Translate

الأربعاء، 23 مارس 2022

10- كتاب : المحلى أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى : 456هـ)

 

 

 

 كتاب : المحلى أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى : 456هـ)
الناشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
مصدر الكتاب : موقع مكتبة المدينة الرقمية

[الكتاب مشكول وترقيمه موافق للمطبوع]

العمرى والرقى
العمرى والرقى هبة صحيحة تامة

...
الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى
1648 - مَسْأَلَةٌ: الْعُمْرَى، وَالرُّقْبَى: هِبَةٌ صَحِيحَةٌ تَامَّةٌ، يَمْلِكُهَا الْمُعْمِرُ وَالْمُرْقِبُ، كَسَائِرِ مَالِهِ، يَبِيعُهَا إنْ شَاءَ، وَتُورَثُ عَنْهُ، وَلاَ تَرْجِعُ إلَى الْمُعْمَرِ، وَلاَ إلَى وَرَثَتِهِ سَوَاءٌ اشْتَرَطَ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَشَرْطُهُ لِذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَالْعُمْرَى هِيَ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الدَّارُ، وَهَذِهِ الأَرْضُ، أَوْ هَذَا الشَّيْءُ عُمْرَى لَك، أَوْ قَدْ أَعْمَرْتُكَ إيَّاهَا أَوْ هِيَ لَك عُمْرُك أَوْ قَالَ: حَيَاتُك أَوْ قَالَ: رُقْبَى لَك أَوْ قَدْ أَرْقَبْتُكهَا كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَوَالشَّافِعِيّ ِوَأَحْمَد وَأَصْحَابِهِمْ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْعُمْرَى بَتَاتٌ وَمِنْ خُيِّرَ   فَقَدْ طَلَّقَ. 

 

= وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ.وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ أَعْطَى ابْنًا لَهُ بَعِيرًا حَيَاتَهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُوَ لَهُ حَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْعُمْرَى َالرُّقْبَى سَوَاءٌ وَصَحَّ أَيْضًا َنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ أَبَدًا وَعَنْ شُرَيْحٍ َقَتَادَةَ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وطَاوُوس، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا هُشَيْمٌ نَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَمَّنْ أَسْكَنَ آخَرَ دَارًا حَيَاتَهُ فَمَاتَ الْمُسْكِنُ وَالْمُسْكَنُ قَالَ: تَرْجِعُ إلَى وَرَثَةِ الْمُسْكِنِ فَقُلْت: أَلَيْسَ يُقَالُ: مَنْ مَلَكَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعُمْرَى َأَمَّا السُّكْنَى وَالْغَلَّةُ، وَالْخِدْمَةُ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَوَكِيعٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ، إِلاَّ أَنَّ عَطَاءً، وَالزُّهْرِيَّ قَالاَ: إنْ جَعَلَ الْعُمْرَى بَعْدَ الْمُعَمَّرِ فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ، أَوْ لأَِنْسَانٍ آخَرَ غَيْرَ نَفْسِهِ: نَفَذَ ذَلِكَ كَمَا جَعَلَهُ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعُمْرَى: هِبَةٌ صَحِيحَةٌ إذَا أَعْمَرَهَا لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فأما إنْ لَمْ يَقُلْ: لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْمُعَمِّرِ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ الْمُعَمِّرُ وَهُوَ قَوْلٌ صَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ.وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعُمْرَى رَاجِعَةٌ إلَى الْمُعَمِّرِ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ قَالَ: أَعْمَرْتُكَ هَذَا بِشَيْءٍ لَك وَلِعَقِبِك: كَانَتْ كَذَلِكَ فَإِذَا انْقَرَضَ الْمُعَمِّرُ وَعَقِبُهُ: رَجَعَتْ إلَى الْمُعَمِّرِ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ
قال أبو محمد: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ مَالِكٍ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} قَالُوا: فَكَانَ كَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أُعْمِرَعُمْرَى وَذَكَرُوا الْخَبَرَ "الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ" وَادَّعُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ بَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ " أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَعْمُرُ بَنِي أَخِيها حَياتَهُمْ فَإِذَا

(9/165)


َانْقَرَضَ أَحَدُهُمْ قَبَضَتْ مَسْكَنَهُ فَوِرْثنَا نَحْنُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْيَوْمَ عَنْهَا، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا أَصْلاً وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِأَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، فَبَاطِلٌ، وَهَذِهِ آفَةُ الْمُرْسَلِ، وَاَلَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ، وَأَبَاهُ الْقَاسِمَ، وَجَدَّهُ مُحَمَّدًا، لَمْ يَرِثُوا عَائِشَةَ، وَلاَ صَارَ إلَيْهِمْ بِالْمِيرَاثِ عَنْهَا قِيمَةُ خَرْدَلَةٍ، لأََنَّ مُحَمَّدًا قُتِلَ فِي حَيَاتِهَا قَبْلَ مَوْتِهَا بِنَحْوِ عِشْرِينَ سَنَةً وَإِنَّمَا وَرِثَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَطْ، لأََنَّهُ كَانَ ابْنَ شَقِيقِهَا، فَحَجَبَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي " بَابِ هِبَةِ الْمُشَاعِ " قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِأَوْرَاقٍ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهَا لَكَانَ قَدْ خَالَفَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَلِيُّ بْن أَبِي طَالِبٍ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا آنِفًا.وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ فَخَبَرٌ فَاسِدٌ، لأََنَّهُ إمَّا عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ هَالِكٌ وَأَمَّا مُرْسَلٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا أَوَّلَ مُخَالِفِينَ لَهُ، لأََنَّهُمْ يُبْطِلُونَ مِنْ شُرُوطِ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ شَرْطٍ: كَمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيلَهُ إلَى يَوْمَيْنِ. وَكَمَنْ بَاعَ أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا. وَكَمَنْ بَاعَ بِخِيَارٍ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً. وَكَمَنْ نَكَحَ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ هِيَ عَلَيْهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. فَكَيْفَ وَهَذَا الشَّرْطُ يَعْنِي رُجُوعَ الْعُمْرَى إلَى الْمُعَمِّرِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ: شَرْطٌ قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ نَصًّا بِإِبْطَالِهِ، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتِجَاجُهُمْ بِالآيَةِ هَاهُنَا أَبْعَدُ شَيْءٍ مِنْ التَّوْفِيقِ لِوُجُوهٍ.
أَوَّلُهَا أَنَّهُمْ قَاسُوا حُكْمَ النَّاسِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ وَهَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْتُلُ النَّاسَ وَلاَ مَلاَمَةَ عَلَيْهِ، وَيُجِيعُهُمْ، وَيُعَذِّبُهُمْ بِالْمَرَضِ، وَلاَ مَلاَمَةَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ قِيَاسُ الْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ. وَثَانِيهَا أَنَّهُمْ مَوَّهُوا وَقَلَبُوا لَنَا الآيَةَ، لأََنَّنَا لَمْ نُنَازِعْهُمْ فِيمَنْ أَعْمَرَ آخَرَ مَالاً لَهُ وَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَعْمَرْتُكُمْ الأَرْضَ إنَّمَا قَالَ: إنَّهُ اسْتَعْمَرْنَا فِيهَا، بِمَعْنَى أَنَّهُ عَمَّرَنَا بِالْبَقَاءِ فِيهَا مُدَّةً، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْعُمْرَى فِي وِرْدٍ، وَلاَ صَدْرٍ. وَثَالِثُهَا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَوْ جَعَلْنَاهَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لَكَانَ ذَلِكَ أَوْضَحَ مِمَّا مَوَّهُوا بِهِ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِلاَ شَكٍّ أَبَاحَ لَنَا بَيْعَ مَا مَلَكْنَا مِنْ الأَرْضِ، وَجَعَلَهَا لِوَرَثَتِنَا بَعْدَنَا، وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا فِي الْعُمْرَى لاَ قَوْلُهُمْ، فَظَهَرَ فَسَادُ مَا يَأْتُونَ بِهِ عَلاَنِيَةً، وَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ يَقِينًا، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ كُلَّ مَا صَحَّ، عَنِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَمُرْسَلاَتٍ كَثِيرَةٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَك وَلِعَقِبِك فأما إذَا قَالَ: هِيَ لَك مَا عِشْتَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا.
قال أبو محمد: لَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّ الْمُسْنَدَ مِنْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ

(9/166)


صلى الله عليه وسلم إنَّمَا هُوَ أَنَّ الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ وَأَمَّا بَاقِي لَفْظِ الْخَبَرِ فَمِنْ كَلاَمِ جَابِرٍ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ خَالَفَ جَابِرًا هَاهُنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ حُكْمُ الْعُمْرَى إذَا قَالَ الْمُعَمِّرُ: " هِيَ لَك وَلِعَقِبِك " فَقَطْ وَبَقِيَ حُكْمُهُ إذَا لَمْ يَقُلْ هَذَا الْكَلاَمُ لاَ ذِكْرَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا: فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَهِيَ لَهُ بَتْلَةٌ وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُعْطِي فِيهَا شَرْطٌ وَلاَ ثُنْيَا" قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: لأََنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ فَقَطَعَتْ الْمَوَارِيثُ شَرْطَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى فَهِيَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ يَرِثُهَا مَنْ يَرِثُهُ مِنْ عَقِبِهِ" .
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ عُمْرَى فَمَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ" .وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِثْلَهُ مُرْسَلاً.وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيِّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَرَأْت عَلَى مَعْقِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لِمُعْمَرِهِ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ، وَلاَ تُرْقِبُوا فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيلُهُ".
قَالَ عَلِيٌّ: هَكَذَا رُوِّينَاهُ بِضَمِّ الْمِيم الأُُولَى مِنْ " مُعْمَرٍ " وَفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ.وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ تُرْقِبُوا، وَلاَ تَعْمُرُوا فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ" . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ " رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْعُمْرَى لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى لِمَنْ أُرْقِبَهَا وَالْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهَا، وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ إِلاَّ فِي الإِعْمَارِ وَالإِرْقَابِ كَمَا جَاءَ النَّصُّ وَأَمَّا الإِسْكَانُ فَيُخْرِجُهُ مَتَى شَاءَ لأََنَّهَا عِدَّةٌ فِيمَا لَمْ يُجْزِهِ مِنْ السُّكْنَى بَعْدُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/167)


العارية
والعارية جائزة وفعل حسن
...
الْعَارِيَّةُ
1649 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَارِيَّةُ جَائِزَةٌ وَفِعْلٌ حَسَنٌ، وَهِيَ فَرْضٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَهِيَ إبَاحَةُ مَنَافِعِ بَعْضِ الشَّيْءِ، كَالدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ وَالثَّوْبِ لِلِّبَاسِ، وَالْفَأْسِ لِلْقَطْعِ، وَالْقِدْرِ لِلطَّبْخِ وَالْمِقْلَى لِلْقَلْوِ، وَالدَّلْوِ، وَالْحَبْلِ، وَالرَّحَى لِلطَّحْنِ وَالإِبْرَةِ لِلْخِيَاطَةِ، وَسَائِرِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلاَ يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَجْلٍ مُسَمًّى، لَكِنْ يَأْخُذُ مَا أَعَارَ مَتَى شَاءَ، وَمَنْ سَأَلَهَا إيَّاهُ مُحْتَاجًا فَفَرَضَ عَلَيْهِ إعَارَتَهُ إيَّاهُ إذَا وَثِقَ بِوَفَائِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْهُ عَلَى إضَاعَةِ مَا يَسْتَعِيرُ أَوْ عَلَى جَحْدِهِ فَلاَ يُعِرْهُ شَيْئًا.
أَمَّا كَوْنُهَا فَرْضًا كَمَا ذَكَرْنَا فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} فَتَوَعَّدَ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ مَنَعَ الْمَاعُون بِالْوَيْلِ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قَالَ هُوَ الْعَوَارِيُّ. الْقِدْرُ، وَالدَّلْوُ، وَالْمِيزَانُ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْمَاعُونُ مَا تَعَاوَرَهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ: الْفَأْسُ، وَالْقِدْرُ، وَأَشْبَاهُهُ.وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ صُبْحٍ حَدَّثَتْنِي أُمُّ شَرَاحِيلَ قَالَتْ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: اذْهَبِي إلَى فُلاَنَةَ فَأَقْرِئِيهَا السَّلاَمَ وَقَوْلِي لَهَا: إنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ تُوصِيك بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ تَمْنَعِي الْمَاعُونَ قَالَتْ: فَقُلْت: مَا الْمَاعُونُ فَقَالَتْ لِي: هَبِلْتِ، هِيَ الْمِهْنَةُ يَتَعَاطَاهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَيْضًا، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ يَحْيَى: عَنْ شُعْبَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عِيَاضِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: الْمَاعُونُ مَنْعُ الْقِدْرِ وَالْفَأْسِ، وَالدَّلْوِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلاَهُمَا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْمَاعُونِ الْمَذْكُورِ فِي الآيَةِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي رِوَايَتِهِ: مَتَاعُ الْبَيْتِ، وَقَالَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ: هِيَ الْعَارِيَّةُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ.
وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: هُوَ الْمَالُ يُمْنَعُ حَقُّهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَاوَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِمَا، وَمَا نَعْلَمُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، خِلاَفًا لِهَذَا فإن قيل: قَدْ رُوِيَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهَا الزَّكَاةُ قلنا: نَعَمْ، وَلَمْ يَقُلْ لَيْسَتْ الْعَارِيَّةُ ثُمَّ قَدْ جَاءَ عَنْهُ، أَنَّهَا الْعَارِيَّةُ. فَوَجَبَ جَمْعُ قَوْلَيْهِ. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " لَمْ يَأْتِ أَهْلُهَا بَعْدُ " مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ. قلنا: نَعَمْ، وَهَذَا

(9/168)


غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، لأََنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " لَمْ يَأْتِ أَهْلُهَا بَعْدُ " أَيْ إنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ يَتَبَاذَلُونَ، وَلاَ يَمْنَعُونَ وَسَيَأْتِي زَمَانٌ يَمْنَعُونَهُ، وَلاَ يَحْتَمِلُ أَلْبَتَّةَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلاَّ هَذَا الْوَجْهَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْعُ ذَلِكَ لِمُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ، فَلأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ.وَكَذَلِكَ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ فِيهَا، أَوْ حَائِطًا لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ، فَلَهُ أَخْذُهُ بِهَدْمِ بِنَائِهِ مَتَى أَحَبَّ بِلاَ تَكْلِيفِ عِوَضٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" وَأَنَّ مَنْ أَضَاعَ مَا يَسْتَعِيرُ أَوْ جَحَدَهُ وَلَمْ يُؤْمَنْ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى، عَنِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَلاَ يَجُوزُ عَوْنُهُ عَلَى ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/169)


والعارية غير مضمونة أن تلفت من من غير تعدى المستعير
...
1650 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَارِيَّةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَعْدِي الْمُسْتَعِيرِ، وَسَوَاءٌ مَا غَيَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَوَارِيّ وَمَا لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ مِنْهَا. فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَدَّى، أَوْ أَضَاعَهَا حَتَّى تَلِفَتْ، أَوْ عَرَضَ فِيهَا عَارِضٌ، فَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ: ضَمِنَ بِلاَ خِلاَفٍ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، وَلاَ أَقَرَّ: لَزِمَتْهُ الْعَيْنُ وَبَرِئَ، لأََنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَأَمَّا تَضْمِينُهَا: فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قلنا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِأَيِّ وَجْهٍ تَلِفَتْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَضْمَنُ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُعِيرُ ضَمَانَهَا فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ يَعْنِي الْمُتَّهَمَ. وَقَالَ قَائِلٌ: أَمَّا مَا غَيَّبَ عَلَيْهِ كَالْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَضْمَنُ جُمْلَةً وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَهُوَ ضَامِنٌ.وَأَمَّا مَا ظَهَرَ كَالْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ: فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ مَا لَمْ يَتَعَدَّ.
قال أبو محمد: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُ فِيهِ سَلَفًا إِلاَّ عُثْمَانَ الْبَتِّيَّ وَحْدَهُ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: نَتَّهِمُ الْمُسْتَعِيرَ فِيمَا غَابَ فَقُلْنَا: لَيْسَ بِالتُّهْمَةِ تُسْتَحَلُّ أَمْوَالُ النَّاسِ، لأََنَّهَا ظَنٌّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى: قَدْ أَنْكَرَ اتِّبَاعَ الظَّنِّ، فَقَالَ تَعَالَى: {إنْ يَتْبَعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا}. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ" وَيَلْزَمُكُمْ إذَا أَعْمَلْتُمْ الظَّنَّ أَنْ تُضَمِّنُوا الْمُتَّهَمَ وَلاَ تُضَمِّنُوا مِنْ لاَ يُتَّهَمُ، كَمَا يَقُولُ شُرَيْحٌ وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تُضَمِّنُوا الْوَدِيعَةَ أَيْضًا بِهَذِهِ التُّهْمَةِ وَفَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُتَكَلَّفَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَوْرَدْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.وقال بعضهم: قِسْنَاهُ عَلَى الرَّهْنِ فَقُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ وَحُجَّةٌ لِقَوْلِكُمْ بِقَوْلِكُمْ، وَكِلاَهُمَا خَطَأٌ. وقال بعضهم:

(9/169)


لَمَّا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَضْمِينِ الْعَارِيَّةِ تَوَسَّطْنَا قَوْلَهُمْ قلنا لَهُمْ: وَمِنْ هَذَا سَأَلْنَاكُمْ مِنْ أَيْنَ فَعَلْتُمْ هَذَا وَمِلْتُمْ إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ الْفَاسِدِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرَ الْمُغِلِّ، وَلاَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرَ الْمُغِلِّ، فَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: سَمِعْت هِشَامَ بْنَ حَسَّانَ يَذْكُرُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ الْمُغِلُّ: الْمُتَّهَمُ وَهُوَ يَبْطُلُ بِمَا بَطَلَ بِهِ قَوْلُ مَالِكٍ، لأََنَّهُ بَنَاهُ عَلَى التُّهْمَةِ، وَهُوَ ظَنٌّ فَاسِدٌ.وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ الْمُجِيزِينَ لِلشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِالْخَبَرِ الْمَكْذُوبِ "الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ" أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ قَتَادَةَ هَاهُنَا، وَلَكِنْ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّنَاقُضِ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ ضَمِنَهَا جُمْلَةً، أَوْ قَوْلُنَا فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ ضَمِنَهَا جُمْلَةً. فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ هُوَ سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ابْنُ السَّائِبِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالاَ جَمِيعًا: الْعَارِيَّةُ تُغْرَمُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْمَنُ الْعَارِيَّةَ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي قَضِيَّةِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ. وَكَانَ شُرَيْحٌ يُضَمِّنُ الْعَارِيَّةَ، وَضَمَّنَهَا الْحَسَنُ، ثُمَّ رَجَعَ، عَنْ ذَلِكَ، وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَيْضًا، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَذَكَرَا أَنَّهُ قَوْلُ عُلَمَائِهِمْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا بِهِ وَكَانُوا يَقْضُونَ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَيَّارٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَكْحُولٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَجْمَعَ رَأْيُ الْقُضَاةِ عَلَى ذَلِكَ، إذْ رَأَوْا شُرُورَ النَّاسِ وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابُهُمَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا} فَقُلْنَا لَهُمْ: فَضَمَّنُوا بِهَذِهِ الآيَةِ الْوَدِيعَةَ فَقَدْ ضَمَّنَهَا عُمَرُ، وَغَيْرُهُ، وَنَعَمْ، هُوَ مَأْمُورٌ بِأَدَائِهَا مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهَا، فَإِنْ عَجَزَ، عَنْ ذَلِكَ، فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} فَإِذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَدَاؤُهَا فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الآيَةِ تَضْمِينٌ، لأََنَّ أَدَاءَ الْغَرَامَةِ هُوَ غَيْرُ أَدَاءِ الأَمَانَةِ، فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَكُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ أَصْلاً، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَدَاءُ غَيْرِهَا، وَلاَ ضَمَانُهَا، وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي أَدْرَاعِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَبِمَا رُوِيَ الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَكِلاَهُمَا

(9/170)


لايَصِحُّ, أَمَّا خَبَرُ دُرُوعِ صَفْوَانَ، فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أبية "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَدْرَاعًا، فَقَالَ: غَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ" شَرِيكٌ مُدَلِّسٌ لِلْمُنْكَرَاتِ إلَى الثِّقَاتِ، وَقَدْ رَوَى الْبَلاَيَا وَالْكَذِبَ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ، عَنِ الثِّقَاتِ.وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ اسْتَعَارَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سِلاَحًا فَقَالَ: مَضْمُونَةٌ قَالَ: مَضْمُونَةٌ,الْحَارِثِ مَتْرُوكٌ. وَيَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ لَمْ يُدْرِكْ نَافِعًا، وَأَعْلَى مَنْ عِنْدَهُ شُعْبَةُ، وَلاَ نَعْلَمُ لِنَافِعٍ سَمَاعًا مِنْ صَفْوَانَ أَصْلاً وَاَلَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ فَإِنَّ صَفْوَانَ مَاتَ أَيَّامَ عُثْمَانَ قَبْلَ الْفِتْنَةِ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ "أَعَارَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِلاَحًا فَقَالَ: أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ أَمْ غَصْبٌ؟ فَقَالَ بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ" هَذَا مُنْقَطِعٌ، لأََنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ لَمْ يُدْرِكْ صَفْوَانَ، وَلاَ وُلِدَ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَهْرٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ نَاسٍ مِنْ آلِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ "اسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَفْوَانَ سِلاَحًا فَقَالَ صَفْوَانُ: أَعَارِيَّةٌ أَمْ غَصْبٌ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ، فَفَقَدُوا مِنْهَا دِرْعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنْ شِئْت غَرِمْنَاهَا لَكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ فِي قَلْبِي مِنْ الإِيمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ" هَذَا، عَنْ نَاسٍ لَمْ يُسَمُّوا.وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دُرُوعًا فَهَلَكَ بَعْضُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنْ شِئْتَ غَرِمْنَاهَا لَكَ قَالَ: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ" إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام إنْ شِئْتَ غَرِمْنَاهَا لَكَ لَوْ صَحَّ بَيَانٌ بِوُجُوبٍ غَرِمَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا غَيْرَ هَذَا اللَّفْظِ، وَالأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ لاَ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِإِبَاحَتِهَا بِغَيْرِ بَيَانٍ جَلِيٍّ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَيُونُسَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ رَبِيعَةَ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَذَكَر دُرُوعَ صَفْوَانَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَلْ طَوْعًا، وَهِيَ عَلَيْنَا ضَامِنَةٌ هَذَا مُرْسَلٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ فِي شَرْطِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنْ كَانَ بِأَرْضِ الْيَمَنِ كَوْنٌ أَوْ حَدَثٌ أَنْ يُعْطُوا رُسُلَ الْيَمَنِ ثَلاَثِينَ بَعِيرًا وَثَلاَثِينَ فَرَسًا، وَثَلاَثِينَ دِرْعًا، وَهُمْ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا هَذَا مُرَدَّدٌ فِي الضَّعْفِ مُنْقَطِعٌ، وَعَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ سَاقِطٌ.وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ عَارِيَّةً ثَلاَثِينَ فَرَسًا وَثَلاَثِينَ دِرْعًا وَثَلاَثِينَ رُمْحًا، فَإِنْ ضَاعَ

(9/171)


مِنْهَا شَيْءٌ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى رُسُلِهِ، شَهِدَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ هَذَا مُنْقَطِعٌ، لَمْ يُدْرِكْ عَمْرٌو مِنْ هَؤُلاَءِ أَحَدًا وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ حُصَيْنٍ مُرْسَلٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ إيَاسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ حُنَيْنًا قَالَ لِصَفْوَانَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ سِلاَحٍ قَالَ: عَارِيَّةً أَمْ غَصْبًا قَالَ: لاَ، بَلْ عَارِيَّةٌ، فَأَعَارَهُ مَا بَيْنَ الثَّلاَثِينَ إلَى الأَرْبَعِينَ دِرْعًا، فَلَمَّا هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ جُمِعَتْ دُرُوعُ صَفْوَانَ، فَفُقِدَ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّا قَدْ فَقَدْنَا مِنْ أَدْرَاعِكَ أَدْرَاعًا، فَهَلْ نَغْرَمُ لَك فَقَالَ: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فِي قَلْبِي الْيَوْمَ مَا لَمْ يَكُنْ" فَهَذَا مُرْسَلٌ كَتِلْكَ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِي الْحُكْمِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ" إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ.وَرُوِّينَا أَيْضًا الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْت الْحَجَّاجَ بْنَ الْفُرَافِصَةِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْحَجَّاجُ بْنُ الْفُرَافِصَةِ مَجْهُولٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ حُرَيْثٍ الطَّائِيُّ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَاتِمُ بْنُ حُرَيْثٍ مَجْهُولٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَيَّانَ اللَّيْثِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ" ابْنُ لَهِيعَةَ لاَ شَيْءَ.وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ الْفَرْوِيُّ ضَعِيفٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْعُمَرِيُّ الصَّغِيرُ ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الأَلْفَاظُ لَمَا كَانَ فِيهَا إِلاَّ أَنَّهَا مُؤَدَّاةٌ، وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ أَدَاءَهَا فَرْضٌ، وَالتَّضْمِينُ غَيْرُ الأَدَاءِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ أَصْلاً فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، لأََنَّ قَتَادَةَ لَمْ يُدْرِكْ سَمُرَةَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ" الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ إِلاَّ الأَدَاءُ، وَهَكَذَا نَقُولُ، وَالأَدَاءُ غَيْرُ الضَّمَانِ فِي اللُّغَةِ وَالْحُكْمِ، وَيَلْزَمُهُمْ إذَا حَمَلُوا هَذَا اللَّفْظَ عَلَى الضَّمَانِ أَنْ يُضَمِّنُوا بِذَلِكَ الْمَرْهُونَ وَالْوَدَائِعَ، لأََنَّهَا مِمَّا قَبَضَتْ الْيَدُ، وَكُلُّ

(9/172)


هَذَا قَدْ قَالَ بِتَضْمِينِهِ طَوَائِفُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَتَتْكَ رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ ثَلاَثِينَ دِرْعًا وَثَلاَثِينَ بَعِيرًا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ أَمْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ" فَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا رُوِيَ فِي الْعَارِيَّةِ خَبَرٌ يَصِحُّ غَيْرُهُ وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَلاَ يُسَاوِي الأَشْتِغَالَ بِهِ وَقَدْ فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالأَدَاءِ وَأَوْجَبَ فِي الْعَارِيَّةِ الأَدَاءَ فَقَطْ دُونَ الضَّمَانِ فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ النُّصُوصِ. وَقَالُوا: وَجَدْنَا كُلَّ مَا يَقْبِضُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ مِنْ الأَمْوَالِ يَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا قِسْمُ مَنْفَعَةٍ لِلدَّافِعِ دُونَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، كَالْوَدِيعَةِ، وَالْوَكَالَةِ فَهَذَا غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ وَثَانِيهَا قِسْمٌ مَنْفَعَتُهُ لِلدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ مَعًا، كَالْقِرَاضِ، وَقَدْ أَتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ وَكُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ. وَثَالِثُهَا مَا مَنْفَعَتُهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ دُونَ الدَّافِعِ كَالْقَرْضِ، وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعَارِيَّةُ وَكُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ.
قال أبو محمد: "وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ"، إِلاَّ أَنَّهُ مِنْ الْمَلِيحِ الْمُمَوَّهِ مِنْ مَقَايِيسِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ، وَيُبِيحُونَ الْفُرُوجَ، وَالأَمْوَالَ وَالأَبْشَارَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا، كَقِيَاسِهِمْ فِي الصَّدَاقِ وَفِي جَلْدِ الشَّارِبِ قِيَاسًا عَلَى الْقَاذِفِ، وَالْقَوَدِ لِلْكَافِرِ مِنْ الْمُؤْمِنِ، وَفَاعِلُ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، وَسَائِرِ قِيَاسِهِمْ، إِلاَّ أَنَّنَا نُعَارِضُ هَذَا الْقِيَاسَ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ دَفْعُ مَالٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ، كَالْوَدِيعَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا يَلِي فِي اللِّبَاسِ وَفِيمَا اُسْتُعِيرَتْ لَهُ فَنَقَصَ مِنْهَا بِلاَ تَعَدٍّ فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ، فَكَذَلِكَ سَائِرُ النَّقْصِ وَهَذَا كُلُّهُ وَسَاوِسُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْحُكْمِ بِهَا فِي دِينِهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَبَقِيَ قَوْلُنَا، فَوَجَدْنَاهُ قَدْ رُوِيَ، عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْعَارِيَّةُ لَيْسَتْ بَيْعًا، وَلاَ مَضْمُونَةً إنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ إِلاَّ أَنْ يُخَالِفَ فَيَضْمَنَ وَهَذَا صَحِيحٌ، عَنْ عَلِيٍّ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ هِلاَلٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْعَارِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ، وَلاَ ضَمَانَ فِيهَا، إِلاَّ أَنْ يَتَعَدَّىوَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ.
قال أبو محمد: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ

(9/173)


تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ منكم} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" فَصَحَّ أَنَّ مَالَ الْمُسْتَعِيرِ مُحَرَّمٌ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَهُ نَصُّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَلَمْ يُوجِبْهُ قَطُّ نَصٌّ مِنْهُمَا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاس وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} وَالْمُسْتَعِيرُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ، وَلاَ ضَيَّعَ: مُحْسِنٌ فَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالْغُرْمُ سَبِيلٌ بِيَقِينٍ فَلاَ غُرْمَ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/174)


الضيافة
الضيافة فرض على البدوى
...
الضِّيَافَةُ
1651- مَسْأَلَةُ: الضِّيَافَةِ فَرْضٌ عَلَى الْبَدْوِيِّ، وَالْحَضَرِيِّ، وَالْفَقِيهِ، وَالْجَاهِلِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مَبَرَّةٌ وَإِتْحَافٌ، ثُمَّ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ: ضِيَافَةٌ، وَلاَ مَزِيدَ، فَإِنْ زَادَ فَلَيْسَ قِرَاهُ لاَزِمًا، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى قِرَاهُ: فَحَسَنٌ فَإِنْ مَنَعَ الضِّيَافَةَ الْوَاجِبَةَ فَلَهُ أَخْذُهَا مُغَالَبَةً، وَكَيْف أَمْكَنَهُ، وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلِيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتُهُ يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ" قَالَ أَبُو دَاوُد، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنْ أَشْهَبَ، عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْله عليه الصلاة والسلام: "جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ": قَالَ مَالِكٌ: يُتْحِفُهُ وَيُكْرِمُهُ وَيَخُصُّهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ضِيَافَةً.وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُقَدَّمُ أَبِي كَرِيمَةَ " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ كَانَ مُسْلِمًا، فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، إنْ شَاءَ اقْتَضَى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ".
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ هُوَ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ الْجُشَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ "قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ نَزَلْتُ بِهِ فَلَمْ يُكْرِمْنِي وَلَمْ يُضِفْنِي وَلَمْ يَقْرِنِي ثُمَّ نَزَلَ بِي أُجْزِيهِ قَالَ: بَلْ أَقْرِه". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قلنا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلاَ يَقْرُونَنَا فَمَا تَرَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ" .
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَطَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاِثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ" .وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ

(9/174)


التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ هُوَ النَّهْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ" ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ خَمْسَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِسَادِسٍ، أَوْ كَمَا قَالَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَشْرَةٍ. فَهَذَا نَصُّ إيجَابِ الضِّيَافَةِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَاضِرَةِ، وَهَذِهِ أَخْبَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ مُخَالِفَتُهَا.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى " أَنَّ نَاسًا مِنْ الأَنْصَارِ سَافَرُوا فَأَرْمَلُوا فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَسَأَلُوهُمْ الْقِرَى فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، فَسَأَلُوهُمْ الشِّرَاءَ فَأَبَوْا فَضَبَطُوهُمْ فَأَصَابُوا مِنْهُمْ فَأَتَتْ الأَعْرَابُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَشْفَقَتْ الأَنْصَارُ، فَقَالَ عُمَرُ تَمْنَعُونَ ابْنَ السَّبِيلِ مَا يَخْلُفُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ضُرُوعِ الإِبِلِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، ابْنُ السَّبِيلِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ مِنْ الثَّاوِي عَلَيْهِ " فَهَذَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ وَحُكْمُ عُمَرَ بِحَضْرَتِهِمْ، لاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.وَرُوِّينَا، عَنْ مَالِكٍ: لاَ ضِيَافَةَ عَلَى أَهْلِ الْحَاضِرَةِ، وَلاَ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/175)


الاحباس
والتحبيس وهو الوقف جائز
...
الأَحْبَاسُ
1652 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّحْبِيسُ وَهُوَ الْوَقْفُ جَائِزٌ فِي الأُُصُولِ مِنْ الدُّور وَالأَرْضِينَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ إنْ كَانَتْ فِيهَا، وَفِي الأَرْحَاءِ، وَفِي الْمَصَاحِفِ، وَالدَّفَاتِرِ. وَيَجُوزُ أَيْضًا فِي الْعَبِيدِ، وَالسِّلاَحِ، وَالْخَيْلِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجِهَادِ فَقَطْ، لاَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ فِي شَيْءٍ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا أَصْلاً، وَلاَ فِي بِنَاءٍ دُونَ الْقَاعَةِ. وَجَائِزٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَحْبِسَ عَلَى مَنْ أَحَبَّ، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَى مَنْ شَاءَ وَخَالَفْنَا فِي هَذَا قَوْمٌ: فَطَائِفَةٌ أَبْطَلَتْ الْحَبْسَ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَرُوِيَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: لاَ حَبْسَ إِلاَّ فِي سِلاَحٍ، أَوْ كُرَاعٍ، رُوِيَ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهم، وَطَائِفَةٌ أَجَازَتْ الْحَبْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي الثِّيَابِ، وَالْعَبِيدِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَأَتَى أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلٍ خَالَفَ فِيهِ كُلَّ مَنْ تَقَدَّمَ وَالسُّنَّةَ وَالْمَعْقُولَ فَقَالَ: الْحَبْسُ جَائِزٌ فِي الصِّحَّةِ، وَفِي الْمَرَضِ إِلاَّ أَنَّ لِلْمُحْبِسِ إبْطَالُهُ مَتَى شَاءَ، وَبَيْعُهُ وَارْتِجَاعُهُ بِنَقْضِ الْحَبْسِ الَّذِي عَقَدَ فِيهِ، وَلاَ يَجُوزُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا، وَهَذَا أَشْهَرُ أَقْوَالِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا عَنْهُ أَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ إبْطَالُهُ وَهَذَا هُوَ الأَشْهَرُ عَنْهُ أَمْ لاَ يَجُوزُ؟

(9/175)


وَهَذَا قَوْلٌ يَكْفِي إيرَادُهُ مِنْ فَسَادِهِ، لأََنَّهُ لَمْ تَأْتِ بِهِ سُنَّةٌ، وَلاَ أَيَّدَهُ قِيَاسٌ، وَلاَ يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَتَفْرِيقٌ فَاسِدٌ فَسَقَطَ جُمْلَةً.وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمَرْوِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ: أَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْقَاسِمِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ حَبْسَ إِلاَّ فِي سِلاَحٍ أَوْ كُرَاعٍ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ، لأََنَّهَا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ وَلأََنَّ وَالِدَ الْقَاسِمِ لاَ يَحْفَظُ، عَنْ أَبِيهِ كَلِمَةً، وَكَانَ لَهُ إذْ مَاتَ أَبُوهُ سِتُّ سِنِينَ فَكَيْفَ وَلَدَهُ، وَلاَ نَعْرِفُهَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصْلاً، وَلاَ عَنْ عَلِيٍّ، بَلْ نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهَا كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ، لأََنَّ إيقَافَهُ يَنْبُعَ، وَغَيْرَهَا: أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَالْكَذِبُ كَثِيرٌ، وَلَعَلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مَا فَضَلَ، عَنْ قُوتِهِ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ.
قال أبو محمد: فَيُقَالُ: نَعَمْ، وَإِنْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إيقَافُ غَيْرِ الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ: وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ أَيْضًا، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ، فَبَطَلَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ.وَأَمَّا مَنْ أَبْطَلَ الْحَبْسَ جُمْلَةً: فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ حَبِيبٍ رَوَى، عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا وَقَدْ أَوْقَفَ وَحَبَسَ أَرْضًا، إِلاَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْحَبْسَ وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَخْبَاثٍ فَإِنَّهَا زَادَتْ مَا جَاءَتْ فِيهِ ضَعْفًا وَلَعَلَّهُ قَبْلَهُ كَانَ أَقْوَى.وَأَمَّا مَالِكٌ وَمَنْ قَلَّدَهُ: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ قَاسُوا عَلَى مَا جَاءَ فِيهِ النَّصُّ مَا لاَ نَصَّ فِيهِ.
قال أبو محمد: "وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ يُبْطِلُهُ"، لأََنَّ إيقَافَ الشَّيْءِ لِغَيْرِ مَالِكٍ مِنْ النَّاسِ، وَاشْتِرَاطُ الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُورَثَ، أَوْ يُبَاعَ، أَوْ يُوهَبَ: شُرُوطٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ" فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ إِلاَّ مَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَوَازِهِ فَقَطْ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحَيٌّ يُوحَى} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ} لاَ سِيَّمَا الدَّنَانِيرُ. وَالدَّرَاهِمُ، وَكُلُّ مَا لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ، إِلاَّ بِإِتْلاَفِ عَيْنِهِ، أَوْ إخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، فَهَذَا هُوَ نَقْضُ الْوَقْفِ وَإِبْطَالُهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَحْتَجُّوا بِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثِ أَشْيَاءَ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" فَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ لاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَعْنِ بِهَا إِلاَّ مَا أَجَازَهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ، لاَ كُلَّ مَا يَظُنُّهُ الْمَرْءُ صَدَقَةً، كَمَنْ تَصَدَّقَ بِمُحَرَّمٍ أَوْ شَرَطَ فِي صَدَقَتِهِ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ,فَصَحَّ

(9/176)


أَنَّ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ، الْبَاقِي أَجْرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ إمَّا صَدَقَةٌ مُطْلَقَةٌ فِيمَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بِهِ مِمَّا صَحَّ مِلْكُ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا شَرْطًا مُفْسِدًا,وَأَمَّا صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ فِيمَا يَجُوزُ الْوَقْفُ فِيهِ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ حُجَّةٌ فِيمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ، أَيَجُوزُ أَمْ لاَ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ لَمْ يُجِزْهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَكَمَنْ تَصَدَّقَ فِي وَصِيَّتِهِ عَلَى وَارِثٍ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَلاَ بِمُحَرَّمٍ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِخَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ. وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْجَائِزَةَ الْمُتَقَبَّلَةَ يَبْقَى أَجْرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَطْ. فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً لِتَعَرِّيه مِنْ الأَدِلَّةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: "احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْحَبْسَ جُمْلَة". بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: قَالَ لِي شُرَيْحٌ: جَاءَ مُحَمَّدٌ بِإِطْلاَقِ الْحَبْسِ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ سَمِعَ شُرَيْحًا وَسُئِلَ فِيمَنْ مَاتَ وَجَعَلَ دَارِهِ حَبْسًا فَقَالَ: لاَ حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ.
قال علي: "هذا مُنْقَطِعٌ، بَلْ الصَّحِيحُ خِلاَفُهُ" وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم جَاءَ بِإِثْبَاتِ الْحَبْسِ نَصًّا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكَيْفَ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ كَانَ الْحَبْسُ، وَقَدْ جَاءَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِإِبْطَالِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ يُعْلَمُ بِيَقِينٍ، لأََنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَعْرِفْ فِي جَاهِلِيَّتِهَا الْحَبْسَ الَّذِي اخْتَلَفَا فِيهِ، إنَّمَا هُوَ اسْمٌ شَرِيعِيٌّ، وَشَرْعٌ إسْلاَمِيٌّ: جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم كَمَا جَاءَ بِالصَّلاَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَلَوْلاَهُ عليه الصلاة والسلام مَا عَرَفْنَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِعِ، وَلاَ غَيْرِهَا، فَبَطَلَ هَذَا الْكَلاَمُ جُمْلَةً.وَأَمَّا قَوْلُهُ " لاَ حَبْسَ، عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ " فَقَوْلٌ فَاسِدٌ، لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكُلُّ هَذِهِ مُسْقِطَةٌ لِفَرَائِضِ الْوَرَثَةِ عَمَّا لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ لَوَرِثُوهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَجِبُ بِهَذَا الْقَوْلِ إبْطَالُ كُلِّ هِبَةٍ، وَكُلِّ وَصِيَّةٍ، لأََنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَوَارِيثِ.فَإِنْ قَالُوا: هَذِهِ شَرَائِعُ جَاءَ بِهَا النَّصُّ قلنا: وَالْحَبْسُ شَرِيعَةٌ جَاءَ بِهَا النَّصُّ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَخِيهِ عِيسَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ حَبْسَ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ" .
قال أبو محمد: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَابْنُ لَهِيعَةَ لاَ خَيْرَ فِيهِ، وَأَخُوهُ مِثْلُهُ وَبَيَانُ وَضْعِهِ: أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ أَوْ بَعْضَهَا نَزَلَتْ بَعْدَ أُحُدٍ يَعْنِي آيَةَ الْمَوَارِيثِ وَحَبَسَ الصَّحَابَةُ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَيْبَرَ وَبَعْدَ نُزُولِ الْمَوَارِيثِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ. وَهَذَا أَمْرٌ مُتَوَاتِرٌ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ

(9/177)


وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِاتِّصَالِ الْحَبْسِ بِعِلْمِهِ عليه الصلاة والسلام إلَى أَنْ مَاتَ وَذَكَرُوا أَيْضًا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَمُحَمَّدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنِي أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، كُلُّهُمْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: "إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ حَائِطِي هَذَا صَدَقَةٌ وَهُوَ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَجَاءَ أَبَوَاهُ فَقَالاَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ قِوَامُ عَيْشِنَا فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ مَاتَا فَوِرْثَهُمَا ابْنُهُمَا" زَادَ بَعْضُهُمْ " مَوْقُوفَةٌ " وَهِيَ زِيَادَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ أَوَّلُهَا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، لأََنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ قَطُّ.وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ أَنَّهُ قِوَامُ عَيْشِهِمْ، وَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِوَامِ عَيْشِهِ، بَلْ هُوَ مَفْسُوخٌ إنْ فَعَلَهُ، فَهَذَا الْخَبَرُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ وَمُوَافِقًا لِقَوْلِنَا، وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ فِي إجَازَتِهِمْ الصَّدَقَةَ بِمَا لاَ يَبْقَى لِلْمَرْءِ بَعْدَهُ غِنًى. وَالثَّالِثُ أَنَّ لَفْظَةَ " مَوْقُوفَةٌ " إنَّمَا انْفَرَدَ بِهَا مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ. وَمَوَّهُوا بِأَخْبَارٍ نَحْوِ هَذَا، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرَ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا فِيهَا " صَدَقَةٌ " وَهَذَا لاَ نُنْكِرُهُ وقال بعضهم: قَدْ كَانَ شُرَيْحٌ لاَ يَعْرِفُ الْحَبْسَ وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَقْضِيَ مَنْ لاَ يَعْرِفُ مِثْلَ هَذَا.
قال أبو محمد: "لَوْ اسْتَحْيَا قَائِلُ هَذَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ"، وَهَلَّا قَالُوا هَذَا فِي كُلِّ مَا خَالَفُوا فِيهِ شُرَيْحًا وَأَيُّ نَكِرَةٍ فِي جَهْلِ شُرَيْحٍ سُنَّةً وَأَلْفَ سُنَّةً، وَاَللَّهِ لَقَدْ غَابَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَسْخُ التَّطْبِيقِ، وَلَقَدْ غَابَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِيرَاثُ الْجَدَّةِ، وَلَقَدْ غَابَ، عَنْ عُمَرَ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ سِنِينَ وَإِجْلاَءُ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ عَامٍ مِنْ خِلاَفَتِهِ، وَبِمِثْلِ هَذَا لَوْ تُتُبِّعَ لَبَلَغَ أَزِيدَ مِنْ أَلْفِ سُنَّةٍ غَابَتْ عَمَّنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ شُرَيْحٍ. وَلَوْ لَمْ يُسْتَقْضَ إِلاَّ مَنْ لاَ تَخْفَى عَلَيْهِ سُنَّةٌ، وَلاَ تَغِيبُ عَنْ ذِكْرِهِ سَاعَةً مِنْ دَهْرِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: مَا اسْتَقْصَى أَحَدٌ، وَلاَ قَضَى، وَلاَ أَفْتَى أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ مَنْ جَهِلَ عُذِرَ وَمِنْ عَلِمَ غُبِطَ. وَقَالُوا: الصَّدَقَةُ بِالثَّمَرَةِ الَّتِي هِيَ الْغَرَضُ مِنْ الْحَبْسِ يَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ، فَذَلِكَ فِي الأَصْلِ أَوْلَى.
قال علي: هذا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ هُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ، لأََنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إيقَافِ الأَصْلِ وَحَبْسِهِ وَتَسْبِيلِ الثَّمَرَةِ، فَهَذَا اعْتِرَاضٌ مِنْهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْقَوْمُ مَخَاذِيلُ. وَقَالُوا: لَمَّا كَانَتْ الأَحْبَاسُ تُخْرَجُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ بَطَلَ ذَلِكَ، كَمَنْ قَالَ: أَخْرَجْتُ دَارِي عَنْ مِلْكِي.
قال أبو محمد: وَهَذِهِ وَسَاوِسُ لأََنَّ الْحَبْسَ لَيْسَ إخْرَاجًا إلَى غَيْرِ مَالِك بَلْ إلَى أَجْلِ الْمَالِكِينَ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَعِتْقِ الْعَبْدِ، وَلاَ فَرْقَ. ثُمَّ قَدْ تَنَاقَضُوا فَأَجَازُوا تَحْبِيسَ الْمَسْجِدِ، وَالْمَقْبَرَةِ وَإِخْرَاجَهُمَا إلَى غَيْرِ مَالِكٍ، وَأَجَازُوا الْحَبْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي أَشْهَرِ أَقْوَالِهِمْ، فَبَلَّحُوا عِنْدَ هَذِهِ

(9/178)


فَقَالُوا الْمَسْجِدُ إخْرَاجٌ إلَى الْمُصَلِّينَ فِيهِ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ، لأََنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ بِذَلِكَ وَصَلاَتُهُمْ فِيهِ كَصَلاَتِهِمْ فِي طَرِيقِهِمْ فِي فَضَاءٍ مُتَمَلَّكٍ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَالُوا: إنَّمَا خَرَجَتْ، عَنْ مِلْكِي إلَى غَيْرِ مَالِكٍ، وَلاَ فَرْقَ، لأََنَّ هَذَا الْقَوْلُ نَظِيرُ الْحَبْسِ عِنْدَكُمْ فِي الْحَيَاةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَظِيرُهُ فِي الْمَوْتِ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَالُوا: لَمَّا كَانَتْ الصَّدَقَاتُ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ حَتَّى تُحَازَ، وَكَانَ الْحَبْسُ لاَ مَالِكَ لَهُ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ فَقُلْنَا: هَذَا احْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ، وَقَدْ أَبْطَلْنَا قَوْلَكُمْ: أَنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَصِحُّ حَتَّى تُقْبَضَ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما قَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا فِيهِ، كَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما، فَكَيْفَ وَالْحَبْسُ خَارِجٌ إلَى قَبْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، الَّذِي هُوَ وَارِثُ الأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا وَكُلُّ شَيْءٍ بِيَدِهِ وَفِي قَبْضَتِهِ. وَقَدْ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ أَبِي طَلْحَةَ لِلَّهِ تَعَالَى دُونَ أَنْ يَذْكُرَ مُتَصَدَّقًا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَجْعَلَهَا فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الْمُخْزِيَةِ لَهُمْ: احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاقَ الْهَدْيَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَقَلَّدَهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَهُ لَهُ، ثُمَّ صَرَفَهَا عَمَّا أَوْجَبَهَا لَهُ وَجَعَلَهَا لِلإِحْصَارِ، وَلِذَلِكَ أَبْدَلَهَا عَامًا ثَانِيًا.
قال أبو محمد: "أَوَّلُ ذَلِكَ كَذِبُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ" وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَهُ لَهُ وَمَا اقْتَضَى ذَلِكَ قَطُّ إيجَابَهُ لأََنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ التَّطَوُّعُ بِذَلِكَ وَاجِبًا بَلْ أَبَاحَ رُكُوبَ الْبَدَنَةِ الْمُقَلَّدَةِ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً لِوَجْهٍ مَا خَارِجَةً بِذَلِكَ عَنْ مَالِهِ بَاقِيَةً فِي مَالِهِ. ثُمَّ كَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَبْدَلَهُ مِنْ قَابِلٍ. فَمَا صَحَّ هَذَا قَطُّ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُبَدِّلَ عليه الصلاة والسلام هَدْيًا وَضَعَهُ فِي حَقٍّ فِي وَاجِبٍ ثُمَّ أَيُّ شَبَهٍ بَيْنَ هَدْيِ تَطَوُّعٍ يُنْحَرُ عَنْ وَاجِبٍ فِي الإِحْصَارِ عَنْ أَصْحَابِهِ وَعَنْ نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ فِي حَبْسٍ. أَمَا يَسْتَحْيِ مِنْ هَذَا مِقْدَارَ عِلْمِهِ وَعَقْلِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ثم نقول لَهُمْ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ثُمَّ يَفْسَخَهُ، وَقِسْتُمُوهُ عَلَى الْهَدْيِ الْمَذْكُورِ، فَأَخْبِرُونَا: هَلْ لَهُ رُجُوعٌ فِي الْهَدْيِ بَعْدَ أَنْ يُوجِبَهُ فَيَبِيعَهُ هَكَذَا بِلاَ سَبَبٍ أَمْ لاَ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لاَ، فَنَقُولُ لَهُمْ: فَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِكُمْ فِي الْحَبْسِ إذْ أَجَزْتُمْ الرُّجُوعَ فِيهِ بِلاَ سَبَبٍ وَظَهَرَ هَوَسُ قِيَاسِكُمْ الْفَاسِدِ الْبَارِدِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا قَسَّمْتُمُوهُ عَلَى التَّدْبِيرِ الَّذِي لاَ يَجُوزُ فِيهِ الرُّجُوعُ عِنْدَكُمْ، أَوْ هَلَّا قِسْتُمْ قَوْلَكُمْ فِي التَّدْبِيرِ عَلَى قَوْلِكُمْ فِي الْحَبْسِ، لَكِنْ أَبَى اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ إِلاَّ خِلاَفَ الْحَقِّ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ.

(9/179)


قال أبو محمد: وَكُلُّ هَذَا فَإِنَّمَا مِنْ احْتِجَاجِ مَنْ لاَ يَرَى الْحَبْسَ جُمْلَةً وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَكُلُّ هَذَا خِلاَفٌ لَهُ، لأََنَّهُ يُجِيزُ الْحَبْسَ، ثُمَّ يُجِيزُ نَقْضَهُ الْمُحْبَسَ، وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ، وَيُجِيزُ إمْضَاءَهُ وَهَذَا لاَ يُعْقَلُ وَنَسُوا احْتِجَاجَهُمْ بِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ شَرْطِهِ وَ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.
قال أبو محمد: فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا فَلْنَذْكُرْ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ: "أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ قَطُّ مَالاً أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُ بِهِ فَقَالَ: إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلاَ تُورَثُ: فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ، لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّ الْمِائَةَ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْهَا، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا" . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَامِدِ بْنِ يَحْيَى الْبَلْخِيّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ وَفِيهِ "احْبِسْ الأَصْلَ وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ" وَحَبَسَ عُثْمَانُ بِئْرَ رُومَةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ ذَلِكَ الْخَلَفُ، عَنِ السَّلَفِ، جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ بِالْمَدِينَةِ,وَكَذَلِكَ صَدَقَاتُهُ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ مَشْهُورَةٌ كَذَلِكَ. وَقَدْ تَصَدَّقَ عُمَرُ فِي خِلاَفَتِهِ بِثَمْغٍ، وَهِيَ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَكَانَ يَغُلُّ مِائَةَ وَسْقٍ بِوَادِي الْقُرَى كُلُّ ذَلِكَ حَبْسًا، وَقْفًا، لاَ يُبَاعُ، وَلاَ يُشْتَرَى، أَسْنَدَهُ إلَى حَفْصَةَ، ثُمَّ إلَى ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهِ. وَحَبَسَ عُثْمَانُ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: دُورَهُمْ عَلَى بَنِيهِمْ، وَضَيَاعًا مَوْقُوفَةً,وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ جُمْلَةُ صَدَقَاتِهِمْ بِالْمَدِينَةِ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، لاَ يَجْهَلُهَا أَحَدٌ. وَأَوْقَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " الْوَهْطَ " عَلَى بَنِيهِ. اخْتَصَرْنَا الأَسَانِيدَ لأَشْتِهَارِ الأَمْرِ,وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" فِي حَدِيثٍ.وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ الْبَصْرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، هُوَ ابْنُ سَوَّارٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" فِي حَدِيثٍ.

(9/180)


قال أبو محمد: الأَعْتَادُ جَمْعُ عَتِدٍ وَهُوَ الْفَرَسُ قَالَ الْقَائِلُ:
رَاحُوا بَصَائِرُهُمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ ... وَبَصِيرَتِي تَعْدُو بِهَا عَتِدٌ وَأَى
وَالأَعْبُدُ جَمْعُ عَبْدٍ، وَكِلاَ اللَّفْظَيْنِ صَحِيحٌ فَلاَ يَجُوزُ الأَقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مَالِكِ بْن أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: "إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" الْكُرَاعُ الْخَيْلُ فَقَطْ. وَالسِّلاَحُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: السُّيُوفُ، وَالرِّمَاحُ، وَالْقِسِيُّ، وَالنَّبْلُ، وَالدُّرُوعُ، وَالْجَوَاشِنُ وَمَا يُدَافَعُ بِهِ: كَالطَّبَرْزِينِ، وَالدَّبُّوسِ، وَالْخِنْجَرِ، وَالسَّيْفِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ، وَالدَّرَقِ، وَالتِّرَاسِ وَلاَ يَقَعُ اسْمُ السِّلاَحِ عَلَى سَرْجٍ، وَلاَ لِجَامٍ، وَلاَ مِهْمَازٍ. وَكَانَ عليه السلام يَكْتُبُ إلَى الْوُلاَةِ وَالأَشْرَافِ إذَا أَسْلَمُوا بِكُتُبٍ فِيهَا السُّنَنُ وَالْقُرْآنُ بِلاَ شَكٍّ، فَتِلْكَ الصُّحُفُ لاَ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لأََحَدٍ لَكِنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً يَتَدَارَسُونَهَا مَوْقُوفَةً لِذَلِكَ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْحَبْسُ فَقَطْ وَأَمَّا مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ فَلاَ يَجُوزُ تَحْبِيسُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ مَنْ لاَ يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى أَنَّ صَدَقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا جَازَتْ لأََنَّهُ كَانَ لاَ يُورَثُ وَأَنَّ صَدَقَاتِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، إنَّمَا جَازَتْ لأََنَّ الْوَرَثَةَ لَمْ يَرُدُّوهَا، وَأَنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الأَعْلَى رُوِيَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْلاَ أَنِّي ذَكَرْتُ صَدَقَتِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَرَدَدْتُهَا.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ صَدَقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا جَازَتْ، لأََنَّهُ لاَ يُورَثُ فَقَدْ كَذَبُوا، بَلْ لأََنَّهُ عليه الصلاة والسلام جَعَلَهَا صَدَقَةً، فَلِذَلِكَ صَارَتْ صَدَقَةً هَكَذَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ هُوَ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ هُوَ أَخُو جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : "مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا، وَلاَ دِرْهَمًا وَلاَ عَبْدًا وَلاَ أَمَةً، إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً". وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُورَثَ فَنَعَمْ، وَهَذَا لاَ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ بِأَرْضِهِ، بَلْ تُبَاعُ فَيُتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ,وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا جَازَتْ صَدَقَاتُ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم لأََنَّ الْوَرَثَةَ أَجَازُوهَا فَقَدْ كَذَبُوا، وَلَقَدْ تَرَكَ عُمَرُ ابْنَيْهِ زَيْدًا وَأُخْتَه صَغِيرَيْنِ جِدًّا وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَغَيْرُهُمْ، فَلَوْ كَانَ الْحَبْسُ غَيْرَ جَائِزٍ لَمَا حَلَّ تَرْكُ أَنْصِبَاءِ الصِّغَارِ تَمْضِي حَبْسًا وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرُوهُ، عَنْ مَالِكٍ فَمُنْكَرٌ وَبَلِيَّةٌ مِنْ الْبَلاَيَا وَكَذِبٌ بِلاَ شَكٍّ، وَلاَ نَدْرِي مَنْ رَوَاهُ عَنْ يُونُسَ وَلاَ هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَهَبْكَ

(9/181)


لَوْ سَمِعْنَاهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ لَمَا وَجَبَ أَنْ يُتَشَاغَلَ بِهِ وَلَقَطَعْنَا بِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِمَّنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ، كَسُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَضُرَبَائِهِ. وَنَحْنُ نَبُتُّ وَنَقْطَعُ بِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يَنْدَمْ عَلَى قَبُولِهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا اخْتَارَهُ لَهُ فِي تَحْبِيسِ أَرْضِهِ وَتَسْبِيلِ ثَمَرَتِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ، وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وَلَيْتَ شِعْرِي إلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَصْرِفُ عُمَرُ تِلْكَ الصَّدَقَةِ لَوْ تَرَكَ مَا أَمَرَهُ بِهِ عليه الصلاة والسلام فِيهَا. حَاشَ لِعُمَرَ مِنْ هَذَا. وَزَادُوا طَامَّةً وَهِيَ أَنْ شَبَّهُوا هَذَا بِتَنَدُّمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إذْ لَمْ يَقْبَلْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ.
قال أبو محمد: لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ ذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ وَهَلْ يَنْدَمُ عَبْدُ اللَّهِ إِلاَّ عَلَى مَا يَحِقُّ التَّنَدُّمَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِهِ الأَمْرَ الَّذِي أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَوَقَفَ عِنْدَ الْمَشُورَةِ الأَخِيرَةِ وَهَذَا ضِدُّ مَا نَسَبُوا إلَى عُمَرَ مِمَّا وَضَعَهُ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يُسْعِدُ اللَّهَ جَدَّهُ مِنْ رَغْبَتِهِ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم جُمْلَةً لاَ نَدْرِي إلَى مَاذَا فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِ هَؤُلاَءِ الْمَحْرُومِينَ جُمْلَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: جَائِزٌ أَنْ يُسَبِّلَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ شَاءَ، فَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا" وَقَالَ لِعُمَرَ تَصَدَّقْ بِالثَّمَرَةِ فَصَحَّ بِهَذَا جَوَازُ صَدَقَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى مَنْ شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: وَغَيْرُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/182)


1653 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يُبْطِلُ الْحَبْسَ تَرْكُ الْحِيَازَةِ، فَإِنْ اسْتَغَلَّهُ الْمُحْبِسُ وَلَمْ يَكُنْ سَبَّلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، كَالْغَصْبِ، وَلاَ يَحِلُّ إِلاَّ فِيمَا أَبْقَى غِنًى وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمُشَاعِ وَغَيْرِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَفِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كَلاَمِنَا فِي " الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا.

(9/182)


1654 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْوَلَدِ فَرْضٌ فِي الْحَبْسِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ " فَإِنْ خَصَّ بِهِ بَعْضَ بَنِيهِ، فَالْحَبْسُ صَحِيحٌ وَيَدْخُلُ سَائِرُ الْوَلَدِ فِي الْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى مَعَ الَّذِي خَصَّهُ.برهان ذَلِكَ أَنَّهُمَا فِعْلاَنِ مُتَغَايِرَانِ بِنَصِّ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. أَحَدُهُمَا تَحْبِيسُ الأَصْلِ، فَبِاللَّفْظِ تَحْبِيسُهُ يَصِحُّ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنَّنَا، عَنْ مَالِ الْمُحْبِسِ.وَالثَّانِي التَّسْبِيلُ وَالصَّدَقَةُ، فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا حِيفَ رُدَّ وَلَمْ يَبْطُلْ خُرُوجُ الأَصْلِ مُحْبِسًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَامَ الْوَلَدُ أَحْيَاءَ، فَإِذَا مَاتَ الْمَخْصُوصُ بِالْحَبْسِ رَجَعَ إلَى مَنْ عَقِبَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، وَخَرَجَ سَائِرُ الْوَلَدِ عَنْهُ، لأََنَّ الْمُحَابَاةَ قَدْ بَطَلَتْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/182)


1655 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَبَسَ دَارِهِ أَوْ أَرْضَهُ، وَلَمْ يُسَبِّلْ عَلَى أَحَدٍ، فَلَهُ أَنْ يُسَبِّلَ الْغَلَّةَ مَا دَامَ حَيًّا عَلَى مَنْ شَاءَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ" فَلَهُ ذَلِكَ مَا بَقِيَ

(9/182)


1656 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَبَسَ عَلَى عَقِبِهِ وَعَلَى عَقِبِ عَقِبِهِ، أَوْ عَلَى زَيْدٍ وَعَقِبِهِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْبَنَاتُ وَالْبَنُونَ، وَلاَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَنُو الْبَنَاتِ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لاَ يَخْرُجُ بِنَسَبِ آبَائِهِ إلَى الْمُحَبِّسِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ" وَأَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى وَلَمْ يُعْطِ عُثْمَانَ وَلاَ غَيْرَهُ وَجَدَّةُ عُثْمَانَ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي بَنِي هَاشِمٍ إذْ لَمْ يَخْرُجْ بِنَسَبِ أَبِيهِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا بِنَسَبِ أُمِّهِ إلَيْهِ وَهِيَ أَرْوَى بِنْتُ الْبَيْضَاءِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَعْطَى الْعَبَّاسَ وَأُمَّهُ نُمَرِيَّةُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/183)


ومن حبس وشرط أن يباع أن احتج صح الحبس
...
1657- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَبَسَ وَشَرَطَ أَنْ يُبَاعَ إنْ اُحْتِيجَ صَحَّ الْحَبْسُ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ خُرُوجِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَبَطَلَ الشَّرْطُ، لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُمَا فِعْلاَنِ مُتَغَايِرَانِ، إِلاَّ أَنْ يَقُولَ: لاَ أَحْبِسُ هَذَا الْحَبْسَ إِلاَّ بِشَرْطِ أَنْ يُبَاعَ: فَهَذَا لَمْ يَحْبِسْ شَيْئًا لأََنَّ كُلَّ حَبْسٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إِلاَّ عَلَى بَاطِلٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
* * *

(9/183)


كتاب العتق
العتق فعل لا خلاف في ذلك
...
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الْعِتْقِ، وَأُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ
1658 - مَسْأَلَةٌ: الْعِتْقُ فِعْلٌ حَسَنٌ، لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ.

(9/183)


1659 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ إِلاَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ لِغَيْرِهِ، وَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ مَالٍ عَلَى الْعِتْقِ، إِلاَّ فِي الْكِتَابَةِ خَاصَّةً، لِمَجِيءِ النَّصِّ بِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ لِلشَّيْطَانِ نَفَذَ ذَلِكَ.
قال أبو محمد: وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا

(9/183)


1660 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: إنْ مَلَكْت عَبْدَ فُلاَنٍ فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ: إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ: شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي أَمَةٍ لِسِوَاهُ أَوْ أَمَةٍ لَهُ ثُمَّ مَلَكَ الْعَبْدَ وَالأَمَةَ، أَوْ اشْتَرَاهُمَا " أَوْ بَاعَهُمَا: لَمْ يُعْتَقَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. أَمَّا بُطْلاَنُ ذَلِكَ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ وَأَمَةِ غَيْرِهِ فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ الْعَبْدُ".
وَأَمَّا بُطْلاَنُ ذَلِكَ فِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ فَلأََنَّهُ إذْ بَاعَهُمَا فَقَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُمَا، وَلاَ وَفَاءَ لِعَقْدِهِ فِيمَا لاَ يَمْلِكُهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ الأَعْلَمُ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيمَنْ قَالَ لأَخَرَ: إنْ بِعْت غُلاَمِي هَذَا مِنْك فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ مِنْهُ قَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ بِحُرٍّ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ الآخَرُ: إنْ اشْتَرَيْته مِنْك فَهُوَ حُرٌّ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَلَيْسَ بِحُرٍّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا وَاخْتَلَفَ الْحَاضِرُونَ فِي ذَلِكَ: فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ قَالَ إنْ بِعْت غُلاَمِي فَهُوَ حُرٌّ، فَبَاعَهُ فَهُوَ حُرٌّ. فَإِنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت غُلاَمَ فُلاَنٍ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ فَلَيْسَ بِحُرٍّ.وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لِقَوْلِهِ هَذَا بِأَنَّهُ إذَا بَاعَهُ فَهُوَ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَلِذَلِكَ عَتَقَ.
قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ بَعْدُ، فَإِذَا تَفَرَّقَا فَحِينَئِذٍ بَاعَهُ، وَلاَ عِتْقَ لَهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ" . وقال أبو حنيفة وَسُفْيَانُ بِعَكْسِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُمَا قَالاَ: إنْ قَالَ: إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ. فَبَاعَهُ، لَمْ يَكُنْ حُرًّا بِذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت عَبْدَ فُلاَنٍ فَهُوَ حُرٌّ. فَاشْتَرَاهُ فَهُوَ حُرٌّوقال مالك: مَنْ قَالَ: إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت عَبْدَ فُلاَنٍ فَهُوَ حُرٌّ. فَاشْتَرَاهُ فَهُوَ حُرٌّ. فَلَوْ قَالَ: إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ آخَرُ: إنْ اشْتَرَيْت عَبْدَ فُلاَنٍ فَهُوَ حُرٌّ. ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى الْبَائِعِ لاَ عَلَى الْمُشْتَرِي, وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ

(9/184)


إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ أَيْضًا وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُ وَكِلاَهُمَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ عِنْدَهُ بِقَوْلِهِمَا فَقَالَ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ: هُوَ مُرْتَهِنٌ بِيَمِينِ الْبَائِعِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا تَمْوِيهٌ، لأََنَّهُ يُعَارِضُهُ الْحَنَفِيُّ فَيَقُولُ: بَلْ هُوَ مُرْتَهِنٌ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي وَيُعَارِضُهُ آخَرُ فَيَقُولُ: بَلْ هُوَ مُرْتَهِنٌ بِيَمِينِهِمَا جَمِيعًا فَيُعْتَقُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا, وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: يُعْتَقُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَشْتَرِي الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَبْدًا فَيَعْتِقُهُ وَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُهُ لِمَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ ثُمَّ يَلْزَمُهُ عِتْقًا فِيمَا لَمْ يُنْذَرْ عِتْقُهُ، وَهَذِهِ صِفَةُ الرَّأْي فِي الدِّينِ وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ.
.

(9/185)


1661 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ عِتْقٌ بِشَرْطٍ أَصْلاً، وَلاَ بِإِعْطَاءِ مَالٍ إِلاَّ فِي " الْكِتَابَةِ " فَقَطْ وَلاَ بِشَرْطِ خِدْمَةٍ وَلاَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ ". فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ حَدَّثَنَا سَفِينَةُ أَبُوعَبْدِ الرَّحْمنِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " قَالَتْ لِي أُمُّ سَلَمَةَ: أُرِيد أَنْ أُعْتِقَكَ وَأَشْتَرِطَ عَلَيْك أَنْ تَخْدِمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا عِشْت قُلْت: إنْ لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ لَمْ أُفَارِقْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَمُوتَ قَالَ: فَأَعْتَقَتْنِي وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ أَنْ أَخْدِمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا عَاشَ".
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ، فَسَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ بَلْ مَذْكُورٌ أَنَّهُ لاَ يَقُومُ حَدِيثُهُ ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ وَالْحَنَفِيُّونَ. وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ لاَ يُجِيزُونَ الْعِتْقَ بِشَرْطِ أَنْ يَخْدُمَ فُلاَنًا مَا عَاشَ فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْتَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كُلَّ مَنْ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَقِيقِ الإِمَارَةِ، وَاشْتَرَطَ عَلَى بَعْضِهِمْ خِدْمَةَ مَنْ بَعْدَهُ إنْ أَحَبَّ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ صَلَّى مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ، فَبَتَّ عِتْقَهُمْ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ: أَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الْخَلِيفَةَ بَعْدِي ثَلاَثَ سَنَوَاتٍ، وَشَرَطَ لَهُمْ أَنَّهُ يَصْحَبُكُمْ بِمِثْلِ مَا كُنْتُ أَصْحَبُكُمْ بِهِ فَابْتَاعَ الْخِيَارُ خَدَمَتْهُ تِلْكَ الثَّلاَثَ سَنَوَاتٍ مِنْ عُثْمَانَ بِأَبِي فَرْوَةَ وَخَلَّى سَبِيلَ الْخِيَارِ، وَقَبَضَ أَبَا فَرْوَةَ. وبه إلى ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ عَمَلَهُ سَنَتَيْنِ، فَعَمِلَ لَهُ بَعْضَ سَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: قَدْ تَرَكْت لَك الَّذِي اشْتَرَطْت عَلَيْك فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَيْسَ عَلَيْك عَمَلٌ

(9/185)


وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ تَصَدَّقَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْضٍ لَهُ، وَأَعْتَقَ بَعْضَ رَقِيقِهِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْمَلُوا فِيهَا خَمْسَ سِنِينَ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الأَخْرَمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي أَعْتَقْت أَمَتِي هَذِهِ وَاشْتَرَطْت عَلَيْهَا أَنْ تَلِيَ مِنِّي مَا تَلِي الأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا إِلاَّ الْفَرْجَ، فَلَمَّا غَلُظَتْ رَقَبَتُهَا قَالَتْ: إنِّي حُرَّةٌ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهَا خُذْ بِرَقَبَتِهَا فَانْطَلِقْ بِهَا فَلَكَ مَا اشْتَرَطْت عَلَيْهَا.
قال أبو محمد: الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ مُخَالِفُونَ لِجَمِيعِ هَذِهِ الآثَارِ لأََنَّ فِي جَمِيعِهَا الْعِتْقَ بِشَرْطِ الْخِدْمَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِلَى غَيْرِ أَجَلٍ وَهُمْ لاَ يُجِيزُونَ هَذَا وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ رَأْيَهُمْ وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَاشْتَرَطَ خِدْمَتَهُ عَتَقَ وَبَطَلَ شَرْطُهُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُرَيْحٍ مِثْلَهُ. وَأَجَازُوا الْعِتْقَ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ، وَلاَ يُحْفَظُ هَذَا فِيمَا نَعْلَمُهُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي غَيْرِ الْكِتَابَةِ, فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْكِتَابَةِ قلنا: نَاقَضْتُمْ لأََنَّكُمْ لاَ تُجِيزُونَ فِي الْكِتَابَةِ الضَّمَانَ، وَلاَ الأَدَاءَ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَتُجِيزُونَ كُلَّ ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ. وَلاَ تُجِيزُونَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ أَمَدُ أَدَاءِ الْمَالِ مَجْهُولاً، وَتُجِيزُونَ ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ قِيَاسَكُمْ، فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ لَهُمْ فِي هَذَا غَرَائِبُ فأما أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي أَرْبَعَ سِنِينَ، فَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ. فَمَرَّةً قَالَ فِي مَالِهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعُ سِنِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ فِي مَالِهِ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالْخِيَارُ لِلْعَبْدِ فِي قَبُولِ ذَلِكَ أَوْ رَدِّهِ، فَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ حُرٌّ، وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَلاَ عِتْقَ لَهُ، وَلاَ مَالَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَإِنْ قَالَ لَهُ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّهَا، فَإِذَا أَدَّاهَا فَهُوَ حُرٌّةوقال مالك: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ: لَمْ يَلْزَمْ الْعَبْدَ أَدَاؤُهَا وَلاَ حُرِّيَّةَ لَهُ إِلاَّ بِأَدَائِهَا، فَإِذَا أَدَّاهَا فَهُوَ حُرٌّ. قَالَ: فَلَوْ قَالَ: إنْ جِئْتَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَمَتَى مَا جِئْتنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَتَلَوَّمَ لَهُ السُّلْطَانُ، وَلاَ يُنَجِّمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَجَّزَهُ السُّلْطَانُ وَكَانَ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ. قَالَ: فَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُرٌّ وَالْمَالُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ: هُوَ حُرٌّ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لأََنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْحُرِّيَّةَ بِالْغُرْمِ، بَلْ أَمْضَاهَا بَتْلَةً بِغَيْرِ شَرْطٍ

(9/186)


ثُمَّ أَلْزَمَهُ مَا لاَ يَلْزَمُهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ, وَلَكِنْ لَيْتَ شِعْرِي كَمْ يَتَلَوَّمُ لَهُ السُّلْطَانُ، أَسَاعَةً أَمْ سَاعَتَيْنِ أَمْ يَوْمًا أَمْ يَوْمَيْنِ أَمْ جُمُعَةً أَمْ جُمُعَتَيْنِ أَمْ حَوْلاً أَمْ حَوْلَيْنِ وَكُلُّ حَدٍّ فِي هَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَبرهان وَالْقَوْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَ كَلاَمَهُ مَخْرَجَ الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ فَهُوَ لاَزِمٌ، لأََنَّهُ مَلَكَهُ فَمَتَى مَا جَاءَهُ بِمَا قَالَ فَهُوَ حُرٌّ لَهُ ذَلِكَ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ، وَلِلسَّيِّدِ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ، لأََنَّهُ عَبْدُهُ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ تُحْفَظُ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَجَعَلَ خِيَارًا لِلْعَبْدِ حَيْثُ لاَ دَلِيلَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/187)


ومن قال : لله على عتق رقبة
...
1662 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ : لَزِمَتْهُ وَمَنْ قَالَ: إنْ كَانَ أَمْرُ كَذَا مِمَّا لاَ مَعْصِيَةَ فِيهِ فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ، فَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَهُوَ حُرٌّ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي " كِتَابِ النُّذُورِ " وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ رَقَبَةً فَهُوَ نَذْرٌ لاَ عِتْقَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ فَهُوَ لاَزِمٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ النُّذُورِ " وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا نَصٌّ وَهُوَ قَوْلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ عَلَيَّ لِلَّهِ رَقَبَةً أَفَأُعْتِقُهَا فَسَأَلَهَا عليه السلام أَيْنَ اللَّهُ فَأَشَارَتْ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: هِيَ مُؤْمِنَةٌ، فَأَعْتِقْهَا فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى لُزُومِ الرَّقَبَةِ لِمَنْ الْتَزَمَهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَبِهِ عَزَّ وَجَلَّ نَتَأَيَّدُ.

(9/187)


1663 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ عِتْقُ الْجَنِينِ دُونَ أُمِّهِ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ قَبْلَ أَنْ تَضَعَهُ أُمُّهُ، وَلاَ هِبَتُهُ دُونَهَا. وَيَجُوزُ عِتْقُهُ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ وَتَكُونُ أُمُّهُ بِذَلِكَ الْعِتْقِ حُرَّةً وَإِنْ لَمْ يُرِدْ عِتْقَهَا وَلاَ تَجُوزُ هِبَتُهُ أَصْلاً دُونَهَا. فَإِنْ أَعْتَقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَإِنْ كَانَ جَنِينُهَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، فَهُوَ حُرٌّ، إِلاَّ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ فَإِنْ اسْتَثْنَاهُ فَهِيَ حُرَّةٌ، وَهُوَ غَيْرُ حُرٍّ وَإِنْ كَانَ قَدْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنْ أَتْبَعَهَا إيَّاهُ إذْ أَعْتَقَهَا فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهَا إيَّاهُ، أَوْ اسْتَثْنَاهُ: فَهِيَ حُرَّةٌ، وَهُوَ غَيْرُ حُرٍّ,وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْهِبَةِ إذَا وَهَبَهَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَلاَ فَرْقَ وَحَدُّ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ: تَمَامُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا.
برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلْقَنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلْقَنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُ " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلاَ مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَإِذَا عَلاَ مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ

(9/187)


1664 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ عُضْوًا أَيَّ عُضْوٍ كَانَ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ، أَوْ أَعْتَقَ عُشْرَهُمَا أَوْ جُزْءًا مُسَمًّى كَذَلِكَ عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ وَالأَمَةُ كُلُّهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ

(9/188)


1665 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ كُلَّهُ، أَوْ بَعْضَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ كُلَّهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ حِينَ يَلْفِظُ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَفِي بِقِيمَةِ حِصَّةِ مَنْ يُشْرِكُهُ حِينَ لَفَظَ بِعِتْقِ مَا أَعْتَقَ مِنْهُ أَدَّاهَا إلَى مَنْ يُشْرِكُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَفِي بِذَلِكَ كُلِّفَ الْعَبْدُ أَوْ الأَمَةُ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَةِ حِصَّةِ مَنْ لَمْ يَعْتِقْ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ، لاَ شَيْءَ لِلشَّرِيكِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلاَ لَهُ

(9/190)


أنْ يَعْتِقَ وَالْوَلاَءُ لِلَّذِي أَعْتَقَ أَوَّلاً وَإِنَّمَا يَقُومُ كُلُّهُ ثُمَّ يَعْرِفُ مِقْدَارَ حِصَّةِ مَنْ لَمْ يَعْتِقْ وَلاَ يَرْجِعُ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا سَعَى فِيهِ حَدَثَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَحْدُثْ وَلِلنَّاسِ فِي هَذَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَوْلاً: قَالَ رَبِيعَةُ: مَنْ أَعْتَقَ حِصَّةً لَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ.
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ قَالَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا سَحْنُونَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ يُونُسُ سَأَلْته، عَنْ عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَقَالَ رَبِيعَةُ: عِتْقُهُ مَرْدُودٌ لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهُ الطَّحَاوِيَّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ بُكَيْر بْنُ الأَشَجِّ فِي اثْنَيْنِ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْتِقَ أَوْ يُكَاتِبَ: فَإِنَّمَا يَتَقَاوَمَانِهِ, رُوِّينَا ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍعَنْ أَبِيهِ, وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَنْفُذُ عِتْقُ مَنْ أَعْتَقَ، وَيَبْقَى مَنْ لَمْ يَعْتِقْ عَلَى نَصِيبِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ َمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالاَ جَمِيعًا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ الأَسْوَدِ وَأُمِّنَا غُلاَمٌ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ وَأَبْلَى فِيهَا فَأَرَادُوا عِتْقَهُ وَكُنْتُ صَغِيرًا فَذَكَرَ ذَلِكَ الأَسْوَدُ لِعُمَرَ، فَقَالَ: أَعْتِقُوا أَنْتُمْ وَيَكُونُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى نَصِيبِهِ حَتَّى يَرْغَبَ فِي مِثْلِ مَا رَغِبْتُمْ فِيهِ أَوْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَكَانَ " أَعْتِقُوا أَنْتُمْ ": " أَعْتِقُوا إنْ شِئْتُمْ " لَمْ يَخْتَلِفَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا إسْنَادٌ كَالذَّهَبِ الْمَحْضِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ النَّخَعِيِّ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ لِي وَلأَِخْوَتِي غُلاَمٌ أَبْلَى يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَأَرَدْت عِتْقَهُ لِمَا صَنَعَ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: أَتُفْسِدُ عَلَيْهِمْ نَصِيبَهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا، فَإِنْ رَغِبُوا فِيمَا رَغِبْت فِيهِ وَإِلَّا لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِمْ نَصِيبَهُمْ.
قال أبو محمد: لَوْ رَأَى التَّضْمِينَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إفْسَادًا لِنَصِيبِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ فِي عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَأَرَادَ الآخَرُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى حَقِّهِ مِنْ الْعَبْدِ، وَقَالَ الْعَبْدُ: حَدَّثَنَا أَقْضِي قِيمَتِي فَقَالَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَيِّدُهُ أَحَقُّ بِمَا بَقِيَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ثُمَّ أَعْتَقَ الآخَرُ بَعْدُ فَوَلاَؤُهُ وَمِيرَاثُهُ بَيْنَهُمَاوَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا قَالَ مَعْمَرٌ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ رَبِيعَةَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ، وَكَاتَبَ الآخَرُ نَصِيبَهُ، وَتَمَسَّك الآخَرُ بِالرِّقِّ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ، فَإِنَّ الَّذِي كَاتَبَ يَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيَكُونُ جَمِيعُ مَا تَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي تَمَسَّك بِالرِّقِّ يَقْتَسِمَانِهِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَنْفُذُ عِتْقُ الَّذِي

(9/191)


أَعْتَقَ فِي نَصِيبِهِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِشَرِيكِهِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً رَائِعَةً إنَّمَا تُلْتَمَسُ لِلْوَطْءِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلضَّرَرِ الَّذِي أَدْخَلَ عَلَى شَرِيكِهِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: شَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعْتِقُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَلَهُ شُرَكَاءُ يَتَامَى فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "يَنْتَظِرُ بِهِمْ حَتَّى يَبْلُغُوا، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يَعْتِقُوا أَعْتَقُوا"، وَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يُضْمَنَ لَهُمْ ضُمِنَ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ، عَنْ عُمَرَ، إنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا، لأََنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَيْمُونٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. ثُمَّ مُنْقَطِعَةٌ، لأََنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ، إِلاَّ أَنَّ الْقَوْلَ بِهَذَا قَدْ رُوِيَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَشَرِيكُهُ بَيْنَ خِيَارَيْنِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَيَكُونُ الْوَلاَءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي قِيمَةِ حِصَّتِهِ، فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ وَالْوَلاَءُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ فِي كِلاَ الأَمْرَيْنِ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا وَلَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا خِيَارٌ فِي وَجْهٍ ثَالِثٍ وَهُوَ إنْ شَاءَ ضَمِنَ لِلْمُعْتِقِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ الْمُعْتِقُ الْمُضَمِّنُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَهُ شَرِيكُهُ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ، فَإِذَا أَدَّاهَا الْعَبْدُ عَتَقَ، وَالْوَلاَءُ فِي هَذَا الْوَجْهِ خَاصَّةً لِلَّذِي أَعْتَقَ حِصَّتَهُ فَقَطْ. قَالَ فَإِنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ: فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ، وَلاَ عَلَيْهِ أَيْضًا مُوسِرًا كَانَ الْمُعْتِقُ أَوْ مُعْسِرًا. قَالَ: فَإِنْ دَبَّرَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ احْتَبَسَ نَصِيبَهُ رَقِيقًا كَمَا هُوَ، وَيَكُونُ نَصِيبُ شَرِيكِهِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ نَصِيبَهُ أَيْضًا وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْعَبْدُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْهُ مُدَبَّرًا، وَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ، وَضَمِنَ الشَّرِيكُ الَّذِي دَبَّرَ الْعَبْدَ أَيْضًا قِيمَةَ حِصَّتِهِ مُدَبَّرًا، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى شَرِيكِهِ فِي تَضْمِينٍ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ لِشَرِيكِهِ الَّذِي دَبَّرَ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّرِيكَ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ سَبَقَهُ إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ، وَلاَ إلَى هَذِهِ الْوَسَاوِسِ وَأَعْجَبُهَا أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ اتَّبَعَهُ عَلَيْهِ، إِلاَّ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَزْمَانِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ فَقَطْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ ضَمِنَ قِيمَةَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجٍ، هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، كِلاَهُمَا، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ إخْوَتِي غُلاَمٌ فَأَرَدْت أَنْ أَعْتِقْهُ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي رِوَايَتِهِ: فَأَتَيْت ابْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: لاَ تُفْسِدُ عَلَى شُرَكَائِك فَتَضْمَنُ وَلَكِنْ تَرَبَّصْ حَتَّى يَشِبُّوا وَقَالَ إبْرَاهِيمُ فِي رِوَايَتِهِ مَكَانَ ابْنِ مَسْعُودٍ عُمَرَ وَاتَّفَقَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ عَبْدًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ أَعْلَى الْقِيمَةِ وَهَذَا لاَ شَيْءَ، لأََنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ هَالِكٌ، وَالآخَرَ مُرْسَلٌ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا قَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُبَشِّرٍعَنْ هِشَامِ

(9/192)


ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ قَالَ: هُوَ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ,وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ سَوَاءً كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: إنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ شَرِيكِهِ أُقِيمَ مَا بَقِيَ مِنْهُ، ثُمَّ عَتَقَ فِي مَالِ الَّذِي أَعْتَقَهُ، ثُمَّ اسْتَسْعَى هَذَا الْعَبْدُ بِمَا غَرِمَ فِيمَا أَعْتَقَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ فَقُلْت لَهُ: يَسْتَسْعِي الْعَبْدُ كَانَ مُفْلِسًا أَوْ غَنِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ زَعَمُوا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هَذَا أَوَّلُ قَوْلِ عَطَاءٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْت عَنْهُ قَبْلُ,وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَهُوَ مُفْلِسٌ فَأَرَادَ الْعَبْدُ أَخْذَ نَفْسِهِ بِقِيمَتِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ إنْ نَفَّذَ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَوْلُهُ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ: أَنَّ بَاقِيهِ يُعْتَقُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ: رُوِيَ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ حِصَصُ شُرَكَائِهِ وَأَغْرَمَهَا لَهُمْ، وَأُعْتِقَ كُلُّهُ بَعْدَ التَّقْوِيمِ لاَ قَبْلَهُ، وَإِنْ شَاءَ الشَّرِيكُ أَنْ يَعْتِقَ حِصَّتَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ رَقِيقًا، وَلاَ أَنْ يُكَاتِبَهُ، وَلاَ أَنْ يَبِيعَهُ وَلاَ أَنْ يُدَبِّرَهُ، فَإِنْ غَفَلَ، عَنِ التَّقْوِيمِ حَتَّى مَاتَ الْمُعْتِقُ أَوْ الْعَبْدُ بَطَلَ التَّقْوِيمُ، وَمَالُهُ كُلُّهُ لِمَنْ تَمَسَّك بِالرِّقِّ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مُعْسِرًا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ وَالْبَاقِي رَقِيقٌ يَبِيعُهُ الَّذِي هُوَ لَهُ إنْ شَاءَ، أَوْ يُمْسِكُهُ رَقِيقًا، أَوْ يُكَاتِبُهُ، أَوْ يَهَبُهُ، أَوْ يُدَبِّرُهُ، وَسَوَاءٌ أَيْسَرَ الْمُعْتِقُ بَعْدَ عِتْقِهِ أَوْ لَمْ يُوسِرْ. فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَعْتَقَ الآخَرَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَى الْمُعْتِقِ وَبَقِيَ بِحَسَبِهِ، فَإِنْ كَانَ كِلاَهُمَا مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَى الَّذِي أَعْتَقَ أَوَّلاً فَقَطْ، فَلَوْ أَعْتَقَ الأَثْنَانِ مَعًا وَكَانَا غَنِيَّيْنِ قُوِّمَتْ حِصَّةُ الْبَاقِينَ عَلَيْهِمَا، فَمَرَّةً قَالَ: بِنِصْفَيْنِ، وَمَرَّةً قَالَ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا لَمْ يُنْتَظَرْ، لَكِنْ يُقَوَّمُ عَلَى الْحَاضِرِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ لأََحَدٍ قَبْلَهُ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ الَّذِي أَعْتَقَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ شِرْكِهِ وَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ حِينَ عَتَقَ الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَلَيْسَ لِمَنْ يُشْرِكُهُ أَنْ يَعْتِقُوا، وَلاَ أَنْ يُمْسِكُوا، فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَقَدْ عَتَقَ مَا عَتَقَ وَبَقِيَ سَائِرُهُ مَمْلُوكًا يَتَصَرَّفُ فِيهِ مَالِكُهُ كَمَا يَشَاءُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وقال أحمد وَإِسْحَاقُ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ بَاقِي قِيمَتِهِ، لاَ يُبَاعُ لَهُ فِي ذَلِكَ دَارُهُ، قَالَ إِسْحَاقُ: وَلاَ خَادِمُهُ وَسَكَتَا، عَنِ الْمُعْسِرِ فَمَا سَمِعْنَا عَنْهُمَا فِيهِ لَفَظَّةً.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ شِرْكِهِ وَعَتَقَ كُلُّهُ، فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي قِيمَةِ حِصَّةِ مَنْ لَمْ يَعْتِقْ وَعَتَقَ كُلُّهُ ثُمَّ

(9/193)


اخْتَلَفَ هَؤُلاَءِأَيَكُونُ حُرًّا مُذْ يَعْتِقُ الأَوَّلُ نَصِيبَهُ، وَلاَ يَكُونُ لِلآخَرِ تَصَرُّفٌ بِعِتْقٍ وَلاَ بِغَيْرِهِ أَمْ لاَ يُعْتَقُ إِلاَّ بِالأَدَاءِ وَلِمَنْ يَكُونُ وَلاَؤُهُ إنْ أُعْتِقَ بِاسْتِسْعَائِهِ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَعْتَقَ بَعْضَهُ أَوَّلاً بِمَا سَعَى فِيهِ أَمْ لاَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَعَلَى الَّذِي أَعْتَقَ أَنْصِبَاءُ شُرَكَائِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ ثَلاَثُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُضَمِّنُونَ الرَّجُلَ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَيَسْتَسْعَوْنَهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا. وَمِنْ طَرِيقِ الطَّحَاوِيَّ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْفَرَجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ: سُئِلَ أَبُو الزِّنَادِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: عَمَّنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَذَكَرَا تَضْمِينَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، أَوْ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَقَالاَ: سَمِعْنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَكَلَّمَ بِبَعْضِ ذَلِكَ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: إذَا أَعْتَقَ شِقْصًا فِي عَبْدٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي بَقِيَّتِهِ فَقُلْت لِسُلَيْمَانَ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الْعَبْدُ صَغِيرًا؟ قَالَ: كَذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: مِنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي بَقِيَّتِهِ قَالَ أُسَامَةُ: فَقُلْت لِسُلَيْمَانَ: عَمَّنْ قَالَ: جَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْن الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ: يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ قَالَ: يَضْمَنُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ تَمَامُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ ضَمِنَ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَةٌ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْهُ دِرْهَمٌ فَمَا فَوْقَهُ سَعَى الْعَبْدُ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتِقِ ضَمَانٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا يُونُسُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ قَالَ يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالاَ جَمِيعًا: إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ أَنْصِبَاءَ أَصْحَابِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ يَوْمَ أَعْتَقَهُ، وَلاَ يَتْبَعُهُ السَّيِّدُ بِمَا غَرِمَ عَنْهُ وَالْعَبْدُ غَيْرُ مُعْتَقٍ حَتَّى يُتِمَّ أَدَاءَ مَا اسْتَسْعَى فِيهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: يَسْتَسْعِي الْعَبْدَ، وَلاَ بُدَّ، إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُعْسِرًا، وَلاَ يَسْتَسْعِي إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيُعْتَقُ كُلُّهُ يَعْنِي عَلَى الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ.

(9/194)


وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: يَقُومُ الْعَبْدُ بِمَالِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ فِي مَالِ الْمُعْتِقِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مَالٌ اُسْتُسْعِيَ. وَرُوِيَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمَا قَالاَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ أَعْتَقَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا مِنْهُ فَقَالاَ: نَرَى أَنْ يَضْمَنَا عَتَاقَهُ جَمِيعًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ قُوِّمَ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ فَسَعَى الْعَبْدُ فِيهَا فَأَدَّاهَا.وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، عَنْ ثَلاَثِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَبَعْضُهُ عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: وَهُوَ السُّنَّةُ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَحَمَّادٌ وَقَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَأَمَّا هَلْ يَكُونُ حُرًّا حِينَ يَعْتِقُ الأَوَّلُ بَعْضَهُ أَمْ لاَ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ قَالُوا: هُوَ حُرٌّ سَاعَةَ يَلْفِظُ بِعِتْقِهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ هُوَ عَبْدٌ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتِقْ حَقَّهُ.وَأَمَّا مَنْ يَكُونُ وَلاَؤُهُ: فَإِنَّ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، كِلاَهُمَا قَالَ: إنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ مَالٌ فَضَمِنَهُ فَالْوَلاَءُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنْ عَتَقَ بِالأَسْتِسْعَاءِ فَالْوَلاَءُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَكُلُّ مَنْ قَالَ: هُوَ حُرٌّ حِينَ عَتَقَ بَعْضُهُ: أَنَّ وَلاَءَهُ كُلَّهُ لِلَّذِي أَعْتَقَ بَعْضَهُ: عَتَقَ عَلَيْهِ، أَوْ بِالأَسْتِسْعَاءِ. وَأَمَّا رُجُوعُهُ، أَوْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ فَإِنَّ ابْنَ لَيْلَى, وَابْنَ شُبْرُمَةَ، قَالاَ جَمِيعًا: لاَ يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْعَبْدِ، وَيَرْجِعُ الْعَبْدُ إذَا اسْتَسْعَى بِمَا أَدَّى عَلَى الَّذِي ابْتَدَأَ عِتْقَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَغَيْرُهُ: لاَ رُجُوعَ لأََحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ.
قال أبو محمد: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ يُنْظَرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ. فَوَجَدْنَا قَوْلَ رَبِيعَةَ يُشْبِهُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَنْعِهِ مِنْ هِبَةِ الْمُشَاعِ وَمِنْ الصَّدَقَةِ بِالْمُشَاعِ. وَمِنْ إجَارَةِ الْمُشَاعِ وَرَهْنِ الْمُشَاعِ. وَقَوْلُ الْحَسَنِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى الْقَاضِي فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْمُشَاعِ، وَرَهْنِ الْمُشَاعِ، وَيَحْتَجُّ لَهُ بِمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَكَرْنَا. وَلَيْسَ كُلُّ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، لأََنَّ النَّصَّ وَالنَّظَرَ يُخَالِفُ كُلَّ ذَلِكَ أَمَّا النَّصُّفَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى,وَأَمَّا النَّظَرُ فَكُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ نَصٌّ، وَقَدْ حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِتْقِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ وَأَمَرَنَا بِالرَّهْنِ، وَأَبَاحَ الْبَيْعَ وَالإِجَارَةَ، فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَمْنَعْ النَّصُّ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ بِذَلِكَ بِأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ فَقُلْنَا: وَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: كَمَا لاَ تَكُونُ امْرَأَةٌ بَعْضُهَا مُطَلَّقَةٌ، وَبَعْضُهَا زَوْجَةٌ فَقُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ثُمَّ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولُوا:

(9/195)


إذَا وَقَعَ هَذَا أُعْتِقَ كُلُّهُ كَمَا يَقُولُونَ: فِي الْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَ بَعْضَهَا وَقَالُوا هَذَا ضَرَرٌ عَلَى الشَّرِيكِ وَقَدْ جَاءَ " لاَ ضَرَرَ، وَلاَ ضِرَارَ " فَقُلْنَا: افْتِرَاقُ الْمِلْكِ أَيْضًا ضَرَرٌ فَامْنَعُوا مِنْهُ، وَأَعْظَمُ الضَّرَرِ مَنْعُ الْمُؤْمِنِ مِنْ عِتْقِ حِصَّتِهِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّقَاوُمِ فَخَطَأٌ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِهِ، عَنْ يَدِهِ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ نَصٌّ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا.وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ. وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَرَبِيعَةَ فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَجِهِمْ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ كَانَ لَهُمْ غُلاَمٌ فَأَعْتَقُوهُ كُلُّهُمْ إِلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَذَهَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَشْفِعُ بِهِ عَلَى الرَّجُلِ فَوَهَبَ الرَّجُلُ نَصِيبَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْتَقَهُ، فَكَانَ يَقُولُ: أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْمُهُ رَافِعُ أَبُو الْبَهَاءِ.
قال أبو محمد: هَذَا مُنْقَطِعٌ لأََنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ ذَلِكَ عَلَى مَعْهُودِ الأَصْلِ وَالأَصْلُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَمْلَكُ بِمَالِهِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُعْتَقَ عَلَى الْمُوسِرِ وَيُسْتَسْعَى إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَبَطَلَ بِهَذَا الْحُكْمِ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ. وَقَالُوا: هُوَ قَوْلٌ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يَصِحَّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفُهُ. فَقُلْنَاعَارَضُوا بِهَذَا الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ السُّنَنَ لأََقَلَّ مِنْ هَذَا، كَمَا فَعَلُوا فِي " الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا " وَفِي عِتْقِ صَفِيَّةَ وَجَعْلِهِ عليه الصلاة والسلام عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَتَوْرِيثِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ.وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ الثَّلْبِ، عَنْ أَبِيهِ "أن رَجُلاً أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَلَمْ يَضْمَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " فَهَذَا عَنِ ابْنِ الثَّلْبِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ عِتْقِ نَصِيبِهِ وَبَيْنَ بَيْعِ نَصِيبِهِ. قلنا: نَعَمْ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ أَوْلَى أَنْ تُتَّبَعَ، وَهُوَ عليه الصلاة والسلام يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} وَقَدْ حَكَمْتُمْ بِالْعَاقِلَةِ وَلَمْ تُبْطِلُوهَا بِهَذِهِ الآيَةِ. وَحَكَمْتُمْ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ تَقُولُوا: كُلُّ أَحَدٍ أَمْلَكُ بِحَقِّهِ. وَقَالُوا: لَوْ ابْتَدَأَ عِتْقُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لَمْ يَنْفُذْ فَكَذَلِكَ، بَلْ أَحْرَى أَنْ لاَ يَنْفُذَ إذَا لَمْ يَعْتِقْهُ، لَكِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَ نَفْسِهِ، وَقَدْ جَاءَ لاَ عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ.فَقُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ كَمَا ذَكَرْتُمْ، وَكُلُّهُ لاَ يُعَارَضُ بِهِ النَّصُّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ تُضْرَبُ السُّنَنُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. وَقَالُوا: لَوْ أَعْتَقَا مَعًا لَجَازَ

(9/196)


فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَمْلَكُ بِحَقِّهِ قلنا: نَعَمْ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُشْبِهٍ لِعِتْقِهِ بَعْدَ عِتْقِ شَرِيكِهِ، لأََنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَعَ عِتْقِ شَرِيكِهِ مَعًا، وَأَنْ يَهَبَ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ بَعْضِ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَبِيعَ بَعْدَ عِتْقِ شَرِيكِهِ، وَلاَ أَنْ يَهَبَ، وَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَكُلُّ هَذَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُشْغَبَ بِهِ لَوْ لَمْ تَأْتِ السُّنَّةُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَأَمَّا وَقَدْ جَاءَ مَا يَخُصُّ هَذَا كُلَّهُ فَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: هَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، فَخَالَفُوا صَاحِبًا لاَ يَصِحُّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفُهُ، وَخَالَفُوا أَثَرَيْنِ مُرْسَلَيْنِ، وَهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ، وَخَالَفُوا الْقِيَاسَ فأما أَبُو حَنِيفَةَ: فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ أَصْلاًوَأَمَّا مَالِكٌ: فَتَعَلَّقَ بِحَدِيثٍ نَاقِصٍ، عَنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ جَاءَ غَيْرُهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ فِي تَخْصِيصِهِ الْجَارِيَةَ الرَّائِعَةَ، فَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلاً وَاسْتِدْلاَلُهُ فَاسِدٌ، لأََنَّ الضَّرَرَ الدَّاخِلَ عَلَيْهِمْ بِالشَّرِكَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْوَطْءِ هُوَ بِعَيْنِهِ، وَلاَ زِيَادَةَ دَاخِلَةٌ عَلَيْهِمْ فِي عِتْقِ بَعْضِهَا، وَلاَ فَرْقَ، وَكِلْتَاهُمَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَلاَ فَرْقَ، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ: فَإِنَّ الْحُجَّةَ لَهُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلاَنَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ نَافِعٌ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: عَنْ جَابِرٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ جَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ وَفَاءٌ فَهُوَ حُرٌّ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَةٍ لِمَا أَسَاءَ مِنْ مُشَارَكَتِهِمْ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ" وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الأَنْصَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَ لَهُ نَصِيبٌ فِي عَبْدٍ فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُكْمِلَ عِتْقَهُ بِقِيمَةِ عَدْلٍ".
قال أبو محمد: الأَوَّلُ إنَّمَا فِيهِ حُكْمُ مَنْ لَهُ وَفَاءٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَنْ لاَ وَفَاءَ عِنْدَهُ وَأَيْضًا فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غَيْلاَنَ، وَلاَ نَعْرِفُهُ وَأَخْلَقَ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولاً لاَ يُعْتَدُّ بِهِ.وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا قَالَ: "يَضْمَنُ وَعَلَيْهِ خَلاَصُهُ" وَأَمَّا الثَّانِي، وَالثَّالِثُ فَصَحِيحَانِ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ خَبَرٌ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِمَا، فَأَخْذُ الزِّيَادَةِ أَوْلَى وَلَوْ لَمْ يَأْتِ إِلاَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ لَمَا تَعَدَّيْنَاهُمَا. وَقَالُوا: جَنَى عَلَى شُرَكَائِهِ فَوَجَبَ تَضْمِينُهُ.
قال أبو محمد: مَا جَنَى شَيْئًا بَلْ أَحْسَنَ وَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنْ عَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ يَجْعَلُونَ خَبَرَ الْمُعْتِقِ نَصِيبَهُ حُجَّةً لِقَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ فِي أَنَّ الْمُعْتَدِيَ لاَ يَضْمَنُ إِلاَّ قِيمَةَ مَا أَفْسَدَ لاَ مِثْلَ مَا أَفْسَدَ، فَإِذْ هُوَ عِنْدَهُمْ إفْسَادٌ وَهُمْ أَصْحَابُ تَعْلِيلٍ. وَقِيَاسٍ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ زُفَرَ هَذَا، وَإِلَّا فَقَدْ أَبْطَلُوا تَعْلِيلَهُمْ، وَنَقَضُوا قِيَاسَهُمْ، وَأَفْسَدُوا احْتِجَاجَهُمْ

(9/197)


وَتَرَكُوا مَا أَصَّلُوا وَهَذِهِ صِفَاتٌ شَائِعَةٌ فِي أَكْثَرِ أَقْوَالِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ لأََنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلاَ تَابِعٍ وَلاَ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ، وَلاَ بِقِيَاسٍ، وَلاَ بِرَأْيٍ سَدِيدٍ وَلاَ احْتِيَاطٍ، بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ. وَمَا وَجَدْنَاهُمْ مَوَّهُوا إِلاَّ بِكَذِبٍ فَاضِحٍ مِنْ دَعْوَاهُمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ عُمَرَ، وَكَذَبُوا كَمَا يَرَى كُلُّ ذِي فَهْمٍ مِمَّا أَوْرَدْنَا. وَحَكَمُوا بِالأَسْتِسْعَاءِ وَخَالَفُوا حَدِيثَ الأَسْتِسْعَاءِ فِي إجَازَتِهِمْ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ أَنْ يَعْتِقَ، وَأَنْ يَضْمَنَ فِي حَالِ إعْسَارِ الشَّرِيكِ وَأَجَازُوا لَهُ أَنْ يَعْتِقَ وَمَنَعُوهُ أَنْ يَحْتَبِسَ. ثُمَّ أَتَوْا بِمَقَايِيسَ سَخِيفَةٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ عِنْدَهُمْ قَدْ يَعْجِزُ فَيُرَقُّ وَلاَ يُرَقُّ عِنْدَهُمْ الْمُسْتَسْعَى، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُفَارِقُوا فِيهِ الْكَذِبَ الْبَارِدَ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ كُلَّ فَصْلٍ مِنْ قَوْلِنَا مَوْجُودٌ فِي حَدِيثٍ مِنْ الأَحَادِيثِ. قلنا: وَمَوْجُودٌ أَيْضًا خِلاَفُهُ بِعَيْنِهِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، فَمِنْ أَيْنَ أَخَذْتُمْ مَا أَخَذْتُمْ وَتَرَكْتُمْ مَا تَرَكْتُمْ هَكَذَا مُطَارَفَةًوَأَيْضًا فَلاَ يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ خِيَارٌ فِي تَضْمِينِ الْمُوسِرِ أَوْ تَرْكِ تَضْمِينِهِ، وَلاَ رُجُوعَ الْمُوسِرِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلاَ تَضْمِينَ الْعَبْدِ فِي حَالِ يَسَارِ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَسَائِرُ الأَقْوَالِ لاَ مُتَعَلَّقَ لَهَا أَصْلاً وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ".
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلاً وَهُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ خَبَرٌ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَزَادَ فِي هَذَا الْخَبَرِ "وَرَقَّ مِنْهُ مَا رَقّ" وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهَا لاَ ثِقَةٌ وَلاَ ضَعِيفٌ وَلاَ يَجُوزُ الأَشْتِغَالُ بِمَا هَذِهِ صِفَتُهُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ " دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ الْمُعْسِرِ أَصْلاً وَإِنَّمَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ قَدْ "عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ " وَبَقِيَ حُكْمُ الْمُعْسِرِ فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ لَفْظَةَ "وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ" إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ نَافِعٍ، وَلَسْنَا نَلْتَفِتُ إلَى هَذَا، لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ، لَكِنْ يَنْبَغِي طَلَبُ الزِّيَادَةِ فَإِذَا وُجِدَتْ صَحِيحَةً وَجَبَ الأَخْذُ بِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا فَوَجَدْنَا الْحُجَّةَ لَهُ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ كِلاَهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلاَصُهُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ

(9/198)


فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ" .وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ الْكَشِّيُّ حَدَّثَنَا أَبَانُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ" .وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ سَمِعْتُ قَتَادَةَ، وَقَالَ أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ اتَّفَقَا عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي عَبْدٍ عَتَقَ كُلُّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اُسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ" وَقَدْ سَمِعَ قَتَادَةُ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ بَقِيَّتَهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ" وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ فَلاَ يَجُوزُ الْخُرُوجُ، عَنِ الزِّيَادَةِ الَّتِي فِيهِ فَقَالَ قَوْمٌ: قَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرُ شُعْبَةُ، وَهَمَّامٌ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ فَلَمْ يَذْكُرُوا مَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ.
قال أبو محمد: فَكَانَ مَاذَا؟ وَابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ثِقَةٌ فَكَيْفَ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَرِيرٌ، وَأَبَانُ، وَهُمَا ثِقَتَانِ. فإن قيل: فَإِنَّ هَمَّامًا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ قلنا: صَدَقَ هَمَّامٌ، قَالَ قَتَادَةُ مُفْتِيًا بِمَا رَوَى وَصَدَقَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَجَرِيرٌ وَأَبَانُ وَمُوسَى بْنُ خَلَفٍ وَغَيْرُهُمْ، فَأَسْنَدُوهُ عَنْ قَتَادَةَ وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُ قَتَادَةَ هَذَا لَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِالتَّضْمِينِ جُمْلَةً زَائِدَةً عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ، فَكَانَ يَكُونُ الْقَوْلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ، وَهَذَا لاَ مُخَلِّصَ لَهُ عَنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ حُرٌّ سَاعَةَ يُعْتَقُ بَعْضُهُ، فَإِنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ قَالَ " ثُمَّ يُعْتَقُ " وَكَانَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ الَّتِي ذَكَرْنَا " عَتَقَ كُلُّهُ " فَكَانَتْ هَذِهِ زِيَادَةً لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا، فَإِذْ قَدْ عَتَقَ كُلُّهُ فَوَلاَؤُهُ لِلَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا رُجُوعُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ فَبَاطِلٌ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلْزَمَ الْغَرَامَةَ لِلْمُعْتِقِ فِي يَسَارِهِ وَأَلْزَمَهَا الْعَبْدَ الْمُعْتَقَ فِي إعْسَارِ الْمُعْتِقِ وَلَمْ يَذْكُرْ رُجُوعًا فَلاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ الْقَضَاءُ بِرُجُوعٍ فِي ذَلِكَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لاَ يَفِي بِجَمِيعِ قِيمَةِ الْعَبْدُ فَلاَ غَرَامَةَ عَلَى الْمُعْتِقِ لَكِنْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدَ وَهَذَا مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ وَبِهِ يَقُولُ حَمَّادٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/199)


1666 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ بِلاَ اسْتِسْعَاءٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ بَعْضِ عَبْدِهِ أَعْتَقَ مَا أَوْصَى بِهِ وَأَعْتَقَ بَاقِيهِ وَاسْتُسْعِيَ فِي قِيمَةِ مَا زَادَ عَلَى مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَلَمْ يَحْمِلْهُ ثُلُثُهُ أُعْتِقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَأُعْتِقَ بَاقِيهِ وَاسْتُسْعِيَ لِوَرَثَتِهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلاَ يُعْتَقُ فِي ثُلُثِهِ، لأََنَّ مَا لَمْ يُوصِ بِهِ الْمَيِّتُ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ فَالْوَرَثَةُ شُرَكَاؤُهُ فِيمَا أَعْتَقَ وَلاَ مَالَ لِلْمَيِّتِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَسْعَى لَهُمْ.رُوِّينَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: مَنْ أَعْتَقَ ثُلُثَ مَمْلُوكِهِ فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: "مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ". وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَكَمِ، وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ فَمِنْ ثُلُثِهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ اُسْتُسْعِيَ لِلْوَرَثَةِ وَعَتَقَ كُلُّهُ. وقال أبو حنيفة: إنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فِي صِحَّتِهِ عَتَقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ وَاسْتُسْعِيَ لَهُ فِي بَاقِيهِ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ.وقال أبو حنيفة" "فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ بَعْضِهِ عَتَقَ مِنْهُ مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ وَسَعَى لِلْوَرَثَةِ فِي الْبَاقِي"، فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ جُمْلَةً؟ وقال مالك: إنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدٍ فِي صِحَّتِهِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ كُلَّهُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ بَاقِيه مَا حُمِلَ مِنْهُ الثُّلُثُ وَيَبْقَى الْبَاقِي رَقِيقًا، فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ بَعْضِ عَبْدِهِ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إِلاَّ مَا أَوْصَى بِهِ فَقَطْ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مَسْعُودٍ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ" يُعْتِقُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ مِنْ غُلاَمِهِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا.

(9/200)


ومن ملك ذا رجم محرمة فهو حر
...
1667 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ يَمْلِكُهُ، فَإِنْ مَلَكَ بَعْضَهُ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ إِلاَّ الْوَالِدَيْنِ خَاصَّةً، وَالأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ فَقَطْ، فَإِنَّهُمْ يُعْتَقُونَ عَلَيْهِ كُلُّهُمْ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَحْمِلُ قِيمَتَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَحْمِلُ قِيمَتَهُمْ اسْتُسْعُوا. وَهُمْ كُلُّ مَنْ وَلَدَهُ مِنْ جِهَةِ أُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ أَبٍ. وَكُلُّ مَنْ وَلَدَهُ هُوَ مِنْ جِهَةِ وَلَدٍ أَوْ ابْنَةٍ وَالأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَإِنْ عَلَوْا كَيْفَ كَانُوا لأَُمٍّ أَوْ لأََبٍ، وَالأَخَوَاتُ وَالإِخْوَةُ كَذَلِكَ. وَمَنْ نَالَتْهُ وِلاَدَةُ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ بِأَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. وَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَهُ أَبٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدٌّ أَوْ جَدَّةٌ أُجْبِرَ عَلَى ابْتِيَاعِهِمْ بِأَغْلَى قِيمَتِهِمْ وَعِتْقِهِمْ إذَا أَرَادَ سَيِّدُهُمْ بَيْعَهُمْ فَإِنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ غَيْرَ مَحْرَمَةٍ أَوْ مَلَكَ ذَا مَحْرَمٍ بِغَيْرِ رَحِمٍ لَكِنْ بِصِهْرٍ أَوْ وَطْءِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُهُمْ وَلَهُ بَيْعُهُمْ إنْ شَاءَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَعْتِقُ إِلاَّ مَنْ وَلَدَهُ مِنْ جِهَةِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ مَنْ وَلَدَهُ هُوَ

(9/200)


كَذَلِكَ أَوْ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَقَطْ. وَلاَ يَعْتِقُ الْعَمُّ، وَلاَ الْعَمَّةُ، وَلاَ الْخَالُ، وَلاَ الْخَالَةُ، وَلاَ مَنْ وَلَدَ الأَخُ أَوْ الأُُخْتُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَصَحَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَرُوِيَ، عَنْ رَبِيعَةَ وَمَكْحُولٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ، وَلاَ رُوِيَ عَنْهُمْ: أَنَّ مَنْ عَدَا هَؤُلاَءِ لاَ يَعْتِقُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَعْتِقُ إِلاَّ مَنْ وَلَدَهُ مِنْ جِهَةِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ، وَمَنْ وَلَدُهُ هُوَ كَذَلِكَ، وَلاَ يَعْتِقُ غَيْرُ هَؤُلاَءِ لاَ أَخٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: "لاَ يَعْتِقُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ" وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ: "يَعْتِقُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَحْرَمَةٍ حَتَّى ابْنُ الْعَمِّ، وَابْنُ الْخَالِ فَإِنَّهُمَا يَعْتِقَانِ عَلَيْهِ وَيَسْتَسْعِيهِمَا".
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ فَإِنْ ذَكَرُوا أَنَّهُ رُوِيَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدَ عَتَقَ. قلنا: نَعَمْ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ هَذَا أَيْضًا فِي كُلِّ ذِي رَحِمٍ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ " إذَا مَلَكَ الْوَالِدُ الْوَلَدَ عَتَقَ " أَنَّ غَيْرَهُمَا لاَ يُعْتِقُ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً إِلاَّ دَعْوَى الإِجْمَاعِ عَلَى عِتْقِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ فَمَا يُحْفَظُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ عَنْ عِشْرِينَ مِنْ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ وَهُمْ أُلُوفٌ فَأَيْنَ الإِجْمَاعُ فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا} قلنا: أَتِمُّوا الآيَةَ {وَبِذِي الْقُرْبَى} فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:فِي الْوَالِدَيْنِ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ} قَالُوا: وَلاَ يُمْكِنُ خَفْضُ الْجُنَاحِ وَالذُّلِّ لَهُمَا مَعَ اسْتِرْقَاقِهِمَا. قَالُوا: وَأَمَّا الْوَلَدُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} قَالُوا: فَوَجَبَ أَنَّ الرِّقَّ، وَالْوِلاَدَةَ لاَ يَجْتَمِعَانِ. قَالُوا: وَأَمَّا الأَخُ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ مُوسَى عليه الصلاة والسلام: {إنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} قَالُوا: فَكَمَا لاَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ كَذَلِكَ لاَ يَمْلِكُ أَخَاهُ. وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى السَّاجِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ الْقَارِئُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْلًى يُقَالُ لَهُ صَالِحٌ اشْتَرَى أَخًا لَهُ مَمْلُوكًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ عَتَقَ حِينَ مَلَكْتَهُ".
قال أبو محمد: وَهَذَا أَثَرٌ فَاسِدٌ، لأََنَّ حَفْصَ بْنَ سُلَيْمَانَ سَاقِطٌ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى سِيءُ الْحِفْظِ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إرْقَاقُ مَنْ عَدَا الأَخِوَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} فَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ، عَنْ مَوَاضِعِهِ وَتَخْلِيطٌ سَمِجٌ. وَلَوْ كَانَ هَذَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى أَنَّ الأَخَ يُمْلَكُ لَكَانَ أَدْخَلَ فِي الشُّبْهَةِ، لأََنَّ فِيهِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ عَلَى الأَخِ وَالنَّفْسِ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقَعَ لأََحَدٍ مِلْكُ رِقٍّ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ مُحَالاً مِلْكُ أَخِيهِ وَأَبِيهِ، وَلاَ يَجُوزُ قِيَاسُ الأَخِ عَلَى النَّفْسِ لأََنَّ

(9/201)


الإِنْسَانَ يَصْرِفُ نَفْسَهُ فِي الطَّاعَةِ أَوْ الْمَعْصِيَةِ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَمْلِكُ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ مُوسَى عليه الصلاة والسلام إنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فِي الْجِهَادِ، وَلاَ يَصْرِفُ أَخَاهُ كَذَلِكَ، وَلاَ يُطِيعُهُ فَفَسَدَ هَذَا الْقِيَاسُ الْبَارِدُ الَّذِي لَمْ يُسْمَعْ قَطُّ بِأَسْخَفَ مِنْهُ, وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} فَلاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُسْتَدَلَّ مِنْ هَذَا عَلَى عِتْقِ الأَبْنِ، وَلاَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُمْلَكُ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الآيَةِ وَلَيْسَ فِيهَا إِلاَّ الْخَبَرَ عَنْهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ لاَ أَوْلاَدٌ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَوَجَبَ عِتْقُ الزَّوْجَةِ وَالشَّرِيكِ إذَا مُلِكَا لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى انْتَفَى عَنِ الْوَلَدِ سَوَاءً سَوَاءً وَأَخْبَرَ أَنَّ الْكُلَّ عَبِيدُهُ، وَلاَ فَرْقَ فَسَقَطَ احْتِجَاجُهُمْ جُمْلَةً، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ, وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لاَ يَعْتِقُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ".
قال أبو محمد: هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} فَافْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرَ الأَبَوَيْنِ وَجَزَاؤُهُمَا هُوَ مِنْ شُكْرِهِمَا، فَجَزَاؤُهُمَا فَرْضٌ، فَإِذْ هُوَ فَرْضٌ، وَجَزَاؤُهُمَا لاَ يَكُون إِلاَّ بِالْعِتْقِ فَعِتْقُهُمَا فَرْضٌ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ نَظَرْنَا: فِيمَا احْتَجَّ بِهِ الأَوْزَاعِيِّ فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّتِهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} .
قال علي: وهذا لاَ يُوجِبُ الْعِتْقَ، لأََنَّ الإِحْسَانَ فُرِضَ إلَى الْعَبِيدِ، وَلاَ يَقْتَضِي ذَلِكَ عِتْقَهُمْ فَرْضًا وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ فِي ابْنِ الْعَمِّ، وَابْنِ الْخَال لَوَجَبَ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ، لأََنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ فِي أَبٍ بَعْدَ أَبٍ إلَى آدَمَ عليه السلام، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ بِهَذَا ابْنَ الْعَمِّ، وَابْنَ الْخَالِ: دُونَ ابْنِ ابْنِ الْعَمِّ وَابْنِ ابْنِ الْخَالِ، وَهَكَذَا صَعَدًا، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِنَا فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ أَبُو عُمَيْرٍ الرَّمْلِيُّ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ الْفَاخُورِيُّ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ" فَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ كُلُّ رُوَاتِهِ ثِقَاتٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَقَدْ تَعَلَّلَ فِيهِ الطَّوَائِفُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنَّ ضَمْرَةَ انْفَرَدَ بِهِ وَأَخْطَأَ فِيهِ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا إذَا انْفَرَدَ بِهِ وَمَتَى لَحِقْتُمْ بِالْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنْ لاَ تَقْبَلُوا مَا رَوَاهُ الْوَاحِدُ، عَنِ الْوَاحِدِ، وَكَمْ خَبَرٌ انْفَرَدَ بِهِ رَاوِيهِ فَقَبِلْتُمُوهُ، وَلَيْتَكُمْ لاَ تَقْبَلُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ، كَابْنِ لَهِيعَةَ، وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَغَيْرِهِ فأما دَعْوَى أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ فَبَاطِلٌ، لأََنَّهَا دَعْوَى بِلاَ برهان وَهَذَا مَوْضِعٌ قَبِلَهُ الْحَنَفِيُّونَ وَقَالُوا بِهِ، وَلَمْ يَرَوْا انْفِرَادَ ضَمْرَةَ بِهِ عِلَّةً، ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ

(9/202)


السَّيِّدُ" فَقَالُوا انْفَرَدَ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَخْطَأَ فِيهِ، فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ إذَا رَأَى الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحًا وَعَمِلُوا بِهِ وَلَمْ يَرَوْا انْفِرَادَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ بِهِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ خَطَأٌ فِيهِ حُجَّةٌ فِي رَدِّهِ وَتَرْكِهِ وَرَأَى الْحَنَفِيُّونَ انْفِرَادَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ بِهَذَا الْخَبَرِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِهِ وَرَدِّهِ، وَلَمْ يَرَوْا انْفِرَادَ ضَمْرَةَ بِذَلِكَ الْخَبَرِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِهِ وَرَدِّهِ، فَهَلْ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى التَّلاَعُبِ بِالدَّيْنِ وَقِلَّةِ الْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ بِاتِّبَاعِ الْهَوَى. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ وَقَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ فَصَحَّحَ الْحَنَفِيُّونَ هَذَا الْخَبَرَ وَرَأَوْهُ حُجَّةً وَقَالُوا: لاَ يَضُرُّهُ مَا قِيلَ: أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ، وَالْمُنْقَطِعُ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، ثُمَّ أَتَوْا إلَى مُرْسَلٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثٌ فَقَالُوا: لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةً. وَقَلَبَ الْمَالِكِيُّونَ هَذَا الْعَمَلَ فَرَأَوْا رِوَايَةَ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ فِي عُهْدَةِ الرَّقِيقِ حُجَّةً لاَ يَضُرُّهُ مَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ، وَالْمُنْقَطِعُ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَلَمْ يَرَوْا خَبَرَ عِتْقِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ حُجَّةً، لأََنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ شَيْئًا، وَالْمُنْقَطِعُ لاَ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ عَقَلَ وَنَصَحَ نَفْسَهُ.
قال أبو محمد: فَبَطَلَتْ الأَقْوَالُ إِلاَّ قَوْلُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْخُشَنِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ الضَّحَّاكُ ابْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ.وبه إلى بِنْدَارَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ شُعْبَةُ، عَنْ غَيْلاَنَ وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، كِلاَهُمَا، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ، هُوَ ابْنُ الأَحْنَفِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَهُ: إنَّ عَمِّي زَوَّجَنِي جَارِيَةً لَهُ، وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَرِقَّ وَلَدِي فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ فَهُوَ حُرٌّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالاَ جَمِيعًا: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ عَتَقَ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا مُلِكَ الأَخُ وَالأُُخْتُ وَالْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ عَتَقُوا.وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالاَ جَمِيعًا: كُلُّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ عَتَقَ,

(9/203)


وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَبِي حَنِيفَةَ َجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَصَاحِبَيْنِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ الْحَسَنِ: مَنْ مَلَكَ أَخَاهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ عَتَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مَقَتَ رَجُلاً أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ جَارِيَةً لَهُ أَرْضَعَتْ وَلَدَهُ.
قال أبو محمد: وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا حُجَّةً إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَكَانَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقِيسُوا الأُُمَّ مِنْ الرَّضَاعِ، وَالأَبَ مِنْ الرَّضَاعِ، وَالْوَلَدِ مِنْ الرَّضَاعِ وَالأَخِ مِنْ الرَّضَاعِ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ، لاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ" فَهَذَا أَصَحُّ مِنْ كُلِّ قِيَاسٍ قَالُوا بِهِ.
قال أبو محمد: ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَرَأَيْنَا مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنْ قَالُوا: إنَّ السُّنَّةَ تُوجِبُ أَنْ يُعْتَقَ ذَوُو الْمَحَارِمِ مِنْ الرَّضَاعِ أَيْضًا، وَلاَ بُدَّ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ" .وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ " وَوَجَدْنَا " يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ، وَمِنْ النَّسَبِ " تَمَادِي مِلْكِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ وَذِي نَسَبٍ مَحْرَمٍ، فَوَجَبَ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَحْرُمَ تَمَادِي الْمِلْكِ فِيمَنْ يَمُتُّ بِالرَّضَاعَةِ كَذَلِكَ، وَلاَ بُدَّ. فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الأَحْتِجَاجِ فَوَجَدْنَاهُ شَغَبِيًّا: أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّ مِلْكَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ لَيْسَ حَرَامًا، بَلْ هُوَ صَحِيحٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ " فَأَوْقَعَ الْمِلْكَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَلْزَمَ الْعِتْقَ وَلَوْ لاَ صِحَّةَ مِلْكِهِ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ. ثُمَّ وَجَدْنَا قَوْلَهُمْ: إنَّ تَمَادِيَ مِلْكِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ يَحْرُمُ خَطَأٌ، لأََنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا إِلاَّ تَحْرِيمَ تَمَادِي الْمِلْكِ لَكَانَ الْعِتْقُ لاَ يَجِبُ، وَلاَ بُدَّ، بَلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَهَبَهُ فَيَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ، أَوْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَيَبْطُلُ بِهَذَا مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ تَمَادِيَ الْمِلْكِ يَحْرُمُ، وَكَانَ الْحَقُّ أَنْ يَقُولُوا: إنَّ الْعِتْقَ يَجِبُ عَقِيبَ الْمِلْكِ بِلاَ فَصْلٍ، وَلاَ مُهْلَةٍ، وَلَمْ يَقُلْ عليه الصلاة والسلام: إنَّهُ يَجِبُ فِي الرَّضَاعِ مَا يَجِبُ فِي النَّسَبِ، وَمَا يَجِبُ فِي الرَّحِمِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا لَوَجَبَ الْعِتْقُ كَمَا قَالُوا وَإِنَّمَا قَالَ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ وَمِنْ الرَّحِمِ فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ النِّكَاحُ وَالتَّلَذُّذُ فَقَطْ، فَهُوَ حَرَامٌ فِيهِمَا مَعًا وَأَمَّا

(9/204)


مَنْ مَلَكَ بَعْضَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ فَلَمْ يَمْلِكْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ، إذْ لَمْ يُوجِبْ النَّصُّ ذَلِكَ,وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الْوَالِدَيْنِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ، فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالاَ جَمِيعًا: ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ، هُوَ ابْنُ حَازِمٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ" قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ " وَالِدَهُ " وَاتَّفَقَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ.وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ" وَاسْمُ " الْوَالِدِ " يَقَعُ عَلَى الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ مَا لَمْ يَخُصَّهُمَا نَصٌّ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمَا يَشْتَرِي بِهِ الرَّقَبَةَ الْوَاجِبَةَ لِلْعِتْقِ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرّ" ٌ فَوَلَدُ الْعَبْدِ مِنْ أَمَتِهِ حُرٌّ عَلَى أَبِيهِ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: الْيَتِيمُ أُمُّهُ مُحْتَاجَةٌ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً أَتُعْتَقُ فِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ يُكْرَهُ عَلَى إعْتَاقِهَا إنْ لَمْ يَتَمَتَّعُوا بِهَا وَيَحْتَاجُوهُ.

(9/205)


1668 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى ثَمَنِ مَمْلُوكِهِ أَوْ غَلَّتِهِ أَوْ خِدْمَتِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ، إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، مَجْنُونًا أَوْ عَاقِلًا، غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا، وَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ بِحُكْمِ السُّلْطَانِ وَبِغَيْرِ حُكْمِ السُّلْطَانِ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا حَدِيثُ الْمُدَبَّرِ نَفْسَهُ، رَوَاهُ: عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ، كُلُّهُمْ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهُ قُلْنَا: لَوْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَا خَبَرَيْنِ فِي عَبْدَيْنِ لَكَانَ مَا قُلْتُمْ حَقًّا وَأَمَّا إذْ فِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَا خَبَرَيْنِ فِي عَبْدَيْنِ يَبْتَاعُهُمَا مَعًا نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ، فَلَا يَحِلُّ الْقَطْعُ بِأَنَّهُمَا خَبَرٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَاذِبًا، قَافِيًا مَا لَا عَلِمَ لَهُ بِهِ. وَأَمَّا مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ، فَمَا يُبَالِي أَعْتَقَهُ أَوْ لَمْ يَعْتِقْهُ، وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ، بَلْ هُوَ حُرٌّ وَلَا بُدَّ. وَمَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَلَا غِنًى بِهِ عَنْهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذْ هُوَ بَاطِلٌ فَلَمْ يَعْتِقْهُ، فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْتَقَ وَالِدَيْنِ مُحِيطٌ بِمَالِهِ رُدَّ عِتْقُهُ - وَلَا نَصَّ لَهُ فِي ذَلِكَ.

(9/205)


1669 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ عِتْقُ مَنْ لاَ يَبْلُغُ، وَلاَ عِتْقُ مَنْ لاَ يَعْقِلُ مِنْ سَكْرَانَ أَوْ مَجْنُونٍ وَلاَ عِتْقَ مُكْرَهٍ وَلاَ مَنْ لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ، لَكِنْ أَخْطَأَ لِسَانُهُ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا وَحْدَهُ إنْ قَامَتْ

(9/205)


1670 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا، أَوْ إلَى سَنَةٍ، أَوْ إلَى بَعْدَ مَوْتِي أَوْ إذَا جَاءَ أَبِي أَوْ إذَا أَفَاقَ فُلاَنٌ، أَوْ إذَا نَزَلَ الْمَطَرُ أَوْ نَحْوُ هَذَا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ الأَجَلُ فَإِنْ بَاعَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِلْكِهِ فَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ الْعَقْدُ وَلاَ عِتْقَ لَهُ بِمَجِيءِ ذَلِكَ الأَجَلِ وَلاَ رُجُوعَ لَهُ فِي عَقْدِهِ ذَلِكَ أَصْلاً، إِلاَّ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ لأََنَّ هَذَا الْعِتْقَ إمَّا وَصِيَّةٌ وَأَمَّا نَذْرٌ وَكِلاَهُمَا عَقْدٌ صَحِيحٌ قَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالْوَفَاءِ بِهِمَا فَلَوْ عَلَّقَ

(9/206)


الْعِتْق بِمَعْصِيَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ طَاعَةٍ، وَلاَ مَعْصِيَةَ: لَمْ يَجُزْ الْعِتْقُ، لأََنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ مُحَرَّمٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ" وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَكُنْ حُرًّا حَتَّى يَقُولَ: لِلَّهِ وَهَذَا حَقٌّ لأََنَّ الْعِتْقَ عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَبِرٌّ وَقُرْبَةٌ إلَيْهِ تَعَالَى فَكُلُّ عِبَادَةٍ وَقُرْبَةٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَعَالَى مُخْلِصًا لَهُ بِهَا فَهِيَ بَاطِلٌ مَرْدُودَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ فَاسِدَةٌ مِنْهَا "مَنْ أَعْتَقَ لاَعِبًا فَقَدْ جَاز"َ وَهُوَ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ مُرْسَلٌ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَأَرْبَعٌ مُقْفَلاَتٌ لاَ يَجُوزُ فِيهِنَّ الْهَزْلُ الطَّلاَقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْعَتَاقَةُ، وَالنَّذْرُ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ، لأََنَّهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يَسْمَعْ سَعِيدٌ مِنْ عُمَرَ شَيْئًا إِلاَّ نَعْيَهُ النُّعْمَانُ بْنُ مُقْرِنٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ، لأََنَّ ظَاهِرَهُ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ، بَلْ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا، لأََنَّ الْهَزْلَ لاَ يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّذْرِ، فَإِذْ لاَ يَجُوزُ فِيهَا فَهِيَ غَيْرُ وَاقِعَةٍ بِهِ، هَذَا مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ كَمَا يُرِيدُونَ فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ وَهُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ، عَنْ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ عُمَرَ: ثَلاَثٌ اللَّاعِبُ فِيهِنَّ وَالْجَادُّ سَوَاءٌ الطَّلاَقُ وَالصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ ثُمَّ هُمْ مُخَالِفُونَ لِهَذَا لأََنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ صَدَقَةَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا فَبَعْضُ كَلاَمٍ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ حُجَّةً، وَبَعْضُهُ لَيْسَ حُجَّةً، هَذَا اللَّعِبُ بِالدِّينِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ثَلاَثٌ اللَّاعِبُ فِيهِنَّ كَالْجَادِّ النِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَالْعَتَاقُ هَذَا مُرْسَلٌ وَلَمْ يُدْرِكْ الْحَسَنُ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَلِيٍّ: ثَلاَثٌ لاَ لَعِبَ فِيهِنَّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَالْعَتَاقُ، جَابِرٌ كَذَّابٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ ظَاهِرُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا لاَ لِقَوْلِهِمْ، وَهُوَ إبْطَالُ اللَّعِبِ فِيهِنَّ فَإِذًا بَطَلَ مَا وَقَعَ مِنْهَا بِاللَّعِبِ.وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بَلَغَنِي أَنَّ مَرْوَانَ أَخَذَ مِنْ عَلِيٍّ: أَرْبَعٌ لاَ رُجُوعَ فِيهِنَّ إِلاَّ بِالْوَفَاءِ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنَّذْرُ وَنَعَمْ، كُلُّ هَذِهِ إذَا وَقَعَتْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي دِينِ الإِسْلاَمِ فَالْوَفَاءُ بِهَا فَرْضٌ وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ كَمَا أَمَرَ إبْلِيسُ، فَلاَ، وَلاَ كَرَامَةَ لِلآمِرِ وَالْمُطِيعِ ثُمَّ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرٌ لِلإِكْرَاهِ عَلَى الْعِتْقِ وَجَوَازُهُ، فَوَضَحَ بُطْلاَنُ قَوْلِهِمْ بِلاَ شَكٍّ,وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَأْتِ الأَجَلُ، فَلأََنَّهُ عَبْدٌ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحُرِّيَّةَ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الآجَالِ الْمَذْكُورَةِ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ قَدْ يَجِيءُ ذَلِكَ الأَجَلُ وَالْعَبْدُ مَيِّتٌ أَوْ السَّيِّدُ مَيِّتٌ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ أَخْرَجَهُ، عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ بِمَجِيءِ ذَلِكَ الأَجَلِ، فَلأََنَّهُ قَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} وَكُلُّ شَيْءٍ بَطَلَ بِحَقٍّ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ

(9/207)


إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِعَوْدَتِهِ وَلاَ نَصَّ فِي عَوْدَةِ هَذَا الْعَقْدِ بَعْدَ بُطْلاَنِهِ وَأَمَّا قَوْلُنَا: لاَ رُجُوعَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ، إِلاَّ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ فَقَطْ، فَلأََنَّهَا كُلَّهَا عُقُودٌ صِحَاحٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ إبْطَالُهُ، إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِكَيْفِيَّةِ إبْطَالِهِ فِي ذَلِكَ أَصْلاً فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ عَقْدٍ صَحِيحٍ أَصْلاً، إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ نَصٌّ بِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/208)


1671 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمُسْلِمِ عِتْقُ عَبْدِهِ الْكِتَابِيِّ فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ وَأَرْضِ الْحَرْبِ مَلِكَهُ هُنَالِكَ أَوْ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم: " فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ" وَلِحَضِّهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْعِتْقِ جُمْلَةً، إِلاَّ أَنَّ عِتْقَ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ أَجْرًا وَكَذَلِكَ عِتْقُ الْكَافِرِ لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ جَائِزٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ حَكِيمٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ عَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ" فَجَعَلَ عِتْقَ الْعَبْدِ الْكَافِرِ خَيْرًا. فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ سَيِّدُهُ الْمُسْلِمُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ الْمُعْتِقُ وَالْمُعْتَقُ لأََنَّ الْوَلاَءَ لِلْمُعْتِقِ عُمُومًا قَالَ عليه الصلاة والسلام: "الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالآخَرُ كَافِرًا لَمْ يَتَوَارَثَا لأَخْتِلاَفِ الدِّينِ.

(9/208)


1672 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ أَوْ الْحَرْبِيِّ عَبْدٌ كَافِرٌ فَأَسْلَمَا مَعًا فَهُوَ عَبْدُهُ، كَمَا كَانَ، فَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ سَيِّدِهِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ يُسْلِمُ، وَلاَ وَلاَءَ عَلَيْهِ لأََحَدٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} وَالرِّقُّ أَعْظَمُ السَّبِيلِ.وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ لَنَا عَلَى أَنَّهُ إنْ خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ حُرٌّ، وَمَا نَدْرِي لِلْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ حُكْمًا، لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِنَظَرٍ فإن قيل: أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ عَبِيدِ الْكُفَّارِ.قلنا: هَذِهِ حُجَّتُنَا وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ بِالْخُرُوجِ أَعْتَقَهُ وَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام قَطُّ ذَلِكَ ثُمَّ يَقُولُونَ: إنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْكَافِرِ بِيعَ عَلَيْهِ فَقُلْنَا: لِمَاذَا تَبِيعُونَهُ أَلأََنَّهُ لاَ يَجُوزُ مِلْكُهُ لَهُ أَمْ لِنَصٍّ وَرَدَ فِي بَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَهُ جَائِزًا، وَلاَ سَبِيلَ إلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَفَإِنْ قَالُوا: لأََنَّ مِلْكَهُ لَهُ لاَ يَجُوزُقلنا: فَإِذْ لاَ يَحِلُّ مِلْكُهُ لَهُ فَقَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِلاَ شَكٍّ، وَإِلَّا فَكَلاَمُكُمْ مُخْتَلِطٌ مُتَنَاقِضٌ وَإِذْ قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَعْدُ مِلْكٍ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ بِلاَ شَكٍّ حُرٌّ، إذْ هَذِهِ صِفَةُ الْحُرِّ. وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَهُ جَائِزًا فَبَيْعُكُمْ إيَّاهُ ظُلْمٌ وَبَاطِلٌ وَجَوْرٌ. وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا قَضَيْتُمْ بِهِ مِنْ إبْقَائِهِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ حَتَّى يُبَاعَ وَلَعَلَّهُ لاَ يَسْتَبِيعُ إِلاَّ بَعْدَ سَنَةٍ وَبَيْنَ مَنْعِكُمْ مِنْ مِلْكِهِ مُتَمَادِيًا وَهَذَا مَا لاَ سَبِيل لَهُ إلَى وُجُودِ فَرْقٍ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُوَأَمَّا سُقُوطُ الْوَلاَءِ عَنْهُ فَلأََنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ وَلاَ وَلاَءَ إِلاَّ لِلْمُعْتِقِ أَو لِمَنْ أَوْجَبَهُ النَّصّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/208)


وعتق ولد الزنا جائز
...
1673 - مَسْأَلَةٌ: وَعِتْقُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزٌ، لأََنَّهُ رَقَبَةٌ مَمْلُوكَةٌ، وَقَدْ جَاءَتْ أَخْبَارٌ بِخِلاَفِ

(9/208)


ومن قال : أحد عبدى هذين حر فليس منهما حر وكلاهما عبدا
...
1674- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: أَحَدُ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ حُرٌّ. فَلَيْسَ مِنْهُمَا حُرٌّ وَكِلاَهُمَا عَبْدٌ كَمَا كَانَ، وَلاَ يُكَلَّفُ عِتْقَ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ هَذَا بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ حُرًّا، إذْ لَمْ يَعْتِقْهُ سَيِّدُهُ، وَلاَ أَعْتَقَ هَذَا الآخَرَ أَيْضًا بِعَيْنِهِ، فَلَيْسَ أَيْضًا حُرًّا، إذْ لَمْ يَعْتِقْهُ سَيِّدُهُ، فَكِلاَهُمَا لَمْ يَعْتِقْهُ سَيِّدُهُ، فَكِلاَهُمَا عَبْدٌ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلاَ يَجُوزُ إخْرَاجُ مِلْكِهِ، عَنْ يَدِهِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ.

(9/209)


1675 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَطَمَ خَدَّ عَبْدِهِ أَوْ خَدَّ أَمَتِهِ بِبَاطِنِ كَفِّهِ فَهُمَا حُرَّانِ سَاعَتَئِذٍ إذَا كَانَ اللَّاطِمُ بَالِغًا مُمَيِّزًا وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَهُمَا أَوْ حَدَّهُمَا حَدًّا لَمْ يَأْتِيَاهُ فَهُمَا حُرَّانِ بِذَلِكَ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَمْلُوكٌ لَا بِمُثْلَةٍ وَلَا بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ كَانَ اللَّاطِمُ مُحْتَاجًا إلَى خِدْمَةِ الْمَمْلُوكِ الْمَلْطُومِ أَوْ الأَُمَةِ كَذَلِكَ وَلَا غِنَى لَهُ عَنْهُ أَوْ عَنْهَا اسْتَخْدَمَهُ أَوْ اسْتَخْدَمَهَا فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ أَوْ عَنْهَا فَهِيَ أَوْ هُوَ حُرَّانِ حِينَئِذٍ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ غُنْدَرٌ: نا شُعْبَةُ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، كِلَاهُمَا عَنْ فِرَاسِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ هُوَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ يُحَدِّثُ عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ قَالَ: دَعَا ابْنُ عُمَرَ غُلَامًا لَهُ فَرَأَى بِظَهْرِهِ أَثَرًا فَقَالَ لَهُ: أَوْجَعْتُكَ ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَأَنْتَ عَتِيقٌ ثُمَّ قَالَ: "إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ" اللَّطْمُ لَا يَقَعُ فِي اللُّغَةِ إلَّا بِبَاطِنِ الْكَفِّ عَلَى الْخَدِّ فَقَطْ، وَهُوَ فِي الْقَفَا الصَّفْعُ. وَحَدِيثُ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ زَائِدٌ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَجُوزُ رَدُّهَا, وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا أَبِي نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْد بْنِ مُقْرِنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كُنَّا بَنِي مُقْرِنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَنَا إلَّا خَادِمٌ وَاحِدٌ فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَعْتِقُوهَا، فَقَالَ: لَيْسَ لَهُمْ خَادِمٌ غَيْرُهَا، قَالَ: فَلْيَسْتَخْدِمُوهَا فَإِذَا اسْتَغْنَوْا فَلْيُخَلُّوا سَبِيلَهَا" فَهَذَا أَمْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ, فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَآهُ يَضْرِبُ غُلَامًا لَهُ فَقَالَ لَهُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ

(9/209)


ومن أعتق عبدا وله مال فما له الا أن ينتزعه
...
1677 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَنْتَزِعَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِ إيَّاهُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لِلسَّيِّدِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ لأَمْرَأَةٍ سَأَلَتْهَا وَقَدْ أَعْتَقَتْ عَبْدَهَا: إذَا أَعْتَقْتِيهِ وَلَمْ تَشْتَرِطِي مَالَهُ فَمَالُهُ لَهُ. وَمِثْلُهُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَصَحَّ، عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ فِي عَبْدٍ كَاتَبَهُ مَوْلاَهُ وَلَهُ مَالٌ وَوَلَدٌ مِنْ سُرِّيَّةٍ لَهُأَنَّ مَالَهُ وَسُرِّيَّتَهُ لَهُ وَوَلَدَهُ أَحْرَارٌ وَالْعَبْدُ إذَا أُعْتِقَ كَذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ، وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ زِيَادٌ عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ قَيْسٌ: عَنْ عَطَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ إذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ فَمَالُهُ لَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ إذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ يَتْبَعُهُ مَالُهُ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي وَمَكْحُولٍ مِثْلُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ يَحْيَى عَلَى هَذَا أَدْرَكْت النَّاسَ، وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَأَبُو الزِّنَادِ، سَوَاءٌ عَلِمَ سَيِّدُهُ مَالَهُ أَوْ جَهِلَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك: مَالُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لَهُ، وَأَمَّا أَوْلاَدُهُ فَلِسَيِّدِهِ وَكَذَلِكَ حَمْلُ أُمِّ وَلَدِهِ وَلَوْ أَنَّهُ بَعْدَ عِتْقِهِ أَرَادَ عِتْقَ أُمِّ وَلَدِهِ لَمْ يَقْدِرْ لأََنَّ حَمْلَهَا رَقِيقٌ. وَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ الَّتِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهَا، أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ يَتْبَعُهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ إذَا فَلَّسَا أَوْ جُرِحَا أُخِذَ مَالُهُمَا وَأُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِمَا، وَلَمْ يُؤْخَذْ أَوْلاَدُهُمَا، وَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا بِيعَ وَاشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ مَالَهُ كَانَ لَهُ، وَلَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهُ فِي الشَّرْطِ.

(9/213)


قال أبو محمد: مَا رَأَيْنَا حُجَّةً أَفْقَرَ إلَى حُجَّةٍ مِنْ هَذِهِ، وَإِنَّ الْعَجَبَ مِنْ هَذِهِ السُّنَّةُ الَّتِي لاَ يُعْرَفُ لَهَا رَاوٍ مِنْ النَّاسِ لاَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ. وَالْخِلاَفُ فِيهَا أَشْهَرُ مِنْ ذَلِكَ. كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، بَلْ إنَّمَا رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالنَّخَعِيِّ. وَقَدْ أَجْمَعَتْ الأُُمَّةُ وَمَالِكٌ مَعَهُمْ فِي جُمْلَتِهِمْ وَهَؤُلاَءِ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الأَمَةِ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ أُمِّهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ أَمَتِهِ الصَّحِيحَةِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ حُرٌّ، وَالْفَاسِدَةِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ حُرٌّ، وَعَلَى أَبِيهِ قِيمَتُهُ أَوْ فِدَاؤُهُ. وَلاَ تَخْلُو أُمُّ وَلَدِ الْعَبْدِ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ، فَوَلَدُهَا لَهُ إمَّا حُرٌّ، وَأَمَّا مَمْلُوكٌ فَتُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، أَوْ لاَ تُعْتَقُ وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ لِسَيِّدِهِ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ وَطْءُ أَمَةِ غَيْرِهِ إِلاَّ بِالزَّوَاجِ، وَإِلَّا فَهُوَ زِنًا، وَالْوَلَدُ غَيْرُ لاَحِقٍ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا أَمَةُ غَيْرِهِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ وَلَيْسَ فِي الْبَاطِلِ، وَالْكَلاَمُ الْمُتَنَاقِضُ الَّذِي يُفْسِدُ بَعْضُهُ بَعْضًا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَمَةً لِلْعَبْدِ لاَ يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا إِلاَّ أَنْ يَنْتَزِعَهَا، وَيَكُونُ وَلَدُهَا لِسَيِّدِ أَبِيهِ مَمْلُوكًا، هَذَا عَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ أَصْلَ لَهُ. فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِظُهُورِ فَسَادِهِ. وأعجب مِنْهُ مَنْعُهُ عِتْقَ أُمِّ وَلَدِهِ وَهُوَ حُرٌّ وَهِيَ أَمَتُهُ مِنْ أَجْلِ جَنِينِهَا، وَهُمْ يُجِيزُونَ عِتْقَ الْجَنِينِ دُونَ أُمِّهِ وَهُمَا لِوَاحِدٍ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ عِتْقِ أُمِّهِ دُونَهُ وَهُمَا لأَثْنَيْنِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ: كُلُّ مَا أَعْطَى الْمَرْءُ أُمَّ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لَهَا إذَا مَاتَ لاَ يُعَدُّ مِنْ الثُّلُثِ، وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَهُ مَالٌ فَمَا كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ مِمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ فَهُوَ لِلْعَبْدِ، وَمَا كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ السَّيِّدُ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ وَهَذَا تَقْسِيمٌ لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَالُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ، وَالشَّافِعِيِّ، قَالُوا كُلُّهُمْ: الْمُكَاتَبُ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَالْمُعْتَقُ، وَالْمَوْهُوبُ، وَالْمُتَصَدَّقُ بِهِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ يَمُوتُ سَيِّدُهَا: فَمَالُهُمْ كُلُّهُمْ لِلْمُعْتَقِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: مَالُ الْمُعْتَقِ وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: مَالُ الْمُعْتَقِ وَأُمِّ الْوَلَدِ: لِلسَّيِّدِ وَلِوَرَثَتِهِ.وقال أحمد وَإِسْحَاقُ: مَالُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِهِ وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لأَبْنِ مَسْعُودٍ فَأَعْتَقَهُ، وَقَالَ: أَمَا إنَّ مَالَك لِي، ثُمَّ قَالَ: هُوَ لَك. وَصَحَّ نَحْوُهُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: مَالُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِهِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، َدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ أَبِي الْمُسَاوِرِ حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لِي ابْنُ مَسْعُودٍ: أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَكَ وَأَدَعَ مَالَكَ فَأَخْبِرْنِي بِمَالِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ".
وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ

(9/214)


بْنِ عِمْرَانَ الْمَسْعُودِيُّ مَوْلاَهُمْ سَمِعَ عَمَّهُ يُونُسَ بْنَ عِمْرَانَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا فَلَيْسَ لِلْمَمْلُوكِ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ" هَذَانِ لاَ شَيْءَ، لأََنَّ عَبْدَ الأَعْلَى بْنَ أَبِي الْمُسَاوِرِ ضَعِيفٌ جِدًّا وَالآخَرَ مُنْقَطِعٌ لأََنَّ الْقَاسِمَ لاَ يَحْفَظُ أَبُوهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ شَيْئًا فَكَيْفَ هُوَ. وَقَالُوا: قَدْ صَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا بِيعَ فَمَالُهُ لِلسَّيِّدِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَعِتْقُهُ كَذَلِكَ، وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً، لأََنَّ الْبَيْعَ نَقْلُ مِلْكٍ فَلاَ يُشْبِهُ الْعِتْقَ الَّذِي هُوَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ جُمْلَةً، وَالْقِيَاسُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا يُشْبِهُهُ لاَ عَلَى مَا لاَ يُشْبِهُهُ. وَقَالُوا: مَالُ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ. َقُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ مَا هُوَ لَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ، إِلاَّ أَنْ يَنْتَزِعَهُ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْحُجَّةَ فِي أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ قوله تعالى فِي الإِمَاءِ: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فَدَخَلَ فِي هَذَا الْخِطَابِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ.وَقَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فَصَحَّ أَنَّ صَدَاقَ الأَمَةِ لَهَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَدْفَعُهُ إلَيْهَا. وَصَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِإِيتَاءِ الصَّدَاقِ، فَلَوْلاَ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا كُلِّفَ ذَلِكَ، وَلاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِصَدَاقٍ، إنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ فَبَعْدَ الْعَقْدِ، وَوَعَدَهُمْ اللَّهُ بِالْغِنَى فَهُمْ كَسَائِرِ النَّاسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِذْ مَالُهُ لَهُ فَهُوَ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ. ثُمَّ وَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ السَّيِّدُ" فَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لاَ يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهُ, فإن قيل: قَدْ قِيلَ: إنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ أَخْطَأَ فِيهِ قلنا: إنَّمَا أَخْطَأَ مَنْ ادَّعَى الْخَطَأَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بِلاَ برهان وَلاَ دَلِيلٍ. وَالْعَجَبُ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا قَوْلَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ " أَخْطَأَ ضَمْرَةُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ سُفْيَانَ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ ". وَقَالُوا: لاَ يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَ الْخَطَأَ عَلَى الثِّقَةِ بِلاَ برهان ثُمَّ تَعَلَّقُوا بِقَوْلِ أُولَئِكَ أَنْفُسِهِمْ هَاهُنَا أَخْطَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَتَعَلَّقَ الْمَالِكِيُّونَ بِقَوْلِهِمْ: أَخْطَأَ ضَمْرَةُ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى قَوْلِهِمْ: أَخْطَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَهَلْ فِي التَّلاَعُبِ بِالدِّينِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ فَرَدُّوا الْخَبَرَيْنِ مَعًا، وَأَخَذُوا فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ بِالْخَطَأِ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/215)


1678 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ لِلأَبِ عِتْقُ عَبْدِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَلاَ لِلْوَصِيِّ عِتْقُ عَبْدِ يَتِيمِهِ أَصْلاً وَهُوَ مَرْدُودٌ إنْ فَعَلاَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا}

(9/215)


وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" وَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ لِلأَبِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ دُونَ الْكَبِيرِ قَدْرَ ذَرَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ,وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ.وقال مالك: يُعْتِقُ عَبْدَ صَغِيرٍ وَلاَ يُعْتِقُ عَبْدَ كَبِيرٍ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، إذْ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/216)


1680 - مَسْأَلَةٌ: وَعِتْقُ الْعَبْدِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ لِعَبْدِهِمَا جَائِزٌ وَالْوَلاَءُ لَهُمَا يَدُورُ مَعَهُمَا حَيْثُ دَارَا وَمِيرَاثُ الْعِتْقِ لأََوْلَى النَّاسِ بِالْعَبْدِ مِنْ أَحْرَارِ عَصَبَتِهِ، أَوْ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِذَا أُعْتِقَ فَإِنْ مَاتَ فَالْمِيرَاثُ لَهُ، أَوْ لِمَنْ أَعْتَقَهُ، أَوْ لِعَصَبَتِهِمَا لأََنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا صِحَّةَ الْمِلْكِ لِلْعَبْدِ وَإِذْ هُوَ مَالِكٌ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ, وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" وَنَصَّ عليه الصلاة والسلام عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَرِثُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي " كِتَابِ الْمَوَارِيثِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي " الْمُكَاتَبِ " بَعْدَ هَذَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ فَهُوَ لِلْحُرِّ مِنْ عَصَبَتِهِ وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ، لأََنَّهُ لاَ وَلاَءَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ وَلاَ عَلَى أَحَدٍ بِسَبَبِهِ فَإِذَا عَتَقَ صَحَّ الْمِيرَاثُ لَهُ أَوْ لِمَنْ يَجِبُ لَهُ مِنْ أَجْلِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/216)


ومن وطىء أمة له حاملا من غيره فجنينها حر أمنى فيها أو لم يمن
...
1681 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ حَامِلاً مِنْ غَيْرِهِ فَجَنِينُهَا حُرٌّ أَمْنَى فِيهَا أَوْ لَمْ يُمْنِ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حِمْيَرٍ: سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَعَلَّ صَاحِبَ هَذِهِ أَنْ يَكُونَ يُلِمُّ بِهَا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ، وَهُوَ لاَ يَحِلُّ لَهُ، وَكَيْفَ يَسْتَرِقُّهُ وَهُوَ لاَ يَحِلُّ لَهُ" وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ خِلاَفُهُ، فَإِذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ فَهُوَ حُرٌّ بِلاَ شَكٍّ، وَهُوَ غَيْرُ لاَحِقٍ بِهِ، وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ.كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الأَسْوَدِ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جُبَيْرٍ الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَسْقِ مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ فَإِنْ هُوَ فَعَلَ ذَلِكَ وَغَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَيْهِ فَلْيُعْتِقْهُ وَلْيُوصِ لَهُ مِنْ مَالِهِ.وبه إلى ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ غَوْثِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيِّ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ الأَمَةِ الْحَامِلِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا قَالَ: رَأَتْ الْوُلاَةُ أَنْ يَعْتِقَ ذَلِكَ الْحَمْلُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: وَإِنِّي أَرَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ وَالأَوْزَاعِيُّ وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَبَعْضِ الشَّافِعِيِّينَ.
قال أبو محمد: سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ قَاضِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالشَّامِ وَغَوْثُ بْنُ سُلَيْمَانَ

(9/216)


ومن أحاط الدين بما له كله
...
1681 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ غِنًى، عَنْ مَمْلُوكِهِ جَازَ عِتْقُهُ فِيهِ وَإِلَّا فَلاَ وقال مالك: "لاَ يَجُوزُ عِتْقُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ" وقال أبو حنيفة: وَالشَّافِعِيُّ بِقَوْلِنَاإِلاَّ أَنَّهُمَا أَجَازَا عِتْقَهُ بِكُلِّ حَالٍ.
برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا. أَنَّ مَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ فَاسْتَقْرَضَ مَالاً فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِلاَ خِلاَفٍ، وَأَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُ، وَأَنْ يَبْتَاعَ جَارِيَةً يَطَؤُهَا فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مَا اسْتَقْرَضَ، وَأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهُ بِمَا يَبْقَى لَهُ بَعْدَهُ غِنًى وَالْعِتْقُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَقَدْ يَرْزُقُ اللَّهُ عِبَادَهُ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَهَذَا بِخِلاَفِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مِمَّنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ لأََنَّ الْمَيِّتَ لاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ يَرْزُقَ اللَّهُ تَعَالَى مَالاً فِي الدُّنْيَا لَمْ يَرْزُقْهُ إيَّاهُ فِي حَيَاتِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَقْرِضُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/217)


1682 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُدَبَّرُ عَبْدٌ مُوصَى بِعِتْقِهِ، وَالْمُدَبَّرَةُ كَذَلِكَ، وَبَيْعُهُمَا حَلاَلٌ، وَالْهِبَةُ لَهُمَا كَذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " فَأَغْنَى، عَنْ إعَادَتِهِ، وَلاَ حُجَّةَ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ قَدْ بَيَّنَّا عِلَّتَهُ هُنَالِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/217)


1683 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَمْلُوكَةٍ حَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَأَسْقَطَتْ شَيْئًا يُدْرَى أَنَّهُ وَلَدٌ، أَوْ وَلَدَتْهُ: فَقَدْ حَرُمَ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَرَهْنُهَا وَالصَّدَقَةُ بِهَا وَقَرْضُهَا وَلِسَيِّدِهَا وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَكُلُّ مَالِهَا فَلَهَا إذَا عَتَقَتْ وَلِسَيِّدِهَا انْتِزَاعُهُ فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بِزِنًا، أَوْ إكْرَاهٍ، أَوْ نِكَاحٍ بِجَهْلٍ: فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا إذَا أُعْتِقَتْ عَتَقُوا.
قال أبو محمد: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ، فَقَالَ: شَاوَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ، فَرَأَيْت أَنَا وَعُمَرُ أَنْ أُعْتِقَهُنَّ فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ، وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ فَلَمَّا وُلِّيت رَأَيْت أَنْ أَرِقَّهُنَّ، قَالَ عَبِيدَةُ: فَرَأْيُ عُمَرُ، وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ.
قال أبو محمد: إنْ كَانَ أَحَبَّ إلَى عَبِيدَةُ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَبَّ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَإِنَّ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لَبَوْنًا بَائِنًا فَأَيْنَ الْمُحْتَجُّونَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ الْمُشْتَهِرِ الْمُنْتَشِرِ وَأَنَّهُ إجْمَاعٌ، أَفَيَكُونُ اشْتِهَارًا أَعْظَمَ وَانْتِشَارًا أَكْثَرَ مِنْ حُكْمِ عُمَرَ بَاقِي خِلاَفَتِهِ، وَعُثْمَانَ جَمِيعَ خِلاَفَتِهِ

(9/217)


فلو أن حر تزوج أمة لغيره ثم مات
...
1684 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ أَنَّ حُرًّا تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ حَامِل ٌ ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَعَتَقَ الْجَنِينُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ لَمْ يَرِث أَبَاهُ لأََنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ وَكَانَ حِينَ مَوْتِ أَبِيهِ مَمْلُوكًا لاَ يَرِثُ، فَلَوْ مَاتَ لَهُ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ مَنْ يَرِثُهُ بِرَحِمٍ أَوْ وَلاَءٍ وَرِثَهُ إنْ خَرَجَ حَيًّا لأََنَّهُ كَانَ حِينَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ حُرًّا. فَلَوْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ حَامِلاً فَأَسْلَمَتْ بَعْدَهُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ أَوْ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلاَمِ أُمِّهِ وَلاَ يَرِثُ أَبَاهُ لأََنَّهُ لَمْ يَصِرْ لَهُ حُكْمُ الإِسْلاَمِ الَّذِي يَرِثُ بِهِ وَيُورَثُ لَهُ أَوْ لاَ يَرِثُ بِهِ، وَلاَ يُورَثُ بِهِ لأَخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَخَرَجَ إلَى الدُّنْيَا مُسْلِمًا عَلَى غَيْرِ دِينِ أَبِيهِ، وَعَلَى غَيْرِ حُكْمِ الدِّينِ الَّذِي لَوْ تَمَادَى عَلَيْهِ لَوَرِثَ أَبَاهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ حَامِلاً قَدْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ [ أَوْ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ ] فَتَمَلَّكَهَا نَصْرَانِيٌّ آخَرُ فَاسْتَرَقَّهَا فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَرِثْ أَبَاهُ لأََنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الدُّنْيَا إِلاَّ مَمْلُوكًا لاَ يَرِثُ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجَنِينُ الْمِيرَاثَ بِبَقَائِهِ حُرًّا عَلَى دِينِ مَوْرُوثِهِ مِنْ حِينِ يَمُوتُ الْمَوْرُوثُ إلَى أَنْ يُولَدَ حَيًّا وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأً تَرَكَ أُمَّ وَلَدِهِ حَامِلاً فَاسْتُحِقَّتْ بَعْدَهُ ثُمَّ أُعْتِقَ الْجَنِينُ بِعِتْقِهَا فَإِنَّ نَسَبَهُ لاَحِقٌ وَلاَ يَرِثُ أَبَاهُ، لأََنَّ أَبَاهُ مَاتَ حُرًّا وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْحَالِ الَّتِي يُورَثُ بِهَا وَيَرِثُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَلَوْ مَاتَ لَهُ مَوْرُوثٌ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ وَرِثَهُ إنْ وُلِدَ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/221)


كتاب الكتابة
من كان له مملوك مسلم أو مسلمة فدعا أو دعت الى الكتابة ففرض على السيد الاجابة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا
كِتَابُ الْكِتَابَةِ
1685 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ فَدَعَا أَوْ دَعَتْ إلَى الْكِتَابَةِ فُرِضَ عَلَى السَّيِّدِ الإِجَابَةُ إلَى ذَلِكَ وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يُدْرَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ الْعَبْدَ أَوْ الأَمَةَ يُطِيقُهُ مِمَّا لاَ حَيْفَ فِيهِ عَلَى السَّيِّدِ، لَكِنْ مِمَّا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُمَا، وَلاَ يَجُوزُ كِتَابَةُ عَبْدٍ كَافِرٍ أَصْلاً.
برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَيْرِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمَالُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الدِّينُ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَوْضُوعَ كَلاَمِ الْعَرَبِ الَّذِي بِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ الْمَالَ لَقَالَ: إنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ خَيْرًا، أَوْ عِنْدَهُمْ خَيْرًا، أَوْ مَعَهُمْ خَيْرًا، لأََنَّ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ يُضَافُ الْمَالُ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَلاَ يُقَالُ أَصْلاً فِي فُلاَنٍ مَالٌ، فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} عَلِمْنَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَرِدْ " الْمَالَ ".فَصَحَّ أَنَّهُ " الدِّينُ "، وَلاَ خَيْرَ فِي دِينِ الْكَافِرِ وَكُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ فِيهِ الْخَيْرَ بِقَوْلِهِ: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنْ لاَ دِينَ إِلاَّ الإِسْلاَمُ وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنْ الْخَيْرِ وَكُلُّ خَيْرٍ بَعْدَ هَذَا فَتَابِعٌ لِهَذَا وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَأُكَاتِبُ وَلَيْسَ لِي مَالٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: نَعَمْ.فَصَحَّ أَنَّ الْخَيْرَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ " الْمَالَ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: إنْ أَقَامُوا الصَّلاَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ [ فِي هَذِهِ الآيَةِ ] قَالَ: إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا قَالَ: دِينٌ وَأَمَانَةٌوَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ: الإِسْلاَمُ وَالْوَفَاءُ وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ الْمَالُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وطَاوُوس، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي رَزِينٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كِلاَ الأَمْرَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَخِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إِلاَّ أَنَّهُ نَاقَضَ فِي مَسَائِلِهِ.وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ: فَكَانَ شَرْطُ اللَّهِ[ تَعَالَى عِنْدَهُمْ ] هَاهُنَا مُلْغًى، لاَ مَعْنَى لَهُ فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ شَرْطَهُ عِنْدَهُمْ ضَائِعًا، وَشُرُوطَهُمْ الْفَاسِدَةَ عِنْدَهُمْ لاَزِمَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُبِيحُونَ كِتَابَةَ

(9/222)


الْكَافِرِ الَّذِي لاَ مَالَ لَهُ وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ خَارِجٌ، عَنِ الآيَةِ، لأََنَّهُ لاَ خَيْرَ فِيهِ أَصْلاً وَخَارِجٌ عَنْ قَوْلِ كُلِّ مَنْ سَلَفَ وَهَذَا مِمَّا فَارَقُوا فِيهِ مَنْ حُفِظَ عَنْهُ قَوْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم.
وَمِنْ طَرَائِفِ الدُّنْيَااحْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِأَنْ قَالَ: قِسْنَا مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ عَلَى مَنْ فِيهِ خَيْرٌ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَفَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا قَالُوا بِالْقِيَاسِ فِيمَا يُشْبِهُ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ لاَ فِيمَا لاَ يُشْبِهُهُ وَهَلَّا قَاسُوا مَنْ يَسْتَطِيعُ " الطَّوْلَ " فِي نِكَاحِ الأَمَةِ عَلَى مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُهُ وَهَلَّا قَاسُوا بِهِ غَيْرَ السَّائِمَةِ فِي الزَّكَاةِ عَلَى السَّائِمَةِ وَهَلَّا قَاسُوا غَيْرَ السَّارِقِ عَلَى السَّارِقِ، وَغَيْرَ الْقَاتِلِ عَلَى الْقَاتِلِ وَهَذِهِ حَمَاقَةٌ لاَ نَظِيرَ لَهَا. وقال بعضهم: لَمْ يَذْكُرْ فِي الآيَةِ إِلاَّ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ، وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ، فَأَجَزْنَا كِتَابَتَهُ بِالأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْكِتَابَةِ جُمْلَةً.فَقُلْنَا لَهُمْ: فَأَبِيحُوا بِمِثْلِ هَذَا الدَّلِيلِ أَكْلَ كُلِّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} وَهَذَا بَاطِلٌ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ" وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تُجِيزُوا كِتَابَةَ الْمَجْنُونِ، وَالصَّغِيرِ بِعُمُومِ تِلْكَ الأَحَادِيثِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ مُكَاتَبًا إِلاَّ مَنْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مُكَاتَبَتَهُ أَوْ أَمَرَ بِهَا, وَأَيْضًا فَلَمْ يَأْتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَثَرٌ قَطُّ فِي الْمُكَاتَبِ إِلاَّ وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُكَاتَبَةِ وَبِكُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ فَرْضٌ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ اللَّهُ تَعَالَى افْعَلْ أَمْرًا كَذَا، فَيَقُولُ هُوَ: لاَ أَفْعَلُ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ لَهُ تَعَالَى: إنْ شِئْت فَافْعَلْ وَإِلَّا فَلاَ.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَهُ الْمُكَاتَبَةَ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاَللَّهِ لَتُكَاتِبْنَهُ، وَتَنَاوَلَهُ بِالدِّرَّةِ فَكَاتَبَهُ.وبه إلى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إذَا عَلِمْت لَهُ مَالاً أَنْ أُكَاتِبَهُ قَالَ: مَا أَرَاهُ إِلاَّ وَاجِبًا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي أَيْضًا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْكِتَابَةَ وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاسْتَأْذَنَهُ فَقَالَ عُمَرُ لأََنَسٍ: كَاتِبْهُ فَأَبَى، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: {كَاتِبْهُ وَيَتْلُو فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ.وبه إلى ابْنِ الْمَدِينِيِّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدٍ كَانَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِالزُّبَيْرِ فَدَخَلَ مَعَهُ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِمًا وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فُلاَنٌ كَاتَبَهُ فَقَطَّبَ ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ. وَلَوْلاَ أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا فَعَلْت ذَلِكَ وَذَكَرَ الْخَبَرَ, وَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ

(9/223)


رَاهْوَيْهِ: مُكَاتَبَتُهُ وَاجِبَةٌ إذَا طَلَبَهَا وَأَخْشَى أَنْ يَأْثَمَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلاَ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ وَبِإِيجَابِ ذَلِكَ، وَجَبْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا. فَهَذَا عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَرَيَانِهَا وَاجِبَةً وَيُجْبِرُ عُمَرُ عَلَيْهَا وَيَضْرِبُ فِي الأَمْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ وَالزُّبَيْرِ يَسْمَعُ حَمَلَ عُثْمَانُ الآيَةَ عَلَى الْوُجُوبِ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَمَّا ذُكِّرَ بِالآيَةِ سَارَعَ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْمُكَاتَبَةِ وَتَرَكَ امْتِنَاعَهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَخَالَفَ ذَلِكَ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَقَالُوا: لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِتَشْغِيبَاتٍ مِنْهَا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى النَّدْبِ مِثْلَ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّهُ لَوْلاَ نُصُوصٌ أُخَرُ جَاءَتْ لَكَانَ هَذَانِ الأَمْرَانِ فَرْضًا، لَكِنْ لَمَّا حَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ وَلَمْ يَصْطَدْ صَارَ الأَمْرُ بِذَلِكَ نَدْبًا وَلَمَّا حَضَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقُعُودِ فِي مَوْضِعِ الصَّلاَةِ وَرَغَّبَ فِي ذَلِكَ كَانَ الأَنْتِشَارُ نَدْبًا. فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ نَصٌّ يُبَيِّنُ أَنَّ الأَمْرَ بِالْكِتَابَةِ نَدْبٌ صِرْنَا إلَيْهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ كَذَبَ مُحَرِّفُ الْقُرْآنِ، عَنْ مَوْضِعِ كَلِمَاتِهِ، وَلَيْسَ إذَا وُجِدَ أَمْرٌ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَمْرٍ فِي الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا أَوْ مَخْصُوصًا. وَقَالُوا: لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْكِتَابَةَ عَلِمْنَا أَنَّ الأَمْرَ بِهَا نَدْبٌ.
قال أبو محمد: وَهَذَا تَمْوِيهٌ بَارِدٌ نَعَمْ وَلَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَاتَبَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ وَلَهُ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى يَتِمَّ عِتْقُهُ بِالأَدَاءِ. وَهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِهِ إنْ قَدِمَ أَبُوهُ أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ مَا لَمْ يَقْدَمْ أَبُوهُ وَفِي ذَلِكَ بُطْلاَنُ نَذْرِهِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ لَوْ لَمْ أَبِعْهُ. وَقَالُوا: لَمْ نَجِدْ فِي الأُُصُولِ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى عَقْدٍ فِيمَا يَمْلِكُ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا ؟ وَلاَ وَجَدْتُمْ قَطُّ فِي الأُُصُولِ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى الأَمْتِنَاعِ مِنْ بَيْعِ أَمَتِهِ، وَتَخْرُجُ حُرَّةً مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ مَاتَ وَقَدْ قُلْتُمْ بِذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ. وَلاَ وَجَدْتُمْ قَطُّ صَوْمَ شَهْرٍ مُفْرَدٍ إِلاَّ رَمَضَانَ فَأَبْطَلُوا صَوْمَهُ بِذَلِكَ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ: لاَ آخُذُ بِشَرِيعَةٍ حَتَّى أَجِدَ لَهَا نَظِيرًا، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لاَ آخُذُ بِهَا حَتَّى أَجِدَ لَهَا نَظِيرَيْنِ. وَقَدْ وَجَدْنَا الْمُفْلِسَ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ وَوَجَدْنَا الشَّفِيعَ يُجْبِرُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى تَصْيِيرِ مِلْكِهِ إلَيْهِ, وَقَالُوا: لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى السَّيِّدِ إذَا طَلَبَهُ الْعَبْدُ لَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَى الْعَبْدِ إذَا طَلَبَهُ السَّيِّدُ وَهَذَا أَسْخَفُ مَا أَتَوْا بِهِ لأََنَّ النَّصَّ جَاءَ بِذَلِكَ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا إذَا طَلَبَهَا السَّيِّدُ فَإِنْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ قِيَاسًا صَحِيحًا فَلْيَقُولُوا: إنَّهُ لَمَّا كَانَ الزَّوْجُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِلْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَتْ طَلاَقَهُ أَنْ

(9/224)


يَكُونَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَهُ وَلَمَّا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ وَإِنْ كَرِهَ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا إلْزَامُهُ إيَّاهُ وَإِنْ كَرِهَ الشَّفِيعُ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ سَخِرَ الشَّيْطَانُ بِهِمْ فِيهَا، وَشَوَاذُّ سَبَّبَ لَهُمْ مِثْلَ هَذِهِ الْمَضَاحِكِ فِي الدِّينِ، فَاتَّبَعُوهُ عَلَيْهَا وَلاَ نَدْرِي بِأَيِّ نَصٍّ أَمْ بِأَيِّ عَقْلٍ وَجَبَ هَذَا الَّذِي يَهْذِرُونَ بِهِ وَقَالُوا: كَانَ الأَصْلُ أَنْ لاَ تَجُوزَ الْكِتَابَةُ لأََنَّهَا عَقْدُ غَرَرٍ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَسَبِيلُهُ إذْ جَاءَ بِهِ نَصٌّ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا، لأََنَّهُ إطْلاَقٌ مِنْ حَظْرٍ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ بَلْ الأَصْلُ لأََنَّهُ لاَ يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ حَتَّى يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَإِذَا أَمَرَ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَسَبِيلُهُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا يَعْصِي مَنْ أَبَى قَبُولَهُ هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ تَخْتَلِفُ الْعُقُولُ فِيهِ وَمَا جَاءَ قَطُّ نَصٌّ وَلاَ مَعْقُولٌ بِأَنَّ الأَمْرَ بَعْدَ التَّحْرِيمِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ نَدْبًا بَلْ قَدْ كَانَتْ الصَّلاَةُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَرْضًا وَإِلَى الْكَعْبَةِ مَحْظُورَةً مُحَرَّمَةً، ثُمَّ جَاءَ الأَمْرُ بِالصَّلاَةِ إلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ، فَكَانَ فَرْضًا وَقَالُوا: لَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ فَرْضًا لَوَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ السَّيِّدُ عَلَيْهَا وَإِنْ أَرَادَهَا الْعَبْدُ بِدِرْهَمٍ وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ قَطُّ بِإِجَابَةِ الْعَبْدِ إلَى مَا أَرَادَ أَنْ يُكَاتَبَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أُمِرَ بِإِجَابَتِهِ إلَى الْكِتَابَةِ ثُمَّ تَرَكَ الْمُكَاتَبَةَ مُجْمَلَةً بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ لأََنَّ قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ} وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُكَلِّفَ الْعَبْدَ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ. وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُكَلِّفَ السَّيِّدَ إضَاعَةَ مَالِهِ. وَصَحَّ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ أَنَّ اللَّازِمَ لَهُمَا مَا أَطَاقَهُ الْعَبْدُ بِلاَ حَرَجٍ وَمَا لاَ غَبْنَ فِيهِ عَلَى السَّيِّدِ وَلاَ إضَاعَةَ لِمَالِهِ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ لِلسَّيِّدِ تَكْلِيفَ عَبْدِهِ الْخَرَاجَ وَإِجْبَارَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مُجِيزًا أَنْ يُكَلِّفَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يُطِيقُ وَلاَ إجَابَةُ الْعَبْدِ إلَى أَدَاءِ مَا لاَ يَرْضَى السَّيِّدُ بِهِ مِمَّا هُوَ قَادِرٌ بِلاَ مَشَقَّةٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْكِتَابَةِ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يَذْكُرْ صَدَاقًا، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَتُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ، وَلاَ تُعْطَى بِرَأْيِهَا وَلاَ يُعْطِي هُوَ بِرَأْيِهِ. وَقَدْ رَأَى الْحَنَفِيُّونَ الأَسْتِسْعَاءَ وَالْقَضَاءَ بِهِ وَاجِبًا فَهَلاَّ عَارَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ فَقَالُوا: إنْ قَالَ الْعَبْدُ: لاَ أُؤَدِّي إِلاَّ دِرْهَمًا فِي سِتِّينَ سَنَةٍ وَقَالَ الْمُسْتَسْعَى لَهُ: "لاَ تُؤَدِّي إِلاَّ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ مِنْ يَوْمِهِ", وَقَدْ أَوْجَبَ الْمَالِكِيُّونَ الْخَرَاجَ عَلَى الأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ فَرْضًا لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ، ثُمَّ لَمْ يُبَيِّنُوا مَا هُوَ، وَلاَ مِقْدَارَهُ. وَكَمْ قِصَّةٍ قَالَ فِيهَا الشَّافِعِيُّونَ بِإِيجَابِ فَرْضٍ حَيْثُ لاَ يَحُدُّونَ مِقْدَارَهُ، كَقَوْلِهِمْ: الصَّلاَةُ تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَلاَ تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ، فَهَذَا فَرْضٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَأَوْجَبُوا الْمُتْعَةَ فَرْضًا ثُمَّ لَمْ يَحُدُّوا فِيهَا حَدًّا، وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/225)


والكتابة جائزة على المال
...
1686 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ عَلَى مَالٍ جَائِزٍ تَمَلُّكُهُ، وَعَلَى عَمَلٍ فِيهِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَإِلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى، لَكِنْ حَالًّا أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَعَلَى نَجْمٍ وَنَجْمَيْنِ وَأَكْثَرَ. وَكُنَّا قَبْلُ نَقُولُ: لاَ تَجُوزُ إِلاَّ عَلَى نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا حَتَّى وَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، هُوَ ابْنُ النُّعْمَانَ الظَّفَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلاً، وَفِيهِ فَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَابْتَاعَنِي، ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرًا وَفِيهِ: فَأَسْلَمْتُ وَشَغَلَنِي الرِّقُّ حَتَّى فَاتَتْنِي بَدْرٌ، ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَاتِبْ فَسَأَلْتُ صَاحِبِي ذَلِكَ، فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى كَاتَبَنِي عَلَى أَنْ أُحْيِيَ لَهُ ثَلاَثَمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَضَعَهَا فَلاَ تَضَعْهَا حَتَّى تَأْتِيَنِي فَتُؤْذِنَنِي فَأَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بِيَدِي قَالَ: فَقُمْت بِتَفْقِيرِي وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى فَقَرْتُ لَهَا سَرَبَهَا ثَلاَثَمِائَةِ سَرْبَةٍ، وَجَاءَ كُلُّ رَجُلٍ بِمَا أَعَانَنِي بِهِ مِنْ النَّخْلِ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَضَعُهُ بِيَدِهِ وَيُسَوِّي عَلَيْهَا تُرَابَهَا وَيُبَرِّكُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَوَاَلَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَةٌ، وَبَقِيَتْ الذَّهَبُ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ ذَهَبٍ أَصَابَهَا مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمِسْكِينُ الْمُكَاتَبُ اُدْعُوهُ لِي فَدُعِيتُ فَجِئْتُ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذِهِ فَأَدِّهَا بِمَا عَلَيْكَ مِنْ الْمَالِ فَقُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ مَا عَلَيْكَ مِنْ الْمَالِ قَالَ: فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ وَزَنْتُ لَهُ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً حَتَّى أَوْفَيْتُهُ الَّذِي عَلَيَّ، قَالَ: فَأُعْتِقَ سَلْمَانُ، وَشَهِدَ الْخَنْدَقَ، وَبَقِيَّةَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقال الشافعي: "لاَ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ إِلاَّ عَلَى نَجْمَيْنِ لِلأَتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِهَا كَذَلِكَ".
قال أبو محمد: "لاَ حَظَّ لِلنَّظَرِ مَعَ صِحَّةِ الْخَبَرِ", فإن قيل: لِمَ قُلْتُمْ إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَسْلَمَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ فَهُوَ حُرٌّ وَهَذَا سَلْمَانُ أَسْلَمَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ وَلَمْ يُعْتَقْ بِذَلِكَ قلنا: لَمْ نَقُلْ بِهَذَا إِلاَّ لِعِتْقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسْلِمًا مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الطَّائِفِ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} وَالطَّائِفُ بَعْدَ الْخَنْدَقِ بِدَهْرٍ وَقِصَّةُ سَلْمَانَ مُوَافِقَةٌ لِمَعْهُودِ الأَصْلِ فَصَحَّ بِنُزُولِ الآيَةِ نَسْخُ جَوَازِ تَمَلُّكِ الْكَافِرِ لِلْمُؤْمِنِ وَبَقِيَ سَائِرُ الْخَبَرِ عَلَى مَا فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/226)


1687 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ مَمْلُوكٍ لَمْ يَبْلُغْ، لأََنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: "كِتَابَتُهُ جَائِزَةٌ"، وَهَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ غَيْرِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} فَلاَ يَجُوزُ عَمَلُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ حَيْثُ أَجَازَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ. وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ الْوَصِيِّ غُلاَمَ يَتِيمِهِ وَلاَ مُكَاتَبَةُ الأَبِ غُلاَمَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لأََنَّهُ غَيْرُ الْمُخَاطَبِ فِي الآيَةِ وَلأََنَّهُ لَيْسَ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ إذْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِ كَسْبِهِ بِغَيْرِ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ.

(9/227)


1688 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا، فَإِذَا أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ فَقَدْ شَرَعَ فِيهِ الْعِتْقَ وَالْحُرِّيَّةَ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَبَقِيَ سَائِرُهُ مَمْلُوكًا، وَكَانَ لِمَا عَتَقَ مِنْهُ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحُدُودِ وَالْمَوَارِيثِ، وَالدِّيَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَانَ لِمَا بَقِيَ مِنْهُ حُكْمُ الْعَبِيدِ فِي الدِّيَاتِ، وَالْمَوَارِيثِ وَالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يَتِمَّ عِتْقُهُ بِتَمَامِ أَدَائِهِ. لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كِلاَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ مِنْهُ، وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ مِنْهُ".
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ هُوَ ابْنُ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُكَاتَبِ يَقْتُلُ يُودِي مَا أَدَّى مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِيَةَ الْحُرِّ، وَمِمَّا بَقِيَ دِيَةَ الْمَمْلُوكِ.وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمٍ الْبَلْخِيّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سُلَيْمَانُ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ مُعَاذٌ وَالنَّضْرُ كِلاَهُمَا يَقُولُ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ دِيَةَ الْحُرِّ وَبِقَدْرِ مَا رُقَّ مِنْهُ دِيَةَ الْعَبْدِ".وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ: يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَهَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ لاَ يَضُرُّهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ، بَلْ هُوَ الَّذِي أَخْطَأَ، لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الأَثْبَاتِ.وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا عَيْبُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ لَهُ بِأَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ أَرْسَلَهُ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَأَنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ رَوَاهُ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ

(9/227)


عَلِيٍّ أَنَّهُ قَال: يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى فَأَوْقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ.
قال أبو محمد: أَلَيْسَ هَذَا مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا يَكُونُ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ عِنْدَ كُلِّ كَلِمَةٍ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ وَلاَ فَرْقَ فَإِذَا وَجَدُوا مُسْنَدًا يُخَالِفُ هَوَى أَبِي حَنِيفَةَ وَرَأْيَ مَالِكٍ: جَعَلُوا إرْسَالَ مَنْ أَرْسَلَهُ عَيْبًا يَسْقُطُ بِهِ إسْنَادُ مَنْ أَسْنَدَهُ، وَيَكُونُ الشَّافِعِيُّونَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْمُسْنَدَ لاَ يَضُرُّهُ إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ، فَإِذَا وَجَدُوا مَا يُخَالِفُ رَأْيَ صَاحِبِهِمْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ أَشَدَّ الضَّرَرِ أَيَرَوْنَ اللَّهَ غَافِلاً عَنْ هَذَا الْعَمَلِ فِي الدِّينِ وَقَدْ أَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَقَتَادَةُ عَنْ خِلاَسٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ حَمَّادٍ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ فَكَيْفَ وَقَدْ أَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ كِلاَهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُكَاتَبًا قُتِلَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ عليه الصلاة والسلام أَنْ يُودِيَ مَا أَدَّى دِيَةَ الْحُرِّ وَمَا لاَ دِيَةَ الْمَمْلُوكِ.وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ إيقَافِ ابْنِ عُلَيَّةَ لَهُ عَلَى عَلِيٍّ فَهُوَ قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ، لأََنَّهُ فُتْيَا مِنْ عَلِيٍّ بِمَا رَوَى، وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لِمَنْ وَقَعَ أَنَّ الْعَدْلَ إذَا أَسْنَدَ الْخَبَرَ، عَنْ مِثْلِهِ، وَأَوْقَفَهُ آخَرُ، أَوْ أَرْسَلَهُ آخَرُ: أَنَّ ذَلِكَ عِلَّةٌ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا لاَ يُوجِبُهُ نَصٌّ وَلاَ نَظَرٌ، وَلاَ مَعْقُولٌ، وَالْبُرْهَانُ قَدْ صَحَّ بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ لِلْمُسْنَدِ دُونَ شَرْطٍ، فَبَطَلَ مَا عَدَا هَذَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَقَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَهُوَ غَرِيمٌ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدُّ الْمُكَاتَبِ حَدُّ الْمَمْلُوكِ، وَهَذَا تَرْكٌ مِنْهُمَا لِمَا رَوَيَا.
قال أبو محمد: فَقُلْنَا: هَبْكَ أَنَّهُمَا تَرَكَا مَا رَوَيَا، فَكَانَ مَاذَا إنَّمَا الْحُجَّةُ فِيمَا رَوَيَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ فِي قَوْلِهِمَا وَقَدْ أَفْرَدْنَا جُزْءًا ضَخْمًا لِمَا تَنَاقَضُوا فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ هَذَا الأَخْتِلاَفُ يُوجِبُ عِنْدَهُمْ الْوَهَنَ فِيمَا رَوَيَا، فَانْفَصَلُوا مِمَّنْ عَكَسَ ذَلِكَ فَقَالَ: بَلْ ذَلِكَ يُوجِبُ الْوَهَنَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِمَّا هُوَ خِلاَفٌ لِمَا رَوَيَا وَحَاشَا لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَكَيْفَ وَقَدْ يَتَأَوَّلُ الرَّاوِي فِيمَا رَوَى وَقَدْ يَنْسَاهُ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْنَا، عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفٌ لِمَا رَوَيَاهُ. أَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ: إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَهُوَ غَرِيمٌ، فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ عَنْهُ مِنْ تَوْرِيثِ مَنْ بَعْضَهُ حُرٌّ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ

(9/228)


وَلاَ لِمَا رُوِيَ مِنْ حُكْمِ الْمُكَاتَبِ لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ لَيْسَ بَاقِيهِ عَبْدًا، وَلاَ قَالَ فِيهِ: لَيْسَ مَا قَابَلَ مَا أَدَّى حُرًّا، لَكِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يَعْجِزُ، لَكِنْ يُتْبَعُ بِبَاقِي الْكِتَابَةِ فَقَطْ، فَلاَ خِلاَفَ فِي هَذَا لِمَا رَوَى. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَدُّ الْمُكَاتَبِ حَدُّ مَمْلُوكٍ، فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ وَمَا قَابَلَ مِنْهُ إذَا أَدَّى الْبَعْضَ مَا لَمْ يُؤَدِّ فَهَذَا صَحِيحٌ، وَبِهِ نَقُولُ فَبَطَلَ هَذْرُهُمْ، وَدَعْوَاهُمْ الْكَاذِبَةُ أَنَّهُمَا رضي الله عنهما خَالَفَا مَا رَوَيَا، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ كَدْحٌ فِي الْخَبَرِ.
وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَجَابِرٍ: وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلاَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ لأََنَّهُ، عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ وَهُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ ثُمَّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ مُرْسَلٌ.وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: أَنَّ عُمَرَ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَاَلَّتِي عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ قَيْسِ بْنِ سَنْدَلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَهُوَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ صَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنِ عُمَرَ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ.وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُكَاتَبُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ: صَحَّ ذَلِكَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ حُرٌّ سَاعَةَ الْعَقْدِ بِالْكِتَابَةِ. وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ إسْنَادًا إلَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى نِصْفَ مُكَاتَبَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ, رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الشَّطْرَ فَهُوَ غَرِيمٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَفْسِهِ قَالَ عُمَرُ: إذَا أَدَّى الشَّطْرَ فَلاَ رِقَّ عَلَيْهِ.وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا قَوْلَ عَلِيٍّ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَهُمَا إسْنَادَانِ جَيِّدَانِ, وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ النِّصْفَ فَلاَ رِقَّ عَلَيْهِ وَهُوَ غَرِيمٌ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الثُّلُثَ فَهُوَ غَرِيمٌ: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ ثُلُثَ كِتَابَتِهِ

(9/229)


فَهُوَ غَرِيمٌ, وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى الرُّبُعَ فَهُوَ غَرِيمٌ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَ يُقَالُ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الرُّبُعَ فَهُوَ غَرِيمٌ, وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ رَأْيِهِ قَالَ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: قَوْلُ شُرَيْحٍ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ.
قال أبو محمد: هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ، لأََنَّ الشَّعْبِيَّ صَحِبَ شُرَيْحًا، وَشُرَيْحٌ صَحِبَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا رُوِيَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا إذَا أَدَّى نِصْفَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ لأََنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَعًا وَلاَ يَتَمَانَعَانِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ يَرَى إنْ أَدَّى الأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مِنْ نِصْفِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ، أَيَّهُمَا أَدَّى فَهُوَ غَرِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنِ النَّخَعِيِّ إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ ثَمَنَ رَقَبَتِهِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِقُّوهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ خَمْسُ أَوَاقٍ أَوْ خَمْسُ ذَوْدٍ أَوْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَهُوَ غَرِيمٌ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ضَعِيفٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِمِثْلِ قَوْلِنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُكَاتَبِ: يُعْتَقُ بِالْحِسَابِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: تُجْزِي الْعَتَاقَةُ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ أَوَّلِ نَجْمٍ.
قال أبو محمد: وَجَمِيعُ هَذِهِ الأَقْوَالِ لاَ نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةً، إِلاَّ أَنَّهَا كُلَّهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إنْ لَمْ تَكُنْ أَقْوَى مِنْ تَحْدِيدِ مَالِكٍ مَا أَبَاحَ لِذَاتِ الزَّوْجِ الصَّدَقَةَ بِهِ، وَمَا أَسْقَطَ مِنْ الْجَائِحَةِ، وَمَا لَمْ يُسْقِطْ وَمِنْ تَحْدِيدِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاَةُ مِمَّا يَنْكَشِفُ مِنْ رَأْسِ الْحُرَّةِ أَوْ مِنْ بَطْنِهَا أَوْ مِنْ فَخِذِهَا مِنْ رُبُعِ كُلِّ ذَلِكَ. وَمِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَحْتَجُّونَ لَهَا " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " فَلَيْسَتْ أَضْعَفَ بَلْ لِهَذِهِ مَزِيَّةٌ لأََنَّ أَكْثَرَهَا مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، إِلاَّ أَنَّ مَنْ قَالَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، فَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْن

(9/230)


شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ" .وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ رَاوِي الْكَذِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ عَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إيَاسٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ" . وَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٍّ، لَمْ يُعْرَفْ قَطُّ مِنْ حَدِيثِ عَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَلاَ مِنْ أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ وَلاَ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ وَلاَ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرٍ وَلاَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ وَلاَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، إنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَأَحَادِيثُ هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَلاَ نَدْرِي مَنْ مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَصَحِيفَةٌ، عَلَى أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ فِيهِ. قَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشْرَ أَوَاقٍ فَهُوَ عَبْدٌ، وَأَيُّمَا عَبْدٌ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ" وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: مَنْ كَاتَبَ مُكَاتَبًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَضَاهَا إِلاَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَهُوَ عَبْدٌ، أَوْ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَقَضَاهَا إِلاَّ أُوقِيَّةً فَهُوَ عَبْدٌ. عَطَاءٌ هَذَا الْخُرَاسَانِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ شَيْئًا، وَلاَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، إِلاَّ مِنْ أَنَسٍ وَحْدَهُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُعَلِّلُ خَبَرَ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ بِأَنَّهُ اضْطَرَبَ فِيهِ وَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهَا كَمَا تَرَى.
فَإِنْ قَالُوا: هُوَ قَوْلُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، وَمَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى لِيَهْتِكَ سِتْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدُخُولِ مَنْ لاَ يَحِلُّ دُخُولُهُ عَلَى أَزْوَاجِه قلنا: صَدَقْتُمْ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِنَّ دُخُولَ الأَحْرَارِ عَلَيْهِنَّ فَقَطْ، وَالْمُكَاتَبُ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَهُوَ عَبْدٌ، وَمَا دَامَ يَبْقَى عَلَيْهِ فَلْسٌ فَلَيْسَ حُرًّا، لَكِنَّ بَعْضَهُ حُرٌّ وَبَعْضَهُ عَبْدٌ، وَلَمْ يُنْهَيْنَ قَطُّ عَمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ.
فإن قيل: هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قلنا: فَكَانَ مَاذَا وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفْتُمْ فِيهَا الْجُمْهُورَ نَعَمْ وَأَتَيْتُمْ بِقَوْلٍ لاَ يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلُ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ دِينَكُمْ. وَهَذَا الشَّافِعِيُّ خَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ فِي بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ، وَفِي تَحْدِيدِ الْقُلَّتَيْنِ، وَفِي تَنْجِيسِ الْمَاءِ بِمَا يَمُوتُ فِيهِ مِنْ الذُّبَابِ، وَفِي نَجَاسَةِ الشَّعْرِ وَفِي أَزْيَدَ مِنْ مِائَةِ قَضِيَّةٍ. وَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ خَالَفَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَخَالَفَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الْخُلْطَةَ لاَ تُغَيِّرُ الزَّكَاةَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَخَالَفَ فِي وَضْعِهِ فِي الذَّهَبِ أَوْقَاصًا جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَفِي أَزْيَدَ مِنْ أَلْفِ قَضِيَّةٍ. وَهَذَا مَالِكٌ خَالَفَ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ: وَفِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ

(9/231)


تُفْطِرَانِ. وَفِي أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ وَفِي مِئِينَ مِنْ الْقَضَايَا، فَالآنَ صَارَ أَكْثَرُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ وَلاَ يَبْلُغُونَ عَشَرَةً حُجَّةً لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا وَقَدْ خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ نُظَرَائِهِمْ, وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَحَدِيثِهِ لاَ يَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا، وَلاَ عَطِيَّةٌ إذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا، وَأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَا شَاةٍ، وَفِي إحْرَاقِ رَحْلِ الْغَالِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا لَعِبٌ وَعَبَثٌ فِي الدِّينِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ أَنَّ الْمُكَاتَبَ كَانَ عَبْدًا فَهُوَ كَذَلِكَ فَقُلْنَا: نَعَمْ مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِخِلاَفِ هَذَا فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِخِلاَفِ هَذَا، وَبِشُرُوعِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِبَيْعِ بَرِيرَةَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ تَكُنْ أَدَّتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ وَبِهَذَا نَقُولُ، فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ وَصَحَّ قَوْلُنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا.

(9/232)


1689 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ مَمْلُوكَيْنِ مَعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ أَوْ ذَوَيْ رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ . برهان ذَلِكَ. أَنَّهَا مَجْهُولَةٌ لاَ يُدْرَى مَا يَلْزَمُ مِنْهَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ وَهَذَا بَاطِلٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لاَ يُعْتَقَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إِلاَّ بِأَدَاءِ الآخَرِ، وَعِتْقُهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فَصَحَّ أَنَّهُ عَقْدٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ فَلاَ يَجُوزُ وَلاَ يَقَعُ بِهِ عِتْقٌ أَصْلاً أَدَّيَا أَوْ لَمْ يُؤَدِّيَا وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.

(9/232)


وبيع المكاتب والمكاتب ما لم يؤديا
...
1690 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ مَا لَمْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِمَا جَائِزٌ مَتَى شَاءَ السَّيِّدُ وَكَذَلِكَ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ جَائِزٌ مَا لَمْ تُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا، فَإِنْ حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا فَإِذَا بِيعَ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ فَلاَ كِتَابَةَ لَهُمَا إِلاَّ بِعَقْدٍ مُحَدَّدٍ إنْ طَلَبَهُ الْعَبْدُ أَوْ الأَمَةُ فَإِنْ َدَّيَا شَيْئًا مِنْ الْكِتَابَةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَرُمَ وَطْؤُهَا جُمْلَةً وَجَازَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُؤَدِّيَا. فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ الْجُزْءَ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ خَاصَّةً وَصَحَّ الْعِتْقُ فِيمَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا أَدَّيَا، فَإِنْ عَادَ الْجُزْءُ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ يَوْمًا مَا لَمْ تَعُدْ فِيهِ الْكِتَابَةُ، وَلاَ الرُّجُوعُ فِي الْكِتَابَةِ أَصْلاً، بِغَيْرِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِلْكِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ فَإِنَّ مَا قَابَلَ مِمَّا أَدَّيَا حُرٌّ وَمَا بَقِيَ رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ قَدْ بَطَلَتْ فِيهِ الْكِتَابَةُ فَإِنْ كَانَا لَمْ يَكُونَا أَدَّيَا شَيْئًا بَعْدُ فَقَدْ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ كُلُّهَا وَهُمَا رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَمْ يَكُونَا أَدَّيَا شَيْئًا، فَقَدْ مَاتَا مَمْلُوكَيْنِ وَمَالُهُمَا كُلُّهُ لِلسَّيِّدِ فَإِنْ كَانَا قَدْ أَدَّيَا مِنْ الْكِتَابَةِ فَمَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا أَدَّيَا فَهُوَ حُرٌّ وَيَكُونُ مَا قَابَلَ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِمَّا تَرَكَا مِيرَاثًا لِلأَحْرَارِ مِنْ وَرَثَتِهِمَا وَيَكُونُ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّيَا مِمَّا تَرَكَا لِلسَّيِّدِ وَقَدْ بَطَلَ بَاقِي الْكِتَابَةِ وَمَا حَمَلَتْ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا إلَى أَنْ يَتِمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ

(9/232)


ولا تحل الكتابة على الشرط خدمة فقط
...
1691 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَحِلُّ الْكِتَابَةُ عَلَى شَرْطِ خِدْمَةٍ فَقَطْ، وَلاَ عَلَى عَمَلٍ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلاَ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ أَصْلاً، وَالْكِتَابَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ".

(9/241)


ومن كوتب الى غير أجل مسمى فهو على كتابة
...
1692 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كُوتِبَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ مَا عَاشَ السَّيِّدُ [ وَهُوَ ] وَمَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ فَمَتَى أَدَّى مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ عَتَقَ، لأََنَّ هَذِهِ صِفَةُ كِتَابَتِهِ وَعَقْدِهِ فَلاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ وَمَنْ كُوتِبَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى نَجْمٍ وَاحِدٍ أَوْ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا، فَحَلَّ وَقْتُ النَّجْمِ وَلَمْ يُؤَدِّ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي صَدْرًا مِنْ كِتَابَتِهِ ثُمَّ يَعْجِزُ قَالَ: يُرَدُّ عَبْدًا سَيِّدُهُ أَحَقُّ بِشَرْطِهِ الَّذِي شَرَطَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ. يَعْنِي أَنَّهُ رَدَّ مُكَاتَبًا لَهُ فِي الرِّقِّ، إذْ عَجَزَ بَعْدَ أَنْ أَدَّى نِصْفَ كِتَابَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَأَدْخَلَ نَجْمًا فِي نَجْمٍ رُدَّ فِي الرِّقِّ.
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَاتَبَ أَفْلَحَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَأَلَهُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ دُونَ أَنْ يَعْجِزَ فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ فَرَدَّهُ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ بَتْلاً. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَقَالَ هَؤُلاَءِ: تَعْجِيزُ الْمُكَاتَبِ جَائِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ دُونَ السُّلْطَانِ إِلاَّ أَنَّ لِمَالِكٍ قَوْلاً، أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّعْجِيزُ إِلاَّ بِحُكْمِ السُّلْطَانِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَعْجِيزِهِ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ كِلاَهُمَا، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خَلاَصِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ اسْتَسْعَى حَوْلَيْنِ زَادَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فَإِنْ أَدَّى وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَلَمْ يَقُلْ جَابِرٌ وَلاَ ابْنُ عُمَرَ بِالتَّلَوُّمِ، بَلْ أَرَقَّهُ ابْنُ عُمَرَ سَاعَةَ ذَكَرَ أَنَّهُ عَجَزَ.وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ يَعْجِزُ: إنَّهُ يُعْتَقُ بِالْحِسَابِ يَعْنِي بِحِسَابِ مَا أَدَّى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لاَ يُرَقُّ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ لاَ يُؤَدِّيهِمَا. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ: إذَا عَجَزَ اُسْتُوْفِيَ بِهِ شَهْرَانِ. وقال أبو حنيفة وَالشَّافِعِيُّ: إذَا عَجَزَ اسْتَوْفَى بِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ ثُمَّ يُرَقُّ وقال مالك: يَتَلَوَّمُ لَهُ السُّلْطَانُ بِقَدْرِ مَا يَرَى.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ:

(9/241)


قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ اسْتَسْعَى وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَشُرَيْحٍ إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَلاَ رِقَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَرِيمٌ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُمْ وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ: إذَا أَدَّى ثُلُثَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَوْلَ إبْرَاهِيمَ إذَا أَدَّى رُبُعَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَوْلَ عَطَاءٍ: إذَا أَدَّى ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٍ إذَا أَدَّى قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ عَنْهُمَا.
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ حُجَّةً، وَأَعْجَبُهَا قَوْلُ مَنْ حَدَّ التَّلَوُّمَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ بِشَهْرَيْنِ، وَمَنْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ أَفَرَأَيْت إنْ لَمْ يَتَلَوَّمْ لَهُ السُّلْطَانُ إِلاَّ سَاعَةً، إذْ رَأَى أَنْ يَتَلَوَّمَ لَهُ خَمْسِينَ عَامًا.ثم نقول لِجَمِيعِهِمْ: لاَ تَخْلُو الْكِتَابَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا لاَزِمًا، أَوْ تَكُونَ عِتْقًا بِصِفَةٍ لاَ دَيْنًا وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ أَصْلاً لاَ فِي الدِّيَانَةِ، وَلاَ فِي الْمَعْقُولِ, فَإِنْ كَانَتْ عِتْقًا بِصِفَةٍ فَالْوَاجِبُ أَنَّهُ سَاعَةَ يَحِلُّ الأَجَلُ فَلاَ يُؤَدِّيهِ، فَلَمْ يَأْتِ بِالصِّفَةِ الَّتِي لاَ عِتْقَ لَهُ إِلاَّ بِهَا فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ وَلاَ عِتْقَ لَهُ وَلاَ يَجُوزُ التَّلَوُّمُ عَلَيْهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ كَمَنْ قَالَ لِغُلاَمِهِ: إنْ قَدِمَ أَبِي يَوْمِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَدِمَ أَبُوهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلاَ عِتْقَ لَهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَقَدْ تَنَاقَضُوا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ، وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا. فَصَحَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ عِتْقًا بِصِفَةٍ أَوْ يَكُونَ دَيْنًا وَاجِبًا، فَلاَ سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهِ.كَمَا رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ. فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ حَكَمَ بِشُرُوعِ الْعِتْقِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا دَيْنٌ وَاجِبٌ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عِتْقًا بِصِفَةٍ أَصْلاً لأََنَّ أَدَاءَ بَعْضِ الْكِتَابَةِ لَيْسَ هُوَ الصِّفَةَ الَّتِي تَعَاقَدَا الْعِتْقَ عَلَيْهَا، فَإِذْ هِيَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْقَوْلِ أَصْلاً وَوَجَبَتْ النَّظِرَةُ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَلاَ بُدَّ. فإن قيل: فَإِذْ هِيَ دَيْنٌ كَمَا تَقُولُ فَهَلاَّ حَكَمْتُمْ بِهِ وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ السَّيِّدُ، أَوْ خَرَجَ، عَنْ مِلْكِهِ كَمَا حَكَمْتُمْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ قلنا: لَمْ نَفْعَلْ، لأََنَّ ذَلِكَ لَيْسَ دَيْنًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا هُوَ دَيْنٌ يَصِحُّ بِثَبَاتِ الْمِلْكِ، وَيَبْطُلُ بِبُطْلاَنِ الْمِلْكِ، لأََنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ لِلسَّيِّدِ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ بِأَدَائِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِأَدَائِهِ حُرًّا فَقَطْ بِهَذَا جَاءَ الْقُرْآنُ، وَفَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ فَقَدْ بَطَلَ وُجُودُ الْمُعْتِقِ، فَبَطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ، عَنِ الْعَبْدِ، إذْ لاَ سَبِيلَ إلَى تَمَامِهِ أَبَدًا. وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَقَدْ بَطَلَ وُجُودُهُ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ الْعِتْقِ، فَبَطَلَ دَيْنُ السَّيِّدِ، إذْ لاَ سَبِيلَ إلَى مَا كَانَ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الدَّيْنَ إِلاَّ بِهِ، وَإِنْ خَرَجَ، عَنْ مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ

(9/242)


أَيْضًا قَدْ بَطَلَ عِتْقُهُ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ، فَبَطَلَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ مِمَّا لاَ يَجِبُ لَهُ إِلاَّ بِمَا قَدْ بَطَلَ وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/243)


1693 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ إِلاَّ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ هَذَا الْعَدَدَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ.برهان ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ فَلاَ يَسْتَحِقُّ عِتْقًا إِلاَّ حَتَّى يَلْفِظَ سَيِّدُهُ لَهُ بِالْعِتْقِ، وَإِلَّا فَلاَ، لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ وَلاَ إجْمَاعٌ.

(9/243)


ولا تجوز الكتابة على المجهول عددا أو صفة
...
1964 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى مَجْهُولِ الْعَدَدِ وَلاَ عَلَى مَجْهُولِ الصِّفَةِ وَلاَ بِمَا لاَ يَحِلُّ مِلْكُهُ، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلاَ يَصِحُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِتْقٌ أَصْلاً وَلاَ بِكِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ غَرَرٌ مُحَرَّمٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ" وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي تَمْيِيزٍ صَحِيحٍ أَنَّ مَا عَقَدَا لاَ صِحَّةَ لَهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ صِحَّةَ لَهُ فَلاَ صِحَّةَ لَهُ, وقال الشافعي: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ تُفْسَخُ مَا لَمْ يُؤَدِّهَا فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ.
قال أبو محمد: هَذَا عَيْنُ الْفَسَادِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ الْبَاطِلُ بِتَمَامِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ" وقال مالك: إذَا عُقِدَتْ الْكِتَابَةُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّتْ الْكِتَابَةُ.
قال علي: هذا غَايَةُ الْخَطَأِ، لأََنَّهُ يُلْزِمُهُمَا عَقْدًا لَمْ يَلْتَزِمَاهُ قَطُّ وَلاَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِلْزَامِهِمَا إيَّاهُ وَإِنَّمَا تَرَاضَيَا الْكِتَابَةَ بِهَذَا الشَّرْطِ وَإِلَّا فَلاَ كِتَابَةَ بَيْنَهُمَا فأما أَنْ يَصِحَّ شَرْطُهُمَا فَتَصِحَّ كِتَابَتُهُمَا وَأَمَّا أَنْ يَبْطُلَ الشَّرْطُ فَلاَ كِتَابَةَ هَاهُنَا أَصْلاً. وقال أبو حنيفة: مَنْ كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ أَوْ عَلَى حُكْمِهِ أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ عَلَى مَا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِقْدَارٌ فَهِيَ كِتَابَةُ بَاطِلٍ وَلاَ عِتْقَ لَهُ وَإِنْ أَدَّى وَإِنْ كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ مَحْدُودَةٍ أَوْ عَلَى خِنْزِيرٍ مَوْصُوفٍ، فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ عَتَقَ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَوْلاَهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: مَا سُمِعَ بِأَنْتَنَ مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ، وَلاَ بِأَفْسَدَ مِنْهُ، وَهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ إِلاَّ أَنَّهُمَا لَمْ يُسَمِّيَا ذَلِكَ الثَّمَنَ وَلاَ عَرَفَاهُ، فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَإِنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ وَهِيَ مَعَهُ وَأَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ. وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ هَاهُنَا أَقْبَحَ مِنْ قَوْلِهِمْ لأََنَّهُمْ قَالُوا: الْعُقُودُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ جَائِزَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَقَدْ أَنْزَلُوا أَنْفُسَهُمْ حَيْثُ لَمْ يُنْزِلْهُمْ مِنْ الأَئْتِسَاءِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الْكُفَّارِ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ أَهْلَ الْكُفْرِ أُسْوَةً وَلاَ قُدْوَةً وَإِنَّ فِي هَذِهِ لِدَلاَئِلَ سُوءٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ فَكَيْفَ وَمَا أَحَلَّ ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُذْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ سَلَفًا وَلاَ لَهُمْ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِشَيْءٍ.

(9/243)


1695 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ بِمَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ إذَا حَلَّ مِلْكُهُ، كَالْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَالْمَاءِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا، وَالسُّنْبُلِ الَّذِي لَمْ يَشْتَدَّ، لأََنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مَالٌ حَلاَلٌ تَمَلُّكُهُ وَهِبَتُهُ وَإِصْدَاقُهُ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ بَيْعًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/244)


1696 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ مُكَاتَبِهِ مُذْ يُكَاتِبُهُ، فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ، أَوْ بَاعَ مِنْهُ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّ: فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ إذَا بَاعَهُ كُلَّهُ وَأَمَّا فِي بَيْعِ بَعْضِهِ فَمَالُهُ لَهُ وَمَعَهُ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ، وَقَيْسٍ قَالَ زِيَادٌ: عَنِ الْحَسَنِ وَقَالَ قَيْسٌ: عَنْ عَطَاءٍ ثُمَّ اتَّفَقَا جَمِيعًا: أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَاتَبَهُ مَوْلاَهُ وَلَهُ مَالٌ وَسُرِّيَّةٌ وَوَلَدٌ: أَنَّ مَالَهُ لَهُ وَسُرِّيَّتَهُ لَهُ وَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا عَتَقَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا: مَالِكٌ وَأَبُو سُلَيْمَانَ.وقال أبو حنيفة: مَالُهُ لِسَيِّدِهِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْمَالُ لِلسَّيِّدِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُكَاتَبُ وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ: مَا عَرَفَهُ السَّيِّدُ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ فَهُوَ لِلْعَبْدِ، وَمَا لَمْ يَعْرِفْهُ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ.
قال أبو محمد: مَالُ الْعَبْدِ لَهُ وَجَائِزٌ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ بِالنَّصِّ فَإِذَا كُوتِبَ فَلاَ خِلاَفَ أَنَّ كَسْبَهُ لَهُ لاَ لِلسَّيِّدِ وَلَوْ كَانَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ لَمْ يَتِمَّ عِتْقُهُ أَبَدًا فَصَحَّ أَنَّ حَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ حَالِهِ قَبْلَهَا، وَكَانَ مَالُهُ كُلُّهُ حُكْمًا وَاحِدًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهُ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ نَصٌّ.

(9/244)


وولد العبد له وجائز للسيد انتزاعه بالنص
...
1697 - مَسْأَلَةٌ: وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ حُرٌّ وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ أَوْ يُعْتِقَ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى مُكَاتَبًا مِنْ غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/244)


1698 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا حَلَّ النَّجْمُ، أَوْ الْكِتَابَةُ وَوَجَبَتْ، فَضَمَانُهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ جَائِز وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ لأََنَّهُ مَالٌ قَدْ صَحَّ وُجُوبُهُ لِلسَّيِّدِ وَهُوَ دَيْنٌ لاَزِمٌ، فَضَمَانُهُ جَائِزٌ. وَلَوْ بِيعَ مِنْ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُؤَدِّ كَانَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدُ دَيْنًا يُتْبَعُ بِهِ وَأَمَّا قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ فَلاَ، لأََنَّهُ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ وَلَعَلَّهُ يَمُوتَ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَوْ يَمُوتُ السَّيِّدُ فَلاَ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ.

(9/244)


1699 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ مُقَاطَعَةُ الْمُكَاتَبِ، وَلاَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يُعَجِّلَ لأََنَّهُمَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَمَا لاَ يَدْرِي أَهُوَ فِي الْعَالَمِ أَمْ لاَ وقال مالك: وَأَبُو حَنِيفَةَ: مُقَاطَعَةُ الْمُكَاتَبِ جَائِزَةٌ بِبَعْضِ مَا عَلَيْهِ وَبِالْعُرُوضِ. وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مُقَاطَعَتُهُ إِلاَّ بِالْعُرُوضِ فَخَالَفَا ابْنَ عُمَرَ وَلاَ يُعْلَمُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وقال الشافعي: بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَلاَ حُجَّةَ إِلاَّ فِي نَصٍّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَبِهِ نَتَأَيَّدُ.

(9/244)


1700 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ بَعْضِ عَبْدٍ، وَلاَ كِتَابَةُ شِقْصٍ لَهُ فِي عَبْدٍ مَعَ

(9/244)


واذا مانت الكتابة نجمين فصاعدا أو الى أجل
...
1701 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ، فَأَرَادَ الْعَبْدُ تَعْجِيلَهَا كُلَّهَا أَوْ تَعْجِيلَ بَعْضِهَا قَبْلَ أَجَلِهِ لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ قَبُولُ ذَلِكَ وَلاَ عِتْقَ الْعَبْدِ وَهِيَ إلَى أَجَلِهَا وَكُلُّ نَجْمٍ مِنْهَا إلَى أَجَلِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ مَنْ خَالَفَنَا عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ.وقال مالك: يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ ذَلِكَ وَتَعْجِيلِ الْعِتْقِ لِلْمُكَاتَبِ. وقال الشافعي: إنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى قَبُولِهَا وَإِنْ كَانَتْ عُرُوضًا لَمْ يُجْبَرْ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ وَلاَ قِيَاسٍ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ. وَقَدْ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ غَرَضٌ فِي تَأْجِيلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَمَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ خَوْفٍ لَحِقَهُ أَوْ رَجَاءِ ارْتِفَاعِ سِعْرٍ لِدَيْنِهِ مِنْهُمَا، كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا الْوَزَّانُ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْد بْنِ مَنْجُوفٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَاتَبَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا، فَكُنْت فِي مِفْتَحِ تُسْتَرَ فَاشْتَرَيْت رَثَّةً فَرَبِحْت فِيهَا، فَأَتَيْت أَنَسًا بِجَمِيعِ مُكَاتَبَتِي فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا إِلاَّ نُجُومًا فَأَتَيْت عُمَرَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَرَادَ أَنَسٌ الْمِيرَاثَ وَكَتَبَ إلَى أَنَسٍ: أَنْ اقْبَلْهَا، فَقَبِلَهَا وَهَذَا أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَسَائِرُهَا مُنْقَطِعٌ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابَتِهِ أَتَاهُ الْعَبْدُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَأَبَى الْحَارِثُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَقَالَ: لِي شَرْطِي، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: هَلُمَّ الْمَالَ فَاجْعَلْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتُعْطِيه مِنْهُ فِي كُلِّ حِلٍّ مَا يَحِلُّ، فَأَعْتَقَ الْعَبْدَ.
قال أبو محمد: هَذَا عَجِيبٌ جِدًّا إذْ رَأَى عُمَرُ، وَعُثْمَانُ إجَابَةَ السَّيِّدِ إلَى كِتَابَةِ عَبْدِهِ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ، وَخَالَفَهُ أَنَسٌ وَاحْتَجَّ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ بِالْقُرْآنِ كَانَ قَوْلُ أَنَسٍ حُجَّةً وَكَانَ قَوْلُ عُمَرَ

(9/245)


وَعُثْمَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِذَا وَافَقَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَأْيَ مَالِكٍ، خَالَفَهُمَا أَنَسٌ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَهُمَا صَاحِبَانِ، وَالْقُرْآنُ: صَارَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ حُجَّةً، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَنَسٍ حُجَّةً إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ". فَإِنْ مَوَّهُوا بِتَعْظِيمِ أَمْرِ الْعِتْقِ قلنا: أَيْنَ كُنْتُمْ، عَنْ هَذَا التَّعْظِيمِ إذْ لَمْ تُوجِبُوا الْكِتَابَةَ فَرْضًا لِعِتْقِ الْعَبْدِ إذَا طَلَبَهَا وَالْقُرْآنُ يُوجِبُ ذَلِكَ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمَا. وَأَيْنَ كُنْتُمْ عَنْ هَذَا التَّعْظِيمِ إذْ رَدَدْتُمْ الْمُكَاتَبَ رَقِيقًا مِنْ أَجْلِ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ بَقِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَبَادَرْتُمْ وَأَبْطَلْتُمْ كُلَّ مَا أَعْطَى وَلَمْ تُؤَجِّلُوهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَبَعْضُكُمْ أَيْضًا أَمْرًا يَسِيرًا وَأَنْتُمْ بِزَعْمِكُمْ أَصْحَابُ نَظَرٍ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ طَلَبِ الْعَبْدِ تَعْجِيلَ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ لِيَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ وَالسَّيِّدُ يَأْبَى إِلاَّ شَرْطَهُ الْجَائِزَ بِالْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ فَتُجْبِرُونَ السَّيِّدَ عَلَى مَا لاَ يُرِيدُ وَبَيْنَ أَنْ يُرِيدَ السَّيِّدُ تَعْجِيلَ الْكِتَابَةِ كُلِّهَا لِيَتَعَجَّلَ عِتْقُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّهُ يَأْبَى إِلاَّ الْجَرْيَ عَلَى نُجُومِهِ فَلاَ تُجْبِرُونَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَهَلْ فِي التَّخَاذُلِ وَالتَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ وَالْمُنَاقَضَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا.

(9/246)


وفرض على السيدد أن يعطى المكاتب ما لا من عند بفسه
...
1702 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُكَاتَبَ مَالاً مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِمَّا يُسَمَّى مَالاً فِي أَوَّلِ عَقْدٍ لِلْكِتَابَةِ وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ. فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ كُلِّفَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} فَهَذَا أَمْرٌ لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ تَنَاقَضَ فَرَأَى قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا عَلَى النَّدْبِ وَرَأَى وَقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} عَلَى الْوُجُوبِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ لَمْ يَجِدْ فِيهِ عَدَدًا مَا أَحَدُهُمَا: مَوْكُولٌ إلَى السَّيِّدِ، وَالآخَرُ مَوْكُولٌ إلَيْهِ وَإِلَى الْعَبْدِ بِالْمَعْرُوفِ مِمَّا لاَ حَيْفَ فِيهِ وَلاَ مَشَقَّةَ، وَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِمَا. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ: كِلاَ الأَمْرَيْنِ نَدْبٌ قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} أَمْرٌ لِلسَّيِّدِ وَلِغَيْرِهِ.
قال أبو محمد: هَذَا خَطَأٌ. أَمَّا قَوْلُهُمْ " كِلاَ الأَمْرَيْنِ نَدْبٌ " فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى افْعَلُوا عَلَى لاَ تَفْعَلُوا إنْ شِئْتُمْ وَلاَ يَفْهَمُ هَذَا الْمَعْنَى أَحَدٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَهَذِهِ إحَالَةٌ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ إِلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ وَرَدَ بِذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " إنَّهُ أَمْرٌ لِلسَّيِّدِ وَغَيْرِهِ " فَبَاطِلٌ لأََنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ} فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِالْكِتَابَةِ لَهُمْهُمْ الْمَأْمُورُونَ بِإِتْيَانِهِمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ لاَ يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الأَمْرِ غَيْرَ هَذَا فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَتَحَكُّمُهُمْ بِالدَّعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ. وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ أَنَّهُ حَثَّ عَلَيْهِ السَّيِّدَ وَغَيْرَهُ عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ

(9/246)


طَائِفَةٌأَمَرَ بِذَلِكَ السَّيِّدَ وَغَيْرَهُ، فَهَؤُلاَءِ رَأَوْهُ وَاجِبًا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ وَالْمُغِيرَةِ، قَالَ يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ ثُمَّ اتَّفَقَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَوْلاَهُ وَالنَّاسَ أَنْ يُعِينُوا الْمُكَاتَبَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَشَهِدْته كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ آلاَفٍ فَحَطَّ عَنْهُ أَلْفًا فِي آخِرِ نُجُومِهِ ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} الرُّبُعَ مِمَّا تُكَاتِبُوهُمْ عَلَيْهِ.وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: رُبُعُ الْكِتَابَة وَرُوِّينَا أَيْضًا فِي أَنَّهُ عُشْرُ الْكِتَابَةِ.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: هُوَ الْعُشْرُ يُتْرَكُ لَهُ مِنْ كِتَابَتِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ: إنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو شَبِيبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَاتَبَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَيَّةَ، فَجَاءَهُ بِنَجْمِهِ حِينَ هَلَّ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ اذْهَبْ فَاسْتَعِنْ بِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ كَانَ هَذَا فِي آخِرِ نَجْمٍ فَقَالَ عُمَرُ: لِعَلِيٍّ لاَ أُدْرِكُهُ، قَالَ عِكْرِمَةُ ثُمَّ قَرَأَ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} . وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَتْنِي أُمِّيّ، عَنْ أَبِي، عَنْ جَدِّي عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَحْدَرِيِّ قَالَ الْمُبَارَكُ: وَحَدَّثَنِي مَيْمُونُ بْنُ جَابَانَ، عَنْ عَمِّي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: سَأَلْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الْمُكَاتَبَةَ قَالَ لِي: كَمْ تَعْرِضُ قُلْت: مِائَةَ أُوقِيَّةٍ قَالَ: فَمَا اسْتَزَادَنِي، قَالَ: فَكَاتِبْنِي وَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي كَاتَبْت غُلاَمِي، وَأَرَدْت أَنْ أُعَجِّلَ لَهُ طَائِفَةً مِنْ مَالِي فَأَرْسِلِي إلَيَّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى أَنْ يَأْتِيَنِي شَيْءٌ فَأَرْسَلَتْ بِهَا إلَيْهِ فَأَخَذَهَا عُمَرُ بِيَمِينِهِ وَقَرَأَ {وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} خُذْهَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا.
قال أبو محمد: لَقَدْ كَانَ أَشْبَهَ بِأُمُورِ الدِّينِ وَأَدْخَلَ فِي السَّلاَمَةِ أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّونَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنْ يَقُولُوا: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ مِنْهُمْ حَيْثُ يَقُولُونَ مَا يُضْحِكُ الثَّكَالَى وَيُبْعِدُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ الْمَعْقُولِ أَنَّهُ إنْ انْكَشَفَ فِي فَخِذِ الْحُرَّةِ فِي الصَّلاَةِ أَوْ مِنْ السَّاقِ أَوْ مِنْ الْبَطْنِ أَو مِنْ الذِّرَاعِ، أَوْ مِنْ الرَّأْسِ الرُّبُعُ بَطَلَتْ الصَّلاَةُ فَإِنْ انْكَشَفَ أَقَلُّ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلاَةُ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ

(9/247)


بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: رُبُعُ الْكِتَابَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَبِيبٍ هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: رُبُعُ الْكِتَابَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فإن قيل: فَلَمْ لَمْ تَأْخُذُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ قلنا: لأََنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إِلاَّ بَعْدَ اخْتِلاَطِ عَطَاءٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ: تَغَيَّرَ حِفْظُ ابْنِ السَّائِبِ بَعْدُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ: كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لاَ يَرْوِي حَدِيثَ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إِلاَّ عَنْ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ.
قال أبو محمد: فَصَحَّ اخْتِلاَطُهُ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُحْتَجَّ مِنْ حَدِيثِهِ إِلاَّ بِمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ اخْتِلاَطِهِ وَهَؤُلاَءِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْهُ إِلاَّ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه وَأَمَّا هُمْ فَإِذَا وَافَقَ الْخَبَرُ رَأْيَهُمْ لَمْ يُعَلِّلُوهُ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا فَإِذْ قَدْ سَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ فَلاَ حُجَّةَ لأََهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ بِحَدِيثِ كِتَابَةِ سَلْمَانَ رضي الله عنه وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَوْ ابْنِ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَهَا فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْتَعِينُهُ فَقَالَ لَهَا عليه الصلاة والسلام: "أَوْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ أَقْضِ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ" قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ إيتَاءَ مَالِ الْمُكَاتَبِ.
قَالَ عَلِيٌّ: لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا. أَمَّا خَبَرُ سَلْمَانَ فَإِنَّ مَالِكَهُ كَانَ يَهُودِيًّا غَيْرَ ذِمِّيٍّ بَلْ مُنَابِذٌ لاَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الإِسْلاَمِ فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَذَا. وأعجب شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ لَهُ ذِكْرٌ مِنْ إيتَاءِ الْمَالِ، وَمُخَالَفَتُهُمْ لَهُ فِيمَا أَجَازَهُ فِيهِ نَصًّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إحْيَاءِ ثَلاَثِمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى، وَلاَ مَقْبُوضَةً، وَهُمْ لاَ يُجِيزُونَ شَيْئًا مِنْ هَذَا، فَسُبْحَانَ مَنْ أَطْلَقَ أَلْسِنَتَهُمْ بِهَذِهِ الْعَظَائِمِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَرْدَعَ عَنْهَا الْحَيَاءُ وَأَنْ يَرْدَعَ عَنْهَا الدِّينُ. وَأَمَّا خَبَرُ جُوَيْرِيَةَ فَلَيْسَ فِيهِ عَلَى مَاذَا كَاتَبَهَا، وَلاَ هَلْ كَاتَبَ إلَى أَجَلٍ أَمْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ، فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي إجَازَةِ الْكِتَابَةِ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ، وَكُلُّ كِتَابَةٍ أَفْسَدُوهَا إذْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا إيتَاءَ الْمَالِ، فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا لَمْ تُؤْتِ الْمَالَ، فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ، فَكَيْفَ وَهِيَ كِتَابَةٌ لَمْ تَتِمَّ بِلاَ شَكٍّ، لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ

(9/248)


الْعِلْمِ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ مَوْلاَةً لِثَابِتٍ، وَلاَ لأَبْنِ عَمِّهِ، بَلْ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا . فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالُوا: لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ مَحْدُودَ الْقَدْرِ.
قال أبو محمد: فَقُلْنَا: مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا عَطَاءً يَكِلُهُ إلَى اخْتِيَارِنَا وَأَيُّ شَيْءٍ أَعْطَيْنَاهُ كُنَّا قَدْ أَدَّيْنَا مَا عَلَيْنَا. وَهَلَّا قُلْتُمْ هَذَا فِي الْمُتْعَةِ الَّتِي رَآهَا الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَرْضًا وَهِيَ غَيْرُ مَحْدُودَةِ الْقَدْرِ وَهَلَّا قَالَ هَذَا الْمَالِكِيُّونَ فِي الْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ عَنْوَةً وَهُوَ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ غَيْرُ مَحْدُودِ الْقَدْرِ وَكَمَا قَالُوا فِيمَا أَوْجَبُوا فِيهِ الْحُكُومَةَ فَرْضًا مِنْ الْخَرَاجِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودِ الْقَدْرِ فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ لَهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ وَفِي ظَنِّهِمْ: أَنْ يَتَعَقَّبُوا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى حُكْمَهُ بِمَا لاَ يَتَعَقَّبُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا يُشَرِّعُونَهُ فِي الدِّينِ بِآرَائِهِمْ. وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. تَمَّ كِتَابُ الْكِتَابَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

(9/249)


كتاب صحبة ملك اليمين
لا يجوز للسيد أن يقول لغلامه : هذا عبدى ولا لمملوكته
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِه
ِ كِتَابُ صُحْبَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ
1703 - مَسْأَلَةٌ: لاَ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَقُولَ لِغُلاَمِهِ: هَذَا عَبْدِي وَلاَ لِمَمْلُوكَتِهِ : هَذِهِ أَمَتِي، لَكِنْ يَقُولُ: غُلاَمِي وَفَتَايَ وَمَمْلُوكِي وَمَمْلُوكَتِي َخَادِمِي وَفَتَاتِي. وَلاَ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا رَبِّي أَوْ مَوْلاَيَ أَوْ رَبَّتِي. وَلاَ يَقُلْ أَحَدٌ لِمَمْلُوكٍ: هَذَا رَبُّك، وَلاَ رَبَّتُك لَكِنْ يَقُولُ: سَيِّدِي. وَجَائِزٌ أَنْ يَقُولَ الْمَرْءُ لأَخَرَ: هَذَا عَبْدُك وَهَذَا عَبْدُ فُلاَنٍ وَأَمَةُ فُلاَنٍ وَمَوْلَى فُلاَنٍ لأََنَّ النَّهْيَ لَمْ يَرِدْ إِلاَّ فِيمَا ذَكَرْنَا فَقَطْ. وَجَائِزٌ أَنْ يَقُولَ: هَؤُلاَءِ عَبِيدُك وَعِبَادُك، وَإِمَاؤُك. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي وَلاَ يَقُولَنَّ الْمَمْلُوكُ: رَبِّي وَرَبَّتِي وَلْيَقُلْ الْمَالِكُ: فَتَايَ وَفَتَاتِي وَلْيَقُلْ الْمَمْلُوكُ: سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي فَإِنَّكُمْ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: "لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ اسْقِ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ رَبِّي وَلْيَقُلْ: سَيِّدِيوَلاَ يَقُلْ: مَوْلاَيَ وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي وَلْيَقُلْ: فَتَايَ فَتَاتِي غُلاَمِي". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ

(9/249)


عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَلاَ يَقُلْ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ مَوْلاَيَ فَإِنَّ مَوْلاَكُمْ اللَّهُ" .
قال أبو محمد: فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ زِيَادَةُ النَّهْيِ عَنْ قَوْلِ: مَوْلاَيَ وَالنَّهْيُ هُوَ الزَّائِدُ وَالْوَارِدُ بِرَفْعِ الإِبَاحَةِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ فَأَسْنَدَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: هَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَأَبُو صَالِحٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ وَالِدُ الْعَلاَءِ وَرَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ فُتْيَاهُ: أَبُو يُونُسَ غُلاَمُهُ، وَلاَ يُعْلَمُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِ يُوسُفَ عليه السلام: {إنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} وَقَوْلِهِ: {اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} فَتِلْكَ شَرِيعَةٌ، وَهَذِهِ أُخْرَى وَتِلْكَ لُغَةٌ وَهَذِهِ أُخْرَى وَقَدْ كَانَ هَذَا مُبَاحًا عِنْدَنَا وَفِي شَرِيعَتِنَا حَتَّى نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ يُوسُفُ عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} وَقَدْ نُهِينَا، عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ.

(9/250)


وفرض على السيد أن يكسو ممكلوكه
...
1704 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَكْسُوَ مَمْلُوكَهُ وَمَمْلُوكَتَهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَوْ شَيْئًا وَأَنْ يُطْعِمَهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلَوْ لُقْمَةً وَأَنْ يُشْبِعَهُ وَيَكْسُوَهُ بِالْمَعْرُوفِ، مِثْلَ مَا يُكْسَى وَيُطْعَمُ مِثْلُهُ، أَوْ مِثْلُهَا وَأَنْ لاَ يُكَلِّفَهُ مَا لاَ يُطِيقُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْد قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَ أَيْدِيَكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ" . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ قَالاَ جَمِيعًا حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْيَسْرِ وَقَدْ لَقِيَهُ وَعَلَيْهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ فَقَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْيُسْرِ: بَصَرَ عَيْنَايَ هَاتَانِ، وَسَمِعَ أُذُنَايَ هَاتَانِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: "َطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَكْسُون" قَالَ أَبُو الْيُسْرِ: فَكَانَ إذَا أَعْطَيْته مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَرُوِّينَا مِثْلَ هَذَا، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَصْلاً .

(9/250)


1705 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ غُلاَمَهُ أَفْلَحَ وَلاَ يَسَارَ وَلاَ نَافِعَ وَلاَ نَجِيحَ وَلاَ رَبَاحَ وَلَهُ أَنْ يُسَمِّيَ أَوْلاَدَهُ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ وَلَهُ أَنْ يُسَمِّيَ مَمَالِيكَهُ بِسَائِرِ الأَسْمَاءِ، مِثْلِ نَجَاحٍ وَمُنَجَّحٍ وَنُفَيْعٍ وَرُبَيْحٍ وَيَسِير: وَفُلَيْحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لاَ تُحَاشِ شَيْئًا.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَّهُ سَمِعَ الْمُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ الرُّكَيْنَ بْنَ الرَّبِيعِ بْنِ عُمَيْلَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: "نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُسَمِّيَ رَقِيقَنَا بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءَ: أَفْلَحَ وَرَبَاحَ وَيَسَارَ وَنَافِعَ" . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ عُمَيْلَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُسَمِّيَنَّ غُلاَمَك يَسَارًا، وَلاَ رَبَاحًا، وَلاَ نَجِيحًا، وَلاَ أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ فَيَقُولُ: لاَ إنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ، فَلاَ تَزِيدُنَّ عَلَيَّ".
قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ [قال أبومحمد] فَخَالَفَ قَوْمٌ هَذَا وَدَفَعُوهُ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ يَقِينًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَنْهَى أَنْ يُسَمَّى ان يَعْلَى وَبَرَكَةٍ وَأَفْلَحَ وَنَافِعٍ وَيَسَارٍ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا ثُمَّ قُبِضَ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَرَكَهُ.
قال أبو محمد: لَيْسَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَ، جَابِرٌ يَقُولُ مَا عِنْدَهُ، لأََنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ النَّهْيَ وَسَمُرَةُ يَقُولُ مَا عِنْدَهُ، لأََنَّهُ سَمِعَ النَّهْيَ، وَالْمُثْبِتُ أَوْلَى مِنْ النَّافِي، لأََنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا زَائِدًا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ جَابِرٍ وَلاَ يُمْكِنُ الأَخْذُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ إِلاَّ بِتَكْذِيبِ سَمُرَةَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا فَكَيْفَ وَكَثِيرٌ مِنْ الأَسْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا جَابِرٌ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا أَصْلاً فَصَحَّ أَنَّ حَدِيثَ سَمُرَةَ لَيْسَ مُخَالِفًا لأََكْثَرِ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ لأََنَّ جَابِرًا ذَكَرَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَنْهَ، عَنْ تِلْكَ الأَسْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَ وَصَدَقَ وَذَكَرَ سَمُرَةُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ بَعْضِهَا وَصَدَقَ.
وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ غُلاَمٌ أَسْوَدُ اسْمُهُ: رَبَاحٌ، يَأْذَنُ عَلَيْهِ وَقَدْ غَابَ، عَنْ عُمَرَ أَمْرُ جِزْيَةِ الْمَجُوسِ وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ هَذِهِ الأَسْمَاءِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَغِيبَ عَنْ جَابِرٍ وَطَائِفَةٍ مَعَهُ النَّهْيُ عَنْ هَذِهِ الأَسْمَاءِ وَقَدْ غَابَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ النَّهْيُ عَنْ كَرْيِ الأَرْضِ ثُمَّ بَلَغَهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فَرَجَعَ إلَيْهِ وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ هَذِهِ الأَسْمَاءِ.
َأَمَّا تَسْمِيَةُ غُلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَبَاحًا: فَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهِ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوَافِقًا لِمَعْهُودِ الأَصْلِ، وَكَانَ النَّهْيُ شَرْعًا زَائِدًا لاَ يَحِلُّ الْخُرُوجُ عَنْهُ وَقَالُوا: قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " فَإِنَّك تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ فَيَقُولُ: لاَ " بَيَانٌ بِالْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ

(9/251)


وَهِيَ عِلَّةٌ مَوْجُودَةٌ فِي خِيرَةَ وَخَيْرٍ وَسَعْدٍ وَسَعِيدٍ وَمَحْمُودٍ وَأَسْمَاءَ كَثِيرَةٍ فَيَجِبُ الْمَنْعُ مِنْهَا عِنْدَكُمْ أَيْضًا قلنا: هَذَا أَصْلُ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ لاَ أَصْلُنَا وَإِنَّمَا نَجْعَلُ نَحْنُ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام سَبَبًا لِلْحُكْمِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ فَقَطْ لاَ نَتَعَدَّاهُ إلَى مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ.
بُرْهَانُنَا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عِلَّةً فِي سَائِرِ الأَسْمَاءِ لَمَا عَجَزَ، عَنْ ذَلِكَ بِأَخْصَرَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي أَتَى بِهِ فَهَذَا حُكْمُ الْبَيَانِ وَاَلَّذِي يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً فَتَكَلَّفَ ذِكْرَ بَعْضِهَا وَعَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَ بِالسَّبَبِ فِي ذَلِكَ، وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ هُوَ حُكْمُ التَّلْيِيسِ، وَعَدَمِ التَّبْلِيغِ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا. وَلاَ دَلِيلَ لَكُمْ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاكُمْ إِلاَّ الدَّعْوَى فَقَطْ، وَالظَّنُّ الْكَاذِبُ. وَقَالُوا: قَدْ سَمَّى ابْنُ عُمَرَ غُلاَمَهُ نَافِعًا وَسَمَّى أَبُو أَيُّوبَ غُلاَمَهُ: أَفْلَحَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ قلنا قَدْ غَابَ بِإِقْرَارِكُمْ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ الإِيلاَجِ، وَغَابَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ حُكْمُ كَرْيِ الأَرْضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَيُّمَا أَشْنَعُ مَغِيبُ مِثْلِ هَذَا أَوْ مَغِيبُ النَّهْيِ، عَنْ اسْمٍ مِنْ الأَسْمَاءِ: فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. تَمَّ كِتَابُ صُحْبَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(9/252)


كتاب المورايث
أول ما يخرج من رأس المال دين الغرماء فان قضل منه شىء كفن منه الميت
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
كِتَابُ الْمَوَارِيثِ
1706 - مَسْأَلَةٌ: أَوَّلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ دَيْنُ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ كُفِّنَ مِنْهُ الْمَيِّتُ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ الْغُرَمَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْجَنَائِزِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وَعُمْدَةُ ذَلِكَ قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وَأَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رضي الله عنه لَمْ يُوجَدْ لَهُ إِلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَكُفِّنَ فِيهِ وَلأََنَّ تَكْلِيفَ الْغُرَمَاءِ خَاصَّةً أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ نَاقِصًا مِنْ حُقُوقِهِمْ ظُلْمٌ لَهُمْ وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْغُرَمَاءُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ.

(9/252)


1707 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ فَضَلَتْ فَضْلَةٌ مِنْ الْمَالِ: كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ، لاَ يَتَجَاوَزُ بِهَا الثُّلُثَ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي " كِتَابِ الْوَصَايَا " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَكَانَ لِلْوَرَثَةِ مَا بَقِيَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}.

(9/252)


ولا يرث من الرجال الا الأب والجد أبو الأب
...
1708 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَرِثُ مِنْ الرِّجَالِ إِلاَّ الأَبُ وَالْجَدُّ

(9/252)


1709 - مَسْأَلَةٌ: أَوَّلُ مَا يُخْرَجُ مِمَّا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ إنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ: دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى، إنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ: كَالْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ أُخْرِجَ مِنْهُ دُيُونُ الْغُرَمَاءِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كُفِّنَ مِنْهُ الْمَيِّتُ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ الْغُرَمَاءِ، أَوْ غَيْرِهِمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ الْكَفَنِ شَيْءٌ: نَفَذَتْ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ.
برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَاتِ الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى، اقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ" وَقَدْ ذَكَرْنَا

(9/253)


ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا، فَأَغْنَى، عَنْ إعَادَتِهِ فَالآيَةُ تَعُمُّ دُيُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَدُيُونَ الْخَلْقِ، وَالسُّنَنُ الثَّابِتَةُ بَيَّنَتْ أَنَّ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مُقَدَّمٌ عَلَى دُيُونِ الْخَلْقِ. وَأَمَّا الْكَفَنُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَصَحَّ " أَنَّ حَمْزَةَ، وَالْمُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رضي الله عنهما: لَمْ يُوجَدْ لَهُمَا شَيْءٌ، إِلاَّ شَمْلَةٌ شَمْلَةٌ فَكُفِّنَا فِيهِمَا " وَقَالَ قَوْمٌ: الْكَفَنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الدُّيُونِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ لأََنَّ النَّصَّ جَاءَ بِتَقْدِيمِ الدَّيْنِ كَمَا تَلَوْنَا فَإِذْ قَدْ صَارَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْغُرَمَاءِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَمِنْ الظُّلْمِ أَنْ يُخَصَّ الْغُرَمَاءُ بِإِخْرَاجِ الْكَفَنِ مِنْ مَالِهِمْ دُونَ مَالِ سَائِرِ مَنْ حَضَرَ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلاَ سُنَّةٌ وَلاَ إجْمَاعٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ نَظَرٌ، وَلاَ احْتِيَاطٌ، لَكِنَّ حُكْمَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أَصْلاً، وَمَنْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَكَفَنُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لأََمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ وَلِيَ كَفَنَ أَخِيهِ أَنْ يُحْسِنَهُ فَصَارَ إحْسَانُ الْكَفَنِ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ الْمَيِّتَ، فَهَذَا عُمُومٌ لِلْغُرَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ حَضَرَ وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَنْفُذُ إِلاَّ بَعْدَ انْتِصَافِ الْغُرَمَاءِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" فَمَالُ الْمَيِّتِ قَدْ صَارَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْغُرَمَاءِ بِمَوْتِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي مَالِهِ الَّذِي يَتَخَلَّفُ فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيمَا يَبْقَى بَعْدَ الدَّيْنِ.

(9/254)


1710 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ أُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ أَوْ لأََبٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أُخْتَيْنِ كَذَلِكَ أَيْضًا وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلاَ أَخًا شَقِيقًا وَلاَ لأََبٍ وَلاَ مَنْ يَحُطُّهُنَّ مِمَّا نَذْكُرُ فَلَهُمَا ثُلُثَا مَا تَرَكَ أَوْ لَهُنَّ عَلَى السَّوَاءِ, وَكَذَلِكَ مَنْ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا ذَكَرًا، وَلاَ مَنْ يَحُطُّهُنَّ: فَلَهُمَا أَوْ لَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ أَيْضًا.
برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ هُوَ الْهُجَيْمِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " اشْتَكَيْت وَعِنْدِي سَبْعُ أَخَوَاتٍ لِي فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَفَخَ فِي وَجْهِي فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ أُوصِي لأََخَوَاتِي بِالثُّلُثَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَنِي، ثُمَّ رَجَعَ إلَيَّ فَقَالَ: إنِّي لاَ أَرَاك مَيِّتًا مِنْ وَجَعِكَ هَذَا، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فَبَيَّنَ الَّذِي لأََخَوَاتِكَ فَجَعَلَ لَهُنَّ الثُّلُثَيْنِ فَكَانَ جَابِرٌ يَقُولُ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} " وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ,وَأَمَّا الْبِنْتَانِ فَلاَ خِلاَفَ

(9/254)


فِي الثَّلاَثِ فَصَاعِدًا، وَلاَ وَلَدَ لِلْمَيِّتِ ذَكَرًا فِي أَنَّ لَهُنَّ الثُّلُثَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مَنْ يَحُطُّهُنَّ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} وَأَمَّا الْبِنْتَانِ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا إِلاَّ النِّصْفُ كَمَا لِلْوَاحِدَةِ وَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ بَيَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جِئْنَا امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ فِي الأَسْوَاقِ وَهِيَ جَدَّةُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ: فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ بِابْنَتَيْنِ لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ بِنْتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قُتِلَ مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ اسْتَقَى عَمُّهُمَا مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالاً إِلاَّ أَخَذَهُ، فَمَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ لاَ يَنْكِحَانِ أَبَدًا إِلاَّ وَلَهُمَا مَالٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ الآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اُدْعُوَا لِي الْمَرْأَةَ وَصَاحِبَهَا فَقَالَ لِعَمِّهِمَا: أَعْطِهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقِيَ فَلَكَ" وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الأَبْنَةَ النِّصْفَ وَابْنَةَ الأَبْنِ السُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَقَدْ ادَّعَى أَصْحَابُ الْقِيَاسِ أَنَّ الثُّلُثَيْنِ إنَّمَا وَجَبَ لِلْبِنْتَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الأُُخْتَيْنِ قَالُوا: وَالْبِنْتَانِ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الأُُخْتَيْنِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ لأََنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ لأََنَّ الْبِنْتَيْنِ أَحَقُّ مِنْ الأُُخْتَيْنِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَزِيدُوهُمَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا أَوْلَى وَأَقْرَبُ، فَيُخَالِفُوا الْقُرْآنَ، أَوْ يُبْطِلُوا قِيَاسَهُمْ وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ نَعْنِي هَؤُلاَءِ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الْقِيَاسِ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي عَشْرِ بَنَاتٍ وَأُخْتٍ لأََبٍ: أَنَّ لِلأُُخْتِ الثُّلُثَ كَامِلاً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَنَاتِ خُمُسُ الثُّلُثِ فَقَدْ أَعْطُوا الأُُخْتَ الْوَاحِدَةَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطُوا أَرْبَعَ بَنَاتٍ فَأَيْنَ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْبَنَاتِ أَحَقُّ مِنْ الأَخَوَاتِ وَهَذَا مِنْهُمْ تَخْلِيطٌ فِي الدِّينِ وَلَيْسَتْ الْمَوَارِيثُ عَلَى قَدْرِ التَّفَاضُلِ فِي الْقَرَابَةِ، إنَّمَا هِيَ كَمَا جَاءَتْ النُّصُوصُ فَقَطْ وَلاَ خِلاَفَ فِيمَنْ تَرَكَ جَدَّهُ أَبَا أُمِّهِ، وَابْنَ بِنْتِهِ وَبِنْتَ أَخِيهِ، وَابْنَ أُخْتِهِ، وَخَالَهُ وَخَالَتَهُ وَعَمَّتَهُ وَابْنَ عَمٍّ لَهُ لاَ يَلْتَقِي مَعَهُ إِلاَّ إلَى عِشْرِينَ جَدًّاأَنَّ هَذَا الْمَالَ كُلَّهُ لِهَذَا الأَبْنِ الْعَمِّ الْبَعِيدِ، وَلاَ شَيْءَ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا، وَأَيْنَ قَرَابَتُهُ مِنْ قَرَابَتِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/255)


فان ترك أختا شقيقية وأختا شقيقة وأختا واحدة للاب
...
1711 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً، وَأُخْتًا وَاحِدَةً لِلأَبِ أَوْ اثْنَتَيْنِ لِلأَبِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ: فَلِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ، وَلِلَّتِي لِلأَبِ، أَوْ اللَّوَاتِي، لِلأَبِ: السُّدُسُ فَقَطْ، لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَى الأُُخْتَ النِّصْفَ، وَأَعْطَى الأُُخْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَيْنِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلأَخَوَاتِ اللَّوَاتِي لِلأَبِ، أَوْ اللَّوَاتِي لِلأَبِ وَالأُُمِّ وَإِنْ كَثُرْنَ إِلاَّ الثُّلُثَانِ فَقَطْ، وَإِذَا وَجَبَ لِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ بِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقِّنِ فِي أَنْ لاَ يُشَارِكَهَا فِيهِ الَّتِي لَيْسَتْ

(9/255)


شَقِيقَةً فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ السُّدُسُ فَهُوَ لِلَّتِي لِلأَبِ أَوْ اللَّوَاتِي لِلأَبِ.

(9/256)


ولا ترث أخت شقيقة ولا غير شقيقة ولا غير مع ابن ذكر ولا مع ابنة أثني ولا مع ابن ابن
...
1712 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَرِثُ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَلاَ غَيْرُ شَقِيقَةٍ مَعَ ابْنٍ ذَكَرٍ وَلاَ مَعَ ابْنَةٍ أُنْثَى وَلاَ مَعَ ابْنِ ابْنٍ وَإِنْ سَفَلَ وَلاَ مَعَ بِنْتِ ابْنٍ وَإِنْ سَفَلَتْ وَالْبَاقِي بَعْدَ نَصِيبِ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الأَبْنِ لِلْعَصَبَةِ كَالأَخِ وَابْنِ الأَخِ وَالْعَمِّ َابْنِ الْعَمِّ وَالْمُعْتَقِ وَعَصَبَتِهِ إِلاَّ أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ عَاصِبٌ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مَا بَقِيَ لِلأُُخْتِ الشَّقِيقَةِ أَوْ لِلَّتِي لِلأَبِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ شَقِيقَةً وَلِلأَخَوَاتِ كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَبِهِ نَأْخُذُ. وَهُنَا قَوْلاَنِ غَيْرَ هَذَا. أَحَدُهُمَا أَنَّ الأَخَوَاتِ عَصَبَةُ الْبَنَاتِ وَأَنَّ الأُُخْتَ الْمَذْكُورَةَ أَوْ الأَخَوَاتِ الْمَذْكُورَاتِ يَأْخُذْنَ مَا فَضَلَ عَنِ الأَبْنَةِ أَوْ بِنْتِ الأَبْنِ أَوْ مَا فَضَلَ عَنِ الْبِنْتَيْنِ أَوْ بِنْتَيْ الأَبْنِ فَصَاعِدًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَصَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَا. وَصَحَّ فِي الأُُخْتِ وَالْبِنْتِ عَنْ مُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى، وَسَلْمَانَ وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ عُمَرَ كَذَلِكَ أَيْضًا. وَالثَّانِي أَنَّهُ لاَ تَرِثُ أُخْتٌ أَصْلاً مَعَ ابْنَةٍ، وَلاَ مَعَ ابْنَةِ ابْنٍ وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَوَّلُ قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الأَخَوَاتِ عَصَبَةَ الْبَنَاتِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ عَنْ أَبِي قَيْسٍ الأَوْدِيِّ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوَانَ عَنِ الْهُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى، عَنْ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ: لِلأَبْنَةِ النِّصْفُ وَلِلأُُخْتِ النِّصْفُ فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلأَبْنَةِ النِّصْفُ وَلأَبْنَةِ الأَبْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلأُُخْتِ.
قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ أُخْتًا مَعَ ابْنَةٍ، وَلاَ مَعَ ابْنَةِ ابْنٍ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} وَاسْمُ الْوَلَدِ يَقَعُ عَلَى الأَبْنَةِ، وَبِنْتِ الأَبْنِ، كَمَا يَقَعُ عَلَى الأَبْنِ وَابْنِ الأَبْنِ فِي اللُّغَةِ وَفِي الْقُرْآنِ وَالْعَجَبُ مِنْ مُجَاهَرَةِ بَعْضِ الْقَائِلِينَ هَاهُنَا: إنَّمَا عَنَى وَلَدًا ذَكَرًا وَهَذَا إقْدَامٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ وَقَوْلٌ عَلَيْهِ بِمَا لاَ يَعْلَمُ، بَلْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ. وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ قوله تعالى: {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} وَبَيْنَ قوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} وَقَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} وَقَوْله تَعَالَى: {وَلأََبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأَُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلأَُمِّهِ

(9/256)


السُّدُسُ} فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الآيَاتِ أَنَّ الْوَلَدَ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، أَوْ وَلَدَ الْوَلَدِ كَذَلِكَ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ. ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فِي مِيرَاثِ الأُُخْتِ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الذَّكَرَ وَسَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ فَإِنْ شَهِدُوا فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْوَاحْتَجَّ أَيْضًا مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ أُخْتًا مَعَ ابْنَةٍ، وَلاَ مَعَ ابْنَةِ ابْنٍ بِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَصْحَابِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلأََوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ.
قال أبو محمد: وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ تَوْرِيثَهُمْ الأُُخْتَ مَعَ الْبِنْتِ وَبِنْتَ الأَبْنِ إنَّمَا هُوَ بِالتَّعْصِيبِ لاَ بِفَرْضٍ مُسَمًّى لأََنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي بِنْتٍ وَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لأََبٍ أَوْ أَخَوَاتٍ كَذَلِكَ: إنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعَ وَلِلأُُمِّ السُّدُسَ وَلَيْسَ لِلأُُخْتِ أَوْ الأَخَوَاتِ إِلاَّ نِصْفُ السُّدُسِ. فَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَكَانَتْ ابْنَتَانِ لَمْ تَرِثْ الأُُخْتُ وَلاَ الأَخَوَاتُ شَيْئًا وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِعَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: قِيلَ لأَبْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ تَرَكَ ابْنَتَهُ، وَأُخْتَه لأََبِيهِ، وَأُمِّهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لأَبْنَتِهِ النِّصْفُ، وَلِلأُُخْتِ النِّصْفُ وَلَيْسَ لأَُخْتِهِ شَيْءٌ مِمَّا بَقِيَ، وَهُوَ لِعَصَبَتِهِ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: إنَّ عُمَرَ قَضَى بِغَيْرِ ذَلِكَ، جَعَلَ لِلأَبْنَةِ النِّصْفَ، وَلِلأُُخْتِ النِّصْفَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ قَالَ مَعْمَرٌ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لأَبْنِ طَاوُوس قَالَ لِي ابْنُ طَاوُوس: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُمْ أَنْتُمْ: لَهَا النِّصْفُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ فِي قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَتَجِدُونَهُ فِي النَّاسِ كُلِّهِمْ: مِيرَاثُ الأُُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ.
قال أبو محمد: هَذَا يُرِيَك أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَرَ مَا فَشَا فِي النَّاسِ وَاشْتَهَرَ فِيهِمْ حُجَّةً وَأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْقَوْلَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ وَلاَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَكَلَّمَ أَصْحَابُنَا فِي أَبِي قَيْسٍ.قَالَ عَلِيٌّ: أَبُو قَيْسٍ ثِقَةٌ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا جَرَحَهُ بِجُرْحَةٍ يَجِبُ بِهَا إسْقَاطُ رِوَايَتِهِ فَالْوَاجِبُ الأَخْذُ بِمَا رَوَى وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُسْنَدِ الَّذِي ذَكَرْنَا. فَوَجَبَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ عَاصِبٌ أَنْ يَكُونَ مَا فَضَلَ عَنْ فَرِيضَةِ الأَبْنَةِ أَوْ الْبِنْتَيْنِ أَوْ بِنْتِ الأَبْنِ أَوْ بِنْتَيْ الأَبْنِ لِلْعَصَبَةِ لأََنَّهُ أَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ وَلَيْسَتْ الأُُخْتُ هَاهُنَا مِنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِإِلْحَاقِ فَرَائِضِهِمْ بِهِمْ وَهَذَا وَاضِحٌ لاَ إشْكَالَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ رَجُلٌ عَاصِبٌ أَصْلاً أَخَذْنَا بِحَدِيثِ أَبِي قَيْسٍ وَجَعَلْنَا الأُُخْتَ عَصَبَةً كَمَا فِي نَصِّهِ

(9/257)


وَلَمْ نُخَالِفْ شَيْئًا مِنْ النُّصُوصِ وَالْمُعْتَقُ وَمَنْ تَنَاسَلَ مِنْهُ مِنْ الذُّكُورِ أَوْ عَصَبَتِهِ مِنْ الذُّكُورِ هُمْ بِلاَ شَكٍّ مِنْ الرِّجَالِ الذُّكُورِفَهُمْ أَوْلَى مِنْ الأَخَوَاتِ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ ابْنَةٌ أَوْ ابْنَةُ ابْنٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ عَنِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ أَنَّهُمْ وَرَّثُوا الأُُخْتَ مَعَ الْبِنْتِ مَعَ وُجُودِ عَاصِبٍ ذَكَرٍ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/258)


والام مع الولد الذكر او الانثى أو ابن الابنى أو بني الابن
...
1713 - مَسْأَلَةٌ: وَالأُُمُّ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ أَوْ الأُُنْثَى، أَوْ ابْنِ الأَبْنِ أَوْ بِنْتِ الأَبْنِ وَإِنْ سَفَلَ السُّدُسُ فَقَطْ، لأََنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/258)


1714 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ أَخٌ أَوْ أَخَوَانِ أَوْ أُخْتَانِ أَوْ أُخْتٌ أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ، وَلاَ وَلَدَ لَهُ وَلاَ وَلَدَ وَلَدٍ ذَكَرٍ فَلأَُمِّهِ الثُّلُثُ. فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنْ الإِخْوَةِ ذُكُورٍ أَوْ إنَاثٍ أَوْ بَعْضُهُمْ ذَكَرٌ وَبَعْضُهُمْ أُنْثَى: فَلأَُمِّهِ السُّدُسُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلأَُمِّهِ السُّدُسُ} وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ بِاثْنَيْنِ مِنْ الإِخْوَةِ تُرَدُّ الأُُمُّ إلَى السُّدُسِ وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا لاَ تُرَدُّ، عَنِ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِأَخٍ وَاحِدٍ، وَلاَ بِأُخْتٍ وَاحِدَةٍ، وَلاَ فِي أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى السُّدُسِ بِثَلاَثَةٍ مِنْ الإِخْوَةِ كَمَا ذَكَرْنَا إنَّمَا الْخِلاَفُ فِي رَدِّهَا إلَى السُّدُسِ بِاثْنَيْنِ مِنْ الإِخْوَةِ. حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَمْرُوسٍ الأَسْتَجِيُّ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ السَّعِيدِيّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِيٍّ الْعَلَّافُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنَا الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ هُوَ أَبُو الْحَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ لَهُ: إنَّ الأَخَوَيْنِ لاَ يَرُدَّانِ الأُُمَّ إلَى السُّدُسِ، إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ} وَالأَخَوَانِ فِي لِسَانِ قَوْمِك لَيْسُوا بِإِخْوَةٍ فَقَالَ عُثْمَانُ: لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُضَ أَمْرًا كَانَ قَبْلِي، تَوَارَثَهُ النَّاسُ وَمَضَى فِي الأَمْصَار.ِ
قال أبو محمد: أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ وَقَّفَ عُثْمَانَ عَلَى الْقُرْآنِ وَاللُّغَةِ، فَلَمْ يُنْكِرْ عُثْمَانُ ذَلِكَ أَصْلاً وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ حُجَّةٌ مِنْ اللُّغَةِ لَعَارَضَ ابْنَ عَبَّاسٍ بِهَا مَا فَعَلَ بَلْ تَعَلَّقَ بِأَمْرٍ كَانَ قَبْلَهُ، تَوَارَثَهُ النَّاسُ وَمَضَى فِي الأَمْصَارِ فَعُثْمَانُ رَأَى هَذَا حُجَّةً وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَرَهُ حُجَّةً وَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَنَصُّهُمَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُثْمَانَ وَعُمَرَ كَتَقْوِيمِهِمَا الدِّيَةَ بِالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْحُلَلِ، وَإِضْعَافِهَا فِي الْحَرَمِ وَالْقَضَاءِ بِوَلَدِ الْغَارَةِ رَقِيقًا لِسَيِّدِ أُمِّهِمْ فِي كَثِيرٍ جِدًّا. وَمَنْ ادَّعَى مِثْلَ هَذَا إجْمَاعًا وَمُخَالِفُ الإِجْمَاعِ عِنْدَهُمْ كَافِرٌ: فَابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى قَوْلِهِمْ كَافِرٌ إذْ خَالَفَ الإِجْمَاعَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، بَلْ مُكَفِّرُهُ أَحَقُّ بِالْكُفْرِ

(9/258)


1715 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ تَرَكَ زَوْجَةً وَأَبَوَيْنِ أَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأَبَوَيْنِ: فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَلِلأُُمِّ الثُّلُثُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَامِلاً وَلِلأَبِ مِنْ ابْنَتِهِ السُّدُسُ، وَمِنْ ابْنِهِ الثُّلُثُ، وَرُبُعُ الثُّلُثِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ لِلأُُمِّ فِي كِلْتَيْهِمَا إِلاَّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ مِيرَاثِ الزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ وَهَذَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ صَحِيحًا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي الزَّوْجَةِ وَالأَبَوَيْنِ َالزَّوْجِ وَالأَبَوَيْنِ وَصَحَّ عَنْ زَيْدٍ، وَرُوِّينَاهُ، عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ، وَالْحَسَنِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَهَا هُنَا قَوْلٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ قَالَ فِي رَجُلٍ تَرَكَ امْرَأَتَهُ وَأَبَوَيْهِ: لِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ، وَلِلأُُمِّ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلأَبِ وَقَالَ فِي امْرَأَةٍ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلأُُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ، وَلِلأَبِ مَا بَقِيَ قَالَ: إذَا فَضَلَ الأَبُ الأُُمَّ بِشَيْءٍ فَإِنَّ لِلأُُمِّ الثُّلُثَ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي قلنا بِهِ: فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلأُُمِّ الثُّلُثُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَال قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لِلأُُمِّ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ. فِي امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ، وَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ.وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ.
قال أبو محمد: احْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ بِأَنَّ لِلأُُمِّ ثُلُثَ مَا بَقِيَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَرَانِي أُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى أَبٍ, وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْعَقِيمِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَهْلَ الصَّلاَةِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ. وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأَُمِّهِ الثُّلُثُ} أَيْ مِمَّا يَرِثُهُ أَبَوَاهُ. مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ

(9/260)


نُكْرَةَ فِي تَفْضِيلِ الأُُمِّ عَلَى الأَبِ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صُحْبَتِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ" فَفَضَّلَ الأُُمَّ عليه الصلاة والسلام عَلَى الأَبِ فِي حُسْنِ الصُّحْبَةِ وَقَدْ سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الأَبِ وَالأُُمِّ بِإِجْمَاعِنَا وَإِجْمَاعِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ لأََبَوَيْهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَمِنْ أَيْنَ تَمْنَعُونَ مِنْ تَفْضِيلِهَا عَلَيْهِ إذَا أَوْجَبَ ذَلِكَ نَصٌّ. ثُمَّ إنَّ هَؤُلاَءِ الْمُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ" كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لاَ يُفَضِّلاَنِ أُمًّا عَلَى جَدٍّ.
قال أبو محمد: وَالْمُمَوِّهُونَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا يُخَالِفُونَهُ وَيُخَالِفُونَ عُمَرَ فَيُفَضِّلُونَ الأُُمَّ عَلَى الْجَدِّ وَهُمْ يُفَضِّلُونَ الأُُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ فِي بَعْضِ الْمَوَارِيثِ فَيَقُولُونَ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَأَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ وَأُخْتَهَا لأَُمٍّ: إنَّ لِلأُُخْتِ لِلأُُمِّ السُّدُسَ كَامِلاً وَلِلذَّكَرَيْنِ الأَخَوَيْنِ الشَّقِيقَيْنِ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ السُّدُسِ. وَيَقُولُونَ بِآرَائِهِمْ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا أَوْ أُخْتَهَا شَقِيقَتَهَا وَأَخًا لأََبٍ إنَّ الأَخَ لاَ يَرِثُ شَيْئًا فَلَوْ كَانَ مَكَانَهُ أُخْتٌ: فَلَهَا السُّدُسُ، يُعَالُ لَهَا بِهِ فَهُمْ لاَ يُنْكِرُونَ تَفْضِيلَ الأُُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ ثُمَّ يُمَوِّهُونَ بِتَشْنِيعِ تَفْضِيلِ الأُُمِّ عَلَى الأَبِ حَيْثُ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ: خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَهْلَ الصَّلاَةِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خِلاَفُ أَهْلِ الصَّلاَةِ كُفْرًا أَوْ فِسْقًا فَلْيَنْظُرُوا فِيمَا يَدْخُلُونَ وَالْمُعَرِّضُ بِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا أَحَقُّ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْعَجَبُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هَذَا إبْرَاهِيمُ وَهُوَ يَرْوِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. مُوَافَقَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا وَمَا وَجَدْنَا قَوْلَ الْمُخَالِفِينَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ إِلاَّ عَنْ زَيْدٍ وَحْدَهُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُخَرَّجَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ وَلَيْسَ يُقَالُ فِي إضْعَافِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ: خَالَفَ أَهْلَ الصَّلاَةِ فَبَطَلَ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ هَذَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأَُمِّهِ الثُّلُثُ} أَيْ مِمَّا يَرِثُهُ أَبَوَاهُ فَبَاطِلٌ، وَزِيَادَةٌ فِي الْقُرْآنِ لاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهَا.
برهان ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَسْأَلُهُ، عَنْ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ فَقَالَ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلأُُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:

(9/261)


َاتَقُولُهُ بِرَأْيِك أَمْ تَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ زَيْدٌ: أَقُولُهُ بِرَأْيِي، وَلاَ أُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى أَبٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ بِالآيَةِ مُتَعَلَّقٌ مَا قَالَ: أَقُولُهُ بِرَأْيِي لاَ أُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى أَبٍ، وَلَقَالَ: بَلْ أَقُولُهُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قال أبو محمد: لَيْسَ الرَّأْيُ حُجَّةً وَنَصُّ الْقُرْآنِ يُوجِبُ صِحَّةَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلأَُمِّهِ الثُّلُثُ} فَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ, وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلأَُمِّهِ السُّدُسُ} أَنَّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لاَ مِمَّا يَرِثُهُ الأَبَوَانِ ثُمَّ يَقُولُونَ هَاهُنَا فِي قوله تعالى: فَلأَُمِّهِ الثُّلُثُ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَرِثُ الأَبَوَانِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي الْقُرْآنِ وَإِقْدَامٌ عَلَى تَقْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ: فَأَصَابَ فِي الْوَاحِدَةِ وَأَخْطَأَ فِي الأُُخْرَى، لأََنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنَّمَا جَاءَ النَّصُّ مَجِيئًا وَاحِدًا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/262)


1716 - مَسْأَلَةٌ: وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ وَلَدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَلاَ وَلَدُ وَلَدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنْ وَلَدٍ ذَكَرٍ وَإِنْ سَفَلَ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ ابْنٌ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، أَوْ ابْنُ ابْنٍ ذَكَرٍ، أَوْ بِنْتُ ابْنٍ ذَكَرٍ وَإِنْ سَفَلَ كَمَا ذَكَرْنَا. فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إِلاَّ الرُّبُعُ. وَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ ابْنٌ ذَكَرٍ، وَلاَ أُنْثَى, وَلاَ ابْنُ ابْنٍ ذَكَرٍ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ ذَكَرٍ، أَوْ بِنْتُ ابْنِ ابْنٍ ذَكَرٍ وَإِنْ سَفَلَ مَنْ ذَكَرْنَا سَوَاءٌ مِنْ تِلْكَ الزَّوْجَةِ كَانَ الْوَلَدُ الْمَذْكُورُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. فَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ وَلَدٌ، أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ ذَكَرٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ إِلاَّ الثُّمُنُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ اثْنَتَانِ، أَوْ ثَلاَثٌ، أَوْ أَرْبَعٌ: هُنَّ شُرَكَاءُ فِي الرُّبُعِ، أَوْ الثُّمُنِ.
برهان ذَلِكَ نَصُّ الْقُرْآنِ الْمَحْفُوظِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي هَذَا أَصْلاً، وَلاَ حُكْمَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْوَاتٌ تَرَكُوا بَنِي بَنَاتٍ، فَاتَّسَقَ نَقْلُ الْجَمِيعِ عَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ أَنَّهُمْ لَمْ يَرِثُوا، وَلاَ حُجِبُوا، بَلْ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا، بِخِلاَفِ التَّحْرِيمِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْوَطْءِ الْمَنْقُولِ عَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ بِلاَ خِلاَفٍ أَنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي بَنِي الْبَنَاتِ، وَبَنِي الْبَنِينَ, وَبِخِلاَفِ وُجُوبِ الْحَقِّ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّفَقَةِ الَّتِي أَوْجَبَتْهُ النُّصُوصُ.

(9/262)


و لاعول في شيء من مواريث الفرائض
...
1717 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ عَوْلَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَوَارِيثِ الْفَرَائِضِ وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْمِيرَاثِ ذَوُو فَرَائِضَ مُسَمَّاةٍ لاَ يَحْتَمِلُهَا الْمِيرَاثُ، مِثْلُ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ، وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ وَأُخْتٍ لأَُمٍّ أَوْ أُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ أَوْ لأََبٍ وَأَخَوَيْنِ لأَُمٍّ أَوْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَابْنَةٍ، أَوْ ابْنَتَيْنِ

(9/262)


1718 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ مَاتَ وَتَرَكَ وَلَدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ ذَكَرٍ كَذَلِكَ، أَوْ تَرَكَ أَبًا أَوْ جَدًّا لأََبٍ، وَتَرَكَ أَخًا لأَُمٍّ، أَوْ أُخْتًا لأَُمٍّ، أَوْ أَخًا لأَُمٍّ، أَوْ إخْوَةً لأَُمٍّ: فَلاَ مِيرَاثَ لِوَلَدِ الأُُمِّ أَصْلاً، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَلِلأَخِ لِلأُُمِّ السُّدُسُ فَقَطْ، وَلِلأُُخْتِ لِلأُُمِّ السُّدُسُ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ أُخْتًا وَأَخًا لأَُمٍّ: فَلَهُمَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، لاَ يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الأُُنْثَى وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً: فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ شَرْعًا سَوَاءٌوَكَذَلِكَ إنْ وَجَبَ لَهُمْ السُّدُسُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ، وَلاَ فَرْقَ.
برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ

(9/267)


فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ.} وَهَذَا قَوْلُنَا. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ، إِلاَّ رِوَايَتَيْنِ رُوِيَتَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, إحْدَاهُمَا أَنَّ الإِخْوَةَ لِلأُُمِّ يَقْسِمُونَ الثُّلُثَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُُنْثَيَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الأَخَ لِلأُُمِّ وَالأُُخْتَ لِلأُُمِّ يَرِثَانِ مَعَ الأَبِ,فأما الْمَسْأَلَةُ الأُُولَى: فَلاَ نَقُولُ بِهَا، لأََنَّهَا خِلاَفُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَقُولُوا بِهَذِهِ الْقَوْلَةِ قِيَاسًا عَلَى مِيرَاثِ الإِخْوَةِ لِلأَبِ أَوْ الأَشِقَّاءِ، وَبِاَللَّهِ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ لَكَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ كُلِّ مَا حَكَمُوا فِيهِ بِالْقِيَاسِ، وَأَيْنَ هَذَا الْقِيَاسُ مِنْ قِيَاسِهِمْ مِيرَاثَ الْبِنْتَيْنِ عَلَى مِيرَاثِ الأُُخْتَيْنِ، وَسَائِرِ تِلْكَ الْمَقَايِيسِ الْفَاسِدَةِ؟.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَلَمْ تَصِحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلاَّ فِي السُّدُسِ الَّذِي حَطَّهُ الإِخْوَةُ مِنْ مِيرَاثِ الأُُمِّ فَرَدُّوهَا إلَى السُّدُسِ، عَنِ الثُّلُثِ فَقَطْ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ خِلاَفُهَا وَلَمْ نَقُلْ بِهَا: لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى هَذَا التَّوْرِيثَ " كَلاَلَةً " فَوَجَبَ أَنْ تَعْرِفَ مَا " الْكَلاَلَةُ " وَمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْبَرَ، عَنْ مُرَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ بِنَصٍّ ثَابِتٍ، أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، وَإِلَّا فَهُوَ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَوَجَدْنَا: مَنْ يَرِثُهُ إخْوَةٌ أَوْ أَخَوَانِ أَوْ أَخٌ إمَّا شَقِيقٌوَأَمَّا لأََبٍ،وَأَمَّا لأَُمٍّ، وَلاَ وَلَدَ لَهُ، وَلاَ ابْنَةَ، وَلاَ وَلَدَ ابْنِ ذَكَرٍ وَإِنْ سَفَلَ، وَلاَ أَبَ، وَلاَ جَدَّ لأََبٍ وَإِنْ عَلاَ فَهُوَ كَلاَلَةٌ، مِيرَاثُهُ كَلاَلَةٌ بِإِجْمَاعٍ مَقْطُوعٍ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ. وَوَجَدْنَا أَنَّ مَنْ نَقَصَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ شَيْءٌ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ: أَهُوَ كَلاَلَةٌ أَمْ لاَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْطَعَ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ بِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ الثَّابِتِ إذَا لَمْ نَجِدْ نَصًّا مُفَسِّرًا فَوَجَبَ بِهَذَا أَنْ لاَ يَرِثَ الإِخْوَةُ كَيْفَ كَانُوا، إِلاَّ حَيْثُ يُعْدَمُ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا، إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ مِيرَاثَ بَعْضِهِمْ نَصٌّ صَحِيحٌ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ فِي مَوْضِعَيْنِ فَقَطْ: وَهُوَ الأَخُ الشَّقِيقُ، أَوْ لِلأَبِ مَعَ الأَبْنَةِ فَصَاعِدًا، وَأُخْتٌ مِثْلُهُ مَعَهُ فَصَاعِدًا، مَا لَمْ يَسْتَوْفِ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ. وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: الأُُخْتُ كَذَلِكَ مَعَ الْبِنْتِ، أَوْ الْبَنَاتِ حَيْثُ لاَ عَاصِبَ لِلْمَيِّتِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/268)


1719 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَرَكَ ابْنًا وَابْنَةً، أَوْ ابْنًا وَابْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ ابْنَةً وَابْنًا فَأَكْثَرَ، أَوْ اثْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ: فَلِلذَّكَرِ سَهْمَانِ، وَلِلأُُنْثَى سَهْمٌ. هَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ، وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ.

(9/268)


1720 - مَسْأَلَةٌ: وَالأَخُ، وَالأُُخْتُ الأَشِقَّاءُ أَوْ لِلأَبِ فَقَطْ فَصَاعِدًا كَذَلِكَ أَيْضًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُُنْثَيَيْنِ وَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ، وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ.

(9/268)


1721 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ أَخٌ شَقِيقٌ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ، وَمَعَهُ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ فَأَكْثَرُ، أَوْ لاَ أُخْتَ مَعَهُ لَمْ يَرِثْ هَاهُنَا الأَخُ لِلأَبِ، وَلاَ الأُُخْتُ لِلأَبِ شَيْئًا, وَهَذَا نَصُّ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلأََوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ" وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ أَيْضًا

(9/268)


1722 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً، وَأَخًا لأََبٍ، أَوْ إخْوَةً ذُكُورًا لأََبٍ: فَلِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ وَلِلأَخِ لِلأَبِ أَوْ الإِخْوَةِ مِنْ الأَبِ: مَا بَقِيَ وَإِنْ كَثُرُوا وَهَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَنَصُّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَإِنْ تَرَكَ أُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ أَخًا، أَوْ إخْوَةً لأََبٍ فَلِلشَّقِيقَتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلأَخِ، أَوْ الإِخْوَةِ لِلأَبِ، كَمَا قلنا.

(9/269)


فان ترك أختا شقبقة
...
1723 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً، وَأُخْتًا لأََبٍ، أَوْ أَخَوَاتٍ لِلأَبِ: فَلِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ، وَلِلَّتِي لِلأَبِ أَوْ اللَّوَاتِي لِلأَبِ: السُّدُسُ فَقَطْ وَإِنْ كَثُرْنَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} فَلَمْ يَجْعَلْ تَعَالَى لِلأَخَوَاتِ وَإِنْ كَثُرْنَ إِلاَّ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ تَرَكَ أَيْضًا أُخْتًا لأَُمٍّ كَانَ لَهَا سُدُسٌ خَامِسٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَخًا لأَُمٍّ فَإِنْ كَانَ أَخَوَانِ لأَُمٍّ، أَوْ أُخْتَانِ لأَُمٍّ، أَوْ أَخًا، أَوْ أُخْتًا، أَوْ إخْوَةً كَثِيرًا لأَُمٍّ: فَالثُّلُثُ الْبَاقِي لَهُمَا أَوْ لَهُمْ أَوْ لَهُنَّ وَهَذَا نَصٌّ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ. فَإِنْ تَرَكَ شَقِيقَتَيْنِ وَأَخَوَاتٍ لأََبٍ، وَابْنَ عَمٍّ أَوْ عَمًّا، فَلِلشَّقِيقَتَيْنِ: الثُّلُثَانِ " وَلِلْعَمِّ، أَوْ لأَبْنِ الْعَمِّ مَا بَقِيَ، وَلاَ شَيْءَ لِلَّوَاتِي لِلأَبِ وَهَذَا دَلِيلُ النَّصِّ وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ إِلاَّ شَيْئًا ذُكِرَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ الثُّلُثَ الْبَاقِي لِلَّوَاتِي لِلأَبِ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ حَيْثُ يُوجَدُ عَاصِبٌ ذَكَرٌ وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ أُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ، وَأُخْتَيْنِ لأَُمٍّ، وَأَخَوَاتٍ أَوْ أُخْتًا لأََبٍ، أَوْ إخْوَةً لأََبٍ، فَلِلشَّقِيقَتَيْنِ فَصَاعِدًا: الثُّلُثَانِ، وَلِلْبِنْتَيْنِ لِلأُُمِّ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ، وَلاَ شَيْءَ لِلأُُخْتِ لِلأَبِ، وَلاَ لِلأَخَوَاتِ لِلأَبِ، وَلاَ لِلإِخْوَةِ لِلأَبِ وَهَذَا دَلِيلُ النَّصِّ، كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مَقْطُوعٌ بِهِ.

(9/269)


1724 - مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً، وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ لِلأَبِ، فَلِلشَّقِيقَةِ: النِّصْفُ، وَمَا بَقِيَ بَيْنَ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ لِلأَبِ، مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ مَا يَجِبُ لِلأَخَوَاتِ السُّدُسُ، وَلاَ يَزِدْنَ عَلَى السُّدُسِ أَصْلاً، وَيَكُونُ الْبَاقِي لِلذَّكَرِ وَحْدَهُ. فَإِنْ كَانَتَا شَقِيقَتَيْنِ، وَأُخْتًا أَوْ أَخَوَاتٍ لأََبٍ، وَأَخًا لأََبٍ فَالثُّلُثَانِ لِلشَّقِيقَتَيْنِ، وَالْبَاقِي لِلأَخِ الذَّكَرِ وَلاَ شَيْءَ لِلأُُخْتِ لِلأَبِ، وَلاَ لِلأَخَوَاتِ لِلأَبِ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى هُوَ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الأَجْدَعِ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي أَخَوَاتٍ لأََبٍ وَأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ لأََبٍ: لِلأَخَوَاتِ مِنْ الأَبِ وَالأُُمِّ: الثُّلُثَانِ، وَسَائِرُ الْمَالِ لِلذُّكُورِ دُونَ الإِنَاثِ.وبه إلى، سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَخَوَاتٍ لأََبٍ وَأُمٍّ فَجَعَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ لِلذُّكُورِ دُونَ الإِنَاثِ، فَخَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَ وَهُوَ يَرَى أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ لَهُ عَلْقَمَةُ: مَا رَدُّك، عَنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ، أَلَقِيت

(9/269)


1725 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَرِثُ مَعَ الأَبْنِ الذَّكَرِ أَحَدٌ إِلاَّ الْبَنَاتُ، وَالأَبُ وَالأُُمُّ، وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ، وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، فَقَطْ. وَوَلَدُ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ سَوَاءٌ فِي الْمِيرَاثِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدِ أَبِيهِ، وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً لِغَيْرِ أَبِيهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عُمُومُ الْقُرْآنِ وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ.

(9/271)


1726 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَرِثُ بَنُو الأَبْنِ مَعَ الأَبْنِ الذَّكَرِ شَيْئًا أَبَاهُمْ كَانَ أَوْ عَمَّهُمْ.، وَلاَ يَرِثُ بَنُو الأَخِ الشَّقِيقِ أَوْ لِلأَبِ مَعَ أَخٍ شَقِيقٍ أَوْ لأََبٍ وَهَذَا نَصُّ كَلاَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: "فَلأََوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ".

(9/271)


ومن ترك الابنتة وبنى ابن ذكور
...
1727 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَرَكَ ابْنَةً، وَبَنِي ابْنٍ ذُكُورًا فَلأَبْنَتِهِ النِّصْفُ وَلِبَنِي الأَبْنِ الذُّكُورِ مَا بَقِيَ, فَإِنْ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا، وَبَنِي ابْنٍ ذُكُورًا فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ فَلِبَنِي الأَبْنِ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ ابْنَةً وَلاَ وَلَدًا، وَتَرَكَ بِنْتَ ابْنٍ، فَلَهَا النِّصْفُ، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ، فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ، فَإِنْ تَرَكَ بَنَاتِ ابْنٍ وَبَنِي ابْنٍ: فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُُنْثَيَيْنِ. فَإِنْ تَرَكَ ابْنَةً وَابْنَةَ ابْنٍ، أَوْ بِنْتَيْ ابْنٍ، أَوْ بَنَاتِ ابْنٍفَلِلأَبْنَةِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الأَبْنِ، أَوْ لَبِنْتَيْ الأَبْنِ، أَوْ لِبَنَاتِ الأَبْنِ: السُّدُسُ فَقَطْ وَإِنْ كَثُرْنَ وَالْبَاقِي لِلْعَاصِبِ. فَإِنْ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَبَنَاتِ ابْنٍ وَعَمًّا وَابْنَ عَمٍّ، أَوْ أَخًا، أَوْ ابْنَ أَخٍ فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ لِلْعَمِّ، أَوْ لأَبْنِ الْعَمِّ، أَوْ لِلأَخِ، أَوْ لأَبْنِ الأَخِ، وَلاَ شَيْءَ لِبَنَاتِ الأَبْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ نَصٌّ وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، إِلاَّ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الآنَ.

(9/271)


ومن ترك ابنة وبنى ابن الذكور ا واناثا
...
1729 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَرَكَ ابْنَةً وَبَنِي ابْنٍ ذُكُورًا وَإِنَاثًا: فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ ثُمَّ يَنْظُرُ: فَإِنْ وَقَعَ لِبَنَاتِ الأَبْنِ بِالْمُقَاسَمَةِ السُّدُسُ فَأَقَلُّ قَاسَمْنَ، وَإِنْ وَقَعَ لَهُنَّ أَكْثَرُ لَمْ يَزِدْنَ عَلَى السُّدُسِ فَإِنْ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَبَنِي ابْنٍ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَالْبَاقِي لِذُكُورِ وَلَدِ الْوَلَدِ دُونَ الإِنَاثِ فَإِنْ تَرَكَ ابْنَةً، وَبِنْتَ ابْنٍ، وَبَنِي ابْنِ ابْنٍ: فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الأَبْنِ السُّدُسُ،وَكَذَلِكَ لَوْ كُنَّ أَكْثَرَ وَالْبَاقِي لِذُكُورِ وَلَدِ الْوَلَدِ دُونَ الإِنَاثِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يُقَاسِمُ الذَّكَرُ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ الإِنَاثِ وَيُقَاسِمُ أَيْضًا وَلَدُ الْوَلَدِ عَمَّاتِهِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُُنْثَيَيْنِ. وَهَذَا خَطَأٌ، وَالْحُجَّةُ فِيهِ كَالْحُجَّةِ فِي الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ لِلأَبِ مَعَ الأُُخْتِ وَالأَخَوَاتِ

(9/271)


والجدة ترث الثلث اذا لم يكن للميت أم حيث الثلث
...
1729 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجَدَّةُ تَرِثُ الثُّلُثَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أُمٌّ حَيْثُ تَرِثُ الأُُمُّ الثُّلُثَ، وَتَرِثُ السُّدُسَ حَيْثُ تَرِثُ الأُُمُّ السُّدُسَ، إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أُمٌّ وَتَرِثُ الْجَدَّةُ وَابْنُهَا أَبُو الْمَيِّتِ حَيٌّ، كَمَا تَرِثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا. وَكُلُّ جَدَّةٍ تَرِثُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ أَقْرَبُ مِنْهَا فَإِنْ اسْتَوَيْنَ فِي الدَّرَجَةِ اشْتَرَكْنَ فِي الْمِيرَاثِ الْمَذْكُورِ. وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا أُمُّ الأُُمِّ، وَأُمُّ الأَبِ، وَأُمُّ أُمِّ الأُُمِّ، وَأُمُّ أُمِّ الأَبِ، وَأُمُّ أَبِي الأَبِ، وَأُمُّ أَبِي الأُُمِّ، وَهَكَذَا أَبَدًا. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ: فَرُوِيَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لَمْ يُوَرِّثْ إِلاَّ جَدَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ أُمُّ الأُُمِّ فَقَطْ وَرُوِيَ عَنْهُ، وَعَنْ غَيْرِهِ، تَوْرِيثُ جَدَّتَيْنِ فَقَطْ، وَهُمَا: أُمُّ الأُُمِّ وَأُمَّهَاتُهَا، وَأُمُّ الأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بِتَوْرِيثِ ثَلاَثِ جَدَّاتٍ، وَهُمَا اللَّتَانِ ذَكَرْنَا، وَأُمُّ أَبٍ الأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا وَرُوِيَ، عَنْ طَائِفَةٍ: تَوْرِيثُ كُلِّ جَدَّةٍ إِلاَّ جَدَّةً مِنْ قِبَلِ أَبِي أُمٍّ، أَوْ مِنْ قِبَلِ أَبِي جَدَّةٍ.
وقال بعضهم: لاَ تَرِثُ الْجَدَّةُ وَالْجَدَّتَانِ وَالأَكْثَرُ إِلاَّ السُّدُسَ فَقَطْ وقال بعضهم: إنْ كَانَتْ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الأُُمِّ أَقْرَبَ انْفَرَدَتْ بِالسُّدُسِ وَلَمْ تَرِثْ مَعَهَا الَّتِي مِنْ قِبَلِ الأَبِ، فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الأَبِ مُسَاوِيَةً لِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الأُُمِّ أَوْ كَانَتْ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الأُُمِّ أَبْعَدَ اشْتَرَكَتَا فِي السُّدُسِ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ تَرِثُ الْجَدَّةُ مَا دَامَ ابْنُهَا الَّذِي صَارَتْ بِهِ جَدَّةً حَيًّا.
برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأَُمِّهِ الثُّلُثُ} وَقَالَ تَعَالَى: {مَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ} فَجَعَلَ آدَمَ وَامْرَأَتَهُ عليهما السلام أَبَوَيْنَا فَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ. وَقَدْ جَسَرَ قَوْمٌ عَلَى الْكَذِبِ هَاهُنَا فَادَّعَوْا الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ لَيْسَ لِلْجَدَّةِ إِلاَّ السُّدُسُ وَهَذَا مِنْ تِلْكَ الْجَسْرَاتِ كَتَبَ إلَيَّ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّبْرِيزِيُّ الأَزْدِيُّ، قَالَ: ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ اللَّبَّانِ، حَدَّثَنَا دِعْلِجُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الْجَارُودِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْجَدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الأُُمِّ إذَا لَمْ تَكُنْ أُمٌّ وَقَالَ طَاوُوس: الْجَدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الأُُمِّ تَرِثُ مَا تَرِثُ الأُُمُّ وَمَا وَجَدْنَا إيجَابَ السُّدُسِ لِلْجَدَّةِ إِلاَّ مُرْسَلاً، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ: خَمْسَةٌ فَقَطْ، فَأَيْنَ الإِجْمَاعُ.
قال أبو محمد: لاَ سِيَّمَا مَنْ وَرَّثَ الْجَدَّ مِيرَاثَ الأَبِ فَإِنَّهُ نَاقَضَ، إذْ لَمْ يُوَرِّثْ الْجَدَّةَ مِيرَاثَ الأُُمِّ.
فإن قيل: إنَّ خَبَرَ مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ "َطْعَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ جَدَّاتٍ السُّدُسَ" رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، كُلُّهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ. وَخَبَرُ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ.وَمُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ شَهِدَا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ

(9/272)


"َأنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ " . وَخَبَرُ ابْنِ وَهْبٍ عَمَّنْ سَمِعَ عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَطْعَمَ جَدَّتَيْنِ السُّدُسَ، إذَا لَمْ تَكُنْ أُمٌّ، أَوْ شَيْءٌ دُونَهُمَا، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ إِلاَّ وَاحِدَةٌ: فَلَهَا السُّدُسُ. وَخَبَرُ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رُزْمَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ.وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالُوا: وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُخَالِفُهُ. قلنا: هَذَا كُلُّهُ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ. حَدِيثُ قَبِيصَةَ مُنْقَطِعٌ، لأََنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا بَكْرٍ، وَلاَ سَمِعَهُ مِنْ الْمُغِيرَةِ، وَلاَ مُحَمَّدٍ، وَخَبَرُ إبْرَاهِيمَ مُرْسَلٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ فِيهِ خِلاَفٌ لِقَوْلِنَا، لأََنَّنَا نَقُولُ بِتَوْرِيثِهَا السُّدُسَ مِنْ حَيْثُ تَرِثُ الأُُمُّ السُّدُسَ مَعَ الْوَلَدِ وَالإِخْوَةِ. وَأَمَّا خَبَرُ بُرَيْدَةَ فَعَبْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ مَجْهُولٌ. وَخَبَرُ عَلِيٍّ أَفْسَدَهَا كُلَّهَا، لأََنَّ ابْنَ وَهْبٍ لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخْبَرَهُ بِهِ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَأَيْضًا فَعَبْدُ الْوَهَّابِ هَالِكٌ سَاقِطٌ. وَأَيْضًا فَلاَ سَمَاعَ يَصِحُّ لِمُجَاهِدٍ مِنْ عَلِيٍّ وَالرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ يُعْرَفُ مَخْرَجُهَا، وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ لَهَا السُّدُسَ حَيْثُ لِلأُُمِّ السُّدُسُ. وَهَلَّا قَالُوا هَاهُنَا بِقَوْلِهِمْ الْمَعْهُودِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَتْرُكْ مَا رُوِيَ إِلاَّ لأََمْرٍ هُوَ أَقْوَى فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ هَاهُنَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُكْمٌ بِخِلاَفِ قَوْلِنَا لَقُلْنَا بِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَصْلاً. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ الْمَذْكُورِ: جَاءَتْ الْجَدَّةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: إنَّ ابْنَ ابْنِي، أَوْ ابْنَ ابْنَتِي مَاتَ، وَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّ لِي فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقًّا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَجِدُ لَك فِي الْكِتَابِ حَقًّا، وَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي لَك بِشَيْءٍ وَسَأَسْأَلُ النَّاسَ قلنا: إنَّمَا أَخْبَرَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه، عَنْ وُجُودِهِ وَسَمَاعِهِ وَصَدَقَ، وَقَدْ رَوَيْتُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الْمُغِيرَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ سَمِعَا فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَسْمَعْ، فَرَجَعَ هُوَ رضي الله عنه إلَى مَا سَمِعَا مِمَّا لَمْ يَسْمَعْ هُوَ فَأَيُّ غَرِيبَةٍ فِي أَنْ لاَ يَجِدَ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ فِي ذِكْرِهِ حِينَئِذٍ مَا يَجِدُ غَيْرُهُ وَقَدْ مَنَعَ عُمَرُ مِنْ التَّزَيُّدِ عَلَى مِقْدَارِ مَا فِي الصَّدَاقِ، فَلَمَّا ذُكِّرَ بِالْقُرْآنِ رَجَعَ، وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ. وَقَدْ وَجَدْنَا نَصًّا: أَنَّ الْجَدَّةَ أَحَدُ الأَبَوَيْنِ فِي الْقُرْآنِ، وَمِيرَاثُ الأَبَوَيْنِ فِي الْقُرْآنِ، فَمِيرَاثُهَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَذْكُرُ الإِنْسَانُ مَا فِي حِفْظِهِ، وَنَسِيَ آدَم، فَنَسِيَ بَنُوهُ، فَهَذَا مِيرَاثُ الْجَدَّةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ لِمُخَالِفِنَا مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً، لاَ بِقُرْآنٍ، وَلاَ بِسُنَّةٍ، وَلاَ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ نَظَرٍ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وَلاَ مَعْنَى لِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ وَقِلَّتِهِمْ، وَقَدْ أَفْرَدْنَا أَجْزَاءَ ضَخْمَةً فِيمَا خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ، وَفِيمَا قَالَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِمَّا لاَ يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَ بِهِ قَبْلَهُ، وَقَطَعَهُ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ كُلُّ

(9/273)


وَاحِدٍ مِنْهُمْ الإِجْمَاعَ الْمُتَيَقَّنَ الْمَقْطُوعَ بِهِ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ، وَلاَ نَظَرٌ صَحِيحٌ بِتَرْجِيحِ مَا كَثُرَ الْقَائِلُونَ بِهِ عَلَى مَا قَلَّ الْقَائِلُونَ بِهِ. فَهَذَا مِيرَاثُ الْجَدَّةِوَأَمَّا: كَمْ جَدَّةً تَرِثُ فَإِنَّ طَائِفَةً قَالَتْ: لاَ تَرِثُ إِلاَّ جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أُمُّ الأُُمِّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَجُلاً مَاتَ وَتَرَكَ جَدَّتَيْهِ: أُمَّ أُمِّهِ، وَأُمَّ أَبِيهِ، فَأَتَوْا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَأَعْطَى أُمَّ أُمِّهِ السُّدُسَ دُونَ أُمِّ الأَبِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ بَدْرِيًّا لَقَدْ وَرَّثْتَ الَّتِي لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةَ مَا وَرِثَ مِنْهَا شَيْئًا، وَتَرَكَتْ امْرَأَةً لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةَ وَرِثَ مَالَهَا كُلَّهُ، فَأَشْرَكَ بَيْنَهُمَا فِي السُّدُسِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، كِلاَهُمَا، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَدَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي الآخَرِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَرَّثَ الْجَدَّةَ أُمَّ الأُُمِّ السُّدُسَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَاءَتْهُ الْجَدَّةُ أُمُّ الأَبِ، فَقَالَ لَهَا: مَا لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَسَوْفَ أَسْأَلُ لَك النَّاسَ قَالَ: فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يُخْبِرُهُ شَيْئًا فَقَالَ غُلاَمٌ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ: لِمَ لاَ تُوَرِّثُهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ لَوْ تَرَكَتْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَرِثَهَا، وَهَذِهِ لَوْ تَرَكَتْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَمْ يَرِثْهَا ابْنُ ابْنَتِهَا، فَوَرَّثَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَيَجْعَلُ فِي الْجَدَّاتِ خَيْرًا كَثِيرًا. فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ: جَعَلاَ الْمِيرَاثَ لِلْجَدَّةِ الَّتِي لِلأُُمِّ دُونَ أُمِّ الأَبِ. فإن قيل: قَدْ رَجَعَا، عَنْ ذَلِكَ قلنا: قَدْ قَالاَ بِهِ، وَلاَ حُجَّةَ إِلاَّ فِي إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، فَلاَ إجْمَاعَ مُتَيَقَّنٌ مَعَكُمْ أَصْلاً وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ عُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ كَمَا تَرَوْنَ. وَهَذَا عَلِيٌّ يُخْبِرُ بِأَنَّ عُمَرَ قَضَى مُدَّةَ حَيَاتِهِ بِمَنْعِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَعَلِيٌّ مَعَهُ يُوَافِقُهُ، وَعُثْمَانُ أَيْضًا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا وَلِي عَلِيٌّ خَالَفَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ مَا سَلَفَ مِمَّا ذَكَرْنَا إجْمَاعًا فَهَذَا أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا، وَالْكَذِبُ عَلَى جَمِيعِ الأُُمَّةِ أَشَدُّ عَارًا وَإِثْمًا مِنْ الْكَذِبِ عَلَى وَاحِدٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ خَيْرَ فِيهِ، وَالْقَوْلُ بِالظَّنِّ كَذِبٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَرِثُ إِلاَّ جَدَّتَانِ فَقَطْ: أُمُّ الأُُمِّ وَأُمُّهَا، وَأُمُّ أُمِّهَا، وَأُمُّ أُمِّ أُمِّهَا وَهَكَذَا أَبَدًا: أُمًّا فأما فَقَطْ. وَأُمُّ الأَبِ وَأُمُّهَا، وَأُمُّ أُمِّهَا، وَأُمُّ أُمِّ أُمِّهَا، وَهَكَذَا: أُمًّا فأما فَقَطْ، وَلاَ يُوَرِّثُونَ أُمَّ جَدٍّ أَصْلاً. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَرِثُ ثَلاَثُ جَدَّاتٍ فَقَطْ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ لأَبْنِ مَسْعُودٍ: أَتَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ أُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ، وَأَنْتَ تُوَرِّثُ ثَلاَثَ جَدَّاتٍ أَفَلاَ تُوَرِّثُ حَوَّاءُ امْرَأَةَ آدَمَ.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ، وَمَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ، وَابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ مَسْلَمَةُ: عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، كِلاَهُمَا: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ خَارِجَةُ، وَمَكْحُولٌ

(9/274)


أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَرَّثَ ثَلاَثَ جَدَّاتٍ: اثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الأُُمِّ، وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الأَبِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ. وَحُمَيْدٍ، قَالاَ جَمِيعًا: إنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: يَرِثْنَ ثَلاَثُ جَدَّاتٍ جَدَّتَا الأَبِ، وَجَدَّةُ الأُُمِّ لأَُمِّهَا وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يُوَرِّثُونَ مِنْ الْجَدَّاتِ ثَلاَثًا: جَدَّتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الأَبِ، وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الأُُمِّ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَشْعَثَ، هُوَ ابْنُ سَوَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: جِئْنَ أَرْبَعُ جَدَّاتٍ إلَى مَسْرُوقٍ فَوَرَّثَ ثَلاَثًا، وَأَلْغَى أُمَّ أَبِي الأُُمِّ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: إذَا كُنَّ الْجَدَّاتُ أَرْبَعًا: طُرِحَتْ أُمُّ أَبِي الأُُمِّ وَوَرِثَ الثَّلاَثُ السُّدُسَ أَثْلاَثًا بَيْنَهُنَّ وَبِهِ يَقُولُ الأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَرِثُ أَرْبَعُ جَدَّاتٍ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُ الْجَدَّاتِ الأَرْبَعِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَانَا يُوَرِّثَانِ أَرْبَعَ جَدَّاتٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَرِثُ كُلُّ جَدَّةٍ إِلاَّ جَدَّةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أَبُو أُمٍّ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِمَا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إنَّمَا طُرِحَتْ أُمُّ أَبِي الأُُمِّ، لأََنَّ أَبَا الأُُمِّ لاَ يَرِثُ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَرِثُ كُلُّ جَدَّةٍ.كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَشْعَثَ، وَأَبِي سَهْلٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ كِلاَهُمَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُوَرِّثُ مَا قَرُبَ مِنْ الْجَدَّاتِ وَمَا بَعُدَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضًا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ قَالَ: جِئْنَ إلَى مَسْرُوقٍ أَرْبَعُ جَدَّاتٍ يَتَسَاءَلْنَ فَأَلْغَى أُمَّ أَبِي الأُُمِّ، قَالَ أَشْعَثُ: فَأَخْبَرْت بِذَلِكَ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: أَوْهَمَ أَبُو عَائِشَةَ، يُوَرَّثْنَ جَمِيعًا.
قال أبو محمد: أَبُوعَائِشَةَ: كُنْيَةُ مَسْرُوقٍ، وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ كُلُّ هَؤُلاَءِ رُوِيَ عَنْهُمْ تَوْرِيثُ أُمِّ أَبِي الأُُمِّ، وَغَيْرِهَا. قَالَ عَلِيٌّ: فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ إِلاَّ جَدَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ أُمُّ الأُُمِّ وَأُمُّهَا ثُمَّ أُمُّهَا، هَكَذَا فَقَطْ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الْمُجْتَمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهَا، وَلاَ يَصِحُّ أَثَرٌ بِخِلاَفِ ذَلِكَ. فإن قيل: قَدْ رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ، عَنْ ذَلِكَ قلنا: نَعَمْ، وَعُمَرُ قَدْ قَالَ بِهِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ.فإن قيل: فَقَدْ رَجَعَ قلنا: فَكَانَ مَاذَا إذَا وُجِدَ الْخِلاَفُ، وَوَسِعَ الآخَرَ مَا وَسِعَ الأَوَّلَ مِنْ الأَجْتِهَادِ وَالأَسْتِدْلاَلِ، وَلَيْسَتْ الْحُجَّةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمَا رضي الله عنهما بِمُوجَبِهِ رُجُوعًا، لأََنَّ أُمَّ الأُُمِّ تَرِثُ، وَلاَ تُورَثُ

(9/275)


بِلاَ خِلاَفٍ، وَالْعَمَّةُ تُورَثُ، وَلاَ تَرِثُ بِلاَ خِلاَفٍ. وَهَذَا عُمَرُ قَدْ رَجَعَ، عَنْ تَحْرِيمِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى نَاكِحِهَا فِي الأَبَدِ، وَأَبَاحَ لَهُ نِكَاحَهَا، فَلَمْ يَرْجِعْ مَالِكٌ، عَنْ قَوْلِهِ الأَوَّلِ لِرُجُوعِ عُمَرَ عَنْهُ. وَهَذَا عَلِيٌّ قَدْ رَجَعَ، عَنْ مَنْعِهِ بَيْعَ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ، وَلَمْ يَرْجِعْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ لِرُجُوعِهِ، وَلَيْسَ رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ حُجَّةً، كَمَا أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَيْسَ حُجَّةً، إِلاَّ أَنْ يُصَحِّحَ الْقَوْلَ أَوْ الرُّجُوعَ حُجَّةً. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَرِثُ مِنْ الأَجْدَادِ إِلاَّ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَبٌ الأَبِ، وَأَبُوهُ، وَأَبُو أَبِيهِ هَكَذَا فَقَطْ، فَالْوَاجِبُ أَنْ لاَ يَرِثَ مِنْ الْجَدَّاتِ إِلاَّ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أُمُّ الأُُمِّ، وَأُمُّهَا وَأُمُّ أُمِّهَا وَهَكَذَا فَقَطْ.
قال أبو محمد: هَاتَانِ حُجَّتَانِ لاَزِمَتَانِ لأََهْلِ الْقِيَاسِ، لأََنَّ الأُُولَى كَثِيرًا مَا يَحْتَجُّونَ بِهَا، وَالثَّانِيَةُ أَصَحُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْقِيَاسِ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ لِهَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونُهَا أُمٌّ، بِدَلِيلِ ذِكْرِ الأُُمِّ الَّتِي دُونَهَا، فَلَمْ يَذْكُرْ هَاهُنَا إِلاَّ جَدَّةً تَكُونُ دُونَهَا أُمٌّ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ آنِفًا وَعِلَّتَهُ، وَلاَ يَلْزَمَانِنَا، لأََنَّنَا لاَ نَمْنَعُ مِنْ الأَخْذِ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ إذَا أَوْجَبَهُ برهان، بَلْ نُوجِبُ الأَخْذَ بِهِ حِينَئِذٍ، وَلَوْلاَ الْبُرْهَانُ الْمُوجِبُ لِتَوْرِيثِ كُلِّ جَدَّةٍ لَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِسِوَاهُ، لأََنَّهُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ وَمَا عَدَاهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَنَحْنُ لاَ نَقُولُ بِالْقِيَاسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ إِلاَّ جَدَّتَيْنِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا أَوْرَدْنَا. فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِخَبَرِ مُجَاهِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَطْعَمَ جَدَّتَيْنِ السُّدُسَ قلنا: هَذَا خَبَرٌ فَاسِدٌ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام مَنَعَ مِنْ تَوْرِيثِ أَكْثَرَ وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ أَحْسَنُ مِنْهُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَرَّثَ ثَلاَثَ جَدَّاتٍ. وَلَيْسَ قَوْلُ سَعْدٍ أَلاَ تُوَرِّثُ حَوَّاءَ امْرَأَةَ آدَمَ حُجَّةً، لأََنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي وُجُوبِ تَوْرِيثِ حَوَّاءَ امْرَأَةِ آدَمَ لَوْ كَانَتْ حَيَّةً، وَلَمْ تَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ، وَلاَ جَدَّةٌ، لأََنَّ كُلَّ مَيِّتٍ فِي الْعَالَمِ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلَهُ أُمٌّ، وَلأَُمِّهِ أُمٌّ، وَلأَُمِّ أُمِّهِ أُمٌّ، هَكَذَا قَطْعًا بِيَقِينٍ إلَى بِنْتِ حَوَّاءَ، فَهِيَ جَدَّةٌ مِنْ قِبَلِ أُمِّ الأُُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا بِيَقِينٍ، فَبَطَلَ هَذَا الأَعْتِرَاضُ، وَلَمْ يَبْقَ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلِّقٌ أَصْلاً. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ: مِنْ أَنَّ مَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ، فِي أَقْوَالِهِمَا فِي الْفَرَائِضِ مُقَلِّدِينَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَزَيْدٌ يُوَرِّثُ ثَلاَثَ جَدَّاتٍ فَخَالَفُوهُ بِلاَ مَعْنَى، وَلَيْسَ إنْكَارُ سَعْدٍ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ تَوْرِيثَ ثَلاَثِ جَدَّاتٍ مُوجِبًا أَنَّ سَعْدًا كَانَ يُوَرِّثُ جَدَّتَيْنِ، بَلْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لاَ يُوَرِّثُ إِلاَّ جَدَّةً وَاحِدَةً، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ.وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ إِلاَّ ثَلاَثَ جَدَّاتٍ، فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا إِلاَّ خَبَرُ إبْرَاهِيمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَطْعَمَ ثَلاَثَ جَدَّاتٍ السُّدُسَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ، لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام مَنَعَ مِنْ تَوْرِيثٍ أَكْثَرَ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلا وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ

(9/276)


إِلاَّ أَرْبَعَ جَدَّاتٍ، فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا أَصْلاً، فَبَطَلَ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْحُجَّةِ,وَأَمَّا مَنْ وَرَّثَ كُلَّ جَدَّةٍ إِلاَّ جَدَّةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أَبُو أُمٍّ، فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلاً، إِلاَّ مَا قَالَ الشَّعْبِيُّ: مِنْ أَنَّ الَّذِي تُدْلِي بِهِ لاَ يَرِثُ فَيُقَالُ لَهُمْ: فَكَانَ مَاذَا هَذَا الْمُسْلِمُ يَمُوتُ لَهُ أَبٌ كَافِرٌ، وَجَدٌّ مُسْلِمٌ، أَوْ عَمٌّ مُسْلِمٌ، أَوْ ابْنُ عَمٍّ مُسْلِمٌ، فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَرِثُ، وَأَنَّ الَّذِي يُدْلِي بِهِ لاَ يَرِثُ. إنَّمَا الْمَوَارِيثُ بِالنُّصُوصِ لاَ بِالْقُرْبِ، وَلاَ بِالإِدْلاَءِ، وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمُعْتَقَةُ لاَ تَكُونُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ، وَلاَ الْمَجْنُونُ فَلاَ يَنْكِحَانِ، وَعَاصِبُهُمَا يَنْكِحُ مَوْلاَتَهَا، وَعَاصِبُ الْمَجْنُونِ يَنْكِحُ ابْنَتَهُ وَأُخْتَه، وَاَلَّذِي يُدْلِيَانِ بِهِ لاَ يَنْكِحُ. وَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَدَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى مَا يَقُولُونَ مِنْ مَنْعِ الْجَدَّةِ أُمِّ أَبِي الأُُمِّ الْمِيرَاثَ، فَمَا هَذَا بِبِدْعٍ مِنْ جَسْرَاتِهِمْ، فَقَدْ رَأَيْنَا كَذِبَهُمْ بِقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْحُجَّةِ.وَأَمَّا مَنْ وَرَّثَ كُلَّ جَدَّةٍ، فَإِنَّ حُجَّتَهُ مَا صَدَّرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْجَدَّةَ أُمٌّ، وَأَحَدُ الأَبَوَيْنِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَمِيرَاثُ الأَبَوَيْنِ مُبَيَّنٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْرَمَ الأَبَوَانِ الْمِيرَاثَ إِلاَّ بِنَصٍّ صَحِيحٍ، أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ.فَصَحَّ الإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بِنَقْلِ كَوَافِّ الأَعْصَارِ، عَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُوَرِّثْ قَطُّ مِنْ ابْنِ بِنْتٍ بِالْبُنُوَّةِ، وَلاَ ابْنِ بِنْتٍ بِالْبُنُوَّةِ، فَسَقَطَ مِيرَاثُ كُلِّ جَدٍّ يَكُونُ الْمَيِّتُ مِنْهُ ابْنَ بِنْتٍ، وَبَقِيَ مِيرَاثُ الْجَدِّ الَّذِي هُوَ أَبٌ وَأَبُو أَبٍ فَقَطْ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِمَنْعِ الْجَدَّةِ مِنْ الْمِيرَاثِ بِذَلِكَ، فَبَقِيَ مِيرَاثُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاجِبًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَوَجَدْنَا خَبَرَ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ" مُوَافِقًا لِهَذَا الْقَوْلِ، لأََنَّهُ عَمَّ، وَلَمْ يَخُصَّ جَدَّةً مِنْ جَدَّةٍ، فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِالْمُرْسَلِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا، لأََنَّهُ أَعَمُّ مِنْ سَائِرِ الأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَعْتَمِدُ إِلاَّ عَلَى نَصِّ الْقُرْآنِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَقَطْ، وَبَطَلَتْ سَائِرُ الأَقْوَالِ بِيَقِينٍ لاَ مِرْيَةَ فِيهِ، لِتَعَرِّيهَا مِنْ حُجَّةِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وأما تفاضل الجدات في القرب فإن طائفة قالت: لا نبالي أي الجدات أقرب، ولا أيتهن أبعد في الميراث سواء. كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحجاج بن أرطاة عن الشعبي قال: كان ابن مسعود يساوي بين الجدتين - كانت إحداهما أقرب أو لم تكن أقرب - وروي عنه أيضا: لا يحجب الجدات إلا الأم، ويرثن - وإن كان بعضهن أقرب من بعض - إلا أن تكون إحداهن أم الأخرى فترث الابنة دون أمها. وقول آخر: كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث عن الشعبي قال: كان ابن مسعود يورث ما قرب من الجدات وما بعد منهن، جعل لهن السدس إذا كن من مكانين شتى، فإذا كن من مكان واحد ورث القربى. وقول ثالث: قاله الحسن بن حي، وزفر بن الهذيل، وهو إن كانت

(9/277)


إحدى الجدتين جدة من جهتين، وكانت الأخرى جدة من جهة واحدة: فللتي من جهتين ثلثا السدس، وللتي من جهة واحدة ثلث السدس. مثال ذلك: امرأة تزوج ابن ابنها ابنة ابنتها فولد لهما ولد، فمات أبواه وجدتاه ولم يترك إلا هذه المرأة التي هي أم أبي أبيه وأم أم أمه، فهي جدة من جهتين - وجدة أخرى هي أم أم أبيه، فهي جدة من جهة واحدة. وقول رابع: وهو أنه إن كانت الجدة التي من جهة الأم أبعد من التي من قبل الأب اشتركتا في الميراث جميعا، وكذلك إن كانتا سواء، فإن كانت التي من قبل الأم أقرب من التي من قبل الأب: كان الميراث كله للتي من قبل الأم، ولا شيء للتي من قبل الأب. كما روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال: إذا كانت الجدة من قبل الأم أقرب فهي أحق به، فإن كانت أبعد فهما سواء. ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد، وحميد عن (أهل المدينة)، قالوا: إذا كانت جدتان من قبل الأم ومن قبل الأب، فإن كانت التي من قبل الأم أقرب فهي أحق بالسدس، وإن كانت التي من قبل الأب أقرب فالسدس بينهما. ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد قال: أدركت خارجة بن زيد، وطلحة بن عبد الله بن عوف، وسليمان بن يسار، يقولون: إذا كانت جدتان من قبل الأب ومن قبل الأم، فإن كانت التي من قبل الأم أقرب فهي أحق بالسدس، وإن كانت أبعد: فهما سواء. وهو قول عطاء - وبه يقول مالك، والأوزاعي، وروي عن الشافعي. وقول خامس: وهو أيتهن كانت أقرب فهي أحق بالميراث. كما روينا من طريق سفيان، ومعمر عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب، فذكر توريث أبي بكر للجدة من قبل الأب أو من قبل الأم، وفيه: فلما كانت خلافة عمر جاءت الجدة التي يخالفها، فقال عمر: إنما كان القضاء في غيرك، ولكن إذا اجتمعتما فالسدس بينكما، وأيكما خلت به فهو لها ومن طريق وكيع نا سفيان هو الثوري - عن حميد الطويل عن عمار بن أبي عمار عن زيد بن ثابت: أنه كان يورث القربى من الجدات. ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا محمد بن سالم عن الشعبي: أن علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت كانا يجعلان السدس للقربى منهما - يعني الجدتين. ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين في الجدات قال: إن كانت واحدة فالسدس لها، وإن كانت اثنتين فالسدس بينهما فإن كن ثلاثا فالسدس بينهن، وإن كن أربعا فالسدس بينهن، وأيتهن كانت أقرب فهي أحق، إنما هي طعمة. وبه يقول الحسن البصري، ومكحول، وأبو حنيفة، وأصحابه، وسفيان الثوري، والحسن بن حي، وشريك، وداود - وهو أشهر قولي الشافعي.

(9/278)


قال أبو محمد: أما القول الثاني الذي ذكرنا عن ابن مسعود، والقول الثالث الذي ذكرنا عن زفر، والرابع الذي اختاره مالك: فأقوال لا دليل على صحة شيء منها: لا من قرآن، ولا من سنة، ولا من رواية سقيمة، ولا من قول صاحب لا مخالف له، ولا من إجماع، ولا من نظر، ولا قياس ولا من رأي له وجه. والعجب من تقليد المالكيين لقول زيد في ذلك دون قول زيد الثاني، فهذا عجب جدا، فلم يبق إلا القول الأول، وهذا الآخر. فوجدنا من حجة من ذهب إلى القول الأول أن يقول: الجدة أم، فكلهن أم، وكلهن وارثة. قال علي: ووجدنا حجة القول الآخر أن ميراث الأب والأم قد صح بالقرآن، فأول أم توجد، وأول أب يوجد، فميراثهما واجب، ولا تجوز تعديهما إلى أم ولا إلى أب أبعد منهما، إذ لم يوجب ذلك نص أصلا - وهذا هو الحق - وبالله تعالى التوفيق. وأما هل ترث الجدة أم الأب والأب حي ؟ فطائفة قالت: لا ترث. روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن محمد بن سالم عن الشعبي قال: كان علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت لا يورثان الجدة مع ابنها. وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: أن عثمان بن عفان لم يورث الجدة إن كان ابنها حيا - قال الزهري: والناس عليه. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت كان لا يورث الجدة أم الأب وابنها حي. ومن طريق ابن وهب عمن يثق به عن سعيد بن المسيب قال: قال ابن مسعود في الجدة وابنها حي: منعها الذي به تمت. ومن طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن كثير بن شنظير عن عطاء أن زيد بن ثابت قال: يحجب الرجل أمه كما تحجب الأم أمها من السدس - كثير لا شيء - وحديث ابن وهب مرسل - وروي هذا عن سعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام. وهو قول سعيد بن المسيب، وطاوس، والشعبي - وبه يقول سفيان، والأوزاعي، ومالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وروي عن داود. والقول الثاني: أنها ترث. كما روينا من طريق سعيد بن منصور، نا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الشعبي قال: قال ابن مسعود: إن أول جدة ورثت في الإسلام كانت مع ابنها.
قال أبو محمد: أقل ما في هذا أن يراد خلاف أبي بكر. ومن طريق وكيع نا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه قال: مات ابن لحسكة الحبطي فترك حسكة وأما لحسكة، فكتب أبو موسى الأشعري إلى عمر في ذلك ؟ فكتب إليه عمر: ورثها مع ابنها السدس ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود: أنه ورث الجدة مع ابنها، قال وكيع: ونا الأعمش عن إبراهيم

(9/279)


النخعي عن ابن مسعود قال: لا يحجب الجدات إلا الأم. ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا سلمة بن علقمة عن حميد بن هلال العدوي عن رجل منهم: أن رجلا منهم مات وترك أم أبيه، وأم أمه، وأبوه حي فوليت تركته، فأعطيت السدس أم أمه، وتركت أم أبيه؟ فقيل لي: كان ينبغي لك أن تشرك بينهما ؟ فأتيت عمران بن الحصين فسألته ؟ فقال: أشرك بينهما في السدس ؟ ففعلت ومن طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن كثير بن شنظير عن الحسن، وابن سيرين أن أبا موسى الأشعري ورث أم حسكة من ابن حسكة وحسكة حي. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن بلال بن أبي بردة أن أبا موسى الأشعري كان يورث الجدة مع ابنها - وقضى بذلك بلال - وهو أمير على البصرة - وهو قول عامر بن واثلة. ومن طريق عبد الرزاق نا هشام بن حسان، ومعمر، قال هشام: عن أنس بن سيرين، وقال معمر: عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين، ثم اتفق أنس، ومحمد: على أن شريحا كان يورث الجدة مع ابنها وهو حي. ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء جابر بن زيد قال: ترث الجدة مع ابنها. ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد، ومنصور، كلاهما عن أنس بن سيرين قال: شهدت شريحا أتى في رجل ترك جدتيه: أم أمه، وأم أبيه، وأبوه حي: فأشرك بين جدتيه في السدس. ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا حميد عن الحسن، وابن سيرين في الجدة: أنهما كانا يورثانها مع ابنها، فهم كما ترى: خلافة أبي بكر، وعمر، وأبي موسى الأشعري، وابن مسعود، وعمران بن الحصين، وعامر بن واثلة، وجابر بن زيد، وشريح، والحسن، وابن سيرين. وهو قول عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، ومسلم بن يسار، وعطاء بن أبي رباح، والمسيب، وسوار بن عبد الله، وعبيد الله بن الحسن، وشريك بن عبد الله، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وفقهاء البصرة - وروي عن داود أيضا. فوجدنا أهل القول الأول يحتجون بالخبر الذي ذكرنا من طريق ابن وهب عمن سمع عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر عن أبيه عن علي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم جدتين السدس إذا لم تكن أم، أو شيء دونهما".
قال أبو محمد: هذا خبر سوء منقطع ما بين ابن وهب، وعبد الوهاب، ثم عبد الوهاب متروك، ثم لا يصح لمجاهد سماع من علي، ثم ليس فيه بيان بذكر الأب. وقالوا أيضا: لما حجب أباه وجب أن يحجب أمه. قال علي: وهذا قياس والقياس كله فاسد، ثم لو صح لكان هذا منه غاية الفساد، لأنه إنما يحجب أباه بأنه عاصب أولى منه، والجدة لا ترث بالتعصيب إنما ترث بالسهم، فبابه غير بابها. ثم يعارضون بأن يقال لهم:

(9/280)


كما لا تحجب الأم كذلك لا تحجب الجدة، وكما لا تحجب أم الأم كذلك لا تحجب أم نفسه. وقالوا: كما تحجب الأم أمها كذلك يحجب الأب أمه ؟ قلنا: هذا قياس، والقياس كله باطل، ثم لو صح القياس لكان هذا منه باطلا، لأن الأم إنما حجبت أمها لأنها أم أقرب منها، وليس الأب كذلك. ثم يقال لهم: كما لا تحجب الأم الجد - وإنما تحجب الجدات - كذلك لا يحجب الأب الجدات، وإنما يحجب الجد فقط. وقالوا: حجبها الذي تدلي به - وهذا ليس بشيء، لأنه قول لم يوجبه قرآن ولا سنة، وقد وجدنا الجدة من الأب يكون الأب عبدا فلا يحجبها عندهم وهي تدلي به. فإن قالوا: إنما يحجبها إذا ورث؟ قلنا: هذه زيادة لم يوجبها برهان قرآن ولا سنة، فهي لا شيء، إنما هي دعوى لا نوافقكم عليها، فهي ساقطة ما لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا إجماع. وقالوا: ميراثها مع وجود الأب مختلف فيه ؟ قلنا: نعم، فإن لم يوجب ميراثها برهان، وإلا فلا ميراث لها.
قال أبو محمد: فسقط هذا القول، إذ لا برهان على صحته، وبقي أن نثبت صحة قولنا بحول الله وقوته فنقول - وبالله تعالى التوفيق. قد جاء نص القرآن بإيجاب ميراث الأبوين سواء، فوجب بالقرآن ميراث الأب والجد، وأبي الجد، وجد الجد مع الأم، لأنهم أبوان، ووجب ميراث الجدة مع الجدة كما قلنا، ومع الأب، لأنهما أبوان، فليس ميراث الأب أولى من ميراث الأم وأمها أمه - وهذا نص لا يسع خلافه. وكتب إلي أبو الحسن علي بن إبراهيم التبريزي نا أبو الحسين محمد بن عبد الله البصري المعروف بابن اللبان نا أحمد بن كامل بن شجرة القاضي نا أحمد بن عبيد الله نا يزيد بن هارون نا محمد بن سالم عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم "أنه ورث جدة وابنها حي" ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأشعث - هو ابن عبد الملك الحمراني - عن ابن سيرين قال: "أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أب مع ابنها}. ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو يحيى بكر بن محمد الضرير عن الأشعث بن عبد الملك عن الحسن البصري قال: "أول جدة أطعمت السدس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنها حي". قال علي: عهدنا بالحنفيين، والمالكيين يقولون: المسند والمرسل سواء، وهذان مرسلان ومسند صالح، فليأخذوا بهما. فإن قالوا: لعل ابنها كان عم الميت ؟ قلنا: لا يرد الدين ب "لعل" لكن ابنها هو الأب والعم، أيهما كانت ورثت معه، وتخصيص العم بذلك لا يجوز، لأنه دعوى كاذبة، وقطع بالظن، وتفسير بارد للخبر، لأنه لا فائدة هاهنا في حياة العم ولا في موته - وبالله تعالى التوفيق.
فَصْلٌ
قال أبو محمد: وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الأَبَ لاَ يَحْجُبُ أُمَّ الأُُمِّ، وَلاَ أُمَّ أُمِّ الأُُمِّ فَصَاعِدًا،

(9/281)


وَقَدْ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: إنَّ الْجَدَّ أَبَا الأَبِ يَحْجُبُ جَدَّةَ الأَبِ أُمَّ أُمِّهِ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/282)


ولا ترث الأخوة الذكور ولا الأناث
...
مَعَ الإِخْوَةِ السُّدُسَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَخٌ لَنَا آخَرُ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ وَتَرَكَ إخْوَتَهُ وَجَدَّهُ فَأَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ: فَأَعْطَى الْجَدَّ مَعَ الإِخْوَةِ الثُّلُثَ.
فَقُلْنَا لَهُ: إنَّك أَعْطَيْت جَدَّنَا فِي أَخِينَا الأَوَّلِ السُّدُسَ، وَأَعْطَيْته الآنَ الثُّلُثَ فَقَالَ: إنَّمَا نَقْضِي بِقَضَاءِ أَئِمَّتِنَا.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مُطَرِّفُ، هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: إنَّا كُنَّا أَعْطَيْنَا الْجَدَّ مَعَ الإِخْوَةِ السُّدُسَ، وَلاَ أَحْسَبُنَا إِلاَّ قَدْ أَجْحَفْنَا بِهِ فَإِذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَعْطِ الْجَدَّ مَعَ الأَخِ الشَّطْرَ، وَمَعَ الأَخَوَيْنِ الثُّلُثَ، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ تُنْقِصْهُ مِنْ الثُّلُثِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ:
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى: أَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الإِخْوَةَ لِلأَبِ وَالأُُمِّ، وَالإِخْوَةَ لِلأُُمِّ مَا كَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، فَإِنْ كَثُرَ الإِخْوَةُ أَعْطَى الْجَدَّ الثُّلُثَ، وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلإِخْوَةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُُنْثَيَيْنِ، وَإِنَّ بَنِي الأَبِ وَالأُُمِّ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ بَنِي الأَبِ ذُكُورِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، غَيْرَ أَنَّ بَنِي الأَبِ يُقَاسِمُونَ الْجَدَّ وَبَيْنَ الأَبِ وَالأُُمِّ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَكُونُ لِبَنِي الأَبِ شَيْءٌ مَعَ بَنِي الأَبِ وَالأُُمِّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَنُو الأَبِ يَرُدُّونَ عَلَى بَنَاتِ الأَبِ وَالأُُمِّ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ فَرَائِضِ بَنَاتِ الأَبِ وَالأُُمِّ، فَهُوَ لِلإِخْوَةِ مِنْ الأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُُنْثَيَيْنِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يُشْرِكُ الْجَدَّ مَعَ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ إلَى الثُّلُثِ، فَإِذَا بَلَغَ الثُّلُثَ أَعْطَاهُ الثُّلُثَ، وَكَانَ لِلإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ مَا بَقِيَ، وَيُقَاسِمُ الأَخَ لِلأَبِ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى أَخِيهِ، وَيُقَاسِمُ بِالإِخْوَةِ مِنْ الأَبِ أَوْ الأَخَوَاتُ مِنْ الأَبِ الإِخْوَةَ وَالأَخَوَاتِ مِنْ الأَبِ وَالأُُمِّ، وَلاَ يُوَرِّثُهُمْ شَيْئًا، فَإِذَا كَانَ الأَخُ لِلأَبِ وَالأُُمِّ أَعْطَاهُ النِّصْفَ، وَإِذَا كَانَ أَخَوَاتٌ وَجَدٌّ أَعْطَاهُ مَعَ الأَخَوَاتِ الثُّلُثَ، وَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَإِنْ كَانَتَا أُخْتَيْنِ أَعْطَاهُمَا النِّصْفَ وَلَهُ النِّصْفُ، وَلاَ يُعْطِي أَخًا لأَُمٍّ مَعَ الْجَدِّ شَيْئًا.
قال أبو محمد: فَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ كَمَا تَسْمَعُونَ، عَنْ عُمَرَ، وَزَيْدٍ:.
وَبِهِ يَقُولُ الأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالْحَسَنُ اللُّؤْلُؤِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إلَى التَّوْقِيفِ جُمْلَةً، وَرَجَعَ اللُّؤْلُؤِيُّ إلَى الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا، عَنْ عَلِيٍّ وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ رَجَعَ، عَنْ هَذَا إلَى أَنْ يُنْقَصَ الْجَدُّ، عَنْ ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْد أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ

(9/268)


1731 - مَسْأَلَةٌ: وَهِيَ " الْخَرْقَاءُ " وَهِيَ: أُمٌّ، وَأُخْتٌ، وَجَدٌّ: وَرُوِّينَا، عَنِ الْبَزَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ الْبَزَّارُ: يُقَالُ: لَيْسَ بِمِصْرَ أَوْثَقُ وَأَصْدَقُ مِنْهُ [حدِيثًا]، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ أَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: بَعَثَ إلَيَّ الْحَجَّاجُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي جَدٍّ، وَأُمٍّ، وَأُخْتٍ قُلْت: اخْتَلَفَ فِيهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ الْحَجَّاجُ: فَمَا قَالَ فِيهَا ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ كَانَ لَمُتْقَنًا قُلْت: جَعَلَ الْجَدَّ أَبًا، وَلَمْ يُعْطِ الأُُخْتَ شَيْئًا، وَأَعْطَى الأُُمَّ الثُّلُثَ قَالَ: فَمَا قَالَ فِيهَا ابْنُ مَسْعُودٍ قُلْت: جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ: أَعْطَى الأُُخْتَ ثَلاَثَةً، وَأَعْطَى الْجَدَّ اثْنَيْنِ، وَأَعْطَى الأُُمَّ الثُّلُثَ، قَالَ: فَمَا قَالَ فِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عُثْمَانَ قُلْت: جَعَلَهَا أَثْلاَثًا، قَالَ: فَمَا قَالَ فِيهَا أَبُو تُرَابٍ يَعْنِي عَلِيًّا قُلْت: جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ: أَعْطَى الأُُخْتَ ثَلاَثَةً، وَأَعْطَى الأُُمَّ اثْنَيْنِ، وَأَعْطَى الْجَدَّ سَهْمًا، قَالَ: فَمَا قَالَ فِيهَا زَيْدٌ قُلْت: جَعَلَهَا مِنْ تِسْعَةٍ: أَعْطَى الأُُمَّ ثَلاَثَةً، وَأَعْطَى الْجَدَّ أَرْبَعَةً، وَأَعْطَى الأُُخْتَ: اثْنَيْنِ قَالَ الْحَجَّاجُ: مُرْ الْقَاضِي يُمْضِيهَا عَلَى مَا أَمْضَاهَا عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عُثْمَانَ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي أُخْتٍ، وَأُمٍّ، وَجَدٍّ، قَالَ: لِلأُُخْتِ النِّصْفُ، وَلِلأُُمِّ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْجَدِّ.
قال أبو محمد: هَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَرْسَلَ إلَيَّ الْحَجَّاجُ فَقَالَ لِي: مَا تَقُولُ فِي فَرِيضَةٍ أُتِيت بِهَا: أُمٌّ، وَجَدٌّ، وَأُخْتٌ فَقُلْت: مَا قَالَ فِيهَا الأَمِيرُ فَأَخْبَرَنِي بِقَوْلِهِ، فَقُلْت: هَذَا قَضَاءُ أَبِي تُرَابٍ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ فِيهَا سَبْعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: لِلأُُخْتِ النِّصْفُ، وَلِلأُُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ، وَقَالَ عَلِيٌّ: لِلأُُمِّ الثُّلُثُ وَلِلأُُخْتِ النِّصْفُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: لِلأُُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلأُُخْتِ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، وَقَالَ زَيْدٌ: لِلأُُمِّ ثَلاَثَةٌ، وَلِلْجَدِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِلأُُخْتِ سَهْمَانِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ: لِلأُُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ مَا بَقِيَ، وَلَيْسَ لِلأُُخْتِ شَيْءٌ.

(9/289)


1732 - مَسْأَلَةٌ: " وَالأَكْدَرِيَّةُ " وَهِيَ أُمٌّ، وَجَدٌّ، وَأُخْتٌ، وَزَوْجٌ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ: لِلزَّوْجِ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلأُُمِّ سَهْمَانِ، وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ، وَلِلأُُخْتِ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لِلزَّوْجِ ثَلاَثَةُ

(9/289)


1733 - مَسْأَلَةٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: ، أَنَّهُ قَالَ فِي جَدٍّ، وَابْنَةٍ، وَأُخْتٍ: هِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: لِلْبِنْتِ سَهْمَانِ، وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ، وَلِلأُُخْتِ سَهْمٌ فَإِنْ كَانَتَا أُخْتَيْنِ فَمِنْ ثَمَانِيَةٍ: لِلْبِنْتِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلِلأُُخْتَيْنِ بَيْنَهُمَا سَهْمَانِ فَإِنْ كُنَّ ثَلاَثَةَ أَخَوَاتٍ، فَمِنْ عَشْرَةٍ: لِلْبِنْتِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَلِلأَخَوَاتِ ثَلاَثَةُ أَسْهُمِ بَيْنَهُنَّ.

(9/290)


1734 - مَسْأَلَةٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُنْزِلُ بَنِي الأَخِ مَعَ الْجَدِّ مَنَازِلَهُمْ يَعْنِي مَنَازِلَ آبَائِهِمْ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يَقُولُهُ غَيْرَهُ.
قال أبو محمد: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ لِتَلُوحَ مُنَاقَضَتُهَا لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلَهَا، وَلِنُرِيَ الْمُقَلِّدَ أَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/290)


الآثَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْجَدِّ
1735 - مَسْأَلَةٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، وَسُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمٍ الْبَلْخِيُّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، هُوَ ابْنُ الطَّبَّاعِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَوَّارٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٍ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ ثُمَّ اتَّفَقَ هُشَيْمٌ، وَوُهَيْبٌ، كِلاَهُمَا، عَنْ يُونُسَ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الْجَدَّ السُّدُسَ قَالَ مُعَاوِيَةُ فِي حَدِيثِهِ: لاَ نَدْرِي مَعَ مَنْ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ الْبَلْخِيّ: أَنَا النَّضْرُ، هُوَ ابْنُ شُمَيْلٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: أَنَّ

(9/290)


1735 - مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ: أَخًا لأََبٍ، وَابْنَ أَخٍ شَقِيقٍ: فَالأَخُ لِلأَبِ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ بِلاَ خِلاَفٍ، لأََنَّهُ أَوْلَى رَجُلٍ ذُكِرَ، وَابْنُ الأَخِ الشَّقِيقِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ ابْنِ الأَخِ لِلأَبِ، لأََنَّهُ أَوْلَى رَجُلٍ ذُكِرَ بِلاَ خِلاَفٍ. فَلَوْ تَرَكَ: ابْنَ عَمٍّ، وَعَمًّا، فَالْعَمُّ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْعَمِّ، وَابْنُ الْعَمِّ الشَّقِيقِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْعَمِّ لِلأَبِ فَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا: كَانَ أَبُوهُ شَقِيقَ أَبِي الْمَيِّتِ، وَالآخَرُ: كَانَ أَبُوهُ أَخَا أَبِي الْمَيِّتِ لأََبِيهِ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا هُوَ أَخُو الْمَيِّتِ لأَُمِّهِ، فَالْمَالُ كُلُّهُ لأَبْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِلأُُمِّ.
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَشُرَيْحٍ، لأََنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا فِي ابْنَيْ عَمَّيْنِ، أَحَدُهُمَا: ابْنُ شَقِيقِ أَبِي الْمَيِّتِ، وَالآخَرُ: ابْنُ أَخِي أَبِي الْمَيِّتِ لأََبِيهِ: أَنَّ ابْنَ شَقِيقِ أَبِي الْمَيِّتِ أَوْلَى، لأَسْتِوَائِهِ مَعَ أَبِي الْمَيِّتِ فِي وِلاَدَةِ جَدِّ الْمَيِّتِ، دُونَ ابْنِ الْعَمِّ الآخَرِ، وَبِالْحِسِّ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُمَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي وِلاَدَةِ جَدِّ الْمَيِّتِ أَبِي أَبِيهِ، وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِوِلاَدَةِ جَدِّ

(9/299)


الْمَيِّتِ لأََبِيهِ وَأَبِي الْمَيِّتِ، وَانْفَرَدَ الآخَرُ بِوِلاَدَةِ أُمِّ الْمَيِّتِ لَهُ، وَلاَ يُخَيَّلُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ وِلاَدَةَ الأُُمِّ أَقْرَبُ مِنْ وِلاَدَةِ الْجَدَّةِ، فَهُوَ أَوْلَى رَجُلٍ ذُكِرَ فَإِنْ تَرَكَتْ: ابْنَيْ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا: زَوْجٌ، فَالنِّصْفُ لِلزَّوْجِ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَمَا بَقِيَ فَبَيْنَ الأَبْنَيْ عَمٍّ سَوَاءً.

(9/300)


1736 - مَسْأَلَةٌ: وَالرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا أَوْ أَمَةً: وَرِثَ مَالَ الْمُعْتَقِ إنْ مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَحُطُّ بِمِيرَاثِهِ، أَوْ مَا فَضَلَ، عَنْ ذَوِي السِّهَامِ.
وَكَذَلِكَ يَرِثُ مَنْ تَنَاسَلَ مِنْهُ مِنْ نَسْلِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَعَمَّ عليه الصلاة والسلام وَلَمْ يَخُصَّ. وَأَعْتَقَتْ ابْنَةُ حَمْزَةَ عَبْدًا فَمَاتَ وَتَخَلَّفَ ابْنَةً، فَأَعْطَى عليه الصلاة والسلام ابْنَتَهُ النِّصْفَ، وَبِنْتَ حَمْزَةَ النِّصْفَ
وَكَذَلِكَ يَرِثُ مَنْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقَتْ وَهَكَذَا مَنْ سَفَلَ.

(9/300)


1737 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ مَاتَتْ، وَلَهَا بَنُونَ وَعُصْبَةٌ مِنْ إخْوَةٍ، أَوْ بَنِي إخْوَةٍ وَإِنْ سَفَلُوا أَوْ أَعْمَامٍ، أَوْ بَنِي أَعْمَامٍ وَإِنْ بَعُدُوا وَسَفَلُوا: فَمِيرَاثُ مَنْ أَعْتَقَتْ لِعُصْبَتِهَا لاَ لِوَلَدِهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا عُصْبَتَهَا، كَأَوْلاَدِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ سَيِّدِهَا، أَوْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي عَمِّهَا لاَ أَحَدَ مِنْ بَنِي جَدِّهَا، وَلاَ مِنْ بَنِي أَبِيهَا: أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ الْمِيرَاثُ لِوَلَدِهَا، وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ: اخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ فِي مَوْلَى لِصَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَضَى عُمَرُ بِالْعَقْلِ عَلَى عَلِيٍّ، وَبِالْمِيرَاثِ لِلزُّبَيْرِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْوَلاَءُ شُعْبَةٌ مِنْ النَّسَبِ، مَنْ أَحْرَزَ الْوَلاَءَ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَحَقُّهُمْ بِالْوَلاَءِ أَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ.
قَالَ عَلِيٌّ: الأَحَقُّ بِالْوَلاَءِ هُمْ عُصْبَتُهَا الَّذِينَ إلَيْهِمْ يَنْتَمِي الْمَوَالِي، فَيَقُولُونَ: نَحْنُ مَوَالِي بَنِي أَسَدٍ إنْ كَانَتْ هِيَ أَسْدِيَةً، وَلاَ يَنْتَمُونَ إلَى بَنِي تَمِيمٍ إنْ كَانَ وَلَدُهَا مِنْ تَمِيمٍ.
قال أبو محمد: بِقَوْلِ عَلِيٍّ هَاهُنَا نَقُولُ، وَقَالَ بِقَوْلِ عُمَرَ: الشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ.
قال أبو محمد: برهان صِحَّةُ قَوْلِنَا: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ" . وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "مَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلأََوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ" وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مُضَرَ وَبَنُوهَا مِنْ الْيَمَنِ: فَمَوَالِيهَا مِنْ مُضَرَ، بِلاَ شَكٍّ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَمَانِيٌّ يَرِثُ مُضَرِّيًا بِالتَّعْصِيبِ، بَلْ يَرِثُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَمَانِيٌّ أَوْلَى بِرَجُلٍ

(9/300)


وما ولد المملوك من حرة فانه لا يرثه من اعتق اباه
...
1738 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا وُلِدَ لِلْمَمْلُوكِ مِنْ حُرَّةٍ فَإِنَّهُ لاَ يَرِثُهُ مَنْ أَعْتَقَ أَبَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَرِثُ الْمَرْءُ مَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ مِنْ حَمْلٍ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَ أَبَاهُ.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" وَهَذَا الْمَوْلُودُ خُلِقَ حُرًّا، وَلاَ وَلاَءَ عَلَيْهِ لأََحَدٍ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ عَلَيْهِ بَعْدَ حُرِّيَّتِهِ وَلاَءٌ لِمَنْ لَمْ يُعْتِقْهُ، وَلاَ كَانَ ذَلِكَ الْوَلاَءُ عَلَيْهِ قَبْلُ إِلاَّ بِنَصٍّ، وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَنْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدَ ثَبَاتِ الْوَلاَءِ عَلَى أَبِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مَوْجُودًا إِلاَّ وَالْوَلاَءُ عَلَيْهِ ثَابِتٌ فَمِيرَاثُهُ لِمَوْلاَهُ. وَقَدْ
رُوِّينَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ: لاَ وَلاَءَ إِلاَّ لِذِي نِعْمَةٍ.

(9/301)


وما ولد لمولى من مرلاة لآخرين فولاءه لمن أعتق اباه
...
1739 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا وُلِدَ لِمَوْلًى مِنْ مَوْلاَةٍ لأَخَرِينَ فَوَلاَؤُهُ لِمَنْ أَعْتَقَ، أَبَاهُ، أَوْ أَجْدَادَهُ وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ. وَمَا وَلَدَتْ الْمَوْلاَةُ مِنْ عَرَبِيٍّ فَلاَ وَلاَءَ عَلَيْهِ لِمَوَالِي أُمِّهِ، وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ. وَمَا وَلَدَتْ الْمَوْلاَةُ مِنْ زَوْجٍ مَمْلُوكٍ، أَوْ مِنْ زِنًى، أَوْ مِنْ إكْرَاهٍ، أَوْ حَرْبِيٍّ، أَوْ لاَعَنَتْ عَلَيْهِ، فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: وَلاَؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ، وَلاَ نَقُولُ بِهَذَا، بَلْ لاَ وَلاَءَ عَلَيْهِ لأََحَدٍ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ الْوَلاَءِ عَلَيْهِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ، بَلْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لاَ حُكْمَ لِلْوَلاَءِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى أُمِّهِ إنْ كَانَ أَبُوهُ مَوْلًى، أَوْ عَرَبِيًّا فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/301)


1740 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَبْدُ لاَ يَرِثُ، وَلاَ يُورَثُ: مَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ، هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ،

(9/301)


والمكاتب اذا أدى شيئا من مكاتبته فمات أو مات له موروث
...
1741 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُكَاتَبُ إذَا أَدَّى شَيْئًا مِنْ مُكَاتَبَتِهِ فَمَاتَ، أَوْ مَاتَ لَهُ مُورِثٌ وَرِثَ مِنْهُ وَرَثَتُهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى فَقَطْ، وَوَرِثَ هُوَ أَيْضًا بِمِقْدَارِ مَا أَدَّى فَقَطْ، وَيَكُونُ مَا فَضَلَ عَمَّا وَرِثَ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَيَكُونُ مَا فَضَلَ، عَنْ وَرَثَتِهِ لِسَيِّدِهِ. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ،
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْمُكَاتَبِ " وَذَكَرْنَا مَا صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ فَأَغْنَى، عَنْ إعَادَتِهِ. وَمَنْ مَاتَ وَبَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ: فَلِلَّذِي لَهُ الْوَلاَءُ مِمَّا تَرَكَ بِمِقْدَارِ مَا لَهُ فِيهِ مِنْ الْوَلاَءِ وَالْبَاقِي لِلَّذِي لَهُ الرِّقُّ سَوَاءٌ كَانَ يَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْ كَسْبِهِ. فِي حَيَاتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُهُ لأََنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ مَا كَانَ يَأْخُذُ: مِلْكٌ لِجَمِيعِ الْمُكَاتَبِ يَأْكُلُهُ، وَيَتَزَوَّجُ فِيهِ، وَيَتَسَرَّى، وَيَقْضِي مِنْهُ دُيُونَهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ، فَهُوَ مَالُهُ وَهُوَ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ الَّذِي لَهُ فِيهِ بَقِيَّةٌ فَإِذَا مَاتَ فَهُوَ مَالٌ يُخَلِّفُهُ، لَيْسَ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ أَنْ يَأْخُذَهُ الآنَ، إذْ قَدْ وَجَبَ فِيهِ حَقٌّ لِلَّذِي لَهُ فِيهِ بَعْضُ الْوَلاَءِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ مَالِكٌ: مَالُهُ كُلُّهُ لِلَّذِي لَهُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ
وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مِيرَاثُهُ كُلُّهُ لِلَّذِي لَهُ فِيهِ شُعْبَةُ الْعِتْقِ.
وقال أبو حنيفة: يُؤَدِّي مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ وَيَرِثُ الْبَاقِيَ وَرَثَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُرَقَّ بِذَلِكَ: فَمَالُهُ كُلُّهُ لِلْمُتَمَسِّكِ بِالرِّقِّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: مَالُهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.
وقال الشافعي فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ: إنَّهُ يُورَثُ بِمِقْدَارِ مَا فِيهِ مِنْ الْعِتْقِ، وَلاَ يَرِثُ هُوَ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ. وَقَوْلُنَا فِي ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَأَحَدِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ.

(9/302)


وولد الزنا يرث أمة ولها عليه حق الأمومية من البر
...
1742 - مَسْأَلَةٌ: وَوَلَدُ الزِّنَى يَرِثُ أُمَّهُ، وَتَرِثُهُ أُمُّهُ، وَلَهَا عَلَيْهِ حَقُّ الأُُمُومِيَّةِ مِنْ: الْبِرِّ، وَالنَّفَقَةِ، وَالتَّحْرِيمِ، وَسَائِرِ حُكْمِ الأُُمَّهَاتِ: وَلاَ يَرِثُهُ الَّذِي تَخَلَّقَ مِنْ نُطْفَتِهِ، وَلاَ يَرِثُهُ هُوَ، وَلاَ لَهُ عَلَيْهِ حَقُّ الأُُبُوَّةِ لاَ فِي بِرٍّ، وَلاَ فِي نَفَقَةٍ، وَلاَ فِي تَحْرِيمٍ، وَلاَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْهُ أَجْنَبِيٌّ، وَلاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا إِلاَّ فِي التَّحْرِيمِ فَقَطْ.
برهان صِحَّةِ مَا قلنا: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام أَيْضًا الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ . فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْفِرَاشِ وَهِيَ الأُُمُّ وَبِصَاحِبِهِ وَهُوَ الزَّوْجُ، أَوْ السَّيِّدُ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْعَاهِرِ إِلاَّ الْحَجَرَ. وَمَنْ جَعَلَ تَحْرِيمًا بِمَا لاَ حَقَّ لَهُ فِي الأُُبُوَّةِ فَقَدْ نَاقَضَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/302)


والمولود دون في أرض الشرك يتوارثون كما يتوارث من ولد
...
1743 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَوْلُودُونَ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ يَتَوَارَثُونَ كَمَا يَتَوَارَثُ مَنْ وُلِدَ فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِهِمْ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ سَوَاءٌ أَسْلَمُوا وَأَقَرُّوا مَكَانَهُم ْ، أَوْ

(9/302)


1744 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ الْمُرْتَدُّ وَغَيْرُ الْمُرْتَدِّ سَوَاءٌ إِلاَّ أَنَّ الْمُرْتَدَّ مُذْ يَرْتَدُّ فَكُلُّ مَا ظَفِرَ بِهِ مِنْ مَالِهِ فَلِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ رَجَعَ إلَى الإِسْلاَمِ أَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا، أَوْ قُتِلَ مُرْتَدًّا، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ مِنْ مَالِهِ حَتَّى قُتِلَ أَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا: فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْكُفَّارِ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الإِسْلاَمِ فَهُوَ لَهُ، أَوْ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنْ مَاتَ مُسْلِمًا.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَلاَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ.
فإن قيل: إنَّكُمْ تَقُولُونَ: إنْ مَاتَ عَبْدٌ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ مَجُوسِيٌّ، أَوْ يَهُودِيٌّ وَسَيِّدُهُ مُسْلِمٌ فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ
قلنا: نَعَمْ، لاَ بِالْمِيرَاثِ، لَكِنْ لأََنَّ لِلسَّيِّدِ أَخْذَهُ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَالْعَبْدُ لاَ يُورَثُ بِالْخَبَرِ الَّذِي جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مِيرَاثِ الْمُكَاتَبِ فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْجُزْءِ الْمَمْلُوكِ مِيرَاثًا لاَ لَهُ، وَلاَ مِنْهُ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي بَعْضِ هَذَا: فَرُوِّينَا، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمَسْرُوقٍ: تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ، وَلاَ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ:
وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَهُوَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ ثَابِتٌ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ، وَلاَ يُوَرِّثُ الْكَافِرَ مِنْ الْمُسْلِمِ. قَالَ مَسْرُوقٌ:

(9/304)


مَا حَدَثَ فِي الإِسْلاَمِ قَضَاءٌ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْهُ وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ: لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمٌ أَعْتَقَ كَافِرًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ.
قال أبو محمد: أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ مَا لَمْ يَقُلْ " سَمِعْت، أَوْ أَنَا، أَوْ أَرِنَا " تَدْلِيسٌ، وَلَوْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ: إِلاَّ عَبْدُهُ، أَوْ أَمَتُهُ، وَلاَ يُسَمَّى الْمُعْتَقُ، وَلاَ الْمُعْتَقَةُ: عَبْدًا، وَلاَ أَمَةً. وَاخْتَلَفُوا فِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ: فَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ:
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَعَلَ مِيرَاثَ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرُوِيَ مِثْلُهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَصِحَّ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، عَنِ الْمُرْتَدِّ هَلْ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ بَنُوهُ فَقَالَ: نَرِثُهُمْ، وَلاَ يَرِثُونَنَا، قَالَ: وَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ، فَإِنْ قُتِلَ: فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُطَيِّبُونَ مِيرَاثَ الْمُرْتَدِّ لأََهْلِهِ إذَا قُتِلَ.
وَرُوِيَ تَوْرِيثُ مَالِ الْمَقْتُولِ عَلَى الرِّدَّةِ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا كَانَ مِنْ مَالِهِ فِي مِلْكِهِ إلَى أَنْ ارْتَدَّ فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا كَسَبَ بَعْدَ رِدَّتِهِ فَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
وقال أبو حنيفة: إنْ رَاجَعَ الإِسْلاَمَ فَمَالُهُ فَإِنْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَمَا كَسَبَ بَعْدَ الرِّدَّةِ فَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا كَانَ لَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقْضِي الْقَاضِي بِعِتْقِ مُدَبِّرِيهِ، وَأُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَرْضِ الإِسْلاَمِ مُسْلِمًا أَخَذَ مَا وَجَدَ مِنْ مَالِهِ بِأَيْدِي وَرَثَتِهِ، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِمَّا أَكَلُوهُ، أَوْ أَتْلَفُوهُ، وَكُلُّ مَا حَمَلَ مِنْ مَالِهِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فَهُوَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ إذَا ظُفِرَ بِهِ، لاَ لِوَرَثَتِهِ، فَلَوْ رَجَعَ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ إلَى أَرْضِ الإِسْلاَمِ فَأَخَذَ مَالاً مِنْ مَالِهِ فَنَهَضَ بِهِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فَظُفِرَ بِهِ، فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَمَتَانِ إحْدَاهُمَا مُسْلِمَةٌ، وَالأُُخْرَى كَافِرَةٌ، فَوَلَدَتَا مِنْهُ لأََكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ ارْتَدَّ فَأَقَرَّ بِهِمَا لَحِقَا بِهِ جَمِيعًا، وَوَرِثَهُ ابْنُ الْمُسْلِمَةِ، وَلَمْ يَرِثْهُ ابْنُ الذِّمِّيَّةِ. قَالَ: وَلاَ يَرِثُ الْمُرْتَدُّ مُذْ يَرْتَدُّ إلَى أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يَمُوتَ، أَوْ يُسْلِمَ أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ الْكُفَّارِ أَصْلاً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. كَمَا رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.

(9/305)


وَبِهِ يَقُولُ رَبِيعَةُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وقال مالك: إنْ قُتِلَ، أَوْ مَاتَ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَهُوَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الإِسْلاَمِ فَمَالُهُ لَهُ، فَإِنْ ارْتَدَّ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ اُتُّهِمَ: إنَّمَا ارْتَدَّ لِيَمْنَعَ وَرَثَتَهُ فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ مَنْ ارْتَدَّ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَرِثْهُ امْرَأَتُهُ، لأََنَّهُ لاَ يُتَّهَمُ أَحَدٌ بِأَنَّهُ يَرْتَدُّ لِيَمْنَعَ أَخْذَ الْمِيرَاثِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ إنْ قُتِلَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْكُفَّارِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: مَالُ الْمُرْتَدِّ مُذْ يَرْتَدُّ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَظَاهِرُ الأَضْطِرَابِ وَالتَّنَاقُضِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَحُكْمٌ بِالتُّهْمَةِ وَهُوَ الظَّنُّ الْكَاذِبُ الَّذِي حَرَّمَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الْحُكْمَ بِهِ،
وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ: فَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَوَسَاوِسُ كَثِيرَةٌ فَاحِشَةٌ: مِنْهَا: تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمُرْتَدِّ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ. وَمِنْهَا: تَوْرِيثُهُ وَرَثَتَهُ عَلَى حُكْمِ الْمَوَارِيثِ وَهُوَ حَيٌّ بَعْدُ. وَمِنْهَا: قَضَاؤُهُ لَهُ إنْ رَجَعَ بِمَا وَجَدَ، لاَ بِمَا اسْتَهْلَكُوا، وَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ وَجَبَ لِلْوَرَثَةِ مَا قَضَوْا لَهُمْ بِهِ، أَوْ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ. فَإِنْ كَانَ وَجَبَ لَهُمْ فَلأََيِّ شَيْءٍ يَنْتَزِعُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَهَذَا ظُلْمٌ وَبَاطِلٌ وَجَوْرٌ. وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ فَلأََيِّ شَيْءٍ اسْتَحَلُّوا أَنْ يَقْضُوا لَهُمْ بِهِ حَتَّى أَكَلُوهُ، وَوُرِثَ عَنْهُمْ، وَتَحَكَّمُوا فِيهِ، وَلَئِنْ كَانَ رَجَعَ إلَى الْمُرَاجِعِ إلَى الإِسْلاَمِ فَمَا الَّذِي خُصَّ بِرُجُوعِهِ إلَيْهِ مَا وَجَدَ دُونَ مَا لَمْ يَجِدْ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ قَضَوْا لَهُ بِهِ إنَّ هَذَا لَضَلاَلٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ
وأعجب شَيْءٍ اعْتِرَاضُ هَؤُلاَءِ النَّوْكَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نِكَاحِهِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ صَفِيَّةَ، وَجَعْلِهِ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا بِقَوْلِهِمْ السَّخِيفِ: لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ أَمَةٌ، فَهَذَا لاَ يَجُوزُ، أَوْ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ مُعْتَقَةٌ فَهَذَا نِكَاحٌ بِلاَ صَدَاقٍ، مَعَ إجَازَتِهِمْ لأََبِي حَنِيفَةَ هَذِهِ الْحَمَاقَاتِ، وَالْمُنَاقَضَاتِ، وَمَا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ، رضي الله عنها، إِلاَّ وَهِيَ حُرَّةٌ مُعْتَقَةٌ بِصَدَاقٍ قَدْ صَحَّ لَهَا وَتَمَّ، وَهُوَ عِتْقُهُ لَهَا. ثُمَّ تَفْرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ مَالٍ تَرَكَهُ فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ، أَوْ مَالٍ حَمَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ إلَى أَرْضِ الْكُفْرِ، وَمَالٍ تَرَكَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ فَحَمَلَهُ فَهَذَا مِنْ الْمُضَاعَفِ نَسْجُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّخْلِيطِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الأَحْكَامَ الْفَاسِدَةَ لاَ تُحْفَظُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ قَبْلَ مَنْ ضَلَّ بِتَقْلِيدِهِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: بِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ حُجَّةَ لِهَذَا الْقَوْلِ إِلاَّ التَّعَلُّقُ بِظَاهِرِ آيَاتِ الْمَوَارِيثِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ مُؤْمِنًا مِنْ كَافِرٍ فَيُقَالُ لَهُمْ: لَقَدْ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ ذَلِكَ، وَأَنْتُمْ قَدْ مَنَعْتُمْ الْمُكَاتَبَ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْقُرْآنُ يُوجِبُهُ لَهُ، وَالسُّنَّةُ كَذَلِكَ، وَمَنَعْتُمْ الْقَاتِلَ بِرِوَايَةٍ لاَ تَصِحُّ، وَمَنَعْتُمْ سَائِرَ الْكُفَّارِ مِنْ أَنْ يَرِثَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ السَّلَفِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لاَ وَجْهَ لَهُ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ.

(9/306)


قال أبو محمد: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ فَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ، بُرْهَانُنَا عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ مَا ظُفِرَ بِهِ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ مَالُ كَافِرٍ، لاَ ذِمَّةَ لَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} ، وَلاَ يُحَرَّمُ مَالُ كَافِرٍ إِلاَّ بِالذِّمَّةِ، وَهَذَا لاَ ذِمَّةَ لَهُ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الإِسْلاَمِ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلاَّ وَقَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ لَهُ، أَوْ عَنْهُ، وَوَجَبَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ إِلاَّ كَأَحَدِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا مَا لَمْ يُظْفَرْ بِهِ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا قَدْ ثَبَتَ وَصَحَّ مِنْ مِلْكِهِ لَهُ [ فَهُوَ لَهُ ] مَا لَمْ يَظْفَرْ الْمُسْلِمُونَ بِهِ، لاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ لاَ ذِمَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ الْكُفَّارِ خَاصَّةً، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وَآيَاتُ الْمَوَارِيثِ الْعَامَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، فَلاَ يَخْرُجُ، عَنْ حُكْمِهَا إِلاَّ مَا أَخْرَجَهُ نَصُّ سُنَّةٍ صَحِيحٌ. فَإِنْ كَانُوا ذِمَّةً سَلَّمَ إلَيْهِمْ مَنْ ظَفِرَ بِهِ، لأََنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوهُ بِالْمِيرَاثِ. وَإِنْ كَانُوا حَرْبِيِّينَ أُخِذَ لِلْمُسْلِمِينَ مَتَى ظُفِرَ بِهِ. فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ لَهُ يَرِثُهُ عَنْهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا حُكْمُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ، وَمُوجَبُ الإِجْمَاعِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

(9/307)


1745 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَاتَ لَهُ مَوْرُوثٌ وَهُمَا كَافِرَانِ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَيُّ أُخِذَ مِيرَاثُهُ عَلَى سُنَّةِ الإِسْلاَمِ، وَلاَ تُقَسَّمُ مَوَارِيثُ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِلاَّ عَلَى قَسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَوَارِيثَ فِي الْقُرْآنِ.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ.
وَقَوْله تَعَالَى أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا. وَلاَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَدَعُ حُكْمَ الْقُرْآنِ وَهُوَ يُقِرُّ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحْكُمُ بِحُكْمِ الْكُفْرِ وَهُوَ يُقِرُّ أَنَّهُ حُكْمُ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَأَنَّهُ الضَّلاَلُ الْمُبِينُ، وَاَلَّذِي لاَ يَحِلُّ الْعَمَلُ بِهِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَجِيبٌ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: إنَّ ابْنِي هَلَكَ، فَزَعَمَتْ الْيَهُودُ أَنَّهُ لاَ حَقَّ لِي فِي مِيرَاثِهِ فَدَعَاهُمْ عُمَرُ فَقَالَ: أَلاَ تُعْطُونَ هَذِهِ حَقَّهَا فَقَالُوا: لاَ نَجِدُ لَهَا حَقًّا فِي كِتَابِنَا فَقَالَ: أَفِي التَّوْرَاةِ قَالُوا: بَلَى، فِي الْمُثَنَّاةِ قَالَ: وَمَا الْمُثَنَّاةُ قَالُوا: كِتَابٌ كَتَبَهُ أَقْوَامٌ عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ فَسَبَّهُمْ عُمَرُ وَقَالَ: اذْهَبُوا فَأَعْطُوهَا حَقَّهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى حَيَّانَ بْنِ شُرَيْحٍ: أَنْ اجْعَلْ مَوَارِيثَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وقال أبو حنيفة: مَوَارِيثُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَقْسُومَةٌ عَلَى أَحْكَامِ دِينِهِمْ، إِلاَّ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا.
وقال مالك: تَقْسِيمُ مَوَارِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى حُكْمِ دِينِهِمْ سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ مَا أَخَذَ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ

(9/307)


قَبْلَ الْقِسْمَةِ: قَسَمَ عَلَى حُكْمِ الإِسْلاَمِ وقال الشافعي، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا.
قال أبو محمد: أَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ: فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الْفَرْقَ الَّذِي ذُكِرَ: قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ دَلِيلٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، وَمَا نَعْلَمُهُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا وَافَقَهُ فِيهِ مَالِكٌ: فَقَدْ ذَكَرْنَا إبْطَالَهُ، وَمَا فِي الشُّنْعَةِ أَعْظَمُ مِنْ تَحْكِيمِ الْكُفْرِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى مُسْلِمٍ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَمَا عَهِدْنَا قَوْلَهُمْ فِي حُكْمٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ إِلاَّ أَنَّهُ يُحْكَمُ فِيهِ، وَلاَ بُدَّ بِحُكْمِ الإِسْلاَمِ إِلاَّ هَاهُنَا، فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِحُكْمِ الشَّيْطَانِ فِي دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لاَ سِيَّمَا إنْ أَسْلَمَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ، فَلَعَمْرِي إنَّ اقْتِسَامَهُمْ مِيرَاثَهُمْ بِقَوْلِ " دكريز الْقُوطِيِّ " " وَهِلاَلٍ الْيَهُودِيِّ " لَعَجَبٌ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَثَرَانِ يَحْتَجُّونَ بِأَضْعَفَ مِنْهُمَا، وَبِإِسْنَادِهِمَا نَفْسِهِ، إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَهُوَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى قِسْمَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّ مَا أَدْرَكَ إسْلاَمٌ وَلَمْ يُقْسَمْ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الإِسْلاَمِ .
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ كُلَّ مَا قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى قِسْمَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَّ مَا أَدْرَكَ الإِسْلاَمُ، وَلَمْ يُقْسَمْ فَهُوَ عَلَى قِسْمَةِ الإِسْلاَمِ.
قَالَ عَلِيٌّ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ ضَعِيفٌ، وَالثَّانِي مُرْسَلٌ، وَلاَ نَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا، إنَّمَا حُجَّتُنَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/308)


1746 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ فَخَرَجَ حَيًّا كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ تَمَامِ خُرُوجِهِ عَطَسَ أَوْ لَمْ يَعْطِسْ وَصَحَّتْ حَيَاتُهُ بِيَقِينٍ بِحَرَكَةِ عَيْنٍ، أَوْ يَدٍ، أَوْ نَفْسٍ، أَوْ بِأَيِّ شَيْءٍ صَحَّتْ، فَإِنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ، وَلاَ مَعْنَى لِلأَسْتِهْلاَلِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ. وَهَذَا وَلَدٌ بِلاَ شَكٍّ. فإن قيل: هَلَّا وَرَّثْتُمُوهُ وَإِنْ وُلِدَ مَيِّتًا بِحَيَاتِهِ فِي الْبَطْنِ قلنا: لَوْ أَيْقَنَّا حَيَاتَهُ لَوَرَّثْنَاهُ، وَقَدْ تَكُونُ لِحَرَكَةِ رِيحٍ وَالْجَنِينُ مَيِّتٌ وَقَدْ يَنْفُشُ الْحَمْلُ، وَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ حَمْلاً وَإِنَّمَا كَانَ عِلَّةً، فَإِنَّمَا نُوقِنُ حَيَاتَهُ إذَا شَاهَدْنَاهُ حَيًّا. وقال الشافعي: لاَ يَرِثُ، وَلاَ يُورَثُ حَتَّى يَخْرُجَ حَيًّا كُلَّهُ.
وَهَذَا قَوْلٌ لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لاَ يَرِثُ، وَلاَ يُورَثُ وَإِنْ رَضَعَ وَأَكَلَ مَا لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَفْرِضُ لِلصَّبِيِّ إذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: إذَا صَاحَ صُلِّيَ عَلَيْهِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا اسْتَهَلَّ

(9/308)


الصَّبِيُّ وَرِثَ وَوُرِّثَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْمَنْفُوسِ: يَرِثُ إذَا سُمِعَ صَوْتُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ غَالِبٍ، قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: مَتَى يَجِبُ سَهْمُ الْمَوْلُودِ قَالَ: إذَا اسْتَهَلَّ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ وَجَبَ عَقْلُهُ وَمِيرَاثُهُ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ لَمْ يُوَرِّثْ مَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ وَرُوِيَ أَيْضًا: عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَرُوِيَ أَيْضًا، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
قال أبو محمد: احْتَجَّ مَنْ قَلَّدَ هَذَأ الْقَوْلَ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ إِلاَّ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام، أَنَّهُ قَالَ: صِيَاحُ الْمَوْلُودِ حِينَ يَقَعُ نَزْغَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ. وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودِ وَرِثَ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى الْبَلْخِيّ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الصَّبِيُّ إذَا اسْتَهَلَّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ". وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلاَنِيُّ، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ" ، وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَهِلَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي طَلْقٌ، عَنْ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَجَبَتْ دِيَتُهُ وَمِيرَاثُهُ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ إنْ مَاتَ" . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَحَدَّثَنِيهِ أَيْضًا: مُطَرِّفٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالُوا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ وَالْحُسَيْنِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّهُ إمَّا لاَ شَيْءَ وَأَمَّا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا الْخَبَرُ الصَّحِيحُ: فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا اللَّهَ تَعَالَى مِنْ تَمْوِيهِهِمْ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ هَلْ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ شَيْئًا مِنْ حُكْمِ الْمِيرَاثِ بِنَصٍّ أَوْ بِدَلِيلٍ أَمَّا هَذَا تَقْوِيلٌ لَهُ عليه الصلاة والسلام مَا لَمْ يَقُلْ وَهَلْ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ إِلاَّ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْخُسُهُ وَهَذَا حَقٌّ نُؤْمِنُ بِهِ، وَمَا خُولِفُوا قَطُّ فِي هَذَا، ثُمَّ فِيهِ أَنَّهُ يَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ هَذَا

(9/309)


فَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي يَقِينًا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا عَنِي بِذَلِكَ مَنْ اسْتَهَلَّ مِنْهُمْ، وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ فَنَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا أَيُوجَدُ مَوْلُودٌ يَخْرُجُ حَيًّا، وَلاَ يَسْتَهِلُّ أَمْ لاَ يُوجَدُ أَصْلاً
فَإِنْ قَالُوا: لاَ يُوجَدُ أَصْلاً كَابَرُوا الْعِيَانَ وَأَنْكَرُوا الْمُشَاهَدَةَ، فَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرٌ لاَ يَسْتَهِلُّ إِلاَّ بَعْدَ أَزْيَدَ مِنْ سَاعَةٍ زَمَانِيَّةٍ، وَرُبَّمَا لَمْ يَسْتَهِلَّ حَتَّى يَمُوتَ ثم نقول لَهُمْ: فَإِذْ لاَ يُوجَدُ هَذَا أَبَدًا فَكَلاَمُكُمْ وَكَلاَمُنَا فِيهَا عَنَاءٌ، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِيمَنْ يُولَدُ مِنْ الْفَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَحَالِّ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ قَدْ يُوجَدُ هَذَا قلنا لَهُمْ: فَأَخْبِرُونَا الآنَ أَتَقُولُونَ: إنَّهُ لَيْسَ مَوْلُودًا فَهَذِهِ حَمَاقَةٌ وَمُكَابَرَةٌ لِلْعَيَانِ، أَمْ تَقُولُونَ: إنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يَنْخُسْهُ، فَتُكَذِّبُوا رَسُولَ اللَّهِ وَهَذَا كَمَا تَرَوْنَ أَمْ تَقُولُونَ: إنَّهُ نَخَسَهُ فَلَمْ يَسْتَهِلَّ فَهَذَا قَوْلُنَا، وَرَجَعْتُمْ إلَى الْحَقِّ مِنْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ذَكَرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: مَنْ يَسْتَهِلُّ دُونَ مَنْ لاَ يَسْتَهِلُّ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلاَثِ، إِلاَّ أَنَّهُ بِكُلِّ حَالٍ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِ الْمَوَارِيثِ، فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْخَبَرِ الآخَرِ سَوَاءً سَوَاءً. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَيْسَ فِيهِ إِلاَّ أَنَّهُ إذَا اسْتَهَلَّ وَرِثَ، وَهَكَذَا نَقُولُ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يَرِثْ، فَإِقْحَامُهُ فِيهِ: كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ لَفْظَةَ " الأَسْتِهْلاَلِ " فِي اللُّغَةِ هُوَ الظُّهُورُ، تَقُولُ اسْتَهَلَّ الْهِلاَلُ بِمَعْنَى ظَهَرَ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: إذَا ظَهَرَ الْمَوْلُودُ وَرِثَ، وَهُوَ قَوْلُنَا. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، فَلَمْ يَقُلْ أَبُو الزُّبَيْرِ: إنَّهُ سَمِعَهُ، فَهُوَ مُدَلِّسٌ. وَفِي حَدِيثِ الأَوْزَاعِيِّ: بَقِيَّةُ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَحَدِيثَا: عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ مُرْسَلاَنِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ هَالِكٌ. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الآثَارِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَوْلُ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَمْ قِصَّةً مِثْلَ هَذِهِ قَدْ خَالَفُوا فِيهَا طَوَائِفَ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، كَالْقِصَاصِ فِي اللَّطْمَةِ، وَإِمَامَةِ الْجَالِسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَيْضًا: فَالآثَارُ الْمَذْكُورَةُ، عَنِ الصَّحَابَةِ إنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ إذَا اسْتَهَلَّ وَرِثَ وَلَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهَا إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُورَثْ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ، عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ فَلَمْ يَسْتَهِلَّ، إِلاَّ أَنَّهُ تَحَرَّكَ، وَرَضَعَ، وَطَرَفَ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَاتِلٌ عَمْدًا، أَيَجِبُ فِيهِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ أَمْ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ غُرَّةٌ فَإِنْ قَالُوا: فِيهِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ: نَقَضُوا قَوْلَهُمْ، وَأَوْجَبُوا أَنَّهُ وَلَدٌ حَيٌّ فَلِمَ مَنَعُوهُ الْمِيرَاثَ وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ غُرَّةٌ تَرَكُوا قَوْلَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/310)


كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ مِمَّا لاَ يُجْحِفُ بِالْوَرَثَةِ، وَيُجْبِرُهُمْ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَبَوْا. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا} وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ: مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَسَمَ لِي بِهَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فِي قوله تعالى وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى الآيَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَزْعُمُونَ: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَسَخَتْ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} فَلاَ وَاَللَّهِ مَا نَسَخَتْ وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَا، هُمَا وَالِيَانِ: وَالٍ يَرِثُ، وَذَاكَ الَّذِي يُرْزَقُ، وَوَالٍ لاَ يَرِثُ، فَذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ بِالْمَعْرُوفِ، يَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَك أَنْ أُعْطِيَك. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ قَالَ: هِيَ وَاجِبَةٌ يُعْمَلُ بِهَا وَقَدْ أَعْطَيْت بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَسَمَ مِيرَاثَ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ حَيَّةٌ، فَلَمْ يَدَعْ فِي الدَّارِ مِسْكِينًا، وَلاَ ذَا قَرَابَةٍ إِلاَّ أَعْطَاهُمْ، وَتَلاَ: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَصَحَّ أَيْضًا: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالْعَلاَءِ بْنِ بَدْرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ. وَرُوِيَ، عَنْ عَطَاءٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِيَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَا نَعْلَمُ لأََهْلِ هَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلاً، بَلْ هُوَ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ، وَمَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ: افْعَلْ: إنْ شِئْت فَلاَ تَفْعَلْ. وَلَيْسَ وُجُودُنَا آيَاتٍ قَامَ الْبُرْهَانُ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، أَوْ مَخْصُوصَةٌ، أَوْ أَنَّهَا نَدْبٌ، بِمُوجِبِ أَنْ يُقَالَ فِيمَا لاَ دَلِيلَ بِذَلِكَ فِيهِ: هَذَا نَدْبٌ، أَوْ هَذَا مَنْسُوخٌ، أَوْ هَذَا مَخْصُوصٌ، فَيَكُونُ قَوْلاً بِالْبَاطِلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ السَّلَفِ، رضي الله عنهم،
تَمَّ كِتَابُ الْفَرَائِضِ.

(9/311)


1748 - مَسْأَلَةٌ: مُسْتَدْرَكَةٌ: وَلاَ يَصِحُّ نَصٌّ فِي مِيرَاثِ الْخَالِ، فَمَا فَضَلَ، عَنْ سَهْمِ ذَوِي السِّهَامِ، وَذَوِي الْفَرَائِضِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ عَاصِبٌ، وَلاَ مُعْتَقٌ، وَلاَ عَاصِبٌ مُعْتَقٌ: فَفِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، لاَ يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ذِي سَهْمٍ، وَلاَ عَلَى غَيْرِ ذِي سَهْمٍ مِنْ ذَوِي الأَرْحَامِ، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ. فَإِنْ كَانَ ذَوُو الأَرْحَامِ فُقَرَاءَ أُعْطُوا عَلَى قَدْرِ فَقْرِهِمْ، وَالْبَاقِي فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.

(9/312)


كتاب الوصايا
الوصية فرض على كل من ترك مالا
...
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الْوَصَايَا
1749 - مَسْأَلَةٌ: الْوَصِيَّةُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَرَكَ مَالاً، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ" قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُذْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي. وَرُوِّينَا إيجَابَ الْوَصِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ يُشَدِّدَانِ فِي الْوَصِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَطَلْحَةَ بْنِ مُطَرِّفٍ، وطَاوُوس، وَالشَّعْبِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا.وَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَتْ فَرْضًا، وَاحْتَجُّوا: بِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فِيهِ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ. قَالُوا: فَرَدَّ الأَمْرَ إلَى إرَادَتِهِ وَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُوصِ، وَرَوَوْا: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَهُوَ رَاوِي الْخَبَرِ لَمْ يُوصِ، وَأَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ بِحَضْرَةِ عُمَرَ لَمْ يُوصِ، وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِيمَنْ تَرَكَ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ: قَلِيلٌ، لَيْسَ فِيهَا وَصِيَّةٌ، وَأَنَّ عَلِيًّا نَهَى مَنْ لَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ مِنْ السَّبْعِمِائَةِ إلَى التِّسْعِمِائَةِ، عَنِ الْوَصِيَّةِ، وَأَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فِيمَنْ تَرَكَ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ: فِي هَذَا فَضْلٌ، عَنْ وَلَدِهِ. وَعَنِ النَّخَعِيِّ لَيْسَتْ الْوَصِيَّةُ فَرْضًا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
قال أبو محمد: كُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: أَمَّا مَنْ زَادَ فِي رِوَايَتِهِ " يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ " فَإِنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ رَوَاهُ كَمَا أَوْرَدْنَا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، لَكِنْ بِلَفْظِ الإِيجَابِ فَقَطْ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ. وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَيُونُسُ، عَنْ نَافِعٍ وَكِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحٌ. فَإِذْ هُمَا صَحِيحَانِ فَقَدْ وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ بِرِوَايَةِ مَالِكٍ، وَوَجَبَ

(9/312)


عَلَيْهِ أَنْ يُرِيدَهَا، وَلاَ بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُوصِ فَقَدْ كَانَتْ تَقَدَّمَتْ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَا تَرَكَ بِقَوْلِهِ الثَّابِتِ يَقِينًا إنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ لاَ نُوَرَّثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ بِلاَ شَكٍّ، لأََنَّهُ أَوْصَى بِصَدَقَةِ كُلِّ مَا يَتْرُكُ إذَا مَاتَ، وَإِنَّمَا صَحَّ الأَثَرُ بِنَفْيِ الْوَصِيَّةِ الَّتِي تَدَّعِيهَا الرَّافِضَةُ إلَى عَلِيٍّ فَقَطْ. وَأَمَّا مَا رَوَوْا مِنْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يُوصِ، فَبَاطِلٌ، لأََنَّ هَذَا إنَّمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَشْهَلَ بْنِ حَاتِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ لاَ شَيْءَ وَالثَّابِتُ عَنْهُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ مِنْ إيجَابِهِ الْوَصِيَّةَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبِتْ لَيْلَتَهُ مُذْ سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ حَاطِبٍ وَعُمَرَ: فَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهِيَ أَسْقَطُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِهَا. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَفِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ حَدُّ الْقَلِيلِ بِمَا بَيْنَ السَّبْعِمِائَةِ إلَى التِّسْعِمِائَةِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بَيَانٌ بِمَا ادَّعَوْا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ ذَلِكَ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّهُ قَدْ عَارَضَهُمْ صَحَابَةٌ، كَمَا أَوْرَدْنَا، وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ طَائِفَةٍ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أُخْرَى، وَالْفَرْضُ حِينَئِذٍ هُوَ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَكِلاَهُمَا يُوجِبُ فَرْضَ الْوَصِيَّةِ، أَمَّا السُّنَّةُ: فَكَمَا أَوْرَدْنَا، وَأَمَّا الْقُرْآنُ: فَكَمَا نُورِدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(9/313)


فمن مات ولم يوص فففرض أن يتصدق عنه بما يتيسر
...
1750 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ: فَفُرِضَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ بِمَا تَيَسَّرَ، وَلاَ بُدَّ، لأََنَّ فَرْضَ الْوَصِيَّةِ وَاجِبٌ، كَمَا أَوْرَدْنَا.فَصَحَّ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ أَنْ يَخْرُجَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَمَّا وَجَبَ إخْرَاجُهُ مِنْ مَالِهِ، وَلاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ إِلاَّ مَا رَآهُ الْوَرَثَةُ، أَوْ الْوَصِيُّ مِمَّا لاَ إجْحَافَ فِيهِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ، وَقَدْ صَحَّ بِهِ أَثَرٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّ أُمِّي اُفْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَإِنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ ، فَتَصَدَّقَ عَنْهَا" فَهَذَا إيجَابُ الصَّدَقَةِ عَمَّنْ لَمْ يُوصِ، وَأَمْرُهُ عليه الصلاة والسلام: فَرْضٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ إنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام: "نَعَمْ" . فَهَذَا إيجَابٌ لِلْوَصِيَّةِ، وَلاََنْ يُتَصَدَّقَ عَمَّنْ لَمْ يُوصِ، وَلاَ بُدَّ، لأََنَّ التَّكْفِيرَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي ذَنْبٍ، فَبَيَّنَ عليه الصلاة والسلام: أَنَّ تَرْكَ الْوَصِيَّةِ يَحْتَاجُ فَاعِلُهُ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ ذَلِكَ، بِأَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ، وَهَذَا مَا لاَ

(9/313)


يَسَعُ أَحَدًا خِلاَفُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي مَنَامٍ لَهُ فَأَعْتَقَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تِلاَدًا مِنْ تِلاَدِهِ. فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهَا، رضي الله عنها، فَرْضٌ، وَأَنَّ الْبِرَّ عَمَّنْ لَمْ يُوصِ: فَرْضٌ، إذْ لَوْلاَ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَتْ مِنْ مَالِهِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِإِخْرَاجِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُوسًا يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ لَمْ يُوصِ إِلاَّ وَأَهْلُهُ أَحَقُّ، أَوْ مُحِقُّونَ أَنْ يُوصُوا عَنْهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَعَرَضْت عَلَى ابْنِ طَاوُوس هَذَا وَقُلْت: أَكَذَلِكَ فَقَالَ: نَعَمْ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ. وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانَ، وَمَعْمَرٍ، كُلُّهُمْ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَلَمْ تُوصِ، أَفَأُوصِي عَنْهَا فَقَالَ: " نَعَمْ". وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ، عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَلَمْ تُوصِ وَلِيدَةً وَتَصَدَّقَ عَنْهَا بِمَتَاعٍ". وَلاَ مُرْسَلَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَيْنِ فَخَالَفُوهُمَا، لِرَأْيِهِمَا الْفَاسِدِ

(9/314)


1751 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُوصِيَ لِقَرَابَتِهِ الَّذِينَ لاَ يَرِثُونَ، إمَّا لِرِقٍّ، وَأَمَّا لِكُفْرٍ، وَأَمَّا لأََنَّ هُنَالِكَ مَنْ يَحْجُبُهُمْ، عَنِ الْمِيرَاثِ أَوْ لأََنَّهُمْ لاَ يَرِثُونَ فَيُوصِي لَهُمْ بِمَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ، لاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أُعْطُوا، وَلاَ بُدَّ مَا رَآهُ الْوَرَثَةُ، أَوْ الْوَصِيُّ. فَإِنْ كَانَ وَالِدَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْكُفْرِ، أَوْ مَمْلُوكًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُوصِيَ لَهُمَا، أَوْ لأََحَدِهِمَا إنْ لَمْ يَكُنْ الآخَرُ كَذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أُعْطِيَ، أَوْ أُعْطِيَا مِنْ الْمَالِ، وَلاَ بُدَّ، ثُمَّ يُوصِي فِيمَا شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَإِنْ أَوْصَى لِثَلاَثَةٍ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمَذْكُورِينَ أَجْزَأَهُ. وَالأَقْرَبُونَ: هُمْ مَنْ يَجْتَمِعُونَ مَعَ الْمَيِّتِ فِي الأَبِ الَّذِي بِهِ يُعْرَفُ إذَا نُسِبَ، وَمِنْ جِهَةِ أُمِّهِ كَذَلِكَ أَيْضًا: هُوَ مَنْ يَجْتَمِعُ مَعَ أُمِّهِ فِي الأَبِ الَّذِي يُعْرَفُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، لأََنَّ هَؤُلاَءِ فِي اللُّغَةِ أَقَارِبُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُوقَعَ عَلَى غَيْرِ هَؤُلاَءِ اسْمُ أَقَارِبَ بِلاَ برهان.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَهَذَا فَرْضٌ كَمَا تَسْمَعُ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْوَالِدَانِ، وَالأَقْرَبُونَ الْوَارِثُونَ، وَبَقِيَ مَنْ لاَ يَرِثُ مِنْهُمْ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ. وَإِذْ هُوَ حَقٌّ لَهُمْ وَاجِبٌ فَقَدْ وَجَبَ لَهُمْ مِنْ مَالِهِ جُزْءٌ مَفْرُوضٌ إخْرَاجُهُ لِمَنْ وَجَبَ لَهُ إنْ ظُلِمَ هُوَ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِخْرَاجِهِ، وَإِذَا أَوْصَى لِمَنْ أَمَرَ بِهِ فَلَمْ يَنْهَ، عَنِ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِهِمْ، فَقَدْ أَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ وَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ. وَمَنْ أَوْصَى

(9/314)


لِثَلاَثَةِ أَقْرَبِينَ فَقَدْ أَوْصَى لِلأَقْرَبِينَ وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، كِلاَهُمَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ وَسَمَّاهُمْ وَتَرَكَ ذَوِي قَرَابَتِهِ مُحْتَاجِينَ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُمْ وَرُدَّتْ عَلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِهِ فُقَرَاءُ فَلأََهْلِ الْفَقْرِ مَنْ كَانُوا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إذَا أَوْصَى فِي غَيْرِ أَقَارِبِهِ بِالثُّلُثِ: جَازَ لَهُمْ ثُلُثُ الثُّلُثِ، وَرُدَّ عَلَى قَرَابَتِهِ: ثُلُثَا الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلاَلٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ أَوْصَى لِثَلاَثَةٍ فِي غَيْرِ قَرَابَتِهِ، فَقَالَ: لِلْقَرَابَةِ الثُّلُثَانِ، وَلِمَنْ أَوْصَى لَهُ الثُّلُثُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مَسْرُوقٍ: ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ فَأَحْسَنَ الْقِسْمَةَ، وَإِنَّهُ مَنْ يَرْغَبُ بِرَأْيِهِ، عَنْ رَأْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَضِلُّ، أَوْصِ لِقَرَابَتِك مِمَّنْ لاَ يَرِثُ، ثُمَّ دَعْ الْمَالَ عَلَى مَا قَسَمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ: سَأَلْت سَالِمَ بْنَ يَسَارٍ، وَالْعَلاَءَ بْنَ زِيَادٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ فَدَعَوَا بِالْمُصْحَفِ فَقَرَآ هَذِهِ الآيَةَ، فَقَالاَ: هِيَ لِلْقَرَابَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ يُوصِي لِغَيْرِ ذِي الْقُرْبَى وَلَهُ ذُو قَرَابَةٍ مِمَّنْ لاَ يَرِثُهُ أَنَّهُ يُجْعَلُ ثُلُثَا الثُّلُثِ لِذَوِي الْقَرَابَةِ وَثُلُثُ الثُّلُثِ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ قَالَ: نُسِخَ مِنْهَا الْوَالِدَانِ، وَتُرِكَ الأَقَارِبُ مِمَّنْ لاَ يَرِثُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: هِيَ لِلْقَرَابَةِ يَعْنِي الْوَصِيَّةَ. وَبِوُجُوبِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَرَابَةِ الَّذِينَ لاَ يَرِثُونَ يَقُولُ إِسْحَاقُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا، بَلْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ لِغَيْرِ ذِي قَرَابَتِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الَّذِي أَوْصَى بِعِتْقِ السِّتَّةِ الأَعْبُدِ، وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَأَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً فَقَالُوا: هَذِهِ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ الأَقَارِبِ. قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَنَحْنُ لاَ نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ قَبْلَ نُزُولِهَا كَانَ لِلْمَرْءِ أَنْ يُوصِيَ لِمَنْ شَاءَ، فَهَذَا الْخَبَرُ مُوَافِقٌ

(9/315)


لِلْحَالِ الْمَنْسُوخَةِ الْمُرْتَفِعَةِ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ قَطْعًا فَحُكْمُ هَذَا الْخَبَرِ مَنْسُوخٌ بِلاَ شَكٍّ وَالآيَةُ رَافِعَةٌ لِحُكْمِهِ نَاسِخَةٌ لَهُ بِلاَ شَكٍّ. وَمَنْ ادَّعَى فِي النَّاسِخِ أَنَّهُ عَادَ مَنْسُوخًا، وَفِي الْمَنْسُوخِ أَنَّهُ عَادَ نَاسِخًا بِغَيْرِ نَصٍّ ثَابِتٍ وَارِدٍ بِذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لاَ يَعْلَمُ وَتَرَكَ الْيَقِينَ وَحَكَمَ بِالظُّنُونِ، وَهَذَا مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} فَنَحْنُ نَقْطَعُ وَنَبُتُّ وَنَشْهَدُ أَنَّهُ لاَ سَبِيلَ إلَى نَسْخِ نَاسِخٍ، وَرَدِّ حُكْمٍ مَنْسُوخٍ دُونَ بَيَانٍ وَارِدٍ لَنَا بِذَلِكَ، وَلَوْ جَازَ غَيْرُ هَذَا لَكُنَّا مِنْ دِينِنَا فِي لَبْسٍ، وَلَكُنَّا لاَ نَدْرِي مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِمَّا نَهَانَا عَنْهُ، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا فَظَهَرَ لَنَا بُطْلاَنُ تَمْوِيهِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَيْضًا: فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ صَلِيبَةً مِنْ الأَنْصَارِ، وَكَانَ لَهُ قَرَابَةٌ لاَ يَرِثُونَ، فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ فَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ حَلِيفًا أَتِيًّا لاَ قَرَابَةَ لَهُ، فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلاَ يَحِلُّ الْقَطْعُ بِالظَّنِّ، وَلاَ تَرْكُ الْيَقِينِ لَهُ. وأعجب شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَوْصَى لأَُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِحَدِيقَةٍ بِيعَتْ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلأََهْلِ بَدْرٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ، مِائَةُ دِينَارٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى لِكُلِّ أُمٍّ وَلَدٍ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، أَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَأَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصَتْ لأَلِ أَبِي يُونُسَ مَوْلاَهَا بِمَتَاعِهَا قال أبو محمد: إنَّ هَذَا لَمِنْ قَبِيحِ التَّدْلِيسِ فِي الدِّينِ، وَلَيْتَ شِعْرِي: أَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يُبِيحُ أَنْ لاَ يُوصِيَ لِقَرَابَتِهِ وَهَلْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ أَنَّهُمْ، رضي الله عنهم، لَمْ يُوصُوا لِقَرَابَتِهِمْ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِيهِ قلنا: وَلاَ ذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُمْ أَوْصَوْا بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ، وَلَعَلَّهُمْ أَوْصَوْا بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهَذِهِ كُلُّهَا فَضَائِحُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهَا وَنَسْأَلُهُ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ.

(9/316)


1752 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَحِلُّ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ أَصْلاً، فَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ وَارِثٍ فَصَارَ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي: بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ، فَإِنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ ثُمَّ صَارَ غَيْرَ وَارِثٍ لَمْ تَجُزْ لَهُ الْوَصِيَّةُ، لأََنَّهَا إذْ عَقَدَهَا كَانَتْ بَاطِلاً، وَسَوَاءٌ جَوَّزَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُجَوِّزُوا، لأََنَّ الْكَوَافَّ نَقَلَتْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" . فَإِذْ قَدْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُجِيزُوا مَا أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنْ يَبْتَدِئُوا هِبَةً لِذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، فَهُوَ مَالُهُمْ وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. فإن قيل: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَمْعَانَ، وَعَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ حُمَيْدٍ الْيَحْصُبِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَعَمْرِو بْنِ قَيْسٍ سَنْدَلٍ، قَالَ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ: عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَالَ الآخَرُونَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَامَ الْفَتْحِ فِي خُطْبَتِهِ: " لاَ تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ" زَادَ عَطَاءٌ

(9/316)


فِي حَدِيثِهِ: وَإِنْ أَجَازُوا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا، قلنا: هَذَا مُرْسَلٌ، ثُمَّ هُوَ مِنْ الْمُرْسَلِ فَضِيحَةٌ، لأََنَّ الأَرْبَعَةَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ ابْنُ وَهْبٍ كُلُّهُمْ مُطَّرَحٌ، وَإِنَّ فِي اجْتِمَاعِهِمْ لاَُعْجُوبَةً. وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ، وَالْمُسْنَدَ كَالْمُرْسَلِ، وَلاَ يُبَالُونَ بِضَعِيفٍ، فَهَلاَّ أَخَذُوا بِهَذَا الْمُرْسَلِ وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وقال أبو حنيفة: لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بَعْدَ مَوْتِهِ. وقال مالك: لاَ رُجُوعَ لَهُمْ إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا فِي كَفَالَتِهِ، فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا.

(9/317)


1753 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، أَجَازَ الْوَرَثَةُ، أَوْ لَمْ يُجِيزُوا: صَحَّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَالنِّصْفُ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ قَالَ: نَعَمْ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ". وَالْخَبَرُ بِأَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِعِتْقِ سِتَّةِ أَعْبُدٍ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً. وقال مالك: إنْ زَادَتْ وَصِيَّتُهُ، عَنِ الثُّلُثِ بِيَسِيرٍ كَالدِّرْهَمَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَهَذَا خِلاَفُ الْخَبَرِ، وَخَطَأٌ فِي تَحْدِيدِهِ مَا ذُكِرَ دُونَ مَا زَادَ وَمَا نَقَصَ، وَلاَ تَخْلُو تِلْكَ الزِّيَادَةُ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ حَقِّ الْمُوصِي أَوْ حَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَقِّ الْمُوصِي فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ حَقِّهِ أَيْضًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَفَّذَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَلاَ يَحِلُّ لِلْمُوصِي أَنْ يَحْكُمَ فِي مَالِهِمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ. صَحَّ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَغَيْرِهِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنَّكُمْ مِنْ أَحْرَى حَيٍّ بِالْكُوفَةِ أَنْ يَمُوتَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَدَعُ عَصَبَةً، وَلاَ رَحِمًا فَلاَ يَمْنَعُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ أَنْ يَضَعَ مَالَهُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ مَوْلَى عَتَاقَةٍ أَنَّهُ يَضَعُ مَالَهُ حَيْثُ يَشَاءُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: إذَا مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَقْدٌ لأََحَدٍ، وَلاَ عَصَبَةَ يَرِثُونَ فَإِنَّهُ يُوصِي بِمَالِهِ كُلِّهِ حَيْثُ شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا الْعَالِيَةَ الرِّيَاحِيَّ أَعْتَقَتْهُ مَوْلاَتُه سَائِبَةً، فَلَمَّا اُحْتُضِرَ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِغَيْرِهَا، فَخَاصَمَتْ فِي ذَلِكَ فَقُضِيَ لَهَا بِالْمِيرَاثِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَشَرِيكٍ الْقَاضِي، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وقال مالك،

(9/317)


وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
قال أبو محمد: احْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدٍ: "الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّكَ إنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ" :. قَالُوا: فَإِنَّمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِلَّةَ فِي أَنْ لاَ يُتَجَاوَزَ الثُّلُثُ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ يُغْنِيَ الْوَرَثَةَ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْعِلَّةُ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَا شَاءَ وَقَالُوا: هُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَقَالُوا: فَلَمَّا كَانَ مَالُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْلِمُونَ، لأََنَّهُ مَالٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُ رَبٌّ، فَإِذْ هُوَ هَكَذَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ لأََحَدٍ حَقٌّ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَضَعَهُ حَيْثُ شَاءَ وَقَالُوا: كَمَا لِلإِمَامِ أَنْ يَضَعَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَيْثُ شَاءَ فَكَذَلِكَ لِصَاحِبِهِ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا يَشْغَبُونَ بِهِ غَيْرَ هَذَا وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي أَنْ لاَ يُتَجَاوَزَ الثُّلُثُ غِنَى الْوَرَثَةِ فَبَاطِلٌ مِنْ قَوْلِهِمْ مَا قَالَ عليه الصلاة والسلام قَطُّ إنَّ أَمْرِي بِأَنْ لاَ يُتَجَاوَزَ الثُّلُثُ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ لِغِنَى الْوَرَثَةِ إنَّمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، وَحُكْمُ فَصْلٍ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَا بَعْدَهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ عليه الصلاة والسلام قَضِيَّةً أُخْرَى مُبْتَدَأَةً قَائِمَةً بِنَفْسِهَا، غَيْرَ مُتَعَلِّقَةٍ بِمَا قَبْلَهَا، فَقَالَ: إنَّكَ إنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ.
برهان صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ عَلَّلَ عِلَّةً فَاسِدَةً مُنْكَرَةً حَاشَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَنَحْنُ نَجِدُ مَنْ لَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ فُقَرَاءُ وَلَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَإِنَّ لَهُ بِإِقْرَارِهِمْ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِهِ، وَلاَ يَتْرُكُ لَهُمْ مَا يُغْنِيهِمْ مِنْ جُوعٍ غَدَاءً وَاحِدًا، وَلاَ عَشَاءً وَاحِدًا. وَنَحْنُ نَجِدُ مَنْ لاَ يَتْرُكُ وَارِثًا إِلاَّ وَاحِدًا غَنِيًّا مُوسِرًا مُكْثِرًا، وَلاَ يُخَلِّفُ إِلاَّ دِرْهَمًا وَاحِدًا، فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُمْ، وَلاَ عِنْدَنَا أَنْ يُوصِيَ إِلاَّ بِثُلُثِهِ، وَلَيْسَ لَهُ غِنًى فِيمَا يَدَعُ لَهُ وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا ذَكَرُوا لَكَانَ مَنْ تَرَكَ ابْنًا وَاحِدًا، وَتَرَكَ ثَلاَثَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِالنِّصْفِ، لأََنَّ لَهُ فِيمَا يَبْقَى غِنَى الأَبَدِ، فَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ غِنَى الْوَرَثَةِ لَرُوعِيَ مَا يُغْنِيهِمْ عَلَى حَسَبِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ. فَصَحَّ أَنَّ الَّذِي قَالُوا بَاطِلٌ، وَأَنَّ الشَّرِيعَةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ تَحْدِيدُ الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ فَقَطْ قَلَّ الْمَالُ أَوْ كَثُرَ، كَانَ فِيهِ لِلْوَرَثَةِ غِنًى أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَلَعَلَّهُمْ يَقْرَعُونَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، الَّذِينَ يَحْتَجُّونَ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِهَا، وَيُورِدُونَهَا عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ وَيَتَقَاذَفُونَ لَهَا أَبَدًا. وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَرَى حُجَّةً إِلاَّ فِي نَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، عَنْ

(9/318)


رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا يَأْخُذُ الْمُسْلِمُونَ مَالَ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ، لأََنَّهُ لاَ رَبَّ لَهُ، فَإِذْ لاَ يَسْتَحِقُّهُ بِمَوْتِهِ أَحَدٌ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ، فَمَا زَادُونَا عَلَى تَكْرَارِ قَوْلِهِمْ، وَأَنْ جَعَلُوا دَعْوَاهُمْ حُجَّةً لِدَعْوَاهُمْ، وَفِي هَذَا نَازَعْنَاهُمْ، وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، لَكِنْ نَحْنُ وَأَمْوَالُنَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَفْسِهِ، وَلاَ فِي مَالٍ إِلاَّ بِمَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ مَالِكُهُ، وَمَالُك مَالِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَطْ. وَلَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ أَيْدِيَنَا عَلَى أَمْوَالِنَا فِيمَا شَاءَ لَمَا جَازَ لَنَا فِيهَا حُكْمٌ، كَمَا لاَ يَجُوزُ لَنَا فِيهَا حُكْمٌ، حَيْثُ لَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا التَّصَرُّفَ فِيهَا. وَلَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لَنَا فِي الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَمَا جَازَ لَنَا أَنْ نُوصِيَ بِشَيْءٍ، فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ فَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا وَلَمْ يُبِحْ أَكْثَرَ فَهُوَ غَيْرُ مُبَاحٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا لِلإِمَامِ أَنْ يَضَعَهُ حَيْثُ يَشَاءُ فَصَاحِبُهُ أَوْلَى فَكَلاَمٌ بَارِدٌ، وَقِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ تَرَكَ زَوْجَةً وَلَمْ يَتْرُكْ ذَا رَحِمٍ، وَلاَ مَوْلًى، وَلاَ عَاصِبًا: أَنَّ الرُّبْعَ لِلزَّوْجَةِ، وَأَنَّ الثَّلاَثَةَ الأَرْبَاعِ يَضَعُهَا الإِمَامُ حَيْثُ يَشَاءُ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. فَهَلاَّ قَاسُوا هَاهُنَا كَمَا لِلإِمَامِ أَنْ يَضَعَ الثَّلاَثَةَ الأَرْبَاعِ حَيْثُ يَشَاءُ، فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ وَلَكِنَّ هَذَا مِقْدَارُ قِيَاسِهِمْ فَتَأَمَّلُوهُ. وَأَمَّا إذَا أَذِنَ الْوَرَثَةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنَّ عَطَاءً، وَالْحَسَنَ، وَالزُّهْرِيَّ، وَرَبِيعَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ يَعْلَى، وَمُحَمَّدَ بْنَ أَبِي لَيْلَى، وَالأَوْزَاعِيُّ قَالُوا: إذَا أَذِنَ الْوَرَثَةُ فَلاَ رُجُوعَ لَهُمْ، وَلَمْ يَخُصُّوا إذْنًا فِي صِحَّةِ مَنْ أَذِنَ فِي مَرَضٍ. وَقَالَ شُرَيْحٌ، وطَاوُوس، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إذَا أَذِنُوا لَهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ عِنْدَ مَوْتِهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ: بِأَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ، وَلَهُمْ الرُّجُوعُ إذَا مَاتَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ أَصْلاً كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ هُوَ أَبُو عُمَيْسٍ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْمَرَ وَرَثَتَهُ فِي أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَأَذِنُوا لَهُ، فَلَمَّا مَاتَ رَجَعُوا، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ النَّكِرَةُ لاَ يَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ دَاوُد، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الضِّرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا أَنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً فَإِذَا أَوْصَى جَارَ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً

(9/319)


فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} إلَى قَوْلِهِ {عَذَابٌ مُهِينٌ} قال أبو محمد: إنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: يَرُدُّ، عَنْ حَيْفِ النَّاحِلِ الْحَيُّ مَا يَرُدُّ مِنْ حَيْفِ النَّاحِلِ فِي وَصِيَّتِهِ، فَهَؤُلاَءِ ثَلاَثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، مُخَالِفٌ أَبْطَلُوا مَا خَالَفَ السُّنَّةَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَمْ يُجِيزُوهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا رِضَا الْوَرَثَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وقال مالك: إنْ اسْتَأْذَنَهُمْ فِي صِحَّتِهِ فَأَذِنُوا لَهُ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ إذَا مَاتَ، وَإِنْ اسْتَأْذَنَهُمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَأَذِنُوا لَهُ فَلاَ رُجُوعَ لَهُمْ، إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ وَنَفَقَتِهِ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَلاَ نَعْلَمُهُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً، وَلاَ يَخْلُو الْمَالُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِمَالِكِهِ فِي صِحَّتِهِ وَفِي مَرَضِهِ، أَوْ يَكُونَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لِوَرَثَتِهِ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ لِصَاحِبِهِ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ فَلاَ إذْنَ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ وَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ جَوَازُ إذْنِهِمْ فِيمَا لاَ حَقَّ لَهُمْ فِيهِ، وَفِيمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، حَتَّى لَوْ سَرَقُوا مِنْهُ دِينَارًا لَوَجَبَ الْقَطْعُ عَلَى مَنْ سَرَقَهُ مِنْهُمْ وَقَدْ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ قَبْلَ مَوْتِ الْمَرِيضِ فَيَرِثُهُ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ: إنَّ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ لِمَا ذَكَرْنَا، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ إذْنَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَهَذَا عَقْدٌ قَدْ الْتَزَمُوهُ فَعَلَيْهِمْ الْوَفَاءُ بِهِ.
قال أبو محمد: وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ أَجَازَ الْعِتْقَ قَبْلَ الْمِلْكِ، وَالطَّلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ: أَنْ يَقُولَ بِإِلْزَامِهِمْ هَذَا الإِذْنَ، وَلَكِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا فِي ذَلِكَ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: كُلُّ عَقْدٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ بِالأَمْرِ بِهِ أَوْ بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا نَصًّا أَوْ أَبَاحَهَا نَصًّا. وَأَمَّا مَنْ عَقَدَ مَعْصِيَةً فَمَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ فِي الْوَفَاءِ بِهَا، بَلْ حَرَّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، كَمَنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَزْنِيَ، أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ مَعْصِيَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، فَالْعَقْدُ فِي الإِذْنِ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بَاطِلٌ مُحَرَّمٌ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ.
وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ، لأََنَّ الْمَالَ حِينَئِذٍ صَارَ لِلْوَرَثَةِ، فَحُكْمُ الْمُوصِي فِيمَا اسْتَحَقُّوهُ بِالْمِيرَاثِ بَاطِلٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" فَلَيْسَ لَهُمْ إجَازَةُ الْبَاطِلِ، لَكِنْ إنْ أَحَبُّوا أَنْ يُنَفِّذُوا ذَلِكَ مِنْ مَالِهِمْ بِاخْتِيَارِهِمْ فَلَهُمْ ذَلِكَ وَلَهُمْ حِينَئِذٍ أَنْ يَجْعَلُوا الأَجْرَ لِمَنْ شَاءُوا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ ثَلاَثَةً مِنْ

(9/320)


الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ.

(9/321)


1754 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، ثُمَّ حَدَثَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَجُزْ مِنْ وَصِيَّتِهِ إِلاَّ مِقْدَارُ ثُلُثِ مَا كَانَ لَهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ، لأََنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَهُ عَقْدًا حَرَامًا لاَ يَحِلُّ كَمَا ذَكَرْنَا وَمَا كَانَ بَاطِلاً فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ فِي ثَانٍ، إذْ لَمْ يُعْقَدْ، وَلاَ مُحَالَ أَكْثَرُ مِنْ عَقْدٍ لَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ إذْ عُقِدَ، ثُمَّ يَصِحُّ حُكْمُهُ إذْ لَمْ يُعْقَدْ. فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فَأَقَلَّ، ثُمَّ نَقَصَ مَالُهُ حَتَّى لَمْ يَحْتَمِلْ وَصِيَّتَهُ، ثُمَّ زَادَ لَمْ يُنَفَّذْ مِنْ وَصِيَّتِهِ إِلاَّ مِقْدَارُ ثُلُثِ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، لأََنَّ وَصِيَّتَهُ بِمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالُهُ قَدْ بَطَلَتْ، وَمَا بَطَلَ فَلاَ سَبِيلَ إلَى عَوْدَتِهِ دُونَ أَنْ تَبْتَدِئَ إعَادَتُهُ بِعَقْدٍ آخَرَ، إذْ قَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ الأَوَّلُ. فَلَوْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عَامِدًا وَلَهُ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يُنَفَّذْ إِلاَّ فِي مِقْدَارِ ثُلُثِ مَا عَلِمَ فَقَطْ، لأََنَّهُ عَقَدَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ عَقْدَ مَعْصِيَةٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ. فَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ مَالاً فَإِنِّي أُوصِي مِنْهُ بِكَذَا، أَوْ قَالَ أُوصِي إذَا مَاتَ أَنْ يُخْرَجَ عَنْهُ ثُلُثُ مَا يَتَخَلَّفُ، أَوْ جُزْءًا مُشَاعًا أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ قَالَ: فَيَخْرُجُ مِمَّا يَتَخَلَّفُ كَذَا وَكَذَا: فَهَذَا جَائِزٌ وَتُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ مِنْ كُلِّ مَا كَسَبَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبَعْدَ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ، بِأَيِّ وَجْهٍ كَسَبَهُ، أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ صَحِيحٍ مَلَكَهُ، بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، لأََنَّهُ عَقَدَ عَقْدًا صَحِيحًا فِيمَا يَتَخَلَّفُهُ، وَلَمْ يَخُصَّ بِوَصِيَّتِهِ مَا يَمْلِكُ حِينَ الْوَصِيَّةِ، وَقَدْ عَقَدَ وَصِيَّتَهُ عَقْدًا صَحِيحًا لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا. فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَمَالُهُ يَحْتَمِلُهُ وَلَهُ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، ثُمَّ نَقَصَ مَالُهُ الَّذِي عَلِمَ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ، فَوَصِيَّتُهُ نَافِذَةٌ فِيمَا عَلِمَ وَفِيمَا لَمْ يَعْلَمْ، لأََنَّهُ عَقَدَهَا عَقْدًا صَحِيحًا تَامًّا مِنْ حِينِ عَقَدَهُ إلَى حِينِ مَاتَ، وَلاَ تَدْخُلُ دِيَتُهُ إنْ قُتِلَ خَطَأً فِيمَا تُنَفَّذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ، لأََنَّهَا لَمْ تَجِبْ لَهُ قَطُّ، وَلاَ مَلَكَهَا قَطُّ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوَرَثَتِهِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَزِيَادٍ الأَعْلَمِ، قَالَ الْحَجَّاجُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ زِيَادٌ الأَعْلَمُ: عَنِ الْحَسَنِ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ، وَالْحَسَنُ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، ثُمَّ قُتِلَ خَطَأً أَنَّهُ يَدْخُلُ ثُلُثُ دِيَتِهِ فِي ثُلُثِهِ، وَإِنْ كَانَ اسْتَفَادَ مَالاً وَلَمْ يَكُنْ شَعَرَ بِهِ: دَخَلَ ثُلُثُهُ فِي وَصِيَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، حَاشَ الدِّيَةِ فَلاَ تَدْخُلُ وَصِيَّتُهُ فِيهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: لاَ تَدْخُلُ وَصِيَّتُهُ إِلاَّ فِيمَا عَلِمَ مِنْ مَالِهِ، لاَ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ رُوِيَ ذَلِكَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ. وقال مالك كَذَلِكَ، إِلاَّ فِيمَا رَجَاهُ وَلَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ، كَرِبْحِ مَالٍ يَنْتَظِرُهُ، أَوْ غَلَّةٍ

(9/321)


لاَ يَدْرِي مَبْلَغَهَا، فَإِنَّ وَصَايَاهُ تَدْخُلُ فِيهَا وَمَا نَعْلَمُ هَذَا التَّقْسِيمَ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً.
وبرهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ فَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ الْمِيرَاثَ فِي كُلِّ مَا عَلِمَ بِهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَأَوْجَبَ الْوَصِيَّةَ وَالدَّيْنَ مُقَدَّمَيْنِ كَذَلِكَ عَلَى الْمَوَارِيثِ، فَالْمُفَرَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُبْطِلٌ بِلاَ دَلِيلٍ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مِنْ الْوَصِيَّةِ مَا قَصَدَ بِهِ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَطْ، وَمَا نَعْلَمُ لِمُخَالِفِينَا حُجَّةً أَصْلاً وَقَدْ خَالَفُوا فِي ذَلِكَ صَاحِبًا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ، عَنْ عَلِيٍّ لاَ تَصِحُّ، لأََنَّ فِيهَا الْحَجَّاجَ، وَالْحَارِثَ قلنا: وَالرِّوَايَةُ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ لاَ تَصِحُّ، لأََنَّهَا، عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلاَ تَصِحُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، لأََنَّهَا، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، وَلاَ تَصِحُّ، عَنْ مَكْحُولٍ، لأََنَّهَا، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلاَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، لأََنَّهَا عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/322)


1755- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِمَيِّتٍ، لأََنَّ الْمَيِّتَ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا، فَمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ ثُمَّ مَاتَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ. فَإِنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَلِمَيِّتٍ جَازَ نِصْفُهَا لِلْحَيِّ وَبَطَلَ نِصْفُ الْمَيِّتِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِحَيَّيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَازَ لِلْحَيِّ فِي النِّصْفِ وَبَطَلَتْ حِصَّةُ الْمَيِّتِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ. وقال مالك: إنْ كَانَ عَلِمَ الْمُوصِي بِأَنَّ الَّذِي أَوْصَى لَهُ مَيِّتٌ فَهُوَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي. قال علي: هذا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ بِلاَ برهان: فإن قيل: إذَا أَوْصَى لَهُ وَهُوَ مَيِّتٌ فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِوَرَثَتِهِ قلنا: هَذَا بَاطِلٌ، وَلَوْ أَرَادَ الْوَصِيَّةَ لِوَرَثَتِهِ لَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، فَتَقْوِيلُهُ مَا لَمْ يَقُلْ حُكْمٌ بِالظَّنِّ، وَالْحُكْمُ بِالظَّنِّ لاَ يَحِلُّ.

(9/322)


1756 - مَسْأَلَةٌ: وَالْوَصِيَّةُ لِلذِّمِّيِّ جَائِزَةٌ، وَلاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ.

(9/322)


1757 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِمَا لاَ يُنَفَّذُ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهَا، أَوْ فِيمَا أَوْصَى بِهِ سَاعَةَ مَوْتِ الْمُوصِي: مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ بِنَفَقَةٍ عَلَى إنْسَانٍ مُدَّةً مُسَمَّاةً، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدٍ بَعْدَ أَنْ يَخْدُمَ فُلاَنًا مُدَّةً مُسَمَّاةً قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، أَوْ يَحْمِلُ بُسْتَانَه فِي الْمُسْتَأْنَفِ، أَوْ بَغْلَةَ دَارِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ: فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لاَ يُنَفَّذُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ أَوْصَى لأَخَرَ بِغَنَمٍ حَيَاتَهُ أَنَّهُ جَائِزٌ، وَيَكُونُ لِلْمُوصِي لَهُ مِنْ الْغَنَمِ أَلْبَانُهَا وَأَصْوَافُهَا وَأَوْلاَدُهَا

(9/322)


1758 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِمَتَاعِ بَيْتِهِ لأَُمِّ وَلَدِهِ، أَوْ لِغَيْرِهَا، فَإِنَّمَا لِلْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ مَا الْمَعْهُودُ أَنْ يُضَافَ إلَى الْبَيْتِ مِنْ الْفُرُشِ الْمَبْسُوطَةِ فِيهِ، وَالْمُعَلَّقِ، وَالْفِرَاشِ الَّذِي يُقْعَدُ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي يُنَامُ عَلَيْهِ وَبِمَا يَتَغَطَّى فِيهِ، وَيَتَوَسَّدُهُ، وَالآنِيَةِ الَّتِي يُشْرَبُ فِيهَا وَيُؤْكَلُ، وَالْمَائِدَةِ، وَالْمَسَامِيرِ الْمُسَمَّرَةِ فِيهِ، وَالْمَنَادِيلِ، وَالطَّسْتِ، وَالإِبْرِيقِ. وَلاَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا لاَ يُضَافُ إلَى الْبَيْتِ مِنْ ثِيَابِ اللِّبَاسِ، وَالْمَرْفُوعَةِ، وَالتُّخُوتِ، وَوِطَاءٍ لاَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ، وَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَحُلِيٍّ، وَخِزَانَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لأََنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ مَا يُفْهَمُ مِنْ لُغَةِ الْمُوصِي. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

(9/327)


1759 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَحِلُّ وَصِيَّةٌ فِي مَعْصِيَةٍ لاَ مِنْ مُسْلِمٍ، وَلاَ مِنْ كَافِرٍ كَمَنْ أَوْصَى بِبُنْيَانِ كَنِيسَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.
وَقَوْله تَعَالَى {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فَمَنْ تَرَكَهُمْ يُنَفِّذُونَ خِلاَفَ حُكْمِ الإِسْلاَمِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِمْ فَقَدْ أَعَانَهُمْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.

(9/327)


1760 - مَسْأَلَةٌ: وَوَصِيَّةُ الْمَرْأَةِ الْبِكْرِ ذَاتِ الأَبِ، وَذَاتِ الزَّوْجِ الْبَالِغَةِ، وَالثَّيِّبِ ذَاتِ الزَّوْجِ: جَائِزَةٌ، كَوَصِيَّةِ الرَّجُلِ، أَحَبَّ الأَبُ أَوْ الزَّوْجُ أَوْ كَرِهَا. وَلاَ مَعْنَى لأَِذْنِهِمَا فِي ذَلِكَ لأََنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَصِيَّةِ جَاءَ عَامًّا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ يَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَلَمْ يَخُصَّ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ أَحَدًا مِنْ أَحَدٍ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} وَمَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلاَفًا مِنْ أَحَدٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/327)


1763 - مَسْأَلَةٌ: وَوَصِيَّةُ الْمَرْءِ لِعَبْدِهِ بِمَالٍ مُسَمًّى أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ: جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ

(9/327)


1762 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ وَصِيَّةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَصْلاً. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجَازَ لَهَا وَصِيَّةَ غُلاَمٍ لَمْ يَحْتَلِمْ بِبِئْرِ جُشَمَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ: فَبِعْتهَا أَنَا بِثَلاَثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ الصَّبِيِّ، وَقَالَ: مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ أَجَزْنَا، وَرُوِيَ وَلَمْ يَصِحَّ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ جَارِيَةٍ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ بِالثُّلُثِ. وَعَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَجَزْنَا وَصِيَّتَهُ. وَعَنِ ابْنِ سَمْعَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: إذَا عَرَفَ الصَّلاَةَ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ الْغُلاَمُ وَالْجَارِيَةُ سَوَاءٌ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إجَازَةُ وَصِيَّةِ الصَّغِيرَيْنِ إذَا أَصَابَا الْحَقَّ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ كَقَوْلِ الزُّهْرِيِّ. وَأَجَازَ مَالِكٌ وَصِيَّةَ مَنْ بَلَغَ تِسْعَ سِنِينَ فَصَاعِدًا. وَقَوْلٌ آخَرُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَجُوزُ فِي قُرْبِ الثُّلُثِ، وَلاَ نَرَى أَنْ تَبْلُغَ الثُّلُثَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَ الْقَاضِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ

(9/330)


لْعَنْبَرِيُّ: وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الصَّغِيرَانِ سِنًّا مِنْ وَسَطِ مَا يَحْتَلِمُ لَهُ الْغِلْمَانُ: جَازَتْ وَصِيَّتُهُمَا. وَقَوْلٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّ وَصِيَّةَ مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ لاَ تَجُوزُ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ مَا لَمْ تَحْتَلِمْ أَوْ تَحِضْ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لاَ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْغُلاَمِ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَصَحَّ هَذَا، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ.
قال أبو محمد: أَمَّا تَحْدِيدُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بِبُلُوغِ مَنْ هِيَ وَسَطُ مَا يَحْتَلِمُ لَهَا الْغِلْمَانُ وَمَنْعُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ بُلُوغِ الثُّلُثِ، وَإِجَازَتُهُ مَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ وَتَخْصِيصُ مَالِكٍ ابْنَ تِسْعٍ فَصَاعِدًا: فَأَقْوَالٌ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهَا بِشَيْءٍ أَصْلاً، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا حَدَّ ذَلِكَ قَبْلَ مَالِكٍ. وَلَعَلَّ بَعْضَ مُقَلِّدِيهِ يَقُولُ: صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ بِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ فَنَقُولُ لَهُ: نَعَمْ، وَصَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ سِنِينَ، فَأَجِيزُوا وَصِيَّةَ ابْنِ سِتِّ سِنِينَ بِذَلِكَ. وَهَذَا كُلُّهُ لاَ مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ أَصْلاً. وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ وَصِيَّةَ الصَّغِيرَيْنِ إذَا أَصَابَا الْحَقَّ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} . قَالُوا: وَهَذَا عُمُومٌ، وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وَهَذَا عُمُومٌ، وَبِالثَّابِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ سَأَلَتْهُ الْمَرْأَةُ، عَنِ الصَّغِيرِ أَلَهُ حَجٌّ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: نَعَمْ، وَلَكَ أَجْرٌ وَوَجَدْنَاهُ يَحُضُّ عَلَى الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ فَالْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ. وَقَالُوا: السَّفِيهُ، وَالصَّغِيرُ مَمْنُوعَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمَا فِي حَيَاتِهِمَا، وَوَصِيَّةُ السَّفِيهِ: جَائِزَةٌ، فَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ وَقَالُوا: هَذَا حُكْمُ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَالرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِخِلاَفِ ذَلِكَ لاَ تَصِحُّ، لأََنَّهَا، عَنْ هَالِكِينَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَمِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ مَا لَهُمْ شُبْهَةٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ مُتَعَلِّقَ لِمَالِكٍ وَمَنْ قَلَّدَهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، لأََنَّهُمْ خَصُّوا مَنْ دُونَ التِّسْعِ بِلاَ برهان، فَخَالَفُوا كُلَّ ذَلِكَ.
قال أبو محمد: وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: أَمَّا قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ)، وَقَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}. فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِشَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ، لاَ بِفَرْضٍ، وَلاَ بِتَحْرِيمٍ، وَلاَ بِنَدْبٍ، وَلاَ دَاخِلاً فِي هَذَا الْخِطَابِ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِقَبُولِ أَعْمَالِهِ الَّتِي هِيَ أَعْمَالُ الْبِرِّ بِبَدَنِهِ دُونَ أَنْ يُلْزِمَهُ ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ، عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، فَبَطَلَ التَّعْلِيقُ بِالآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي الصَّغِيرِ لَهُ حَجٌّ فَنَعَمْ، هُوَ حَقٌّ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إطْلاَقُهُ عَلَى التَّقَرُّبِ بِالْمَالِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ، لاَ فِي حَيَاتِهِ، وَلاَ فِي وَصِيَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْقِيَاسُ

(9/331)


بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لأََنَّهُمْ لَمْ يَقِيسُوا الصَّدَقَةَ فِي الْحَيَاةِ مِنْ الصَّغِيرِ عَلَى الْحَجِّ مِنْهُ، فَقِيَاسُ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْمَالِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا مِنْ قِيَاسِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْحَجِّ وَالصَّلاَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ يُحَضُّ عَلَى الصَّلاَةِ، وَالصِّيَامِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ فَبَاطِلٌ أَيْضًا لأََنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الصَّغِيرَ، وَالسَّفِيهَ مَمْنُوعَانِ مِنْ مَالِهِمَا، وَوَصِيَّةُ السَّفِيهِ جَائِزَةٌ فَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ فَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ مَا شَغَبُوا بِهِ، لأََنَّنَا لاَ نُسَاعِدُهُمْ عَلَى أَنَّ مُسْلِمًا يَعْقِلُ يَكُونُ سَفِيهًا أَصْلاً، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ، إنَّمَا السَّفِيهُ الْكَافِرُ، أَوْ الْمَجْنُونُ الَّذِي لاَ يُمَيِّزُ لَكِنْ نَقُولُ لَهُمْ: إنَّ الصَّغِيرَ وَالأَحْمَقَ الَّذِي لاَ يُمَيِّزُ: مَمْنُوعَانِ مِنْ مَالِهِمَا، وَوَصِيَّةُ الأَحْمَقِ الَّذِي لاَ يُمَيِّزُ لاَ تَجُوزُ، فَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ فَهَذَا قِيَاسٌ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ، لأََنَّ الْقَضِيَّةَ الأُُولَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ فِعْلُ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَمِثْلُهُ لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ إنَّهَا لاَ تَصِحُّ، عَنْ عُمَرَ، وَلاَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، لأََنَّ أُمَّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ مَجْهُولَةٌ، وَعَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ رَوَاهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ خَالَفَهُمَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ فِي ذَلِكَ لاَ تَصِحُّ. وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ فِيهَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَمَّا بَطَلَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ الْمَجْنُونَ، وَالصَّغِيرَ: مَمْنُوعَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمَا حَتَّى يَعْقِلَ الأَحْمَقُ، وَيَبْلُغَ الصَّغِيرُ فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُمَا حُكْمٌ فِي أَمْوَالِهِمَا أَصْلاً، وَتَخْصِيصُ الْوَصِيَّةِ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ. وَكَذَلِكَ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ، عَنْ ثَلاَثَةٍ فَذَكَرَ فِيهِمْ الصَّغِيرَ حَتَّى يَبْلُغَ فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/332)


1763 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْعَبْدِ أَصْلاً، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ الْوَصِيَّةَ حَيْثُ الْمَوَارِيثُ وَالْعَبْدُ لاَ يُورَثُ فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَنْ أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فِي وَصِيَّةٍ "مَنْ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ" وَلَيْسَ لأََحَدٍ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ إِلاَّ مَنْ أَبَاحَ لَهُ النَّصُّ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، إنَّمَا لَهُ شَيْءٌ إذَا مَاتَ صَارَ لِسَيِّدِهِ لاَ يُورَثُ عَنْهُ. فأما مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ فَوَصِيَّتُهُ كَوَصِيَّةِ الْحُرِّ، لأََنَّهُ يُورَثُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْمَأْمُورِينَ بِالْوَصِيَّةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/332)


ومن أوصى بما لا يحمله ثلثه بدىء
...
1764 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِمَا لاَ يَحْمِلُهُ ثُلُثُهُ بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي فِي الذِّكْرِ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ، فَإِذَا تَمَّ بَطَلَ سَائِرُ الْوَصِيَّةِ. فَإِنْ كَانَ أَجْمَلَ الأَمْرَ تَحَاصُّوا فِي الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ: فَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ. وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا. وَقَوْلٌ آخَرُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إنَّمَا يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ سَمَّاهُ بِاسْمِهِ، فأما إذَا قَالَ: أَعْتِقُوا عَنِّي نَسَمَةً، فَالنَّسَمَةُ وَسَائِرُ الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ هُشَيْمٌ: وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَابْنَ شُبْرُمَةَ يَقُولاَنِهِ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ تَتَحَاصُّ الْوَصَايَا، الْعِتْقُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: أَنَا قَيْسٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ، وَابْنُ سِيرِينَ فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ وَأَشْيَاءَ، فَزَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ: أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: يُبْدَأُ بِالْعَتَاقَةِ، وقال الشافعي: بِالْحِصَصِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ هُشَيْمٌ: أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ: يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: بِالْحِصَصِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَزَادَ أَنَّهُ يَسْتَسْعِي فِي الْعِتْقِ فِيمَا فَضَلَ، عَنِ الْوَصِيَّةِ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ: فَإِنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: يُبْدَأُ بِالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ بَتْلاً فِي الْمَرَضِ وَيَتَحَاصَّانِ إنْ لَمْ يَحْمِلْهُمَا الثُّلُثُ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمَا بِمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ حِينَ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ يُتَحَاصُّ الْعِتْقُ الْمُوصَى بِهِ جُمْلَةً مَعَ سَائِرِ الْوَصَايَا وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يُبْدَأُ بِالْمُعْتَقِ بَتْلاً فِي الْمَرَضِ، ثُمَّ الْعِتْقُ وَسَائِرُ الْوَصَايَا سَوَاءٌ، يُتَحَاصُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ.
وقال أبو حنيفة: يُبْدَأُ بِالْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ، ثُمَّ بَعْدَهُ بِالْعِتْقِ بَتْلاً فِي الْمَرَضِ إذَا كَانَ الْعِتْقُ بَعْدَ الْمُحَابَاةِ، فَإِنْ أُعْتِقَ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ حَابَى تَحَاصَّا جَمِيعًا، فَإِنْ حَابَى فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أُعْتِقَ، ثُمَّ حَابَى، فَلِلْبَائِعِ الْمُحَابِي أَوَّلاً نِصْفُ الثُّلُثِ، وَيَكُونُ نِصْفُ الثُّلُثِ الْبَاقِي بَيْنَ الْمُعْتَقِ فِي الْمَرَضِ بَتْلاً وَبَيْنَ الْمُحَابِي فِي الْمَرَضِ آخِرًا فَهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا، سَوَاءٌ قُدِّمَ فِي ذَلِكَ فِي الذِّكْرِ أَوْ آخِرِهِ. فَإِنْ أَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِحَجٍّ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصَايَا لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ: قُسِمَ الثُّلُثُ، أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَبَيْنَ سَائِرِ الْقُرَبِ، فَمَا وَقَعَ لِلْمُوصَى لَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ دَفَعَ إلَيْهِمْ وَتَحَاصُّوا فِيهِ، وَمَا وَقَعَ لِسَائِرِ الْقُرَبِ بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي فِي الذِّكْرِ، فَإِذَا تَمَّ فَلاَ شَيْءَ لِمَا بَقِيَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ أَبَدًا عَلَى الْمُحَابَاةِ

(9/333)


فِي الْمَرَضِ ثُمَّ الْمُحَابَاةُ. فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ مُطْلَقٍ، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدٍ فِي مِلْكِهِ، وَبِمَالٍ مُسَمًّى فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِصَدَقَةٍ، وَفِي الْحَجِّ، وَلأَِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ: تَحَاصَّ كُلُّ ذَلِكَ، فَمَا وَقَعَ لِلْمُوصَى لَهُ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ، وَسَائِرُ ذَلِكَ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي بِذِكْرِهِ أَوَّلاً فَأَوَّلاً، فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ فَلاَ شَيْءَ لِمَا بَقِيَ. وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: إنْ أُعْتِقَ بَتْلاً فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ حَابَى فِي مَرَضِهِ بُدِئَ بِالْعِتْقِ، وَإِنْ حَابَى فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أُعْتِقَ بُدِئَ بِالْمُحَابَاةِ، ثُمَّ سَائِرُ الْوَصَايَا، سَوَاءٌ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ الْقُرَبِ وَمَا أَوْصَى بِهِ لأَِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ: كُلُّ ذَلِكَ بِالْحِصَصِ، لاَ يُقَدَّمُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ. وقال مالك: يُبْدَأُ بِالْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ، ثُمَّ بِالْعِتْقِ بَتْلاً فِي الْمَرَضِ، وَالْمُدَبَّرِ فِي الصِّحَّةِ، وَيَتَحَاصَّانِ، ثُمَّ عِتْقِ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، وَعِتْقِ مَنْ سَمَّاهُ وَأَوْصَى بِأَنْ يُبْتَاعَ فَيُعْتَقَ بِعَيْنِهِ، وَيَتَحَاصَّانِ، ثُمَّ سَائِرُ الْوَصَايَا، وَيَتَحَاصُّ مَعَ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ عِتْقِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَبْدَأُ أَبَدًا عَلَى الْعِتْقِ بَتْلاً فِي الْمَرَضِ.وقال الشافعي: إذَا أَعْتَقَ فِي الْمَرَضِ عَبْدًا بَتْلاً بُدِئَ بِمَنْ أَعْتَقَ أَوَّلاً فَأَوَّلاً، وَلاَ يَتَحَاصُّونَ فِي ذَلِكَ، وَيُرَقُّ مَنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ، أَوْ يُرَقُّ مِنْهُ مَا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ. وَالْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ مُبَدَّاةٌ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: يَتَحَاصُّ فِي الْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ وَسَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى السَّوَاءِ، قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ فِي الْمَرَضِ مَفْسُوخٌ، لأََنَّهُ وَقَعَ عَلَى غَرَرٍ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَزُفَرَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ: فَظَاهِرَةُ الْخَطَأِ، لأََنَّهَا دَعَاوَى وَآرَاءٌ بِلاَ برهان، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمْ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ. وَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يُمَوِّهَ هَاهُنَا بِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ، لأََنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُخْتَلِفُونَ كَمَا تَرَى، وَأَفْسَدُهَا كُلِّهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ قَوْلُ مَالِكٍ لِكَثْرَةِ تَنَاقُضِهِمَا، وَتَفَاسُدِ أَقْسَامِهِمَا، وَهِيَ أَقْوَالٌ تُؤَدِّي إلَى تَبْدِيلِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَا سَمِعْت، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ. ثم نقول وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَوْلاً جَامِعًا فِي إبْطَالِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُونَ مِنْ تَبْدِيَةِ الْعِتْقِ بَتْلاً فِي الْمَرَضِ، وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ، فَنَقُولُ لَهُمْ: يَا هَؤُلاَءِ أَخْبِرُونَا، عَنْ قَضَاءِ الْمَرِيضِ فِي عِتْقِهِ، وَهِبَتِهِ، وَمُحَابَاتِهِ فِي بَيْعِهِ، أَهُوَ كُلُّهُ وَصِيَّةٌ، أَمْ لَيْسَ وَصِيَّةً، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ وَصِيَّةً قلنا: صَدَقْتُمْ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً فَلاَ مَدْخَلَ لَهُ فِي الثُّلُثِ أَصْلاً، لأََنَّ الثُّلُثَ بِالسُّنَّةِ الْمُسْنَدَةِ مَقْصُورٌ عَلَى الْوَصَايَا، فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ إذْ جَعَلْتُمْ ذَلِكَ فِي الثُّلُثِ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ كُلُّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ قلنا لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ تَبْدِيَةُ ذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، وَإِبْطَالُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُسْلِمُ، وَتَبْدِيلُهُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُمُوهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِمَنْ رُوِيَ عَنْهُ تَبْدِيَةُ الْعِتْقِ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمَسْرُوقٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ ثُمَّ، عَنِ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِمْ،

(9/334)


لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ، وَلاَ مِنْ غَيْرِهِمْ تَبْدِيَةُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ فِي الثُّلُثِ، وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ فِي الثُّلُثِ، عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، إنَّمَا جَاءَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا تَبْدِيَةُ الْعِتْقِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا. وَعَنِ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا: تَبْدِيَةُ عِتْقِ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ بِاسْمِهِ وَعَيَّنَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِ الْمُوصِي عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا فَقَدْ خَالَفَ الْمَذْكُورُونَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا بِآرَاءٍ مُخْتَرَعَةٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. فَإِنْ قَالُوا: وَقَعَ ذَلِكَ لَنَا، لأََنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ، وَالْمُحَابَاةَ فِي الْمَرَضِ: أَوْكَدُ مِنْ سَائِرِ الْوَصَايَا قلنا: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَعْوَى كَاذِبَةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا، وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُحَابَاةُ النَّصْرَانِيِّ فِي بَيْعِ ثَوْبٍ حَرِيرٍ، أَوْ لِخَلِيعٍ مَاجِنٍ فِي بَيْعِ تُفَّاحٍ لِنَقْلِهِ: أَوْكَدُ مِنْ الْوَصِيَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ثُغُورٍ مُهِمَّةٍ، وَمِنْ فَكِّ مُسْلِمٍ فَاضِلٍ، أَوْ مُسْلِمَةٍ كَذَلِكَ، أَوْ صِغَارٍ مُسْلِمِينَ مِنْ أَسْرِ الْعَدُوِّ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ الْفِتْنَةَ فِي الدِّينِ، وَالْفَضِيحَةَ فِي النَّفْسِ، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ وَدَعَاوَى فَاحِشَةٌ مَفْضُوحَةٌ بِالْكَذِبِ، فَإِنْ قَالُوا: الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ قَدْ اسْتَحَقَّهُ الْمُعْتَقُ، وَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ قلنا: فَإِنْ كَانَا قَدْ اسْتَحَقَّاهُ فَلِمَ تَرُدَّانِهِمَا إلَى الثُّلُثِ إذًا، وَمَا هَذَا التَّخْلِيطُ تَارَةً يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَتَارَةً لاَ يَسْتَحِقُّ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ فِي فَسَادِ تِلْكَ الأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْفَسَادِ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى تَخْلِيصِهِ إيَّانَا مِنْ الْحُكْمِ بِهَا فِي دِينِهِ، وَعَلَى عِبَادِهِ. وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ الْعِتْقِ جُمْلَةً عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا وَهُوَ قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَوْلُ سُفْيَانَ، وَإِسْحَاقَ. قال أبو محمد: احْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ، حَتَّى فَرْجُهُ بِفَرْجِهِ. وَقَالُوا: مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَأْكِيدِ الْعِتْقِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْفَذَ عِتْقَ الشَّرِيكِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَذَكَرُوا خَبَرًا رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي، عَنْ حَيْوَةِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ يُبْدَأَ بِالْعَتَاقِ فِي الْوَصِيَّةِ وَقَالُوا: هُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ صَاحِبٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَقَالُوا: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وقال بعضهم: الْعِتْقُ لاَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، وَسَائِرُ الأَشْيَاءِ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ، وقال بعضهم: لَوْ أَنَّ امْرَأً أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ وَبَاعَهُ آخَرُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ السَّيِّدَ، فَأَجَازَ الأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، أَنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً وَكَّلَ رَجُلاً بِعِتْقِ عَبْدِهِ، وَوَكَّلَ آخَرَ بِبَيْعِهِ فَوَقَعَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ مِنْ الْوَكِيلِينَ مَعًا: أَنَّ الْعِتْقَ نَافِذٌ، وَالْبَيْعَ بَاطِلٌ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا هَاتَانِ الْقَضِيَّتَانِ فَهُوَ نَصْرٌ مِنْهُمْ لِلْخَطَأِ بِالضَّلاَلِ، وَلِلْوَهْمِ بِالْبَاطِلِ، بَلْ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجَازَةُ عِتْقٍ وَقَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلاَ إجَازَةُ بَيْعٍ وَقَعَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَالإِجْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} . وَقَالَ

(9/335)


رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" . فَمَنْ أَحَلَّ الْحَرَامَ فَتَحْلِيلُهُ بَاطِلٌ، وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ، لَكِنْ إنْ أَحَبَّ إنْفَاذَ عِتْقِ عَبْدِهِ فَلْيُعْتِقْهُ هُوَ بِلَفْظِهِ مُبْتَدِئًا وَإِنْ أَحَبَّ بَيْعَهُ فَلْيَبِعْهُ كَذَلِكَ مُبْتَدِئًا، وَلاَ بُدَّ. وَالتَّوْكِيلُ فِي الْعِتْقِ: لاَ يَجُوزُ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِجَازَتِهِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ. وَأَمَّا التَّوْكِيلُ فِي الْبَيْعِ: فَجَائِزٌ بِالسُّنَّةِ، فَمَنْ وَكَّلَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَمْ يُنَفَّذْ عِتْقُهُ أَصْلاً، وَمَنْ وَكَّلَ فِي بَيْعِهِ: جَازَ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الْعِتْقُ لاَ يَلْحَقُهُ فَسْخٌ وَسَائِرُ الأَشْيَاءِ يَلْحَقُهَا فَسْخٌ: فَقَدْ كَذَبُوا، وَكُلُّ عَقْدٍ مِنْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَعَ صَحِيحًا فَلاَ يَجُوزُ فَسْخُهُ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِإِيجَابِ فَسْخِهِ قُرْآنٌ، أَوْ سُنَّةٌ، وَالْعِتْقُ الصَّحِيحُ قَدْ يُفْسَخُ، وَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْعَبْدَ النَّصْرَانِيَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسَبَى وَقَسَمَ، فَإِنَّ عِتْقَهُ الأَوَّلَ يُفْسَخُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ كُلُّهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، فَقَدْ خَالَفَهُمْ مَنْ لَيْسَ دُونَهُمْ، كَعَطَاءٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَلَيْسَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ حُجَّةً، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الدِّينِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ لاَ يَصِحُّ، لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَشْعَثِ بْنِ سَوَّارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إِلاَّ إلَى كَلاَمِهِ، وَكَلاَمِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام لاَ إلَى كَلاَمِ صَاحِبٍ، وَلاَ غَيْرِهِ، فَمَنْ رَدَّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى غَيْرِ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ يُبْدَأَ بِالْعَتَاقِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَهَذَا غَيْرُ مُسْنَدٍ، وَلاَ مُرْسَلٌ أَيْضًا، وَمَنْ أَضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ هَذَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَلَمْ يَقُلْ سَعِيدٌ رحمه الله إنَّ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ حُكْمُهُ وَقَدْ يَقُولُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ: مِثْلَ هَذَا فِي قَوْلِ صَاحِبٍ. وَمِنْ أَعْجَبْ مِمَّنْ لاَ يَرَى قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ إلَيْهِ فِي قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنَّهَا السُّنَّةُ حُجَّةً، ثُمَّ يَرَى قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِذَلِكَ: حُجَّةً، وَحَتَّى لَوْ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: إنَّ هَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُهُ لَكَانَ مُرْسَلاً، لاَ حُجَّةَ فِيهِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ فِي تَأْكِيدِ الْعِتْقِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً، وَإِنْفَاذُهُ عليه الصلاة والسلام عِتْقَ الشَّرِيكِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ: فَهُمَا سُنَّتَا حَقٍّ بِلاَ شَكٍّ، وَلَيْسَ فِيهِمَا إِلاَّ فَضْلُ الْعِتْقِ وَالْحُكْمُ فِيهِ فَقَطْ، وَلَمْ يُخَالِفُونَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا. وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ: أَنَّ الْعِتْقَ أَوْكَدُ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الْقُرَبِ أَصْلاً، وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِيهِمَا فَقَدْ كَذَبَ وَقَالَ الْبَاطِلَ، بَلْ قَدْ جَاءَ نَصُّ الْقُرْآنِ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالإِطْعَامِ لِمِسْكِينٍ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ

(9/336)


أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} وَكَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الأَيْمَانِ، وَهَذِهِ كَفَّارَةُ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْحَجِّ لِمَنْ بِهِ أَذًى مِنْهُ لَوْ أَعْتَقَ فِيهِ أَلْفَ رَقَبَةٍ مَا أَجْزَأَهُ، وَإِنَّمَا يُجْزِيهِ صِيَامٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ نُسُكٌ، أَفَتَرَى هَذَا دَلِيلاً عَلَى فَضْلِ النُّسُكِ عَلَى الْعِتْقِ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا إنَّمَا هِيَ أَحْكَامٌ يُطَاعُ لَهَا، وَلاَ يُزَادُ فِيهَا مَا لَيْسَ فِيهَا ثُمَّ قَدْ جَاءَ النَّصُّ الصَّحِيحُ بِأَنَّ بَعْضَ الْقُرَبِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ بِبَيَانٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ يُكَذِّبُ دَعْوَاهُمْ فِي تَأْكِيدِ الْعِتْقِ عَلَى سَائِرِ الْقُرَبِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ: "إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ". حدثنا عبد الله بن ربيع، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْوَزِيرِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ أَنَّهُ سَمِعَ كُرَيْبًا مَوْلَى بْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْت مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: أَعْتَقْتُ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " لَوْ أَعْطَيْتِ أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأََجْرِكِ ". فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ يُغْنِي اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، عَنْ تَقَحُّمِ الْكَذِبِ وَتَكَلُّفِ الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ قُرْبَةٍ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ إبْطَالُ سَائِرِ مَا تَقَرَّبَ بِهِ الْمُوصِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى إيثَارًا لِلْعِتْقِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لاَ يَجُوزُ، وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِهَذَا أَنْ يَقُولَ بِمَا صَحَّ عَنْ عَطَاءٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَوْصَى إنْسَانٌ فِي أَمْرٍ فَرَأَيْتُ غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ قَالَ: فَافْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَأَيْتَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ فَافْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مَا لَمْ يُسَمِّ إنْسَانًا بِاسْمِهِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ثُمَّ رَجَعَ عَطَاءٌ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لِيُنَفِّذَ قَوْلَهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَوْلُهُ الأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَيَّ. قال أبو محمد: مَنْ أَبْطَلَ شَيْئًا مِمَّا أَوْصَى بِهِ الْمُسْلِمُ إيثَارًا لِلْعِتْقِ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ قَوْلِ عَطَاءٍ الأَوَّلِ، وَقَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ، إِلاَّ أَنَّهُمْ جَمَعُوا إلَى ذَلِكَ تَنَاقُضًا قَبِيحًا زَائِدًا. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَ قَوْلُ مَنْ يَرَى تَبْدِيَةَ بَعْضِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا، أَوْ قَوْلُ مَنْ رَأَى التَّحَاصَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَدْ خَالَفَ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي أَيْضًا بِغَيْرِ نَصٍّ، مِنْ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ، فَإِنْ قَالُوا: وَأَنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمْ أَيْضًا مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي
قلنا: خِلاَفُنَا لِمَا أَوْصَى غَيْرُ خِلاَفِكُمْ، لأََنَّكُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهُ بِغَيْرِ نَصٍّ، مِنْ

(9/337)


قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَنَحْنُ خَالَفْنَاهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ.
قال أبو محمد: فَلَمَّا عُرِّيَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا مِنْ الْبُرْهَانِ لَزِمَنَا أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُجِزْ الْوَصِيَّةَ إِلاَّ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فَأَقَلَّ أَنَّهُ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَوَجَبَ إنْفَاذُ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَوَجَدْنَا مَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ عَلَى عِلْمٍ وَقَصْدٍ، وَأَمَّا مُخْطِئًا مَعْفُوًّا عَنْهُ الإِثْمُ إنْ كَانَ جَهِلَ ذَلِكَ، وَفِعْلُهُ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلاَ يَحِلُّ إنْفَاذُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ إمْضَاءُ الْخَطَأِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ. وَوَجَدْنَا الْمُوصِيَ إذَا أَوْصَى فِي وَجْهٍ مَا بِمِقْدَارٍ مَا دُونَ الثُّلُثِ فَقَدْ وَجَبَ إنْفَاذُ كُلِّ مَا أَوْصَى بِهِ، كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بَاطِلاً لاَ يَحِلُّ إنْفَاذُهُ فَصَحَّ نَصُّ قَوْلِنَا حَرْفًا حَرْفًا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام فإن قال قائل: وَمَنْ قَالَ هَذَا قَبْلَكُمْ قلنا لَهُ: إنْ كَانَ حَنِيفِيًّا أَوْ مَالِكِيًّا وَمَنْ قَالَ قَبْلَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بِأَقْوَالِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلاَّ أَنَّ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَرْقًا، وَهُوَ أَنَّ أَقْوَالَهُمَا لاَ يُوَافِقُهُمَا نَصٌّ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَقَوْلُنَا هُوَ نَفْسُ مَا أَمَرَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام. وَإِنَّمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ، عَنْ عَشَرَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَوَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَهُمْ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ، فَأَيْنَ أَقْوَالُ سَائِرِهِمْ فَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ بِتَبْدِيَةِ مَا ابْتَدَأَ بِهِ الْمُوصِي أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِمَا، وَمَا نَقُولُ هَذَا مُتَكَثِّرِينَ بِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ مُسْتَوْحِشِينَ إلَى سِوَاهُ، وَلَكِنْ لِنُرِيَ الْمُخَالِفَ فَسَادَ اعْتِرَاضِهِ، وَفَاحِشَ انْتِقَاضِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: فَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ الْمُوصِي بِشَيْءٍ، لَكِنْ قَالَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ: يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ ذَلِكَ، فَهَاهُنَا يَتَحَاصُّونَ، وَلاَ بُدَّ، لأََنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِلاَّ الثُّلُثُ فَيَجُوزُ لَهُمْ مَا أَجَازَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَبْطُلُ لَهُمْ مَا أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْقُرَبِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
"فَصْل" قال أبو محمد: قَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الزَّكَاةِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، وَفِي " كِتَابِ الْحَجِّ " مِنْهُ، وَفِي " كِتَابِ التَّفْلِيسِ " مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ وَقَدْ فَرَّطَ: فِي زَكَاةٍ، أَوْ فِي حَجِّ الإِسْلاَمِ، أَوْ عُمْرَتِهِ، أَوْ فِي نَذْرٍ، أَوْ فِي كَفَّارَةِ ظِهَارٍ، أَوْ قَتْلٍ، أَوْ يَمِينٍ، أَوْ تَعَمَّدَ وَطْءً فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ بَعْضَ لَوَازِمِ الْحَجِّ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لاَ شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ حَتَّى يَقْضِيَ دُيُونَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا، ثُمَّ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِلْغُرَمَاءِ، ثُمَّ الْوَصِيَّةُ، ثُمَّ الْمِيرَاثُ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَكَرْنَا الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ

(9/338)


يُقْضَى". وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ قَوْلَ الْحَسَنِ، وطَاوُوس بِأَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْهُمَا: أَنَّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ، وَزَكَاةَ الْمَالِ هُمَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ. وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ: إنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمَيِّتِ وَكُلُّ شَيْءٍ وَاجِبٌ فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّ الْحَجَّ وَالنَّذْرَ يُقْضَيَانِ، عَنِ الْمَيِّتِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِيجَابِ الْحَجِّ عَمَّنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ الْمَوْتَى. وَكَذَلِكَ قَوْلُ طَاوُوس، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ مَرَّةً قَالَ: تَتَحَاصَّ دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى وَدُيُونُ النَّاسِ، وَمَرَّةً قَالَ كَمَا قلنا، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِأَنْ لاَ تَخْرُجَ الزَّكَاةُ إِلاَّ مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَوْصَى بِهَا مِنْ التَّابِعِينَ، إِلاَّ رَبِيعَةُ. وَبَقِيَ أَنْ نَذْكُرَ أَقْوَالَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَوْصَى الْمُسْلِمُ بِوَصَايَا: مِنْهَا زَكَاةٌ وَاجِبَةٌ، وَحَجَّةُ الإِسْلاَمِ أَنَّهُ يُبْدَأُ فِي الثُّلُثِ بِهَذِهِ الْفُرُوضِ سَوَاءٌ ذَكَرَهَا أَوَّلاً أَوْ آخِرًا وَتَتَحَاصَّ الْفُرُوضُ الْمَذْكُورَةُ، ثُمَّ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِهِ فِي الْوَصَايَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُبْدَأُ بِالزَّكَاةِ، ثُمَّ بِحَجَّةِ الإِسْلاَمِ، وَمَرَّةً قَالَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: ثُمَّ بَعْدَ الزَّكَاةِ وَالْحَجَّةِ الْمَفْرُوضَةِ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ عِتْقٍ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَكَفَّارَةِ جَزَاءِ صَيْدٍ، وَفِدْيَةِ الأَذَى: يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ بِذِكْرِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي وَصِيَّتِهِ، ثُمَّ التَّطَوُّعِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُبْدَأُ مِنْ حَجَّةِ الإِسْلاَمِ وَمِنْ الزَّكَاةِ بِمَا بَدَأَ الْمُوصِي بِذِكْرِهِ فِي وَصِيَّتِهِ. وقال مالك: يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ الْبَتِّ فِي الْمَرَضِ، وَالتَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ بَعْدَهُمَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا، ثُمَّ عِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْصَى بِعِتْقِهِ، وَعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى فَيُعْتَقَ، ثُمَّ الْكِتَابَةِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَاتَبَ عَبْدُهُ، ثُمَّ الْحَجِّ، ثُمَّ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ لِمَنْ لاَ يَجُوزُ لَهُ إقْرَارُهُ بِهِ. قَالَ: وَيُبْدَأُ بِالزَّكَاةِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ، عَنْ ظِهَارٍ، أَوْ قَتْلٍ خَطَإٍ، أَوْ يَتَحَاصُّ رَقَبَةَ الظِّهَارِ مَعَ رَقَبَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ، ثُمَّ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ كَفَّارَةِ الأَيْمَانِ قَالَ: وَيُبْدَأُ بِالإِطْعَامِ عَمَّا أَوْصَى بِهِ مِمَّا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى النَّذْرِ.
قال أبو محمد: فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ عِبْرَةٌ لِمَنْ اعْتَبَرَ، وَآيَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ أَطْرَدُهَا لِخَطَئِهِ، وَأَقَلُّهَا تَنَاقُضًا، لَكِنْ يُقَالُ لَهُ: إنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَحَجَّةُ الإِسْلاَمِ، وَسَائِرُ الْفُرُوضِ، إذَا فَرَّطَ فِيهَا وَتَبَرَّأَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ: يَجْرِي كُلُّ ذَلِكَ مَجْرَى الْوَصَايَا، فَلأََيِّ شَيْءٍ قَدَّمْتهَا عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، فَإِنْ قَالَ: لأََنَّهَا أَوْكَدُ، قِيلَ لَهُ: وَمِنْ

(9/339)


أَيْنَ صَارَتْ أَوْكَدَ عِنْدَك وَأَنْتَ قَدْ أَخْرَجْتهَا، عَنْ حُكْمِ الْفَرْضِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ إضَاعَتُهُ إلَى حُكْمِ الْوَصَايَا فَبَطَلَ التَّأْكِيدُ عَلَى قَوْلِك الْفَاسِدِ، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَسَائِرِ الْوَصَايَا، وَلاَ فَرْقَ، وَيَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ خَارِجًا، عَنْ حُكْمِ الْوَصَايَا، وَبَاقِيًا عَلَى حُكْمِ الْفَرْضِ الَّذِي لاَ يَسَعُ تَعْطِيلُهُ، فَلِمَ جَعَلْتهَا مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَوْصَى بِهَا أَيْضًا وَمَا هَذَا الْخَبْطُ وَالتَّخْلِيطُ بِالْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: فَآبِدَةٌ فِي تَقْدِيمِهِ الزَّكَاةَ عَلَى الْحَجِّ فَإِنْ قَالَ: الزَّكَاةُ حَقٌّ فِي الْمَالِ، وَالْحَجُّ عَلَى الْبَدَنِ قِيلَ: فَلِمَ أَدْخَلْته فِي الْوَصَايَا إذًا وَهَلَّا مَنَعْت مِنْ الْوَصِيَّةِ بِهِ كَمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالنَّخَعِيُّ وَرُوِيَ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. فإن قيل: لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ قِيلَ: فَذَلِكَ النَّصُّ يُوجِبُ أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِك الْفَاسِدِ وَهَذَا نَفْسُهُ يَدْخُلُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي تَقْدِيمِهِ ذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا وَأَمَّا قَوْلُ مَالك: فَأَفْحَشُهَا تَنَاقُضًا، وَأَوْحَشُهَا وَأَشَدُّهَا فَسَادًا، لأََنَّهُ قَدَّمَ بَعْضَ الْفَرَائِضِ عَلَى بَعْضٍ بِلاَ برهان، فَقَدَّمَ بَعْضَ التَّطَوُّعِ عَلَى بَعْضِ الْفَرَائِضِ بِلاَ برهان، وَصَارَ كُلُّهُ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الأَدِلَّةِ أَصْلاً، مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لاَ يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ نَعْنِي: ذَلِكَ التَّرْتِيبَ الَّذِي رَتَّبَ وَأَطْرَفُ شَيْءٍ قَوْلُهُ " إقْرَارُهُ لِمَنْ لاَ يَجُوزُ لَهُ إقْرَارُهُ " فَكَيْفَ يَجُوزُ مَا هُوَ مُقِرٌّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَجِيبٌ.
قَالَ عَلِيٌّ: فإن قال قائل: لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَحْرِمَ وَرَثَتَهُ مَالَهُ إِلاَّ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَضَعَ فُرُوضَهُ، ثُمَّ يُوصِيَ بِهَا عِنْدَ مَوْتِهِ قلنا لَهُ: إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ إثْمُهُ، وَلاَ تُسْقِطُ عَنْهُ مَعْصِيَتُهُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِإِسْقَاطِ حُقُوقِهِ مِنْ أَجْلِ مَا ذَكَرْتُمْ. ثم نقول لَهُمْ: هَلَّا احْتَجَجْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِهَذَا الأَحْتِجَاجِ نَفْسِهِ إذْ قُلْتُمْ: إنَّ دُيُونَ النَّاسِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَنَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ هَذَا لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَحْرِمَ وَرَثَتَهُ إِلاَّ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ لِمَنْ شَاءَ بِمَا يَسْتَوْعِبُ مَالَهُ، ثُمَّ يَظْهَرُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلاَ فَرْقَ. وَيُقَالُ لَكُمْ أَيْضًا: لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يُبْطِلَ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقَ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَيُهِنِّي ذَلِكَ وَرَثَتَهُ إِلاَّ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ اعْتِرَاضَهُمْ بِذَلِكَ الْمَذْكُورِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لأََنَّهُ إبْطَالٌ لأََوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَرَائِضِهِ، فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ أَعْرِفَنَّ امْرَأً بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ حَتَّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ يُدَغْدِغُ مَالَهُ هَاهُنَا وَهَا هُنَا قلنا: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ لَمْ يُسْنَدْ قَطُّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سُقُوطُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَجْلِ بُخْلِهِ بِهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ إنَّمَا فِيهِ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ فَقَطْ، وَنَعَمْ، فَهُوَ مُنْكَرٌ بِلاَ شَكٍّ، وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى نَافِذَةٌ فِي مَالِهِ، وَلاَ بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/340)


1765 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّ مَا أَوْصَى بِهِ إِلاَّ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِ

(9/340)


مَمْلُوكٍ لَهُ يَمْلِكُهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ أَصْلاً إِلاَّ بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهُ، عَنْ مِلْكِهِ بِهِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّمْلِيكِ. وَأَمَّا مَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ رَقَبَةً فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: يُحْدِثُ اللَّهُ فِي وَصِيَّتِهِ مَا شَاءَ، وَمَلاَكُ الْوَصِيَّةِ آخِرُهَا. وَصَحَّ عَنْ طَاوُوس، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّ لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ عِتْقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بِخِلاَفِ ذَلِكَ: رُوِّينَا، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ أَوْصَى إنْ مَاتَ أَنْ يُعْتَقَ غُلاَمٌ لَهُ فَقَالَ: أَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ، وَلَيْسَ الْعِتْقُ كَسَائِرِ الْوَصِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ، كِلاَهُمَا، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كُلُّ صَاحِبِ وَصِيَّةٍ يَرْجِعُ فِيهَا إِلاَّ الْعَتَاقَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالُوا: كُلُّ صَاحِبِ وَصِيَّةٍ يَرْجِعُ فِيهَا إِلاَّ الْعَتَاقَةَ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.
قال أبو محمد: احْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِلرُّجُوعِ فِي الْعِتْقِ فِي الْوَصِيَّةِ بِأَنَّهُ قَوْلُ صَاحِبٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَبِأَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا تَعَلَّقُوا بِهِ غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّهُ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَوْلُ صَاحِبٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرُبَّ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَقَوْلِهِ فِي الْيَرْبُوعِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ بِعَنَاقٍ، وَفِي الأَرْنَبِ بِجَدْيٍ وَسَائِرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ فِي مَوَاضِعِهِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ لِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لأََنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ لاَ يُجِيزُونَ الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ، وَلاَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ، وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ فِي كُلِّ حَالٍ، لأََنَّهُ عِتْقٌ لِمَا لاَ يَجِبُ إِلاَّ بِالْمَوْتِ، وَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ مِنْ الثُّلُثِ وَهَذِهِ صِفَةُ سَائِرِ الْوَصَايَا. وأعجب شَيْءٍ تَبْدِيئُهُمْ الْعِتْقَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا وَتَأْكِيدُهُمْ إيَّاهُ، وَتَغْلِيظُهُمْ فِيهِ، ثُمَّ سَوَّوْهُ هَاهُنَا بِسَائِرِ الْوَصَايَا فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الآرَاءِ وَهَذِهِ الْمَقَايِيسِ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لاَ يُجِيزُ الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ، وَهُوَ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ، وَقِيَاسُ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ الْعِتْقِ، وَكُلُّهُمْ لاَ يُجِيزُ الرُّجُوعَ فِي الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ الْبَتَّةِ وَالْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ عِتْقٌ بِصِفَةٍ فَعَادَ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهِمْ فَإِذْ قَدْ بَطَلَ قَوْلُهُمْ فَعَلَيْنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا. فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود} ِ وَكَانَ عَهْدُهُ بِعِتْقِهِ عَبْدَهُ

(9/341)


إنْ مَاتَ عَقْدًا مَأْمُورًا بِالْوَفَاءِ بِهِ، وَمَا هَذِهِ صِفَتُهُ فَلاَ يَحِلُّ الرُّجُوعُ فِيهِ. وَأَمَّا سَائِرُ الْوَصَايَا فَإِنَّمَا هِيَ مَوَاعِيدُ، وَالْوَعْدُ لاَ يَلْزَمُ إنْفَاذُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " بَابِ النَّذْرِ " مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِأَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ رَقَبَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ وَهَمٌّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يُنَفِّذْهَا فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَقْدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إذَا أَخْرَجَهُ، عَنْ مِلْكِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُ، فَإِذْ صَارَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ فِيهِ: لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ يَرْجِعْ الْعَقْدُ، لأََنَّ مَا بَطَلَ بِوَاجِبٍ فَلاَ يَعُودُ إِلاَّ بِنَصٍّ، وَلاَ نَصَّ فِي عَوْدَتِهِ، فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ، عَنْ مِلْكِهِ، بَطَلَ الْعَقْدُ فِيمَا سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَبَقِيَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ فِي مِلْكِهِ.

(9/342)


1766 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى لأَُمِّ وَلَدِهِ مَا لَمْ تُنْكَحْ فَهُوَ بَاطِلٌ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ يُوقِفُ عَلَيْهَا وَقْفًا مِنْ عَقَارِهِ، فَإِنْ نَكَحَتْ فَلاَ حَقَّ لَهَا فِيهِ، لَكِنْ يَعُودُ الْوَقْفُ إلَى وَجْهٍ آخَرَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ، فَهَذَا جَائِزٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ أَوْصَى لأَُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ بِأَرْضٍ يَأْكُلْنَهَا فَإِنْ نَكَحْنَ فَهِيَ لِلْوَرَثَةِ قَالَ: تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ عَلَى شَرْطِهِ. وقال أبو حنيفة: إنْ أَوْصَى لأَُمِّ وَلَدِهِ بِمَالٍ سَمَّاهُ عَلَى أَنْ لاَ تَتَزَوَّجَ أَبَدًا قَالَ: إنْ تَزَوَّجَتْ فَلاَ شَيْءَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لاَ يَعْلَمُ هَلْ يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ أَمْ لاَ إِلاَّ بِمَوْتِهَا، وَهِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ لاَ تَمْلِكُ شَيْئًا، وَلاَ تَسْتَحِقُّهُ. وَأَيْضًا فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مَلَكَتْ مَا أَوْصَى لَهَا بِهِ أَوْ لَمْ تَمْلِكْهُ فَإِنْ كَانَتْ مَلَكَتْهُ فَلاَ يَجُوزُ إزَالَةُ مِلْكِهَا، عَنْ يَدِهَا بَعْدَ صِحَّتِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَمْلِكْهُ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ تُعْطَى مَا لَيْسَ لَهَا، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَأَمَّا إدْخَالُهَا فِي الْوَقْفِ بِصِفَةٍ فَهَذَا جَائِزٌ، لأََنَّهُ تَسْبِيلُ وُقُوفٍ فِيهِ عِنْدَ حَدِّ الْمُسَبَّلِ، وَلَيْسَ تَمْلِيكًا لِرَقَبَةِ الْوَقْفِ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا مَا اسْتَحَقَّتْ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ، لأََنَّهَا قَدْ مَلَكَتْهُ، فَلَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ بِذَلِكَ بَاطِلاً.

(9/342)


1767 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقِيقٍ لَهُ لاَ يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ، أَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةٍ لَمْ يُنَفَّذْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِلاَّ بِالْقُرْعَةِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ صَحَّ فِيهِ الْعِتْقُ، سَوَاءٌ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ، أَوْ عَاشَ إلَى حِينِ الْقُرْعَةِ. وَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ كَانَ بَاقِيًا عَلَى الرِّقِّ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ أَوْ عَاشَ إلَيْهَا فَإِنْ شَرَعَ السَّهْمُ فِي بَعْضِ مَمْلُوكٍ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ بِلاَ اسْتِسْعَاءٍ، وَعَتَقَ بَاقِيهِ وَاسْتَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِي قِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْهُ بَعْدَ الثُّلُثِ. فَلَوْ سَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ بُدِئَ بِاَلَّذِي سَمَّى أَوَّلاً فَأَوَّلاً، فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ رَقَّ الْبَاقُونَ فَلَوْ شَرَعَ الْعِتْقُ فِي بَعْضِ مَمْلُوكٍ أُعْتِقَ كُلُّهُ وَاسْتَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ مِنْهُ عَلَى الثُّلُثِ، فَلَوْ أَعْتَقَ جُزْءًا مُسَمًّى

(9/342)


1768 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مَمَالِيكَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَالِهِ كُلِّهِ: بَطَلَ كُلُّ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ الْعِتْقِ جُمْلَةً، وَبِيعُوا فِي الدَّيْنِ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَحَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فِيمَا يُخَلِّفُهُ الْمُوصِي، وَأَنَّ لِلْوَرَثَةِ الثُّلُثَيْنِ، أَوْ مَا فَضَلَ، عَنِ الْوَصِيَّةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ. فَصَحَّ ضَرُورَةً: أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَاجِبًا لِلْغُرَمَاءِ فَصَحَّ أَنَّ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِجَمِيعِ مَا تَرَكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ مَا لاَ يُوصِي فِيهِ، وَأَنَّ مَا تَخَلَّفَهُ انْتَقَلَ إلَى مِلْكِ الْغُرَمَاءِ إثْرَ مَوْتِهِ بِلاَ فَصْلٍ، وَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِ غَيْرِهِ: فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وقال أبو حنيفة: يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَيَعْتِقُ وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا. وَمَوَّهُوا فِي الأَحْتِجَاجِ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ لِلْوَصِيَّةِ ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ " أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ عَبْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَهَذَا خَبَرٌ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: حُكْمُ الْوَصِيَّةِ، إنَّمَا فِيهِ حُكْمُ مَنْ أَعْتَقَ فِي حَيَاتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ. فَإِنْ قَالُوا: الأَمْرُ سَوَاءٌ فِي كِلاَ الأَمْرَيْنِ قلنا: هَذَا بَاطِلٌ لأََنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لأََنَّ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَبَيْنَ فِعْلِ الْحَيِّ عِلَّةً تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكَيْفَ وَهُوَ خَبَرٌ مَكْذُوبٌ لاَ يَصِحُّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا حَجَّاجٌ، هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ بَدْرٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَهَذَا فِيهِ أَرْبَعُ فَضَائِحَ: إحْدَاهَا يَكْفِي: أَوَّلُهَا أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَثَانِيهَا أَنَّهُ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ مُطْرَحٌ. وَثَالِثُهَا: عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ بَدْرٍ وَهُوَ هَالِكٌ مَتْرُوكٌ. وَرَابِعُهَا

(9/347)


أَنَّهُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَلاَ يَحِلُّ الأَخْذُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هَذِهِ صِفَتُهُ.
قال أبو محمد: فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مَمَالِيكَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لاَ يُحِيطُ بِمَا تَرَكَ وَكَانَ يَفْضُلُ مِنْ الْمَمْلُوكِ فَضْلَةٌ، عَنِ الدَّيْنِ وَإِنْ قَلَّتْ أُعْتِقَ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ، وَيَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ فِي دَيْنِهِمْ، ثُمَّ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بِلاَ اسْتِسْعَاءٍ وَاسْتَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِي حَقِّهِمْ. برهان ذَلِكَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِنْفَاذِ عِتْقِ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، وَأَنْ يَسْتَسْعِيَ الْمَمْلُوكُ الْمُعْتَقُ لِشَرِيكِ مُعْتِقِهِ، وَهَذَا الْمُوصَى بِعِتْقِهِ لِلْمُوصِي فِيهِ حَقٌّ وَقَدْ شَرِكَهُ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ فَيُعْتَقُ وَيَسْعَى. فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَ لِلدَّيْنِ رَقَّ، وَمَنْ خَرَجَ لِلْوَصِيَّةِ عَتَقَ، وَرَقَّ الْبَاقُونَ، إِلاَّ أَنْ يَشْرَعَ بَيْنَهُمْ لِلْعِتْقِ فِي مَمْلُوكٍ فَيُعْتَقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ بِالأَسْتِسْعَاءِ.
لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الْوَصَايَا " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وسلم.

(9/348)


كِتَابُ فِعْلِ الْمَرِيضِ
مَرَضًا يَمُوتُ مِنْهُ أَوْ الْمَوْقُوفِ لِلْقَتْلِ، أَوْ الْحَامِلِ، أَوْ الْمُسَافِرِ فِي أَمْوَالِهِمْ
قال أبو محمد: كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَكُلُّ مَا أَنَفَذُوا فِي أَمْوَالِهِمْ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ مُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ أَوْ هَدِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ: كَانَ كُلُّ ذَلِكَ لِوَارِثٍ، أَوْ لِغَيْرِ وَارِثٍ، أَوْ إقْرَارٍ بِوَارِثٍ، أَوْ عِتْقٍ أَوْ قَضَاءِ بَعْضِ غَرَائِمِهِ دُونَ بَعْضٍ كَانَ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَكُلُّهُ نَافِذٌ مِنْ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي الأَصِحَّاءِ الآمِنِينَ الْمُقِيمِينَ، وَلاَ فَرْقَ فِي شَيْءٍ أَصْلاً، وَوَصَايَاهُمْ كَوَصَايَا الأَصِحَّاءِ، وَلاَ فَرْقَ.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْر}َ وَحَضُّهُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَإِحْلاَلُهُ الْبَيْعَ وَقَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} وَلَمْ يَخُصَّ عَزَّ وَجَلَّ صَحِيحًا مِنْ مَرِيضٍ، وَلاَ حَامِلاً مِنْ حَائِلٍ، وَلاَ آمِنًا مِنْ خَائِفٍ، وَلاَ مُقِيمًا مِنْ مُسَافِرٍ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى تَخْصِيصَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الصَّادِقَةِ: إنَّهُ تَعَالَى مَا أَرَادَ قَطُّ تَخْصِيصَ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَحَلَهَا جَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لَهَا: إنِّي كُنْت نَحَلْتُك جَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي بِالْغَابَةِ، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَحُزْتِيهِ كَانَ لَك، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ مَالُ الْوَارِثِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ،

(9/348)


عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ قَالَ: يُعْتَقُ ثُلُثُهُ
وبه إلى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ جَارِيَةً لَيْسَ لَهَا مَالٌ غَيْرُهَا، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: تَسْعَى فِي ثَمَنِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً فِي مَرَضِهِ فَأَعْتَقَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ، فَجَاءَ الَّذِينَ بَاعُوهَا يَطْلُبُونَ ثَمَنَهَا، فَلَمْ يَجِدُوا لَهَا مَالاً، فَرَفَعُوا ذَلِكَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَهَا: اسْعَيْ فِي ثَمَنِك. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَالَ: يُعْتَقُ وَيَسْعَى فِي الْقِيمَةِ. وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ حُرٌّ وَيَسْعَى فِي ثَمَنِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ اسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ ثَمَنِهِ وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا، عَنْ إبْرَاهِيمَ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ مَنْ أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ ثُلُثَ عَبْدٍ لَهُ أُقِيمَ فِي ثُلُثِهِ وَعَتَقَ كُلُّهُ. وَصَحَّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ مَنْ أَعْتَقَ وَلَدَ عَبْدِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ نَفَذَ وَاسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، أَنَّهُ يُعْتَقُ ثُلُثُهُ، وَيَسْتَسْعِي فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا وَعَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ وَقَوْلٌ آخَرُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ: إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُعْتَقِ دَيْنٌ أُعْتِقَ الثُّلُثُ وَاسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمَمْلُوكِ الْمُعْتَقِ بِيعَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَمَا سِوَاهُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَعَتْ السِّعَايَةُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي دَاوُد بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ غُلاَمٌ فَأَعْتَقَهُ فَقَالَ سَعِيدٌ: إنَّمَا لَهُ ثُلُثُهُ، فَيُقَوَّمُ الْعَبْدُ قِيمَتَهُ، فَيُسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ، فَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ يَوْمٌ وَلَهُمْ يَوْمَانِ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيُقْضَى الدَّيْنُ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَدْرَكْت مَوْلًى لِسَعِيدِ بْنِ بَكْرٍ أَعْتَقَ ثُلُثَ رَقِيقٍ لَهُ نَحْوَ عِشْرِينَ، فَرَفَعَ أَمْرَهُمْ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، فَقَسَّمَهُمْ أَثْلاَثًا، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ

(9/349)


فَأَعْتَقَ ثُلُثَهُمْ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَتْقُ ثُلُثِهِمْ بِالْقُرْعَةِ وَالْقِيمَةِ. وَعَنْ مَكْحُولٍ عِتْقُ ثُلُثِهِمْ بِالْقُرْعَةِ بِالْعَدَدِ دُونَ تَقْوِيمٍ وَسَوَاءٌ خَرَجَ فِي الْعِتْقِ أَقَلُّهُمْ قِيمَةً أَوْ أَكْثَرُهُمْ يَنْفُذُ عِتْقُهُ. فَهَذِهِ أَقْوَالُ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ: فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْقُرْعَةَ أَصْلاً، وَلاَ الإِرْقَاقَ، لَكِنْ يُعْتَقُ الثُّلُثُ بِلاَ اسْتِسْعَاءٍ، وَيُعْتَقُ الثُّلُثَانِ بِالأَسْتِسْعَاءِ. وقال مالك: إنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ بَتًّا أَعْتَقَ الثُّلُثَ بِالْقُرْعَةِ وَالْقِيمَةِ، وَرَقَّ الثُّلُثَانِ، سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمْ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَعْتَقَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ بِأَسْمَائِهِمْ وقال الشافعي: مَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْهُ عَبِيدًا لَهُ بَتْلاً وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا: أَعْتَقَ مَنْ سَمَّى أَوَّلاً فَأَوَّلاً، فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ بِالْقِيمَةِ رَقَّ الْبَاقُونَ، وَإِنْ شَرَعَ الْعِتْقُ فِي وَاحِدٍ كَانَ بَاقِيهِ رَقِيقًا وَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهُمْ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ قُوِّمُوا، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأُعْتِقَ الثُّلُثُ وَرَقَّ الثُّلُثَانِ، كَمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا فَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ. وَأَمَّا مَا سِوَى الْعِتْقِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَهُوَ مَرِيضٌ قَالَ: هُوَ فِي الثُّلُثِ وَإِنْ مَكَثَ عَشْرَ سِنِينَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَكَانَ يَرَى مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا وَصِيَّةً مِنْ الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ، وَجَرِيرٌ، كِلاَهُمَا، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ جَرِيرٌ فِي رِوَايَتِهِ: إذَا أَعْطَى الرَّجُلُ الْعَطِيَّةَ حِينَ يَضَعُ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لِلسَّفَرِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ مِنْ السَّفَرِ، وَقَالَ هُشَيْمٌ فِي رِوَايَتِهِ: إذَا وَضَعَ الْمُسَافِرُ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ فَمَا صَنَعَ فِي شَيْءٍ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لِي عَطَاءٌ: مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا فَهُوَ وَصِيَّةٌ. قُلْت لِعَطَاءٍ: أَرَأْيٌ أَمْ شَيْءٌ سَمِعْتَهُ قَالَ: بَلْ سَمِعْنَاهُ. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا فَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: مَا أَعْطَتْ الْحَامِلُ فَثُلُثُهُ لِزَوْجِهَا، أَوْ لِبَعْضِ مَنْ يَرِثُهَا فِي غَيْرِ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَرِيضَةً. وبه إلى ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ جَابِرٌ: لِلْحَامِلِ مَا أَعْطَتْ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا. قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ رَبِيعَةُ: يَجُوزُ عَطَاؤُهَا مَا لَمْ تَثْقُلْ أَوْ يَحْضُرْهَا نِفَاسٌ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ حُجَيْرَةَ الْخَوْلاَنِيِّ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي مَسْجُونٍ فِي قَتْلٍ أَوْ فِي جُرْحٍ أَوْ خَرَجَ إلَى صَفٍّ أَوْ يُعَذَّبُ. أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ مَا يَجُوزُ لِلْمُوصِي. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ، عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْحَامِلُ إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ فَوَصِيَّتُهَا يَعْنِي أَنَّ فِعْلَهَا مِنْ الثُّلُثِ.

(9/350)


وَرُوِيَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَمَكْحُولٍ: أَنَّ فِعْلَ الْحَامِلِ مِنْ رَأْسِ مَالِهَا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَا أَعْطَاهُ الْغَازِي فَمِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَا لَمْ تَقَعْ الْمُسَايَفَةُ. وَعَنِ الْحَسَنِ فِي الْمَحْبُوسِ: أَنَّ فِعْلَهُ مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ، وَمَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ الطَّاعُونُ: إنَّ عَطِيَّتَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ كَذَلِكَ فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ مَا لَمْ يَهِجْ الْبَحْرُ. فَهَذِهِ أَقْوَالُ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِ. أَمَّا فِي الْعِتْقِ فَرُوِيَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا، عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ، وَعَطَاءٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ وَشُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا غَيْرُ الْعِتْقِ فَكَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُسَافِرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَفِي الْغَازِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَخَالَفَهُمَا إبْرَاهِيمُ، وَمَكْحُولٌ مَا لَمْ تَقَعْ الْمُسَايَفَةُ. وَفِي الْمَرِيضِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَفِي الْحَامِلِ، عَنْ عَطَاءٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ. وَعَنْ قَتَادَةَ، وَعِكْرِمَةَ وَخَالَفَهُمْ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمَكْحُولٌ، وَالزُّهْرِيُّ وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ وَرُوِيَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَابْنِ حُجَيْرَةَ. وَصَحَّ عَنْ رَبِيعَةَ مَا لَمْ تَثْقُلْ، وَفِي الْمَسْجُونِ، عَنِ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَخَالَفَهُمَا إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَعَنْ مَكْحُولٍ فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ إذَا هَالَ الْبَحْرُ. وَرُوِيَ خِلاَفُ ذَلِكَ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِي مَنَامِهَا فِيمَا يَرَى النَّائِمُ: أَنَّهَا تَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَأَقْبَلَتْ عَلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَتَعَلَّمَتْهُ، وَشَذَّبَتْ مَالَهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ دَخَلَتْ عَلَى جَارَاتِهَا فَجَعَلَتْ تَقُولُ: يَا فُلاَنَةُ اسْتَوْدَعْتُك اللَّهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْك السَّلاَمَ فَجَعَلْنَ يَقُلْنَ لَهَا: لاَ تَمُوتِينَ الْيَوْمَ، لاَ تَمُوتِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَمَاتَتْ فَسَأَلَ زَوْجُهَا أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَيُّ امْرَأَةٍ كَانَتْ امْرَأَتُك قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَحْرَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ مِنْهَا إِلاَّ الشَّهِيدَ، وَلَكِنَّهَا فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: هِيَ كَمَا تَقُولُ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَلَمْ يَرُدَّهُ أَبُو مُوسَى. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَجُلاً رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّهُ يَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، فَطَلَّقَ نِسَاءَهُ تَطْلِيقَةً تَطْلِيقَةً، وَقَسَّمَ مَالَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَجَاءَك الشَّيْطَانُ فِي مَنَامِك فَأَخْبَرَك أَنَّك تَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، فَطَلَّقْت نِسَاءَك وَقَسَمْت مَالَك رُدَّهُ وَلَوْ مِتّ لَرَجَمْت قَبْرَك كَمَا يُرْجَمُ قَبْرُ أَبِي رِغَالَ فَرَدَّ مَالَهُ وَنِسَاءَهُ، وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَرَاك تَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيرًا قَالَ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ

(9/351)


بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لِلَّهِ فِي مَرَضِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ قَالَ مَسْرُوقٌ: أُجِيزُهُ، شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، لاَ أَرُدُّهُ، وَقَالَ شُرَيْحٌ: أُجِيزُ ثُلُثَهُ وَاسْتَسْعِيهِ فِي ثُلُثَيْهِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: قَوْلُ مَسْرُوقٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْفُتْيَا، وَقَوْلُ شُرَيْحٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْقَضَاءِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِمَالِهِ كُلِّهِ قَالَ إذَا وَضَعَهُ فِي حَقٍّ فَلاَ أَحَدَ أَحَقَّ بِمَالِهِ مِنْهُ، وَإِذَا أَعْطَى الْوَرَثَةَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ الثُّلُثُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ طَعَنَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَالَ: إذَا أَبْرَأَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي مَرَضِهَا مِنْ صَدَاقِهَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ سُفْيَانُ: لاَ يَجُوزُ.
قال أبو محمد: فَهَذَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ يُجِيزُ فِعْلَ مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ وَهُوَ فِي أَشَدِّ حَالٍ مِنْ الْمَرِيضِ هِيَ أَيْضًا ذَاتُ زَوْجٍ غَيْرِ رَاضٍ بِمَا فَعَلَتْ فِي مَالِهَا كُلِّهِ. وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَدَّ فِعْلَ مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ وَلَمْ يُجِزْ مِثْلَهُ لاَ ثُلُثًا، وَلاَ غَيْرَهُ وَهَذَا مَسْرُوقٌ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ يُنَفِّذُ مَا فَعَلَهُ الْمَرِيضُ فِي مَالِهِ كُلِّهِ مُتَقَرِّبًا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّعْبِيُّ فِي الْفُتْيَا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ جَوَازُ فِعْلِ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ.
وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ غُرَمَاءَهُ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَأَمَّا مُحَابَاتُهُ فِي الْبَيْعِ، وَهِبَتُهُ، وَصَدَقَتُهُ، وَعِتْقُهُ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ إِلاَّ أَنَّ الْمُعْتَقَ يُسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ، قَالَ: فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ: جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَالَ:
وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إذَا ضَرَبَهَا وَجَعُ الطَّلْقِ وَمَا لَمْ يَضْرِبْهَا: فَكَالصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ مَالِهَا، وَالْوَاقِفُ فِي الصَّفِّ فَكَالصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ قُتِلَ أَوْ عَاشَ، قَالَ: وَاَلَّذِي يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ فِي زِنًى كَالْمَرِيضِ لاَ يَجُوزُ فِعْلُهُ إِلاَّ فِي الثُّلُثِ قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى ابْنَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَوَرِثَهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ لَمْ يَرِثْهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: بَلْ يَرِثُهُ إِلاَّ أَنَّهُ يَسْعَى فِيمَا يَقَعُ مِنْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ فَيَأْخُذُونَهُ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ الْمُخِيفِ، كَحُمَّى الصَّالِبِ، وَالْبِرْسَامِ، وَالْبَطْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْجُذَامُ، وَحُمَّى الرُّبْعِ، وَالسُّلُّ، وَمَنْ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِي مَرَضِهِ فَأَفْعَالُهُ كَالصَّحِيحِ. وقال مالك: لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ

(9/352)


بعضهم دُونَ بَعْضٍ. قَالُوا: وَالْحَامِلُ مَا لَمْ تَتِمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَكَالصَّحِيحِ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا، فَأَفْعَالُهَا فِي مَالِهَا مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ. قَالَ: وَالْمَرِيضُ، وَالزَّاحِفُ فِي الْقِتَالِ صَدَقَتُهُمَا، وَمُحَابَاتُهُمَا فِي الْبَيْعِ وَهِبَتُهُمَا، وَعِتْقُهُمَا فِي الثُّلُثِ وَقَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ وَفِي صِفَةِ الْمَرَضِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءً سَوَاءً. وقال الشافعي، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ غُرَمَاءَهُ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ. وَقَالاَ جَمِيعًا فِي الْحَامِلِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ. وقال الشافعي، وَالثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ فِي أَفْعَالِ الْمَرِيضِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَكَذَلِكَ فِي صِفَةِ الْمَرِيضِ. وَقَالَ فِي الأَسِيرِ يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ، وَالْمُقْتَحِمِ فِي الْقِتَالِ، وَمَنْ كَانَ فِي أَيْدِي قَوْمٍ يَقْتُلُونَ الأَسْرَى مَرَّةً أَنَّهُمْ كَالْمَرِيضِ، وَمَرَّةً أُخْرَى أَنَّهُمْ كَالصَّحِيحِ، إذْ قَدْ يَسْلَمُونَ مِنْ الْقَتْلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالثَّوْرِيُّ: إذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ فَأَفْعَالُهُمْ كَالْمَرِيضِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: أَفْعَالُ الْمَرِيضِ فِي مَالِهِ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: أَفْعَالُ الْمَرِيضِ كُلُّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ كَالصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ، وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا حَاشَ عِتْقِ الْمَرِيضِ وَحْدَهُ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ أَفَاقَ أَوْ مَاتَ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: فِيمَنْ يَشْتَرِي ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ فَقَوْلٌ لاَ نَعْلَمُهُ لأََحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ قَبْلَهُمَا، بَلْ قَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إنَّهُ يُشْتَرَى مِنْ مَالِ أَبِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَرِثُ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ وَإِنَّ فِي قَوْلِهِمَا هَذَا لاَُعْجُوبَةً، لأََنَّهُ لاَ يَخْلُو شِرَاؤُهُ لأَبْنِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ لاَ يَكُونَ وَصِيَّةً، فَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً فَلاَ يَجِبُ أَنْ يَرِثَ أَصْلاً حَمَلَهُ الثُّلُثُ أَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ، لأََنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ وَصِيَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَلاَ فَرْقَ، وَإِنَّ قَوْلَهُمَا هَاهُنَا لَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَمُخَالَفَةِ النُّصُوصِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ فِي الْحَامِلِ فَقَوْلٌ أَيْضًا لاَ نَعْلَمُهُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا وَأَطْرَفُ شَيْءٍ احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} ..فَقُلْنَا: يَا هَؤُلاَءِ، وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ الإِثْقَالَ هُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّهُ إثْقَالٌ، لاَ مَا قَبْلَهُ، فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ مَنْعُهَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ مَالِهَا إذَا أَثْقَلَتْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الأَمْرَاضِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْرَفُ، عَنْ صَاحِبٍ، وَلاَ تَابِعٍ أَصْلاً، وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ، فَحَصَلَ قَوْلُهُمْ لاَ حُجَّةَ لَهُ أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ نَظَرٍ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأً ادَّعَى عَلَيْهِمْ خِلاَفَ إجْمَاعِ كُلِّ مَنْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ لَكَانَ أَقْرَبَ إلَى الصِّدْقِ مِنْ دَعْوَاهُمْ خِلاَفَ الإِجْمَاعِ فِيمَا قَدْ صَحَّ فِيهِ الْخِلاَفُ، كَمَا أَوْرَدْنَا، عَنْ مَسْرُوقٍ، وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: نَقِيسُ ذَلِكَ عَلَى الْوَصِيَّةِ..فَقُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لأََنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ الصَّحِيحِ، وَالْمَرِيضِ سَوَاءٌ: لاَ تَجُوزُ إِلاَّ فِي الثُّلُثِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا مِنْ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ سَوَاءً، فَهَذَا قِيَاسٌ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ. وَقَالُوا: نَتَّهِمُهُ بِالْفِرَارِ بِمَالِهِ، عَنِ الْوَرَثَةِ..فَقُلْنَا: الظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّهُ يَمُوتُ الْوَارِثُ قَبْلَهُ فَيَرِثُهُ الْمَرِيضُ فَهَذَا مُمْكِنٌ وَأَيْضًا: فَإِذْ لَيْسَ إِلاَّ التُّهْمَةُ فَامْنَعُوا

(9/353)


الصَّحِيحَ أَيْضًا مِنْ أَكْثَرِ ثُلُثِ مَالِهِ، وَاتَّهِمُوهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَفِرُّ بِمَالِهِ، عَنْ وَرَثَتِهِ، فَجَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ وَيَرِثُوهُ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَرِيضِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ الْوَارِثُ فَيَرِثَهُ الْمَرِيضُ كَمَا يَرِثُهُ الصَّحِيحُ، وَلاَ فَرْقَ، وَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ يَمُوتُ قَبْلَ مَرِيضٍ. وَأَيْضًا: فَاتَّهِمُوا الشَّيْخَ الَّذِي قَدْ جَاوَزَ التِّسْعِينَ وَامْنَعُوهُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ لِئَلَّا يَفِرَّ بِمَالِهِ، عَنْ وَرَثَتِهِ. فَإِنْ قُلْتُمْ: قَدْ يَعِيشُ أَعْوَامًا قلنا: وَقَدْ يَبْرَأُ الْمَرِيضُ فَيَعِيشُ عَشَرَاتِ أَعْوَامٍ، وَإِذْ لَيْسَ إِلاَّ التُّهْمَةُ، فَلاَ تَتَّهِمُوا مَنْ يَرِثُهُ وَلَدُهُ فَاجْعَلُوا فِعْلَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَاتَّهِمُوا مَنْ يَرِثُهُ عَصَبَتُهُ فَلاَ تُطْلِقُوا لَهُ الثُّلُثَ. فَإِنْ قَالُوا: هَذَا خِلاَفُ النَّصِّ قلنا: وَفِعْلُكُمْ خِلاَفُ النَّصِّ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يُحِبُّهُ الْمَرْءُ مِنْ مَالِهِ، قَالَ تَعَالَى {وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} . وَالْمَرِيضُ أَحْوَجُ مَا كَانَ إلَى ذَلِكَ. وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: جُهْدُ الْمُقِلِّ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى لاَ أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا، أَلاَ وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ". قلنا: نَعَمْ، هَذَا حَقٌّ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَفَاضُلُ الصَّدَقَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ مَرَضٍ، وَأَيْقَنَ بِالْمَوْتِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ أَصْلاً، لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ، وَلاَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ.
قال أبو محمد: ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ، عَنْ مَالِ الْمَرِيضِ لِمَنْ أَلَهُ أَمْ لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ لَهُ كَمَا هُوَ لِلصَّحِيحِ. قلنا: فَلِمَ تَمْنَعُونَهُ مَالَهُ دُونَ أَنْ تَمْنَعُوا الصَّحِيحَ، وَهَذَا ظُلْمٌ ظَاهِرٌ. وَلَوْ قَالُوا: بَلْ هُوَ لِلْوَرَثَةِ. لَقَالُوا الْبَاطِلَ، لأََنَّ الْوَارِثَ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا لَقُضِيَ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ، وَلَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْمَرِيضِ لَحُدَّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا حَلَّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ هُوَ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْوَرَثَةِ. وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَطْلَقُوا لِلْمَرِيضِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ، وَيَلْبَسَ مَا شَاءَ، وَيُنْفِقَ عَلَى مَنْ إلَيْهِ مِنْ عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ. وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ، وَمَنَعُوهُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً وَتَعَرِّيهِ، عَنْ أَنْ يُوجَدَ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا وُجِدَ، عَنْ نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ مُخْتَلِفِينَ، وَقَدْ خَالَفُوا بَعْضَهُمْ فِي قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ، كَخِلاَفِهِمْ لِلشَّعْبِيِّ فِي فِعْلِ الْمُسَافِرِ فِي مَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ الشَّعْبِيَّ أَقْوَى حُجَّةً مِنْهُمْ، لأََنَّهُ قَدْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ . وَرُوِيَ أَيْضًا الْمُسَافِرُ وَرَحْلُهُ عَلَى قَلَتٍ إِلاَّ مَا وَقَى اللَّهُ . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: وَوَجَدْنَاهُمْ يُشَنِّعُونَ بِآثَارٍ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا الأَثَرُ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِأَوْرَاقٍ فِي بَابِ تَبْدِئَةِ دُيُونِ

(9/354)


اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ لاَ أَعْرِفَنَّ أَحَدًا بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ حَتَّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ يُدَغْدِغُ مَالَهُ هَاهُنَا وَهَا هُنَا ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ بِالْحَقِّ فِي الْمَالِ. وَمِنْهَا: مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ مَوْتِكُمْ رَحْمَةً لَكُمْ وَزِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ وَحَسَنَاتِكُمْ . َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو الْمَكِّيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِالثُّلُثِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ: سَمِعْت " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: جَعَلْتُ لَكُمْ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: جَعَلْتُ لَكَ طَائِفَةً مِنْ مَالِكَ عِنْدَ مَوْتِكَ أَرْحَمُكَ بِهِ".
قال أبو محمد: وَهَذَا كُلُّهُ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَصْلاً: أَمَّا خَبَرُ أَبِي بَكْرٍ: فَمِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الشَّامِيِّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ.وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَمِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ وَالآخَرَانِ مُرْسَلاَنِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ لَهُمْ بِهَا مُتَعَلِّقٌ أَصْلاً، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا عِنْدَ مَوْتِنَا ثُلُثَ أَمْوَالِنَا، وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ الْوَصِيَّةُ الَّتِي لاَ تُنَفَّذُ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ ذِكْرٌ لِلْمَرَضِ أَصْلاً، لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ، فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَا. وَنَسْأَلُهُمْ: عَمَّنْ تَصَدَّقَ بِثُلُثَيْ مَالِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَاتَ بَغْتَةً إثْرَ ذَلِكَ. أَوْ أَعْتَقَ جَمِيعَ مَمَالِيكِهِ كَذَلِكَ أَيْضًا فَمِنْ قَوْلِهِمْ: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ نَافِذٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. فَنَقُولُ لَهُمْ: قَدْ خَالَفْتُمْ جَمِيعَ هَذِهِ الآثَارِ لأََنَّ هَذَا فِعْلُ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ عِنْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الآثَارِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الآثَارِ أَنَّهُ أَيْقَنَ بِأَنَّهُ يَمُوتُ إذَا أَعْتَقَ أَعْبُدَهُ، إنَّمَا فِيهَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَطْ فَظَهَرَ خِلاَفُهُمْ لِلآثَارِ كُلِّهَا. وَمِنْهَا الْخَبَرُ الصَّحِيحُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ"، قُلْت: فَالشَّطْرُ قَالَ: "لاَ"، ثُمَّ قَالَ عليه الصلاة والسلام: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّك أَنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ" . ثُمَّ ذَكَرَ

(9/355)


الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِسَعْدٍ يَوْمَئِذٍ: "وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلِّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ". وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ. [ وَرَوَاهُ أَيْضًا كَذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ ] وَبِلَفْظَةِ " الصَّدَقَةِ " فَقَالُوا: فَقَدْ مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّدَقَةِ فِي مَرَضِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ وَفِيهِ " قَالَ سَعْدٌ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَبِشَطْرِ مَالِي قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَبِثُلُثِ مَالِي قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ " وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ قَالَ: ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، كِلاَهُمَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ، وَفِيهِ " قَالَ: قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: أَفَأُوصِي بِالشَّطْرِ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِمَ أُوصِي قَالَ: الثُّلُثُ: وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ وَذَكَرَ الْخَبَرَ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَ سَعْدٌ، عَنِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ، عَنْ مَقَامٍ وَاحِدٍ فَصَحَّ أَنَّ لَفْظَةَ " الصَّدَقَةِ " الَّتِي رَوَاهَا: مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ إنَّمَا مَعْنَاهَا الْوَصِيَّةُ. كَمَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ وَمَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ دُون مَالِكٍ وَسُفْيَانَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَغَيْرُهُ، فَكَيْفَ وَقَدْ وَافَقَ مَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ عَلَى لَفْظَةِ " أُوصِي " وَفِي هَذَا الْخَبَرِ جَمَاعَةُ الإِثْبَاتِ. كَمَا رُوِّينَاهُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَعَنْ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ، كُلِّهِمْ، عَنْ سَعْدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ

(9/356)


السُّلَمِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، كُلُّهُمْ يَذْكُرُ نَصًّا: أَنَّ سَعْدًا إنَّمَا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّا يُوصِي بِهِ. وَالْوَجْهُ الآخَرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْهُ صَاحِبُهُ، لاَ الَّذِي يَبْرَأُ مِنْهُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ أَنَّ سَعْدًا سَيَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ " قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ حَتَّى إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَخْبَرَ بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ.
قال أبو محمد: وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ هُوَ هَزَمَ عَسَاكِرَ الْفُرْسِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَافْتَتَحَ مَدِينَةِ كِسْرَى فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عليه الصلاة والسلام بَلْ مِنْ أَكْبَرِ ذَلِكَ وَأَهَمِّهِ وَأَعَمِّهِ فَتْحًا فِي الإِسْلاَمِ. وَهَذَا قَدْ أَنْذَرَ بِهِ عليه السلام فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ إذْ قَالَ لَهُ: لَعَلَّك سَتُخَلِّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ فِي نَصِّ الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا الآنَ إسْنَادُهُ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ يَوْمَئِذٍ: "إنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ نَفَقَتَكَ عَلَى عِيَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ" . قال علي: وهذا كُلُّهُ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ، وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمَرِيضِ مَاتَ أَوْ عَاشَ فَثَبَتَ يَقِينًا ضَرُورِيًّا: أَنَّ صَدَقَةَ الْمَرِيضِ خَارِجَةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، لاَ مِنْ ثُلُثِهِ بِنَصِّ حُكْمِهِ صلى الله عليه وسلم وَبَطَلَ مَا خَالَفَ هَذَا بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ، وَعَادَ هَذَا الْخَبَرُ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَأَوْضَحَ حُجَّةً لِقَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْلِهِ عَائِشَةَ رضي الله عنهما فَإِيرَادُهُمْ إيَّاهُ فَضِيحَةُ الدَّهْرِ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ هِبَةِ الْمَرِيضِ ذِكْرٌ أَصْلاً، لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا كَانَ نَحَلَهَا ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ وَتَأَخَّرَ جِدَادُهَا لِذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتَ رضي الله عنه فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ رضي الله عنه أَنَّهُ رَغِبَ إلَيْهَا فِي رَدِّ تِلْكَ النِّحْلَةِ بِرِضَاهَا. فَكَيْفَ وَإِنَّمَا كَانَ وَعْدًا بِمَجْهُولٍ لاَ يُدْرَى مِنْ كَمْ مِنْ نَخْلَةٍ تَجِدُ الْعِشْرِينَ وَسْقًا، وَلاَ مِنْ أَيِّ تِلْكَ النَّخْلِ تَجِدُ فَسَقَطَتْ الأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ بِيَقِينٍ لاَ مِرْيَةَ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا، وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، إِلاَّ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ. فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا. فَوَجَدْنَا الْخَبَرَ الصَّحِيحَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ

(9/357)


أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، كِلاَهُمَا: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فِيهِ قَوْلاً شَدِيدًا، ثُمَّ دَعَاهُمْ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلاَثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَيَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، كُلِّهِمْ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَسَمَاعُ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ عِمْرَانَ صَحِيحٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قال أبو محمد: فَقُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ لاَ تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَلاَ لِلْمَالِكِيِّينَ، وَلاَ لِلشَّافِعِيِّينَ: الْحُجَّةُ بِهِ أَصْلاً، فِيمَا عَدَا الْعِتْقِ، لأََنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ كُلُّهُ. كَمَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي التَّقْوِيمِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى بِهِ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْعِتْقِ خَاصَّةً: لاَ إلَى صَدَقَةٍ، وَلاَ إلَى إنْفَاقٍ، وَلاَ إلَى إصْدَاقٍ، وَلاَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لاَ سِيَّمَا وَالْحَنَفِيُّونَ قَدْ خَالَفُوا نَصَّهُ فِيمَا جَاءَ فِيهِ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ أَثَرٌ، وَهَذَا عَارٌ جِدًّا. وَأَمَّا أَصْحَابُنَا: فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ مَرِيضًا، وَإِنَّمَا فِيهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ يَفْجَأُ الْمَوْتُ الصَّحِيحَ فَيُوقِنُ بِهِ، فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَرَضِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ هَذَا الْعِتْقَ لِلسِّتَّةِ الأَعْبُدِ إنَّمَا كَانَ وَصِيَّةً: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بِالإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: هُوَ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْخَبَرَ أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا حَقًّا، فَلاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ عِتْقٌ فِي عَبْدٍ أَوْ عَبِيدٍ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، يُنَفَّذُ مِنْ ذَلِكَ الْعِتْقِ مَا وَقَعَ فِيمَنْ بِهِ عَنْهُ غِنًى، وَيَبْطُلُ فِي مِقْدَارِ مَا لاَ غِنًى بِهِ عَنْهُ. فَلَوْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً لَكَانَ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَحَقَّ بِظَاهِرِهِ، وَأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام أَجَازَ لِلْمَرِيضِ ثُلُثَ مَالِهِ، إذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا أَصْلاً. فَبَطَلَ تَعَلُّقُ أَصْحَابِنَا بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً، وَصَحَّ قَوْلُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ السَّاقِطُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْتَقَ مِنْهُ الثُّلُثَ وَاسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ، فَالْقَوْلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلَوْ صَحَّ كَالْقَوْلِ فِي خَبَرِ عِمْرَانَ، فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ مُرْسَلٌ، وَعَنْ مَجْهُولٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ أَيْضًا. وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فَبَاطِلٌ لاَ يَصِحُّ، لأََنَّ الْقَاسِمَ بْنَ

(9/358)


عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَانَ لأََبِيهِ إذْ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه سِتُّ سِنِينَ فَكَيْفَ ابْنُهُ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ أَوْ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ، عَنِ الْقَاسِمِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنْ عَلِيٍّ: فَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ ثُمَّ هِيَ مُرْسَلَةٌ، لأََنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ كَلِمَةً فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، خِلاَفُ قَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

(9/359)


كتاب الامامة
لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين ليس في عنقه لامام بيعه
...
كِتَابُ الإِمَامَةِ
1768 - مَسْأَلَةٌ: لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ لَيْسَ فِي عُنُقِهِ لأَِمَامٍ بَيْعَةٌ لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ قَالَ: ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. فإن قيل: قَدْ مَاتَ عُمَرُ رضي الله عنه وَجَعَلَ الْخِلاَفَةَ شُورَى فِي سِتَّةِ نَفَرٍ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، رضي الله عنهم، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَشَاوَرُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي أَيِّهِمْ يُوَلَّى. قلنا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلاَفٌ لأََمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي ذَكَرْنَا، لأََنَّهُ رضي الله عنه اسْتَخْلَفَ أَحَدَهُمْ وَهُوَ الَّذِي يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ فَعُثْمَانُ هُوَ الْخَلِيفَةُ مِنْ حِينِ مَوْتِ عُمَرَ وَالنَّاسُ تِلْكَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَعُدَ، عَنْ بَلَدِ الْخَلِيفَةِ فَلَمْ يَعْلَمْهُ بِاسْمِهِ، وَلاَ بِعَيْنِهِ إِلاَّ بَعْدَ مُدَّةٍ فَهُوَ مُعْتَقِدٌ لأَِمَامَتِهِ وَبَيْعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِاسْمِهِ، وَلاَ بِنَسَبِهِ، وَلاَ بِعَيْنِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/359)


1769 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَحِلُّ الْخِلاَفَةُ إِلاَّ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ صَلِيبَةً، مِنْ وَلَدِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ.، وَلاَ تَحِلُّ لِغَيْرِ بَالِغٍ وَإِنْ كَانَ قُرَشِيًّا، وَلاَ لِحَلِيفٍ لَهُمْ، وَلاَ لِمَوْلًى لَهُمْ، وَلاَ لِمَنْ أُمُّهُ مِنْهُمْ وَأَبُوهُ مِنْ غَيْرِهِمْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبُ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ كَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلاَّ أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ".

(9/359)


ولا يحل أن يكون في الدنيا الا أمام واحد والأمر للاول البيعة
...
1771 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ إمَامٌ وَاحِدٌ، وَالأَمْرُ لِلأَوَّلِ بَيْعَةٌ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلاَهُمَا سَمِعَ جَرِيرًا، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ الصَّائِدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ " إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: "وَمَنْ بَايَعَ إمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطْعِمْهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَرْفَجَةَ، هُوَ ابْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ" .
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتِهِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا". وبه إلى مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ.

(9/360)


1772 - مَسْأَلَةٌ: وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ، عَنِ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إنْ قَدَرَ بِيَدِهِ فَبِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِلِسَانِهِ فَبِقَلْبِهِ، وَلاَ بُدَّ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ إيمَانَ لَهُ. وَمَنْ خَافَ الْقَتْلَ أَوْ الضَّرْبَ، أَوْ ذَهَابَ الْمَالِ، فَهُوَ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ بِقَلْبِهِ فَقَطْ وَيَسْكُتَ، عَنِ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَعَنِ النَّهْيِ، عَنِ الْمُنْكَرِ فَقَطْ. وَلاَ يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ: الْعَوْنُ بِلِسَانٍ، أَوْ بِيَدٍ عَلَى تَصْوِيبِ الْمُنْكَرِ أَصْلاً، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الأُُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ}. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ، عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاَءِ أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، كِلاَهُمَا، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلَمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ اتَّفَقَ طَارِقٌ، وَرَجَاءٌ، كِلاَهُمَا: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ".
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالُوا كُلُّهُمْ: ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الْحَارِثِ، هُوَ ابْنُ الْفُضَيْلِ الْخِطْمِيُّ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ يَحْدُثُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ. َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ طَاعَةَ لِبَشَرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ" وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ، وَلاَ طَاعَةَ". وبه إلى أَبِي دَاوُد،

(9/361)


حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ رَهْطِهِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَسَلَحْتُ رَجُلاً مِنْهُمْ سَيْفًا فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: لَوْ رَأَيْتَ مَا لاَمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَعْجَزْتُمْ إذْ بَعَثْتُ رَجُلاً فَلَمْ يَمْضِ لأََمْرِي أَنْ تَجْعَلُوا مَكَانَهُ مَنْ يَمْضِي لأََمْرِي ".
قال أبو محمد: عُقْبَةُ صَحِيحُ الصُّحْبَةِ، وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْهُ صَاحِبٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ، فَإِذَا ثَبَتَتْ صِحَّةُ صُحْبَتِهِ فَهُوَ عَدْلٌ مَقْطُوعٌ بِعَدَالَتِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ. قَالَ عَلِيٌّ: [ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ ] وَكُلِّ مَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَكُلِّ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَكُلِّ مَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ، عَنْ جَمِيعِهِمْ وَكُلِّ مَنْ قَامَ فِي الْحَرَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا الأَحَادِيثُ نَاسِخَةٌ لِلأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا خِلاَفُ هَذَا، لأََنَّ تِلْكَ مُوَافِقَةٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الدِّينُ قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ، وَلأََنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ، عَنِ الْمُنْكَرِ بَاقٍ مُفْتَرَضٌ لَمْ يُنْسَخْ، فَهُوَ النَّاسِخُ لِخِلاَفِهِ بِلاَ شَكٍّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/362)


1777 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ الإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ، مُسْتَتِرًا بِالصَّغَائِرِ، عَالِمًا بِمَا يَخُصُّهُ، حَسَنُ السِّيَاسَةِ، لأََنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي كُلِّفَ، وَلاَ مَعْنَى لاََنْ يُرَاعَى أَنْ يَكُونَ غَايَةَ الْفَضْلِ، لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، فَإِنْ قَامَ عَلَى الإِمَامِ الْقُرَشِيِّ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ، أَوْ دُونَهُ: قُوتِلُوا كُلُّهُمْ مَعَهُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا. فَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَقَامَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ أَوْ دُونُهُ: قُوتِلَ مَعَهُ الْقَائِمُ، لأََنَّهُ مُنْكَرٌ زَائِدٌ ظَهَرَ، فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ أَعْدَلُ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ يُقَاتَلَ مَعَ الْقَائِمِ، لأََنَّهُ تَغْيِيرُ مُنْكَرٍ. وَأَمَّا الْجَوَرَةُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَاتَلَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، لأََنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَهْلُ مُنْكَرٍ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ أَقَلَّ جَوْرًا فَيُقَاتَلُ مَعَهُ مَنْ هُوَ أَجْوَرُ مِنْهُ، لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/362)


كتاب الاقضية
ولا يحل الحكم الا بما أنزل الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
...
كِتَابُ الأَقْضِيَةِ
1778 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ إِلاَّ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْحَقُّ وَكُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ جَوْرٌ وَظُلْمٌ لاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِهِ وَيُفْسَخُ أَبَدًا إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}

(9/362)


ولا يحل أن بلى القضاء والحكم في شيء من أمور المسلمين وأهل الذمة الا مسلم بالغ عاقل ......
...
1775 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ وَالْحُكْمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ: إِلاَّ مُسْلِمٌ، بَالِغٌ، عَاقِلٌ، عَالِمٌ بِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَاسِخِ كُلِّ ذَلِكَ، وَمَنْسُوخِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ النُّصُوصِ مَخْصُوصًا بِنَصٍّ آخَرَ صَحِيحٍ، لأََنَّ الْحُكْمَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِمَا ذَكَرْنَا لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا لاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ إِلاَّ بِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِجَهْلِهِ بِالْحُكْمِ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ إذَا كَانَ جَاهِلاً بِمَا ذَكَرْنَا أَنْ يُشَاوِرَ مَنْ يَرَى أَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا ثُمَّ يَحْكُمَ بِقَوْلِهِ، لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي أَفْتَاهُ بِحَقٍّ أَمْ بِبَاطِلٍ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَمَنْ أَخَذَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فَقَدْ قَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَعَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْجَاهِلِ مِنْ الْعَامَّةِ تَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ فَيَسْأَلُ مَنْ يُوصِفُ لَهُ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَيَأْخُذُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَنَّ الْعَامِّيَّ مُكَلَّفٌ فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ عَمَلاً مَا قَدْ افْتَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفْسَحْ لَهُ فِي إهْمَالِهِ فَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبْلُغَ فِي ذَلِكَ حَيْثُ بَلَغَ وُسْعُهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} . وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَبِضِدِّ هَذَا، لأََنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ مَا لاَ يَدْرِي مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، بَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

(9/363)


ولا يحل حكم بقياس ولا برأي ولا بالاستحسان
...
1776 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِقِيَاسٍ، وَلاَ بِالرَّأْيِ، وَلاَ بِالأَسْتِحْسَانِ، وَلاَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دُونَ أَنْ يُوَافِقَ قُرْآنًا أَوْ سُنَّةً صَحِيحَةً، لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ حُكْمٌ بِغَالِبِ الظَّنِّ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا} . وَقَالَ تَعَالَى: {إنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى} . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ" . فإن قيل: فَإِنَّكُمْ فِي أَخْذِكُمْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مُتَّبِعُونَ لِلظَّنِّ.
قلنا: كَلًّا، بَلْ لِلْحَقِّ الْمُتَيَقَّنِ، قَالَ تَعَالَى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} . فإن قيل: فَإِنَّكُمْ فِي الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ حَاكِمُونَ بِالظَّنِّ. قلنا: كَلًّا، بَلْ بِيَقِينٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِذَلِكَ نَصًّا وَمَا عَلَيْنَا مِنْ مَغِيبِ الأَمْرِ شَيْءٌ إذْ لَمْ نُكَلَّفْهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ يَخْلُو مَا أَوْجَبَهُ الْقِيَاسُ، أَوْ مَا قِيلَ بِرَأْيٍ أَوْ اسْتِحْسَانٍ أَوْ تَقْلِيدِ قَائِلٍ مِنْ أَحَدِ، أَوْجُهٍ ثَلاَثَةٍ لاَ رَابِعَ لَهَا ضَرُورَةً إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِقُرْآنٍ أَوْ لِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهَذَا إنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالسُّنَّةِ، وَلاَ مَعْنَى لِطَلَبِ قِيَاسٍ، أَوْ رَأْيٍ، أَوْ قَوْلِ قَائِلٍ مُوَافِقٍ لِذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْقُرْآنِ، أَوْ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا حَتَّى يُوَافِقَ ذَلِكَ قِيَاسٌ، أَوْ رَأْيٌ، أَوْ

(9/363)


1777 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ أَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ".

(9/365)


1778 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ إِلاَّ عَلَى جَلْبِ الْبَيِّنَةِ، وَعَلَى طَلَبِ

(9/365)


ولا يجوز التوكل على الاقرار والانكار أصلا ولا يقبل أنكار
...
1779 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ عَلَى الإِقْرَارِ وَالإِنْكَارِ أَصْلاً، وَلاَ يُقْبَلُ إنْكَارُ أَحَدٍ، عَنْ أَحَدٍ، وَلاَ إقْرَارُ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى إقْرَارِ الْمُقِرِّ نَفْسِهِ أَوْ إنْكَارِهِ.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وَقَدْ صَحَّ إجْمَاعُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ عَلَى أَنْ لاَ يُصَدَّقَ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ عَلَى حُكْمِ الشَّهَادَةِ فَقَطْ، ثُمَّ نَقَضَ مَنْ نَقَضَ فَأَنْفَذَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَأَخَذَهُ بِهِ فِي الدَّمِ، وَالْمَالِ، وَالْفَرْجِ، وَهَذَا أَمْرٌ يُوقَنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ، وَلاَ جَازَ، وَلاَ عُرِفَ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ فِي عَصْرِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ حَقًّا خِلاَفُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَخِلاَفُ الْقُرْآنِ، وَالْبَاطِلُ الَّذِي لاَ يَجُوزُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/366)


1780 - مَسْأَلَةٌ: وَيُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ كَمَا يُقْضَى عَلَى الْحَاضِرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لاَ يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ. وقال أبو حنيفة، وَأَصْحَابُهُ: لاَ يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ إِلاَّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وقال مالك: يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي الأَرْضِينَ، وَالدُّورِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا غَيْبَةً طَوِيلَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَمَا بَيْنَ مِصْرَ وَالأَنْدَلُسِ
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلٌ بِلاَ برهان، وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ عَقَارِ غَيْرِهِ إِلاَّ كَاَلَّذِي حَرَّمَهُ مِنْ غَيْرِ الْعَقَارِ، وَلاَ فَرْقَ، بَلْ الْعَقَارُ كَانَ أَوْلَى فِي الرَّأْيِ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ، لأََنَّهُ لاَ يُنْقَلُ، وَلاَ يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَفُوتُ، بَلْ يُسْتَدْرَكُ الْخَطَأُ فِيهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الأَمْوَالِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْغَائِبِ غَيْبَةً طَوِيلَةً وَغَيْبَةً غَيْرَ طَوِيلَةٍ، فَهَذَا قَوْلٌ بِلاَ برهان، وَتَفْرِيقٌ فَاسِدٌ، وَلَيْسَ فِي الْعَالَمِ غَيْبَةٌ إِلاَّ وَهِيَ طَوِيلَةٌ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقْصَرُ مِنْهَا فِي الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَهِيَ أَيْضًا قَصِيرَةٌ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَطْوَلُ مِنْهَا فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، فَمَنْ غَابَ عَامَيْنِ إلَى الْعِرَاقِ فَقَدْ غَابَ غَيْبَةً طَوِيلَةً بِالإِضَافَةِ إلَى مَنْ غَابَ نِصْفَ عَامٍ إلَى مِصْرَ، وَقَدْ غَابَ غَيْبَةً قَصِيرَةً بِالإِضَافَةِ إلَى مَنْ غَابَ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ إلَى الْهِنْدِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَكُلِّ مَكَان. ثُمَّ تَحْدِيدُ ابْنِ الْقَاسِمِ خَطَأٌ ثَالِثٌ: وَهَذَا قَوْلٌ مَا نَعْلَمُهُ لأََحَدٍ مِنْ

(9/366)


وكل من قضي عليه ببينة عدل بغرامة أوغيرها
...
1781 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ بِغَرَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ أَتَى هُوَ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَدَّى ذَلِكَ الْحَقَّ أَوْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ: رُدَّ عَلَيْهِ مَا كَانَ غَرِمَ، وَفُسِخَ عَنْهُ الْقَضَاءُ الأَوَّلُ، لأََنَّهُ حَقٌّ ظَهَرَ لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي شَهِدَتْ أَوَّلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(9/371)


1782 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَكُلِّفَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَقَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ، أَوْ قَالَ: لاَ أَعْرِفُ لِنَفْسِي بَيِّنَةً، أَوْ قَالَ: لاَ بَيِّنَةَ لِي قِيلَ لَهُ: إنْ شِئْت فَدَعْ تَحْلِيفَهُ حَتَّى تُحْضِرَ بَيِّنَتَك أَوْ لَعَلَّك تَجِدُ بَيِّنَةً، وَإِنْ شِئْت حَلَفْته وَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ بَيِّنَتِك الْغَائِبَةِ جُمْلَةً، فَلاَ يُقْضَى لَك بِهَا أَبَدًا، وَسَقَطَ حُكْمُ بَيِّنَةٍ تَأْتِي بِهَا بَعْدَ هَذَا عَلَيْهِ، لَيْسَ لَك إِلاَّ هَذَا فَقَطْ، فَأَيُّ الأَمْرَيْنِ اخْتَارَ قُضِيَ لَهُ بِهِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ لَهُ إلَى بَيِّنَةٍ فِي تِلْكَ الدَّعْوَى بَعْدَهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ تَوَاتُرٌ يُوجِبُ صِحَّةَ الْعِلْمِ وَيَقِينَهُ أَنَّهُ حَلَفَ كَاذِبًا فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ أَوْ يُقِرُّ بَعْدَ أَنْ [ يَكُونَ ] حَلَفَ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ يَسْتَحْلِفُ الرَّجُلَ مَعَ بَيِّنَتِهِ وَيَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَيَقُولُ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ. وَبِالْحُكْمِ عَلَى الْحَالِفِ إذَا أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وقال مالك: إنْ عَرَفَ الطَّالِبُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً فَاخْتَارَ تَحْلِيفَ الْمَطْلُوبِ فَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ بَيِّنَتِهِ، وَلاَ يُقْضَى بِهَا لَهُ إنْ جَاءَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً فَاخْتَارَ تَحْلِيفَ الْمَطْلُوبِ فَحَلَفَ، ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً، فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ قَالَ الطَّالِبُ: إنَّ لَهُ بَيِّنَةً بَعِيدَةً وَلَكِنْ أَحْلِفْهُ لِي الآنَ، ثُمَّ إنْ حَضَرَتْ

(9/371)


1783 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلطَّالِبِ بَيِّنَةٌ وَأَبَى الْمَطْلُوبُ مِنْ الْيَمِينِ: أُجْبِرَ عَلَيْهَا

(9/372)


أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ بِالأَدَبِ، وَلاَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ أَصْلاً، وَلاَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ أَلْبَتَّةَ. وَلاَ تَرُدُّ يَمِينٌ أَصْلاً، إِلاَّ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ فَقَطْ: وَهِيَ الْقَسَامَةُ: فِيمَنْ وُجِدَ مَقْتُولاً، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لأََوْلِيَائِهِ بَيِّنَةٌ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْهُمْ، وَاسْتَحَقُّوا الْقِصَاصَ أَوْ الدِّيَةَ، فَإِنْ أَبَوْا حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَبَرِئُوا، فَإِنْ نَكَلُوا أُجْبِرُوا عَلَى الْيَمِينِ أَبَدًا وَهَذَا مَكَانٌ يَحْلِفُ فِيهِ الطَّالِبُونَ، فَإِنْ نَكَلُوا رُدَّ عَلَى الْمَطْلُوبِينَ. وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: الْوَصِيَّةُ فِي السَّفَرِ، لاَ يَشْهَدُ عَلَيْهَا إِلاَّ كُفَّارٌ، وَأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يَحْلِفَانِ مَعَ شَهَادَتِهَا، فَإِنْ نَكَلاَ لَمْ يُقْضَ بِشَهَادَتِهَا، فَإِنْ قَامَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِ حَلَفَ اثْنَانِ مِنْهُمْ مَعَ شَهَادَتِهِمَا، وَحُكِمَ بِهَا، وَفُسِخَ مَا شَهِدَ بِهِ الأَوَّلاَنِ، فَإِنْ نَكَلاَ بَطَلَتْ شَهَادَتُهَا، وَبَقِيَ الْحُكْمُ الأَوَّلُ كَمَا حُكِمَ بِهِ فَهَذَا مَكَانٌ يَحْلِفُ فِيهِ الشُّهُودُ لاَ الطَّالِبُ، وَلاَ الْمَطْلُوبُ. وَالْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: مَنْ قَامَ لَهُ بِدَعْوَاهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ، أَوْ امْرَأَتَانِ عَدْلَتَانِ، فَيَحْلِفُ وَيُقْضَى لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ، فَإِنْ نَكَلَ أُجْبِرَ عَلَى الْيَمِينِ أَبَدًا، فَهَذَا مَكَانٌ يَحْلِفُ فِيهِ الطَّالِبُ فَإِنْ نَكَلَ رَدَّ عَلَيْهِ الْمَطْلُوبُ. وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا اخْتِلاَفٌ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، عَنِ الْيَمِينِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِدَعْوَى الطَّالِبِ دُونَ أَنْ يَحْلِفَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لاَ يُقْضَى عَلَيْهِ إِلاَّ حَتَّى يَحْلِفَ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ، فَيُقْضَى لَهُ حِينَئِذٍ، فَالْقَائِلُونَ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِنُكُولِهِ دُونَ أَنْ تُرَدَّ الْيَمِينُ. فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بَاعَ عَبْدًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْبَرَاءَةِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعَبْدِ خَاصَمَ فِيهِ ابْنَ عُمَرَ إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ عُثْمَانُ لأَبْنِ عُمَرَ: احْلِفْ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْته وَمَا بِهِ مِنْ دَاءٍ عَلِمْته فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ عُثْمَانُ الْعَبْدَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَمَرَ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ امْرَأَةً فَأَبَتْ أَنْ تَحْلِفَ، فَأَلْزَمَهَا ذَلِكَ وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْحَارِثِ، قَالَ: نَكَلَ رَجُلٌ عِنْدَ شُرَيْحٍ، عَنِ الْيَمِينِ، فَقَضَى عَلَيْهِ فَقَالَ: أَنَا أَحْلِفُ فَقَالَ شُرَيْحٌ: قَدْ مَضَى قَضَائِي. وَبِهَذَا يَأْخُذُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وقال أبو حنيفة: يُقْضَى عَلَى النَّاكِلِ، عَنِ الْيَمِينِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ، وَالْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، حَاشَا الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ فَلاَ يُقْضَى فِيهِ بِنُكُولِ الْمَطْلُوبِ، وَلاَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ، لَكِنْ يُسْجَنُ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ. وَقَالَ زُفَرُ: أَقْضِي فِي النُّكُولِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا. وَقَالاَ مَرَّةً أُخْرَى: يُقْضَى بِالنُّكُولِ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَاشَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الأَرْشُ وَالدِّيَةُ بِالنُّكُولِ  == يتبع بمشيئة الله الواحد...

=======

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب المعجب في اخبار المغرب

    كتاب المعجب في اخبار المغرب  1 . المعجب في تلخيص أخبار المغرب تأليف : عبد الواحد بن علي المراكشي دراسة وتحقيق : الدكتور صلاح الدين ا...