65 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر أنبا طاهر بن محمد بن سهلويه النيسابوري ثنا أبو حامد

أحمد بن محمد الشرقي ثنا عبد الرحمن بن بشر ثنا مالك بن سعير بن الخمس التميمي ثنا الأعمش عن عبد الملك بن عمير والمسيب بن رافع عن وراد قال أملى علي المغيرة بن شعبة كتابا إلى معاوية وقال مرة كتب به إلى معاوية إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا قضى الصلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد قال طاهر سمعت أبا حامد يقول سمعت صالحا جزره يقول قدمت خراسان بسبب هذا الحديث حديث الأعمش عن عبد الملك بن عمير والمسيب بن رافع

66 - أنبا أحمد بن جعفر القطيعي أنبا أبو المفضل محمد بن عبد الله الكوفي ثنا عبد الله بن أبي سفيان الشعراني ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ثنا يحيى بن حسان ثنا عبد الرحمن ابن مهدي ثنا سفيان الثوري ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية وتعزروه قال لنا رسول الله ما ذاك قلنا الله ورسوله أعلم قال لتنصروه قال أبو محمد ابن أبي سفيان سمعت الحديث من إبراهيم

ابن سعيد ببغداد ثم ذكر لي هذا الحديث بالشام وقد دخل إلى الثغر فصرت إليه إلى عين زربة وكان قد سكنها في سنة ثلاث وخمسين في رحلتي الثانية إلى الثغر فسألته عن هذا الحديث فرددني مرارا ثم حدثني به لفظا كما قدمت من ذكره ومات في هذه السنة قال أبو محمد وليس هذا الحديث اليوم عند أحد فيما أعلم
ذكر من رحل إلى شيخ يبتغي علو إسناده فمات قبل ظفر الطالب منه ببلوغ مراده
67 - أخبرنا محمد بن الحسين القطان أنبا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عبد الله بن مسلمة ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن الصنابحي أنه قيل له متى هاجرت قال متوفى النبي صلى الله عليه و سلم لقيني رجل عند الجحفة فقلت الخبر يا عبد الله فقال أي والله لخبر طويل أو جليل دفنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أول من أمس

68 - أخبرنا عبد الله بن أحمد بن علي السوذرجاني أنبا أبو بكر ابن المقري ثنا محمد بن الحسن بن علي بن بحر ثنا أبو جعفر عمرو بن علي ثنا عبد الله بن نمير ثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي قال وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبض وأنا بالجحفة
69 - وقال ثنا عمرو بن علي قال سمعت ابن داود يقول أنبا يحيى بن مسلم أخو الضحاك
عن زيد بن وهب قال رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبض وأنا في الطريق

70 - أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحسين المحاملي أنبا محمد بن محمد بن أحمد بن مالك الإسكافي ثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم بن حماد القاضي قال سمعت محمد بن كثير يقول قال الأوزاعي خرجت إلى الحسن وابن سيرين فوجدت الحسن قد مات ووجدت محمد بن سيرين مريضا فدخلنا عليه نعوده فمكث أياما ثم مات

@ 169 @

@ 170 @

171 - 71 - أنبا ابن الفضل أنبا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب قال قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة قال قدمت مكة وعطاء بن أبي رباح حي قال فقلت إذا أنا أفطرت دخلت عليه قال فمات في رمضان وكان ابن أبي ليلى يدخل عليه فقال لي عمارة بن ميمون الزم قيس بن سعد فإنه أفقه من عطاء

72 - أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر النرسي أنبا محمد ابن عبد الله الشافعي ثنا هيثم بن مجاهد
ثنا عباس بن يزيد قال مات يزيد بن زريع سنة ثنتين وثمانين وقال خرجت إلى الكوفة مع أبي وأنا أريد أبا إسحاق الهمداني فتلقتني جنازته

73 - أنبا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا الخضر بن أبان الهاشمي بالكوفة قال سمعت علي بن عاصم يقول خرجت من واسط إلى الكوفة أنا وهشيم لنلقى منصورا فلما خرجت من واسط سرت فراسخ لقيني إما أبو معاوية وإما غيره فقلت أين تريد قال أسعى في دين علي قال فقلت ارجع معي فإن عندي أربعة آلاف درهم أعطيك منها ألفين

فرجعت فأعطيته ألفين ثم خرجت فدخل هشيم الكوفة بالغداة ودخلتها بالعشي فذهب هشيم فسمع من منصور أربعين حديثا ودخلت أنا الحمام فلما أصبحت مضيت فأتيت باب منصور فإذا جنازة فقلت ما هذا قالوا جنازة منصور فقعدت أبكي فقال لي شيخ هناك يا فتى ما يبكيك قال قلت قدمت على أن أسمع من هذا الشيخ وقد مات قال فأدلك على من شهد عرس أم ذا قلت نعم قال اكتب حدثني عكرمة عن ابن عباس قال فجعلت أكتب عنه شهرا فقلت له من أنت رحمك الله قال أنت تكتب عني منذ شهر لم تعرفني أنا حصين ابن عبد الرحمن وما كان بيني وبين أن ألقى ابن عباس

إلا سبعة دراهم أو تسعة دراهم فكان عكرمة يسمع منه ثم يجيء فيحدثني
74 - أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ومحمد بن الحسين بن الفضل قالا أنا دعلج بن أحمد قال أنبا وفي حديث ابن رزق قال ثنا أحمد بن علي الآبار ثنا أبو عبيد الله عن ابن وهب قال دخلت المسجد فإذا الناس مزدحمون على ابن سمعان وإذا هشام بن عروة جالس فقلت اسمع من هذا وأصير إليه فلما فرغت قام فأتيت منزله فقالوا هو راقد فقلت أحج وأرجع فرجعت وقد مات

75 - أنبا القاضي أبو الفرج محمد بن أحمد بن الحسن الشافعي أنبا أحمد بن يوسف بن خلاد العطار ثنا محمد بن يونس القرشي قال سمعت ابن داود وهو عبد الله بن داود الخريبي يقول

كان سبب دخولي البصرة لأن ألقى ابن عون فلما صرت إلى قناطر بني دارا تلقاني نعي ابن عون فدخلني ما الله به عليم
76 - أخبرني أبو الفرج الحسين بن علي الطناجيري ثنا عمر بن أحمد الواعظ قال قرأت في كتاب جدي ثنا روح بن الفرج ثنا هارون بن سعيد عن خالد بن نزار قال خرجت سنة خمسين ومائة بكتب ابن جريج لأوافيه فوجدته قد مات فقرأت كتبه على داود بن عبد الرحمن العطار وسعيد بن سالم القداح
77 - أنبا ابن الفضل أنبا دعلج بن أحمد أنبا أحمد بن علي الأبار ثنا عبد الرحيم بن حازم أبو محمد البلخي قال سمعت مكي وهو ابن إبراهيم يقول لم أطلب بعد سنة خمسين ومائة إلا خرجت إلى الليث وابن لهيعة وموسى بن علي فدخلتها يعني مصر وقد كان موسى بن علي مات قبلي بثلاثة أيام

78 - وأخبرنا ابن الفضل أنبا دعلج أنبا أحمد بن علي الأبار ثنا محمد بن علي بن حمزة قال سمعت علي بن الحسين ابن واقد يقول حججت سنة ستين ومائة فقدمت الكوفة فأردت إسرائيل فاستقبلني الناس فقالوا مات إسرائيل

79 - أنبا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل السقا الحربي ثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ثنا محمد ابن عمرو الباهلي بمصر قال سمعت أبا عبدالله بن أبي مقاتل البلخي بمصر يقول
قال أبو عبيد القاسم بن سلام دخلت البصرة لأسمع من حماد بن زيد فقدمت فإذا هو قد مات فشكوت ذلك إلى عبد الرحمن بن مهدي فقال مهما سبقت به فلا تسبقن بتقوى الله عز و جل

80 - أخبرنا أبو طاهر حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق ثنا أبو العباس الوليد بن بكر الاندلسي ثنا علي بن أحمد بن الخصيب الهاشمي باطرابلس المغرب أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي حدثني أبي قال أبو داود الطيالسي ثقة وكان كثير الحفظ رحلت إليه فأصبته قد مات قبل قدومي بأيام

81 - أخبرنا الحسن بن أبي بكر أنبا أحمد بن محمد ابن عبد الله القطان ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة ثنا أبو العباس الوليد بن عبد العزيز بن عبدالملك بن عبد العزيز ابن جريج قال حدثتني أمي عن جدي عبد الملك عن عطاء بن أبي رباح
عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم من فلق فيه إلى أذني هذه ورآني أمشي بين يدي أبي بكر وعمر فقال
يا أبا الدرداء أتمشي بين يدى من هو خير منك
فقلت ومن هو يا رسول الله
فقال أبو بكر وعمر ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين خير من أبي بكر

@ 182 @

قال فحدثت الحميدي فقال لي اذهب بنا

إليه حتى اسمعه منه فقلت له منزله بالثقبة والثقبة على رأس ثلاثة أميال من مكة
فلما كان ذات يوم دفنا رجلا من قريش باكرا ثم قال لي الحميدي هل لك بنا في الرجل قلت نعم فخرجنا نريده فلما كنا بقصر داود بن عيسى لقينا ابن عم له فقال يا أبا بكر أين تريد قال أردنا أبا العباس فقال يرحم الله أبا العباس مات أمس
فقال الحميدي هذه حسرة ثم قال أنا أسمعه منك فدخلنا على سعيد بن منصور وهو يحدث فلما افترق الناس دنا منه فقال لي حدث أبا عثمان حديث الجريجي فحدثته

فقال سعيد قطع هذا كل علة
فقلت للحميدي ما قطع كل علة
فقال لي إن أناسا يزعمون أن عليا من رسول الله وأنه لا يقاس به أحد من الناس فلما أن قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قال علمنا أن عليا ليس بنبي ولا مرسل فقطع كل علة
آخر الكتاب وصلى الله على محمد وآله وسلم

@ 186 @
استدراك الزيادات على كتاب الرحلة مما لم يذكره الحافظ الخطيب رحلة الصحابة إلى النبي صلى الله عليه و سلم لم يخرج الإمام أبو بكر الخطيب شيئا من هذا النوع وهو كثير جدا لان كثيرا من الصحابة كان يقصد النبي صلى الله عليه و سلم يرحل إليه ليتشرف بلقائه ويحمل عنه وصية أو خطبة أو حديثا وكثير منهم رحلوا لسؤال النبي صلى الله عليه و سلم عن مسألة أشكلت عليهم
وإليك طرفا من ذلك
82 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع

فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك
قال صدق قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الأرض قال الله قال فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال الله
قال فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك قال نعم
قال وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم
قال وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آ لله أمرك بهذا قال نعم
قال وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آ لله أمرك بهذا قال نعم
قال وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع

إليه سبيلا قال صدق
قال ثم ولى قال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن
فقال النبي صلى الله عليه و سلم لئن صدق ليدخلن الجنة متفق عليه
83 - وللبخاري عن أنس قال بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه و سلم في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد والنبي صلى الله عليه و سلم متكئ بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ فقال له الرجل ابن عبد المطلب فقال له النبي صلى الله عليه و سلم قد أجبتك فقال الرجل للنبي صلى الله عليه و سلم إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك فقال سل عما بدالك
فقال أسألك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك إلى الناس كلهم فقال اللهم نعم

قال أنشدك بالله آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا فقال النبي صلى الله عليه و سلم اللهم نعم
فقال الرجل آمنت بما جاء به وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر
84 - قال ابن عباس رضي الله عنهما فما سمعنا بوافد قوم يقول أفضل من ضمام
أخرجه أحمد والطبراني في حديث طويل
85 - عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال

جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرها فقال لا إلا أن تطوع
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وصيام رمضان قال هل علي غيره قال لا إلا أن تطوع
قال وذكر له رسول الله صلى الله عليه و سلم الزكاة قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع
قال فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا انقص
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أفلح إن صدق متفق عليه
وهذا الرجل غير ضمام بن ثعلبة لأن ضماما سعدي بكري ذو عقيصتين أي ضفيرتين كما في المسند والمعجم الكبير للطبراني وهذا نجدي ثائر الرأس فهما مختلفان موطنا وهيئة

86 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال أن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه و سلم قال من القوم أو من الوفد قالوا ربيعه قال مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى
فقالوا يا رسول الله أنا لا نستطيع أن تأتيك إلا في شهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة وسألوه عن الأشربة فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع
أمرهم بالإيمان بالله وحده قال أتدرون ما الإيمان بالله وحده قالوا الله ورسوله أعلم
قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس ونهاهم عن أربع عن الحنتم والدباء والنقير والمز فت وربما قال المقير وقال احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم متفق عليه

وهذه المنهيات أوعية ينبذ فيها المسكر فنهاهم عما ينبذ فيها
الحنتم الجرة الخضراء والدباء القرع اليابس يتخذ منه إناء للخمر والنقير جذع ينقر وسطه والمقير ماطلي بالقار كالمزفت المطلي بالزفت
87 - عن أبي هريرة زيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما انهما قالا إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله
فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه نعم فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قل
قال أن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما

بكتاب الله الوليدة والغنم رد وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها
قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فرجمت متفق عليه
الأعرابي هو ساكن البادية وقد رحل مع صاحبه إلى النبي صلى الله عليه و سلم لسؤاله عن هذه الواقعة ليس له حاجة غيرها
عسيفا على هذا أي أجيرا عند هذا
الوليدة والغنم رد أي الجارية المملوكة والغنم ترد إليك
88 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جاءه أعرابي فقال يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما اسود
فقال هل لك من إبل قال نعم
قال ما ألوانها قال حمر

قال فيها من أورق قال نعم
قال فأنى ذلك قال أراه عرق نزعه
قال فلعل ابنك هذا نزعه عرق متفق عليه
الأورق الأسمر
نزعه عرق جذبه الشبه إلى بعض أجداده بعامل الوراثة
ومن آثار الصحابة في الرحلة
89 - قول أبي الدرداء لو أعيتني آية من كتاب الله فلم أجد أحدا يفتحها علي إلا رجل ببرك الغماد لرحلت إليه
من رحلات التابعين ومن بعدهم
وفيها جاء هذا الحديث
90 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة أخرجه الترمذي وسنه وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي

91 - عن عامر بن شراحيل الشعبي الأمام التابعي أنه خرج إلى مكة في ثلاثة أحاديث ذكرت له فقال لعلي ألقى رجلا لقي النبي صلى الله عليه و سلم أو من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أخرجه الرامهرمزي
92 - عن علي بن المديني قال قيل للشعبي من أين لك هذا العلم كله
قال بنفي الاعتماد والسير في البلاد وصبر كصبر الجماد وبكور كبكور الغراب تذكرة الحفاظ

93 - عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قيل له أيرحل الرجل في طلب العلو
فقال بلى والله شديدا لقد كان علقمة والأسود يبلغهما الحديث عن عمر رضي الله عنه فلا يقنعهما حتى يخرجا إلى عمر فيسمعانه منه علوم الحديث
هذان الإمامان الجليلان من أئمة التابعين يخرجان من العراق إلى المدينة مسيرة شهر لكي يسمعا من عمر حديثا بلغهما عنه
94 - عن الشعبي قال ما علمت أن أحدا من الناس كان أطلب لعلم في أفق من الآفاق من مسروق أخرجه الرامهرمزي وابن عبد البر

95 - وعن سفيان عن رجل أن مسروقا رحل في حرف وأن أبا سعيد رحل في حرف اخرجه ابن عبد البر
96 - مكحول الدمشقي الأمام قال كنت عبدا بمصر لامرأه من بني هذيل فأعتقتني فما خرجت من مصر وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ثم أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ثم أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ثم أتيت الشام فغر بلتها كل ذلك أسأل عن النفل فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشيء حتى أتيت شيخا يقال له زياد بن جارية التميمي فقلت له هل سمعت في النفل شيئا قال نعم سمعت حبيب بن مسلمة الفهري يقول شهدت النبي صلى الله عليه و سلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة أخرجه أبو داود وابن ماجة

97 - وعن ابن إسحاق قال سمعت مكحولا يقول طفت الأرض في طلب العلم ذكره الذهبي في التذكره
98 - أربدة التميمي التابعي راوي التفسير عن ابن عباس قال العجلي تابعي كوفي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال الحافظ ابن حجر في التقريب صدوق
روى عنه أبو إسحاق السبيعي الأمام الحافظ أنه قال ما سمعت بأرض فيها علم إلا أتيتها أخرجه أحمد في العلل

99 - الأمام الحافظ العلم علي بن المديني شيخ الأمام البخاري قال
حججت حجة وليس لي همه إلا أن أسمع أخرجه الترمذي
100 - الأمام الحافظ عبد الرحمن بن الأمام الكبير أبي حاتم محمد بن إدريس قال
سمعت أبي رحمه الله يقول
قلت على باب أبي الوليد الطيالسي من أغرب علي حديثا غريبا مسندا صحيحا لم أسمعه فله علي درهم يتصدق به وقد حضر على باب أبي الوليد خلق من الخلق أبو زرعة فمن دونه وإنما كان مرادي أن يلقى علي ما لم أسمع

به فيقولون هو عند فلان فأذهب فأسمع وكان مرادي أن أسمع منهم ما ليس عندي فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب علي حديثا تقدمة الجرح والتعديل
101 - عن المؤمل بن إسماعيل إنه ذكر عنده الحديث الذي يروى عن أبي عن النبي صلى الله عليه و سلم في فضل القرآن فقال لقد حدثني رجل ثقة سماه قال أتيت المدائن فلقيت الرجل الذي يروي هذا الحديث فقلت له حدثني فإني أريد أن آتى البصرة
فقال هذا الرجل الذي سمعنا منه هو بواسط في أصحاب القصب

قال فأتيت واسطا فلقيت الشيخ فقلت إني كنت بالمدائن فدلني عليك الشيخ وإني أريد أن آتى البصرة
قال أن هذا الذي سمعت منه هو بالكلاء
فأتيت البصرة فلقيت الشيخ بالكلاء فقلت له حدثني فإني أريد أن آتى عبادان
فقال إن الشيخ الذي سمعناه منه هو بعبادان
فأتيت عبادان فلقيت الشيخ فقلت له اتق الله ما حال هذا الحديث أتيت المدائن فقصصت عليه ثم واسطا ثم البصرة فدللت عليك وما ظننت إلا أن هؤلاء كلهم قد ماتوا فأخبرني بقصة هذا الحديث
فقال إنا اجتمعنا هنا فرأينا الناس قد رغبوا عن القرآن وزهدوا فيه وأخذوا في هذه الأحاديث فقعدنا فوضعنا لهم هذه الفضائل حتى يرغبوا فيه أخرجه الخطيب في الكفاية وابن الجوزي
102 - الحافظ أبو جعفر أحمد بن حمدان النيسابوري الزاهد العابد المجاب الدعوة صاحب الكتاب الجليل المستخرج على صحيح مسلم
قال أبو عمرو بن الصلاح رحل في حديث واحد منه إلى أبي يعلى الموصلي ورحل في أحاديث معدودة منه لم يكن سمعها حتى سمعها
وروينا أنه سمعه منه الشيخ القدوة أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الزاهد الحيري فكان إذا بلغ منه موضعا فيه سنة لم يستعملها وقف عندها إلى أن يستعملها شرح مسلم لابن الصلاح

103 - الفضل بن غانم الخزاعي قاضي الري للرشيد وكان ممن لم يجب المعتزلة ومن وافقهم من الحكام إلى القول بخلق القرآن

روى إبراهيم بن محمد المخرمي حدثنا الفضل بن غانم حدثنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من قال في اليوم مائة مرة لا إله إلا الله الملك الحق المبين كان له أمان من الفقر الحديث
قال الفضل بن غانم لو رحل في هذا الحديث إلى خراسان لكان قليلا اللسان
104 - المسيب بن واضح السلمي التلمنسي
قال الحسين بن عبد الله القطان سمعت المسيب بن واضح يقول خرجت من قرية تلمنس أريد إلى مصر ابن لهيعة فأخبرت بموته الميزان واللسان
طرائف من رحلات المحدثين نقدم إليك أخبارا لطيفة من طرائف رحلات المحدثين رضي الله عنهم واجزل مثوبتهم نختارها من بين ما وقعنا عليه لمناسبة موضوع هذا الكتاب
105 - الهيثم بن جميل البغدادي أبو سهل الحافظ نزيل إنطاكية
ثقة صاحب سنة يغلط على الثقات قال سفيان بن محمد المصيصي شهدت الهيثم بن جميل وهو يموت وقد سجي نحو القبلة فقامت جاريته تغمز رجليه أي لترى صحوه فقال اغمزيهما فالله يعلم أنه ما مشتا إلى حرام قط
رحل وتجول في طلب الحديث وتحمل الكثير قال ابن سعد سمعت موسى بن داود يقول
أفلس الهيثم بن جميل في طلب الحديث مرتين

توفى سنة 213 رحمة الله تعالى
106 - يعقوب بن سفيان بن جوان الفسوي المحدث الحافظ
كان ممن جمع وصنف مع الورع والنسك والصلابة في التمسك بالسنة قال الحاكم فأما سماعه ورحلته و أفراد حديثه فأكثر من أن يمكن ذكرها
وقال أبو عبد الرحمن النهاوندي سمعت يعقوب بن سفيان يقول كتبت عن ألف شيخ وكسر كلهم ثقات
وقال يعقوب أيضا قمت في الرحلة ثلاثين سنة وقال أبو زرعة الدمشقي قدم علينا رجلان من نبلاء الناس أحدهما و أرحلهما يعقوب ابن سفيان يعجز أهل العراق أن يروا مثله
مات سنة سبع وسبعين ومائتين
قال عبدان بن محمد المروزي رأيت يعقوب بن سفيان في النوم فقلت ما فعل الله تعالى بك قال غفر لي وأمرني أن أحدث في السماء كما كنت أحدث في الأرض
ومن عنايات الله بهذا الأمام في طلبه للحديث هذا الحديث الذي أخبر به عن نفسه نسوقه عبرة لطلاب العلم
قال محمد بن يزيد العطار سمعت يعقوب بن سفيان يقول كنت في رحلتي فقلت نفقتي فكنت أدمن الكتابة ليلا وأقرأ نهارا فلما كان ذات ليلة كنت جالسا أنسخ في السراج وكان شتاء فنزل

الماء في عيني فلم أبصر شيئا فبكيت على نفسي لانقطاعي عن بلدي وعلى ما فاتني من العلم فغلبتني عيناي فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم فناداني يا يعقوب لم أنت بكيت فقلت يا رسول الله ذهب بصري فتحسرت على ما فاتني فقال لي أدن مني فدنوت منه فأمر يده على عيني كأنه يقرأ عليهما ثم استيقظت فأبصرت فأخذت نسخي وقعدت أكتب
107 - يحيى بن معين بن عون المري الغطفاني مولاهم أبو زكريا البغدادي إمام الجرح والتعديل وأحد من انتهى إليه علم الحديث في عصره قال كتبت بيدي ألف ألف حديث قال الأمام أحمد كان ابن معين أعلمنا بالرجال وقال أبو سعيد الحداد الناس كلهم عيال على يحيى ابن معين
وذكر ابن عدي أن والد يحيى خلف له ثروة ضخمة ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم فأنفق ذلك كله على الحديث لما توسع في طلبه ورحلاته من أجله
ومن لطائف أخبار رحلاته هذه الرحلة التي سافر فيها مع صديقه الأمام أحمد بن حنبل من العراق إلى اليمن للسماع من الأمام عبد الرزاق ابن همام الصنعاني حافظ اليمن وفي العودة أراد أن يدخل الكوفة ليختبر الحافظ أبا نعيم الفضل بن دكين ويعرف حفظه وتيقظه ونباهته وكان يرافقهما

في هذه الرحلة أحمد بن منصور الرمادي الثقة وهذا نصه يروي قصة هذا الاختبار
قال أحمد بن منصور الرمادي خرجت مع أحمد ويحيى إلى عبد الرزاق أخدمهما فلما عدنا إلى الكوفة قال يحيى لأحمد أريد أختبر أبا نعيم فقال له أحمد لا تزيد الرجل إلا ثقة
فقال يحيى لابد لي فأخذ ورقة وكتب فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم وجعل على رأس كل عشرة منها حديثا ليس من حديثه ثم جاءوا إلى أبي نعيم فخرج فجلس على دكان فأخرج يحيى الطبق فقرأ عليه عشرة ثم قرأ الحادي عشر فقال أبو نعيم ليس من حديثي اضرب عليه ثم قرأ العشر الثاني وأبو نعيم ساكت فقرأ الحديث الثاني فقال ليس من حديثي اضرب عليه ثم قرأ العشر الثالث وقرأ الحديث الثالث فانقلبت عيناه وأقبل على يحيى فقال أما هذا وذراع أحمد في يده فأورع من أن يعمل هذا وأما هذا يريدني فأقل من أن يعمل هذا ولكن هذا من فعلك يا فاعل ثم أخرج رجله فرفسه فرمى به وقام فدخل داره
فقال أحمد ليحيى ألم أقل لك أنه ثبت
قال والله لرفسته أحب إلي من سفرتي
108 - روى عبد الرحمن بن أبي حاتم قال سمعت أبي يقول بقيت بالبصرة في سنة أربع عشرة ومائتين ثمانية أشهر وكان في

نفسي أن أقيم سنة فانقطع نفقتي فجعلت أبيع ثياب بدني شيئا بعد شيء حتى بقيت بلا نفقة ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة وأسمع منهم إلى المساء فانصرف رفيقي ورجعت إلى بيت خال فجعلت أشرب الماء من الجوع ثم أصبحت من الغد وغدا علي رفيقي فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد فانصرف عني وانصرفت جائعا
فلما كان من الغد غدا علي فقال مر بنا إلى المشايخ
قلت أنا ضعيف لا يمكنني قال ما ضعفك
قلت لا أكتمك أمري قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا
فقال قد بقي معي دينار فأنا أواسيك بنصفه ونجعل النصف الآخر في الكراء
فخرجنا من البصرة وقبضت منه النصف دينار
109 - الحافظ الأمام الجوال الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي الشعراني المتوفي سنة 282 هـ كان أديبا فقيها عابدا عارفا بالرجال
قال ابن المؤمل
كنا نقول ما بقي بلد لم يدخله الفضل الشعراني في طلب الحديث إلا الأندلس تذكرة الحفاظ

110 - الحافظ البارع الجوال الزاهد القدوة محمد بن المسيب بن إسحاق الأرغياني المتوفي سنة 315 هـ
قال الإمام أبو عبد الله الحاكم كان من العباد المجتهدين سمعت غير واحد من مشايخنا يذكرون عنه أنه قال ما أعلم منبرا من منابر الإسلام بقي علي لم أدخله لسماع الحديث وسمعت أبا إسحاق المزكي يقول سمعت محمد بن المسيب يقول كنت أمشي في مصر وفي كمي مائة جزء في كل جزء ألف حديث وسمعت أبا علي الحافظ يقول كان محمد بن المسيب يمشي بمصر وفي كمه مائة ألف حديث كان دقيق الخط وصار هذا كالمشهور من شأنه تذكرة الحفاظ
111 - محدث أصبهان الأمام الراحل الحافظ الثقة أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي الاصبهاني الخازن المشهور بابن المقرىء المتوفي سنة 381 هـ
سمع مالا يحصى كثره قال أبو طاهر أحمد بن محمود سمعت ابن المقرىء يقول طفت الشرق والغرب أربع مرات
وعن ابن المقرئ قال مشيت بسبب نسخة مفضل بن فضالة سبعين مرحلة ولو عرضت على خبار برغيف لم يقبلها

وقال أبو طاهر بن سلمة سمعت ابن المقرئ يقول دخلت بيت المقدس عشر مرات تذكرة الحفاظ
112 - المحدث الحافظ محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده الأصبهاني الرحالة كان من أئمة هذا الشأن وثقاتهم ولد سنة عشر وثلاثمائة وسمع سنة ثماني عشرة وبعدها ورحل سنة ثلاثين إلى نيسابور فأدرك أبو حامد بن بلال وكتب عن الأصم نحوا من ألف جزء ثم رحل إلى بغداد فلقي ابن البختري والصفار ولقي بدمشق خيثمة بن سليمان وطبقته ولقي بمكة أبا سعيد بن الأعرابي وبمصر أبا الطاهر المديني وببخارى ومرو وبلخ جماعة وطوف الأقاليم وكتب بيده عدة أحمال وبقي في الرحلة نحوا من أربعين سنة ثم عاد إلى وطنه شيخا فتزوج ورزق الاولاد ويقال أنه رجع إلى بلده أصبهان قدمها أربعون حملا من الكتب والاجزاء قال ابن منده رحمه الله كتبت عن ألف شيخ وسبعمائة شيخ وكان من دعاة السنة وحفاظ الأثر حدث بالكثير حتى توفي سنة 395 قال الباطرقاني إمام الأئمة في الحديث رحمه الله تذكرة الحفاظ
113 - الحافظ العالم المكثر الجوال أبو الفضل محمد بن طاهر بن

علي المقدسي المتوفي سنة 507 ما كان على وجه الأرض له نظير قال السلفي سمعت ابن طاهر يقول كتبت الصحيحين وسنن أبي داود سبع مرات بالأجرة
وقال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي سمعت ابن طاهر يقول بلت الدم في طلب الحديث مرتين مرة ببغداد ومرة بمكة كنت أمشي حافيا في الحر فلحقني ذلك وما ركبت دابة قط في طلب الحديث وكنت أحمل كتبي على ظهري تذكرة الحفاظ
114 - الحافظ الأمام علم السنة عبيد الله بن سعيد بن حاتم أبو نصر السجزي المتوفي سنة 444 هـ من أحفظ أهل زمانه للحديث طوف الآفاق في طلب الحديث
قال الحافظ أبو إسحاق الحبال كنت يوما عند أبي نصر السجزي فدق الباب فقمت ففتحته فدخلت امرأة وأخرجت كيسا فيه ألف دينار فوضعته بين يدي الشيخ وقالت أنفقها كما ترى
قال ما المقصود
قالت تتزوجني ولا حاجة لي في الزوج ولكن لأخدمك
فأمرها بأخذ الكيس وأن تنصرف فلما انصرفت قال خرجت من سجستان بنيه طلب العلم ومتى تزوجت سقط عني هذا الاسم وما أوثر

على ثواب طلب العلم شيئا تذكرة الحفاظ
115 - الإمام الكبير الجهبذ أبو حاتم محمد بن إدريس بن منذر الحنظلي الرازي إمام المحدثين في الحديث وفي الجرح والتعديل ومعرفة العلل والرجال المتوفي سنة 277هـ رحلته من أطرف رحلات المحدثين
روى ابنه عبد الرحمن عنه في كتابه تقدمة الجرح والتعديل قال
سمعت أبي يقول أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ لم أزل أحصي حتى زاد على ألف فرسخ تركته أما ما كنت سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فمالا أحصي كم مرة ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة وخرجت من البحرين من قرب مدينة صلا إلى مصر ماشيا ومن مصر إلى الرملة ماشيا ومن الرملة إلى بيت المقدس ومن الرملة إلى عسقلان ومن الرملة إلى طبرية ومن طبرية إلى دمشق ومن دمشق إلى حمص ومن حمص إلى انطاكية ومن انطاكية إلى طرسوس ثم رجعت من طرسوس إلى حمص وكان بقي علي شيء من حديث أبي اليمان فسمعت ثم خرجت من حمص إلى بيسان ومن بيسان إلى الرقة ومن الرقة ركبت الفرات إلى بغداد وخرجت قبل خروجي إلى الشام من واسط

إلى النيل ومن النيل إلى الكوفة كل ذلك ماشيا كل هذا في سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة أجول سبع سنين خرجت من الري سنة ثلاث عشرة ومائتين في شهر رمضان ورجعت سنة احدى وعشرين ومائتين تقدمه الجرح والتعديل
116 - وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت أبي يقول كنا في البحر فاحتلمت فأصبحت وأخبرت أصحابي به فقالوا لي اغمس نفسك في البحر قلت إني لا أحسن أن أسبح فقالوا أنا نشد فيك حبلا ونعلقك من الماء
فشدوا في حبلا وأرسلوني في الماء وأنا في الهواء أريد إسباغ الوضوء فلما توضأت قلت لهم أرسلوني قليلا فأرسلوني فغمست نفسي في الماء قلت ارفعوني فرفعوني تقدمة الجرح والتعديل
117 - وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت أبي يقول
لما خرجنا من المدينة من عند داود الجعفري صرنا إلى الجار وركبنا البحر وكنا ثلاثة أنفس أبو زهير المروروذي شيخ وآخر

نيسابوري فركبنا البحر وكانت الريح في وجوهنا فبقينا في البحر ثلاثة أشهر وضاقت صدورنا وفني ما كان معنا من الزاد وبقيت بقية فخرجنا إلى البر فجعلنا نمشي أياما على البر حتى فني ما كان معنا من الزاد والماء فمشينا يوما وليلة لم يأكل أحد منا شيئا ولا شربنا واليوم الثاني كمثله واليوم الثالث كل يوم نمشي إلى الليل فإذا جاء المساء صلينا وألقينا بأنفسنا حيث كنا وقد ضعفت أبداننا من الجوع والعطش والعياء فلما أصبحنا اليوم الثالث جعلنا نمشي على قدر طاقتنا فسقط الشيخ مغشيا عليه فجئنا نحركه وهو لا يعقل فتركناه ومشينا أنا وصاحبي النيسابوري قدر فرسخ أو فرسخين فضعفت وسقطت مغشيا علي ومضى صاحبي وتركني فلم يزل هو يمشي إذ بصر من بعيد قوما قد قربوا سفينتهم من البر ونزلوا على بئر موسى صلى الله عليه و سلم فلما عاينهم لوح بثوبه إليهم فجاءوه معهم الماء في إداوة فسقوه وأخذوا بيده
فقال لهم الحقوا رفيقين لي قد ألقوا بأنفسهم مغشيا عليهم فما شعرت ألا برجل يصب الماء على وجهي ففتحت عيني فقلت اسقني فصب من الماء في ركوة أو مشربة شيئا يسيرا فشربت ورجعت إلي نفسي ولم يروني ذلك القدر فقلت اسقني فسقاني شيئا يسيرا وأخد بيدي فقلت ورائي شيخ ملقى قال قد ذهب إلى ذاك جماعة فاخذ بيدي وأنا امشي اجر رجلي ويسقيني شيئا بعد شئ حتى إذا بلغت إلى عند سفينتهم وأتوا برفيقي الثالث الشيخ واحسنوا إلينا أهل السفينة فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا

ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال لها راية إلى واليهم وزودونا من الكعك والسويق والماء فلم نزل نمشي حتى نفد ما كان معنا من الماء والسويق والكعك فجعلنا نمشي جياعا عطاشا على شط البحر حتى وقعنا إلى سلحفاة قد رمى به البحر مثل الترس فعمدنا إلى حجر كبير فضربنا على ظهر السلحفاة فانفلق ظهره وإذا فيها مثل صفرة البيض فأخذنا من بعض الأصداف الملقى على شط البحر فجعلنا نغترف من ذلك الأصفر فنتحساه حتى سكن عنا الجوع والعطش
ثم مررنا وتحملنا حتى دخلنا مدينة الراية وأوصلنا الكتاب إلى عاملهم فأنزلنا في داره وأحسن إلينا وكان يقدم إلينا كل يوم القرع ويقول لخادمه هاتي لهم باليقطين المبارك فيقدم إلينا من ذاك اليقطين مع الخبز أياما
فقال واحد منا بالفارسية لا تدعوا باللحم المشؤوم وجعل يسمع الرجل صاحب الدار
فقال أنا أحسن بالفارسية فإن جدتي كانت هروية فأتانا بعد ذلك باللحم
ثم خرجنا من هناك وزودنا إلى أن بلغنا مصر تقدمة الجرح والتعديل

وفي الختام نقدم هذه النصوص الثلاثة لأعلام من كبار الأئمة عبرة وذكرى لأولى الألباب فيما بذله أجدادهم وما أثمره جهادهم العلمي الخالص لله تعالى من بنيان علمي دينى وحضاري ولنهيب بشبابنا أن تابعوا الخطى واسلكوا سبيل الائتساء بهؤلاء الاسلاف الكرام في النهوض بعلوم الإسلام وبث الوعي في المسلمين على أساس من هداية كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم
118 - النص الأول للأمام ابن الجوزي وهو الأمام الكبير المحدث الحافظ المفسر الصوفي عالم العراق وواعظ الآفاق عبد الرحمن بن علي بن محمد المشهور بابن الجوزي صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم ومجموعها مائتان ونيف وخمسون كتابا ما بين رسالة صغيرة وكتاب ضخم مثل زاد المسير في علم التفسير وكان يحضر مجالس وعظه الملوك والوزراء
قال سبطه سمعت جدي يقول على المنبر كتبت باصبعي ألفي مجلد وتاب على يدي مائة ألف وأسلم على يدي عشرون ألفا
وكان رحمه الله تعالى حريصا على وقته لايضيع منه شيئا حتى كان إذا جاءه الزوار شغل نفسه مع الحدبث إليهم بأعمال بسيطة آلية مثل تقطيع الورق ليعده للكتابة وبري الأقلام ونحو ذلك وقد فسح الله في عمره بالخير الكثير والأمد الطويل وتوفي سنة 597هـ رحمه الله وBه

وهذا النص من كتابه الطريف النافع صيد الخاطر قال فيه ما يلي
تأملت أحوال الناس في حالة علو شأنهم فرأيت أكثر الخلق تبين خارتهم حينئذ فمنهم من بالغ في المعاصي من الشباب ومنهم من فرط في اكتساب العلم ومنهم من أكثر من الإستمتاع باللذات
فكلهم نادم في حالة الكبر حين فوات الإستدراك لذنوب سلفت أو قوى ضعفت او فضيلة فاتت فيمضي زمان الكبر في حسرات فإن كانت للشيخ إفاقة من ذنوب قد سلفت قال واأسفاه على ما جنيت وان لم يكن له افاقة صار متأسفا على فوات ما كان يلتذ به
فأما من انفق عصر الشباب في العلم فإنه في زمن الشيخوخة يحمد جني ما غرس ويلتذ بتصنيف ما جمع ولا يرى ما يفقد من لذات البدن شيئا بالإضافة الى ما يناله من لذات العلم
هذا مع وجود لذاته في الطلب الذي كان تأمل به إدراك المطلوب وربما كانت تلك الأعمال اطيب مما نيل منها كما قال الشاعر ... اهتز عند نمني وصلها طربا ... ورب امنية احلى من الظفر ...

ولقد تأملت نفسي بالإضافة الى عشيرتي الذين انفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا وانفقت زمن الصبوة والشباب في طلب العلم فرأيتني
لم يفتني مما نالوه إلا ما لو حصل لي ندمت عليه ثم تأملت حالي فإذا عيشي في الدنيا اجود من عيشهم وجاهي بين الناس اعلى من جاههم وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم

فقال لي إبليس ونسيت تعبك وسهرك
فقلت له أيها الجاهل تقطيع الأيدي لا وقع له عند رؤية يوسف وما طالت طريق ادت إلي صديق ... جزى الله المسير اليه خيرا ... وان ترك المطايا كالمزاد ...
ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم القى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل لاجل ما اطلب وأرجو كنت في زمان الصبا اخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث واقعد على نهر عيسى فلا اقدر على آكلها إلا عند الماء فكلما أكلت لقمة شربت عليها وعين همتي لا ترى ألا لذة تحصيل العلم فاثمر ذلك عندي أني عرفت بكثرة سماعي لحديث الرسول صلى الله عليه و سلم وأحواله وادابه وأحوال أصحابه وتابعيهم فصرت في معرفة طريقه كابن اجود
119 - النص الثاني للحاكم ابي عبد الله النيسابوري وهو الإمام الجليل الحافظ الحاكم أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد النيسابوري المعروف بابن البيع

ولد سنة 321 هجري وطلب العلم من الصغر ورحل في الافاق وسمع من شيوخ لا يحصون كثره زهاء ألفي شيخ وتوفي سنة 405
وكان الحاكم آبو عبد الله إماما جليلا حافظا عارفا ثقة واسع العلم اتفق الناس على إمامته وجلالته وعظمة قدره ورحل إليه من البلاد لسعة علمه ودرايته واتفق العلماء على انه من اعلم الأئمة الذين حفظ الله بهم هذا الدين وكان الحاكم من ابرز الأعلام الذي شيدوا بنيان التدوين في علوم الحديث بتصنيف الكتب القيمة خصوصا كتابه معرفة علوم الحديث
قال الشيخ طاهر الجزائري فيه فوائد مهمة رائعة ينبغي لمطالعي هذا الفن الوقوف عليها وقال ابن خلدون ومن فحول علمائه يعني علوم الحديث وأئمتهم أبو عبد الله الحاكم وتآليفه فيه مشهورة وهو الذي هذبه وأظهر محاسنه
وهذا النص من مطلع كتابه القيم معرفة علوم الحديث قال فيه ما يلي في وصف المحدثين
قوم سلكوا محجة الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أجمعين قوم آثروا قطع المفاوز والقفاز على التنعم في الدمن والأوطار وتنعموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة أهل العلم والأخبار وقنعوا عند

جمع الأحاديث والآثار بوجود الكسر والأطمار قد رفضوا الإلحاد الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية وتوابع ذلك من البدع والأهواء والمقاييس والآراء والزيغ جعلوا المساجد بيوتهم وأساطينها تكاهم وبواريها فرشهم
حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ثنا محمد بن الحسين بن أبي الحنين ثنا عمر بن حفص بن غياث قال سمعت أبي وقيل له ألا تنظر إلى أصحاب الحديث وما هم فيه قال هم خير أهل الدنيا وحدثني أبو بكر محمد بن جعفر المزكي ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق قال سمعت علي بن خشرم يقول سمعت أبا بكر بن عياش يقول إني لأرجو أن يكون أصحاب الحديث خير الناس يقيم أحدهم ببابي وقد كتب عني فلو شاء أن يرجع ويقول حدثني أبو بكر جميع حديثه فعل إلا أنهم لا يكذبون
قال أبو عبد الله ولقد صدقا جميعا إن أصحاب الحديث خير الناس وكيف لا يكونون كذلك وقد نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم وجعلوا غذاءهم الكتابة وسمرهم المعارضة واسترواحهم المذاكرة وخلوقهم المداد ونومهم السهاد واصطلاءهم الضياء وتوسدهم الحصى فالشدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس فعقولهم بلذاذة السنة غامرة قلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة تعلم السنن سرورهم ومجالس العلم حبورهم وأهل السنة قاطبة إخوانهم وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم

120 - النص الثالث والأخير للأمام الخطيب البغدادي صاحب كتاب الرحلة نفسه من كتابه القيم شرف أصحاب الحديث قال رحمه الله وأجزل مثوبته
وقد جعل الله تعالى أهله يعني أهل الحديث أركان الشريعة وهدم بهم كل بدعة شنيعة فهم أمناء الله من خليقته والواسطة بين النبي صلى الله عليه و سلم وأمته والمجتهدون في حفظ ملته أنوارهم زاهرة وفضائلهم سائرة وآياتهم باهرة ومذاهبهم ظاهرة وحججهم قاهرة وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه أو تستحسن رأيا تعكف عليه سوى أصحاب الحديث فان الكتاب عدتهم والسنة حجتهم والرسول فئتهم وإليه نسبتهم لا يعوجون على الأهواء ولا يلتفتون إلى الآراء يقبل منهم ما رووا عن الرسول وهم المأمونون عليه والعدول حفظة الدين وخزنته وأوعية العلم وحملته إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع فما حكموا به فهو المقبول المسموع ومنهم كل عالم فقيه وإمام رفيع نبيه وزاهد في قبيلة ومخصوص بفضيلة وقارئ متقن وخطيب محسن وهم الجمهور العظيم وسبيلهم السبيل المستقيم وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر من كادهم قصمه الله ومن عاندهم خذله الله لا يضرهم من خذلهم ولا يفلح من اعتزلهم المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير وإن الله على نصرهم لقدير
أخبرنا أبو بكر عن معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال

لا يزال ناس من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة
قال علي بن المديني في حديث النبي صلى الله عليه و سلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم هم أهل الحديث والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ويذبون عن العلم لولاهم لم تجد عند المعتزلة والرافضة والجهمية شيئا من السنن
قال أبو بكر وقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين وصرف عنهم كيد المعاندين لتمسكهم بالشرع المتين واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين فشأنهم حفظ الآثار وقطع المفاوز والقفار وركوب البراري والبحار في اقتباس ما شرع الرسول المصطفى لا يعرجون عنه إلى رأي ولا هوى قبلوا شريعته قولا وفعلا وحرسوا سنته حفظا ونقلا حتى ثبتوا بذلك أصلها وكانوا أحق بها وأهلها وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها فهم الحفاظ لأركانها والقوامون بأمرها وشأنها إذا صدف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون أؤلئك حزب الله إلا أن حزب الله هم المفلحون
رحم الله أئمة هذا الدين وعلماءه المحدثين لقد كانوا في الأمم معجزة العلم والتاريخ جعلهم الله تعالى وسيلة لانحاز وعده إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
وإنا نذكر القارئ في هذا الختام أن استيعاب رحلات المحدثين وأخبارها لا يمكن إلا في مجلدات كثيرة لأنهم ما فيهم رجل لم يرحل في

طلب الحديث والعلم ولا يعتبر محدثا قط من لم يلق الشيوخ ويأخذ عنهم مهما عنعن ودندن إنما هو واحد من جملة الوراقين
وأن ما أورده الحافظ الخطيب في الرحلة للحديث الواحد ثم ما إستدركناه عليه ليس كل ما ورد في ذلك بل هناك الكثير من أخبار هذا النوع من الرحلة فيما نرى حسب القارئ منه هذا القدر ليثير العبرة والذكرى والإعتزاز بهذا التراث العظيم وليحفز الهمم للاجتهاد في طلب العلم والرحلة إلى لقاء العلماء لزيارتهم أو الإفادة من علمهم أو تلقن شمائلهم وهديهم والسعي لا حياء حضارة هذه الأمة الإسلامية
وهذا آخر ما تيسر تعليقه على كتاب الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي رحمه الله وأجزل مثوبته وقع الفراغ منه يوم السبت خامس رمضان المبارك من شهور سنة أربع وتسعين وثلاثمائة وألف من هجرة خير البرية صلى الله عليه و سلم يوافقه الحادي والعشرون من أيلول لسنة أربع وسبعين وتسعمائة وألف
وفقنا الله لاتباع كتابه وسنة رسوله ورفع لوائهما والهمنا محبة أئمة هذا الدين وعلماءه الفاضلين ومعرفة فضلهم وجزاهم عنا وعن العلم والدين خير الجزاء وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين


===============

كتاب : ثمرات النظر في علم الأثر محمد بن إسماعيل الأميرالصنعاني

كتاب : ثمرات النظر في علم الأثر محمد بن إسماعيل الأميرالصنعاني  -------------- ثمرات النظر في علم الأثر مقدمة المصنف بسم الله الرحمن الرحيم...