الكتاب : نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار محمد بن علي بن محمد الشوكاني
باب الفتح في القراءة على الإمام وغيره
1
- عن مسور بن يزيد المالكي قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فترك
آية فقال له رجل : يا رسول الله آية كذا وكذا قال : فهلا ذكرتنيها )
- رواه أبو داود وعبد الله بن أحمد في مسند أبيه
2
- وعن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه
فلما انصرف قال لأبي : أصليت معنا قال : نعم قال : فما منعك )
- رواه أبو داود
[
ص 373 ] - الحديث الأول أخرجه أيضا ابن حبان والأثرم وفي إسناده يحيى بن كثير
الكاهلي قال أبو حاتم لما سئل عنه : شيخ . والمسور بضم الميم وفتح السين المهملة
وتشديد الواو وفتحها كذا قيده الدارقطني وابن ماكولا والمنذري . قال الخطيب : يروى
عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث واحد والحديث الثاني أخرجه الحاكم وابن
حبان ورجال إسناده ثقات
( وفي الباب ) عن أنس عند الحاكم بلفظ : ( كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ) قال الحافظ : وقد صح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : (
قال علي : إذا استطعمك الإمام فأطعمه )
قوله ( آية كذا وكذا ) رواية ابن حبان : ( يا رسول الله إنك تركت آية كذا وكذا )
قوله ( فهلا ذكرتنيها ) زاد ابن حبان فقال : ظننت أنها قد نسخت قال : فإنها لم
تنسخ
قوله ( فلبس ) ضبطه ابن رسلان بفتح اللام والباء الموحدة المخففة أي التبس واختلط
عليه قال : ومنه قوله تعالى { وللبسنا عليهم ما يلبسون } قال : وفي بعض النسخ بضم
اللام وتشديد الموحدة المكسورة
قال المنذري : لبس بالتخفيف أي مع ضم اللام وكسر الموحدة
قوله ( فلما انصرف ) ولفظ ابن حبان : ( فالتبس عليه فلما فرغ قال لأبي : أشهدت
معنا قال : نعم قال : فما منعك أن تفتحها علي )
( والحديثان ) يدلان على مشروعية الفتح على الإمام وقد ذهبت العترة والفريقان إلى
أنه مندوب وذهب المنصور بالله إلى وجوبه . وقال زيد بن علي وأبو حنيفة في رواية
عنه : إنه يكره . وقال أحمد بن حنبل : إنه يكره أن يفتح من هو في الصلاة على من هو
في صلاة أخرى أو على من ليس في صلاة
( واحتج ) من قال بالكراهة بما أخرجه أبو داود عن ابن إسحاق السبيعي عن الحارث
الأعور عن علي قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي لا تفتح
على الإمام في الصلاة ) قال أبو داود : أبو إسحاق السبيعي لم يسمع من الحارث إلا
أربعة أحاديث ليس هذا منها
قال المنذري : والحارث الأعور قال غير واحد من الأئمة : إنه كذاب وقد روى حديث
الحارث عن علي مرفوعا عبد الرزاق في مصنفه بلفظ : ( لا تفتحن على الإمام وأنت في
الصلاة ) وهذا الحديث لا ينتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بمشروعية الفتح وتقييد
الفتح بأن يكون على إمام لم يؤد الواجب من القراءة وبآخر ركعة مما لا دليل عليه .
وكذا تقييده بأن يكون في القراءة الجهرية والأدلة قد دلت على مشروعية الفتح مطلقا
فعند نسيان الإمام الآية في القراءة الجهرية يكون الفتح عليه بتذكيره تلك الآية
كما في حديث الباب وعند نسيانه لغيرها من الأركان يكون [ ص 374 ] الفتح بالتسبيح
للرجال والتصفيق للنساء كما تقدم في الباب الأول
باب المصلي يدعو ويذكر الله إذا مر بآية رحمة أو عذاب أو ذكر
- رواه حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد سبق
1
- وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يقرأ في صلاة ليست بفريضة فمر بذكر الجنة والنار فقال أعوذ بالله من النار ويل
لأهل النار )
- رواه أحمد وابن ماجه بمعناه
- حديث ابن أبي ليلى رواه ابن ماجه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن علي ابن هاشم وحديث حذيفة الذي أشار إليه المصنف قد تقدم في باب قراءة سورتين في ركعة وذكرنا في شرحه أنه يدل على مشروعية السؤال عند المرور بآية فيها سؤال والتعوذ عند المرور بآية فيها تعوذ والتسبيح عند قراءة ما فيه تسبيح . وقد ذهب إلى استحباب ذلك الشافعية . وحديث الباب يدل على استحباب التعوذ من النار عند المرور بذكرها وقد قيده الراوي بصلاة غير فريضة . وكذلك حديث حذيفة مقيد بصلاة الليل . وكذلك حديث عائشة الآتي وحديث عوف بن مالك
2
- وعن عائشة قالت : ( كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة التمام
فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء فلا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله عز
و جل واستعاذ ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله عز و جل ورغب إليه )
- رواه أحمد
3
- وعن موسى بن أبي عائشة قال : ( كان رجل يصلي فوق بيته وكان إذا قرأ { أليس ذلك
بقادر على أن يحيي الموتى } قال سبحانك فبلى فسألوه عن ذلك فقال : سمعته من رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم )
- رواه أبو داود
-
الحديث الأول يشهد له حديث حذيفة المتقدم وحديث عوف الآتي والحديث الثاني سكت عنه
أبو داود والمنذري
قوله ( ليلة التمام ) أي ليلة تمام البدر
قوله ( عن موسى بن أبي عائشة ) هو الهمداني الكوفي مولى آل جعدة بن هبيرة المخزومي
قال في التقريب : ثقة عابد من الخامسة وكان يرسل ومن دونه هم رجال الصحيح
قوله ( كان رجل ) جهالة الصحابي مغتفرة عند الجمهور وهو الحق
قوله ( يصلي فوق بيته ) فيه جواز الصلاة على ظهر البيت [ ص 375 ] والمسجد ونحوهما
فرضا أو نفلا عند من جعل فعل الصحابي حجة أخذا بهذا . والأصل الجواز في كل مكان من
الأمكنة ما لم يقم دليل على عدمه
قوله ( قال سبحانك ) أي تنزيها لك أن يقدر أحد على إحياء الموتى غيرك وهو منصوب
على المصدر . وقال الكسائي : منصوب على أنه منادى مضاف
قوله ( فبلى ) في نسخة من سنن أبي داود فبكى بالكاف . قال ابن رسلان : وأكثر النسخ
المعتمدة باللام بدل الكاف وبلى حرف لإيجاب النفي والمعنى أنت قادر على أن تحيي
الموتى
4
- وعن عوف بن مالك قال : ( قمت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبدأ فاستاك
وتوضأ ثم قام فصلى فبدأ فاستفتح البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل قال : ولا
يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ ثم ركع فمكث راكعا بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي
الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ثم سجد بقدر ركوعه يقول في سجوده سبحان ذي
الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ثم قرأ آل عمران ثم سورة سورة ثم فعل مثل ذلك
)
- رواه النسائي وأبو داود ولم يذكر الوضوء ولا السواك
-
الحديث أخرجه أيضا الترمذي ورجال إسناده ثقات لأن أبا داود أخرجه عن أحمد بن صالح
عن ابن وهب عن معاوية بن صالح الحضرمي قاضي الأندلس . وقد أخرج له مسلم والأربعة عن
عمرو بن قيس الكندي السكوني سيد أهل حمص عن عاصم بن حميد . قال الدارقطني : ثقة عن
عوف بن مالك
قوله ( فاستفتح البقرة ) فيه جواز تسمية السورة بالبقرة وآل عمران والعنكبوت
والروم ونحو ذلك خلافا لمن كره ذلك وقال : إنما يقال السورة التي تذكر فيها البقرة
قوله ( فتعوذ ) قال عياض : وفيه آداب تلاوة القرآن في الصلاة وغيرها . قال النووي
: وفيه استحباب هذه الأمور لكل قارئ في الصلاة وغيرها يعني فرضها ونفلها وللإمام
والمأموم والمنفرد
قوله ( ذي الجبروت ) هو فعلوت من الجبر وهو القهر يقال جبرت وأجبرت بمعنى قهرت .
وفي الحديث ( ثم يكون ملك وجبرؤت ) أي عتو وقهر . وفي كلام التهذيب للأزهري ما
يشعر بأنه يقال في الآدمي جبرؤت بالهمز لأن زيادة الهمز تؤذن بزيادة الصفة وتجددها
فالهمز للفرق بين صفة الله وصفة الآدمي . قال ابن رسلان : وهو فرق حسن
قوله ( والملكوت ) اسم من الملك . قوله ( والكبرياء ) من الكبر بكسر الكاف وهو
العظمة فيكون على هذا عطفها عليه في الحديث عطف تفسير . وقيل وهي عبارة عن كمال [
ص 376 ] الذات والوجود ولا يوصف بها إلا الله
قوله ( ثم سجد بقدر ركوعه ) رواية أبي داود ( ثم سجد بقدر قيامه )
قوله ( ثم سورة سورة ) رواية أبي داود ( ثم قرأ سورة سورة ) قال ابن رسلان : يحتمل
أن المراد ثم قرأ سورة النساء ثم سورة المائدة
قوله ( ثم فعل مثل ذلك ) هذه رواية للنسائي ولم يذكرها أبو داود أي فعل في الركوع
والسجود مثل ما فعل في الركعتين قبلهما
باب الإشارة في الصلاة لرد السلام أو حاجة تعرض
1
- عن ابن عمر قال : ( قلت لبلال كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرد
عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة قال يشير بيده )
- رواه الخمسة إلا أن في رواية النسائي وابن ماجه صهيبا مكان بلال
2
- وعن ابن عمر عن صهيب أنه قال : ( مررت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو
يصلي فسلمت فرد إلي إشارة وقال لا أعلم إلا أنه قال إشارة بإصبعه )
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه . وقال الترمذي : كلا الحديثين عندي صحيح . وقد صحت
الإشارة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رواية أم سلمة في حديث الركعتين
بعد العصر . ومن حديث عائشة وجابر لما صلى بهم جالسا في مرض له فقاموا خلفه فأشار
إليهم أن اجلسوا )
-
حديث بلال رجاله رجال الصحيح وحديث صهيب في إسناده نابل صاحب العباء وفيه مقال
( وفي الباب ) عن جماعة من الصحابة منهم الذين أشار إليهم المصنف بقوله وقد صحت
الإشارة الخ . وحديث أم سلمة عند البخاري ومسلم وأبي داود من رواية كريب أن ابن
عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن ابن أزهر أرسلوه إلى عائشة ثم إلى أم سلمة
فقالت أم سلمة : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن الركعتين بعد العصر
ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام فأرسلت إليه
الجارية فقلت قومي بجنبه وقولي له تقول لك أم سلمة يا رسول الله سمعتك تنهى عن
هاتين وأراك تصليهما فإن أشار بيده فاستأخري عنه ففعلت الجارية فأشار بيده )
الحديث
وحديث عائشة أخرجه أيضا الشيخان وأبو داود وابن ماجه في صلاته صلى الله عليه وآله
وسلم شاكيا وفيه : ( فأشار [ ص 377 ] إليهم أن اجلسوا ) الحديث
وحديث جابر أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه في قصة شكوى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم وفيه ( فأشار إلينا يقعدنا ) الحديث
( وفي الباب ) مما لم يذكره المصنف عن أنس عند أبي داود بإسناد صحيح . وعن بريدة
عند الطبراني . وعن ابن عمر غير حديث الباب عند البيهقي . وعن ابن مسعود عند
الطبراني والبيهقي بلفظ : ( مررت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلمت عليه
فأشار إلي ) وعنه حديث آخر عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي ( سلمنا عليه فلم
يرد علينا ) وقد تقدم . وعن معاذ بن جبل عند الطبراني وعن المغيرة عند أبي داود
والترمذي . وعن أبي سعيد عند البزار في مسنده وفي إسناده عبد الله بن صالح كاتب
الليث وهو ضعيف . وعن أسماء عند الشيخين ولكنه من فعل عائشة وهو في حكم المرفوع
( والأحاديث ) المذكورة تدل على أنه لا بأس أن يسلم غير المصلي على المصلي لتقريره
صلى الله عليه وآله وسلم من سلم عليه على ذلك وجواز تكليم المصلي بالغرض الذي يعرض
لذلك وجواز الرد بالإشارة وقد قدمنا في باب النهي عن الكلام في شرح حديث ابن مسعود
ذكر القائلين أنه يستحب الرد بالإشارة والمانعين من ذلك
( وقد استدل ) القائلون بالاستحباب بالأحاديث المذكورة في هذا الباب واستدل
المانعون بحديث ابن مسعود السابق لقوله فيه ( فلم يرد علينا ) ولكنه ينبغي أن يحمل
الرد المنفي ههنا على الرد بالكلام لا الرد بالإشارة لأن ابن مسعود نفسه قد روى عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه رد عليه بالإشارة ولو لم ترد عنه هذه
الرواية لكان الواجب هو ذلك جمعا بين الأحاديث
( واستدلوا ) أيضا بما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال : لا غرار في الصلاة ولا تسليم ) والغرار بكسر الغين المعجمة وتخفيف
الراء هو في الأصل النقض . قال أحمد بن حنبل : يعني فيما أرى أن لا تسلم ويسلم
عليك ويغرر الرجل بصلاته فينصرف وهو فيها شاك
( واستدلوا ) أيضا بما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة قال : ( قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم : التسبيح للرجال والتصفيق للنساء من أشار في صلاته إشارة
تفهم عنه فليعد لها ) يعني الصلاة ورواه البزار والدارقطني . ويجاب عن الحديث
الأول بأنه لا يدل على المطلوب من عدم جواز رد السلام بالإشارة لأنه ظاهر في
التسليم على المصلي لا في الرد منه . ولو سلم شموله للإشارة لكان غايته المنع من
التسليم على المصلي باللفظ والإشارة وليس فيه تعرض للرد ولو سلم شموله للرد لكان
الواجب [ ص 378 ] حمل ذلك على الرد باللفظ جمعا بين الأحاديث
وأما الحديث الثاني فقال أبو داود : إنه وهم اه وفي إسناده أبو غطفان . قال ابن
أبي داود : هو رجل مجهول قال : وآخر الحديث زيادة والصحيح عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ( أنه كان يشير في الصلاة ) قال العراقي : قلت وليس بمجهول فقد روى عنه
جماعة ووثقه النسائي وابن حبان وهو أبو غطفان المري قيل اسمه سعيد اه وعلى فرض
صحته ينبغي أن تحمل الإشارة المذكورة في الحديث على الإشارة لغير رد السلام
والحاجة جمعا بين الأدلة
( فائدة ) ورد في كيفية الإشارة لرد السلام في الصلاة حديث ابن عمر عن صهيب قال لا
أعلمه إلا أنه قال أشار بإصبعه . وحديث بلال قال كان يشير بيده ولا اختلاف بينهما
فيجوز أن يكون أشار مرة بإصبعه ومرة بجميع يده ويحتمل أن يكون المراد باليد الإصبع
حملا للمطلق على المقيد . وفي حديث ابن عمر عند أبي داود ( أنه سأل بلالا كيف رأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي فقال
يقول هكذا وبسط جعفر بن عون كفه وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق ) ففيه الإشارة
بجميع الكف
وفي حديث ابن مسعود عند البيهقي بلفظ : ( فأومأ برأسه ) وفي رواية له : ( فقال
برأسه ) يعني الرد . ويجمع بين الروايات بأنه صلى الله عليه وآله وسلم فعل هذا مرة
وهذا مرة فيكون جميع ذلك جائزا
باب كراهة الالتفات في الصلاة إلا من حاجة
1
- عن أنس قال : ( قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إياك والالتفات في
الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة )
- رواه الترمذي وصححه
2
- وعن عائشة قالت : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التلفت في الصلاة
فقال : اختلاس يختلسه الشيطان من العبد )
- رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود
3
- وعن أبي ذر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يزال الله مقبلا
على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه )
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود
-
الحديث الثالث في إسناده أبو الأحوص الراوي له عن أبي ذر . قال المنذري : لا يعرف
[ ص 379 ] له اسم لم يرو عنه غير الزهري وقد صحح له الترمذي وابن حبان وقال ابن
عبد البر : هو مولى بني غفار إمام مسجد بني ليث . قال ابن معين : أبو الأحوص الذي
حدث عنه الزهري ليس بشيء وليس لقول ابن معين هذا أصل إلا كونه انفرد الزهري
بالرواية عنه . وقد قيل له ابن أكيمة لم يرو عنه غير الزهري فقال يكفيك قول الزهري
حدثني ابن أكيمة فيلزمه مثل هذا في أبي الأحوص لأنه قال في حديث الباب سمعت أبا
الأحوص . وقال أبو أحمد الكرابيسي : ليس بالمتين عندهم
قوله ( هلكة ) سمى الالتفات هلكة باعتبار كونه سببا لنقصان الثواب الحاصل بالصلاة
أو لكونه نوعا من تسويل الشيطان واختلاسه فمن استكثر منه كان من المتبعين للشيطان
وإتباع الشيطان هلكة أو لأنه إعراض عن التوجه إلى الله والإعراض عنه عز و جل هلكة
وقد أخرج الترمذي من حديث الحارث الأشعري وصححه من حديث طويل : ( إن الله أمركم
بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله تعالى ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما
لم يلتفت ) ونحوه حديث أبي ذر المذكور في الباب
قوله ( فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة ) فيه الإذن بالالتفات للحاجة في
التطوع والمنع من ذلك في صلاة الفرض
قوله ( اختلاس يختلسه الشيطان ) الاختلاس أخذ الشيء بسرعة يقال اختلس الشيء إذا
استلبه
( وفي الحديث ) النهي عن الخلسة بفتح الخاء وهو ما يستخلص من السبع فيموت قبل أن
يذكى . وفي النهاية الاختلاس افتعال من الخلسة وهو ما يؤخذ سلبا . وقيل المختلس
الذي يخطف الشيء من غير غلبة ويهرب ونسب إلى الشيطان لأنه سبب له لوسوسته به
وإطلاق اسم الاختلاس على الالتفات مبالغة
( وأحاديث ) الباب تدل على كراهة الالتفات في الصلاة وهو قول الأكثر والجمهور على
أنها كراهة تنزيه ما لم يبلغ إلى حد استدبار القبلة . والحكمة في التنفير عنه ما
فيه من نقص الخشوع والإعراض عن الله تعالى وعدم التصميم على مخالفة وسوسة الشيطان
2
- وعن سهل بن الحنظلية قال : ( ثوب بالصلاة يعني صلاة الصبح فجعل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب )
- رواه أبو داود قال : وكان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس
-
الحديث أخرجه أيضا الحاكم وقال : على شرط الشيخين وحسنه الحازمي . وأخرج الحازمي
في الاعتبار عن ابن عباس أنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلتفت
في صلاته يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره ) قال : هذا حديث غريب [ ص 380 ]
تفرد به الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند متصلا وأرسله غيره عن عكرمة
قال : وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا وقال : لا بأس بالالتفات في الصلاة ما لم يلو
عنقه وإليه ذهب عطاء ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأهل الكوفة ثم ساق
الحازمي حديث الباب بإسناده وجزم بعدم المناقضة بين حديث الباب وحديث ابن عباس قال
: لاحتمال أن الشعب كان في جهة القبلة فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلتفت
إليه ولا يلوي عنقه
( واستدل ) على نسخ الالتفات بحديث رواه بإسناده إلى ابن سيرين قال : كان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذا قام في الصلاة نظر هكذا وهكذا فلما نزل { قد
أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } نظر هكذا ) قال ابن شهاب ببصره نحو
الأرض قال : وهذا وإن كان مرسلا فله شواهد . واستدل أيضا بقول أبي هريرة : ( أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزل { الذين
هم في صلاتهم خاشعون } )
باب كراهة تشبيك الأصابع وفرقعتها والتخصر والاعتماد على اليد إلا لحاجة
1
- عن أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا كان أحدكم في
المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في
المسجد حتى يخرج منه )
- رواه أحمد
-
الحديث أخرجه أحمد في مسنده عن مولى لأبي سعيد الخدري قال : ( بينا أنا مع أبي
سعيد الخدري وهو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخلنا المسجد فإذا رجل
جالس في المسجد وسط محتبيا مشبكا أصابعه بعضها في بعض فأشار إليه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فلم يفطن الرجل لإشارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فالتفت إلى أبي سعيد فقال إذا كان أحدكم ) الحديث قال في مجمع الزوائد : إسناده حسن
. وقد اختلف في الحكمة في النهي عن التشبيك في المسجد كما في حديث أبي سعيد وفي
غيره كما في حديث كعب بن عجرة فقيل لما فيه من العبث . وقيل لما فيه من التشبه
بالشيطان . وقيل لدلالة الشيطان على ذلك وجعل بعضهم ذلك دالا على تشبيك الأحوال
قال ابن العربي : وقد شاهدت رجلا كان يكره رؤية ذلك ويقول فيه تطير في تشبيك
الأحوال [ ص 381 ] والأمور على المرء . وظاهر النهي عن التشبيك التحريم لولا حديث
ذي اليدين الذي سيشير إليه المصنف قريبا . وظاهره نهي من كان في المسجد عن التشبيك
سواء كان في الصلاة أم لا كما جزم به النووي في التحقيق وكره النخعي التشبيك في
الصلاة وقال النعمان بن أبي عياش : كانوا ينهون عنه وروى العراقي في شرح الترمذي
عن ابن عمر وابنه سالم أنهما شبكا بين أصابعهما في الصلاة . وروي عن الحسن البصري
أنه شبك أصابعه في المسجد
قال العراقي : وفي معنى التشبيك بين الأصابع تفقيعها فيكره أيضا في الصلاة ولقاصد
الصلاة قال النووي : وكره ذلك في الصلاة ابن عباس وعطاء والنخعي ومجاهد وسعيد بن
جبير وروى أحمد والطبراني من حديث أنس بن معاذ مرفوعا : ( إن الضاحك في الصلاة
والملتفت والمفقع أصابعه بمنزلة واحدة ) وفي إسناده ابن لهيعة . ويدل على كراهة
التفقيع حديث علي الآتي
2
- وعن كعب بن عجرة قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إذا
توضأ أحدكم ثم خرج عامدا إلى الصلاة فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة )
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي
-
الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه وفي إسناده عند الترمذي رجل مجهول وهو الراوي له عن
كعب بن عجرة وقد كنى أبو داود هذا الرجل المجهول فرواه من طريق سعد بن إسحاق قال
حدثني أبو ثمامة الخياط عن كعب . وقد ذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له في صحيحه
هذا الحديث
( الحديث ) فيه كراهة التشبيك من وقت الخروج إلى المسجد للصلاة . وفيه أنه يكتب
لقاصد الصلاة أجر المصلي من حين يخرج من بيته إلى أن يعود إليه
قال المصنف رحمه الله بعد أن ساق الحديث : وقد ثبت في خبر ذي اليدين أنه عليه
الصلاة و السلام شبك أصابعه في المسجد وذلك يفيد عدم التحريم ولا يمنع الكراهة
لكونه فعله نادرا انتهى
قد عارض حديث الباب مع ما فيه هذا الحديث الصحيح في تشبيكه صلى الله عليه وآله
وسلم بين أصابعه في المسجد وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين
بلفظ : ( ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان وشبك بين
أصابعه ) وفيهما من حديث أبي موسى : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان وشبك بين أصابعه )
وعند البخاري من حديث ابن عمر قال : ( شبك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصابعه )
وهذه الأحاديث أصح من حديث الباب ويمكن الجمع بين هذه الأحاديث بأن تشبيكه صلى
الله [ ص 382 ] عليه وآله وسلم في حديث السهو كان لاشتباه الحال عليه في السهو
الذي وقع منه ولذلك وقف كأنه غضبان . وتشبيكه في حديث أبي موسى وقع لقصد التشبيه
لتعاضد المؤمنين بعضهم ببعض كما أن البنيان المشبك بعضه ببعض يشد بعضه بعضا . فأما
حديث الباب فهو محمول على التشبيك للعبث وهو منهي عنه في الصلاة ومقدماتها
ولواحقها من الجلوس في المسجد والمشي إليه . أو يجمع بما ذكره المصنف من كان فعله
صلى الله عليه وآله وسلم لذلك نادرا يرفع التحريم ولا يرفع الكراهة ولكن يبعد أن
يفعل صلى الله عليه وآله وسلم ما كان مكروها . والأولى أن يقال إن النهي عن
التشبيك ورد بألفاظ خاصة بالأمة وفعله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعارض قوله
الخاص بهم كما تقرر في الأصول
3 - وعن كعب بن عجرة ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أصابعه )
4
- وعن علي : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا تفقع أصابعك في الصلاة )
- رواهما ابن ماجه
-
الحديث الأول في إسناده علقمة ابن عمر . والحديث الثاني في إسناده الحارث الأعور
قوله ( ففرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أصابعه ) فيه كراهية التشبيك
في الصلاة من غير تقييد بالمسجد سواء كان المصلي في المسجد أو في البيت أو في
السوق لأنه نوع من العبث فلا يختص بكراهية الصلاة في المسجد . ويؤيد ذلك تعليله
صلى الله عليه وآله وسلم للنهي عن التشبيك إذا خرج من بيته بأنه في صلاة وإذا نهى
من يكتب له أجر المصلي لكونه قاصدا الصلاة فأولى من هو في حال الصلاة الحقيقية
قوله ( لا تفقع ) هو بالفاء بعد حرف المضارعة ثم القاف المشددة المكسورة ثم العين
المهملة وهو غمز الأصابع حتى يسمع لها صوت . قال في القاموس والتفقيع التشدق في
الكلام والفرقعة . وفسر الفرقعة بنقض الأصابع وقد تقدم في شرح حديث أبي سعيد ما
أخرجه أحمد والطبراني من حديث أنس وهو مما يؤيد حديث علي هذا
5
- وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التخصر في الصلاة )
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه
-
وفي الباب عن ابن عمر عند أبي داود والنسائي
قوله ( عن التخصر في الصلاة ) [ ص 383 ] وهو وضع اليد على الخاصرة فسره بذلك
الترمذي في سننه وأبو داود في سننه أيضا وفسره بذلك أيضا محمد بن سيرين روى ذلك
عنه ابن أبي شيبة في مصنفه وكذلك فسره هشام بن حسان رواه عنه البيهقي في سننه قال
: وروى سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة معنى هذا التفسير وحكى
الخطابي وغيره قولا آخر في تفسير الاختصار فقال : وزعم بعضهم أن معنى الاختصار هو
أن يمسك بيده مخصرة أي عصا يتوكأ عليها . قال ابن العربي : ومن قال إنه الصلاة على
المخصرة لا معنى له وفيه قول ثالث حكاه الهروي في الغريبين وابن الأثير في النهاية
وهو أن يختصر السورة فيقرأ من آخرها آية أو آيتين . وفيه قول رابع حكاه الهروي وهو
أن يحذف من الصلاة فلا يمد قيامها وركوعها وسجودها . قال العراقي : والقول الأول
هو الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون من أهل اللغة والحديث والفقه
وقد اختلف في المعنى الذي نهى عن الاختصار في الصلاة لأجله على أقوال :
الأول التشبيه بالشيطان قاله الترمذي في سننه وحميد بن هلال في رواية ابن أبي شيبة
عنه . وروي أيضا عن ابن عباس حكاه عنه ابن أبي شيبة
والثاني أنه تشبه باليهود قالته عائشة فيما رواه البخاري عنها في صحيحه
والثالث أنه راحة أهل النار روى ذلك ابن أبي شيبة عن مجاهد ورواه أيضا عن عائشة .
وروى البيهقي عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : الاختصار
في الصلاة راحة أهل النار ) . قال العراقي : وظاهر إسناده الصحة ورواه أيضا
الطبراني
والرابع أنه فعل المختالين والمتكبرين قاله المهلب بن أبي صفرة
والخامس أنه شكل من أشكال أهل المصائب يصفون أيديهم على الخواصر إذا قاموا في
المأتم قاله الخطابي
( والحديث ) يدل على تحريم الاختصار وقد ذهب إلى ذلك أهل الظاهر . وذهب ابن عباس
وابن عمر وعائشة وإبراهيم النخعي ومجاهد وأبو مجلز ومالك والأوزاعي والشافعي وأهل
الكوفة وآخرون إلى أنه مكروه . والظاهر ما قاله أهل الظاهر لعدم قيام قرينة تصرف
النهي عن التحريم الذي هو معناه الحقيقي كما هو الحق
6
- وعن ابن عمر قال : ( نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة
وهو معتمد على يده )
- رواه أحمد وأبو داود وفي لفظ لأبي داود : ( نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده
)
7
- وعن أم قيس بنت محصن : ( أن النبي صلى [ ص 384 ] الله عليه وآله وسلم لما أسن
وحمل اللحم اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه )
- رواه أبو داود
-
الحديث الأول رواه أبو داود عن أربعة من مشايخه أحمد بن حنبل وأحمد بن شبويه ومحمد
بن رافع ومحمد بن عبد الملك كلهم عن عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن
نافع عن ابن عمر
واللفظ الأول في حديث الباب لفظ أحمد بن حنبل . واللفظ الثاني لفظ محمد ابن رافع
ولفظ ابن شبويه : ( نهى أن يعتمد الرجل على يده ) ولفظ محمد بن عبد الملك : ( نهى
أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة ) . وقد سكت أبو داود والمنذري عن
الكلام على حديث ابن عمر وحديث أم قيس فهما صالحان للاحتجاج بهما كما صرح بذلك
جماعة من الأئمة لكن حديث أم قيس هو من حديث عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي عن
أبيه وأبوه مجهول
والحديث الأول بجميع ألفاظه يدل على كراهة الاعتماد على اليدين عند الجلوس وعند
النهوض وفي مطلق الصلاة . وظاهر النهي التحريم وإذا كان الاعتماد على اليد كذلك
فعلى غيرها بالأولى . وحديث أم قيس يدل على جواز الاعتماد على العمود والعصا
ونحوهما لكن مقيدا بالعذر المذكور وهو الكبر وكثرة اللحم ويلحق بهما الضعف والمرض
ونحوهما فيكون النهي محمولا على عدم العذر وقد ذكر جماعة من العلماء أن من احتاج
في قيامه إلى أن يتكأ على عصا أو عكاز أو يستند إلى حائط أو يميل على أحد جانبيه
جاز له ذلك وجزم جماعة من أصحاب الشافعي باللزوم وعدم جواز القعود مع إمكان القيام
مع الاعتماد منهم المتولي والأذرعي وكذا قال باللزوم ابن قدامة الحنبلي وقال
القاضي حسين من أصحاب الشافعي : لا يلزم ذلك ويجوز القعود
باب ما جاء في مسح الحصى وتسويته
1
- عن معيقيب : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث
يسجد : إن كنت فاعلا فواحدة )
- رواه الجماعة
2
- وعن أبي ذر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : إذا قام أحدكم إلى
الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى )
- رواه الخمسة . وفي رواية لأحمد : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ ص
385 ] عن كل شيء حتى سألته عن مسح الحصى فقال : واحدة أو دع )
-
الحديث الثاني في إسناده أبو الأحوص . قال المنذري : لا يعرف اسمه وقد صحح له
الترمذي وابن حبان وغيرهما . وقد تقدم الكلام في أبي الأحوص في باب الالتفات .
وهذا الحديث حسنه الترمذي
( وفي الباب ) عن علي عند أحمد وابن أبي شيبة . وعن حذيفة عند ابن أبي شيبة في
المصنف وأحمد في المسند بلفظ الرواية الآخرة من حديث أبي ذر . وعن جابر عند ابن
أبي شيبة وأحمد أيضا وفي إسناده شرحبيل بن سعد وهو ضعيف . وعن أنس عند البزار وأبي
يعلى وفي إسناده يوسف بن خالد السمني وهو ضعيف جدا . وعن السائب بن يزيد عند
الطبراني وفي إسناده يزيد بن عبد الملك النوفلي ضعفه الجمهور ووثقه ابن معين في
رواية عنه . وعن ابن عمر عند الطبراني وفي إسناده الوزاع بن نافع وهو ضعيف وعن أبي
هريرة عند مسلم وابن ماجه
( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على كراهة المسح على الحصى وقد ذهب إلى ذلك
من الصحابة عمر بن الخطاب وجابر ومن التابعين مسروق وإبراهيم النخعي والحسن البصري
وجمهور العلماء بعدهم وحكى النووي في شرح مسلم اتفاق العلماء على كراهته وفي حكاية
الاتفاق نظر فإن مالكا لم ير به بأسا وكان يفعله في الصلاة كما حكاه الخطابي في
المعالم وابن العربي . قال العراقي في شرح الترمذي : وكان ابن مسعود وابن عمر
يفعلانه في الصلاة . وعن ابن مسعود أيضا أنه كان يفعله في الصلاة مرة واحدة . قال
: وممن رخص فيه في الصلاة أبو ذر وأبو هريرة وحذيفة ومن التابعين إبراهيم النخعي
وأبو صالح . وذهب أهل الظاهر إلى تحريم ما زاد على المرة
قوله ( فواحدة ) قال القرطبي : رويناه بنصب واحدة ورفعه فنصبه بإضمار فعل الأمر
تقديره فامسح واحدة ويكون صفة مصدر محذوف أي امسح مسحة واحدة ورفعه على الابتداء
تقديره فواحدة تكفيه . وفيه الأذن بمسحة واحدة عند الحاجة
قوله ( فإن الرحمة تواجهه ) هذا التعليل يدل على أن الحكمة في النهي عن المسح أن
لا يشغل خاطره بشيء يلهيه عن الرحمة المواجهة له فيفوته حظه منها . وقد روي أن
حكمة ذلك أن لا يغطي شيئا من الحصى بمسحه فيفوته السجود عليه رواه ابن أبي شيبة في
المصنف عن أبي صالح قال : إذا سجدت فلا تمسح الحصى فإن كل حصاة تحب أن يسجد عليها
وقال النووي : لأنه ينافي التواضع ويشغل المصلي
وقوله ( فلا يمسح الحصى ) التقييد [ ص 386 ] بالحصى خرج مخرج الغالب لكونه كان
الغالب على فرش مساجدهم ولا فرق بينه وبين التراب والرمل على قول الجمهور . ويدل
على ذلك قوله في حديث معيقيب في الرجل يسوي التراب . والمراد بقوله : ( إذا قام
أحدكم إلى الصلاة ) الدخول فيها فلا يكون منهيا عن مسح الحصى إلا بعد دخوله ويحتمل
أن المراد قبل الدخول حتى لا يشتغل عند إرادة الصلاة إلا بالدخول فيها قال العراقي
: والأول أظهر ويرجحه حديث معيقيب فإنه سأل عن مسح الحصى في الصلاة دون مسحه عند
القيام كما في رواية الترمذي
باب كراهة أن يصلي الرجل معقوص الشعر
1
- عن ابن عباس : ( أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص إلى ورائه فجعل
يحله وأقر له الأخر ثم أقبل على ابن عباس فقال : ما لك ورأسي قال : إني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إنما مثل هذا كمثل الذي يصلي وهو مكتوف )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
2
- وعن أبي رافع قال : ( نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي الرجل ورأسه
معقوص )
- رواه أحمد وابن ماجه ولأبي داود والترمذي معناه
-
الحديث الأول أخرجه من ذكر المصنف . وأخرج الأئمة الستة أيضا عن ابن عباس قال : (
أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعرا ولا
ثوبا ) وأخرج الشيخان والنسائي وابن ماجه عنه من طريق أخرى نحوه
والحديث الثاني أخرجه ابن ماجه من رواية مخول سمعت أبا سعد رجلا من أهل المدينة
يقول رأيت رافعا مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى الحسن بن علي رضي
الله عنه يصلي وقد عقص شعره فأطلقه أو نهى عنه وقال : ( نهى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره ) وأخرجه أبو داود والترمذي وصححه
بمعناه كما ذكره المصنف . ولفظه عن أبي رافع : ( أنه مر بالحسن بن علي وهو يصلي
وقد عقص ضفرته فحلها فالتفت إليه الحسن مغضبا فقال : أقبل على صلاتك ولا تغضب فإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ذلك [ ص 387 ] كفل الشيطان )
( وفي الباب ) عن أم سلمة عند ابن أبي حاتم في العلل بنحو حديث أبي رافع . وعن علي
رضي الله عنه عند أبي علي الطوسي . وعن ابن مسعود عند ابن ماجه بإسناد صحيح . وعن
أبي موسى عند أبي علي الطوسي في الأحكام . وعن جابر عند ابن عدي في الكامل وفيه
علي بن عاصم وهو ضعيف
قوله ( عبد الله بن الحارث ) هو ابن جزء بفتح الجيم وسكون الزاي وبعدها همزة
السهمي شهد بدرا
قوله ( ورأسه معقوص ) عقص الشعر ضفره وفتله والعقاص خيط يشد به أطراف الذوائب ذكر
معنى ذلك في القاموس
قوله ( وأقر له الآخر ) أي استقر لما فعله ولم يتحرك
قوله ( وهو مكتوف ) كتفته كتفا كضربته ضربا إذا شددت يده إلى خلف كتفيه موثقا بحبل
( والحديثان ) يدلان على كراهة صلاة الرجل وهو معقوص الشعر أو مكفوفه . وقد حكى
الترمذي عن أهل العلم أنهم كرهوا ذلك . قال العراقي : وممن كرهه من الصحابة عمر بن
الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وحذيفة وابن عمر وأبو هريرة وابن عباس
وابن مسعود . ومن التابعين إبراهيم النخعي في آخرين
( والحكمة ) في ذلك أن الشعر يسجد معه إذا سجد وفيه امتهان له في العبادة قاله عبد
الله بن مسعود فيما رواه ابن أبي شيبة في المصنف بإسناد صحيح إليه : ( أنه دخل
المسجد فرأى فيه رجلا يصلي عاقصا شعره فلما انصرف قال عبد الله : إذا صليت فلا
تعقص شعرك فإن شعرك يسجد معك ولك بكل شعرة أجر فقال الرجل : إني أخاف أن يتترب
فقال : تتريبه خير لك ) . وقال ابن عمر لرجل رآه يصلي معقوصا شعره : أرسله ليسجد
معك . وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى عثمان بن عفان أنه رأى رجلا يصلي وقد عقد
شعره فقال : يا ابن أخي مثل الذي يصلي وقد عقص شعره مثل الذي يصلي وهو مكتوف . وقد
تقدم تمثيل من فعل ذلك بالمكتوف مرفوعا من حديث ابن عباس وفيه معنى ما أشار إليه
ابن مسعود من سجود الشعر فإن المكتوف لا يسجد بيديه على الأرض وقد قال صلى الله
عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح : ( اليدان يسجدان كما يسجد الوجه ) وروى ابن أبي
شيبة عن ابن عباس أنه كان إذا صلى وقع شعره على الأرض
وظاهر النهي في حديث الباب التحريم فلا يعدل عنه إلا لقرينة . قال العراقي : وهو
مختص بالرجال دون النساء لأن شعرهن عورة يجب ستره في الصلاة فإذا نقضته ربما
استرسل وتعذر ستره فتبطل صلاتها وأيضا فيه مشقة عليها في نقضه للصلاة وقد رخص لهن
صلى الله عليه وآله وسلم في أن لا ينقضن ضفائرهن في الغسل مع الحاجة إلى بل جميع
الشعر كما تقدم
باب كراهة تنخم المصلي قبله أو عن يمينه . [ ص 388 ]
1
- عن أبي هريرة وأبي سعيد : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى نخامة في
جدار المسجد فتناول حصاة فحتها وقال : إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن
يمينه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى )
- متفق عليه . وفي رواية للبخاري ( فيدفنها )
2
- وعن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا قام أحدكم في صلاته فلا
يبزقن قبل قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ورد بعضه
على بعض فقال : أو يفعل هكذا )
- رواه أحمد والبخاري . ولأحمد ومسلم نحوه بمعناه من حديث أبي هريرة
-
قوله ( نخامة ) قيل هي ما تخرج من الصدر وقيل النخاعة بالعين من الصدر وبالميم من
الرأس كذا في الفتح
قوله ( في جدار المسجد ) في رواية للبخاري ( في القبلة ) وفي أخرى له أيضا ( في
جدار القبلة ) وهذا يبين أن المراد بجدار المسجد الجدار الذي من جهة القبلة
قوله ( فتناول حصاة فحتها ) في رواية للبخاري ( فحكه بيده ) وفي رواية ( فحكه )
واختلاف الروايات يدل على جواز الحك باليد أو الحصى أو غيرهما مما يزيل الأثر .
وقد بوب البخاري للحك باليد وبوب للحك بالحصى
قوله ( قبل وجهه ) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة وجهه
قوله ( ولا عن يمينه ) ظاهر حديث أبي هريرة كراهة ذلك داخل الصلاة وخارجها لعدم
تقييده بحال الصلاة . وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها سواء
كان في المسجد أم غيره
قال الحافظ : ويشهد للمنع ما رواه عبد الرزاق وغيره عن ابن مسعود أنه كره أن يبصق
عن يمينه وليس في الصلاة . وعن معاذ بن جبل : ما بصقت عن يميني منذ أسلمت . وعن
عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقا . وقال مالك : لا بأس به خارج الصلاة
ويدل لما قاله التقييد بالصلاة في حديث أنس المذكور في الباب
قوله ( وليبصق عن يساره ) ظاهر هذا جواز البصق عن اليسار في المسجد وغيره داخل
الصلاة وخارجها . وظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( البزاق في المسجد خطيئة
وكفارتها دفنها ) كما أخرجه الشيخان عدم جواز التفل في المسجد إلى جهة اليسار
وغيرها . قال الحافظ : وحاصل النزاع أن ههنا عمومين تعارضا وهما قوله : البزاق في
المسجد خطيئة . وقوله : وليبصق عن يساره أو تحت [ ص 389 ] قدمه . فالنووي يجعل
الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد والقاضي عياض بخلافه يجعل الثاني
عاما فيخص الأول بمن لم يرد دفنها . وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي والقرطبي
وغيرهما . ويشهد له ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا : (
فمن تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن يصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه ) وأوضح منه في
المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال : (
من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة ) فلم يجعل سيئة إلا بقيد عدم
الدفن . ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال : ( ووجدت في مساوئ أعمال أمتي
النخاعة تكون في المسجد لا تدفن ) قال القرطبي : فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد
إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة انتهى
ومما يدل على ذلك أي تخصيص عموم قوله البزاق في المسجد خطيئة جواز التنخم في الثوب
ولو كان في المسجد بلا خلاف . وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير : ( أنه
صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله ) قال
الحافظ : إسناده صحيح وأصله في مسلم والظاهر أن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم
ويؤيد قول النووي تصريحه صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه بأن
البزاق في المسجد خطيئة وأن دفنها كفارة لها فإن دلالته على كتب الخطيئة بمجرد
البزاق في المسجد ظاهرة غاية الظهور ولكنها تزول بالدفن وتبقى بعدمه . قال الحافظ
: وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من
المسجد والمنع على ما إذا لم يكن له عذر وهو تفصيل حسن انتهى
قوله ( فيدفنها ) قال النووي في الرياض : المراد بدفنها إذا كان المسجد ترابيا أو
رمليا فأما إذا كان مبلطا مثلا فدلكها بشيء مثلا فليس ذلك بدفن بل زيادة في التقذر
. قال الحافظ : لكن إذا لم يبق لها أثر البتة فلا مانع . وعليه قوله في حديث عبد
الله بن الشخير المتقدم ثم دلكه بنعله
قوله ( أو يفعل هكذا ) ظاهر هذا أنه مخير بين ما ذكر وظاهر النهي عن البصق إلى
القبلة التحريم . ويؤيده تعليله بأن ربه تعالى بينه وبين القبلة كما في البخاري من
حديث أنس . وبأن الله قبل وجهه إذا صلى كما في حديث ابن عمر عند البخاري . قال في
الفتح : وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أو لا
ولا سيما من المصلي فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي
للتنزيه أو للتحريم
وفي صحيحي ابن حبان وابن خزيمة من حديث حذيفة مرفوعا : ( من تفل تجاه القبلة جاء
يوم القيامة وتفله [ ص 390 ] بين عينيه ) وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر
مرفوعا : ( يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه ) ولأبي داود
وابن حبان من حديث السائب بن جلاد : ( أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة فلما فرغ
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يصلي بكم ) الحديث وفيه أنه قال : (
إنك آذيت الله ورسوله ) انتهى
باب في أن قتل الحية والعقرب والمشي اليسير للحاجة لا يكره
1
- عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة
العقرب والحية )
- رواه الخمسة وصححه الترمذي
-
الحديث نقل ابن عساكر في الأطراف وتبعه المزي وتبعهما المصنف أن الترمذي صححه
والذي في النسخ أنه قال : حديث حسن ولم يرتفع به إلى الصحة . وأخرجه أيضا ابن حبان
في صحيحه والحاكم وصححه
( وفي الباب ) عن ابن عباس عند الحاكم بإسناد ضعيف . وعن أبي رافع عند ابن ماجه
وفي إسناده مندل وهو ضعيف وكذلك شيخه محمد بن عبيد الله بن أبي رافع . وعن ابن عمر
عن إحدى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند البخاري ومسلم . وعن عائشة عند
أبي يعلى الموصلي وفي إسناده معاوية بن يحيى الصدفي ضعفه الجمهور . وعن رجل من بني
عدي بن كعب عند أبي داود بإسناد منقطع
قوله ( أمر بقتل الأسودين ) تسمية الحية والعقرب بالأسودين من باب التغليب ولا
يسمى بالأسود في الأصل إلا الحية
( والحديث ) يدل على جواز قتل الحية والعقرب في الصلاة من غير كراهة وقد ذهب إلى
ذلك جمهور العلماء كما قال العراقي . وحكى الترمذي عن جماعة كراهة ذلك منهم
إبراهيم النخعي وكذا روي ذلك عن إبراهيم ابن أبي شيبة في المصنف . وروى ابن أبي
شيبة أيضا عن قتادة أنه قال : إذا لم تتعرض لك فلا تقتلها . قال العراقي : وأما من
قتلها في الصلاة أو هم بقتلها فعلي بن أبي طالب وابن عمر روى ابن أبي شيبة عنه
بإسناد صحيح أنه رأى ريشة وهو يصلي فحسب أنها عقرب فضربها بنعله . ورواه البيهقي
أيضا وقال فضربها برجله وقال حسبت أنها عقرب . ومن التابعين الحسن البصري وأبو
العالية وعطاء ومورق العجلي وغيرهم انتهى
( واستدل ) المانعون من ذلك إذا بلغ إلى حد الفعل الكثير كالهادوية والكارهون له
كالنخعي بحديث ( إن في الصلاة [ ص 391 ] لشغلا ) المتقدم وبحديث ( اسكنوا في
الصلاة ) عند أبي داود ويجاب عن ذلك بأن حديث الباب خاص فلا يعارضه ما ذكروه وهكذا
يقال في كل فعل كثير ورد الإذن به كحديث حمله صلى الله عليه وآله وسلم لأمامة .
وحديث خلعه للنعل . وحديث صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر ونزوله للسجود
ورجوعه بعد ذلك . وحديث أمره صلى الله عليه وآله وسلم بدرء المار وإن أفضى إلى
المقاتلة . وحديث مشيه لفتح الباب الآتي بعد هذا الحديث وكل ما كان كذلك ينبغي أن
يكون مخصصا لعموم أدلة المنع
( واعلم ) أن الأمر بقتل الحية والعقرب مطلق غير مقيد بضربة أو ضربتين وقد أخرج
البيهقي من حديث أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كفاك
للحية ضربة أصبتها أم أخطأتها ) وهذا يوهم التقييد بالضربة . قال البيهقي : وهذا
إن صح فإنما أراد والله أعلم وقوع الكفاية بها في الإتيان بالمأمور فقد أمر صلى
الله عليه وآله وسلم بقتلها وأراد والله أعلم إذا امتنعت بنفسها عند الخطأ ولم يرد
به المنع من الزيادة على ضربة واحدة ثم استدل البيهقي على ذلك بحديث أبي هريرة عند
مسلم : ( من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية
فله كذا وكذا حسنة أدنى من الأولى ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة
أدنى من الثانية ) قال في شرح السنة : وفي معنى الحية والعقرب كل ضرار مباح القتل
كالزنابير ونحوها
2
- وعن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في البيت والباب
عليه مغلق فجئت فمشى حتى فتح لي ثم رجع إلى مقامه ووصفت أن الباب في القبلة )
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه
-
الحديث حسنه الترمذي وزاد النسائي : ( يصلي تطوعا ) وكذا ترجم عليه الترمذي
قوله ( والباب عليه مغلق ) فيه أن المستحب لمن صلى في مكان بابه إلى القبلة أن
يغلق الباب عليه ليكون سترة للمار بين يديه وليكون أستر وفيه إخفاء الصلاة عن
الآدميين
قوله ( فجئت فمشى ) لفظ أبي داود : ( فجئت فاستفتحت فمشى ) قال ابن رسلان : هذا
المشي محمول على أنه مشى خطوة أو خطوتين أو مشى أكثر من ذلك متفرقا وهو من التقييد
بالمذهب ولا يخفى فساده
( والحديث ) يدل على إباحة المشي في صلاة التطوع للحاجة
باب في أن عمل القلب لا يبطل وإن طال . [ ص 392 ]
1
- عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا نودي بالصلاة أدبر
الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان فإذا قضى الأذان أقبل فإذا ثوب بها أدبر فإذا
قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن
يذكر حتى يضل الرجل إن يدري كم صلى فإذا لم يدر أحدكم ثلاثا صلى أو أربعا فليسجد
سجدتين وهو جالس )
- متفق عليه . وقال البخاري : قال عمر : ( إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة )
-
قوله ( وله ضراط ) جملة اسمية وقعت حالا . وفي رواية بدون واو لحصول الارتباط
بالضمير . قال عياض : يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم يصح منه خروج الريح ويحتمل
أنها عبارة عن شدة نفاره ويقربه رواية مسلم بلفظ : ( له حصاص ) بمهملات مضموم
الأول وقد فسره الأصمعي وغيره بشدة العدو . قال في الفتح : والمراد بالشيطان إبليس
وعليه يدل كلام كثير من الشراح ويحتمل أن المراد جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن
أو الإنس لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة
قوله ( حتى لا يسمع التأذين ) ظاهره أن يتعمد إخراج ذلك إما ليشغله سماع الصوت
الذي يخرجه عن سماع المؤذن أو يصنع ذلك استخفافا كما يفعله السفهاء ويحتمل أن لا
يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف حتى يحدث له ذلك
قوله ( فإذا قضى ) بضم أوله والمراد به الفراغ والانتهاء ويروى بفتح أوله على حذف
الفاعل والمراد المنادى
قوله ( أقبل ) زاد مسلم عن أبي هريرة فوسوس
قوله ( فإذا ثوب ) بضم المثلثة وتشديد الواو المكسورة قيل هو من ثاب إذا رجع وقيل
هو من ثوب إذا أشار بثوبه عند الفراغ لإعلام غيره
قال الجمهور : المراد بالتثويب هنا الإقامة وبذلك جزم أبو عوانة في صحيحه والخطابي
والبيهقي وغيرهم . وقال القرطبي : ثوب بالصلاة إذا أقيمت وأصله رجع إلى ما يشبه
الأذان وكل من يردد صوتا فهو مثوب وزعم بعض الكوفيين أن المراد بالتثويب قول
المؤذن من الأذان والإقامة حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة
قال الخطابي : لا تعرف العامة التثويب في الأذان إلا من قول المؤذن في الأذان
الصلاة خير من النوم لكن المراد به في هذا الحديث الإقامة
قوله ( حتى يخطر ) [ ص 393 ] بضم الطاء . قال الحافظ : كذا سمعناه من أكثر الرواة
وضبطناه عن المتقنين بالكسر وهو وجه ومعناه يوسوس . وأصله من خطر البعير بذنبه إذا
حركه فضرب به فخذيه . وأما بالضم فمن المرور أن يدنو منه فيشغله وضعف الهجري في
نوادره الضم مطلقا
قوله ( بين المرء ونفسه ) أي قلبه وكذا هو للبخاري من وجه آخر في بدء الخلق . قال
الباجي : بمعنى أنه يحول بين المرء وبين ما يريده من إقباله على صلاته وإخلاصه
فيها
قوله ( لما لم يكن يذكر ) أي لشيء لم يكن على ذكره قبل دخوله في الصلاة وهو أعم من
أن يكون من أمور الدنيا أو الآخرة . وهل يشمل ذلك التفكر في معاني الآيات التي
يتلوها لا يبعد ذلك لأن غرضه نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان كذا قال الحافظ
قوله ( حتى يضل الرجل ) بضاد مكسورة كذا وقع عند الأصيلي ومعناه يجهل قال الحافظ
في الفتح : وعند الجمهور بالظاء المشالة بمعنى يصير أو يبقى أو يتحير
قوله ( إن يدري كم صلى ) بكسر الهمزة وهي التي للنفي بمعنى لا . وحكى ابن عبد البر
عن الأكثر فتح الهمزة ووجهه بما تعقبه عليه جماعة . قال القرطبي : ليست رواية
الفتح بشيء إلا مع الضاد فيكون إن مع الفعل بتأويل المصدر مفعولا لضل بإسقاط حرف
الجر أي يضل عن درايته . وفي رواية للبخاري ( لا يدري كم صلى )
( والحديث ) يدل على أن الوسوسة في الصلاة غير مبطلة لها وكذلك سائر الأعمال
القلبية لعدم الفارق . وللحديث فوائد ليس المقام محلا لبسطها
قوله ( إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة ) أي أدبر تجهيزه وأفكر فيه
باب القنوت في المكتوبة عند النوازل وتركه في غيرها
1
- عن أبي مالك الأشجعي قال : ( قلت لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ههنا بالكوفة قريبا من خمس سنين
أكانوا يقنتون قال أي بني محدث )
- رواه أحمد والترمذي وصححه ابن ماجه . وفي رواية : ( أكانوا يقنتون في الفجر )
والنسائي ولفظه : ( قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يقنت
وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت وصليت خلف [ ص 394 ] عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم
يقنت وصليت خلف علي عليه السلام فلم يقنت ثم قال يا بني بدعة )
-
الحديث قال الحافظ في التلخيص : إسناده حسن . وفي الباب عن ابن عباس عند الدارقطني
والبيهقي أنه قال القنوت في صلاة الصبح بدعة . قال البيهقي : لا يصح . وعن ابن عمر
عند الطبراني قال في قيامهم عند فراغ القارئ من السورة يعني قيام القنوت إنها
لبدعة ما فعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي إسناده بشر بن حرب الرازي
وهو ضعيف . وعن ابن مسعود عند الطبراني في الأوسط والبيهقي والحاكم في كتاب القنوت
بلفظ : ( ما قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شيء من صلاته ) زاد
الطبراني : ( إلا في الوتر وأنه كان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن يدعو على
المشركين ولا قنت أبو بكر ولا عمر حتى ماتوا ولا قنت علي حتى حارب أهل الشام وكان
يقنت في الصلوات كلهن ) وكان معاوية يدعو عليه أيضا قال البيهقي : كذا رواه محمد
بن جابر السحيمي وهو متروك . وعن أم سلمة عند ابن ماجه قالت : ( نهى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم عن القنوت في الفجر ) ورواه الدارقطني وفي إسناده ضعف
( والحديث ) يدل على عدم مشروعية القنوت وقد ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم كما حكاه
الترمذي في كتابه وحكاه العراقي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن عباس وقال : قد صح عنهم
القنوت وإذا تعارض الإثبات والنفي قدم المثبت وحكاه عن أربعة من التابعين . وعن
أبي حنيفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق وحكاه المهدي في البحر عن العبادلة وأبي
الدرداء وابن مسعود . وقد اختلف النافون لمشروعيته هل يشرع عند النوازل أم لا وذهب
جماعة إلى أنه مشروع في صلاة الفجر وقد حكاه الحازمي عن أكثر الناس من الصحابة
والتابعين فمن بعدهم من علماء الأمصار ثم عد من الصحابة الخلفاء الأربعة إلى تمام
تسعة عشر من الصحابة ومن المخضرمين أبو رجاء العطاردي وسويد بن غفلة وأبو عثمان
النهدي وأبو رافع الصائغ ومن التابعين اثنا عشر ومن الأئمة والفقهاء أبو إسحاق
الفزاري وأبو بكر بن محمد والحكم بن عتيبة وحماد ومالك بن أنس وأهل الحجاز والأوزاعي
. وأكثر أهل الشام والشافعي وأصحابه وعن الثوري روايتان . ثم قال : وغير هؤلاء خلق
كثير . وزاد العراقي عبد الرحمن بن مهدي وسعيد بن عبد العزيز التنوخي وابن أبي
ليلى والحسن بن صالح وداود ومحمد بن جرير وحكاه عن جماعة من أهل الحديث منهم [ ص
395 ] أبو حاتم الرازي وأبو زرعة الرازي وأبو عبد الله الحاكم والدارقطني والبيهقي
والخطابي وأبو مسعود الدمشقي . وحكاه الخطابي في المعالم عن أحمد بن حنبل وإسحاق
بن راهويه وحكى الترمذي عنهما خلاف ذلك . قال النووي في شرح المهذب : القنوت في
الصبح مذهبنا وبه قال أكثر السلف ومن بعدهم أو كثير منهم وحكاه المهدي في البحر عن
الهادي والقاسم وزيد بن علي والناصر والمؤيد بالله من أهل البيت . وقال الثوري
وابن حزم : كل من الفعل والترك حسن
واعلم أنه قد وقع الاتفاق على ترك القنوت في أربع صلوات من غير سبب وهي الظهر
والعصر والمغرب والعشاء ولم يبق الخلاف إلا في صلاة الصبح من المكتوبات وفي صلاة
الوتر من غيرها . أما القنوت في الوتر فسيأتي الكلام عليه في أبواب الوتر
( وأما القنوت ) في صلاة الصبح فاحتج المثبتون له بحجج منها حديث البراء وأنس
الآتيان ويجاب بأنه لا نزاع في وقوع القنوت منه صلى الله عليه وآله وسلم إنما
النزاع في استمرار مشروعيته فإن قالوا لفظ كان يفعل يدل على استمرار المشروعية
قلنا قد قدمنا عن النووي ما حكاه عن جمهور المحققين أنها لا تدل على ذلك سلمنا
فغايته مجرد الاستمرار وهو لا ينافي الترك آخرا كما صرحت بذلك الأدلة الآتية على
أن هذين الحديثين فيهما أنه كان يفعل ذلك في الفجر والمغرب فما هو جوابكم عن
المغرب فهو جوابنا عن الفجر . وأيضا في حديث أبي هريرة المتفق عليه أنه كان يقنت
في الركعة الآخرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح فما هو جوابكم عن
مدلول لفظ كان ههنا فهو جوابنا . قالوا أخرج الدارقطني وعبد الرزاق وأبو نعيم
وأحمد والبيهقي والحاكم وصححه عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قنت
شهرا يدعو على قاتلي أصحابه ببئر معونة ثم ترك فأما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق
الدنيا ) وأول الحديث في الصحيحين ولو صح هذا لكان قاطعا للنزاع ولكنه من طريق أبي
جعفر الرازي قال فيه عبد الله بن أحمد : ليس بالقوي . وقال علي بن المديني : إنه
يخلط . وقال أبو زرعة : يهم كثيرا . وقال عمرو بن علي الفلاس : صدوق سيئ الحفظ .
وقال ابن معين : ثقة ولكنه يخطئ وقال الدوري : ثقة ولكنه يغلط وحكى الساجي أنه قال
: صدوق ليس بالمتقن وقد وثقه غير واحد . ولحديثه هذا شاهد ولكن في إسناده عمرو بن
عبيد وليس بحجة
قال الحافظ : ويعكر على هذا ما رواه الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن
سليمان قلنا لأنس : ( إن قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يزل [ ص
396 ] يقنت في الفجر فقال : كذبوا إنما قنت شهرا واحدا يدعو على حي من أحياء
المشركين ) وقيس وإن كان ضعيفا لكنه لم يتهم بكذب . وروى ابن خزيمة في صحيحه من
طريق سعيد عن قتادة عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقنت إلا إذا
دعا لقوم أو دعا على قوم ) فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم لمثل هذا حجة
انتهى
( إذا تقرر لك هذا ) علمت أن الحق ما ذهب إليه من قال إن القنوت مختص بالنوازل
وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تخص به صلاة دون صلاة . وقد ورد ما يدل على هذا
الاختصاص من حديث أنس عند ابن خزيمة في صحيحه وقد تقدم
ومن حديث أبي هريرة عن ابن حبان بلفظ : ( كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو
على أحد ) وأصله في البخاري كما سيأتي وستعرف الأدلة الدالة على ترك مطلق القنوت
ومقيده وقد حاول جماعة من حذاق الشافعية الجمع بين الأحاديث بما لا طائل تحته
وأطالوا الاستدلال على مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير طائل . ( وحاصله ) ما
عرفناك وقد طول المبحث الحافظ ابن القيم في الهدى وقال ما معناه : الإنصاف الذي
يرتضيه العالم المنصف أنه صلى الله عليه وآله وسلم قنت وترك وكان تركه للقنوت أكثر
من فعله فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم وللدعاء على آخرين ثم تركه لما قدم
من دعا لهم وخلصوا من الأسر وأسلم من دعا عليهم وجاؤوا تائبين وكان قنوته لعارض
فلما زال ترك القنوت وقال في غضون ذلك المبحث : إن أحاديث أنس كلها صحاح يصدق
بعضها بعضا ولا تتناقض وحمل قول أنس ما زال يقنت حتى فارق الدنيا على إطالة القيام
بعد الركوع وقد أسلفنا الأدلة على مشروعية ذلك في باب الجلسة بين السجدتين وأجاب
عن تخصيصه بالفجر بأنه وقع بحسب سؤال السائل فإنه إنما سأل أنسا عن قنوت الفجر
فأجابه عما سأله عنه وبأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يطيل صلاة الفجر دون سائر
الصلوات قال : ومعلوم أنه كان يدعو ربه ويثني عليه ويمجده في هذا الاعتدال وهذا
قنوت منه بلا ريب فنحن لا نشك ولا نرتاب أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا
ولما صار القنوت في لسان الفقهاء وأكثر الناس هو هذا الدعاء المعروف اللهم اهدني
فيمن هديت الخ وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا وكذلك الخلفاء
الراشدون وغيرهم من الصحابة حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم
ونشأ من لا يعرف غير ذلك فلم يشك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه
كانوا مداومين على هذا كل غداة وهذا هو الذي [ ص 397 ] نازعهم فيه جمهور العلماء
وقالوا لم يكن من فعله الراتب بل ولا يثبت عنه أنه فعله وغاية ما روي عنه في هذا
القنوت أنه علمه الحسن بن علي إلى آخر كلامه وهو على فرض صلاحية حديث أنس للاحتجاج
وعدم اختلافه واضطرابه محمل حسن . واعلم أنه قد وقع الاتفاق على عدم وجوب القنوت مطلقا
كما صرح بذلك صاحب البحر وغيره
2
- وعن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قنت شهرا ثم تركه )
- رواه أحمد . وفي لفظ : ( قنت شهرا يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه ) رواه
أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه . وفي لفظ : ( قنت شهرا حين قتل القراء فما رأيته
حزن حزنا قط أشد منه ) رواه البخاري
-
قوله ( على أحياء من أحياء العرب ) هم بنو سليم قتلة القراء كما سيأتي في حديث ابن
عباس
قوله ( حين قتل القراء ) هم أهل بئر معونة وقصتهم مشهورة
( والحديث ) يدل على عدم مشروعية القنوت في جميع الصلوات . وقد جمع بينه وبين حديث
أنس الدال على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما زال يقنت في الفجر حتى فارق
الدنيا بأن المراد ترك الدعاء على الكفار لا أصل القنوت . وروى البيهقي مثل هذا
الجمع عن عبد الرحمن بن مهدي بسند صحيح والقنوت له معان تقدم ذكرها في باب نسخ
الكلام والمراد في هذا الباب الدعاء
( فائدة ) في البخاري من طريق عاصم الأحول عن أنس أن القنوت قبل الركوع . قال
البيهقي : رواة القنوت بعد الركوع أكثر وأحفظ وعليه درج الخلفاء الراشدون . وروى
الحاكم أبو أحمد في الكنى عن الحسن البصري قال : صليت خلف ثمانية وعشرين بدريا
كلهم يقنت في الصبح بعد الركوع . قال الحافظ : وإسناده ضعيف . قال الأثرم : قلت
لأحمد يقول أحد في حديث أنس إنه قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول قال لا يقوله غيره
خالفوه كلهم هشام عن قتادة والتيمي عن أبي مجلز وأيوب عن ابن سيرين وغير واحد عن
حنظلة كلهم عن أنس . وكذا روى أبو هريرة وخفاف بن إيماء وغير واحد . وروى ابن ماجه
من طريق سهل بن يوسف عن حميد عن أنس أنه سئل عن القنوت في صلاة الصبح قبل الركوع
أم بعده فقال كلاهما قد كنا نفعل قبل وبعد . وصححه أبو موسى المديني كذا قال
الحافظ
3
- وعن أنس قال : ( كان القنوت من المغرب والفجر )
- رواه البخاري
4
- وعن البراء بن عازب : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقنت في صلاة
المغرب والفجر )
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه
[ ص 398 ] - قوله ( كان القنوت ) أي في أول الأمر . قوله ( في المغرب والفجر ) تمسك بهذا الطحاوي في ترك القنوت في الفجر قال : لأنهم أجمعوا على نسخه في المغرب فيكون في الصبح كذلك وقد عارضه بعضهم فقال : أجمعوا على أنه صلى الله عليه وآله وسلم قنت في الصبح ثم اختلفوا هل ترك أملا فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه وقد قدمنا ما هو الحق في ذلك
5
- وعن ابن عمر : ( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رفع رأسه من
الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعد ما
يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله تعالى : { ليس لك من الأمر شيء
} إلى قوله : { فإنهم ظالمون } )
- رواه أحمد والبخاري
-
الحديث أخرجه أيضا النسائي . قوله ( إذا رفع رأسه من الركوع ) هكذا وردت أكثر
الروايات كما تقدم قريبا
قوله ( فلانا وفلانا وفلانا ) زاد النسائي يدعو على ناس من المنافقين وبهذه
الزيادة يعلم أن هؤلاء الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير قتلة
القراء . وفي رواية للبخاري من حديث أنس قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام فنزلت ) وفي رواية
للترمذي : ( قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد يقول اللهم العن
أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام اللهم العن صفوان بن أمية فنزلت ) وفي أخرى
للترمذي : ( قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو على أربعة نفر
فأنزل الله تعالى الآية )
( والحديث ) يدل على نسخ القنوت بلعن المستحقين وأن الذي يشرع فعله عند نزول
النوازل إنما هو الدعاء لجيش المحقين بالنصرة وعلى جيش المبطلين بالخذلان والدعاء
برفع المصائب ولكنه يشكل على ذلك ما سيأتي في حديث أبي هريرة من نزول الآية عقب
دعائه للمستضعفين وعلى كفار مضر مع أن ذلك مما يجوز فعله في القنوت عند النوازل
6
- وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد
أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد
اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من
المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف قال : يجهر [ ص
399 ] بذلك ويقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلانا وفلانا حيين من
أحياء العرب حتى أنزل الله تعالى : { ليس لك من الأمر شيء } الآية )
- رواه أحمد والبخاري
7
- وعن أبي هريرة قال : ( بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي العشاء إذ قال
سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد اللهم نج الوليد بن الوليد اللهم نج
المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني
يوسف )
- رواه البخاري
8
- [ ص 400 ] وعنه أيضا قال : ( لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح
بعد ما يقول سمع الله لمن حمده فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار )
- متفق عليه . وفي رواية لأحمد : ( وصلاة العصر ) مكان صلاة العشاء الآخرة
-
قوله ( اللهم أنج الوليد ) فيه جواز الدعاء في القنوت لضعفة المسلمين بتخليصهم من
الأسر ويقاس عليه جواز الدعاء لهم بالنجاة من كل ورطة يقعون فيها من غير فرق بين
المستضعفين وغيرهم
قوله ( اشدد وطأتك ) الوطأة الضغطة أو الأخذة الشديدة كما في القاموس
قوله ( كسني يوسف ) هي السنين المذكورة في القرآن . وفيه جواز الدعاء على الكفار
بالجدب والبلاء
قوله ( قال يجهر بذلك ) فيه مشروعية الجهر بالقنوت
قوله ( في صلاة الفجر ) بيان لقوله في بعض صلاته
قوله ( لأقربن ) في رواية الإسماعيلي : ( إني لأقربكم صلاة برسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم )
قوله ( وكان أبو هريرة ) الخ . قيل المرفوع من هذا الحديث وجود القنوت لا وقوعه في
الصلاة المذكورة فإنه موقوف على أبي هريرة ويوضحه ما ذكره البخاري في سورة النساء
من تخصيص المرفوع بصلاة العشاء ولأبي داود : ( قنت رسول الله صلى الله عليه و سلم
في صلاة العتمة شهرا ) ونحوه لمسلم ولكن هذا لا ينفي كونه صلى الله عليه و سلم قنت
في غير العشاء . وظاهر سياق الحديث أن جميعه مرفوع
قوله ( في الركعة الآخرة ) قد تقدم بيان الاختلاف في كونه قبل الركوع أو بعده
قوله ( فيدعو للمؤمنين ) هم من كان مأسورا بمكة والكفار كفار قريش كما بينه البخاري
في تفسير سورة آل عمران . وهذه الأحاديث تدل على مشروعية القنوت عند نزول النوازل
وقد تقدم الكلام عليه وقد اقتصرنا في شرحها على هذا المقدار وإن كانت تحتمل البسط
لعدم عود التطويل على ما نحن فيه بفائدة
9
- وعن ابن عباس قال : ( قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهرا متتابعا في
الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمد من
الركعة الآخرة يدعو عليهم على حي من بني سليم على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه
)
- رواه أبو داود وأحمد وزاد : ( أرسل إليهم يدعوهم إلى الإسلام فقتلوهم ) قال
عكرمة : كان هذا مفتاح القنوت
-
الحديث أخرجه أبو داود من طريق هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس وأخرجه أيضا
الحاكم وليس في إسناده مطعن إلا هلال بن خباب فإن فيه مقالا وقد وثقه أحمد وابن
معين وغيرهما
قوله ( في دبر كل صلاة ) فيه أن القنوت للنوازل لا يختص ببعض الصلوات فهو يرد على
من خصصه بصلاة الفجر عندها
قوله ( إذا قال سمع الله لمن حمده ) فيه التصريح بأن القنوت بعد الركوع وهو الثابت
في أكثر الروايات كما تقدم
قوله ( من بني سليم ) بضم السين المهملة وفتح اللام قبيلة معروفة
قوله ( على رعل ) براء مكسورة وعين مهملة ساكنة قبيلة من سليم كما في القاموس وهو
وما بعده بدل من قوله من بني سليم وقوله من بني سليم بدل أيضا من الضمير في قوله
عليهم وفي قوله ( وعصية ) تصغير عصا سميت به قبيلة من سليم أيضا
قوله ( وذكوان ) هم قبيلة أيضا من سليم
[ تابع كتاب الصلاة ] [ ص 2 ]
أبواب السترة أمام المصلي وحكم المرور دونها
باب استحباب الصلاة إلى السترة والدنو منها والانحراف قليلا عنها والرخصة في تركها
بسم الله الرحمن الرحيم
1
- عن أبي سعيد قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا صلى أحدكم
فليصل إلى سترة وليدن منها )
- رواه أبو داود وابن ماجه
-
الحديث في إسناده محمد بن عجلان وبقية رجاله رجال الصحيح وقد أخرج أبو داود من
حديث سهل بن أبي حثمة بمعناه وأخرجه أيضا النسائي قال أبو داود في سننه : وقد
اختلف في إسناده وقد بين ذلك الاختلاف
قوله : ( فليصل إلى سترة ) فيه أن اتخاذ السترة واجب ويؤيده حديث أبي هريرة الآتي
وحديث سبرة بن معبد الجهني عند الحاكم وقال على شرط مسلم بلفظ : ( ليستتر أحدكم في
الصلاة ولو بسهم )
قوله : ( وليدن منها ) فيه مشروعية الدنو من السترة حتى يكون مقدار ما بينهما
ثلاثة أذرع كما سيأتي . والحكمة في الأمر من الدنو أن لا يقطع الشيطان عليه صلاته
كما أخرجه أبو داود في هذا الحديث متصلا بقوله ( وليدن منها ) . والمراد بالشيطان
المار بين يدي المصلي كما في حديث ( فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان ) . قال في
شرح المصابيح : معناه يدنو من السترة حتى لا يوسوس الشيطان عليه صلاته وسيأتي سبب
تسمية المار شيطانا والخلاف فيه [ ص 3 ]
2
- وعن عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل في غزوة تبوك عن سترة
المصلى فقال : كمؤخرة الرحل )
- رواه مسلم
-
قوله : ( كمؤخرة الرحل ) قال النووي : المؤخرة بضم الميم وكسر الخاء وهمزة ساكنة
ويقال بفتح الخاء مع فتح الهمزة وتشديد الخاء مع إسكان الهمزة وتخفيف الخاء ويقال
آخرة الرحل بهمزة ممدودة وكسر الخاء فهذه أربع لغات وهي العود الذي في آخر الرحل
الذي يستند إليه الراكب من كور البعير وهي قدر عظم الذراع وهو نحو ثلثي ذراع
( والحديث ) يدل على مشروعية السترة قال النووي : ويحصل بأي شيء أقامه بين يديه .
قال العلماء : والحكمة في السترة كف البصر عما وراءها ومنع من يجتاز بقربه
3
- وعن ابن عمر قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج يوم العيد
يأمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه وكان يفعل ذلك في السفر )
- متفق عليه
-
قوله : ( يأمر بالحربة ) أي يأمر خادمه بحمل الحربة . وفي لفظ لابن ماجه وذلك أن
المصلى كان فضاء ليس فيه شيء يستره
قوله : ( والناس ) بالرفع عطفا على فاعل فيصلي
قوله : ( وكان يفعل ذلك ) أي نصب الحربة بين يديه حيث لا يكون جدار
( والحديث ) يدل على مشروعية اتخاذ السترة في الفضاء وملازمة ذلك في السفر وعلى أن
السترة تحصل بكل شيء ينصب تجاه المصلي وإن دق )
4
- وعن سهل بن سعد قال : ( كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين
الجدار ممر شاة )
- متفق عليه . وفي حديث بلال : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل الكعبة
فصلى وبينه وبين الجدار نحو من ثلاثة أذرع ) رواه أحمد والنسائي ومعناه للبخاري من
حديث ابن عمر
-
حديث بلال رجاله رجال الصحيح
قوله : ( وبين الجدار ) أي جدار المسجد مما يلي القبلة وقد صرح بذلك البخاري في
الاعتصام
قوله : ( ممر شاة ) بالرفع وكان تامة أو ناقصة والخبر محذوف أو الظرف الخبر وأعربه
الكرماني بالنصب على أن الممر خبر كان واسمها نحو قدر المسافة قال : والسياق يدل
عليه
وروى الإسماعيلي من طريق أبي عاصم عن يزيد ابن أبي عبيد عن سلمة : ( كان المنبر
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس بينه وبين حائط القبلة إلا قدر ما
تمر العنز ) وأصله في البخاري . قال ابن بطال : هذا أقل [ ص 4 ] ما يكون بين
المصلي وسترته يعني قدر ممر الشاة . وقيل أقل ذلك ثلاثة أذرع لحديث ابن عمر عن
بلال الذي أشار إليه المصنف . ولفظه في البخاري عن نافع أن عبد الله ( كان إذا دخل
الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل وجعل الباب قبل ظهره فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار
الذي قبل وجهه قريب من ثلاثة أذرع صلى يتوخى المكان الذي أخبره به بلال أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم صلى فيه ) وجمع الداودي بأن أقله ممر الشاة وأكثره ثلاثة
أذرع
وجمع بعضهم بأن ممر الشاة في حال القيام والثلاثة الأذرع في حال الركوع والسجود
كذا قال ابن رسلان . والظاهر أن الأمر بالعكس قال ابن الصلاح : قدروا ممر الشاة
بثلاثة أذرع . قال الحافظ : ولا يخفى ما فيه . قال ابن رسلان : وثلث ذراع أقرب إلى
المعنى من ثلاثة أذرع . قال البغوي : استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون
بينه وبينها قدر إمكان السجود وكذلك بين الصفوف اه
5
- وعن طلحة بن عبيد الله قال : ( كنا نصلي والدواب تمر بين أيدينا فذكرنا ذلك
للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : مثل مؤخرة الرحل يكون بين يدي أحدكم ثم لا
يضره ما مر بين يديه )
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه
-
قوله : ( مثل مؤخرة الرحل ) قد تقدم ضبطه وتفسيره
قوله : ( بين يدي أحدكم ) هذا مطلق والأحاديث التي فيها التقدير بممر الشاة
وبثلاثة أذرع مقيدة لذلك
قوله : ( ثم لا يضر ما مر بين يديه ) لأنه قد فعل المشروع من الإعلام بأنه يصلي
والمراد بقوله لا يضره الضرر الراجع إلى نقصان صلاة المصلي . وفيه إشعار بأنه لا
ينقص من صلاة من اتخذ سترة لمرور من مر بين يديه شيء وحصول النقصان إن لم يتخذ ذلك
سيأتي الكلام فيه وقد قيد بما إذا كان منفردا أو إماما وأما إذا كان مؤتما فسترة
الإمام سترة له
وقد بوب البخاري وأبو داود لذلك وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس مرفوعا : ( سترة
الإمام سترة لمن خلفه ) وفي إسناده سويد بن عاصم وقد تفرد به وهو ضعيف . وأخرج
نحوه عبد الرزاق عن ابن عمر موقوفا عليه . وروى عبد الرزاق التفرقة بين من يصلي
إلى سترة أو إلى غير سترة عن عمر لأن الذي يصلي إلى غير سترة مقصر بتركها لا سيما
إن صلى إلى شارع المشاة
6
- وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( إذا صلى أحدكم
فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ولا
يضره ما مر بين يديه )
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه [ ص 5 ]
-
الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وصححه والبيهقي وصححه أحمد وابن المديني فيما نقله ابن
عبد البر في الاستذكار وأشار إلى ضعفه سفيان بن عيينة والشافعي والبغوي وغيرهم .
قال الحافظ : وأورده ابن الصلاح مثالا للمضطرب ونوزع في ذلك . قال في بلوغ المرام
: ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل حسن
قوله : ( فليجعل تلقاء وجهه شيئا ) فيه أن السترة لا تختص بنوع بل بكل شيء ينصبه
المصلي تلقاء وجهه يحصل به الامتثال كما تقدم
قوله : ( فلينصب ) بكسر الصاد أي يرفع أو يقيم
قوله : ( عصا ) ظاهره عدم الفرق بين الرقيقة والغليظة ويدل على ذلك قوله صلى الله
عليه و سلم : ( استتروا في صلاتكم ولو بسهم ) الحديث المتقدم . وقوله صلى الله
عليه و سلم : ( يجزئ من السترة قدر مؤخرة الرحل ولو بدقة شعرة ) أخرجه الحاكم وقال
على شرطهما
قوله : ( فإن لم يكن معه عصا ) هكذا لفظ أبي داود وابن حبان . ولفظ ابن ماجه : (
فإن لم يجد )
قوله : ( فليخط ) هذا لفظ ابن ماجه . ولفظ أبي داود : ( فليخطط ) وصفة الخط ما
ذكره أبو داود في سننه قال : سمعت أحمد بن حنبل سئل عن وصف الخط غير مرة فقال هكذا
عرضا مثل الهلال وسمعت مسددا قال بل الخط بالطول اه فاختار أحمد أن يكون مقوسا
كالمحراب ويصلي إليه كما يصلي في المحراب واختار مسدد أن يكون مستقيما من بين يديه
إلى القبلة قال النووي في كيفيته : المختار ما قاله الشيخ أبو إسحاق إنه إلى القبلة
لقوله في الحديث : ( تلقاء وجهه ) واختار في التهذيب أن يكون من المشرق إلى المغرب
ولم ير مالك ولا عامة الفقهاء الخط كذا قال القاضي عياض واعتذروا عن الحديث بأنه
ضعيف مضطرب وقالوا الغرض الإعلام وهو لا يحصل بالخط . واختلف قول الشافعي فروي عنه
استحبابه وروي عنه عدم ذلك . وقال جمهور أصحابه باستحبابه
قوله : ( ولا يضر ما مر بين يديه ) لفظ أبي داود : ( ثم لا يضره ما مر أمامه )
ولفظ ابن حبان : ( من مر أمامه ) وقد تقدم الكلام على هذا
7 - وعن المقداد بن الأسود أنه قال : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيسر أو الأيمن ولا يصمد له صمدا )
8
- وعن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في فضاء ليس بين يديه
شيء )
- رواهما أحمد وأبو داود
-
الحديث الأول في إسناده أبو عبيدة الوليد بن كامل البجلي الشامي قال المنذري :
وفيه مقال . وقال في التقريب : لين الحديث
( والحديث الثاني ) أخرجه أيضا النسائي قال المنذري : وذكر بعضهم أن في إسناده
مقالا
قوله : ( إلى عود ) هو واحد العيدان [ ص 6 ]
قوله : ( ولا عمود ) هو واحد العمد
قوله : ( الأيسر أو الأيمن ) قال ابن رسلان : ولعل الأيمن أولى ولهذا بدأ به في
الحديث يعني في رواية أبي داود وعكس ذلك المصنف ولعلها رواية أحمد ويكفي في دعوى
الأولوية حديث ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله
وطهوره وفي شأنه كله )
( وفي الحديث ) استحباب أن تكون السترة على جهة اليمين أو اليسار
قوله : ( ولا يصمد ) بفتح أوله وضم ثالثه والصمد في اللغة القصد يقال اصمد صمد
فلان أي أقصد قصده أي لا يجعله قصده الذي يصلي إليه تلقاء وجهه
قوله : ( صلى في فضاء ليس بين يديه شيء ) فيه دليل على أن اتخاذ السترة غير واجب
فيكون قرينة لصرف الأوامر إلى الندب ولكنه قد تقرر في الأصول أن فعله صلى الله
عليه وآله وسلم لا يعارض القول الخاص بنا وتلك الأوامر السابقة خاصة بالأمة فلا
يصلح هذا الفعل أن يكون قرينة لصرفها
( فائدة ) اعلم أن ظاهر أحاديث الباب عدم الفرق بين الصحاري والعمران وهو الذي ثبت
عنه صلى الله عليه وآله وسلم من اتخاذه السترة سواء كان في الفضاء أو في غيره
وحديث أنه كان بين مصلاه وبين الجدار ممر شاة ظاهر أن المراد في مصلاه في مسجده
لأن الإضافة للعهد وكذلك حديث صلاته في الكعبة المتقدم فلا وجه لتقييد مشروعية
السترة بالفضاء
باب دفع المار وما عليه من الإثم والرخصة في ذلك للطائفين بالبيت
1
- عن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا كان أحدكم يصلي فلا
يدع أحدا يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين )
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه
2
- وعن أبي سعيد قال : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا صلى أحدكم
إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله
فإنما هو شيطان )
- رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه
-
قوله : ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع ) هذا مطلق مقيد بما في حديث أبي سعيد من
قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره ) فلا يجوز الدفع
والمقاتلة إلا لمن كان له ستر . قال النووي : واتفقوا على أن هذا كله لمن لم يفرط
في صلاته بل احتاط وصلى إلى سترة أو في مكان يأمن المرور بين يديه
قوله : ( فلا يدع أحدا يمر بين [ ص 7 ] يديه ) ظاهر النهي التحريم
قوله : ( فإن أبى فليقاتله ) وفيه أنه يدافعه أولا بما دون القتل فيبدأ بأسهل
الوجوه ثم ينتقل إلى الأشد فالأشد إلى حد القتل
قال القاضي عياض والقرطبي : وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح لمخالفة
ذلك لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها وأطلق جماعة من الشافعية أن له أن
يقاتله حقيقة واستبعد ذلك ابن العربي وقال : المراد بالمقاتلة المدافعة وأغرب
الباجي فقال : يحتمل أن يكون المراد بالمقاتلة اللعن أو التعنيف وتعقبه الحافظ
بأنه يستلزم التكلم في الصلاة وهو مبطل بخلاف الفعل اليسير وقد روى الإسماعيلي
بلفظ : ( فإن أبى فليجعل يده في صدره وليدفعه ) وهو صريح في الدفع باليد وكذلك فعل
أبو سعيد بالغلام الذي أراد أن يجتاز بين يديه فإنه دفعه في صدره ثم عاد فدفعه أشد
من الأولى كما في البخاري وغيره . ونقل البيهقي عن الشافعي أن المراد بالمقاتلة
دفع أشد من الدفع الأول
قال القاضي عياض : فإن دفعه بما يجوز فهلك فلا قود عليه باتفاق العلماء وهل تجب
دية أم يكون هدرا مذهبان للعلماء وهما قولان في مذهب مالك وحكى القاضي عياض وابن
بطال الإجماع على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه ولا العمل الكثير في
مدافعته لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور
قال الحافظ : وذهب الجمهور إلى أنه إذا مر ولم يدفعه فلا ينبغي له أن يرده لأن فيه
إعادة للمرور . قال : وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وغيره أن له ذلك
قال النووي : لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع وتعقبه الحافظ بأنه قد
صرح بوجوبه أهل الظاهر اه . وظاهر الحديث معهم
قوله : ( فإن معه القرين ) في القاموس القرين المقارن والصاحب والشيطان المقرون
بالإنسان لا يفارقه وهو المراد هنا
قوله : ( فإنما هو شيطان ) قال الحافظ : إطلاق الشيطان على المار من الإنس شائع
ذائع وقد جاء في القرآن قوله تعالى { شياطين الإنس والجن } وسبب إطلاقه عليه أنه
فعل فعل الشيطان . وقيل معناه إنما حمله على مروره وامتناعه من الرجوع الشيطان
وقال ابن بطال : في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشيطان على من يفتن في الدين . قال
الحافظ : وهو مبني على أن لفظ الشيطان يطلق حقيقة على الإنسي ومجازا على الجني
وفيه بحث . وقيل المراد بالشيطان القرين كما في الحديث الأول
وقد استنبط ابن أبي جمرة من قوله ( فإنما هو شيطان ) أن المراد بالمقاتلة المدافعة
اللطيفة لا حقيقة القتال لأن مقابلة الشيطان إنما هي بالاستعاذة والتستر عنه
بالتسمية ونحوها قال : وهل المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلي من المرور أو لدفع
الإثم عن [ ص 8 ] المار الظاهر الثاني اه
قال الحافظ : وقال غيره بل الأول أظهر لأن إقبال المصلي على صلاته أولى من اشتغاله
بدفع الإثم عن غيره . وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أن المرور بين يدي المصلي
يقطع نصف صلاته . وروى أبو نعيم عن عمر : لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور
بين يديه ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس . قال : فهذان الأثران مقتضاهما أن
الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلي ولا يختص بالمار وهما وإن كانا موقوفين لفظا
فحكمهما حكم الرفع لأن مثلهما لا يقال بالرأي اه
2
- وعن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد عن أبي جهيم عبد الله بن
الحارث بن الصمة الأنصاري قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو
يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين
يديه ) قال أبو النضر : لا أدري قال أربعين يوما أو شهرا أو سنة
- رواه الجماعة
-
قوله : ( ماذا عليه ) في رواية للبخاري ( من الإثم ) تفرد بها الكشميهني
قال الحافظ : ولم أرها في شيء من الروايات مطلقا قال : فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل
البخاري حاشية فظنها الكشميهني أصلا وقد أنكر ابن الصلاح في مشكل الوسيط على من
أثبتها
قوله : ( لكان أن يقف أربعين ) يعني لو علم المار مقدار الإثم الذي يلحقه من مروره
بين يدي المصلي لاختار أن يقف المدة المذكورة حتى لا يلحقه ذلك الإثم فجواب لو
قوله لكان أن يقف
وقال الكرماني : جواب لو ليس هو المذكور بل التقدير لو يعلم ما عليه لوقف أربعين
ولو وقف أربعين لكان خيرا له . قال الحافظ : وليس ما قاله متعينا
قوله : ( أربعين ) ذكر الكرماني لتخصيص الأربعين بالذكر حكمتين إحداهما كون
الأربعة أصل جميع الأعداد فلما أريد التكثير ضربت في عشرة . ثانيهما كون كمال
أطوار الإنسان بأربعين كالنطفة والمضغة والعلقة وكذا بلوغ الأشد . قال الحافظ :
ويحتمل غير ذلك
وفي سنن ابن ماجه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة : ( لكان أن يقف مائة عام
خيرا له من الخطوة التي خطاها ) وهذا مشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم
الأمر لا لخصوص عدد معين . وفي مسند البزار لكان أن يقف أربعين خريفا
قوله : ( خيرا له ) روي بالنصب على أنه خبر كان وبالرفع على أنه اسم كان وهي رواية
الترمذي . قال في الفتح : ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن والجملة خبرها
قوله : ( قال أبو النضر ) إلى آخره فيه إبهام ما على المار من الإثم زجرا له
( والحديث ) يدل على أن المرور بين يدي المصلي من [ ص 9 ] الكبائر الموجبة للنار
وظاهره عدم الفرق بين صلاة الفريضة والنافلة
4
- وعن المطلب ابن أبي وداعة أنه : ( رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي مما
يلي باب بني سهم والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة )
- رواه أحمد وأبو داود ورواه ابن ماجه والنسائي ولفظهما : ( رأيت النبي صلى الله
عليه وآله وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحازي بالركن فصلى ركعتين في حاشية المطاف
وليس بينه وبين الطواف أحد )
-
الحديث من رواية كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده ففي
إسناده مجهول والمطلب وأبوه لهما صحبة وهما من مسلمة الفتح
قوله : ( والناس يمرون بين يديه ) فيه دليل على أن مرور المار بين يدي المصلي مع
عدم اتخاذ السترة لا يبطل صلاته
قوله : ( وليس بينهما سترة ) قال سفيان : يعني ليس بينه وبين الكعبة سترة ( وفيه
دليل ) على عدم وجوب السترة لكن قد عرفت أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعارض
القول الخاص بنا
قوله : ( من سبعه ) بضم السين المهملة وسكون الباء بعدها عين مهملة أي مر أشواطه
السبعة
قوله : ( في حاشية المطاف ) أي جانبه
باب من صلى وبين يديه إنسان أو بهيمة
1
- عن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي صلاته من الليل
وأنا معترضة بينه وبين القبلة اعتراض الجنازة فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت )
- رواه الجماعة إلا الترمذي
-
قوله : ( صلاته من الليل ) أي صلاة التطوع
قوله : ( وأنا معترضة بينه وبين القبلة ) زاد أبو داود : ( راقدة ) وفيه دلالة على
جواز الصلاة إلى النائم من غير كراهة
وقد ذهب مجاهد وطاوس ومالك والهادوية إلى كراهة الصلاة إلى النائم خشية ما يبدو
منه مما يلهي المصلي عن صلاته واستدلوا بحديث ابن عباس عند أبي داود وابن ماجه
بلفظ : ( لا تصلوا خلف النائم والمتحدث ) وقال أبو داود : طرقه كلها واهية وقال
النووي : هو ضعيف باتفاق الحفاظ
( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند الطبراني وعن ابن أبي عمر عند ابن عدي وهما واهيان
قوله : ( فإذا أراد أن يوتر ) فيه مشروعية جعل الوتر آخر صلاة الليل وسيأتي الكلام
عليه
قوله : ( فأوترت ) فيه دليل على ما قاله النووي في شرح المهذب أن من لم [ ص 10 ]
يكن له تهجد ووثق باستيقاظه آخر الليل فيستحب له تأخير الوتر ليفعله آخر الليل
وسيأتي إن شاء الله تعالى البحث عن ذلك
( وفي الحديث ) دليل على أن المرأة لا تقطع الصلاة وسيأتي أيضا الكلام فيه . قال
المصنف بعد أن ساقه : وهو حجة في جواز الصلاة إلى النائم اه
2
- وعن ميمونة : ( أنها كانت تكون حائضا لا تصلي وهي مفترشة بحذاء مسجد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي على خمرته إذا سجد أصابني بعض ثوبه )
- متفق عليه
-
وفي رواية للبخاري : ( حيال مصلى النبي صلى الله عليه و سلم ) وفي أخرى له : (
وأنا إلى جنبه نائمة ) ومعنى الروايات واحد
قوله : ( وهي مفترشة ) في رواية للبخاري ( وأنا على فراشي )
قوله : ( على خمرته ) هي السجادة وقد تقدم ضبطها وتفسيرها
قوله : ( أصابني بعض ثوبه ) وفي رواية للبخاري : ( أصابني ثوبه ) وفي أخرى له : (
أصابني ثيابه ) وفي أخرى له : ( فربما وقع ثوبه ) وفي أخرى له أيضا : ( فربما وقع
ثيابه )
( الحديث ) يدل على أنه لا كراهة إذا أصاب ثوب المصلي امرأته الحائض وقد تقدم
الكلام في ذلك وساقه المصنف هنا للاستدلال به على صحة صلاة من صلى وبين يديه إنسان
ولا دلالة في الحديث على ذلك لأن غاية ما فيه أنها كانت بحذاء مسجده صلى الله عليه
وآله وسلم وهو لا يستلزم أن تكون بين يديه وقد استدل به على أن المرأة لا تقطع
الصلاة
قال ابن بطال : هذا الحديث وشبهه من الأحاديث التي فيها اعتراض المرأة بين المصلي
وقبلته تدل على جواز القعود لا على جواز المرور
2
- وعن الفضل بن عباس قال : ( زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عباسا في بادية
لنا ولنا كليبة وحمارة ترعى فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العصر وهما
بين يديه فلم يؤخرا ولم يزجرا )
- رواه أحمد والنسائي . ولأبي داود معناه
-
الحديث في إسناده عند أبي داود والنسائي محمد بن عمر بن علي والعباس بن عبيد الله
بن العباس وهما صدوقان . وقال المنذري : ذكر بعضهم أن في إسناده مقالا
قوله : ( زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) الخ فيه مشروعية زيارة الفاضل
للمفضول
قوله : ( في بادية لنا ) البادية البدو وهو خلاف الحضر
قوله ( كليبة ) بلفظ التصغير ورواية أبي داود ( كلبة ) بالتكبير . قوله : ( وحمارة
) قال في المفاتيح : التاء في حمارة وكلبة للإفراد كما يقال تمر وتمرة ويجوز أن
تكون للتأنيث . قال الجوهري : وربما قالوا حمارة والأكثر أن يقال للأنثى أتان
( الحديث ) استدل به على أن الكلب والحمار لا يقطعان [ ص 11 ] الصلاة
وقد اختلفت في ذلك وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعد هذا وليس في هذا الحديث
ذكر نعت الكلب بكونه أسود ولا ذكر أنهما مرا بين يديه وكونهما بين يديه لا يستلزم
المرور الذي هو محل النزاع
باب ما يقطع الصلاة بمروره
1
- عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : يقطع الصلاة المرأة
والكلب والحمار )
- رواه أحمد وابن ماجه ومسلم وزاد : ( وبقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل )
2
- وعن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( يقطع الصلاة
المرأة والكلب والحمار )
- رواه أحمد وابن ماجه
3
- وعن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم : إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم
يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود قلت :
يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال : يا ابن أخي
سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سألتني فقال الكلب الأسود شيطان )
- رواه الجماعة إلا البخاري
-
حديث عبد الله بن مغفل رواه ابن ماجه من طريق جميل بن الحسن وفيه ضعف وبقية رجاله
ثقات
وفي الباب عن الحكم الغفاري عند الطبراني في المعجم الكبير بلفظ حديث عبد الله بن
مغفل
وعن أنس عند البزار بلفظ : ( يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة ) قال العراقي :
ورجاله ثقات
وعن أبي سعيد أشار إليه الترمذي . وعن ابن عباس عند أبي داود وابن ماجه بلفظ : (
يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض ) ولم يقل أبو داود الأسود . وقد روي
موقوفا على ابن عباس . وعن ابن عباس حديث آخر مرفوع عند أبي داود وزاد فيه الخنزير
واليهودي والمجوسي
وقد صرح أبو داود أن ذكر الخنزير والمجوسي فيه نكارة قال : ولم أسمع هذا الحديث
إلا من محمد ابن إسماعيل وأحسبه وهم لأنه كان يحدثنا من حفظه اه
وعن عبد الله بن عمرو عند أحمد قال : ( بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ببعض أعلى الوادي يريد أن يصلي قد قام وقمنا إذ خرج علينا حمار من شعب فأمسك
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكبر وأجرى إليه يعقوب بن زمعة حتى رده ) . قال
العراقي : وإسناده صحيح
وعن عائشة عند أحمد قالت : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يقطع
صلاة المسلم شيء إلا [ ص 12 ] الحمار والكافر والكلب والمرأة لقد قرنا بدواب سوء )
قال العراقي : ورجاله ثقات
( وأحاديث ) الباب تدل على أن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة والمراد بقطع
الصلاة إبطالها وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وأنس وابن عباس
في رواية عنه وحكي أيضا عن أبي ذر وابن عمر وجاء عن ابن عمر أنه قال به في الكلب
وقال به الحكم بن عمرو الغفاري في الحمار
وممن قال من التابعين بقطع الثلاثة المذكورة الحسن البصري وأبو الأحوص صاحب ابن
مسعود . ومن الأئمة أحمد بن حنبل فيما حكاه عنه ابن حزم الظاهري وحكى الترمذي عنه
أنه يخصص بالكلب الأسود ويتوقف في الحمار والمرأة . قال ابن دقيق العيد : وهو أجود
مما دل عليه كلام الأثرم من جزم القول عن أحمد بأنه لا يقطع المرأة والحمار وذهب
أهل الظاهر أيضا إلى قطع الصلاة بالثلاثة المذكورة إذا كان الكلب والحمار بين يديه
سواء كان الكلب والحمار مارا أم غير مار وصغيرا أو كبيرا حيا أم ميتا وكون المرأة
بين يدي الرجل مارة أم غير مارة صغيرة أم كبيرة إلا أن تكون مضطجعة معترضة
وذهب إلى أنه يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض ابن عباس وعطاء ابن أبي
رباح واستدلا بالحديث السابق عند أبي داود وابن ماجه بلفظ : ( يقطع الصلاة الكلب
الأسود والمرأة الحائض ) ولا عذر لمن يقول بحمل المطلق على المقيد من ذلك وهم
الجمهور
وأما من يعمل بالمطلق وهم الحنفية وأهل الظاهر فلا يلزمهم ذلك وقال ابن العربي :
إنه لا حجة لمن قيد بالحائض لأن الحديث ضعيف قال : وليست حيضة المرأة في يدها ولا
بطنها ولا رجلها قال العراقي : إن أراد بضعفه ضعف رواته فليس كذلك فإن جميعهم ثقات
وإن أراد به كون الأكثرين وقفوه على ابن عباس فقد رفعه شعبة ورفع الثقة مقدم على
وقف من وقفه وإن كانوا أكثر على القول الصحيح في الأصول وعلوم الحديث انتهى
وروي عن عائشة أنها ذهبت إلى أنه يقطعها الكلب والحمار والسنور دون المرأة ولعل
دليلها على ذلك ما روته من اعتراضها بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما
تقدم
وقد عرفت أن الاعتراض غير المرور وقد تقدم أنها روت عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم أن المرأة تقطع الصلاة فهي محجوجة بما روت . ويمكن الاستدلال بحديث أم سلمة
الآتي وسيأتي ما عليه
وذهب إسحاق بن راهويه إلى أنه يقطعها الكلب الأسود فقط وحكاه ابن المنذر عن عائشة
ودليل هذا القول أن حديث ابن عباس الآتي أخرج الحمار وحديث أم سلمة الآتي أيضا
وكذلك حديث عائشة المتقدم أخرج المرأة والتقييد [ ص 13 ] بالأسود أخرج ما عداه من
الكلاب
وحديث أن الخنزير والمجوسي واليهودي يقطع لا تقوم بمثله حجة كما تقدم . وفيه أن
حديث عائشة المتقدم مشتمل على ذكر الكافر ورجال إسناده ثقات كما عرفت . وذهب مالك
والشافعي وحكاه النووي عن جمهور العلماء من السلف والخلف ورواه المهدي في البحر عن
العترة أنه لا يبطل الصلاة مرور شيء
قال النووي : وتأول هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب
بهذه الأشياء وليس المراد إبطالها ومنهم من يدعي النسخ بالحديث الآخر ( لا يقطع
الصلاة شيء وادرؤا ما استطعتم ) قال : وهذا غير مرضي لأن النسخ لا يصار إليه إلا
إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وتأويلها وعلمنا التاريخ وليس هنا تاريخ ولا تعذر
الجمع والتأويل بل يتأول على ما ذكرنا مع أن حديث ( لا يقطع صلاة المرء شيء ) ضعيف
انتهى
وروي القول بالنسخ عن الطحاوي وابن عبد البر واستدلا على تأخر تاريخ حديث ابن عباس
الآتي بأنه كان في حجة الوداع وهي في سنة عشر وفي آخر حياة النبي صلى الله عليه و
سلم وعلى تأخر حديث عائشة وحديث ميمونة المتقدمين
وحديث أم سلمة الآتي بأن ما حكاه زوجاته عنه يعلم تأخره لكونه صلاته بالليل عندهن
ولم يزل على ذلك حتى مات خصوصا مع عائشة مع تكرر قيامه في كل ليلة فلو حدث شيء مما
يخالف ذلك لعلمن به وعلى تسليم صحة هذا الاستدلال على التأخر لا يتم به المطلوب من
النسخ أما أولا فقد عرفت أن حديث عائشة وميمونة خارجان عن محل النزاع وحديث أم
سلمة أخص من المتنازع فيه لأن الذي فيه مرور الصغيرة بين يديه صلى الله عليه وآله
وسلم . وحديث ابن عباس ليس فيه إلا مرور الأتان فهو أخص من الدعوى . وأما ثانيا
فالخاص بهذه الأمور لا يصلح لنسخ ما اشتمل على زيادة عليها لما تقرر من وجوب بناء
العام على الخاص مطلقا . وأما ثالثا فقد أمكن الجمع بما تقدم
وأما رابعا فيمكن الجمع أيضا بأن يحمل حديث عائشة وميمونة وأم سلمة على صلاة النفل
وهو يغتفر فيه ما لا يغتفر في الفرض على أنه لم ينقل أنه اجتزأ بتلك الصلاة أو يحمل
على أن ذلك وقع في غير حالة الحيض والحكم بقطع صلاة المرأة للصلاة إنما هو إذا
كانت حائضا كما تقدم
وأيضا قد عرفت أن وقوع ثوبه صلى الله عليه وآله وسلم على ميمونة لا يستلزم أنها
بين يديه فضلا عن أن يستلزم المرور وكذلك اعتراض عائشة لا يستلزم المرور ويحمل حديث
ابن عباس على أن صلاته صلى الله عليه وآله وسلم كانت إلى سترة مع وجود السترة لا
يضر مرور شيء من [ ص 14 ] الأشياء المتقدمة كما يدل على ذلك قوله في حديث أبي
هريرة ( وبقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل ) وقوله في حديث أبي ذر ( فإنه يستره إذا كان
بين يديه مثل آخرة الرحل ) ولا يلزم نفي الجدار كما سيأتي في حديث ابن عباس نفي
سترة أخرى من حربة أو غيرها كما ذكره العراقي
ويدل على هذا أن البخاري بوب على هذا الحديث باب سترة الإمام سترة لمن خلفه فاقتضى
ذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي إلى سترة لا يقال قد ثبت في بعض طرقه
عند البزار بإسناد صحيح بلفظ : ( ليس شيء بسترة تحول بيننا وبينه ) لأنا نقول لم
ينف السترة مطلقا إنما نفى السترة التي تحول بينهم وبين الجدار المرتفع الذي يمنع
الرؤية بينهما وقد صرح بمثل هذا العراقي ولو سلم أن هذا يدل على نفي السترة مطلقا
لأمكن الجمع بوجه آخر ذكره ابن دقيق العيد وهو أن قول ابن عباس كما سيأتي ولم ينكر
ذلك على أحد ولم يقل ولم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك يدل على أن
المرور كان بين يدي بعض الصف ولا يلزم من ذلك إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لجواز أن يكون الصف ممتدا ولا يطلع عليه
( لا يقال ) إن قوله أحد يشمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لا معنى
للاستدلال بعدم الإنكار من غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع حضرته ولو سلم
إطلاعه صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك كما ورد في بعض روايات الصحيح بلفظ فلم
ينكر ذلك علي بالبناء للمجهول لم يكن ذلك دليلا على الجواز لأن ترك الإنكار إنما
كان لأجل أن الإمام سترة للمؤتمين كما تقدم وسيأتي ولا قطع مع السترة لما عرفت ولو
سلم صحة الاستدلال بهذا الحديث على الجواز وخلوصه من شوائب هذه الاحتمالات لكان
غايته أن الحمار لا يقطع الصلاة ويبقى ما عداه
( وأما الاستدلال ) بحديث لا يقطع الصلاة شيء فستعرف عدم انتهاضه للاحتجاج ولو سلم
انتهاضه فهو عام مخصص بهذه الأحاديث أما عند من يقول إنه يبنى العام على الخاص
مطلقا فظاهر وعند من يقول إن العام المتأخر ناسخ فلا تأخر لعدم العلم بالتاريخ ومع
عدم العلم يبنى العام على الخاص عند الجمهور . وقد ادعى أبو الحسين الإجماع على
ذلك
وأما على القول بالتعارض بين العام والخاص مع جهل التاريخ كما هو مذهب جمهور
الزيدية والحنفية والقاضي عبد الجبار والباقلاني فلا شك أن الأحاديث الخاصة فيما
نحن بصدده أرجح من هذا الحديث العام إذا تقرر لك ما أسلفنا عرفت أن الكلب الأسود
والمرأة الحائض يقطعان الصلاة ولم يعارض الأدلة القاضية بذلك معارض إلا ذلك العموم
على المذهب الثاني وقد عرفت أنه مرجوح
وكذلك يقطع [ ص 15 ] الصلاة الخنزير والمجوسي واليهودي إن صح الحديث الوارد بذلك
وقد تقدم ما يؤيده ويبقى النزاع في الحمار وقد أسلفنا في ذلك ما فيه كفاية . وأما
المرأة غير الحائض والكلب الذي ليس بأسود فقد عرفت الكلام فيهما انتهى
4
- وعن أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي في حجرتها فمر بين
يديه عبد الله أو عمر فقال بيده هكذا فرجع فمرت ابنة أم سلمة فقال بيده هكذا فمضت
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : هن أغلب )
- رواه أحمد وابن ماجه
-
الحديث في إسناده مجهول وهو قيس المدني والد محمد بن قيس القاص وبقية رجاله ثقات
قوله : ( عبد الله أو عمر ) يعني ابني أبي سلمة . قوله : ( ابنة أم سلمة ) تعني
زينب بنت أبي سلمة . قوله : ( هن أغلب ) أي لا ينتهين لجهلهن
( والحديث ) يدل على أن مرور الجارية لا يقطع الصلاة والاستدلال به على ذلك لا يتم
إلا بعد تسليم أنه لم يكن له صلى الله عليه وآله وسلم سترة عند مرورها وأنه اعتد
بتلك الصلاة وقد عرفت بقية الكلام على ذلك في شرح الأحاديث التي قبله
5
- وعن أبي سعيد قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يقطع الصلاة
شيء وادرؤا ما استطعتم فإنما هو شيطان )
- رواه أبو داود
-
الحديث في إسناده مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي وقد تكلم فيه غير واحد وأخرج
له مسلم حديثا مقرونا بجماعة من أصحاب الشعبي
( وفي الباب ) عن ابن عمر عند الدارقطني بلفظ : ( أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم وأبا بكر وعمر قالوا : لا يقطع صلاة المسلم شيء وادرأ ما استطعت ) وفيه
إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو ضعيف
قال العراقي : والصحيح عن ابن عمر ما رواه مالك في الموطأ من قوله إنه كان يقول :
( لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي ) . وأخرج الدارقطني عنه بإسناد صحيح
أنه قال : ( لا يقطع صلاة المسلم شيء )
وفي الباب أيضا عن أنس عند الدارقطني بلفظ : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم صلى بالناس فمر بين أيديهم حمار فقال عياش بن أبي ربيعة : سبحان الله سبحان
الله فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : من المسبح آنفا قال : أنا
يا رسول الله إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة قال : لا يقطع الصلاة شيء ) وإسناده
ضعيف كما قال الحافظ في الفتح
وعن جابر عند الطبراني في الأوسط بلفظ : ( قال [ ص 16 ] صلى الله عليه وآله وسلم :
لا يقطع الصلاة شيء وادرؤا ما استعطتم ) وفي إسناده يحيى بن ميمون التمار وهو ضعيف
وعن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير والدارقطني قال : ( قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم : لا يقطع الصلاة شيء ) وفي إسناده عفير بن معدان وهو ضعيف . وعن
أبي هريرة عند الدارقطني قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يقطع
صلاة المرء امرأة ولا كلب ولا حمار وادرأ ما استطعت ) وهو من رواية إسماعيل بن
عياش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي
هريرة فإن صح كان صالحا للاستدلال به على النسخ إن صح تأخر تاريخه
وأما بقية أحاديث الباب فلا تصلح لذلك لأنها على ما فيها من الضعف عمومات مجهولة
التاريخ وقد قدمنا كيفية العمل فيها على ما يقتضيه الأصول
وقد أخرج سعيد بن منصور عن علي عليه السلام وعثمان وغيرهما من أقوالهم نحو أحاديث
الباب بأسانيد صحيحة
6
- وعن ابن عباس قال : ( أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول
الله صلى الله عليه و سلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف
فنزلت وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد )
- رواه الجماعة
-
قوله ( على أتان ) الأتان بهمزة مفتوحة وتاء مثناة من فوق الأنثى من الحمير ولا
يقال أتانة . والحمار يطلق على الذكر والأنثى كالفرس . وفي بعض طرق البخاري على
حمار أتان
قوله : ( ناهزت الاحتلام ) أي قاربته من قولهم نهز أي نهض يقال ناهز الصبي البلوغ
أي داناه
وقد أخرج البزار بإسناد صحيح أن هذه القصة كانت في حجة الوداع كما تقدم ففيه دليل
على أن ابن عباس كان في حجة الوداع دون البلوغ قال العراقي : وفد اختلف في سنه حين
توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقيل ثلاث عشرة ويدل له قولهم إنه ولد في
الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين . وقيل كان عمره عشر سنين وهو ضعيف وقيل خمس عشرة قال
أحمد : إنه الصواب انتهى
وفي البخاري عن سعيد بن جبير قال : ( سئل ابن عباس مثل من أنت حين قبض رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال : أنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك )
قوله : ( بين يدي بعض الصف ) زاد البخاري في الحج ( حتى سرت بين يدي بعض الصف )
قوله : ( فلم ينكر ذلك علي أحد ) قال ابن دقيق العيد : استدل ابن عباس بترك
الإنكار على الجواز ولم يستدل بترك إعادتهم [ ص 17 ] الصلاة لأن ترك الإنكار أكثر
فائدة
قال الحافظ : وتوجيهه أن ترك الإعادة يدل على صحتها فقط لا على جواز المرور وترك
الإنكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معا
( والحديث ) استدل به على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة وإنه ناسخ لحديث أبي ذر
المتقدم ونحوه لكون هذه القصة في حجة الوداع وقد تعقب بما قدمنا في شرح أحاديث أول
الباب وحكى الحافظ عن ابن عبد البر أنه قال : حديث ابن عباس هذا يخص حديث أبي سعيد
: ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه ) فإن ذلك مخصوص بالإمام
والمنفرد فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه لحديث ابن عباس هذا قال : وهذا كله
لا خلاف فيه بين العلماء وكذا نقل القاضي عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى
سترة لكن اختلفوا هل سترتهم سترة الإمام أو سترتهم الإمام بنفسه انتهى
إذا تقرر الإجماع على أن الإمام أو سترته سترة للمؤتمين وتقرر بالأحاديث المتقدمة
أن الحمار ونحوه إنما يقطع مع عدم اتخاذ السترة تبين بذلك عدم صلاحية حديث ابن
عباس للاحتجاج به على أن الحمار لا يقطع الصلاة لعدم تناوله لمحل النزاع وهو القطع
مع عدم السترة ولو سلم تناوله لكان المتعين الجمع بما تقدم
أبواب صلاة التطوع
باب سنن الصلاة الراتبة المؤكدة
1
- عن عبد الله بن عمر قال : ( حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين
قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل
الغداة كانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها فحدثتني حفصة أنه
كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين )
- متفق عليه
2
- وعن عبد الله بن شقيق قال : ( سألت عائشة عن صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فقالت : كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد العشاء
ركعتين وقبل الفجر ثنتين )
- رواه الترمذي وصححه . وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود بمعناه لكن ذكروا فيه قبل
الظهر أربعا [ ص 18 ]
-
قوله : ( حفظت ) في لفظ للبخاري : ( صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم )
قوله : ( ركعتين ) في رواية للبخاري : ( سجدتين ) مكان ركعتين في جميع أطراف
الحديث والمراد بهما الركعتان وقد ساقه البخاري في باب الركعتين قبل الظهر بنحو
اللفظ الذي ذكره المصنف هنا
قوله : ( ركعتين قبل الظهر ) في الحديث الآخر أربع قبل الظهر . قال الداودي : وقع
في حديث ابن عمر أن قبل صلاة الظهر ركعتين وفي حديث عائشة أربعا وهو محمول على أن
كل واحد منهما وصف ما رأى قال : ويحتمل أن ينسى ابن عمر ركعتين من الأربع
قال الحافظ : وهذا الاحتمال بعيد والأولى أن يحمل على حالين فكان تارة يصلي ثنتين
وتارة يصلي أربعا . وقيل هو محمول على أنه كان في المسجد يقتصر على ركعتين وفي
بيته يصلي أربعا ويحتمل أنه كان يصلي إذا كان في بيته ركعتين ثم يخرج إلى المسجد
فيصلي ركعتين فرأى ابن عمر ما في المسجد دون ما في بيته واطلعت عائشة على الأمرين
ويقوي الأول ما رواه أحمد وأبو داود من حديث عائشة أنه كان يصلي في بيته قبل الظهر
أربعا ثم يخرج
قال أبو جعفر الطبري : الأربع كانت في كثير من أحواله والركعتان في قليلها
قوله : ( وركعتين بعد المغرب ) زاد البخاري : ( في بيته ) وفي لفظ له : ( فأما
المغرب والعشاء ففي بيته ) وقد استدل بذلك على أن فعل النوافل الليلية في البيوت
أفضل من المسجد بخلاف رواتب النهار وحكي ذلك عن مالك والثوري
قال الحافظ : وفي الاستدلال به لذلك نظر والظاهر أن ذلك لم يقع عن عمد وإنما كان
صلى الله عليه وآله وسلم يتشاغل بالناس في النهار غالبا وبالليل يكون في بيته
غالبا
وروي عن ابن أبي ليلى أنها لا تجزئ صلاة سنة المغرب في المسجد واستدل بحديث محمود
بن لبيد مرفوعا : ( أن الركعتين بعد المغرب من صلاة البيوت ) وحكي ذلك لأحمد
فاستحسنه
قوله : ( وركعتين بعد العشاء ) زاد البخاري : ( في بيته ) وقد تقدم الكلام في ذلك
قوله : ( وركعتين قبل الغداة ) إلى آخره فيه أنه إنما أخذ عن حفصة وقت إيقاع
الركعتين لا أصل المشروعية كذا قال الحافظ
( والحديثان ) يدلان على مشروعية ما اشتملا عليه من النوافل وأنها مؤقتة واستحباب
المواظبة عليها وإلى ذلك ذهب الجمهور وقد روي عن مالك ما يخالف ذلك
وذهب الجمهور أيضا إلى أنه لا وجوب لشيء من رواتب الفرائض وروي عن الحسن البصري
القول بوجوب ركعتي الفجر [ ص 19 ]
3
- وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من صلى من
يوم وليلة ثنتي عشرة سجدة سوى المكتوبة بني له بيت في الجنة )
- رواه الجماعة إلا البخاري . ولفظ الترمذي : ( من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة
ركعة بني له بيت في الجنة أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب
وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الفجر ) وللنسائي حديث أم حبيبة كالترمذي لكن
قال : ( وركعتين قبل العصر ) ولم يذكر ركعتين بعد العشاء
-
الحديث قال الترمذي بعد أن ساقه بهذا التفسير : حسن صحيح وقد فسره أيضا ابن حبان
وقد ساقه بهذا التفسير الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة
وفي الباب عن أبي هريرة عند النسائي وابن ماجه بلفظ : قال : ( قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة
ركعتين قبل الفجر وركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين أظنه قال قبل العصر
وركعتين بعد المغرب أظنه قال وركعتين بعد العشاء الآخرة ) وفي إسناده محمد بن
سليمان الأصبهاني وهو ضعيف
وعن أبي موسى عند أحمد والبزار والطبراني في الأوسط بنحو حديث أم حبيبة بدون
التفسير
( وأحاديث الباب ) تدل على تأكيد صلاة هذه الاثنتي عشرة ركعة وهي من السنن التابعة
للفرائض
وقد اختلف في حديث أم حبيبة كما ذكر المصنف فالترمذي أثبت ركعتين بعد العشاء ولم
يثبت ركعتين قبل العصر والنسائي عكس ذلك وحديث عائشة فيه إثبات الركعتين بعد
العشاء دون الركعتين قبل العصر
وحديث أبي هريرة فيه إثبات ركعتين قبل العصر وركعتين بعد العشاء ولكنه لم يثبت قبل
الظهر إلا ركعتين والمتعين المصير إلى مشروعية جميع ما اشتملت عليه هذه الأحاديث
وهو وإن كان أربع عشرة ركعة
( والأحاديث ) مصرحة بأن الثواب يحصل باثنتي عشرة ركعة لكنه لا يعلم الإتيان
بالعدد الذي نص عليه صلى الله عليه وآله وسلم في الأوقات التي جاء التفسير بها إلا
بفعل أربع عشرة ركعة لما ذكرنا من الاختلاف
باب فضل الأربع قبل الظهر وبعدها وقبل العصر وبعد العشاء
1
- عن أم حبيبة قالت : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من [ ص 20 ]
صلى أربع ركعات قبل الظهر وأربعا بعدها حرمه الله على النار )
- رواه الخمسة وصححه الترمذي
-
الحديث من رواية مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة وقد قال أبو زرعة وهشام
بن عمار وأبو عبد الرحمن النسائي : إن مكحولا لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان كذا
قال المنذري . وقد أعله ابن القطان وأنكره أبو الوليد الطيالسي وأما الترمذي فصححه
كما قال المصنف لكن من طريق أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة
قال المنذري والقاسم : هذا اختلف فيه فمنهم من يضعف روايته ومنهم من يوثقه انتهى
وقد روي عن ابن حبان أنه صححه ورواه الترمذي أيضا عن محمد بن عبد الله الشعيثي عن
عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة وقال : حسن غريب
وهذه متابعة لمكحول والشعيثي المذكور وثقه دحيم والمفضل بن غسان العلائي والنسائي
وابن حبان
قوله : ( حرمه الله على النار ) في رواية : ( لم تمسه النار ) وفي رواية : ( حرم
على النار ) وفي أخرى : ( حرم الله لحمه على النار ) وقد اختلف في معنى ذلك هل
المراد أنه لا يدخل النار أصلا أو أنه وإن قدر عليه دخولها لا تأكله النار أو إنه
يحرم على النار أن تستوعب أجزاءه وإن مست بعضه كما في بعض طرق الحديث عند النسائي
بلفظ : ( فتمس وجهه النار أبدا ) وهو موافق لقوله في الحديث الصحيح ( وحرم على
النار أن تأكل مواضع السجود ) فيكون قد أطلق الكل وأريد البعض مجازا والحمل على
الحقيقة أولى وأن الله تعالى يحرم جميعه على النار وفضل الله تعالى أوسع ورحمته
أعم
( والحديث ) يدل على تأكد استحباب أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعده وكفى بهذا
الترغيب باعثا على ذلك
وظاهر قوله ( من صلى ) أن التحريم على النار يحصل بمرة واحدة ولكنه قد أخرجه
الترمذي وأبو داود وغيرهما بلفظ : ( من حافظ ) فلا يحرم على النار إلا المحافظ
2
- وعن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : رحم الله امرأ صلى قبل
العصر أربعا )
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي
-
الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حبان وابن خزيمة وفي إسناده محمد بن مهران وفيه
مقال ولكنه قد وثقه ابن حبان وابن عدي
( وفي الباب ) عن علي رضي الله عنه عند أهل السنن بلفظ : ( كان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم )
وزاد الترمذي والنسائي وابن ماجه : ( على الملائكة المقربين [ ص 21 ] ومن تبعهم من
المسلمين والمؤمنين ) وله حديث آخر بمعناه عند الطبراني في الأوسط
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبراني في الكبير والأوسط مرفوعا بلفظ : ( من
صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار )
وعن أبي هريرة عند أبي نعيم قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من
صلى أربع ركعات قبل العصر غفر الله له ) وهو من رواية الحسن عن أبي هريرة ولم يسمع
منه
وعن أم حبيبة عند أبي يعلى بلفظ : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من
حافظ على أربع ركعات قبل العصر بنى الله له بيتا في الجنة ) وفي إسناده محمد بن
سعيد المؤذن قال العراقي : لا أدري من هو
وعن أم سلمة عند الطبراني في الكبير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من
صلى أربع ركعات قبل العصر حرم الله بدنه على النار )
والأحاديث المذكورة تدل على استحباب أربع ركعات قبل العصر والدعاء منه صلى الله
عليه وآله وسلم بالرحمة لمن فعل ذلك والتصريح بتحريم بدنه على النار مما يتنافس
فيه المتنافسون
3
- وعن عائشة قالت : ( ما صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاء قط فدخل علي
إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات )
- رواه أحمد وأبو داود
-
الحديث رجال إسناده ثقات ومقاتل بن بشير العجلي قد وثقه ابن حبان وقد أخرجه أيضا
النسائي وقد أخرج البخاري وأبو داود والنسائي من حديث ابن عباس قال : ( بت في بيت
خالتي ميمونة ) الحديث . وفيه : ( فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاء ثم
جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات )
وروى محمد بن نصر في قيام الليل والطبراني في الكبير من حديث ابن عباس يرفعه إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة
قرأ في الركعتين الأولتين قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وفي الركعتين
الآخرتين تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك كتبن له كأربع ركعات من ليلة القدر
)
وفي إسناده أبو فروة يزيد بن سنان الرهاوي ضعفه الجمهور . وقال أبو حاتم : محله
الصدق . وقال البخاري : مقارب الحديث
وروى محمد بن نصر من حديث ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى
العشاء الآخرة ثم صلى أربع ركعات حتى لم يبق في المسجد غيري وغيره ) وفيه المنهال
بن عمر وقد اختلف فيه
وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر مرفوعا : ( من صلى العشاء الآخرة في جماعة
وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد كان كعدل ليلة القدر ) قال العراقي : ولم
يصح وأكثر الأحاديث [ ص 22 ] أن ذلك كان في البيت ولم يرد التقييد بالمسجد إلا في
حديث ابن عباس وحديث ابن عمر المذكورين
فأما حديث ابن عمر فقد تقدم ما قال العراقي فيه . وأما حديث ابن عباس ففي إسناده
من تقدم
قال العراقي : وعلى تقدير ثبوته فيكون قد وقع ذلك منه لبيان الجواز أو لضرورة له
في المسجد اقتضت ذلك
( والحديث ) يدل على مشروعية صلاة أربع ركعات أو ست ركعات بعد صلاة العشاء وذلك من
جملة صلاة الليل وسيأتي الكلام فيها
4
- وعن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من صلى قبل الظهر
أربعا كان كأنما تهجد من ليلته ومن صلاهن بعد العشاء كان كمثلهن من ليلة القدر )
- رواه سعيد بن منصور في سننه
-
الحديث أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط باللفظ الذي ذكره المصنف وهو من رواية ناهض
بن سالم الباهلي قال حدثنا عمار أبو هاشم عن الربيع بن لوط عن عمه البراء بن عازب
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعمار والربيع ثقتان . وأما ناهض فقال العراقي :
لم أر لهم فيه جرحا ولا تعديلا ولم أجد له ذكرا انتهى
وأخرج الطبراني عن البراء حديثا آخر وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
وهو سيء الحفظ
( وفي الباب ) عن أنس عند الطبراني أيضا بلفظ : ( قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : أربع قبل الظهر كعدلهن بعد العشاء وأربع بعد العشاء كعدلهن من ليلة
القدر ) وفي إسناده يحيى بن عقبة وليس بثقة قاله النسائي وغيره . وقال ابن معين :
ليس بشيء
( والحديث ) يدل على مشروعية أربع قبل الظهر وقد تقدم الكلام فيها وعلى مشروعية
أربع بعد العشاء وقد قدمنا ما في ذلك من الأحاديث
باب تأكيد ركعتي الفجر وتخفيف قراءتهما والضجعة والكلام بعدهما وقضائهما إذا فاتتا
1
- عن عائشة قالت : ( لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم على شيء من النوافل أشد
تعاهدا منه على ركعتي الفجر )
- متفق عليه
2
- وعنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما
فيها )
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه [ ص 23 ]
-
وفي الباب عن علي عليه السلام عند ابن ماجه وعن ابن عمر عند أحمد وأبي داود
والطبراني غير حديثه الآتي وعن ابن عباس عند ابن عدي في الكامل وعن بلال عند أبي
داود
قوله : ( الضجعة ) بكسر الضاد المعجمة الهيئة وبفتحها المرة ذكر معنى ذلك في الفتح
قوله : ( أشد تعاهدا ) في رواية ابن خزيمة أشد معاهدة ولمسلم : ( ما رأيته إلى شيء
من الخير أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر ) زاد ابن خزيمة من هذا الوجه ولا إلى
غنيمة
( والحديثان ) يدلان على أفضلية ركعتي الفجر وعلى استحباب التعاهد لهما وكراهة
التفريط فيهما . وقد استدل بهما على أن ركعتي الفجر أفضل من الوتر وهو أحد قولي
الشافعي ووجه الدلالة أنه جعل ركعتي الفجر خيرا من الدنيا وما فيها وجعل الوتر
خيرا من حمر النعم وحمر النعم جزء ما في الدنيا . وأصح القولين عن الشافعي أن
الوتر أفضل
وقد استدل لذلك بما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم أنه قال : ( أفضل الصلاة بعد الفريضة الصلاة في جوف الليل ) وبالاختلاف في
وجوبه كما سيأتي وقد وقع الاختلاف أيضا في وجوب ركعتي الفجر فذهب إلى وجوب الحسن
البصري حكى ذلك عنه ابن أبي شيبة في المصنف وحكى صاحب البيان والرافعي وجها لبعض
الشافعية أن الوتر وركعتي الفجر سواء في الفضيلة
3
- وعن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تدعوا ركعتي
الفجر ولو طردتكم الخيل )
- رواه أحمد وأبو داود
-
الحديث في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق المدني ويقال فيه عباد بن إسحاق أخرج له
مسلم واستشهد به البخاري ووثقه يحيى بن معين
وقال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به وهو حسن الحديث وليس بثبت ولا قوي . وقال يحيى
بن سعيد القطان : سألت عنه بالمدينة فلم يحمدوه وقال بعضهم : إنما لم يحمدوه في
مذهبه فإنه كان قدريا فنفوه من المدينة فأما رواياته فلا بأس . وقال البخاري :
مقارب الحديث . وقال العراقي : إن هذا الحديث صالح
( والحديث ) يقتضي وجوب ركعتي الفجر لأن النهي عن تركهما حقيقة في التحريم وما كان
تركه حراما كان فعله واجبا ولا سيما مع تعقيب ذلك بقوله ( ولو طردتكم الخيل ) فإن
النهي عن الترك في مثل هذه الحالة الشديدة التي يباح لأجلها كثير من الواجبات من
الأدلة الدالة على ما ذهب إليه الحسن من الوجوب فلا بد للجمهور من قرينة صارفة عن
المعنى الحقيقي للنهي بعد تسليم صلاحية الحديث للاحتجاج
وأما الاعتذار عنه بحديث ( هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع ) فسيأتي الجواب عنه [
ص 24 ]
4
- وعن ابن عمر قال : ( رمقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهرا فكان يقرأ في
الركعتين قبل الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد )
- رواه الخمسة إلا النسائي
-
الحديث أخرجه أيضا مسلم . وفي الباب عن ابن مسعود عند الترمذي . وعن أبي هريرة عند
مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه . وعن أنس عند البزار ورجال إسناده ثقات . وعن
عائشة عند ابن ماجه . وعن عبد الله بن جعفر عند الطبراني في الأوسط . وعن جابر عند
ابن حبان في صحيحه
قوله : ( رمقت ) في رواية للنسائي : ( رمقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشرين
مرة ) وفي رواية ابن أبي شيبة في المصنف : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أكثر من عشرين مرة ) وفي رواية ابن عدي في الكامل ( رمقت النبي صلى الله عليه وآله
وسلم خمسة وعشرين صباحا ) وجميع هذه الروايات مشعرة بأنه صلى الله عليه وآله وسلم
كان يجهر بقراءتهما
( والحديث ) يدل على استحباب قراءة سورتي الإخلاص في ركعتي الفجر . قال العراقي :
وممن روى عنه ذلك من الصحابة عبد الله بن مسعود ومن التابعين سعيد بن جبير ومحمد
بن سيرين وعبد الرحمن بن يزيد النخعي وسويد بن غفلة وغنيم بن قيس ومن الأئمة
الشافعي وقال مالك : أما أنا فلا أزيد على أم القرآن في كل ركعة . وروي عن الأصم
وابن علية أنه لا يقرأ فيهما أصلا وهو مخالف للأحاديث الصحيحة واحتج بحديث عائشة
الآتي وسيأتي أنه مجرد شك منها فلا يصح الاحتجاج به
( وفي الحديث ) أيضا استحباب تخفيف ركعتي الفجر وسيأتي ذكر الحكمة في ذلك
5
- وعن عائشة قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل
صلاة الصبح حتى أني لأقول هل قرأ فيهما بأم القرآن )
- متفق عليه
-
وفي الباب عن ابن عباس عند الجماعة بلفظ : ( فصلى ركعتين خفيفتين ) وله حديث آخر
عند مسلم وأبي داود والنسائي قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ
في ركعتي الفجر { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا } والتي في آل عمران { تعالوا
إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } ) وفي رواية لمسلم : ( وفي الآخرة { آمنا بالله
واشهد بأنا مسلمون } )
وعن حفصة عند الجماعة إلا أبا داود بلفظ : ( ركع ركعتين خفيفتين ) وعن الفضل بن
عباس عند أبي داود بلفظ : ( فصلى سجدتين خفيفتين ) وعن أسامة بن عمر عند الطبراني
بلفظ : ( فصلى ركعتين خفيفتين )
( الحديث ) وما ذكر في الباب معه يدل على مشروعية التخفيف وقد ذهب إلى ذلك الجمهور
وخالفت في ذلك الحنفية فذهبت إلى استحباب إطالة القراءة وهو مخالف لصرائح [ ص 25 ]
الأدلة واستدلوا بالأحاديث الواردة في الترغيب في تطويل الصلاة نحو قوله صلى الله
عليه وآله وسلم ( أفضل الصلاة طول القنوت ) ونحو ( إن طول صلاة الرجل مئنة من فقهه
) وهو من ترجيح العام على الخاص وبهذا الحديث تمسك مالك وقال بالاقتصار على قراءة
فاتحة الكتاب في هاتين الركعتين وليس فيه إلا أن عائشة شكت هل كان يقرأ بالفاتحة
أو لا لشدة تخفيفه لهما وهذا لا يصلح التمسك به لرد الأحاديث الصريحة الصحيحة
الواردة من طرق متعددة كما تقدم
وقد أخرج ابن ماجه عن عائشة نفسها أنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وآله
وسلم يصلي ركعتي الفجر فكان يقول نعم السورتان هما يقرأ بهما في ركعتي الفجر قل يا
أيها الكافرون وقل هو الله أحد ) ولا ملازمة بين مطلق التخفيف والاقتصار على
الفاتحة لأنه من الأمور النسبية
( وقد اختلف ) في الحكمة في التخفيف لهما فقيل ليبادر إلى صلاة الفجر في أول الوقت
وبه جزم القرطبي وقيل ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين كما يصنع في صلاة الليل
ليدخل في الفرض أو ما يشابهه بنشاط واستعداد تام ذكره الحافظ في الفتح والعراقي في
شرح الترمذي
6
- وعن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا صلى أحدكم
الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن )
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه
7
- وعن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى ركعتي الفجر
اضطجع على شقه الأيمن ) وفي رواية : ( كان إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة
حدثني وإلا اضطجع )
- متفق عليه
-
الحديث الأول رجاله رجال الصحيح وقد أخرجه أيضا ابن ماجه . والحديث الثاني أخرجه
الجماعة كلهم
( وفي الباب ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد والطبراني بلفظ : ( أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن ) وفي
إسناده حي بن عبد الله المعافري وهو مختلف فيه وفي إسناد أحمد أيضا ابن لهيعة وفيه
مقال مشهور
وعن ابن عباس عند البيهقي بنحو حديث عبد الله بن عمرو وفيه انقطاع واختلاف على ابن
عباس . وعن أبي بكرة عند أبي داود بلفظ : ( قال خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله
وسلم لصلاة الصبح فكان لا يمر برحل إلا ناداه بالصلاة أو حركه برجله ) أدخله أبو
داود والبيهقي في باب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر
( والأحاديث ) المذكورة تدل على مشروعية الاضطجاع بعد [ ص 26 ] صلاة ركعتي الفجر
إلى أن يؤذن بالصلاة كما في صحيح البخاري من حديث عائشة وقد اختلف في حكم هذا
الاضطجاع على ستة أقوال :
الأول : أنه مشروع على سبيل الاستحباب قال العراقي : فمن كان يفعل ذلك أو يفتي به
من الصحابة أبو موسى الأشعري ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبو هريرة
واختلف فيه على ابن عمر فروى عنه فعل ذلك كما ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه وروى عنه
إنكاره كما سيأتي
وممن قال به من التابعين ابن سيرين وعروة وبقية الفقهاء السبعة كما حكاه عبد
الرحمن بن زيد في كتاب السبعة وهم سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر
وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد
الله بن عتبة وسليمان بن يسار
قال ابن حزم : وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عثمان بن غياث هو ابن عثمان
أنه حدثه قال : كان الرجل يجيء وعمر بن الخطاب يصلي بالناس فيصلي ركعتين في مؤخر
المسجد ويضع جنبه في الأرض ويدخل معه في الصلاة . وممن قال باستحباب ذلك من الأئمة
الشافعي وأصحابه
القول الثاني : أن الاضطجاع بعدهما واجب مفترض لا بد من الإتيان به وهو قول أبي
محمد بن حزم واستدل بحديث أبي هريرة المذكور وحمله الأولون على الاستحباب لقول
عائشة ( فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع ) وظاهره أنه كان لا يضطجع مع استيقاظها
فكان ذلك قرينة لصرف الأمر إلى الندب وفيه أن تركه صلى الله عليه وآله وسلم لما
أمر به أمرا خاصا بالأمة لا يعارض ذلك الأمر الخاص ولا يصرفه عن حقيقته كما تقرر
في الأصول
القول الثالث : أن ذلك مكروه وبدعة وممن قال به من الصحابة ابن مسعود وابن عمر على
اختلاف عنه فروى ابن أبي شيبة في المصنف من رواية إبراهيم قال : قال ابن مسعود :
ما بال الرجل إذا صلى الركعتين يتمعك كما تتمعك الدابة أو الحمار إذا سلم فقد فصل
وروى ابن أبي شيبة أيضا من رواية مجاهد قال : صحبت ابن عمر في السفر والحضر فما
رأيته اضطجع بعد ركعتي الفجر . وروى سعيد بن المسيب عنه أنه رأى رجلا يضطجع بعد
الركعتين فقال : احصبوه . وروى أبو مجلز عنه أنه قال : إن ذلك من تلعب الشيطان
وفي رواية زيد العمى عن أبي الصديق الناجي عنه أنه قال : إنها بدعة ذكر ذلك جميعه
ابن أبي شيبة
وممن كره ذلك من التابعين الأسود بن يزيد وإبراهيم النخعي وقال : هي ضجعة الشيطان
وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير . ومن الأئمة مالك وحكاه القاضي عياض عن جمهور
العلماء
القول الرابع : أنه [ ص 27 ] خلاف الأولى روى ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كان لا
يعجبه الاضطجاع بعد ركعتي الفجر
القول الخامس : التفرقة بين من يقوم بالليل فيستحب له ذلك للاستراحة وبين غيره فلا
يشرع له واختاره ابن العربي وقال : لا يضطجع بعد ركعتي الفجر لانتظار الصلاة إلا
أن يكون قام الليل فيضطجع استجماما لصلاة الصبح فلا بأس . ويشهد لهذا ما رواه
الطبراني وعبد الرزاق عن عائشة أنها كانت تقول : ( إن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم لم يضطجع لسنة ولكنه كان يدأب ليله فيستريح )
وهذا لا تقوم به حجة أما أولا فلأن في إسناده راويا لم يسم كما قال الحافظ في
الفتح وأما ثانيا فلأن ذلك منها ظن وتخمين وليس بحجة وقد روت أنه كان يفعله والحجة
في فعله وقد ثبت أمره به فتأكدت بذلك مشروعيته
القول السادس : أن الاضطجاع ليس مقصودا لذاته وإنما المقصود الفصل بين ركعتي الفجر
وبين الفريضة روى ذلك البيهقي عن الشافعي
وفيه أن الفصل يحصل بالقعود والتحول والتحدث وليس بمختص بالاضطجاع . قال النووي :
والمختار الاضطجاع لظاهر حديث أبي هريرة
وقد أجاب من لم ير مشروعية الاضطجاع عن الأحاديث المذكورة بأجوبة منها : أن حديث
أبي هريرة من رواية عبد الواحد ابن زياد عن الأعمش وقد تكلم فيه بسبب ذلك يحيى بن
سعيد القطان أبو داود الطيالسي قال يحيى بن سعيد : ما رأيته يطلب حديثا بالبصرة
ولا بالكوفة قط وكنت أجلس على بابه يوم الجمعة بعد الصلاة أذاكره بحديث الأعمش لا
يعرف منه حرفا
وقال عمرو بن علي الفلاس : سمعت أبا داود يقول عمد عبد الواحد إلى أحاديث كان
يرسلها الأعمش فوصلها يقول حدثنا الأعمش حدثنا مجاهد في كذا وكذا انتهى
وهذا من روايته عن الأعمش وقد رواه الأعمش بصيغة العنعنة وهو مدلس وقال عثمان بن
سعيد الدارمي سألت يحيى بن معين عن عبد الواحد بن زياد فقال ليس بشيء
والجواب عن هذا الجواب أن عبد الواحد بن زياد قد احتج به الأئمة الستة ووثقه أحمد
بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وابن حبان وقد روي عن ابن معين ما يعارض
قوله السابق فيه من طريق من روى عنه التضعيف له وهو عثمان بن سعيد الدارمي المتقدم
فروى عنه أنه قال : إنه ثقة وروى معاوية بن صالح عن يحيى بن معين أنه صرح بأن عبد
الواحد من أثبت أصحاب الأعمش
قال العراقي : وما روى عنه من أنه ليس بثقة فلعله اشتبه على ناقله بعبد الواحد بن
زيد وكلاهما بصري ومع هذا فلم ينفرد به عبد [ ص 28 ] الواحد بن زياد ولا شيخه
الأعمش فقد رواه ابن ماجه من رواية شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه إلا أنه جعله
من فعله لا من قوله
( ومن جملة ) الأجوبة التي أجاب بها النافون لشرعية الاضطجاع أنه اختلف في حديث
أبي هريرة المذكور هل من أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو من فعله كما تقدم
وقد قال البيهقي : إن كونه من فعله أولى أن يكون محفوظا والجواب عن هذا الجواب أن
وروده من فعله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينافي كونه ورد من قوله فيكون عند أبي
هريرة حديثان حديث الأمر به وحديث ثبوته من فعله على أن الكل يفيد ثبوت أصل
الشرعية فيرد نفي النافين
( ومن الأجوبة ) التي ذكروها أن ابن عمر لما سمع أبا هريرة يروي حديث الأمر به قال
: أكثر أبو هريرة على نفسه والجواب عن ذلك أن ابن عمر سئل هل تنكر شيئا مما يقول
أبو هريرة فقال : لا وإن أبا هريرة قال : فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا . وقد ثبت أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا له بالحفظ
( ومن الأجوبة ) التي ذكروها أن أحاديث الباب ليس فيها الأمر بذلك إنما فيها فعل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاضطجاع من فعله المجرد إنما يدل على الإباحة عند
مالك وطائفة والجواب منع كون فعله لا يدل إلا على الإباحة والسندان قوله { ما
آتاكم الرسول فخذوه } وقوله { فاتبعوني } يتناول الأفعال كما يتناول الأقوال
وقد ذهب جمهور العلماء وأكابرهم إلى أن فعله يدل على الندب وهذا على فرض أنه لم
يكن في الباب إلا مجرد الفعل وقد عرفت ثبوت القول من وجه صحيح
( ومن الأجوبة ) التي ذكروها أن أحاديث عائشة في بعضها الاضطجاع قبل ركعتي الفجر
وفي بعضها بعد ركعتي الفجر . وفي حديث ابن عباس قبل ركعتي الفجر وقد أشار القاضي
عياض إلى أن رواية الاضطجاع بعدهما مرجوحة فتقدم رواية الاضطجاع قبلهما ولم يقل
أحد في الاضطجاع قبلهما أنه سنة فكذا بعدهما ويجاب عن ذلك بأنا لا نسلم أرجحية
رواية الاضطجاع بعد صلاة الليل وقبل ركعتي الفجر على رواية الاضطجاع بعدهما بل
رواية الاضطجاع بعدهما أرجح والحديث من رواية عروة عن عائشة ورواه عن عروة محمد بن
عبد الرحمن يتيم عروة والزهري ففي رواية محمد بن عبد الرحمن إثبات الاضطجاع بعد
ركعتي الفجر وهي في صحيح البخاري ولم تختلف الرواية عنه في ذلك واختلفت الرواة عن
الزهري فقال مالك في أكثر الروايات عنه أنه كان إذا فرغ من صلاة الليل اضطجع على
شقه الأيمن الحديث ولم يذكر الاضطجاع بعد ركعتي الفجر
وقال معمر ويونس وعمرو بن الحارث والأوزاعي وابن أبي ذئب وشعيب بن أبي [ ص 29 ]
حمزة عن عروة عن عائشة : ( كان إذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه
الأيمن ) وهذه الرواية اتفق عليها الشيخان فرواها البخاري من رواية معمر ومسلم من
رواية يونس بن يزيد وعمرو بن الحارث قال البيهقي عقب ذكرهما : والعدد أولى بالحفظ
من الواحد قال : وقد يحتمل أن يكونا محفوظين فنقل مالك أحدهما ونقل الباقون الآخر
قال : واختلف فيه أيضا على ابن عباس قال : وقد يحتمل مثل ما احتمل في رواية مالك
وقال النووي : إن حديث عائشة وحديث ابن عباس لا يخالفان حديث أبي هريرة فإنه لا
يلزم من الاضطجاع قبلهما أن لا يضطجع بعدهما ولعله صلى الله عليه وآله وسلم ترك
الاضطجاع بعدهما في بعض الأوقات بيانا للجواز ويحتمل أن يكون المراد بالاضطجاع
قبلهما هو نومه صلى الله عليه وآله وسلم بين صلاة الليل وصلاة الفجر كما ذكره
الحافظ وفي تحديثه صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة بعد ركعتي الفجر دليل على جواز الكلام
بعدهما وإليه ذهب الجمهور وقد روي عن ابن مسعود أنه كرهه روى ذلك الطبراني عنه
وممن كرهه من التابعين سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وحكي عن سعيد بن المسيب
وقال إبراهيم النخعي : كانوا يكرهون الكلام بعد الركعتين
وعن عثمان بن أبي سليمان قال : إذا طلع الفجر فليسكتوا وإن كانوا ركبانا وإن لم
يركعوهما فليسكتوا
إذا عرفت الكلام في الاضطجاع تبين لك مشروعيته وعلمت بما أسلفنا لك من أن تركه صلى
الله عليه و سلم لا يعارض الأمر للأمة الخاص بهم ولاح لك قوة القول بالوجوب
والتقييد في الحديث بأن الاضطجاع كان على الشق الأيمن يشعر بأن حصول المشروع لا
يكون إلا بذلك لا بالاضطجاع على الجانب الأيسر ولا شك في ذلك مع القدرة
وأما مع التعذر فهل يحصل المشروع بالاضطجاع على الأيسر أم لا بل يشير إلى الاضطجاع
على الشق الأيمن جزم بالثاني ابن حزم وهو الظاهر
( والحكمة ) في ذلك أن القلب معلق في الجانب الأيسر فإذا اضطجع على الجانب الأيسر
غلبه النوم وإذا اضطجع على الأيمن قلق لقلق القلب وطلبه لمستقره
7
- وعن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لم يصل ركعتي
الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس )
- رواه الترمذي . وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضاهما مع الفريضة لما
نام عن الفجر في السفر
-
الحديث قال الترمذي بعد إخراجه له : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه [ ص 30 ]
وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه والدارقطني والبيهقي
والحديث الذي أشار إليه المصنف قد تقدم في باب قضاء الفوائت من أبواب الأوقات
( والحديث ) استدل به على أن من لم يركع ركعتي الفجر قبل الفريضة فلا يفعل بعد
الصلاة حتى تطلع الشمس ويخرج الوقت المنهي عن الصلاة فيه وإلى ذلك ذهب الثوري وابن
المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق حكى ذلك الترمذي عنهم وحكاه الخطابي عن الأوزاعي
قال العراقي : والصحيح من مذهب الشافعي أنهما يفعلان بعد الصبح ويكونان أداء
( والحديث ) لا يدل صريحا على أن من تركهما قبل الصبح لا يفعلهما إلا بعد طلوع
الشمس وليس فيه إلا الأمر لمن لم يصلهما مطلقا أن يصليهما بعد طلوع الشمس ولا شك
أنهما إذا تركا في وقت الأداء فعلا في وقت القضاء وليس في الحديث ما يدل على المنع
من فعلهما بعد صلاة الصبح ويدل على ذلك رواية الدارقطني والحاكم والبيهقي فإنها
بلفظ : ( من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما ) ويدل على عدم الكراهة
أيضا حديث قيس بن عمرو أو ابن فهد أو ابن سهل على اختلاف الروايات عند الترمذي
وأبي داود وابن ماجه قال : ( خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأقيمت الصلاة
فصليت معه الصبح ثم انصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجدني أصلي فقال : مهلا
يا قيس أصلاتان معا قلت : يا رسول الله إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر قال : فلا إذن
) ولفظ أبي داود قال : ( رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يصلي بعد
صلاة الصبح ركعتين فقال : صلاة الصبح ركعتان فقال الرجل : إني لم أكن صليت
الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن فسكت )
قال الترمذي : إنما يروى هذا الحديث مرسلا وإسناده ليس بمتصل لأن فيه محمد بن
إبراهيم عن قيس بن عمرو ومحمد لم يسمع من قيس
وقول الترمذي إنه مرسل ومنقطع ليس بجيد فقد جاء متصلا من رواية يحيى بن سعيد عن
أبيه عن جده قيس رواه ابن خزيمة في صحيحه وابن حبان من طريقه وطريق غيره والبيهقي
في سننه عن يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس المذكور
وقد قيل إن سعيد بن قيس لم يسمع من أبيه فيصح ما قاله الترمذي من الانقطاع
وأجيب عن ذلك بأنه لم يعرف القائل بذلك وقد أخرجه أيضا الطبراني في الكبير من طريق
أخرى متصلة فقال : حدثنا إبراهيم بن متويه الأصبهاني حدثنا أحمد بن الوليد بن برد
الأنصاري حدثنا أيوب بن سويد عن ابن جريج عن عطاء أن قيس بن سهل حدثه : ( أنه دخل
المسجد والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي ولم يكن صلى الركعتين فصلى [ ص 31 ]
مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما قضى صلاته قام فركع )
وأخرجه ابن حزم في المحلى من رواية الحسن بن ذكوان عن عطاء بن أبي رباح عن رجل من
الأنصار قال : ( رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يصلي بعد الغداة فقال
: يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فصليتهما الآن فلم يقل له شيئا ) قال العراقي
: وإسناده حسن ويحتمل أن الرجل هو قيس المتقدم
ويؤيد الجواز حديث ثابت بن قيس بن شماس عند الطبراني في الكبير قال : ( أتيت
المسجد والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة فلما سلم النبي التفت إلي وأنا
أصلي فجعل ينظر إلي وأنا أصلي فلما فرغت قال : ألم تصل معنا قلت : نعم قال : فما
هذه الصلاة قلت : يا رسول الله ركعتا الفجر خرجت من منزلي ولم أكن صليتهما قال :
فلم يعب ذلك علي ) وفي إسناده الجراح بن منهال وهو منكر الحديث قاله البخاري ومسلم
ونسبه ابن حبان إلى الكذب
( وفي الحديث ) مشروعية قضاء النوافل الراتبة وظاهره سواء فاتت لعذر أو لغير عذر
وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال :
أحدها : استحباب قضائها مطلقا سواء كان الفوت لعذر أو لغير عذر لأنه صلى الله عليه
وآله وسلم أطلق الأمر بالقضاء ولم يقيده بالعذر وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة عبد
الله بن عمر ومن التابعين عطاء وطاوس والقاسم ابن محمد ومن الأئمة ابن جريج
والأوزاعي والشافعي في الجديد وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن والمزني
والقول الثاني : أنها لا تقضى وهو قول أبي حنيفة ومالك وأبي يوسف في أشهر
الروايتين عنه وهو قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد والمشهور عن مالك قضاء
ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس
والقول الثالث : التفرقة بين ما هو مستقل بنفسه كالعيد والضحى فيقضى وبين ما هو
تابع لغيره كرواتب الفرائض فلا يقضى وهو أحد الأقوال عن الشافعي
والقول الرابع : إن شاء قضاها وإن شاء لم يقضها على التخيير وهو مروي عن أصحاب
الرأي ومالك
والقول الخامس : التفرقة بين الترك لعذر نوم أو نسيان فيقضى أو لغير عذر فلا يقضى
وهو قول ابن حزم واستدل بعموم قوله ( من نام عن صلاته ) الحديث
وأجاب الجمهور أن قضاء التارك لها تعمد من باب الأولى وقد قدمنا الجواب عن هذه
الأولوية [ ص 32 ]
باب ما جاء في قضاء سنتي الظهر
1
- عن عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر
صلاهن بعدها )
- رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب
2
- وعن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا فاتته الأربع قبل
الظهر صلاهن بعد الركعتين بعد الظهر )
- رواه ابن ماجه
-
الحديث الأول رجال إسناده ثقات إلا عبد الوارث بن عبيد الله العتكي وقد ذكره ابن
حبان في الثقات وقد حسنه الترمذي كما قال المصنف وقال : إنه غريب إنما نعرفه من
حديث ابن المبارك من هذا الوجه قال : وقد رواه قيس بن الربيع عن شعبة عن خالد
الحذاء نحو هذا ولا نعلم أحدا رواه عن شعبة غير قيس بن الربيع
والحديث الثاني رواه ابن ماجه عن محمد بن يحيى وزيد بن أخزم ومحمد بن معمر ثلاثتهم
عن موسى بن داود الكوفي عن قيس بن الربيع عن شعبة عن خالد الحذاء عن عبد الله بن
شقيق عن عائشة وكلهم ثقات إلا قيس بن الربيع ففيه مقال وقد وثق وفي الباب عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى مرسلا عند ابن أبي شيبة قال : قال : ( كان النبي صلى الله عليه
وآله وسلم إذا فاتته أربع قبل الظهر صلاها بعدها )
( والحديثان ) يدلان على مشروعية المحافظة على السنن التي قبل الفرائض وعلى امتداد
وقتها إلى آخر وقت الفريضة وذلك لأنها لو كانت أوقاتها تخرج فعل الفرائض لكان
فعلها بعدها قضاء وكانت مقدمة على فعل سنة الظهر
وقد ثبت في حديث الباب أنها تفعل بعد ركعتي الظهر ذكر معنى ذلك العراقي قال : وهو
الصحيح عند الشافعية قال : وقد يعكس هذا فيقال لو كان وقت الأداء باقيا لقدمت على
ركعتي الظهر وذكر أن الأول أولى
3
- وعن أم سلمة قالت : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عنهما تعني
الركعتين بعد العصر ثم رأيته يصليهما أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل وعندي
نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما فأرسلت إليه الجارية فقلت : قومي بجنبه فقولي
له تقول لك أم سلمة يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما فإن
أشار بيده فاستأخري عنه ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه فلما انصرف [ ص 33
] قال : يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر فإنه أتاني ناس من بني عبد
القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان )
- متفق عليه . وفي رواية لأحمد : ( ما رأيته صلاهما قبلها ولا بعدها )
-
قوله : ( أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ) هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري : ( ثم رأيته
يصليهما حين صلى العصر
قوله : ( من بني حرام ) بفتح المهملتين
قوله : ( فصلاهما ) يعني بعد الدخول
قوله : ( فأشار بيده ) قيد جواز الإشارة باليد في الصلاة لمن كلم المصلي في حاجة
وقد تقدم البحث في ذلك
قوله : ( يا بنت أبي أمية ) هو والد أم سلمة واسمه حذيفة وقيل سهيل بن المغيرة
المخزومي
قوله : ( عن الركعتين ) يعني اللتين صليتهما الآن
قوله : ( فإنه أتاني ناس من بني عبد القيس ) زاد في المغازي بالإسلام ( من قومهم
فسألوني ) وفي رواية للطحاوي : ( فنسيتهما ثم ذكرتهما فكرهت أن أصليهما في المسجد
والناس يرون فصليتهما عندك ) وله من وجه آخر : ( فجاءني مال فشغلني ) وله من وجه
آخر : ( قدم علي وفد من بني تميم أو جاءتني صدقة )
قوله : ( فهما هاتان ) زاد الطحاوي : ( فقلت أمرت بهما فقال لا ولكن كنت أصليهما
بعد الظهر فشغلت عنهما فصليتهما الآن )
قوله : ( ما رأيته صلاهما قبلها ولا بعدها ) لفظ الطحاوي : ( لم أره صلاهما قبل
ولا بعد ) وعند الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال : ( إنما صلى النبي صلى الله عليه
وآله وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما
بعد العصر ثم لم يعد )
ولكن هذا لا ينفي الوقوع فقد ثبت في صحيح مسلم : ( أن عائشة قالت : كان يصليهما
قبل العصر فشغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة
أثبتها ) أي داوم عليها
وفي البخاري عنها أنها قالت : ( ما ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم السجدتين
بعد العصر عندي قط ) وفيه عنها ( ركعتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يدعهما سرا ولا علانية ركعتان قبل صلاة الصبح وركعتان بعد العصر ) وفيه أيضا عنها
( ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين )
وقد جمع بين رواية النفي وروايات الإثبات بحمل النفي على المسجد أي لم يفعلهما في
المسجد والإثبات على البيت
وقد تمسك بحديث الباب من قال بجواز قضاء الفوائت في الأوقات المكروهة ومن أجاز
التنفل بعد العصر مطلقا ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس وأجاب من أطلق الكراهة
بأن ذلك من خصائصه والدليل عليه ما أخرجه أبو داود عن عائشة أنها قالت : ( كان يصلي
بعد العصر وينهى عنهما ويواصل وينهى [ ص 34 ] عن الوصال ) وما أخرجه أحمد عن أم
سلمة أنها قالت : ( فقلت يا رسول الله أنقضيهما إذا فاتا فقال : لا ) قال البيهقي
: وهي رواية ضعيفة
وقد احتج بها الطحاوي على أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم قال البيهقي :
الذي اختص به صلى الله عليه وآله وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء اه
وعلى تسليم عدم اختصاصه بالقضاء بل بمجرد المداومة كما دل عليه حديث عائشة المذكور
فليس في حديث الباب إلا جواز قضاء الفائتة لا جواز التنفل مطلقا
وللعلماء في ذلك مذاهب يأتي ذكرها وبيان الراجح منها في باب الأوقات المنهي عن
الصلاة فيها
وللحديث فوائد ليس هذا محل بسطها وقد أشار في الفتح قبيل كتاب الجنائز إلى بعض
منها
باب ما جاء في قضاء سنة العصر
1
- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : ( أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يصليهما بعد العصر فقالت : كان يصليهما قبل العصر ثم إنه
شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة داوم عليها )
- رواه مسلم والنسائي
2
- وعن أم سلمة قالت : ( شغل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الركعتين قبل
العصر فصلاهما بعد العصر )
- رواه النسائي
3
- وعن ميمونة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يجهز بعثا ولم يكن
عنده ظهر فجاءه ظهر من الصدقة فجعل يقسمه بينهم فحبسوه حتى أرهق العصر وكان يصلي
قبل العصر ركعتين أو ما شاء الله فصلى العصر ثم رجع فصلى ما كان يصلي قبلها وكان
إذا صلى صلاة أو فعل شيئا يحب أن يداوم عليه )
- رواه أحمد
-
الحديث الأول له طرق وألفاظ هذا الذي ذكر المصنف أحدها
والحديث الثاني رجاله رجال الصحيح وقد أخرجه أيضا البخاري ومسلم وغيرهما لكن ليس
فيه قوله عن الركعتين قبل العصر بل فيه التصريح بأن الركعتين اللتين شغل عنهما
الركعتان اللتان بعد الظهر
والحديث الثالث في إسناده حنظلة السدوسي وهو ضعيف وقد أخرجه أيضا الطبراني وأشار
إليه الترمذي
( وأحاديث الباب ) تدل على مشروعية قضاء ركعتي العصر بعد فعل الفريضة فيكون
قضاؤهما في ذلك الوقت مخصصا لعموم أحاديث النهي وسيأتي [ ص 35 ] البحث مستوفى في
باب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
وأما المداومة على ذلك فمختصة به صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم واعلم أنها قد
اختلفت الأحاديث في النافلة المقضية بعد العصر هل هي الركعتان بعد الظهر
المتعلقتان به أو هي سنة العصر المفعولة قبله ففي حديث أم سلمة المتقدم في الباب
الأول وكذلك حديث ابن عباس المتقدم التصريح بأنهما ركعتا الظهر وفي أحاديث الباب
أنهما ركعتا العصر
ويمكن الجمع بين الروايات بأن يكون مراد من قال بعد الظهر ومن قال قبل العصر الوقت
الذي بين الظهر والعصر فيصح أن يكون مراد الجميع سنة الظهر المفعولة بعده أو سنة
العصر المفعولة قبله
وأما الجمع بتعدد الواقعة وأنه صلى الله عليه وآله وسلم شغل تارة عن أحدهما وتارة
عن الأخرى فبعيد لأن الأحاديث مصرحة بأنه داوم عليهما وذلك يستلزم أنه كان يصلي
بعد العصر أربع ركعات ولم ينقل ذلك أحد
باب أن الوتر سنة مؤكدة وأنه جائز على الراحلة
1
- عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من لم يوتر فليس
منا )
- رواه أحمد
2
- وعن علي رضي الله عنه قال : ( الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ولكنه سنة سنها
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
- رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه . ولفظه : ( إن الوتر ليس بحتم ولا
كصلاتكم المكتوبة ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوتر فقال : يا أهل
القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر )
3
- وعن ابن عمر : ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوتر على بعيره )
- رواه الجماعة
4
- وعن أبي أيوب قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الوتر حق فمن أحب
أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل
)
- رواه الخمسة إلا الترمذي . وفي لفظ لأبي داود : ( الوتر حق على كل مسلم ) ورواه
ابن المنذر وقال فيه : ( الوتر حق وليس بواجب )
-
أما حديث أبي هريرة فأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وفي إسناده الخليل بن مرة قال فيه
أبو زرعة : شيخ صالح وضعفه أبو حاتم والبخاري
وأما حديث علي فحسنه الترمذي وصححه الحاكم
وأما حديث ابن عمر فأخرجه الجماعة كما ذكر المصنف
وأما حديث [ ص 36 ] أبي أيوب فأخرجه أيضا ابن حبان والدارقطني والحاكم وله ألفاظ
وصحح أبو حاتم والذهلي والدارقطني في العلل والبيهقي وغير واحد وقفه . قال الحافظ
: وهو الصواب
( وفي الباب ) عن أبي هريرة غير حديثه المذكور في الباب عند البيهقي في الخلافيات
بلفظ : ( إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن ) وعن ابن عمرو عند ابن أبي
شيبة وأحمد بلفظ : ( وزادكم صلاة حافظوا عليها وهي الوتر ) وفي إسناده ضعيفان
وعن بريدة عند أبي داود بلفظ : ( الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم
يوتر فليس منا ) ورواه الحاكم في المستدرك ولم يكرر لفظه . وقال : هذا حديث صحيح
وعن أبي بصرة عند أحمد بلفظ : ( إن الله زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها فيما بين
العشاء إلى الفجر ) ورواه الطبراني بلفظ : ( فحافظوا عليها )
وعن سليمان بن صرد عند الطبراني في الأوسط بلفظ : ( وأوتروا فالله وتر يحب الوتر )
وعن ابن عباس عند البزار بلفظ : ( إن الله قد أمدكم بصلاة وهي الوتر )
وعن ابن عمر عند البيهقي بلفظ : ( إن الله زادكم صلاة وهي الوتر ) وفي إسناده مقال
وعن ابن مسعود عند البزار بلفظ : ( الوتر واجب على كل مسلم ) وفي إسناده جابر
الجعفي وقد ضعفه الجمهور ووثقه الثوري وله حديث آخر عند أبي داود وابن ماجه بلفظ
حديث أبي هريرة الذي ذكرناه
وعن عبد الله بن أبي أوفى عند البيهقي بلفظ حديث أبي بصرة المتقدم وفي إسناده أحمد
بن مصعب وهو ضعيف
وعن علي عند أهل السنن بنحو حديث أبي هريرة الذي ذكرناه
وعن عقبة بن عامر وعمرو بن العاص عند الطبراني في الكبير والأوسط بنحو حديث أبي
بصرة . وعن معاذ عند أحمد بنحو حديث أبي بصرة أيضا . وعن ابن مسعود حديث آخر عند
الطبراني في الصغير بلفظ : ( الوتر على أهل القرآن )
وعن ابن عباس حديث آخر عند أحمد والطبراني والدارقطني والبيهقي بلفظ : ( ثلاث علي
فرائض وهي لكم تطوع النحر والوتر وركعتا الفجر ) وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك
شاهدا على أن الوتر ليس بحتم وسكت عليه
وقال البيهقي في روايته ركعتا الضحى بدل ركعتي الفجر . وعن أنس عند الدارقطني بلفظ
: قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم
علي ) وفي إسناده عبد الله بن محرر ( 1 ) وهو ضعيف . وعن جابر عند المرزوي بلفظ :
( إني كرهت أو خشيت أن يكتب عليكم الوتر ) وعن [ ص 37 ] عائشة عند الطبراني في
الأوسط بلفظ : ( ثلاث هن علي فريضة وهن لكم سنة الوتر والسواك وقيام الليل )
واعلم أن هذه الأحاديث فيها ما يدل على الوجوب كقوله ( فليس منا ) وقوله ( الوتر
حق ) وقوله ( أوتروا وحافظوا ) وقوله ( الوتر واجب ) وفيها ما يدل على عدم الوجوب
وهو بقية أحاديث الباب فتكون صارفة لما يشعر بالوجوب . وأما حديث الوتر واجب فلو
كان صحيحا لكان مشكلا لما عرفناك في باب غسل يوم الجمعة من أن التصريح بالوجوب لا
يصح أن يقال إنه مصروف إلى غيره بخلاف بقية الألفاظ المشعرة بالوجوب
( وقد ذهب الجمهور ) إلى أن الوتر غير واجب بل سنة وخالفهم أبو حنيفة فقال إنه
واجب وروي عنه فرض وتمسك بما عرفت من الأدلة الدالة على الوجوب وأجاب عليه الجمهور
بما تقدم
قال ابن المنذر : ولا أعلم أحدا وافق أبا حنيفة في هذا وأورد المصنف في الباب حديث
ابن عمر ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم أوتر على بعيره ) للاستدلال به على عدم
الوجوب لأن الفريضة لا تصلى على الراحلة وكذلك إيراده حديث أبي أيوب للاستدلال بما
فيه من التخيير على عدم الوجوب وهو إنما يدل على عدم وجوب أحدها على التعيين لا
على عدم الوجوب مطلقا ويمكن أنه أورده للاستدلال به على الوجوب لقوله فيه حق
ومن الأدلة الدالة على عدم وجوب الوتر ما اتفق عليه الشيخان من حديث طلحة بن عبيد
الله قال : ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل نجد ) الحديث
. وفيه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة
قال : هل علي غيرها قال : لا إلا أن تطوع )
وروى الشيخان أيضا من حديث ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث
معاذا إلى اليمن ) الحديث . وفيه : ( فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في
اليوم والليلة ) وهذا من أحسن ما يستدل به لأن بعث معاذ كان قبل وفاته صلى الله
عليه وآله وسلم بيسير
( وأجاب الجمهور ) أيضا عن أحاديث الباب المشعرة بالوجوب بأن أكثرها ضعيف وهو حديث
أبي هريرة وعبد الله ابن عمر وبريدة وسليمان ابن صرد وابن عباس وابن عمر وابن
مسعود وابن أبي أوفى وعقبة بن عامر ومعاذ بن جبل كذا قال العراقي . وبقيتها لا
يثبت بها المطلوب لا سيما مع قيام ما أسلفناه من الأدلة الدالة على عدم الوجوب [ ص
38 ]
_________
( 1 ) هو بمهملات الجزري القاضي . قال الحافظ في التقريب : متروك من السابعة مات
في خلافة أبي جعفر
باب الوتر بركعة وبثلاث وخمس وسبع وتسع بسلام واحد وما يتقدمها من الشفع
1
- عن ابن عمر قال : ( قام رجل فقال : يا رسول الله كيف صلاة الليل فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم : صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة )
- رواه الجماعة . وزاد أحمد في رواية : ( صلاة الليل مثنى مثنى تسلم في ركعتين )
وذكر الحديث . ولمسلم : ( قيل لابن عمر ما مثنى مثنى قال يسلم في كل ركعتين )
-
الحديث زاد فيه الخمسة : ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ) وقد اختلف في زيادة
قوله والنهار فضعفها جماعة لأنها من طريق علي البارقي الأزدي عن ابن عمر وهو ضعيف
عند ابن معين وقد خالفه جماعة من أصحاب ابن عمر ولم يذكروا فيه النهار
وقال الدارقطني في العلل : إنها وهم وقد صححها ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في
المستدرك وقال : رواتها ثقات وقال الخطابي : إن سبيل الزيادة من الثقة أن تقبل
وقال البيهقي : هذا حديث صحيح وعلي البارقي احتج به مسلم والزيادة من الثقة مقبولة
وقد صححه البخاري لما سئل عنه ثم روى ذلك بسنده إليه قال : وقد روي عن محمد بن
سيرين عن ابن عمر مرفوعا بإسناد كلهم ثقات اه كلام البيهقي . وله طرق وشواهد وقد
ذكر بعض ذلك الحافظ في التلخيص
قوله : ( قام رجل ) وقع في معجم الطبراني الصغير أن السائل هو ابن عمر ولكنه يشكل
عليه ما وقع في بعض الروايات عن ابن عمر بلفظ : ( أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وأنا بينه وبين السائل ) فذكر الحديث
وفيه ( ثم سأله رجل على رأس الحول وأنا بذلك المكان منه قال : فما أدري أهو ذلك
الرجل أم غيره ) وعند النسائي أن السائل المذكور من أهل البادية
قوله : ( كيف صلاة الليل ) الجواب عن هذا السؤال يشعر بأنه وقع عن كيفية الوصل
والفصل لا عن مطلق الكيفية
قوله : ( مثنى مثنى ) أي اثنتين اثنتين وهو غير منصرف للعدل والوصف وتكرار لفظ
مثنى للمبالغة وقد فسر ذلك ابن عمر في رواية أحمد ومسلم عنه كما ذكره المصنف
وقد أخذ مالك بظاهر الحديث فقال : لا تجوز الزيادة على الركعتين
قال ابن دقيق العيد : وهو ظاهر السياق لحصر المبتدأ في الخبر وحمله الجمهور على
أنه لبيان الأفضل لما صح من فعله صلى الله عليه وآله وسلم مما يخالف ذلك كما سيأتي
ويحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف [ ص 39 ] إذ السلام من الركعتين أخف على المصلي
من الأربع فما فوقها لما فيه من الراحة غالبا
وقد اختلف السلف في الأفضل من الفصل والوصل فقال أحمد : الذي أختاره في صلاة الليل
مثنى مثنى وإن صلى بالنهار أربعا فلا بأس
وقال محمد بن نصر نحوه في صلاة الليل قال : وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرها إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على
الوصل
قوله : ( فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة ) استدل به على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر
. وأصرح منه ما رواه أبو داود والنسائي وصححه أبو عوانة وغيره عن ابن عمر أنه قال
: ( من صلى الليل فليجعل آخر صلاته وترا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
كان يأمر بذلك فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر ) وفي صحيح ابن خزيمة
عن أبي سعيد مرفوعا : ( من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له ) وسيأتي الكلام على
هذا في باب وقت صلاة الوتر
( والحديث ) يدل على مشروعية الإيتار بركعة واحدة عند مخافة هجوم الصبح وسيأتي ما
يدل على مشروعية ذلك من غير تقييد وقد ذهب إلى ذلك الجمهور
قال العراقي : وممن كان يوتر بركعة من الصحابة الخلفاء الأربعة وسعد بن أبي وقاص
ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري وأبو الدرداء وحذيفة وابن مسعود وابن
عمر وابن عباس ومعاوية وتميم الداري وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة وفضالة بن عبيد
وعبد الله بن الزبير ومعاذ بن الحارث القاري وهو مختلف في صحبته وقد روي عن عمر
وعلي وأبي وابن مسعود الإيتار بثلاث متصلة
قال : وممن أوتر بركعة سالم بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة
والحسن البصري ومحمد بن سيرين وعطاء ابن أبي رباح وعقبة بن عبد الغافر وسعيد بن
جبير ونافع بن جبير بن مطعم وجابر بن زيد والزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن وغيرهم
ومن الأئمة مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وابن حزم . وذهبت
الهادوية وبعض الحنفية إلى أنه لا يجوز الإيتار بركعة وإلى أن المشروع الإيتار
بثلاث . واستدلوا بما روي من حديث محمد بن كعب القرظي : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم نهى عن البتيراء ) قال العراقي : وهذا مرسل ضعيف
وقال ابن حزم : لم يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهي عن البتيراء قال :
ولا في الحديث على سقوطه بيان ما هي البتيراء
قال : وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الأعمش عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس الثلاث بتيراء يعني الوتر قال : فعاد البتيراء على المحتج بالخبر
الكاذب فيها اه
واحتجوا أيضا بما حكي عن ابن مسعود أنه قال : ما أجزأت [ ص 40 ] ركعة قط . قال
النووي في شرح المهذب : إنه ليس بثابت عنه قال : ولو ثبت لحمل على الفرائض فقد قيل
إنه ذكره ردا على ابن عباس في قوله إن الواجب من الصلاة الرباعية في حال الخوف
ركعة واحدة فقال ابن مسعود : ما أجزأت ركعة قط أي عن المكتوبات اه وقد روى ابن أبي
شيبة في المصنف ومحمد بن نصر في قيام الليل من رواية محمد بن سيرين قال : سمر
حذيفة وابن مسعود عند الوليد بن عقبة وهو أمير مكة فلما خرجا أوتر كل واحد منهما
بركعة ومحمد بن سيرين لم يدرك ابن مسعود ولكن القائل بعدم صحة الإيتار بركعة من
الهادوية والحنفية يرى الاحتجاج بالمرسل واحتج بعض الحنفية على الاقتصار على ثلاث
وعدم إجزاء غيرها بأن الصحابة أجمعوا على أن الوتر بثلاث موصولة حسن جائز واختلفوا
فيما عداه قال : فأخذنا بما أجمعوا عليه وتركنا ما اختلفوا فيه وتعقب بمنع الإجماع
وبما سيأتي من النهي عن الإيتار بثلاث
2
- وعن ابن عمر أنه : ( كان يسلم بين الركعتين والركعة في الوتر حتى أنه كان يأمر
ببعض حاجته )
- رواه البخاري
3
- وعن ابن عمر وابن عباس أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( الوتر
ركعة من آخر الليل )
- رواه أحمد ومسلم
-
الأثر والحديث يدلان على مشروعية الإيتار بركعة وتعريف المسند من قوله الوتر ركعة
مشعر بالحصر لولا ورود منطوقات قاضية بجواز الإيتار بغير ركعة وسيأتي
قال الحافظ : وظاهر الأثر المروي عن ابن عمر أنه كان يصلي الوتر موصولا فإن عرضت
له حاجة فصل . وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله
المزني قال : ( صلى ابن عمر ركعتين ثم قال يا غلام ارحل لنائم قام وأوتر بركعة ) .
وروى الطحاوي عن ابن عمر : ( أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمه وأخبر أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعله ) وإسناده قوي وقد تقدم الكلام على الإيتار
بركعة
4
- وعن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين أن يفرغ من
صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة فإذا سكب
المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاء المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ثم
اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة )
- رواه الجماعة إلا الترمذي
-
الحديث قد تقدم الكلام على أطراف منه في ركعتي الفجر وفي الاضطجاع وفي الإيتار
بركعة وقد تقدم الكلام في دلالة كان على الدوام وقد ورد عن عائشة في [ ص 41 ]
الإخبار عن صلاته صلى الله عليه وآله وسلم بالليل روايات مختلفة . منها هذه ومنها
الرواية الآتية في هذا الباب أنه : ( كان يصلي ثلاث عشرة ركعة ويوتر بخمس )
ومنها عند الشيخين أنه : ( ما كان يزيد صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان ولا في
غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا
تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا ) . ومنها أيضا ما سيأتي في هذا الباب أنه : (
كان يصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة ثم ينهض ولا يسلم فيصلي التاسعة
ثم يسلم ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة فلما أسن أوتر
بسبع )
ولأجل هذا الاختلاف نسب بعضهم إلى حديثها الاضطراب وأجيب عن ذلك بأنه لا يتم
الاضطراب إلا على تسليم أن إخبارها عن وقت واحد وليس كذلك بل هو محمول على أوقات
متعددة وأحوال مختلفة بحسب النشاط ويجمع بين قولها أنه ما كان يزيد على إحدى عشرة
ركعة وبين إثباتها الثلاث عشرة ركعة بأنها أضافت إلى الإحدى عشرة ما كان يفتتح به
صلاته من الركعتين الخفيفتين كما ثبت في صحيح مسلم
ويدل على ذلك أنها قالت عند تفصيل الإحدى عشرة كان يصلي أربعا ثم أربعا وتركت
التعرض للافتتاح بالركعتين وكذلك قالت في الرواية الأخرى أنه كان يصلي تسع ركعات
ثم يصلي ركعتين والجمع بين الروايات ما أمكن هو الواجب
قوله : ( وسكب المؤذن ) هو بفتح السين المهملة والكاف وبعدها باء موحدة أي أسرع
مأخوذ من سكب الماء
قوله : ( قام فركع ركعتين ) وقد تقدم الكلام فيهما
5
- وعن أبي بن كعب : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ في الوتر بسبح
اسم ربك الأعلى وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله
أحد ولا يسلم إلا في آخرهن )
- رواه النسائي
-
الحديث رجال إسناده ثقات إلا عبد العزيز بن خالد وهو مقبول وقد أخرجه أيضا أحمد
وأبو داود وابن ماجه بدون قوله ولا يسلم إلا في آخرهن
وفي الباب عن ابن عباس عند الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة بلفظ : ( كان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها
الكافرون وقل هو الله أحد في ركعة ركعة ) ولم يذكر فيه ولا يسلم إلا في آخرهن أيضا
وعن عبد الرحمن ابن أبزي عند النسائي بنحو حديث ابن عباس وقد اختلف في صحبته وفي
إسناد حديثه [ ص 42 ] هذا وسيأتي . وعن أنس عند محمد بن نصر المروزي بنحو حديث ابن
عباس . وعن عبد الله بن أبي أوفى عند البزار بنحوه . وعن عبد الله بن عمرو عند
الطبراني والبزار أيضا بنحوه في إسناده سعيد بن سنان وهو ضعيف جدا . وعن عبد الله
بن مسعود عند البزار وأبي يعلى والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه أيضا وفي إسناده
عبد الملك بن الوليد بن معدان وثقه يحيى بن معين وضعفه البخاري وغير واحد . وعن
عبد الرحمن بن سبرة عند الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه أيضا وفي إسناده إسماعيل
بن رزين ذكره الأزدي في الضعفاء وابن حبان في الثقات . وعن عمران بن حصين عند
النسائي والطبراني بنحوه أيضا . وعن النعمان بن بشير عند الطبراني في الأوسط بنحوه
وفي إسناده السري بن إسماعيل وهو ضعيف . وعن أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط
بزيادة والمعوذتين في الثالثة وفي إسناده المقدام بن داود وهو ضعيف . وعن عائشة
عند أبي داود والترمذي بزيادة كل سورة في ركعة وفي الأخيرة قل هو الله أحد والمعوذتين
وفي إسناده خصيف الجزري وفيه لين ورواه الدارقطني وابن حبان والحاكم من حديث يحيى
بن سعيد عن عمرة عن عائشة وتفرد به يحيى بن أيوب عنه وفيه مقال ولكنه صدوق وقال
العقيلي : إسناده صالح قال ابن الجوزي : وقد أنكر أحمد ويحيى زيادة المعوذتين وروى
ابن السكن في صحيحه لذلك شاهدا من حديث عبد الله بن سرجس بإسناد غريب وروى
المعوذتين محمد بن نصر من حديث ابن ضميرة عن أبيه عن جده وهو حسين بن عبد الله بن
ضميرة بن أبي ضميرة وهو ضعيف عند أحمد وابن معين وأبي زرعة وأبي حاتم وغيرهم .
وكذبه مالك وأبوه لا يعرف وجده ضميرة يقال إنه مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
( والأحاديث ) تدل على مشروعية قراءة هذه السورة في الوتر وحديث الباب يدل أيضا
على مشروعية الإيتار بثلاث ركعات متصلة وسيأتي الكلام على ذلك
6
- وعن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوتر بثلاث لا يفصل
بينهن )
- رواه أحمد والنسائي ولفظه : ( كان لا يسلم في ركعتي الوتر ) وقد ضعف أحمد إسناده
وإن ثبت فيكون قد فعله أحيانا كما أوتر بالخمس والسبع والتسع كما سنذكره
7
- وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا توتروا بثلاث أوتروا
بخمس أو سبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب )
- رواه الدارقطني بإسناده وقال : كلهم ثقات
-
أما حديث عائشة فأخرجه أيضا البيهقي والحاكم بلفظ أحمد وأخرجه أيضا [ ص 43 ]
البيهقي والحاكم بلفظ النسائي وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وأخرج الحاكم أيضا
من حديث عائشة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يوتر بثلاث ) وليس
فيه لا يفصل بينهن وصححه وقال على شرط الشيخين وأخرجه أيضا الترمذي وأخرج الشيخان
وغيرهما عنها أنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي أربعا فلا
تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا )
وفي الباب عن علي عند الترمذي بلفظ : ( كان يوتر بثلاث ) . وعن عمران بن حصين عند
محمد بن نصر بلفظ حديث علي . وعن ابن عباس عند مسلم وأبي داود والنسائي بلفظ : (
أوتر بثلاث ) . وعن أبي أيوب عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ : ( ومن أحب أن
يوتر بثلاث فليفعل ) وعن أبي بن كعب عند أبي داود والنسائي وابن ماجه أيضا بنحو
حديث علي . وعن عبد الرحمن بن أبزي عند النسائي بنحوه أيضا . وعن ابن عمر عند ابن
ماجه بنحوه أيضا . وعن ابن مسعود عند الدارقطني بنحوه أيضا وفي إسناده يحيى بن
زكريا بن أبي الحواجب وهو ضعيف . وعن أنس عند محمد بن نصر بنحوه أيضا . وعن ابن
أبي أوفى عند البزار بنحوه أيضا . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أيضا ابن حبان في
صحيحه والحاكم وصححه . قال الحافظ . ورجاله كلهم ثقات ولا يضره وقف من وقفه .
وأخرجه أيضا محمد بن نصر من رواية عراك بن مالك عن أبي هريرة قال : ( قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب ولكن أوتروا بخمس
أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو أكثر من ذلك ) قال العراقي : وإسناده صحيح
وأخرج أيضا من رواية عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج عن أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا توتروا بثلاث أوتروا بخمس
أو بسبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب ) قال العراقي أيضا : وإسناده صحيح ثم روى محمد
بن نصر قول مقسم إن الوتر لا يصلح إلا بخمس أو سبع وإن الحكم بن عتيبة سأله عمن
فقال عن الثقة عن الثقة عن عائشة وميمونة وقد روى نحوه النسائي عن ميمونة مرفوعا
وروى محمد بن نصر أيضا بإسناد قال العراقي : صحيح عن ابن عباس قال : ( الوتر سبع
أو خمس ولا نحب ثلاثا بتراء )
وروي أيضا عن عائشة بإسناد قال العراقي أيضا : صحيح أنها قالت : ( الوتر سبع أو
خمس وإني لأكره أن يكون ثلاثا بتراء ) . وروي أيضا بإسناد صححه العراقي أيضا عن
سليمان بن يسار : ( أنه سئل عن الوتر بثلاث فكره الثلاث وقال : لا تشبه التطوع
بالفريضة أوتر بركعة أو بخمس أو [ ص 44 ] بسبع ) قال محمد بن نصر : لم نجد عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبرا ثابتا صريحا أنه أوتر بثلاث موصولة قال : نعم
ثبت عنه أنه أوتر بثلاث لكن لم يبين الراوي هل هي موصولة أم مفصولة اه وتعقبه
العراقي والحافظ بحديث عائشة الذي ذكره المصنف وبحديث كعب بن عجرة المتقدم قالا :
ويجاب عن ذلك باحتمال أنهما لم يثبتا عنده . وقد قال البيهقي في حديث عائشة
المذكور أنه خطأ وجمع الحافظ بين الأحاديث بحمل أحاديث النهي على الإيتار بتشهدين
لمشابهة ذلك لصلاة المغرب وأحاديث الإيتار بثلاث على أنها متصلة بتشهد في آخرها
وروى فعل ذلك عن جماعة من السلف ويمكن الجمع بحمل النهي عن الإيتار بثلاث على
الكراهة والأحوط ترك الإيتار بثلاث مطلقا لأن الإحرام بها متصلة بتشهد واحد في
آخرها ربما حصلت به المشابهة لصلاة المغرب وإن كانت المشابهة الكاملة تتوقف على
فعل التشهدين وقد جعل الله في الأمر سعة وعلمنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم
الوتر على هيئات متعددة فلا ملجئ إلى الوقوع في مضيق التعارض
8
- وعن أم سلمة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوتر بسبع وبخمس لا
يفصل بينهن بسلام ولا كلام )
- رواه أحمد والنسائي وابن ماجه
9
- وعن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي من الليل ثلاث
عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس ولا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن )
- متفق عليه
-
الحديث الأول رواه النسائي وابن ماجه من رواية الحكم عن مقسم عن أم سلمة وقد روى
في الإيتار بسبع وبخمس أحاديث . منها عن عائشة عند محمد بن نصر بلفظ : ( أوتر بخمس
وأوتر بسبع ) وعن ابن عباس عند أبي داود بلفظ : ( ثم صلى سبعا أو خمسا أوتر بهن لم
يسلم إلا في آخرهن ) وعن أبي أيوب عند النسائي بلفظ : ( الوتر حق فمن شاء أوتر
بسبع ومن شاء أوتر بخمس ) وعن ميمونة عند النسائي بلفظ : ( لا يصلح يعني الوتر إلا
بتسع أو خمس ) وعن أبي هريرة عند الدارقطني وقد تقدم وفي الإيتار بخمس أو بسبع
أحاديث كثيرة قد تقدم بعضها وسيأتي بعضها قال الترمذي : وقد روي عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم الوتر بثلاث عشرة وإحدى عشرة وتسع وسبع وخمس وثلاث وواحدة اه
وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس بلفظ : ( ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن ) وأخرجه
البخاري عنه بلفظ : ( ثم صلى خمس ركعات ) وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي عن أم سلمة
أنه صلى الله عليه وآله وسلم ( أوتر بسبع ) وسيأتي عن عائشة نحوه
وعن أبي أمامة عند أحمد والطبراني [ ص 45 ] نحوه بإسناد صحيح . وعن ابن عباس عند
محمد بن نصر نحوه
( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على مشروعية الإيتار بخمس ركعات أو بسبع وهي
ترد على من قال بتعين الثلاث وقد تقدم ذكرهم
10
- وعن سعيد بن هشام أنه قال لعائشة : ( أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فقالت : كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله متى شاء أن يبعثه من الليل
فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده
ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه
ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة
يا بني فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في
الركعتين مثل صنيعه الأول فتلك تسع يا بني وكان نبي الله إذا صلى صلاة أحب أن
يداوم عليها وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة
ولا أعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى
أصبح ولا صام شهرا كاملا غير رمضان )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي . وفي رواية لأحمد والنسائي وأبي داود نحوه
وفيها : ( فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة
ولم يسلم إلا في السابعة ) وفي رواية للنسائي قالت : ( فلما أسن وأخذه اللحم صلى
سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن )
-
الإيتار بتسع مروي من طريق جماعة من الصحابة غير عائشة والإيتار بسبع قد تقدم ذكر
طرقه
قوله : ( فيتسوك ويتوضأ ) فيه استحباب السواك عند القيام من النوم
قوله : ( ويصلي تسع ركعات ) الخ فيه مشروعية الإيتار بتسع ركعات متصلة لا يسلم إلا
في آخرها ويقعد في الثامنة ولا يسلم
قوله : ( ثم يسلم تسليما يسمعنا ) فيه استحباب الجهر بالتسليم
قوله : ( ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد ) أخذ بظاهر الحديث الأوزاعي وأحمد
فيما حكاه القاضي عنهما وأباحا ركعتين بعد الوتر جالسا قال أحمد : لا أفعله ولا
أمنع من فعله قال : وأنكره مالك
قال النووي : الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه و سلم بعد الوتر
جالسا لبيان الجواز ولم يواظب على ذلك بل فعله مرة أو مرات قليلة قال : ولا يغتر
بقولها كان يصلي فإن المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظة
كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار وإنما هي فعل ماض تدل على وقوعه مرة فإن دل [
ص 46 ] دليل عمل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها وقد قالت عائشة : ( كنت أطيب رسول الله
صلى الله عليه و سلم لحله قبل أن يطوف ) ومعلوم أنه صلى الله عليه و سلم لم يحج
بعد أن صحبته عائشة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع قال : ولا يقال لعلها طيبته في
إحرامه بعمرة لأن المعتمر لا يحل له الطيب قبل الطواف بالإجماع فثبت أنها استعملت
كان في مرة واحدة قال : وإنما تأولنا حديث الركعتين لأن الروايات المشهورة في
الصحيحين مصرحة بأن آخر صلاته صلى الله عليه و سلم في الليل كانت وترا وفي
الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا فكيف يظن به صلى
الله عليه و سلم مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر
ويجعلهما آخر صلاة الليل قال : وإما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث
المشهورة ورد رواية الركعتين فليس بصواب لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها
تعين وقد جمعنا بينها ولله الحمد اه . ( وأقول ) أما الأحاديث التي فيها الأمر
للأمة بأن يجعلوا آخر صلاة الليل وترا فلا معارضة بينها وبين فعله صلى الله عليه و
سلم للركعتين بعد الوتر لما تقرر في الأصول أن فعله صلى الله عليه و سلم لا يعارض
القول الخاص بالأمة فلا معنى للاستنكار وأما أحاديث أنه كان آخر صلاته صلى الله
عليه و سلم من الليل وترا فليس فيها ما يدل على الدوام لما قرره من عدم دلالة لفظ
كان عليه فطريق الجمع باعتباره صلى الله عليه وآله وسلم أن يقال إنه كان يصلي
الركعتين بعد الوتر تارة ويدعهما تارة وأما باعتبار الأمة فغير محتاج إلى الجمع
لما عرفت من أن الأوامر بجعل آخر صلاة الليل وترا مختصة بهم وأن فعله صلى الله
عليه و سلم لا يعارض ذلك
قال ابن القيم في الهدى : وقد أشكل هذا يعني حديث الركعتين بعد الوتر على كثير من
الناس فظنوه معارضا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل
وترا ) ثم حكى عن مالك وأحمد ما تقدم وحكى عن طائفة ما قدمنا عن النووي ثم قال :
والصواب أن يقال إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر فإن الوتر
عبادة مستقلة ولا سيما إن قيل بوجوبه فتجري الركعتين بعده مجرى سنة المغرب من
المغرب فإنها وتر النهار والركعتان بعدها تكميل لها فكذلك الركعتان بعد وتر الليل
والله أعلم اه
والظاهر ما قدمنا من اختصاص ذلك به صلى الله عليه وآله وسلم وقد ورد فعله صلى الله
عليه وآله وسلم لهاتين الركعتين بعد الوتر من طريق أم سلمة عند أحمد في المسند ومن
طريق غيرها قال الترمذي : روي نحو هذا عن أبي أمامة وعائشة وغير واحد عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم . وفي المسند أيضا [ ص 47 ] والبيهقي عن أبي أمامة أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم : ( كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس يقرأ فيهما بإذا
زلزلت الأرض زلزالها وقل يا أيها الكافرون ) وروى الدارقطني نحوه من حديث أنس
وسيأتي ذكر القائلين باستحباب التنفل لمن استيقظ من النوم وقد كان أوتر قبله وحديث
أبي بكر وعمر الدال على جواز ذلك في باب لا وتران في ليلة
قوله : ( صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ) فيه مشروعية قضاء الوتر وسيأتي
قوله : ( ولا صام شهرا كاملا ) سيأتي في باب ما جاء في صوم شعبان من كتاب الصيام
عن عائشة ما يدل على أنه كان يصوم شعبان كله ويأتي الكلام هناك إن شاء الله تعالى
قوله : ( لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ) وفي الرواية الثانية : ( صلى سبع
ركعات لا يقعد إلا في آخرهن ) الرواية الأولى تدل على إثبات القعود في السادسة
والرواية الثانية تدل على نفيه ويمكن الجمع بحمل النفي للقعود في الرواية الثانية
على القعود الذي يكون فيه التسليم
وظاهر هذا الحديث وغيره من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يوتر
بدون سبع ركعات
وقال ابن حزم في المحلى : إن الوتر وتهجد الليل ينقسم إلى ثلاثة عشر وجها أيها فعل
أجزأه ثم ذكرها واستدل على كل واحد منها ثم قال : وأحبها إلينا وأفضلها أن يصلي
ثنتي عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ثم يصلي ركعة واحدة ويسلم
باب وقت صلاة الوتر ( 1 ) والقراءة فيها والقنوت
1
- عن خارجة بن حذافة قال : ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات
غداة فقال : لقد أمدكم الله بصلاة هي خير لكم من حمر النعم قلنا : وما هي يا رسول
الله قال : الوتر فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر )
- رواه الخمسة إلا النسائي
-
الحديث أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم وصححه وضعفه البخاري وقال ابن حبان : إسناده
منقطع ومتنه باطل . قال الخطابي : فيه عبد الله بن أبي مرة الزوفي ( 2 ) عن خارجة
( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أحمد وابن أبي شيبة وعنه حديث آخر عند البيهقي
وفيه أبو إسماعيل الترمذي وثقه الدارقطني وقال الحاكم : تكلم فيه أبو حاتم . وعن [
ص 48 ] عبد الله بن عمرو عند أحمد والدارقطني وفي إسناده العرزمي وهو ضعيف . وعن
بريدة عند أبي داود والحاكم في المستدرك وقال صحيح . وعن أبي بصرة الغفاري عند
أحمد والحاكم والطحاوي وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف ولكنه توبع وعن سليمان بن صرد عند
الطبراني في الأوسط وفي إسناده إسماعيل بن عمرو البجلي وثقه ابن حبان وضعفه أبو
حاتم والدارقطني وابن عدي
وعن ابن عباس عند البزار والطبراني في الكبير والدارقطني وفي إسناده النصر أبو
عمرو الخزاز وهو ضعيف متروك وقال البخاري منكر الحديث . وعن ابن عمر عند البيهقي
في الخلافيات وابن حبان في الضعفاء وفي إسناده حماد بن قيراط وهو ضعيف
وقال أبو حاتم : لا يجوز الاحتجاج به وكان أبو زرعة يمرض القول فيه . وادعى ابن
حبان أن الحديث موضوع وله حديث آخر عند الطبراني وفي إسناده أيوب بن نهيك ضعفه أبو
حاتم وغيره
وعن ابن مسعود عند البزار وفي إسناده جابر الجعفي وقد ضعفه الجمهور . وعن عبد الله
بن أبي أوفى عند البيهقي في الخلافيات وفي إسناده أحمد بن محمد بن مصعب بن بشر بن
فضالة وقد قيل إنه كان يضع المتون والآثار ويقلب الأسانيد للأخبار
قال أبو حاتم : ولعله قد قلب على الثقات أكثر من عشرة آلاف حديث . وعن علي عليه
السلام عند أهل السنن . وعن عقبة ابن عامر عند الطبراني وفيه ضعف . وعن عمرو بن
العاص عند الطبراني أيضا وفيه ضعف . وعن معاذ بن جبل عند أحمد وفي إسناده عبيد
الله بن زحر ( 3 ) وهو ضعيف وفيه انقطاع وعن أبي أيوب الطبراني في الكبير والأوسط
قوله : ( أمدكم ) الإمداد يكون بمعنى الإعانة ومنه الإمداد بالملائكة وبمعنى
الإعطاء ومنه { وأمددناهم بفاكهة } الآية فيحتمل أن يكون هذا من الإعانة أي أعانكم
بها على الانتهاء عن الفحشاء والمنكر كما قال تعالى { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر } ويحتمل أن يكون من الإعطاء قال العراقي : والظاهر أن المراد الزيادة في
الإعطاء ويدل عليه قوله في بعض طرق الحديث ( إن الله زادكم صلاة ) كما في حديث عبد
الله بن عمرو وأبي بصرة وابن عمر وابن أبي أوفى وعقبة بن عامر
قوله : ( الوتر ) بكسر الواو وفتحها لغتان وقرئ بهما في السبعة
قوله : ( بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر ) استدل به على أن أول وقت الوتر يدخل
بالفراغ من صلاة العشاء ويمتد إلى طلوع الفجر كما قالت عائشة في الحديث الصحيح
وانتهى وتره إلى السحر وفي وجه لأصحاب الشافعي أنه يمتد بعد طلوع الفجر إلى صلاة
الصبح وفي وجه آخر [ ص 49 ] يمتد إلى صلاة الظهر . وفي وجه آخر أنه يصح الوتر قبل
العشاء وكلها مخالفة للأدلة
( واستدل ) بالحديث أيضا أبو حنيفة على وجوب الوتر وقد تقدم الكلام على ذلك واستدل
به أيضا على أن الوتر أفضل من ركعتي الفجر وقد تقدمت الإشارة إليه
واستدل به المصنف أيضا على أن الوتر لا يصح الاعتداد به قبل العشاء فقال ما لفظه :
وفيه دليل على أنه لا يعتد به قبل العشاء بحال انتهى
_________
( 1 ) الوتر بالكسر على لغة الحجاز وتميم وبالفتح في لغة غيرهم هو الفرد وقرئ في
السبعة قوله تعالى { والشفع والوتر } بالكسر والفتح . يقال وترت الصلاة وأوترتها
جعلتها وترا
( 2 ) الزوفي هو بفتح الزاي وسكون الواو بعدها فاء
( 3 ) هو بفتح الزاي وسكون الحاء المهملة . قال الحافظ في التقريب : صدوق يخطئ
2
- وعن عائشة قالت : ( من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أول
الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر )
- رواه الجماعة
3
- وعن أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أوتروا قبل أن تصبحوا )
- رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود
4
- وعن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( أيكم خاف أن لا يقوم من آخر
الليل فليوتر ثم ليرقد ومن وثق بقيام من آخر الليل فليوتر من آخره فإن قراءة آخر
الليل محضورة وذلك أفضل )
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه
-
في الباب أحاديث منها عن أبي هريرة عند البزار والطبراني في الأوسط قال : ( سأل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر كيف توتر قال : أوتر أول الليل قال : حذر
كيس ثم سأل عمر كيف توتر قال : من آخر الليل قال : قوي معان ) وفي إسناده سليمان
بن داود اليمامي وقد ضعف
وعن أبي مسعود عند أحمد والطبراني : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يوتر من
أول الليل وأوسطه وآخره ) قال العراقي : وإسناده صحيح
وعن أبي قتادة عند أبي داود بنحو حديث أبي هريرة المتقدم وصححه الحاكم على شرط
مسلم وقال العراقي : صحيح
وعن ابن عمر عند ابن ماجه بنحو حديث أبي هريرة المتقدم وصححه الحاكم . وعن عقبة بن
عامر عند الطبراني بنحو حديث أبي هريرة المتقدم أيضا
وعن علي عليه السلام عند ابن ماجه بلفظ : ( من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم من أوله وأوسطه وانتهى وتره إلى السحر ) قال العراقي : وإسناده جيد
وعن أبي موسى عند الطبراني في الكبير قال : ( كان يوتر رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أحيانا أول الليل ووسطه ليكون سعة للمسلمين )
وعن ابن عمر عند أبي داود والترمذي وصححه والحاكم في المستدرك بلفظ : ( إن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : بادروا الصبح بالوتر ) وله حديث آخر عند
الترمذي بلفظ : ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا طلع الفجر فقد
ذهب كل صلاة الليل والوتر فأوتروا قبل [ ص 50 ] طلوع الفجر )
وعن أبي ذر عند النسائي بلفظ : ( أوصاني خليلي صلى الله عليه وآله وسلم أوصاني
بصلاة الضحى والوتر قبل النوم وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر )
وعن سعد بن أبي وقاص عند أحمد بلفظ : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي
لا ينام حتى يوتر حازم )
وعن علي عليه السلام عند البزار قال : ( نهاني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن
أنام إلا على وتر ) وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وثقه أحمد وضعفه
الجمهور
وعن عمر عند ابن ماجه بلفظ : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا تسأل
الرجل فيم يضرب امرأته ولا تنم إلا على وتر ) والحديث عند أبي داود والنسائي
ولكنهما اقتصرا على النهي عن السؤال عن ضرب الرجل امرأته . وعن أبي الدرداء عند
مسلم بنحو حديث أبي ذر المتقدم
( وأحاديث ) الباب تدل على أن جميع الليل وقت للوتر إلا الوقت الذي قبل صلاة
العشاء إذ لم ينقل أنه صلى الله عليه و سلم أوتر فيه ولم يخالف في ذلك أحد لا أهل
الظاهر ولا غيرهم إلا ما قدمنا أنه يجوز ذلك في وجه لأصحاب الشافعي وهو وجه ضعيف
صرح بذلك العراقي وغيره منهم
وقد حكى صاحب المفهم الإجماع على أنه لا يدخل وقت الوتر إلا بعد صلاة العشاء وورد
في حديث عائشة الصحيح أنه كان يصلي صلى الله عليه و سلم ما بين أن يصلي العشاء إلى
أن يطلع الفجر إحدى عشرة ركعة
واستدل بحديث أبي سعيد وما شابهه من الأحاديث المذكورة في الباب على أن الوتر لا
يجوز بعد الصبح وهو يرد على ما تقدم في أحد الوجوه لأصحاب الشافعي أنه يمتد إلى
صلاة الصبح أو إلى صلاة الظهر
واستدل بحديث جابر وما في معناه من الأحاديث المذكورة على مشروعية الإيتار قبل
النوم لمن خاف أن ينام عن وتره وعلى مشروعية تأخيره إلى آخره لمن لم يخف ذلك ويمكن
تقييد الأحاديث المطلقة التي فيها الوصية بالوتر قبل النوم والأمر به بالأحاديث
المقيدة بمخافة النوم عنه
5
- وعن أبي بن كعب قال : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في الوتر بسبح
اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد )
- رواه الخمسة إلا الترمذي وللخمسة إلا أبا داود مثله من حديث ابن عباس وزاد أحمد
والنسائي في حديث أبي ( فإذا سلم قال : سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ) ولهما مثله
من حديث عبد الرحمن بن أبزي وفي آخره : ( ورفع صوته في الآخرة )
-
حديث أبي بن كعب قد تقدم وتقدم الكلام عليه ولعل إعادة المصنف لذكره [ ص 51 ] لهذه
الزيادة التي ذكرها أعني قوله ( فإذا سلم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ) قال
العراقي : وهي مصرح بها في حديث أبي بن كعب وعبد الرحمن بن أبزي وكلاهما عند
النسائي بإسناد صحيح انتهى
وقد أخرجها أيضا البزار من حديث ابن أبي أوفى وقال : أخطأ فيه هاشم بن سعيد لأن
الثقات يروونه عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن ابن أبزي عن أبيه عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال : وزاد هاشم : ( فإذا سلم قال سبحان الملك القدوس ) وليس هذا في
حديث غيره . قال العراقي : بل هذه الزيادة في حديث غيره من الثقات انتهى
وعبد الرحمن بن أبزي قد وقع الاختلاف في صحبته كما قدمنا وقد اختلفوا هل هذا الحديث
من روايته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو من روايته عن أبي بن كعب عن النبي
صلى الله عليه و سلم قال الترمذي : يروى عن عبد الرحمن بن أبزي عن أبي بن كعب
ويروى عن عبد الرحمن بن أبزي عن النبي صلى الله عليه و سلم
6 - وعن الحسن بن علي عليه السلام قال : ( علمني رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر اللهم اهدني فيمن هديت وعافيني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت
7
- وعن علي بن أبي طالب عليه السلام : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان
يقول في آخر وتره اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك
منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك )
- رواه الخمسة
-
أما حديث الحسن فأخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي من
طريق بريد عن أبي الحوراء بالحاء المهملة والراء عن الحسن وأثبت بعضهم الفاء في
قوله ( فإنك تقضي ) وبعضهم أسقطها وزاد الترمذي قبل تباركت وتعاليت سبحانك . وزاد
البيهقي قبل تباركت وتعاليت أيضا : ( ولا يعز من عاديت )
قال النووي في الخلاصة : بسند ضعيف وتبعه ابن الرفعة فقال : لم تثبت هذه الرواية
قال الحافظ : وهو معترض فإن البيهقي رواها من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق
عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن أو الحسين بن علي وهذا التردد من
إسرائيل إنما هو في الحسن أو الحسين قال البيهقي : كأن الشك إنما وقع في الإطلاق
أو في النسبة قال : ويؤيد الشك أن أحمد بن حنبل أخرجه في مسند الحسين من مسنده من
غير تردد ومن حديث [ ص 52 ] شريك عن أبي إسحاق بسنده قال : وهذا وإن كان الصواب
خلافه والحديث من حديث الحسن لا من حديث أخيه الحسين فإنه يدل على أن الوهم فيه من
أبي إسحاق فلعله ساء فيه حفظه فنسي هل هو الحسن أو الحسين قال : ثم إن الزيادة
اعني قوله ( ولا يعز من عاديت ) رواها الطبراني أيضا من حديث شريك وزهير بن معاوية
عن أبي إسحاق ومن حديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق ثم ذكره الحافظ بإسناد له متصل
وفيه تلك الزيادة وزاد النسائي بعد قوله ( تباركت وتعاليت وصلى الله على النبي )
قال النووي : إنها زيادة بسند صحيح أو حسن وتعقبه الحافظ بأنه منقطع . وروى تلك
الزيادة الطبراني والحاكم وقد ضعف ابن حبان حديث الحسن هذا وقال : توفي النبي صلى
الله عليه وآله وسلم والحسن ابن ثماني سنين فكيف يعلمه صلى الله عليه وآله وسلم
هذا الدعاء
وقد أشار صاحب البدر المنير إلى تضعيف كلام ابن حبان وقد نبه ابن خزيمة وابن حبان
على أن قوله في قنوت الوتر تفرد به أبو إسحاق عن بريد بن أبي مريم وتبعه ابناه
يونس وإسرائيل وقد رواه شعبة وهو أحفظ من مائتين مثل أبي إسحاق وابنيه فلم يذكر
فيه القنوت ولا الوتر وإنما قال ( كان يعلمنا هذا الدعاء ) وأيد ذلك الحافظ برواية
الدولابي والطبراني فإن فيها التصريح بالقنوت وكذلك رواية البيهقي عن ابن الحنفية
وكذلك رواية محمد ابن نصر
وروى البيهقي عن ابن عباس وابن الحنفية أنهما كانا يقولان ( كان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات ) وفي إسناده عبد
الرحمن بن هرمز قال الحافظ : وهو محتاج إلى الكشف عن حاله
وقال ابن حبان : إن ذكر صلاة الصبح ليس بمحفوظ . وقال ابن النحوي : إن إسنادها جيد
وصرح الحافظ في بلوغ المرام إن إسنادها ضعيف وأخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ
حديث الحسن مقيدا بصلاة الصبح وقال : صحيح
قال الحافظ : وليس كما قال وهو ضعيف لأن في إسناده عبد الله بن سعيد المقبري
ولولاه لكان صحيحا وكان الاستدلال به أولى من الاستدلال بحديث الحسن بن علي في
قنوت الوتر
وروى الطبراني في الأوسط من حديث بريدة نحوه وفي إسناده كما قال الحافظ رحمه الله
تعالى مقال
وأما حديث علي المذكور فأخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه مقيدا بالقنوت . وأخرجه
الدارمي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان في كتبهم وليس فيه ذكر الوتر
( وفي الباب ) عن علي حديث آخر عند الدارقطني بلفظ : ( قنت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم في آخر الوتر ) وفي إسناده [ ص 53 ] عمرو بن شمر الجعفي أحد
الكذابين الوضاعين
وعن أبي بكر وعمر وعثمان عند الدارقطني أنهم كانوا يقولون : ( قنت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم في آخر الوتر وكانوا يفعلون ذلك ) وفي إسناده أيضا عمر بن شمر
المذكور
وعن أبي بن كعب عند النسائي وابن ماجه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
كان يوتر فيقنت قبل الركوع )
وعن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة في المصنف والدارقطني : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كان يقنت في الوتر قبل الركوع ) وفي إسناده أبان بن عياش وهو ضعيف
وعن ابن عباس عند محمد بن نصر المروزي قال : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يقنت في صلاة الصبح بهؤلاء الكلمات ) وقد تقدم
وعن ابن عمر عند الحاكم في كتاب القنوت قال : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
علم أحد ابنيه في القنوت اللهم اهدني فيمن هديت ) الحديث
وعن عبد الرحمن بن أبزي عند محمد بن نصر وفيه ذكر القنوت في الوتر . وعن أم عبد أم
عبد الله بن مسعود عند ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي أنه صلى الله عليه وآله وسلم
( قنت قبل الركوع ) والأحاديث المذكورة تدل على مشروعية القنوت بهذا الدعاء
المذكور في حديث الحسن وفي حديث علي . وإلى ذلك ذهبت العترة وأبو حنيفة وبعض
الشافعية من غير فرق بين رمضان وغيره وروى ذلك الترمذي عن ابن مسعود . ورواه أيضا
عنه محمد بن نصر قال العراقي : بأسانيد جيدة . ورواه محمد بن نصر أيضا عن علي وعمر
. وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبي ثور ورواية عن أحمد .
وروى محمد بن نصر عن علي عليه السلام أنه كان يقنت في النصف الأخير من رمضان وهو
من رواية الحارث عنه . وروى أبو داود أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب
وكان يصلي لهم عشرين ليلة ولا يقنت إلا في النصف الباقي من رمضان . وروى محمد بن
نصر بإسناد صحيح أن ابن عمر كان لا يقنت في الصبح ولا في الوتر إلا في النصف الآخر
من رمضان ) وروى العراقي عن معاذ بن الحارث الأنصاري أنه كان إذا انتصف رمضان لعن
الكفرة . قال : وعن الحسن كانوا يقنتون في النصف الأخير من رمضان . وروي أيضا عن
الزهري أنه قال : لا قنوت في السنة كلها إلا في النصف الأخير من رمضان . وروي عن
عثمان بن سراقة نحوه . وذهب مالك فيما حكاه النووي في شرح المهذب وهو وجه لبعض
أصحاب الشافعي كما قال العراقي إلى مشروعية القنوت في جميع رمضان دون بقية السنة
وذهب الحسن وقتادة ومعمر [ ص 54 ] كما روى ذلك محمد بن نصر عنهم أنه يقنت في جميع
السنة إلا في النصف الأول من رمضان . وقد روي عن الحسن القنوت في جميع السنة كما
تقدم . وذهب طاوس إلى أن القنوت في الوتر بدعة وروى ذلك محمد بن نصر عن ابن عمر
وأبي هريرة وعروة بن الزبير . وروي عن مالك مثل ذلك
قال بعض أصحاب مالك : سألت مالكا عن الرجل يقوم لأهله في شهر رمضان أترى أن يقنت
بهم في النصف الباقي من الشهر فقال مالك : لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قنت ولا أحدا من أولئك وما هو من الأمر القديم وما أفعله أنا في رمضان
ولا أعرف القنوت قديما
وقال معن بن عيسى عن مالك : لا يقنت في الوتر عندنا . وقال ابن العربي : اختلف قول
مالك فيه في صلاة رمضان قال : والحديث لم يصح والصحيح عندي تركه إذ لم يصح عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعله ولا قوله اه
قال العراقي : قلت بل هو صحيح أو حسن . وروى محمد بن نصر أنه سئل سعيد بن جبير عن
بدء القنوت في الوتر فقال : بعث عمر بن الخطاب جيشا فتورطوا متورطا خاف عليهم فلما
كان النصف الآخر من رمضان قنت يدعو لهم فهذه خمسة مذاهب في القنوت وبها يتبين عدم
صحة دعوى المهدي في البحر أنه مجمع عليه في النصف الأخير من رمضان . وقد اختلف في
كونه قبل الركوع أو بعده ففي بعض طرق الحديث عند البيهقي التصريح بكونه بعد الركوع
وقال : تفرد بذلك أبو بكر بن شيبة الحزامي وقد روى عنه البخاري في صحيحه وذكره ابن
حبان في الثقات فلا يضر تفرده
وأما القنوت قبل الركوع فهو ثابت عند النسائي من حديث أبي بن كعب كما تقدم وعبد
الرحمن بن أبزي وضعف أبو داود ذكر القنوت فيه وثابت أيضا في حديث ابن مسعود كما
تقدم
قال العراقي : وهو ضعيف قال : ويعضد كونه بعد الركوع أولى فعل الخلفاء الأربعة
لذلك والأحاديث الواردة في الصبح كما تقدم في بابه
وقد روى محمد بن نصر عن أنس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقنت
بعد الركعة وأبو بكر وعمر حتى كان عثمان فقنت قبل الركعة ليدرك الناس ) قال
العراقي : وإسناده جيد
قوله في حديث علي : ( أعوذ بك منك ) أي أستجير بك من عذابك
باب لا وتران في ليلة وختم صلاة الليل بالوتر وما جاء في نقضه
1
- عن طلق بن علي قال : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لا وتران في
ليلة )
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه
2
- وعن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : اجعلوا آخر صلاتكم
بالليل وترا )
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه
-
أما حديث طلق بن علي فحسنه الترمذي قال عبد الحق : وغير الترمذي صححه وأخرجه أيضا
ابن حبان وصححه وقد احتج به على أنه لا يجوز نقض الوتر
ومن جملة المحتجين به على ذلك طلق بن علي الذي رواه كما قال العراقي قال : وإلى
ذلك ذهب أكثر العلماء وقالوا إن من أوتر وأراد الصلاة بعد ذلك لا ينقض وتره ويصلي
شفعا شفعا حتى يصبح قال : فمن الصحابة أبو بكر الصديق وعمار بن ياسر ورافع بن خديج
وعائد بن عمرو وطلق بن علي وأبو هريرة وعائشة . ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن
سعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس . وممن قال به من التابعين سعيد بن المسيب
وعلقمة والشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومكحول والحسن البصري روى ذلك ابن
أبي شيبة عنهم في المصنف أيضا
وقال به من التابعين طاوس وأبو مجلز ومن الأئمة سفيان الثوري ومالك وابن المبارك
وأحمد روى ذلك الترمذي عنهم في سننه وقال : إنه أصح
ورواه العراقي عن الأوزاعي والشافعي وأبي ثور وحكاه القاضي عياض عن كافة أهل
الفتيا وروى الترمذي عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ومن بعدهم جواز
نقض الوتر وقالوا يضيف إليها أخرى ويصلي ما بدا له ثم يوتر في آخر صلاته قال :
وذهب إليه إسحاق واستدلوا بحديث ابن عمر المذكور في الباب وقالوا إذا أوتر ثم نام
ثم قام فلم يشفع وتره وصلى مثنى مثنى كما قال الأولون ولم يوتر في آخر صلاته كان
قد جعل آخر صلاته من الليل شفعا لا وترا وفيه مخالفة لقوله صلى الله عليه و سلم (
اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا ) واستدل الأولون على جواز صلاة الشفع بعد الوتر
بحديث عائشة المتقدم وبحديث أم سلمة الآتي وقد قدمنا الكلام على ذلك في شرح حديث
عائشة
3
- وعن ابن عمر : ( أنه كان إذا سئل عن الوتر قال : أما أنا فلو أوترت قبل أن أنام
ثم أردت أن أصلي بالليل شفعت بواحدة ما مضى من وتري ثم صليت مثنى مثنى فإذا [ ص 56
] قضيت صلاتي أوترت بواحدة لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرنا أن نجعل
آخر صلاة الليل الوتر )
- رواه أحمد
4
- وعن علي قال : ( الوتر ثلاثة أنواع فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر فإن استيقظ
فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر فعل وإن شاء ركعتين
حتى يصبح وإن شاء آخر الليل أوتر )
- رواه الشافعي في مسنده
-
حديث ابن عمر قال في مجمع الزوائد : فيه ابن إسحاق وهو مدلس وهو ثقة وبقية رجاله
رجال الصحيح اه والمرفوع من حديث ابن عمر متفق عليه كما تقدم
وأثر علي أخرجه البيهقي أيضا وقد استدل به ابن عمر ومن معه على جواز نقض الوتر وقد
قدمنا وجه دلالته على ذلك
وقد ناقضهم القائلون بعدم الجواز فاستدلوا به على أنه لا يجوز النقض قالوا : لأن
الرجل إذا أوتر أول الليل فقد قضى وتره فإذا هو نام بعد ذلك ثم قام وتوضأ وصلى
ركعة أخرى فهذه صلاة غير تلك الصلاة وغير جائز في النظر أن تتصل هذه الركعة
بالركعة الأولى التي صلاها في أول الليل فلا يصيران صلاة واحدة وبينهما نوم وحدث
ووضوء وكلام في الغالب وإنما هما صلاتان متباينتان كل واحدة غير الأولى ومن فعل
ذلك فقد أوتر مرتين ثم إذا هو أوتر أيضا في آخر صلاته صار موترا ثلاث مرات
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( اجعلوا آخر صلاتكم من الليل
وترا ) وهذا قد جعل الوتر في مواضع من صلاة الليل . وأيضا قال صلى الله عليه و سلم
: ( لا وتران في ليلة ) وهذا قد أوتر ثلاث مرات
5
- وعن أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يركع ركعتين بعد الوتر )
- رواه الترمذي . ورواه أحمد وابن ماجه وزاد : ( وهو جالس ) وقد سبق هذا المعنى من
حديث عائشة وهو حجة لمن لم ير نقض الوتر
6
- وقد روى سعيد بن المسيب : ( أن أبا بكر وعمر تذاكرا الوتر عند رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فقال أبو بكر : أما أنا فأصلي ثم أنام على وتر فإذا استيقظت
صليت شفعا شفعا حتى الصباح . وقال عمر : لكن أنام على شفع ثم أوتر من آخر السحر
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر : حذر هذا وقال لعمر : قوي هذا )
- رواه أبو سليمان الخطابي بإسناده
-
أما حديث أم سلمة فصححه الدارقطني في سننه ثبت ذلك في رواية محمد بن عبد الملك بن
بشران عنه وليس في رواية أبي طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم عن الدارقطني تصحيح
له كذا قال العراقي . قال الترمذي : وقد روي نحو هذا عن أبي أمامة [ ص 57 ] وعائشة
وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اه
وأما حديث عائشة الذي أشار إليه المصنف فقد تقدم وتقدم شرحه . وأما حديث أبي بكر
وعمر فقد ورد من طرق ليس فيها قول أبي بكر فإذا استيقظت صليت شفعا شفعا . منها عند
البزار والطبراني عن أبي هريرة . ومنها عند ابن ماجه عن جابر . ومنها عند أبي داود
والحاكم عن أبي قتادة . ومنها عند ابن ماجه عن ابن عمر . ومنها عند الطبراني في
الكبير ومحمد بن نصر عن عقبة ابن عامر فإن صحت هذه الزيادة التي ذكرها الخطابي
كانت صالحة للاستدلال بها على من أجاز التنفل بعد الوتر وقد تقدم ذكرهم وإن لم تصح
فالكلام ما قدمنا في شرح حديث عائشة من اختصاص الركعتين بعد الوتر به صلى الله
عليه وآله وسلم لما سلف
باب قضاء ما يفوت من الوتر والسنن الراتبة والأوراد
1
- عن أبي سعيد الخدري قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من نام عن
وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره )
- رواه أبو داود
-
الحديث أخرجه الترمذي وزاد : ( أو إذا استيقظ ) وأخرجه أيضا ابن ماجه والحاكم في
المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وإسناد الطريق التي أخرجه منها أبو داود صحيح
كما قال العراقي وإسناد طريق الترمذي وابن ماجه ضعيف أوردها ابن عدي وقال إنها غير
محفوظة وكذا أوردها ابن حبان في الضعفاء
وأخرجه الترمذي من طريق زيد بن أسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من
نام عن وتره فليصل إذا أصبح ) قال : وهذا أصح من الحديث الأول يعني حديث أبي سعيد
( وفي الباب ) عن عبد الله ابن عمر عند الدارقطني قال : ( قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم : من فاته الوتر من الليل فليقضه من الغد ) قال العراقي : وإسناده
ضعيف وله حديث آخر عند البيهقي : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم أصبح فأوتر )
وعن أبي هريرة عند الحاكم والبيهقي قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
: إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر ) وصححه الحاكم على شرط الشيخين
وعن أبي الدرداء عند الحاكم والبيهقي بلفظ : ( ربما رأيت رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يوتر وقد قام الناس لصلاة الصبح ) وصححه الحاكم
وعن الأغر المزني عند الطبراني في الكبير بلفظ : ( أن رجلا قال : يا نبي الله إني
أصبحت ولم أوتر فقال : إنما الوتر بالليل فقال : يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر
قال : [ ص 58 ] فأوتر ) وفي إسناده خالد بن أبي كريمة ضعفه ابن معين وأبو حاتم
ووثقه أحمد وأبو داود والنسائي
وعن عائشة عند أحمد والطبراني في الأوسط بلفظ : ( كان رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يصبح فيوتر ) وإسناده حسن
( الحديث ) يدل على مشروعية قضاء الوتر إذا فات وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة علي بن
أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبادة بن الصامت
وعامر بن ربيعة وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عباس كذا
قال العراقي
قال : ومن التابعين عمرو بن شرحبيل وعبيدة السلماني وإبراهيم النخعي ومحمد ابن
المنتشر وأبو العالية وحماد ابن أبي سليمان . ومن الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة
والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبو
خيثمة ثم اختلف هؤلاء إلى متى يقضى على ثمانية أقوال :
أحدها : ما لم يصل الصبح وهو قول ابن عباس وعطاء ابن أبي رباح ومسروق والحسن البصري
وإبراهيم النخعي ومكحول وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي أيوب وأبي خيثمة
حكاه محمد بن نصر عنهم
ثانيها : أنه يقضى الوتر ما لم تطلع الشمس ولو بعد صلاة الصبح وبه قال النخعي
ثالثها : أنه يقضى بعد الصبح وبعد طلوع الشمس إلى الزوال روي ذلك عن الشعبي وعطاء
والحسن وطاوس ومجاهد وحماد ابن أبي سليمان وروي أيضا عن ابن عمر
رابعها : أنه لا يقضيه بعد الصبح حتى تطلع الشمس فيقضيه نهارا حتى يصلي العصر فلا
يقضيه بعده ويقضيه بعد المغرب إلى العشاء ولا يقضيه بعد العشاء لئلا يجمع بين
وترين في ليلة حكي ذلك عن الأوزاعي
خامسها : أنه إذا صلى الصبح لا يقضيه نهارا لأنه من صلاة الليل ويقضيه ليلا قبل
وتر الليلة المستقبلة ثم يوتر للمستقبلة روي ذلك عن سعيد بن جبير
سادسها : أنه إذا صلى الغداة أوتر حيث ذكره نهارا فإذا جاءت الليلة الأخرى ولم يكن
أوتر لم يوتر لأنه إن أوتر في ليلة مرتين صار وتره شفعا حكي ذلك عن الأوزاعي أيضا
سابعها : أنه يقضيه أبدا ليلا ونهارا وهو الذي عليه فتوى الشافعية
ثامنها : التفرقة بين أن يتركه لنوم أو نسيان وبين أن يتركه عمدا فإن تركه لنوم أو
نسيان قضاه إذا استيقظ أو إذا ذكره في أي وقت كان ليلا أو نهارا وهو ظاهر الحديث
واختاره ابن حزم واستدل بعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من نام عن صلاته
أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) قال : وهذا عموم يدخل فيه كل فرض أو نافلة وهو في
الفرض أمر فرض وفي النفل أمر ندب قال : ومن تعمد تركه حتى دخل الفجر فلا يقدر على
قضائه أبدا [ ص 59 ] قال : فلو نسيه أحببنا له أن يقضيه أبدا متى ذكره ولو بعد
أعوام . وقد استدل بالأمر بقضاء الوتر على وجوبه وحمله الجمهور على الندب وقد تقدم
الكلام في ذلك
2
- وعن عمر بن الخطاب قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من نام عن
حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما
قرأه من الليل )
- رواه الجماعة إلا البخاري . وثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان إذا منعه
من قيام الليل نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة وقد ذكرنا عنه قضاء السنن
في غير حديث
-
قوله : ( عن حزبه ) الحزب بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها باء موحدة الورد
والمراد هنا الورد من القرآن وقيل المراد ما كان معتاده من صلاة الليل
( والحديث ) يدل على مشروعية اتخاذ ورد في الليل . وعلى مشروعية قضائه إذا فات
لنوم أو عذر من الأعذار وأن من فعله ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كان كمن
فعله في الليل
قوله : ( وثبت عنه صلى الله عليه و سلم ) الخ هو ثابت من حديث عائشة عند مسلم
والترمذي وصححه والنسائي . وفيه استحباب قضاء التهجد إذا فاته من الليل ولم يستحب
أصحاب الشافعي قضاءه إنما استحبوا قضاء السنن الرواتب ولم يعدوا التهجد من الرواتب
قوله : ( وقد ذكرنا عند قضاء السنن في غير حديث ) قد تقدم بعض من ذلك في باب
القضاء وبعض في أبواب التطوع
باب صلاة التروايح
1
- عن أبي هريرة قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرغب في قيام رمضان
من غير أن يأمر فيه بعزيمة فيقول : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم
من ذنبه )
- رواه الجماعة
2
- وعن عبد الرحمن بن عوف : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن الله عز و
جل فرض صيام رمضان وسننت قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم
ولدته أمه )
- رواه أحمد والنسائي وابن ماجه
-
حديث عبد الرحمن بن عوف في إسناده النضر بن شيبان وهو ضعيف . وقال النسائي : هذا
الحديث خطأ والصواب حديث أبي سلمة عن أبي هريرة
قوله : ( من غير أن يأمر فيه بعزيمة ) فيه التصريح بعدم وجوب القيام وقد فسره
بقوله ( من قام ) الخ فإنه يقتضي الندب [ ص 60 ] دون الإيجاب وأصرح منه قوله في
الحديث الآخر وسننت قيامه بعد قوله فرض صيام رمضان
قوله : ( من قام رمضان ) المراد قيام لياليه مصليا ويحصل بمطلق ما يصدق عليه
القيام وليس من شرطه استغراق جميع أوقات الليل قيل ويكون أكثر الليل . وقال النووي
: إن قيام رمضان يحصل بصلاة التراويح يعني أنه يحصل بها المطلوب من القيام لا أن
قيام رمضان لا يكون إلا بها وأغرب الكرماني فقال : اتفقوا على أن المراد بقيام
رمضان صلاة التراويح
قوله : ( إيمانا واحتسابا ) قال النووي : معنى إيمانا تصديقا بأنه حق معتقدا
فضيلته ومعنى احتسابا أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما
يخالف الإخلاص
قوله : ( غفر له ما تقدم من ذنبه ) زاد أحمد والنسائي وما تأخر
قال الحافظ : وقد ورد في غفران ما تقدم وما تأخر عدة أحاديث جمعتها في كتاب مفرد
اه ( 1 ) . ( قيل ) ظاهر الحديث يتناول الصغائر والكبائر وبذلك جزم ابن المنذر
وقيل الصغائر فقط وبه جزم إمام الحرمين . قال النووي : وهو المعروف عند الفقهاء
وعزاه عياض إلى أهل السنة وقد أورد أن غفران الذنوب المتقدمة معقول وأما المتأخرة
فلا لأن المغفرة تستدعي سبق ذنب وأجيب عنه بأن ذلك كناية عن عدم الوقوع . وقال
الماوردي : إنها تقع منهم الذنوب مغفورة
( والحديث ) يدل على فضيلة قيام رمضان وتأكد استحبابه واستدل به أيضا على استحباب
صلاة التراويح لأن القيام المذكور في الحديث المراد به صلاة التراويح كما تقدم عن
النووي والكرماني
قال النووي : اتفق العلماء على استحبابها قال : واختلفوا في أن الأفضل صلاتها في
بيته منفردا أم في جماعة في المسجد فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد
وبعض المالكية وغيرهم : الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي
الله عنهم واستمر عمل المسلمين عليه لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد
وبالغ الطحاوي فقال : إن صلاة التراويح في الجماعة واجبة على الكفاية وقال مالك
وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم : الأفضل فرادى في البيت لقوله صلى الله عليه وآله
وسلم : ( أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) متفق عليه
وقالت العترة : إن التجميع فيها بدعة وسيأتي تمام الكلام على صلاة التراويح
_________
( 1 ) وقد وفقنا لطبعه والحمد لله في ضمن مجموعة الرسائل المنيرية اه
3
- وعن جبير بن نفير عن أبي ذر قال : ( صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فلم يصل بنا حتى بقي سبع من الشهر فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ثم لم يقم بنا في
الثالثة وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل فقلنا يا رسول الله لو نفلتنا بقية
ليلتنا هذه فقال : إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ثم لم يقم بنا
حتى [ ص 61 ] بقي ثلاث من الشهر فصلى بنا في الثالثة ودعا أهله ونساءه فقام بنا
حتى تخوفنا الفلاح قلت له : وما الفلاح قال : السحور )
- رواه الخمسة وصححه الترمذي
-
الحديث رجال إسناده عند أهل السنن كلهم رجال الصحيح
قوله : ( فلم يصل بنا ) لفظ أبي داود : ( صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع )
قوله : ( لو نفلتنا ) النفل محركة في الأصل الغنيمة والهبة ونفله النفل وأنفله
أعطاه إياه والمراد هنا لو قمت بنا طول ليلتنا ونفلتنا من الأجر الذي يحصل من ثواب
الصلاة
قوله : ( فصلى بنا في الثالثة ) أي في ليلة ثلاث بقيت من الشهر وكذا قوله في
السادسة في الخامسة . وفيه أنه كان يتخولهم بقيام الليل لئلا يثقل عليهم كما كان
ديدنه صلى الله عليه وآله وسلم في الموعظة فكان يقوم بهم ليلة ويدع القيام أخرى
وفيه تأكد مشروعية القيام في الأفراد من ليالي العشر الآخرة من رمضان لأنها مظنة
الظفر بليلة القدر
قوله : ( ودعا أهله ونساءه ) وفيه استحباب ندب الأهل إلى فعل الطاعات وإن كانت غير
واجبة
وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضخ
في وجهها الماء ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضخت في
وجهه الماء )
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه أيضا من حديث أبي سعيد وأبي هريرة قالا : ( قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى
ركعتين جميعا كتب في الذاكرين والذاكرات )
قوله : ( الفلاح ) قال في القاموس : الفلاح الفوز والنجاة والبقاء في الخير .
والسحور قال : والسحور ما يتسحر به أي ما يؤكل في وقت السحر وهو قبيل الصبح
( والحديث ) استدل به على استحباب صلاة التراويح لأن الظاهر منه أنه صلى الله عليه
وآله وسلم أمهم في تلك الليالي
4
- وعن عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس
ثم صلى الثانية فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج
إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما أصبح قال : رأيت الذي صنعتم فلم
يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفترض عليكم وذلك في رمضان )
- متفق عليه . وفي رواية : ( قالت : كان الناس يصلون في المسجد في رمضان بالليل
أوزاعا يكون مع الرجل الشيء من القرآن فيكون معه النفر الخمسة أو السبعة أو أقل من
ذلك أو أكثر يصلون بصلاته قالت : فأمرني [ ص 62 ] رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أن أنصب له حصيرا على باب حجرتي ففعلت فخرج إليه بعد أن صلى عشاء الآخرة
فاجتمع إليه من في المسجد فصلى بهم ) وذكرت القصة بمعنى ما تقدم غير أن فيها أنه :
( لم يخرج إليهم في الليلة الثانية ) رواه أحمد
-
قوله : ( صلى في المسجد ) الخ قال النووي : فيه جواز النافلة جماعة ولكن الاختيار
فيها الانفراد إلا نوافل مخصوصة وهي العيد والكسوف والاستسقاء . وكذا التراويح عند
الجمهور كما سبق . وفيه جواز النافلة في المسجد وإن كان البيت أفضل ولعل النبي صلى
الله عليه وآله وسلم إنما فعلها في المسجد لبيان الجواز أو أنه كان معتكفا . وفيه
جواز الإقتداء بمن لم ينو إمامته قال : وهذا صحيح على المشهور من مذهبنا ومذاهب
العلماء ولكن إن نوى الإمام إمامتهم بعد إقتدائهم حصلت فضيلة الجماعة له ولهم وإن لم
ينوها حصلت لهم فضيلة الجماعة ولا تحصل للإمام على الأصح لأنه لم ينوها والأعمال
بالنيات وأما المأمومون فقد نووها . وفيه إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة أو مصلحتان
اعتبر أهمها لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان رأى الصلاة في المسجد مصلحة
لما ذكرناه فلما عارضه خوف الافتراض عليهم تركه لعظم المفسدة التي يخاف من عجزهم
وتركهم للفرض وفيه أن الإمام وكبير القوم إذا فعل شيئا خلاف ما يتوقعه أتباعه وكان
له فيه عذر يذكره لهم تطييبا لقلوبهم وإصلاحا لذات البين لئلا يظنوا خلاف هذا
وربما ظنوا ظن السوء
قوله : ( أوزاعا ) أي جماعات
( والحديث ) استدل به المصنف على صلاة التراويح . وقد استدل به على ذلك غيره
كالبخاري فإنه ذكره من جملة الأحاديث التي ذكرها في كتاب التراويح من صحيحه . ووجه
الدلالة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل الصلاة في المسجد وصلى خلفه الناس
ولم ينكر عليهم وكان ذلك في رمضان ولم يترك إلا لخشية الافتراض فصح الاستدلال به
على مشروعية مطلق التجمع في النوافل في ليالي رمضان وأما فعلها على الصفة التي
يفعلونها الآن من ملازمة عدد مخصوص وقراءة مخصوصة في كل ليلة فسيأتي الكلام عليه
( ومن جملة ) ما استدل به البخاري عليها حديث عائشة وهو أيضا في صحيح مسلم : ( أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى
رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه فأصبح الناس
فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فصلى [ ص 63 ] بصلاته فلما كانت الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة
الصبح فلما قضى الصلاة أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف علي
مكانكم ولكن خشيت أن تفترض عليكم فتعجزوا عنها فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم والأمر على ذلك )
5
- وعن عبد الرحمن بن عبد القاري قال : ( خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى
المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط
فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي
بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعمت البدعة
هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يعني آخر الليل وكان الناس يقومون أوله
)
- رواه البخاري . ولمالك في الموطأ عن يزيد بن رومان قال : ( كان الناس في زمن عمر
يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة )
-
قوله : ( أوزاع ) قد تقدم تفسيره
قوله : ( فقال عمر نعمت البدعة ) قال في الفتح : البدعة أصلها ما أحدث على غير
مثال سابق وتطلق في الشرع على مقابلة السنة فتكون مذمومة والتحقيق أنها إن كانت
مما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع
فهي مستقبحة وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة انتهى ( 1 )
قوله : ( بثلاث وعشرين ركعة ) قال ابن إسحاق : وهذا أثبت ما سمعت في ذلك . ووهم في
ضوء النهار فقال : إن في سنده أبا شيبة وليس الأمر كذلك لأن مالكا في الموطأ ذكره
كما ذكر المصنف . والحديث الذي في إسناده أبو شيبة هو حديث ابن عباس الآتي كما في
البدر المنير
والتلخيص وفي الموطأ أيضا عن محمد بن يوسف عن السائب ابن يزيد أنها إحدى عشرة .
وروى محمد بن نصر عن محمد بن يوسف أنها إحدى وعشرون ركعة . وفي الموطأ من طريق
يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أنها عشرون ركعة . وروى محمد بن نصر من طريق عطاء
قال : أدركتهم في رمضان يصلون عشرين ركعة وثلاث [ ص 64 ] ركعات الوتر
قال الحافظ : والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال ويحتمل أن ذلك
الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها فحيث تطول القراءة تقلل الركعات وبالعكس وبه
جزم الداودي وغيره قال : والاختلاف فيما زاد على العشرين راجع إلى الاختلاف في
الوتر فكأنه تارة يوتر بواحدة وتارة بثلاث
وقد روى محمد بن نصر من طريق داود بن قيس قال : أدركت الناس في إمارة أبان بن
عثمان وعمر بن عبد العزيز يعني بالمدينة يقومون بست وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث .
وقال مالك : الأمر عندنا بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين وليس في شيء من ذلك ضيق
قال الترمذي : أكثر ما قيل إنه يصلي إحدى وأربعين ركعة بركعة الوتر
ونقل ابن عبد البر عن الأسود بن يزيد أربعين يوتر بسبع وقيل ثمان وثلاثين ذكره
محمد بن نصر عن ابن يونس عن مالك
قال الحافظ : وهذا يمكن رده إلى الأول بانضمام ثلاث الوتر لكن صرح في روايته بأنه
يوتر بواحدة فيكون أربعين إلا واحدة . قال مالك : وعلى هذا العمل منذ بضع ومائة
سنة . وروي عن مالك ست وأربعون وثلاث الوتر
قال في الفتح : وهذا المشهور عنه وقد رواه ابن وهب عن العمري عن نافع قال : لم
أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعا وثلاثين ويوترون منها بثلاث
وعن زرارة بن أوفى أنه كان يصلي بهم بالبصرة أربعا وثلاثين ويوتر
وعن سعيد بن جبير أربعا وعشرين وقيل ست عشرة غير الوتر هذا حاصل ما ذكره في الفتح
من الاختلاف في ذلك
وأما العدد الثابت عنه صلى الله عليه و سلم في صلاته في رمضان فأخرج البخاري وغيره
عن عائشة أنها قالت : ( ما كان النبي صلى الله عليه و سلم يزيد في رمضان ولا في
غيره على إحدى عشرة ركعة )
وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم : ( صلى بهم
ثمان ركعات ثم أوتر )
وأخرج البيهقي عن ابن عباس : ( كان يصلي في شهر رمضان في غير جماعة عشرين ركعة
والوتر ) زاد سليم الرازي في كتاب الترغيب له : ( ويوتر بثلاث ) قال البيهقي :
تفرد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف . وأما مقدار القراءة في كل ركعة فلم
يرد به دليل
( والحاصل ) أن الذي دلت عليه أحاديث الباب وما يشابهها هو مشروعية القيام في
رمضان والصلاة فيه جماعة وفرادى فقصر الصلاة المسماة بالتراويح على عدد معين
وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم يرد به سنة ( 2 ) [ ص 65 ]
_________
( 1 ) البدعة التي تنقسم إلى خمسة أقسام هي ما كانت خارجة عن نوع العبادات وأما
إذا كانت مما يدخل في العبادة فلا . وقد ذكرنا كلام العلامة الشاطبي في ذلك ورده
كل بدعة لها دخل في العبادات . وقول عمر ونعمت البدعة أي الأمر البديع الذي ثبت عن
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وترك في زمن أبي بكر لاشتغال الناس فيما حصل بعد
وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . ولشارح بلوغ المرام كلام نفيس على هذا
الحديث وقد ذكرته في تعليقي على أحكام الأحكام فارجع إليه والله أعلم
( 2 ) أقول : ذكر العلامة النووي في شرح المهذب فرعا في مذهب علماء السلف فيما
يقرأ في صلاة التراويح . قال : روى مالك في الموطأ عن داود بن الحصين عن عبد
الرحمن الأعرج قال : ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفر في رمضان قال : وكان
القارئ يقوم بسورة البقرة في ثمان ركعات وإذا قام بها في ثنتي عشرة ركعة رأى الناس
أنه خفف
وقال النووي : وروى مالك أيضا عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال : أمر عمر بن
الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس وكان القارئ يقرأ
بالمائتين حتى كنا نعتمد على عصا في طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر .
وذكر آثارا غير ما ذكرته . والله أعلم
باب ما جاء في الصلاة بين العشاءين
1
- عن قتادة عن أنس : ( في قوله تعالى { كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } قال :
كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء وكذلك { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } )
- رواه أبو داود
2
- وعن حذيفة قال : ( صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم المغرب فلما قضى
الصلاة قام يصلي فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء ثم خرج )
- رواه أحمد والترمذي
-
أما قول أنس فرواه أيضا ابن مردويه في تفسيره من رواية الحارث بن وجيه قال : سمعت
مالك بن دينار قال : سألت أنس بن مالك عن قوله تعالى { تتجافى جنوبهم عن المضاجع }
فقال : كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلون من صلاة المغرب
إلى صلاة العشاء الآخرة فأنزل الله فيهم { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } والحارث بن
وجيه ضعيف ورواه أيضا من رواية أبان بن أبي عياش عن أنس نحوه وأبان ضعيف أيضا
ورواه أيضا من رواية الحسن بن أبي جعفر عن مالك بن دينار عنه
ورواه أيضا من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس في هذه الآية قال : يصلون
ما بين المغرب والعشاء . قال العراقي : وإسناده جيد ورواه أيضا من رواية خالد بن
عمران الخزاعي عن ثابت عن أنس
وأخرج نحوه أيضا من رواية يزيد بن أسلم عن أبيه قال : قال بلال : لما نزلت هذه
الآية { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } كنا نجلس في المجلس وناس من أصحاب النبي صلى
الله عليه وآله وسلم كانوا يصلون بعد المغرب إلى العشاء فنزلت . وأخرج محمد بن نصر
عن أنس في قوله تعالى { إن ناشئة الليل } قال : ما بين المغرب والعشاء . قال :
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي ما بين المغرب والعشاء . وفي إسناده
منصور بن شقير كتب عنه أحمد بن حنبل وقال فيه أبو حاتم : ليس بقوي وفي حديثه
اضطراب . وقال العقيلي : في حديثه بعض [ ص 66 ] الوهم وفي إسناده أيضا عمارة بن
زاذان وثقه الجمهور وضعفه الدارقطني . وقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن حميد بن
عبد الرحمن عن عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس أنه كان يصلي ما بين المغرب والعشاء
ويقول هي ناشئة الليل هكذا جعله موقوفا وهكذا رواه القاضي أبو الوليد يونس بن عبد
الله بن مغيث في كتاب الصلاة من رواية حماد بن سلمة عن عمارة بن زاذان عن ثابت عن
أنس أنه كان يحيي ما بين المغرب والعشاء ويقول هي ناشئة الليل . وممن قال بذلك من
التابعين أبو حازم ومحمد بن المنكدر وسعيد ابن جبير وزين العابدين ذكره العراقي في
شرح الترمذي وروى محمد بن نصر عن أنس قال العراقي : بإسناد صحيح إن قوله تعالى {
كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } نزلت فيمن كان يصلي بين العشاء والمغرب وأخرج
محمد بن نصر عن سفيان الثوري أنه سئل عن قوله تعالى { من أهل الكتاب أمة قائمة
يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون } فقال : بلغني أنهم كانوا يصلون ما بين
العشاء والمغرب . وقد روي عن محمد بن المنكدر : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم
قال : إنها صلاة الأوابين )
وهذا وإن كان مرسلا لا يعارضه ما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (
صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال ) فإنه لا مانع أن يكون كل من الصلاتين صلاة
الأوابين . وأما حديث حذيفة المذكور في الباب فأخرجه الترمذي في باب مناقب الحسن
والحسين من آخر كتابه مطولا وقال : حسن غريب . وأخرجه أيضا النسائي مختصرا وأخرج
أيضا ابن أبي شيبة عنه نحوه
( وفي الباب ) عن ابن عباس عند أبي الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب وفضائل الأعمال
قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أحيا ما بين الظهر والعصر وما بين
المغرب والعشاء غفر له وشفع له ملكان ) وفي إسناده حفص بن عمر القزاز قال العراقي
: مجهول
ولابن عباس حديث آخر رواه الديلمي في مسند الفردوس بلفظ : قال : ( قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : من صلى أربع ركعات بعد المغرب قبل أن يتكلم رفعت له في
عليين وكان كمن أدرك ليلة القدر في المسجد الأقصى وهي خير من قيام نصف ليلة ) قال
العراقي : وفي إسناده جهالة ونكارة وهو أيضا من رواية عبد الله بن أبي سعيد فإن
كان الذي يروي عن الحسن ويروي عنه يزيد بن هارون فقد جهله أبو حاتم وذكره ابن حبان
في الثقات وإن كان ابن أبي سعيد المقبري فهو ضعيف
وعن ابن عمر عند محمد بن نصر في كتاب قيام الليل بلفظ : ( سمعت النبي صلى الله
عليه و سلم يقول : من صلى ست ركعات بعد المغرب [ ص 67 ] قبل أن يتكلم غفر له بها
خمسين سنة ) وفي إسناده محمد بن غزوان الدمشقي قال أبو زرعة : منكر الحديث وقال
ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به وله حديث آخر عند الديلمي في مسند الفردوس قال : (
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من صلى أربع ركعات بعد المغرب كان
كالمعقب غزوة بعد غزوة في سبيل الله ) وفي إسناده موسى بن عبيد الربذي وهو ضعيف
جدا
قال العراقي : والمعروف أنه من قول ابن عمر غير مرفوع هكذا رواه ابن أبي شيبة في
المصنف . وعن ابن مسعود عند محمد بن نصر قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يصلي بين المغرب والعشاء أربع ركعات ) وهو منقطع لأنه من رواية معن بن عبد
الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن جده ولم يدركه . وعن عبيد مولى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم عند أحمد والطبراني : ( أنه سئل أكان رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يأمر بصلاة بعد المكتوبة أو سوى المكتوبة قال : نعم بين المغرب والعشاء )
وعن عمار بن ياسر عند الطبراني في معاجيمه الثلاثة وابن منده في معرفة الصحابة : (
أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بعد المغرب ست ركعات وقال : من صلى
بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ) قال الطبراني : تفرد
به صالح بن قطن . وقال ابن الجوزي : إن في هذه الطريق مجاهيل
وعن أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم : من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة )
وفي إسناده عمر بن عبد الله بن أبي خثعم وهو ضعيف جدا
وعن عائشة عند الترمذي عن النبي صلى الله عليه و سلم : ( من صلى بعد المغرب عشرين
ركعة بنى الله له بيتا في الجنة )
( والآيات والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على مشروعية الاستكثار من الصلاة ما
بين المغرب والعشاء والأحاديث وإن كان أكثرها ضعيفا فهي منتهضة بمجموعها لا سيما
في فضائل الأعمال قال العراقي : وممن كان يصلي ما بين المغرب والعشاء من الصحابة
عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وسلمان الفارسي وابن عمر وأنس بن مالك في ناس
من الأنصار . ومن التابعين الأسود بن يزيد وأبو عثمان النهدي وابن أبي مليكة وسعيد
بن جبير ومحمد بن المنكدر وأبو حاتم وعبد الله بن سخبرة وعلي بن الحسين وأبو عبد
الرحمن الحبلي وشريح القاضي وعبد الله بن مغفل وغيرهم . ومن الأئمة سفيان الثوري [
ص 68 ]
باب ما جاء في قيام الليل
1
- عن أبي هريرة قال : ( سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أي الصلاة أفضل
بعد المكتوبة قال : الصلاة في جوف الليل قال : فأي الصيام أفضل بعد رمضان قال :
شهر الله المحرم )
- رواه الجماعة إلا البخاري . ولابن ماجه منه فضل الصوم فقط
-
وفي الباب عن بلال عند الترمذي في كتاب الدعوات من سننه قال : ( قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم )
وعن أبي أمامة عند ابن عدي في الكامل والطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي مثل
حديث بلال وفي إسناده عبد الله بن صالح كاتب الليث وهو مختلف فيه . ولأبي أمامة
حديث آخر عند محمد بن نصر والطبراني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر
الحديث وفيه : ( والصلاة بالليل والناس نيام ) وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو
مختلف فيه
وعن جابر عند ابن ماجه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من كثرت
صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ) قال العراقي : وهذا الحديث شبه الموضوع اشتبه على
ثابت بن موسى وإنما قاله شريك القاضي لثابت عقب إسناد ذكره فظنه ثابت حديثا
ولجابر حديث آخر رواه الطبراني في الأوسط عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
( لا بد عن صلاة الليل ولو حلب شاة ) قال الطبراني : تفرد به بقية
ولجابر أيضا حديث آخر عند ابن حبان في صحيحه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فذكر حديثا وفيه : وإن هو توضأ ثم قام إلى الصلاة أصبح نشيطا قد أصاب
خيرا وقد انحلت عقده كلها )
وعن سلمان الفارسي عند ابن عدي في الكامل والطبراني بلفظ حديث بلال المتقدم
وعن ابن عباس عند محمد بن نصر والطبراني في الكبير قال : ( قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم : عليكم بقيام الليل ولو ركعة واحدة ) وفي إسناده حسين بن عبد الله
وهو ضعيف . وله حديث آخر عند الترمذي في التفسير مثل حديث أبي أمامة الثاني
وعن عبد الله بن سلام عند الترمذي في الزهد وصححه وابن ماجه بنحو حديث أبي أمامة
الثاني أيضا
وعن ابن عمر عند محمد بن نصر بنحو حديث أبي أمامة الثاني أيضا
وعن عبد الله بن عمر عند محمد بن نصر بنحوه أيضا
وعن علي عند الترمذي [ ص 69 ] في البر بنحوه أيضا
وعن أبي مالك الأشعري عند محمد بن نصر والطبراني بنحوه أيضا بإسناد جيد
وعن معاذ عند الترمذي في التفسير بنحو حديث ابن عباس
وعن ثوبان عند البزار بنحو حديث أبي أمامة
وعن ابن مسعود عند ابن حبان في صحيحه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال : عجب ربنا من رجلين رجل ثار من وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته
فيقول الله تعالى انظروا إلى عبدي ثار من وطائه وفراشه من بين حبه وأهله إلى صلاته
رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي ) الحديث . ورواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في
الكبير قال العراقي : وإسناده جيد
وعن سهل بن سعد عند الطبراني في الأوسط قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وفيه : واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل )
وعن أبي سعيد عند ابن ماجه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن
الله ليضحك إلى ثلاثة للصف في الصلاة وللرجل يصلي في جوف الليل وللرجل يقاتل
الكتيبة )
وعن إياس بن معاوية المزني عند الطبراني في الكبير مثل حديث جابر الثاني
( وهذه الأحاديث ) تدل على تأكد استحباب قيام الليل ومشروعية الاستكثار من الصلوات
فيه وبها استدل من قال إن الوتر أفضل من صلاة الصبح وقد قدمنا الخلاف في ذلك
وحديث الباب أيضا يدل على تفضيل الصيام في المحرم وأن صيامه أفضل من صيام بقية
الأشهر وهو مخصص لعموم ما عند البخاري والترمذي وصححه والنسائي وأبي داود من حديث
ابن عباس قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما من أيام العمل
الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر فقالوا : يا رسول الله ولا الجهاد
في سبيل الله فقال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من
ذلك بشيء ) وهذا إذا كان كون الشيء أحب إلى الله يستلزم أنه أفضل من غيره وإن كان
لا يستلزم ذلك فلا حاجة إلى التخصيص لعدم التنافي
2
- وعن عمرو بن عبسة : ( أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : أقرب ما
يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك
الساعة فكن )
- رواه الترمذي وصححه
-
الحديث رجال إسناده رجال الصحيح وأخرجه أيضا أبو داود والحاكم . وفي الباب عن أبي
هريرة عند الجماعة كلهم قال : ( قال : ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين
يمضي ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي
يسألني [ ص 70 ] فأعطيه من ذا الذي يستغفر لي فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر
)
وعن علي عند أحمد والدارقطني قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
فذكر حديثا وفيه : ( فإنه إذا مضى ثلث الليل الأول هبط الله إلى السماء الدنيا فلم
يزل هنالك حتى يطلع الفجر فيقول القائل ألا سائل يعطي سؤاله ألا داع يجاب )
وعن أبي سعيد عند مسلم والنسائي في اليوم والليلة بنحو حديث أبي هريرة . وعن جبير
بن مطعم عند النسائي في اليوم والليلة بنحو حديث أبي هريرة أيضا . وعن ابن مسعود
عند أحمد بنحوه
وعن أبي الدرداء عند الطبراني قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
فذكر حديثا وفيه : ( ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول ألا مستغفر يستغفرني فأغفر
له ألا سائل يسألني فأعطيه ألا داع يدعوني فأستجيب له حتى يطلع الفجر ) قال
الطبراني : وهو حديث منكر
وعن عثمان بن العاص عند أحمد والبزار قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم : ينادي مناد كل ليلة هل من داع فيستجاب له هل من سائل فيعطى هل من مستغفر
فيغفر له حتى يطلع الفجر )
وعن جابر عند الدارقطني وأبي الشيخ بنحو حديث أبي هريرة وفي إسناده محمد بن
إسماعيل الجعفري وهو منكر الحديث قاله أبو حاتم
وعن عبادة بن الصامت عند الطبراني في الكبير والأوسط بنحو حديث أبي هريرة أيضا
وعن عقبة بن عامر عند الدارقطني قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
إذا مضى ثلث الليل أو قال نصف الليل ينزل الله عز و جل إلى السماء الدنيا فيقول لا
أسأل عن عبادي أحدا غيري )
وعن عمرو بن عبسة حديث آخر غير المذكور في الباب عند الدارقطني قال : ( أتيت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : يا رسول الله جعلني الله فداك علمني شيئا
تعلمه وأجهله ينفعني ولا يضرك ما ساعة أقرب من ساعة فقال : يا عمرو لقد سألتني عن
شيء ما سألني عنه أحد قبلك إن الرب عز و جل يتدلى من جوف الليل ) زاد في رواية : (
فيغفر إلا ما كان من الشرك ) وله حديث آخر عند أحمد عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قال : ( صلاة الليل مثنى مثنى وجوف الليل الآخر أجوبه دعوة قلت : أوجبه قال :
لا أجوبه ) يعني بذلك الإجابة وفي إسناده أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي مريم وهو
ضعيف . وعن أبي الخطاب عند أحمد بنحو حديث أبي هريرة
( وهذه الأحاديث ) تدل على استحباب الصلاة والدعاء في ثلث الليل الآخر وأنه وقت
الإجابة والمغفرة . والنزول المذكور في الأحاديث قد طول علماء الإسلام الكلام في
تأويله وأنكر الأحاديث الواردة به كثير من المعتزلة والطريقة المستقيمة ما كان
عليه التابعون [ ص 71 ] كالزهري ومكحول والسفيانين والليث وحماد بن سلمة وحماد بن
زيد والأوزاعي وابن المبارك والأئمة الأربعة مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد
وغيرهم فإنهم أجروها كما جاءت بلا كيفية ولا تعرض لتأويل ( 1 )
_________
( 1 ) وللإمام ابن تيمية كتاب مؤلف شرح فيه حديث النزول وقد طبع . وللعلامة ابن
القيم مؤلف أيضا سماه اجتماع الجيوش الإسلامية على المعطلة والجهمية وقد طبع أيضا
3
- وعن عبد الله بن عمرو : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن أحب
الصيام إلى الله صيام داود وأحب الصلاة إلى الله عز و جل صلاة داود كان ينام نصف
الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما )
- رواه الجماعة إلا الترمذي فإنه إنما روى فضل الصوم فقط
- الحديث يدل على أن صوم يوم وإفطار يوم أحب إلى الله من غيره وإن كان أكثر منه وما كان أحب إلى الله جل جلاله فهو أفضل والاشتغال به أولى . وفي رواية لمسلم : ( إن عبد الله بن عمرو قال للنبي صلى الله عليه و سلم : إني أطيق أفضل من ذلك فقال صلى الله عليه و سلم : لا أفضل من ذلك ) وسيأتي ذكر الحكمة في ذلك في كتاب الصيام عند ذكر المصنف لهذا الحديث إن شاء الله . ويدل على أفضلية قيام ثلث الليل بعد نوم نصفه وتعقيب قيام ذلك الثلث بنوم السدس الآخر ليكون ذلك كالفاصل ما بين صلاة التطوع والفريضة ويحصل بسببه النشاط لتأدية صلاة الصبح لأنه لو وصل القيام بصلاة الفجر لم يأمن أن يكون وقت القيام إليها ذاهب النشاط والخشوع لما به من التعب والفتور ويجمع بين هذا الحديث وحديث أبي هريرة المتقدم بنحو ما سلف
4
- وعن عائشة : ( أنها سئلت كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالليل
فقالت : كل ذلك قد كان يفعل ربما أسر وربما جهر )
- رواه الخمسة وصححه الترمذي
-
الحديث رجاله رجال الصحيح . وفي الباب عن أبي قتادة عند الترمذي وأبي داود : ( أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي بكر : مررت بك وأنت تقرأ وأنت تخفض من
صوتك فقال : إني سمعت من ناجيت قال : ارفع قليلا وقال لعمر : مررت بك وأنت تقرأ
وأنت ترفع صوتك فقال : إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان قال : اخفض قليلا )
وعن ابن عباس عند أبي داود قال : ( كانت قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على
قدر [ ص 72 ] ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت ) وعن علي نحو حديث أبي قتادة .
وعن عمار عند الطبراني بنحو حديث أبي قتادة أيضا . وعن أبي هريرة عند أبي داود
بنحوه أيضا وله حديث آخر عند أبي داود قال : ( كانت قراءة النبي صلى الله عليه
وآله وسلم بالليل يرفع طورا ويخفض طورا ) وله حديث ثالث عند أحمد والبزار ( أن عبد
الله بن حذافة قام يصلي فجهر بصلاته فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا ابن
حذافة لا تسمعني وأسمع ربك ) قال العراقي : وإسناده صحيح
وعن أبي سعيد عند أبي داود والنسائي قال : ( اعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال : ألا أن كلكم مناج ربه فلا يؤذين
بعضكم بعضا ولا يرفعن بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة )
وعن ابن عمر عند أحمد والبزار والطبراني بنحو حديث أبي سعيد
وعن البياضي واسمه فروة بن عمر وعند أحمد قال العراقي : بإسناد صحيح : ( أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة
فقال : إن المصلي يناجي ربه عز و جل فلينظر بما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض
بالقرآن )
وعن عقبة بن عامر عند أبي داود والترمذي والنسائي قالا : ( قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم : الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة )
وعن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير بنحو حديث عقبة وفي إسناده إسحاق بن مالك
الحضرمي ضعفه الأزدي ورواه الطبراني من وجه آخر وفيه بسر بن نمير وهو ضعيف جدا
( وفي الباب ) أحاديث كثيرة وفيها أن الجهر والإسرار جائزان في قراءة صلاة الليل
وأكثر الأحاديث المذكورة تدل على أن المستحب في القراءة في صلاة الليل التوسط بين
الجهر والإسرار وحديث عقبة وما في معناه يدل على أن السر أفضل لما علم من أن إخفاء
الصدقة أفضل من إظهارها
5
- وعن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام من الليل
افتتح صلاته بركعتين خفيفتين )
- رواه أحمد ومسلم
6
- وعن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا قام أحدكم من
الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
- الحديثان يدلان على مشروعية افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين لينشط بهما لما بعدهما وقد تقدم الجمع بين روايات عائشة المختلفة في حكايتها لصلاته صلى الله عليه [ ص 73 ] وآله وسلم أنها ثلاث عشرة تارة وأنها إحدى عشرة تارة أخرى بأنها ضمت هاتين الركعتين فقالت ثلاث عشرة ولم تضمهما فقالت إحدى عشرة ولا منافاة بين هذين الحديثين وبين قولها في صفة صلاته صلى الله عليه و سلم : ( صلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ) لأن المراد صلى أربعا بعد هاتين الركعتين . وقد استدل المصنف بذلك على ترك نقض الوتر فقال : وعمومه حجة في ترك نقض الوتر انتهى . وقد قدمنا الكلام على هذا
باب صلاة الضحى
1
- عن أبي هريرة قال : ( أوصاني خليلي صلى الله عليه و سلم بثلاث بصيام ثلاثة أيام
في كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام )
- متفق عليه . وفي لفظ لأحمد ومسلم : ( وركعتي الضحى كل يوم )
-
في الباب أحاديث منها ما سيذكره المصنف في هذا الباب . ومنها غير ما ذكره عن أنس
عند الترمذي وابن ماجه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من صلى الضحى
ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا في الجنة )
وعن أبي الدرداء عند الترمذي وحسنه مثل حديث نعيم بن همار الذي سيذكره المصنف وعنه
حديث آخر عند مسلم بنحو حديث أبي هريرة المذكور
وعن أبي هريرة حديث آخر عند الترمذي وابن ماجه قال : ( قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر )
وعن أبي سعيد عند الترمذي وحسنه قال : ( كان صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى حتى
نقول لا يدعها ويدعها حتى نقول لا يصليها )
وعن عائشة غير الحديث الذي سيذكره المصنف عنها عند مسلم والنسائي والترمذي في
الشمائل من رواية معاذة العدوية قالت : ( قلت لعائشة أكان رسول الله صلى الله عليه
و سلم يصلي الضحى قالت نعم أربعا ويزيد ما شاء الله )
وعن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير مثل حديث نعيم بن همار الذي سيذكره المصنف
وفي إسناده القاسم بن عبد الرحمن وثقه الجمهور وضعفه بعضهم وله حديث آخر عند
الطبراني بنحو حديث عائشة الذي سيذكره المصنف وفي إسناده ميمون ابن زيد عن ليث بن
أبي سليم وكلاهما متكلم فيه
وعن عتبة بن عبد عند الطبراني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من
صلى صلاة الصبح في جماعة ثم يثبت حتى يسبح سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تام
له حجه وعمرته ) وفي إسناده الأحوص بن حكيم [ ص 74 ] ضعفه الجمهور ووثقه العجلي
وعن ابن أبي أوفى عند الطبراني في الكبير أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى يوم
الفتح ركعتين
وعن ابن عباس عند الطبراني في الأوسط بنحو حديث أبي ذر الذي سيذكره المصنف
وعن جابر عند الطبراني في الأوسط أيضا أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم صلى
الضحى ست ركعات
وعن حذيفة عند ابن أبي شيبة في المصنف أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي
الضحى ثمان ركعات طول فيهن
وعن عائذ بن عمرو عند أحمد والطبراني أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الضحى
وعن عبد الله بن عمر عند الطبراني في الكبير مثل حديث نعيم بن همار الذي سيذكره
المصنف
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد والطبراني قال : ( بعث رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم سرية فغنموا وأسرعوا الرجعة فتحدث الناس بقرب مغزاهم وكثرة غنيمتهم
وسرعة رجعتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ألا أدلكم على أقرب منهم
مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة من توضأ ثم خرج إلى المسجد لسبحة الضحى فهو أقرب منهم
مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة )
وعن أبي موسى عند الطبراني في الأوسط قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم : من صلى الضحى أربعا وقبل الأولى أربعا بني له بيت في الجنة )
وعن عتبان بن مالك عند أحمد : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الضحى في بيته )
وقصة عتبان في صلاة النبي صلى الله عليه و سلم في بيته في الصحيح لكن ليس فيها ذكر
سبحة الضحى
وعن عقبة بن عامر عند أحمد وأبي يعلى بنحو حديث نعيم بن همار
وعن علي عليه السلام عند النسائي : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي الضحى
) وإسناده قال العراقي : جيد
وعن معاذ بن أنس عند أبي داود : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : من قعد
في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرا غفر له
خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر ) قال العراقي : وإسناده ضعيف
وعن النواس بن سمعان عند الطبراني في الكبير مثل حديث نعيم بن همار قال العراقي :
وإسناده صحيح
وعن أبي بكرة عند ابن عدي قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي
الضحى فجاء الحسن وهو غلام فلما سجد ركب ظهره ) وفي إسناده عمرو بن عبيد وهو متروك
وعن أبي مرة الطائفي عند أحمد مثل حديث نعيم بن همار
وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بمكة
ثمان ركعات يطيل القراءة فيها والركوع ) قال السيوطي : وسنده ضعيف وعن قدامة
وحنظلة الثقفيين عند ابن منده وابن شاهين قالا : ( كان رسول الله [ ص 75 ] صلى
الله عليه وآله وسلم إذا ارتفع النهار وذهب كل أحد وانقلب الناس خرج إلى المسجد
فركع ركعتين أو أربعا ثم ينصرف )
وعن رجل من الصحابة عند ابن عدي أنه : ( رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي
الضحى )
وعن ابن عباس حديث آخر عند بن أبي حاتم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( أمرت
بالضحى ولم تؤمروا بها )
وعن الحسن بن علي عند البيهقي قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من صلى
الفجر ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى من الضحى ركعتين حرمه الله
على النار أن تلحقه أو تطعمه )
وعن عبد الله ابن جراد بن أبي جراد عند الديلمي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال
: ( المنافق لا يصلي الضحى ولا يقرأ قل يا أيها الكافرون )
وعن عمر بن الخطاب عند حميد بن زنجويه بنحو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
المتقدم وله حديث آخر عند ابن أبي شيبة
وعن أبي هريرة حديث آخر عند أبي يعلى بسند رجاله ثقات بنحو حديث عبد الله بن عمرو
بن العاص السابق
( وهذه الأحاديث ) المذكورة تدل على استحباب صلاة الضحى وقد ذهب إلى ذلك طائفة من
العلماء منهم الشافعية والحنفية ومن أهل البيت علي بن الحسين وإدريس بن عبد الله
( وقد جمع ابن القيم ) في الهدي الأقوال فبلغت ستة :
الأول : منها أنها سنة واستدلوا بهذه الأحاديث التي قدمناها
الثاني : لا تشرع إلا لسبب واحتجوا بأنه صلى الله عليه و سلم لم يفعلها إلا لسبب
فاتفق وقوعه وقت الضحى وتعددت الأسباب فحديث أم هانئ في صلاته يوم الفتح كان لسبب
الفتح وأن سنة الفتح أن يصلي عنده ثمان ركعات قال : وكان الأمراء يسمونها صلاة
الفتح وصلاته عند القدوم من مغيبه كما في حديث عائشة كانت لسبب القدوم فإنه صلى
الله عليه وآله وسلم كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين وصلاته في
بيت عتبان بن مالك كانت لسبب وهو تعليم عتبان إلى أين يصلي في بيته النبي صلى الله
عليه وآله وسلم لما سأل ذلك
( وأما أحاديث ) الترغيب فيها والوصية بها فلا تدل على أنها سنة راتبة لكل أحد
ولهذا خص بذلك أبا هريرة وأبا ذر ولم يوص بذلك أكابر الصحابة
والقول الثالث : أنها لا تستحب أصلا
والقول الرابع : يستحب فعلها تارة وتركها أخرى
والقول الخامس : تستحب صلاتها والمحافظة عليها في البيوت
والقول السادس : أنها بدعة . روي ذلك عن ابن عمر وإليه ذهب الهادي عليه السلام
والقاسم وأبو طالب ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة بإثباتها قد بلغت مبلغا لا يقصر
البعض منه عن اقتضاء الاستحباب
وقد جمع الحاكم الأحاديث في إثباتها في جزء مفرد عن نحو عشرين نفسا من [ ص 76 ]
الصحابة وكذلك السيوطي صنف جزءا في الأحاديث الواردة في إثباتها وروى فيه عن جماعة
من الصحابة أنهم كانوا يصلونها منهم أبو سعيد الخدري وقد روى ذلك عنه سعيد بن
منصور وأحمد بن حنبل وعائشة . وقد روى ذلك عنها سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو
ذر وقد روى ذلك عنه ابن أبي شيبة وعبد الله بن غالب وقد روى ذلك عنه أبو نعيم
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه سئل هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يصلونها فقال : نعم كان منهم من يصلي ركعتين ومنهم من يصلي أربعا ومنهم من
يمد إلى نصف النهار
وأخرج سعيد بن منصور أيضا في سننه عن ابن عباس أنه قال : طلبت صلاة الضحى في
القرآن فوجدتها ههنا { يسبحن بالعشي والإشراق } . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف
والبيهقي في الإيمان من وجه آخر عن ابن عباس أنه قال : إن صلاة الضحى لفي القرآن
وما يغوص عليها إلا غواص في قوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها
اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال } وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن عون العقيلي في
قوله تعالى { أنه كان للأوابين غفورا } قال : الذين يصلون صلاة الضحى
( وأما احتجاج ) القائلين بأنها لا تشرع إلا لسبب بما سلف فالأحاديث التي ذكرها
المصنف وذكرناها في هذا الباب ترده وكذلك ترد اعتذار من اعتذر عن أحاديث الوصية
والترغيب بما تقدم من الاختصاص وترد أيضا قول ابن القيم أن عامة أحاديث الباب في
أسانيدها مقال وبعضها منقطع وبعضها موضوع لا يحل الاحتجاج به فإن فيها الصحيح
والحسن وما يقاربه كما عرفت
قوله في حديث الباب : ( وركعتي الضحى ) قد اختلفت أقواله صلى الله عليه وآله وسلم
وأفعاله في مقدار صلاة الضحى فأكثر ما ثبت من فعله ثمان ركعات وأكثر ما ثبت من
قوله اثنتا عشرة ركعة . وقد أخرج الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا : ( من صلى الضحى
لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعا كتب من القانتين ومن صلى ستا كفي ذلك اليوم ومن
صلى ثمانيا كتب من العابدين ومن صلى اثنتي عشرة بنى الله له بيتا في الجنة ) قال
الحافظ : وفي إسناده ضعف وله شاهد من حديث أبي ذر رواه البزار وفي إسناده ضعف أيضا
. وحديث أنس المتقدم فيه التصريح بأن الضحى اثنتا عشرة ركعة وقد ضعفه النووي قال
الحافظ : لكن إذا ضم حديث أبي ذر وأبي الدرداء إلى حديث أنس قوي وصلح للاحتجاج
وقال أيضا : إن حديث أنس ليس [ ص 77 ] في إسناده من أطلق عليه الضعف وبه يندفع
تضعيف النووي له ولكنه تابعه الحافظ في التلخيص
وقد ذهب قوم منهم أبو جعفر الطبري وبه جزم الحليمي والروياني من الشافعية إلى أنه
لا حد لأكثرها . قال العراقي في شرح الترمذي : لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين
أنه حصرها في اثنتي عشرة ركعة وكذا قال السيوطي . وقد اختلف في الأفضل فقيل ثمان
وقيل أربع
2
- وعن أبي ذر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يصبح على كل سلامى
من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة
وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
3
- وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول : في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة قالوا
: فمن الذي يطيق ذلك يا رسول الله قال : النخاعة في المسجد يدفنها أو الشيء ينحيه عن
الطريق فإن لم يقدر فركعتا الضحى تجزئ عنك )
- رواه أحمد وأبو داود
-
الحديث الأول أخرجه أيضا النسائي والحديث الثاني أخرجه أبو داود عن أحمد بن محمد
المروزي وهو ثقة عن علي بن الحسين بن واقد وهو من رجال مسلم عن أبيه وهو أيضا من
رجال مسلم عن عبد الله بن بريدة فذكره . وقد أخرجه أيضا حميد بن زنجويه في فضائل
الأعمال ولم يعزه السيوطي في جزء الضحى إلا إليه
قوله : ( سلامى ) قال النووي : بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر
الكف ثم استعمل في عظام البدن ومفاصله ويدل على ذلك ما في صحيح مسلم : ( أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل على كل
مفصل صدقة ) وفي القاموس أنها عظام صغار طول إصبع وأقل في اليد والرجل انتهى .
وقيل كل عظم مجوف من صغار العظام . وقيل ما بين كل مفصلين من عظام الأنامل وقيل
العروق التي في الأصابع وهي ثلاثمائة وستون أو أكثر
قوله : ( ويجزئ من ذلك ركعتان ) الخ قال النووي : ضبطنا يجزي بفتح أوله وضمه فالضم
من الإجزاء والفتح من جزى يجزي أي كفى
( والحديثان ) يدلان على عظم فضل الضحى وأكبر موقعها وتأكد مشروعيتها وأن ركعتيها
تجزيان عن ثلاثمائة وستين صدقة وما كان كذلك فهو حقيق بالمواظبة والمداومة .
ويدلان أيضا على مشروعية الاستكثار من [ ص 78 ] التسبيح والتحميد والتهليل والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ودفن النخامة وتنحية ما يؤذي المار عن الطريق وسائر
أنواع الطاعات ليسقط بفعل ذلك ما على الإنسان من الصدقات اللازمة في كل يوم
4
- وعن نعيم بن همار : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : قال ربكم عز و جل
يا ابن آدم صل لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره )
- رواه أحمد وأبو داود وهو للترمذي من حديث أبي ذر وأبي الدرداء
الحديث في إسناده اختلاف كثير قال المنذري : وقد جمعت طرقه في جزء مفرد . وقد
اختلف أيضا في اسم همار المذكور فقيل هبار بالباء الموحدة . وقيل هدار بالدال
المهملة . وقيل همام بالميمين وقيل خمار بالخاء المفتوحة المعجمة وقيل حمار بالحاء
المهملة المكسورة والراء مهملة في همار وهبار وخمار وحمار وهدار
قوله : ( وهو للترمذي من حديث أبي ذر وأبي الدرداء ) هكذا في النسخ الصحيحة بدون
إثبات الألف التي للتخيير بين أبي ذر وأبي الدرداء والصواب إثباتها لأن الترمذي
إنما روى حديثا واحدا وتردد هل هو من رواية أبي ذر أو من رواية أبي الدرداء ولم
يرو لكل منهما حديثا ولا روى الحديث عنهما جميعا ولفظ الحديث في الترمذي عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله تبارك وتعالى { إن الله تعالى قال : ابن آدم
اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره ) قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب
انتهى
وفي إسناده إسماعيل بن عياش وقد صحح جماعة من الأئمة حديثه إذا كان عن الشاميين
وهو هنا كذلك لأن بحير بن سعيد شامي وإسماعيل رواه عنه وهذا الحديث قد روي عن
جماعة من الصحابة قد قدمنا الإشارة إليهم في أول الباب
واستدل على مشروعية صلاة الضحى لكنه لا يتم إلا على تسليم أنه أريد بالأربع
المذكورة صلاة الضحى
وقد قيل يحتمل أن يراد بها فرض الصبح وركعتا الفجر لأنها هي التي في أول النهار
حقيقة ويكون معناه كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من صلى الصبح فهو في ذمة
الله ) قال العراقي : وهذا ينبني على أن النهار هل هو من طلوع الفجر أو من طلوع
الشمس والمشهور الذي يدل عليه كلام جمهور أهل اللغة وعلماء الشريعة أنه من طلوع
الفجر وقال : على تقدير أن يكون النهار من طلوع الفجر فلا مانع من أن يراد بهذه
الأربع الركعات بعد طلوع الشمس لأن ذلك الوقت ما خرج عن كونه أول النهار وهذا هو
الظاهر من الحديث وعمل الناس فيكون المراد بهذه الأربع ركعات صلاة الضحى انتهى
وقد اختلف في [ ص 79 ] وقت دخول الضحى فروى النووي في الروضة عن أصحاب الشافعي أن
وقت الضحى يدخل بطلوع الشمس ولكن يستحب تأخيرها إلى ارتفاع الشمس . وذهب البعض
منهم إلى أن وقتها يدخل من الارتفاع وبه جزم الرافعي وابن الرفعة وسيأتي ما يبين
وقتها في حديث زيد بن أرقم وحديث علي عليه السلام
5
- وعن عائشة قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الضحى أربع ركعات
ويزيد ما شاء الله )
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه
-
الحديث يدل على مشروعية صلاة الضحى وقد اختلفت الأحاديث عن عائشة فروي عنها أنه
صلى الله عليه وآله وسلم صلاها من غير تقييد كما في حديث الباب . وروي عنها أنها
سئلت هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الضحى قالت : لا إلا أن يجيء
من مغيبه أخرجه مسلم . وروي عنها أنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يصلي سبحة الضحى قط وإني لأسبحها . متفق عليه
وقد جمع بين هذه الروايات بأن قولها كان يصلي الضحى أربعا لا يدل على المداومة بل
على مجرد الوقوع على ما صرح به أهل التحقيق من أن ذلك مدلول كان كما تقدم وإن خالف
في ذلك بعض أهل الأصول ولا يستلزم هذا الإثبات أنها رأته يصلي لجواز أن تكون روت
ذلك من طريق غيرها
وقولها إلا أن يجيء من مغيبه يفيد تقييد ذلك المطلق بوقت المجيء من السفر . وقولها
ما رأيته يصلي سبحة الضحى نفي للرؤية ولا يستلزم أن لا يثبت لها ذلك بالرواية أو
نفي لما عدا الفعل المقيد بوقت القدوم من السفر وغاية الأمر أنها أخبرت عما بلغ
إليه علمها وغيرها من أكابر الصحابة أخبر بما يدل على المداومة وتأكد المشروعية
ومن علم حجة على من لا يعلم لا سيما وذلك الوقت الذي تفعل فيه ليس من الأوقات التي
تعتاد فيها الخلوة بالنساء وقد تقدم تحقيق ما هو الحق
6
- وعن أم هانئ : ( أنه لما كان عام الفتح أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وهو بأعلى مكة فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم
أخذ ثوبه فالتحف به ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى )
- متفق عليه . ولأبي داود عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى يوم الفتح
سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم بين كل ركعتين )
-
قوله ( وهو بأعلى مكة ) في رواية للبخاري ومسلم أنها قالت : ( أن النبي صلى الله
عليه [ ص 80 ] وآله وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثمان ركعات ) ويجمع
بينهما بأن ذلك تكرر منه ويؤيده ما رواه ابن خزيمة عنها أن أبا ذر ستره لما اغتسل
ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكة وكانت في بيت آخر بمكة فجاءت إليه فوجدته
يغتسل فيصح القولان ذكر معنى ذلك الحافظ
قوله : ( فسترت عليه فاطمة ) فيه جواز الاغتسال بحضرة امرأة من محارم الرجل إذا
كان مستور العورة عنها وجواز تستيرها إياه بثوب أو نحوه
قوله : ( ثماني ركعات ) زاد ابن خزيمة من طريق كريب عن أم هانئ ( يسلم من كل
ركعتين ) وزادها أيضا أبو داود كما ذكر المصنف وفي ذلك رد على من قال إن صلاة
الضحى موصولة سواء كانت ثمان ركعات أو أقل أو أكثر
( والحديث ) يدل على استحباب صلاة الضحى وقد تقدم قول من قال إن هذه صلاة الفتح لا
صلاة الضحى وتقدم الجواب عليه
7
- وعن زيد بن أرقم قال : ( خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أهل قباء وهم
يصلون الضحى فقال : صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى )
- رواه أحمد ومسلم
-
الحديث أخرجه أيضا الترمذي ولفظ مسلم : إن زيد بن أرقم رأى قوما يصلون من الضحى
فقال : أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال : ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ) وفي رواية له : ( خرج
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل قباء وهم يصلون فقال : ( صلاة الأوابين
إذا رمضت الفصال ) . زاد ابن أبي شيبة في المصنف : ( وهم يصلون الضحى فقال : صلاة
الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى ) . وفي رواية لابن مردويه في تفسيره : ( وهم
يصلون بعد ما ارتفعت الشمس ) . وفي رواية له أنه وجدهم قد بكروا بصلاة الظهر فقال
ذلك . وفي رواية للطبراني أنه مر بهم وهم يصلون الضحى حين أشرقت الشمس
قوله : ( الأوابين ) جمع أواب وهو الراجع إلى الله تعالى من آب إذا رجع
قوله : ( إذا رمضت ) بفتح الراء وكسر الميم وفتح الضاد المعجمة أي احترقت من حر
الرمضاء وهي شدة الحر . والمراد إذا وجد الفصيل حر الشمس ولا يكون ذلك إلا عند
ارتفاعها
( والحديث ) يدل على أن المستحب فعل الضحى في ذلك الوقت . وقد توهم أن قول زيد بن
أرقم أن الصلاة في غير هذه [ ص 81 ] الساعة أفضل كما في رواية مسلم يدل على نفي
الضحى وليس الأمر كذلك بل مراده أن تأخير الضحى إلى ذلك الوقت أفضل
8
- وعن عاصم بن ضمرة قال : ( سألنا عليا عن تطوع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بالنهار فقال : كان إذا صلى الفجر أمهل حتى إذا كانت الشمس من ههنا يعني من المشرق
مقدارها من صلاة العصر من ههنا قبل المغرب قام فصلى ركعتين ثم يمهل حتى إذا كانت
الشمس من ههنا يعني من قبل المشرق مقدارها من صلاة الظهر من ههنا يعني من قبل
المغرب قام فصلى أربعا وأربعا قبل الظهر إذا زالت الشمس ركعتين بعدها وأربعا قبل
العصر يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن يتبعهم من
المسلمين والمؤمنين )
- رواه الخمسة إلا أبا داود
-
الحديث حسنه الترمذي وأسانيده ثقات وعاصم بن ضمرة فيه مقال ولكن قد وثقه ابن معين
وعلي بن المديني
قوله : ( إذا كانت الشمس من ههنا ) يعني من المشرق مقدارها من صلاة العصر من ههنا
قبل المغرب المراد من هذا أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى ركعتي الضحى ومقدار
ارتفاع الشمس من جهة المشرق كمقدار ارتفاعها من جهة المغرب عند صلاة العصر وفيه
تبيين وقتها
قوله : ( حتى إذا كانت الشمس ) إلى قوله ( قام فصلى أربعا ) المراد إذا كان مقدار
بعد الشمس من مشرقها كمقدار بعدها من مغربها عند صلاة الظهر قام فصلى ذلك المقدار
قوله : ( إذا زالت الشمس ) هذا تبيين لما قبله ( وفيه دليل ) على استحباب أربع
ركعات إذا زالت الشمس . قال العراقي : وهي غير الأربع التي هي سنة الظهر قبلها .
وممن نص على استحباب صلاة الزوال الغزالي في الإحياء في كتاب الأوراد
ويدل على ذلك ما رواه أبو الوليد بن مغيث الصفار عن عبد الملك بن حبيب قال : بلغني
عن ابن مسعود : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما من عبد مسلم يصلي
أربع ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر يحسن فيها الركوع والسجود والخشوع يقرأ في كل
ركعة بفاتحة الكتاب ) وذكر حديثا طويلا . ورواه الطبراني موقوفا على ابن مسعود
وما أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم إذا استوى النهار خرج إلى بعض حيطان المدينة ) وفيه : ( قام فصلى أربع
ركعات لم يتشهد بينهن ويسلم في آخر الأربع )
وقد بوب الترمذي للصلاة عند الزوال وذكر [ ص 82 ] حديث عبد الله بن السائب : ( أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي أربعا حين تزول الشمس )
وأشار إلى حديث علي هذا وإلى حديث أبي أيوب وهو عند ابن ماجه وأبي داود بلفظ : (
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن
أبواب السماء )
قوله : ( وركعتين بعدها وأربعا قبل العصر ) الخ قد تقدم الكلام على ذلك
باب تحية المسجد
1
- عن أبي قتادة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا دخل أحدكم
المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )
- رواه الجماعة والأثرم في سننه . ولفظه : ( أعطوا المساجد حقها قالوا : وما حقها
قال : أن تصلوا ركعتين قبل أن تجلسوا )
-
حديث أبي قتادة أورده البخاري بلفظ النهي كما ذكره المصنف وبلفظ الأمر فروي من
طريق عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال : إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس )
وأخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر
سليكا الغطفاني لما أتى يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب فقعد قبل
أن يصلي الركعتين أن يصليهما )
وأخرج مسلم عن جابر أيضا : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أتى المسجد
لثمن جمله الذي اشتراه منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي الركعتين ) والأمر
يفيد بحقيقته وجوب فعل التحية والنهي يفيد بحقيقته أيضا تحريم تركها وقد ذهب إلى
القول بالوجوب الظاهرية كما حكى ذلك عنهم ابن بطال . قال الحافظ في الفتح : والذي
صرح به ابن حزم عدمه
وذهب الجمهور إلى أنها سنة وقال النووي : إنه إجماع المسلمين قال : وحكى القاضي
عياض عن داود وأصحابه وجوبها . قال الحافظ في الفتح : واتفق أئمة الفتوى على أن
الأمر في ذلك للندب قال : ومن أدلة عدم الوجوب قوله صلى الله عليه وآله وسلم للذي
رآه يتخطى : ( اجلس فقد آذيت ) ولم يأمره بصلاة كذا استدل به الطحاوي وغيره وفيه
نظر انتهى
( ومن جملة ) أدلة الجمهور على عدم الوجوب ما أخرجه ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم
قال : كان أصحاب رسول الله صلى [ ص 83 ] الله عليه وآله وسلم يدخلون المسجد ثم
يخرجون ولا يصلون
( ومن أدلتهم ) أيضا حديث ضمام بن ثعلبة عند البخاري ومسلم والموطأ وأبي داود
والنسائي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عما فرض الله عليه من الصلاة
فقال : ( الصلوات الخمس فقال : هل علي غيرها قال : لا إلا أن تطوع ) وفي رواية
للبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود قال : ( الصلوات الخمس إلا أن تطوع )
ويجاب على عدم أمره صلى الله عليه وآله وسلم للذي رآه يتخطى بالتحية بأنه لا مانع
له أن يكون قد فعلها في جانب من المسجد قبل وقوع التخطي منه أو أنه كان ذلك قبل
الأمر بها والنهي عن تركها ولعل هذا وجه النظر الذي ذكره الحافظ ويجاب عن
الاستدلال بأن الصحابة كانوا يدخلون ويخرجون ولا يصلون بأن التحية إنما تشرع لمن
أراد الجلوس لما تقدم وليس في الرواية أن الصحابة كانوا يدخلون ويجلسون ويخرجون
بغير صلاة تحية وليس فيها إلا مجرد الدخول والخروج فلا يتم الاستدلال إلا بعد
تبيين أنهم كانوا يجلسون على أنه لا حجة في أفعالهم أما عند من لا يقول بحجية
الإجماع فظاهر
وأما عند القائل بذلك فلا يكون حجة إلا فعل جميعهم بعد عصره صلى الله عليه و سلم
لا في حياته كما تقرر في الأصول وتلك الرواية محتملة وأيضا يمكن أن يكون صدور ذلك
منهم قبل شرعيتها ويجاب عن حديث ضمام بن ثعلبة أولا بأن التعاليم الواقعة في مبادئ
الشريعة لا تصلح لصرف وجوب ما تجدد من الأوامر وإلا لزم قصر واجبات الشريعة على
الصلاة والصوم والحج والزكاة والشهادتين واللازم باطل فكذا الملزوم
أما الملازمة فلأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقتصر في تعليم ضمام بن ثعلبة في
هذا الحديث السابق نفسه على الخمس المذكورة كما في الأمهات وفي بعضها على أربع ثم
لما سمعه يقول بعد أن ذكر به ذلك : ( والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه قال :
أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق ) وتعليق الفلاح ودخول الجنة بصدقه في ذلك القسم
الذي صرح فيه بترك الزيادة على الأمور المذكورة مشعر بأن لا واجب عليه سواها إذ لو
فرض بأن عليه شيئا من الواجبات غيرها لما قرره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على
ذلك ومدحه به وأثبت له الفلاح ودخول الجنة فلو صلح قوله ( لا إلا أن تطوع ) لصرف
الأوامر الواردة بغير الخمس الصلوات لصلح قوله ( أفلح إن صدق ) و ( دخل الجنة إن
صدق ) لصرف الأدلة القاضية بوجوب ما عدا الأمور المذكورة
( وأما بطلان اللازم ) فقد ثبت بالأدلة المتواترة وإجماع الأمة أن واجبات [ ص 84 ]
الشريعة قد بلغت أضعاف أضعاف تلك الأمور فكان اللازم باطلا بالضرورة الدينية
وإجماع الأمة ويجاب ثانيا بأن قوله إلا أن تطوع ينفي وجوب الواجبات ابتداء لا
الواجبات بأسباب يختار المكلف فعلها كدخول المسجد مثلا لأن الداخل ألزم نفسه
الصلاة بالدخول فكأنه أوجبها على نفسه فلا يصح شمول ذلك الصارف لمثلها
ويجاب ثالثا بأن جماعة من المتمسكين بحديث ضمام بن ثعلبة في صرف الأمر بتحية
المسجد إلى الندب قد قالوا بوجوب صلوات خارجة عن الخمس كالجنازة وركعتي الطواف
والعيدين والجمعة فما هو جوابهم في إيجاب هذه الصلوات فهو جواب الموجبين لتحية
المسجد
( لا يقال ) الجمعة داخلة في الخمس لأنها بدل عن الظهر لأنا نقول لو كانت كذلك لم
يقع النزاع في وجوبها على الأعيان ولا احتيج إلى الاستدلال لذلك إذا عرفت هذا لاح
لك أن الظاهر ما قاله أهل الظاهر من الوجوب
( والحديث ) يدل على مشروعية التحية في جميع الأوقات وإلى ذلك ذهب جماعة من
العلماء منهم الشافعية وكرهها أبو حنيفة والأوزاعي والليث في وقت النهي وأجاب
الأولون بأن النهي إنما هو عما لا سبب له واستدلوا بأنه صلى الله عليه و سلم صلى
بعد العصر ركعتي الظهر وصلى ذات السبب ولم يترك التحية في حال من الأحوال بل أمر
الذي دخل المسجد وهو يخطب فجلس قبل أن يركع أن يقوم فيركع ركعتين مع أن الصلاة في
حال الخطبة ممنوع منها إلا التحية ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع خطبته
وأمره أن يصلي التحية فلولا شدة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما اهتم هذا الاهتمام
ذكر معنى ذلك النووي في شرح مسلم
والتحقيق أنه قد تعارض في المقام عمومات النهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة من غير
تفصيل والأمر للداخل بصلاة التحية من غير تفصيل فتخصيص أحد العمومين بالآخر تحكم
وكذلك ترجيح أحدهما على الآخر مع كون كل واحد منهما في الصحيحين بطرق متعددة ومع
اشتمال كل واحد منهما على النهي أو النفي الذي في معناه ولكنه إذا ورد ما يقضي
بتخصيص أحد العمومين عمل عليه وصلاته صلى الله عليه وآله وسلم سنة الظهر بعد العصر
مختص به لما ثبت عند أحمد وغيره ممن قدمنا ذكرهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لما قالت له أم سلمة : ( أفنقضيهما إذا فاتتا قال : لا ) ولو سلم عدم الاختصاص لما
كان في ذلك إلا جواز قضاء سنة الظهر لا جواز جميع ذوات الأسباب نعم حديث يزيد بن
الأسود الذي سيأتي : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للرجلين : ما منعكما
أن تصليا معنا فقالا : قد صلينا في رحالنا فقال : إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما
مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة ) وكانت تلك الصلاة صلاة الصبح كما سيأتي
يصلح لأن يكون من جملة المخصصات لعموم الأحاديث القاضية بالكراهة وكذلك ركعتا
الطواف وسيأتي تحقيق هذا في باب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها وباب الرخصة في
إعادة الجماعة وركعتي الطواف
وبهذا التقرير يعلم أن فعل تحية المسجد في الأوقات المكروهة وتركها لا يخلو عند
القائل بوجوبها من إشكال والمقام عندي من المضايق والأولى للمتورع ترك دخول
المساجد في أوقات الكراهة
قوله في حديث الباب : ( فلا يجلس ) قال الحافظ : صرح جماعة بأنه إذا خالف وجلس لا
يشرع له التدارك قال : وفيه نظر لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر أنه
دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أركعت ركعتين قال : لا قال
: قم فاركعهما ) ومثله قصة سليك المتقدم ذكرها وسيأتي ذكرها في أبواب الجمعة
وقال الطبري : يحتمل أن يقال وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة وبعده وقت جواز أو يقال
وقتهما قبله أداء وبعده قضاء
قال الحافظ : ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل وظاهر
التعليق بالجلوس أنه ينتفي النهي بانتفائه فلا يلزم التحية من دخل المسجد ولم يجلس
ذكر معنى ذلك ابن دقيق العيد وتعقب بأن الجلوس نفسه ليس هو المقصود بالتعليق عليه
بل المقصود الحصول في بقعته واستدل على ذلك بما عند أبي داود بلفظ : ( ثم ليقعد
بعد إن شاء أو ليذهب لحاجته إن شاء ) والظاهر ما ذكره ابن دقيق العيد
قوله : ( حتى يصلي ركعتين ) قال الحافظ في الفتح : هذا العدد لا مفهوم لأكثره
باتفاق واختلف في أقله والصحيح اعتباره فلا تتأدى هذه السنة بأقل من ركعتين انتهى
وظاهر الحديث أن التحية مشروعة وإن تكرر الدخول إلى المسجد ولا وجه لما قاله البعض
من عدم التكرر قياسا على المترددين إلى مكة في سقوط الإحرام عليهم
( فائدة ) ذكر ابن القيم أن تحية المسجد الحرام الطواف لأن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم بدأ فيه بالطواف وتعقب بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يجلس إذ التحية
إنما تشرع لمن جلس كما تقدم والداخل إلى المسجد الحرام يبدأ بالطواف ثم يصلي صلاة
المقام فلا يجلس إلا وقد صلى فأما لو دخل المسجد الحرام وأراد القعود قبل الطواف
فإنه يشرع له أن يصلي التحية
ومن جملة ما استثني من عموم التحية دخول المسجد لصلاة العيد لأنه صلى الله عليه
وآله وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها وتعقب بأنه صلى الله عليه [ ص 86 ] وآله وسلم لم
يجلس حتى يتحقق في حقه ترك التحية . وأيضا الجبانة ليست بمسجد فلا تحية لها فلا
يلحق بذلك من دخل لصلاة العيد في مسجد وأراد الجلوس قبل الصلاة ولكنه سيأتي في
أبواب صلاة العيد حديث مرفوع يدل على منع التحية قبل صلاة العيد وبعدها
ومن جملة ما استثني من عموم التحية من دخل المسجد وقد أقيمت الفريضة فإنها لا تشرع
لحديث أبي هريرة عند مسلم وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان مرفوعا بلفظ : ( إذا
أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )
باب الصلاة عقيب الطهور
1
- عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبلال عند صلاة الصبح :
يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة
قال : ما عملت عملا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت
بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي )
- متفق عليه
-
قوله ( لبلال ) هو ابن رباح المؤذن
قوله : ( عند صلاة الصبح ) فيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام لأن عادته صلى الله
عليه وآله وسلم أنه كان يعبر ما رآه ويعبر ما رآه أصحابه بعد صلاة الفجر كما وردت
بذلك الأحاديث ويدل على ذلك أن الجنة لا يدخلها أحد إلا بعد الموت
قوله : ( بأرجى عمل ) بلفظ أفعل التفضيل وإضافة الرجاء إلى العمل لأنه سبب الداعي
إليه
قوله : ( في الإسلام ) زاد مسلم في روايته منفعة عندك
قوله : ( فإني سمعت ) زاد مسلم : ( الليلة ) وفيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام
كما تقدم
قوله : ( دف نعليك ) بفتح المهملة وتثقيل الفاء وضبطه المحب الطبري بالذال المعجمة
قال الخليل : دف الطائر إذا حرك جناحيه وهو قائم على رجليه . وقال الحميدي : الدف
الحركة الخفيفة . ووقع في رواية مسلم ( خشف نعليك ) بفتح الخاء وسكون الشين
المعجمتين وتخفيف الفاء قال أبو عبيد وغيره : الخشف الحركة الخفيفة ووقع في رواية
عند أحمد والترمذي وغيرهما خشخشة بمعجمتين مكررتين وهو بمعنى الحركة أيضا
قوله : ( إني لم أتطهر ) بفتح الهمزة ومن مقدرة قبله صلة لأفعل التفضيل وهي ثابتة
في رواية مسلم
قوله : ( ما كتب لي ) أي قدر وهو أعم من الفريضة والنافلة . قال ابن التين : إنما
اعتقد بلال ذلك لأنه علم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن [ ص 87 ] الصلاة
أفضل الأعمال وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر وبهذا التقدير يندفع إيراد من أورد
عليه غير ما ذكر من الأعمال الصالحة ( 1 )
( وللحديث ) فوائد منها جواز الاجتهاد في توقيت العبادة والحث على الصلاة عقيب
الوضوء وسؤال الشيخ عن عمل تلميذه فيحضه عليه
واستدل به على جواز الصلاة في الأوقات المكروهة لعموم قوله ( في ساعة من ليل أو
نهار ) وتعقب بأن الأخذ بعمومه ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي
_________
( 1 ) قال الحافظ في الفتح بعد ما أورد كلام ابن التين هذا : والذي يظهر أن المراد
بالأعمال التي سأله عن أرجاها الأعمال المتطوع بها وإلا فالمفروضة أفضل قطعا
باب صلاة الاستخارة
1
- عن جابر بن عبد الله قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا
الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول : إذا هم أحدكم بالأمر
فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك
وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم
إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري
وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني
ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير
حيث كان ثم أرضني به قال : ويسمي حاجته )
- رواه الجماعة إلا مسلما
-
الحديث مع كونه في صحيح البخاري ومع تصحيح الترمذي وأبي حاتم له قد ضعفه أحمد بن
حنبل وقال : إن حديث عبد الرحمن بن أبي الموالي يعني الذي أخرجه هؤلاء الجماعة من
طريقه منكر في الاستخارة
وقال ابن عدي في الكامل في ترجمة عبد الرحمن المذكور أنه أنكر عليه حديث الاستخارة
قال : وقد رواه غير واحد من الصحابة انتهى
وقد وثق عبد الرحمن بن أبي الموالي جمهور أهل العلم كما قال العراقي وقال أحمد بن
حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم : لا بأس به
( وفي الباب ) عن ابن مسعود عند الطبراني قال : ( علمنا رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم الاستخارة قال : إذا أراد أحدكم أمرا فليقل )
فذكر نحو حديث الباب وفي إسناده صالح بن موسى بن إسحاق بن طلحة [ ص 88 ] التيمي
وهو متروك كما ذكر في التقريب وعن أبي أيوب عند الطبراني في الكبير وابن حبان في
صحيحه وفيه : ( ثم قل اللهم إنك تقدر ولا أقدر ) وذكر الحديث
وعن أبي بكر الصديق عند الترمذي في الدعوات : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان
إذا أراد أمرا قال اللهم خر لي واختر لي ) وفي إسناده ضعف
وعن أبي سعيد عند أبي يعلى الموصل بلفظ : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
يقول : إذا أراد أحدكم أمرا فليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك ) الحديث . وزاد في
آخره : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) قال العراقي : وإسناده جيد
وعن سعد بن أبي وقاص عند أحمد وأبي يعلى والبزار في مسانيدهم قال : ( قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : من سعادة ابن آدم استخارته الله عز و جل ) قال البزار
: ولا نعلمه بهذا اللفظ إلا عن سعد ولا رواه عنه إلا ابنه محمد قال العراقي : قد
رواه البزار أيضا من رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه نحوه وكلاهما لا يصح
إسناده وأصل الحديث عند الترمذي في الرضا والسخط
وعن ابن عباس وابن عمر عند الطبراني في الكبير قالا : ( كان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن اللهم إني أستخيرك )
الحديث إلى قوله ( علام الغيوب ) وفي إسناده عبد الله بن هانئ بن عبد الرحمن بن
أبي عبلة وهو متهم بالكذب . وعن ابن عمر حديث آخر عند الطبراني في الأوسط بنحو
حديثه الأول
قوله : ( في الأمور كلها ) دليل على العموم وأن المرء لا يحتقر أمرا لصغره وعدم
الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر
عظيم أو في تركه ولذلك قال صلى الله عليه و سلم : ( ليسأل أحدكم ربه حتى في شسع
نعله )
قوله : ( كما يعلمنا السورة من القرآن ) فيه دليل على الاهتمام بأمر الاستخارة
وأنه متأكد مرغب فيه قال العراقي : ولم أجد من قال بوجوب الاستخارة مستدلا بتشبيه
ذلك بتعليم السورة من القرآن كما استدل بعضهم على وجوب التشهد في الصلاة بقول ابن
مسعود كان يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن
( فإن قال قائل ) إنما دل على وجوب التشهد الأمر في قوله ( فليقل التحيات لله )
الحديث . قلنا وهذا أيضا فيه الأمر بقوله ( فليركع ركعتين ثم ليقل ) فإن قال الأمر
في هذا تعلق بالشرط وهو قوله ( إذا هم أحدكم بالأمر ) قلنا إنما يؤمر به عند إرادة
ذلك لا مطلقا كما قال في التشهد ( إذا صلى أحدكم فليقل التحيات ) قال : ومما يدل
على عدم وجوب الاستخارة الأحاديث الصحيحة الدالة على انحصار فرض الصلاة في الخمس
من قوله ( هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع ) وغير ذلك انتهى . وفيه ما قدمنا لك
في باب تحية المسجد
قوله : ( فليركع ركعتين ) فيه [ ص 89 ] أن السنة في الاستخارة كونها ركعتين فلا
تجزئ الركعة الواحدة وهل يجزئ في ذلك أن يصلي أربعا أو أكثر بتسليمة يحتمل أن يقال
يجزئ ذلك لقوله في حديث أبي أيوب : ( ثم صل ما كتب الله لك ) فهو دال على أنها لا
تضر الزيادة على الركعتين ومفهوم العدد في قوله : ( فليركع ركعتين ) ليس بحجة على
قول الجمهور
قوله : ( من غير الفريضة ) فيه أنه لا يحصل التسنن بوقوع الدعاء بعد صلاة الفريضة
والسنن الراتبة وتحية المسجد وغير ذلك من النوافل
وقال النووي في الأذكار : إنه يحصل التسنن بذلك وتعقب بأنه صلى الله عليه و سلم
إنما أمر بذلك بعد حصول الهم بالأمر فإذا صلى راتبة أو فريضة ثم هم بأمر بعد
الصلاة أو في أثناء الصلاة لم يحصل بذلك الإتيان بالصلاة المسنونة عند الاستخارة .
قال العراقي : إن كان همه بالأمر قبل وقوع الشروع في الراتبة ونحوها ثم صلى من غير
نية الاستخارة وبدا له بعد الصلاة الإتيان بدعاء الاستخارة فالظاهر حصول ذلك
قوله : ( ثم ليقل ) فيه أنه لا يضر تأخر دعاء الاستخارة عن الصلاة ما لم يطل الفصل
وأنه لا يضر الفصل بكلام آخر يسير خصوصا إن كان من آداب الدعاء لأنه أتى بثم
المقتضية للتراخي
قوله : ( أستخيرك ) أي أطلب منك الخير أو الخيرة قال صاحب المحكم : استخار الله
طلب منه الخير . وقال صاحب النهاية : خار الله لك أي أعطاك الله ما هو خير لك قال
: والخيرة بسكون الياء الاسم منه قال : فأما بالفتح فهي الاسم من قوله اختاره الله
قوله : ( بعلمك ) الباء للتعليل أي بأنك أعلم وكذا قوله بقدرتك
قوله : ( ومعاشي ) المعاش والعيشة واحد يستعملان مصدرا واسما قال صاحب المحكم :
العيش الحياة قال : والمعيش والمعاش والمعيشة ما يؤنس به انتهى
قوله : ( أو قال عاجل أمري ) هو شك من الراوي
قوله ( فاصرفه عني واصرفني عنه هو طلب الأكمل من وجوه انصراف ما ليس فيه خيرة عنه
ولم يكتف بسؤال صرف أحد الأمرين لأنه قد يصرف الله المستخير عن ذلك الأمر بأن
ينقطع طلبه له وذلك الأمر الذي ليس فيه خيرة بطلبه فربما أدركه وقد يصرف الله عن
المستخير ذلك الأمر ولا يصرف قلب العبد عندئذ بل يبقى متطلعا متشوقا إلى حصوله فلا
يطيب له خاطر إلا بحصوله فلا يطمئن خاطره فإذا صرف كل منهما عن الآخر كان ذلك أكمل
ولذلك قال : واقد لي الخير حيث كان ثم أرضني به لأنه إذا قدر له الخير ولم يرض به
كان منكد العيش آثما بعدم رضاه بما قدره الله له مع كونه خيرا له
قوله : ( ويسمي حاجته ) أي في أثناء الدعاء عند ذكرها بالكناية عنها في قوله إن
كان هذا الأمر
( والحديث ) يدل على مشروعية [ ص 90 ] صلاة الاستخارة والدعاء عقبيها ولا أعلم في
ذلك خلافا وهل يستحب تكرار الصلاة والدعاء قال العراقي : الظاهر الاستحباب وقد ورد
في حديث تكرار الاستخارة سبعا رواه ابن السني من حديث أنس مرفوعا بلفظ : ( إذا
هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه
)
قال النووي في الأذكار : إسناده غريب فيه من لا أعرفهم . قال العراقي : كلهم
معروفون ولكن بعضهم معروف بالضعف الشديد وهو إبراهيم بن البراء بن النضر بن أنس بن
مالك وقد ذكره في الضعفاء العقيلي وابن حبان وابن عدي والأزدي
قال العقيلي : يحدث عن الثقات بالبواطيل وكذا قال ابن عدي . وقال ابن حبان : شيخ
كان يدور بالشام يحدث عن الثقات بالموضوعات لا يجوز ذكره إلا على سبيل القدح فيه
وقد رواه الحسن بن سعيد الموصلي فقال حدثنا إبراهيم بن حبان بن النجار حدثنا أبي
عن أبيه النجار عن أنس فكأنه دلسه وسماه النجار لكونه من بني النجار
قال العراقي : فالحديث على هذا ساقط لا حجة فيه نعم قد يستدل للتكرار بأن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا دعا دعا ثلاثا الحديث الصحيح وهذا وإن كان المراد
به تكرار الدعاء في الوقت الواحد فالدعاء الذي تسن الصلاة له تكرر الصلاة له
كالاستسقاء . قال النووي : ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له فلا ينبغي أن
يعتمد على انشراح كان له فيه هوى قبل الاستخارة بل ينبغي للمستخير ترك اختياره
رأسا وإلا فلا يكون مستخيرا لله بل يكون مستخيرا لهواه وقد يكون غير صادق في طلب
الخيرة وفي التبرئ من العلم والقدرة وإثباتهما لله تعالى فإذا صدق في ذلك تبرأ من
الحول والقوة ومن اختياره لنفسه
باب ما جاء في طول القيام وكثرة الركوع والسجود
1
- عن أبي هريرة : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أقرب ما يكون العبد من
ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
-
قوله : ( من ربه ) أي من رحمة ربه وفضله
قوله : ( وهو ساجد ) الواو للحال أي أقرب حالاته من الرحمة حال كونه ساجدا وإنما
كان في السجود أقرب من سائر أحوال الصلاة وغيرها لأن العبد بقدر ما يبعد عن نفسه
يقرب من ربه والسجود [ ص 91 ] غاية التواضع وترك التكبر وكسر النفس لأنها لا تأمر
الرجل بالمذلة ولا ترضى بها ولا بالتواضع بل بخلاف ذلك فإذا سجد فقد خالف نفسه وبعد
عنها فإذا بعد عنها قرب من ربه
قوله : ( فأكثروا الدعاء ) أي في السجود لأنه حالة قرب كما تقدم وحالة القرب مقبول
دعاؤها لأن السيد يحب عبده الذي يطيعه ويتواضع له ويقبل منه ما يقوله وما يسأله
( والحديث ) يدل على مشروعية الاستكثار من السجود ومن الدعاء فيه . وفيه دليل لمن
قال السجود أفضل من القيام وسيأتي ذكر الخلاف في ذلك
2
- وعن ثوبان قال : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : عليك بكثرة السجود
فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط بها عنك خطيئة )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
-
الحديث لفظه في صحيح مسلم قال يعني معدان بن أبي طلحة اليعمري : ( لقيت ثوبان مولى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة
أو قال بأحب الأعمال إلى الله فسكت ثم سألته فسكت ثم سألته الثالثة فقال : سألت عن
ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) فذكر الحديث وهو يدل على أن كثرة السجود
مرغب فيها والمراد به السجود في الصلاة وسبب الحث عليه ما تقدم في الحديث الذي قبل
هذا أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وهو موافق لقوله تعالى { واسجد واقترب
} كذا قال النووي . وفيه دليل لمن يقول أن السجود أفضل من القيام وسائر أركان
الصلاة
( وفي هذه المسألة ) مذاهب : أحدها : أن تطويل السجود وتكثير الركوع والسجود أفضل
حكاه الترمذي والبغوي عن جماعة وممن قال بذلك ابن عمر
والمذهب الثاني : أن تطويل القيام أفضل لحديث جابر الآتي وإلى ذلك ذهب الشافعي
وجماعة وهو الحق كما سيأتي
والمذهب الثالث : أنهما سواء وتوقف أحمد بن حنبل في المسألة ولم يقض فيها بشيء
وقال إسحاق بن راهويه : أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل وأما في الليل
فتطويل القيام إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه فتكثير الركوع والسجود أفضل
لأنه يقرأ جزأه ويربح كثرة الركوع والسجود
قال ابن عدي : إنما قال إسحاق هذا لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه و سلم
بالليل بطول القيام ولم يوصف من تطويله بالنهار ما وصف من تطويله بالليل [ ص 92 ]
3
- عن ربيعة بن كعب قال : ( كنت أبيت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتيه بوضوئه
وحاجته فقال : سلني فقلت : أسألك مرافقتك في الجنة فقال : أو غير ذلك فقلت : هو
ذاك فقال : أعني على نفسك بكثرة السجود )
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود
-
قوله : ( سلني ) فيه جواز قول الرجل لأتباعه ومن يتولى خدمته سلوني حوائجكم
قوله : ( مرافقتك ) فيه دليل على أن من الناس من يكون مع الأنبياء في الجنة . وفيه
أيضا جواز سؤال الرتب الرفيعة التي تكبر عن السائل
قوله : ( أعني على نفسك بكثرة السجود ) فيه أن السجود من أعظم القرب التي يكون
بسببها ارتفاع الدرجات عند الله إلى حد لا يناله إلا المقربون وبه أيضا استدل من
قال أن السجود أفضل من القيام كما تقدم
4
- وعن جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : أفضل الصلاة طول القنوت )
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وصححه
-
وفي الباب عن عبد الله بن حبشي عند أبي داود والنسائي : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم سئل : أي الأعمال أفضل قال : إيمان لا شك فيه ) الحديث . وفيه : ( فأي
الصلاة أفضل قال : طول القنوت ) وعن أبي ذر عند أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم
في المستدرك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل . قال فيه : ( فأي
الصلاة أفضل قال : طول القنوت )
قوله : ( طول القنوت ) هو يطلق بإزاء معان قد قدمنا ذكرها والمراد هنا طول القيام
قال النووي : باتفاق العلماء ويدل على ذلك تصريح أبي داود في حديث عبد الله بن
حبشي : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل أي الأعمال أفضل قال : طول القيام )
( والحديث ) يدل على أن القيام أفضل من السجود والركوع وغيرهما وإلى ذلك ذهب جماعة
منهم الشافعي كما تقدم وهو الظاهر ولا يعارض حديث الباب وما في معناه الأحاديث
المتقدمة في فضل السجود لأن صيغة أفعل الدالة على التفضيل إنما وردت في فضل طول
القيام ولا يلزم من فضل الركوع والسجود أفضليتهما على طول القيام
وأما حديث ما تقرب العبد إلى الله بأفضل من سجود خفي فإنه لا يصح لإرساله كما قال
العراقي ولأن في إسناده أبا بكر ابن أبي مريم وهو ضعيف وكذلك أيضا لا يلزم من كون
العبد أقرب إلى ربه حال سجوده بأفضليته على القيام لأن ذلك إنما هو باعتبار إجابة
الدعاء
قال العراقي : الظاهر أن أحاديث أفضلية طول القيام محمولة على صلاة النفل [ ص 93 ]
التي لا تشرع فيها الجماعة وعلى صلاة المنفرد فأما الإمام في الفرائض والنوافل فهو
مأمور بالتخفيف المشروع إلا إذا علم من حال المأمومين المحصورين إيثار التطويل ولم
يحدث ما يقتضي التخفيف من بكاء صبي ونحوه فلا بأس بالتطويل وعليه يحمل صلاته في
المغرب بالأعراف كما تقدم
5
- وعن المغيرة بن شعبة قال : ( إن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليقوم
ويصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه فيقال له فيقول أفلا أكون عبدا شكورا )
- رواه الجماعة إلا أبا داود
-
في الباب عن أنس عند البزار وأبي يعلى والطبراني في الأوسط مثل حديث المغيرة قال
العراقي : ورجاله رجال الصحيح
وعن ابن مسعود عند الطبراني في الأوسط بنحوه
وعن النعمان بن بشير عند الطبراني في الأوسط أيضا بنحوه وفي إسناده سليمان بن
الحكم وهو ضعيف
وعن أبي جحيفة عند الطبراني في الكبير بنحوه وفي إسناده أبو قتادة عبد الله بن
واقد الحراني ضعفه البخاري والجمهور ووثقه ابن معين في رواية وأحمد وقال ربما أخطأ
وعن عائشة عند البخاري : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم حتى تنفطر
قدماه ) الحديث . وعنها حديث آخر عند أبي داود : ( أن أول سورة المزمل نزلت فقام
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى انتفخت أقدامهم )
وعن سفينة عند البزار : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم تعبد قبل أن يموت واعتزل
النساء حتى صار كأنه شن )
قوله : ( حتى ترم قدماه ) الورم الانتفاخ
قوله : ( أفلا أكون عبدا شكورا ) فيه أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان ومنه
قوله تعالى { اعملوا آل داود شكرا }
( والحديث ) يدل على مشروعية اجتهاد النفس في العبادة من الصلاة وغيرها ما لم يؤده
ذلك إلى الملال وكانت حاله صلى الله عليه وآله وسلم أكمل الأحوال فكان لا يمل من
عبادة ربه بل كان في الصلاة قرة عينه وراحته كما قال في الحديث الذي رواه النسائي
عن أنس ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) وكما قال في الحديث الذي رواه أبو داود : (
أرحنا بها يا بلال ) [ ص 94 ]
باب إخفاء التطوع وجوازه جماعة
1
- عن زيد بن ثابت : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أفضل الصلاة صلاة المرء
في بيته إلا المكتوبة )
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه لكن له معناه من رواية عبد الله بن سعد
-
حديث عبد الله بن سعد الذي أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى أخرجه أيضا الترمذي
في الشمائل ولفظه قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أيما أفضل الصلاة في
بيتي أو الصلاة في المسجد قال : ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد فلأن أصلي في
بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة )
وفي الباب عن عمر بن الخطاب عند ابن ماجه قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه و
سلم فقال : أما صلاة الرجل في بيته فنور فنوروا بيوتكم ) وفيه انقطاع
وعن جابر عند مسلم في أفراده قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا قضى
أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته فإن الله عز و جل جاعل في بيته
من صلاته خيرا )
وعن أبي سعيد عند ابن ماجه مثل حديث جابر قال العراقي : وإسناده صحيح
وعن أبي هريرة عند مسلم والنسائي قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا
تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة )
وعن ابن عمر عند الشيخين وأبي داود : ( عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : صلوا
في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا ) وفي لفظ متفق عليه : ( صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها
قبورا )
وعن عائشة عند أحمد : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول : صلوا في
بيوتكم ولا تجعلوها عليكم قبورا )
وعن زيد بن خالد عند أحمد والبزار والطبراني قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه
و سلم : صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا ) قال العراقي : وإسناده صحيح
وعن الحسن بن علي عند أبي يعلى بنحو حديث زيد بن خالد وفي إسناده عبد الله بن نافع
وهو ضعيف
وعن صهيب بن النعمان عند الطبراني في الكبير قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه
و سلم : فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل المكتوبة على
النافلة ) وفي إسناده محمد بن مصعب وثقه أحمد بن حنبل وضعفه ابن معين وغيره
( الحديث ) يدل على استحباب فعل صلاة التطوع في البيوت وأن فعلها فيها أفضل من
فعلها في المساجد ولو كانت المساجد فاضلة كالمسجد الحرام ومسجده صلى الله عليه
وآله وسلم ومسجد بيت المقدس . وقد ورد التصريح [ ص 95 ] بذلك في إحدى روايتي أبي
داود لحديث زيد بن ثابت فقال فيها : ( صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي
هذا إلا المكتوبة ) قال العراقي : وإسناده صحيح فعلى هذا لو صلى نافلة في مسجد
المدينة كانت بألف صلاة على القول بدخول النوافل في عموم الحديث وإذا صلاها في
بيته كانت أفضل من ألف صلاة وهكذا حكم المسجد الحرام وبيت المقدس
وقد استثنى أصحاب الشافعي من عموم أحاديث الباب عدة من النوافل فقالوا فعلها في
غير البيت أفضل وهي ما تشرع فيها الجماعة كالعيدين والكسوف والاستسقاء وتحية
المسجد وركعتي الطواف وركعتي الإحرام
قوله : ( إلا المكتوبة ) قال العراقي : هو في حق الرجال دون النساء فصلاتهن في
البيوت أفضل وإن أذن لهن في حضور بعض الجماعات وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في
الحديث الصحيح : ( إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن وبيوتهن خير
لهن ) والمراد بالمكتوبة هنا الواجبات بأصل الشرع وهي الصلوات الخمس دون المنذورة
قال النووي : إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء وأصون من
محبطات الأعمال وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان
كما جاء في الحديث
2
- وعن عتبان بن مالك أنه قال : ( يا رسول الله إن السيول لتحول بيني وبين مسجد
قومي فأحب أن تأتيني فتصلي في مكان من بيتي أتخذه مسجدا فقال : سنفعل فلما دخل قال
: أين تريد فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فصففنا خلفه فصلى بنا ركعتين )
- متفق عليه . وقد صح التنفل جماعة من رواية ابن عباس وأنس رضي الله عنهما
-
حديث ابن عباس الذي أشار إليه المصنف له ألفاظ في البخاري وغيره أحدها أنه قال : (
صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة فقمت عن يساره فأخذ رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه )
وحديث أنس المشار إليه أيضا له ألفاظ كثيرة في البخاري وغيره وأحدها أنه قال : (
صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه و سلم وأمي وأم سليم خلفنا )
الأحاديث ساقها المصنف ههنا للاستدلال بها على صلاة النوافل جماعة وهي كما ذكر
وليس للمانع من ذلك متمسك يعارض به هذه الأدلة
( وفي حديث ) عتبان فوائد منها جواز التخلف عن الجماعة في المطر والظلمة ونحو ذلك
. ومنها جواز اتخاذ موضع معين للصلاة وأما النهي عن إيطان موضع معين [ ص 96 ] من
المسجد ففيه حديث رواه أبو داود وهو محمول على ما إذا استلزم رياء ونحوه . وفيه
تسوية الصفوف وأن عموم النهي عن إمامة الزائر من زاره مخصوص بما إذا كان الزائر هو
الإمام الأعظم فلا يكره وكذا من أذن له صاحب المنزل . وفيه أنه يشرع لمن دعي من
الصالحين للتبرك به الإجابة وإجابة الفاضل دعوة المفضول وغير ذلك من الفوائد
وفي حديث ابن عباس فوائد كثيرة أيضا ذكر بعضهم منها عشرين فائدة وهي تزيد على ذلك
. وكذلك حديث أنس له فوائد وهما يدلان على أن الصبي يسد الجناح وفي ذلك خلاف معروف
باب أن أفضل التطوع مثنى مثنى
- فيه عن ابن عمر وعائشة وأم هانئ وقد سبق
1
- وعن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : صلاة الليل والنهار
مثنى مثنى )
- رواه الخمسة وليس هذا بمناقض لحديثه الذي خص فيه الليل بذلك لأنه وقع جوابا عن
سؤال سائل عينه في سؤاله
-
حديث ابن عمر الذي أشار إليه المصنف قد تقدم في باب الوتر بركعة . وحديث عائشة
المشار إليه تقدم في باب الوتر بركعة أيضا . وحديث أم هانئ تقدم في باب الضحى .
وحديث ابن عمر المذكور في الباب قد تقدم الكلام عليه أيضا في شرح حديثه المتقدم في
باب الوتر بركعة
( وفي الباب ) عن عمرو بن عبسة عند أحمد بدون ذكر النهار
وعن ابن عباس عند الطبراني وابن عدي بنحو حديث عمرو بن عبسة
وعن عمار عند الطبراني في الكبير بنحوه وفي إسناده الربيع بن بدر وهو ضعيف
( والحديث ) يدل على أن المستحب في صلاة تطوع الليل والنهار أن يكون مثنى مثنى إلا
ما خص من ذلك أما في جانب الزيادة كحديث عائشة ( صلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن
وطولهن ثم صلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ) وأما في جانب النقصان كأحاديث الإيتار
بركعة
وقد أشار المصنف رحمه الله إلى الجمع بين حديث ابن عمر هذا وحديثه الذي تقدم
الاقتصار فيه على صلاة الليل بأن حديثه المتقدم وقع جوابا لسؤال سائل وأيضا حديثه
هذا مشتمل على زيادة وقعت غير منافية فيتحتم العمل بها كما تقدم [ ص 97 ]
2 - وعن أبي أيوب : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا قام يصلي من الليل صلى أربع ركعات لا يتكلم ولا يأمر بشيء ويسلم بين كل ركعتين )
3 - وعن عائشة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يرقد فإذا استيقظ تسوك ثم توضأ ثم صلى ثمان ركعات يجلس في كل ركعتين ويسلم ثم يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في الخامسة )
4
- وعن المطلب ابن ربيعة : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الصلاة مثنى
مثنى وتشهد وتسلم في كل ركعتين وتبأس وتمسكن وتقنع يديك وتقول اللهم فمن لم يفعل
ذلك فهي خداج )
- رواهن ثلاثتهن أحمد
-
أما حديث أبي أيوب فأخرجه أيضا الطبراني في الكبير وفي إسناده واصل بن السائب وهو
ضعيف وزاد أحمد في رواية : ( يستاك من الليل مرتين أو ثلاثا )
وأما حديث عائشة فيشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس قال : ( كان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يحيي الليل بثماني ركعات ركوعهن كقراءتهن وسجودهن
كقراءتهن ويسلم بين كل ركعتين ) وفي إسناده جنادة بن مروان اتهمه أبو حاتم . وأما
الإيتار بخمس متصلة فهو ثابت عند مسلم والترمذي والنسائي من حديثها وقد تقدم
وأما حديث المطلب بن ربيعة فأخرجه أيضا أبو داود قال حدثنا محمد بن المثنى حدثنا
معاذ حدثنا شعبة حدثني عبد ربه بن سعيد عن أنس ابن أبي أنس عن عبد الله بن نافع عن
عبد الله بن الحارث عن المطلب فذكره
وقال المنذري : أخرجه البخاري وابن ماجه . وفي حديث ابن ماجه المطلب بن أبي وداعة
وهو وهم . وقيل هو عبد المطلب بن ربيعة وقيل الصحيح فيه ربيعة بن الحارث عن الفضل
بن عباس وأخطأ فيه شعبة في مواضع . وقال البخاري في التاريخ : إنه لا يصح اه .
ويشهد لصحته الأحاديث المذكورة في أول الباب
قوله : ( وتبأس ) قال ابن رسلان : بفتح المثناة الفوقانية وسكون الباء الموحدة
وفتح الهمزة والمعنى أن تظهر الخضوع وفي بعض النسخ تبايس بفتح الباء والتاء وبعد
الألف ياء تحتانية مفتوحة ومعناهما واحد . قال في القاموس : التباؤس التفاقر .
ويطلق أيضا على التخشع والتضرع
قوله : ( وتمسكن ) قال في القاموس : تمسكن صار مسكينا والمسكين من لا شيء له
والذليل والضعيف
قوله : ( وتقنع يديك ) بقاف فنون فعين مهملة أي ترفعهما . قال ابن رسلان : هو بضم
التاء وكسر النون قال : والإقناع رفع اليدين في الدعاء والمسألة . والخداج قد تقدم
تفسيره
والحديث الأول والثاني مقيدان بصلاة الليل . والحديث الثالث [ ص 98 ] مطلق وجميعها
يدل على مشروعية أن تكون صلاة التطوع مثنى مثنى إلا ما خص كما تقدم وفي هذه
الأحاديث فوائد . منها مشروعية التسوك عند القيام من النوم وقد تقدم الكلام عليه .
ومنها مشروعية التمسكن والتفاقر لأن ذلك من الأسباب للإجابة . ومنها مشروعية رفع
اليدين عند الدعاء وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم
يرفع يديه في دعاء قط إلا في أمور مخصوصة . قال النووي في شرح مسلم أنه وجد منها
في الصحيحين ثلاثين موضعا هذا معنى كلامه
5
- وعن أبي سعيد : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : في كل ركعتين تسليمة )
- رواه ابن ماجه
6
- وعن علي عليه السلام قال : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي حين تزيغ
الشمس ركعتين وقبل نصف النهار أربع ركعات يجعل التسليم في آخره )
- رواه النسائي
-
الحديث الأول في إسناده أبو سفيان السعدي طريف بن شهاب وقد ضعفه ابن معين ولكن له
شواهد قد تقدم ذكرها
والحديث الثاني أخرجه أيضا الترمذي وابن ماجه بألفاظ مختلفة في بعضها كما ذكر
المصنف وفي بعضها أربعا قبل الظهر وبعدها ركعتين وفي بعضها غير ذلك
وحديث أبي سعيد يدل على ما دلت عليه أحاديث صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقد
تقدمت وحديث علي يدل على جواز صلاة أربع ركعات متصلة في النهار فيكون من جملة
المخصصات لأحاديث صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وفيه جواز الصلاة عند الزوال وقد
تقدم الكلام في ذلك
باب جواز التنفل جالسا والجمع بين القيام والجلوس في الركعة الواحدة
1
- عن عائشة قالت : ( لما بدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثقل كان أكثر
صلاته جالسا )
- متفق عليه
-
قوله : ( لما بدن ) قال أبو عبيدة : بدن بفتح الدال المشددة تبدينا إذا أسن قال :
ومن رواه بضم الدال المخففة فليس له معنى هنا لأن معناه كثرة اللحم وهو خلاف صفته
صلى الله عليه وآله وسلم
قال القاضي عياض : روايتنا في مسلم عن جمهورهم بدن بالضم وعن العذري بالتشديد
وأراه إصلاحا قال : ولا ينكر اللفظان في حقه صلى الله عليه وآله وسلم [ ص 99 ] وقد
قالت عائشة : ( فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع ) كما في صحيح مسلم . وفي لفظ : (
ولحم ) وفي آخر : ( أسن وكثر لحمه )
( والحديث ) يدل على جواز التنفل قاعدا مع القدرة على القيام قال النووي : وهو
إجماع العلماء
2
- وعن حفصة قالت : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى في سبحته
قاعدا حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سبحته قاعدا وكان يقرأ بالسورة فيرتلها
حتى تكون أطول من أطول منها )
- رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه
-
قوله : ( سبحته ) بضم السين المهملة وسكون الباء الموحدة أي نافلته
( والحديث ) يدل على جواز صلاة التطوع من قعود وهو مجمع عليه كما تقدم . وفيه
استحباب ترتيل القراءة والمراد بقولها حتى تكون أطول من أطول منها أن مدة قراءته
لها أطول من قراءة سورة أخرى أطول منها إذا قرئت غير مرتلة وإلا فلا يمكن أن تكون
السورة نفسها أطول من أطول منها من غير تقييد بالترتيل والإسراع والتقييد بقبل
وفاته صلى الله عليه وآله وسلم بعام لا ينافي قول عائشة في الحديث الأول فلما بدن وثقل
كان أكثر صلاته جالسا لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم بدن وثقل قبل موته
بمقدار عام
وكذلك لا ينافي حديثها الآتي أنه صلى قاعدا حين أسن ولو فرض أنه صلى جالسا قبل
وفاته بأكثر من عام فلا تنافي أيضا لأن حفصة إنما نفت رؤيتها لا وقوع ذلك
3
- وعن عمران بن حصين أنه : ( سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الرجل
قاعدا قال : إن صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى
نائما فله نصف أجر القاعد )
- ورواه الجماعة إلا مسلما
-
وفي الباب عن عبد الله بن السائب عند الطبراني في الكبير قال : ( قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم : صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم ) وفي إسناده عبد
الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف
وعن عبد الله بن عباس عند ابن عدي في الكامل مثل حديث عبد الله بن السائب وفي
إسناده حماد بن يحيى . وقد اختلف فيه
وعن ابن عمر عند البزار في مسنده والطبراني وابن أبي شيبة بنحوه . وعن المطلب بن
أبي وداعة بنحوه . وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف . وعن عائشة عند
النسائي بنحوه
( والحديث ) يدل على جواز التنفل من قعود واضطجاع وهو المراد بقوله : [ ص 100 ] (
ومن صلى نائما ) قال الخطابي في معالم السنن : لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه
رخص في صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيها قاعدا فإن صحت هذه اللفظة عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ولم تكن من بعض الرواة مدرجة في الحديث قياسا على صلاة القاعد
أو اعتبارا بصلاة المريض نائما إذا لم يقدر على القعود دلت على جواز تطوع القادر
على القعود مضطجعا قال : ولا أعلم أني سمعت نائما إلا في هذا الحديث
وقال ابن بطال : وأما قوله ( من صلى نائما فله نصف أجر القاعد ) فلا يصح معناه عند
العلماء لأنهم مجمعون أن النافلة لا يصليها القادر على القيام إيماء قال : وإنما
دخل الوهم على ناقل الحديث وتعقب ذلك العراقي فقال : أما نفي الخطابي وابن بطال
للخلاف في صحة التطوع مضطجعا للقادر فمردود فإن في مذهب الشافعية وجهين الأصح
منهما الصحة
وعند المالكية ثلاثة أوجه حكاها القاضي عياض في الإكمال . أحدها الجواز مطلقا في
الاضطرار والاختيار للصحيح والمريض . وقد روى الترمذي بإسناده عن الحسن البصري
جوازه فكيف يدعي مع هذا الخلاف القديم والحديث الاتفاق انتهى
وقد اختلف شراح الحديث في الحديث هل هو محمول على التطوع أو على الفرض في حق غير
القادر فحمله الخطابي على الثاني وهو محمل ضعيف لأن المريض المفترض الذي أتى بما
يجب عليه من القعود والاضطجاع يكتب له جميع الأجر لا نصفه
قال ابن بطال : لا خلاف بين العلماء أنه لا يقال لمن لا يقدر على الشيء لك نصف أجر
القادر عليه بل الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من منعه الله
وحبسه عن عمله بمرض أو غيره يكتب له أجر عمله وهو صحيح اه . وحمله سفيان الثوري
وابن الماجشون على التطوع وحكاه النووي عن الجمهور وقال : إنه يتعين حمل الحديث
عليه وحكى الترمذي عن سفيان الثوري أنه قال : إن تنصيف الأجر إنما هو للصحيح فأما
من كان له عذر من مرض أو غيره فصلى جالسا فإنه مثل أجر القائم
4
- وعن عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي ليلا طويلا قائما
وليلا طويلا قاعدا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدا ركع
وسجد وهو قاعد )
- رواه الجماعة إلا البخاري
5
- وعن عائشة أيضا : ( أنها لم تر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي صلاة الليل
قاعدا قط حتى أسن وكان يقرأ قاعدا [ ص 101 ] حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا
من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع )
- رواه الجماعة . وزادوا إلا ابن ماجه : ( ثم يفعل في الركعة الثانية كذلك )
-
الحديث الأول يدل على أن المشروع لمن قرأ قائما أن يركع ويسجد من قيام ومن قرأ
قاعدا أن يركع ويسجد من قعود
والحديث الثاني يدل على جواز الركوع من قيام لمن قرأ قاعدا ويجمع بين الحديثين
بحمل قولها : ( وكان إذا قرأ وهو قائم وإذا قرأ قاعدا ) في الحديث الأول على أن
المراد جميع القراءة بمعنى أنه لا يفرغ من القراءة قاعدا فيقوم للركوع والسجود ولا
يفرغ منها قائما فيقعد للركوع والسجود فأما إذا افتتح الصلاة قائما ثم قرأ بعض
القراءة جاز له أن يقعد لتمامها ويركع ويسجد من قعود وكذا إذا افتتح الصلاة قاعدا
ثم قرأ بعض القراءة جاز له أن يقوم لتمامها ويركع ويسجد من قيام كما في الحديث
الثاني
ويشكل على هذا الجمع ما ثبت في بعض طرق الحديث الأول عند مسلم من حديث عائشة بلفظ
: ( فإذا افتتح الصلاة قائما ركع قائما وإذا افتتح الصلاة قاعدا ركع قاعدا ) قال
العراقي : فيحمل على أنه كان يفعل مرة كذا ومرة كذا فكان مرة يفتتح قاعدا ويتم
قراءته قاعدا ويركع قاعدا وكان مرة يفتتح قاعدا ويقرأ بعض قراءته قاعدا وبعضها
قائما ويركع قائما فإن لفظ كان لا يقتضي المداومة . وقد جاء في رواية علقمة عن
عائشة عند مسلم ما يقتضي أنه يفتتح قاعدا ويقرأ قاعدا ثم يقوم فيركع ولكن الظاهر
أن هذا في الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر وهو جالس
وقد جاء التصريح به عند مسلم في حديث أخر من رواية أبي سلمة عنها وفيه : ( ثم يوتر
ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع )
( والحديثان ) يدلان على جواز صلاة التطوع من قعود
والحديث الثاني يدل على أنه يجوز فعل بعض الصلاة من قعود وبعضها من قيام وبعض
الركعة من قعود وبعضها من قيام
قال العراقي : وهو كذلك سواء قام ثم قعد أو قعد ثم قام وهو قول جمهور العلماء كأبي
حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وحكاه النووي عن عامة العلماء . وحكى عن بعض
السلف منعه قال : وهو غلط . وحكى القاضي عياض عن أبي يوسف ومحمد في آخرين كراهة
القعود بعد القيام ومنع أشهب من المالكية الجلوس بعد أن ينوي القيام وجوزه ابن
القاسم والجمهور
6
- وعن عائشة قالت : ( رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي متربعا )
- رواه الدارقطني [ ص 102 ]
-
الحديث أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والحاكم قال النسائي : ما أعلم أحدا رواه غير
أبي داود الجعفري ولا أحسبه إلا خطأ . قال الحافظ : قد رواه ابن خزيمة والبيهقي من
طريق محمد بن سعيد بن الأصبهاني بمتابعة أبي داود فظهر أنه لا خطأ فيه . وروى
البيهقي من طريق ابن عيينة عن ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه :
( رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو هكذا ووضع يديه على ركبتيه وهو
متربع جالس ) ورواه البيهقي عن حميد : ( رأيت أنسا يصلي متربعا على فراشه ) وعلقه
البخاري
( والحديث ) يدل على أن المستحب لمن صلى قاعدا أن يتربع وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة
ومالك وأحمد وهو أحد القولين للشافعي وذهب الشافعي في أحد قوليه أنه يجلس مفترشا
كالجلوس بين السجدتين وحكى صاحب النهاية عن بعض المصنفين أنه يجلس متوركا
وقال القاضي حسين : من الشافعية أنه يجلس على فخذه اليسرى وينصب ركبته اليمنى
كجلسة القارئ بين يدي المقرئ وهذا الخلاف إنما هو في الأفضل وقد وقع الاتفاق على
أنه يجوز له أن يقعد على أي صفة شاء من القعود لما في حديثي عائشة المتقدمين من
الإطلاق وما في حديث عمران بن حصين المتقدم من العموم
باب النهي عن التطوع بعد الإقامة
1
- عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا أقيمت الصلاة فلا
صلاة إلا المكتوبة )
- رواه الجماعة إلا البخاري . وفي رواية لأحمد : ( إلا التي أقيمت )
-
وفي الباب عن ابن عمر عند الدارقطني في الأفراد مثل حديث أبي هريرة قال العراقي :
وإسناده حسن . وعن جابر عند ابن عدي في الكامل مثله وفي إسناده عبد الله ابن ميمون
القداح قال البخاري : ذاهب الحديث
( والحديث ) يدل على أنه لا يجوز الشروع في النافلة عند إقامة الصلاة من غير فرق
بين ركعتي الفجر وغيرهما وقد اختلف الصحابة والتابعون ومن بعدهم في ذلك على تسعة
أقوال :
أحدها : الكراهة وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر على خلاف
عنه في ذلك وأبو هريرة ومن التابعين عروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وإبراهيم
النخعي [ ص 103 ] وعطاء بن أبي رباح وطاوس ومسلم بن عقيل وسعيد بن جبير . ومن
الأئمة سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ومحمد بن جرير
هكذا أطلق الترمذي الرواية عن الثوري وروى عنه ابن عبد البر والنووي تفصيلا وهو
أنه إذا خشي فوت ركعة من صلاة الفجر دخل معهم وترك سنة الفجر وإلا صلاها وسيأتي
القول الثاني : أنه لا يجوز صلاة شيء من النوافل إذا كانت المكتوبة قد قامت من غير
فرق بين ركعتي الفجر وغيرهما . قاله ابن عبد البر في التمهيد
القول الثالث : أنه لا بأس بصلاة سنة الصبح والإمام في الفريضة حكاه ابن المنذر عن
ابن مسعود ومسروق والحسن البصري ومجاهد ومكحول وحماد بن أبي سليمان وهو قول الحسن
بن حي ففرق هؤلاء بين سنة الفجر وغيره واستدلوا بما رواه البيهقي من حديث أبي
هريرة : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا
المكتوبة إلا ركعتي الصبح )
وأجيب عن ذلك بأن البيهقي قال : هذه الزيادة لا أصل لها وفي إسنادها حجاج بن نصر
وعباد بن كثير وهما ضعيفان على أنه قد روى البيهقي عن أبي هريرة قال : ( قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة قيل : يا
رسول الله ولا ركعتي الفجر قال : ولا ركعتي الفجر ) وفي إسناده مسلم بن خالد
الزنجي وهو متكلم فيه وقد وثقه ابن حبان واحتج به في صحيحه
القول الرابع : التفرقة بين أن يكون في المسجد أو خارجه وبين أن يخاف فوت الركعة
الأولى مع الإمام أو لا . وهو قول مالك فقال : إذا كان قد دخل المسجد فليدخل مع
الإمام ولا يركعهما يعني ركعتي الفجر وإن لم يدخل المسجد فإن لم يخف أن يفوته
الإمام ركعة فليركع خارج المسجد وإن خاف أن تفوته الركعة الأولى مع الإمام فليدخل
وليصل معه
القول الخامس : أنه إن خشي فوت الركعتين معا وأنه لا يدرك الإمام قبل رفعه من
الركوع في الثانية دخل معه وإلا فيركعهما يعني ركعتي الفجر خارج المسجد ثم يدخل مع
الإمام وهو قول أبي حنيفة وأصحابه كما حكاه ابن عبد البر وحكى عنه أيضا نحو قول
مالك وهو الذي حكاه الخطابي وهو موافق لما حكاه عنه أصحابه . وحكى النووي عنه مثل
قول الأوزاعي الآتي ذكره
القول السادس : أنه يركعهما في المسجد إلا أنه يخاف فوت الركعة الأخيرة فأما
الركعة الأولى فليركع وإن فاتته وهو قول الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وحكاه
النووي عن أبي حنيفة وأصحابه
القول السابع : يركعهما في المسجد وغيره إلا إذا خاف فوت الركعة الأولى وهو قول
سفيان الثوري حكى ذلك عنه [ ص 104 ] ابن عبد البر وهو مخالف لما رواه الترمذي عنه
القول الثامن : أنه يصليهما وإن فاتته صلاة الإمام إذا كان الوقت واسعا قاله ابن
الجلاب من المالكية
القول التاسع : أنه إذا سمع الإقامة لم يحل له الدخول في ركعتي الفجر ولا في
غيرهما من النوافل سواء كان في المسجد أو خارجه فإن فعل فقد عصى وهو قول أهل
الظاهر ونقله ابن حزم عن الشافعي وعن جمهور السلف وكذا قال الخطابي وحكى الكراهة
عن الشافعي وأحمد
وحكى القرطبي في المفهم عن أبي هريرة وأهل الظاهر أنها لا تنعقد صلاة تطوع في وقت
إقامة الفريضة وهذا القول هو الظاهر إن كان المراد بإقامة الصلاة الإقامة التي
يقولها المؤذن عند إرادة الصلاة وهو المعنى المتعارف . قال العراقي : وهو المتبادر
إلى الأذهان من هذا الحديث
( والأحاديث ) المذكورة في شرح الحديث الذي بعد هذا تدل على ذلك لا إذا كان المراد
بإقامة الصلاة فعلها كما هو المعنى الحقيقي . ومنه قوله تعالى { الذين يقيمون
الصلاة } فإنه لا كراهة في فعل النافلة عند إقامة المؤذن قبل الشروع في الصلاة
وإذا كان المراد المعنى الأول فهل المراد به الفراغ من الإقامة لأنه حينئذ يشرع في
فعل الصلاة أو المراد شروع المؤذن في الإقامة . قال العراقي : يحتمل أن يراد كل من
الأمرين والظاهر أن المراد شروعه في الإقامة ليتهيأ المأمومون لإدراك التحريم مع
الإمام . ومما يدل على ذلك قوله في حديث أبي موسى عند الطبراني : ( أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم رأى رجلا صلى ركعتي الفجر حين أخذ المؤذن يقيم ) قال العراقي
: وإسناده جيد ومثله حديث ابن عباس الآتي قوله ( فلا صلاة ) يحتمل أن يتوجه النفي
إلى الصحة أو إلى الكمال والظاهر توجهه إلى الصحة لأنها أقرب المجازين إلى الحقيقة
وقد قدمنا الكلام في ذلك فلا تنعقد صلاة التطوع بعد إقامة الصلاة المكتوبة كما
تقدم عن أبي هريرة وأهل الظاهر
قال العراقي : إن قوله ( فلا صلاة ) يحتمل أن يراد فلا يشرع حينئذ في صلاة عند
إقامة الصلاة ويحتمل أن يراد فلا يشتغل بصلاة وإن كان قد شرع فيها قبل الإقامة بل
يقطعها المصلي لإدراك فضيلة التحريم أو أنها تبطل بنفسها وإن لم يقطعها المصلي
يحتمل كلا من الأمرين وقد بالغ أهل الظاهر فقالوا : إذا دخل في ركعتي الفجر أو
غيرهما من النوافل فأقيمت صلاة الفريضة بطلت الركعتان ولا فائدة له في أن يسلم
منهما ولو لم يبق عليه منهما غير السلام بل يدخل كما هو بابتداء التكبير في صلاة
الفريضة فإذا أتم الفريضة فإن شاء ركعهما وإن شاء لم يركعهما قال : وهذا غلو منهم
في صورة ما إذا لم يبق عليه غير السلام فليت شعري أيهما أطول زمنا [ ص 105 ] مدة
السلام أو مدة إقامة الصلاة بل يمكنه أن يتهيأ بعد السلام لتحصيل أكمل الأحوال في
الإقتداء قبل تمام الإقامة نعم قال الشيخ أبو حامد من الشافعية : أن الأفضل خروجه
من النافلة إذا أداه إتمامها إلى فوات فضيلة التحريم وهذا واضح انتهى
قوله : ( إلا المكتوبة ) الألف واللام ليست لعموم المكتوبات وإنما هي راجعة إلى
الصلاة التي أقيمت وقد ورد التصريح بذلك في رواية لأحمد بلفظ : ( فلا صلاة إلا
المكتوبة التي أقيمت ) وكذلك في رواية لأبي هريرة ذكرها ابن عبد البر في التمهيد
وكما ذكره المصنف في حديث الباب
2
- وعن عبد الله بن مالك بن بحينة : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا
وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاث
به الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الصبح أربعا الصبح أربعا )
- متفق عليه
-
وفي الباب عن عبد الله بن سرجس عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه قال : ( جاء
رجل والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الصبح فصلى ركعتين قبل أن يدخل في الصلاة
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : يا فلان بأي صلاتيك اعتددت
بالتي صليت وحدك أو بالتي صليت معنا )
وعن ابن عباس عند أبي داود الطيالسي قال : ( كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة
فجذبني نبي الله صلى الله عليه و سلم وقال : أتصلي الصبح أربعا )
ورواه أيضا البيهقي والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك
وقال إنه على شرط الشيخين والطبراني
وعن أنس عند البزار أنه قال : ( خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أقيمت
الصلاة فرأى ناسا يصلون ركعتي الفجر فقال : صلاتان معا ونهى أن تصليا إذا أقيمت
الصلاة ) . وأخرجه مالك في الموطأ
وعن زيد بن ثابت عند الطبراني في الأوسط قال : ( رأى رسول الله صلى الله عليه و
سلم رجلا يصلي ركعتي الفجر وبلال يقيم الصلاة فقال : أصلاتان معا ) وفي إسناده عبد
المنعم بن بشير الأنصاري وقد ضعفه ابن معين وابن حبان
وعن أبي موسى عند الطبراني في الكبير : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى
رجلا يصلي ركعتي الغداة حين أخذ المؤذن يقيم فغمز النبي صلى الله عليه و سلم منكبه
وقال : ألا كان هذا قبل هذا ) قال العراقي : وإسناده جيد
وعن عائشة عند ابن البر في التمهيد : ( أن النبي صلى الله عليه وآله [ ص 106 ]
وسلم خرج حين أقيمت صلاة الصبح فرأى ناسا يصلون فقال : أصلاتان معا ) وفي إسناده
شريك بن عبد الله وقد اختلف عليه في وصله وإرساله
قوله : ( لاث به الناس ) أي اختلطوا به والتفوا عليه . قال في القاموس : والالتياث
الاختلاط والالتفاف
( والحديث ) يدل على كراهة صلاة سنة الفجر عند إقامة الصلاة المكتوبة وقد تقدم بسط
الخلاف في ذلك في شرح الحديث الذي قبله
( فإن قيل ) قد روى ابن ماجه من حديث علي عليه السلام أنه قال : ( كان النبي صلى
الله عليه و سلم يصلي الركعتين عند الإقامة ) فكيف الجمع بينه وبين أحاديث الباب
فقيل إن ذلك خاص بالإمام وقيل بالنبي صلى الله عليه و سلم والأولى أن يقال إن في
إسناد الحديث الحارث الأعور وهو ضعيف كما علم بل قد رمي بالكذب فلا حاجة إلى تكلف
الجمع
باب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
1
- عن أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا صلاة بعد صلاة العصر حتى
تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس )
- متفق عليه . وفي لفظ : ( لا صلاة بعد صلاتين بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد
العصر حتى تغرب ) رواه أحمد والبخاري
2
- وعن عمر بن الخطاب : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة بعد الفجر
حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس )
- ورواه أبو هريرة مثل ذلك متفق عليهما . وفي لفظ عن عمر : ( أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال : لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الصبح
حتى تطلع الشمس ) رواه البخاري . ورواه أحمد وأبو داود وقالا فيه : ( بعد صلاة
العصر )
-
في الباب عن جماعة من الصحابة . منهم عمرو بن عبسة وابن عمر وسيذكر ذلك المصنف
وعن ابن مسعود عند الطحاوي بلفظ : ( كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند
غروبها ونصف النهار )
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبراني في الأوسط قال : ( قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : لا تصلوا بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب
الشمس )
وعن معاذ بن عفراء أشار إليه الترمذي وذكره ابن سيد الناس في شرحه بنحو حديث أبي
سعيد
وعن زيد بن ثابت عند الطبراني : ( أن رسول [ ص 107 ] الله صلى الله عليه وآله وسلم
نهى عن الصلاة بعد العصر )
وعن كعب بن مرة عند الطبراني أيضا بنحو حديث عمرو بن عبسة الآتي
وعن سلمة بن الأكوع أشار إليه الترمذي
وعن علي عند أبي داود قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في أثر
كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر )
وفي الباب عن جماعة ذكرهم الترمذي والحافظ في التلخيص
قوله : ( لا صلاة ) قال ابن دقيق العيد : صيغة النفي إذا دخلت في ألفاظ الشارع على
فعل كان الأولى حملها على نفي الفعل الشرعي لا الحسي لأنا لو حملناه على نفي الحسي
لاحتجنا في تصحيحه إلى إضمار والأصل عدمه وإذا حملناه على الشرعي لم نحتج إلى
إضمار فهذا وجه الأولوية وعلى هذا فهو نفي بمعنى النهي . والتقدير لا تصلوا كما
تقدم التصريح بذلك في حديث أبي هريرة وابن عمرو بن العاص وسيأتي حديث علي
وحكى أبو الفتح اليعمري عن جماعة من السلف أنهم قالوا : إن النهي عن الصلاة بعد
الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بأنه لا يتطوع بعدهما ولم يقصد الوقت بالنهي كما
قصد به وقت الطلوع ووقت الغروب
ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن كما قال الحافظ عن علي عليه
السلام عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( لا تصلوا بعد الصبح ولا بعد العصر
إلا أن تكون الشمس نقية ) وفي رواية : ( مرتفعة ) فدل على أن المراد بالبعدية ليس
على عمومه وإنما المراد وقت الطلوع ووقت الغروب وما قاربهما كذا في الفتح
قوله : ( بعد صلاة العصر وبعد صلاة الفجر ) هذا تصريح بأن الكراهة متعلقة بفعل
الصلاة لا بدخول وقت الفجر والعصر . وكذا قوله في الرواية الأخرى : ( لا صلاة بعد
الصلاتين ) وكذا قوله في رواية ابن عمر : ( لا صلاة بعد صلاة الصبح ) وكذا قوله في
حديث عمرو بن عبسة الآتي : ( صل صلاة الصبح ثم اقصر ) وقوله : ( حتى تصلي العصر ثم
اقصر ) فتحمل الأحاديث المطلقة على الأحاديث المقيدة بهذه الزيادة
( وقد اختلف ) أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الفجر فذهب الجمهور إلى أنها
مكروهة وادعى النووي الاتفاق على ذلك وتعقبه الحافظ بأنه قد حكى عن طائفة من السلف
الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخة قال : وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر
وبذلك جزم ابن حزم وهو أيضا مذهب الهادي والقاسم عليهما السلام وقد اختلف القائلون
بالكراهة فذهب الشافعي والمؤيد بالله إلى أنه يجوز من الصلاة في هذين الوقتين ما
له سبب واستدلا بصلاته صلى الله عليه وآله وسلم سنة الظهر بعد [ ص 108 ] العصر وقد
تقدم الجواب عن هذا الاستدلال في باب تحية المسجد وذهب أبو حنيفة إلى كراهة
التطوعات في هذين الوقتين مطلقا وحكى عن جماعة منهم أبو بكرة وكعب بن عجرة المنع
من صلاة الفرض في هذه الأوقات
( واستدل ) القائلون بالإباحة مطلقا بأدلة : منها دعوى النسخ لأحاديث الباب صرح
بذلك ابن حزم وغيره وجعلوا الناسخ حديث : ( من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع
الشمس ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس ) وقد تقدم ولكنه خاص بصلاة الفرض
فلا يصلح لنسخ أحاديث الباب على فرض تأخره وغاية ما فيه تخصيص صلاة الفريضة من
عموم النهي
( واستدلوا ) أيضا بحديث صلاته صلى الله عليه وآله وسلم لركعتي الظهر بعد العصر
وقد تقدم الجواب عنه . واستدلوا أيضا بحديث علي المتقدم لتقييد النهي فيه بقوله :
( إلا أن تكون الشمس بيضاء نقية ) وقد تقدم أن الحافظ قال في الفتح : إن إسناده
حسن وقال في موضع آخر منه : إن إسناده صحيح . وهذا وإن كان صالحا لتقييد الأحاديث
المذكورة في الباب القاضية بمنع الصلاة بعد صلاة العصر على الإطلاق بما عدا الوقت
الذي تكون الشمس فيه بيضاء نقية لكنه أخص من دعوى مدعي الإباحة للصلاة بعد العصر
وبعد الفجر مطلقا
( واستدلوا ) أيضا بما رواه مسلم عن عائشة أنها قالت : وهم عمر إنما نهى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها . وبما رواه البخاري عن ابن
عمر أنه قال : أصلي كما رأيت أصحابي يصلون ولا أنهى أحدا يصلي بليل أو نهار ما شاء
غير أن لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها
ويجاب عن الاستدلال بقول عائشة بأن الذي رواه عمر عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ثابت من طريق جماعة من الصحابة كما تقدم فلا اختصاص له بالوهم وهم مثبتون
وناقلون للزيادة فروايتهم مقدمة وعدم علم عائشة لا يستلزم العدم فقد علم غيرها بما
لا تعلم
ويجاب عن الاستدلال بقول ابن عمر بأنه قول صحابي لا حجة فيه ولا يعارض المرفوع على
أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلاف ما رآه كما سيأتي
( واستدلوا ) أيضا بما أخرجه البخاري وغيره من حديث ابن عمر قال : ( قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم : لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها )
قالوا : فتحمل الأحاديث المذكورة في الباب على هذا حمل المطلق على المقيد أو تبنى
عليه بناء العام على الخاص ويجاب بأن هذا من التنصيص على أحد أفراد العام وهو لا
يصلح للتخصيص كما تقرر في الأصول [ ص 109 ]
واعلم أن الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة العصر والفجر عامة فما كان أخص
منها مطلقا كحديث يزيد بن الأسود وابن عباس الآتيين في الباب الذي بعد هذا وحديث
علي المتقدم وقضاء سنة الظهر بعد العصر وسنة الفجر بعده للأحاديث المتقدمة في ذلك
فلا شك أنها مخصصة لهذا العموم وما كان بينه وبين أحاديث الباب عموم وخصوص من وجه
كأحاديث تحية المسجد وأحاديث قضاء الفوائت وقد تقدمت والصلاة على الجنازة لقوله
صلى الله عليه وآله وسلم : ( يا علي ثلاث لا تؤخرها الصلاة إذا أتت والجنازة إذا
حضرت ) الحديث . أخرجه الترمذي
وصلاة الكسوف لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة
) والركعتين عقب التطهر لحديث أبي هريرة المتقدم . وصلاة الاستخارة للأحاديث
المتقدمة وغير ذلك فلا شك أنها أعم من أحاديث الباب من وجه وأخص منها من وجه وليس
أحد العمومين أولى من الآخر بجعله خاصا لما في ذلك من التحكم والوقف هو المتعين
حتى يقع الترجيح بأمر خارج
3
- وعن عمرو بن عبسة قال : ( قلت يا نبي الله أخبرني عن الصلاة قال : صل صلاة الصبح
ثم اقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان
وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم
اقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة
حتى تصلي العصر ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد
لها الكفار )
- رواه أحمد ومسلم . ولأبي داود نحوه وأوله عنده : ( قلت يا رسول الله أي الليل
أسمع قال : جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح )
-
قوله : ( وترتفع ) فيه أن النهي عن الصلاة بعد الصبح لا يزول بنفس طلوع الشمس بل
لا بد من الارتفاع . وقد وقع عند البخاري من حديث عمر المتقدم بلفظ : ( حتى تشرق
الشمس ) والإشراق الإضاءة . وفي حديث عقبة الآتي : ( حتى تطلع الشمس بازغة ) وذلك
يبين أن المراد بالطلوع المذكور في حديث الباب وغيره الارتفاع والإضاءة لا مجرد
الظهور ذكر معنى ذلك القاضي عياض
قال النووي : وهو متعين لا عدول عنه للجمع بين الروايات وقد ورد مفسرا في بعض
الروايات بارتفاعها قدر رمح
قوله : ( فإنها تطلع بين قرني [ ص 110 ] شيطان ) قال النووي : قيل المراد بقرني
الشيطان حزبه وأتباعه . وقيل غلبة أتباعه وانتشار فساده . وقيل القرنان ناحيتا
الرأس وأنه هو على ظاهره قال : وهذا الأقوى ومعناه أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذه
الأوقات ليكون الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة وحينئذ يكون له
ولشيعته تسلط ظاهر وتمكن من أن يلبسوا على المصلين صلاتهم فكرهت الصلاة حينئذ
صيانة لها كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشيطان وفي رواية لأبي داود والنسائي
: ( فإنها تطلع بين قرني شيطان فيصلي لها الكفار )
قوله : ( مشهودة محضورة ) أي تشهدها الملائكة ويحضرونها وذلك أقرب إلى القبول
وحصول الرحمة
قوله : ( حتى يستقل الظل بالرمح ) قال النووي : معناه أنه يقوم مقابله في الشمال
ليس مائلا إلى المشرق ولا إلى المغرب وهذا حالة الاستواء انتهى
والمراد أنه يكون الظل في جانب الرمح ولم يبق على الأرض من ظله شيء وهذا يكون في
بعض أيام السنة ويقدر في سائر الأيام عليه
قوله : ( تسجر جهنم ) بالسين المهملة والجيم والراء أي يوقد عليها إيقادا بليغا
قوله : ( فإذا أقبل الفيء ) أي ظهر إلى جهة المشرق والفيء مختص بما بعد الزوال
وأما الظل فيقع على ما قبل الزوال وبعده
قوله : ( حتى تصلي العصر ) فيه دليل على أن وقت النهي لا يدخل بدخول وقت العصر ولا
بصلاة غير المصلي وإنما يكره لكل إنسان بعد صلاته نفسه حتى لو أخرها عن أول الوقت
لم يكره التنفل قبلها وقد تقدم الكلام في ذلك . وكذا قوله : ( حتى تصلي الصبح )
قال المصنف رحمه الله : وهذه النصوص الصحيحة تدل على أن النهي في الفجر لا يتعلق
بطلوعه بل بالفعل كالعصر انتهى
( والحديث ) يدل على كراهة التطوعات بعد صلاة العصر والفجر وقد تقدم ذلك وعلى
كراهتها أيضا عند طلوع الشمس وعند قائمة الظهيرة وعند غروبها وسيأتي الكلام على
هذه الأوقات
4
- وعن يسار مولى ابن عمر قال : ( رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد ما طلع الفجر فقال :
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الساعة فقال :
ليبلغ شاهدكم غائبكم أن لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتين )
- رواه أحمد وأبو داود
-
وأخرجه أيضا الدارقطني والترمذي وقال : غريب لا يعرف إلا من حديث قدامة ابن موسى .
قال الحافظ : وقد اختلف في اسم شيخه فقيل أيوب بن حصين . وقيل محمد بن حصين وهو
مجهول . وأخرجه أبو يعلى والطبراني من وجهين آخرين عن ابن عمر نحوه . ورواه ابن
عدي من طريق محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر ورواه [ ص 111 ]
أيضا الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفي إسناده الإفريقي . ورواه
أيضا الطبراني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفي سنده رواد بن الجراح .
ورواه أيضا البيهقي من حديث سعيد بن المسيب مرسلا وقال : روي موصولا عن أبي هريرة
ولا يصح . ورواه موصولا الطبراني وابن عدي وسنده ضعيف والمرسل أصح
( والحديث ) يدل على كراهة التطوع بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر قال الترمذي :
وهو مما أجمع عليه أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر
. قال الحافظ في التلخيص : دعوى الترمذي الإجماع على الكراهة لذلك عجيب فإن الخلاف
فيه مشهور حكاه ابن المنذر وغيره وقال الحسن البصري : لا بأس به وكان مالك يرى أن
يفعله من فاتته صلاة بالليل . وقد أطنب في ذلك محمد بن نصر في قيام الليل انتهى
وطرق حديث الباب يقوي بعضها بعضا فتنتهض للاحتجاج بها على الكراهة . وقد أفرط ابن
حزم فقال : الروايات في أنه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر ساقطة مطروحة
مكذوبة
5
- وعن عقبة بن عامر قال : ( ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم
قائم الظهيرة وحين تضيف للغروب حتى تغرب )
- رواه الجماعة إلا البخاري
-
قوله : ( أن نقبر ) هو بضم الباء الموحدة وكسرها لغتان . قال النووي : قال بعضهم
المراد بالقبر صلاة الجنازة وهذا ضعيف لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت
بالإجماع فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع بل الصواب أن معناه تعمد تأخير
الدفن إلى هذه الأوقات كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر وهي
صلاة المنافقين قال : فأما إذا وقع الدفن بلا تعمد في هذه الأوقات فلا يكره انتهى
وظاهر الحديث أن الدفن في هذه الأوقات محرم من غير فرق بين العامد وغيره إلا أن
يخص غير العامد بالأدلة القاضية برفع الجناح عنه
قوله : ( بازغة ) أي ظاهرة
قوله : ( تضيف ) ضبطه النووي في شرح مسلم بفتح التاء والضاد المعجمة وتشديد الياء
. والمراد به الميل
( والحديث ) يدل على تحريم الصلاة في هذه الأوقات وكذا الدفن وقد حكى النووي
الإجماع على الكراهة قال : واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها واختلفوا في
النوافل التي لها سبب كصلاة التحية وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف
وصلاة الجنازة وقضاء الفوائت ومذهب الشافعي وطائفة جواز ذلك كله بلا كراهة ومذهب
أبي حنيفة [ ص 112 ] وآخرين أنه داخل في النهي لعموم الأحاديث انتهى
وجعله لصلاة الجنازة ههنا من جملة ما وقع فيه الخلاف ينافي دعواه الإجماع على عدم
كراهتها كما تقدم عنه
ومن القائلين بكراهة قضاء الفرائض في هذه الأوقات زيد بن علي والمؤيد بالله
والداعي والإمام يحيى قالوا لشمول النهي للقضاء لأن دليل المنع لم يفصل
( واحتج القائلون ) بجواز قضاء الفرائض في هذه الأوقات وهم الهادي والقاسم
والشافعي ومالك بقوله صلى الله عليه و سلم : ( من نام عن صلاته أو سها عنها فوقتها
حين يذكرها ) الحديث المتقدم فجعلوه مخصصا لأحاديث الكراهة وهو تحكم لأنه أعم منها
من وجه وأخص من وجه وليس أحد العمومين أولى بالتخصيص من الآخر وكذلك الكلام في فعل
الصلاة المفروضة في هذه الأوقات أداء إلا أن حديث : ( من أدرك من الفجر ركعة قبل
أن تطلع الشمس ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس ) أخص من أحاديث النهي
مطلقا فيقدم عليها وقد استثنى الشافعي وأصحابه وأبو يوسف الصلاة عند قائمة الظهيرة
يوم الجمعة خاصة وهي رواية عن الأوزاعي وأهل الشام واستدلوا بما رواه الشافعي عن
أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى
تزول الشمس إلا يوم الجمعة ) وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وإسحاق بن عبد الله
بن أبي فروة وهما ضعيفان . ورواه البيهقي من طريق أبي خالد الأحمر عن عبد الله شيخ
من أهل المدينة عن سعيد عن أبي هريرة ورواه الأثرم بسند فيه الواقدي وهو متروك .
ورواه البيهقي أيضا بسند آخر فيه عطاء بن عجلان وهو متروك أيضا وقد روى الشافعي عن
ثعلبة ابن أبي مالك عن عامة الصحابة أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة
( وفي الباب ) عن واثلة عند الطبراني قال الحافظ : بسند واه . وعن أبي قتادة عند
أبي داود والأثرم أنه صلى الله عليه وآله وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم
الجمعة وقال : ( إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة ) وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وهو
أيضا منقطع لأنه من رواية أبي الخليل عن أبي قتادة ولم يسمع منه
6
- وعن ذكوان مولى عائشة أنها حدثته : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان
يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال )
- رواه أبو داود
- الحديث في إسناده محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء وفيه مقال إذا لم يصرح بالتحديث وهو هنا قد عنعن فينظر في عنعنته كما قال الحافظ وقد قدمنا في باب قضاء سنة الظهر ما يدل على اختصاص ذلك به صلى الله عليه وآله وسلم [ ص 113 ]
باب الرخصة في إعادة الجماعة وركعتي الطواف في كل وقت
1
- عن يزيد بن الأسود قال : ( شهدت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجته فصليت
معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين في أخرى القوم
ولم يصليا فقال : علي بهما . فجيء بهما ترعد فرائصهما فقال : ما منعكما أن تصليا
معنا فقالا : يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا قال : فلا تفعلا إذا صليتما
في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة )
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه . وفي لفظ لأبي داود : ( إذا صلى أحدكم في رحله ثم
أدرك الصلاة مع الإمام فليصلها معه فإنها له نافلة )
-
الحديث أخرجه أيضا الدارقطني وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن وقال الترمذي :
حسن صحيح . وقد أخرجوه كلهم من طريق يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد ابن الأسود عن
أبيه قال الشافعي في القديم : إسناده مجهول . قال البيهقي : لأن يزيد بن الأسود
ليس له راو غير ابنه ولا لابنه جابر راو غير يعلى
قال الحافظ : يعلى من رجال مسلم وجابر وثقه النسائي وغيره وقد وجدنا لجابر بن يزيد
راويا غير يعلى أخرجه ابن منده في المعرفة من طريق شيبة عن إبراهيم بن أبي أمامة
عن عبد الملك بن عمير عن جابر
( وفي الباب ) عن أبي ذر عند مسلم في حديث أوله : ( كيف أنت إذا كان عليك أمراء
يؤخرون الصلاة عن وقتها ) وفيه : ( فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة )
وعن ابن مسعود عند مسلم بنحوه وعن شداد بن أوس عند البزار . وعن محجن الديلي عند
مالك في الموطأ والنسائي وابن حبان والحاكم . وعن أبي أيوب عند أبي داود : ( أنه
سأله رجل من بني أسد بن خزيمة فقال : يصلي أحدنا في منزله الصلاة ثم يأتي المسجد
وتقام الصلاة فأصلي معهم فأجد في نفسي من ذلك شيئا فقال أبو أيوب : سألنا عن ذلك
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( فذلك له سهم جمع ) وفي إسناده رجل مجهول
قوله : ( ترعد ) بضم أوله وفتح ثالثه أي تتحرك كذا قال ابن رسلان
قوله : ( فرائصهما ) جمع فريصة بالصاد المهملة وهي اللحمة من الجنب والكتف التي لا
تزال ترعد أي تتحرك من الدابة واستعير للإنسان لأن له فريصة وهي ترجف عند الخوف
وقال الأصمعي : الفريصة لحمة بين الكتف والجنب . وسبب ارتعاد فرائصهما ما اجتمع في
رسول الله صلى الله عليه و سلم من الهيبة [ ص 114 ] العظيمة والحرمة الجسيمة لكل
من رآه مع كثرة تواضعه
قوله : ( ثم أتيتما مسجد جماعة ) لفظ أبي داود : ( إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك
الإمام ولم يصل فليصل معه ) وفي لفظ ابن حبان : ( إذا صليتما في رحالكما ثم
أدركتما الصلاة فصليا )
قوله : ( فإنها لكما نافلة ) فيه تصريح بأن الثانية في الصلاة المعادة نافلة
وظاهره عدم الفرق بين أن تكون الأولى جماعة أو فرادى لأن ترك الاستفصال في مقام
الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال
قال ابن عبد البر : قال جمهور الفقهاء إنما يعيد الصلاة مع الإمام في جماعة من صلى
وحده في بيته أو في غير بيته . وأما من صلى في جماعة وإن قلت فلا يعيد في أخرى قلت
أو كثرت ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له وهذا لا
يخفى فساده قال : وممن قال بهذا القول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم . ومن
حجتهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تصلي صلاة في يوم مرتين ) انتهى
وذهب الأوزاعي والهادي وبعض أصحاب الشافعي وهو قول الشافعي القديم إلى أن الفريضة
هي الثانية إذا كانت الأولى فرادى واستدلوا بما أخرجه أبو داود عن يزيد بن عامر
قال : ( جئت والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة فجلست ولم أدخل معهم في
الصلاة فانصرف علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرآه جالسا فقال : ألم
تسلم يا يزيد قال : بلى يا رسول الله قد أسلمت قال : فما منعك أن تدخل مع الناس في
صلاتهم قال : إني كنت قد صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم فقال : إذا جئت إلى
الصلاة فوجدت الناس فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة )
ولكنه قد ضعفه النووي وقال البيهقي : إن حديث يزيد بن الأسود أثبت منه وأولى .
ورواه الدارقطني بلفظ : ( وليجعل التي صلى في بيته نافلة ) وقال : هي رواية ضعيفة
شاذة انتهى
وعلى فرض صلاحية حديث يزيد بن عامر للاحتجاج به فالجمع بينه وبين حديث الباب ممكن
بحمل حديث الباب على من صلى الصلاة الأولى في جماعة وحمل هذا على من صلى منفردا
كما هو الظاهر من سياق الحديثين ويكونان مخصصين لحديث ابن عمر عند أبي داود
والنسائي وابن خزيمة وابن حبان بلفظ : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول : لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ) على فرض شموله لإعادة الفريضة من غير فرق بين
أن تكون الإعادة بنية الافتراض أو التطوع . وأما إذا كان النهي مختصا بإعادة
الفريضة بنية الافتراض فقط فلا يحتاج إلى الجمع بينه وبين حديث الباب
ومن جملة المخصصات لحديث ابن [ ص 115 ] عمر المذكور حديث أبي سعيد قال : ( صلى لنا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل رجل فقام يصلي الظهر فقال : ألا رجل يتصدق
على هذا فيصلي معه ) أخرجه الترمذي وحسنه ابن حبان والحاكم والبيهقي
( وحديث ) الباب يدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية التطوع لمن كان قد صلى
تلك الصلاة وإن كان الوقت وقت كراهة للتصريح بأن ذلك كان في صلاة الصبح وإلى ذلك
ذهب الشافعي فيكون هذا مخصصا لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة الصبح
ومن جوز التخصيص بالقياس ألحق به ما ساواه من أوقات الكراهة
وظاهر التقييد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ثم أتيتما مسجد جماعة ) أن ذلك
مختص بالجماعات التي تقام في المساجد لا التي تقام في غيرها فيحمل المطلق من ألفاظ
حديث الباب كلفظ أبي داود وابن حبان المتقدمين على المقيد بمسجد الجماعة ويؤيد ذلك
ما أخرجه أبو داود والنسائي عن سليمان بن يسار مولى ميمونة قال : ( رأيت ابن عمر
جالسا على البلاط وهو موضع مفروش بالبلاط بين المسجد والسوق بالمدينة وهم يصلون
فقلت : ألا تصلي معهم فقال : قد صليت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول : لا تصلوا صلاة في يوم مرتين )
2
- وعن جبير بن مطعم : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : يا بني عبد مناف
لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار )
- رواه الجماعة إلا البخاري
3
- وعن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : يا بني عبد المطلب أو
يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا يطوف بالبيت ويصلي فإنه لا صلاة بعد الفجر حتى
تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا عند هذا البيت يطوفون ويصلون )
- رواه الدارقطني
-
الحديث الأول أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وصححه الترمذي ورواه
الدارقطني من وجهين آخرين عن جابر
قال الحافظ : وهو معلول فإن المحفوظ عن جبير لا عن جابر وقد عزا المصنف رحمه الله
حديث الباب إلى مسلم لأنه لم يستثن من الجماعة إلا البخاري وهو خطأ . قال الحافظ
في التلخيص : عزا المجد ابن تيمية حديث جبير لمسلم فإنه قال رواه الجماعة إلا
البخاري وهذا وهم منه تبعه عليه المحب الطبري فقال : رواه السبعة إلا البخاري .
وابن الرفعة وقال : رواه مسلم وكأنه والله أعلم لما رأى ابن تيمية عزاه إلى
الجماعة دون البخاري اقتطع مسلما من بينهم واكتفى به عنهم ثم ساقه باللفظ الذي
أورده ابن تيمية فأخطأ مكررا انتهى
والحديث الثاني أخرجه أيضا الطبراني [ ص 116 ] وأبو نعيم في تاريخ أصبهان والخطيب
في تلخيصه . قال ابن حجر في التلخيص : وهو معلول . وروى ابن عدي عن أبي هريرة حديث
: ( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ) وزاد في آخره : ( من طاف فليصل ) أي حين
طاف وقال : لا يتابع عليه وكذا قال البخاري
وقد استدل بحديثي الباب على جواز الطواف والصلاة عقيبه في أوقات الكراهة وإلى ذلك
ذهب الشافعي والمنصور بالله وذهب الجمهور إلى العمل بالأحاديث القاضية بالكراهة
على العموم ترجيحا لجانب ما اشتمل على الكراهة وأنت خبير بأن حديث جبير بن مطعم لا
يصلح لتخصيص أحاديث النهي المتقدمة لأنه أعم منها من وجه وأخص من وجه وليس أحد
العمومين أولى بالتخصيص من الآخر لما عرفت غير مرة
وأما حديث ابن عباس فهو صالح لتخصيص النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر لكن بعد
صلاحيته للاحتجاج وهو معلول كما تقدم . ويؤيده حديث أبي ذر عند الشافعي بلفظ : (
لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا بمكة )
وكرر الاستثناء ثلاثا
ورواه أيضا أحمد وابن عدي وفي إسناده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف . وذكر ابن عدي
هذا الحديث من جملة ما أنكر عليه . وقال البيهقي : تفرد به عبد الله ولكن تابعه
إبراهيم بن طهمان وهو أيضا من رواية مجاهد عن أبي ذر وقد قال أبو حاتم وابن عبد
البر والبيهقي والمنذري وغير واحد : أنه لم يسمع منه . وقد رواه أيضا ابن خزيمة في
صحيحه وقال : أنا أشك في سماع مجاهد من أبي ذر وهذا الحديث إن صح كان دالا على
جواز الصلاة في مكة بعد العصر وبعد الفجر من غير فرق بين ركعتي الطواف وغيرهما من
التطوعات التي لا سبب لها والتي لها سبب
أبواب سجود التلاوة والشكر
باب مواضع السجود في الحج وص والمفصل
1
- عن عمرو بن العاص : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة
في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان )
- رواه أبو داود وابن ماجه [ ص 117 ]
-
الحديث أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم وحسنه المنذري والنووي وضعفه عبد الحق وابن
القطان وفي إسناده عبد الله بن منين الكلابي وهو مجهول والراوي عنه الحارث بن سعيد
العتقي المصري وهو لا يعرف أيضا كذا قال الحافظ . وقال ابن ماكولا : ليس له غير
هذا الحديث
قوله : ( خمس عشرة سجدة ) فيه دليل على أن مواضع السجود خمسة عشر موضعا وإلى ذلك
ذهب أحمد والليث وإسحاق وابن وهب وابن حبيب من المالكية وابن المنذر وابن سريج من
الشافعية وطائفة من أهل العلم فأثبتوا في الحج سجدتين وفي ص
وذهب أبو حنيفة وداود والهادوية إلى أنها أربع عشرة سجدة ) إلا أن أبا حنيفة لم
يعد في سورة الحج إلا سجدة وعد سجدة ص . والهادوية عدوا في الحج سجدتين ولم يعدوا
سجدة ص . وذهب الشافعية في القديم والمالكية إلى أنها إحدى عشرة وأخرج سجدات
المفصل وهي ثلاث كما يأتي وذهب في قوله الجديد إلى أنها أربع عشرة سجدة وعد منها
سجدات المفصل ولم يعد سجدة ص
( واعلم ) أن أول مواضع السجود خاتمة الأعراف . وثانيها عند قوله في الرعد {
بالغدو والآصال } وثالثها عند قوله في النحل { ويفعلون ما يؤمرون } ورابعها عند
قوله في بني إسرائيل { ويزيدهم خشوعا } وخامسها عند قوله في مريم { خروا سجدا
وبكيا } وسادسها عند قوله في الحج { إن الله يفعل ما يشاء } وسابعها عند قوله في
الفرقان { وزادهم نفورا } وثامنها عند قوله في النمل { رب العرش العظيم } وتاسعها
عند قوله في الم تنزيل { وهم لا يستكبرون } وعاشرها عند قوله في ص { وخر راكعا
وأناب } والحادي عشر عند قوله في حم السجدة { إن كنتم إياه تعبدون } وقال أبو
حنيفة والشافعي والجمهور عند قوله { وهم لا يسأمون } والثاني عشر والثالث عشر
والرابع عشر سجدات المفصل وستأتي . والخامس عشر السجدة الثانية في الحج
قوله : ( ثلاث في المفصل ) هي سجدة النجم وإذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك . وفي
ذلك حجة لمن قال بإثباتها ويدل على ذلك أيضا حديث ابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة
وأبي رافع وستأتي جميعا
( واحتج من نفى سجدات المفصل ) بحديث ابن عباس عند أبي داود وابن السكن في صحيحه
بلفظ : ( لم يسجد صلى الله عليه وآله وسلم في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة
) وفي إسناده أبو قدامة الحارث بن عبيد ومطر الوراق وهما ضعيفان وإن كانا من رجال
مسلم
قال النووي : حديث ابن عباس ضعيف الإسناد لا يصح الاحتجاج به انتهى . وعلى فرض
صلاحيته للاحتجاج [ ص 118 ] فالأحاديث المتقدمة مثبتة وهي مقدمة على النفي ولا
سيما مع إجماع العلماء على أن إسلام أبي هريرة كان سنة سبع من الهجرة وهو يقول في
حديثه الآتي سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في { إذا السماء انشقت }
و { اقرأ باسم ربك }
وأما الاحتجاج على عدم مشروعية السجود في المفصل بحديث زيد بن ثابت الآتي فسيأتي
الجواب عنه
قوله : ( وفي الحج سجدتان ) فيه حجة لمن أثبت في سورة الحج سجدتين ويؤيد ذلك حديث
عقبة ابن عامر عند أحمد وأبي داود والترمذي وقال إسناده ليس بالقوي والدارقطني
والبيهقي والحاكم بلفظ : ( قلت يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين قال :
نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما ) وفي إسناده ابن لهيعة ومشرح بن عاهان وهما
ضعيفان
وقد ذكر الحاكم أنه تفرد به وأكده بأن الرواية صحت فيه من قول عمر وابنه وابن
مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى وعمار ثم ساقها موقوفة عنهم وأكده البيهقي
بما رواه في المعرفة من طريق خالد بن معدان مرسلا
( وحديث الباب ) يدل على مشروعية سجود التلاوة . قال النووي في شرح مسلم : قد أجمع
العلماء على إثبات سجود التلاوة وهو عند الجمهور سنة وعند أبي حنيفة واجب ليس بفرض
وسيأتي ذكر ما احتج به الجمهور وما احتج به أبو حنيفة
2
- وعن ابن مسعود : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد
من كان معه غير أن شيخا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال :
يكفيني هذا قال عبد الله : فلقد رأيته بعد قتل كافرا )
- متفق عليه
-
قوله : ( غير أن شيخا من قريش ) صرح البخاري في التفسير من صحيحه أنه أمية بن خلف
. ووقع في سيرة ابن إسحاق أنه الوليد بن المغيرة قال الحافظ : وفيه نظر لأنه لم
يقتل . وفي تفسير سنيد الوليد بن المغيرة أو عقبة بن ربيعة بالشك وفيه نظر لما
أخرجه الطبراني من حديث مخرمة بن نوفل قال : لما أظهر النبي صلى الله عليه وآله
وسلم الإسلام أسلم أهل مكة حتى أن كان ليقرأ السجدة فيسجدون فلا يقدر بعضهم أن
يسجد من الزحام حتى قدم رؤساء قريش الوليد بن المغيرة وأبو جهل وغيرهما وكانوا
بالطائف فرجعوا وقالوا : تدعون دين آبائكم ولكن في هذا نظر لقول أبي سفيان في
حديثه الطويل الثابت في الصحيح أنه لم يرتد أحد ممن أسلم
قال في الفتح : ويمكن الجمع بأن النفي مقيد بمن ارتد سخطا لدينه لا لسبب مراعاة
خاطر رؤسائه
وروى [ ص 119 ] الطبراني عن سعيد بن جبير أن الذي رفع التراب فسجد عليه سعيد بن
العاص بن أمية . وذكر أبو حيان في تفسير أنه أبو لهب . وفي مصنف ابن أبي شيبة عن
أبي هريرة : ( أنهم سجدوا في النجم إلا رجلين من قريش أرادا بذلك الشهرة )
وللنسائي من حديث المطلب بن أبي وداعة قال : ( قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم النجم فسجد وسجد من معه فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد ولم يكن المطلب يومئذ أسلم
)
وإذا ثبت ذلك فلعل ابن مسعود لم يره أو خصه وحده بذكره لاختصاصه بأخذ الكف من
التراب دون غيره
( والحديث ) فيه مشروعية السجود لمن حضر عند القارئ للآية التي فيها السجدة
قال القاضي عياض : وكأن سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود أنها أول سجدة نزلت وأما ما
يرويه الأخباريون والمفسرون أن سبب ذلك ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم من الثناء على آلهة المشركين في سورة النجم فباطل لا يصح فيه شيء لا من
جهة العقل ولا من جهة النفل لأن مدح إله غير الله كفر ولا يصح نسبة ذلك إلى لسان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أن يقوله الشيطان على لسانه ولا يصح تسلط
الشيطان على ذلك كذا في شرح مسلم للنووي
3
- وعن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد بالنجم وسجد معه
المسلمون والمشركون والجن والإنس )
- رواه البخاري والترمذي وصححه
4
- وعن أبي هريرة قال : ( سجدنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في إذا السماء انشقت
واقرأ باسم ربك )
- رواه الجماعة إلا البخاري
-
قوله : ( سجد بالنجم ) زاد الطبراني في الأوسط من هذا الوجه بمكة . قال الحافظ :
فأفاد اتحاد قصة ابن عباس وابن مسعود
قوله : ( والجن ) كأن مستند ابن عباس في ذلك إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم
إما مشافهة له وإما بواسطة لأنه لم يحضر القصة لصغره وأيضا فهو من الأمور التي لا
يطلع عليها إلا بتوقيف . وتجويز أنه كشف له عن ذلك بعيد لأنه لم يحضرها قطعا قاله
الحافظ
قوله : ( في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك ) فيه دليل على إثبات السجود في
المفصل وقد تقدم الخلاف في ذلك
( والحديثان ) يدلان على مشروعية سجود التلاوة وقد تقدم أنه مجمع عليه
5
- وعن عكرمة عن ابن عباس قال : ( ليست ص من عزائم السجود ولقد رأيت النبي صلى الله
عليه و سلم يسجد فيها )
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه
6
- وعن [ ص 120 ] ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم سجد في ص وقال : سجدها
داود عليه السلام توبة ونسجدها شكرا )
- رواه النسائي
7
- وعن أبي سعيد قال : ( قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو على المنبر ص فلما
بلغ السجدة نزل سجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن
الناس للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم
تشزنتم للسجود فنزل فسجد وسجدوا )
- رواه أبو داود
-
الحديث الأول أخرجه أيضا النسائي والحديث الثاني أخرجه أيضا الشافعي في الأم عن
ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة وأخرجه أيضا عن سفيان عن عمر بن ذر عن أبيه قال
البيهقي : وروي من وجه آخر عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
موصولا وليس بالقوي
قال الحافظ : وقد رواه النسائي من حديث حجاج بن محمد عن عمر بن ذر موصولا . ورواه
الدارقطني من حديث عبد الله بن بزيغ عن عمر بن ذر ونحوه . وأعله ابن الجوزي به
يعني بعبد الله بن بزيغ وقد توبع وصححه ابن السكن
والحديث الثالث سكت عليه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح وأخرجه أيضا
الحاكم وذكر البيهقي عن جماعة من الصحابة أنهم سجدوا في ص
قوله : ( ليست من عزائم السجود ) المراد بالعزائم ما وردت العزيمة في فعله كصيغة
الأمر مثلا بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب وقد روى
ابن المنذر وغيره عن علي عليه السلام أن العزائم حم والنجم واقرأ والم تنزيل
قال الحافظ في الفتح : وإسناده حسن قال وكذا أثبت عن ابن عباس في الثلاثة الأخر
وقيل الأعراف وسبحان وحم والم أخرجه ابن أبي شيبة
قوله : ( ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسجد فيها ) في البخاري في
تفسير ص من طريق مجاهد عن ابن عباس وكذا لابن خزيمة أنه سأل ابن عباس من أين أخذت
السجود في ص . فقال : من قوله تعالى { ومن ذريته داود وسليمان } إلى قوله {
فبهداهم اقتده } ففي هذا أنه استنبط مشروعية السجود فيها من الآية والذي في الباب
يدل على أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا تعارض بينهما لاحتمال أنه
استفاده من الطريقين وإنما لم تكن السجدة في ص من العزائم لأنها وردت بلفظ الركوع
فلولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدة
قوله : ( سجدها داود توبة ونسجدها شكرا ) استدل به الشافعي على أنه [ ص 121 ] لا
يشرع السجود فيها في الصلاة لأن سجود الشكر غير مشروع فيها وكذلك استدل من قال بأن
السجود فيها غير مؤكد بحديث أبي سعيد المذكور في الباب لأن الظاهر من سياقه أنها
ليست من مواطن السجود لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنما هي توبة نبي ) ثم
تصريحه بأن سبب سجوده تشزنهم للسجود
قوله : ( تشزن الناس ) بالشين المعجمة والزاي والنون . قال الخطابي في المعالم :
هو من الشزن وهو القلق يقال بات علي شزن إذا بات قلقا يتقلب من جنب إلى جنب .
استشزنوا إذا تهيئوا للسجود
باب قراءة السجدة في صلاة الجهر والسر
1
- عن أبي رافع الصائغ قال : ( صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت
فسجد فيها فقلت : ما هذه فقال : سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه و سلم فما
أزال أسجد فيها حتى ألقاه )
- متفق عليه
-
قوله : ( فسجد فيها ) في رواية للبخاري : ( فسجد بها ) والباء ظرفية
قوله : ( فقلت ما هذه ) قيل هو استفهام إنكار وكذا وقع في البخاري عن أبي سلمة أنه
قال لأبي هريرة : ( ألم أرك تسجد ) وحمل ذلك منه على استفهام الإنكار وبذلك تمسك
من رأى ترك السجود للتلاوة في الصلاة ومن رأى تركه في المفصل ويجاب عن ذلك بأن أبا
رافع وأبا سلمة لم ينكرا على أبي هريرة بعد أن أعلمهما بالسنة في هذه المسألة ولا
احتجا عليه بالعمل على خلاف ذلك
قال ابن عبد البر : وأي عمل يدعى مع مخالفة النبي صلى الله عليه و سلم والخلفاء
الراشدين بعده
( والحديث ) يدل على مشروعية سجود التلاوة في الصلاة لأن ظاهر السياق أن سجوده صلى
الله عليه وآله وسلم كان في الصلاة . وفي الفتح أن في رواية أبي الأشعث عن معمر
التصريح بأن سجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها كان داخل الصلاة وإلى ذلك
ذهب جمهور العلماء ولم يفرقوا بين صلاة الفريضة والنافلة
وذهب الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله إلى أنه لا يسجد في الفرض فإن فعل فسدت
واستدلوا على ذلك بما أخرجه أبو داود عن ابن عمر أنه قال : ( كان رسول الله صلى
الله عليه و سلم يقرأ علينا السورة ) زاد ابن نمير : ( في غير الصلاة فيسجد ونسجد
معه حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته )
وفي مسلم عنه أنه [ ص 122 ] قال : ( ربما قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم
القرآن فيمر بالسجدة فيسجد بنا حتى ازدحمنا عنده حتى ما يجد أحدنا مكانا يسجد فيه
في غير صلاة ) والحديث في البخاري بدون قوله في غير صلاة كما سيأتي
وهذا تمسك بمفهوم قوله في غير الصلاة وهو لا يصلح للاحتجاج به لأن القائل بذلك ذكر
صفة الواقعة التي وقع فيها السجود المذكور وذلك لا ينافي ما ثبت من سجوده صلى الله
عليه وآله وسلم في الصلاة كما في حديث الباب وحديث ابن عمر نفسه الآتي
وبهذا الدليل يرد على من قال بكراهة قراءة ما فيه سجدة في الصلاة السرية والجهرية
كما روي عن مالك أو السرية فقط كما روي عن أبي حنيفة وأحمد بن حنبل
2
- وعن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم سجد في الركعة الأولى من صلاة
الظهر فرأى أصحابه أنه قرأ تنزيل السجدة )
- رواه أحمد وأبو داود ولفظه : ( سجد في صلاة الظهر ثم قام فركع فرأينا أنه قرأ
الم تنزيل السجدة )
-
الحديث أخرجه أيضا الطحاوي والحاكم وفي إسناده أمية شيخ لسليمان التيمي رواه له عن
أبي مجلز وهو لا يعرف قاله أبو داود في رواية الرملي عنه وفي رواية الطحاوي عن
سليمان عن أبي مجلز قال : ولم يسمعه منه ولكنه عند الحاكم بإسقاطه
قال الحافظ : ودلت رواية الطحاوي على أنه مدلس
( والحديث ) يدل على مشروعية سجود التلاوة في الصلاة السرية وقد تقدم الخلاف في
ذلك
باب سجود المستمع إذا سجد التالي وأنه إذا لم يسجد لم يسجد
1
- عن ابن عمر قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ علينا السورة فيقرأ
السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته )
- متفق عليه . ولمسلم في رواية : ( في غير صلاة )
-
قوله ( يقرأ علينا السورة ) زاد البخاري في رواية : ( ونحن عنده )
قوله : ( لموضع جبهته ) يعني من شدة الزحام وقد اختلف فيمن لم يجد مكانا يسجد عليه
فقال ابن عمر : يسجد على ظهر أخيه وبه قال الكوفيون وأحمد وإسحاق وقال عطاء
والزهري : يؤخر حتى يرفعوا وبه قال مالك والجمهور وهذا الخلاف في سجود الفريضة . قال
في الفتح : وإذا كان هذا في سجود الفريضة فيجري مثله في سجود التلاوة ولم يذكر ابن
عمر في هذا الحديث ما كانوا [ ص 123 ] يصنعون حينئذ ولذلك وقع الخلاف المذكور .
ووقع في الطبراني من طريق مصعب بن ثابت عن نافع في هذا الحديث : ( إن ذلك كان بمكة
لما قرأ النبي صلى الله عليه و سلم النجم ) وزاد فيه : ( حتى سجد الرجل على ظهر
الرجل )
قال الحافظ : الذي يظهر أن هذا الكلام وقع من ابن عمر على سبيل المبالغة في أنه لم
يبق أحد إلا سجد قال : وسياق حديث الباب مشعر بأن ذلك وقع مرارا ويؤيد ذلك ما رواه
الطبراني من رواية المسور بن مخرمة عن أبيه قال : ( أظهر أهل مكة الإسلام - يعني
في أول البعثة - حتى أن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقرأ السجدة فيسجد وما
يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام حتى قدم رؤساء مكة وكانوا في الطائف فرجعوهم عن
الإسلام )
قوله : ( في غير صلاة ) قد تقدم أنه تمسك بهذه الرواية من قال إنه لا سجود للتلاوة
في صلاة الفرض وتقدم الجواب عليه
( والحديث ) يدل على مشروعية السجود لمن سمع الآية التي يشرع فيها السجود إذا سجد
القارئ لها
2
- وعن عطاء بن يسار : ( أن رجلا قرأ عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم السجدة
فسجد فسجد النبي صلى الله عليه و سلم ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد فلم يسجد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت
وقرأت فلم تسجد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : كنت إمامنا فلو سجدت سجدت )
- رواه الشافعي في مسنده هكذا مرسلا . قال البخاري : وقال ابن مسعود لتميم ابن
حذلم وهو غلام فقرأ عليه سجدة فقال اسجد فإنك إمامنا فيها
-
الحديث أخرجه أبو داود في المراسيل . وقال البيهقي : رواه قرة عن الزهري عن أبي
سلمة عن أبي هريرة وقرة ضعيف وأخرج ابن أبي شيبة من رواية ابن عجلان عن زيد بن
أسلم قال : ( إن غلاما قرأ عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم السجدة فانتظر
الغلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما لم يسجد قال : يا رسول الله ليس في هذه
السجدة سجود قال صلى الله عليه وآله وسلم : بلى ولكنك كنت إمامنا فيها ولو سجدت
لسجدنا )
قال الحافظ في الفتح : رجاله ثقات إلا أنه مرسل
قوله : ( قال البخاري ) هذا الأثر ذكره البخاري تعليقا ووصله سعيد بن منصور من
رواية مغيرة عن إبراهيم
قوله : ( ابن حذلم ) بفتح المهملة واللام بينهما معجمة ساكنة
( والحديث ) يدل على أن سجود التلاوة لا يشرع للسامع إلا إذا سجد القارئ قال ابن
بطال : أجمعوا على [ ص 124 ] أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد
وقد اختلف العلماء في اشتراط السماع لآية السجدة وإلى اشتراط ذلك ذهبت العترة وأبو
حنيفة والشافعي وأصحابه لكن الشافعي شرط قصد الاستماع والباقون لم يشترطوا ذلك .
وقال الشافعي في البويطي : لا أؤكد على السامع كما أؤكد على المستمع . وقد روى
البخاري عن عثمان بن عفان وعمران بن حصين وسلمان الفارسي أن السجود إنما شرع لمن
استمع وكذلك روى البيهقي وابن أبي شيبة عن ابن عباس
3
- وعن زيد بن ثابت قال : ( قرأت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنجم فلم
يسجد فيها )
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه . ورواه الدارقطني وقال : ( فلم يسجد منا أحد )
-
الحديث احتج به من قال إن المفصل لا يشرع فيه سجود التلاوة وهم المالكية والشافعي
في أحد قوليه كما تقدم واحتج به أيضا من خص سورة النجم بعدم السجود وهو أبو ثور
وأجيب عن ذلك بأن تركه صلى الله عليه وآله وسلم للسجود في هذه الحالة لا يدل على
تركه مطلقا لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء أو لكون
الوقت كان وقت كراهة أو لكون القارئ لم يسجد أو كان الترك لبيان الجواز قال في
الفتح : وهذا أرجح الاحتمالات وبه حزم الشافعي وقد تقدم حديث ابن عباس : ( أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن
والإنس )
وروى البزار والدارقطني عن أبي هريرة أنه قال : ( أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه ) قال في الفتح : ورجاله ثقات وروى ابن مردويه
بإسناد حسنه الحافظ عن أبي هريرة أنه سجد في خاتمة النجم فسئل عن ذلك فقال أنه رأى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد فيها . وقد تقدم أن أبا هريرة إنما أسلم سنة
سبع من الهجرة
واستدل المصنف رحمه الله بحديث الباب على عدم وجوب السجود فقال ما لفظه : وهو حجة
في أن السجود لا يجب اه
واستدل من قال بالوجوب بالأوامر الواردة به في القرآن كما في ثانية الحج وخاتمة
النجم وسورة اقرأ ولا يخفى أن هذا الدليل أخص من الدعوى وأيضا القائل بالوجوب وهو
أن أبو حنيفة لا يقول بوجوب السجود في ثانية الحج كما تقدم ومقتضى دليله هذا أن
يكون أوجبه [ ص 125 ]
باب السجود على الدابة وبيان أنه لا يجب بحال
1
- عن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس
كلهم منهم الراكب والساجد في الأرض حتى أن الراكب ليسجد على يده )
- رواه أبو داود
-
الحديث في إسناده مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وقد ضعفه غير واحد من الأئمة
قوله : ( والساجد في الأرض ) أي ومنهم الساجد في الأرض
قوله : ( ليسجد على يده ) فيه جواز سجود الراكب على يده في سجود التلاوة وهو يدل
على جواز السجود في التلاوة لمن كان راكبا من دون نزول لأن التطوعات على الراحلة
جائزة كما تقدم وهذا منها
2
- وعن عمر : ( أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل حتى جاء السجدة فنزل وسجد
وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال أيها
الناس إنا لم نؤمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم سجد فلا إثم عليه )
- رواه البخاري . وفي لفظ : ( إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء )
-
الأثر أخرجه أيضا مالك في الموطأ والبيهقي وأبو نعيم في مستخرجه وابن أبي شيبة .
وقد استدل به القائلون بعدم الوجوب وأجابت الحنفية على قاعدتهم في التفرقة بين
الفرض والواجب بأن نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب . قال في الفتح : وتعقب بأنه
اصطلاح لهم حادث وما كان الصحابة يفرقون بينهما ويغني عن هذا قوله : ( ومن لم يسجد
فلا إثم عليه ) وتعقب أيضا بقوله إلا أن نشاء فإنه يدل على أن المرء مخير في
السجود فلا يكون واجبا وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أن نشاء قراءتها فتجب
قال الحافظ : ولا يخفى بعده ويرده أيضا قوله : ( فلا إثم عليه ) فإن انتفاء الإثم
عمن ترك الفعل مختارا يدل على عدم وجوبه . واستدل بهذا الاستثناء على وجوب إتمام
السجود على من شرع فيه لأن الظاهر أنه استثناء من قوله : ( لم يفرض ) . وأجيب بأنه
استثناء منقطع ومعناه لكن ذلك موكول إلى مشيئة المرء بدليل قوله : ( ومن لم يسجد
فلا إثم عليه )
( لا يقال ) الاستدلال بقول عمر على عدم الوجوب لا يكون مثبتا للمطلوب لأنه قول
صحابي [ ص 126 ] ولا حجة فيه لأنه يقال أولا إن القائل بالوجوب وهم الحنفية يقولون
بحجية أقوال الصحابة وثانيا إن تصريحه بعدم الفرضية وبعدم الإثم على التارك في مثل
هذا الجمع من دون صدور إنكار يدل على إجماع الصحابة على ذلك والأثر أيضا يدل على
جواز قراءة القرآن في الخطبة وجواز نزول الخطيب عن المنبر وسجوده إذا لم يتمكن من
السجود فوق المنبر . وعن مالك أنه يقرأ في خطبته ولا يسجد وهذا الأثر وارد عليه
باب التكبير للسجود وما يقول فيه
1
- عن ابن عمر قال : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا
مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا )
- رواه أبو داود
-
الحديث في إسناده العمري عبد الله المكبر وهو ضعيف . وأخرجه الحاكم من رواية
العمري أيضا لكن وقع عنده مصغرا والمصغر ثقة ولهذا قال على شرط الشيخين
قال الحافظ : وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر بلفظ آخر قال عبد الرزاق : كان
الثوري يعجبه هذا الحديث وقد أخرج مسلم لعبد الله العمري المذكور في صحيحه لكن
مقرونا بأخيه عبيد الله
( والحديث ) يدل على أنه يشرع التكبير لسجود التلاوة وإلى ذلك ذهبت الهادوية وبعض
أصحاب الشافعي قال أبو طالب : ويكبر بعد تكبيرة الافتتاح تكبيرة أخرى للنفل وحكى
في البحر عن العترة أنه لا تشهد في سجود التلاوة ولا تسليم
وقال بعض أصحاب الشافعي : بل يتشهد ويسلم كالصلاة وقال بعض أصحاب الشافعي : يسلم
قياسا للتحليل على التحريم ولا يتشهد إذ لا دليل
ولهم في السائر وجهان يومئ للعذر ويسجد إذ الإيماء ليس بسجود وفي الاستغناء عنه
بالركوع قولان : الهادوية والشافعي لا يغني إذ لم يؤثر وقال أبو حنيفة يغني إذا
القصد الخضوع
2
- وعن عائشة قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في سجود القرآن
بالليل : سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته )
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي
3
- وعن ابن عباس قال : ( كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه رجل فقال :
إني رأيت البارحة فيما يرى النائم كأني أصلي إلى أصل شجرة فقرأت السجدة فسجدت
الشجرة لسجودي فسمعتها تقول : اللهم احطط عني [ ص 127 ] بها وزرا واكتب لي بها
أجرا واجعلها لي عندك ذخرا . قال ابن عباس : فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قرأ السجدة فسجد فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة )
- رواه ابن ماجه والترمذي وزاد فيه : ( وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه
السلام )
-
الحديث الأول أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه ابن السكن وقال في آخره
( ثلاثا ) وزاد الحاكم : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) وزاد البيهقي : ( وصوره )
بعد قوله : ( خلقه ) ولمسلم نحوه من حديث علي في سجود الصلاة وقد تقدم . وللنسائي
أيضا نحوه من حديث جابر في سجود الصلاة أيضا
والحديث الثاني أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان وفي إسناده الحسن بن محمد بن عبيد
الله ابن أبي يزيد . قال العقيلي : فيه جهالة
( وفي الباب ) عن أبي سعيد الخدري عند البيهقي . واختلف في وصله وإرساله وصوب
الدارقطني في العلل رواية حماد عن حميد عن بكر أن أبا سعيد رأى فيما يرى النائم
وذكر الحديث
( والحديثان ) يدلان على مشروعية الذكر في سجود التلاوة بما اشتملا عليه
( فائدة ) ليس في أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضئا
وقد كان يسجد معه صلى الله عليه وآله وسلم من حضر تلاوته ولم ينقل أنه أمر أحدا
منهم بالوضوء ويبعد أن يكونوا جميعا متوضئين وأيضا قد كان يسجد معه المشركون كما
تقدم وهم أنجاس لا يصح وضوءهم وقد روى البخاري عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير
وضوء
وكذلك روى عنه ابن أبي شيبة وأما ما رواه البيهقي عنه بإسناد قال في الفتح : صحيح
أنه قال لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر فيجمع بينهما بما قال الحافظ من حمله على
الطهارة الكبرى أو على حالة الاختيار والأول على الضرورة وهكذا ليس في الأحاديث ما
يدل على اعتبار طهارة الثياب والمكان وأما ستر العورة والاستقبال مع الإمكان فقيل
إنه معتبر اتفاقا قال في الفتح : لم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء
إلا الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح
وأخرج أيضا عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسجد وهو على غير
وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئ إيماء ومن الموافقين لابن عمر من أهل البيت أبو
طالب والمنصور بالله
( فائدة أخرى ) روي عن بعض [ ص 128 ] الصحابة أنه يكره سجود التلاوة في الأوقات
المكروهة والظاهر عدم الكراهة لأن السجود المذكور ليس بصلاة والأحاديث الواردة
بالنهي مختصة بالصلاة
باب سجدة الشكر
1
- عن أبي بكرة : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به
خر ساجدا شكرا لله تعالى )
- رواه الخمسة إلا النسائي . ولفظ أحمد : ( أنه شهد النبي صلى الله عليه و سلم
أتاه بشير يبشره بظفر جند له على عدوهم ورأسه في حجر عائشة فقام فخر ساجدا فأطال
السجود ثم رفع رأسه فتوجه نحو صدفته فدخل فاستقبل القبلة )
2
- وعن عبد الرحمن بن عوف قال : ( خرج النبي صلى الله عليه و سلم فتوجه نحو صدفته
فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجدا فأطال السجود ثم رفع رأسه وقال : إن جبريل أتاني
فبشرني فقال : إن الله عز و جل يقول لك من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت
عليه فسجدت لله شكرا )
- رواه أحمد
-
حديث أبي بكرة قال الترمذي : هو حسن غريب وفي إسناده بكار بن عبد العزيز ابن أبي
بكرة عن أبيه عن جده وهو ضعيف عند العقيلي وغيره . وقال ابن معين : إنه صالح
الحديث وحديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه أيضا البزار وابن أبي عاصم في فضل الصلاة
على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعقيلي في الضعفاء والحاكم
( وفي الباب ) عن أنس عند ابن ماجه بنحو حديث أبي بكرة وفي سنده ضعف واضطراب . وعن
جابر عند ابن حبان في الضعفاء : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا
نغاشيا فخر ساجدا ثم قال : أسأل الله العافية ) والنغاش بضم النون وبالغين والشين
المعجمتين القصير الضعيف الحركة الناقص الخلق قاله ابن الأثير
وذكر حديث جابر الشافعي في المختصر ولم يذكر له إسنادا وكذا صنع الحاكم في
المستدرك واستشهد به على حديث أبي بكرة وأسنده الدارقطني والبيهقي من حديث جابر
الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي مرسلا وزاد أن اسم الرجل زنيم وكذا هو في مصنف ابن
أبي شيبة من هذا الوجه
( وفي الباب ) عن سعد بن أبي وقاص وسيأتي قال البيهقي : في الباب عن جابر وابن عمر
وأنس وجرير وأبي جحيفة اه
قال المنذري : وقد جاء حديث سجدة الشكر من حديث البراء بإسناد صحيح ومن حديث كعب بن
مالك وغير ذلك اه
قوله : ( صدفته ) [ ص 129 ] بفتح الصاد والدال المهملتين والفاء . والصدفة من
أسماء البناء المرتفع . وفي النهاية ما لفظه : كان إذا مر بصدف مائل أسرع المشي
قال : الصدف بفتحتين وضمتين كل بناء عظيم مرتفع تشبيها بصدف الجبل وهو ما قابلك من
جانبه واسم لحيوان في البحر اه
وهذه الأحاديث تدل على مشروعية سجود الشكر وإلى ذلك ذهبت العترة وأحمد والشافعي
وقال مالك : وهو مروي عن أبي حنيفة أنه يكره إذا لم يؤثر عنه صلى الله عليه و سلم
مع تواتر النعم عليه صلى الله عليه وآله وسلم
وفي رواية عن أبي حنيفة أنه مباح لأنه لم يؤثر . وإنكار ورود سجود الشكر عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم من مثل هذين الإمامين مع وروده عنه صلى الله عليه وآله
وسلم من هذه الطرق التي ذكرها المصنف وذكرناها من الغرائب
ومما يؤيد ثبوت سجود الشكر قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتقدم في
سجدة ص : ( هي لنا شكر ولداود توبة ) وليس في أحاديث الباب ما يدل على اشتراط
الوضوء وطهارة الثياب والمكان وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى وأبو طالب
وذهب أبو العباس والمؤيد بالله والنخعي وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يشترط في سجود
الشكر شروط الصلاة
وليس في أحاديث الباب أيضا ما يدل على التكبير في سجود الشكر وفي البحر أنه يكبر
قال الإمام يحيى : ولا يسجد للشكر في الصلاة قولا واحدا إذ ليس من توابعها قال أبو
طالب : ومستقبل القبلة
3
- وعن سعد بن أبي وقاص قال : ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة
نريد المدينة فلما كنا قريبا من عزوراء نزل ثم رفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر
ساجدا فمكث طويلا ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا فعله ثلاثا وقال : إني سألت
ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا شكرا لربي ثم رفعت رأسي فسألت ربي
لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا شكرا لربي ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي
فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدا لربي )
- رواه أبو داود . وسجد أبو بكر حين جاء قتل مسيلمة رواه سعيد بن منصور . وسجد علي
حين وجد ذا الثدية في الخوارج رواه أحمد في مسنده . وسجد كعب بن مالك في عهد النبي
صلى الله عليه و سلم لما بشر بتوبة الله عليه . وقصته متفق عليها )
-
الحديث قال المنذري : في إسناده موسى بن يعقوب الزمعي وفيه مقال اه
وأخرج أبو داود عن أبي موسى الأشعري قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أمتي [ ص 130 ] هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا الفتن
والزلازل والقتل ) وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود تكلم فيه
غير واحد . وقال العقيلي : تغير في آخر عمره في حديثه اضطراب . وقال ابن حبان
البستي : اختلط حديثه فلم يتميز فاستحق الترك . وقد استشهد بعبد الرحمن المذكور
البخاري
قوله : ( من عزوراء ) بفتح العين المهملة وسكون الزاي وفتح الواو بالمد ثنية
الجحفة عليها الطريق من المدينة ويقال فيها عزور . قال في القاموس : وعزور ثانية
الجحفة عليها الطريق
قوله : ( قتل مسيلمة ) هو الكذاب وقصته معروفة
قوله : ( ذا الثدية ) هو رجل من الخوارج الذين قتلهم علي عليه السلام يوم النهروان
. ويقال له المخدج وكان في يده مثل ثدي المرأة على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي عليه
شعرات مثل سبالة السنور وقصته مشهورة ذكرها مسلم في صحيحه وأبو داود وغيرهما
قوله : ( وقصته متفق عليها ) وهي مطولة في الصحيحين وغيرهما . وحاصلها أنه تخلف عن
غزوة تبوك بلا عذر واعترف بذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم
يعتذر بالأعذار الكاذبة كما فعل ذلك المتخلفون من المنافقين فنهى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم الناس عن تكليمه وأمر بمفارقة زوجته حتى ضاقت عليه وعلى صاحبيه
اللذين اعترفا كما اعترف الأرض بما رحبت كما وصف الله ذلك في كتابه ثم بعد خمسين
ليلة تاب الله عليهم فلما بشر بذلك سجد شكرا لله تعالى
( والحديث ) يدل على مشروعية سجود الشكر وكذلك الآثار المذكورة وقد تقدم الخلاف في
ذلك
أبواب سجود السهو
باب ما جاء فيمن سلم من نقصان
1
- عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إحدى
صلاتي العشي فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه
غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ووضع خده الأيمن على ظهر كفه
اليسرى وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا : [ ص 131 ] قصرت الصلاة وفي القوم
أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل يقال له ذو اليدين فقال : يا رسول
الله أنسيت أم قصرت فقال : لم أنس ولم تقصر فقال : أكما يقول ذو اليدين فقالوا :
نعم فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر ثم
كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر فربما سألوه ثم سلم فيقول : أنبئت أن
عمران بن حصين قال ثم سلم )
- متفق عليه . وليس لمسلم فيه وضع اليد على اليد ولا التشبيك . وفي رواية قال : (
بينما أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه و سلم صلاة الظهر سلم من ركعتين فقام رجل
من بني سليم فقال : يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت ) وساق الحديث رواه أحمد
ومسلم . وهذا يدل على أن القصة كانت بحضرته وبعد إسلامه . وفي رواية متفق عليها
لما قال : ( لم أنس ولم تقصر قال : بلى قد نسيت ) وهذا يدل على أن ذا اليدين تكلم
بعد ما علم عدم النسخ كلاما ليس بجواب سؤال )
-
قال الحافظ في التلخيص : لهذا الحديث طرق كثيرة وألفاظ وقد جمع جميع طرقه الحافظ
صلاح الدين العلائي وتكلم عليه كلاما شافيا انتهى
( وفي الباب ) عن ابن عمر عند أبي داود وابن ماجه . وعن ذي اليدين عند عبد الله بن
أحمد في زيادات المسند والبيهقي . وعن ابن عباس عند البزار في مسنده والطبراني .
وعن عبد الله بن مسعدة عند الطبراني في الأوسط . وعن معاوية بن خديج عند أبي داود
والنسائي . وعن أبي العريان عند الطبراني في الكبير
قال ابن عبد البر في التمهيد : وقد قيل أن أبا العريان المذكور هو أبو هريرة وقال
النووي في الخلاصة : أن ذا اليدين يكنى أبا العريان قال العراقي : كلا القولين غير
صحيح وأبو العريان صحابي آخر لا يعرف اسمه ذكره الطبراني فيهم في الكنى وكذلك
أورده أبو موسى المديني في ذيله على ابن منده في الصحابة
قوله : ( صلى بنا ) ظاهره أن أبا هريرة حضر القصة وحمله الطحاوي على المجاز قال :
إن المراد به صلى بالمسلمين وسبب ذلك قول الزبيري أن صاحب القصة استشهد ببدر لأنه
يقتضي أن القصة وقعت قبل بدر وهي قبل إسلام أبي هريرة بأكثر من خمس سنين لكن اتفق
أئمة الحديث كما نقله ابن عبد البر وغيره على أن الزهري وهم في ذلك وسببه أنه جعل
القصة لذي الشمالين وذو الشمالين هو الذي قتل ببدر وهو خزاعي واسمه عمير بن عبد
عمرو بن نضلة . وأما ذو اليدين فتأخر بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم بمدة وحدث
بهذا الحديث بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما أخرج ذلك الطبراني واسمه
الخرباق كما [ ص 132 ] سيأتي وقد جوز بعض الأئمة أن تكون القصة وقعت لكل من ذي
الشمالين وذي اليدين وأن أبا هريرة روى الحديثين فأرسل أحدهما وهو قصة ذي الشمالين
وشاهد الآخر وهو قصة ذي اليدين
قال في الفتح : وهذا محتمل في طريق الجمع وقيل يحمل على أن ذا الشمالين كما يقال
له أيضا ذو اليدين وبالعكس فكان سبب الاشتباه ويدفع المجاز الذي ارتكبه الطحاوي
الرواية الأخرى التي ذكرها المصنف بلفظ : ( بينما أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه
و سلم ) . قال الحافظ في الفتح : وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على
أن ذا الشمالين غير ذي اليدين ونص على ذلك الشافعي في اختلاف الحديث
قوله : ( إحدى صلاتي العشي ) قال النووي : هو بفتح العين المهملة وكسر الشين
المعجمة وتشديد الياء قال : قال الأزهري : العشي عند العرب ما بين زوال الشمس
وغروبها ويبين ذلك ما وقع عند البخاري من حديث أبي هريرة قال : ( صلى بنا النبي
صلى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر ) وفي رواية له قال محمد يعني ابن سيرين : (
وأكثر ظني أنها العصر ) وفي مسلم العصر من غير شك . وفي رواية له الظهر كذلك كما
ذكر المصنف
وفي رواية له أيضا إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر . قال في الفتح :
والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة وأبعد من قال يحمل على أن القصة وقعت مرتين بل
روى النسائي من طريق ابن عوف عن ابن سيرين أن الشك فيه من أبي هريرة ولفظه : ( صلى
صلى الله عليه وآله وسلم إحدى صلاتي العشي قال أبو هريرة ولكني نسيت ) فالظاهر أن
أبا هريرة رواه كثيرا على الشك وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها وتارة
غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها وطرأ الشك أيضا في تعيينها على ابن سيرين وكأن
سبب ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعية
قوله : ( فقام إلى خشبة في المسجد ) في رواية للبخاري : ( في مقدم المسجد ) ولمسلم
: ( في قبلة المسجد )
قوله : ( السرعان ) بفتح المهملات ومنهم من يسكن الراء وحكى عياض أن الأصيلي ضبطه
بضم ثم إسكان كأنه جمع سريع والمراد بهم أول الناس خروجا من المسجد وهم أهل الحاجات
غالبا
قوله : ( فهابا ) في رواية للبخاري : ( فهاباه ) بزيادة الضمير والمعنى أنه غلب
عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم
العلم
قوله : ( يقال له ذو اليدين ) قال القرطبي : هو كناية عن طولهما وعن بعض شراح
التنبيه أنه كان قصير اليدين وجزم ابن قتيبة أنه كان يعمل بيديه جميعا
وذهب الأكثر [ ص 133 ] إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء
بعدها موحدة وآخره قاف اعتمادا على ما وقع في حديث عمران بن حصين الآتي
قال في الفتح : وهذا موضع من يوحد حديث أبي هريرة بحديث عمران وهو الراجح في نظري
وإن كان ابن خزيمة ومن تبعه جنحوا إلى التعدد والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع
في السياقين ففي حديث أبي هريرة أن السلام وقع من اثنتين وأنه صلى الله عليه و سلم
قام إلى خشبة في المسجد
وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات وأنه دخل منزله لما فرغ من الصلاة فأما
الأول فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد أنه سلم في ابتداء الركعة
الثالثة واستبعده ولكن طريق الجمع يكتفى فيها بأدنى مناسبة وليس بأبعد من دعوى
تعدد القصة لأنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه
وآله وسلم عن ذلك واستفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة عن صحة قوله
وأما الثاني فلعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله
لكون الخشبة كانت في جهة منزله فإن كان كذلك وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة
ابن عمر له على سياقه كما أخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة ولموافقة
ذي اليدين كما أخرجه أبو بكر الأثرم وعبد الله ابن أحمد في زيادات المسند وأبو بكر
ابن أبي خيثمة وغيرهم انتهى
قوله : ( لم أنس ولم تقصر ) هو تصريح بنفي النسيان ونفي القصر وهو مفسر لما عند
مسلم بلفظ : ( وكل ذلك لم يكن ) وتأييد لما قاله علماء المعاني أن لفظ كل إذا تقدم
وعقبه نفي كان نفيا لكل فرد لا للمجموع بخلاف ما إذا تأخر ولهذا أجاب ذو اليدين
بقوله وقد كان بعض ذلك كما في صحيح مسلم . وفي البخاري ومسلم أنه قال : ( بلى قد
نسيت ) كما ذكر المصنف
( وفيه دليل ) على جواز دخول السهو عليه صلى الله عليه وآله وسلم في الأحكام
الشرعية وقد نقل عياض والنووي الإجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال
التبليغية وخصا الخلاف بالأفعال وقد تعقبا قال الحافظ : نعم اتفق من جوز ذلك على
أنه لا يقر عليه بل يقع له بيان ذلك إما متصلا بالفعل أو بعده كما وقع في هذا
الحديث . وفائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره
وأما من منع السهو مطلقا منه صلى الله عليه و سلم فأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة .
منها أن قوله صلى الله عليه و سلم ( لم أنس ) على ظاهره وحقيقته وأنه كان متعمدا
لذلك ليقع منه التشريع بالفعل لكونه أبلغ من القول ويكفي في رد هذا تقريره [ ص 134
] صلى الله عليه و سلم لذي اليدين على قوله ( بلى قد نسيت ) وأصرح من ذلك قوله صلى
الله عليه وآله وسلم : ( إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ) وهو متفق عليه من حديث ابن
مسعود كما سيأتي
ومن أجوبتهم أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( أني لا أنسى ولكني أنسى لا سن )
يدل على عدم صدور النسيان منه وتعقب بما قاله الحافظ في الفتح أن هذا الحديث لا
أصل له فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد . وأيضا هو أحد
الأحاديث الأربعة التي تكلم عليها في الموطأ
( ومن أجوبتهم ) أيضا حديث إنكاره صلى الله عليه وآله وسلم على من قال نسيت آية
كذا وكذا وقال : ( بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا وكذا ) وتعقب بأنه لا يلزم
من ذم إضافة نسيان الآية ذم إضافة نسيان كل شيء فإن الفرق بينهما واضح جدا
( ومن أجوبتهم ) أن قوله ( لم أنس ) راجع إلى السلام أي سلمت قصدا بانيا على ما في
اعتقادي أني صليت أربعا
قال الحافظ : وهذا جيد وكأن ذا اليدين فهم العموم فقال بلى نسيت والكلام في ذلك
محله علم الكلام والأصول
وقد تكلم عياض في الشفاء بما يشفي فمن أراد البسط فليرجع إليه وهذا كله مبني على
أن معنى السهو والنسيان واحد وأما من فرق بينهما فله أن يقول هذه الأدلة وإن دلت
على أنه وقع النسيان منه صلى الله عليه وآله وسلم فهي لا تستلزم وقوع السهو
قوله : ( فصلى ما ترك ) فيه جواز البناء على الصلاة التي خرج منها المصلي قبل
تمامها ناسيا وإلى ذلك ذهب الجمهور كما قال العراقي من غير فرق بين من سلم من
ركعتين أو أكثر أو أقل . وقال سحنون : إنما يبني من سلم من ركعتين كما في قصة ذي
اليدين لأن ذلك وقع على غير القياس فيقتصر على مورد النص وحديث عمران بن حصين
الآتي يبطل ما زعمه من قصر الجواز على ركعتين على أنه يلزمه أن يقصر الجواز على
إحدى صلاتي العشي ولا قائل به
وذهبت الهادوية إلى أنه لا يجوز البناء على الصلاة التي خرج منها بتسليمتين من غير
فرق بين العمد والسهو وأجابوا عن حديث الباب بأن قصة ذي اليدين كانت قبل نسخ
الكلام اعتمادا منهم على ما سلف عن الزهري وقد قدمنا أنه وهم على أنه قد روى
البناء عمران بن حصين كما سيأتي وإسلامه متأخر
ورواه أيضا معاوية بن خديج كما تقدمت الإشارة إلى ذلك وإسلامه قبل موت النبي صلى
الله عليه و سلم بشهرين ومع هذا فتحريم الكلام كان بمكة وقد حققنا ذلك في باب
تحريم الكلام
( وفي حديث الباب ) دليل على أن كلام الساهي لا يبطل الصلاة وكذا [ ص 135 ] كلام
من ظن التمام وقد تقدم الكلام على ذلك في باب تحريم الكلام أيضا وفيه أيضا دليل
على أن الأفعال الكثيرة التي ليست من جنس الصلاة إذا وقعت سهوا أو مع ظن التمام لا
تفسد الصلاة وقد تقدم البحث في ذلك
قوله : ( ثم سلم ثم كبر وسجد ) فيه دليل لمن قال إن سجود السهو بعد السلام وقد
اختلف أهل العلم في ذلك على ثمانية أقوال كما ذكر ذلك العراقي في شرح الترمذي
الأول : أن سجود السهو كله محله بعد السلام وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة وهم
علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعمران بن
حصين وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة . وروى الترمذي عنه خلاف ذلك كما
سيأتي وروي أيضا عن ابن عباس ومعاوية وعبد الله بن الزبير على خلاف في ذلك عنهم .
ومن التابعين أبو سلمة بن عبد الرحمن والحسن البصري والنخعي وعمر بن عبد العزيز
وعبد الرحمن بن أبي ليلى والسائب القاري
وروى الترمذي عنه خلاف ذلك وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه . وحكى عن الشافعي
قولا له . ورواه الترمذي عن أهل الكوفة وذهب إليه من أهل البيت الهادي والقاسم وزيد
بن علي والمؤيد بالله واستدلوا بحديث الباب وبسائر الأحاديث التي ذكر فيها السجود
بعد السلام
القول الثاني : أن سجود السهو كله قبل السلام وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة أبو سعيد
الخدري وروي أيضا عن ابن عباس ومعاوية وعبد الله بن الزبير على خلاف في ذلك وبه
قال الزهري ومكحول وابن أبي ذئب والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي في الجديد
وأصحابه ورواه الترمذي عن أكثر فقهاء المدينة وعن أبي هريرة
( واستدلوا ) على ذلك بالأحاديث التي ذكر فيها السجود قبل السلام وسيأتي بعضها
القول الثالث : التفرقة بين الزيادة والنقص فيسجد للزيادة بعد السلام وللنقص قبله
وإلى ذلك ذهب مالك وأصحابه والمزني وأبو ثور وهو قول الشافعي وإليه ذهب الصادق
والناصر من أهل البيت . قال ابن عبد البر : وبه يصح استعمال الخبرين جميعا قال :
واستعمال الأخبار على وجهها أولى من ادعاء النسخ ومن جهة النظر الفرق بين الزيادة
والنقصان بين في ذلك لأن السجود في النقصان إصلاح وجبر ومحال أن يكون الإصلاح
والجبر بعد الخروج من الصلاة وأما السجود في الزيادة فإنما هو ترغيم للشيطان وذلك
ينبغي أن يكون بعد الفراغ
قال ابن العربي : مالك أسعد قيلا وأهدى سبيلا انتهى
ويدل على هذه التفرقة ما رواه الطبراني من حديث [ ص 136 ] عائشة في آخر حديث لها
وفيه قال : ( من سها قبل التمام فليسجد سجدتي السهو قبل أن يسلم وإذا سها بعد
التمام سجد سجدتي السهو بعد أن يسلم ) ولكن في إسناده عيسى بن ميمون المدني
المعروف بالواسطي وهو وإن وثقه حماد بن سلمة وقال فيه ابن معين مرة : لا بأس به
فقد قال فيه مرة : ليس بشيء وضعفه الجمهور
القول الرابع : أنه يستعمل كل حديث كما ورد وما لم يرد فيه شيء سجد قبل السلام
وإلى ذلك ذهب أحمد بن حنبل كما حكاه الترمذي عنه وبه قال سليمان بن داود الهاشمي
من أصحاب الشافعي وأبو خيثمة . قال ابن دقيق العيد : هذا المذهب مع مذهب مالك
متفقان في طلب الجمع وعدم سلوك طريق الترجيح لكنهما اختلفا في وجه الجمع
القول الخامس : أنه يستعمل كل حديث كما ورد وما لم يرد فيه شيء فما كان نقصا سجد
له قبل السلام وما كان زيادة فبعد السلام وإلى ذلك ذهب إسحاق بن راهويه كما حكاه
عنه الترمذي
القول السادس : أن الباني على الأقل في صلاته عند شكه يسجد قبل السلام على حديث
أبي سعيد الآتي والمتحري في الصلاة عند شكه يسجد بعد السلام على حديث ابن مسعود
الآتي أيضا وإلى ذلك ذهب أبو حاتم بن حبان قال : وقد يتوهم من لم يحكم صناعة الأخبار
ولا تفقه في صحيح الآثار أن التحري في الصلاة والبناء على اليقين واحد وليس كذلك
لأن التحري هو أن يشك المرء في صلاته فلا يدري ما صلى فإذا كان كذلك فعليه أن
يتحرى الصواب وليبن على الأغلب عنده ويسجد سجدتي السهو بعد السلام على خبر ابن
مسعود . والبناء على اليقين هو أن يشك في الثنتين والثلاث أو الثلاث والأربع فإذا
كان كذلك فعليه أن يبني على اليقين وهو الأقل وليتم صلاته ثم يسجد سجدتي السهو قبل
السلام على خبر عبد الرحمن بن عوف وأبي سعيد وما اختاره من التفرقة بين التحري
والبناء على اليقين قاله أحمد بن حنبل فيما ذكره ابن عبد البر في التمهيد
وقال الشافعي وداود وابن حزم : أن التحري هو البناء على اليقين وحكاه النووي عن
الجمهور
القول السابع : أنه يتخير الساهي بين السجود قبل السلام وبعده سواء كان لزيادة أو
نقص حكاه ابن أبي شيبة في المصنف عن علي عليه السلام وحكاه الرافعي قولا للشافعي
ورواه المهدي في البحر عن الطبري ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صح عنه
السجود قبل السلام وبعده فكان الكل سنة
القول الثامن : أن محله كان بعد السلام إلا في موضعين فإن الساهي فيهما مخير .
أحدهما من قام من ركعتين ولم يجلس ولم يتشهد . والثاني أن لا يدري أصلى ركعة أم
ثلاثا أم أربعا فيبني على الأقل [ ص 137 ] ويخير في السجود وإلى ذلك ذهب أهل
الظاهر . وبه قال ابن حزم وروى النووي في شرح مسلم عن داود أنه قال : تستعمل
الأحاديث في مواضعها كما جاءت
قال القاضي عياض وجماعة من أصحاب الشافعي : ولا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم
من العلماء أنه لو سجد قبل السلام أو بعده للزيادة أو للنقص أنه يجزئه ولا تفسد
صلاته وإنما اختلافهم في الأفضل
قال النووي : وأقوى المذاهب هنا مذهب مالك ثم الشافعي . وقال ابن حزم في مذهب مالك
: إنه رأي لا برهان على صحته قال : وهو أيضا مخالف للثابت عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم من أمره بسجود السهو قبل السلام من شك فلم يدر كم صلى وهو سهو
زيادة ثم قال : ليت شعري من أين لهم أن جبر الشيء لا يكون إلا فيه لا بائنا عنه
وهم مجمعون على أن الهدى والصيام يكونان جبرا لما نقص من الحج وهما بعد الخروج عنه
وأن عتق الرقبة أو الصدقة أو صيام الشهرين جبرا لنقص وطء التعمد في نهار رمضان
وفعل ذلك لا يجوز إلا بعد تمامه اه
وأحسن ما يقال في المقام أنه يعمل على ما تقتضيه أقواله وأفعاله صلى الله عليه و
سلم من السجود قبل السلام وبعده فما كان من أسباب السجود مقيدا بقبل السلام سجد له
قبله وما كان مقيدا ببعد السلام سجد له بعده وما لم يرد تقييده بأحدهما كان مخيرا
بين السجود قبل السلام وبعده من غير فرق بين الزيادة والنقص لما أخرجه مسلم في
صحيحه عن ابن مسعود : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا زاد الرجل أو نقص
فليسجد سجدتين ) وجميع أسباب السجود لا تكون إلا زيادة أو نقصا أو مجموعهما وهذا
ينبغي أن يعد مذهبا تاسعا لأن مذهب داود وإن كان فيه أنه يعمل بمقتضى النصوص
الواردة كما حكاه النووي فقد جزم بأن الخارج عنها يكون قبل السلام وإسحاق بن
راهويه وإن قال : إنها تستعمل الأحاديث كما وردت فقد جزم أنه يسجد لما خرج عنها إن
كان زيادة بعد السلام وإن كان نقصا فقبله كما سبق
والقائلون بالتخيير لم يستعملوا النصوص كما وردت ولا شك أنه أفضل . ومحل الخلاف في
الأفضل كما عرفت وإن كانت الهادوية تقول بفساد صلاة من سجد لسهوه قبل التسليم
مطلقا لكن قولهم مع كونه مخالفا لما صرحت به الأدلة مخالف للإجماع الذي حكاه عياض
وغيره
قوله : ( فربما سألوه ثم سلم ) يعني سألوا محمد بن سيرين هل سلم النبي صلى الله
عليه و سلم بعد سجدتي السهو فروي عن عمران بن حصين أنه أخبر أن النبي صلى الله
عليه و سلم سلم بعدهما . ولفظ أبي داود : ( فقيل لمحمد سلم في السجود فقال : لم
أحفظه من أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران [ ص 138 ] بن حصين قال : ثم سلم ) وفيه
دليل على مشروعية التسليم في سجود السهو وقد نقل بعض المتأخرين عن النووي أن
الشافعية لا يثبتون التسليم وهو خلاف المشهور عن الشافعية والمعروف في كتبهم وخلاف
ما صرح به النووي في شرح مسلم فإنه قال : والصحيح في مذهبنا أنه يسلم ولا يتشهد
2
- وعن عمران بن حصين : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى العصر فسلم في ثلاث
ركعات ثم دخل منزله ) وفي لفظ : ( فدخل الحجرة فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان
في يده طول فقال : يا رسول الله فذكر له صنيعه فخرج غضبان يجر ردائه حتى انتهى إلى
الناس فقال : أصدق هذا قالوا : نعم فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم )
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي )
-
الكلام على فقه الحديث قد تقدم وتقدم أيضا الاختلاف بين أهل العلم هل حديث عمران
هذا وحديث أبي هريرة المتقدم حكاية لقصة واحدة أو لقصتين مختلفتين والظاهر ما قاله
ابن خزيمة ومن تبعه من التعدد لأن دعوى الاتحاد تحتاج إلى تأويلات متعسفة كما سلف
. وتقدم أيضا ضبط الخرباق وأنه اسم ذي اليدين
( وفي الباب ) عن ابن عباس عند البزار والطبراني في الكبير : ( أن رسول الله صلى
الله عليه و سلم صلى بهم العصر ثلاثا فدخل على بعض نسائه فدخل عليه رجل من أصحابه
يقال له ذو الشمالين ) الحديث
3
- وعن عطاء : ( أن ابن الزبير صلى المغرب فسلم في ركعتين فنهض ليستلم الحجر فسبح
القوم فقال : ما شأنكم قال : فصلى ما بقي وسجد سجدتين قال : فذكر ذلك لابن عباس
فقال : ما أماط عن سنة نبيه صلى الله عليه و سلم )
- رواه أحمد
-
الحديث أيضا أخرجه البزار والطبراني في الأوسط والكبير قال في مجمع الزوائد :
ورجال أحمد رجال الصحيح
قوله : ( ما أماط ) أوله همزة مفتوحة وآخره مهملة . قال في القاموس : ماط يميط
ميطا جار وزجر وعنى ميطانا وميطا تنحى وبعد ونحى وأبعد كأماط فيهما اه
والمراد هنا أن ابن الزبير ما بعد ولا تنحى عن السنة أو ما أبعد ولا نحى غيره عنها
بما فعله لما تقدم من ثبوت ذلك عنه صلى الله عليه و سلم والخلاف في جواز البناء قد
مر [ ص 139 ]
باب من شك في صلاته
1
- عن عبد الرحمن بن عوف قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلى أم ثنتين فليجعلها واحدة وإذا لم يدر
ثنتين صلى أم ثلاثا فليجعلها ثنتين وإذا لم يدر ثلاثا صلى أم أربعا فليجعلها ثلاثا
ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين )
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه . وفي رواية : ( سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول : من صلى صلاة يشك في النقصان فليصل حتى يشك في الزيادة ) رواه
أحمد
-
الحديث معلول لأنه من رواية ابن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرحمن
. وقد رواه أحمد في المسند عن ابن علية عن ابن إسحاق عن مكحول مرسلا
قال ابن إسحاق : فلقيت حسين بن عبد الله فقال لي : أسنده لك قلت : لا فقال : لكنه
حدثني أن كريبا حدثه به وحسين ضعيف جدا . ورواه إسحاق بن راهويه والهيثم بن كليب
في مسنديهما من طريق الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس مختصرا وفي
إسنادهما إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وتابعه بحر بن كثير السقاء فيما ذكره
الدارقطني في العلل
وقد رواه أيضا أحمد بن حنبل عن محمد بن يزيد عن إسماعيل ابن مسلم عن الزهري
وإسماعيل بن مسلم ضعيف كما مر
والزيادة التي رواها المصنف رحمه الله عن أحمد أخرج نحوها ابن ماجه ولفظه : ( ثم
ليتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في الزيادة ) وفي الباب غير ما ذكره المصنف
عن عثمان عند أحمد وفيه : ( من صلى فلم يدر أشفع أم أوتر فليسجد سجدتين فإنهما
إتمام صلاته ) قال العراقي : رجاله ثقات إلا أن يزيد بن أبي كبشة لم يسمع من عثمان
وقد رواه أحمد أيضا عن يزيد بن أبي كبشة عن مروان عن عثمان . وعن عائشة عند
الطبراني في الأوسط وفيه : ( إذا صليت فرأيت أنك أتممت صلاتك وأنت في بيتك )
الحديث
وعن أنس عند البيهقي قال : ( قال صلى الله عليه و سلم : إذا شك أحدكم في صلاته فلم
يدر أثنتين صلى أو ثلاثا فليلق الشك وليبن على اليقين ) ورجال إسناده ثقات
وعن عبد الله بن جعفر عند أبي داود بلفظ : ( من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما
يسلم ) وفي إسناده مصعب بن عمير قال النسائي : منكر الحديث وفي إسناده أيضا عتبة
بن محمد بن الحارث [ ص 140 ] قال العراقي : ليس بالمعروف وقال البيهقي : لا بأس
بإسناد هذا الحديث
( وحديث الباب ) قد استدل به وبما ذكر معه من قال إن من شك في ركعة بنى على الأقل
مطلقا قال النووي : وإليه ذهب الشافعي والجمهور
وحكاه المهدي في البحر عن علي عليه السلام وأبي بكر وعمر وابن مسعود وربيعة
والشافعي ومالك واستدلوا أيضا بحديث أبي سعيد الآتي
وذهب عطاء والأوزاعي والشعبي وأبو حنيفة وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر وعبد الله
ابن عمرو بن العاص من الصحابة إلى أن من شك في ركعة وهو مبتدأ بالشك لا مبتلي به
أعاد هكذا في البحر وقال : والمبتلي الذي يمكنه التحري يعمل بتحريه وحكاه عن ابن
عمر وأبي هريرة وجابر بن زيد والنخعي وأبي طالب وأبي حنيفة والذي حكاه النووي في
شرح مسلم عن أبي حنيفة وموافقيه من أهل الكوفة وغيرهم من أهل الرأي أن من شك في
صلاته في عدد ركعاته تحرى وبنى على غالب ظنه ولا يلزم الاقتصار والإتيان بالزيادة
قال : واختلف هؤلاء فقال أبو حنيفة ومالك في طائفة : هذا لمن اعتراه الشك مرة بعد
أخرى وأما غيره فيبني على اليقين وقال آخرون : هو على عمومه اه
وحكى العراقي في شرح الترمذي عن عبد الله بن عمر وسعيد بن جبير وشريح القاضي ومحمد
بن الحنفية وميمون بن مهران وعبد الكريم الجزري والشعبي والأوزاعي أنهم يقولون
بوجوب الإعادة مرة بعد أخرى حتى يستيقن ولم يرو عنهم الفرق بين المبتدأ والمبتلي
وروى عن عطاء ومالك أنهما قالا : يعيد مرة وعن طاوس كذلك وعن بعضهم يعيد ثلاث مرات
( واحتج القائلون ) بالاستئناف بما أخرجه الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت :
( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن رجل سها في صلاته فلم يدر كم صلى
فقال : ليعد صلاته وليسجد سجدتين قاعدا )
وهو من رواية إسحاق بن يحيى بن عبادة بن الصامت . قال العراقي : لم يسمع إسحاق من
جده عبادة انتهى
فلا ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة المصرحة بوجوب البناء على الأقل ومع هذا
فظاهره عدم الفرق بين المبتدأ والمبتلي والمدعي على اختصاص الإعادة بالمبتدأ
( واحتجوا ) أيضا بما أخرجه الطبراني عن ميمونة بنت سعد أنها قالت : ( أفتنا يا
رسول الله في رجل سها في صلاته فلا يدري كم صلى قال : ينصرف ثم يقوم في صلاته حتى
يعلم كم صلى فإنما ذلك الوسواس يعرض فيسهيه عن صلاته )
وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي الجزري مختلف فيه وهو كبقية في الشاميين
يروي عن المجاهيل وفي إسناده أيضا [ ص 141 ] عبد الحميد بن يزيد وهو مجهول كما قال
العراقي
( واحتج القائلون ) بوجوب العمل بالظن والتحري إما مطلقا أو لمن كان مبتلى بالشك
بحديث ابن مسعود الآتي لما فيه من الأمر لمن شك بأن يتحرى الصواب وأجاب عنهم
القائلون بوجوب البناء على الأقل بأن التحري هو القصد . ومنه قوله تعالى { فأولئك
تحروا رشدا } فمعنى الحديث فليقصد الصواب فيعمل به وقصد الصواب هو ما بينه في حديث
أبي سعيد وغيره وقد قدمنا طرفا من الخلاف في كون التحري والبناء على اليقين شيئا
واحدا أم لا . وفي القاموس أن التحري التعمد وطلب ما هو أحرى بالاستعمال قال
النووي فإن قالت الحنفية حديث أبي سعيد لا يخالف ما قلنا لأنه ورد في الشك وهو ما
استوى طرفاه ومن شك ولم يترجح له أحد الطريقين يبني على الأقل بالإجماع بخلاف من
غلب على ظنه أنه صلى أربعا مثلا فالجواب أن تفسير الشك بمستوى الطرفين إنما هو
اصطلاح طارئ للأصوليين وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكا
سواء المستوى والراجح والمرجوح والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية
أو عرفية ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح انتهى
والذي يلوح لي أنه لا معارضة بين أحاديث البناء على الأقل والبناء على اليقين
وتحري الصواب وذلك لأن التحري في اللغة كما عرفت هو طلب ما أحرى إلى الصواب وقد
أمر به صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بالبناء على اليقين والبناء على الأقل عند
عروض الشك فإن أمكن الخروج بالتحري عن دائرة الشك لغة ولا يكون إلا بالاستيقان
بأنه فعل من الصلاة كذا ركعات فلا شك أنه مقدم على البناء على الأقل لأن الشارع قد
شرط في جواز البناء على الأقل عدم الدراية كما في حديث عبد الرحمن بن عوف وهذا
المتحري قد حصلت له الدراية وأمر الشاك بالبناء على ما استيقن كما في حديث أبي
سعيد ومن بلغ به تحريه إلى اليقين قد بني على ما استيقن وبهذا تعلم أنه لا معارضة
بين الأحاديث المذكورة وأن التحري المذكور مقدم على البناء على الأقل وقد أوقع
الناس ظن التعارض بين هذه الأحاديث في مضايق ليس عليها أثارة من علم كالفرق بين
المبتدأ والمبتلي والركن والركعة
قوله في حديث الباب : ( قبل أن يسلم ) استدل به القائلون بمشروعية سجود السهو قبل
السلام [ ص 142 ] وقد تقدم الخلاف في ذلك وبيان ما هو الحق
قوله : ( فليصل حتى يشك في الزيادة ) فيه أن جعل الشك في جانب الزيادة أولى من
جعله في جانب النقصان
2
- وعن أبي سعيد الخدري قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا شك
أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم
يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماما لأربع
كانتا ترغيما للشيطان )
- رواه أحمد ومسلم
-
الحديث أخرجه أيضا أبو داود بلفظ : ( فليلق الشك وليبن على اليقين فإذا استيقن
التمام سجد سجدتين فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة والسجدتان نافلة وإن كانت
صلاته ناقصة كانت الركعة تماما والسجدتان ترغيما للشيطان ) وأخرجه أيضا ابن حبان
والحاكم والبيهقي
واختلف فيه على عطاء بن يسار فروي مرسلا وروي بذكر أبي سعيد فيه وروي عنه عن ابن
عباس قال الحافظ : وهو وهم . وقال ابن المنذر : حديث أبي سعيد أصح حديث في الباب
( والحديث ) استدل به القائلون بوجوب إطراح الشك والبناء على اليقين وهم الجمهور
كما قال النووي والعراقي . وقد تقدم ما أجاب به القائلون بالبناء على الظن وما
أجيب به عليهم وما هو الحق
قوله : ( قبل أن يسلم ) هو من أدلة القائلين بالسجود للسهو قبل السلام وقد تقدم
البحث عن ذلك أيضا
قوله : ( فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته ) يعني أن السجدتين بمنزلة الركعة لأنهما
ركناها فكأنه بفعلهما قد فعل ركعة سادسة فصارت الصلاة شفعا
قوله : ( كانت ترغيما للشيطان ) لأنه لما قصد التلبيس على المصلي وإبطال صلاته كان
السجدتان لما فيهما من الثواب ترغيما له فعاد عليه بسببهما قصده بالنقض . وفي جعل
العلة ترغيم الشيطان رد على من أوجب السجود للأسباب المتعمدة وهو أبو طالب والإمام
يحيى والشافعي كما في البحر لأن إرغام الشيطان إنما يكون بما حدث بسببه والعمد ليس
من الشيطان بل من المصلي
وأما استدلالهم على ذلك بالقياس للعمد على السهو لأنه إنما شرع في السهو للنقص
فالعمد مثله فمردود بأن العلة ليست النقص بل إرغام الشيطان كما في الحديث . وظاهر
الحديث أن مجرد حصول الشك موجب للسجود ولو زال وحصلت معرفة الصواب وتحقق أنه لم
يزد شيئا وإلى ذلك ذهب الشيخ أبو علي والمؤيد بالله وذهب المنصور بالله وإمام
الحرمين أنه لا يسجد لزوال التردد ويدل للمذهب الأول ما أخرجه أبو داود عن زيد بن
أسلم قال : ( قال النبي صلى الله عليه وآله [ ص 143 ] وسلم : إذا شك أحدكم في
صلاته فإن استيقن أنه صلى ثلاثا فليقم وليتم ركعة بسجودها ثم يجلس فيتشهد فإذا فرغ
فلم يبق إلا أن يسلم فليسجد سجدتين وهو جالس ثم يسلم ) وسيأتي في حديث ابن مسعود
ما يدل على مثل ما دل عليه هذا الحديث
3
- وعن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود : ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قال
إبراهيم : زاد أو نقص فلما سلم قيل له : يا رسول الله حدث في الصلاة شيء قال : لا
وما ذاك قالوا : صليت كذا وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم
أقبل علينا بوجهه فقال : إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر
أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم
عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين )
- رواه الجماعة إلا الترمذي . وفي لفظ ابن ماجه ومسلم في رواية : ( فلينظر أقرب
ذلك إلى الصواب )
-
قوله : ( وعن إبراهيم ) هو النخعي
قوله : ( زاد أو نقص ) في رواية للجماعة من طريق إبراهيم عن علقمة أنه صلى خمسا
على الجزم وستأتي في باب من صلى الرباعية خمسا وفي قوله : ( زاد أو نقص ) دليل على
مشروعية سجود السهو لمن تردد بين الزيادة والنقصان إلا أن تجعل رواية الجزم مفسرة
لرواية التردد
قوله : ( فثنى رجليه ) في رواية أبي داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان بالإفراد
وهذه الرواية هي اللائقة بالمقام . ومعنى ثنى الرجل صرفها عن حالتها التي كانت
عليها
قوله : ( لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به ) فيه أن الأصل في الأحكام بقاؤها على
ما قررت عليه وإن جوز غير ذلك وأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز
قوله : ( إنما أنا بشر مثلكم ) هذا حصر له في البشرية باعتبار من أنكر ثبوت ذلك
ونازع فيه عنادا وجحودا وأما باعتبار غير ذلك مما هو فيه فلا ينحصر في وصف البشرية
إذ له صفات أخر ككونه جسما حيا متحركا نبيا رسولا بشيرا نذيرا سراجا منيرا وغير
ذلك . وتحقيق هذا المبحث ونظائره محله علم المعاني
قوله : ( أنسى كما تنسون ) زاد النسائي : ( وأذكر كما تذكرون ) وفيه دليل على جواز
النسيان عليه صلى الله عليه وآله وسلم فيما طريقه البلاغ وقد تقدم الكلام على هذا
في شرح حديث ذي اليدين
قوله : ( فإذا نسيت فذكروني ) فيه أمر التابع بتذكير [ ص 144 ] المتبوع . وظاهر
الحديث يدل على الوجوب على الفور
قوله : ( فليتحر الصواب ) فيه دليل لمن قال بالعمل على غالب الظن وتقديمه على
البناء على الأقل وقد قدمنا الجواب عليه من جهة القائلين بوجوب البناء على الأقل
قوله : ( فليتم عليه ) بضم التحتانية وكسر الفوقانية
قوله : ( ثم ليسجد سجدتين ) فيه دليل لمن قال إن السجود قبل التسليم وقد مر تحقيقه
وفيه أيضا أن مجرد النظر والتفكير من أسباب السجود لأنه قد لحق الصلاة بسبب
الوسوسة نقص وقد تقدم الكلام على ذلك
4
- وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الشيطان يدخل بين ابن
آدم وبين نفسه فلا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل أن يسلم )
- رواه أبو داود وابن ماجه . وهو لبقية الجماعة إلا قوله : ( قبل أن يسلم )
5
- وعن عبد الله بن جعفر : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من شك في صلاته
فليسجد سجدتين بعد ما يسلم )
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي
-
حديث عبد الله بن جعفر في إسناده مصعب بن شيبة قال النسائي : منكر الحديث وعنه ليس
بمعروف وقد وثقه ابن معين واحتج به مسلم في صحيحه . وقال أحمد بن حنبل : إنه روى
أحاديث مناكير وقال أبو حاتم الرازي : لا يحمدونه وليس بالقوي وقال الدارقطني :
ليس بالقوي ولا بالحافظ
قوله : ( إن الشيطان يدخل بين ابن آدم وبين نفسه ) في لفظ للبخاري وأبي داود : (
إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه ) وفي لفظ للبخاري أيضا : ( أقبل
يعني الشيطان حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا اذكر كذا اذكر كذا لما لم
يكن يذكر حتى يظل الرجل أن يدري كم صلى )
قوله : ( فليسجد سجدتين قبل أن يسلم ) فيه دليل لمن قال سجود السهو قبل التسليم
وقد تقدم الكلام على ذلك
قوله : ( بعد ما يسلم ) احتج به القائلون بأن سجود السهو بعد السلام وقد تقدم
ذكرهم . والأحاديث الصحيحة الواردة في سجود السهو لأجل الشك كحديث عبد الرحمن بن
عوف وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرها قاضية بأن سجود السهو لهذا السبب يكون قبل السلام
وحديث عبد الله بن جعفر لا ينتهض لمعارضتها لا سيما مع ما فيه من المقال الذي تقدم
ذكره ولكنه يؤيده حديث ابن مسعود المذكور قريبا فيكون الكل جائزا وقد استدل بظاهر
هذين الحديثين من قال إن المصلي إذا شك فلم يدر زاد أو نقص فليس عليه إلا سجدتان
عملا بظاهر الحديثين المذكورين . وإلى ذلك ذهب الحسن البصري [ ص 145 ] وطائفة من
السلف وروي ذلك عن أنس وأبي هريرة وخالف في ذلك الجمهور والعترة والأئمة الأربعة
وغيرهم فمنهم من قال يبني على الأقل . ومنهم من قال يعمل على غالب ظنه . ومنهم من
قال يعيد . وقد تقدم تفصيل ذلك وليس في حديثي الباب أكثر من أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أمر بسجدتين عند السهو في الصلاة وليس فيهما بيان ما يصنعه من وقع
له ذلك والأحاديث الآخرة قد اشتملت على زيادة وهي بيان ما هو الواجب عليه عند ذلك
من غير السجود فالمصير إليها واجب
وظاهر قوله : ( من شك في صلاته ) وقوله : ( فإذا وجد أحدكم ذلك ) وقوله في حديث
أبي سعيد المتقدم : ( إذا شك أحدكم في صلاته ) وقوله في حديث ابن مسعود المتقدم
أيضا : ( وإذا شك أحدكم فليتحر الصواب ) وقوله في حديث عبد الرحمن بن عوف : ( إذا
شك أحدكم في صلاته ) أن سجود السهو مشروع في صلاة النافلة كما هو مشروع في صلاة
الفريضة وإلى ذلك ذهب الجمهور من العلماء قديما وحديثا لأن الجبران وإرغام الشيطان
يحتاج إليه في النفل كما يحتاج إليه في الفرض
وذهب ابن سيرين وقتادة وروي عن عطاء ونقله جماعة من أصحاب الشافعي عن قوله القديم
إلى أن التطوع لا يسجد فيه وهذا ينبني على الخلاف في اسم الصلاة الذي هو حقيقة
شرعية في الأفعال المخصوصة هل هو متواطئ فيكون مشتركا معنويا فيدخل تحته كل صلاة
أو هو مشترك لفظي بين صلاتي الفرض والنفل فذهب الرازي إلى الثاني لما بين صلاتي
الفرض والنفل من التباين في بعض الشروط كالقيام واستقبال القبلة وعدم اعتبار العدد
المنوي وغير ذلك
قال العلائي : والذي يظهر أنه مشترك معنوي لوجود القدر الجامع بين كل ما يسمى صلاة
وهو التحريم والتحليل مع ما يشمل الكل من الشروط التي لا تنفك
قال في الفتح : وإلى كونه مشتركا معنويا ذهب جمهور أهل الأصول . قال ابن رسلان :
وهو أولى لأن الاشتراك اللفظي على خلاف الأصل والتواطؤ خير منه اه
فمن قال أن لفظ الصلاة مشترك معنوي قال بمشروعية سجود السهو في صلاة التطوع ومن قال
بأنه مشترك لفظي فلا عموم له حينئذ إلا على قول الشافعي أن المشترك يعم جميع
مسمياته وقد ترجم البخاري على باب السهو في الفرض والتطوع وذكر عن ابن عباس أنه
يسجد بعد وتره وذكر حديث أبي هريرة المتقدم [ ص 146 ]
باب من نسي التشهد الأول حتى انتصب قائما لم يرجع
1
- عن ابن بحينة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى فقام في الركعتين فسبحوا
به فمضى فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين ثم سلم )
- رواه النسائي
2
- وعن زياد بن علاقة قال : ( صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم
يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا بنا فلما فرغ من صلاته سلم ثم سجد
سجدتين وسلم ثم قال : هكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
- رواه أحمد والترمذي وصححه
3
- وعن المغيرة بن شعبة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا قام أحدكم
من الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس وإن استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو )
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
-
الحديث الأول أخرجه بقية الأئمة الستة بنحو لفظ النسائي الذي ذكره المصنف والحديث
الثاني أخرجه أيضا أبو داود وفي إسناده المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود استشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد . وأخرجه الترمذي أيضا من
حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة . قال أحمد : لا يحتج
بحديث ابن أبي ليلى وقد تكلم فيه غيره
والحديث الثالث أخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي ومداره علي جابر الجعفي وهو ضعيف
جدا وقد قال أبو داود : ولم أخرج عنه في كتابي غير هذا
قوله : ( فقام في الركعتين ) يعني أنه قام إلى الركعة الثالثة ولم يتشهد عقب
الركعتين
قوله : ( فلما فرغ من صلاته ) استدل به من قال إن السلام ليس من الصلاة وقد تقدم
البحث عن ذلك وتعقب بأن السلام لما كان للتحلل من الصلاة كان المصلي إذا انتهى
إليه كمن فرغ من صلاته . ويدل على ذلك قوله في رواية ابن ماجه من طريق جماعة من
الثقات عن يحيى بن سعيد عن الأعرج : ( حتى إذا فرغ من الصلاة إلا أن يسلم ) فدل
على أن بعض الرواة حذف الاستثناء لوضوحه والزيادة من الحافظ مقبولة
قوله : ( ثم سلم ) استدل بذلك من قال إن السجود قبل التسليم وقد قدمنا الخلاف فيه
وما هو الحق . وزاد الترمذي في الحديث : ( وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من
الجلوس ) وفي هذه الزيادة فائدتان ( إحداهما ) أن المؤتم يسجد مع إمامه لسهو
الإمام ولقوله في الحديث الصحيح ( لا تختلفوا ) [ ص 147 ] وقد أخرج البيهقي
والبزار عن عمر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الإمام يكفي من
وراءه فإن سها الإمام فعليه سجدتا السهو وعلى من وراءه أن يسجدوا معه وإن سها أحد
ممن خلفه فليس عليه أن يسجد والإمام يكفيه ) وفي إسناده خارجة بن مصعب وهو ضعيف
وأبو الحسين المدائني وهو مجهول . والحكم بن عبيد الله وهو أيضا ضعيف
( وفي الباب ) عن ابن عباس عند ابن عدي وفي إسناده عمر بن عمرو العسقلاني وهو
متروك وقد ذهب إلى أن المؤتم يسجد لسهو الإمام ولا يسجد لسهو نفسه الحنفية
والشافعية
ومن أهل البيت زيد بن علي والناصر والمؤيد بالله والإمام يحيى وروي عن مكحول
والهادي أنه يسجد لسهوه لعموم الأدلة وهو الظاهر لعدم انتهاض هذا الحديث لتخصيصها
وإن وقع السهو من الإمام والمؤتم فالظاهر أنه يكفي سجود واحد من المؤتم أما مع
الإمام أو منفردا وإليه ذهب الفريقان والناصر والمؤيد بالله . وذهب الهادي إلى أنه
يجب عليه سجودان لسهو الإمام ثم لسهو نفسه والظاهر ما ذهب إليه الأولون
( والفائدة الثانية ) أن قوله : ( مكان ما نسي من الجلوس ) يدل على أن السجود إنما
هو لأجل ترك الجلوس لا لترك التشهد حتى لو أنه جلس مقدار التشهد ولم يتشهد لا يسجد
وجزم أصحاب الشافعي وغيرهم أنه يسجد لترك التشهد وإن أتى بالجلوس
قوله : ( فليجلس ) زاد في رواية ولا سهو عليه وبها تمسك من قال إن السجود إنما هو
لفوات التشهد لا لفعل القيام وإلى ذلك ذهب النخعي وعلقمة والأسود والشافعي في أحد
قوليه وذهبت العترة وأحمد بن حنبل إلى أنه يجب السجود لفعل القيام لما روي عن أنس
أنه صلى الله عليه وآله وسلم تحرك للقيام في الركعتين الآخرتين من العصر على جهة
السهو فسبحوا له فقعد ثم سجد للسهو أخرجه البيهقي والدارقطني موقوفا عليه
وفي بعض طرقه أنه قال : هذه السنة . قال الحافظ : ورجاله ثقات وأخرج الدارقطني
والحاكم والبيهقي عن ابن عمر من حديثه بلفظ : ( لا سهو إلا في قيام عن جلوس أو
جلوس عن قيام ) وهو ضعيف
( واستدل ) بأحاديث الباب أن التشهد الأول ليس من فروض الصلاة إذ لو كان فرضا لما
جبر بالسجود ولم يكن بد من الإتيان به كسائر الفروض وبذلك قال أبو حنيفة ومالك
والشافعي والجمهور وذهب أحمد وأهل الظاهر إلى وجوبه وقد تقدم الكلام على هذا
الاستدلال والجواب عنه في شرح أحاديث التشهد
قوله : ( وإن استتم قائما فلا يجلس ) فيه أنه لا يجوز العود إلى القعود والتشهد
بعد الانتصاب الكامل لأنه قد تلبس بالفرض فلا [ ص 148 ] يقطعه ويرجع إلى السنة .
وقيل يجوز له العود ما لم يشرع في القراءة فإن عاد عالما بالتحريم بطلت لظاهر
النهي ولأنه زاد قعودا وهذا إذا تعمد العود فإن عاد ناسيا لم تبطل صلاته وأما إذا
لم يستتم القيام فإنه يجب عليه العود لقوله في الحديث : ( إذا قام أحدكم من
الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس )
باب من صلى الرباعية خمسا
1
- عن ابن مسعود : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر خمسا فقيل له :
أزيد في الصلاة فقال : وما ذلك فقالوا : صليت خمسا فسجد سجدتين بعد ما سلم )
- رواه الجماعة
-
قوله : ( صلى الظهر خمسا ) في هذه الرواية الجزم وقد تقدم عن إبراهيم النخعي
التردد والكل من طريقه عن علقمة عن ابن مسعود
قوله : ( فقال وما ذلك ) كذا في بعض النسخ وفي بعضها فقيل وما ذاك وفي بعضها فقال
لا وما ذاك بزيادة لا وهي ثابتة في مسلم وأبي داود وبها يتبين أن أخبارهم كان بعد
استفساره صلى الله عليه وآله وسلم لهم
( والحديث ) يدل على أن من صلى خمسا ساهيا ولم يجلس في الرابعة أن صلاته لا تفسد .
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري : أنها تفسد إن لم يجلس في الرابعة قال أبو حنيفة :
فإن جلس في الرابعة ثم صلى خمسا فإنه يضيف إليها ركعة أخرى وتكون الركعتان له
نافلة والحديث يرد ما قالاه وإلى العمل بمضمونه ذهب الجمهور وقد فرق مالك بين
الزيادة القليلة والكثيرة من الساهي
قال القاضي عياض : إن مذهب مالك أنه إن زاد دون نصف الصلاة لم تبطل صلاته بل هي
صحيحة ويسجد للسهو وإن زاد النصف وأكثر فذهب ابن القاسم ومطرف إلى بطلانها . وقال
عبد الرحمن بن حبيب وغيره : إن زاد ركعتين بطلت صلاته وإن زاد ركعة فلا وحكى عن
مالك أنها لا تبطل مطلقا
وقد استدل بالحديث على أن سجدتي السهو محلهما بعد التسليم مطلقا وليس فيه حجة على
ذلك لأنه لم يعلم صلى الله عليه وآله وسلم بزيادة الركعة إلا بعد السلام حين سألوه
أزيد في الصلاة وقد اتفق العلماء في هذه الصورة على فعل ذلك بعد السلام لتعذره
قبله [ ص 149 ]
باب التشهد لسجود السهو بعد السلام
1
- عن عمران بن حصين : ( أن النبي صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم )
- رواه أبو داود والترمذي
-
الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وحسنه الترمذي . وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين
وصححه ابن حبان وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما قالوا : والمحفوظ في حديث
عمران أنه ليس فيه ذكر التشهد وإنما تفرد به أشعث عن ابن سيرين وقد خالف فيه غيره من
الحفاظ عن ابن سيرين . وقد أخرج النسائي الحديث بدون ذكر التشهد
( وفي الباب ) عن ابن مسعود عند أبي داود والنسائي قال : ( قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث وأربع وأكثر ظنك على أربع تشهدت ثم
سجدت سجدتين وأنت جالس قبل أن تسلم ثم تشهدت أيضا ثم تسلم )
قال البيهقي : هذا حديث مختلف في رفعه ومتنه غير قوي وهو من رواية أبي عبيدة بن
عبد الله بن مسعود عن أبيه قال البيهقي : مرسل . وقد ضعف الحافظ في الفتح إسناد
هذا الحديث
وعن المغيرة بن شعبة عند البيهقي : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم تشهد بعد أن
رفع رأسه من سجدتي السهو ) قال البيهقي : تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن الشعبي ولا يفرح بما تفرد به . وقال في المعرفة : لا حجة فيما تفرد به لسوء
حفظه وكثرة خطئه في الروايات انتهى
وقد أخرج حديث المغيرة الترمذي من رواية هشام عن ابن أبي ليلى المذكور ولم يذكر
فيه التشهد بعد سجدتي السهو . وعن عائشة عند الطبراني . وفيه : ( وتشهدي وانصرفي
ثم اسجدي سجدتين وأنت قاعدة ثم تشهدي ) الحديث . وفي إسناده موسى بن مطير عن أبيه
وهو ضعيف وقد نسب إلى وضع الحديث
وقد استدل بحديث عمران وما ذكر معه من الأحاديث على مشروعية التشهد في سجدتي السهو
فإذا كان بعد السلام كما في حديث عمران فقد حكى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنه يتشهد
وهو قول بعض المالكية والشافعية ونقله أبو حامد الاسفرايني عن القديم من قولي
الشافعي وفي مختصر المزني سمعت الشافعي يقول : إذا سجد بعد السلام تشهد أو قبل
السلام أجزأه التشهد الأول وإذا كان قبل السلام فالجمهور على أنه لا يعيد التشهد
وحكى ابن عبد البر عن الليث أنه يعيده . وعن البويطي والشافعي [ ص 150 ] مثله
وخطؤه في هذا النقل فإنه لا يعرف . وعن عطاء يتخير . واختلف فيه عند المالكية
( وحديث ) ابن مسعود يدل على مشروعية التشهد في سجود السهو قبل السلام وفيه المقال
الذي تقدم . قال الحافظ في الفتح : قد يقال إن الأحاديث الثلاثة يعني حديث عمران
وابن مسعود والمغيرة باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن
قال العلائي : وليس ذلك ببعيد وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله أخرجه ابن أبي شيبة
( واعلم ) أن المراد بالتشهد المذكور في سجود السهو هو التشهد المعهود في الصلاة
لا كما قاله الإمام المهدي في البحر أنه الشهادتان في الأصح لعدم وجدان ما يدل على
الاقتصار على البعض من التشهد الذي ينصرف إليه مطلق التشهد
أبواب صلاة الجماعة
باب وجوبها والحث عليها
1
- عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أثقل الصلاة على
المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد
هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم
من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار )
- متفق عليه . ولأحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لولا
ما في البيوت من النساء والذرية أقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون ما في
البيوت بالنار )
-
الحديث الثاني في إسناده أبو معشر وهو ضعيف
قوله : ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ) فيه أن الصلاة كلها
ثقيلة على المنافقين . ومنه قوله تعالى { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } وإنما
كان العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهم لهما لأن العشاء
وقت السكون والراحة والصبح وقت لذة النوم ( 1 )
قوله : [ ص 151 ] ( ولو يعلمون ما فيهما ) أي من مزيد الفضل
قوله : ( لأتوهما ) أي لأتوا المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد
قوله : ( ولو حبوا ) أي زحفا إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير ولابن أبي
شيبة من حديث أبي الدرداء ( ولو حبوا على المرافق والركب )
قوله : ( ولقد هممت ) اللام جواب القسم ( 2 ) وفي البخاري وغيره : ( والذي نفسي
بيده لقد هممت ) والهم العزم وقيل دونه
قوله : ( فأحرق ) بالتشديد يقال حرقه إذا بالغ في تحريقه وفيه جواز العقوبة بإتلاف
المال
( والحديث ) استدل به القائلون بوجوب صلاة الجماعة لأنها لو كانت سنة لم يهدد
تاركها بالتحريق ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ومن معه . ويمكن أن يقال إن التهديد بالتحريق المذكور يقع في حق تاركي فرض الكفاية
لمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية . قال الحافظ : وفيه نظر لأن التحريق الذي يفضي
إلى القتل أخص من المقاتلة ولأن المقاتلة إنما يشرع فيها إذا تمالأ الجميع على
الترك
وقد اختلفت أقوال العلماء في صلاة الجماعة فذهب عطاء والأوزاعي وإسحاق وأحمد وأبو
ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وأهل الظاهر وجماعة ومن أهل البيت أبو
العباس إلى أنها فرض عين واختلفوا فبعضهم قال هي شرط روي ذلك عن داود ( 3 ) ومن
تبعه وروي مثل ذلك عن أحمد وقال الباقون : إنها فرض عين غير شرط . وذهب الشافعي في
أحد قوليه قال الحافظ : هو ظاهر نصه وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وبه قال كثير
من المالكية والحنفية إلى أنها فرض كفاية وذهب الباقون إلى أنها سنة وهو قول زيد
بن علي والهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله وأبو طالب وإليه ذهب مالك وأبو
حنيفة وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة :
الأول : إنها لو كانت شرطا أو فرضا لبين ذلك عند التوعد كذا قال ابن بطال . ورد
بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان
والثاني : أن الحديث يدل على خلاف المدعى وهو عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه وآله
وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين ولو كانت الجماعة فرضا لما تركها وفيه أن تركه لها
حال التحريق لا يستلزم [ ص 152 ] الترك مطلقا لإمكان أن يفعلها في جماعة آخرين قبل
التحريق أو بعده
الثالث : قال الباجي وغيره : أن الخبر ورد مورد الزجر وحقيقته غير مرادة وإنما
المراد المبالغة ويرشد إلى ذلك وعيدهم بعقوبة لا يعاقبها إلا الكفار وقد انعقد
الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك وأجيب بأن ذلك وقع قبل تحريم التعذيب بالنار
وكان قبل ذلك جائزا على أنه لو فرض هذا التوعد وقع بعد التحريم لكان مخصصا له
فيجوز التحريق في عقوبة تارك الصلاة
الرابع : تركه صلى الله عليه وآله وسلم لتحريقهم بعد التهديد ولو كان واجبا لما
عفا عنهم . قال عياض ومن تبعه : ليس في الحديث حجة لأنه صلى الله عليه وآله وسلم
هم ولم يفعل زاد النووي ولو كانت فرض عين لما تركهم وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه لا
يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله والترك لا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا
انزجروا بذلك على أن رواية أحمد التي ذكرها المصنف فيها بيان سبب الترك
الخامس أن التهديد لقوم تركوا الصلاة رأسا لا مجرد الجماعة وهو ضعيف لأن قوله : (
لا يشهدون الصلاة ) بمعنى لا يحضرون . وفي رواية لأحمد عن أبي هريرة : ( العشاء في
الجمع ) أي في الجماعة . وعند ابن ماجه من حديث أسامة : ( لينتهين رجال عن تركهم
الجماعات أو لأحرقن بيوتهم )
السادس : أن الحديث ورد في الحث على مخالفة أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم لا
لخصوص ترك الجماعة ذكر ذلك ابن المنير
السابع : أن الحديث ورد في حق المنافقين فلا يتم الدليل وتعقب باستبعاد الاعتناء
بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم وبأنه صلى الله
عليه وآله وسلم كان معرضا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم وقال لا يتحدث الناس
أن محمدا يقتل أصحابه وتعقب هذا التعقب ابن دقيق العيد بأنه لا يتم إلا أن ادعى أن
ترك معاقبة المنافقين كان واجبا عليه ولا دليل على ذلك وليس في إعراضه عنهم ما يدل
على وجوب ترك عقوبتهم
قال في الفتح : والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين لقوله صلى الله عليه
وآله وسلم في صدر الحديث : ( أثقل الصلاة على المنافقين ) ولقوله صلى الله عليه
وآله وسلم : ( لو يعلمون ) الخ لأن هذا الوصف يليق بهم لا بالمؤمنين لكن المراد
نفاق المعصية لا نفاق الكفر يدل على ذلك قوله في رواية : ( لا يشهدون العشاء في
الجمع ) وقوله في حديث أسامة : ( لا يشهدون الجماعات ) وأصرح من ذلك ما في رواية
أبي داود عن أبي هريرة : ( ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة ) فهذا يدل
على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد
[ ص 153 ] رياء وسمعة فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله تعالى من الكفر
والاستهزاء
قال الطيبي : خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم سمعوا النداء جاز لهم
التخلف عن الجماعة بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم بل هو من صفات المنافقين ويدل
على ذلك قول ابن مسعود الآتي : لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق . وأخرج
ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عمير بن أنس قال : حدثني عمومتي من
الأنصار قالوا : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما شهدهما منافق . "
يعني العشاء والفجر "
الثامن : أن فريضة الجماعة كانت في أول الأمر ثم نسخت . حكى ذلك القاضي عياض قال
الحافظ : ويمكن أن يتقوى لثبوت النسخ بالوعيد المذكور في حقهم وهو التحريق بالنار
قال : ويدل على النسخ الأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ كما
سيأتي لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفضل ومن لازم ذلك الجواز
التاسع : أن المراد بالصلاة الجمعة لا باقي الصلوات وتعقب بأن الأحاديث مصرحة
بالعشاء والفجر كما في حديث الباب وغيره ولا ينافي ذلك ما وقع عند مسلم من حديث
ابن مسعود أنها الجمعة لاحتمال تعدد الواقعة كما أشار إليه النووي والمحب الطبري
( وللحديث ) فوائد ليس هذا محل بسطها وسيأتي التصريح بما هو الحق في صلاة الجماعة
_________
( 1 ) وليس لهم داعي ديني ولا تصديق بأجرهما حتى يبعثهم على إتيانهما ويخف عليهم
الإتيان بهما ولأنهما في ظلمة الليل وداعي الرياء الذي لأجله يصلون منتف لعدم
مشاهدة من يراؤنه من الناس إلا القليل فانتفى الباعث الديني منهما كما انتفى في
غيرهما ثم انتفى الباعث الدنيوي الذي في غيرهما ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم
ناظرا إلى انتفاء الباعث الديني عندهم ( ولو يعلمون ما فيهما ) الخ والله أعلم
( 2 ) والقسم منه صلى الله عليه و سلم لبيان عظم شأن ما يذكره زجرا عن ترك الجماعة
( 3 ) أي إنها شرط في صحة الصلاة بناء على ما يختاره من أن كل واجب في الصلاة فهو
شرط فيها ولم يسلم له هذا لأن الشرطية لا بد لها من دليل
2
- وعن أبي هريرة : ( أن رجلا أعمى قال : يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى
المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له
فلما دعاه فقال : هل تسمع النداء قال : نعم قال : فأجب )
- رواه مسلم والنسائي
3
- وعن عمرو بن أم مكتوم قال : ( قلت يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا
يلاؤمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي قال : أتسمع النداء قال : نعم قال : ما
أجد لك رخصة )
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
-
الحديث الثاني أخرجه أيضا ابن حبان والطبراني زاد ابن حبان وأحمد في رواية : (
فأتها ولو حبوا )
قوله : ( أن رجلا أعمى ) هو ابن أم مكتوم كما في الحديث الثاني
قوله : ( ليس لي قائد ) في الحديث الآخر : ( ولي قائد لا يلاؤمني ) ظاهره التنافي
إذا كان الأعمى المذكور في حديث أبي هريرة هو ابن أم مكتوم ويجمع بينهما إما
بتعداد الواقعة أو بأن المراد بالمنفي في الرواية الأولى القائد الملائم وبالمثبت
في الثانية القائد الذي ليس بملائم
قوله : ( فرخص له ) إلى قوله : ( قال فأجب ) قيل إن الترخيص [ ص 154 ] في أول
الأمر اجتهاد منه صلى الله عليه و سلم والأمر بالإجابة بوحي من الله تعالى . وقيل
الترخيص مطلق مقيد بعدم سماع النداء وقيل إن الترخيص باعتبار العذر والأمر للندب
فكأنه قال الأفضل لك والأعظم لأجرك أن تجيب وتحضر فأجب
قوله : ( ولي قائد لا يلاؤمني ) قال الخطابي : يروى في الحديث يلاومني بالواو والصواب
يلاؤمني أي يوافقني وهو بالهمزة المرسومة بالواو والهمزة فيه أصلية وأما الملاومة
بالواو فهي من اللوم وليس هذا موضعه
قوله : ( رخصة ) بوزن غرفة وقد تضم الخاء المعجمة بالإتباع وهي التسهيل في الأمر
والتيسير
( والحديثان ) استدل بهما القائلون بأن الجماعة فرض عين وقد تقدم ذكرهم وأجاب
الجمهور عن ذلك بأنه سأل هل له رخصة في أن يصلي في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة
لسبب عذره فقيل لا
ويؤيد هذا أن حضور الجماعة يسقط بالعذر بإجماع المسلمين ومن جملة العذر العمى إذا
لم يجد قائدا كما في حديث عتبان ابن مالك وهو في الصحيح وسيأتي ويدل على ذلك حديث
ابن عباس عند ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم أن النبي صلى الله عليه و سلم
قال : ( من سمع النداء فلم يأت الصلاة فلا صلاة له إلا من عذر )
قال الحافظ : وإسناده على شرط مسلم لكن رجح بعضهم وقفه وأجاب البعض عن حديث الأعمى
بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم منه أنه يمشي بلا قائد لحذقه وذكائه كما هو
مشاهد في بعض العميان يمشي بلا قائد لا سيما إذا كان يعرف المكان قبل العمى أو
بتكرر المشي إليه استغنى عن القائد ولا بد من التأويل لقوله تعالى { ليس على
الأعمى حرج } وفي أمر الأعمى بحضور الجماعة مع عدم القائد ومع شكايته من كثرة
السباع والهوام في طريقه كما في مسلم غاية الحرج ولا يقال الآية في الجهاد لأنا
نقول هو من القصر على السبب وقد تقرر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص
السبب
( واعلم ) أن الاستدلال بحديثي الأعمى وحديث أبي هريرة الذي في أول الباب على وجوب
مطلق الجماعة فيه نظر لأن الدليل أخص من الدعوى إذ غاية ما في ذلك وجوب حضور جماعة
النبي صلى الله عليه و سلم في مسجده لسامع النداء ولو كان الواجب مطلق الجماعة
لقال في المتخلفين أنهم لا يحضرون جماعته ولا يجمعون في منازلهم ولقال لعتبان بن
مالك انظر من يصلي معك ولجاز الترخيص للأعمى بشرط أن يصلي في منزله جماعة
4
- وعن عبد الله بن مسعود قال : ( لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق [ ص 155 ]
معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف )
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي
هذا طرف من أثر طويل ذكره مسلم مطولا وذكره غيره مختصرا ومطولا
قوله : ( ولقد رأيتنا ) هذا فيه الجمع بين ضميري المتكلم فالتاء له خاصة والنون له
مع غيره . قوله : ( وما يتخلف عنها ) يعني الصلوات الخمس المذكورة في أول الأثر .
ولفظ مسلم : ( من سره أن يلقى الله غدا سالما فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث
ينادى بهن )
ولفظ أبي داود : ( حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن )
ثم ذكر مسلم اللفظ الذي ذكره المصنف وذكره غيره نحوه
قوله : ( يؤتى به يهادى بين الرجلين ) أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد
عليهما
قوله : ( حتى يقام في الصف ) قال النووي : في هذا كله تأكيد أمر الجماعة وتحمل
المشقة في حضورها وإذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها انتهى
والأثر استدل به على وجوب صلاة الجماعة وفيه أنه قول صحابي ليس فيه إلا حكاية
المواظبة على الجماعة وعدم التخلف عنها ولا يستدل بمثل ذلك على الوجوب وفيه حجة
لمن خص التوعد بالتحريق بالنار المتقدم في حديث أبي هريرة بالمنافقين
5 - وعن ابن عمر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة )
6
- وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : صلاة الرجل في جماعة تزيد
على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة )
- متفق عليهما
-
وفي الباب عن ابن مسعود عند أحمد بلفظ : ( خمسا وعشرين درجة كلها مثل صلاته ) وعن
أبي بن كعب عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ : ( صلاة الرجل مع الرجل
أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى
الله عز و جل )
وعن معاذ أشار إليه الترمذي وذكر لفظه ابن سيد الناس في شرحه فقال : ( فضل صلاة
الجمع على صلاة الرجل وحده خمسا وعشرين ) وعن أبي سعيد عند البخاري بلفظ : ( صلاة
الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ) وعنه أيضا عند أبي داود وسيأتي
وعن أنس عند الدارقطني بنحو حديث أبي هريرة المذكور في الباب
وعن عائشة عند أبي العباس السراج بلفظ : ( صلاة الرجل في الجمع [ ص 156 ] تفضل على
صلاته وحده خمسا وعشرين درجة )
وعن صهيب وعبد الله بن زيد وزيد بن ثابت عند الطبراني بطرق كلها ضعيفة واتفقوا على
خمس وعشرين
قال الترمذي : وعامة من روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما قالوا خمسة
وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال بسبع وعشرين
قال الحافظ في الفتح : لم يختلف عليه في ذلك إلا ما وقع عند عبد الرزاق عن عبد
الله العمري عن نافع قال خمسا وعشرين لكن العمري ضعيف وكذلك وقع عند أبي عوانة في
مستخرجه ولكنها شاذة مخالفة لرواية الحفاظ وروي بلفظ : ( سبع وعشرين ) عن أبي
هريرة عند أحمد وفي إسناده شريك القاضي وفي حفظه ضعف . وقد اختلف هل الراجح رواية
السبع والعشرين أو الخمس والعشرين فقيل رواية الخمس لكثرة رواتها وقيل رواية السبع
لأن فيها زيادة من عدل حافظ وقد جمع بينهما بوجوه : منها أن ذكر القليل لا ينفي
الكثير وهذا قول من لا يعتبر مفهوم العدد . وقيل إنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر
بالخمس ثم أخبره الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع وتعقب بأنه محتاج إلى التاريخ
وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلف فيه . وقيل الفرق باعتبار قرب المسجد وبعده .
وقيل الفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم وأخشع . وقيل الفرق بإيقاعها في المسجد أو
غيره . وقيل الفرق بالمنتظر للصلاة وغيره . وقيل الفرق بإدراكها كلها أو بعضها .
وقيل الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم . وقيل السبع مختصة بالفجر والعشاء . وقيل بالفجر
والعصر والخمس بما عدا ذلك وقيل السبع مختصة بالجهرية والخمس بالسرية ورجحه الحافظ
في الفتح . والراجح عندي أولها لدخول مفهوم الخمس تحت مفهوم السبع
( واعلم ) أن التخصيص بهذا العدد من أسرار النبوة التي تقصر العقول عن إدراكها وقد
تعرض جماعة للكلام على وجه الحكمة وذكروا مناسبات وقد طول الكلام في ذلك صاحب
الفتح فمن أحب الوقوف على ذلك رجع إليه
قوله : ( درجة ) هو مميز العدد المذكور وفي الروايات كلها التعبير بقوله درجة أو
حذف المميز إلا طرق أبي هريرة ففي بعضها ضعفا وفي بعضها جزءا وفي بعضها درجة وفي
بعضها صلاة ووجد هذا الأخير في بعض طرق أنس والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة ويحتمل
أن يكون ذلك من التفنن في العبارة والمراد أنه يحصل له من صلاة الجماعة مثل أجر
صلاة المنفرد سبعا وعشرين مرة
قوله : ( على صلاته في بيته وصلاته في سوقه ) مقتضاه أن الصلاة [ ص 157 ] في
المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت والسوق جماعة وفرادى ولكنه خرج مخرج الغالب
في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا
قال ابن دقيق العيد : وهو الذي يظهر لي . وقال الحافظ : وهو الراجح في نظري قال :
ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية بين صلاة البيت والسوق إذ لا يلزم من
استوائهما في المفضولية أن لا تكون إحداهما أفضل من الأخرى وكذا لا يلزم منه
التسوية بين صلاة البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا بل الظاهر أن
التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد والصلاة في البيت مطلقا أولى منها في
السوق لما ورد من كون الأسواق موضع الشياطين والصلاة جماعة في البيت وفي السوق
أولى من الانفراد انتهى
وقد استدل بالحديثين وما ذكرنا معهما القائلون بأن صلاة الجماعة غير واجبة وقد
تقدم ذكرهم لأن صيغة أفضل كما في بعض ألفاظ حديث ابن عمر تدل على الاشتراك في أصل
الفضل كما تقدم وكذلك قوله في حديث أبي بن كعب ( أزكى ) والمشترك ههنا لا بد أن
يكون هو الإجزاء والصحة وإلا فلا صلاة فضلا عن الفضل والزكاة
( ومن أدلتهم ) على عدم الوجوب حديث : ( إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد
جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة ) وقد تقدم في باب الرخصة في إعادة الجماعة
( ومن أدلتهم ) ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى قال : ( قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم والذي
ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام )
وفي رواية أبي كريب عند مسلم أيضا : ( حتى يصليها مع الإمام في جماعة ) ومن أدلتهم
أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر جماعة من الوافدين عليه بالصلاة ولم
يأمرهم بفعلها في جماعة وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز
وهذه الأدلة توجب تأويل الأدلة القاضية بالوجوب بما أسلفنا ذكره وكذلك تأويل حديث
ابن عباس المتقدم بلفظ : ( من سمع النداء فلم يأت الصلاة فلا صلاة له إلا من عذر )
بأن المراد لا صلاة له كاملة على أن في إسناده يحيى بن أبي حية الكلبي المعروف
بأبي جناب بالجيم المكسورة وهو كما قال الحافظ ضعيف ومدلس وقد عنعن وقد أخرجه بقي
بن مخلد وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والحاكم من طريق أخرى بإسناد قال الحافظ
صحيح بلفظ : ( من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر ) ولكن قال الحاكم
وقفه أكثر أصحاب شعبة ثم أخرج له شاهدا عن أبي موسى الأشعري بلفظ : ( من سمع
النداء فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له ) وقد [ ص 158 ] رواه البزار موقوفا قال
البيهقي : الموقوف أصح ورواه العقيلي في الضعفاء من حديث جابر . ورواه ابن عدي من
حديث أبي هريرة وضعفه . وقد تقرر أن الجمع بين الأحاديث ما أمكن هو الواجب وتبقية
الأحاديث المشعرة بالوجوب على ظاهرها من دون تأويل والتمسك بما يقضي به الظاهر فيه
إهدار للأدلة القاضية بعدم الوجوب وهو لا يجوز فأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب
أن الجماعة من السنن المؤكدة التي لا يخل بملازمتها ما أمكن إلا محروم مشئوم وأما
أنها فرض عين أو كفاية أو شرط لصحة الصلاة فلا
ولهذا قال المصنف رحمه الله بعد أن ساق حديث أبي هريرة ما لفظه : وهذا الحديث يرد
على من أبطل صلاة المنفرد لغير عذر وجعل الجماعة شرطا لأن المفاضلة بينهما تستدعي
صحتهما وحمل النص على المنفرد لعذر لا يصح لأن الأحاديث قد دلت على أن أجره لا
ينقص عما يفعله لولا العذر فروى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
( إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا ) رواه أحمد
والبخاري وأبو داود
وعن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من توضأ فأحسن الوضوء
ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز و جل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص
ذلك من أجورهم شيئا ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي انتهى
استدل المصنف رحمه الله بهذين الحديثين على ما ذكره من عدم صحة حمل النص على
المنفرد لعذر لأن أجره كأجر المجمع
والحديث الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده محمد بن طحلاء قال أبو حاتم
: ليس به بأس وليس له عند أبي داود إلا هذا الحديث وأخرج أبو داود عن سعيد بن المسيب
قال : ( حضر رجلا من الأنصار الموت فقال : إني محدثكم حديثا ما أحدثكموه إلا
احتسابا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إذا توضأ أحدكم فأحسن
الوضوء ) وفيه : ( فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له وإن أتى المسجد وقد صلوا
بعضا وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم كان
كذلك )
7
- وعن أبي سعيد قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الصلاة في جماعة
تعدل خمسا وعشرين صلاة فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة )
- رواه أبو داود
-
الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه قال أبو داود : قال عبد الواحد بن زياد : في هذا
الحديث [ ص 159 ] صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة وساق الحديث
قال المنذري : في إسناده هلال بن ميمون الجهني الرملي كنيته أبو المغيرة قال يحيى
بن معين : ثقة وقال أبو حاتم الرازي : ليس بقوي يكتب حديثه وقد وثقه أيضا غير ابن
معين كما قال ابن رسلان
قوله : ( فإذا صلاها في فلاة ) هو أعم من أن يصليها منفردا أو في جماعة قال ابن
رسلان : لكن حمله على الجماعة أولى وهو الذي يظهر من السياق انتهى
والأولى حمله على الانفراد لأن مرجع الضمير في حديث الباب من قوله : ( صلاها ) إلى
مطلق الصلاة لا إلى المقيد بكونها في جماعة
ويدل على ذلك الرواية التي ذكرها أبو داود عن عبد الواحد بن زياد لأنه جعل فيها
صلاة الرجل في الفلاة مقابلة لصلاته في الجماعة والمراد بالفلاة الأرض المتسعة
التي لا ماء فيها والجمع فلى مثل حصاة وحصى
( والحديث ) يدل على أفضلية الصلاة في الفلاة مع تمام الركوع والسجود وأنها تعدل
خمسين صلاة في جماعة كما في رواية عبد الواحد وعلى هذا الصلاة في الفلاة تعدل ألف
صلاة ومائتين وخمسين صلاة في غير جماعة وهذا إن كانت صلاة الجماعة تتضاعف إلى خمسة
وعشرين ضعفا فقط فإن كانت تتضاعف إلى سبعة وعشرين كما تقدم فالصلاة في الفلاة تعدل
ألفا وثلاثمائة وخمسين صلاة وهذا على فرض أن المصلي في الفلاة صلى منفردا فإن صلى
في جماعة تضاعف العدد المذكور بحسب تضاعف صلاة الجماعة على الانفراد وفضل الله
واسع
( والحكمة ) في اختصاص صلاة الفلاة بهذه المزية أن المصلي فيها يكون في الغالب
مسافرا والسفر مظنة المشقة فإذا صلاها المسافر مع حصول المشقة تضاعفت إلى ذلك
المقدار . وأيضا الفلاة في الغالب من مواطن الخوف والفزع لما جبلت عليه الطباع
البشرية من التوحش عند مفارقة النوع الإنساني فالإقبال مع ذلك على الصلاة أمر لا
يناله إلا من بلغ في التقوى إلى حد يقصر عنه كثير من أهل الإقبال والقبول
وأيضا في مثل هذا الموطن تنقطع الوساوس التي تقود إلى الرياء فإيقاع الصلاة فيها
شأن أهل الإخلاص . ومن ههنا كانت صلاة الرجل في البيت المظلم الذي لا يراه فيه أحد
إلا الله عز و جل أفضل الصلوات على الإطلاق وليس ذلك إلا لانقطاع حبائل الرياء
الشيطانية التي يقتنص بها كثيرا من المتعبدين فكيف لا تكون صلاة الفلاة مع انقطاع
تلك الحبائل وانضمام ما سلف إلى ذلك بهذه المنزلة
( والحديث ) أيضا من حجج القائلين بأن الجماعة غير واجبة وقد قدمنا الكلام على ذلك
[ ص 160 ]
باب حضور النساء المساجد وفضل صلاتهن في بيوتهن
1
- عن ابن عمر : ( عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا استأذنكم نساؤكم بالليل
إلى المسجد فأذنوا لهن )
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه . وفي لفظ : ( لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد
وبيوتهن خير لهن ) . رواه أحمد وأبو داود
2
- وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا تمنعوا إماء الله
مساجد الله وليخرجن تفلات )
- رواه أحمد وأبو داود
-
حديث ابن عمر هو بنحو اللفظ الآخر في الصحيحين أيضا بدون قوله : ( وبيوتهن خير لهن
) وهذه الزيادة أخرجها ابن خزيمة في صحيحه وللطبراني بإسناد حسن نحوها ولها شاهد
من حديث ابن مسعود عند أبي داود وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن خزيمة من حديثه
وابن حبان من حديث زيد بن خالد . وأخرج مسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود : ( إذا
شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا ) وأول حديث أبي هريرة متفق عليه من حديث ابن عمر
كما عرفت
قوله : ( إذا استأذنكم نساؤكم بالليل ) لم يذكر أكثر الرواة بالليل كذا أخرجه مسلم
وغيره . وخص الليل بالذكر لما فيه من الستر بالظلمة . قال النووي : واستدل به على
أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن وتعقبه
ابن دقيق العيد بأن ذلك إن كان أخذا بالمفهوم فهو مفهوم لقب ضعيف لكن يتقوى بأن
يقال إن منع الرجال نساءهم أمر متقرر وإنما علق الحكم بالمسجد لبيان محل الجواز
فبقي ما عداه على المنع وفيه إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب لأنه لو كان
واجبا لا يبقى معنى للاستئذان لأن ذلك إنما هو متحقق إذا كان المستأذن مجيزا في
الإجابة والرد أو يقال إذا كان الإذن لهن فيما ليس بواجب حقا على الأزواج فالأذن
لهن فيما هو واجب من باب الأولى
قوله : ( لا تمنعوا النساء ) مقتضى هذا النهي أن منع النساء من الخروج إلى المساجد
إما مطلقا في الأزمان كما في هذه الرواية وكما في حديث أبي هريرة أو مقيدا بالليل
كما تقدم أو مقيدا بالغلس كما في بعض الأحاديث يكون محرما على الأزواج . وقال
النووي : إن النهي محمول على التنزيه وسيأتي الخلاف في ذلك
قوله : ( وبيوتهن خير [ ص 161 ] لهن ) أي صلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في
المساجد لو علمن ذلك لكنهن لم يعلمن فيسألن الخروج إلى الجماعة يعتقدن أن أجرهن في
المساجد أكثر . ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل الأمن من الفتنة ويتأكد ذلك بعد
وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة ومن ثم قالت عائشة ما قالت
قوله : ( إماء الله ) بكسر الهمزة والمد جمع أمة
قوله : ( وليخرجن تفلات ) بفتح التاء المثناة وكسر الفاء أي غير متطيبات يقال
امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح كذا قال ابن عبد البر وغيره وإنما أمرن بذلك
ونهين عن التطيب كما في رواية مسلم المتقدمة عن زينب امرأة ابن مسعود لئلا يحركن
الرجال بطيبهن . ويلحق بالطيب ما في معناه من المحركات لداعي الشهوة كحسن الملبس
والتحلي الذي يظهر أثره والزينة الفاخرة . وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم
بين الشابة وغيرها وفيه نظر لأنها إذا عرت مما ذكر وكانت متسترة حصل الأمن عليها
ولا سيما إذا كان ذلك بالليل
3
- وعن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أيما امرأة
أصابت بخورا فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة )
- رواه مسلم وأبو داود والنسائي
4
- وعن أم سلمة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : خير مساجد النساء
قعر بيوتهن )
- رواه أحمد
5
- وعن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : ( لو أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم رأى من النساء ما رأينا لمنعهن من المسجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها قلت
لعمرة ومنعت بنو إسرائيل نساءها قالت نعم )
- متفق عليه
-
حديث أم سلمة أخرجه أبو يعلى أيضا والطبراني في الكبير وفي إسناده ابن لهيعة وقد
تقدم ما يشهد له
وأخرج أحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فقالت : ( يا رسول الله إني أحب الصلاة معك فقال صلى الله عليه و
سلم : قد علمت وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير لك من
صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك
خير لك من صلاتك في مسجد الجماعة ) قال الحافظ : وإسناده حسن
وأخرج أبو داود من حديث ابن مسعود قال : ( قال صلى الله عليه و سلم : صلاة المرأة
في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها )
قوله : ( أصابت بخورا ) فيه دليل على أن الخروج من النساء [ ص 162 ] إلى المساجد
إنما يجوز إذا لم يصحب ذلك ما فيه فتنة كما تقدم وما هو في تحريك الشهوة فوق
البخور داخل بالأولى
قوله : ( فلا تشهدن ) في بعض النسخ هكذا بزيادة نون التوكيد وفي بعضها بحذفها
وظاهر النهي التحريم
قوله : ( رأى من النساء ما رأينا لمنعهن ) يعني من حسن الملابس والطيب والزينة
والتبرج وإنما كان النساء يخرجن في المروط والأكسية والشملات الغلاظ . وقد تمسك
بعضهم في منع النساء من المساجد مطلقا بقول عائشة وفيه نظر إذ لا يترتب على ذلك
تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد في زمانه صلى الله عليه و سلم بل قالت ذلك
بناء على ظن ظنته فقالت لو رأى لمنع فيقال عليه لم ير ولم يمنع وظنها ليس بحجة
قوله : ( كما منعت بنو إسرائيل نساءها ) هذا وإن كان موقوفا فحكمه الرفع لأنه لا
يقال بالرأي وقد روى نحوه عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح
قوله : ( قالت نعم ) يحتمل أنها تلقته عن عائشة ويحتمل أن يكون عن غيرها وقد ثبت
ذلك من حديث عروة عن عائشة موقوفا أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولفظه : ( قالت :
كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلا من خشب يتشرفن للرجال في المساجد فحرم الله تعالى
عليهن المساجد وسلطت عليهن الحيضة ) وقد حصل من الأحاديث المذكورة في هذا الباب أن
الأذن للنساء من الرجال إلى المساجد إذا لم يكن في خروجهن ما يدعوا إلى الفتنة من
طيب أو حلي أو أي زينة واجب على الرجال وأنه لا يجب مع ما يدعو إلى ذلك ولا يجوز
ويحرم عليهن الخروج لقوله ( فلا تشهدن ) وصلاتهن على كل حال في بيوتهن أفضل من
صلاتهن في المساجد
باب فضل المسجد الأبعد والكثير الجمع
1
- عن أبي موسى قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن أعظم الناس في
الصلاة أجرا أبعدهم إليها ممشى )
- رواه مسلم
2
- وعن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الأبعد فالأبعد
من المسجد أعظم أجرا )
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
-
الحديث الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده عبد الرحمن بن مهران مولى بني
هاشم . قال في التقريب : مجهول . وقال في الخلاصة : وثقه ابن حبان انتهى . وبقية [
ص 163 ] رجاله رجال الصحيح
قوله : ( إن أعظم الناس في الصلاة أجرا أبعدهم إليها ممشى ) فيه التصريح بأن أجر
من كان مسكنه بعيدا من المسجد أعظم ممن كان قريبا منه وكذلك قوله ( الأبعد فالأبعد
من المسجد أعظم أجرا ) وذلك لما ثبت عند البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وابن
ماجه من حديث أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : صلاة
الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة وذلك بأن
أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع
الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد ) الحديث
ولما أخرجه أبو داود عن سعيد بن المسيب عن رجل من الصحابة مرفوعا وفيه : ( إذا
توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له عز
و جل حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة فليقرب أحدكم أو ليبعد )
الحديث
ولما أخرجه مسلم عن جابر قال : ( خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا
إلى قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم : إنه بلغني
أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد قالوا : نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك فقال :
يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم )
3
- وعن أبي بن كعب قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : صلاة الرجل مع
الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر
فهو أحب إلى الله تعالى )
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي
-
الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه وابن حبان وصححه ابن السكن والعقيلي والحاكم وأشار ابن
المديني إلى صحته وفي إسناده عبد الله بن أبي نصير قيل لا يعرف لأنه ما روى عنه
غير أبي إسحاق السبيعي لكن أخرجه الحاكم من رواية العيزار بن حريث عنه فارتفعت
جهالة عينه وأورد له الحاكم شاهدا من حديث قياس بن أشيم وفي إسناده نظر . وأخرجه
البزار والطبراني . وعبد الله المذكور وثقه ابن حبان
قوله : ( أزكى من صلاته وحده ) أي أكثر أجرا وأبلغ في تطهير المصلي وتكفير ذنوبه
لما في الاجتماع من نزول الرحمة والسكينة دون الانفراد
قوله : ( وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى ) فيه أن ما كثر جمعه فهو أفضل مما
قل جمعه وأن الجماعات تتفاوت في الفضل وأن كونها تعدل سبعا وعشرين صلاة يحصل لمطلق
الجماعة والرجل مع الرجل [ ص 164 ] جماعة كما رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي
أنه قال : الرجل مع الرجل جماعة لهما التضعيف خمسا وعشرين انتهى . وقد أخرج ابن
ماجه عن أبي موسى والبغوي في معجم الصحابة عن الحكم بن عمير الثمالي : ( أن النبي
صلى الله عليه و سلم قال : اثنان فما فوقهما جماعة ) وأحاديث التضاعف إلى هذا
المقدار التي تقدم ذكرها لا ينافي الزيادة في الفضل لما كان أكثر لا سيما مع وجود
النص المصرح بذلك كما في حديث الباب
باب السعي إلى المسجد بالسكينة
1
- عن أبي قتادة قال : ( بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ سمع
جلبة رجال فلما صلى قال : ما شأنكم قالوا : استعجلنا إلى الصلاة قال : فلا تفعلوا
إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )
- متفق عليه
2
- وعن أبي هريرة : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا سمعتم الإقامة
فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم
فأتموا )
- رواه الجماعة إلا الترمذي . ولفظ النسائي وأحمد في رواية : ( فاقضوا ) وفي رواية
لمسلم : ( إذا ثوب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم ولكن ليمش وعليه السكينة والوقار
فصل ما أدركت واقض ما سبقك )
-
قوله ( جلبة ) بجيم ولام وموحدة مفتوحات أي أصواتهم حال حركتهم
قوله : ( فعليكم السكينة ) ضبطه القرطبي بنصب السكينة على الإغراء وضبطه النووي
بالرفع على أنها جملة في موضع الحال وفي رواية للبخاري : ( وعليكم بالسكينة ) وقد
استشكل بعضهم دخول الباء لأنه متعد بنفسه كقوله تعالى { عليكم أنفسكم } قال الحافظ
: وفيه نظر لثبوت زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث ( عليكم برخصة الله ) (
فعليه بالصوم ) ( وعليك بالمرأة ) ( 1 )
قوله : ( فما أدركتم ) قال الكرماني : الفاء جواب شرط محذوف [ ص 165 ] أي إذا ثبت
لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا
قال في الفتح : أو التقدير إذا فعلتم فما أدركتم فصلوا أي فعلتم الذي آمركم به من
السكينة وترك الإسراع
قوله : ( وما فاتكم فأتموا ) أي أكملوا وقد اختلف في هذه اللفظة في حديث أبي قتادة
فرواية الجمهور ( فأتموا ) ورواية معاوية بن هشام عن شيبان ( فاقضوا ) كذا ذكره
ابن أبي شيبة عنه . ومثله روى أبو داود وكذلك وقع الخلاف في حديث أبي هريرة كما
ذكر المصنف
قال الحافظ : والحاصل أن أكثر الروايات ورد بلفظ ( فأتموا ) وأقلها بلفظ ( فاقضوا
) وإنما يظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين التمام والقضاء مغايرة لكن إذا كان مخرج
الحديث واحدا واختلف في لفظه منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى وهذا
كذلك لأن القضاء وإن كان يطلق على الفائتة غالبا لكنه يطلق على الأداء أيضا ويرد
بمعنى الفراغ كقوله تعالى { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا } ويرد لمعان آخر فيحمل
قوله هنا فاقضوا على معنى الأداء والفراغ فلا يغاير قوله ( فأتموا ) فلا حجة لمن
تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه مع الإمام هو آخر صلاته حتى يستحب له الجهر في
الركعتين الآخرتين وقراءة السورة وترك القنوت بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه
لآن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه
وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال فلو كان ما
يدركه مع الإمام آخرا له لما احتاج إلى إعادة التشهد وقول ابن بطال أنه ما تشهد
إلا لأجل السلام لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد ليس بالجواب الناهض على دفع
الإيراد المذكور
واستدل ابن المنذر لذلك أيضا أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في
الركعة الأولى وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور فإنهم قالوا إن ما أدرك مع الإمام
هو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في
الرباعية لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين وكان الحجة فيه قول
علي عليه السلام : " ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من
القرآن " أخرجه البيهقي . وعن إسحاق والمزني أنه لا يقرأ إلا أم القرآن فقط
قال الحافظ : وهو القياس
قوله : ( إذا سمعتم الإقامة ) هو أخص من قوله في حديث أبي قتادة ( إذا أتيتم
الصلاة ) لكن الظاهر أنه في مفهوم الموافقة وأيضا سامع الإقامة لا يحتاج إلى
الإسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها فينتهي عن الإسراع من باب الأولى . وقد لحظ
بعضهم [ ص 166 ] معنى غير هذا فقال : الحكمة في التقييد بالإقامة أن المسرع إذا
أقيمت الصلاة يصل إليها فيقرأ في تلك الحال فلا يحصل تمام الخشوع في الترتيل وغيره
بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة قد لا تقام حتى يستريح وفيه أنه لا يكره الإسراع
لمن جاء قبل الإقامة وهو مخالف لصريح قوله ( إذا أتيتم الصلاة ) لأنه يتناول ما
قبل الإقامة وإنما قيد الحديث الثاني بالإقامة لأن ذلك هو الحامل في الغالب على
الإسراع
قوله : ( والوقار ) قال عياض والقرطبي : هو بمعنى السكينة وذكر على سبيل التأكيد .
وقال النووي : الظاهر أن بينهما فرقا وإن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث
والوقار في الهيئة بغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات
قوله : ( ولا تسرعوا ) فيه زيادة تأكيد فيستفاد منه الرد على من أول قوله في حديث
أبي قتادة فلا تفعلوا بالاستعجال المفضي إلى عدم الوقار وأما الإسراع الذي لا
ينافي الوقار لمن خاف فوت التكبيرة فلا كذا روي عن إسحاق بن راهويه
( والحديثان ) يدلان على مشروعية المشي إلى الصلاة على سكينة ووقار وكراهية
الإسراع والسعي . والحكمة في ذلك ما نبه عليه صلى الله عليه وآله وسلم كما وقع عند
مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ : ( فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة )
أي أنه في حكم المصلي فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي
للمصلي اجتنابه
وقد استدل بحديثي الباب أيضا على أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة
للأمر بإتمام ما فاته لأنه فاته القيام والقراءة فيه
قال في الفتح : وهو قول أبي هريرة وجماعة بل حكاه البخاري في جزء القراءة خلف
الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام واختاره ابن خزيمة والضبعي
وغيرهما من الشافعية وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين وقد قدمنا البحث
عن هذا في باب ما جاء في قراءة المأموم وإنصاته إذا سمع إمامه
قال المصنف رحمه الله بعد أن ساق الحديثين ما لفظه : وفيه حجة لمن قال إن ما أدركه
المسبوق آخر صلاته واحتج من قال بخلافه بلفظة الإتمام انتهى . وقد عرفت الجمع بين
الروايتين
_________
( 1 ) في اختصاره كلام الحافظ إيهام أن ما ذكره الحافظ هو حديث واحد وليس كذلك بل
ما ذكره الحافظ نص على أنه ثلاثة أحاديث وهاك نص عبارته : قال وفيه نظر لثبوت
زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث ( عليكم برخصة الله ) وحديث ( فعليه بالصوم
فإنه له وجاء ) وحديث ( فعليك بالمرأة ) الخ ما ذكره . والله أعلم
باب ما يؤمر به الإمام من التخفيف
1
- وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا صلى أحدكم [ ص 167 ]
للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء )
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه لكنه له من حديث عثمان ابن أبي العاص
2
- وعن أنس قال : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤخر الصلاة ويكملها ) . وفي
رواية : ( ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه و
سلم )
- متفق عليهما
3
- وعن أنس : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إني لأدخل في الصلاة وأنا
أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه
)
- رواه الجماعة إلا أبا داود والنسائي لكنه لهما من حديث أبي قتادة
-
قوله : ( فليخفف ) قال ابن دقيق العيد : التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد
يكون الشيء خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنسبة إلى عادة آخرين قال : وقول
الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير لا
تقتضي أن يكون ذلك تطويلا
قوله : ( فإن فيهم ) في رواية في البخاري للكشميهني ( فإن منهم ) وفي رواية ( فإن
خلفه ) وهو تعليل للأمر بالتخفيف ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم من يتصف بإحدى
الصفات المذكورات لم يضر التطويل ويرد عليه أنه يمكن أن يجيء من يتصف بأحدها بعد
الدخول في الصلاة . وقال اليعمري : الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة
فينبغي للأئمة التخفيف مطلقا قال : وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وهي مع ذلك
تشرع ولو لم تشق عملا بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وهنا كذلك
قوله : ( فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير ) المراد بالضعيف هنا ضعيف الخلقة
وبالسقيم من به مرض . وفي رواية للبخاري : ( فإن منهم المريض والضعيف ) والمراد
بالضعيف في هذه الرواية ضعيف الخلقة بلا شك
وفي رواية للبخاري أيضا عن ابن مسعود : ( فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة )
وكذلك في رواية أخرى له من حديثه والمراد بالضعيف في هاتين الروايتين المريض ويصح
أن يراد من فيه ضعف وهو أعم من الحاصل بالمرض أو بنقصان الخلقة . وزاد مسلم من وجه
آخر في حديث أبي هريرة والصغير وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص والحامل
والمرضع . وله من حديث عدي ابن حاتم والعابر السبيل
قوله : ( فليطول ما شاء ) ولمسلم : [ ص 168 ] ( فليصل كيف شاء ) أي مخففا أو مطولا
. واستدل بذلك على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت وهو المصحح عند بعض الشافعية
قال الحافظ : وفيه نظر لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة : ( إنما التفريط
أن تؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى ) أخرجه مسلم . وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في
الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كان مراعاة تلك المفسدة أولى .
واستدل بعمومه أيضا على جواز تطويل الاعتدال من الركوع وبين السجدتين
قوله : ( لكنه له من حديث عثمان ابن أبي العاص ) في إسناده محمد بن عبد الله
القاضي ضعفه الجمهور ووثقه ابن معين وابن سعد وقد أخرج حديث عثمان المذكور مسلم في
صحيحه
قوله : ( يؤخر الصلاة ويكملها ) فيه أن مشروعية التخفيف لا تستلزم أن تبلغ إلى حد
يكون بسببه عدم تمام أركان الصلاة وقراءتها وأن من سلك طريق النبي صلى الله عليه
وآله وسلم في الإيجاز والإتمام لا يشتكي منه تطويل . وروى ابن أبي شيبة أن الصحابة
كانوا يتمون ويوجزون ويبادرون الوسوسة فبين العلة في تخفيفهم
قوله : ( إني أدخل في الصلاة ) في رواية للبخاري : ( إني لأقوم في الصلاة )
قوله : ( وأنا أريد إطالتها ) فيه أن من قصد في الصلاة الإتيان بشيء مستحب لا يجب
عليه الوفاء به خلافا لأشهب
قوله : ( أسمع بكاء الصبي ) فيه جواز إدخال الصبيان المساجد وإن كان الأولى تنزيه
المساجد عمن لا يؤمن حدثه فيها لحديث ( جنبوا مساجدكم ) وقد تقدم
قوله : ( فأتجوز ) فيه دليل على مشروعية الرفق بالمأمومين وسائر الأتباع ومراعاة
مصالحهم ودفع ما يشق عليهم وإن كانت المشقة يسيرة وإيثار تخفيف الصلاة للأمر يحدث
قوله : ( لكنه لهما من حديث أبي قتادة ) هو في البخاري ولفظه : ( إني لأدخل في
الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه )
( وأحاديث ) الباب تدل على مشروعية التخفيف للأئمة وترك التطويل للعلل المذكورة من
الضعف والسقم والكبر والحاجة واشتغال خاطر أم الصبي ببكائه ويلحق بها ما كان فيه
معناها
قال أبو عمر ابن عبد البر : التخفيف لكل إمام أمر مجمع عليه مندوب عند العلماء
إليه إلا أن ذلك إنما هو أقل الكمال . وأما الحذف والنقصان فلا لأن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قد نهى عن نقر الغراب ورأى رجلا يصلي فلم يتم ركوعه فقال له :
ارجع فصل فإنك لم تصل وقال : لا ينظر الله إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده ثم
قال : لا أعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب التخفيف لكل من أم قوما على ما
شرطنا [ ص 169 ] من الإتمام
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : لا تبغضوا الله إلى عباده يطول أحدكم في صلاته
حتى يشق على من خلفه انتهى
وقد ورد في مشروعية التخفيف أحاديث غير ما ذكره المصنف منها عن عدي بن حاتم عند
ابن أبي شيبة . وعن سمرة عند الطبراني . وعن مالك بن عبد الله الخزاعي عند
الطبراني أيضا . وعن أبي واقد الليثي عند الطبراني أيضا . وعن ابن مسعود عند
البخاري ومسلم . وعن جابر بن عبد الله عند البخاري ومسلم أيضا . وعن ابن عباس عند
ابن أبي شيبة . وعن حزم بن أبي بن كعب الأنصاري عند أبي داود . وعن رجل من بني
سلمة يقال له سليم من الصحابة عند أحمد . وعن بريدة عند أحمد أيضا . وعن ابن عمر
عند النسائي
باب إطالة الإمام الركعة الأولى وانتظار من أحس به داخلا ليدرك الركعة
- فيه عن أبي قتادة وقد سبق
1
- وعن أبي سعيد : ( لقد كانت الصلاة تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم
يتوضأ ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الركعة الأولى مما يطولها )
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والنسائي
2
- وعن محمد بن جحادة عن رجل عن عبد الله بن أبي أوفى : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم )
- رواه أحمد وأبو داود
-
حديث أبي قتادة تقدم مع شرحه في باب السورة بعد الفاتحة في الأوليين من أبواب صفة
الصلاة وفيه بعد ذكر أنه كان يطول في الأولى قال : فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك
الناس الركعة الأولى
وحديث عبد الله بن أبي أوفى أخرجه أيضا البزار وسياقه أتم وفي إسناده رجل مجهول لا
يعرف وسماه بعضهم طرفة الحضرمي وهو مجهول كما قال الأزدي وفيه وفي حديث أبي قتادة
وأبي سعيد مشروعية التطويل في الركعة الأولى من صلاة الظهر وغيرها وقد قدمنا
الكلام على ذلك في أبواب صفة الصلاة
( وقد استدل ) القائلون بمشروعية تطويل الركعة الأولى لانتظار الداخل ليدرك فضيلة
الجماعة بتلك الرواية التي ذكرناها من حديث أبي قتادة أعني قوله فظننا أنه يريد
بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى
واستدلوا أيضا بحديث ابن أبي أوفى [ ص 170 ] المذكور في الباب وقد حكى استحباب ذلك
ابن المنذر عن الشعبي والنخعي وأبي مجلز وابن أبي ليلى من التابعين . وقد نقل
الاستحباب أبو الطيب الطبري عن الشافعي في الجديد وفي التجريد للمحاملي نسبة ذلك
إلى القديم وإن الجديد كراهته
وذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعي وأبو يوسف وداود والهادوية إلى كراهة الانتظار
واستحسنه ابن المنذر وشدد في ذلك بعضهم وقال : أخاف أن يكون شركا وهو قول محمد بن
الحسن وبالغ بعض أصحاب الشافعي فقال : إنه مبطل للصلاة
وقال أحمد وإسحاق فيما حكاه عنهما ابن بطال إن كان الانتظار لا يضر بالمأمومين جاز
وإن كان مما يضر ففيه الخلاف
وقيل إن كان الداخل ممن يلازم الجماعة انتظره الإمام وإلا فلا روى ذلك النووي في
شرح المهذب عن جماعة من السلف
( وقد استدل ) الخطابي في المعالم على الانتظار المذكور بحديث أنس المتقدم في
الباب الأول في التخفيف عند سماع بكاء الصبي فقال : فيه دليل على أن الإمام وهو
راكع إذا أحس بداخل يريد الصلاة معه كان له أن ينتظره راكعا ليدرك فضيلة الركعة في
الجماعة لأنه إذا كان له أن يحذف من طول الصلاة لحاجة إنسان في بعض أمور الدنيا
كان له أن يزيد فيها لعبادة الله تعالى بل هو أحق بذلك وأولى وكذلك قال ابن بطال :
وتعقبهما ابن المنير والقرطبي بأن التخفيف ينافي التطويل فكيف يقاس عليه
قال ابن المنير : وفيه مغايرة للمطلوب لأن فيه إدخال مشقة على جماعة لأجل واحد
وهذا لا يرد على أحمد وإسحاق لتقييدهما الجواز بعدم الضر للمؤتمين كما تقدم وما
قالاه هو أعدل المذاهب في المسألة وبمثله قال أبو ثور
باب وجوب متابعة الإمام والنهي عن مسابقته
1
- عن أبي هريرة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إنما جعل الإمام
ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله
لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا
أجمعون )
- متفق عليه . وفي لفظ : ( إنما الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى
يكبر وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد
) . رواه أحمد وأبو داود [ ص 171 ]
-
في الباب غير ما ذكر المصنف عن عائشة عند الشيخين وأبي داود وابن ماجه . وعن جابر
عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه . وعن ابن عمر عند أحمد والطبراني . وعن
معاوية عند الطبراني في الكبير . قال العراقي : ورجاله رجال الصحيح . وعن أسيد بن
حضير عند أبي داود وعبد الرزاق . وعن قيس بن فهد عند عبد الرزاق أيضا . وعن أبي
أمامة عند ابن حبان في صحيحه
قوله : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) لفظ إنما من صيغ الحصر عند جماعة من أئمة
الأصول والبيان . ومعنى الحصر فيها إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه واختار
الآمدي أنها لا تفيد الحصر وإنما تفيد تأكيد الإثبات فقط ونقله أبو حيان عن
البصريين . وفي كلام الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد ما يقتضي نقل الاتفاق على
إفادتها للحصر ( 1 ) والمراد بالحصر هنا حصر الفائدة في الإقتداء بالإمام والإتباع
له ومن شأن التابع أن لا يتقدم على المتبوع ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من
الأحوال التي فصلها الحديث ولا في غيرها قياسا عليها ولكن ذلك مخصوص بالأفعال
الظاهرة لا الباطنة وهي ما لا يطلع عليه المأموم كالنية فلا يضر الاختلاف فيها فلا
يصح الاستدلال به على من جوز ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر ومن يصلي الأداء
بمن يصلي القضاء ومن يصلي الفرض بمن يصلي النفل وعكس ذلك وعامة الفقهاء على ارتباط
صلاة المأموم بصلاة الإمام وترك مخالفته له في نية أو غيرها لأن ذلك من الاختلاف
وقد نهى عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : ( فلا تختلفوا ) . وأجيب بأنه صلى
الله عليه وآله وسلم قد بين وجوه الاختلاف فقال : ( فإذا كبر فكبروا ) الخ ويتعقب
بإلحاق غيرها بها قياسا كما تقدم
وقد استدل بالحديث أيضا القائلون بأن صحة صلاة المأموم لا تتوقف على صحة صلاة
الإمام إذا بان جنبا أو محدثا أو عليه نجاسة خفية وبذلك صرح أصحاب الشافعي بناء
على اختصاص النهي عن الاختلاف بالأمور المذكورة في الحديث أو بالأمور التي يمكن
المؤتم الإطلاع عليها
قوله : ( فإذا كبر كبروا ) فيه أن المأموم لا يشرع في التكبير إلا بعد فراغ الإمام
منه وكذلك الركوع والرفع منه والسجود
ويدل على ذلك أيضا قوله في الرواية الثانية ولا تكبروا ولا تركعوا ولا تسجدوا
وكذلك سائر الروايات المشتملة [ ص 172 ] على النهي وسيأتي
وقد اختلف في ذلك هل هو على سبيل الوجوب أو الندب والظاهر الوجوب من غير فرق بين
تكبيرة الإحرام وغيرها
قوله : ( وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد ) فيه دليل لمن
قال أنه يقتصر المؤتم في ذكر الرفع من الركوع على قوله ربنا لك الحمد وقد قدمنا
بسط ذلك في باب ما يقول في رفعه من الركوع من أبواب صفة الصلاة وقدمنا أيضا الكلام
على اختلاف الروايات في زيادة الواو وحذفها
قوله : ( وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا ) فيه دليل لمن قال أن المأموم يتابع الإمام
في الصلاة قاعدا وإن لم يكن المأموم معذورا وإليه ذهب أحمد وإسحاق والأوزاعي وأبو
بكر ابن المنذر وداود وبقية أهل الظاهر وسيأتي الكلام على ذلك في باب إقتداء
القادر على القيام بالجالس
قوله : ( أجمعون ) كذا في أكثر الروايات بالرفع على التأكيد لضمير الفاعل في قوله
( صلوا ) وفي بعضها بالنصب على الحال
_________
( 1 ) ونص عبارته في شرح العمدة هكذا : إنما للحصر على ما تقرر في الأصول كما فهم
ابن عباس من قوله ( إنما الربا في النسيئة ) وعورض بدليل آخر يقتضي تحريم ربا
الفضل ولم يعارض في فهمه للحصر وفي ذلك اتفاق على أنها للحصر اه
والدليل الذي عارض فهمه هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( التمر بالتمر والحنطة
بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد
أربى ) رواه مسلم في صحيحه وغيره . وقد تعرضت لذلك في تعليقي على باب الربا منه
والله أعلم
2
- وعن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أما يخشى أحدكم
إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يحول الله صورته صورة حمار
)
- رواه الجماعة
3
- وعن أنس قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أيها الناس إني إمامكم فلا
تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف )
- رواه أحمد ومسلم
4
- وعنه : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا
تركعوا حتى يركع ولا ترفعوا حتى يرفع )
- رواه البخاري
-
قوله : ( أما يخشى أحدكم ) أما مخففة حرف استفتاح مثل ألا وأصلها ما النافية دخلت
عليها همزة الاستفهام وهي هنا استفهام توبيخ
قوله : ( إذا رفع رأسه قبل الإمام ) زاد ابن خزيمة في صلاته والمراد الرفع من
السجود ويدل على ذلك ما وقع في رواية حفص ابن عمر ( الذي يرفع رأسه والإمام ساجد )
وفيه تعقب على من قال أن الحديث نص في المنع من تقدم المأموم في الرفع من الركوع
والسجود معا وليس كذلك بل هو نص في السجود ويلتحق به الركوع لكونه في معناه ويمكن
الفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه وأما
التقدم على الإمام في الخفض للركوع والسجود فقيل يلتحق به من باب الأولى لأن
الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل والركوع والسجود من المقاصد وإذا دل
الدليل على وجوب الموافقة فيما هو وسيلة فأولى أن يجب فيما هو مقصد
قال الحافظ : ويمكن أن يقال ليس هذا بواضح لأن الرفع من الركوع والسجود يستلزم
قطعه عن غاية كماله قال : وقد ورد الزجر عن الرفع [ ص 173 ] والخفض قبل الإمام من
حديث أخرجه البزار عن أبي هريرة مرفوعا : ( الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما
ناصيته بيد شيطان )
وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفا وهو المحفوظ
قوله : ( أو يحول الله صورته ) الخ الشك من شعبة وقد رواه الطيالسي عن حماد بن
سلمة وابن خزيمة عن حماد بن زيد ومسلم عن يونس بن عبيد والربيع بن مسلم كلهم عن
محمد بن زياد بغير تردد فأما الحمادان فقالا رأس . وأما الربيع فقال وجه وأما يونس
فقال صورة والظاهر أنه من تصرف الرواة . قال عياض : هذه الروايات متفقة لأن الوجه
في الرأس ومعظم الصورة فيه
قال الحافظ : لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضا وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل
فهي المعتمد وخص وقوع الوعيد عليها لأن بها وقعت الجناية
وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد
العقوبات وبذلك جزم النووي في شرح المهذب ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن
فاعله يأثم وتجزئه صلاته . وعن ابن عمر يبطل وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر
بناء على أن النهي يقتضي الفساد والوعيد بالمسخ في معناه . وقد ورد التصريح بالنهي
في رواية أنس المذكورة في الباب عن السبق بالركوع والسجود والقيام والقعود وقد
اختلف في معنى الوعيد المذكور فقيل يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي فإن الحمار موصوف
بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام
ويرجح هذا المجاز أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين ولكن ليس في الحديث ما يدل
على أن ذلك يقع ولا بد وإنما يدل على كون فاعله متعرضا لذلك ولا يلزم من التعرض
للشيء وقوعه وقيل هو على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك وقد وردت أحاديث كثيرة
تدل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة وأما ما ورد من الأدلة القاضية برفع المسخ
عنها فهو المسخ العام ومما يبعد المجاز المذكور ما عند ابن حبان بلفظ : ( أن يحول
الله رأسه رأس كلب ) لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار
ومما يبعده أيضا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة
الحاصلة ولو كان المراد التشبيه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلا فرأسه رأس حمار
ولم يحسن أن يقال له إذا فعلت ذلك صرت بليدا مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة
( واستدل ) بالأحاديث المذكورة على جواز المقارنة ورد بأنها دلت بمنطوقها على منع
المسابقة وبمفهومها على طلب المتابعة وأما المقارنة فمسكوت عنها
قوله : ( ولا بالانصراف ) قال النووي : المراد بالانصراف السلام انتهى . ويحتمل أن
يكون المراد النهي عن الانصراف من مكان الصلاة قبل الإمام لفائدة أن يدرك المؤتم
الدعاء أو لاحتمال أن يكون الإمام قد حصل له في صلاته سهو فيذكر وهو في المسجد
ويعود له كما في قصة ذي [ ص 174 ] اليدين
وقد أخرج أبو داود عن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حضهم على
الصلاة ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة )
وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود بإسناد رجاله ثقات أنه قال : ( إذا سلم
الإمام وللرجل حاجة فلا ينتظره إذا سلم أن يستقبله بوجهه وإن فصل الصلاة التسليم )
وروى عنه أنه كان إذا سلم لم يلبث أن يقوم أو يتحول من مكانه
باب انعقاد الجماعة باثنين أحدهما صبي أو امرأة
1
- عن ابن عباس قال : ( بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يصلي من الليل فقمت أصلي معه فقمت عن يساره فأخذ برأسي وأقامني عن يمينه )
- رواه الجماعة . وفي لفظ : ( صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا يومئذ
ابن عشر وقمت إلى جنبه عن يساره فأقامني عن يمينه قال وأنا يومئذ ابن عشر سنين )
رواه أحمد
-
قوله : ( بت ) في رواية ( نمت )
قوله : ( يصلي من الليل ) قد تقدم الكلام في صلاة الليل
قوله : ( وأقامني عن يمينه ) يحتمل المساواة ويحتمل التقدم والتأخر قليلا . وفي
رواية ( فقمت إلى جنبه ) وهو ظاهر في المساواة
وعن بعض أصحاب الشافعي يستحب أن يقف المأموم دونه قليلا وليس عليه فيما أعلم دليل
. وفي الموطأ عن عبد الله بن مسعود قال : دخلت على عمر بن الخطاب الهاجرة فوجدته
يسبح فقمت وراءه فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه
( والحديث ) له فوائد كثيرة منه ما بوب له المصنف من انعقاد الجماعة باثنين أحدهما
صبي وليس على قول من منع من انعقاد إمامة من معه صبي فقط دليل ولم يستدل لهم في
البحر إلا بحديث رفع القلم ورفع القلم لا يدل على عدم صحة صلاته وانعقاد الجماعة
به ولو سلم لكان مخصصا بحديث ابن عباس ونحوه وقد ذهب إلى أن الجماعة لا تنعقد بصبي
الهادي والناصر والمؤيد بالله وأبو حنيفة وأصحابه وذهب أصحاب الشافعي والإمام يحيى
إلى الصحة من غير فرق بين الفرض والنفل
وذهب مالك وأبو حنيفة في رواية عنه إلى الصحة في النافلة . ومنها صحة صلاة النوافل
جماعة وقد تقدم بعض الكلام على ذلك وسيأتي بقيته . ومنها أن موقف المؤتم عن يمين
الإمام . وقال سعيد بن المسيب : إن موقف المؤتم الواحد عن يسار الإمام ولم يتابع [
ص 175 ] على ذلك لمخالفته للأدلة وقد اختلف في صحة صلاة من وقف عن اليسار فقيل لا
تبطل بل هي صحيحة وهو قول الجمهور وتمسكوا بعدم بطلان صلاة ابن عباس لوقوفه عن
اليسار لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم له على أول صلاته وقيل تبطل وإليه ذهب
أحمد والهادوية قالوا وتقريره صلى الله عليه وآله وسلم لابن عباس لا يدل على صحة
صلاة من وقف من أول الصلاة إلى آخرها عن اليسار عالما وغاية ما فيه تقرير من جهل
الموقف والجهل عذر وسيأتي الكلام على الموقف للمؤتم الواحد والاثنين والجماعة في
أبواب مواقف الإمام والمأموم
ومنها جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة وقد بوب البخاري لذلك وفي المسألة خلاف
والأصح عند الشافعية أنه لا يشترط لصحة الإقتداء أن ينوي الإمام الإمامة واستدل
بذلك ابن المنذر بحديث أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في رمضان قال
: فجئت فقمت إلى جنبه وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطا فلما أحس النبي صلى
الله عليه وآله وسلم بنا تجوز في صلاته ) الحديث . وسيأتي وهو ظاهر في أنه لم ينو
الإمامة ابتداء وائتموا هم به ابتداء وأقرهم وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وعلقه
البخاري وذهب أحمد إلى الفرق بين النافلة والفريضة فشرط أن ينوي في الفريضة دون
النافلة وفيه نظر لحديث أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا
يصلي وحده فقال : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ) أخرجه أبو داود وقد حسنه
الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم
2
- وعن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من
استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا
والذاكرات )
- رواه أبو داود
-
الحديث ذكر أبو داود أن بعضهم لم يرفعه ولا ذكر أبا هريرة وجعله كلام أبي سعيد
وبعضهم رواه موقوفا وقد أخرجه النسائي وابن ماجه مسندا . وفيه مشروعية إيقاظ الرجل
أهله بالليل للصلاة وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال : (
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ
امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت
زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء ) وفي إسناده محمد بن عجلان وقد وثقه أحمد ويحيى
وأبو حاتم واستشهد به البخاري وأخرج له مسلم في المتابعة وتكلم [ ص 176 ] فيه
بعضهم
وحديث الباب استدل به على صحة الإمامة وانعقادها برجل وامرأة وإلى ذلك ذهب الفقهاء
ولكنه لا يخفى أن قوله ( فصليا ركعتين جميعا ) محتمل لأنه يصدق عليهما إذا صلى كل
واحد منهما ركعتين منفردا أنهما صليا جميعا ركعتين أي كل واحد منهما فعل الركعتين
ولم يفعلهما أحدهما فقط ولكن الأصل صحة الجماعة وانعقادها بالمرأة مع الرجل كما
تنعقد بالرجل مع الرجل ومن منع من ذلك فعليه الدليل ويؤيد ذلك ما أخرجه الإسماعيلي
في مستخرجه عن عائشة أنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رجع من
المسجد صلى بنا ) وقال : إنه حديث غريب
وقد روى الشافعي وابن أبي شيبة والبخاري تعليقا عن عائشة أنها كانت تأتم بغلامها
وحكى المهدي في البحر عن العترة أنه لا يؤم الرجل امرأة واستدل لذلك بقوله صلى
الله عليه وآله وسلم : ( أخروهن حيث أخرهن الله ) وقوله : ( شر صفوف النساء أولها
) وليس في ذلك ما يدل على المطلوب
واستدل أيضا بأن عليا عليه السلام منع من ذلك قال : وهو توقيف . وجعله من التوقيف
دعوى مجردة لأن المسألة من مسائل الاجتهاد وليس المنع مذهبا لجميع العترة فقد صرح الهادي
أنه يجوز للرجل أن يؤم بالمحارم في النوافل وجوز ذلك المنصور بالله مطلقا
باب انفراد المأموم لعذر
- ثبت أن الطائفة الأولى في صلاة الخوف تفارق الإمام وتتم وهي مفارقة لعذر
1 - وعن أنس بن مالك قال : ( كان معاذ بن جبل يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخله فدخل المسجد مع القوم فلما رأى معاذا طول تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه فلما قضى معاذ الصلاة قيل له ذلك قال : إنه لمنافق أيعجل عن الصلاة من أجل سقي نخله قال : فجاء حرام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعاذ عنده فقال : يا نبي الله إني أردت أن أسقي نخلا لي فدخلت المسجد لأصلي مع القوم فلما طول تجوزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه فزعم أني منافق فأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على معاذ فقال : أفتان أنت أفتان أنت لا تطول بهم اقرأ باسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما )
2
- وعن بريدة الأسلمي : ( أن معاذ بن جبل صلى بأصحابه العشاء فقرأ فيها اقتربت
الساعة فقام رجل من قبل أن يفرغ فصلى وذهب فقال له معاذ قولا شديدا [ ص 177 ] فأتى
النبي صلى الله عليه و سلم فاعتذر إليه وقال : إني كنت أعمل في نخل وخفت على الماء
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني لمعاذ : صل بالشمس وضحاها ونحوها من
السور )
- رواهما أحمد بإسناد صحيح . فإن قيل ففي الصحيحين من حديث جابر أن ذلك الرجل الذي
فارق معاذا سلم ثم صلى وحده وهذا يدل على أنه ما بنى بل استأنف . قيل في حديث جابر
إن معاذا استفتح سورة البقرة فعلم بذلك أنهما قصتان وقعتا في وقتين مختلفين إما
لرجل أو لرجلين )
-
هذه القصة قد رويت على أوجه مختلفة ففي بعضها لم يذكر تعيين السورة التي قرأها
معاذ ولا تعيين الصلاة التي وقع ذلك فيها كما في رواية أنس المذكورة . وفي بعضها
أن السورة التي قرأها اقتربت الساعة والصلاة العشاء كما في حديث بريدة المذكور
وفي بعضها أن السورة التي قرأها البقرة والصلاة العشاء كما في حديث جابر الذي أشار
إليه المصنف . وفي بعضها أن الصلاة المغرب كما في رواية أبي داود والنسائي وابن
حبان . ووقع الاختلاف أيضا في اسم الرجل فقيل حرام بن ملحان وقيل حزم بن أبي كعب
وقيل حازم وقيل سليم وقيل سليمان وقيل غير ذلك . وقد جمع بين الروايات بتعدد القصة
وممن جمع بينها بذلك ابن حبان في صحيحه
قوله : ( ثبت أن الطائفة الأولى ) الخ سيأتي بيان ذلك في كتاب صلاة الخوف
قوله : ( فدخل حرام ) بالحاء والراء المهملتين ضد حلال بن ملحان بكسر الميم وسكون
اللام بعدها حاء مهملة
قوله : ( فلما طول ) يعني معاذا وكذلك قوله فزعم
قوله : ( إني منافق ) في رواية للبخاري ( فكأن معاذا نال منه ) وللمستملي ( تناول
منه ) وفي رواية ابن عيينة : ( فقال له : أنافقت يا فلان فقال : لا والله لآتين
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) وكأن معاذا قال ذلك أولا ثم قاله أصحابه
للرجل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بلغه الرجل كما في حديث الباب
وغيره . وعند النسائي : ( قال معاذ : لئن أصبحت لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه
وآله وسلم فذكر ذلك له فأرسل إليه فقال : ما حملك على الذي صنعت فقال : يا رسول
الله عملت على ناضح لي ) الحديث . ويجمع بين الروايتين بأن معاذا سبقه بالشكوى
فلما أرسل له جاء فاشتكى من معاذ
قوله : ( أفتان أنت ) في رواية مرتين . وفي رواية ثلاثا . وفي رواية أفاتن . وفي
رواية أتريد أن تكون فاتنا . وفي رواية ( يا معاذ لا تكن فاتنا ) ومعنى الفتنة هنا
أن التطويل يكون سببا لخروجهم من الصلاة ولترك الصلاة في الجماعة
[ ص 178 ] قوله : ( لا تطول بهم ) فيه أن التطويل منهي عنه فيكون حراما ولكنه أمر
نسبي كما تقدم فنهيه لمعاذ عن التطويل لأنه كان يقرأ بهم سورة البقرة واقتربت الساعة
قوله : ( اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ) الأمر بقراءة هاتين السورتين
متفق عليه من حديث جابر كما تقدم في أبواب القراءة . وفي رواية للبخاري من حديثه
وأمره بسورتين من أوسط المفصل . وفي رواية لمسلم بزيادة والليل إذا يغشى . وفي
رواية له بزيادة اقرأ باسم ربك الذي خلق . وفي رواية لعبد الرزاق بزيادة الضحى .
وفي رواية للحميدي بزيادة والسماء ذات البروج وفيه أن الصلاة بمثل هذه السور تخفيف
وقد يعد ذلك من لا رغبة له في الطاعة تطويلا
قوله : ( العشاء ) كذا في معظم روايات البخاري وغيره . وفي رواية المغرب كما تقدم
فيجمع بما سلف من التعدد أو بأن المراد بالمغرب العشاء مجازا وإلا فما في الصحيح
أصح وأرجح
قوله : ( اقتربت الساعة ) في الصحيحين وغيرهما أنه قرأ بسورة البقرة كما أشار إلى
ذلك المصنف . وفي رواية لمسلم : ( قرأ بسورة البقرة أو النساء ) على الشك . وفي
رواية للسراج قرأ بالبقرة والنساء بلا شك . وقد قوى الحافظ في الفتح إسناد حديث
بريدة ولكنه قال : هي رواية شاذة وطريق الجمع الحمل على تعدد الواقعة كما تقدم أو
ترجيح ما في الصحيحين مع عدم الإمكان كما قال بعضهم أن الجمع بتعدد الواقعة مشكل
لأنه لا يظن بمعاذ أن يأمره النبي صلى الله عليه و سلم بالتخفيف ثم يعود
وأجيب عن ذلك باحتمال أن يكون معاذ قرأ أولا بالبقرة فلما نهاه قرأ اقتربت وهي
طويلة بالنسبة إلى السور التي أمره بقراءتها ويحتمل أن يكون النهي وقع أولا لما
يخشى من تنفير بعض من يدخل في الإسلام ثم لما اطمأنت نفوسهم ظن أن المانع قد زال
فقرأ باقتربت لأنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في المغرب بالطور فصادف
صاحب الشغل كذا قال الحافظ
وجمع النووي باحتمال أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة فانصرف رجل ثم قرأ اقتربت في
الثانية فانصرف آخر وقد استدل المصنف بحديث أنس وبريدة المذكورين على جواز صلاة من
قطع الائتمام بعد الدخول فيه لعذر وأتم لنفسه وجمع بينه وبين ما في الصحيحين من
أنه سلم ثم استأنف بتعدد الواقعة ويمكن الجمع بأن قول الرجل تجوزت في صلاتي كما في
حديث أنس . وكذلك قوله فصلى وذهب كما في حديث بريدة لا ينافي الخروج من صلاة الجماعة
[ ص 179 ] بالتسليم واستئنافها فرادى والتجوز فيها لأن جميع الصلاة توصف بالتجوز
كما توصف به بقيتها ويؤيد ذلك ما رواه النسائي بلفظ : ( فانصرف الرجل فصلى في
ناحية المسجد ) وفي رواية لمسلم : ( فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده ) وغاية الأمر أن
يكون ما في حديثي الباب محتملا وما في الصحيحين وغيرهما مبينا لذلك
باب انتقال المنفرد إماما في النوافل
1
- عن أنس قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في رمضان فجئت فقمت
خلفه وقام رجل فقام إلى جنبي ثم جاء آخر حتى كنا رهطا فلما أحس رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أننا خلفه تجوز في صلاته ثم قام فدخل منزله فصلى صلاة لم يصلها
عندنا فلما أصبحنا قلنا : يا رسول الله أفطنت بنا الليلة قال : نعم فذلك الذي
حملني على ما صنعت )
- رواه أحمد ومسلم
2
- وعن يسر بن سعيد عن زيد بن ثابت : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتخذ
حجرة قال : حسبت أنه قال من حصير في رمضان فصلى فيها ليالي فصلى بصلاته ناس من
أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم فقال : قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم
فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة
- رواه البخاري
3
- وعن عائشة : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي في حجرته وجدار الحجرة
قصير فرأى الناس شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقام ناس يصلون بصلاته
فأصبحوا فتحدثوا فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الليلة الثانية فقام
ناس يصلون بصلاته )
- رواه البخاري
-
قوله : ( فقمت خلفه ) فيه جواز قيام الرجل الواحد خلف الإمام وسيأتي في أبواب موقف
الإمام والمأموم ما يدل على خلاف ذلك
قوله : ( كنا رهطا ) قال في القاموس : الرهط قوم الرجل وقبيلته ومن ثلاثة أو سبعة
إلى عشرة أو ما دون العشرة وما فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه الجمع أرهط وأرهاط
وأراهيط
قوله : ( فلما أحس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أننا خلفه تجوز في صلاته )
لعله فعل ذلك مخافة أن يكتب عليهم كما في سائر الأحاديث وليس في تجوزه صلى الله
عليه وآله وسلم ودخوله منزله ما يدل على عدم جواز ما فعلوه لأنه لو كان غير جائز
لما قررهم على ذلك بعد علمه به [ ص 180 ] وإعلامهم له
قوله : ( اتخذ حجرة ) أكثر الروايات بالراء . وللكشميهني بالزاي
قوله : ( جعل يقعد ) أي يصلي من قعود لئلا يراه الناس فيأتموا به
قوله : ( من صنيعكم ) بفتح الصاد وإثبات الياء وللأكثر بضم الصاد وسكون النون وليس
المراد صلاتهم فقط بل كونهم رفعوا أصواتهم وصاحوا به ليخرج إليهم وحصب بعضهم الباب
لظنهم أنه نام كما ذكر ذلك البخاري في الاعتصام من صحيحه وزاد فيه : ( حتى خشيت أن
يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به )
قوله : ( فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته ) المراد بالصلاة الجنس الشامل لكل
صلاة فلا يخرج عن ذلك إلا المكتوبة لاستثنائها وما يتعلق بالمسجد كتحيته وهل يدخل
في ذلك ما وجب لعارض كالمنذورة فيه خلاف
والمراد بالمرء جنس الرجال فلا يدخل في ذلك النساء لما تقدم من أن صلاتهن في
بيوتهن المكتوبة وغيرها أفضل من صلاتهن في المساجد . قال النووي : إنما حث على
النافلة في البيت لكونه أبعد من الرياء وأخفى وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة
وعلى هذا يمكن أن يخرج بقوله في بيته غيره ولو أمن فيه من الرياء
قوله : ( إلا المكتوبة ) المراد بها الصلوات الخمس قيل ويدخل في ذلك ما وجب بعارض
كالمنذورة
قوله : ( في حجرته ) ظاهره أن المراد حجرة بيته ويدل عليه ذكر جدار الحجرة . وأوضح
منه رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عند أبي نعيم بلفظ : ( كان يصلي في حجرة من
حجر أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم ) ويحتمل أن تكون الحجرة التي احتجرها في
المسجد بالحصير كما في بعض الروايات وكما تقدم في حديث زيد بن ثابت
ولأبي داود ومحمد بن نصر من وجهين آخرين عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي نصبت
له الحصير على باب بيتها . قال في الفتح : فإما أن يحمل على التعدد أو على المجاز
في الجدار وفي نسبة الحجرة إليها
( والأحاديث ) المذكورة تدل على ما بوب له المصنف رحمه الله من جواز انتقال
المنفرد إماما في النوافل وكذلك في غيرها لعدم الفارق . وقد قدمنا الخلاف في ذلك
في باب انعقاد الجماعة باثنين . وقد استدل البخاري في صحيحه بحديث عائشة المذكور
على جواز أن يكون بين الإمام وبين القوم المؤتمين به حائط أو سترة [ ص 181 ]
باب الإمام ينتقل مأموما إذا استخلف فحضر مستخلفه
1
- عن سهل بن سعد : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذهب إلى بني عمرو بن
عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال : أتصلي بالناس فأقيم
قال : نعم قال : فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس في
الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة فلما
أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأشار إليه رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما
أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في
الصف وتقدم النبي صلى الله عليه و سلم فصلى ثم انصرف فقال : يا أبا بكر ما منعك أن
تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله
صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما لي رأيتكم أكثرتم
التصفيق من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق
للنساء )
- متفق عليه . وفي رواية لأحمد وأبي داود والنسائي قال : ( كان قتال بين بني عمرو
بن عوف فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم وقال :
يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس قال : فلما حضرت العصر
أقام بلال الصلاة ثم أمر أبا بكر فتقدم ) وذكر الحديث
-
قوله : ( ذهب إلى بني عمرو بن عوف ) أي ابن مالك بن الأوس والأوس أحد قبيلتي
الأنصار وهما الأوس والخزرج وبنو عمرو بن عوف بطن كبير من الأوس وسبب ذهابه صلى
الله عليه و سلم إليهم كما في الرواية التي ذكرها المصنف وقد ذكر نحوها البخاري في
الصلح من طريق محمد بن جعفر عن أبي حازم أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة
فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقال : اذهبوا نصلح بينهم
وله فيه من رواية غسان عن أبي حازم فخرج في ناس من أصحابه وله أيضا في الأحكام من
صحيحه من طريق حماد بن زيد أن توجهه كان بعد أن صلى الظهر . وللطبراني أن الخبر
جاء بذلك وقد أذن بلال لصلاة الظهر
قوله : ( فحانت الصلاة ) أي صلاة العصر كما صرح به البخاري [ ص 182 ] في الأحكام
من صحيحه
قوله : ( فقال أتصلي بالناس ) في الرواية الأخرى التي ذكرها المصنف أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم هو الذي أمر بلالا أن يأمر أبا بكر بذلك وقد أخرج نحوها ابن
حبان والطبراني ولا مخالفة بين الروايتين لأنه يحمل على أنه استفهمه هل تبادر أول
الوقت أو ننتظر مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرجح أبو بكر المبادرة لأنها
فضيلة محققة فلا تترك لفضيلة متوهمة
قوله : ( فأقيم ) بالنصب لأنها بعد الاستفهام ويجوز الرفع على الاستئناف
قوله : ( قال نعم ) في رواية للبخاري ( إن شئت ) وإنما فوص ذلك إليه لاحتمال أن
يكون عنده زيادة علم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك
قوله : ( فصلى أبو بكر ) أي دخل في الصلاة وفي لفظ للبخاري : ( فتقدم أبو بكر فكبر
) وفي رواية : ( فاستفتح أبو بكر ) وبهذا يجاب عن سبب استمراره في الصلاة في مرض
موته صلى الله عليه وآله وسلم وامتناعه من الاستمرار في هذا المقام لأنه هناك قد
مضى معظم الصلاة فحسن الاستمرار وهنا لم يمض إلا اليسير فلم يحسن
قوله : ( فتخلص ) في رواية للبخاري : ( فجاء يمشي حتى قام عند الصف ) ولمسلم : (
فخرق الصفوف )
قوله : ( فصفق الناس ) في رواية للبخاري : ( فأخذ الناس في التصفيح قال سهل أتدرون
ما التصفيح هو التصفيق ) وفيه أنهما مترادفان وقد تقدم التنبيه على ذلك
قوله : ( وكان أبو بكر لا يلتفت ) قيل كان ذلك لعلمه بالنهي وقد تقدم الكلام عليه
قوله : ( فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ) الخ ظاهره أنه تلفظ بالحمد وادعى ابن
الجوزي أنه أشار بالحمد والشكر بيده ولم يتكلم
قوله : ( أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ) تقرير النبي صلى الله
عليه و سلم له على ذلك على ما قاله البعض من أن سلوك طريقة الأدب خير من الامتثال
ويؤيد ذلك عدم إنكاره صلى الله عليه و سلم على علي عليه السلام لما امتنع من محو
اسمه في قصة الحديبية
وقد قدمنا الإشارة إلى هذا المعنى في أبواب صفة الصلاة
قوله : ( أكثرتم التصفيق ) ظاهره أن الإنكار إنما حصل لكثرته لا لمطلقه ولكن قوله
( إنما التصفيق للنساء ) يدل على منع الرجال منه مطلقا
قوله : ( التفت إليه ) بضم المثناة على البناء للمجهول . وفي رواية للبخاري : (
فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت )
( والحديث ) يدل على ما بوب له المصنف من جواز انتقال الإمام مأموما إذا استخلف
فحضر مستخلفه وادعى ابن عبد البر أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه و سلم وادعى
الإجماع على عدم جواز ذلك لغيره ونوقض أن الخلاف ثابت وأن الصحيح المشهور عند
الشافعية الجواز وروي عن ابن القاسم الجواز أيضا
وللحديث فوائد ذكر المصنف رحمه الله تعالى بعضها فقال : [ ص 183 ] فيه من العلم أن
المشي من صف إلى صف يليه لا يبطل وأن حمد الله لأمر يحدث والتنبيه بالتسبيح جائزان
وأن الاستخلاف في الصلاة لعذر جائز من طريق الأولى لأن قصاراه وقوعها بإمامين اه
ومن فوائد الحديث جواز كون المرء في بعض صلاته إماما وفي بعضها مأموما . وجواز رفع
اليدين في الصلاة عند الدعاء والثناء . وجواز الالتفات للحاجة وجواز مخاطبة المصلي
بالإشارة وجواز الحمد والشكر على الوجاهة في الدين . وجواز إمامة المفضول للفاضل .
وجواز العمل القليل في الصلاة وغير ذلك من الفوائد
2
- وعن عائشة قالت : ( مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : مروا أبا بكر يصلي
بالناس فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي صلى الله عليه و سلم في نفسه خفة فخرج يهادي
بين رجلين فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه و سلم أن مكانك
ثم أتيا به حتى جلس إلى جنبه عن يسار أبي بكر وكان أبو بكر يصلي قائما وكان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي قاعدا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم والناس بصلاة أبي بكر )
- متفق عليه . وللبخاري في رواية : ( فخرج يهادى بين رجلين في صلاة الظهر ) ولمسلم
: ( وكان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير )
-
قوله : ( مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم ) هو مرض موته صلى الله عليه و سلم
قوله : ( مروا أبا بكر ) استدل بهذا على أن الأمر بالأمر بالشيء يكون أمرا به كما
ذهب إلى ذلك جماعة من أهل الأصول وأجاب المانعون بأن المعنى بلغوا أبا بكر أني
أمرته والمبحث مستوفى في الأصول
قوله : ( فخرج أبو بكر ) فيه حذف دل عليه سياق الكلام والتقدير فأمروه فخرج . وقد
ورد مبينا في بعض روايات البخاري بلفظ : ( فأتاه الرسول فقال له : إن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكان رقيقا : يا عمر
صل بالناس فقال له عمر : أنت أحق بذلك )
قوله : ( فوجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفسه خفة ) يحتمل أنه صلى الله
عليه وآله وسلم وجد الخفة في تلك الصلاة بعينها ويحتمل ما هو أعم من ذلك
قوله : ( يهادى ) بضم أوله وفتح الدال أي يعتمد على الرجلين متمايلا في مشيه من
شدة الضعف والتهادي التمايل في المشي البطيء
قوله : ( بين رجلين ) في البخاري أنهما العباس بن المطلب وعلي بن أبي طالب سلام
الله عليهما . وفي رواية له : ( أنه خرج بين بريرة وثوبية ) قال النووي : ويجمع
بين الروايتين بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هاتين ومن ثم إلى مقام المصلي بين
العباس وعلي . أو يحمل على [ ص 184 ] التعدد ويدل على ذلك ما في رواية الدارقطني
أنه صلى الله عليه و سلم خرج بين أسامة بن زيد والفضل بن العباس
قال الحافظ : وأما ما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه و سلم خرج بين الفضل بن
العباس . وعلي فذلك في حال مجيئه صلى الله عليه و سلم إلى بيت عائشة
قوله : ( ثم أتيا به ) في رواية للبخاري : ( ثم أتى به ) وفي رواية له أن ذلك كان
بأمره ولفظها : ( فقال أجلساني إلى جنبه فأجلساه )
قوله : ( عن يسار أبي بكر ) فيه رد على القرطبي حيث قال : لم يقع في الصحيح بيان
جلوسه صلى الله عليه و سلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره
قوله : ( يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه و سلم ) فيه أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كان إماما وأبو بكر مؤتما به وقد اختلف في ذلك اختلافا شديدا كما
قال الحافظ ففي رواية لأبي داود : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان المقدم
بين يدي أبي بكر ) وفي رواية لابن خزيمة في صحيحه عن عائشة : ( أنها قالت من الناس
من يقول كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ومنهم من يقول
كان النبي صلى الله عليه و سلم المقدم ) وأخرج ابن المنذر من رواية مسلم بن
إبراهيم عن شعبة بلفظ : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى خلف أبي بكر )
وأخرج ابن حبان بلفظ : ( كان أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه و سلم والناس
يصلون بصلاة أبي بكر ) وأخرج الترمذي والنسائي وابن خزيمة عنها بلفظ : ( أن النبي
صلى الله عليه و سلم صلى خلف أبي بكر ) قال في الفتح : تضافرت الروايات عن عائشة
بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم كان هو الإمام في تلك الصلاة ثم
قال بعد أن ذكر الاختلاف فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن
أبا بكر كان مأموما للجزم بها في رواية أبي معاوية وهو أحفظ في حديث الأعمش من
غيره . ومنهم من عكس ذلك فقدم الرواية التي فيها أنه كان إماما . ومنهم من سلك
الجمع فحمل القصة على التعدد والظاهر من رواية حديث الباب المتفق عليها أن النبي
صلى الله عليه و سلم كان إماما وأبو بكر مؤتما لأن الإقتداء المذكور المراد به
الائتمام ويؤيد ذلك رواية مسلم التي ذكرها المصنف بلفظ : ( وكان النبي صلى الله
عليه و سلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير ) وقد استدل بحديث الباب القائلون
بجواز ائتمام القائم بالقاعد وسيأتي بسط الكلام في ذلك في باب إقتداء القادر على
القيام بالجالس
قوله : ( وأبو بكر يسمعهم [ ص 185 ] التكبير ) فيه دلالة على جواز رفع الصوت
بالتكبير لإسماع المؤتمين وقد قيل إن جواز ذلك مجمع عليه ونقل القاضي عياض عن بعض
المالكية أنه يقول ببطلان صلاة المسمع
باب من صلى في المسجد جماعة بعد إتمام الحي
1
- عن أبي سعيد : ( أن رجلا دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
بأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من يتصدق على ذا فيصلي معه فقام رجل
من القوم فصلى معه )
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي بمعناه . وفي رواية لأحمد : ( صلى رسول الله صلى
الله عليه و سلم بأصحابه الظهر فدخل رجل ) وذكره
-
الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان وحسنه الترمذي قال : وفي الباب عن
أبي أمامة وأبي موسى والحكم بن عمير انتهى . وأحاديثهم بلفظ : ( الاثنان فما
فوقهما جماعة )
قوله : ( أن رجلا دخل المسجد ) لفظ أبي داود : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
أبصر رجلا يصلي وحده )
قوله : ( من يتصدق ) لفظ أبي داود : ( ألا رجل يتصدق ) ولفظ الترمذي : ( أيكم يتجر
على هذا )
قوله : ( فقام رجل من القوم فصلى معه ) هو أبو بكر الصديق كما بين ذلك ابن أبي
شيبة
( والحديث ) يدل على مشروعية الدخول مع من دخل في الصلاة منفردا وإن كان الداخل
معه قد صلى في جماعة . قال ابن الرفعة : وقد اتفق الكل على أن من رأى شخصا يصلي
منفردا لم يلحق الجماعة فيستحب له أن يصلي معه وإن كان قد صلى في جماعة وقد استدل
الترمذي بهذا الحديث على جواز أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلى فيه قال : وبه
يقول أحمد وإسحاق وقال آخرون من أهل العلم : يصلون فرادى وبه يقول سفيان ومالك
وابن المبارك والشافعي انتهى
قال البيهقي : وقد حكى ابن المنذر كراهية ذلك عن سالم بن عبد الله وأبي قلابة وابن
عون وأيوب والبتي والليث بن سعد والأوزاعي وأصحاب الرأي وقد استدل بهذا الحديث
أيضا على أن من صلى جماعة ثم رأى جماعة يصلون يستحب له أن يصليها معهم وقد تقدم
البحث عن ذلك
واستدل به أيضا على أن أقل الجماعة اثنان وعلى أنها غير واجبة لعدم إنكاره على
الرجل المتأخر عنها لما دخل وحده وقد قدمنا الكلام على ذلك والحديث من مخصصات حديث
: ( لا تعاد صلاة في يوم مرتين ) كما تقدم [ ص 186 ]
باب المسبوق يدخل مع الإمام على أي حال كان ولا يعتد بركعة لا يدرك ركوعها
1
- عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا جئتم إلى الصلاة
ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة )
- رواه أبو داود
2
- وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من أدرك ركعة من الصلاة
مع الإمام فقد أدرك الصلاة )
- أخرجاه
3
- وعن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل قالا : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام )
- رواه الترمذي
-
الحديث الأول أخرجه أيضا ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح
والحديث الثاني عزاه المصنف إلى الشيخين وقد طول الحافظ الكلام عليه في التلخيص
فليراجع
والحديث الثالث قال في التلخيص : فيه ضعف وانقطاع
قوله : ( فاسجدوا ) فيه مشروعية السجود مع الإمام لمن أدركه ساجدا
قوله : ( ولا تعدوها شيئا ) بضم العين وتشديد الدال أي وافقوه في السجود ولا
تجعلوا ذلك ركعة
قوله : ( ومن أدرك الركعة ) قيل المراد بها هنا الركوع وكذلك قوله في حديث أبي
هريرة : ( من أدرك ركعة من الصلاة ) فيكون مدرك الإمام راكعا مدركا لتلك الركعة
وإلى ذلك ذهب الجمهور وقد بسطنا الكلام في ذلك في باب ما جاء في قراءة المأموم وإنصاته
وبينا ما نظنه الصواب
قوله : ( فقد أدرك الصلاة ) قال ابن رسلان : المراد بالصلاة هنا الركعة أي صحت له
تلك الركعة وحصل له فضيلتها انتهى
قوله : ( فليصنع كما يصنع الإمام ) فيه مشروعية دخول اللاحق مع الإمام في أي جزء
من أجزاء الصلاة أدركه من غير فرق بين الركوع والسجود والقعود لظاهر قوله : (
والإمام على حال ) والحديث وإن كان فيه ضعف كما قال الحافظ لكنه يشهد له ما عند
أحمد وأبي داود من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ : ( قال أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال )
فذكر الحديث وفيه : ( فجاء معاذ فقال : لا أجده على حال أبدا إلا كنت عليها ثم
قضيت ما سبقني قال : فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه و سلم صلاته قام يقضي فقال
رسول الله صلى الله عليه و سلم قد سن لكم معاذ [ ص 187 ] فهكذا فاصنعوا )
وابن أبي ليلى وإن لم يسمع من معاذ فقد رواه أبو داود من وجه آخر عن عبد الرحمن بن
أبي ليلى قال حدثنا أصحابنا ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ) فذكر الحديث .
وفيه : ( فقال معاذ : لا أراه على حال إلا كنت عليها ) الحديث
ويشهد له أيضا ما رواه ابن أبي شيبة عن رجل من الأنصار مرفوعا : ( من وجدني راكعا
أو قائما أو ساجدا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها )
وما أخرجه سعيد بن منصور عن أناس من أهل المدينة مثل لفظ ابن أبي شيبة والظاهر أنه
يدخل معه في الحال التي أدركه عليها مكبرا معتدا بذلك التكبير وإن لم يعتد بما
أدركه من الركعة كمن يدرك الإمام في حال سجوده أو قعوده
وقالت الهادوية : إنه يقعد ويسجد مع الإمام ولا يحرم بالصلاة ومتى قام الإمام أحرم
واستدلوا بقوله في حديث أبي هريرة : ( ولا تعدوها شيئا ) وأجيب عن ذلك بأن عدم
الاعتداد المذكور لا ينافي الدخول بالتكبير والاكتفاء به
باب المسبوق يقضي ما فاته إذا سلم إمامه من غير زيادة
1
- عن المغيرة بن شعبة قال : ( تخلفت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة
تبوك فتبرز وذكر وضوءه ثم عمد الناس وعبد الرحمن يصلي بهم فصلى مع الناس الركعة
الأخيرة فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يتم صلاته فلما
قضاها أقبل عليهم فقال : قد أحسنتم وأصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها )
- متفق عليه . ورواه أبو داود قال فيه : ( فلما سلم قام النبي صلى الله عليه و سلم
فصلى الركعة التي سبق بها لم يزد عليها شيئا ) قال أبو داود : أبو سعيد الخدري
وابن الزبير وابن عمر يقولون : ( من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو )
-
قوله : ( في غزوة تبوك ) هي آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بنفسه وذلك في سنة تسع من الهجرة
قوله : ( وذكر وضوءه ) قد تقدم في باب المعاونة في الوضوء وفي باب اشتراط الطهارة
قبل اللبس
قوله : ( ثم عمد الناس ) بفتح العين المهملة والميم بعدها دال مهملة أي قصد والناس
مفعول به
قوله : ( وعبد الرحمن يصلي بهم ) جملة حالية وفيه دليل على أنه إذا خيف فوت وقت
الصلاة أو فوت الوقت المختار منها لم ينتظر الإمام وإن كان فاضلا . وفيه أيضا أن
فضيلة أول الوقت لا يعادلها فضيلة الصلاة مع الإمام الفاضل في غيره
قوله : ( يصلي بهم ) يعني صلاة الفجر كما وقع مبينا في سنن [ ص 188 ] أبي داود
قوله : ( صلى مع الناس الركعة الأخيرة ) فيه فضيلة لعبد الرحمن بن عوف إذ قدمه
الصحابة لأنفسهم في صلاتهم بدلا من نبيهم وفيه فضيلة أخرى له وهي إقتداؤه صلى الله
عليه وآله وسلم به . وفيه جواز إئتمام الإمام أو الوالي برجل من رعيته وفيه أيضا
تخصيص لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يؤمن أحد في سلطانه إلا بإذنه ) يعني
أو إلا أن يخاف خروج أول الوقت
قوله : ( يتم صلاته ) فيه متمسك لمن قال أن ما أدركه المؤتم مع الإمام أول صلاته
وقد تقدم الكلام على ذلك
قوله : ( قد أصبتم وأحسنتم ) فيه جواز الثناء على من بادر إلى أداء فرضه وسارع إلى
عمل ما يجب عليه عمله
قوله : ( يغبطهم ) فيه أن الغبطة جائزة وأنها مغايرة للحسد المذموم
قوله : ( لم يزد عليها شيئا ) أي لم يسجد سجدتي السهو فيه دليل لمن قال ليس على
المسبوق ببعض الصلاة سجود قال ابن رسلان : وبه قال أكثر أهل العلم ويؤيد ذلك قوله
صلى الله عليه و سلم : ( وما فاتكم فأتموا ) وفي رواية ( فاقضوا ) ولم يأمر بسجود
سهو
وذهب جماعة من أهل العلم منهم من ذكر المصنف راويا عن أبي داود ومنهم عطاء وطاوس
ومجاهدا وإسحاق إلى أن كل من أدرك وترا من صلاة إمامه فعليه أن يسجد للسهو لأنه
يجلس للتشهد مع الإمام في غير موضع الجلوس ويجاب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم جلس خلف عبد الرحمن ولم يسجد ولا أمر به المغيرة وأيضا ليس السجود إلا
للسهو ولا سهو هنا وأيضا متابعة الإمام واجبة فلا يسجد لفعلها كسائر الواجبات
باب من صلى ثم أدرك جماعة فليصلها معهم نافلة
- فيه عن أبي ذر وعبادة ويزيد بن الأسود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد سبق
1
- وعن محجن بن الأدرع قال : ( أتيت النبي صلى الله عليه و سلم وهو في المسجد فحضرت
الصلاة فصلى يعني ولم أصل فقال لي : ألا صليت قلت : يا رسول الله إني قد صليت في
الرحل ثم أتيتك قال : فإذا جئت فصل معهم واجعلها نافلة )
- رواه أحمد
2
- وعن سليمان مولى ميمونة قال : ( أتيت على ابن عمر وهو بالبلاط والقوم يصلون في
المسجد فقلت : ما يمنعك أن تصلي مع الناس قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه
و سلم يقول : لا تصلوا صلاة في يوم مرتين )
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي [ ص 189 ]
-
حديث أبي ذر وحديث عبادة اللذين أشار إليهما المصنف تقدما في باب بيان أن من أدرك
بعض الصلاة في الوقت فإنه يتمها من أبواب الأوقات
وحديث يزيد بن الأسود تقدم في باب الرخصة في إعادة الجماعة . وحديث محجن أخرجه
أيضا مالك في الموطأ والنسائي وابن حبان والحاكم . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا مالك
في الموطأ وابن خزيمة وابن حبان
( وفي الباب ) أحاديث قدمنا ذكرها في باب الرخصة في إعادة الجماعة
( وحديث ) محجن وما قبله من الأحاديث التي أشار إليها المصنف تدل على مشروعية
الدخول في صلاة الجماعة لمن كان قد صلى تلك الصلاة ولكن ذلك مقيد بالجماعات التي
تقام في المساجد لما في حديث يزيد بن الأسود المتقدم بلفظ : ( ثم أتيتما مسجد
جماعة فصليا ) وقد وقع الخلاف بين أهل العلم هل الصلاة المفعولة مع الجماعة هي
الفريضة أم الأولى وقد قدمنا بسط الكلام في ذلك في باب الرخصة في إعادة الجماعة
وقدمنا أيضا أن أحاديث مشروعية الدخول في الجماعة مخصصة لعموم أحاديث النهي عن
الصلاة بعد العصر وبعد الفجر لما تقدم في حديث يزيد بن الأسود أن ذلك كان في صلاة
الصبح وقدمنا أيضا أن أحاديث الدخول مع الجماعة مخصصة لحديث ابن عمر المذكور في
الباب
قوله : ( وهو بالبلاط ) هو موضع مفروش بالبلاط بين المسجد والسوق بالمدينة كما
تقدم
قوله : ( لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ) لفظ النسائي : ( لا تعاد الصلاة في يوم
مرتين ) وقد تمسك بهذا الحديث القائلون أن من صلى في جماعة ثم أدرك جماعة لا يصلي
معهم كيف كانت لأن الإعادة لتحصيل فضيلة الجماعة وقد حصلت له وهو مروي عن
الصيدلاني والغزالي وصاحب المرشد . قال في الاستذكار : اتفق أحمد بن حنبل وإسحاق
بن راهويه على أن معنى قوله صلى الله عليه و سلم : ( لا تصلوا صلاة في يوم مرتين )
أن ذلك أن يصلي الرجل صلاة مكتوبة عليه ثم يقوم بعد الفراغ منها فيعيدها على جهة
الفرض أيضا وأما من صلى الثانية مع الجماعة على أنها نافلة إقتداء بالنبي صلى الله
عليه و سلم في أمره بذلك فليس ذلك من إعادة الصلاة في يوم مرتين لأن الأولى فريضة
والثانية نافلة فلا إعادة حينئذ
باب الأعذار في ترك الجماعة
1
- عن ابن عمر : ( عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يأمر المنادي فينادي [ ص
190 ] بالصلاة ينادي صلوا في رحالكم في الليلة الباردة وفي الليلة المطيرة في
السفر )
- متفق عليه
2
- وعن جابر قال : ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فمطرنا فقال :
ليصل من شاء منكم في رحله )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه
3
- وعن ابن عباس : ( أنه قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله
فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم قال : فكأن الناس استنكروا ذلك فقال :
أتعجبون من ذا فقد فعل ذا من هو خير مني يعني النبي صلى الله عليه و سلم أن الجمعة
عزمة وأني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدحض )
- متفق عليه . ولمسلم : ( أن ابن عباس أمر مؤذنه في يوم جمعة في يوم مطير ) بنحوه
-
وفي الباب عن سمرة عند أحمد . وعن أسامة عند أبي داود والنسائي . وعن عبد الرحمن
بن سمرة أشار إليه الترمذي . وعن عتبان بن مالك عند الشيخين والنسائي وابن ماجه .
وعن نعيم النحام عند أحمد . وعن أبي هريرة عند ابن عدي في الكامل . وعن صحابي لم
يسم عند النسائي
قوله : ( يأمر المنادي ) في رواية للبخاري ومسلم : ( يأمر المؤذن ) وفي رواية
للبخاري : ( يأمر مؤذنا )
قوله : ( ينادي صلوا في رحالكم ) في رواية للبخاري : ( ثم يقول على أثره ) يعني
أثر الآذان ألا صلوا في الرحال وهو صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الآذان
وفي رواية لمسلم بلفظ : ( في آخر ندائه ) قال القرطبي : يحتمل أن يكون المراد في
آخره قبل الفراغ منه جمعا بينه وبين حديث ابن عباس المذكور في الباب وحمل ابن
خزيمة حديث ابن عباس على ظاهره وقال : إنه يقال ذلك بدلا من الحيعلة نظرا إلى المعنى
لأن معنى حي على الصلاة هلموا إليها ومعنى الصلاة في الرحال تأخروا عن المجيء فلا
يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر
قال الحافظ : ويمكن الجمع بينهما ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى الصلاة في
الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل
الفضيلة ولو بحمل المشقة
ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال : ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فمطرنا فقال : ليصل من شاء منكم في رحله )
قوله : ( في رحالكم ) قال أهل اللغة : الرحل المنزل وجمعه رحال سواء كان من حجر أو
مدر أو خشب أو وبر أو صوف أو شعر أو غير ذلك
قوله : ( في الليلة الباردة وفي الليلة المطيرة ) في رواية للبخاري : ( في الليلة
الباردة أو المطيرة ) [ ص 191 ] وفي أخرى له : ( إذا كانت ليلة ذات برد ومطر ) وفي
صحيح أبي عوانة : ( ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح ) وفيه أن كلا من الثلاثة
عذر في التأخر عن الجماعة ونقل ابن بطال فيه الإجماع لكن المعروف عند الشافعية أن
الريح عذر في الليل فقط
وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل وفي السنن من طريق أبي إسحاق عن نافع في هذا
الحديث في الليلة المطيرة والغداة القرة وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن
أبيه أنهم مطروا يوما فرخص لهم . وكذلك في حديث ابن عباس المذكور في الباب في يوم
مطير . قال الحافظ : ولم أر في شيء من الأحاديث الترخيص لعذر الريح في النهار
صريحا
قوله : ( ليصل من شاء منكم في رحله ) فيه التصريح بأن الصلاة في الرحال لعذر المطر
ونحوه رخصة وليست بعزيمة
قوله : ( في يوم مطير ) في رواية للبخاري : ( في يوم رزغ ) بفتح الراء وسكون الزاي
بعدها غين معجمة . قال في المحكم : الرزغ الماء القليل وقيل إنه طين ووحل وفي
رواية له ولابن السكن في يوم ردغ بالدال بدل الزاي
قوله : ( إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في
بيوتكم ) في رواية للبخاري : ( فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره أن ينادي
الصلاة في الرحال ) وفيه دليل على أن المؤذن في يوم المطر ونحوه من الأعذار لا
يقول حي على الصلاة بل يجعل مكانها صلوا في بيوتكم وبوب على حديث ابن عباس هذا ابن
خزيمة وتبعه ابن حبان ثم المحب الطبري باب حذف حي على الصلاة
قوله : ( أن الجمعة عزمة ) بسكون الزاي ضد الرخصة
قوله : ( أن أحرجكم ) بالحاء المهملة ثم راء ثم جيم . وفي رواية : ( أن أخرجكم )
بالخاء المعجمة . وفي رواية في البخاري : ( أن أؤثمكم ) وهي ترجح رواية من روى
بالحاء المهملة
قوله : ( فتمشوا ) في رواية ( فتجيؤن ) فتدوسون الطين إلى ركبكم )
( والأحاديث ) المذكورة تدل على الترخيص في الخروج إلى الجماعة والجمعة عند حصول
المطر وشدة البرد والريح
4
- وعن ابن عمر قال : ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إذا كان أحدكم على
الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة )
- رواه البخاري
5
- وعن عائشة قالت : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لا صلاة بحضرة
طعام ولا وهو يدافع الأخبثين )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
6
- وعن أبي [ ص 192 ] الدرداء قال : ( من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على
صلاته وقلبه فارغ )
- ذكره البخاري في صحيحه
- وفي الباب عن أنس عند الشيخين والترمذي والنسائي . وعن سلمة بن الأكوع عند أحمد والطبراني في معجميه وفي إسناده أيوب بن عتبة قاضي اليمامة ضعفه الجمهور وعن أم سلمة عند أحمد وأبي يعلى والطبراني في الكبير وإسناده جيد . وعن ابن عباس عند الطبراني في الكبير أيضا وإسناده حسن . وعن أبي هريرة عند الطبراني في الصغير والأوسط وقد تقدم الكلام على الصلاة بحضرة الطعام وذكر من ذهب إلى وجوب تقديم الأكل على الصلاة ومن قال إنه مندوب فقط ومن قيد ذلك بالحاجة ومن لم يقيد وما هو الحق في باب تقديم العشاء إذا حضر على تعجيل صلاة المغرب من أبواب الأوقات فليرجع إلى هنالك
أبواب الإمامة وصفة الأئمة
باب من أحق بالإمامة
1
- عن أبي سعيد قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا كانوا ثلاثة
فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم )
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
2
- وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا
في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ولا يؤمن الرجل
الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ) وفي لفظ : ( لا يؤمن
الرجل الرجل في أهله ولا سلطانه ) وفي لفظ : ( سلما ) بدل ( سنا )
- روى الجميع أحمد ومسلم . ورواه سعيد بن منصور لكن قال فيه : ( لا يؤم الرجل
الرجل في سلطانه إلا بإذنه ولا يقعد على تكرمته في بيته إلا بإذنه )
-
قوله : ( إذا كانوا ثلاثة ) مفهوم العدد هنا غير معتبر لما سيأتي في حديث مالك بن
الحويرث
قوله : ( وأحقهم بالإمامة أقرؤهم ) وقوله في الحديث الآخر : ( يؤم القوم أقرؤهم )
فيه [ ص 193 ] حجة لمن قال يقدم في الإمامة الأقرأ على الأفقه وإليه ذهب الأحنف بن
قيس وابن سيرين والثوري وأبو حنيفة وأحمد وبعض أصحابهما . وقال الشافعي ومالك
وأصحابهما والهادوية : الأفقه مقدم على الأقرأ . قال النووي : لأن الذي يحتاج إليه
من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط وقد يعرض في الصلاة أمر لا
يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من
الصحابة كان هو الأفقه
قال الشافعي : المخاطب بذلك الذين كانوا في عصره كان أقرؤهم أفقههم فإنهم كانوا يسلمون
كبارا ويتفقهون قبل أن يقرؤوا فلا يوجد قارئ منهم إلا وهو فقيه وقد يوجد الفقيه
وهو ليس بقارئ لكن قال النووي وابن سيد الناس : إن قوله في الحديث : ( فإن كانوا
في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ) دليل على تقديم الأقرأ مطلقا وبه يندفع هذا
الجواب عن ظاهر الحديث لأن التفقه في أمور الصلاة لا يكون إلا من السنة وقد جعل
القارئ مقدما على العالم بالسنة وأما ما قيل من أن الأكثر حفظا للقرآن من الصحابة
أكثر فقها فهو وإن صح باعتبار مطلق الفقه لا يصح باعتبار الفقه في أحكام الصلاة
لأنها بأسرها مأخوذة من السنة قولا وفعلا وتقريرا وليس في القرآن إلا الأمر بها
على جهة الإجمال وهو مما يستوي في معرفته القارئ للقرآن وغيره
وقد اختلف في المراد من قوله ( يؤم القوم أقرؤهم ) فقيل المراد أحسنهم قراءة وإن
كان أقلهم حفظا . وقيل أكثرهم حفظا للقرآن ويدل على ذلك ما رواه الطبراني في
الكبير ورجاله رجال الصحيح عن عمرو بن سلمة قال : ( انطلقت مع أبي إلى النبي صلى
الله عليه و سلم بإسلام قومه فكان فيما أوصانا ليؤمكم أكثركم قرآنا فكنت أكثرهم
قرآنا فقدموني ) وأخرجه أيضا البخاري وأبو داود والنسائي وسيأتي في باب ما جاء في
إمامة الصبي
قوله : ( فإن كانوا في القراءة سواء ) أي استووا في القدر المعتبر منها إما في
حسنها أو في كثرتها وقلتها على القولين ولفظ مسلم : ( فإن كانت القراءة واحدة )
قوله : ( فأعلمهم بالسنة ) فيه أن مزية العلم مقدمة على غيرها من المزايا الدينية
قوله : ( فأقدمهم هجرة ) الهجرة المقدم بها في الإمامة لا تختص بالهجرة في عصره
صلى الله عليه و سلم بل هي التي لا تنقطع إلى يوم القيامة كما وردت بذلك الأحاديث
وقال به الجمهور . وأما حديث : ( لا هجرة بعد الفتح ) فالمراد به الهجرة من مكة
إلى المدينة أو لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل [ ص 194 ] الهجرة قبل الفتح وهذا لا
بد منه للجمع بين الأحاديث . قال النووي : وأولاد من تقدمت هجرته من المهاجرين
أولى من أولاد من تأخرت هجرته وليس في الحديث ما يدل على ذلك
قوله : ( فأقدمهم سنا ) أي يقدم في الإمامة من كبر سنه في الإسلام لأن ذلك فضيلة
يرجح بها . والمراد بقوله ( سلما ) في الرواية التي ذكرها المصنف الإسلام فيكون من
تقدم إسلامه أولى ممن تأخر إسلامه . وجعل البغوي أولاد من تقدم إسلامه أولى من
أولاد من تأخر إسلامه والحديث لا يدل عليه
قوله : ( ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ) قال النووي : معناه أن صاحب البيت
والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره
قال ابن رسلان : لأنه موضع سلطنته انتهى . والظاهر أن المراد به السلطان الذي إليه
ولاية أمور الناس لا صاحب البيت ونحوه ويدل على ذلك ما في رواية أبي داود بلفظ : (
ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه ) وظاهره أن السلطان مقدم على غيره وإن كان
أكثر منه قرآنا وفقها وورعا وفضلا فيكون كالمخصص لما قبله
قال أصحاب الشافعي : ويقدم السلطان أو نائبه على صاحب البيت وإمام المسجد وغيرهما
لأن ولايته وسلطنته عامة . قالوا : ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه
قوله : ( على تكرمته ) قال النووي وابن رسلان : بفتح التاء وكسر الراء الفراش
ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويختص به دون أهله . وقيل هي الوسادة وفي معناها
السرير ونحوه
3
- وعن مالك بن الحويرث قال : ( أتيت النبي صلى الله عليه و سلم أنا وصاحب لي فلما
أردنا الإقفال من عنده قال لنا : إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما )
- رواه الجماعة . ولأحمد ومسلم : ( وكانا متقاربين في القراءة ) ولأبي داود : (
وكنا يومئذ متقاربين في العلم )
-
قوله : ( فلما أردنا الإقفال ) هو مصدر أقفل أي رجع . وفي رواية للبخاري أن مالك
بن الحويرث قال : ( قدمنا على النبي صلى الله عليه و سلم ونحن شببة فلبثنا عنده
نحوا من عشرين ليلة وكان النبي صلى الله عليه و سلم رحيما فقال : لو رجعتم إلى
بلادكم فعلمتموهم )
قوله : ( وليؤمكما أكبركما ) فيه متمسك لمن قال بوجوب الجماعة وقد ذكرنا فيما تقدم
ما يدل على صرفه إلى الندب وظاهره أن المراد كبر السن . ومنهم من جوز أن يكون
مراده بالكبر ما هو أعم من السن والقدر وهو مقيد بالاستواء في القراءة [ ص 195 ]
والفقه كما في الروايتين الأخريين . وقد زعم بعضهم أنه معارض لقوله ( يؤم القوم
أقرؤهم ) ثم جمع بأن قصة مالك بن الحويرث واقعة عين غير قابلة للعموم بخلاف قوله
صلى الله عليه و سلم : ( يؤم القوم أقرؤهم ) والتنصيص على تقاربهم في القراءة
والعلم يرد عليه
قوله : ( وكنا يومئذ متقاربين في العلم ) قال في الفتح : أظن في هذه الرواية
إدراجا فإن ابن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن علية عن خالد قال : قلت لأبي قلابة
فأين القراءة قال : فإنهما كانا متقاربين ثم ذكر ما يدل على عدم الإدراج
4
- وعن مالك بن الحويرث قال : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من زار
قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم )
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب
المكان لقوله صلى الله عليه و سلم في حديث أبي مسعود إلا بإذنه
5
- ويعضده عموم ما روى ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ثلاثة
على كثبان المسك يوم القيامة عبد أدى حق الله وحق مواليه ورجل أم قوما وهم به
راضون ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كل ليلة )
- رواه الترمذي
6
- وعن أبي هريرة : ( عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يحل لرجل يؤمن بالله
واليوم الآخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم
)
- رواه أبو داود
-
أما حديث مالك بن الحويرث فحسنه الترمذي وفي إسناده أبو عطية قال أبو حاتم : لا
يعرف ولا يسمى ويشهد له حديث ابن مسعود عند الطبراني بإسناد صحيح . والأثرم بلفظ :
( من السنة أن يتقدم صاحب البيت ) وأخرجه أحمد في مسنده
وحديث عبد الله ابن حنطب عند البزار والطبراني قال : ( قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : الرجل أحق بصدر فراشه وأحق بصدر دابته وأحق أن يؤم في بيته ) وما
تقدم من حديث أبي مسعود عند أبي داود بلفظ : ( ولا يؤم الرجل في بيته )
وأما حديث أبي مسعود الذي أشار إليه المصنف فقد تقدم في أول الباب
وأما حديث ابن عمر فقد حسنه الترمذي وفي إسناده أبو اليقظان عثمان بن عمير البجلي
وهو ضعيف ضعفه أحمد وغيره وتركه ابن مهدي وقد أخرجه أيضا أحمد
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود من رواية ثور عن يزيد بن شريح الحضرمي عن أبي
حي المؤذن وكلهم ثقات عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم . وأخرجه أيضا
الترمذي بهذا الإسناد عن ثوبان ولكن [ ص 196 ] لفظه عن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أنه قال : ( لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن فإن نظر
فقد دخل ولا يؤم قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم ولا يقوم إلى
الصلاة وهو حقن ) وقال : حديث حسن ثم قال : وقد روي هذا الحديث عن يزيد بن شريح عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم وكان حديث يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن
عن ثوبان في هذا أجود إسنادا وأشهر انتهى
وأخرجه أيضا أحمد عن أبي أمامة وفيه : ( ولا يؤمن قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم
فإن فعل فقد خانهم ) ورواه الطبراني أيضا بلفظ : ( ومن صلى بقوم فخص نفسه بدعوة
دونهم فقد خانهم ) وفي حديث أبي أمامة اختلاف ذكره الدارقطني
قوله : ( من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم ) فيه أن المزور أحق بالإمامة من
الزائر وإن كان أعلم أو اقرأ من المزور . قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر
أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم قالوا صاحب المنزل أحق
بالإمامة من الزائر
وقال بعض أهل العلم : إذا أذن له فلا بأس أن يصلي به . وقال إسحاق : لا يصلي أحد
بصاحب المنزل وإن أذن له قال : وكذلك في المسجد إذ زارهم يقول ليصل بهم رجل منهم
انتهى
وقد حكى المصنف عن أكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان واستدل
بما ذكره وقد عرفت مما سلف أن أبا داود زاد في حديث أبي مسعود ( ولا يؤم الرجل في
بيته ) فيصلح حينئذ قوله في آخر حديثه ( إلا بإذنه ) لتقييد جميع الجمل المذكورة
فيه التي من جملتها قوله ( ولا يؤم الرجل في بيته ) على ما ذهب إليه جماعة من أئمة
الأصول وقال به الشافعي وأحمد قالا ما لم يقم دليل على اختصاص القيد ببعض الجمل .
ويعضد التقييد بالإذن عموم قوله في حديث ابن عمر وهم به راضون . وقوله في حديث أبي
هريرة : ( إلا بإذنهم ) كما قال المصنف فإنه يقتضي جواز إمامة الزائر عند رضا
المزور
قال العراقي : ويشترط أن يكون المزور أهلا للإمامة فإن لم يكن أهلا كالمرأة في
صورة كون الزائر رجلا والأمي في صورة كون الزائر قارئا ونحوهما فلا حق له في
الإمامة [ ص 197 ]
باب إمامة الأعمى والعبد والمولى
1
- عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة
مرتين يصلي بهم وهو أعمى )
- رواه أحمد وأبو داود
2
- وعن محمود بن الربيع : ( أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال : يا
رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي
مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أين تحب أن أصلي
فأشار إلى مكان في البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم )
- رواه بهذا اللفظ البخاري والنسائي
-
حديث أنس أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه وأبو يعلى والطبراني عن عائشة وأخرجه أيضا
الطبراني بإسناد حسن عن ابن عباس وأخرجه أيضا من حديث ابن بحينة وفي إسناده
الواقدي
( وفي الباب ) عن عبد الله بن عمر الخطمي أنه كان يؤم قومه بني خطمة وهو أعمى على
عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده وابن أبي خيثمة
قوله : ( يصلي بهم وهو أعمى ) فيه جواز إمامة الأعمى وقد صرح أبو إسحاق المروزي
والغزالي بأن إمامة الأعمى أفضل من إمامة البصير لأنه أكثر خشوعا من البصير لما في
البصير من شغل القلب بالمبصرات ورجح البعض أن إمامة البصير أولى لأنه أشد توقيا
للنجاسة والذي فهمه الماوردي من نص الشافعي أن إمامة الأعمى والبصير سواء في عدم
الكراهية لأن في كل منهما فضيلة غير أن إمامة البصير أفضل لأن أكثر من جعله النبي
صلى الله عليه و سلم إماما البصراء وأما استنابته صلى الله عليه وآله وسلم لابن أم
مكتوم في غزواته فلأنه كان لا يتخلف عن الغزو من المؤمنين إلا معذور فلعله لم يكن
في البصراء المتخلفين من يقوم مقامه أو لم يتفرغ لذلك أو استخلفه لبيان الجواز
وأما إمامة عتبان بن مالك لقومه فلعله أيضا لم يكن في قومه من هو في مثل حاله من
البصراء
قوله : ( كان يؤم قومه وهو أعمى ) في رواية للبخاري : ( أنه قال للنبي صلى الله
عليه و سلم : يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي ) وهو أصرح من اللفظ
الذي ذكره المصنف في الدلالة على المطلوب لما فيه من ظهور التقرير بدون احتمال
قوله : ( وأنا رجل ضرير البصر ) في رواية للبخاري : ( جعل [ ص 198 ] بصري يكل )
وفي أخرى : ( قد أنكرت بصري ) ولمسلم : ( أصابني في بصري بعض الشيء ) واللفظ الذي
ذكره المصنف أخرجه البخاري في باب الرخصة في المطر وهو يدل على أنه قد كان أعمى .
وبقية الروايات تدل على أنه لم يكن قد بلغ إلى حد العمى . وفي رواية لمسلم بلفظ :
( أنه عمي فأرسل ) وقد جمع بين الروايات بأنه أطلق عليه العمى لقربه منه ومشاركته
له في فوت بعض البصر المعهود في حال الصحة وأما قول محمود بن الربيع أن عتبان بن
مالك كان يؤم قومه وهو أعمى فالمراد أنه لقيه حين سمع منه الحديث وهو أعمى
قوله : ( مكانا ) هو منصوب على الظرفية
( وفي حديث عتبان ) فوائد منها إمامة الأعمى وإخبار المرء عن نفسه بما فيه من عاهة
. والتخلف عن الجماعة في المطر والظلمة . واتخاذ موضع معين للصلاة . وإمامة الزائر
إذا كان هو الإمام الأعظم . والتبرك بالمواضع التي صلى فيها صلى الله عليه و سلم .
وإجابة الفاضل دعوة المفضول وغير ذلك
3
- وعن ابن عمر : ( لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العصبة موضعا بقباء قبل مقدم
النبي صلى الله عليه و سلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا وكان
فيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة بن عبد الأسد )
- رواه البخاري وأبو داود
4
- وعن ابن أبي مليكة : ( أنهم كانوا يأتون عائشة بأعلى الوادي هو وعبيد بن عمير
والمسور بن مخرمة وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وأبو عمرو غلامها حينئذ لم
يعتق )
- رواه الشافعي في مسنده
-
ذكر الحافظ في التلخيص رواية ابن أبي مليكة ونسبها إلى الشافعي كما نسبها المصنف
وذكر في الفتح أنها رواها أيضا عبد الرزاق قال وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن
وكيع عن هشام عن أبي بكر بن أبي مليكة أن عائشة أعتقت غلاما لها عن دبر فكان يؤمها
في رمضان في المصحف . وعلقه البخاري
قوله : ( قدم المهاجرون الأولون ) أي من مكة إلى المدينة وبه صرح في رواية
الطبراني
قوله : ( العصبة ) بالعين المهملة المفتوحة وقيل مضمومة وإسكان الصاد المهملة
وبعدها موحدة اسم مكان بقباء
وفي النهاية عن بعضهم بفتح العين والصاد المهملتين قيل والمعروف المعصب بالتشديد
قوله : ( وكان يؤمها سالم مولى أبي حذيفة هو مولى امرأة من الأنصار فأعتقته وكانت
إمامته بهم قبل أن يعتق وإنما قيل له مولى أبي حذيفة لأنه لازم أبا حذيفة بعد أن
أعتق فتبناه فلما نهوا عن ذلك قيل له مولاه . واستشهد سالم باليمامة في خلافة أبي
بكر
قوله : ( وكان [ ص 199 ] أكثرهم قرآنا ) إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف
منه . وفي رواية للطبراني : لأنه كان أكثرهم قرآنا
قوله : ( وكان فيهم عمر بن الخطاب ) الخ زاد البخاري في الأحكام أبا بكر الصديق
وزيد بن حارثة وعامر بن ربيعة . واستشكل ذكر أبي بكر فيهم إذ في الحديث أن ذلك كان
قبل مقدم النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر كان رفيقه . ووجهه البيهقي باحتمال
أن يكون سالم المذكور استقر على الصلاة بهم فيصح ذكر أبي بكر . قال الحافظ : ولا
يخفى ما فيه
وقد استدل المصنف رحمه الله بإمامة سالم بهؤلاء الجماعة على جواز إمامة العبد .
ووجه الدلالة عليه إجماع أكابر الصحابة القرشيين على تقديمه وكذلك استدل بإمامة
مولى عائشة لأولئك لمثل ذلك
باب ما جاء في إمامة الفاسق
1
- عن جابر : ( عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تؤمن امرأة رجلا ولا أعرابي
مهاجرا ولا يؤمن فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه أو سوطه )
- رواه ابن ماجه
2
- وعن ابن عباس قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اجعلوا أئمتكم خياركم
فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم )
- رواه الدارقطني
3
- وعن مكحول عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الجهاد
واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برا كان
أو فاجرا وإن عمل الكبائر )
- رواه أبو داود والدارقطني بمعناه وقال : مكحول لم يلق أبا هريرة . وعن عبد
الكريم البكاء قال : ( أدركت عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلهم
يصلي خلف أئمة الجور ) رواه البخاري في تاريخه
-
حديث جابر في إسناده عبد الله بن محمد التميمي وهو تالف . قال البخاري : منكر
الحديث . وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به . وقال وكيع : يضع الحديث وقد تابعه
عبد الملك بن حبيب في الواضحة ولكنه متهم بسرقة الحديث وتخليط الأسانيد وقد صرح
ابن عبد البر بأن عبد الملك المذكور أفسد إسناد هذا الحديث وقد ثبت في كتب جماعة
من أئمة أهل البيت كأحمد بن عيسى والمؤيد بالله وأبي طالب وأحمد بن سليمان والأمير
الحسين وغيرهم عن علي عليه السلام مرفوعا : ( لا يؤمنكم ذو جرأة في دينه ) وفي إسناد
حديث جابر أيضا علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف
وحديث [ ص 200 ] ابن عباس في إسناده سلام بن سليمان المدائني وهو ضعيف . وحديث أبي
هريرة أخرجه أيضا البيهقي وهو منقطع وأخرجه ابن حبان في الضعفاء وفي إسناده عبد
الله بن محمد بن يحيى بن عروة وهو متروك . وأخرجه الدارقطني أيضا من حديث الحارث
عن علي عليه السلام ومن حديث علقمة والأسود عن عبد الله ومن حديث مكحول أيضا عن
واثلة ومن حديث أبي الدرداء من طرق كلها كما قال الحافظ واهية جدا . قال العقيلي :
ليس في هذا المتن إسناد يثبت
ونقل ابن الجوزي عن أحمد أنه سئل عنه فقال ما سمعناه بهذا . وقال الدارقطني : ليس
فيها شيء يثبت . قال الحافظ : وللبيهقي في هذا الباب أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف
وأصح ما فيه حديث مكحول عن أبي هريرة على إرساله . وقال أبو أحمد الحاكم هذا حديث
منكر وأما قول عبد الكريم البكاء أنه أدرك عشرة من أصحاب النبي الخ فهو ممن لا
يحتج بروايته . وقد استوفي الكلام عليه في الميزان ولكنه قد ثبت إجماع أهل العصر
الأول من هذه الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعا فعليا ولا يبعد أن يكون قوليا
على الصلاة خلف الجائرين لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس
فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير وكانت الدولة إذ ذاك لبني
أمية وحالهم وحال أمرائهم لا يخفى
وقد أخرج البخاري عن ابن عمر أنه كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف . وأخرج مسلم وأهل
السنن أن أبا سعيد الخدري صلى خلف مروان صلاة العيد في قصة تقديمه الخطبة على
الصلاة وإخراج منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنكار بعض الحاضرين . وأيضا قد
ثبت تواترا أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأنه يكون على الأمة أمراء يميتون
الصلاة ميتة الأبدان ويصلونها لغير وقتها فقالوا : يا رسول الله بما تأمرنا فقال :
( صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم مع القوم نافلة ) ولا شك أن من أمات الصلاة
وفعلها في غير وقتها غير عدل وقد أذن النبي صلى الله عليه و سلم بالصلاة خلفه
نافلة ولا فرق بينها وبين الفريضة في ذلك
ومما يؤيد عدم اشتراط عدالة إمام الصلاة حديث ( صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا
على من قال لا إله إلا الله ) أخرجه الدارقطني وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن
كذبه يحيى بن معين ورواه أيضا من وجه آخر عنه وفي إسناده خالد بن إسماعيل وهو
متروك ورواه أيضا من وجه آخر عنه وفي إسناده أبو الوليد المخزومي وقد خفي حاله
أيضا على الضياء المقدسي وتابعه أبو البختري وهب [ ص 201 ] ابن وهب وهو كذاب
ورواه أيضا والطبراني من طريق مجاهد عن ابن عمر وفيه محمد بن الفضل وهو متروك وله
طريق أخرى عند ابن عمر وفيها عثمان بن عبد الله العثماني وقد رماه ابن عدي بالوضع
. ومما يؤيد ذلك أيضا عموم أحاديث الأمر بالجماعة من غير فرق بين أن يكون الإمام
برا أو فاجرا
( والحاصل ) أن الأصل عدم اشتراط العدالة وأن كل من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره وقد
اعتضد هذا الأصل بما ذكر المصنف وذكرنا من الأدلة وبإجماع الصدر الأول عليه وتمسك
الجمهور من بعدهم به فالقائل بأن العدالة شرط كما روي عن العترة ومالك بن جعفر بن
مبشر وجعفر بن حرب محتاج إلى دليل ينقل عن ذلك الأصل وقد أفردت هذا البحث برسالة
مستقلة واستوفيت فيها الكلام على ما ظنه القائلون بالاشتراط دليلا من العمومات
القرآنية وغيرها ولهم متمسك على اشتراط العدالة لم أقف على أحد استدل به ولا تعرض
له وهو ما أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري عن السائب بن خلاد : ( أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا أم قوما فبصق في القبلة ورسول الله صلى
الله عليه و سلم ينظر إليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين فرغ : لا يصلي
لكم فأراد بعد ذلك أن يصلي بهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم
فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : نعم ) قال الراوي : حسبت أنه قال
له إنك آذيت الله ورسوله
( واعلم ) أن محل النزاع إنما هو في صحة الجماعة خلف من لا عدالة له وأما أنها
مكروهة فلا خلاف في ذلك كما في البحر . وقد أخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه
صلى الله عليه و سلم : ( إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما
بينكم وبين ربكم ) ويؤيد ذلك حديث ابن عباس المذكور في الباب . وله : ( لا تؤمن
امرأة رجلا ) وفيه أن المرأة لا تؤم الرجل وقد ذهب إلى ذلك العترة والحنفية
والشافعية وغيرهم وأجاز المزني وأبو ثور والطبري إمامتها في التراويح إذا لم يحضر
من يحفظ القرآن
ويستدل للجواز بحديث أم ورقة : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم أمرها أن تؤم أهل
دارها ) رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة وأخرجه أيضا الدارقطني والحاكم . وأصل
الحديث : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما غزا بدرا قالت : يا رسول الله
أتاذن لي في الغزو معك فأمرها أن تؤم أهل دارها وجعل لها مؤذن يؤذن لها وكان لها
غلام وجارية دبرتهما ) فالظاهر أنها كانت تصلي ويأتم بها مؤذنها وغلامها [ ص 202 ]
وبقية أهل دارها . وقال الدارقطني : إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها
قوله : ( ولا أعرابي مهاجرا ) فيه أنه لا يؤم الأعرابي الذي لم يهاجر بمن كان
مهاجرا وقد تقدم أن المهاجر أولى من المتأخر عنه في الهجرة وممن لم يهاجر أولى
بالأولى
باب ما جاء في إمامة الصبي
1
- عن عمرو بن مسلمة قال : ( لما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبادر أبي
قومي بإسلامهم فلما قدم قال : جئتكم من عند النبي صلى الله عليه و سلم حقا فقال :
صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم
وليؤمكم أكثركم قرآنا فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني لما كنت أتلقى من الركبان
فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين وكانت علي بردة كنت إذا سجدت
تقلصت عني فقالت امرأة من الحي : ألا تغطون عنا إست قارئكم فاشتروا فقطعوا لي
قميصا فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص )
- رواه البخاري والنسائي بنحوه . قال فيه : ( كنت أؤمهم وأنا ابن ثمان سنين ) وأبو
داود وقال فيه : ( وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين ) وأحمد ولم يذكر سنه . ولأحمد
وأبي داود : ( فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم إلى يومي هذا )
2 - وعن ابن مسعود قال : ( لا يؤم الغلام حتى تجب عليه الحدود )
3 - وعن ابن عباس قال : ( لا يؤم الغلام حتى يحتلم ) رواهما الأثرم في سننه . ( 1 )
-
عمرو بن سلمة قد اختلف في صحبته قال في التهذيب : لم يثبت له سماع من النبي صلى
الله عليه و سلم . وروى الدارقطني ما يدل على أنه وفد مع أبيه . وأثر ابن عباس
رواه عبد الرزاق مرفوعا بإسناد ضعيف
قوله : ( وليؤمكم أكثركم ) فيه أن المراد بالأقرأ في الأحاديث المتقدمة الأكثر
قرآنا لا الأحسن قراءة وقد تقدم
قوله : ( فقدموني ) فيه جواز إمامة الصبي . ووجه الدلالة ما في قوله صلى الله عليه
و سلم : ( ليؤمكم أكثركم [ ص 203 ] قرآنا ) من العموم
قال أحمد بن حنبل : ليس في إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وأجيب بأن
إمامته بهم كانت حال نزول الوحي ولا يقع حالة التقرير لأحد من الصحابة على الخطأ (
2 ) ولذا استدل بحديث أبي سعيد وجابر : ( كنا نعزل والقرآن ينزل ) وأيضا الذين
قدموا عمرو بن سلمة كانوا كلهم صحابة . قال ابن حزم : ولا نعلم لهم مخالفا كذا في
الفتح
وقد ذهب إلى جواز إمامة الصبي الحسن وإسحاق والشافعي والإمام يحيى ومنع من صحتها
الهادي والناصر والمؤيد بالله من أهل البيت وكرهها الشعبي والأوزاعي والثوري ومالك
. واختلفت الرواية عن أحمد وأبي حنيفة . قال في الفتح : والمشهور عنهما الإجزاء في
النوافل دون الفرائض وقد قيل إن حديث عمرو المذكور كان في نافلة لا فريضة ورد بأن
قوله ( صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا ) يدل على أن ذلك كان في
فريضة
وأيضا قوله ( فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) لا يحتمل غير الفريضة لأن
النافلة لا يشرع لها الأذان . ومن جملة ما أجيب به عن حديث عمرو المذكور ما روي عن
أحمد بن حنبل أنه كان يضعف أمر عمرو بن سلمة وروى عن ذلك عنه الخطابي في المعالم
ورد بأن عمرو بن سلمة صحابي مشهور
قال في التقريب : صحابي صغير نزل بالبصرة وقد روى ما يدل على أنه وفد على النبي
صلى الله عليه و سلم كما تقدم
وأما القدح في الحديث بأن فيه كشف العورة في الصلاة وهو لا يجوز كما في ضوء النهار
فهو من الغرائب . وقد ثبت ( أن الرجال كانوا يصلون عاقدي أزرهم ويقال للنساء لا
ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا ) زاد أبو داود : ( من ضيق الإزار )
قوله : ( وكانت علي بردة ) في رواية أبي داود : ( وعلي بردة لي صغيرة ) وفي أخرى :
( كنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق ) والبردة كساء صغير مربع ويقال كساء أسود
صغير وبه كني أبو بردة
قوله : ( تقلصت عني ) في رواية لأبي داود : ( خرجت إستي ) وفي أخرى له : ( تكشفت )
قوله : ( إست قارئكم ) المراد هنا بالإست العجز ويراد به حلقة الدبر
قوله : ( فاشتروا فقطعوا لي قميصا ) لفظ أبي داود : ( فاشتروا لي قميصا )
قوله : ( من جرم ) بجيم مفتوحة وراء ساكنة وهم قومه . ومن جملة حجج [ ص 204 ]
القائلين بأن إمامة الصبي لا تصح حديث : ( رفع القلم عن ثلاثة ) ورد بأن رفع القلم
لا يستلزم عدم الصحة ومن جملتها أن صلاته غير صحيحة لأن الصحة معناها موافقة الأمر
والصبي غير مأمور ورد بمنع أن ذلك معناها بل معناها استجماع الأركان وشروط الصحة
ولا دليل على أن التكليف منها ومن جملتها أيضا أن العدالة شرط لما مر والصبي غير
عدل ورد بأن العدالة نقيض الفسق وهو غير فاسق لأن الفسق فرع تعلق الطلب ولا تعلق
وانتفاء كون صلاته واجبة عليه لا يستلزم عدم صحة إمامته لما سيأتي من صحة صلاة المفترض
خلف المتنفل
_________
( 1 ) قوله في أول الحديث وبادر أبي قومي أي سبق أبي قومي بالإسلام وكذلك بدر كما
في بعض روايات البخاري . وقوله فاشتروا مفعوله محذوف أي فاشتروا ثوبا . وفي رواية
أبي داود كما سينبه عليه الشارح بعد : ( فاشتروا لي قميصا عمانيا ) وهو بفتح العين
المهملة وتخفيف الميم نسبة إلى عمان من البحرين والله أعلم
( 2 ) عبارة الحافظ في الفتح . ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز
اه وهي أظهر من عبارة الشارح هنا . والله أعلم
باب إقتداء المقيم بالمسافر
1
- عن عمران بن حصين قال : ( ما سافر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سفرا إلا
صلى ركعتين حتى يرجع وأنه أقام بمكة زمن الفتح ثمان عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين
ركعتين إلا المغرب ثم يقول : يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا قوم سفر )
- رواه أحمد
2
- وعن عمر : ( أنه كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم قال : يا أهل مكة أتموا
صلاتكم فإنا قوم سفر )
- رواه مالك في الموطأ
-
حديث عمران أخرجه أيضا الترمذي وحسنه البيهقي وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو
ضعيف وإنما حسن الترمذي حديثه لشواهده كما قال الحافظ . وأثر عمر رجال إسناده أئمة
ثقات
قوله : ( ما سافر رسول الله صلى الله عليه و سلم ) الخ سيأتي الكلام عليه في أبواب
صلاة المسافر
قوله : ( ثمان عشرة ليلة ) وقد روي أقل من ذلك وقد روي أكثر وسيأتي بيان الاختلاف
وكيفية الجمع بين الروايات في باب من أقام لقضاء حاجته
( والحديث ) يدل على جواز ائتمام المقيم بالمسافر وهو مجمع عليه كما في البحر
واختلف في العكس فذهب الهادي والقاسم وأبو طالب وأبو العباس وطاوس وداود والشعبي
والإمامية إلى عدم الصحة لقوله صلى الله عليه و سلم ( لا تختلفوا على إمامكم ) وقد
خالف في العدد والنية . وذهب زيد بن علي والمؤيد بالله والباقر وأحمد بن عيسى
والشافعية والحنفية إلى الصحة إذ لم تفصل أدلة الجماعة وقد خصصت الهادوية عدم صحة
صلاة المسافر خلف المقيم بالركعتين الأوليين من الرباعية وقالوا بصحتها في
الآخرتين ويدل للجواز مطلقا ما أخرجه أحمد [ ص 205 ] ابن حنبل في مسنده عن ابن
عباس : ( أنه سئل ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعا إذا ائتم بمقيم تلك
السنة ) وفي لفظ أنه قال له موسى بن سلمة : ( إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا وإذا
رجعنا صلينا ركعتين فقال تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه و سلم )
وقد أورد الحافظ هذا الحديث في التلخيص ولم يتكلم عليه وقال : إن أصله في مسلم
والنسائي بلفظ : ( قلت لابن عباس : كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام
قال : ركعتين سنة أبي القاسم )
باب هل يقتدي المفترض بالمتنفل أم لا
1
- عن جابر : ( أن معاذ كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشاء الآخرة ثم
يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة )
- متفق عليه . ورواه الشافعي والدارقطني وزاد : ( هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء )
2
- وعن معاذ بن رفاعة عن سليم رجل من بني سلمة : ( أنه أتى النبي صلى الله عليه و
سلم فقال : يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعد ما ننام ونكون في أعمالنا في
النهار فينادي بالصلاة فنخرج إليه فيطول علينا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
: يا معاذ لا تكن فتانا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك )
- رواه أحمد
-
حديث معاذ بن رفاعة إسناده كلهم ثقات . وحديث معاذ قد روي بألفاظ مختلفة وقد قدمنا
في باب انفراد المأموم لعذر بعضا من ذلك والزيادة التي رواها الشافعي والدارقطني
رواها أيضا عبد الرزاق والطحاوي والبيهقي وغيرهم قال الشافعي : هذا حديث ثابت لا
أعلم حديثا يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم من طريق واحد أثبت منه
قال في الفتح بعد أن ذكر هذه الزيادة : وهو حديث صحيح ورجاله رجال الصحيح وقد رد
في الفتح على ابن الجوزي لما قال إنها لا تصح وعلى الطحاوي لما أعلها وزعم أنها
مدرجة والرواية الثانية التي رواها أحمد رواها أيضا الطحاوي وأعلها ابن حزم
بالانقطاع لأن معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أدرك هذا
الذي شكا إليه لأن هذا الشاكي مات قبل يوم أحد
( واعلم ) أنه قد استدل بالرواية المتفق عليها وتلك الزيادة المصرحة بأن صلاته
بقومه كانت له تطوعا على جواز إقتداء المفترض [ ص 206 ] بالمتنفل وأجيب عن ذلك
بأجوبة :
منها : قوله صلى الله عليه و سلم : ( إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك )
فإنه ادعى الطحاوي أن معناه إما أن تصلي معي ولا تصلي مع قومك وإما أن تخفف بقومك
ولا تصلي معي ويرد بأن غاية ما في هذا أنه أذن له بالصلاة معه والصلاة بقومه مع
التخفيف والصلاة معه فقط مع عدمه وهو لا يدل على مطلوب المانع من ذلك نعم قال
المصنف رحمه الله ما لفظه : وقد احتج به بعض من منع إقتداء المفترض بالمتنفل قال :
لأنه يدل على أنه متى صلى معه امتنعت إمامته وبالإجماع لا تمتنع بصلاة النفل معه
فعلم أنه أراد بهذا القول صلاة الفرض وأن الذي كان يصلي معه كان ينويه نفلا اه
وعلى تسليم أن هذا هو المراد من ذلك القول فتلك الزيادة أعني قوله : ( هي له تطوع
ولهم مكتوبة ) أرجح سندا وأصرح معنى . وقول الطحاوي إنها ظن من جابر مردود لأن
جابرا كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه ولا يظن بجابر أنه أخبر
عن شخص بأمر غير معلوم له إلا بأن يكون ذلك الشخص أطلعه عليه فإنه اتقى لله وأخشى
ومنها : أن فعل معاذ لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه و سلم ولا تقريره كذا قال
الطحاوي ورد بأن النبي صلى الله عليه و سلم علم بذلك وأمر معاذا به فقال : ( صل
بهم صلاة أخفهم ) وقال له لما شكوا إليه تطويله : ( أفتان أنت يا معاذ ) وأيضا رأي
الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة والواقع ههنا كذلك فإن الذين كان يصلي بهم معاذ
كلهم صحابة وفيهم كما قال الحافظ ثلاثون عقبيا وأربعون بدريا وكذا قال ابن حزم قال
: ولا نحفظ من غيرهم من الصحابة امتناع ذلك بل قال معهم بالجواز عمر وابنه وأبو
الدرداء وأنس وغيرهم
ومنها : أن ذلك كان في الوقت الذي يصلي فيه الفريضة مرتين فيكون منسوخا بقوله صلى
الله عليه و سلم : ( لا تصلوا الصلاة في اليوم مرتين ) كذا قال الطحاوي . ورد بأن
النهي عن فعل الصلاة مرتين محمول على أنها فريضة في كل مرة كما جزم بذلك البيهقي
جمعا بين الحديثين . قال في الفتح : بل لو قال قائل إن هذا النهي منسوخ بحديث معاذ
لم يكن بعيدا ولا يقال القصة قديمة وصاحبها استشهد بأحد لأنا نقول كانت أحد في
أواخر الثالثة فلا مانع أن يكون النهي في الأولى والإذن في الثانية مثلا . وقد قال
صلى الله عليه و سلم للرجلين اللذين لم يصليا معه : ( إذا صليتما في رحالكما ثم
أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة ) أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد
ابن الأسود وصححه ابن خزيمة وغيره وقد تقدم وكان ذلك في حجة الوداع في أواخر [ ص
207 ] حياة النبي صلى الله عليه و سلم ويدل على الجواز أمره صلى الله عليه و سلم
لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها أن يصلوها في بيوتهم
في الوقت ثم يجعلوها معهم نافلة
ومنها : أن صلاة المفترض خلف المتنفل من الاختلاف وقد قال صلى الله عليه و سلم : (
لا تختلفوا على إمامكم ) ورد بأن الاختلاف المنهي عنه مبين في الحديث بقوله : (
فإذا كبر فكبروا ) الخ ولو سلم أنه يعم كل اختلاف لكان حديث معاذ ونحوه مخصصا له
ومن المؤيدات لصحة صلاة المفترض خلف المتنفل ما قاله أصحاب الشافعي أنه لا يظن
بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في مسجده الذي هو أفضل المساجد بعد
المسجد الحرام
ومنها : ما قاله الخطابي أن العشاء في قوله : ( كان يصلي مع النبي صلى الله عليه و
سلم العشاء ) حقيقة في المفروضة فلا يقال كان ينوي بها التطوع
ومنها : ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الخوف أنه كان يصلي بكل طائفة
ركعتين . وفي رواية أبي داود أنه صلى الله عليه وآله وسلم ( صلى بطائفة ركعتين
وسلم ثم صلى بطائفة ركعتين ) وإحداهما نفل قطعا . ودعوى اختصاص ذلك بصلاة الخوف
غير ظاهر
ومنها : ما رواه الإسماعيلي عن عائشة أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يعود من
المسجد فيؤم بأهله وقد تقدم
باب إقتداء الجالس بالقائم
1 - عن أنس قال : ( صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعد في ثوب متوشحا به )
2
- وعن عائشة قالت : ( صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذي
مات فيه قاعدا )
- رواهما الترمذي وصححهما
-
حديث أنس أخرجه النسائي أيضا والبيهقي وحديث عائشة أخرجه أيضا النسائي
( والحديثان ) يدلان على أن الإمام في تلك الصلاة هو أبو بكر وقد اختلفت الروايات
في ذلك عن عائشة وغيرها . وقد قدمنا طرفا من الاختلاف وأشرنا إلى الجمع بينهما في
باب الإمام ينتقل مأموما . وفيهما دليل على جواز صلاة القاعد لعذر خلف القائم ولا
أعلم فيه خلافا [ ص 208 ]
باب إقتداء القادر على القيام بالجالس وأنه يجلس معه
1 - عن عائشة أنها قالت : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع ركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا )
2
- وعن أنس قال : ( سقط النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن فرس فجحش شقه الأيمن
فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدا فصلينا وراءه قعودا فلما قضى
الصلاة قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا وإذا رفع
فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى قاعدا فصلوا
قعودا أجمعون )
- متفق عليهما . وللبخاري عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صرع عن
فرسه فجحش شقه أو كتفه فأتاه أصحابه يعودونه فصلى بهم جالسا وهم قيام فلما سلم قال
: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا
) ولأحمد في مسنده حدثنا يزيد بن هارون عن حميد عن أنس : ( أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم انفكت قدمه فقعد في مشربة له درجتها من جذوع فأتى أصحابه يعودونه
فصلى بهم قاعدا وهم قيام فلما حضرت الصلاة الأخرى قال لهم : ائتموا بإمامكم فإذا
صلى قائما فصلوا قياما وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا
3
- وعن جابر قال : ( ركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرسا بالمدينة فصرعه
على جذم نخلة فانفكت قدمه فأتيناه نعوده فوجدناه في مشربة لعائشة يسبح جالسا قال :
فقمنا خلفه فسكت عنا ثم أتيناه مرة أخرى نعوده فصلى المكتوبة جالسا فقمنا خلفه
فأشار إلينا فقعدنا فلما قضى الصلاة قال : إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا وإذا
صلى الإمام قائما فصلوا قياما ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها )
- رواه أبو داود
-
حديث عائشة أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه . وحديث أنس أخرجه أيضا بقية الأئمة
الستة . وحديث جابر أخرجه أيضا مسلم وابن ماجه والنسائي من رواية الليث عن أبي
الزبير عن جابر بلفظ : ( اشتكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلينا [ ص 209
] وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار
إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودا فلما سلم قال : إن كنتم آنفا تفعلون فعل فارس
والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائما فصلوا
قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا )
ورواه أيضا مسلم من رواية عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن أبي الزبير عن جابر .
ورواه أبو داود من رواية الأعمش عن أبي سفيان عن جابر
( وفي الباب ) أحاديث قد قدمنا الإشارة إليها في باب وجوب متابعة الإمام وقد قدمنا
الكلام على أكثر ألفاظ أحاديث الباب هنالك
قوله : ( مشربة ) بفتح الميم وبالشين المعجمة وبضم الراء وفتحها وهي الغرفة . وقيل
كالخزانة فيها الطعام والشراب ولهذا سميت مشربة فإن المشربة بفتح الراء فقط هي
الموضع الذي يشرب منه الناس
قوله : ( على جذم ) بجيم مكسورة وذال معجمة ساكنة وهو أصل الشيء والمراد هنا أصل
النخلة . وفي رواية ابن حبان ( على جذع نخلة ذهب أعلاها وبقي أصلها في الأرض )
وحكى الجوهري فتح الجيم وهي ضعيفة فإن الجذم بالفتح القطع
قوله : ( فانفكت ) الفك نوع من الوهن والخلع وانفك العظم انتقل من مفصله يقال فككت
الشيء أبنت بعضه من بعض
وقد استدل بالأحاديث المذكورة في الباب القائلون إن المأموم يتابع الإمام في
الصلاة قاعدا وإن لم يكن المأموم معذورا وممن قال بذلك أحمد وإسحاق والأوزاعي وابن
المنذر وداود وبقية أهل الظاهر . قال ابن حزم : وبهذا نأخذ إلا فيمن يصلي إلى جنب
الإمام يذكر الناس ويعلمهم تكبير الإمام فإنه يتخير بين أن يصلي قاعدا وبين أن
يصلي قائما . قال ابن حزم : وبمثل قولنا يقول جمهور السلف ثم رواه عن جابر وأبي
هريرة وأسيد بن حضير قال : ولا مخالف لهم يعرف في الصحابة ورواه عن عطاء وروي عن
عبد الرزاق أنه قال : ما رأيت الناس إلا على أن الإمام إذا صلى قاعدا صلى من خلفه
قعودا قال : وهي السنة عن غير واحد
وقد حكاه ابن حبان أيضا عن الصحابة الثلاثة المذكورين وعن قيس بن قهد أيضا من
الصحابة وعن أبي الشعثاء وجابر بن زيد من التابعين وحكاه أيضا عن مالك بن أنس وأبي
أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبي خثيمة وابن أبي شيبة ومحمد بن إسماعيل ومن تبعهم
من أصحاب الحديث مثل محمد بن نصر ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ثم قال بعد ذلك : وهو
عندي ضرب من الإجماع الذي أجمعوا على إجازته لأن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
و سلم أربعة أفتوا به والإجماع [ ص 210 ] عندنا إجماع الصحابة ولم يرو عن أحد من
الصحابة خلاف لهؤلاء الأربعة لا بإسناد متصل ولا منقطع فكأن الصحابة أجمعوا على أن
الإمام إذا صلى قاعدا كان على المأمومين أن يصلوا قعودا وقد أفتى به من التابعين
جابر بن زيد وأبو الشعثاء ولم يرو عن أحد من التابعين أصلا خلافه لا بإسناد صحيح
ولا واه فكأن التابعين أجمعوا على إجازته قال : وأول من أبطل في هذه الأمة صلاة
المأموم قاعدا إذا صلى إمامه جالسا المغيرة بن مقسم صاحب النخعي وأخذ عنه حماد بن
أبي سليمان ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة وتبعه عليه من بعده من أصحابه انتهى كلام ابن
حبان . وحكى الخطابي في المعالم والقاضي عياض عن أكثر الفقهاء خلاف ذلك
وحكى النووي عن جمهور السلف خلاف ما حكى ابن حزم عنهم وحكاه ابن دقيق العيد عن
أكثر الفقهاء المشهورين . وقال الحازمي في الاعتبار ما لفظه : وقال أكثر أهل العلم
يصلون قياما ولا يتابعون الإمام في الجلوس ( 1 ) . وقد أجاب المخالفون لأحاديث
الباب بأجوبة :
أحدها : دعوى النسخ قاله الشافعي والحميدي وغير واحد وجعلوا الناسخ ما تقدم من
صلاته صلى الله عليه و سلم في مرض موته بالناس قاعدا وهم قائمون خلفه ولم يأمرهم
بالقعود وأنكر أحمد نسخ الأمر بذلك وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين :
إحداهما إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعدا لمرض يرجى برؤه فحينئذ يصلون خلفه
قعودا
ثانيتهما إذا ابتدأ الإمام الراتب قائما لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياما سواء
طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدا أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موته صلى الله
عليه و سلم فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة
لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة قائما وصلوا معه قياما بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى
الله عليه و سلم ابتدأ الصلاة جالسا فلما صلوا خلفه قياما أنكر عليهم
ويقوي هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم النسخ مرتين
لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدا وقد نسخ إلى القعود في حق من
صلى إمامه قاعدا فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع [ ص 211 ] النسخ مرتين وهو
بعيد
والجواب الثاني من الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب دعوى التخصيص
بالنبي صلى الله عليه و سلم في كونه يؤم جالسا حكى ذلك القاضي عياض قال : ولا يصح
لأحد أن يؤم جالسا بعده صلى الله عليه و سلم قال : وهو مشهور قول مالك وجماعة
أصحابه قال : وهذا أولى الأقاويل لأنه صلى الله عليه و سلم لا يصح التقدم بين يديه
في الصلاة ولا في غيرها ولا لعذر ولا لغيره ورد بصلاته صلى الله عليه و سلم خلف
عبد الرحمن بن عوف وخلف أبي بكر وقد تقدم ذلك
وقد استدل على دعوى التخصيص بحديث الشعبي عن جابر مرفوعا ( لا يؤمن أحد بعدي جالسا
) وأجيب عن ذلك بأن الحديث لا يصح من وجه من الوجوه كما قال العراقي وهو أيضا عند
الدارقطني من رواية جابر الجعفي عن الشعبي مرسلا وجابر متروك
وروي أيضا من رواية مجالد عن الشعبي ومجالد ضعفه الجمهور . ولما ذكر ابن العربي أن
هذا الحديث لا يصح عقبه بقوله بيد أني سمعت بعض الأشياخ أن الحال أحد وجوه التخصيص
وحال النبي صلى الله عليه و سلم والتبرك به وعدم العوض منه يقتضي الصلاة خلفه
قاعدا وليس ذلك كله لغيره انتهى . قال ابن دقيق العيد : وقد عرف أن الأصل عدم
التخصيص حتى يدل عليه دليل انتهى
على أنه يقدح في التخصيص ما أخرجه أبو داود ( أن أسيد بن حضير كان يؤم قومه فجاء
رسول الله صلى الله عليه و سلم يعوده فقيل له : يا رسول الله إن إمامنا مريض فقال
: إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا ) قال أبو داود : وهذا الحديث ليس بمتصل . وما أخرجه
عبد الرزاق عن قيس بن قهد الأنصاري ( أن إماما لهم اشتكى على عهد رسول الله صلى
الله عليه و سلم قال : فكان يؤمنا جالسا ونحن جلوس ) قال العراقي : وإسناده صحيح
والجواب الثالث من الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب أنه يجمع بين
الأحاديث بما تقدم عن أحمد بن حنبل وأجيب عنه بأن الأحاديث ترده لما في بعض الطرق
أنه أشار إليهم بعد الدخول في الصلاة
والجواب الرابع تأويل قوله ( وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أي وإذا تشهد قاعدا
فتشهدوا قعودا أجمعين ) حكاه ابن حبان في صحيحه عن بعض العراقيين وهو كما قال ابن
حبان تحريف للخبر عن عمومه بغير دليل ويرده ما ثبت في حديث عائشة أنه أشار إليهم
أن اجلسوا وفيه تعليل ذلك بموافقة الأعاجم في القيام على ملوكهم
إذا عرفت الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب فاعلم أنه قد أجاب
المتمسكون بها على [ ص 212 ] الأحاديث المخالفة لها بأجوبة :
منها قول ابن خزيمة أن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلي قاعدا لم يختلف في
صحتها ولا في سياقها وأما صلاته صلى الله عليه و سلم في مرض موته فاختلف فيها هل
كان إماما أو مأموما
ومنها أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب وتقريره قيامهم خلفه
كان لبيان الجواز
ومنها أنه استمر عمل الصحابة على القعود خلف الإمام القاعد في حياته صلى الله عليه
وآله وسلم وبعد موته كما تقدم عن أسيد بن حضير وقيس بن قهد
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر أنه اشتكى فحضرت الصلاة فصلى بهم جالسا
وصلوا معه جلوسا . وعن أبي هريرة أيضا أنه أفتى بذلك وإسناده كما قال الحافظ صحيح
ومنها ما روي عن ابن شعبان أنه نازع في ثبوت كون الصحابة صلوا خلفه صلى الله عليه
و سلم قياما غير أبي بكر لأن ذلك لم يرد صريحا
قال الحافظ : والذي ادعى نفيه قد أثبته الشافعي وقال : إنه في رواية إبراهيم عن
الأسود عن عائشة . قال الحافظ : ثم وجدته مصرحا به في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج
أخبرني عطاء فذكر الحديث ولفظه : ( فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاعدا وجعل
أبا بكر وراءه بينه وبين الناس وصلى الناس وراءه قياما ) قال : وهذا مرسل يعتضد
بالرواية التي علقها الشافعي عن النخعي قال : وهذا الذي يقتضيه النظر لأنهم
ابتدءوا الصلاة مع أبي بكر قياما فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان
_________
( 1 ) الحازمي عقد بابا في كتابه الاعتبار وأورد فيه الأحاديث الوارد