كتاب : المحلى أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري
(المتوفى : 456هـ) |
العمرى والرقى
العمرى والرقى هبة صحيحة تامة
...
الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى
1648 - مَسْأَلَةٌ: الْعُمْرَى، وَالرُّقْبَى: هِبَةٌ صَحِيحَةٌ تَامَّةٌ،
يَمْلِكُهَا الْمُعْمِرُ وَالْمُرْقِبُ، كَسَائِرِ مَالِهِ، يَبِيعُهَا إنْ شَاءَ،
وَتُورَثُ عَنْهُ، وَلاَ تَرْجِعُ إلَى الْمُعْمَرِ، وَلاَ إلَى وَرَثَتِهِ
سَوَاءٌ اشْتَرَطَ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَشَرْطُهُ
لِذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَالْعُمْرَى هِيَ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الدَّارُ،
وَهَذِهِ الأَرْضُ، أَوْ هَذَا الشَّيْءُ عُمْرَى لَك، أَوْ قَدْ أَعْمَرْتُكَ
إيَّاهَا أَوْ هِيَ لَك عُمْرُك أَوْ قَالَ: حَيَاتُك أَوْ قَالَ: رُقْبَى لَك
أَوْ قَدْ أَرْقَبْتُكهَا كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَوَالشَّافِعِيّ ِوَأَحْمَد وَأَصْحَابِهِمْ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا،
وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا
شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْعُمْرَى بَتَاتٌ وَمِنْ خُيِّرَ فَقَدْ طَلَّقَ.
= وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس عَنْ حُجْرٌ
الْمَدَرِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ.وَمِنْ
طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ سَأَلَ رَجُلٌ
ابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ أَعْطَى ابْنًا لَهُ بَعِيرًا حَيَاتَهُ فَقَالَ ابْنُ
عُمَرَ: هُوَ لَهُ حَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي
شَيْبَةَ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى
سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْعُمْرَى َالرُّقْبَى
سَوَاءٌ وَصَحَّ أَيْضًا َنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ:
مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ أَبَدًا وَعَنْ شُرَيْحٍ َقَتَادَةَ، وَعَطَاءِ
بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وطَاوُوس، وَإِبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا هُشَيْمٌ
نَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَمَّنْ
أَسْكَنَ آخَرَ دَارًا حَيَاتَهُ فَمَاتَ الْمُسْكِنُ وَالْمُسْكَنُ قَالَ:
تَرْجِعُ إلَى وَرَثَةِ الْمُسْكِنِ فَقُلْت: أَلَيْسَ يُقَالُ: مَنْ مَلَكَ
شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ:
إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعُمْرَى َأَمَّا السُّكْنَى وَالْغَلَّةُ، وَالْخِدْمَةُ،
فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَوَكِيعٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ
الزُّهْرِيِّ، إِلاَّ أَنَّ عَطَاءً، وَالزُّهْرِيَّ قَالاَ: إنْ جَعَلَ الْعُمْرَى
بَعْدَ الْمُعَمَّرِ فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ، أَوْ لأَِنْسَانٍ آخَرَ
غَيْرَ نَفْسِهِ: نَفَذَ ذَلِكَ كَمَا جَعَلَهُ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعُمْرَى:
هِبَةٌ صَحِيحَةٌ إذَا أَعْمَرَهَا لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فأما إنْ لَمْ يَقُلْ: لَهُ
وَلِعَقِبِهِ، فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْمُعَمِّرِ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ إذَا
مَاتَ الْمُعَمِّرُ وَهُوَ قَوْلٌ صَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ.وَبِهِ يَقُولُ
أَبُو ثَوْرٍ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعُمْرَى رَاجِعَةٌ
إلَى الْمُعَمِّرِ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ قَالَ:
أَعْمَرْتُكَ هَذَا بِشَيْءٍ لَك وَلِعَقِبِك: كَانَتْ كَذَلِكَ فَإِذَا انْقَرَضَ
الْمُعَمِّرُ وَعَقِبُهُ: رَجَعَتْ إلَى الْمُعَمِّرِ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ وَهُوَ
قَوْلٌ رُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الأَنْصَارِيِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ
قال أبو محمد: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ مَالِكٍ،
فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنْ
الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا نَحْنُ نَرِثُ
الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} قَالُوا: فَكَانَ كَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أُعْمِرَعُمْرَى
وَذَكَرُوا الْخَبَرَ "الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ" وَادَّعُوا
مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ بَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ " أَنَّ
عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَعْمُرُ بَنِي أَخِيها حَياتَهُمْ
فَإِذَا
(9/165)
َانْقَرَضَ أَحَدُهُمْ قَبَضَتْ مَسْكَنَهُ
فَوِرْثنَا نَحْنُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْيَوْمَ عَنْهَا، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا
غَيْرَ هَذَا أَصْلاً وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِأَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ،
رضي الله عنها، فَبَاطِلٌ، وَهَذِهِ آفَةُ الْمُرْسَلِ، وَاَلَّذِي لاَ شَكَّ
فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ، وَأَبَاهُ الْقَاسِمَ، وَجَدَّهُ
مُحَمَّدًا، لَمْ يَرِثُوا عَائِشَةَ، وَلاَ صَارَ إلَيْهِمْ بِالْمِيرَاثِ
عَنْهَا قِيمَةُ خَرْدَلَةٍ، لأََنَّ مُحَمَّدًا قُتِلَ فِي حَيَاتِهَا قَبْلَ
مَوْتِهَا بِنَحْوِ عِشْرِينَ سَنَةً وَإِنَّمَا وَرِثَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَطْ، لأََنَّهُ كَانَ ابْنَ شَقِيقِهَا،
فَحَجَبَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي " بَابِ
هِبَةِ الْمُشَاعِ " قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِأَوْرَاقٍ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ
عَنْهَا لَكَانَ قَدْ خَالَفَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ،
وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَلِيُّ بْن أَبِي طَالِبٍ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا
آنِفًا.وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ فَخَبَرٌ فَاسِدٌ، لأََنَّهُ
إمَّا عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ هَالِكٌ وَأَمَّا مُرْسَلٌ ثُمَّ لَوْ
صَحَّ لَكَانُوا أَوَّلَ مُخَالِفِينَ لَهُ، لأََنَّهُمْ يُبْطِلُونَ مِنْ شُرُوطِ
النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ شَرْطٍ: كَمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيلَهُ إلَى
يَوْمَيْنِ. وَكَمَنْ بَاعَ أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا. وَكَمَنْ بَاعَ
بِخِيَارٍ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً. وَكَمَنْ نَكَحَ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ هِيَ
عَلَيْهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. فَكَيْفَ وَهَذَا الشَّرْطُ يَعْنِي رُجُوعَ الْعُمْرَى
إلَى الْمُعَمِّرِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ: شَرْطٌ قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ نَصًّا
بِإِبْطَالِهِ، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَاحْتِجَاجُهُمْ بِالآيَةِ هَاهُنَا أَبْعَدُ شَيْءٍ مِنْ التَّوْفِيقِ
لِوُجُوهٍ.
أَوَّلُهَا أَنَّهُمْ قَاسُوا حُكْمَ النَّاسِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى
فِيهِمْ وَهَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْتُلُ النَّاسَ وَلاَ
مَلاَمَةَ عَلَيْهِ، وَيُجِيعُهُمْ، وَيُعَذِّبُهُمْ بِالْمَرَضِ، وَلاَ مَلاَمَةَ
عَلَيْهِ، وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ قِيَاسُ الْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ.
وَثَانِيهَا أَنَّهُمْ مَوَّهُوا وَقَلَبُوا لَنَا الآيَةَ، لأََنَّنَا لَمْ
نُنَازِعْهُمْ فِيمَنْ أَعْمَرَ آخَرَ مَالاً لَهُ وَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى
قَدْ أَعْمَرْتُكُمْ الأَرْضَ إنَّمَا قَالَ: إنَّهُ اسْتَعْمَرْنَا فِيهَا،
بِمَعْنَى أَنَّهُ عَمَّرَنَا بِالْبَقَاءِ فِيهَا مُدَّةً، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ
الْعُمْرَى فِي وِرْدٍ، وَلاَ صَدْرٍ. وَثَالِثُهَا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَوْ
جَعَلْنَاهَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لَكَانَ ذَلِكَ أَوْضَحَ مِمَّا مَوَّهُوا بِهِ
وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِلاَ شَكٍّ أَبَاحَ لَنَا بَيْعَ مَا مَلَكْنَا
مِنْ الأَرْضِ، وَجَعَلَهَا لِوَرَثَتِنَا بَعْدَنَا، وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا فِي
الْعُمْرَى لاَ قَوْلُهُمْ، فَظَهَرَ فَسَادُ مَا يَأْتُونَ بِهِ عَلاَنِيَةً،
وَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ يَقِينًا، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ كُلَّ مَا
صَحَّ، عَنِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ،
وَمُرْسَلاَتٍ كَثِيرَةٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ
قَوْلُ عُرْوَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: إنَّمَا
الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ:
هِيَ لَك وَلِعَقِبِك فأما إذَا قَالَ: هِيَ لَك مَا عِشْتَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ
إلَى صَاحِبِهَا.
قال أبو محمد: لَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ
فِيهِ، لأََنَّ الْمُسْنَدَ مِنْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ
(9/166)
صلى الله عليه وسلم إنَّمَا هُوَ أَنَّ الْعُمْرَى
الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ
وَلِعَقِبِكَ وَأَمَّا بَاقِي لَفْظِ الْخَبَرِ فَمِنْ كَلاَمِ جَابِرٍ، وَلاَ
حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ خَالَفَ
جَابِرًا هَاهُنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا
قَبْلُ فَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ حُكْمُ الْعُمْرَى إذَا قَالَ
الْمُعَمِّرُ: " هِيَ لَك وَلِعَقِبِك " فَقَطْ وَبَقِيَ حُكْمُهُ إذَا
لَمْ يَقُلْ هَذَا الْكَلاَمُ لاَ ذِكْرَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَوَجَبَ
طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَسَقَطَ هَذَا
الْقَوْلُ أَيْضًا فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا: فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ نَا ابْنُ أَبِي
فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ
وَلِعَقِبِهِ فَهِيَ لَهُ بَتْلَةٌ وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُعْطِي فِيهَا شَرْطٌ وَلاَ
ثُنْيَا" قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: لأََنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ
الْمَوَارِيثُ فَقَطَعَتْ الْمَوَارِيثُ شَرْطَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ هُوَ ابْنُ
مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عليه وسلم قَالَ: مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى فَهِيَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ يَرِثُهَا مَنْ
يَرِثُهُ مِنْ عَقِبِهِ" .
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ عُمْرَى فَمَنْ
أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ" .وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِثْلَهُ مُرْسَلاً.وَمِنْ
طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيِّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ قَالَ: قَرَأْت عَلَى مَعْقِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ
طَاوُوس، عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ
لِمُعْمَرِهِ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ، وَلاَ تُرْقِبُوا فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا
فَهُوَ سَبِيلُهُ".
قَالَ عَلِيٌّ: هَكَذَا رُوِّينَاهُ بِضَمِّ الْمِيم الأُُولَى مِنْ "
مُعْمَرٍ " وَفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ.وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ
شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ،
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ: لاَ تُرْقِبُوا، وَلاَ تَعْمُرُوا فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ
لِوَرَثَتِهِ" . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ،
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ "
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْعُمْرَى لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى
لِمَنْ أُرْقِبَهَا وَالْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ.
فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَلَمْ
يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهَا، وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ إِلاَّ فِي
الإِعْمَارِ وَالإِرْقَابِ كَمَا جَاءَ النَّصُّ وَأَمَّا الإِسْكَانُ
فَيُخْرِجُهُ مَتَى شَاءَ لأََنَّهَا عِدَّةٌ فِيمَا لَمْ يُجْزِهِ مِنْ
السُّكْنَى بَعْدُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/167)
العارية
والعارية جائزة وفعل حسن
...
الْعَارِيَّةُ
1649 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَارِيَّةُ جَائِزَةٌ وَفِعْلٌ حَسَنٌ، وَهِيَ فَرْضٌ فِي
بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَهِيَ إبَاحَةُ مَنَافِعِ بَعْضِ الشَّيْءِ، كَالدَّابَّةِ
لِلرُّكُوبِ وَالثَّوْبِ لِلِّبَاسِ، وَالْفَأْسِ لِلْقَطْعِ، وَالْقِدْرِ
لِلطَّبْخِ وَالْمِقْلَى لِلْقَلْوِ، وَالدَّلْوِ، وَالْحَبْلِ، وَالرَّحَى
لِلطَّحْنِ وَالإِبْرَةِ لِلْخِيَاطَةِ، وَسَائِرِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلاَ
يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَجْلٍ مُسَمًّى، لَكِنْ يَأْخُذُ مَا أَعَارَ
مَتَى شَاءَ، وَمَنْ سَأَلَهَا إيَّاهُ مُحْتَاجًا فَفَرَضَ عَلَيْهِ إعَارَتَهُ إيَّاهُ
إذَا وَثِقَ بِوَفَائِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْهُ عَلَى إضَاعَةِ مَا يَسْتَعِيرُ
أَوْ عَلَى جَحْدِهِ فَلاَ يُعِرْهُ شَيْئًا.
أَمَّا كَوْنُهَا فَرْضًا كَمَا ذَكَرْنَا فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ
يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} فَتَوَعَّدَ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ مَنَعَ
الْمَاعُون بِالْوَيْلِ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ
الْقَاضِي حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
فِي قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قَالَ هُوَ الْعَوَارِيُّ.
الْقِدْرُ، وَالدَّلْوُ، وَالْمِيزَانُ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ،
عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْمَاعُونُ مَا
تَعَاوَرَهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ: الْفَأْسُ، وَالْقِدْرُ، وَأَشْبَاهُهُ.وَمِنْ
طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ صُبْحٍ حَدَّثَتْنِي
أُمُّ شَرَاحِيلَ قَالَتْ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: اذْهَبِي إلَى فُلاَنَةَ
فَأَقْرِئِيهَا السَّلاَمَ وَقَوْلِي لَهَا: إنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ تُوصِيك
بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ تَمْنَعِي الْمَاعُونَ قَالَتْ: فَقُلْت:
مَا الْمَاعُونُ فَقَالَتْ لِي: هَبِلْتِ، هِيَ الْمِهْنَةُ يَتَعَاطَاهَا
النَّاسُ بَيْنَهُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَيْضًا، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مَهْدِيٍّ، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ يَحْيَى:
عَنْ شُعْبَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عِيَاضِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا:
الْمَاعُونُ مَنْعُ الْقِدْرِ وَالْفَأْسِ، وَالدَّلْوِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ
عُلَيَّةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلاَهُمَا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْمَاعُونِ الْمَذْكُورِ فِي
الآيَةِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي رِوَايَتِهِ: مَتَاعُ الْبَيْتِ، وَقَالَ
سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ: هِيَ الْعَارِيَّةُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَرُوِّينَاهُ
أَيْضًا: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ
حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ.
وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: هُوَ الْمَالُ يُمْنَعُ حَقُّهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ
لِمَا ذَكَرْنَاوَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِمَا، وَمَا
نَعْلَمُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، خِلاَفًا لِهَذَا فإن
قيل: قَدْ رُوِيَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهَا الزَّكَاةُ قلنا: نَعَمْ،
وَلَمْ يَقُلْ لَيْسَتْ الْعَارِيَّةُ ثُمَّ قَدْ جَاءَ عَنْهُ، أَنَّهَا
الْعَارِيَّةُ. فَوَجَبَ جَمْعُ قَوْلَيْهِ. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ " لَمْ يَأْتِ أَهْلُهَا بَعْدُ " مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ. قلنا: نَعَمْ، وَهَذَا
(9/168)
غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ
مُجَاهِدٍ، لأََنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " لَمْ يَأْتِ أَهْلُهَا بَعْدُ "
أَيْ إنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ يَتَبَاذَلُونَ، وَلاَ يَمْنَعُونَ وَسَيَأْتِي
زَمَانٌ يَمْنَعُونَهُ، وَلاَ يَحْتَمِلُ أَلْبَتَّةَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلاَّ
هَذَا الْوَجْهَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْعُ ذَلِكَ لِمُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ، فَلأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي
كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ.وَكَذَلِكَ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا
لِلْبِنَاءِ فِيهَا، أَوْ حَائِطًا لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ، فَلَهُ أَخْذُهُ
بِهَدْمِ بِنَائِهِ مَتَى أَحَبَّ بِلاَ تَكْلِيفِ عِوَضٍ لِقَوْلِ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ
حَرَامٌ" وَأَنَّ مَنْ أَضَاعَ مَا يَسْتَعِيرُ أَوْ جَحَدَهُ وَلَمْ
يُؤْمَنْ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى، عَنِ التَّعَاوُنِ
عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَلاَ يَجُوزُ عَوْنُهُ عَلَى ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/169)
والعارية غير مضمونة أن تلفت من من غير تعدى المستعير
...
1650 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَارِيَّةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ
تَعْدِي الْمُسْتَعِيرِ، وَسَوَاءٌ مَا غَيَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَوَارِيّ وَمَا
لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ مِنْهَا. فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَدَّى، أَوْ
أَضَاعَهَا حَتَّى تَلِفَتْ، أَوْ عَرَضَ فِيهَا عَارِضٌ، فَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ
بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ: ضَمِنَ بِلاَ خِلاَفٍ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ،
وَلاَ أَقَرَّ: لَزِمَتْهُ الْعَيْنُ وَبَرِئَ، لأََنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ
وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ.
وَأَمَّا تَضْمِينُهَا: فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا
قلنا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِأَيِّ وَجْهٍ
تَلِفَتْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَضْمَنُ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُعِيرُ
ضَمَانَهَا فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ ضَمَانَ عَلَى
الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ يَعْنِي الْمُتَّهَمَ. وَقَالَ قَائِلٌ: أَمَّا
مَا غَيَّبَ عَلَيْهِ كَالْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَضْمَنُ
جُمْلَةً وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ
بِأَنَّهَا تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ
تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَهُوَ ضَامِنٌ.وَأَمَّا مَا ظَهَرَ كَالْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ:
فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ مَا لَمْ يَتَعَدَّ.
قال أبو محمد: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُ فِيهِ سَلَفًا إِلاَّ
عُثْمَانَ الْبَتِّيَّ وَحْدَهُ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً إِلاَّ
أَنَّهُمْ قَالُوا: نَتَّهِمُ الْمُسْتَعِيرَ فِيمَا غَابَ فَقُلْنَا: لَيْسَ
بِالتُّهْمَةِ تُسْتَحَلُّ أَمْوَالُ النَّاسِ، لأََنَّهَا ظَنٌّ، وَاَللَّهُ
تَعَالَى: قَدْ أَنْكَرَ اتِّبَاعَ الظَّنِّ، فَقَالَ تَعَالَى: {إنْ يَتْبَعُونَ
إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا}. وَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ
الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ" وَيَلْزَمُكُمْ إذَا أَعْمَلْتُمْ الظَّنَّ
أَنْ تُضَمِّنُوا الْمُتَّهَمَ وَلاَ تُضَمِّنُوا مِنْ لاَ يُتَّهَمُ، كَمَا
يَقُولُ شُرَيْحٌ وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تُضَمِّنُوا الْوَدِيعَةَ أَيْضًا بِهَذِهِ
التُّهْمَةِ وَفَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُتَكَلَّفَ الرَّدُّ
عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَوْرَدْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.وقال
بعضهم: قِسْنَاهُ عَلَى الرَّهْنِ فَقُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ
وَحُجَّةٌ لِقَوْلِكُمْ بِقَوْلِكُمْ، وَكِلاَهُمَا خَطَأٌ. وقال بعضهم:
(9/169)
لَمَّا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَضْمِينِ
الْعَارِيَّةِ تَوَسَّطْنَا قَوْلَهُمْ قلنا لَهُمْ: وَمِنْ هَذَا سَأَلْنَاكُمْ
مِنْ أَيْنَ فَعَلْتُمْ هَذَا وَمِلْتُمْ إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ الْفَاسِدِ،
وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ
رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ
وَجْهٌ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرَ الْمُغِلِّ، وَلاَ
عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرَ الْمُغِلِّ، فَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، رُوِّينَاهُ
مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: سَمِعْت هِشَامَ بْنَ حَسَّانَ يَذْكُرُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ الْمُغِلُّ:
الْمُتَّهَمُ وَهُوَ يَبْطُلُ بِمَا بَطَلَ بِهِ قَوْلُ مَالِكٍ، لأََنَّهُ
بَنَاهُ عَلَى التُّهْمَةِ، وَهُوَ ظَنٌّ فَاسِدٌ.وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لاَ
ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَهُوَ
قَوْلُ قَتَادَةَ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ،
وَالْمَالِكِيِّينَ الْمُجِيزِينَ لِلشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِالْخَبَرِ
الْمَكْذُوبِ "الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ" أَنْ يَقُولُوا
بِقَوْلِ قَتَادَةَ هَاهُنَا، وَلَكِنْ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّنَاقُضِ
فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ ضَمِنَهَا
جُمْلَةً، أَوْ قَوْلُنَا فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ ضَمِنَهَا جُمْلَةً.
فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ هُوَ سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ابْنُ السَّائِبِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالاَ
جَمِيعًا: الْعَارِيَّةُ تُغْرَمُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ رِجَالٍ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْمَنُ
الْعَارِيَّةَ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ
طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي قَضِيَّةِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: الْعَارِيَّةُ
مُؤَدَّاةٌ. وَكَانَ شُرَيْحٌ يُضَمِّنُ الْعَارِيَّةَ، وَضَمَّنَهَا الْحَسَنُ،
ثُمَّ رَجَعَ، عَنْ ذَلِكَ، وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَيْضًا، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ
أَبِي رَبَاحٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَذَكَرَا أَنَّهُ قَوْلُ عُلَمَائِهِمْ الَّذِينَ
أَدْرَكُوا بِهِ وَكَانُوا يَقْضُونَ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
سَيَّارٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَكْحُولٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ:
أَجْمَعَ رَأْيُ الْقُضَاةِ عَلَى ذَلِكَ، إذْ رَأَوْا شُرُورَ النَّاسِ وَبِهَذَا
يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابُهُمَا وَاحْتَجُّوا
بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا} فَقُلْنَا لَهُمْ: فَضَمَّنُوا بِهَذِهِ الآيَةِ
الْوَدِيعَةَ فَقَدْ ضَمَّنَهَا عُمَرُ، وَغَيْرُهُ، وَنَعَمْ، هُوَ مَأْمُورٌ بِأَدَائِهَا
مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهَا، فَإِنْ عَجَزَ، عَنْ ذَلِكَ، فَاَللَّهُ
تَعَالَى يَقُولُ: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} فَإِذْ
لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَدَاؤُهَا فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي
هَذِهِ الآيَةِ تَضْمِينٌ، لأََنَّ أَدَاءَ الْغَرَامَةِ هُوَ غَيْرُ أَدَاءِ
الأَمَانَةِ، فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَكُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ أَصْلاً، لأََنَّهُ
لَيْسَ فِيهَا أَدَاءُ غَيْرِهَا، وَلاَ ضَمَانُهَا، وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي
أَدْرَاعِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَبِمَا رُوِيَ الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ
وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَكِلاَهُمَا
(9/170)
لايَصِحُّ, أَمَّا خَبَرُ دُرُوعِ صَفْوَانَ،
فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ،
حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ
بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أبية
"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْهُ يَوْمَ
حُنَيْنٍ أَدْرَاعًا، فَقَالَ: غَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ
مَضْمُونَةٌ" شَرِيكٌ مُدَلِّسٌ لِلْمُنْكَرَاتِ إلَى الثِّقَاتِ، وَقَدْ
رَوَى الْبَلاَيَا وَالْكَذِبَ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ، عَنِ الثِّقَاتِ.وَمِنْ
طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ
حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ اسْتَعَارَ مِنْهُ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سِلاَحًا فَقَالَ: مَضْمُونَةٌ قَالَ:
مَضْمُونَةٌ,الْحَارِثِ مَتْرُوكٌ. وَيَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ لَمْ يُدْرِكْ
نَافِعًا، وَأَعْلَى مَنْ عِنْدَهُ شُعْبَةُ، وَلاَ نَعْلَمُ لِنَافِعٍ سَمَاعًا
مِنْ صَفْوَانَ أَصْلاً وَاَلَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ فَإِنَّ صَفْوَانَ مَاتَ
أَيَّامَ عُثْمَانَ قَبْلَ الْفِتْنَةِ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ عِيَاضٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ
أُمَيَّةَ "أَعَارَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِلاَحًا فَقَالَ:
أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ أَمْ غَصْبٌ؟ فَقَالَ بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ"
هَذَا مُنْقَطِعٌ، لأََنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ لَمْ يُدْرِكْ صَفْوَانَ، وَلاَ
وُلِدَ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَهْرٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ نَاسٍ مِنْ آلِ
صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ "اسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
مِنْ صَفْوَانَ سِلاَحًا فَقَالَ صَفْوَانُ: أَعَارِيَّةٌ أَمْ غَصْبٌ؟ قَالَ:
بَلْ عَارِيَّةٌ، فَفَقَدُوا مِنْهَا دِرْعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم: إنْ شِئْت غَرِمْنَاهَا لَكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ فِي
قَلْبِي مِنْ الإِيمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ" هَذَا، عَنْ نَاسٍ لَمْ
يُسَمُّوا.وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ،
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دُرُوعًا فَهَلَكَ بَعْضُهَا،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنْ شِئْتَ غَرِمْنَاهَا لَكَ قَالَ:
لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ" إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ
عليه الصلاة والسلام إنْ شِئْتَ غَرِمْنَاهَا لَكَ لَوْ صَحَّ بَيَانٌ بِوُجُوبٍ
غَرِمَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا غَيْرَ هَذَا اللَّفْظِ، وَالأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ
لاَ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِإِبَاحَتِهَا بِغَيْرِ بَيَانٍ جَلِيٍّ وَمِنْ طَرِيقِ
ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَيُونُسَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ رَبِيعَةَ، وَقَالَ
ابْنُ عُمَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَذَكَر دُرُوعَ صَفْوَانَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم قَالَ: بَلْ طَوْعًا، وَهِيَ عَلَيْنَا ضَامِنَةٌ هَذَا مُرْسَلٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ
الْعِلْمِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ فِي شَرْطِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم إنْ كَانَ بِأَرْضِ الْيَمَنِ كَوْنٌ أَوْ حَدَثٌ أَنْ
يُعْطُوا رُسُلَ الْيَمَنِ ثَلاَثِينَ بَعِيرًا وَثَلاَثِينَ فَرَسًا،
وَثَلاَثِينَ دِرْعًا، وَهُمْ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا هَذَا مُرَدَّدٌ
فِي الضَّعْفِ مُنْقَطِعٌ، وَعَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ
سَاقِطٌ.وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ
نَجْرَانَ عَارِيَّةً ثَلاَثِينَ فَرَسًا وَثَلاَثِينَ دِرْعًا وَثَلاَثِينَ
رُمْحًا، فَإِنْ ضَاعَ
(9/171)
مِنْهَا شَيْءٌ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى رُسُلِهِ،
شَهِدَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَالأَقْرَعُ
بْنُ حَابِسٍ هَذَا مُنْقَطِعٌ، لَمْ يُدْرِكْ عَمْرٌو مِنْ هَؤُلاَءِ أَحَدًا
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ حُصَيْنٍ مُرْسَلٌ. وَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ
الْحَمِيدِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ إيَاسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ صَفْوَانَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ
حُنَيْنًا قَالَ لِصَفْوَانَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ سِلاَحٍ قَالَ: عَارِيَّةً أَمْ
غَصْبًا قَالَ: لاَ، بَلْ عَارِيَّةٌ، فَأَعَارَهُ مَا بَيْنَ الثَّلاَثِينَ إلَى
الأَرْبَعِينَ دِرْعًا، فَلَمَّا هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ جُمِعَتْ دُرُوعُ
صَفْوَانَ، فَفُقِدَ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
إنَّا قَدْ فَقَدْنَا مِنْ أَدْرَاعِكَ أَدْرَاعًا، فَهَلْ نَغْرَمُ لَك فَقَالَ:
لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فِي قَلْبِي الْيَوْمَ مَا لَمْ يَكُنْ"
فَهَذَا مُرْسَلٌ كَتِلْكَ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِي
الْحُكْمِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ سَمِعْت
أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه
وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالدَّيْنُ
مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ" إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ
ضَعِيفٌ.وَرُوِّينَا أَيْضًا الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ
شُعَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ سَمِعْت الْحَجَّاجَ بْنَ الْفُرَافِصَةِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْحَجَّاجُ بْنُ الْفُرَافِصَةِ مَجْهُولٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ،
حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ
حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ حُرَيْثٍ الطَّائِيُّ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَاتِمُ بْنُ حُرَيْثٍ مَجْهُولٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
حَيَّانَ اللَّيْثِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ
مَرْدُودَةٌ" ابْنُ لَهِيعَةَ لاَ شَيْءَ.وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ
أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الْعَارِيَّةُ
مُؤَدَّاةٌ الْفَرْوِيُّ ضَعِيفٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْعُمَرِيُّ
الصَّغِيرُ ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الأَلْفَاظُ لَمَا كَانَ فِيهَا إِلاَّ
أَنَّهَا مُؤَدَّاةٌ، وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ أَدَاءَهَا فَرْضٌ، وَالتَّضْمِينُ
غَيْرُ الأَدَاءِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ أَصْلاً فَبَطَلَ
تَعَلُّقُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَمُرَةَ
بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ
حَتَّى تُؤَدِّيَهُ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، لأََنَّ قَتَادَةَ لَمْ يُدْرِكْ
سَمُرَةَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ
بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَى
الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ" الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ
سَمُرَةَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ إِلاَّ الأَدَاءُ، وَهَكَذَا نَقُولُ،
وَالأَدَاءُ غَيْرُ الضَّمَانِ فِي اللُّغَةِ وَالْحُكْمِ، وَيَلْزَمُهُمْ إذَا
حَمَلُوا هَذَا اللَّفْظَ عَلَى الضَّمَانِ أَنْ يُضَمِّنُوا بِذَلِكَ
الْمَرْهُونَ وَالْوَدَائِعَ، لأََنَّهَا مِمَّا قَبَضَتْ الْيَدُ، وَكُلُّ
(9/172)
هَذَا قَدْ قَالَ بِتَضْمِينِهِ طَوَائِفُ مِنْ
الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ،
حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا
قَتَادَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ
أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إذَا أَتَتْكَ رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ ثَلاَثِينَ دِرْعًا وَثَلاَثِينَ
بَعِيرًا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ أَمْ عَارِيَّةٌ
مُؤَدَّاةٌ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ" فَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا رُوِيَ فِي الْعَارِيَّةِ خَبَرٌ يَصِحُّ غَيْرُهُ
وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَلاَ يُسَاوِي الأَشْتِغَالَ بِهِ وَقَدْ فَرَّقَ فِيهِ
بَيْنَ الضَّمَانِ وَالأَدَاءِ وَأَوْجَبَ فِي الْعَارِيَّةِ الأَدَاءَ فَقَطْ
دُونَ الضَّمَانِ فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ النُّصُوصِ.
وَقَالُوا: وَجَدْنَا كُلَّ مَا يَقْبِضُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ مِنْ
الأَمْوَالِ يَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا قِسْمُ مَنْفَعَةٍ
لِلدَّافِعِ دُونَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، كَالْوَدِيعَةِ، وَالْوَكَالَةِ فَهَذَا
غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ
وَثَانِيهَا قِسْمٌ مَنْفَعَتُهُ لِلدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ مَعًا،
كَالْقِرَاضِ، وَقَدْ أَتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَوَجَبَ أَنْ
يَكُونَ الرَّهْنُ وَكُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ. وَثَالِثُهَا مَا
مَنْفَعَتُهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ دُونَ الدَّافِعِ كَالْقَرْضِ، وَقَدْ صَحَّ
الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعَارِيَّةُ وَكُلُّ
مَا فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ.
قال أبو محمد: "وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ"، إِلاَّ
أَنَّهُ مِنْ الْمَلِيحِ الْمُمَوَّهِ مِنْ مَقَايِيسِهِمْ وَأَنَّهُمْ
لَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ، وَيُبِيحُونَ الْفُرُوجَ، وَالأَمْوَالَ وَالأَبْشَارَ
بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا، كَقِيَاسِهِمْ فِي الصَّدَاقِ وَفِي جَلْدِ الشَّارِبِ
قِيَاسًا عَلَى الْقَاذِفِ، وَالْقَوَدِ لِلْكَافِرِ مِنْ الْمُؤْمِنِ، وَفَاعِلُ
فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، وَسَائِرِ قِيَاسِهِمْ، إِلاَّ أَنَّنَا نُعَارِضُ هَذَا
الْقِيَاسَ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ دَفْعُ مَالٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ،
كَالْوَدِيعَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا يَلِي فِي اللِّبَاسِ وَفِيمَا
اُسْتُعِيرَتْ لَهُ فَنَقَصَ مِنْهَا بِلاَ تَعَدٍّ فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ،
فَكَذَلِكَ سَائِرُ النَّقْصِ وَهَذَا كُلُّهُ وَسَاوِسُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ
الْحُكْمِ بِهَا فِي دِينِهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَبَقِيَ قَوْلُنَا، فَوَجَدْنَاهُ قَدْ رُوِيَ، عَنْ عُمَرَ،
وَعَلِيٍّ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،
عَنِ ابْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْعَارِيَّةُ لَيْسَتْ
بَيْعًا، وَلاَ مَضْمُونَةً إنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ إِلاَّ أَنْ يُخَالِفَ فَيَضْمَنَ
وَهَذَا صَحِيحٌ، عَنْ عَلِيٍّ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا
قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ هِلاَلٍ
الْوَزَّانِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:
الْعَارِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ، وَلاَ ضَمَانَ فِيهَا، إِلاَّ أَنْ
يَتَعَدَّىوَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ.
قال أبو محمد: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ
(9/173)
تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ منكم} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" فَصَحَّ أَنَّ مَالَ الْمُسْتَعِيرِ مُحَرَّمٌ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَهُ نَصُّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَلَمْ يُوجِبْهُ قَطُّ نَصٌّ مِنْهُمَا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاس وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} وَالْمُسْتَعِيرُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ، وَلاَ ضَيَّعَ: مُحْسِنٌ فَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالْغُرْمُ سَبِيلٌ بِيَقِينٍ فَلاَ غُرْمَ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/174)
الضيافة
الضيافة فرض على البدوى
...
الضِّيَافَةُ
1651- مَسْأَلَةُ: الضِّيَافَةِ فَرْضٌ عَلَى الْبَدْوِيِّ، وَالْحَضَرِيِّ،
وَالْفَقِيهِ، وَالْجَاهِلِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مَبَرَّةٌ وَإِتْحَافٌ، ثُمَّ
ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ: ضِيَافَةٌ، وَلاَ مَزِيدَ، فَإِنْ زَادَ فَلَيْسَ قِرَاهُ
لاَزِمًا، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى قِرَاهُ: فَحَسَنٌ فَإِنْ مَنَعَ الضِّيَافَةَ
الْوَاجِبَةَ فَلَهُ أَخْذُهَا مُغَالَبَةً، وَكَيْف أَمْكَنَهُ، وَيُقْضَى لَهُ
بِذَلِكَ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ
الْكَعْبِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلِيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتُهُ
يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ
فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى
يُحْرِجَهُ" قَالَ أَبُو دَاوُد، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنْ
أَشْهَبَ، عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْله عليه الصلاة والسلام: "جَائِزَتُهُ يَوْمٌ
وَلَيْلَةٌ": قَالَ مَالِكٌ: يُتْحِفُهُ وَيُكْرِمُهُ وَيَخُصُّهُ يَوْمًا
وَلَيْلَةً وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ضِيَافَةً.وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ،
عَنِ الْمُقَدَّمُ أَبِي كَرِيمَةَ " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله
عليه وسلم يَقُولُ: لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ كَانَ مُسْلِمًا،
فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، إنْ شَاءَ اقْتَضَى وَإِنْ
شَاءَ تَرَكَ".
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ أَبِي
الأَحْوَصِ هُوَ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ الْجُشَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ
"قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ نَزَلْتُ بِهِ فَلَمْ
يُكْرِمْنِي وَلَمْ يُضِفْنِي وَلَمْ يَقْرِنِي ثُمَّ نَزَلَ بِي أُجْزِيهِ قَالَ:
بَلْ أَقْرِه". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ
أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قلنا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك
تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلاَ يَقْرُونَنَا فَمَا تَرَى قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا بِمَا
يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ
حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ" .
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: "وَطَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاِثْنَيْنِ، وَطَعَامُ
الاِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي
الثَّمَانِيَةَ" .وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ
(9/174)
التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ هُوَ النَّهْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ" ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ خَمْسَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِسَادِسٍ، أَوْ كَمَا قَالَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَشْرَةٍ. فَهَذَا نَصُّ إيجَابِ الضِّيَافَةِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَاضِرَةِ، وَهَذِهِ أَخْبَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ مُخَالِفَتُهَا.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى " أَنَّ نَاسًا مِنْ الأَنْصَارِ سَافَرُوا فَأَرْمَلُوا فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَسَأَلُوهُمْ الْقِرَى فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، فَسَأَلُوهُمْ الشِّرَاءَ فَأَبَوْا فَضَبَطُوهُمْ فَأَصَابُوا مِنْهُمْ فَأَتَتْ الأَعْرَابُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَشْفَقَتْ الأَنْصَارُ، فَقَالَ عُمَرُ تَمْنَعُونَ ابْنَ السَّبِيلِ مَا يَخْلُفُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ضُرُوعِ الإِبِلِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، ابْنُ السَّبِيلِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ مِنْ الثَّاوِي عَلَيْهِ " فَهَذَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ وَحُكْمُ عُمَرَ بِحَضْرَتِهِمْ، لاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.وَرُوِّينَا، عَنْ مَالِكٍ: لاَ ضِيَافَةَ عَلَى أَهْلِ الْحَاضِرَةِ، وَلاَ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/175)
الاحباس
والتحبيس وهو الوقف جائز
...
الأَحْبَاسُ
1652 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّحْبِيسُ وَهُوَ الْوَقْفُ جَائِزٌ فِي الأُُصُولِ مِنْ
الدُّور وَالأَرْضِينَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ إنْ كَانَتْ
فِيهَا، وَفِي الأَرْحَاءِ، وَفِي الْمَصَاحِفِ، وَالدَّفَاتِرِ. وَيَجُوزُ
أَيْضًا فِي الْعَبِيدِ، وَالسِّلاَحِ، وَالْخَيْلِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ فِي الْجِهَادِ فَقَطْ، لاَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ فِي شَيْءٍ
غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا أَصْلاً، وَلاَ فِي بِنَاءٍ دُونَ الْقَاعَةِ. وَجَائِزٌ
لِلْمَرْءِ أَنْ يَحْبِسَ عَلَى مَنْ أَحَبَّ، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَى
مَنْ شَاءَ وَخَالَفْنَا فِي هَذَا قَوْمٌ: فَطَائِفَةٌ أَبْطَلَتْ الْحَبْسَ
مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَرُوِيَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٌ
قَالَتْ: لاَ حَبْسَ إِلاَّ فِي سِلاَحٍ، أَوْ كُرَاعٍ، رُوِيَ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهم، وَطَائِفَةٌ أَجَازَتْ
الْحَبْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي الثِّيَابِ، وَالْعَبِيدِ، وَالْحَيَوَانِ،
وَالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَأَتَى أَبُو حَنِيفَةَ
بِقَوْلٍ خَالَفَ فِيهِ كُلَّ مَنْ تَقَدَّمَ وَالسُّنَّةَ وَالْمَعْقُولَ
فَقَالَ: الْحَبْسُ جَائِزٌ فِي الصِّحَّةِ، وَفِي الْمَرَضِ إِلاَّ أَنَّ
لِلْمُحْبِسِ إبْطَالُهُ مَتَى شَاءَ، وَبَيْعُهُ وَارْتِجَاعُهُ بِنَقْضِ
الْحَبْسِ الَّذِي عَقَدَ فِيهِ، وَلاَ يَجُوزُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا، وَهَذَا
أَشْهَرُ أَقْوَالِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بَعْدَ
الْمَوْتِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا عَنْهُ أَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ إبْطَالُهُ وَهَذَا
هُوَ الأَشْهَرُ عَنْهُ أَمْ لاَ يَجُوزُ؟
(9/175)
وَهَذَا قَوْلٌ يَكْفِي إيرَادُهُ مِنْ فَسَادِهِ،
لأََنَّهُ لَمْ تَأْتِ بِهِ سُنَّةٌ، وَلاَ أَيَّدَهُ قِيَاسٌ، وَلاَ يُعْرَفُ،
عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَتَفْرِيقٌ فَاسِدٌ فَسَقَطَ جُمْلَةً.وَأَمَّا الْقَوْلُ
الْمَرْوِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهُ لَمْ
يَصِحَّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ: أَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَرُوِّينَاهُ مِنْ
طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ رَجُلٍ،
عَنِ الْقَاسِمِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ حَبْسَ إِلاَّ فِي سِلاَحٍ
أَوْ كُرَاعٍ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ، لأََنَّهَا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ
وَلأََنَّ وَالِدَ الْقَاسِمِ لاَ يَحْفَظُ، عَنْ أَبِيهِ كَلِمَةً، وَكَانَ لَهُ
إذْ مَاتَ أَبُوهُ سِتُّ سِنِينَ فَكَيْفَ وَلَدَهُ، وَلاَ نَعْرِفُهَا، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَصْلاً، وَلاَ عَنْ عَلِيٍّ، بَلْ نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهَا كَذِبٌ
عَلَى عَلِيٍّ، لأََنَّ إيقَافَهُ يَنْبُعَ، وَغَيْرَهَا: أَشْهَرُ مِنْ
الشَّمْسِ، وَالْكَذِبُ كَثِيرٌ، وَلَعَلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ
بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ
مَا فَضَلَ، عَنْ قُوتِهِ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ.
قال أبو محمد: فَيُقَالُ: نَعَمْ، وَإِنْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم إيقَافُ غَيْرِ الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ: وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ أَيْضًا،
وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ، فَبَطَلَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ.وَأَمَّا مَنْ أَبْطَلَ
الْحَبْسَ جُمْلَةً: فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ حَبِيبٍ رَوَى، عَنِ
الْوَاقِدِيِّ قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم إلَّا وَقَدْ أَوْقَفَ وَحَبَسَ أَرْضًا، إِلاَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ عَوْفٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْحَبْسَ وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَخْبَاثٍ
فَإِنَّهَا زَادَتْ مَا جَاءَتْ فِيهِ ضَعْفًا وَلَعَلَّهُ قَبْلَهُ كَانَ
أَقْوَى.وَأَمَّا مَالِكٌ وَمَنْ قَلَّدَهُ: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ
قَاسُوا عَلَى مَا جَاءَ فِيهِ النَّصُّ مَا لاَ نَصَّ فِيهِ.
قال أبو محمد: "وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ
يُبْطِلُهُ"، لأََنَّ إيقَافَ الشَّيْءِ لِغَيْرِ مَالِكٍ مِنْ النَّاسِ،
وَاشْتِرَاطُ الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُورَثَ، أَوْ يُبَاعَ، أَوْ يُوهَبَ: شُرُوطٌ
لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: "مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ
فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ
اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ" فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ
إِلاَّ مَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَوَازِهِ فَقَطْ،
فَكَانَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحَيٌّ يُوحَى} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ} لاَ سِيَّمَا الدَّنَانِيرُ.
وَالدَّرَاهِمُ، وَكُلُّ مَا لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ، إِلاَّ بِإِتْلاَفِ عَيْنِهِ،
أَوْ إخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، فَهَذَا هُوَ نَقْضُ الْوَقْفِ
وَإِبْطَالُهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَحْتَجُّوا بِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: "إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ
ثَلاَثِ أَشْيَاءَ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ
وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" فَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّ
الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ لاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَعْنِ
بِهَا إِلاَّ مَا أَجَازَهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ، لاَ كُلَّ مَا يَظُنُّهُ الْمَرْءُ
صَدَقَةً، كَمَنْ تَصَدَّقَ بِمُحَرَّمٍ أَوْ شَرَطَ فِي صَدَقَتِهِ شَرْطًا
لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ,فَصَحَّ
(9/176)
أَنَّ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ، الْبَاقِي أَجْرُهَا
بَعْدَ الْمَوْتِ إمَّا صَدَقَةٌ مُطْلَقَةٌ فِيمَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بِهِ
مِمَّا صَحَّ مِلْكُ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا
شَرْطًا مُفْسِدًا,وَأَمَّا صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ فِيمَا يَجُوزُ الْوَقْفُ فِيهِ
فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ حُجَّةٌ فِيمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْ
الصَّدَقَاتِ، أَيَجُوزُ أَمْ لاَ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ لَمْ يُجِزْهَا
الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَكَمَنْ تَصَدَّقَ فِي وَصِيَّتِهِ عَلَى وَارِثٍ أَوْ
بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَلاَ بِمُحَرَّمٍ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِخَمْرٍ، أَوْ
خِنْزِيرٍ. وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْجَائِزَةَ الْمُتَقَبَّلَةَ
يَبْقَى أَجْرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَطْ. فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً
لِتَعَرِّيه مِنْ الأَدِلَّةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: "احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْحَبْسَ جُمْلَة". بِمَا
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ،
عَنْ أَبِي عَوْنٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ قَالَ:
قَالَ لِي شُرَيْحٌ: جَاءَ مُحَمَّدٌ بِإِطْلاَقِ الْحَبْسِ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ
مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ
سَمِعَ شُرَيْحًا وَسُئِلَ فِيمَنْ مَاتَ وَجَعَلَ دَارِهِ حَبْسًا فَقَالَ: لاَ
حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ.
قال علي: "هذا مُنْقَطِعٌ، بَلْ الصَّحِيحُ خِلاَفُهُ" وَهُوَ أَنَّ
مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم جَاءَ بِإِثْبَاتِ الْحَبْسِ نَصًّا عَلَى مَا
نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكَيْفَ، وَهَذَا اللَّفْظُ
يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ كَانَ الْحَبْسُ، وَقَدْ جَاءَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه
وسلم بِإِبْطَالِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ يُعْلَمُ بِيَقِينٍ، لأََنَّ الْعَرَبَ لَمْ
تَعْرِفْ فِي جَاهِلِيَّتِهَا الْحَبْسَ الَّذِي اخْتَلَفَا فِيهِ، إنَّمَا هُوَ
اسْمٌ شَرِيعِيٌّ، وَشَرْعٌ إسْلاَمِيٌّ: جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم
كَمَا جَاءَ بِالصَّلاَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَلَوْلاَهُ عليه الصلاة
والسلام مَا عَرَفْنَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِعِ، وَلاَ غَيْرِهَا،
فَبَطَلَ هَذَا الْكَلاَمُ جُمْلَةً.وَأَمَّا قَوْلُهُ " لاَ حَبْسَ، عَنْ
فَرَائِضِ اللَّهِ " فَقَوْلٌ فَاسِدٌ، لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي
جَوَازِ الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَالْوَصِيَّةِ بَعْدَ
الْمَوْتِ، وَكُلُّ هَذِهِ مُسْقِطَةٌ لِفَرَائِضِ الْوَرَثَةِ عَمَّا لَوْ لَمْ
تَكُنْ فِيهِ لَوَرِثُوهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَجِبُ
بِهَذَا الْقَوْلِ إبْطَالُ كُلِّ هِبَةٍ، وَكُلِّ وَصِيَّةٍ، لأََنَّهَا
مَانِعَةٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَوَارِيثِ.فَإِنْ قَالُوا:
هَذِهِ شَرَائِعُ جَاءَ بِهَا النَّصُّ قلنا: وَالْحَبْسُ شَرِيعَةٌ جَاءَ بِهَا
النَّصُّ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ
طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَخِيهِ عِيسَى، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم: "لاَ حَبْسَ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ" .
قال أبو محمد: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَابْنُ لَهِيعَةَ لاَ خَيْرَ فِيهِ،
وَأَخُوهُ مِثْلُهُ وَبَيَانُ وَضْعِهِ: أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ أَوْ بَعْضَهَا
نَزَلَتْ بَعْدَ أُحُدٍ يَعْنِي آيَةَ الْمَوَارِيثِ وَحَبَسَ الصَّحَابَةُ
بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَيْبَرَ وَبَعْدَ نُزُولِ
الْمَوَارِيثِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ. وَهَذَا أَمْرٌ مُتَوَاتِرٌ جِيلاً بَعْدَ
جِيلٍ
(9/177)
وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ مَنْسُوخًا
بِاتِّصَالِ الْحَبْسِ بِعِلْمِهِ عليه الصلاة والسلام إلَى أَنْ مَاتَ وَذَكَرُوا
أَيْضًا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَمُحَمَّدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنِي
أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، كُلُّهُمْ، عَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: "إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ
رَبِّهِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ
حَائِطِي هَذَا صَدَقَةٌ وَهُوَ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَجَاءَ أَبَوَاهُ
فَقَالاَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ قِوَامُ عَيْشِنَا فَرَدَّهُ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ مَاتَا فَوِرْثَهُمَا ابْنُهُمَا" زَادَ
بَعْضُهُمْ " مَوْقُوفَةٌ " وَهِيَ زِيَادَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَهَذَا
لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ أَوَّلُهَا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، لأََنَّ أَبَا
بَكْرٍ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ قَطُّ.وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ
أَنَّهُ قِوَامُ عَيْشِهِمْ، وَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِوَامِ
عَيْشِهِ، بَلْ هُوَ مَفْسُوخٌ إنْ فَعَلَهُ، فَهَذَا الْخَبَرُ لَوْ صَحَّ
لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ وَمُوَافِقًا لِقَوْلِنَا، وَمُخَالِفًا
لِقَوْلِهِمْ فِي إجَازَتِهِمْ الصَّدَقَةَ بِمَا لاَ يَبْقَى لِلْمَرْءِ بَعْدَهُ
غِنًى. وَالثَّالِثُ أَنَّ لَفْظَةَ " مَوْقُوفَةٌ " إنَّمَا انْفَرَدَ
بِهَا مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ. وَمَوَّهُوا بِأَخْبَارٍ نَحْوِ هَذَا، لَيْسَ فِي
شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرَ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا فِيهَا " صَدَقَةٌ "
وَهَذَا لاَ نُنْكِرُهُ وقال بعضهم: قَدْ كَانَ شُرَيْحٌ لاَ يَعْرِفُ الْحَبْسَ
وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَقْضِيَ مَنْ لاَ يَعْرِفُ مِثْلَ
هَذَا.
قال أبو محمد: "لَوْ اسْتَحْيَا قَائِلُ هَذَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ"،
وَهَلَّا قَالُوا هَذَا فِي كُلِّ مَا خَالَفُوا فِيهِ شُرَيْحًا وَأَيُّ نَكِرَةٍ
فِي جَهْلِ شُرَيْحٍ سُنَّةً وَأَلْفَ سُنَّةً، وَاَللَّهِ لَقَدْ غَابَ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ نَسْخُ التَّطْبِيقِ، وَلَقَدْ غَابَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِيرَاثُ
الْجَدَّةِ، وَلَقَدْ غَابَ، عَنْ عُمَرَ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ
سِنِينَ وَإِجْلاَءُ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ عَامٍ مِنْ
خِلاَفَتِهِ، وَبِمِثْلِ هَذَا لَوْ تُتُبِّعَ لَبَلَغَ أَزِيدَ مِنْ أَلْفِ
سُنَّةٍ غَابَتْ عَمَّنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ شُرَيْحٍ. وَلَوْ لَمْ يُسْتَقْضَ
إِلاَّ مَنْ لاَ تَخْفَى عَلَيْهِ سُنَّةٌ، وَلاَ تَغِيبُ عَنْ ذِكْرِهِ سَاعَةً
مِنْ دَهْرِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: مَا اسْتَقْصَى أَحَدٌ، وَلاَ
قَضَى، وَلاَ أَفْتَى أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ مَنْ
جَهِلَ عُذِرَ وَمِنْ عَلِمَ غُبِطَ. وَقَالُوا: الصَّدَقَةُ بِالثَّمَرَةِ
الَّتِي هِيَ الْغَرَضُ مِنْ الْحَبْسِ يَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ، فَذَلِكَ فِي
الأَصْلِ أَوْلَى.
قال علي: هذا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ هُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ،
لأََنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إيقَافِ الأَصْلِ وَحَبْسِهِ وَتَسْبِيلِ الثَّمَرَةِ،
فَهَذَا اعْتِرَاضٌ مِنْهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ عَلَى
غَيْرِهِ، وَالْقَوْمُ مَخَاذِيلُ. وَقَالُوا: لَمَّا كَانَتْ الأَحْبَاسُ
تُخْرَجُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ بَطَلَ ذَلِكَ، كَمَنْ قَالَ: أَخْرَجْتُ دَارِي
عَنْ مِلْكِي.
قال أبو محمد: وَهَذِهِ وَسَاوِسُ لأََنَّ الْحَبْسَ لَيْسَ إخْرَاجًا إلَى غَيْرِ
مَالِك بَلْ إلَى أَجْلِ الْمَالِكِينَ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَعِتْقِ
الْعَبْدِ، وَلاَ فَرْقَ. ثُمَّ قَدْ تَنَاقَضُوا فَأَجَازُوا تَحْبِيسَ
الْمَسْجِدِ، وَالْمَقْبَرَةِ وَإِخْرَاجَهُمَا إلَى غَيْرِ مَالِكٍ، وَأَجَازُوا
الْحَبْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي أَشْهَرِ أَقْوَالِهِمْ، فَبَلَّحُوا عِنْدَ
هَذِهِ
(9/178)
فَقَالُوا الْمَسْجِدُ إخْرَاجٌ إلَى الْمُصَلِّينَ
فِيهِ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ، لأََنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ بِذَلِكَ وَصَلاَتُهُمْ
فِيهِ كَصَلاَتِهِمْ فِي طَرِيقِهِمْ فِي فَضَاءٍ مُتَمَلَّكٍ، وَلاَ فَرْقَ.
وَقَالُوا: إنَّمَا خَرَجَتْ، عَنْ مِلْكِي إلَى غَيْرِ مَالِكٍ، وَلاَ فَرْقَ،
لأََنَّ هَذَا الْقَوْلُ نَظِيرُ الْحَبْسِ عِنْدَكُمْ فِي الْحَيَاةِ، فَوَجَبَ
أَنْ يَكُونَ نَظِيرُهُ فِي الْمَوْتِ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَالُوا: لَمَّا كَانَتْ
الصَّدَقَاتُ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ حَتَّى تُحَازَ، وَكَانَ الْحَبْسُ لاَ مَالِكَ
لَهُ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ فَقُلْنَا: هَذَا احْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ،
وَقَدْ أَبْطَلْنَا قَوْلَكُمْ: أَنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَصِحُّ حَتَّى تُقْبَضَ،
وَبَيَّنَّا أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما قَدْ
خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا فِيهِ، كَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما،
فَكَيْفَ وَالْحَبْسُ خَارِجٌ إلَى قَبْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، الَّذِي
هُوَ وَارِثُ الأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا وَكُلُّ شَيْءٍ بِيَدِهِ وَفِي
قَبْضَتِهِ. وَقَدْ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ أَبِي
طَلْحَةَ لِلَّهِ تَعَالَى دُونَ أَنْ يَذْكُرَ مُتَصَدَّقًا عَلَيْهِ، ثُمَّ
أَمَرَهُ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَجْعَلَهَا فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الْمُخْزِيَةِ لَهُمْ:
احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاقَ
الْهَدْيَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَقَلَّدَهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَهُ لَهُ،
ثُمَّ صَرَفَهَا عَمَّا أَوْجَبَهَا لَهُ وَجَعَلَهَا لِلإِحْصَارِ، وَلِذَلِكَ
أَبْدَلَهَا عَامًا ثَانِيًا.
قال أبو محمد: "أَوَّلُ ذَلِكَ كَذِبُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ" وَهَذَا
يَقْتَضِي إيجَابَهُ لَهُ وَمَا اقْتَضَى ذَلِكَ قَطُّ إيجَابَهُ لأََنَّهُ عليه
الصلاة والسلام لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ التَّطَوُّعُ بِذَلِكَ وَاجِبًا
بَلْ أَبَاحَ رُكُوبَ الْبَدَنَةِ الْمُقَلَّدَةِ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ
وَاجِبَةً لِوَجْهٍ مَا خَارِجَةً بِذَلِكَ عَنْ مَالِهِ بَاقِيَةً فِي مَالِهِ.
ثُمَّ كَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَبْدَلَهُ مِنْ
قَابِلٍ. فَمَا صَحَّ هَذَا قَطُّ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُبَدِّلَ عليه الصلاة
والسلام هَدْيًا وَضَعَهُ فِي حَقٍّ فِي وَاجِبٍ ثُمَّ أَيُّ شَبَهٍ بَيْنَ هَدْيِ
تَطَوُّعٍ يُنْحَرُ عَنْ وَاجِبٍ فِي الإِحْصَارِ عَنْ أَصْحَابِهِ وَعَنْ
نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ فِي حَبْسٍ. أَمَا يَسْتَحْيِ مِنْ هَذَا مِقْدَارَ عِلْمِهِ
وَعَقْلِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ثم نقول لَهُمْ:
أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ثُمَّ يَفْسَخَهُ، وَقِسْتُمُوهُ
عَلَى الْهَدْيِ الْمَذْكُورِ، فَأَخْبِرُونَا: هَلْ لَهُ رُجُوعٌ فِي الْهَدْيِ
بَعْدَ أَنْ يُوجِبَهُ فَيَبِيعَهُ هَكَذَا بِلاَ سَبَبٍ أَمْ لاَ فَمِنْ
قَوْلِهِمْ: لاَ، فَنَقُولُ لَهُمْ: فَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِكُمْ فِي الْحَبْسِ إذْ
أَجَزْتُمْ الرُّجُوعَ فِيهِ بِلاَ سَبَبٍ وَظَهَرَ هَوَسُ قِيَاسِكُمْ الْفَاسِدِ
الْبَارِدِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا قَسَّمْتُمُوهُ عَلَى التَّدْبِيرِ الَّذِي
لاَ يَجُوزُ فِيهِ الرُّجُوعُ عِنْدَكُمْ، أَوْ هَلَّا قِسْتُمْ قَوْلَكُمْ فِي
التَّدْبِيرِ عَلَى قَوْلِكُمْ فِي الْحَبْسِ، لَكِنْ أَبَى اللَّهُ تَعَالَى
لَكُمْ إِلاَّ خِلاَفَ الْحَقِّ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ.
(9/179)
قال أبو محمد: وَكُلُّ هَذَا فَإِنَّمَا مِنْ
احْتِجَاجِ مَنْ لاَ يَرَى الْحَبْسَ جُمْلَةً وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
فَكُلُّ هَذَا خِلاَفٌ لَهُ، لأََنَّهُ يُجِيزُ الْحَبْسَ، ثُمَّ يُجِيزُ نَقْضَهُ
الْمُحْبَسَ، وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ، وَيُجِيزُ إمْضَاءَهُ وَهَذَا لاَ يُعْقَلُ
وَنَسُوا احْتِجَاجَهُمْ بِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ شَرْطِهِ وَ أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ.
قال أبو محمد: فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا فَلْنَذْكُرْ
الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ.رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ:
"أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
فَقَالَ لَهُ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ قَطُّ مَالاً أَنْفَسَ مِنْهُ
فَكَيْفَ تَأْمُرُ بِهِ فَقَالَ: إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ
بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلاَ تُورَثُ:
فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَالضَّيْفِ
وَابْنِ السَّبِيلِ، لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا
بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ ". وَمِنْ
طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم إنَّ الْمِائَةَ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ
هُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْهَا، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا فَقَالَ
لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ
ثَمَرَتَهَا" . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَامِدِ بْنِ يَحْيَى
الْبَلْخِيّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ وَفِيهِ "احْبِسْ الأَصْلَ
وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ" وَحَبَسَ عُثْمَانُ بِئْرَ رُومَةَ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ ذَلِكَ
الْخَلَفُ، عَنِ السَّلَفِ، جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ بِالْمَدِينَةِ,وَكَذَلِكَ
صَدَقَاتُهُ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ مَشْهُورَةٌ كَذَلِكَ. وَقَدْ تَصَدَّقَ
عُمَرُ فِي خِلاَفَتِهِ بِثَمْغٍ، وَهِيَ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ
وَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَكَانَ يَغُلُّ مِائَةَ وَسْقٍ بِوَادِي الْقُرَى كُلُّ
ذَلِكَ حَبْسًا، وَقْفًا، لاَ يُبَاعُ، وَلاَ يُشْتَرَى، أَسْنَدَهُ إلَى
حَفْصَةَ، ثُمَّ إلَى ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهِ. وَحَبَسَ عُثْمَانُ،
وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَمْرُو بْنُ
الْعَاصِ: دُورَهُمْ عَلَى بَنِيهِمْ، وَضَيَاعًا مَوْقُوفَةً,وَكَذَلِكَ ابْنُ
عُمَرَ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَائِرِ
الصَّحَابَةِ جُمْلَةُ صَدَقَاتِهِمْ بِالْمَدِينَةِ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، لاَ
يَجْهَلُهَا أَحَدٌ. وَأَوْقَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ "
الْوَهْطَ " عَلَى بَنِيهِ. اخْتَصَرْنَا الأَسَانِيدَ لأَشْتِهَارِ
الأَمْرِ,وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ
الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ: "وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ" فِي حَدِيثٍ.وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ
الْبَصْرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ،
حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، هُوَ ابْنُ سَوَّارٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ،
عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "النَّبِيُّ صلى الله عليه
وسلم: وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ" فِي حَدِيثٍ.
(9/180)
قال أبو محمد: الأَعْتَادُ جَمْعُ عَتِدٍ وَهُوَ
الْفَرَسُ قَالَ الْقَائِلُ:
رَاحُوا بَصَائِرُهُمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ ... وَبَصِيرَتِي تَعْدُو بِهَا عَتِدٌ
وَأَى
وَالأَعْبُدُ جَمْعُ عَبْدٍ، وَكِلاَ اللَّفْظَيْنِ صَحِيحٌ فَلاَ يَجُوزُ
الأَقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ،
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مَالِكِ بْن أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: "إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ
يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ
وَالسِّلاَحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" الْكُرَاعُ الْخَيْلُ
فَقَطْ. وَالسِّلاَحُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: السُّيُوفُ، وَالرِّمَاحُ،
وَالْقِسِيُّ، وَالنَّبْلُ، وَالدُّرُوعُ، وَالْجَوَاشِنُ وَمَا يُدَافَعُ بِهِ:
كَالطَّبَرْزِينِ، وَالدَّبُّوسِ، وَالْخِنْجَرِ، وَالسَّيْفِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ،
وَالدَّرَقِ، وَالتِّرَاسِ وَلاَ يَقَعُ اسْمُ السِّلاَحِ عَلَى سَرْجٍ، وَلاَ
لِجَامٍ، وَلاَ مِهْمَازٍ. وَكَانَ عليه السلام يَكْتُبُ إلَى الْوُلاَةِ
وَالأَشْرَافِ إذَا أَسْلَمُوا بِكُتُبٍ فِيهَا السُّنَنُ وَالْقُرْآنُ بِلاَ
شَكٍّ، فَتِلْكَ الصُّحُفُ لاَ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لأََحَدٍ لَكِنَّهَا
لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً يَتَدَارَسُونَهَا مَوْقُوفَةً لِذَلِكَ، فَهَذَا هُوَ
الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْحَبْسُ فَقَطْ وَأَمَّا مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ
فَلاَ يَجُوزُ تَحْبِيسُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ مَنْ لاَ يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى أَنَّ
صَدَقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا جَازَتْ لأََنَّهُ كَانَ لاَ
يُورَثُ وَأَنَّ صَدَقَاتِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، إنَّمَا جَازَتْ لأََنَّ
الْوَرَثَةَ لَمْ يَرُدُّوهَا، وَأَنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الأَعْلَى رُوِيَ،
عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْلاَ أَنِّي ذَكَرْتُ صَدَقَتِي
لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَرَدَدْتُهَا.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ صَدَقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم إنَّمَا جَازَتْ، لأََنَّهُ لاَ يُورَثُ فَقَدْ كَذَبُوا، بَلْ لأََنَّهُ
عليه الصلاة والسلام جَعَلَهَا صَدَقَةً، فَلِذَلِكَ صَارَتْ صَدَقَةً هَكَذَا
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ هُوَ سَلَّامُ بْنُ
سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ هُوَ
أَخُو جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : "مَا تَرَكَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا، وَلاَ دِرْهَمًا وَلاَ عَبْدًا وَلاَ
أَمَةً، إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً".
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُورَثَ فَنَعَمْ، وَهَذَا
لاَ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ بِأَرْضِهِ، بَلْ تُبَاعُ فَيُتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ
فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ,وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا جَازَتْ صَدَقَاتُ
الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم لأََنَّ الْوَرَثَةَ أَجَازُوهَا فَقَدْ كَذَبُوا،
وَلَقَدْ تَرَكَ عُمَرُ ابْنَيْهِ زَيْدًا وَأُخْتَه صَغِيرَيْنِ جِدًّا
وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَغَيْرُهُمْ، فَلَوْ كَانَ الْحَبْسُ غَيْرَ
جَائِزٍ لَمَا حَلَّ تَرْكُ أَنْصِبَاءِ الصِّغَارِ تَمْضِي حَبْسًا وَأَمَّا
الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرُوهُ، عَنْ مَالِكٍ فَمُنْكَرٌ وَبَلِيَّةٌ مِنْ
الْبَلاَيَا وَكَذِبٌ بِلاَ شَكٍّ، وَلاَ نَدْرِي مَنْ رَوَاهُ عَنْ يُونُسَ وَلاَ
هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَهَبْكَ
(9/181)
لَوْ سَمِعْنَاهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ لَمَا وَجَبَ
أَنْ يُتَشَاغَلَ بِهِ وَلَقَطَعْنَا بِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِمَّنْ لاَ خَيْرَ
فِيهِ، كَسُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَضُرَبَائِهِ. وَنَحْنُ نَبُتُّ وَنَقْطَعُ
بِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يَنْدَمْ عَلَى قَبُولِهِ أَمْرَ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا اخْتَارَهُ لَهُ فِي تَحْبِيسِ أَرْضِهِ
وَتَسْبِيلِ ثَمَرَتِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ،
وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ
الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وَلَيْتَ شِعْرِي إلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَصْرِفُ
عُمَرُ تِلْكَ الصَّدَقَةِ لَوْ تَرَكَ مَا أَمَرَهُ بِهِ عليه الصلاة والسلام
فِيهَا. حَاشَ لِعُمَرَ مِنْ هَذَا. وَزَادُوا طَامَّةً وَهِيَ أَنْ شَبَّهُوا
هَذَا بِتَنَدُّمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إذْ لَمْ يَقْبَلْ
أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ
كُلِّ شَهْرٍ.
قال أبو محمد: لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ ذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ وَهَلْ يَنْدَمُ عَبْدُ
اللَّهِ إِلاَّ عَلَى مَا يَحِقُّ التَّنَدُّمَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِهِ الأَمْرَ
الَّذِي أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ
مَرَّةٍ وَوَقَفَ عِنْدَ الْمَشُورَةِ الأَخِيرَةِ وَهَذَا ضِدُّ مَا نَسَبُوا
إلَى عُمَرَ مِمَّا وَضَعَهُ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يُسْعِدُ اللَّهَ جَدَّهُ مِنْ
رَغْبَتِهِ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم جُمْلَةً لاَ نَدْرِي
إلَى مَاذَا فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِ هَؤُلاَءِ الْمَحْرُومِينَ جُمْلَةً
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: جَائِزٌ أَنْ يُسَبِّلَ الْمَرْءُ عَلَى
نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ شَاءَ، فَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
"ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا" وَقَالَ لِعُمَرَ تَصَدَّقْ
بِالثَّمَرَةِ فَصَحَّ بِهَذَا جَوَازُ صَدَقَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى مَنْ
شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: وَغَيْرُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
(9/182)
1653 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يُبْطِلُ الْحَبْسَ تَرْكُ الْحِيَازَةِ، فَإِنْ اسْتَغَلَّهُ الْمُحْبِسُ وَلَمْ يَكُنْ سَبَّلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، كَالْغَصْبِ، وَلاَ يَحِلُّ إِلاَّ فِيمَا أَبْقَى غِنًى وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمُشَاعِ وَغَيْرِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَفِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كَلاَمِنَا فِي " الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا.
(9/182)
1654 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْوَلَدِ فَرْضٌ فِي الْحَبْسِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ " فَإِنْ خَصَّ بِهِ بَعْضَ بَنِيهِ، فَالْحَبْسُ صَحِيحٌ وَيَدْخُلُ سَائِرُ الْوَلَدِ فِي الْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى مَعَ الَّذِي خَصَّهُ.برهان ذَلِكَ أَنَّهُمَا فِعْلاَنِ مُتَغَايِرَانِ بِنَصِّ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. أَحَدُهُمَا تَحْبِيسُ الأَصْلِ، فَبِاللَّفْظِ تَحْبِيسُهُ يَصِحُّ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنَّنَا، عَنْ مَالِ الْمُحْبِسِ.وَالثَّانِي التَّسْبِيلُ وَالصَّدَقَةُ، فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا حِيفَ رُدَّ وَلَمْ يَبْطُلْ خُرُوجُ الأَصْلِ مُحْبِسًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَامَ الْوَلَدُ أَحْيَاءَ، فَإِذَا مَاتَ الْمَخْصُوصُ بِالْحَبْسِ رَجَعَ إلَى مَنْ عَقِبَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، وَخَرَجَ سَائِرُ الْوَلَدِ عَنْهُ، لأََنَّ الْمُحَابَاةَ قَدْ بَطَلَتْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/182)
1655 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَبَسَ دَارِهِ أَوْ أَرْضَهُ، وَلَمْ يُسَبِّلْ عَلَى أَحَدٍ، فَلَهُ أَنْ يُسَبِّلَ الْغَلَّةَ مَا دَامَ حَيًّا عَلَى مَنْ شَاءَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ" فَلَهُ ذَلِكَ مَا بَقِيَ
(9/182)
1656 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَبَسَ عَلَى عَقِبِهِ وَعَلَى عَقِبِ عَقِبِهِ، أَوْ عَلَى زَيْدٍ وَعَقِبِهِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْبَنَاتُ وَالْبَنُونَ، وَلاَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَنُو الْبَنَاتِ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لاَ يَخْرُجُ بِنَسَبِ آبَائِهِ إلَى الْمُحَبِّسِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ" وَأَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى وَلَمْ يُعْطِ عُثْمَانَ وَلاَ غَيْرَهُ وَجَدَّةُ عُثْمَانَ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي بَنِي هَاشِمٍ إذْ لَمْ يَخْرُجْ بِنَسَبِ أَبِيهِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا بِنَسَبِ أُمِّهِ إلَيْهِ وَهِيَ أَرْوَى بِنْتُ الْبَيْضَاءِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَعْطَى الْعَبَّاسَ وَأُمَّهُ نُمَرِيَّةُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/183)
ومن حبس وشرط أن يباع أن احتج صح الحبس
...
1657- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَبَسَ وَشَرَطَ أَنْ يُبَاعَ إنْ اُحْتِيجَ صَحَّ
الْحَبْسُ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ خُرُوجِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَى اللَّهِ
تَعَالَى، وَبَطَلَ الشَّرْطُ، لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ
تَعَالَى وَهُمَا فِعْلاَنِ مُتَغَايِرَانِ، إِلاَّ أَنْ يَقُولَ: لاَ أَحْبِسُ
هَذَا الْحَبْسَ إِلاَّ بِشَرْطِ أَنْ يُبَاعَ: فَهَذَا لَمْ يَحْبِسْ شَيْئًا لأََنَّ
كُلَّ حَبْسٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إِلاَّ عَلَى بَاطِلٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلاً
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
* * *
(9/183)
كتاب العتق
العتق فعل لا خلاف في ذلك
...
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الْعِتْقِ، وَأُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ
1658 - مَسْأَلَةٌ: الْعِتْقُ فِعْلٌ حَسَنٌ، لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ.
(9/183)
1659 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِلْمَرْءِ أَنْ
يَعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ إِلاَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ لِغَيْرِهِ،
وَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ مَالٍ عَلَى الْعِتْقِ، إِلاَّ فِي الْكِتَابَةِ خَاصَّةً،
لِمَجِيءِ النَّصِّ بِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ:
أَنْتَ حُرٌّ لِلشَّيْطَانِ نَفَذَ ذَلِكَ.
قال أبو محمد: وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ
يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ
بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا
(9/183)
1660 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: إنْ مَلَكْت عَبْدَ
فُلاَنٍ فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ: إنْ
بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ: شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي أَمَةٍ
لِسِوَاهُ أَوْ أَمَةٍ لَهُ ثُمَّ مَلَكَ الْعَبْدَ وَالأَمَةَ، أَوْ
اشْتَرَاهُمَا " أَوْ بَاعَهُمَا: لَمْ يُعْتَقَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
أَمَّا بُطْلاَنُ ذَلِكَ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ وَأَمَةِ غَيْرِهِ فَلِمَا
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ
السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ
بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ
وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ الْعَبْدُ".
وَأَمَّا بُطْلاَنُ ذَلِكَ فِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ فَلأََنَّهُ إذْ بَاعَهُمَا
فَقَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُمَا، وَلاَ وَفَاءَ لِعَقْدِهِ فِيمَا لاَ
يَمْلِكُهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ
الأَعْلَمُ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيمَنْ قَالَ لأَخَرَ: إنْ بِعْت
غُلاَمِي هَذَا مِنْك فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ مِنْهُ قَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ بِحُرٍّ
ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ الآخَرُ: إنْ اشْتَرَيْته مِنْك فَهُوَ حُرٌّ، ثُمَّ
اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَلَيْسَ بِحُرٍّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ،
وَأَصْحَابِنَا وَاخْتَلَفَ الْحَاضِرُونَ فِي ذَلِكَ: فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ
قَالَ إنْ بِعْت غُلاَمِي فَهُوَ حُرٌّ، فَبَاعَهُ فَهُوَ حُرٌّ. فَإِنْ قَالَ:
إنْ اشْتَرَيْت غُلاَمَ فُلاَنٍ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ فَلَيْسَ
بِحُرٍّ.وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لِقَوْلِهِ هَذَا بِأَنَّهُ إذَا بَاعَهُ
فَهُوَ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَلِذَلِكَ عَتَقَ.
قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: "لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ
يَبِعْهُ بَعْدُ، فَإِذَا تَفَرَّقَا فَحِينَئِذٍ بَاعَهُ، وَلاَ عِتْقَ لَهُ فِي
مِلْكِ غَيْرِهِ" . وقال أبو حنيفة وَسُفْيَانُ بِعَكْسِ قَوْلِ
الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُمَا قَالاَ: إنْ قَالَ: إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ
حُرٌّ. فَبَاعَهُ، لَمْ يَكُنْ حُرًّا بِذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت
عَبْدَ فُلاَنٍ فَهُوَ حُرٌّ. فَاشْتَرَاهُ فَهُوَ حُرٌّوقال مالك: مَنْ قَالَ:
إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ قَالَ: إنْ
اشْتَرَيْت عَبْدَ فُلاَنٍ فَهُوَ حُرٌّ. فَاشْتَرَاهُ فَهُوَ حُرٌّ. فَلَوْ
قَالَ: إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ آخَرُ: إنْ اشْتَرَيْت عَبْدَ
فُلاَنٍ فَهُوَ حُرٌّ. ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى الْبَائِعِ
لاَ عَلَى الْمُشْتَرِي, وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ
(9/184)
إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ أَيْضًا
وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُ وَكِلاَهُمَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ عِنْدَهُ
بِقَوْلِهِمَا فَقَالَ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ: هُوَ مُرْتَهِنٌ بِيَمِينِ
الْبَائِعِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا تَمْوِيهٌ، لأََنَّهُ يُعَارِضُهُ الْحَنَفِيُّ فَيَقُولُ:
بَلْ هُوَ مُرْتَهِنٌ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي وَيُعَارِضُهُ آخَرُ فَيَقُولُ: بَلْ
هُوَ مُرْتَهِنٌ بِيَمِينِهِمَا جَمِيعًا فَيُعْتَقُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا,
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: يُعْتَقُ عَلَى الْمُشْتَرِي
وَيَشْتَرِي الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَبْدًا فَيَعْتِقُهُ وَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ
لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُهُ لِمَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ ثُمَّ
يَلْزَمُهُ عِتْقًا فِيمَا لَمْ يُنْذَرْ عِتْقُهُ، وَهَذِهِ صِفَةُ الرَّأْي فِي
الدِّينِ وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ.
.
(9/185)
1661 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ عِتْقٌ بِشَرْطٍ
أَصْلاً، وَلاَ بِإِعْطَاءِ مَالٍ إِلاَّ فِي " الْكِتَابَةِ " فَقَطْ
وَلاَ بِشَرْطِ خِدْمَةٍ وَلاَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ
". فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ حَدَّثَنَا سَفِينَةُ أَبُوعَبْدِ الرَّحْمنِ
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " قَالَتْ لِي أُمُّ
سَلَمَةَ: أُرِيد أَنْ أُعْتِقَكَ وَأَشْتَرِطَ عَلَيْك أَنْ تَخْدِمَ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا عِشْت قُلْت: إنْ لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ لَمْ
أُفَارِقْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَمُوتَ قَالَ:
فَأَعْتَقَتْنِي وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ أَنْ أَخْدِمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم مَا عَاشَ".
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ، فَسَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ غَيْرُ مَشْهُورٍ
بِالْعَدَالَةِ بَلْ مَذْكُورٌ أَنَّهُ لاَ يَقُومُ حَدِيثُهُ ثُمَّ لَوْ صَحَّ
فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ
وَالْحَنَفِيُّونَ. وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ لاَ يُجِيزُونَ
الْعِتْقَ بِشَرْطِ أَنْ يَخْدُمَ فُلاَنًا مَا عَاشَ فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا
الْخَبَرَ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي
بَكْرٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْتَقَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ كُلَّ مَنْ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَقِيقِ الإِمَارَةِ،
وَاشْتَرَطَ عَلَى بَعْضِهِمْ خِدْمَةَ مَنْ بَعْدَهُ إنْ أَحَبَّ سَنَتَيْنِ أَوْ
ثَلاَثًا.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي
أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ صَلَّى مِنْ سَبْيِ
الْعَرَبِ، فَبَتَّ عِتْقَهُمْ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ: أَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ
الْخَلِيفَةَ بَعْدِي ثَلاَثَ سَنَوَاتٍ، وَشَرَطَ لَهُمْ أَنَّهُ يَصْحَبُكُمْ
بِمِثْلِ مَا كُنْتُ أَصْحَبُكُمْ بِهِ فَابْتَاعَ الْخِيَارُ خَدَمَتْهُ تِلْكَ
الثَّلاَثَ سَنَوَاتٍ مِنْ عُثْمَانَ بِأَبِي فَرْوَةَ وَخَلَّى سَبِيلَ
الْخِيَارِ، وَقَبَضَ أَبَا فَرْوَةَ. وبه إلى ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ وَشَرَطَ
عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ عَمَلَهُ سَنَتَيْنِ، فَعَمِلَ لَهُ بَعْضَ سَنَةٍ، ثُمَّ
قَالَ لَهُ: قَدْ تَرَكْت لَك الَّذِي اشْتَرَطْت عَلَيْك فَأَنْتَ حُرٌّ،
وَلَيْسَ عَلَيْك عَمَلٌ
(9/185)
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ تَصَدَّقَ بَعْدَ
مَوْتِهِ بِأَرْضٍ لَهُ، وَأَعْتَقَ بَعْضَ رَقِيقِهِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ
يَعْمَلُوا فِيهَا خَمْسَ سِنِينَ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الأَخْرَمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى
ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي أَعْتَقْت أَمَتِي هَذِهِ وَاشْتَرَطْت عَلَيْهَا
أَنْ تَلِيَ مِنِّي مَا تَلِي الأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا إِلاَّ الْفَرْجَ،
فَلَمَّا غَلُظَتْ رَقَبَتُهَا قَالَتْ: إنِّي حُرَّةٌ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
لَيْسَ ذَلِكَ لَهَا خُذْ بِرَقَبَتِهَا فَانْطَلِقْ بِهَا فَلَكَ مَا اشْتَرَطْت
عَلَيْهَا.
قال أبو محمد: الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ
مُخَالِفُونَ لِجَمِيعِ هَذِهِ الآثَارِ لأََنَّ فِي جَمِيعِهَا الْعِتْقَ
بِشَرْطِ الْخِدْمَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِلَى غَيْرِ أَجَلٍ وَهُمْ لاَ يُجِيزُونَ
هَذَا وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ
مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ رَأْيَهُمْ وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا
فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.وَرُوِّينَا عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَاشْتَرَطَ خِدْمَتَهُ عَتَقَ
وَبَطَلَ شَرْطُهُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي
خَالِدٍ الأَحْمَرَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَمِنْ
طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُرَيْحٍ مِثْلَهُ. وَأَجَازُوا
الْعِتْقَ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ، وَلاَ يُحْفَظُ هَذَا فِيمَا نَعْلَمُهُ، عَنْ
أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي غَيْرِ الْكِتَابَةِ, فَإِنْ قَالُوا:
قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْكِتَابَةِ قلنا: نَاقَضْتُمْ لأََنَّكُمْ لاَ تُجِيزُونَ
فِي الْكِتَابَةِ الضَّمَانَ، وَلاَ الأَدَاءَ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَتُجِيزُونَ
كُلَّ ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ. وَلاَ تُجِيزُونَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ
يَكُونَ أَمَدُ أَدَاءِ الْمَالِ مَجْهُولاً، وَتُجِيزُونَ ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ
عَلَى مَالٍ فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ قِيَاسَكُمْ، فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ
بَاطِلٌ. ثُمَّ لَهُمْ فِي هَذَا غَرَائِبُ فأما أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ:
مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي أَرْبَعَ سِنِينَ،
فَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ. فَمَرَّةً قَالَ
فِي مَالِهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعُ سِنِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ فِي مَالِهِ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ
لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفَ
دِرْهَمٍ فَالْخِيَارُ لِلْعَبْدِ فِي قَبُولِ ذَلِكَ أَوْ رَدِّهِ، فَإِنْ قَبِلَ
ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ حُرٌّ، وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ
يَقْبَلْ فَلاَ عِتْقَ لَهُ، وَلاَ مَالَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَإِنْ قَالَ لَهُ:
إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ
يُؤَدِّهَا، فَإِذَا أَدَّاهَا فَهُوَ حُرٌّةوقال مالك: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ:
أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ: لَمْ يَلْزَمْ الْعَبْدَ
أَدَاؤُهَا وَلاَ حُرِّيَّةَ لَهُ إِلاَّ بِأَدَائِهَا، فَإِذَا أَدَّاهَا فَهُوَ
حُرٌّ. قَالَ: فَلَوْ قَالَ: إنْ جِئْتَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ،
وَمَتَى مَا جِئْتنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يَبِيعَهُ حَتَّى يَتَلَوَّمَ لَهُ السُّلْطَانُ، وَلاَ يُنَجِّمُ عَلَيْهِ،
فَإِنْ عَجَزَ عَجَّزَهُ السُّلْطَانُ وَكَانَ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ. قَالَ:
فَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ
فَهُوَ حُرٌّ وَالْمَالُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ: هُوَ حُرٌّ
وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لأََنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْحُرِّيَّةَ
بِالْغُرْمِ، بَلْ أَمْضَاهَا بَتْلَةً بِغَيْرِ شَرْطٍ
(9/186)
ثُمَّ أَلْزَمَهُ مَا لاَ يَلْزَمُهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ, وَلَكِنْ لَيْتَ شِعْرِي كَمْ يَتَلَوَّمُ لَهُ السُّلْطَانُ، أَسَاعَةً أَمْ سَاعَتَيْنِ أَمْ يَوْمًا أَمْ يَوْمَيْنِ أَمْ جُمُعَةً أَمْ جُمُعَتَيْنِ أَمْ حَوْلاً أَمْ حَوْلَيْنِ وَكُلُّ حَدٍّ فِي هَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَبرهان وَالْقَوْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَ كَلاَمَهُ مَخْرَجَ الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ فَهُوَ لاَزِمٌ، لأََنَّهُ مَلَكَهُ فَمَتَى مَا جَاءَهُ بِمَا قَالَ فَهُوَ حُرٌّ لَهُ ذَلِكَ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ، وَلِلسَّيِّدِ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ، لأََنَّهُ عَبْدُهُ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ تُحْفَظُ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَجَعَلَ خِيَارًا لِلْعَبْدِ حَيْثُ لاَ دَلِيلَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/187)
ومن قال : لله على عتق رقبة
...
1662 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ :
لَزِمَتْهُ وَمَنْ قَالَ: إنْ كَانَ أَمْرُ كَذَا مِمَّا لاَ مَعْصِيَةَ فِيهِ
فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ، فَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَهُوَ حُرٌّ وَقَدْ ذَكَرْنَا
هَذَا فِي " كِتَابِ النُّذُورِ " وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ رَقَبَةً فَهُوَ
نَذْرٌ لاَ عِتْقَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ فَهُوَ لاَزِمٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي
" كِتَابِ النُّذُورِ " وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا نَصٌّ وَهُوَ قَوْلُ
مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ عَلَيَّ
لِلَّهِ رَقَبَةً أَفَأُعْتِقُهَا فَسَأَلَهَا عليه السلام أَيْنَ اللَّهُ
فَأَشَارَتْ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: هِيَ مُؤْمِنَةٌ، فَأَعْتِقْهَا فَهَذَا
نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى لُزُومِ الرَّقَبَةِ لِمَنْ الْتَزَمَهَا لِلَّهِ تَعَالَى
وَبِهِ عَزَّ وَجَلَّ نَتَأَيَّدُ.
(9/187)
1663 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ عِتْقُ الْجَنِينِ
دُونَ أُمِّهِ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ قَبْلَ أَنْ تَضَعَهُ أُمُّهُ، وَلاَ
هِبَتُهُ دُونَهَا. وَيَجُوزُ عِتْقُهُ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ
وَتَكُونُ أُمُّهُ بِذَلِكَ الْعِتْقِ حُرَّةً وَإِنْ لَمْ يُرِدْ عِتْقَهَا وَلاَ
تَجُوزُ هِبَتُهُ أَصْلاً دُونَهَا. فَإِنْ أَعْتَقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَإِنْ
كَانَ جَنِينُهَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، فَهُوَ حُرٌّ، إِلاَّ أَنْ
يَسْتَثْنِيَهُ فَإِنْ اسْتَثْنَاهُ فَهِيَ حُرَّةٌ، وَهُوَ غَيْرُ حُرٍّ وَإِنْ
كَانَ قَدْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنْ أَتْبَعَهَا إيَّاهُ إذْ أَعْتَقَهَا
فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهَا إيَّاهُ، أَوْ اسْتَثْنَاهُ: فَهِيَ
حُرَّةٌ، وَهُوَ غَيْرُ حُرٍّ,وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْهِبَةِ إذَا وَهَبَهَا
سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَلاَ فَرْقَ وَحَدُّ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ: تَمَامُ أَرْبَعَةِ
أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا.
برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ
مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلْقَنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً
فَخَلْقَنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ
أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}. وَمِنْ
طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا
أَبُو تَوْبَةَ هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي
ابْنَ سَلَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَسْمَاءَ
الرَّحَبِيُّ أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
حَدَّثَهُ " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ فَإِذَا اجْتَمَعَا
فَعَلاَ مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ
وَإِذَا عَلاَ مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ
اللَّهِ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَا
زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ
أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ
(9/187)
1664 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ عُضْوًا أَيَّ عُضْوٍ كَانَ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ، أَوْ أَعْتَقَ عُشْرَهُمَا أَوْ جُزْءًا مُسَمًّى كَذَلِكَ عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ وَالأَمَةُ كُلُّهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ
(9/188)
1665 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ كُلَّهُ، أَوْ بَعْضَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ كُلَّهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ حِينَ يَلْفِظُ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَفِي بِقِيمَةِ حِصَّةِ مَنْ يُشْرِكُهُ حِينَ لَفَظَ بِعِتْقِ مَا أَعْتَقَ مِنْهُ أَدَّاهَا إلَى مَنْ يُشْرِكُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَفِي بِذَلِكَ كُلِّفَ الْعَبْدُ أَوْ الأَمَةُ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَةِ حِصَّةِ مَنْ لَمْ يَعْتِقْ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ، لاَ شَيْءَ لِلشَّرِيكِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلاَ لَهُ
(9/190)
أنْ يَعْتِقَ وَالْوَلاَءُ لِلَّذِي أَعْتَقَ
أَوَّلاً وَإِنَّمَا يَقُومُ كُلُّهُ ثُمَّ يَعْرِفُ مِقْدَارَ حِصَّةِ مَنْ لَمْ
يَعْتِقْ وَلاَ يَرْجِعُ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُ بِشَيْءٍ
مِمَّا سَعَى فِيهِ حَدَثَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَحْدُثْ وَلِلنَّاسِ فِي هَذَا
أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَوْلاً: قَالَ رَبِيعَةُ: مَنْ أَعْتَقَ حِصَّةً لَهُ مِنْ
عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ.
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ قَالَحَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا سَحْنُونَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ
عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ يُونُسُ سَأَلْته، عَنْ عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ
أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَقَالَ رَبِيعَةُ: عِتْقُهُ مَرْدُودٌ لَمْ
يَخُصَّ بِذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهُ الطَّحَاوِيَّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ لَهُ
ذَلِكَ. وَقَالَ بُكَيْر بْنُ الأَشَجِّ فِي اثْنَيْنِ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ
فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْتِقَ أَوْ يُكَاتِبَ: فَإِنَّمَا
يَتَقَاوَمَانِهِ, رُوِّينَا ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ
بُكَيْرٍعَنْ أَبِيهِ, وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَنْفُذُ عِتْقُ مَنْ أَعْتَقَ،
وَيَبْقَى مَنْ لَمْ يَعْتِقْ عَلَى نَصِيبِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ َمَا
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالاَ
جَمِيعًا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ،
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ:
كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ الأَسْوَدِ وَأُمِّنَا غُلاَمٌ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ
وَأَبْلَى فِيهَا فَأَرَادُوا عِتْقَهُ وَكُنْتُ صَغِيرًا فَذَكَرَ ذَلِكَ
الأَسْوَدُ لِعُمَرَ، فَقَالَ: أَعْتِقُوا أَنْتُمْ وَيَكُونُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
عَلَى نَصِيبِهِ حَتَّى يَرْغَبَ فِي مِثْلِ مَا رَغِبْتُمْ فِيهِ أَوْ يَأْخُذَ
نَصِيبَهُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَكَانَ " أَعْتِقُوا أَنْتُمْ
": " أَعْتِقُوا إنْ شِئْتُمْ " لَمْ يَخْتَلِفَا فِي غَيْرِ
ذَلِكَ، وَهَذَا إسْنَادٌ كَالذَّهَبِ الْمَحْضِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ
مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ النَّخَعِيِّ، عَنِ
الأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ لِي وَلأَِخْوَتِي غُلاَمٌ أَبْلَى يَوْمَ
الْقَادِسِيَّةِ فَأَرَدْت عِتْقَهُ لِمَا صَنَعَ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُمَرَ
فَقَالَ: أَتُفْسِدُ عَلَيْهِمْ نَصِيبَهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا، فَإِنْ رَغِبُوا
فِيمَا رَغِبْت فِيهِ وَإِلَّا لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِمْ نَصِيبَهُمْ.
قال أبو محمد: لَوْ رَأَى التَّضْمِينَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إفْسَادًا
لِنَصِيبِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت
لِعَطَاءٍ فِي عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ
فَأَرَادَ الآخَرُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى حَقِّهِ مِنْ الْعَبْدِ، وَقَالَ
الْعَبْدُ: حَدَّثَنَا أَقْضِي قِيمَتِي فَقَالَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ:
سَيِّدُهُ أَحَقُّ بِمَا بَقِيَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ.وَمِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ
أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ثُمَّ أَعْتَقَ الآخَرُ بَعْدُ فَوَلاَؤُهُ
وَمِيرَاثُهُ بَيْنَهُمَاوَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا قَالَ
مَعْمَرٌ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ رَبِيعَةَ
فِي عَبْدٍ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ، وَكَاتَبَ الآخَرُ
نَصِيبَهُ، وَتَمَسَّك الآخَرُ بِالرِّقِّ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ، فَإِنَّ الَّذِي
كَاتَبَ يَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيَكُونُ جَمِيعُ مَا تَرَكَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الَّذِي تَمَسَّك بِالرِّقِّ يَقْتَسِمَانِهِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ:
يَنْفُذُ عِتْقُ الَّذِي
(9/191)
أَعْتَقَ فِي نَصِيبِهِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِشَرِيكِهِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً رَائِعَةً إنَّمَا تُلْتَمَسُ لِلْوَطْءِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلضَّرَرِ الَّذِي أَدْخَلَ عَلَى شَرِيكِهِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: شَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعْتِقُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَلَهُ شُرَكَاءُ يَتَامَى فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "يَنْتَظِرُ بِهِمْ حَتَّى يَبْلُغُوا، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يَعْتِقُوا أَعْتَقُوا"، وَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يُضْمَنَ لَهُمْ ضُمِنَ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ، عَنْ عُمَرَ، إنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا، لأََنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَيْمُونٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. ثُمَّ مُنْقَطِعَةٌ، لأََنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ، إِلاَّ أَنَّ الْقَوْلَ بِهَذَا قَدْ رُوِيَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَشَرِيكُهُ بَيْنَ خِيَارَيْنِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَيَكُونُ الْوَلاَءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي قِيمَةِ حِصَّتِهِ، فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ وَالْوَلاَءُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ فِي كِلاَ الأَمْرَيْنِ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا وَلَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا خِيَارٌ فِي وَجْهٍ ثَالِثٍ وَهُوَ إنْ شَاءَ ضَمِنَ لِلْمُعْتِقِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ الْمُعْتِقُ الْمُضَمِّنُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَهُ شَرِيكُهُ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ، فَإِذَا أَدَّاهَا الْعَبْدُ عَتَقَ، وَالْوَلاَءُ فِي هَذَا الْوَجْهِ خَاصَّةً لِلَّذِي أَعْتَقَ حِصَّتَهُ فَقَطْ. قَالَ فَإِنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ: فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ، وَلاَ عَلَيْهِ أَيْضًا مُوسِرًا كَانَ الْمُعْتِقُ أَوْ مُعْسِرًا. قَالَ: فَإِنْ دَبَّرَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ احْتَبَسَ نَصِيبَهُ رَقِيقًا كَمَا هُوَ، وَيَكُونُ نَصِيبُ شَرِيكِهِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ نَصِيبَهُ أَيْضًا وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْعَبْدُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْهُ مُدَبَّرًا، وَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ، وَضَمِنَ الشَّرِيكُ الَّذِي دَبَّرَ الْعَبْدَ أَيْضًا قِيمَةَ حِصَّتِهِ مُدَبَّرًا، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى شَرِيكِهِ فِي تَضْمِينٍ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ لِشَرِيكِهِ الَّذِي دَبَّرَ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّرِيكَ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ سَبَقَهُ إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ، وَلاَ إلَى هَذِهِ الْوَسَاوِسِ وَأَعْجَبُهَا أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ اتَّبَعَهُ عَلَيْهِ، إِلاَّ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَزْمَانِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ فَقَطْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ ضَمِنَ قِيمَةَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجٍ، هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، كِلاَهُمَا، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ إخْوَتِي غُلاَمٌ فَأَرَدْت أَنْ أَعْتِقْهُ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي رِوَايَتِهِ: فَأَتَيْت ابْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: لاَ تُفْسِدُ عَلَى شُرَكَائِك فَتَضْمَنُ وَلَكِنْ تَرَبَّصْ حَتَّى يَشِبُّوا وَقَالَ إبْرَاهِيمُ فِي رِوَايَتِهِ مَكَانَ ابْنِ مَسْعُودٍ عُمَرَ وَاتَّفَقَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ عَبْدًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ أَعْلَى الْقِيمَةِ وَهَذَا لاَ شَيْءَ، لأََنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ هَالِكٌ، وَالآخَرَ مُرْسَلٌ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا قَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُبَشِّرٍعَنْ هِشَامِ
(9/192)
ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ قَالَ: هُوَ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ,وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ سَوَاءً كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: إنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ شَرِيكِهِ أُقِيمَ مَا بَقِيَ مِنْهُ، ثُمَّ عَتَقَ فِي مَالِ الَّذِي أَعْتَقَهُ، ثُمَّ اسْتَسْعَى هَذَا الْعَبْدُ بِمَا غَرِمَ فِيمَا أَعْتَقَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ فَقُلْت لَهُ: يَسْتَسْعِي الْعَبْدُ كَانَ مُفْلِسًا أَوْ غَنِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ زَعَمُوا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هَذَا أَوَّلُ قَوْلِ عَطَاءٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْت عَنْهُ قَبْلُ,وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَهُوَ مُفْلِسٌ فَأَرَادَ الْعَبْدُ أَخْذَ نَفْسِهِ بِقِيمَتِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ إنْ نَفَّذَ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَوْلُهُ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ: أَنَّ بَاقِيهِ يُعْتَقُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ: رُوِيَ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ حِصَصُ شُرَكَائِهِ وَأَغْرَمَهَا لَهُمْ، وَأُعْتِقَ كُلُّهُ بَعْدَ التَّقْوِيمِ لاَ قَبْلَهُ، وَإِنْ شَاءَ الشَّرِيكُ أَنْ يَعْتِقَ حِصَّتَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ رَقِيقًا، وَلاَ أَنْ يُكَاتِبَهُ، وَلاَ أَنْ يَبِيعَهُ وَلاَ أَنْ يُدَبِّرَهُ، فَإِنْ غَفَلَ، عَنِ التَّقْوِيمِ حَتَّى مَاتَ الْمُعْتِقُ أَوْ الْعَبْدُ بَطَلَ التَّقْوِيمُ، وَمَالُهُ كُلُّهُ لِمَنْ تَمَسَّك بِالرِّقِّ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مُعْسِرًا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ وَالْبَاقِي رَقِيقٌ يَبِيعُهُ الَّذِي هُوَ لَهُ إنْ شَاءَ، أَوْ يُمْسِكُهُ رَقِيقًا، أَوْ يُكَاتِبُهُ، أَوْ يَهَبُهُ، أَوْ يُدَبِّرُهُ، وَسَوَاءٌ أَيْسَرَ الْمُعْتِقُ بَعْدَ عِتْقِهِ أَوْ لَمْ يُوسِرْ. فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَعْتَقَ الآخَرَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَى الْمُعْتِقِ وَبَقِيَ بِحَسَبِهِ، فَإِنْ كَانَ كِلاَهُمَا مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَى الَّذِي أَعْتَقَ أَوَّلاً فَقَطْ، فَلَوْ أَعْتَقَ الأَثْنَانِ مَعًا وَكَانَا غَنِيَّيْنِ قُوِّمَتْ حِصَّةُ الْبَاقِينَ عَلَيْهِمَا، فَمَرَّةً قَالَ: بِنِصْفَيْنِ، وَمَرَّةً قَالَ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا لَمْ يُنْتَظَرْ، لَكِنْ يُقَوَّمُ عَلَى الْحَاضِرِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ لأََحَدٍ قَبْلَهُ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ الَّذِي أَعْتَقَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ شِرْكِهِ وَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ حِينَ عَتَقَ الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَلَيْسَ لِمَنْ يُشْرِكُهُ أَنْ يَعْتِقُوا، وَلاَ أَنْ يُمْسِكُوا، فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَقَدْ عَتَقَ مَا عَتَقَ وَبَقِيَ سَائِرُهُ مَمْلُوكًا يَتَصَرَّفُ فِيهِ مَالِكُهُ كَمَا يَشَاءُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وقال أحمد وَإِسْحَاقُ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ بَاقِي قِيمَتِهِ، لاَ يُبَاعُ لَهُ فِي ذَلِكَ دَارُهُ، قَالَ إِسْحَاقُ: وَلاَ خَادِمُهُ وَسَكَتَا، عَنِ الْمُعْسِرِ فَمَا سَمِعْنَا عَنْهُمَا فِيهِ لَفَظَّةً.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ شِرْكِهِ وَعَتَقَ كُلُّهُ، فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي قِيمَةِ حِصَّةِ مَنْ لَمْ يَعْتِقْ وَعَتَقَ كُلُّهُ ثُمَّ
(9/193)
اخْتَلَفَ هَؤُلاَءِأَيَكُونُ حُرًّا مُذْ يَعْتِقُ
الأَوَّلُ نَصِيبَهُ، وَلاَ يَكُونُ لِلآخَرِ تَصَرُّفٌ بِعِتْقٍ وَلاَ بِغَيْرِهِ
أَمْ لاَ يُعْتَقُ إِلاَّ بِالأَدَاءِ وَلِمَنْ يَكُونُ وَلاَؤُهُ إنْ أُعْتِقَ
بِاسْتِسْعَائِهِ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَعْتَقَ بَعْضَهُ أَوَّلاً بِمَا
سَعَى فِيهِ أَمْ لاَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَعَلَى الَّذِي
أَعْتَقَ أَنْصِبَاءُ شُرَكَائِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا
اسْتَسْعَى الْعَبْدَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن
الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ ثَلاَثُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم يُضَمِّنُونَ الرَّجُلَ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
صَاحِبِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَيَسْتَسْعَوْنَهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا. وَمِنْ
طَرِيقِ الطَّحَاوِيَّ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْفَرَجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ،
عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ: سُئِلَ أَبُو الزِّنَادِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى:
عَمَّنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَذَكَرَا
تَضْمِينَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، أَوْ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ إنْ كَانَ
الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَقَالاَ: سَمِعْنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
تَكَلَّمَ بِبَعْضِ ذَلِكَ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ
سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: إذَا أَعْتَقَ شِقْصًا فِي عَبْدٍ فَإِنَّهُ
يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ
اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي بَقِيَّتِهِ فَقُلْت لِسُلَيْمَانَ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ
الْعَبْدُ صَغِيرًا؟ قَالَ: كَذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ. وَمِنْ طَرِيقِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ قَالَ: مِنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ
مِنْ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي بَقِيَّتِهِ
قَالَ أُسَامَةُ: فَقُلْت لِسُلَيْمَانَ: عَمَّنْ قَالَ: جَرَتْ بِهِ
السُّنَّةُ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْن الْمُعْتَمِرِ
عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ:
يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ قَالَ: يَضْمَنُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ: إنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ تَمَامُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ ضَمِنَ لَهُ،
وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَةٌ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْهُ دِرْهَمٌ فَمَا
فَوْقَهُ سَعَى الْعَبْدُ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتِقِ ضَمَانٌ. وَمِنْ طَرِيقِ
سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا يُونُسُ، وَإِسْمَاعِيلُ
بْنُ سَالِمٍ قَالَ يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ
قَالاَ جَمِيعًا: إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ أَنْصِبَاءَ أَصْحَابِهِ،
وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَإِنَّهُ
يُقَوَّمُ عَلَيْهِ يَوْمَ أَعْتَقَهُ، وَلاَ يَتْبَعُهُ السَّيِّدُ بِمَا غَرِمَ
عَنْهُ وَالْعَبْدُ غَيْرُ مُعْتَقٍ حَتَّى يُتِمَّ أَدَاءَ مَا اسْتَسْعَى فِيهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: يَسْتَسْعِي
الْعَبْدَ، وَلاَ بُدَّ، إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُعْسِرًا، وَلاَ
يَسْتَسْعِي إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيُعْتَقُ كُلُّهُ يَعْنِي عَلَى الَّذِي
أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ.
(9/194)
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ
يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ غَيْرِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: يَقُومُ الْعَبْدُ بِمَالِهِ عَلَى
الْمُعْتِقِ فِي مَالِ الْمُعْتِقِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لِلْعَبْدِ مَالٌ اُسْتُسْعِيَ. وَرُوِيَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَابْنِ أَبِي
لَيْلَى أَنَّهُمَا قَالاَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ أَعْتَقَ اثْنَانِ
نَصِيبَهُمَا مِنْهُ فَقَالاَ: نَرَى أَنْ يَضْمَنَا عَتَاقَهُ جَمِيعًا، فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ قُوِّمَ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ فَسَعَى الْعَبْدُ
فِيهَا فَأَدَّاهَا.وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ،
وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ
الْحَسَنِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، عَنْ ثَلاَثِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَبَعْضُهُ عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ:
وَهُوَ السُّنَّةُ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ
يَسَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ،
وَالْحَسَنُ، وَحَمَّادٌ وَقَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَأَمَّا هَلْ يَكُونُ
حُرًّا حِينَ يَعْتِقُ الأَوَّلُ بَعْضَهُ أَمْ لاَ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ قَالُوا:
هُوَ حُرٌّ سَاعَةَ يَلْفِظُ بِعِتْقِهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ هُوَ عَبْدٌ حَتَّى
يُؤَدِّيَ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتِقْ حَقَّهُ.وَأَمَّا مَنْ يَكُونُ وَلاَؤُهُ:
فَإِنَّ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، كِلاَهُمَا
قَالَ: إنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ مَالٌ فَضَمِنَهُ فَالْوَلاَءُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنْ
عَتَقَ بِالأَسْتِسْعَاءِ فَالْوَلاَءُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ. وَقَالَ
إبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي
لَيْلَى وَكُلُّ مَنْ قَالَ: هُوَ حُرٌّ حِينَ عَتَقَ بَعْضُهُ: أَنَّ وَلاَءَهُ
كُلَّهُ لِلَّذِي أَعْتَقَ بَعْضَهُ: عَتَقَ عَلَيْهِ، أَوْ بِالأَسْتِسْعَاءِ.
وَأَمَّا رُجُوعُهُ، أَوْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ فَإِنَّ ابْنَ لَيْلَى, وَابْنَ
شُبْرُمَةَ، قَالاَ جَمِيعًا: لاَ يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا أَدَّى عَلَى
الْعَبْدِ، وَيَرْجِعُ الْعَبْدُ إذَا اسْتَسْعَى بِمَا أَدَّى عَلَى الَّذِي
ابْتَدَأَ عِتْقَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَغَيْرُهُ: لاَ رُجُوعَ
لأََحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ.
قال أبو محمد: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ يُنْظَرَ فِيمَا
احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ. فَوَجَدْنَا قَوْلَ رَبِيعَةَ يُشْبِهُ قَوْلَ
أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَنْعِهِ مِنْ هِبَةِ الْمُشَاعِ وَمِنْ الصَّدَقَةِ
بِالْمُشَاعِ. وَمِنْ إجَارَةِ الْمُشَاعِ وَرَهْنِ الْمُشَاعِ. وَقَوْلُ
الْحَسَنِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى الْقَاضِي فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ
الْمُشَاعِ، وَرَهْنِ الْمُشَاعِ، وَيَحْتَجُّ لَهُ بِمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ
ذَكَرْنَا. وَلَيْسَ كُلُّ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، لأََنَّ النَّصَّ وَالنَّظَرَ
يُخَالِفُ كُلَّ ذَلِكَ أَمَّا النَّصُّفَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى,وَأَمَّا النَّظَرُ فَكُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ مَا لَمْ
يَمْنَعْهُ مِنْهُ نَصٌّ، وَقَدْ حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِتْقِ،
وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ وَأَمَرَنَا بِالرَّهْنِ، وَأَبَاحَ الْبَيْعَ
وَالإِجَارَةَ، فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَمْنَعْ
النَّصُّ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ بِذَلِكَ بِأَنَّهُ
لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ فَقُلْنَا:
وَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: كَمَا لاَ تَكُونُ امْرَأَةٌ بَعْضُهَا
مُطَلَّقَةٌ، وَبَعْضُهَا زَوْجَةٌ فَقُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ
بَاطِلٌ ثُمَّ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولُوا:
(9/195)
إذَا وَقَعَ هَذَا أُعْتِقَ كُلُّهُ كَمَا
يَقُولُونَ: فِي الْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَ بَعْضَهَا وَقَالُوا هَذَا ضَرَرٌ عَلَى
الشَّرِيكِ وَقَدْ جَاءَ " لاَ ضَرَرَ، وَلاَ ضِرَارَ " فَقُلْنَا:
افْتِرَاقُ الْمِلْكِ أَيْضًا ضَرَرٌ فَامْنَعُوا مِنْهُ، وَأَعْظَمُ الضَّرَرِ
مَنْعُ الْمُؤْمِنِ مِنْ عِتْقِ حِصَّتِهِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّقَاوُمِ
فَخَطَأٌ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ
عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِهِ، عَنْ يَدِهِ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ نَصٌّ
فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا.وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ، عَنْ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ. وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،
وَرَبِيعَةَ فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَجِهِمْ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ
مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ بَنِي
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ كَانَ لَهُمْ غُلاَمٌ فَأَعْتَقُوهُ كُلُّهُمْ إِلاَّ
رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَذَهَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَشْفِعُ
بِهِ عَلَى الرَّجُلِ فَوَهَبَ الرَّجُلُ نَصِيبَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم فَأَعْتَقَهُ، فَكَانَ يَقُولُ: أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم وَاسْمُهُ رَافِعُ أَبُو الْبَهَاءِ.
قال أبو محمد: هَذَا مُنْقَطِعٌ لأََنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ لَمْ
يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ ذَلِكَ عَلَى مَعْهُودِ
الأَصْلِ وَالأَصْلُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَمْلَكُ بِمَالِهِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ
بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُعْتَقَ عَلَى الْمُوسِرِ
وَيُسْتَسْعَى إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَبَطَلَ بِهَذَا الْحُكْمِ مَا
كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ. وَقَالُوا: هُوَ قَوْلٌ صَحَّ عَنْ عُمَرَ
وَلَمْ يَصِحَّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفُهُ. فَقُلْنَاعَارَضُوا
بِهَذَا الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ السُّنَنَ
لأََقَلَّ مِنْ هَذَا، كَمَا فَعَلُوا فِي " الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا
لَمْ يَتَفَرَّقَا " وَفِي عِتْقِ صَفِيَّةَ وَجَعْلِهِ عليه الصلاة والسلام
عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَتَوْرِيثِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا فِي مَرَضِ
الْمَوْتِ.وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ
الْعَنْبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ الثَّلْبِ، عَنْ أَبِيهِ "أن رَجُلاً أَعْتَقَ
نَصِيبًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَلَمْ يَضْمَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم " فَهَذَا عَنِ ابْنِ الثَّلْبِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَقَالَ: قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} وَلاَ فَرْقَ
بَيْنَ عِتْقِ نَصِيبِهِ وَبَيْنَ بَيْعِ نَصِيبِهِ. قلنا: نَعَمْ، وَلَكِنَّ
السُّنَّةَ أَوْلَى أَنْ تُتَّبَعَ، وَهُوَ عليه الصلاة والسلام يُفَسِّرُ
الْقُرْآنَ قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} وَقَدْ
حَكَمْتُمْ بِالْعَاقِلَةِ وَلَمْ تُبْطِلُوهَا بِهَذِهِ الآيَةِ. وَحَكَمْتُمْ
بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ تَقُولُوا: كُلُّ أَحَدٍ أَمْلَكُ بِحَقِّهِ. وَقَالُوا:
لَوْ ابْتَدَأَ عِتْقُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لَمْ يَنْفُذْ فَكَذَلِكَ، بَلْ أَحْرَى
أَنْ لاَ يَنْفُذَ إذَا لَمْ يَعْتِقْهُ، لَكِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَ نَفْسِهِ،
وَقَدْ جَاءَ لاَ عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ.فَقُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ كَمَا
ذَكَرْتُمْ، وَكُلُّهُ لاَ يُعَارَضُ بِهِ النَّصُّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم وَلاَ تُضْرَبُ السُّنَنُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. وَقَالُوا: لَوْ
أَعْتَقَا مَعًا لَجَازَ
(9/196)
فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَمْلَكُ بِحَقِّهِ قلنا:
نَعَمْ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُشْبِهٍ لِعِتْقِهِ بَعْدَ عِتْقِ شَرِيكِهِ، لأََنَّ
لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَعَ عِتْقِ شَرِيكِهِ مَعًا، وَأَنْ يَهَبَ، وَلَيْسَ لَهُ
عِنْدَ بَعْضِ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَبِيعَ بَعْدَ عِتْقِ شَرِيكِهِ،
وَلاَ أَنْ يَهَبَ، وَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَكُلُّ هَذَا فَيُمْكِنُ
أَنْ يُشْغَبَ بِهِ لَوْ لَمْ تَأْتِ السُّنَّةُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَأَمَّا وَقَدْ
جَاءَ مَا يَخُصُّ هَذَا كُلَّهُ فَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: هَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ،
فَخَالَفُوا صَاحِبًا لاَ يَصِحُّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفُهُ،
وَخَالَفُوا أَثَرَيْنِ مُرْسَلَيْنِ، وَهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ،
وَخَالَفُوا الْقِيَاسَ فأما أَبُو حَنِيفَةَ: فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ
أَصْلاًوَأَمَّا مَالِكٌ: فَتَعَلَّقَ بِحَدِيثٍ نَاقِصٍ، عَنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ
جَاءَ غَيْرُهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ
فِي تَخْصِيصِهِ الْجَارِيَةَ الرَّائِعَةَ، فَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ
أَصْلاً وَاسْتِدْلاَلُهُ فَاسِدٌ، لأََنَّ الضَّرَرَ الدَّاخِلَ عَلَيْهِمْ
بِالشَّرِكَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْوَطْءِ هُوَ بِعَيْنِهِ، وَلاَ زِيَادَةَ
دَاخِلَةٌ عَلَيْهِمْ فِي عِتْقِ بَعْضِهَا، وَلاَ فَرْقَ، وَكِلْتَاهُمَا
يُمْكِنُ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَلاَ فَرْقَ، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ وَأَمَّا
قَوْلُ زُفَرَ: فَإِنَّ الْحُجَّةَ لَهُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ
بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلاَنَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ
نَافِعٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ نَافِعٌ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: عَنْ
جَابِرٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ جَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ وَفَاءٌ
فَهُوَ حُرٌّ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَةٍ لِمَا أَسَاءَ مِنْ
مُشَارَكَتِهِمْ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ" وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
الأَنْصَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: "أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَ لَهُ نَصِيبٌ فِي عَبْدٍ فَأَعْتَقَ
نَصِيبَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُكْمِلَ عِتْقَهُ بِقِيمَةِ عَدْلٍ".
قال أبو محمد: الأَوَّلُ إنَّمَا فِيهِ حُكْمُ مَنْ لَهُ وَفَاءٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ
فِيهِ مَنْ لاَ وَفَاءَ عِنْدَهُ وَأَيْضًا فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ
غَيْلاَنَ، وَلاَ نَعْرِفُهُ وَأَخْلَقَ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولاً لاَ
يُعْتَدُّ بِهِ.وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ
أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ
فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا قَالَ: "يَضْمَنُ وَعَلَيْهِ خَلاَصُهُ"
وَأَمَّا الثَّانِي، وَالثَّالِثُ فَصَحِيحَانِ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ خَبَرٌ
آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِمَا، فَأَخْذُ الزِّيَادَةِ أَوْلَى وَلَوْ لَمْ يَأْتِ
إِلاَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ لَمَا تَعَدَّيْنَاهُمَا. وَقَالُوا: جَنَى عَلَى
شُرَكَائِهِ فَوَجَبَ تَضْمِينُهُ.
قال أبو محمد: مَا جَنَى شَيْئًا بَلْ أَحْسَنَ وَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَلَكِنْ عَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ يَجْعَلُونَ
خَبَرَ الْمُعْتِقِ نَصِيبَهُ حُجَّةً لِقَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ فِي أَنَّ
الْمُعْتَدِيَ لاَ يَضْمَنُ إِلاَّ قِيمَةَ مَا أَفْسَدَ لاَ مِثْلَ مَا أَفْسَدَ،
فَإِذْ هُوَ عِنْدَهُمْ إفْسَادٌ وَهُمْ أَصْحَابُ تَعْلِيلٍ. وَقِيَاسٍ
فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ زُفَرَ هَذَا، وَإِلَّا فَقَدْ
أَبْطَلُوا تَعْلِيلَهُمْ، وَنَقَضُوا قِيَاسَهُمْ، وَأَفْسَدُوا احْتِجَاجَهُمْ
(9/197)
وَتَرَكُوا مَا أَصَّلُوا وَهَذِهِ صِفَاتٌ شَائِعَةٌ
فِي أَكْثَرِ أَقْوَالِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَسَقَطَ هَذَا
الْقَوْلُ أَيْضًا وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ
لأََنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ
رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلاَ تَابِعٍ وَلاَ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ
قَبْلَهُ، وَلاَ بِقِيَاسٍ، وَلاَ بِرَأْيٍ سَدِيدٍ وَلاَ احْتِيَاطٍ، بَلْ هُوَ
مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ. وَمَا وَجَدْنَاهُمْ مَوَّهُوا إِلاَّ بِكَذِبٍ فَاضِحٍ
مِنْ دَعْوَاهُمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ عُمَرَ، وَكَذَبُوا كَمَا
يَرَى كُلُّ ذِي فَهْمٍ مِمَّا أَوْرَدْنَا. وَحَكَمُوا بِالأَسْتِسْعَاءِ
وَخَالَفُوا حَدِيثَ الأَسْتِسْعَاءِ فِي إجَازَتِهِمْ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ أَنْ
يَعْتِقَ، وَأَنْ يَضْمَنَ فِي حَالِ إعْسَارِ الشَّرِيكِ وَأَجَازُوا لَهُ أَنْ
يَعْتِقَ وَمَنَعُوهُ أَنْ يَحْتَبِسَ. ثُمَّ أَتَوْا بِمَقَايِيسَ سَخِيفَةٍ
عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ عِنْدَهُمْ قَدْ يَعْجِزُ فَيُرَقُّ وَلاَ
يُرَقُّ عِنْدَهُمْ الْمُسْتَسْعَى، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُفَارِقُوا فِيهِ
الْكَذِبَ الْبَارِدَ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ كُلَّ فَصْلٍ مِنْ قَوْلِنَا مَوْجُودٌ
فِي حَدِيثٍ مِنْ الأَحَادِيثِ. قلنا: وَمَوْجُودٌ أَيْضًا خِلاَفُهُ بِعَيْنِهِ
فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، فَمِنْ أَيْنَ أَخَذْتُمْ مَا أَخَذْتُمْ وَتَرَكْتُمْ
مَا تَرَكْتُمْ هَكَذَا مُطَارَفَةًوَأَيْضًا فَلاَ يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ
الآثَارِ خِيَارٌ فِي تَضْمِينِ الْمُوسِرِ أَوْ تَرْكِ تَضْمِينِهِ، وَلاَ
رُجُوعَ الْمُوسِرِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلاَ تَضْمِينَ الْعَبْدِ فِي حَالِ يَسَارِ
الَّذِي أَعْتَقَهُ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَسَائِرُ
الأَقْوَالِ لاَ مُتَعَلَّقَ لَهَا أَصْلاً وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ،
وَالشَّافِعِيِّ: فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا
أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا
لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ
ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ".
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلاً وَهُوَ خَبَرٌ
صَحِيحٌ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ خَبَرٌ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ لاَ يَحِلُّ
تَرْكُهَا وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَزَادَ فِي هَذَا الْخَبَرِ "وَرَقَّ
مِنْهُ مَا رَقّ" وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا
رَوَاهَا لاَ ثِقَةٌ وَلاَ ضَعِيفٌ وَلاَ يَجُوزُ الأَشْتِغَالُ بِمَا هَذِهِ
صِفَتُهُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " وَإِلَّا فَقَدْ
عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ " دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ الْمُعْسِرِ أَصْلاً
وَإِنَّمَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ
قَدْ "عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ " وَبَقِيَ حُكْمُ الْمُعْسِرِ فَوَجَبَ
طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ لَفْظَةَ
"وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ" إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ
نَافِعٍ، وَلَسْنَا نَلْتَفِتُ إلَى هَذَا، لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ،
لَكِنْ يَنْبَغِي طَلَبُ الزِّيَادَةِ فَإِذَا وُجِدَتْ صَحِيحَةً وَجَبَ الأَخْذُ
بِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا
فَوَجَدْنَا الْحُجَّةَ لَهُ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ
الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ
كِلاَهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ
بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ
فَخَلاَصُهُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ
(9/198)
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ
غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ" .وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا
مُسْلِمٌ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ الْكَشِّيُّ حَدَّثَنَا أَبَانُ هُوَ ابْنُ
يَزِيدَ الْعَطَّارُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي مَمْلُوكٍ
فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اُسْتُسْعِيَ
الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ" .وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْفَضْلِ عَارِمٌ قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا
جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ سَمِعْتُ قَتَادَةَ، وَقَالَ أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا
جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ اتَّفَقَا عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ،
عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي عَبْدٍ عَتَقَ كُلُّهُ إنْ كَانَ
لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اُسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ" وَقَدْ سَمِعَ
قَتَادَةُ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ
طَرِيق أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ،
حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ
نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ
بَقِيَّتَهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ
مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ" وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ فَلاَ يَجُوزُ
الْخُرُوجُ، عَنِ الزِّيَادَةِ الَّتِي فِيهِ فَقَالَ قَوْمٌ: قَدْ رَوَى هَذَا
الْخَبَرُ شُعْبَةُ، وَهَمَّامٌ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ فَلَمْ يَذْكُرُوا
مَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ.
قال أبو محمد: فَكَانَ مَاذَا؟ وَابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ثِقَةٌ فَكَيْفَ وَقَدْ
وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَرِيرٌ، وَأَبَانُ، وَهُمَا ثِقَتَانِ. فإن قيل: فَإِنَّ
هَمَّامًا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: إنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُ مَالٌ اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ قلنا: صَدَقَ هَمَّامٌ، قَالَ قَتَادَةُ
مُفْتِيًا بِمَا رَوَى وَصَدَقَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَجَرِيرٌ وَأَبَانُ
وَمُوسَى بْنُ خَلَفٍ وَغَيْرُهُمْ، فَأَسْنَدُوهُ عَنْ قَتَادَةَ وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ
حَدِيثُ قَتَادَةَ هَذَا لَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ
بِالتَّضْمِينِ جُمْلَةً زَائِدَةً عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَالِكٌ مِنْ
رِوَايَةِ نَافِعٍ، فَكَانَ يَكُونُ الْقَوْلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ زُفَرُ بْنُ
الْهُذَيْلِ، وَهَذَا لاَ مُخَلِّصَ لَهُ عَنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ حُرٌّ سَاعَةَ يُعْتَقُ بَعْضُهُ، فَإِنَّ بَعْضَ
الرُّوَاةِ قَالَ " ثُمَّ يُعْتَقُ " وَكَانَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرِ
بْنِ حَازِمٍ الَّتِي ذَكَرْنَا " عَتَقَ كُلُّهُ " فَكَانَتْ هَذِهِ
زِيَادَةً لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا، فَإِذْ قَدْ عَتَقَ كُلُّهُ فَوَلاَؤُهُ
لِلَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا رُجُوعُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ فَبَاطِلٌ
لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلْزَمَ الْغَرَامَةَ لِلْمُعْتِقِ
فِي يَسَارِهِ وَأَلْزَمَهَا الْعَبْدَ الْمُعْتَقَ فِي إعْسَارِ الْمُعْتِقِ
وَلَمْ يَذْكُرْ رُجُوعًا فَلاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ الْقَضَاءُ بِرُجُوعٍ فِي
ذَلِكَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لاَ يَفِي بِجَمِيعِ قِيمَةِ الْعَبْدُ
فَلاَ غَرَامَةَ عَلَى الْمُعْتِقِ لَكِنْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدَ وَهَذَا
مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ وَبِهِ يَقُولُ حَمَّادٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
(9/199)
1666 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ بِلاَ اسْتِسْعَاءٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ بَعْضِ عَبْدِهِ أَعْتَقَ مَا أَوْصَى بِهِ وَأَعْتَقَ بَاقِيهِ وَاسْتُسْعِيَ فِي قِيمَةِ مَا زَادَ عَلَى مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَلَمْ يَحْمِلْهُ ثُلُثُهُ أُعْتِقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَأُعْتِقَ بَاقِيهِ وَاسْتُسْعِيَ لِوَرَثَتِهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلاَ يُعْتَقُ فِي ثُلُثِهِ، لأََنَّ مَا لَمْ يُوصِ بِهِ الْمَيِّتُ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ فَالْوَرَثَةُ شُرَكَاؤُهُ فِيمَا أَعْتَقَ وَلاَ مَالَ لِلْمَيِّتِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَسْعَى لَهُمْ.رُوِّينَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: مَنْ أَعْتَقَ ثُلُثَ مَمْلُوكِهِ فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: "مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ". وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَكَمِ، وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ فَمِنْ ثُلُثِهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ اُسْتُسْعِيَ لِلْوَرَثَةِ وَعَتَقَ كُلُّهُ. وقال أبو حنيفة: إنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فِي صِحَّتِهِ عَتَقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ وَاسْتُسْعِيَ لَهُ فِي بَاقِيهِ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ.وقال أبو حنيفة" "فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ بَعْضِهِ عَتَقَ مِنْهُ مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ وَسَعَى لِلْوَرَثَةِ فِي الْبَاقِي"، فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ جُمْلَةً؟ وقال مالك: إنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدٍ فِي صِحَّتِهِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ كُلَّهُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ بَاقِيه مَا حُمِلَ مِنْهُ الثُّلُثُ وَيَبْقَى الْبَاقِي رَقِيقًا، فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ بَعْضِ عَبْدِهِ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إِلاَّ مَا أَوْصَى بِهِ فَقَطْ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مَسْعُودٍ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ" يُعْتِقُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ مِنْ غُلاَمِهِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا.
(9/200)
ومن ملك ذا رجم محرمة فهو حر
...
1667 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ
يَمْلِكُهُ، فَإِنْ مَلَكَ بَعْضَهُ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ إِلاَّ الْوَالِدَيْنِ
خَاصَّةً، وَالأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ فَقَطْ، فَإِنَّهُمْ يُعْتَقُونَ عَلَيْهِ
كُلُّهُمْ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَحْمِلُ قِيمَتَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
مَالٌ يَحْمِلُ قِيمَتَهُمْ اسْتُسْعُوا. وَهُمْ كُلُّ مَنْ وَلَدَهُ مِنْ جِهَةِ
أُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ أَبٍ. وَكُلُّ مَنْ وَلَدَهُ هُوَ مِنْ جِهَةِ
وَلَدٍ أَوْ ابْنَةٍ وَالأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَإِنْ عَلَوْا كَيْفَ كَانُوا
لأَُمٍّ أَوْ لأََبٍ، وَالأَخَوَاتُ وَالإِخْوَةُ كَذَلِكَ. وَمَنْ نَالَتْهُ
وِلاَدَةُ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ بِأَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. وَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ
وَلَهُ أَبٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدٌّ أَوْ جَدَّةٌ أُجْبِرَ عَلَى ابْتِيَاعِهِمْ
بِأَغْلَى قِيمَتِهِمْ وَعِتْقِهِمْ إذَا أَرَادَ سَيِّدُهُمْ بَيْعَهُمْ فَإِنْ
أَبَى لَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ غَيْرَ
مَحْرَمَةٍ أَوْ مَلَكَ ذَا مَحْرَمٍ بِغَيْرِ رَحِمٍ لَكِنْ بِصِهْرٍ أَوْ وَطْءِ
أَبٍ أَوْ ابْنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُهُمْ وَلَهُ بَيْعُهُمْ إنْ شَاءَ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَعْتِقُ إِلاَّ مَنْ وَلَدَهُ مِنْ جِهَةِ أَبٍ أَوْ
أُمٍّ أَوْ مَنْ وَلَدَهُ هُوَ
(9/200)
كَذَلِكَ أَوْ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَقَطْ. وَلاَ
يَعْتِقُ الْعَمُّ، وَلاَ الْعَمَّةُ، وَلاَ الْخَالُ، وَلاَ الْخَالَةُ، وَلاَ
مَنْ وَلَدَ الأَخُ أَوْ الأُُخْتُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَصَحَّ عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَرُوِيَ، عَنْ رَبِيعَةَ وَمَكْحُولٍ، وَمُجَاهِدٍ،
وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ، وَلاَ رُوِيَ عَنْهُمْ: أَنَّ مَنْ عَدَا هَؤُلاَءِ لاَ
يَعْتِقُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَعْتِقُ إِلاَّ مَنْ وَلَدَهُ مِنْ جِهَةِ
أَبٍ أَوْ أُمٍّ، وَمَنْ وَلَدُهُ هُوَ كَذَلِكَ، وَلاَ يَعْتِقُ غَيْرُ هَؤُلاَءِ
لاَ أَخٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ:
"لاَ يَعْتِقُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ" وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ:
"يَعْتِقُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَحْرَمَةٍ
حَتَّى ابْنُ الْعَمِّ، وَابْنُ الْخَالِ فَإِنَّهُمَا يَعْتِقَانِ عَلَيْهِ
وَيَسْتَسْعِيهِمَا".
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ فَإِنْ
ذَكَرُوا أَنَّهُ رُوِيَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْوَالِدُ
وَالْوَلَدَ عَتَقَ. قلنا: نَعَمْ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ هَذَا أَيْضًا فِي كُلِّ
ذِي رَحِمٍ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ " إذَا مَلَكَ الْوَالِدُ الْوَلَدَ عَتَقَ
" أَنَّ غَيْرَهُمَا لاَ يُعْتِقُ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً إِلاَّ
دَعْوَى الإِجْمَاعِ عَلَى عِتْقِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ
فَمَا يُحْفَظُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ عَنْ عِشْرِينَ مِنْ صَاحِبٍ
وَتَابِعٍ وَهُمْ أُلُوفٌ فَأَيْنَ الإِجْمَاعُ فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا} قلنا: أَتِمُّوا الآيَةَ {وَبِذِي
الْقُرْبَى} فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى:فِي الْوَالِدَيْنِ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ
الرَّحْمَةِ} قَالُوا: وَلاَ يُمْكِنُ خَفْضُ الْجُنَاحِ وَالذُّلِّ لَهُمَا مَعَ
اسْتِرْقَاقِهِمَا. قَالُوا: وَأَمَّا الْوَلَدُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
يَقُولُ: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إنْ كُلُّ مَنْ
فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} قَالُوا: فَوَجَبَ
أَنَّ الرِّقَّ، وَالْوِلاَدَةَ لاَ يَجْتَمِعَانِ. قَالُوا: وَأَمَّا الأَخُ:
فَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ مُوسَى عليه الصلاة والسلام: {إنِّي لاَ أَمْلِكُ
إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} قَالُوا: فَكَمَا لاَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ كَذَلِكَ لاَ
يَمْلِكُ أَخَاهُ. وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى
السَّاجِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
دَاوُد، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ الْقَارِئُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم مَوْلًى يُقَالُ لَهُ صَالِحٌ اشْتَرَى أَخًا لَهُ مَمْلُوكًا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ عَتَقَ حِينَ مَلَكْتَهُ".
قال أبو محمد: وَهَذَا أَثَرٌ فَاسِدٌ، لأََنَّ حَفْصَ بْنَ سُلَيْمَانَ سَاقِطٌ،
وَابْنَ أَبِي لَيْلَى سِيءُ الْحِفْظِ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إرْقَاقُ
مَنْ عَدَا الأَخِوَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إنِّي لاَ
أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} فَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ، عَنْ مَوَاضِعِهِ
وَتَخْلِيطٌ سَمِجٌ. وَلَوْ كَانَ هَذَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى أَنَّ الأَخَ
يُمْلَكُ لَكَانَ أَدْخَلَ فِي الشُّبْهَةِ، لأََنَّ فِيهِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ
عَلَى الأَخِ وَالنَّفْسِ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقَعَ لأََحَدٍ مِلْكُ رِقٍّ
عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ مُحَالاً مِلْكُ أَخِيهِ وَأَبِيهِ، وَلاَ يَجُوزُ
قِيَاسُ الأَخِ عَلَى النَّفْسِ لأََنَّ
(9/201)
الإِنْسَانَ يَصْرِفُ نَفْسَهُ فِي الطَّاعَةِ أَوْ
الْمَعْصِيَةِ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَمْلِكُ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا
قَالَ مُوسَى عليه الصلاة والسلام إنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فِي الْجِهَادِ، وَلاَ
يَصْرِفُ أَخَاهُ كَذَلِكَ، وَلاَ يُطِيعُهُ فَفَسَدَ هَذَا الْقِيَاسُ الْبَارِدُ
الَّذِي لَمْ يُسْمَعْ قَطُّ بِأَسْخَفَ مِنْهُ, وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ
تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إنْ كُلُّ مَنْ
فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} فَلاَ يَجُوزُ
أَلْبَتَّةَ أَنْ يُسْتَدَلَّ مِنْ هَذَا عَلَى عِتْقِ الأَبْنِ، وَلاَ عَلَى
أَنَّهُ لاَ يُمْلَكُ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ
بِهَذِهِ الآيَةِ وَلَيْسَ فِيهَا إِلاَّ الْخَبَرَ عَنْهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ
مِنْ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ لاَ أَوْلاَدٌ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَوَجَبَ عِتْقُ
الزَّوْجَةِ وَالشَّرِيكِ إذَا مُلِكَا لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى انْتَفَى عَنِ
الْوَلَدِ سَوَاءً سَوَاءً وَأَخْبَرَ أَنَّ الْكُلَّ عَبِيدُهُ، وَلاَ فَرْقَ
فَسَقَطَ احْتِجَاجُهُمْ جُمْلَةً، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ, وَأَمَّا
مَنْ قَالَ: لاَ يَعْتِقُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا صَحَّ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا
إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ".
قال أبو محمد: هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَنْ
اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} فَافْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرَ الأَبَوَيْنِ
وَجَزَاؤُهُمَا هُوَ مِنْ شُكْرِهِمَا، فَجَزَاؤُهُمَا فَرْضٌ، فَإِذْ هُوَ
فَرْضٌ، وَجَزَاؤُهُمَا لاَ يَكُون إِلاَّ بِالْعِتْقِ فَعِتْقُهُمَا فَرْضٌ،
وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ نَظَرْنَا: فِيمَا
احْتَجَّ بِهِ الأَوْزَاعِيِّ فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّتِهِ قَوْلَ اللَّهِ
تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} .
قال علي: وهذا لاَ يُوجِبُ الْعِتْقَ، لأََنَّ الإِحْسَانَ فُرِضَ إلَى
الْعَبِيدِ، وَلاَ يَقْتَضِي ذَلِكَ عِتْقَهُمْ فَرْضًا وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ فِي
ابْنِ الْعَمِّ، وَابْنِ الْخَال لَوَجَبَ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ، لأََنَّ النَّاسَ
يَجْتَمِعُونَ فِي أَبٍ بَعْدَ أَبٍ إلَى آدَمَ عليه السلام، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ
يَخُصَّ بِهَذَا ابْنَ الْعَمِّ، وَابْنَ الْخَالِ: دُونَ ابْنِ ابْنِ الْعَمِّ
وَابْنِ ابْنِ الْخَالِ، وَهَكَذَا صَعَدًا، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِنَا فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ
بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ أَبُو عُمَيْرٍ الرَّمْلِيُّ
وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ الْفَاخُورِيُّ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ"
فَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ كُلُّ رُوَاتِهِ ثِقَاتٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَقَدْ
تَعَلَّلَ فِيهِ الطَّوَائِفُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنَّ ضَمْرَةَ انْفَرَدَ بِهِ
وَأَخْطَأَ فِيهِ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا إذَا انْفَرَدَ بِهِ وَمَتَى
لَحِقْتُمْ بِالْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنْ لاَ تَقْبَلُوا مَا رَوَاهُ الْوَاحِدُ،
عَنِ الْوَاحِدِ، وَكَمْ خَبَرٌ انْفَرَدَ بِهِ رَاوِيهِ فَقَبِلْتُمُوهُ،
وَلَيْتَكُمْ لاَ تَقْبَلُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ، كَابْنِ
لَهِيعَةَ، وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَغَيْرِهِ فأما دَعْوَى أَنَّهُ أَخْطَأَ
فِيهِ فَبَاطِلٌ، لأََنَّهَا دَعْوَى بِلاَ برهان وَهَذَا مَوْضِعٌ قَبِلَهُ
الْحَنَفِيُّونَ وَقَالُوا بِهِ، وَلَمْ يَرَوْا انْفِرَادَ ضَمْرَةَ بِهِ
عِلَّةً، ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ
اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ بُكَيْرِ
بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لَهُ
إِلاَّ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ
(9/202)
السَّيِّدُ" فَقَالُوا انْفَرَدَ بِهِ عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَخْطَأَ فِيهِ، فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ إذَا رَأَى
الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحًا وَعَمِلُوا بِهِ
وَلَمْ يَرَوْا انْفِرَادَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ بِهِ وَقَوْلُ
مَنْ قَالَ: إنَّهُ خَطَأٌ فِيهِ حُجَّةٌ فِي رَدِّهِ وَتَرْكِهِ وَرَأَى
الْحَنَفِيُّونَ انْفِرَادَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ بِهَذَا
الْخَبَرِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِهِ
وَرَدِّهِ، وَلَمْ يَرَوْا انْفِرَادَ ضَمْرَةَ بِذَلِكَ الْخَبَرِ وَقَوْلُ مَنْ
قَالَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِهِ وَرَدِّهِ، فَهَلْ مِنْ
الدَّلِيلِ عَلَى التَّلاَعُبِ بِالدَّيْنِ وَقِلَّةِ الْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ
تَعَالَى أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ بِاتِّبَاعِ
الْهَوَى. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ وَقَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ
سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ فَصَحَّحَ الْحَنَفِيُّونَ هَذَا
الْخَبَرَ وَرَأَوْهُ حُجَّةً وَقَالُوا: لاَ يَضُرُّهُ مَا قِيلَ: أَنَّ
الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ، وَالْمُنْقَطِعُ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ،
ثُمَّ أَتَوْا إلَى مُرْسَلٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ " أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثٌ فَقَالُوا: لَمْ
يَصِحَّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لاَ تَقُومُ بِهِ
حُجَّةً. وَقَلَبَ الْمَالِكِيُّونَ هَذَا الْعَمَلَ فَرَأَوْا رِوَايَةَ
الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ فِي عُهْدَةِ الرَّقِيقِ حُجَّةً لاَ يَضُرُّهُ مَا
قِيلَ: مِنْ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ، وَالْمُنْقَطِعُ
تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَلَمْ يَرَوْا خَبَرَ عِتْقِ ذِي الرَّحِمِ
الْمَحْرَمَةِ حُجَّةً، لأََنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ شَيْئًا،
وَالْمُنْقَطِعُ لاَ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ عَقَلَ
وَنَصَحَ نَفْسَهُ.
قال أبو محمد: فَبَطَلَتْ الأَقْوَالُ إِلاَّ قَوْلُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْخُشَنِيِّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ الضَّحَّاكُ
ابْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ
إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ.وبه إلى
بِنْدَارَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،
قَالَ شُعْبَةُ، عَنْ غَيْلاَنَ وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ،
كِلاَهُمَا، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ، هُوَ ابْنُ الأَحْنَفِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَهُ: إنَّ عَمِّي زَوَّجَنِي جَارِيَةً
لَهُ، وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَرِقَّ وَلَدِي فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ:
لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ
حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ عَنْ
إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ فَهُوَ حُرٌّ وَهُوَ
قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ
الْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالاَ جَمِيعًا: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ
عَتَقَ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا مُلِكَ الأَخُ وَالأُُخْتُ
وَالْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ عَتَقُوا.وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ
الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالاَ جَمِيعًا:
كُلُّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ عَتَقَ,
(9/203)
وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ وَهُوَ قَوْلُ
الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاللَّيْثِ
بْنِ سَعْدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَبِي حَنِيفَةَ
َجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا مِمَّا
خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَصَاحِبَيْنِ لاَ
يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِأَقَلَّ مِنْ
هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ مَا
رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ الْحَسَنِ: مَنْ
مَلَكَ أَخَاهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ عَتَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ
إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مَقَتَ رَجُلاً
أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ جَارِيَةً لَهُ أَرْضَعَتْ وَلَدَهُ.
قال أبو محمد: وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا حُجَّةً إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ،
وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَكَانَ
يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقِيسُوا الأُُمَّ مِنْ الرَّضَاعِ، وَالأَبَ مِنْ الرَّضَاعِ،
وَالْوَلَدِ مِنْ الرَّضَاعِ وَالأَخِ مِنْ الرَّضَاعِ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ مِنْ
النَّسَبِ، لاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ" فَهَذَا
أَصَحُّ مِنْ كُلِّ قِيَاسٍ قَالُوا بِهِ.
قال أبو محمد: ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَرَأَيْنَا مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنْ قَالُوا:
إنَّ السُّنَّةَ تُوجِبُ أَنْ يُعْتَقَ ذَوُو الْمَحَارِمِ مِنْ الرَّضَاعِ
أَيْضًا، وَلاَ بُدَّ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ
عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ "
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا
يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ" .وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ
خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَحْرُمُ
مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ " وَوَجَدْنَا " يَحْرُمُ
مِنْ الرَّحِمِ، وَمِنْ النَّسَبِ " تَمَادِي مِلْكِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ
مَحْرَمَةٍ وَذِي نَسَبٍ مَحْرَمٍ، فَوَجَبَ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَحْرُمَ تَمَادِي
الْمِلْكِ فِيمَنْ يَمُتُّ بِالرَّضَاعَةِ كَذَلِكَ، وَلاَ بُدَّ. فَنَظَرْنَا فِي
هَذَا الأَحْتِجَاجِ فَوَجَدْنَاهُ شَغَبِيًّا: أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّ مِلْكَ ذِي
الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ لَيْسَ حَرَامًا، بَلْ هُوَ صَحِيحٌ لِقَوْلِ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ
حُرٌّ " فَأَوْقَعَ الْمِلْكَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَلْزَمَ الْعِتْقَ وَلَوْ لاَ
صِحَّةَ مِلْكِهِ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ. ثُمَّ وَجَدْنَا قَوْلَهُمْ: إنَّ
تَمَادِيَ مِلْكِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ يَحْرُمُ خَطَأٌ، لأََنَّهُ لَوْ
لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا إِلاَّ تَحْرِيمَ تَمَادِي الْمِلْكِ لَكَانَ الْعِتْقُ لاَ
يَجِبُ، وَلاَ بُدَّ، بَلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَهَبَهُ فَيَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ،
أَوْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَيَبْطُلُ بِهَذَا مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ تَمَادِيَ
الْمِلْكِ يَحْرُمُ، وَكَانَ الْحَقُّ أَنْ يَقُولُوا: إنَّ الْعِتْقَ يَجِبُ
عَقِيبَ الْمِلْكِ بِلاَ فَصْلٍ، وَلاَ مُهْلَةٍ، وَلَمْ يَقُلْ عليه الصلاة
والسلام: إنَّهُ يَجِبُ فِي الرَّضَاعِ مَا يَجِبُ فِي النَّسَبِ، وَمَا يَجِبُ
فِي الرَّحِمِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا لَوَجَبَ الْعِتْقُ كَمَا قَالُوا وَإِنَّمَا
قَالَ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ وَمِنْ الرَّحِمِ
فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ النِّكَاحُ وَالتَّلَذُّذُ فَقَطْ، فَهُوَ
حَرَامٌ فِيهِمَا مَعًا وَأَمَّا
(9/204)
مَنْ مَلَكَ بَعْضَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ فَلَمْ يَمْلِكْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ، إذْ لَمْ يُوجِبْ النَّصُّ ذَلِكَ,وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الْوَالِدَيْنِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ، فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالاَ جَمِيعًا: ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ، هُوَ ابْنُ حَازِمٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ" قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ " وَالِدَهُ " وَاتَّفَقَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ.وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ" وَاسْمُ " الْوَالِدِ " يَقَعُ عَلَى الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ مَا لَمْ يَخُصَّهُمَا نَصٌّ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمَا يَشْتَرِي بِهِ الرَّقَبَةَ الْوَاجِبَةَ لِلْعِتْقِ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرّ" ٌ فَوَلَدُ الْعَبْدِ مِنْ أَمَتِهِ حُرٌّ عَلَى أَبِيهِ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: الْيَتِيمُ أُمُّهُ مُحْتَاجَةٌ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً أَتُعْتَقُ فِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ يُكْرَهُ عَلَى إعْتَاقِهَا إنْ لَمْ يَتَمَتَّعُوا بِهَا وَيَحْتَاجُوهُ.
(9/205)
1668 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى ثَمَنِ مَمْلُوكِهِ أَوْ غَلَّتِهِ أَوْ خِدْمَتِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ، إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، مَجْنُونًا أَوْ عَاقِلًا، غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا، وَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ بِحُكْمِ السُّلْطَانِ وَبِغَيْرِ حُكْمِ السُّلْطَانِ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا حَدِيثُ الْمُدَبَّرِ نَفْسَهُ، رَوَاهُ: عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ، كُلُّهُمْ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهُ قُلْنَا: لَوْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَا خَبَرَيْنِ فِي عَبْدَيْنِ لَكَانَ مَا قُلْتُمْ حَقًّا وَأَمَّا إذْ فِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَا خَبَرَيْنِ فِي عَبْدَيْنِ يَبْتَاعُهُمَا مَعًا نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ، فَلَا يَحِلُّ الْقَطْعُ بِأَنَّهُمَا خَبَرٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَاذِبًا، قَافِيًا مَا لَا عَلِمَ لَهُ بِهِ. وَأَمَّا مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ، فَمَا يُبَالِي أَعْتَقَهُ أَوْ لَمْ يَعْتِقْهُ، وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ، بَلْ هُوَ حُرٌّ وَلَا بُدَّ. وَمَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَلَا غِنًى بِهِ عَنْهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذْ هُوَ بَاطِلٌ فَلَمْ يَعْتِقْهُ، فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْتَقَ وَالِدَيْنِ مُحِيطٌ بِمَالِهِ رُدَّ عِتْقُهُ - وَلَا نَصَّ لَهُ فِي ذَلِكَ.
(9/205)
1669 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ عِتْقُ مَنْ لاَ يَبْلُغُ، وَلاَ عِتْقُ مَنْ لاَ يَعْقِلُ مِنْ سَكْرَانَ أَوْ مَجْنُونٍ وَلاَ عِتْقَ مُكْرَهٍ وَلاَ مَنْ لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ، لَكِنْ أَخْطَأَ لِسَانُهُ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا وَحْدَهُ إنْ قَامَتْ
(9/205)
1670 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا، أَوْ إلَى سَنَةٍ، أَوْ إلَى بَعْدَ مَوْتِي أَوْ إذَا جَاءَ أَبِي أَوْ إذَا أَفَاقَ فُلاَنٌ، أَوْ إذَا نَزَلَ الْمَطَرُ أَوْ نَحْوُ هَذَا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ الأَجَلُ فَإِنْ بَاعَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِلْكِهِ فَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ الْعَقْدُ وَلاَ عِتْقَ لَهُ بِمَجِيءِ ذَلِكَ الأَجَلِ وَلاَ رُجُوعَ لَهُ فِي عَقْدِهِ ذَلِكَ أَصْلاً، إِلاَّ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ لأََنَّ هَذَا الْعِتْقَ إمَّا وَصِيَّةٌ وَأَمَّا نَذْرٌ وَكِلاَهُمَا عَقْدٌ صَحِيحٌ قَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالْوَفَاءِ بِهِمَا فَلَوْ عَلَّقَ
(9/206)
الْعِتْق بِمَعْصِيَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ طَاعَةٍ، وَلاَ
مَعْصِيَةَ: لَمْ يَجُزْ الْعِتْقُ، لأََنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ مُحَرَّمٌ مَنْهِيٌّ
عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي
مَعْصِيَةِ اللَّهِ" وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ:
أَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَكُنْ حُرًّا حَتَّى يَقُولَ: لِلَّهِ وَهَذَا حَقٌّ لأََنَّ
الْعِتْقَ عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَبِرٌّ وَقُرْبَةٌ إلَيْهِ تَعَالَى
فَكُلُّ عِبَادَةٍ وَقُرْبَةٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَعَالَى مُخْلِصًا لَهُ بِهَا
فَهِيَ بَاطِلٌ مَرْدُودَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ
عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" وَقَدْ رُوِيَتْ
آثَارٌ فَاسِدَةٌ مِنْهَا "مَنْ أَعْتَقَ لاَعِبًا فَقَدْ جَاز"َ وَهُوَ
بَاطِلٌ، لأََنَّهُ مُرْسَلٌ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ مَذْكُورٌ
بِالْكَذِبِ وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَأَرْبَعٌ مُقْفَلاَتٌ لاَ يَجُوزُ
فِيهِنَّ الْهَزْلُ الطَّلاَقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْعَتَاقَةُ، وَالنَّذْرُ
وَهَذَا لاَ يَصِحُّ، لأََنَّهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ،
وَلَمْ يَسْمَعْ سَعِيدٌ مِنْ عُمَرَ شَيْئًا إِلاَّ نَعْيَهُ النُّعْمَانُ بْنُ
مُقْرِنٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ، لأََنَّ
ظَاهِرَهُ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ، بَلْ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا، لأََنَّ الْهَزْلَ لاَ
يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّذْرِ، فَإِذْ لاَ
يَجُوزُ فِيهَا فَهِيَ غَيْرُ وَاقِعَةٍ بِهِ، هَذَا مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ كَمَا يُرِيدُونَ فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَمْرٍو
وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ وَهُوَ غَيْرُ
ثِقَةٍ، عَنْ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ عُمَرَ: ثَلاَثٌ اللَّاعِبُ فِيهِنَّ
وَالْجَادُّ سَوَاءٌ الطَّلاَقُ وَالصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ ثُمَّ هُمْ
مُخَالِفُونَ لِهَذَا لأََنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ صَدَقَةَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا
فَبَعْضُ كَلاَمٍ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ حُجَّةً، وَبَعْضُهُ لَيْسَ حُجَّةً، هَذَا
اللَّعِبُ بِالدِّينِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ثَلاَثٌ
اللَّاعِبُ فِيهِنَّ كَالْجَادِّ النِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَالْعَتَاقُ هَذَا
مُرْسَلٌ وَلَمْ يُدْرِكْ الْحَسَنُ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ
الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَلِيٍّ: ثَلاَثٌ لاَ لَعِبَ
فِيهِنَّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَالْعَتَاقُ، جَابِرٌ كَذَّابٌ، ثُمَّ لَوْ
صَحَّ لَكَانَ ظَاهِرُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا لاَ لِقَوْلِهِمْ، وَهُوَ
إبْطَالُ اللَّعِبِ فِيهِنَّ فَإِذًا بَطَلَ مَا وَقَعَ مِنْهَا
بِاللَّعِبِ.وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بَلَغَنِي أَنَّ مَرْوَانَ
أَخَذَ مِنْ عَلِيٍّ: أَرْبَعٌ لاَ رُجُوعَ فِيهِنَّ إِلاَّ بِالْوَفَاءِ:
النِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنَّذْرُ وَنَعَمْ، كُلُّ هَذِهِ إذَا
وَقَعَتْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي دِينِ الإِسْلاَمِ فَالْوَفَاءُ بِهَا
فَرْضٌ وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ كَمَا أَمَرَ إبْلِيسُ، فَلاَ، وَلاَ كَرَامَةَ
لِلآمِرِ وَالْمُطِيعِ ثُمَّ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرٌ لِلإِكْرَاهِ عَلَى
الْعِتْقِ وَجَوَازُهُ، فَوَضَحَ بُطْلاَنُ قَوْلِهِمْ بِلاَ شَكٍّ,وَأَمَّا
قَوْلُنَا: لَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَأْتِ الأَجَلُ، فَلأََنَّهُ عَبْدٌ مَا لَمْ
يَسْتَحِقَّ الْحُرِّيَّةَ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ
الآجَالِ الْمَذْكُورَةِ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ قَدْ يَجِيءُ ذَلِكَ الأَجَلُ
وَالْعَبْدُ مَيِّتٌ أَوْ السَّيِّدُ مَيِّتٌ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ أَخْرَجَهُ، عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى
مِلْكِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ بِمَجِيءِ ذَلِكَ الأَجَلِ، فَلأََنَّهُ قَدْ
بَطَلَ الْعَقْدُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ
كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} وَكُلُّ شَيْءٍ بَطَلَ بِحَقٍّ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ
يَعُودَ
(9/207)
إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِعَوْدَتِهِ وَلاَ نَصَّ فِي عَوْدَةِ هَذَا الْعَقْدِ بَعْدَ بُطْلاَنِهِ وَأَمَّا قَوْلُنَا: لاَ رُجُوعَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ، إِلاَّ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ فَقَطْ، فَلأََنَّهَا كُلَّهَا عُقُودٌ صِحَاحٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ إبْطَالُهُ، إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِكَيْفِيَّةِ إبْطَالِهِ فِي ذَلِكَ أَصْلاً فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ عَقْدٍ صَحِيحٍ أَصْلاً، إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ نَصٌّ بِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/208)
1671 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمُسْلِمِ عِتْقُ عَبْدِهِ الْكِتَابِيِّ فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ وَأَرْضِ الْحَرْبِ مَلِكَهُ هُنَالِكَ أَوْ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم: " فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ" وَلِحَضِّهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْعِتْقِ جُمْلَةً، إِلاَّ أَنَّ عِتْقَ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ أَجْرًا وَكَذَلِكَ عِتْقُ الْكَافِرِ لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ جَائِزٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ حَكِيمٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ عَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ" فَجَعَلَ عِتْقَ الْعَبْدِ الْكَافِرِ خَيْرًا. فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ سَيِّدُهُ الْمُسْلِمُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ الْمُعْتِقُ وَالْمُعْتَقُ لأََنَّ الْوَلاَءَ لِلْمُعْتِقِ عُمُومًا قَالَ عليه الصلاة والسلام: "الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالآخَرُ كَافِرًا لَمْ يَتَوَارَثَا لأَخْتِلاَفِ الدِّينِ.
(9/208)
1672 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ أَوْ الْحَرْبِيِّ عَبْدٌ كَافِرٌ فَأَسْلَمَا مَعًا فَهُوَ عَبْدُهُ، كَمَا كَانَ، فَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ سَيِّدِهِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ يُسْلِمُ، وَلاَ وَلاَءَ عَلَيْهِ لأََحَدٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} وَالرِّقُّ أَعْظَمُ السَّبِيلِ.وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ لَنَا عَلَى أَنَّهُ إنْ خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ حُرٌّ، وَمَا نَدْرِي لِلْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ حُكْمًا، لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِنَظَرٍ فإن قيل: أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ عَبِيدِ الْكُفَّارِ.قلنا: هَذِهِ حُجَّتُنَا وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ بِالْخُرُوجِ أَعْتَقَهُ وَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام قَطُّ ذَلِكَ ثُمَّ يَقُولُونَ: إنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْكَافِرِ بِيعَ عَلَيْهِ فَقُلْنَا: لِمَاذَا تَبِيعُونَهُ أَلأََنَّهُ لاَ يَجُوزُ مِلْكُهُ لَهُ أَمْ لِنَصٍّ وَرَدَ فِي بَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَهُ جَائِزًا، وَلاَ سَبِيلَ إلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَفَإِنْ قَالُوا: لأََنَّ مِلْكَهُ لَهُ لاَ يَجُوزُقلنا: فَإِذْ لاَ يَحِلُّ مِلْكُهُ لَهُ فَقَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِلاَ شَكٍّ، وَإِلَّا فَكَلاَمُكُمْ مُخْتَلِطٌ مُتَنَاقِضٌ وَإِذْ قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَعْدُ مِلْكٍ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ بِلاَ شَكٍّ حُرٌّ، إذْ هَذِهِ صِفَةُ الْحُرِّ. وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَهُ جَائِزًا فَبَيْعُكُمْ إيَّاهُ ظُلْمٌ وَبَاطِلٌ وَجَوْرٌ. وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا قَضَيْتُمْ بِهِ مِنْ إبْقَائِهِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ حَتَّى يُبَاعَ وَلَعَلَّهُ لاَ يَسْتَبِيعُ إِلاَّ بَعْدَ سَنَةٍ وَبَيْنَ مَنْعِكُمْ مِنْ مِلْكِهِ مُتَمَادِيًا وَهَذَا مَا لاَ سَبِيل لَهُ إلَى وُجُودِ فَرْقٍ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُوَأَمَّا سُقُوطُ الْوَلاَءِ عَنْهُ فَلأََنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ وَلاَ وَلاَءَ إِلاَّ لِلْمُعْتِقِ أَو لِمَنْ أَوْجَبَهُ النَّصّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/208)
وعتق ولد الزنا جائز
...
1673 - مَسْأَلَةٌ: وَعِتْقُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزٌ، لأََنَّهُ رَقَبَةٌ
مَمْلُوكَةٌ، وَقَدْ جَاءَتْ أَخْبَارٌ بِخِلاَفِ
(9/208)
ومن قال : أحد عبدى هذين حر فليس منهما حر وكلاهما
عبدا
...
1674- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: أَحَدُ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ حُرٌّ. فَلَيْسَ
مِنْهُمَا حُرٌّ وَكِلاَهُمَا عَبْدٌ كَمَا كَانَ، وَلاَ يُكَلَّفُ عِتْقَ
أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ هَذَا بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ حُرًّا، إذْ لَمْ
يَعْتِقْهُ سَيِّدُهُ، وَلاَ أَعْتَقَ هَذَا الآخَرَ أَيْضًا بِعَيْنِهِ، فَلَيْسَ
أَيْضًا حُرًّا، إذْ لَمْ يَعْتِقْهُ سَيِّدُهُ، فَكِلاَهُمَا لَمْ يَعْتِقْهُ
سَيِّدُهُ، فَكِلاَهُمَا عَبْدٌ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلاَ يَجُوزُ
إخْرَاجُ مِلْكِهِ، عَنْ يَدِهِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ.
(9/209)
1675 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَطَمَ خَدَّ عَبْدِهِ أَوْ خَدَّ أَمَتِهِ بِبَاطِنِ كَفِّهِ فَهُمَا حُرَّانِ سَاعَتَئِذٍ إذَا كَانَ اللَّاطِمُ بَالِغًا مُمَيِّزًا وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَهُمَا أَوْ حَدَّهُمَا حَدًّا لَمْ يَأْتِيَاهُ فَهُمَا حُرَّانِ بِذَلِكَ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَمْلُوكٌ لَا بِمُثْلَةٍ وَلَا بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ كَانَ اللَّاطِمُ مُحْتَاجًا إلَى خِدْمَةِ الْمَمْلُوكِ الْمَلْطُومِ أَوْ الأَُمَةِ كَذَلِكَ وَلَا غِنَى لَهُ عَنْهُ أَوْ عَنْهَا اسْتَخْدَمَهُ أَوْ اسْتَخْدَمَهَا فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ أَوْ عَنْهَا فَهِيَ أَوْ هُوَ حُرَّانِ حِينَئِذٍ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ غُنْدَرٌ: نا شُعْبَةُ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، كِلَاهُمَا عَنْ فِرَاسِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ هُوَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ يُحَدِّثُ عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ قَالَ: دَعَا ابْنُ عُمَرَ غُلَامًا لَهُ فَرَأَى بِظَهْرِهِ أَثَرًا فَقَالَ لَهُ: أَوْجَعْتُكَ ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَأَنْتَ عَتِيقٌ ثُمَّ قَالَ: "إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ" اللَّطْمُ لَا يَقَعُ فِي اللُّغَةِ إلَّا بِبَاطِنِ الْكَفِّ عَلَى الْخَدِّ فَقَطْ، وَهُوَ فِي الْقَفَا الصَّفْعُ. وَحَدِيثُ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ زَائِدٌ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَجُوزُ رَدُّهَا, وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا أَبِي نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْد بْنِ مُقْرِنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كُنَّا بَنِي مُقْرِنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَنَا إلَّا خَادِمٌ وَاحِدٌ فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَعْتِقُوهَا، فَقَالَ: لَيْسَ لَهُمْ خَادِمٌ غَيْرُهَا، قَالَ: فَلْيَسْتَخْدِمُوهَا فَإِذَا اسْتَغْنَوْا فَلْيُخَلُّوا سَبِيلَهَا" فَهَذَا أَمْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ, فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَآهُ يَضْرِبُ غُلَامًا لَهُ فَقَالَ لَهُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ
(9/209)
ومن أعتق عبدا وله مال فما له الا أن ينتزعه
...
1677 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لَهُ إِلاَّ
أَنْ يَنْتَزِعَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِ إيَّاهُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ
لِلسَّيِّدِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ
لأَمْرَأَةٍ سَأَلَتْهَا وَقَدْ أَعْتَقَتْ عَبْدَهَا: إذَا أَعْتَقْتِيهِ وَلَمْ
تَشْتَرِطِي مَالَهُ فَمَالُهُ لَهُ. وَمِثْلُهُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَصَحَّ، عَنِ
الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ فِي عَبْدٍ كَاتَبَهُ مَوْلاَهُ وَلَهُ مَالٌ وَوَلَدٌ مِنْ
سُرِّيَّةٍ لَهُأَنَّ مَالَهُ وَسُرِّيَّتَهُ لَهُ وَوَلَدَهُ أَحْرَارٌ
وَالْعَبْدُ إذَا أُعْتِقَ كَذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ
الْمِنْهَالِ عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ، وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ زِيَادٌ عَنِ
الْحَسَنِ، وَقَالَ قَيْسٌ: عَنْ عَطَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ إذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ فَمَالُهُ لَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ إذَا أُعْتِقَ
الْعَبْدُ يَتْبَعُهُ مَالُهُ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ،
وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ،
وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي وَمَكْحُولٍ مِثْلُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ
يَحْيَى عَلَى هَذَا أَدْرَكْت النَّاسَ، وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَأَبُو الزِّنَادِ،
سَوَاءٌ عَلِمَ سَيِّدُهُ مَالَهُ أَوْ جَهِلَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ.
وقال مالك: مَالُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لَهُ، وَأَمَّا أَوْلاَدُهُ فَلِسَيِّدِهِ
وَكَذَلِكَ حَمْلُ أُمِّ وَلَدِهِ وَلَوْ أَنَّهُ بَعْدَ عِتْقِهِ أَرَادَ عِتْقَ
أُمِّ وَلَدِهِ لَمْ يَقْدِرْ لأََنَّ حَمْلَهَا رَقِيقٌ. وَقَالَ: هِيَ
السُّنَّةُ الَّتِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهَا، أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ
يَتْبَعُهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْعَبْدَ
وَالْمُكَاتَبَ إذَا فَلَّسَا أَوْ جُرِحَا أُخِذَ مَالُهُمَا وَأُمَّهَاتُ
أَوْلاَدِهِمَا، وَلَمْ يُؤْخَذْ أَوْلاَدُهُمَا، وَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا بِيعَ
وَاشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ مَالَهُ كَانَ لَهُ، وَلَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهُ فِي الشَّرْطِ.
(9/213)
قال أبو محمد: مَا رَأَيْنَا حُجَّةً أَفْقَرَ إلَى
حُجَّةٍ مِنْ هَذِهِ، وَإِنَّ الْعَجَبَ مِنْ هَذِهِ السُّنَّةُ الَّتِي لاَ
يُعْرَفُ لَهَا رَاوٍ مِنْ النَّاسِ لاَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ.
وَالْخِلاَفُ فِيهَا أَشْهَرُ مِنْ ذَلِكَ. كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَطَاءٍ،
وَالْحَسَنِ، بَلْ إنَّمَا رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
مُوسَى وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالنَّخَعِيِّ. وَقَدْ أَجْمَعَتْ الأُُمَّةُ
وَمَالِكٌ مَعَهُمْ فِي جُمْلَتِهِمْ وَهَؤُلاَءِ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الأَمَةِ
مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ أُمِّهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ أَمَتِهِ
الصَّحِيحَةِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ حُرٌّ، وَالْفَاسِدَةِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ
عِنْدَ بَعْضِهِمْ حُرٌّ، وَعَلَى أَبِيهِ قِيمَتُهُ أَوْ فِدَاؤُهُ. وَلاَ
تَخْلُو أُمُّ وَلَدِ الْعَبْدِ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ، فَوَلَدُهَا لَهُ إمَّا
حُرٌّ، وَأَمَّا مَمْلُوكٌ فَتُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، أَوْ لاَ تُعْتَقُ
وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ لِسَيِّدِهِ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ وَطْءُ أَمَةِ غَيْرِهِ
إِلاَّ بِالزَّوَاجِ، وَإِلَّا فَهُوَ زِنًا، وَالْوَلَدُ غَيْرُ لاَحِقٍ إذَا
عَلِمَ أَنَّهَا أَمَةُ غَيْرِهِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ وَلَيْسَ فِي
الْبَاطِلِ، وَالْكَلاَمُ الْمُتَنَاقِضُ الَّذِي يُفْسِدُ بَعْضُهُ بَعْضًا
أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَمَةً لِلْعَبْدِ لاَ يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا
إِلاَّ أَنْ يَنْتَزِعَهَا، وَيَكُونُ وَلَدُهَا لِسَيِّدِ أَبِيهِ مَمْلُوكًا،
هَذَا عَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ أَصْلَ لَهُ. فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ
لِظُهُورِ فَسَادِهِ. وأعجب مِنْهُ مَنْعُهُ عِتْقَ أُمِّ وَلَدِهِ وَهُوَ حُرٌّ
وَهِيَ أَمَتُهُ مِنْ أَجْلِ جَنِينِهَا، وَهُمْ يُجِيزُونَ عِتْقَ الْجَنِينِ
دُونَ أُمِّهِ وَهُمَا لِوَاحِدٍ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ عِتْقِ أُمِّهِ دُونَهُ
وَهُمَا لأَثْنَيْنِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ: كُلُّ مَا أَعْطَى الْمَرْءُ أُمَّ
وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لَهَا إذَا مَاتَ لاَ يُعَدُّ مِنْ الثُّلُثِ،
وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَهُ مَالٌ فَمَا كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ مِمَّا
اطَّلَعَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ فَهُوَ لِلْعَبْدِ، وَمَا كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ
وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ السَّيِّدُ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ وَهَذَا تَقْسِيمٌ لاَ
برهان عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَالُ الْمُعْتَقِ
لِسَيِّدِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ، وَالشَّافِعِيِّ، قَالُوا
كُلُّهُمْ: الْمُكَاتَبُ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَالْمُعْتَقُ، وَالْمَوْهُوبُ،
وَالْمُتَصَدَّقُ بِهِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ يَمُوتُ سَيِّدُهَا: فَمَالُهُمْ
كُلُّهُمْ لِلْمُعْتَقِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: مَالُ
الْمُعْتَقِ وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: مَالُ
الْمُعْتَقِ وَأُمِّ الْوَلَدِ: لِلسَّيِّدِ وَلِوَرَثَتِهِ.وقال أحمد
وَإِسْحَاقُ: مَالُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِهِ وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ
الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ،
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لأَبْنِ
مَسْعُودٍ فَأَعْتَقَهُ، وَقَالَ: أَمَا إنَّ مَالَك لِي، ثُمَّ قَالَ: هُوَ لَك.
وَصَحَّ نَحْوُهُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ.فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: مَالُ الْمُعْتَقِ
لِسَيِّدِهِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ
بْنِ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، َدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سَابِقٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ أَبِي الْمُسَاوِرِ
حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لِي ابْنُ مَسْعُودٍ:
أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَكَ وَأَدَعَ مَالَكَ فَأَخْبِرْنِي بِمَالِكَ فَإِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَعْتَقَ
عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ".
وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْفَضْلِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ
(9/214)
بْنِ عِمْرَانَ الْمَسْعُودِيُّ مَوْلاَهُمْ سَمِعَ عَمَّهُ يُونُسَ بْنَ عِمْرَانَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا فَلَيْسَ لِلْمَمْلُوكِ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ" هَذَانِ لاَ شَيْءَ، لأََنَّ عَبْدَ الأَعْلَى بْنَ أَبِي الْمُسَاوِرِ ضَعِيفٌ جِدًّا وَالآخَرَ مُنْقَطِعٌ لأََنَّ الْقَاسِمَ لاَ يَحْفَظُ أَبُوهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ شَيْئًا فَكَيْفَ هُوَ. وَقَالُوا: قَدْ صَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا بِيعَ فَمَالُهُ لِلسَّيِّدِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَعِتْقُهُ كَذَلِكَ، وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً، لأََنَّ الْبَيْعَ نَقْلُ مِلْكٍ فَلاَ يُشْبِهُ الْعِتْقَ الَّذِي هُوَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ جُمْلَةً، وَالْقِيَاسُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا يُشْبِهُهُ لاَ عَلَى مَا لاَ يُشْبِهُهُ. وَقَالُوا: مَالُ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ. َقُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ مَا هُوَ لَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ، إِلاَّ أَنْ يَنْتَزِعَهُ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْحُجَّةَ فِي أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ قوله تعالى فِي الإِمَاءِ: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فَدَخَلَ فِي هَذَا الْخِطَابِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ.وَقَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فَصَحَّ أَنَّ صَدَاقَ الأَمَةِ لَهَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَدْفَعُهُ إلَيْهَا. وَصَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِإِيتَاءِ الصَّدَاقِ، فَلَوْلاَ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا كُلِّفَ ذَلِكَ، وَلاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِصَدَاقٍ، إنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ فَبَعْدَ الْعَقْدِ، وَوَعَدَهُمْ اللَّهُ بِالْغِنَى فَهُمْ كَسَائِرِ النَّاسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِذْ مَالُهُ لَهُ فَهُوَ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ. ثُمَّ وَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ السَّيِّدُ" فَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لاَ يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهُ, فإن قيل: قَدْ قِيلَ: إنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ أَخْطَأَ فِيهِ قلنا: إنَّمَا أَخْطَأَ مَنْ ادَّعَى الْخَطَأَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بِلاَ برهان وَلاَ دَلِيلٍ. وَالْعَجَبُ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا قَوْلَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ " أَخْطَأَ ضَمْرَةُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ سُفْيَانَ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ ". وَقَالُوا: لاَ يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَ الْخَطَأَ عَلَى الثِّقَةِ بِلاَ برهان ثُمَّ تَعَلَّقُوا بِقَوْلِ أُولَئِكَ أَنْفُسِهِمْ هَاهُنَا أَخْطَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَتَعَلَّقَ الْمَالِكِيُّونَ بِقَوْلِهِمْ: أَخْطَأَ ضَمْرَةُ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى قَوْلِهِمْ: أَخْطَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَهَلْ فِي التَّلاَعُبِ بِالدِّينِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ فَرَدُّوا الْخَبَرَيْنِ مَعًا، وَأَخَذُوا فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ بِالْخَطَأِ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/215)
1678 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ لِلأَبِ عِتْقُ عَبْدِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَلاَ لِلْوَصِيِّ عِتْقُ عَبْدِ يَتِيمِهِ أَصْلاً وَهُوَ مَرْدُودٌ إنْ فَعَلاَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا}
(9/215)
وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" وَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ لِلأَبِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ دُونَ الْكَبِيرِ قَدْرَ ذَرَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ,وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ.وقال مالك: يُعْتِقُ عَبْدَ صَغِيرٍ وَلاَ يُعْتِقُ عَبْدَ كَبِيرٍ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، إذْ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/216)
1680 - مَسْأَلَةٌ: وَعِتْقُ الْعَبْدِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ لِعَبْدِهِمَا جَائِزٌ وَالْوَلاَءُ لَهُمَا يَدُورُ مَعَهُمَا حَيْثُ دَارَا وَمِيرَاثُ الْعِتْقِ لأََوْلَى النَّاسِ بِالْعَبْدِ مِنْ أَحْرَارِ عَصَبَتِهِ، أَوْ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِذَا أُعْتِقَ فَإِنْ مَاتَ فَالْمِيرَاثُ لَهُ، أَوْ لِمَنْ أَعْتَقَهُ، أَوْ لِعَصَبَتِهِمَا لأََنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا صِحَّةَ الْمِلْكِ لِلْعَبْدِ وَإِذْ هُوَ مَالِكٌ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ, وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" وَنَصَّ عليه الصلاة والسلام عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَرِثُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي " كِتَابِ الْمَوَارِيثِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي " الْمُكَاتَبِ " بَعْدَ هَذَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ فَهُوَ لِلْحُرِّ مِنْ عَصَبَتِهِ وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ، لأََنَّهُ لاَ وَلاَءَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ وَلاَ عَلَى أَحَدٍ بِسَبَبِهِ فَإِذَا عَتَقَ صَحَّ الْمِيرَاثُ لَهُ أَوْ لِمَنْ يَجِبُ لَهُ مِنْ أَجْلِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/216)
ومن وطىء أمة له حاملا من غيره فجنينها حر أمنى فيها
أو لم يمن
...
1681 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ حَامِلاً مِنْ غَيْرِهِ
فَجَنِينُهَا حُرٌّ أَمْنَى فِيهَا أَوْ لَمْ يُمْنِ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حِمْيَرٍ:
سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى
عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَعَلَّ
صَاحِبَ هَذِهِ أَنْ يَكُونَ يُلِمُّ بِهَا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ
لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ، وَهُوَ لاَ يَحِلُّ لَهُ،
وَكَيْفَ يَسْتَرِقُّهُ وَهُوَ لاَ يَحِلُّ لَهُ" وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ لاَ
يَحِلُّ لأََحَدٍ خِلاَفُهُ، فَإِذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ فَهُوَ
حُرٌّ بِلاَ شَكٍّ، وَهُوَ غَيْرُ لاَحِقٍ بِهِ، وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ
السَّلَفِ.كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو
الأَسْوَدِ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جُبَيْرٍ الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَسْقِ مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ فَإِنْ هُوَ فَعَلَ
ذَلِكَ وَغَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَيْهِ فَلْيُعْتِقْهُ وَلْيُوصِ لَهُ مِنْ
مَالِهِ.وبه إلى ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ غَوْثِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيِّ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيُّ،
عَنِ الأَمَةِ الْحَامِلِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا قَالَ: رَأَتْ الْوُلاَةُ أَنْ
يَعْتِقَ ذَلِكَ الْحَمْلُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ:
وَإِنِّي أَرَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ وَالأَوْزَاعِيُّ وَأَبِي
عُبَيْدٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَبَعْضِ الشَّافِعِيِّينَ.
قال أبو محمد: سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ قَاضِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
بِالشَّامِ وَغَوْثُ بْنُ سُلَيْمَانَ
(9/216)
ومن أحاط الدين بما له كله
...
1681 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَإِنْ كَانَ
لَهُ غِنًى، عَنْ مَمْلُوكِهِ جَازَ عِتْقُهُ فِيهِ وَإِلَّا فَلاَ وقال مالك:
"لاَ يَجُوزُ عِتْقُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ" وقال أبو حنيفة:
وَالشَّافِعِيُّ بِقَوْلِنَاإِلاَّ أَنَّهُمَا أَجَازَا عِتْقَهُ بِكُلِّ حَالٍ.
برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا. أَنَّ مَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ فَاسْتَقْرَضَ مَالاً
فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِلاَ خِلاَفٍ، وَأَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُ،
وَأَنْ يَبْتَاعَ جَارِيَةً يَطَؤُهَا فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مَا
اسْتَقْرَضَ، وَأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهُ بِمَا
يَبْقَى لَهُ بَعْدَهُ غِنًى وَالْعِتْقُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَقَدْ
يَرْزُقُ اللَّهُ عِبَادَهُ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ وَهَذَا بِخِلاَفِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مِمَّنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ
بِمَالِهِ لأََنَّ الْمَيِّتَ لاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ يَرْزُقَ اللَّهُ تَعَالَى
مَالاً فِي الدُّنْيَا لَمْ يَرْزُقْهُ إيَّاهُ فِي حَيَاتِهِ، وَقَدْ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَقْرِضُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
(9/217)
1682 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُدَبَّرُ عَبْدٌ مُوصَى بِعِتْقِهِ، وَالْمُدَبَّرَةُ كَذَلِكَ، وَبَيْعُهُمَا حَلاَلٌ، وَالْهِبَةُ لَهُمَا كَذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " فَأَغْنَى، عَنْ إعَادَتِهِ، وَلاَ حُجَّةَ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ قَدْ بَيَّنَّا عِلَّتَهُ هُنَالِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/217)
1683 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَمْلُوكَةٍ حَمَلَتْ
مِنْ سَيِّدِهَا فَأَسْقَطَتْ شَيْئًا يُدْرَى أَنَّهُ وَلَدٌ، أَوْ وَلَدَتْهُ:
فَقَدْ حَرُمَ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَرَهْنُهَا وَالصَّدَقَةُ بِهَا وَقَرْضُهَا
وَلِسَيِّدِهَا وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ
فَهِيَ حُرَّةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَكُلُّ مَالِهَا فَلَهَا إذَا عَتَقَتْ
وَلِسَيِّدِهَا انْتِزَاعُهُ فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ
سَيِّدِهَا بِزِنًا، أَوْ إكْرَاهٍ، أَوْ نِكَاحٍ بِجَهْلٍ: فَوَلَدُهَا
بِمَنْزِلَتِهَا إذَا أُعْتِقَتْ عَتَقُوا.
قال أبو محمد: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ
بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ
عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ، فَقَالَ:
شَاوَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ، فَرَأَيْت أَنَا
وَعُمَرُ أَنْ أُعْتِقَهُنَّ فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ، وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ
فَلَمَّا وُلِّيت رَأَيْت أَنْ أَرِقَّهُنَّ، قَالَ عَبِيدَةُ: فَرَأْيُ عُمَرُ،
وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ.
قال أبو محمد: إنْ كَانَ أَحَبَّ إلَى عَبِيدَةُ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَبَّ إلَى
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَإِنَّ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لَبَوْنًا بَائِنًا
فَأَيْنَ الْمُحْتَجُّونَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ الْمُشْتَهِرِ الْمُنْتَشِرِ
وَأَنَّهُ إجْمَاعٌ، أَفَيَكُونُ اشْتِهَارًا أَعْظَمَ وَانْتِشَارًا أَكْثَرَ
مِنْ حُكْمِ عُمَرَ بَاقِي خِلاَفَتِهِ، وَعُثْمَانَ جَمِيعَ خِلاَفَتِهِ
(9/217)
فلو أن حر تزوج أمة لغيره ثم مات
...
1684 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ أَنَّ حُرًّا تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ
وَهِيَ حَامِل ٌ ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَعَتَقَ الْجَنِينُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ
فِيهِ لَمْ يَرِث أَبَاهُ لأََنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ إِلاَّ بَعْدَ
مَوْتِ أَبِيهِ وَكَانَ حِينَ مَوْتِ أَبِيهِ مَمْلُوكًا لاَ يَرِثُ، فَلَوْ مَاتَ
لَهُ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ مَنْ يَرِثُهُ بِرَحِمٍ أَوْ وَلاَءٍ وَرِثَهُ إنْ خَرَجَ
حَيًّا لأََنَّهُ كَانَ حِينَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ حُرًّا. فَلَوْ مَاتَ
نَصْرَانِيٌّ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ حَامِلاً فَأَسْلَمَتْ بَعْدَهُ قَبْلَ نَفْخِ
الرُّوحِ فِيهِ أَوْ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلاَمِ
أُمِّهِ وَلاَ يَرِثُ أَبَاهُ لأََنَّهُ لَمْ يَصِرْ لَهُ حُكْمُ الإِسْلاَمِ
الَّذِي يَرِثُ بِهِ وَيُورَثُ لَهُ أَوْ لاَ يَرِثُ بِهِ، وَلاَ يُورَثُ بِهِ
لأَخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَخَرَجَ إلَى الدُّنْيَا
مُسْلِمًا عَلَى غَيْرِ دِينِ أَبِيهِ، وَعَلَى غَيْرِ حُكْمِ الدِّينِ الَّذِي
لَوْ تَمَادَى عَلَيْهِ لَوَرِثَ أَبَاهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا
مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ حَامِلاً قَدْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ [ أَوْ لَمْ
يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ ] فَتَمَلَّكَهَا نَصْرَانِيٌّ آخَرُ فَاسْتَرَقَّهَا
فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَرِثْ أَبَاهُ لأََنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إلَى
الدُّنْيَا إِلاَّ مَمْلُوكًا لاَ يَرِثُ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجَنِينُ
الْمِيرَاثَ بِبَقَائِهِ حُرًّا عَلَى دِينِ مَوْرُوثِهِ مِنْ حِينِ يَمُوتُ
الْمَوْرُوثُ إلَى أَنْ يُولَدَ حَيًّا وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأً تَرَكَ
أُمَّ وَلَدِهِ حَامِلاً فَاسْتُحِقَّتْ بَعْدَهُ ثُمَّ أُعْتِقَ الْجَنِينُ
بِعِتْقِهَا فَإِنَّ نَسَبَهُ لاَحِقٌ وَلاَ يَرِثُ أَبَاهُ، لأََنَّ أَبَاهُ
مَاتَ حُرًّا وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْحَالِ الَّتِي يُورَثُ
بِهَا وَيَرِثُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَلَوْ مَاتَ
لَهُ مَوْرُوثٌ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ وَرِثَهُ إنْ وُلِدَ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/221)
كتاب الكتابة
من كان له مملوك مسلم أو مسلمة فدعا أو دعت الى الكتابة ففرض على السيد الاجابة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا
كِتَابُ الْكِتَابَةِ
1685 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ فَدَعَا
أَوْ دَعَتْ إلَى الْكِتَابَةِ فُرِضَ عَلَى السَّيِّدِ الإِجَابَةُ إلَى ذَلِكَ
وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يُدْرَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ
الْعَبْدَ أَوْ الأَمَةَ يُطِيقُهُ مِمَّا لاَ حَيْفَ فِيهِ عَلَى السَّيِّدِ،
لَكِنْ مِمَّا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُمَا، وَلاَ يَجُوزُ كِتَابَةُ عَبْدٍ
كَافِرٍ أَصْلاً.
برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ
مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا
وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي
الْخَيْرِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمَالُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الدِّينُ.
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَوْضُوعَ كَلاَمِ الْعَرَبِ الَّذِي بِهِ
نَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} أَنَّهُ
تَعَالَى لَوْ أَرَادَ الْمَالَ لَقَالَ: إنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ خَيْرًا، أَوْ
عِنْدَهُمْ خَيْرًا، أَوْ مَعَهُمْ خَيْرًا، لأََنَّ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ يُضَافُ
الْمَالُ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَلاَ يُقَالُ أَصْلاً فِي
فُلاَنٍ مَالٌ، فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}
عَلِمْنَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَرِدْ " الْمَالَ ".فَصَحَّ أَنَّهُ
" الدِّينُ "، وَلاَ خَيْرَ فِي دِينِ الْكَافِرِ وَكُلُّ مُسْلِمٍ
عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ فِيهِ الْخَيْرَ بِقَوْلِهِ: لاَ
إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنْ لاَ دِينَ إِلاَّ الإِسْلاَمُ
وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنْ الْخَيْرِ وَكُلُّ خَيْرٍ بَعْدَ هَذَا
فَتَابِعٌ لِهَذَا وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ
سَأَلَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَأُكَاتِبُ وَلَيْسَ لِي مَالٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ:
نَعَمْ.فَصَحَّ أَنَّ الْخَيْرَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ " الْمَالَ ".
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: إنْ أَقَامُوا الصَّلاَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ [ فِي
هَذِهِ الآيَةِ ] قَالَ: إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا قَالَ: دِينٌ
وَأَمَانَةٌوَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ
فِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ: الإِسْلاَمُ وَالْوَفَاءُ وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهُ الْمَالُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وطَاوُوس، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي رَزِينٍ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كِلاَ الأَمْرَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
الْحَسَنِ أَخِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إِلاَّ
أَنَّهُ نَاقَضَ فِي مَسَائِلِهِ.وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ:
فَكَانَ شَرْطُ اللَّهِ[ تَعَالَى عِنْدَهُمْ ] هَاهُنَا مُلْغًى، لاَ مَعْنَى
لَهُ فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ شَرْطَهُ عِنْدَهُمْ ضَائِعًا، وَشُرُوطَهُمْ
الْفَاسِدَةَ عِنْدَهُمْ لاَزِمَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُبِيحُونَ كِتَابَةَ
(9/222)
الْكَافِرِ الَّذِي لاَ مَالَ لَهُ وَهُوَ بِلاَ
شَكٍّ خَارِجٌ، عَنِ الآيَةِ، لأََنَّهُ لاَ خَيْرَ فِيهِ أَصْلاً وَخَارِجٌ عَنْ
قَوْلِ كُلِّ مَنْ سَلَفَ وَهَذَا مِمَّا فَارَقُوا فِيهِ مَنْ حُفِظَ عَنْهُ
قَوْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم.
وَمِنْ طَرَائِفِ الدُّنْيَااحْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِأَنْ قَالَ: قِسْنَا مَنْ لاَ
خَيْرَ فِيهِ عَلَى مَنْ فِيهِ خَيْرٌ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَفَ
مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا قَالُوا بِالْقِيَاسِ فِيمَا يُشْبِهُ
الْمَقِيسَ عَلَيْهِ لاَ فِيمَا لاَ يُشْبِهُهُ وَهَلَّا قَاسُوا مَنْ يَسْتَطِيعُ
" الطَّوْلَ " فِي نِكَاحِ الأَمَةِ عَلَى مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُهُ
وَهَلَّا قَاسُوا بِهِ غَيْرَ السَّائِمَةِ فِي الزَّكَاةِ عَلَى السَّائِمَةِ وَهَلَّا
قَاسُوا غَيْرَ السَّارِقِ عَلَى السَّارِقِ، وَغَيْرَ الْقَاتِلِ عَلَى
الْقَاتِلِ وَهَذِهِ حَمَاقَةٌ لاَ نَظِيرَ لَهَا. وقال بعضهم: لَمْ يَذْكُرْ فِي
الآيَةِ إِلاَّ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ، وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ،
فَأَجَزْنَا كِتَابَتَهُ بِالأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْكِتَابَةِ
جُمْلَةً.فَقُلْنَا لَهُمْ: فَأَبِيحُوا بِمِثْلِ هَذَا الدَّلِيلِ أَكْلَ كُلِّ
مُخْتَلَفٍ فِيهِ لقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} وَهَذَا بَاطِلٌ بِقَوْلِهِ
عليه الصلاة والسلام: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ
بَاطِلٌ" وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تُجِيزُوا كِتَابَةَ الْمَجْنُونِ،
وَالصَّغِيرِ بِعُمُومِ تِلْكَ الأَحَادِيثِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ
مُكَاتَبًا إِلاَّ مَنْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مُكَاتَبَتَهُ أَوْ أَمَرَ
بِهَا, وَأَيْضًا فَلَمْ يَأْتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَثَرٌ قَطُّ
فِي الْمُكَاتَبِ إِلاَّ وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَأَمْرُ اللَّهِ
تَعَالَى بِالْمُكَاتَبَةِ وَبِكُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ فَرْضٌ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ
أَنْ يَقُولَ لَهُ اللَّهُ تَعَالَى افْعَلْ أَمْرًا كَذَا، فَيَقُولُ هُوَ: لاَ
أَفْعَلُ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ لَهُ تَعَالَى: إنْ شِئْت فَافْعَلْ وَإِلَّا
فَلاَ.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَهُ الْمُكَاتَبَةَ
فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاَللَّهِ
لَتُكَاتِبْنَهُ، وَتَنَاوَلَهُ بِالدِّرَّةِ فَكَاتَبَهُ.وبه إلى عَلِيِّ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ
قُلْت لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إذَا عَلِمْت لَهُ مَالاً أَنْ أُكَاتِبَهُ
قَالَ: مَا أَرَاهُ إِلاَّ وَاجِبًا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي أَيْضًا
عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ
مُوسَى بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْكِتَابَةَ وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ
فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاسْتَأْذَنَهُ فَقَالَ
عُمَرُ لأََنَسٍ: كَاتِبْهُ فَأَبَى، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ:
{كَاتِبْهُ وَيَتْلُو فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فَكَاتَبَهُ
أَنَسٌ.وبه إلى ابْنِ الْمَدِينِيِّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنَا
جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدٍ كَانَ
لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ أَنَّهُ اسْتَعَانَ
بِالزُّبَيْرِ فَدَخَلَ مَعَهُ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِمًا
وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فُلاَنٌ كَاتَبَهُ فَقَطَّبَ ثُمَّ قَالَ:
نَعَمْ. وَلَوْلاَ أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا فَعَلْت ذَلِكَ
وَذَكَرَ الْخَبَرَ, وَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ وَقَالَ إِسْحَاقُ
بْنُ
(9/223)
رَاهْوَيْهِ: مُكَاتَبَتُهُ وَاجِبَةٌ إذَا طَلَبَهَا
وَأَخْشَى أَنْ يَأْثَمَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلاَ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ
عَلَى ذَلِكَ وَبِإِيجَابِ ذَلِكَ، وَجَبْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ يَقُولُ أَبُو
سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا. فَهَذَا عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَرَيَانِهَا وَاجِبَةً
وَيُجْبِرُ عُمَرُ عَلَيْهَا وَيَضْرِبُ فِي الأَمْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ
وَالزُّبَيْرِ يَسْمَعُ حَمَلَ عُثْمَانُ الآيَةَ عَلَى الْوُجُوبِ فَلاَ يُنْكَرُ
عَلَى ذَلِكَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَمَّا ذُكِّرَ بِالآيَةِ سَارَعَ إلَى
الرُّجُوعِ إلَى الْمُكَاتَبَةِ وَتَرَكَ امْتِنَاعَهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ
فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَخَالَفَ ذَلِكَ
الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَقَالُوا: لَيْسَتْ
وَاجِبَةً وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِتَشْغِيبَاتٍ مِنْهَا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا
آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى النَّدْبِ مِثْلَ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}
{فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} وَهَذَا لاَ حُجَّةَ
لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّهُ لَوْلاَ نُصُوصٌ أُخَرُ جَاءَتْ لَكَانَ هَذَانِ
الأَمْرَانِ فَرْضًا، لَكِنْ لَمَّا حَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
مِنْ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ وَلَمْ يَصْطَدْ صَارَ الأَمْرُ بِذَلِكَ نَدْبًا
وَلَمَّا حَضَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقُعُودِ فِي مَوْضِعِ
الصَّلاَةِ وَرَغَّبَ فِي ذَلِكَ كَانَ الأَنْتِشَارُ نَدْبًا. فَإِنْ كَانَ
عِنْدَهُمْ نَصٌّ يُبَيِّنُ أَنَّ الأَمْرَ بِالْكِتَابَةِ نَدْبٌ صِرْنَا
إلَيْهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ كَذَبَ مُحَرِّفُ الْقُرْآنِ، عَنْ مَوْضِعِ
كَلِمَاتِهِ، وَلَيْسَ إذَا وُجِدَ أَمْرٌ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ وَجَبَ أَنْ
يَكُونَ كُلُّ أَمْرٍ فِي الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا أَوْ مَخْصُوصًا. وَقَالُوا:
لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ إذَا طَلَبَ مِنْهُ
الْكِتَابَةَ عَلِمْنَا أَنَّ الأَمْرَ بِهَا نَدْبٌ.
قال أبو محمد: وَهَذَا تَمْوِيهٌ بَارِدٌ نَعَمْ وَلَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَاتَبَهُ
مَا لَمْ يُؤَدِّ وَلَهُ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى
يَتِمَّ عِتْقُهُ بِالأَدَاءِ. وَهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِهِ
إنْ قَدِمَ أَبُوهُ أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ مَا لَمْ يَقْدَمْ أَبُوهُ وَفِي ذَلِكَ
بُطْلاَنُ نَذْرِهِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ لَوْ لَمْ أَبِعْهُ.
وَقَالُوا: لَمْ نَجِدْ فِي الأُُصُولِ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى عَقْدٍ فِيمَا
يَمْلِكُ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا ؟ وَلاَ وَجَدْتُمْ قَطُّ فِي الأُُصُولِ أَنْ
يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى الأَمْتِنَاعِ مِنْ بَيْعِ أَمَتِهِ، وَتَخْرُجُ حُرَّةً
مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ مَاتَ وَقَدْ قُلْتُمْ بِذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ.
وَلاَ وَجَدْتُمْ قَطُّ صَوْمَ شَهْرٍ مُفْرَدٍ إِلاَّ رَمَضَانَ فَأَبْطَلُوا
صَوْمَهُ بِذَلِكَ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ: لاَ آخُذُ بِشَرِيعَةٍ حَتَّى
أَجِدَ لَهَا نَظِيرًا، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لاَ آخُذُ بِهَا حَتَّى أَجِدَ لَهَا
نَظِيرَيْنِ. وَقَدْ وَجَدْنَا الْمُفْلِسَ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ فِي
أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ وَوَجَدْنَا الشَّفِيعَ يُجْبِرُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى
تَصْيِيرِ مِلْكِهِ إلَيْهِ, وَقَالُوا: لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى
السَّيِّدِ إذَا طَلَبَهُ الْعَبْدُ لَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَى
الْعَبْدِ إذَا طَلَبَهُ السَّيِّدُ وَهَذَا أَسْخَفُ مَا أَتَوْا بِهِ لأََنَّ
النَّصَّ جَاءَ بِذَلِكَ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا إذَا طَلَبَهَا
السَّيِّدُ فَإِنْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ قِيَاسًا صَحِيحًا فَلْيَقُولُوا:
إنَّهُ لَمَّا كَانَ الزَّوْجُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ كَانَ
لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِلْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَتْ طَلاَقَهُ
أَنْ
(9/224)
يَكُونَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَهُ وَلَمَّا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ وَإِنْ كَرِهَ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا إلْزَامُهُ إيَّاهُ وَإِنْ كَرِهَ الشَّفِيعُ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ سَخِرَ الشَّيْطَانُ بِهِمْ فِيهَا، وَشَوَاذُّ سَبَّبَ لَهُمْ مِثْلَ هَذِهِ الْمَضَاحِكِ فِي الدِّينِ، فَاتَّبَعُوهُ عَلَيْهَا وَلاَ نَدْرِي بِأَيِّ نَصٍّ أَمْ بِأَيِّ عَقْلٍ وَجَبَ هَذَا الَّذِي يَهْذِرُونَ بِهِ وَقَالُوا: كَانَ الأَصْلُ أَنْ لاَ تَجُوزَ الْكِتَابَةُ لأََنَّهَا عَقْدُ غَرَرٍ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَسَبِيلُهُ إذْ جَاءَ بِهِ نَصٌّ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا، لأََنَّهُ إطْلاَقٌ مِنْ حَظْرٍ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ بَلْ الأَصْلُ لأََنَّهُ لاَ يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ حَتَّى يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَإِذَا أَمَرَ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَسَبِيلُهُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا يَعْصِي مَنْ أَبَى قَبُولَهُ هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ تَخْتَلِفُ الْعُقُولُ فِيهِ وَمَا جَاءَ قَطُّ نَصٌّ وَلاَ مَعْقُولٌ بِأَنَّ الأَمْرَ بَعْدَ التَّحْرِيمِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ نَدْبًا بَلْ قَدْ كَانَتْ الصَّلاَةُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَرْضًا وَإِلَى الْكَعْبَةِ مَحْظُورَةً مُحَرَّمَةً، ثُمَّ جَاءَ الأَمْرُ بِالصَّلاَةِ إلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ، فَكَانَ فَرْضًا وَقَالُوا: لَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ فَرْضًا لَوَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ السَّيِّدُ عَلَيْهَا وَإِنْ أَرَادَهَا الْعَبْدُ بِدِرْهَمٍ وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ قَطُّ بِإِجَابَةِ الْعَبْدِ إلَى مَا أَرَادَ أَنْ يُكَاتَبَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أُمِرَ بِإِجَابَتِهِ إلَى الْكِتَابَةِ ثُمَّ تَرَكَ الْمُكَاتَبَةَ مُجْمَلَةً بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ لأََنَّ قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ} وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُكَلِّفَ الْعَبْدَ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ. وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُكَلِّفَ السَّيِّدَ إضَاعَةَ مَالِهِ. وَصَحَّ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ أَنَّ اللَّازِمَ لَهُمَا مَا أَطَاقَهُ الْعَبْدُ بِلاَ حَرَجٍ وَمَا لاَ غَبْنَ فِيهِ عَلَى السَّيِّدِ وَلاَ إضَاعَةَ لِمَالِهِ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ لِلسَّيِّدِ تَكْلِيفَ عَبْدِهِ الْخَرَاجَ وَإِجْبَارَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مُجِيزًا أَنْ يُكَلِّفَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يُطِيقُ وَلاَ إجَابَةُ الْعَبْدِ إلَى أَدَاءِ مَا لاَ يَرْضَى السَّيِّدُ بِهِ مِمَّا هُوَ قَادِرٌ بِلاَ مَشَقَّةٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْكِتَابَةِ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يَذْكُرْ صَدَاقًا، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَتُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ، وَلاَ تُعْطَى بِرَأْيِهَا وَلاَ يُعْطِي هُوَ بِرَأْيِهِ. وَقَدْ رَأَى الْحَنَفِيُّونَ الأَسْتِسْعَاءَ وَالْقَضَاءَ بِهِ وَاجِبًا فَهَلاَّ عَارَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ فَقَالُوا: إنْ قَالَ الْعَبْدُ: لاَ أُؤَدِّي إِلاَّ دِرْهَمًا فِي سِتِّينَ سَنَةٍ وَقَالَ الْمُسْتَسْعَى لَهُ: "لاَ تُؤَدِّي إِلاَّ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ مِنْ يَوْمِهِ", وَقَدْ أَوْجَبَ الْمَالِكِيُّونَ الْخَرَاجَ عَلَى الأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ فَرْضًا لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ، ثُمَّ لَمْ يُبَيِّنُوا مَا هُوَ، وَلاَ مِقْدَارَهُ. وَكَمْ قِصَّةٍ قَالَ فِيهَا الشَّافِعِيُّونَ بِإِيجَابِ فَرْضٍ حَيْثُ لاَ يَحُدُّونَ مِقْدَارَهُ، كَقَوْلِهِمْ: الصَّلاَةُ تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَلاَ تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ، فَهَذَا فَرْضٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَأَوْجَبُوا الْمُتْعَةَ فَرْضًا ثُمَّ لَمْ يَحُدُّوا فِيهَا حَدًّا، وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/225)
والكتابة جائزة على المال
...
1686 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ عَلَى مَالٍ جَائِزٍ تَمَلُّكُهُ،
وَعَلَى عَمَلٍ فِيهِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَإِلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى،
لَكِنْ حَالًّا أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَعَلَى نَجْمٍ وَنَجْمَيْنِ وَأَكْثَرَ.
وَكُنَّا قَبْلُ نَقُولُ: لاَ تَجُوزُ إِلاَّ عَلَى نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا حَتَّى
وَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ
إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ
بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، هُوَ ابْنُ النُّعْمَانَ الظَّفَرِيُّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ،
فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلاً، وَفِيهِ فَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ
فَابْتَاعَنِي، ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرًا وَفِيهِ: فَأَسْلَمْتُ وَشَغَلَنِي الرِّقُّ
حَتَّى فَاتَتْنِي بَدْرٌ، ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
كَاتِبْ فَسَأَلْتُ صَاحِبِي ذَلِكَ، فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى كَاتَبَنِي عَلَى
أَنْ أُحْيِيَ لَهُ ثَلاَثَمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ
ذَهَبٍ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ لِي:
اذْهَبْ فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَضَعَهَا فَلاَ تَضَعْهَا حَتَّى
تَأْتِيَنِي فَتُؤْذِنَنِي فَأَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بِيَدِي قَالَ:
فَقُمْت بِتَفْقِيرِي وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى فَقَرْتُ لَهَا سَرَبَهَا
ثَلاَثَمِائَةِ سَرْبَةٍ، وَجَاءَ كُلُّ رَجُلٍ بِمَا أَعَانَنِي بِهِ مِنْ
النَّخْلِ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَضَعُهُ
بِيَدِهِ وَيُسَوِّي عَلَيْهَا تُرَابَهَا وَيُبَرِّكُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا،
فَوَاَلَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَةٌ، وَبَقِيَتْ
الذَّهَبُ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ
أَصْحَابِهِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ ذَهَبٍ أَصَابَهَا مِنْ بَعْضِ
الْمَعَادِنِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمِسْكِينُ
الْمُكَاتَبُ اُدْعُوهُ لِي فَدُعِيتُ فَجِئْتُ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذِهِ
فَأَدِّهَا بِمَا عَلَيْكَ مِنْ الْمَالِ فَقُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا
رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ مَا
عَلَيْكَ مِنْ الْمَالِ قَالَ: فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ وَزَنْتُ
لَهُ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً حَتَّى أَوْفَيْتُهُ الَّذِي عَلَيَّ، قَالَ:
فَأُعْتِقَ سَلْمَانُ، وَشَهِدَ الْخَنْدَقَ، وَبَقِيَّةَ مَشَاهِدِ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقال الشافعي: "لاَ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ إِلاَّ
عَلَى نَجْمَيْنِ لِلأَتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِهَا كَذَلِكَ".
قال أبو محمد: "لاَ حَظَّ لِلنَّظَرِ مَعَ صِحَّةِ الْخَبَرِ", فإن قيل:
لِمَ قُلْتُمْ إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَسْلَمَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ فَهُوَ حُرٌّ
وَهَذَا سَلْمَانُ أَسْلَمَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ وَلَمْ يُعْتَقْ بِذَلِكَ قلنا:
لَمْ نَقُلْ بِهَذَا إِلاَّ لِعِتْقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ
خَرَجَ إلَيْهِ مُسْلِمًا مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الطَّائِفِ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلاً} وَالطَّائِفُ بَعْدَ الْخَنْدَقِ بِدَهْرٍ وَقِصَّةُ سَلْمَانَ
مُوَافِقَةٌ لِمَعْهُودِ الأَصْلِ فَصَحَّ بِنُزُولِ الآيَةِ نَسْخُ جَوَازِ
تَمَلُّكِ الْكَافِرِ لِلْمُؤْمِنِ وَبَقِيَ سَائِرُ الْخَبَرِ عَلَى مَا فِيهِ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/226)
1687 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ مَمْلُوكٍ لَمْ يَبْلُغْ، لأََنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: "كِتَابَتُهُ جَائِزَةٌ"، وَهَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ غَيْرِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} فَلاَ يَجُوزُ عَمَلُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ حَيْثُ أَجَازَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ. وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ الْوَصِيِّ غُلاَمَ يَتِيمِهِ وَلاَ مُكَاتَبَةُ الأَبِ غُلاَمَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لأََنَّهُ غَيْرُ الْمُخَاطَبِ فِي الآيَةِ وَلأََنَّهُ لَيْسَ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ إذْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِ كَسْبِهِ بِغَيْرِ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ.
(9/227)
1688 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ
شَيْئًا، فَإِذَا أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ فَقَدْ شَرَعَ فِيهِ الْعِتْقَ
وَالْحُرِّيَّةَ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَبَقِيَ سَائِرُهُ مَمْلُوكًا، وَكَانَ
لِمَا عَتَقَ مِنْهُ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحُدُودِ وَالْمَوَارِيثِ،
وَالدِّيَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَانَ لِمَا بَقِيَ مِنْهُ حُكْمُ الْعَبِيدِ فِي
الدِّيَاتِ، وَالْمَوَارِيثِ وَالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَكَذَا أَبَدًا
حَتَّى يَتِمَّ عِتْقُهُ بِتَمَامِ أَدَائِهِ. لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
قَتَادَةَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ خِلاَسِ بْنِ
عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ كِلاَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ
قَالَ: "الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُقَامُ
عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ مِنْهُ، وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ
مِنْهُ".
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا
يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ هُوَ
ابْنُ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُكَاتَبِ
يَقْتُلُ يُودِي مَا أَدَّى مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِيَةَ الْحُرِّ، وَمِمَّا بَقِيَ
دِيَةَ الْمَمْلُوكِ.وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ،
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمٍ الْبَلْخِيّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ
قَالَ سُلَيْمَانُ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ:
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ مُعَاذٌ
وَالنَّضْرُ كِلاَهُمَا يَقُولُ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا
عَتَقَ مِنْهُ دِيَةَ الْحُرِّ وَبِقَدْرِ مَا رُقَّ مِنْهُ دِيَةَ
الْعَبْدِ".وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ هُوَ الْمُغِيرَةُ
بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَيُّوبَ،
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام
قَالَ: يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَهَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ لاَ
يَضُرُّهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ، بَلْ هُوَ الَّذِي أَخْطَأَ،
لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الأَثْبَاتِ.وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا
عَيْبُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ لَهُ بِأَنَّ
حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ أَرْسَلَهُ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَأَنَّ ابْنَ
عُلَيَّةَ رَوَاهُ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ
(9/227)
عَلِيٍّ أَنَّهُ قَال: يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ
مَا أَدَّى فَأَوْقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ.
قال أبو محمد: أَلَيْسَ هَذَا مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا يَكُونُ الْحَنَفِيُّونَ
وَالْمَالِكِيُّونَ عِنْدَ كُلِّ كَلِمَةٍ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ
وَلاَ فَرْقَ فَإِذَا وَجَدُوا مُسْنَدًا يُخَالِفُ هَوَى أَبِي حَنِيفَةَ
وَرَأْيَ مَالِكٍ: جَعَلُوا إرْسَالَ مَنْ أَرْسَلَهُ عَيْبًا يَسْقُطُ بِهِ
إسْنَادُ مَنْ أَسْنَدَهُ، وَيَكُونُ الشَّافِعِيُّونَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي
أَنَّ الْمُسْنَدَ لاَ يَضُرُّهُ إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ، فَإِذَا وَجَدُوا مَا
يُخَالِفُ رَأْيَ صَاحِبِهِمْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ أَشَدَّ الضَّرَرِ أَيَرَوْنَ
اللَّهَ غَافِلاً عَنْ هَذَا الْعَمَلِ فِي الدِّينِ وَقَدْ أَسْنَدَهُ حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَقَتَادَةُ
عَنْ خِلاَسٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ حَمَّادٍ
لَمْ يَكُنْ دُونَهُ فَكَيْفَ وَقَدْ أَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ كَمَا
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ
زَكَرِيَّا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ
عَنْ أَيُّوبَ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ كِلاَهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُكَاتَبًا قُتِلَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم فَأَمَرَ عليه الصلاة والسلام أَنْ يُودِيَ مَا أَدَّى دِيَةَ الْحُرِّ
وَمَا لاَ دِيَةَ الْمَمْلُوكِ.وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ إيقَافِ ابْنِ
عُلَيَّةَ لَهُ عَلَى عَلِيٍّ فَهُوَ قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ، لأََنَّهُ فُتْيَا مِنْ
عَلِيٍّ بِمَا رَوَى، وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لِمَنْ وَقَعَ أَنَّ
الْعَدْلَ إذَا أَسْنَدَ الْخَبَرَ، عَنْ مِثْلِهِ، وَأَوْقَفَهُ آخَرُ، أَوْ أَرْسَلَهُ
آخَرُ: أَنَّ ذَلِكَ عِلَّةٌ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا لاَ يُوجِبُهُ نَصٌّ وَلاَ
نَظَرٌ، وَلاَ مَعْقُولٌ، وَالْبُرْهَانُ قَدْ صَحَّ بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ
لِلْمُسْنَدِ دُونَ شَرْطٍ، فَبَطَلَ مَا عَدَا هَذَا وَلِلَّهِ تَعَالَى
الْحَمْدُ. وَقَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ،
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ هُوَ
الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُكَاتَبِ
إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَهُوَ غَرِيمٌ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدُّ الْمُكَاتَبِ حَدُّ
الْمَمْلُوكِ، وَهَذَا تَرْكٌ مِنْهُمَا لِمَا رَوَيَا.
قال أبو محمد: فَقُلْنَا: هَبْكَ أَنَّهُمَا تَرَكَا مَا رَوَيَا، فَكَانَ مَاذَا
إنَّمَا الْحُجَّةُ فِيمَا رَوَيَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ فِي
قَوْلِهِمَا وَقَدْ أَفْرَدْنَا جُزْءًا ضَخْمًا لِمَا تَنَاقَضُوا فِيهِ مِنْ
هَذَا الْبَابِ وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ هَذَا الأَخْتِلاَفُ يُوجِبُ عِنْدَهُمْ
الْوَهَنَ فِيمَا رَوَيَا، فَانْفَصَلُوا مِمَّنْ عَكَسَ ذَلِكَ فَقَالَ: بَلْ
ذَلِكَ يُوجِبُ الْوَهَنَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِمَّا هُوَ خِلاَفٌ لِمَا
رَوَيَا وَحَاشَا لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَكَيْفَ وَقَدْ يَتَأَوَّلُ الرَّاوِي فِيمَا رَوَى وَقَدْ
يَنْسَاهُ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْنَا، عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ
خِلاَفٌ لِمَا رَوَيَاهُ. أَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ: إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَهُوَ
غَرِيمٌ، فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ عَنْهُ مِنْ تَوْرِيثِ مَنْ بَعْضَهُ
حُرٌّ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ
(9/228)
وَلاَ لِمَا رُوِيَ مِنْ حُكْمِ الْمُكَاتَبِ
لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ لَيْسَ بَاقِيهِ عَبْدًا، وَلاَ قَالَ فِيهِ: لَيْسَ
مَا قَابَلَ مَا أَدَّى حُرًّا، لَكِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يَعْجِزُ، لَكِنْ
يُتْبَعُ بِبَاقِي الْكِتَابَةِ فَقَطْ، فَلاَ خِلاَفَ فِي هَذَا لِمَا رَوَى.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَدُّ الْمُكَاتَبِ حَدُّ مَمْلُوكٍ، فَإِنَّمَا
يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ وَمَا قَابَلَ
مِنْهُ إذَا أَدَّى الْبَعْضَ مَا لَمْ يُؤَدِّ فَهَذَا صَحِيحٌ، وَبِهِ نَقُولُ
فَبَطَلَ هَذْرُهُمْ، وَدَعْوَاهُمْ الْكَاذِبَةُ أَنَّهُمَا رضي الله عنهما
خَالَفَا مَا رَوَيَا، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ كَدْحٌ فِي الْخَبَرِ.
وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَعُثْمَانَ وَجَابِرٍ: وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا
بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلاَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ لأََنَّهُ، عَنْ
عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
الْعَرْزَمِيِّ وَهُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ ثُمَّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ مُرْسَلٌ.وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ:
أَنَّ عُمَرَ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَاَلَّتِي عَنْ
أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ قَيْسِ بْنِ سَنْدَلٍ
وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَهُوَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ طَرِيقِ
أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ صَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنِ عُمَرَ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ
طَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانُ
بْنُ يَسَارٍ وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ،
وَقَتَادَةَ.وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ
وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي
لَيْلَى، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ.وَقَالَتْ
طَائِفَةٌ: الْمُكَاتَبُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ: صَحَّ ذَلِكَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ حُرٌّ سَاعَةَ الْعَقْدِ
بِالْكِتَابَةِ. وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ
إسْنَادًا إلَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى نِصْفَ مُكَاتَبَتِهِ فَهُوَ
غَرِيمٌ, رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الشَّطْرَ فَهُوَ غَرِيمٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهَذَا
الإِسْنَادِ نَفْسِهِ قَالَ عُمَرُ: إذَا أَدَّى الشَّطْرَ فَلاَ رِقَّ
عَلَيْهِ.وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا قَوْلَ عَلِيٍّ
بِمِثْلِ ذَلِكَ وَهُمَا إسْنَادَانِ جَيِّدَانِ, وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ: إذَا
أَدَّى الْمُكَاتَبُ النِّصْفَ فَلاَ رِقَّ عَلَيْهِ وَهُوَ غَرِيمٌ. رُوِّينَاهُ
مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ،
عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ
الثُّلُثَ فَهُوَ غَرِيمٌ: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ ثُلُثَ كِتَابَتِهِ
(9/229)
فَهُوَ غَرِيمٌ, وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى
الرُّبُعَ فَهُوَ غَرِيمٌ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَ يُقَالُ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الرُّبُعَ
فَهُوَ غَرِيمٌ, وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ
الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ رَأْيِهِ قَالَ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ
أَحَدٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ رُوِّينَا
ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ
أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ
إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: قَوْلُ شُرَيْحٍ
مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ
مِنْ الْغُرَمَاءِ.
قال أبو محمد: هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ، لأََنَّ الشَّعْبِيَّ صَحِبَ شُرَيْحًا،
وَشُرَيْحٌ صَحِبَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا رُوِيَ مِنْ
هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا إذَا أَدَّى نِصْفَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ
لأََنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَعًا وَلاَ يَتَمَانَعَانِ وَهُوَ
أَنْ يَكُونَ يَرَى إنْ أَدَّى الأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مِنْ نِصْفِ
الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ، أَيَّهُمَا أَدَّى فَهُوَ غَرِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ
شُعْبَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنِ النَّخَعِيِّ إذَا أَدَّى
الْمُكَاتَبُ ثَمَنَ رَقَبَتِهِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِقُّوهُ. وَقَالَتْ
طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ
عَمَّارٍعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا بَقِيَ
عَلَى الْمُكَاتَبِ خَمْسُ أَوَاقٍ أَوْ خَمْسُ ذَوْدٍ أَوْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ
فَهُوَ غَرِيمٌ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ
عَمَّارٍ ضَعِيفٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِمِثْلِ قَوْلِنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا
إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنْ عَلِيٍّ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ،
قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُكَاتَبِ: يُعْتَقُ
بِالْحِسَابِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْمُكَاتَبُ
يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا
الْمَسْعُودِيُّ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
قَالَ: تُجْزِي الْعَتَاقَةُ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ أَوَّلِ نَجْمٍ.
قال أبو محمد: وَجَمِيعُ هَذِهِ الأَقْوَالِ لاَ نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْهَا
حُجَّةً، إِلاَّ أَنَّهَا كُلَّهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إنْ لَمْ تَكُنْ أَقْوَى
مِنْ تَحْدِيدِ مَالِكٍ مَا أَبَاحَ لِذَاتِ الزَّوْجِ الصَّدَقَةَ بِهِ، وَمَا
أَسْقَطَ مِنْ الْجَائِحَةِ، وَمَا لَمْ يُسْقِطْ وَمِنْ تَحْدِيدِ أَبِي
حَنِيفَةَ مَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاَةُ مِمَّا يَنْكَشِفُ مِنْ رَأْسِ الْحُرَّةِ
أَوْ مِنْ بَطْنِهَا أَوْ مِنْ فَخِذِهَا مِنْ رُبُعِ كُلِّ ذَلِكَ. وَمِنْ
الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَحْتَجُّونَ لَهَا " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ
شُرُوطِهِمْ " فَلَيْسَتْ أَضْعَفَ بَلْ لِهَذِهِ مَزِيَّةٌ لأََنَّ
أَكْثَرَهَا مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، إِلاَّ أَنَّ مَنْ قَالَ:
الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، فَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْن
(9/230)
شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ
دِرْهَمٌ" .وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ رَاوِي الْكَذِبِ
عَنْ مُوسَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ عَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنَ
يُونُسَ عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إيَاسٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ
دِرْهَمٌ" . وَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٍّ، لَمْ يُعْرَفْ قَطُّ مِنْ
حَدِيثِ عَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَلاَ مِنْ أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ وَلاَ مِنْ
حَدِيثِ هُشَيْمٍ وَلاَ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرٍ وَلاَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ وَلاَ
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، إنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ
وَأَحَادِيثُ هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَلاَ نَدْرِي مَنْ
مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
فَصَحِيفَةٌ، عَلَى أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ فِيهِ. قَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي
دَاوُد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، هُوَ
ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا
عَبَّاسٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
" أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى
مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشْرَ أَوَاقٍ فَهُوَ عَبْدٌ، وَأَيُّمَا
عَبْدٌ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ
فَهُوَ عَبْدٌ" وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ
الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: مَنْ كَاتَبَ
مُكَاتَبًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَضَاهَا إِلاَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَهُوَ
عَبْدٌ، أَوْ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَقَضَاهَا إِلاَّ أُوقِيَّةً فَهُوَ
عَبْدٌ. عَطَاءٌ هَذَا الْخُرَاسَانِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ شَيْئًا، وَلاَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، إِلاَّ مِنْ
أَنَسٍ وَحْدَهُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُعَلِّلُ خَبَرَ عَلِيٍّ وَابْنِ
عَبَّاسٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ بِأَنَّهُ اضْطَرَبَ فِيهِ وَقَدْ كَذَبَ
ثُمَّ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهَا كَمَا تَرَى.
فَإِنْ قَالُوا: هُوَ قَوْلُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، وَمَا كَانَ اللَّهُ
تَعَالَى لِيَهْتِكَ سِتْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدُخُولِ مَنْ
لاَ يَحِلُّ دُخُولُهُ عَلَى أَزْوَاجِه قلنا: صَدَقْتُمْ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ
اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِنَّ دُخُولَ الأَحْرَارِ عَلَيْهِنَّ فَقَطْ،
وَالْمُكَاتَبُ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَهُوَ عَبْدٌ، وَمَا دَامَ يَبْقَى
عَلَيْهِ فَلْسٌ فَلَيْسَ حُرًّا، لَكِنَّ بَعْضَهُ حُرٌّ وَبَعْضَهُ عَبْدٌ،
وَلَمْ يُنْهَيْنَ قَطُّ عَمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ.
فإن قيل: هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قلنا: فَكَانَ مَاذَا وَكَمْ قِصَّةٍ
خَالَفْتُمْ فِيهَا الْجُمْهُورَ نَعَمْ وَأَتَيْتُمْ بِقَوْلٍ لاَ يُعْرَفُ
أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلُ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ دِينَكُمْ. وَهَذَا الشَّافِعِيُّ
خَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ فِي بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ، وَفِي
تَحْدِيدِ الْقُلَّتَيْنِ، وَفِي تَنْجِيسِ الْمَاءِ بِمَا يَمُوتُ فِيهِ مِنْ
الذُّبَابِ، وَفِي نَجَاسَةِ الشَّعْرِ وَفِي أَزْيَدَ مِنْ مِائَةِ قَضِيَّةٍ.
وَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ خَالَفَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ.
وَخَالَفَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الْخُلْطَةَ لاَ تُغَيِّرُ الزَّكَاةَ جُمْهُورَ
الْعُلَمَاءِ. وَخَالَفَ فِي وَضْعِهِ فِي الذَّهَبِ أَوْقَاصًا جُمْهُورَ
الْعُلَمَاءِ وَفِي أَزْيَدَ مِنْ أَلْفِ قَضِيَّةٍ. وَهَذَا مَالِكٌ خَالَفَ فِي
إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ: وَفِي الْحَامِلِ
وَالْمُرْضِعِ
(9/231)
تُفْطِرَانِ. وَفِي أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ وَفِي مِئِينَ مِنْ الْقَضَايَا، فَالآنَ صَارَ أَكْثَرُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ وَلاَ يَبْلُغُونَ عَشَرَةً حُجَّةً لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا وَقَدْ خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ نُظَرَائِهِمْ, وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَحَدِيثِهِ لاَ يَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا، وَلاَ عَطِيَّةٌ إذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا، وَأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَا شَاةٍ، وَفِي إحْرَاقِ رَحْلِ الْغَالِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا لَعِبٌ وَعَبَثٌ فِي الدِّينِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ أَنَّ الْمُكَاتَبَ كَانَ عَبْدًا فَهُوَ كَذَلِكَ فَقُلْنَا: نَعَمْ مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِخِلاَفِ هَذَا فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِخِلاَفِ هَذَا، وَبِشُرُوعِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِبَيْعِ بَرِيرَةَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ تَكُنْ أَدَّتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ وَبِهَذَا نَقُولُ، فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ وَصَحَّ قَوْلُنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا.
(9/232)
1689 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ مَمْلُوكَيْنِ مَعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ أَوْ ذَوَيْ رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ . برهان ذَلِكَ. أَنَّهَا مَجْهُولَةٌ لاَ يُدْرَى مَا يَلْزَمُ مِنْهَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ وَهَذَا بَاطِلٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لاَ يُعْتَقَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إِلاَّ بِأَدَاءِ الآخَرِ، وَعِتْقُهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فَصَحَّ أَنَّهُ عَقْدٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ فَلاَ يَجُوزُ وَلاَ يَقَعُ بِهِ عِتْقٌ أَصْلاً أَدَّيَا أَوْ لَمْ يُؤَدِّيَا وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
(9/232)
وبيع المكاتب والمكاتب ما لم يؤديا
...
1690 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ مَا لَمْ يُؤَدِّيَا
شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِمَا جَائِزٌ مَتَى شَاءَ السَّيِّدُ وَكَذَلِكَ وَطْءُ
الْمُكَاتَبَةِ جَائِزٌ مَا لَمْ تُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا، فَإِنْ
حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا فَإِذَا بِيعَ بَطَلَتْ
الْكِتَابَةُ فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ فَلاَ كِتَابَةَ لَهُمَا إِلاَّ بِعَقْدٍ
مُحَدَّدٍ إنْ طَلَبَهُ الْعَبْدُ أَوْ الأَمَةُ فَإِنْ َدَّيَا شَيْئًا مِنْ
الْكِتَابَةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَرُمَ وَطْؤُهَا جُمْلَةً وَجَازَ بَيْعُ مَا
قَابَلَ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُؤَدِّيَا. فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ الْجُزْءَ بَطَلَتْ
الْكِتَابَةُ فِيهِ خَاصَّةً وَصَحَّ الْعِتْقُ فِيمَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا
أَدَّيَا، فَإِنْ عَادَ الْجُزْءُ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ يَوْمًا مَا
لَمْ تَعُدْ فِيهِ الْكِتَابَةُ، وَلاَ الرُّجُوعُ فِي الْكِتَابَةِ أَصْلاً،
بِغَيْرِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِلْكِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ فَإِنَّ مَا
قَابَلَ مِمَّا أَدَّيَا حُرٌّ وَمَا بَقِيَ رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ قَدْ بَطَلَتْ
فِيهِ الْكِتَابَةُ فَإِنْ كَانَا لَمْ يَكُونَا أَدَّيَا شَيْئًا بَعْدُ فَقَدْ
بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ كُلُّهَا وَهُمَا رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ. وَكَذَلِكَ إنْ
مَاتَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَمْ يَكُونَا أَدَّيَا شَيْئًا، فَقَدْ
مَاتَا مَمْلُوكَيْنِ وَمَالُهُمَا كُلُّهُ لِلسَّيِّدِ فَإِنْ كَانَا قَدْ
أَدَّيَا مِنْ الْكِتَابَةِ فَمَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا أَدَّيَا فَهُوَ حُرٌّ
وَيَكُونُ مَا قَابَلَ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِمَّا تَرَكَا مِيرَاثًا لِلأَحْرَارِ
مِنْ وَرَثَتِهِمَا وَيَكُونُ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّيَا مِمَّا تَرَكَا
لِلسَّيِّدِ وَقَدْ بَطَلَ بَاقِي الْكِتَابَةِ وَمَا حَمَلَتْ بِهِ
الْمُكَاتَبَةُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا إلَى أَنْ يَتِمَّ لَهُ
مِائَةٌ وَعِشْرُونَ
(9/232)
ولا تحل الكتابة على الشرط خدمة فقط
...
1691 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَحِلُّ الْكِتَابَةُ عَلَى شَرْطِ خِدْمَةٍ فَقَطْ،
وَلاَ عَلَى عَمَلٍ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلاَ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ
أَصْلاً، وَالْكِتَابَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ
بَاطِلٌ".
(9/241)
ومن كوتب الى غير أجل مسمى فهو على كتابة
...
1692 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كُوتِبَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى فَهُوَ عَلَى
كِتَابَتِهِ مَا عَاشَ السَّيِّدُ [ وَهُوَ ] وَمَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ
السَّيِّدِ فَمَتَى أَدَّى مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ عَتَقَ، لأََنَّ هَذِهِ صِفَةُ
كِتَابَتِهِ وَعَقْدِهِ فَلاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ وَمَنْ كُوتِبَ إلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى نَجْمٍ وَاحِدٍ أَوْ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا، فَحَلَّ وَقْتُ النَّجْمِ
وَلَمْ يُؤَدِّ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ
أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي
صَدْرًا مِنْ كِتَابَتِهِ ثُمَّ يَعْجِزُ قَالَ: يُرَدُّ عَبْدًا سَيِّدُهُ
أَحَقُّ بِشَرْطِهِ الَّذِي شَرَطَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي
إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ
ذَلِكَ. يَعْنِي أَنَّهُ رَدَّ مُكَاتَبًا لَهُ فِي الرِّقِّ، إذْ عَجَزَ بَعْدَ
أَنْ أَدَّى نِصْفَ كِتَابَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ
حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: إذَا
عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَأَدْخَلَ نَجْمًا فِي نَجْمٍ رُدَّ فِي الرِّقِّ.
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَاتَبَ أَفْلَحَ ثُمَّ
بَدَا لَهُ فَسَأَلَهُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ دُونَ أَنْ يَعْجِزَ فَأَجَابَهُ
إلَى ذَلِكَ فَرَدَّهُ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ بَتْلاً. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ
مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ وَبِهِ يَقُولُ
أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَقَالَ
هَؤُلاَءِ: تَعْجِيزُ الْمُكَاتَبِ جَائِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ دُونَ
السُّلْطَانِ إِلاَّ أَنَّ لِمَالِكٍ قَوْلاً، أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّعْجِيزُ إِلاَّ
بِحُكْمِ السُّلْطَانِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَعْجِيزِهِ.رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ كِلاَهُمَا، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ خَلاَصِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ:
إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ اسْتَسْعَى حَوْلَيْنِ زَادَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ
فَإِنْ أَدَّى وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَلَمْ يَقُلْ جَابِرٌ وَلاَ ابْنُ
عُمَرَ بِالتَّلَوُّمِ، بَلْ أَرَقَّهُ ابْنُ عُمَرَ سَاعَةَ ذَكَرَ أَنَّهُ
عَجَزَ.وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا. وَرُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي
الْمُكَاتَبِ يَعْجِزُ: إنَّهُ يُعْتَقُ بِالْحِسَابِ يَعْنِي بِحِسَابِ مَا
أَدَّى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَالْحَسَنُ
بْنُ حَيٍّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لاَ يُرَقُّ حَتَّى
يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ لاَ يُؤَدِّيهِمَا. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ: إذَا
عَجَزَ اُسْتُوْفِيَ بِهِ شَهْرَانِ. وقال أبو حنيفة وَالشَّافِعِيُّ: إذَا عَجَزَ
اسْتَوْفَى بِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ ثُمَّ يُرَقُّ وقال مالك: يَتَلَوَّمُ
لَهُ السُّلْطَانُ بِقَدْرِ مَا يَرَى.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ:
(9/241)
قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ
اسْتَسْعَى وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَشُرَيْحٍ إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَلاَ رِقَّ
عَلَيْهِ، وَهُوَ غَرِيمٌ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُمْ وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ: إذَا
أَدَّى ثُلُثَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَوْلَ إبْرَاهِيمَ إذَا أَدَّى
رُبُعَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَوْلَ عَطَاءٍ: إذَا أَدَّى ثَلاَثَةَ
أَرْبَاعِ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٍ إذَا
أَدَّى قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ عَنْهُمَا.
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ حُجَّةً،
وَأَعْجَبُهَا قَوْلُ مَنْ حَدَّ التَّلَوُّمَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ
بِشَهْرَيْنِ، وَمَنْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ أَفَرَأَيْت إنْ لَمْ
يَتَلَوَّمْ لَهُ السُّلْطَانُ إِلاَّ سَاعَةً، إذْ رَأَى أَنْ يَتَلَوَّمَ لَهُ
خَمْسِينَ عَامًا.ثم نقول لِجَمِيعِهِمْ: لاَ تَخْلُو الْكِتَابَةُ مِنْ أَنْ
تَكُونَ دَيْنًا لاَزِمًا، أَوْ تَكُونَ عِتْقًا بِصِفَةٍ لاَ دَيْنًا وَلاَ
سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ أَصْلاً لاَ فِي الدِّيَانَةِ، وَلاَ فِي الْمَعْقُولِ,
فَإِنْ كَانَتْ عِتْقًا بِصِفَةٍ فَالْوَاجِبُ أَنَّهُ سَاعَةَ يَحِلُّ الأَجَلُ
فَلاَ يُؤَدِّيهِ، فَلَمْ يَأْتِ بِالصِّفَةِ الَّتِي لاَ عِتْقَ لَهُ إِلاَّ
بِهَا فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ وَلاَ عِتْقَ لَهُ وَلاَ يَجُوزُ التَّلَوُّمُ
عَلَيْهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ كَمَنْ قَالَ لِغُلاَمِهِ: إنْ قَدِمَ أَبِي يَوْمِي
هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَدِمَ أَبُوهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلاَ عِتْقَ
لَهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَقَدْ
تَنَاقَضُوا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ، وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ
شَيْئًا. فَصَحَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ عِتْقًا بِصِفَةٍ أَوْ يَكُونَ
دَيْنًا وَاجِبًا، فَلاَ سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهِ.كَمَا رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ
بْنِ زَيْدٍ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ. فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم قَدْ حَكَمَ بِشُرُوعِ الْعِتْقِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. فَصَحَّ
يَقِينًا أَنَّهَا دَيْنٌ وَاجِبٌ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْهُ
كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عِتْقًا بِصِفَةٍ أَصْلاً لأََنَّ أَدَاءَ
بَعْضِ الْكِتَابَةِ لَيْسَ هُوَ الصِّفَةَ الَّتِي تَعَاقَدَا الْعِتْقَ
عَلَيْهَا، فَإِذْ هِيَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ
ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ} فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ
الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْقَوْلِ أَصْلاً وَوَجَبَتْ النَّظِرَةُ إلَى
الْمَيْسَرَةِ، وَلاَ بُدَّ. فإن قيل: فَإِذْ هِيَ دَيْنٌ كَمَا تَقُولُ فَهَلاَّ
حَكَمْتُمْ بِهِ وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ السَّيِّدُ، أَوْ خَرَجَ، عَنْ
مِلْكِهِ كَمَا حَكَمْتُمْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ قلنا: لَمْ نَفْعَلْ، لأََنَّ
ذَلِكَ لَيْسَ دَيْنًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا هُوَ دَيْنٌ يَصِحُّ بِثَبَاتِ الْمِلْكِ،
وَيَبْطُلُ بِبُطْلاَنِ الْمِلْكِ، لأََنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ لِلسَّيِّدِ بِشَرْطِ
أَنْ يُعْتِقَهُ بِأَدَائِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِأَدَائِهِ
حُرًّا فَقَطْ بِهَذَا جَاءَ الْقُرْآنُ، وَفَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ فَقَدْ بَطَلَ وُجُودُ
الْمُعْتِقِ، فَبَطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ،
عَنِ الْعَبْدِ، إذْ لاَ سَبِيلَ إلَى تَمَامِهِ أَبَدًا. وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ
فَقَدْ بَطَلَ وُجُودُهُ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ الْعِتْقِ،
فَبَطَلَ دَيْنُ السَّيِّدِ، إذْ لاَ سَبِيلَ إلَى مَا كَانَ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ
الدَّيْنَ إِلاَّ بِهِ، وَإِنْ خَرَجَ، عَنْ مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ
(9/242)
أَيْضًا قَدْ بَطَلَ عِتْقُهُ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ، فَبَطَلَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ مِمَّا لاَ يَجِبُ لَهُ إِلاَّ بِمَا قَدْ بَطَلَ وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/243)
1693 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ إِلاَّ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ هَذَا الْعَدَدَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ.برهان ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ فَلاَ يَسْتَحِقُّ عِتْقًا إِلاَّ حَتَّى يَلْفِظَ سَيِّدُهُ لَهُ بِالْعِتْقِ، وَإِلَّا فَلاَ، لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ وَلاَ إجْمَاعٌ.
(9/243)
ولا تجوز الكتابة على المجهول عددا أو صفة
...
1964 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى مَجْهُولِ الْعَدَدِ وَلاَ
عَلَى مَجْهُولِ الصِّفَةِ وَلاَ بِمَا لاَ يَحِلُّ مِلْكُهُ، كَالْخَمْرِ
وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلاَ يَصِحُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِتْقٌ
أَصْلاً وَلاَ بِكِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ
وَأَصْحَابِنَا لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ غَرَرٌ مُحَرَّمٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{إنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:
"مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَكُلُّ شَرْطٍ
لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ" وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ
ذِي تَمْيِيزٍ صَحِيحٍ أَنَّ مَا عَقَدَا لاَ صِحَّةَ لَهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا
لاَ صِحَّةَ لَهُ فَلاَ صِحَّةَ لَهُ, وقال الشافعي: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ
تُفْسَخُ مَا لَمْ يُؤَدِّهَا فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ.
قال أبو محمد: هَذَا عَيْنُ الْفَسَادِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ الْبَاطِلُ
بِتَمَامِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ}
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ
حَقٌّ" وقال مالك: إذَا عُقِدَتْ الْكِتَابَةُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ بَطَلَ
الشَّرْطُ وَصَحَّتْ الْكِتَابَةُ.
قال علي: هذا غَايَةُ الْخَطَأِ، لأََنَّهُ يُلْزِمُهُمَا عَقْدًا لَمْ
يَلْتَزِمَاهُ قَطُّ وَلاَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِلْزَامِهِمَا إيَّاهُ
وَإِنَّمَا تَرَاضَيَا الْكِتَابَةَ بِهَذَا الشَّرْطِ وَإِلَّا فَلاَ كِتَابَةَ
بَيْنَهُمَا فأما أَنْ يَصِحَّ شَرْطُهُمَا فَتَصِحَّ كِتَابَتُهُمَا وَأَمَّا
أَنْ يَبْطُلَ الشَّرْطُ فَلاَ كِتَابَةَ هَاهُنَا أَصْلاً. وقال أبو حنيفة: مَنْ
كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ أَوْ عَلَى حُكْمِهِ أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ
أَوْ عَلَى مَا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِقْدَارٌ فَهِيَ كِتَابَةُ بَاطِلٍ وَلاَ
عِتْقَ لَهُ وَإِنْ أَدَّى وَإِنْ كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ مَحْدُودَةٍ أَوْ عَلَى
خِنْزِيرٍ مَوْصُوفٍ، فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ عَتَقَ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ
لِمَوْلاَهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: مَا سُمِعَ بِأَنْتَنَ مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ، وَلاَ بِأَفْسَدَ
مِنْهُ، وَهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ إِلاَّ أَنَّهُمَا لَمْ
يُسَمِّيَا ذَلِكَ الثَّمَنَ وَلاَ عَرَفَاهُ، فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَإِنْ
قَبَضَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ وَهِيَ مَعَهُ وَأَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ.
وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ هَاهُنَا أَقْبَحَ مِنْ قَوْلِهِمْ لأََنَّهُمْ قَالُوا:
الْعُقُودُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ جَائِزَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ
فَلَقَدْ أَنْزَلُوا أَنْفُسَهُمْ حَيْثُ لَمْ يُنْزِلْهُمْ مِنْ الأَئْتِسَاءِ
بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الْكُفَّارِ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ أَهْلَ
الْكُفْرِ أُسْوَةً وَلاَ قُدْوَةً وَإِنَّ فِي هَذِهِ لِدَلاَئِلَ سُوءٍ نَعُوذُ
بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ فَكَيْفَ وَمَا أَحَلَّ ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ
الذِّمَّةِ مُذْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي
هَذِهِ الأَقْوَالِ سَلَفًا وَلاَ لَهُمْ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِشَيْءٍ.
(9/243)
1695 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ بِمَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ إذَا حَلَّ مِلْكُهُ، كَالْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَالْمَاءِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا، وَالسُّنْبُلِ الَّذِي لَمْ يَشْتَدَّ، لأََنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مَالٌ حَلاَلٌ تَمَلُّكُهُ وَهِبَتُهُ وَإِصْدَاقُهُ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ بَيْعًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/244)
1696 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ
يَنْتَزِعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ مُكَاتَبِهِ مُذْ يُكَاتِبُهُ، فَإِنْ بَاعَهُ
قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ، أَوْ بَاعَ مِنْهُ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّ:
فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ إذَا بَاعَهُ
كُلَّهُ وَأَمَّا فِي بَيْعِ بَعْضِهِ فَمَالُهُ لَهُ وَمَعَهُ.رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ، وَقَيْسٍ قَالَ
زِيَادٌ: عَنِ الْحَسَنِ وَقَالَ قَيْسٌ: عَنْ عَطَاءٍ ثُمَّ اتَّفَقَا جَمِيعًا:
أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَاتَبَهُ مَوْلاَهُ وَلَهُ مَالٌ وَسُرِّيَّةٌ وَوَلَدٌ:
أَنَّ مَالَهُ لَهُ وَسُرِّيَّتَهُ لَهُ وَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ وَكَذَلِكَ
الْعَبْدُ إذَا عَتَقَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا: مَالِكٌ وَأَبُو
سُلَيْمَانَ.وقال أبو حنيفة: مَالُهُ لِسَيِّدِهِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ:
الْمَالُ لِلسَّيِّدِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُكَاتَبُ وَقَالَ
الأَوْزَاعِيِّ: مَا عَرَفَهُ السَّيِّدُ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ فَهُوَ لِلْعَبْدِ،
وَمَا لَمْ يَعْرِفْهُ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ.
قال أبو محمد: مَالُ الْعَبْدِ لَهُ وَجَائِزٌ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ
بِالنَّصِّ فَإِذَا كُوتِبَ فَلاَ خِلاَفَ أَنَّ كَسْبَهُ لَهُ لاَ لِلسَّيِّدِ
وَلَوْ كَانَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ لَمْ يَتِمَّ عِتْقُهُ أَبَدًا فَصَحَّ
أَنَّ حَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ حَالِهِ قَبْلَهَا، وَكَانَ مَالُهُ كُلُّهُ
حُكْمًا وَاحِدًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهُ، إذْ لَمْ يَأْتِ
بِذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ نَصٌّ.
(9/244)
وولد العبد له وجائز للسيد انتزاعه بالنص
...
1697 - مَسْأَلَةٌ: وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ حُرٌّ وَكَذَلِكَ لَوْ
مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ أَوْ يُعْتِقَ
لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ
تَعَالَى مُكَاتَبًا مِنْ غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/244)
1698 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا حَلَّ النَّجْمُ، أَوْ الْكِتَابَةُ وَوَجَبَتْ، فَضَمَانُهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ جَائِز وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ لأََنَّهُ مَالٌ قَدْ صَحَّ وُجُوبُهُ لِلسَّيِّدِ وَهُوَ دَيْنٌ لاَزِمٌ، فَضَمَانُهُ جَائِزٌ. وَلَوْ بِيعَ مِنْ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُؤَدِّ كَانَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدُ دَيْنًا يُتْبَعُ بِهِ وَأَمَّا قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ فَلاَ، لأََنَّهُ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ وَلَعَلَّهُ يَمُوتَ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَوْ يَمُوتُ السَّيِّدُ فَلاَ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ.
(9/244)
1699 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ مُقَاطَعَةُ الْمُكَاتَبِ، وَلاَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يُعَجِّلَ لأََنَّهُمَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَمَا لاَ يَدْرِي أَهُوَ فِي الْعَالَمِ أَمْ لاَ وقال مالك: وَأَبُو حَنِيفَةَ: مُقَاطَعَةُ الْمُكَاتَبِ جَائِزَةٌ بِبَعْضِ مَا عَلَيْهِ وَبِالْعُرُوضِ. وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مُقَاطَعَتُهُ إِلاَّ بِالْعُرُوضِ فَخَالَفَا ابْنَ عُمَرَ وَلاَ يُعْلَمُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وقال الشافعي: بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَلاَ حُجَّةَ إِلاَّ فِي نَصٍّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَبِهِ نَتَأَيَّدُ.
(9/244)
1700 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ بَعْضِ عَبْدٍ، وَلاَ كِتَابَةُ شِقْصٍ لَهُ فِي عَبْدٍ مَعَ
(9/244)
واذا مانت الكتابة نجمين فصاعدا أو الى أجل
...
1701 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ إلَى
أَجَلٍ، فَأَرَادَ الْعَبْدُ تَعْجِيلَهَا كُلَّهَا أَوْ تَعْجِيلَ بَعْضِهَا
قَبْلَ أَجَلِهِ لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ قَبُولُ ذَلِكَ وَلاَ عِتْقَ الْعَبْدِ
وَهِيَ إلَى أَجَلِهَا وَكُلُّ نَجْمٍ مِنْهَا إلَى أَجَلِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى :{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ مَنْ خَالَفَنَا عَنْ
احْتِجَاجِهِمْ بِ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ.وقال مالك: يُجْبَرُ عَلَى
قَبْضِ ذَلِكَ وَتَعْجِيلِ الْعِتْقِ لِلْمُكَاتَبِ. وقال الشافعي: إنْ كَانَتْ
الْكِتَابَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى قَبُولِهَا
وَإِنْ كَانَتْ عُرُوضًا لَمْ يُجْبَرْ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ لاَ دَلِيلَ
عَلَيْهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ وَلاَ قَوْلِ
أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ وَلاَ قِيَاسٍ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ
بِلاَ شَكٍّ. وَقَدْ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ غَرَضٌ فِي تَأْجِيلِ الدَّرَاهِمِ
وَالدَّنَانِيرِ وَمَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ خَوْفٍ لَحِقَهُ أَوْ رَجَاءِ
ارْتِفَاعِ سِعْرٍ لِدَيْنِهِ مِنْهُمَا، كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَلاَ فَرْقَ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا الْوَزَّانُ، حَدَّثَنَا
عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْد بْنِ
مَنْجُوفٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَاتَبَنِي أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا، فَكُنْت فِي مِفْتَحِ تُسْتَرَ
فَاشْتَرَيْت رَثَّةً فَرَبِحْت فِيهَا، فَأَتَيْت أَنَسًا بِجَمِيعِ مُكَاتَبَتِي
فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا إِلاَّ نُجُومًا فَأَتَيْت عُمَرَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ
فَقَالَ: أَرَادَ أَنَسٌ الْمِيرَاثَ وَكَتَبَ إلَى أَنَسٍ: أَنْ اقْبَلْهَا،
فَقَبِلَهَا وَهَذَا أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَسَائِرُهَا
مُنْقَطِعٌ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَلَمَّا فَرَغَ
مِنْ كِتَابَتِهِ أَتَاهُ الْعَبْدُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَأَبَى الْحَارِثُ أَنْ
يَأْخُذَهُ وَقَالَ: لِي شَرْطِي، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ:
هَلُمَّ الْمَالَ فَاجْعَلْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتُعْطِيه مِنْهُ فِي كُلِّ
حِلٍّ مَا يَحِلُّ، فَأَعْتَقَ الْعَبْدَ.
قال أبو محمد: هَذَا عَجِيبٌ جِدًّا إذْ رَأَى عُمَرُ، وَعُثْمَانُ إجَابَةَ
السَّيِّدِ إلَى كِتَابَةِ عَبْدِهِ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ، وَخَالَفَهُ أَنَسٌ
وَاحْتَجَّ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ بِالْقُرْآنِ كَانَ قَوْلُ أَنَسٍ حُجَّةً وَكَانَ
قَوْلُ عُمَرَ
(9/245)
وَعُثْمَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِذَا وَافَقَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَأْيَ مَالِكٍ، خَالَفَهُمَا أَنَسٌ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَهُمَا صَاحِبَانِ، وَالْقُرْآنُ: صَارَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ حُجَّةً، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَنَسٍ حُجَّةً إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ". فَإِنْ مَوَّهُوا بِتَعْظِيمِ أَمْرِ الْعِتْقِ قلنا: أَيْنَ كُنْتُمْ، عَنْ هَذَا التَّعْظِيمِ إذْ لَمْ تُوجِبُوا الْكِتَابَةَ فَرْضًا لِعِتْقِ الْعَبْدِ إذَا طَلَبَهَا وَالْقُرْآنُ يُوجِبُ ذَلِكَ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمَا. وَأَيْنَ كُنْتُمْ عَنْ هَذَا التَّعْظِيمِ إذْ رَدَدْتُمْ الْمُكَاتَبَ رَقِيقًا مِنْ أَجْلِ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ بَقِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَبَادَرْتُمْ وَأَبْطَلْتُمْ كُلَّ مَا أَعْطَى وَلَمْ تُؤَجِّلُوهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَبَعْضُكُمْ أَيْضًا أَمْرًا يَسِيرًا وَأَنْتُمْ بِزَعْمِكُمْ أَصْحَابُ نَظَرٍ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ طَلَبِ الْعَبْدِ تَعْجِيلَ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ لِيَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ وَالسَّيِّدُ يَأْبَى إِلاَّ شَرْطَهُ الْجَائِزَ بِالْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ فَتُجْبِرُونَ السَّيِّدَ عَلَى مَا لاَ يُرِيدُ وَبَيْنَ أَنْ يُرِيدَ السَّيِّدُ تَعْجِيلَ الْكِتَابَةِ كُلِّهَا لِيَتَعَجَّلَ عِتْقُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّهُ يَأْبَى إِلاَّ الْجَرْيَ عَلَى نُجُومِهِ فَلاَ تُجْبِرُونَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَهَلْ فِي التَّخَاذُلِ وَالتَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ وَالْمُنَاقَضَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا.
(9/246)
وفرض على السيدد أن يعطى المكاتب ما لا من عند بفسه
...
1702 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُكَاتَبَ مَالاً
مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِمَّا يُسَمَّى مَالاً فِي
أَوَّلِ عَقْدٍ لِلْكِتَابَةِ وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ. فَلَوْ مَاتَ
قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ كُلِّفَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَعَ
الْغُرَمَاءِ. برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}
فَهَذَا أَمْرٌ لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي
سُلَيْمَانَ إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ تَنَاقَضَ فَرَأَى قَوْلَ اللَّهِ
تَعَالَى فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا عَلَى النَّدْبِ وَرَأَى
وَقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} عَلَى
الْوُجُوبِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ لَمْ يَجِدْ فِيهِ عَدَدًا مَا
أَحَدُهُمَا: مَوْكُولٌ إلَى السَّيِّدِ، وَالآخَرُ مَوْكُولٌ إلَيْهِ وَإِلَى
الْعَبْدِ بِالْمَعْرُوفِ مِمَّا لاَ حَيْفَ فِيهِ وَلاَ مَشَقَّةَ، وَلاَ حَرَجَ
عَلَيْهِمَا. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ: كِلاَ الأَمْرَيْنِ نَدْبٌ قوله تعالى:
{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} أَمْرٌ لِلسَّيِّدِ
وَلِغَيْرِهِ.
قال أبو محمد: هَذَا خَطَأٌ. أَمَّا قَوْلُهُمْ " كِلاَ الأَمْرَيْنِ نَدْبٌ
" فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى افْعَلُوا عَلَى لاَ
تَفْعَلُوا إنْ شِئْتُمْ وَلاَ يَفْهَمُ هَذَا الْمَعْنَى أَحَدٌ مِنْ هَذَا
اللَّفْظِ وَهَذِهِ إحَالَةٌ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ إِلاَّ
بِنَصٍّ آخَرَ وَرَدَ بِذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " إنَّهُ أَمْرٌ
لِلسَّيِّدِ وَغَيْرِهِ " فَبَاطِلٌ لأََنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ:
{فَكَاتِبُوهُمْ} فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِالْكِتَابَةِ
لَهُمْهُمْ الْمَأْمُورُونَ بِإِتْيَانِهِمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ لاَ يَفْهَمُ
أَحَدٌ مِنْ هَذَا الأَمْرِ غَيْرَ هَذَا فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ
وَتَحَكُّمُهُمْ بِالدَّعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ. وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ أَنَّهُ
حَثَّ عَلَيْهِ السَّيِّدَ وَغَيْرَهُ عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ مِنْ طَرِيقٍ
فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ
(9/246)
طَائِفَةٌأَمَرَ بِذَلِكَ السَّيِّدَ وَغَيْرَهُ، فَهَؤُلاَءِ رَأَوْهُ وَاجِبًا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ وَالْمُغِيرَةِ، قَالَ يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ ثُمَّ اتَّفَقَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَوْلاَهُ وَالنَّاسَ أَنْ يُعِينُوا الْمُكَاتَبَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَشَهِدْته كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ آلاَفٍ فَحَطَّ عَنْهُ أَلْفًا فِي آخِرِ نُجُومِهِ ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} الرُّبُعَ مِمَّا تُكَاتِبُوهُمْ عَلَيْهِ.وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: رُبُعُ الْكِتَابَة وَرُوِّينَا أَيْضًا فِي أَنَّهُ عُشْرُ الْكِتَابَةِ.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: هُوَ الْعُشْرُ يُتْرَكُ لَهُ مِنْ كِتَابَتِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ: إنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو شَبِيبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَاتَبَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَيَّةَ، فَجَاءَهُ بِنَجْمِهِ حِينَ هَلَّ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ اذْهَبْ فَاسْتَعِنْ بِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ كَانَ هَذَا فِي آخِرِ نَجْمٍ فَقَالَ عُمَرُ: لِعَلِيٍّ لاَ أُدْرِكُهُ، قَالَ عِكْرِمَةُ ثُمَّ قَرَأَ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} . وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَتْنِي أُمِّيّ، عَنْ أَبِي، عَنْ جَدِّي عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَحْدَرِيِّ قَالَ الْمُبَارَكُ: وَحَدَّثَنِي مَيْمُونُ بْنُ جَابَانَ، عَنْ عَمِّي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: سَأَلْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الْمُكَاتَبَةَ قَالَ لِي: كَمْ تَعْرِضُ قُلْت: مِائَةَ أُوقِيَّةٍ قَالَ: فَمَا اسْتَزَادَنِي، قَالَ: فَكَاتِبْنِي وَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إن