10-[ نيل الأوطار - الشوكاني ]
الكتاب:نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار محمد بن علي بن محمد الشوكاني
3.وعن
أسماء بنت أبي بكر " قالت أتتني أمي راغبة في عهد قريش وهي مشركة فسألت النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أصلها قال نعم "
- متفق عليه زاد البخاري . قال ابن عيينة " فأنزل الله فيها لا ينهاكم الله
عن الذين لم يقاتلوكم في الدين " ومعني راغبة أي طامعة تسألني شيئا
4 -
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير " قال قدمت قتيلة ابنة عبد العزي بن سعد على
ابنتها أسماء بهدايا ضباب واقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها
بيتها فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله تعالى لا ينهاكم الله
عن الذين لم يقاتلوكم في الدين إلى آخر الآية فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها
بيتها "
- رواه أحمد
- حديث عامر بن عبد الله بن الزبير ذكره المصنف هكذا مرسلا ولم يقبل عن أبيه وقد أخرجه ابن سعد وأبو داود الطيالسي والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير وأخرجه أيضا الطبراني كأحمد وفي إسنادهما مصعب بن ثابت ضعفه أحمد وغيره ووثقه ابن حبان : قوله " أتتني أمي " في رواية للبخاري في الأدب مع ابنها وذكر الزبير إن اسم ابنها المذكور الحرث بن مدرك بن عبيد بن عمر بن محروم : قوله " راغبة " اختلف في تفسيره فقيل ما ذكره المصنف من أنها راغبة في شيء تأخذه من بنتها وهي على شركها وقيل راغبة في الاسلام وتعقب بأن الرغبة لوكانت في الإسلام لم يحتج إلى الأستئذان . وقيل معناه راغبة عن ديني وقيل راغبة في القرب مني ومجاورتي ووقع في رواية لأبي داود راغمة بالميم أي كارهة للاسلام ولم تقدم مهاجرة . قوله " قال نعم " فيه دليل على جواز الهدية للقريب الكافر والآية المذكورة تدل على جواز الهدية للكافر مطلقا من القريب وغيره ولامنافاة ما بين ذلك وما بين قوله تعالى { لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل والآية المذكورة خاصة بمن لم يقاتل وأيضا البر والصلة والإحسان لا تستلزم التحاب والتواد المنهى عنه ومن الأدلة القاضية بالجواز قوله تعالى { وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلاتطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا } ومنها أيضا حديث ابن عمر عند البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسا عمر حلة فأرسل بها إلى أخ له م أهل مكة قبل أن يسلم : قوله " قال ابن عيينة " الخ لا ينافي هذا ما رواه ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا الين جانبا للمسلمين وأحسن أخلاقا من سائر الكفار لأن السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء كذا قال الحافظ ولا يخفى ما فيه لأن محل الخلاف تعيين سبب النزول وعموم اللفظ لا يرفعه وقيل إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتل المشركين حيث وجدوا : قوله " قتيلة " بضم القاف وفتح الفوقية وسكون التحتية مصغرا ووقع عند الزبيري بن بكار أن اسمها قيلة بفتح القاف وسكون التحتية وضبطه ابن ماكولا بسكون الفوقية : قوله " ضباب واقط " في رواية غير احمد زبيب وسمن وقرظ . ووفع في نسخة من هذا الكتاب قرظ مكان اقط . قوله " فأمرها أن تقبل هديتها " الخ فيه دليل على جواز قبول هدية المشرك كما دلت على ذلك الأحاديث السالفة وعلى جواز إنزاله منازل المسلمين
5 -
وعن عياض بن حمار " أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هدية أو ناقة
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسلمت قال لا قال أني نهيت عن زيد المشركين
"
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه
- الحديث صححه أيضا ابن خزيمة . وفي الباب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند موسى بن عقبة في المغازي أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مشرك فأهدي له فقال اني لا أقبل هدية مشرك . الحديث قال في الفتح رجاله ثقات الا أنه مرسل وقد وصله بعضهم ولا يصح قوله " زبد المشركين " بفتح الزاي وسكون الموحدة بعدها دال . قال في الفتح هو الرقد انتهى يقال زبده بالكسر وأما بزبده بالضم فهو اطعام الزبد قال الخطابي يشبه ان يكون هذا الحديث منسوخا لانه صلى الله عليه وآله وسلم قد قبل هدية غير واحد من المشركين وقيل إنما ردها ليغيظه فيحمله ذلك على الاسلام وقيل ردها لان للهدية موضعا من القلب ولا يجوز أن يميل إليه بقلبه فردها قطعا لسبب الميل وليس مناقضا لقبول هدية النجاشي وأدكيدر دومة والمقوقس لأنهم أهل كتاب كذا في النهاية وجمع الطبراني بين الأحاديث فقال الامتناع فيما أهدى له خاصة والقبول فيما أهدى للمسلمين وفيه نظر لأن من جملة أدلة الجواز السابقة ما وقعت الهدية فيه له صلى الله عليه وآله وسلم خاصة وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول في حق من يرجى ذلك تأنيسه وتأليفه على الأسلام قال الحافظ وهذا أقوى من الذي قبله وقيل يمتنع ذلك لغيره من الأمراء ويجوز له خاصة . وقال بعضهم أن أحاديث الجواز منسوخة بحديث الباب عكس ماتقدم عن الخطابي ولا يخفى أن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال وكذا الأختصاص وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا استنبط منه جواز قبول هدية الوثني ذكره في باب قبول الهدية من المشركين من كتاب الهبة والهدية . قال الحافظ في الفتح وفيه فساد قول من حمل الهدية على الوثنى دون الكتابي وذلك . لأن الواهب المذكور في ذلك الحديث وثني
باب الثواب على الهدية والهبة
1 -
عن عائشة قالت " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها
"
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي
2 -
وعن ابن عباس " أن أعرابيا وهب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هبة فأثابه
عليها قال رضيت قال لا فزاده قال أرضيت قال فلا فزاده قال أرضيت قال لا فزاده قال
أرضيت قال نعم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقد هممت ألا أتهب هبة الا من
قرشي أو أنصاري أو ثقفي "
- رواه أحمد
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح وأخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة بنحوه وطوله الترمذي ورواه من وجه آخر وبين أن الثواب كان ست بكرات وكذا رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم : قوله " ويثيب عليها " أي يعطي المهدي بدلها والمراد بالثواب المجازات وافله ما يساوي قيمة الهدية ولفظا ابن أبي شيبة ويثيب ما هو خير منها وقد أمل حديث عائشة المذكور بالأرسال قال البخاري لم يذكر وكيع ومحاضر عن هشام عن أبيه عن عائشة وفيه اشارة إلى أن عيسى بن يونس تفرد بوصله عن هشام وقال الترمذي والبزار لانعرفه الا من حديث عيسى بن يونس وقال أبو داود تفرد بوصله عيسى بن يونس وهو عند الناس مرسل انتهى . وقد استدل بعض المالكية بهذا الحديث على وجوب المكافأة على الهدية . إذا اطلق المهدي وكان ممن مثله يطلب الثواب كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى . ووجه الدلالة منه مواضبته صلى الله عليه وآله وسلم ومن حيث المعنى إن الذي أهدى قصد أن يعطي أكثر مما أهدي فلا أقل أن يعوض بنظير هديته وبه قال الشافعي في القديم والهادوية ويجاب بأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب ولو وقعت المواهبة كما تقرر في الأصول وذهبت الحنفية والشافعي في الجديد إن الهبة للثواب باطلة لا تنعقد لأنها بيع مجهول ولأن موضع الهبة التبرع : قوله " الا من قرشي " الخ لفظ أبي داود " وايم الله لا أقيل هدية بعد يومي هذا من أحد الا أن يكون مهاجريا أو قرشيا أو أنصاريا أو روسيا أو ثقفيا " وسبب همه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة قال " أهدى رجل من فزارة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناقة من أبله فعوضه منها بعض العوض فتسخطه فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر أن رجالا من العرب يهدى أحدهم الهدية فأعوضه عنها بقدر ماعندي فيظل يسخط علي " الحديث وقد كان بعض أهل العلم والفضل يمتنع هو وأصحابه من قبول الهدية من أحد أصلا لا من صديق ولا من قريب ولاغيرهما وذلك لفساد النيات في هذا الزمان حكى ذلك ابن رسلان
باب التعديل بين الأولاد في العطية والنهي أن يرجع أحد في عطيته إلا الوالد
1 -
عن النعمان بن بشير قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعدلوا بين
أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي
2 -
وعن جابر قال " قالت امرأة بشير انحل ابني غلاما وأشهد لي رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن ابنة فلان سألتني
أن انحل ابنها غلامي فقال له أخوة قال نعم قال فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته قال لا
قال فليس يصلح هذا وأني لا أشهد إلا على حق "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير وقال فيه "
لا تشهدني على جور أن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم "
3 -
وعن النعمان بن بشير " أن أباه أتى به رسول الله فقال اني نحلته ابني هذا
غلاما كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكل ولدك نحلته مثل هذا فقال
لا فقال فارجعه "
- متفق عليه ولفظ مسلم قال " تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت
رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق أبي إليه يشهده
علي صدقتي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفعلت هذا بولدك كلهم قال لا
فقال اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي في تلك الصدقة " وللبخاري مثله
لكن ذكره بلفظ العطية لا بلفظ الصدقة
-
حديث النعمان بن بشير الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات إلا
المفضل بن المهلب بن أبي صفرة وهو صدوق ( وفي الباب ) عن ابن عباس عن الطبراني
والبيهقي وسعيد بن منصور بلفظ " سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا
أحدا لفضلت النساء " وفي إسناده سعيد بن يوسف وهو ضعيف وذكر ابن عدي في
الكامل أنه لم يرله أنكر من هذا وقد حسن الحافظ في الفتح إسناده : قوله "
اعدلوا بين أولادكم " تمسك به من أوجب التسوية بين الأولاد في العطية وبه صرح
البخاري وهو قول طاوس والثوري وأحمد وإسحاق وبعض المالكية قال في الفتح والمشهور
عن هؤلاء أنها باطلة وعن أحمد تصح ويجب أن يرجع وعنه يجوز التفاضل إن كان له سبب
كأن يحتاج الولد لزمانته أو دينه أو نحو ذلك دون الباقين
وقال أبو يوسف تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الأضرار
وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضا صح وكره وحملوا الأمر على الندب
وكذلك حملوا النهي الثابت في رواية لمسلم بلفظ " أيسرك أن يكونوا لك في البر
سواء قال بلى قال فلا أذن " على التنزيه
وأجابوا عن حديث النعمان بأجوبة عشرة ذكرها في فتح الباري وسنوردها ههنا مختصرة مع
زيادات مفيدة فقال
أحدها إن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده حكاه ابن عبد البر وتعقبه بأن كثيرا
من طرق الحديث مصرحة بالبعضية كما في حديث الباب إن الموهوب كان غلاما وكما في لفظ
مسلم المذكور قال " تصدق على أبي ببعض ماله "
الجواب الثاني إن العطية المذكورة لم تنجز وإنما جاء بشير يستشير النبي صلى الله
عليه وآله وسلم في ذلك فأشار عليه بأن لا يفعل فترك حكاه الطبري ويجاب عنه بأن
أمره صلى الله عليه وآله وسلم له بالارتجاع يشعر بالتنجيز وكذلك قول عمرة لا أرضى
حتى تشهد اله
الجواب الثالث إن النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الوهوب جاز لأبيه الرجوع ذكره
الطحاوي . قال الحافظ وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث خصوصا قوله ارجعه فإنه يدل
على تقدم وقوع القبض والذي تظافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضا له
لصغره فأمره برد العطية المذكورة بعدما كانت في حم المقبوض
الرابع إن قوله ارجعه دليل الصحة ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع وإنما أمره
الرجوع لأن للوالد أن يرجع فيما وهب لولده وإن كان الأفضل خلاف ذلك لكن استحباب
التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به قال في الفتح وفي الأحتجاج بذلك نظر والذي يظهر
أن معنى قوله أرجعه أي لا تمض الهبة المذكورة ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة
الخامس أن قوله أشهد على هذا غيري أذن بالأشهاد على ذلك وإنما امتنع من ذلك لكونه
الامام وكأنه قال لا أشهد لان الأمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم
حكاه الطحاوي وارتضاه ابن القصار وتعقب بأنه لا يلزم من كون الامام ليس من شأنه أن
يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه والأذن المذكور مراد
به التوبيخ لما تدل عليه بقية ألفاظ الحديث . قال الحافظ وبذلك صرح الجمهور في هذا
الموضع وقال ابن حبان قوله أشهد صيغة أمر والمراد به نفي الجواز وهي كقوله لعائشة "
اشترطي لهم الولاء " اه ويؤيد هذا تسميته صلى الله عليه وآله وسلم لذلك جورا
كما في الرواية المذكورة في الباب
السادس التمسك بقوله ألا سويت بينهم على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي
التنزيه قال الحافظ وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة ولاسيما
رواية سو بينهم
السابع قالوا المحفوظ في حديث النعمان " قاربوا بين أولادكم " لا سووا
وتعقب بأنكم لا توجبون المقاربة كما لا توجبون التسوية
الثامن في التشبيه الواقع بينهم في التسوية بينهم بالتسوية منهم في البر قرينة تدل
على أن الأمر للندب ورد بأن إطلاق الجور على عدم التسوية والنهي عن التفضيل يدلان
على الوجوب فلا تصلح تلك القرينة لصرفهما وإن صلحت لصرف الأمر
التاسع ما تقدم عن أبي بكر من نحلته لعائشة . وقوله لها فلو كنت احترثته كما تقدم
في أول كتاب الهبة وكذلك ما رواه الطحاوي عن عمر أنه نحل ابنه عاصما دون سائر ولده
ولو كان التفضيل غير جائز لما وقع من الخليفتين . قال في الفتح وقد أجاب عروة عن
قصة لعائشة بأن اخوتها كانوا راضين ويجاب بمثل ذلك عن قصة عاصم اه على أنه لا حجة
في فعلهما لا سيما إذا عارض المرفوع
العاشر ان الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز له أن يخرج
جميع ولده من ماله لتمليك الغير جاز له أن يخرج بعض أولاده بالتمليك لبعضهم ذكره
ابن عبد البر . قال الحافظ ولا يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص اه
فالحق أن التسوية واجبة وان التفضيل محرم
واختلف الموجبون في كيفية التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية
والمالكية العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث واحتجوا بأن ذلك حظه من المال لو مات
عنه الواهب وقال غيرهم لا فرق بين الذكر والأنثى وظاهر الأمر بالتسوية معهم ويؤيده
حديث ابن عباس المتقدم . قوله " وعن النعمان بن بشير أن أباه " الخ قد
روى هذا الحديث عن النعمان عدد كثير من التابعين منهم عروة بن الزبير عند مسلم
والنسائي وأبي داود وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوي والمفضل بن
المهلب عند أحمد وأبي داود والنسائي وعبد الله بن عتبة بن مسعود عند أحمد وعون بن
عبد الله عند أبي عوانة والشعبي عند الشيخين وأبي داود وأحمد والنسائي وابن ماجه
وابن حابن وغيرهم وقد رواه النسائي من مسند بشيء والد النعمان فشذ بذلك : قوله
" نحلت ابني هذا " بفتح النون والحاء المهملة أي أعطيت والنحلة بكسر
النون وسكون المهملة العطية بغير عوض . قوله " غلاما " في رواية لابن
حبان والطبراني عن الشعبي أن النعمان خطب بالكوفة فقال ان والدي بشير بن سعد أتى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ان عمرة بنت رواحة نفست بغلام وأني سميته
النعمان وأنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديثة من أفضل مال هو لي وأنها قالت أشهد
على ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيه قوله لا أشهد على جور وجمع ابن
حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين احداهما عند ولادة النعمان وكانت العطية
حديقة والأخرى بعد أن كبر النعمان وكانت العطية عبدا قال في الفتح وهو جمع لا بأس
به الا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة
حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيستشهده على العطية الثانية بعد أن
قال له في الأولى لا أشهد على جور وجوز ابن حبان أن يكون بشير ظن نسخ الحكم وقال
غيره يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة التنزيه أو ظن أنه لا يلزم من
الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن
العبد . قال الحافظ ثم ظهر وجه آخر من الجمع يسلم من هذا الخدش ولا يحتاج إلى
جوابه وهو أن عمرة لما امتنعت من تربيته الا أن يهب له شيئا يخصه به وهبه الحديثة
المذكورة تطيبا لخاطرها ثم بدا له فارتجعها لأنه لم يقبضها منه غيره فعاودته عمرة
في ذلك فمطلها سنة أو سنتين ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلاما ورضيت عمرة
بذلك الا أنها خشيت ان يرتجعه أيضا فقالت له أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم تريد بذلك تثبيت العطية وان تأمن رجوعه فيها ويكون مجيئه للاشهاد إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة واحدة وهي الأخيرة وغاية ما فيه ان بعض الرواة
حفظ مالم يحفظ غيره أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة وبعضها أخرى فسمع كل ما
رواه فاقتصر عليه اه ولا يخفى ما في هذا الجمع من التكلف وقد وقع في رواية عند ابن
حبان عن النعمان قال سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله زاد مسلم والنسائي من
هذا الوجه فالتوى بها سنة أي مطلها وفي رواية لابن حبان أيضا بعد حولين ويجمع
بينهما بأن المدة كانت سنة وشيئا فجبر الكسر تارة وألغاه أخرى
وفي رواية له قال فأخذ بيدي وأنا غلام ولمسلم انطلق بن أبي يحملني إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ويجمع بينهما بأنه أخذ بيده فمشي معه بعض الطريق وحمله في
بعضها لصغر سنه : قوله " فقال ارجعه " لفظ مسلم أردده وله أيضا النسائي
فرجع فرد عطيته . ولمسلم أيضا فرد تلك الصدقة زاد في رواية لابن حبان لا تشهدني
على جور ومثله لمسلم وقد تقدم لابن حبان أيضا والطبراني مثل ذلك وذكر هذا اللفظ
البخاري تعليقا في الشهادات . وفي رواية لابن حبان من طريق أخرى لا تشهدني أذن
فأني لا أشهد على جور . وله في طريق أخرى أيضا فأني لا أشهد على جور أشهد على هذا
غيري وله وللنسائي من طريق أخرى فأشهد على هذا غيري ولعبد الرزاق عن طاوس مرسلا لا
أشهد لا على الحق لا أشهد بهذه . وللنسائي فكره أن يشهد له . وفي رواية لمسلم
اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر . ولأحمد أيسرك أن
يكونوا اليك في البر سواء قال بلى قال فلا أذن . ولأبي داود ان لهم عليك من الحق
أن تعدل بينهم كما لك عليهم أن يبروك . وللنسائي ألا سويت بينهم . وله ولابن حبان
سو بينهم . قال الحافظ واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد .
قوله " أفعلت هذا بولدك كلهم : قال مسلم أما معمل ويونس فقالا أكل بينك وأما
الليث وان عيينة فقالا أكل ولدك قال الحافظ ولا منافاة بينهما لأن لفظ الولد يشمل
الذكور والإناث وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورا فظاهر وإن كانوا إناثا وذكورا
فعلى سبيل التغليب
4 -
وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال العائد في هبته كالعائد
يعود في قيئه "
- متفق عليه وزاد أحمد والبخاري " ليس لنا مثل السوء " ولأحمد في رواية
قال قتادة ولا أعلم القئ الاحراما
5 -
وعن طاوس ان ابن عمر وابن عباس رفعاه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال
" لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده مثل
الرجل يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم رجع في قيئه
"
- رواه الخمسة وصححه الترمذي
- حديث طاوس أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه : قوله " العائد في هبته " الخ استدل بالحديث على تحريم الرجوع في الهبة لان القئ حرام فالمشبه به مثله ووقع في رواية أخرى للبخاري وغيره كالكلب يرجع في قيئه وهي تدل على عدم التحريم لان الكلب غير متعبد فالقئ ليس حراما عليه وهكذا قوله في حديث طاوس المذكور كمثل الكلب الخ وتعقب بأن ذلك للمبالغة في الزجر كقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيمن لعب بالنرد " فكأنما غمس يده في لحم خنزير " وأيضا الرواية الدالة على تحريم غير منافية للرواية الدالة على الكراهة على تسليم دلالتها على الكراهة فقط لأن الدال على التحريم قد دل على الكراهة وزيادة وقد قدمنا في باب نهي المتصدق أن يشتري ما تصدق به من كتاب الزكاة عن القرطبي أن التحريم هو الظاهر من سياق الحديث وقدمنا أيضا أن الأكثر حملوه على التنفير خاصة لكونه القئ مما يستقذر ويؤيد القول بالتحريم قوله ليس لنا مثل السوء وكذلك قوله لا يحل للرجل . قال في الفتح وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهول العلماء إلا هبة الوالد لولده وستأتي : وذهبت الحنفية والهادوية إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة الا إذا حصل مانع من الرجوع كالهبة لذي رحم ونحو ذلك مما هو مذكور في كتب الفقه من الموانع . قال الطحاوي ان قوله لا يحل لا يستلزم التحريم قال وهو كقوله لا تحل الصدقة لغني وإنما معناه لا يحل له من حيث يحل لغيره من ذوي الحاجة وأراد بذلك التغليظ في الكراهة قال الطبري يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب ومن كان والدا والموهوب له ولده والهبة لم تقبض والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك وأما ما عدا ذلك كالغني يثيب الفقير ونحو م يصل رحمه فلا رجوع قال ومما لا رجوع فيه مطلقا الصدقة براد ثوب الآخرة قال في الفتح اتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض اه وقد أخرج مالك عن عمر أنه قال من وهب هبة يرجو ثوابها فهي رد على صاحبها ما لم يثب منه . ورواه البيهقي عن ابن عمر مرفوعا وصححه الحاكم قال الحافظ صححه الحاكم من رواية ابن عمر عن عمر ورواه عبد الله بن موسى مرفوعا قيل وهو وهم . قال الحافظ صححه الحاكم وابن حزم ورواه ابن حزم أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها . وأخرجه أيضا ابن ماجه والدارقطني ورواه الحاكم من حديث الحسن عن سمرة مرفوعا بلفظ " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع . ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس قال الحافظ وسنده ضعيف . قال ابن الجوزي أحاديث ابن عمر وأبي هريرة وسمرة ضعيفة وليس منها ما يصح . وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعا وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب عليها فإن رجع في هبته فهو كالذي يقئ ويأكل منه فإن صحت هذه الأحاديث كانت مخصصة لعموم حديث الباب فيجوز الرجوع في الهبة قبل الأثابة عليها ومفهوم حديث سمرة يدل على جواز الرجوع في الهبة لغير ذي الرحم قوله " إلا الوالد فيما يعطي ولده " استدل به على أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه وإليه ذهب الجمهور وقال أحمد لا يحل للواهب أن يرجع في هبته مطلقا وحكاه في البحر عن أبي حنيفة والناصر والمؤيد بالله تجريجا له . وحكى في الفتح عن الكوفيين أنه لا يجوز للأب الرجوع إذا كان الابن الموهوب له صغيرا أو كبيرا وقبضها وهذا التفضيل لا دليل عليه واحتج المانعون مطلقا بحديث ابن عباس المذكور في الباب ويرد عليهم الحديث المذكور بعده المقترن بمخصصه . ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور والأحاديث الآتية في الباب الذي بعد هذا المصرحة بأن الولد وما ملك لأبيه فليس رجوعه في الحقيقة رجوعا وعلى تقدير كونه رجوعا فربما اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك . واختلف في الأم هل حكمها حكم الأب في الرجوع أم لا فذهب أكثر الفقهاء إلى الأول كما قال في صاحب الفتح واحتجوا بأن لفظ الوالد يشملها وحكى في البحر عن الأحكام والمؤيد بالله وأبي طالب والأمام يحيى أنه لا يجوز لها الرجوع إذ رجوع الأب مخالف للقياس فلا يقاس عليه والمالكية فرقوا بين الأب والأم فقالوا للأم أن ترجع إذا كان الأب حيا دون ما إذا مات وقيدوا رجوع الأب بما إذا كان الابن الموهوب له لم يستحدث دينا أو ينكح وبذلك قال إسحاق والحق أنه يجوز للأب بما الرجوع في هبته لولده مطلقا وكذلك الأم إن صح إن لفظ الوالد يشملها لغة أو شرعا لأنه خاص وحديث المنع من الرجوع عام فيبنى العام على الخاص . قال في المصباح الوالد الأب وجمعه بالواو والنون والوالدة الأم جمعها بالأف والتاء والوالدان الأب والأم للتغليب اه وحديث سمرة المتقدم بلفظ " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع " مخصص بحديث الباب لأن الرحم على فرض شموله للابن أعم من هذا الحديث مطلقا وقد قيل ان الرحم غلب إلى غير الولد فهو حقيقة عرفية لغوية فيما عداه فإن صح ذلك فلا تعارض
باب ما جاء في أخذ الوالد من مال ولده
1 -
عن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان أطيب ما أكلتم من
كسبكم وإن أولادكم من كسبكم "
- رواه أخمسة وفي لفظ " ولد الرجل من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم هنيئا
" رواه أحمد
2 -
وعن جابر " أن رجلا قال يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح
مالي فقال أنت ومالك لأبيك "
- رواه ابن ماجه
3 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وآله
وسلم فقال إن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال أنت ومالك لوالط إن أطيب ما أكلتم من
كسبكم وإن أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئا "
- رواه أحمد وأبو داود وقال فيه " إن رجلا أتى النبي ؟ ؟ ؟ فقال إن لي مالا
وولدا وإن والدي " الحديث
- حديث عائشة أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم ولفظ أحمد أخرجه أيضا الحاكم وصححه أبو حاتم وأبو زرعة واعله ابن القطان بأنه من عمارة عن عمته وتارة عن أمه وكلتاهما لا يعرفان . وزعم الحاكم في موضع من مستدركه بعد أن أخرجه من طريق حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة بلفظ " أموالهم لكم إذا احتجتم إليها " أن الشيخين أخرجاه باللفظ الأول الذي فيه الأمر بالأكل من أموال الأولاد ووهم في ذلك فإنهما لم يخرجاه . وقال أبو داود زيادة " إذا احتجتم إليها منكرة " ونقل عن ابن المبارك عن سفيان قال حدثني به حماد ووهم فيه . وحديث جابر قال ابن القطان إسناده صحيح . وقال المنذري رجال ثقات . وقال الدارقطني تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق وطريق أخرى عند الطبراني في الصغير والبيهقي في الدلائل فيها قصة مطولة . وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن الجارود ( وفي الباب ) عن سمرة عند البزار وعن عمر عند البزار أيضا . وعن ابن مسعود عند الطبراني . وعن ابن عمر عند أبي يعلى وبمجموع هذه الطرق ينتهض للاحتجاج فيدل على أن الرجل مشارك لولده في ماله فيجوز له الأكل منه سواء أذن الولد أو لم يأذن يجوز له أيضا أن يتصرف به كما يتصرف بماله ما لم يكن ذلك على وجه السرف والسفه وقد حكى في البحر الإجماع على أنه يجب على الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين : قوله " يريد أن يجتاح " بالجيم بعدها فوقية وبعد الألف حاء مهملة وهو الأستئصال كالاجاحة ومن الحائجة للشدة المجتاحة للمال كذا في القاموس : قوله " أنت ومالك لأبيك " قال ابن رسلان اللام للإباحة لا للتمليك فإن مال الولد له وزكاته عليه وهو موروث عنه
باب العمري والرقي
1 -
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " العمري ميراث لأهلها أو
قال جائزة "
- متفق عليه
2 -
وعن يزيد بن ثابت قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعمر عمري
فهي لمعمره محياه ومماته لا ترقبوا من أرقب شيئا فهي سبيل الميراث "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي . وفي لفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قال الرقبى جائزة " . رواه النسائي . وفي لفظ " جعل الرقبى للذي
أرقبها " رواه أحمد والنسائي . وفي لفظ " جعل الرقبى للوارث " رواه
أحمد
3 -
وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العمري جائزة لمن
أعمرها والرقبى جائز لمن أرقبها "
- رواه أحمد والنسائي
4 -
وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تعمروا ولا
ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته ومماته "
- رواه أحمد والنسائي
5 - وعن جابر قال " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعمري لمن وهبت له " متفق عليه . وفي لفظ " قال أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فمن أعمر عمري فهي للذي أعمر حيا وميتا ولعقبه " رواه أحمد ومسلم . وفي رواية قال " العمري جائزة لاهلها والرقبى جائزة لاهلها " رواه الخمسة . وفي رواية " من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمر وعقبه " رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه . وفي رواية " قال إيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه . وفي لفظ عن جابر " إنما العمري التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تقول هي لك ولعقبك فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها " رواه أحمد ومسلم وأبو داود . وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالعمري أن يهب الرجل للرجل ولعقبه الهبة ويستثنى أن حدث بكل حدث ولعقبك فهي إلى وإلى عقبى أنها لمن أعطيها ولعقبه " رواه النسائي
5 -
وعن جابر أيضا " أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخيل حياتها فماتت
فجاء أخوته فقالوا نحن فيه شرع سواء قال فأبى فاحتصموا إلى النبي صلى الله عليه
وآله وسلم فقسمها بينهم ميراثا "
- رواه أحمد
- حديث زيد بن ثابت أخرجه أيضا ابن ماجه وابن حبان وحديث ابن عباس قال الحافظ في الفتح إسناده صحيح وحديث ابن عمر هو من طريق ابن جريج عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عنه وقد اختلف في سماع حبيب من ابن عمر فصرح به النسائي ورجال إسناده ثقات . وحديث جابر الآخر أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري . وقال ابن رسلان في شرح السنن ما لفظه هذا الحديث رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح اه ويشهد لصحته أحاديث الباب المصرحة بأن المعمر والمرقب يكون أولى بالعين في حياته وورثته من بعده ( وفي الباب ) عن سمرة عند أحمد وأبي داود والترمذي وهو من سماع الحسن عنه وفيه مقال كما تقدم : قوله " العمري " بضم العين المهملة وسكون الميم مع القصر . قال في الفتح وحكى ضم الميم مع ضم أوله وحكى فتح أوله مع السكون وهي مأخوذة من العمر وهو الحياة سميت بذلك لأنهم كانوا في الجاهلية يعطي الرجل الرجل الدار ويقول له أعمرتك أياها أي أبحتا لك مدة عمرك وحياتك فقيل لها عمري لذلك . والرقبي بوزن العمرى مأخوذة من المراقبة لأن كلا منهما يراقب الآخر متى يموت لترجع إليه وكذا ورثته يقومون مقامه هذا أصلها لغة . قال في الفتح ذهب الجمهور إلى أن العمري إذا وقعت كانت ملكا للآخر ولا ترجع إلى الأول الا إذا صرح باشتراط ذلك وإلى أنها صحيحة جائزة وحكى الطبري عن بعض الناس والماوردي عن داود وطائفة وصاحب البحر عن قوم من الفقهاء أنها غير مشروعة ثم اختلف القائلون بصحتها إلى ما يتوجه التمليك فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقبة كسائر الهبات حتى لوكان المعمر عبدا فأعتقه الموهوب له نفذ بخلاف الواهب وقيل يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة وهو قول مالك والشافعي في القديم وهل يسلك بها مسلك العارية أو الوقف روايتان عند المالكية وعند الحنفية التمليك في العمري يتوجه إلى الرقبة وفي الرقبى إلى المنفعة وعنهم أنها باطلة وقد حصل من مجموع الروايات ثلاثة أحوال . الأول أن يقول أعمرتكها ويطلق فهذا تصريح بأنها للموهوب له وحكمها حكم المؤبدة لا ترجح إلى الواهب وبذلك قالت الهادوية والحنفية والناصر ومالك لأن المطلقة عندهم حكمها حكم المؤبدة وهو أحد قولي الشافعي والجمهور وله قول آخر أنها تكون عارية ترجع بعد الموت إلى المالك وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن المطلقة للمعمر ولورثته من بعده كما في أحاديث الباب . الحال الثاني أن يقول هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلى فهذه عارية مؤقتة ترجع إلى المعيير عند موت المعمر وبه قال أكثر العلماء ورجحه جماعة من الشافعية والأصح عند أكثرهم لا ترجع إلى الواهب واحتجوا بأنه شرط فاصد فيلغى واحتجوا بحديث جابر الأخير فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم على الأنصاري الذي أعطى أمه الحديقة حياتها أن لا ترجع إليه بل تكون لورثتها . ويؤيد هذا الحدي الرواية التي قبله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في العمري مع الأستثناء بأنها لمن أعطيها ويعارض ذلك ما في حديث جابر أيضا المذكور في الباب بلفظ " فأما إذا قلت هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها " ولكنه قال معمر كان الزهري يفتي به ولم يذكر التعليل وبين من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري أن التعليل من قول أبي سلمة . قال الحافظ وقد أوضحته في كتاب المدرج ( والحاصل ) إن الروايات المطلقة في أحاديث الباب تدل على أن العمري والرقبى تكون للمعمر والمرقب ولعقبه سواء كانت مقيدة بمدة العمر أو مطلقة أو مؤيدة ويؤيد ذلك الروايتان المتقدمتان في دليل من قال إن المقيدة بمدة الحياة لها حكم المؤبدة وهذا الرواية القاضية بالفرق بين التقييد بمدة الحياة وبين الإطلاق والتأييد معلوة بالأدراج فلا تنتهض تقييد المطلقات ولا لمعارضة ما يخالفها . الحال الثالث أن يقول هي لك ولعقبك من بعدك أو يأتي بلفظ يشعر بالتأبيد فهذه حكمها حكم الهبة عند الجمهور وروى عن مالك أنه يكون حكمها حكم الوقف إذا انقرض المعمر وعقبه رجعت إلى الواهب وأحاديث الباب القاضية بأنها ملك للموهوب له ولعقبه ترد عليه . قوله " فهي لمعمره " بضم الميم الأولى وفتح الثانية اسم مفعول من أعمر . قوله " محياه ومماته " بفتح الميمين أي مدة حياته وبعد موته . قوله " لاتعمروا " الخ . قال القرطبي لا يصح حمل هذا النهي على التحريم لصحة الأحاديث المصرحة بالجواز . وقيل أن النهي يتوجه إلى اللفظ الجاهلي لأن الجاهلية كانت تستعملها كما تقدم . وقيل النهي يتوجه إلى الحكم ولا ينافي الصحة وفيه نظر لأن معنى النهي حقيقة التحريم المسلتزم للفساد المرادف للبطلان الا أن يحمل على الكراهة بقرينه قوله صلى الله عليه وآله وسلم العمري جائزة : قوله " فمن أعمر " بضم الهمزة وكذا قوله أو أرقبه " قوله " ولعقبه " بكسر القاف وسكونها للتخفيف والمراد ورثته الذين يأتون بعده : قوله " حديقة " هي البستان يكون عليه الحائط فعليه بمعنى مفعولة لأن الحائط أحدق بها أي أحاط ثم توسعوا حتى أطلقوا الحديقة على البستان وإن كان بغير حائط : قوله " شرع " بفتح الشين المعجمة والراء أي سواء . ذكر معنى ذلك في القاموس
باب ما جاء في تصرف المرأة في مالها ومال زوجها
1 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا
انفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما
كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا "
- رواه الجماعة
2 -
وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أنفقت المرأة
من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره "
- متفق عليه . ورواه أبو داود وروي أيضا عن أبي هريرة موقوفا " في المرأة
تصدق من بيت زوجها قال لا الا من قوتها والأجر بينهما ولا يحل أن تصدق من مال
زوجها إلا بأذنه "
3 -
وعن أسماء بنت أبي بكر أنها " قالت يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما ادخل علي
الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل على فقال أرضخي ما أستطعت ولا توعي فيوعى
الله عليك "
- متفق عليه . وفي لفظ عنها " أنها سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان
الزبير رجل شديد ويأتيني المسكين فأتصدق عليه من بيته بغير أذنه فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ارضخي ولا توعي فيوعى الله عليك " رواه أحمد
- أثر أبي هريرة الموقوف عليه سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده لا بأس به . ومحمد بن سوار وثقه ابن حبان وقال يغرب ( وفي الباب ) عن أبي أمامة عند الترمذي وحسنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تنفق المرأة من بيت زوجها الا بأذنه قيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذلك أفضل أموالنا " قوله " إذا انفقت المرأة " الخ قال ابن العربي اختلف السلف فيما إذ تصدقت المرأة من بيت زوجها فمنهم من أجازه لكن في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له ولا يظهر به النقصان ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الاجمال وهو اختيار البخاري واما التقييد بغير الأفساد فمتفق عليه . ومنهم من قال المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه وليس ذلك بأن ينفقوا علي الغرباء بغير أذن . ومنهم من فرق بين المرأة فقال المرأة لها حق مال الزوج والنظر فجاز لها أن تتصدق بخلاف الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه فيشترط الأذن فيه . قال الحافظ وهو متعقب بأن المرأة ان استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به وإن تصدقت من غير حقها رجعت المسألة كما كانت قوله " وللخازن " في رواية للبخاري من حديث أبي موسى التقييد بكون الخازن مسلما فأخرج الكافر لكونه لانية له وبكونه أمينا فأخرج الخائن لأنه مأزور وتكون نفسه بذلك طيبة لئلا تعدم النية فيفقد الأجر وهي قيود لا بد منها : قوله " مثل ذلك " ظاهره يقتضي تساويهم في الأجر ويحتمل أن يكون المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة وإن كان أجر الكاسب أوفر لكن قوله في حديث أبي هريرة فله نصف أجره يشعر بالتساوي : قوله " لا ينقص بعضهم " الخ المراد عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر ويحتمل أن يراد مساواة بعضهم بعضا . قوله " عن غير أمره " ظاهر هذه الرواية أنه يجوز للمرأة أن تنفق من بيت زوجها بغير إذنه ويكون لها أوله نصف أجره على اختلاف النسختين كما سيأتي وكذلك ظاهر رواية أحمد المذكورة في حديث أسماء ولكن ليس فيها تعرض لمقدار الأجر ويمكن أن يقال يحمل المطلق على المقيد ولا يعارض ذلك قول أبي هريرة المذكور في الباب لأن أقوال الصحابة ليست بحجة ولا سيما إذا عارضت المرفوع وإنما يعارضه حديث أبي أمامة الذي ذكرناه فإن ظاهره نهى المرأة عن الانفاق من مال الزوج إلا بأذن والنهي عن حقيقة في التحريم والمحرم لا يستحق فاعله عليه ثوابا ويمكن أن يقال أن النهي للكراهة فقط والقرينة الصارفة إلى ذلك حديث أبي هريرة وحديث أسماء وكراهة التنزيه لا تنافي الجواز ولا تستلزم عدم استحقاق الثواب : قال في الفتح والأولى أن يحمل يعني حديث أبي هريرة على ما إذا أنفقت من الذي يخصها إذا تصدقت به بغير استئذانه فإنه يصدق كونه من كسبه فيؤجر عليه وكونه بغير أمره ويحتمل أن يكون اذن لها بطريق الأجمال لكن انتفى ما كاه بطريق التفصيل قال ولا بد من الحمل على أحد هذين المعنيين وإلا فحيث كان من ماله بغير إذنه لا اجمالا ولا تفصيلا فهي مأزورة بذلك لا مأجورة وقد ورد فيه حديث ابن عمر عند الطيالسي وغيره اه . قوله " فله نصف أجره " هكذا في رواية للبخاري . وفي رواية أخرى " فلها نصف أجره " وعلى النسخة الأولى يكون للرجل الذي تصدقت امرأته من كسبه بغير إذنه نصف أجره على تقدير وقوع الأذن منه لها وعلى النسخة الثانية يكون للمرأة المتصدقة بغير أذن زوجها نصف أجرها على تقدير أذنه له . قال في الفتح أو المعنى بالنصف أن أجره وأجرها إذا جمعا كان لها النصف من ذلك فلكل منهما أجر كامل وهما أثنان فكأنهما نصفان : قوله " إن أرضخ " بالصاد والخاء المعجمتين قال في القاموس رضخ له أعطاه عطاء غير كثير . قوله " ولا توعى فيوعي الله عليك " بالنصب لكونه جواب النهي والمعنى لا تجمعي في الوعاء وتبخلى بالنفقة فتجازى بمثل ذلك
4 -
وعن سعد قال " لما بايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم النساء قالت امرأة
جليلة كأنها من نساء مضر يا نبي الله أنأكل على آبائنا وأبنائنا " قال أبو
داود وأرى فيه " وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم قال الرطب تأكلنه وتهدينه
"
- رواه أبو داود . وقال الرطب الخبز والبقل والرطب
5 -
وعن جابر قال شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبدأ بالصلاة قبل
الخطبة بلا أذان ولا أقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحثه على طاعته
ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال تصدقن فإن أكثركن حطب
جهنم فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت لم يا رسول الله قال لأنكن
تكثرن الشكاة وتكفرن العشيرة قالت فجعلن يتصدقن من حلبهن يلقين في ثوب بلال من
أقراطهن وخواتيمهن "
- متفق عليه
- حديث سعد سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلا محمد بن سوار وقد وثقه ابن حبان وقال يغرب : قوله " قال الرطب " بفتح الراء وسكون الطاء المهملة والرطب المذكور آخرا بضم الراء وفتح الطاء . قال في القاموس الرطب ضد اليابس ثم قال وبضمة وبضمتين الرعي الأخضر م البقل والشجر قل وثمر رطيب مرطب وارطب النخل حاو أوان رطبه ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجوز للمرأة أن تأكل من مال ابنها وأبيها وزوجها بغير أذنهم وتهادي ولكن ذلك مختص بالأمور المأكولة التي لا تدخر فلا يجوز لها أن تهادي بالثياب والدارهم والدنانير والحبوب وغير ذلك وقوله " إناكل " بكسر الهمزة وتشديد النون وكل بفتح الكاف وتشديد اللام خير أن أي نحن عيال عليهم ليس لنا من الأموال ما ننتفع به : قوله " فقامت امرأة " قال الحافظ لم أقف على تسمية هذه المرأة الا أنه يختلج في خاطري أنا أسماء بنت يزيد بن السكن التي تعرف بخطيبة النساء فإنها روت أصل هذه القصة في حديث أخرجه البيهقي والطبراني وغيرهما بلفظ " خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النساء وأنا معهن فقال يامعشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم فناديت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنت عليه جريئة ولم يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير " فيبعد أن تكون هي التي أجابته فإن القصة واحدة : قوله " من سطة النساء " أن من خيارهن والسفعاء التي في خذها غبرة وسواد . والعشير المراد به ههنا الزوج ( والحديث ) فيه فوائد منها ما ذكره المصنف ههنا لأجله وهو جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على أذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث . ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله . قال القرطبي ولا يقال في هذا أن أزواجهن كانوا حضورا لأن ذلك لم ينقل ولو نقل فليس ليه تسليم أزواجهن لهن ذلك فإن من ثبت له حق فالأصل بقاؤه حتى يصرح باسقاطه ولم ينقل أن القوم صرحوا بذلك وسيأتي الخلاف في ذلك قريبا . ومنها أن الصدقة من دوافع العذاب لانه أمرهن بالصدقة ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك . ومنها بذل النصيحة والإغلاظ بها بمن احتيج إلى ذلك في حقه . ومنها جواز طلب الصدقة من الأغنياء للمحتاجين ولو كان الطالب غير محتاج . ومنها مشروعية وعظ النساء وتعليمهن أحكام الأسلام وتذيرهن بما يجب عليهن وحثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد ومحل ذلك كله إذا أمنت الفتنة والمفسدة
6 -
وعن عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يجوز للمرأة
عية الا بأذن زوجها "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود . وفي لفظ " لا يجوز للمرأة أمر في مالها إذا
ملك زوجها عصمتها " رواه الخمسة إلا الترمذي
- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وقد أخرجه البيهقي والحاكم في المستدرك وفي إسناده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديثه من قسم الحسن وقد صحح له الترمذي أحاديث ومن دون عمرو بن شعيب هم رجال الصحيح عند أبي داود ( وفي الباب ) عن خيرة امرأة كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه . قوله " أمر " أي عطية من العطايا ولعله عدل عن العطية إلى الأمر لما بين لفظ المرأة والأمر من الجناس الذي هو نوع من أنواع البلاغة . وقد استدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي من مالها بغير أذن زوجها ولو كانت رشيدة وقد اختلف في ذلك فقال الليث لا يجوز لها ذلك مطلقا الا في الثلث ولا فيما دونه الا في الشيء التافه . وقال طاوس ومالك أنه يجوز لها أن تعطي مالها . بغير أذنه في الثلث لا فيما فوقه فلا يجوز الا بأذنه وذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقا من غير أذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة فإن كانت سفيهة لم يجز . قال في الفتح وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة انتهى . وقد استدل البخاري في صحيحه على جواز ذلك بأحاديث ذكرها في باب هبة المرأة لغير زوجها من كتاب الهبة ومن جملة أدلة الجمهور حديث جابر المذكور قبل هذا وحملوا حديث الباب على ما إذا كانت سفيهة غير رشيدة وحمل مالك أدلة الجمهور على الشيء اليسير وجعل حده الثلث فما دونه ومن جملة أدلة الجمهور الأحاديث المتقدمة في أول الباب القاضية بأنه يجوز لها التصديق من مال زوجها بغير أذنه وإذا جاز لها ذلك في ماله بغير أذنه فبالأولى الجواز في مالها والأولى أن يقال يتعين الأخذ بعموم حديث عبد الله بن عمرو وما ورد من الواقعات المخالفة له تكون مقصورة على مواردها أو مخصصة لمثل من وقعت له من هذا العموم وأما مجرد الاحتمالات فليست مما تقوم به الحجة
باب ما جاء في تبرع العبد
1 -
عن عمير مولى آبي اللحم قال " كنت مملوكا فسألت النبي صلى الله عليه وآله
وسلم أتصدق من مالي مولاي بشيء قال نعم والأجر بينكما "
- رواه مسلم
2 -
وعنه قال " أمرني مولاي أن أقدر لحما فجاءني مسكين فأطعمته منه فضربني فأتيت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له ذلك فدعاه فقال لم ضربته فقال يعطى
طعامي من غير أن آمره فقال الأجر بينكما "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
3 -
وعن سلمان الفارسي قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطعام وأنا
مملوك فقلت هذه صدقة فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل ثم أتيته بطعام فقلت هذه هدية
أهديتها لك أكرمك بها فأني رأيتك لا تأكل الصدقة فأمر أصحابه فأكلوا وأكل معهم
"
- رواه أحمد
4 -
وعن سلمان قال " كنت استأذنت مولاي في ذلك فطيب لي فأحتطبت حطبا فبعته
فأشتريت ذلك الطعام "
- رواه أحمد
- حديث سلمان الأول في إسناده ابن إسحاق وبقية رجاله رجال الصحيح وحديث سلمان الثاني في إسناده أبو مرة سلمة بن معاوية : قال في مجمع الزوائد ولم أجد من ترجمه انتهى . ويشهد لصحة معناه ما في صحيح البخاري من حديث عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتي بطعام يسأل أهدية أم صدقة فإن قيل صدقة قال لاصحابه كلوا وإن قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم " والأحاديث في هذا الباب كثيرة : قوله " قال نعم والأجر بينكما " فيه دليل على أنه يجوز للعبد أن يتصدق من مال مولاه وأنه يكون شريكا للمولى في الأجر وقد بوب البخاري في صحيحه لذلك فقال باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه . وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أحد المتصدقين ثم أورد حديث عائشة قالت " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض " قال ابن رشد نبه يعني البخاري بالترجمة على أن هذا الحديث مفسر لها لأن كلا من الخازن والخادم والمرأة أمين ليس له أن يتصرف الا بأذن المالك نصا أو عرفا اجمالا أو تفصيلا انتهى . ولكن الرواية الأخرى من الحديث مشعرة بأن يكتب للعبد أجر الصدقة وإن كان بغير أذن سيده لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم بأن الأجر بينهما بعد أن قال له سيد العبد أنهي يعطى طعامه من غير أمره : قوله إن أقدر لحما " بفتح الهمزة وسكون القاف وكسر الدال المهملة أي اجعله في القدر والقدير والقادر ما يطبخ في القدر ويطلق على القسمة قال في القاموس قدر الرزق قسمه وقال أيضا قدرته أقدره قدارة هيأت ووقت وآبي اللحم المذكور هو بالمد مزنة فاعل من الاباء وقد قدمنا في هذا الشرح التنبيه على ذلك وإنما أعدناه ههنا لكثرة التباسه
كتاب الوقف ( 1 )
1 -
عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا مات الإنسان انقطع
عمله الا من ثلاثة أشياء صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " .
( 2 ) [ ايراد المصنف لهذا الحديث في الوقف لأن العلماء فسروا الصدقة الجارية
بالوقف . وقوله " أو علم ينتفع به " المراد به العلم الأخروي فيخرج مالا
ينتفع به كعلم النجوم من حيث أحكام السعادة وضدها ويدخل في العلم النافع تأليف
ونشر علم السنة الصحيحة وفقنا الله وإياك بما فيها ]
- رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
_________
( 1 ) [ هو في اللغة الحبس . يقال كذا بدون الف على اللغة الفصحى أي حبسته . وفي
الشريعة حبس الملك في سبيل الله تعالى للفقراء وأبناء السبيل يصرف عليه منافعه
ويبقى أصله على ملك الواقف . وألفاظه وقفت وحبست وسبلت وأبدت هذه صرائح ألفاظه
وأما كنايته تصدقت واختلفت في حرمت فقيل صريح وقيل غير صريح ]
2 -
وعن ابن عمر " أن عمر أصاب أرضا من أرض خيبر فقال يا رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني فقال إن شئت
حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق بها عمر أن لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء
وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها
بالمعروف ويطعم غير متمول " . ( 3 ) [ وفي الحديث فوائد . منها ثبوت صحة أصل
الوقف قال النووي وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير ويدل عليه أيضا اجماع المسلمين على
صحة وقف المساجد والسقايات اه ومنها فضيلة الإنفاق مما يجب : ومنها ذكر فضيلة
ظارهة لعمر رضي الله عنه ومنها مشاورة أهل الفضل والصلاح في الأمور وطرق الخير :
ومنها فضيلة صلة الأرحام والوق عليهم : والله أعلم . ] وفي لفظ " غير متأثل مالا
"
- رواه الجماعة . وفي حديث عمرو بن دينار قال في صدقة عمر " ليس علي الولي
جناح أن يأكل ويؤكل صديقا له غير متأثل " قال " وكان ابن عمر هو بلى
صدقة عمر ويهدي لناس من أهل مكة كان ينزل عليهم " أخرجه البخاري . وفيه من
الفقه أن من وقف شيئا على صنف من الناس وولده منهم دخل فيه
3 -
وعن عثمان " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة وليس بها ماء
يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين
بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي "
- رواه النسائي والترمذي . وقال حديث حسن وفيه جواز انتفاع الواقف بوقفه العام
-
حديث عثمان أخرجه البخاري أيضا تعليقا : قوله " الا من ثلاثة أشياء "
فيه دليل على أن ثواب هذه الثلاثة لا ينقطع بالموت قال العلماء معنى الحديث أن عمل
الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كاسبها
فإن الولد من كسبه وكذا ما يخلفه من العلم كالتصنيف والتعليم وكذا الصدقة الجارية
وهي الوقف وفيه الإرشاد إلى فضيلة الصدقة الجارية والعلم الذي يبقى بعد موت صاحبه
والتزوج الذي هو سبب حدوث الأولاد وهذا الحديث قد قدمنا الكلام عليه وعلى ما ورد
مورده في باب وصول ثواب القراءة المهداة إلى الموتى من كتاب الجنائز . قوله "
أرضا بخيبر " هي المسماة بثمغ كما في رواية للبخاري وأحمد وثمغ بفتح المثلثة
والميم وقيل بسكون الميم وبعدها غين معجمة . قوله " أنفس منه " النفيس
الجيد قال الداودي سمي نفيسا لأنه يأخذ بالنفس قوله " وتصدقت بها " أي
بمنفعتها وفي رواية للبخاري " حبس أصلها وسبل ثمرتها " وفي أخرى له
" تصدق بثمره وحبس أصله " : قوله " ولا يورث " زاد الدارقطني
" حبيس ما دامت السموات والأرض " في رواية للبيهقي تصدق بثمره وحبس أصله
لا يباع ولا يورث . قال الحافظ وهذا ظاهر أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه
وآله وسلم بخلاف بقية الروايات فإن الشرط فيها ظاهر أنه من كلام عمر . وفي البخاري
بلفظ " فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا
يورث ولكن ينفق ثمره " وفي البخاري أيضا في المزارعة قال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لعمر " تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولكن ينفق ثمره فتتصدق به
" فهذا صريح أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا منافاة لانه
يمكن الجمع بأن عمر شرط ذلك الشرط بعد أن أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم به
فمن الرواة من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من وقفه على عمر
لوقوعه منه امتثالا للأمر الواقع منه صلى الله عليه وآله وسلم به . قوله "
وذوي القربى " قال في الفتح يحتمل أن يكون المراد بهم من ذكر في الخمس ويحتمل
أن يكون المراد المراد بهم قربى الواقف وبهذا جزم القرطبي . قوله " والضيف
" هو من نزل بقوم بريد القري : قوله " أن يأكل منها بالمعروف " قيل
المعروف هنا هو ما ذكر في ولي اليتيم وقد تقدم الكلام على ذلك في باب ما يحل لولي
اليتيم من كتاب التفليس . قال القرطبي جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الوقف
حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل لاستقبح ذلك منه والمراد بالمعروف القدر
الذي جرت به العادة وقيل القدر الذي يدفع الشهوة وقيل المراد أن يأخذ منه بقدر
عمله والأول أولى كذا في الفتح : قوله " غير متمول " أي غير متخذ منها
مالا أي ملكا . قال الحافظ والمراد أنه لا يتملك شيئا من رقابها : قوله " غير
متأثل بمثناة " ثم مثلثة بينهما همزة وهو اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم
وأثلة كل شيء أصله . قوله " قال في صدقة عمر " أي في روايته لها عن ابن
عمر كما حزم بذلك المزي في الأطراف ورواه الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان
عن عمرو بن دينار عن ابن عمر . قوله " وكان ابن عمر " هو موصول الإسناد
كما في رواية الإسماعيلي . قوله " لناس " بين الإسماعيلي أنهم آل عبد
الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص وإنما كان ابن عمر يهدي منه أخذا بالشرط
المذكور وهو يؤكل صديقا له ويحتمل أن يكون إنما أطعمهم من نصيبه الذي جعل له أن
يأكل منه المعروف فكان يؤخره ليهدي لأصحابه منه . قال في الفتح وحديث عمر هذا أصل
في مشروعية الوقف وقد روى أحمد عن ابن عمر قال أول صدقة أي موقوفة كانت في الإسلام
صدقة عمر
وروى عمر بن شبة عن عمرو بن سعد بن معاذ قال " سألنا عن أول حبس في الإسلام
فقال المهاجرون صدقة عمر وقال الأنصار صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
" وفي إسناده الواقدي . وفي مغازي الواقدي إن أول صدقة موقوفة كانت في
الإسلام أراضي مخيريق بالمعجمة مصغرا التي أوصى بها إلى النبي صلى الله عليه وآله
وسلم فوقفها وقد ذهب إلى جواز الوقف ولزومه جمهور العلماء . قال الترمذي لا نعلم
بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافا في جواز وقف الأرضين وجاء عن شريح أنه
أنكر الحبس وقال أبو حنيفة لا يلزم وخالفه جميع أصحابه إلا زفر . وقد حكى الطحاوي
عن أبي يوسف أنه قال لو بلغ أبا حنيفة لقال به . وأحتج الطحاوي لأبي حنيفة بأن
قوله صلى الله عليه وآله وسلم حبس أصلها لا يستلزم التأييد بل يحتمل أن يكون أراد
مدة اختياره قال في الفتح ولا يخفى ضعف هذا التأويل ولا يفهم من قوله وقفت وحبست
إلا التأييد حتى يصرح بالشرط عند من يذهب إليه وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها
حبيس ما دامت السموات والأرض . قال القرطبي راد الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت
إليه انتهى . ومما يؤيد هنا ما ذهب إليه الجمهور حديث " أما خالد فقد حبس
أدراعه وأعتده في سبيل الله " وهومتفق عليه وقد تقدم في الزكاة ومن ذلك حديث
أبي هريرة المذكور في أول الباب إن قوله " صدقة جارية " يشعر بأن الوقف
يلزم ولا يجوز نقضه ولو جاز النقض لكان الوقف صدقة منقطعة وقد وصفه في الحديث بعدم
الإنقطاع . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يباع ولا يوهب ولا
يورث " كما تقدم فإن هذا منه صلى الله عليه وآله وسلم بيان لماهية النحبيس
التي أمر بها عمر وذلك يستلزم لزوم الوقف وعدم جواز نقضه وإلا لما كان تحبيسا
والمفروض أنه تحبيص ومن ذلك حديث أبي قتادة عند النسائي وابن ماجه وابن حبان
مرفوعا " خير ما يخلفه الرجل بعده ثلاث ولد صالح يدعو له وصدقة تجري يبلغه
أجرها وعلم يعمل به من بعده " والجري يستلزم عدم جواز النقض من الغير ومن ذلك
وقف أبي طلحة الآتي . وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له " أرى ان
تجعلها في الأقربين " وماروى من حديث أنس عند الجماعة أن حسان باع نصيبه منه
فمع كونه فعله ليس بحجة قد روى أنه أنكر عليه ومن ذلك وقف جماعة من الصحابة منهم
علي وأبو بكر والزبير . وسعيد وعمرو بن العاص . وحكيم بن حزام وأنس وزيد بن ثابت
روى ذلك كله البيهقي ومنه أيضا وقف عثمان لبئر رومة ما في حديث الباب ( واحتج )
لأبي حنيفة ومن معه بما أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس " إن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال لما نزلت آية الفرائض لا حبس بعد سورة النساء "
ويجاب عنه بأن في إسناده ابن لهيعة ولا يحتج بمثله ويجاب أيضا بأن المراد بالحبس
المذكور توقيف المال عن وارثه وعدم إطلاقه إلى يده وقد أشار إلى مثل ذلك في
النهاية . وقال في البحر أراد حبس الجاهلية للسائبة والوصيلة والحام سلمنا فليس في
أية ميراث منع الوقف لافتراقهما انتهى . وأيضا لو فرض أن المراد بحديث ابن عباس
الحبس الشامل للوقف لكونه نكرة في سياق النفي لكان مخصصا بالأحاديث المذكورة في
الباب
واحتج لهم أيضا على عدم لزوم حكم الوقف بما رواه الطحاوي وابن عبد البر عن الزهري
" أن عمر قال لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لرددتها وهو يشعر بأن الوقف لا يمتنع الرجوع عنه وأن الذي منع عمر من الرجوع كونه
ذكره للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فكره أن يفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره
ويجاب عنه بأنه لاحجة في أقوال الصحابة وأفعالهم الا إذا وقع الإجماع منهم ولم يقع
ههنا وأيضا هذا الأثر منقطع لان الزهري لم يدرك عمر فالحق أن الوقف من القربات
التي لا يجوز نقضها بعد فعلها لا للواقف ولا لغيره وقد حكى في البحر عن محمد وابن
أبي ليلى أن الوقف لا ينفذ الا بعد القبض وإلا فللواقف الرجوع لأنه صدقة ومن شرطها
القبض ويجاب بانه بعد التحبيس قد تعذر الرجوع والحاقه بالصدقة الحلق مع الفارق :
قوله " من يشتري بئر رومة " بضم الراء وسكون الواو . وفي رواية للبغوي
في الصحابة من طريق بشر بن الأسلمي عن أبيه أنها كانت للرجل من بني غفار عين يقال
لها رومة وكان يبيع منها القرية بمد فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم
تبيعنيها بعين في الجنة فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ ذلك عثمان
فاشتراها بخمس وثلاثين ألف درهم ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أتجعل
لي ما جعلت له قال نعم قال قد جعلتها للمسلمين . وللنسائي من طريق الأحنف عن عثمان
قال اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك وزاد أيضا في رواية من هذه الطريق أن عثمان
قال ذلك وهو محصور وصدقه جماعة منهم علي ابن أبي طالب عليه السلام وطلحة والزبير
وسعد بن أبي وقاص : قوله " فيجعل فيها دلو مع دلاء المسلمين " فيه دليل
على أنه يجوز للواقف أن يجعل لنفسه نصيبا من الوقف ويؤيده جعل عمر لمن ولي وقفه أن
يأكل منه بالمعروف وظاهره عدم الفرق بين أن يكون هو الناظر أو غيره . قال في الفتح
ويستنبط منه صحة الوقف على النفس وهو قول ابن أبي ليلى وأبي يوسف وأحمد في الأرجح
عنه وقال به ابن شعبان من المالكية وجمهورهم على المنع الا إذا استثنى لنفسه شيئا
يسيرا بحيث لا يتهم أنه قصد حرمان ورثته . ومن الشافعية ابن سريج وطائفة وصنف فيه
محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري جزءا ضخما واستدل له بقصة عمر هذه وبقصة راكب
البدنة وبحديث أنس في أنه صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها .
ووجه الاستدلال به أنه أخرجها عن ملكه بالعتق وردها إليه بالشرط اه وقد حكى في
البحر جواز الوقف على النفس عن العترة وابن شبرمة والزبيري وابن الصباغ وعن
الشافعي ومحمد والناصر أنه لا يصح الوقف على النفس قالوا لانه تمليك فلا يصح أن
يتملكه لنفسه من نفسه كالبيع والهبة ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم " سبل
الثمرة " وتسبيل الثمرة تمليكها للغير . وقال في الفتح وتعقب بأن امتناع ذلك
غير مستحيل ومنعه تمليكه لنفسه إنما هو لعدم الفائدة والفائدة في الوقف حاصلة لأن
استحقاقه اياه ملكا غير استحقاقه أياه وقفا اه . ويؤيد صحة الوقف على النفس حديث
الرجل الذي " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندي دينار فقال تصدق به على
نفسك " أخرجه أبو داود والنسائي وأيضا المقصود من الوقف تحصيل القربة وهي
حاصلة بالصرف إلى النفس
باب وقف المشاع والمنقول
1 -
وعن ابن عمر قال " قال عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن المائة السهم
التي لي بخيبر لم أصب مالا قط أعجب الي منها قد اردت أن اتصدق بها فقال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم احبس أصلها وسبل ثمرتها "
- رواه النسائي وابن ماجه
2 -
وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من احتبس فرسا في
سبيل الله إيمانا واحتسابا فإن شبعه وروثه وبوله في ميزان يوم القيامة حسنات
"
- رواه أحمد والبخاري
3 -
وعن ابن عباس " قال أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحج فقالت امرأة
لزوجها احجني مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما عندي ما أحجك عليه
قالت احجني على جملك فلان قال ذلك حبيس في سبيل الله فأتي رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فسأله فقال أما انك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله "
- رواه أبو داود . وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حق خالد
" قد احتبس أدراعه واعتاده في سبيل الله "
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا الشافعي ورجال إسناده ثقات وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة كما تقدم وله طرق عند الشيخين . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن خزيمة في صحيحه وأخرجه أيضا البخاري والنسائي مختصرا وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وقد تقدم نحوه من حديث أم معقل الأسدية في باب الصرف في سبيل الله وابن السبيل من كتاب الزكاة . وحديث تحبيس خالد لا دراعه واعتاده قد تقدم أيضا في الباب ما جاء في تعجيل الزكاة من كتاب الزكاة : قوله " إن المائة السهم " الخ استدل المصنف بهذا الحديث على صحة وقف المشاع وقد حكى ذلك في البحر عن الهادي والقاسم والناصر والشافعي وأبي يوسف ومالك واحتج لهم بأن عمر وقف مائة سهم بخيبر ولم تكن مقسومة . وحكى في البحر أيضا عن الأمام يحيى ومحمد أنه لا يصح وقف المشاع لأن من شرطه التعيين وحكى أيضا عن المؤيد بالله أنه يصح فيما قسمته مهايأة لا في غيره لتأديته إلى منع القسمة أو بيع الوقف . وعن أبي طالب يصح فيما قسمته افراز كالأرض المستوية وإلا فلا . وأوضح ما أحتج به من منع من وقف المشاع إن كل جزء من المشترك محكوم عليه بالمملوكية للشريكين فيلزم مع وقف أحد الشريكين أن يحكم عليه بحكمين مختلفين متضادين مثل صحة البيع بالنسبة إلى كونه مملوكا وعدم الصحة بالنسبة إلى كونه موقوفا فيتصف كل جزء بالصحة وعدمها ويتصف بذلك الجملة وأجاب صاحب المنار عن هذا بأنه نظير العتق المشاع وقد صح ذلك هناك كحديث الستة الا عبد كما صح هنا وإذا صح من جهة الشارع بطل هذا الاستدلال . وقد استدل البخاري على صحة وقف المشاع بحديث أنس في قصة بناء المسجد وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ثامنوني حائطكم فقالوا لانطلب ثمنه إلا الي الله عز و جل " وهذا ظاهر في جواز وقف المشاع ولو كان غير جائز لانكر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولهم هذا وبين لهم الحكم . وحكى ابن المنير عن مالك أنه لا يجوز وقف المشاع إذا كان الواقف واحدا لأنه يدخل الضرر على شريكه : قوله " من احتبس فرسا " الخ فيه دليل على أنه يجوز وقف الحيوان وإليه ذهب العترة والشافعي والجمهور . وقال أبو حنيفة لا يصح لعدم دوامه . وقال محمد لا يصح في الخيل فقط إذ هي معروضة للتلف . وحديث الباب يرد عليهما . ويؤيد الصحة حديث عمر بن الخطاب المتقدم في باب النهي المتصدق أن يشتري ما تصدق به من كتاب الزكاة فإن فيه أن عمر حمل على فرس في سبيل الله واطلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وقرره ونهاه عن شرائه برخص وقد ترجم عليه البخاري في كتاب الوقف باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت ومن أدلة الصحة حديث ابن عباس المذكور وحديث تحبيس خالد يدل على جواز وقف المنقولات وقد تقدم الكلام عليه
باب من وقف أو تصدق على أقربائه أو وصى لهم من دخل فيه
1 -
عن أنس " أن أبا طلحة قال يا رسول الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما
تحبون وإن أحب أموالي إلى بيرحاء وأنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها
يا رسول الله أرك الله فقال بخ بخ ذلك مال رابح مرتين وقد سمت أرى أن تجعلها في
الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه
"
- متفق عليه . وفي رواية " لما نزلت هذه الآية لو تنالوا البر قال أبو طلحة
يا رسول الله أرى لبنا يسألنا من أموالنا فاشهدك أني جعلت أرضي بير حاء لله فقال
أجعلها في قرابتك قال فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب " رواه أحمد ومسلم
: وللبخاري معناه وقال فيه " اجعلها لفقراء قرابتك " قال محمد بن عبد
الله الأنصاري أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي
بن عمرو بن مالك بن النجار وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام يجتمعان إلى حرام وهو
الأب الثالث وأبي بن كعب بن قيس بن عتيك بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك ابن
النجار فعمر ويجمع حسانا وأبا طلحة وأبيا وبين أبي وأبي طلحة ستة أباء
2 -
وعن أبي هريرة قال " لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا
أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا
أنفسكم من النار يا بين عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا
أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسكي
من النار فأني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سابلها بيلالها "
- متفق عليه ولفظه لمسلم
-
قوله " بيرحاء " بفتح الموحدة وسكون التحتية وفتح الراء وبالمهملة والمد
وجاء في ضبطه أوجه كثيرة جمعها ابن الأثير في النهاية فقال ويروي بفتح الباء
وكسرها وبفتح الراء وضمها وبالمد والقصر فهذه ثمان لغات . وفي رواية حماد بن سلمة
بريحا بفتح أوله وكسر الراء وتقديمها على التحتانية وهي عند مسلم ورجح هذه صاحب
الفائق وقال هي وزن فعيلة من البراح وهي الأرض الظاهرة المنكشفة وعند أبي داود
باريحا وهو بإشباع الموحدة والباقي مثله ووهم من ضبطه بكسر الموحدة وفتح الهمزة
فإن أريحا من الأرض المقدسة . قال الباجي أفصحها بفتح الباء الموحدة وسكون الياء
وفتح الراء مقصورا وكذا جزم به الصغاني . وقال الباجي أيضا أدركت أهل العلم ومنهم
أبو ذر يفتحون الراء في كل حال قال الصوري وكذا الباء الموحدة " قوله "
بخ بخ " كلاهما بفتح الموجدة وسكون المعجمة وقد ينون مع التثقيل أو التخفيف
بالكسر وبالرفع لغات . قال في الفتح وإذا كررت فالأختيار أن تنون وتسكن الثانية
وقد يسكنان جميعا كما قال الشاعر بخ بخ لوالده وللمولد . ومعناهما تفخيم الأمر
والأعجاب به : قوله " رابح " شك القعنبي هل هو بالتحتانية أو بالموحدة
ورواه البخاري عنه بالشك : قوله " في الأقربين " اختلف العلماء في
الأقارب فقال أبو حنيفة القرابة كل ذي رحم محرم من قبل الأب أو الأم ولكن يبدأ
بقرابة الأب قبل الام . وقال أبو يوسف ومحمد من جمعهم أب منذ الهجرة من قبل أب أو
أم من غير تفصيل زاد زفر ويقدم من قرب وهو رواية عن أبي حنيفة وأقل من يدفع له
ثلاثة وعند محمد أثنان وعند أبي يوسف واحد ولا يصرف للأغنياء عندهم الا أن شرط ذلك
. وقالت الشافعية القريب من اجتمع في النسب سواء قرب أم بعد مسلما كان أو كافرا
غنيا أو فقيرا ذكرا أو أنثى وارثا أو غير وارث محرما أو غير محرم واختلفوا في
الأصول والفروع على وجهين وقالوا إن وجد جمع محصورون أكثر من ثلاثة استوعبوا .
وقيل يقتصل على ثلاثة وان كانوا غير محصورين فنقل الطحاوي الأتفاق على البطلان .
قال الحافظ وفيه نظر لأن عند الشاعفية وجها بالجواز ويصرف منهم لثلاثة ولا يجب
التسوية وقال أحمد في القرابة كالشافعي الا أنه أخرج الكافر وفي رواية عنه القرابة
كل من جمعه والموصي الأب الرابع إلى ما هو أسفل منه . وقال مالك يختص بالعصبة سواء
كان يرثه أولا ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا ثم يعطي الأغنياء هكذا في لافتح . وحكى في
البحر عن مالك أن ذلك يختص بالوارث وعند الهادوية إن القرابة والأقارب إن ولده جدا
أبو الواقف واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل سهم ذوي القربى لبني
هاشم وهاشم جد أبيه عبد الله وهذا ظاهر في جد الأب وأما جد الأم فلا بل هو يدل على
خلاف المدعي من هذه الحيثية إذ لم يصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ينسب إلى
جد أمه وأجاب صاحب شرح الاثمار ان خروج من ينتسب إلى جد الأم هنا مخصص من عموم
الآية والعموم يصح تخصيصه فلا يلزم إذا خص ههنا أن يخرجوا حيث لم يخص . وقد استدل
ايضا على خروج من ينتسب إلى جد الأم بأنهم ليسوا بقرابة لأن القرابة العشيرة
والعصبة وليس من كان من قبل الأم بعصبة ولا عشيرة وإن كانوا أرحاما وأصهارا ولهذا
قال في البحر وقرابتي أو ذو وأرحامي لمن ولده جد أبيه ما تناسلوا لصرفه صلى الله
عليه وآله وسلم سهم ذوي القربى في الهاشميين والمطلبيين وعلل إعطاء المطلبييين
بعدم الفرقة لا القرب وهو الظاهر كما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم التصريح
بذلك لما سأله بعض بني عبد شمس عن تخصيص المطلبيين بالعطاء دونهم فقال إنهم لم
يفارقوني في جاهلية ولا إسلام
ولو كان الصرف إليهم لقرابتي فقط لكان حكمهم وحكم بني عبد شمس واحدا لأنهم متحدون
في القرب إليه صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " أفعل " بضم اللام على
أنه قول أبي طلحة : قوله " فقسمها أبو طلحة " فيه تعيين أحد الاحتمالين
في لفظ أفعل فإنه احتمل أن يكون فاعله أبو طلحة كما تقدم واحتمل أن يكون صيغة أمر
وانتفى هذا الاحتمال الثاني بهذه الرواية وذكر ابن عبد البر ان إسماعيل القاضي
رواه عن القعنبي عن مالك فقال في روايتة فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
في أقاربه وبني عمه أي في أقارب أبي طلحة وبني عمه . قال ابن البر اضافة القسم إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان شائعا في لسان العرب على معنى أنه الآمر به
لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك والصواب رواية من قال ابن عبد البر اضافة القسم إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان شائعا في لسان العرب على معنى أنه الآمر به
لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك والصواب رواية من قال فقسمها أبو طلحة . قوله
" في أقاربه وبني عمه " في الرواية الثانية فجعلها في حسان بن ثابت وأبي
بن كعب وقد تمسك به من قال أقل من يعطى من الأقارب إذا لم يكونوا منحصرين اثنان
وفي نظر لأنه وقع في رواية للبخراي فجعلها أبو طحلة في ذوى رحمه وكان منهم حسان
وأبي بن كعب فدل ذلك على أنه أعطى غيرهما معهما وفي مرسل أبي بكر بن حزم فرده على
أقاربه أبي بن كعب وحسان بن ثابت وأخيه أو ابن أخيه شداد بن اوس ونبيط بن جابر
فتقاوموه فباع حسان حصته من معاوية بمائة ألف درهم . قوله " ابن حرام "
بالمهملتين : قوله " ابن زيد مناة " هو بالإضافة : قوله " وبين أبي
وأبي طلحة ستة آباء " قال في الفتح هو ملبس مشكل وشرع الدمياطي في بيانه
ويغني عن ذلك ما وقع في رواية المستملي حيث قال عقب ذلك وأبي بن كعب هو ابن قيس بن
عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار فعمرو بن مالك يجمع حسانا وأبا
طلحة وأبيا اه وفي قصة أبي طلحة هذه فوائد منها إن الوقف لا يحتاج في انعقاده إلى
قبول الموقوف عليه ( واستدل ) به الجمهور على أن من أوصى أن يفرق ثلث ماله حيث أرى
الله الوصي أنها تصح ويفرقه الوصي في سبيل الخير ولا يأكل منه شيئا ولا يعطى منه
وارثا للميت وخالف في ذلك أبو ثور . وفيه جواز التصدق من الحي في غير مرض الموت
بأكثر من ثلث ماله لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما
تصدق به . وقال لسعد بن أبي وقاص في مرضه الثلث كثير . وفيه تقديم الأقرب من
الأقارب على غيرهم . وفيه جواز اضافة حب المال إلى الرجل الفاضل العالم ولانقص
عليه في ذلك . وقد أخبر الله تعالى عنه الأنسان أنه لحب الخير الشديد والخير هنا
المال اتفاقا كما قال صاحب الفتح . وفيه التمسك بالعموم لأن أبا طلحة فهم من قوله
تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } تناول ذلك لجميع أفراده فلم يقف
حتى يرد عليه اللبيان عن شيء بعينه بل بادر إلى اتفاق ما يحبه فأقره النبي صلى
الله عليه وآله وسلم على ذلك
وفيه جواز تولى المتصدق لقسم صدقته . وفيه جواز أخذ الغني من صدقة التطوع إذا حصلت
له بغير مسألة واستدل على مشروعية الحبس والوقف . قال الحافظ ولا حجة فيه لاحتمال
أن تكون صدقة أبي طلحة صدقة تمليك قال وهو ظاهر سياق الماجشون عن إسحاق يعني في
رواية البخاري وفيه أنه لا يجب الاستيعاب لأن بني حرام الذي اجتمع فيه أبو طلحة
وحسان كانوا بالمدينة كثيرا : قوله " فعم وخص " أي جاء بالعام أولا
فنادى بني كعب ثم خص بعض البطون فنادى بني مرة بن كعب وهم بطن من بني كعب ثم كذلك
. وفيه دليل على أن جميع من ناداهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطلق عليه
لفظ الأقربين لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك ممتثلا لقوله تعالى {
وأنذر عشيرتك الأقربين } واستدل به أيضا على دخول النساء في الأقارب لعموم اللفظ
ولذكره صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة . وفي رواية للبخاري من حديث أبي هريرة هذا
أيضا أنه صلى الله عليه وآله وسلم ذكر عمته صفية . واستدل به أيضا على دخول الفروع
وعلى عدم التخصيص بمن يرث ولا بمن كان مسلما . قال في الفتح ويحتمل أن يكون لفظ
الأقربين صفة لازمة للعشيرة والمراد قومه وهم قريش . وقد روى ابن مردويه من حديث
عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر قريشا فقال وأنذر عشيرتك
الأقربين يعني قومه وعلى هذا فيكون قد أمر بإنذار قومه فلا يختص بالأقرب منهم دون
الأبعد فلا حجة فيه في مسألة الوقف لأن صورتها ما إذا وقف على قرابته أو على أقرب
الناس إليه مثلا والآية تتعلق بإنذار العشيرة : وقال ابن المنير لعله كان هنالك قرينة
فهم بها صلى الله عليه وآله وسلم تعميمي الإنذار ولذلك عمهم اه ويحتمل أن يكون
أولا خص اتباعا لظاهر القرابة لما عنده من الدليل على التعميم لكونه أرسل إلى
الناس كافة : قوله " سأبلها ببلاها " بكسر الباء قال في القاموس بل رحمه
بلا وبلابا بالكسر وصلها وكقطام اسم لصلة الرحم اه
باب أن الوقف على الولد يدخل فيه ولد الولد بالقرينة لا بالطلاق
1 -
عن أنس قال " بلغ صفية أن حفصة قالت بنت يهودي فبكت فدخل عليها النبي صلى
الله عليه وآله وسلم وهي تبكي وقالت قالت لي حفصة أنت ابنة يهودي فقال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم انك لابنة نبي وإن عمك لنبي وانك لتحت نبي فبم تفتخر عليك ثم
قال اتقي الله يا حفصة "
- رواه أحمد والترمذي وصححه
2 -
وعن أبي بكرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد المنبر فقال ان ابني
هذا سيد يصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين يعني الحسن بن علي
"
- رواه أحمد والبخاري والترمذي
3 -
وفي حديث عن أسامة بن زيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي وأما
أنت يا علي فختني وأبو ولدي "
- رواه أحمد
4 -
وعن أسامة بن زيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال وحسن وحسين على
وريه هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم أني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما "
- رواه الترمذي . وقال حديث حسن غريب
5 -
وعن البراء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنا النبي لا كذب . أنا ابن
عبد المطلب "
- وهو في حديث متفق عليه
6 -
وعن زيد بن أرقم قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول اللهم أغفر
للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار "
- رواه أحمد والبخاري . وفي لفظ " أغفر للأنصار ولذرارى الأنصار ولذرارى
ذراريهم " . رواه الترمذي وصححه
- حديث أنس أخرجه أيضا النسائي . وحديث أسامة بن زيد الأول قد ورد في معنى المقصود منه أحاديث . منها عن عمر بن الخطاب رفعه عند الطبراني بلفظ " كل ولد أم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فأني أنا أبوهم وعصبتهم " وعن ابن عباس عند الخطيب بنحوه . وعن جابر عند الطبراني في الكبير بنحوه أيضا قال السخاوي في رسالته الموسومة بالإسعاف بالجواب على مسألة الإشراف بعد أن ساق حديث جابر بلفظ " إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وإن الله جعل ذريتي في صلب علي ابن أبي طالب " ما لفظه وقد كنت سئلت عن هذا الحديث وبسطت الكلام عليه وبينت أنه صالح للحجة وبالله التوفيق اه وفي الميزان في حرف العين منه في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الحاسب ما لفظه لا يدري من ذا وخبره مكذب وروي الخطيب من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد عن أبيه عن خزيمة بن حازم حدثني المنصور يعني الدوانيقي حدثني أبي عند أبيه على عن جده قال " كنت أنا وأبي العباس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخل على فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لله أشد حبا لهذا مني إن الله جعل ذرية كل نبي من صلبه وجعل ذريتي في صلب علي " اه وذكر في الميزان أيضا في ترجمة عثمان بن أبي شيبة أحاديث عنه من جملتها حديث " لكل بني أب عصبة ينتمون إليه الا ولد فاطمة أنا عصبتهم " ثم حكى عن العقيلي بعد أن ساق هذا الحديث وغيره أنه قال عبد الله بن أحمد بن حنبل أنكر أبي هذه الأحاديث أنكرها جدا وقال هذه موضوعة مع أحاديث من هذا النحو . قال الذهبي بعد ذلك قلت عثمان بن أبي شيبة لا يحتاج إلى متابع ولا ينكر له أني نفرد بأحاديث لسعة ما روي وقد يغلط . وقد اعتمده الشيخان في صحيحهما اه وحديث أسامة الآخر أخرج نحوه الترمذي أيضا من حديث البراء بدون قوله هذان ابناء ولفظه " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبصر حسنا وحسينا فقال اللهم أني أحبها فأحبهما " وأخرجه أيضا الشيخان من حديثه بلفظ " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسن على عاتقه يقول اللهم أني أحبه فأحبه " : قوله " انك لابنة نبي " إنما قال لها ذلك لأنها من ذرية هرون وعمها موسى وبنو قريظة من ذرية هرون فسمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هرون أبا لها وبينها وبينه آباء متعددون وكذلك جعل الحسن ابنا له وهو ابن ابنته وكذلك الحسين كما في سائر الأحاديث ووصف نفسه بأنه ابن عبد المطلب وهو جده وجعل الأنصار حكم الأنصار كله يدل على أن حكم أولاد الأولاد حكم الأولاد فمن وقف على خلاف ومما يؤيد القول بدخول أولاد البنات ما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي عن أبي موسى الأشعري قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن أخت القوم منهم " وللأحاديث المذكورة في الباب فوائد خارجة عن مقصود المصنف من ذكرها في هذا الباب والتعرض لذلك يستدعي بسطا طولا لفتقتصر على بيان المطلوب منها ههنا
باب ما يصنع بفاضل مال الكعبة
1 -
عن أبي وائل قال " جلست إلى شيبة في هذا المسجد فقال جلس إلى عمر في مجلسك
هذا فقال لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء الا قسمتها بين المسلمين ما أنت
بفاعل قال لم قلت لم يفعله صاحباك فقال هما المرآن يقتدي بهما "
- رواه أحمد والبخاريز
2 -
وعن عائشة قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لولا أن قومك
حديثو عهد بجاهلية أو قال بكفر لانفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها
بالأرض ولأدخلت فيها من الحجر "
- رواه مسلم
- قول " جلست إلى شيبة " هو ابن عثمان بن طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الله بن عبد الدار بن قصي العبدري الحجبي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة نسبة إلى حجابة الكعبة . قوله " فيها " أي في الكعبة والمراد بالصفراء الذهب والبيضاء الفضة قال القرطبي غلط من ظن أن المراد بذلك حلية الكعبة وإنما أراد الكنز الذي بها وهو ما كان يهدي إليها فيدخر ما يزيد عن الحاجة وأما الحلى فمحبسة عليها كالقناديل فلا يجوز صرفها في غيرها . قال ابن الجوزي كانوا في الجاهلية يهدون إلى الكعبة المال تعظيما لها فيجتمع فيها . قوله " هما المرآن " تثنية مرء بفتح الميم ويجوز ضمها والراء ساكنة على كل حال بعدها همزة أي الرجلان قوله يقتدي بهما في رواية للبخاري أقتدي بها قال ابن بطال أراد عمر بذلك لكثرة انفاقه في منافع المسلمين ثم لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتعرض له أمسك وإنما ترك ذلك لأن ما جعل في الكعبة وسبل لها يجري مجرى الأوقاف فلا يجوز تغييره عن وجهه وفي ذلك تعظيم للإسلام وترهيب للعدو . قال في الفتح أما التعليل الأول فليس بظاهر من الحديث بل يحتمل أن يكون تركه صلى الله عليه وآله وسلم رعاية لقلوب قريش كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ثم أيد هذا الاحتمال بحديث عائشة المذكور في الباب ثم قال فهذا هو التعليل المعتمد اه والمصير إلى هذا الاحتمال لا بد منه لنصه صلى الله عليه وآله وسلم عليه فلا يلتفت إلى الاحتمالات المخالفة له وعلى هذا فإنفاقه جائز كما جاز لابن الربير بناء البيت على قواعد إبراهيم لزوال السبب الذي لأجله ترك بناءه صلى الله عليه وآله وسلم . واستدل التقي السبكي بحديث أبي وائل هذا على جواز تحلية الكعبة بالذهب والفضة وتعليق قناديلهما فيها وفي مسجد المدينة فقال هذا الحديث عمدة في مال الكعبة وهو ما يهدي إليها أو ينذر لها قال وأما قول الشافعي لا يجوز تحلية الكعبة بالذهب والفضة ولا تعليق قناديلهما فيها ثم حكى وجهين في ذلك أحدهما الجواز تعظيما كما في المصحف والآخر المنع إذ لم يقل أحد من السلف به فهذا مشكل لأن للكعبة من التعظيم ما لليس لبقية المساجد بدليل تجويز سترها بالحرير والديباج وفي جواز ستر المساجد بذلك خلاف ثم تمسك للجواز بما وقع في أيام الوليد بن عبد الملك من تذهيبه سقوف المسجد النبوي قال ولم ينكر ذلك عمر ابن عبد العزيز ولا أزاله في خلافته ثم استدل للجواز بأن تحريم استعمال الذهب والفضة إنما هو فيما يتعلق بالأواني المعدة للأكل والشرب ونحوهما قال وليس في تحلية المساجد بالقناديل الذهب شيء من ذلك ويجاب عنه بأن حديث أبي وائل لا يصلح للاستدلال به على جواز تحلية الكعبة وتعليق القناديل من الذهب والفضة كما زعم لأنه إن أراد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على ذلك وقرره فقد عرفت الحامل له صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وإن أراد الإجماع من الصحابة أو ممن بعدهم عليه فممنوع وإن أراد غير ذلك فما هو . وأما القياس على ستر الكعبة بالحرير والديباج فقد تعقب بأن تجويز ذلك قام الإجماع عليه وأما التحلية بالذهب والفضة فلم ينقل عن فعل من يقتدي به كما قال في الفتح وفعل الوليد وترك عمر بن عبد العزيز لا حجة فيهما نعم القول بالتحريم يحتاج إلى دليل ولا سيما مع ما قدمنا من اختصاص تحريم استعمال آنية الذهب والفضة بالأكل والشرب ولكن لا أقل من الكراهة فإن وضع الأموال التي ينتفع بها أهل الحاجات في المواضع التي لا ينفع الوضع فيها آجلا ولا عاجلا مما لا شك في كراهته
كتاب الوصايا
باب الحث على الوصية والنهي عن الحيف فيها وفضيلة التنجيز حال الحياة
1 -
عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما حق امرئ مسلم يبيت
ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه الا ووصيته مكتوبة عند رأسه "
- رواه الجماعة واحتج به من يعمل بالخط إذا عرف
-
قوله " كتاب الوصايا " قال في الفتح الوصايا جمع وصية كالهدايا وتطلق
على فعل الموصى وعلى ما يوصى به من مال أو غيره من عهد ونحوه فتكون بمعنى المصدر
وهو الأيصاء وتكون بمعنى المفعول وهو الأسم . وهي في الشرع عهد خاص مضاف إلى ما
بعد الموت قال الأزهري الوصية من وصيت الشيء بالتخفيف أصيه إذا وصلته وسميت وصية
لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته ويقال وصية بالتشديد ووصاة بالتخفيف
بغير همز وتطلق شرعا أيضا على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات :
قوله " ما حقط ما نافية بمعنى ليس والخبر ما بعد إلا . وروى الشافعي عن سفيان
بلفظ " ما حق امرئ يؤمن بالوصية " الحديث أي يؤمن بأنها حق كما حكاه ابن
عبد البر عن ابن عيينة وروراه ابن عبد البر والطحاوي بلفظ " لا يحل لامرئ
مسلم له مال " وقال الشافعي معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم الا أن
تكون وصيته مكتوبة عند وكذا قال الخطابي : قوله " مسلم " قال في الفتح
هذا الوصف خرج مخرج العالب فلا مفهوم له او ذكر للتهييج لتقع المبادرة إلى
الأمتثال لما يشعر به من نفي الإسلام عن ترك ذلك ووصية الكافر جائزة في الجملة
وحكى ابن المنذر فيه الإجماع : قوله يبيت صفة لمسلم كما جزم به الطيبي . قوله
" ليلتين " في رواية للبيهقي وأبي عوانة ليلة أو ليلتين . لمسلم
والنسائي ثلاث ليال . قال الحافظ وكأن ذكر الليلتين والثلاث لرفع الحرج لتزاحم
أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها ففسح له هذا القدر ليتذكر ما يحتاج إليه واختلاف
الروايات فيه دال على أنه للتقريب لا للتحديد والمعنى لا يمضي عليه زمان وإن كان
قليلا الا ووصيته مكتوبه وفيه اشارة إلى اغتفار الزمن اليسير وكأن الثلاث غاية
التأخير ولذلك قال ابن عمر لم أبت ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يقول ذلك الا ووصيتي عندي . قال الطيبي في تخصيص الليلتين والثلاث بالذكر
تسامح في إرادة المبالغة أي لا ينبغي أن يبيت زمنا ما وقد سامحناه في الليلتين
والثلاث فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك . قال العلماء لا يندب أن يكتب جميع الأشياء
المحقرة ولاما جرت العادة بالخروج منه والوفاء به عن قرب . ( وقد استدل ) بهذا
الحديث مع قوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } الآية على وجوب الوصية
وبه قال جماعة من السلف منهم عطاء والزهري وأبو مجلز وطلحة بن مصرف في آخرين وحكاه
البيهقي عن الشافعي في القديم وبه قال إسحاق وداود وأبو عوانة الأسفرايني وابن
جرير . قال في الفتح وآخرون وذهب الجمهور إلى أنها مندوبة وليست بواجبة ونسب ابن
عبد البر القول بعدم الوجوب إلى الإجماع وهي مجازفة لما عرفت . وأجاب الجمهور عن
الآية بأنها منسوخة كما في البخاري عن ابن عباس قال " كان المال للولد وكانت
الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل لكل واحد من الأبوين السدس . وأجاب
القائلون بالوجوب بأن الذي نسخ الوصية للوالدين والأقارب الذي يرثون وأما من لا
يرث فليس في الآية ولا في تفسير ابن عباس ما يقتضي النسخ في حقه وأجاب من قال بعدم
الوجوب عن الحديث بأن قوله " ما حق " الخ للحزم والأحتياط لأنه قد يفجؤه
الموت وهو على غير وصية . وقيل الحق لغة الشيء الثابت ويطلق شرعا على ما يثبت به
الحكم وهو أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا وقد يطلق على المباح قليلا قاله القرطبي
وأيضا تفويض الأمر إلى أرادة الموصي يدل على عدم الوجوب ولكنه يبقى الأشكال في
الرواية المتقدمة بلفظ " لا يحل لامرئ مسلم " وقد قيل أنه يحتمل ان
روايها ذكرها بالمعنى وأراد ينفي الحل ثبوت الجواز بالمعنى الأعم الذي يدخل تحته
الواجب والمندوب والمباح وقد اختلف القائلون بالوجوب فقال أكثرهم تجب الوصية في
الجملة وقال طاوس وقتادة وجابر بن زيد في آخرين تجب للقرابة الذي لا يرثون خاصة .
وقال أبو ثور وجوب الوصية في الآية والحديث يختص بمن عليه حق شرعي يخشى أن يضيع
على صاحبه ان لم يوص به كالوديعة والدين ونحوهما قال ويدل على ذلك تقييده بقوله
" له شيء يريد أن يوصي فيه " قال في الفتح وحاصله يرجع إلى قول الجمهور
ان الوصية غير واجبة بعينها وإنما الواجب بعينه الخروج من الحقوق الواجبة للغير
سواء كان بتنجيز أو وصية ومحل وجوب الوصية إنما هو إذا كان عاجزا عن تنجيزه ولم
يعلم بذلك غيره ممن يثبت الحق بشهادة فأما إذا كان قادرا أو علم بها غيره فلا وجوب
قال وعرف من مجموع ما ذكرنا ان الوصية قد تكون واجبة وقد تكون مندوبة فيمن رجامتها
كثرة الأجر ومكروهة في عكسه ومباحة فيمن استوى الأمران فيه ومحرمة فيما إذا كان
فيها اضرار كما ثبت عن ابن عباس " الأضرار في الوصية من الكبائر " رواه
سعيد بن منصور موقوفا بإسناد صحيح ورواه النسائي مرفوعا ورجاله ثقات . قد استدل من
قال بعدم وجوب الوصية بما ثبت في البخاري وغيره عن عائشة أنها انكرت أن يكون رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى وقالت متى أوصى وقد مات بين سحري ونحري وكذلك
ما ثبت أيضا في البخاري عن ابن أبي أوفى أنه قال " ان النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لم يوص " وأخرج أحمد وابن ماجه قال الحافظ بسند قوي عن ابن عباس في
أثناء حديث فيه أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس قال في
آخره مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يوص قالوا ولو كانت الوصية واجبة
لما تركها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأجيب بأن المراد بنفي الوصية منه
صلى الله عليه وآله وسلم نفي الوصية بالخلافة لا مطلقا بدليل أنه قد ثبت عنه صلى
الله عليه وآله وسلم بعدة أمور كأمره صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه لعائشة
بانفاق الذهيبة كما ثبت من حديثها عند أحمد وابن سعد وابن خزيمة . وفي المغازي
لابن إسحاق عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لم يوص رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم عند موته الا بثلاث لكل من الداريين والرهاويين والأشعريين بجاد مائة
وسق من خيبر وان لا يترك في جزيرة العرب دينان وأن ينفذ بعث أسامة . وفي صحيحي مسلم
عن ابن عباس وأوصى بثلاث أن يجيزوا الوفد بنحوما كنت أجيزهم الحديث . وأخرج أحمد
والنسائي وابن سعد عن أنس " كانت غاية وصية رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم " وله شاهد من حديث علي عند أبي
داود وابن ماجه . ومن حديث أم سلمة عند النسائي بسند جيد
والأحاديث في هذا الباب كثيرة أورد منها صاحب الفتح في كتاب الوصايا شطرا صالحا
وقد جمعت في ذلك رسالة مستقلة . واستدلوا أيضا على توجيه نفي من نفي الوصية مطلقا
إلى الخلافة بما في البخاري عن عمر " قال مات رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ولم يستخلف " وبما أخرجه أحمد والبيهقي عن علي " أنه لما ظهر يوم
الجمل قال يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعهد إلينا في
هذه الإمارة شيئا " الحديث . قال القرطبي كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بالخلافة لعلي فرد ذلك جماعة من الصحابة وكذا
من بعدهم فمن ذلك ما استدلت به عائشة يعني الحديث المتقدم . ومن ذلك إن عليا لم
يدع ذلك لنفسه ولا بعد أن ولى الخلافة ولا ذكره لأحد من الصحابة يوم السقيفة
وهؤلاء ينتقصون عليا من حيث قصدوا تعظيمه لأنهم نسبوه مع شجاعته العظمى وصلابته
إلى المداهنة والتقييد والأعراض عن طلب حقه مع قدرته على ذلك اه ولا يخفى أن نفي
عائشة للوصية حال الموت لا يستلزم نفيها في جميع الأوقات فإذا أقام البرهان الصحيح
من يدعي الوصاية في شيء معين قبل . قوله " مكتوبة عند رأسه " استدل بهذا
على جواز الأعتماد على الكتابة والخط ولو لم يقترن بالشهادة وخص محمد بن نصر من
الشافعية ذلك بالوصية لثبوت الخبر فيها دون غيرها من الأحكام . قال الحافظ وأجاب
الجمهور بأن الكتابة ذكرت لما فيها من ضبط المشهود به قالوا ومعنى قوله "
وصيته مكتوبه عنده " أي بشرطها . وقال المحب الطبري اضمار الأشهاد فيه بعد
وأجيب بأنهم استدلوا على اشتراط الاشهاد بأمر خارج كقوله تعالى { شهادة بينكم إذا
حضر أحدكم الموت حين الوصية } فإنه يدل على اعتبار الاشهاد في الوصية وقال القرطبي
ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التوثق وإلا فالوصية المشهود بها متفق عليها ولو لم
تكن مكتوبة اه وقد استوفينا الأدلة على جواز العمل بالخط في الاعتراضات التي
كتبناها على رسالة الجلال في الهلال فليراجع ذلك فإنه مفيد
2 -
وعن أبي هريرة " قال جاء رجل فقال يا رسول الله أي الصدقة أفضل أو أعظم أجرا
قال أما وأبيك لتفتأن أن تصدق وأنت شحيح صحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تمهل
حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
- قوله " أي صدقة أفضل أو أعظم " في رواية للبخاري أفضل وفي أخرى له أعظم . قوله " لتفتأن " بفتح اللام وضم الفوقية وسكون الفاء وبعدها فوقية أيضا ثم همزة مفتوحة ثم نون مشددة وهو من الفتيا وفي نسخة " لتنبأن " بضم التاء وفتح النون بعدها ياء موحدة ثم همزة مفتوحة ثم نون مشددة من النبأ . قوله " أن تصدق " بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين وأصله أن تتصدق والتشديد على الأدغام : قوله " شحيح " قال صاحب المنتهى الشح بخل مع حرص . وقال صاحب المحكم الشح مثلث الشين والضم أولى . وقال صاحب الجامع كأن الفتح في المصدر والضم في الاسم قال الخطابي فيه ان المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه وإن سخاوته بالمال في مرضه لا تمحو عنه سمة البخل فلذلك شرط صحة البدن في الشح بالمال لانه في الحالتين يجد للمال وقعا في قلبه لما يأمله من البقاء فيحذر معه الفقر . قال ابن بطال وغيره لما كان الشح غالبا في الصحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر بخلاف من يئس من الحياة ورأى مصير المال لغيره : قوله " وتأمل " بضم الميم أي تطمع . قوله " ولا تمهل " بالإسكان على أنه نهي وبالرفع على أنه نفي ويجوز النصب . قوله " حتى إذا بلغت الحلقوم " أي قاربت بلوغه إذ لو بلغته حقيقة لم يصح شيء من تصرفاته والحلقوم مجرى النفس . قاله أبو عبيدة . قوله " قلت لفلان كذا " الخ قال في الفتح الظاهر إن هذا المذكور على سبيل المثال . وقال الخطابي فلان الأول والثاني الموصي له فلان الأخير الوارث لأنه إن شاء ابطله وإن شاء أجازه . وقال غيره يحتمل أن يكون المراد بالجمع من يوصي له وإنما أدخل كان في الثالث اشارة إلى تقدير القدر له بذلك . وقال الكرماني يحتمل أن يكون الأول للوارث والثاني الموروث والثالث الموصى له . قال الحافظ ويحتمل أن يكون بعضها وصية وبعضها إقرارا ( والحديث يدل ) على أن تنجيز وفاء الدين والتصدق في حال الصحة أفضل منه حال المرض لأنه في حال الصحة يصعب عليه اخراج المال غالبا لما يخوفه به الشيطان ويزين له من امكان طول العمر والحاجة إلى المال كما قال تعالى { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } وفي معنى الحديث قول تعالى { وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت } الآية . وفي معناه أيضا ما أخرج الترمذي بإسناد حسن وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء مرفوعا . قال " مثل الذي يعتق ويتصدق عند موته مثل الذي يهدي إذا شبع " وأخرج أبو داود وصححه ابن حبان من حديث أبي سعيد مرفوعا " لأن يتصدق الرجل في حايته وصحته بدرهم خير له من أن يتصدق عند موته بمائة "
3 -
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " ان الرجل ليعمل أو
المرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فيجب لهما النار
ثم قرأ أبو هريرة من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله إلى قوله
وذلك الفوز العظيم "
- رواه أبو داود والترمذي . ولأحمد وابن ماجه معناه وقالا فيه " سبعين سنة
"
- الحديث حسنه الترمذي وفي إسناده شهر بن حوشب وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة . ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ولفظ أحمد وابن ماجه الذي أشار إليه المصنف أن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وان الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيدخل الجنة " وفيه وعيد شديد وزجر بليغ وتهديد لأن مجرد المضارة في الوصية إذا كانت من موجبات النار بعد العبادة الطويلة في السنين المتعددة فلا شك أنها من الذنوب التي لا يقع في مضيقها الا من سبقت له الشقاوة وقراءة أبي هريرة للآية لتأييد معنى الحديث وتقويته لان الله سبحانه قد قيد ما شرعه من الوصية بعدم الضرار فتكون الوصية المشتملة على الضرار مخالفة لما شرعه الله تعالى وما كان كذلك فهو معصية . وقد تقدم قريبا عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا بإسناد صحيح ان وصية الضرار من الكبائر وذلك مما يؤيد معنى الحديث فما أحق وصية الضرار بالابطال من غير فرق بين الثلث وما دونه وما فوقه وقد جمعت في ذلك رسالة مشتملة على فوائد لا يستغني عنها
باب ما جاء في كراهة مجاوزة الثلث والأيصاء للوارث
1 -
عن ابن عباس قال " لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قال الثلث كثير "
- متفق عليه
2 -
وعن سعد بن أبي وقاص " انه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يعودني من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله اني قد بلغ بي الوجع ما ترى وأنا ذو مال
ولا يرثني الا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قلت فالشطر يا رسول الله قال لا
قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير أو كبير أنك ان تذر ورثتك أغنياء خير من أن
تدعهم عالة يتكففون الناس "
- رواه الجماعة . وفي رواية أكثرهم " جاءني يعودني في حجة الوداع " وفي
لفظ " عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضي فقال أوصيت قلت نعم
قال بكم قلت بمالي كله في سبيل الله قال فما تركت لولدك قال هم أغنياء قال أوص
بالعشر فما زال يقول وأقول حتى قال أوص بالثلث والثلث كثير أو كبير " رواه
النسائي وأحمد بمعناه الا أنه قال " قلت نعم جعلت مالي كله في الفقراء
والمساكين وابن السبيل " وهو دليل على نسخ وجوب الوصية للأقربين
3 -
وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ان الله تصدق عليكم
بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم "
- رواه الدارقطني
-
حديث أبي الدرداء أخرجه أيضا أحمد وأخرجه أيضا البيهقي وابن ماجه والبزار من حديث
أبي هريرة بلفظ " ان الله تصدق عليكم عند موتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في
أعمالكم " قال الحافظ وإسناده ضعيف وأخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي من حديث
أبي أمامة بلفظ " ان الله تصدق لكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم
ليجعل لكم زكاة في أموالكم " وفي إسناده إسماعيل بن عياش وشيخه عتبة بن حميد
وهما ضعيفان . ورواه العقيلي في الضعفاء عن أبي بكر الصديق وفي إسناده خفص بن عمرو
بن ميمون وهو متروك وعن خالد بن عبد الله السلمي عند ابن عاصم وابن السكن وابن
قانع وأبي نعيم والطبراني وهو مختلف في صحبته رواه عنه ابنه الحرث وهو مجهول وقد
ذكر الحافظ في التلخيص حديث أبي الدرداء ولم يتكلم عليه : قوله " غضوا "
بمعجمتين أي نقصوا ولو للتمني فلا تحتاج إلى جواب أو شرطية والجواب محذوف ووقع
التصريح بالجواب في رواية ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان بلفظ " كان أحب إلي
" وأخرجه الإسماعيلي من طريق ومن طريق أحمد بن عبدة عن سفيان . وأخرجه من
طريق العباس بن الوليد عن سفيان بلفظ " كان أحب إلى رسول الله " قوله
" إلى الربع " زاده أحمد في الوصية وكذا ذكر هذه الزيادة الحميدي . قوله
" فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هو كالتعليل لما اختاره من
النقصان عن الثلث وكأنه أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وآله وسلم للثلث بالكثرة .
قوله " والثلث كثير " في رواية مسلم " كثير أو كبير " بالشك
هل هو بالموحدة أو المثلثة والمراد أنه كثير بالنسبة إلى ما دونه وفيه دليل على
جواز الوصية بالثلث وعلى أن الأولى أن ينقص عنه ولا يزيد عليه قال الحافظ وهو ما
يبتدره الفهم ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل أي كبير أجره
ويحتمل أن يكون معناه كثير غير قليل قال الشافعي وهذا أولى معانيه يعني أن الكثرة
أمر نسبي وعلى الأول عول ابن عباس كما تقدم والمعروف من مذهب الشافعي استحباب
النقص عن الثلث وفي شرح مسلم للنووي ان كان الورثة فقراء استحب ان ينقص منه وان
كانوا أغنياء فلا وقد استدل بذلك على انها لا تجوز الوصية بأزيد من الثلث . قال في
الفتح واستقر الإجماع على منع بأزيد من الثلث لكن اختلف فيمن ليس له وارث خاص فذهب
الجمهور إلى منعه من الزيادة على الثلث وجوز له الزيادة الحنفية وإسحاق وشريك
وأحمد في رواية وهو قول علي وابن مسعود واحتجوا بأن الوصية مطلقة في الآية فقيدتها
السنة لمن له وارث فبقي من لا وارث له على الأطلاق . وحكاه في البحر عن العترة .
قوله " قال الثلث والثلث كثير أو كبير " يعني بالمثلثة أو الموحدة وهو
شك من الراوي . قال الحافظ والمحفوظ في أكثر الروايات بالمثلثة قال الثلث بالنصب
على الأغراء أو بفعل مضمر نحو عين الثلث وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ
خبره محذوف . قوله " انك ان تذر " بفتح ان على التعليل وبكسرها على
الشرطية قال النووي هما صحيحان وقال القرطبي لا معنى للشرط ههنا لأنه يصير لا جواب
له ويبقى خير لا رافع له . وقال ابن الجوزي سمعناه من رواة الحديث بالكسر وأنكره
ابن الخشاب وقال لا يجوز الكسر لأنه لا جواب له لخلو لفظ خير عن الفاء وغيرها مما
اشترط في الجواب وتعقب بأنه لا مانع من تقديرها كما قال ابن مالك . قوله "
ورثتك " قال ابن المنير إنما عبر له صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ الورثة ولم
يقل بنتك مع أنه لم يكن له يومئذ الا ابنة واحدة لكون الوارث حينئذ لم يتحقق لان
سعدا إنما قال ذلك بناء على موته في ذلك المرض وبقائها بعده حتى ترثه وكان من
الجائز ان تمون هي قبله فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم بكلام كلي مطابق لكل حالة
وهو قول ورثتك ولم يخص بنتا من غيرها . وقال الفاكهي شارح العمدة إنما عبر صلى الله
عليه وآله وسلم بالورثة لانه اطلع على أن سعدا سيعيش ويحصل له أولاد غير البنت
المذكورة فإنه ولد له بعد ذلك أربعة بنين اه وهم عامر ومصعب ومحمد وعمر وزاد بعضهم
إبراهيم ويحيى وإسحاق وزاد ابن سعد عبد الله وعبد الرحمن وعمر أو عمران وصالحا
وعثمان وإسحاق الأصغر وعمرا الأصغر وعميرا مصغرا وذكر له من البنات ثنتي عشرة بنتا
قال الحافظ ما معناه أنه قد كان لسعد وقت الوصية ورثة غير ابنته وهم أولاد أخيه
عتبة بن أبي وقاص منهم هاشم بن عتبة وقد كان موجودا اذ ذاك . قوله " عالة
" أي فقراء وهو جمع عائل وهو الفقير والفعل منه عال يعيل إذا افتقر : قوله
" يتكففون الناس " أي يسألونهم باكفهم يقال تكفف الناس واستكف إذا بسط
كفه للسؤال أو سأل ما يكف عنه الجوع أو سأل كفافا من طعام قال ابن عبد البر وفي
هذا الحديث تقييد مطلق القرآن بالسنة لأنه سبحانه قال { من بعد وصية يوصى بها أو
دين } فأطلق وقيدت السنة الوصية بالثلث قال في الفتح وفيه أن خطاب الشارع للواحد
يعم من كان يصفته من المكلفين لاطباق العلماء على الأحتجاج بحديث سعد هذا وإن كان
الخطاب إنما وقع له بصيغة الأفراد ولقد أبعد من قال إن ذلك يختص بسعد ومن كان في
مثل حاله ممن يخلف وارثا ضعيفا أو كان ما يخلفه قليلا . وفي حديث أبي الدرداء وما
ورد في معناه دليل على أن الأذن لنا بالتصرف في ثلث أموالنا في أواخر أعمارنا من
الألطاف الألهية بنا والتكثير لأعمالنا الصالحة وهو من الأدلة الدالة على اشتراط
القربة في الوصية
4 -
وعن عمرو بن خارجة " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب على ناقته وأنا
تحت جرانها وهي تقصع بجرتها وان لغامها يسيل بين كتفي فسمعته يقول إن الله قد أعطى
كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث "
- رواه الخمسة الا أبا داود وصححه الترمذي
5 -
وعن أبي امامة قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ان الله قد
أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث "
- رواه الخمسة إلا النسائي
6 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تجوز وصية لوارث الا ان يشاء الورثة "
7 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا
وصية لوارث الا أن يجيز الورثة "
- رواهما الدارقطني
-
حديث عمرو بن خارجه أخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي . وحديث أبي أمامة حسنه الترمذي
والحافظ وفي إسناده اسمعيل بن عياش وقد قوى حديثه إذا روى عن الشاميين جماعة من
الأئمة منهم أحمد والبخاري وهذا من روايته عن الشاميين لأنه رواه عن شرحبيل بن
مسلم وهو شامي ثقة وصرح في روايته بالتحديث . وحديث ابن عباس حسنه في التلخيص وقال
في الفتح رجاله ثقات لكنه معلول فقد قيلا إن عطاء الذي رواه عن ابن عباس هو
الخراساني وهو لم يسمع من ابن عباس . وأخرج نحوه البخاري من طريق عطاء بن أبي رباح
عن ابن عباس موقوفا . قال الحافظ الا انه في تفسير وأخبار بما كان من الحكم قبل
نزول القرآن فيكون في حكم المرفوع . وأخرجه أيضا أبو داود في المراسيل عن مرسل
عطاء الخراساني ووصله يونس بن راشد عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال الحافظ
والمعروف المرسل . وحديث عمرو بن شعيب قال في التلخيص إسناده واه ( وفي الباب ) عن
أنس عند ابن ماجه . وعن جابر عند الدارقطني وصوب إرساله وعن علي عنده أيضا وإسناده
ضعيف وهو عند ابن أبي شيبة وعن مجاهد مرسلا عند الشافعي قال في الفتح ولا يخلو
إسناد كل منهامن مقال لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا بل جنح الشافعي في الأم
إلى أن هذا المتن متواتر فقال وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم
بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عام
الفتح لا وصية لوارث ويأثرونه عمن حفظوه فيه ممن لقوه من أهل العلم فكان نقل كافة
عن كافة فهو أقوى من نقل واحد وقد نازع الفخر الرازي في كون هذا الحديث متواترا
قال وعلى تقدير تسليم ذلك فالمشهور من مذهب الشافعي ان القرآن لا ينسخ بالسنة قال
الحافظ لكن الحجة في هذا اجماع العلماء على مقتضاه كما صرح به الشافعي وغيره قال
والمراد بعدم صحة وصية الوارث عدم اللزوم لأن الأكثر على أنها موقوفة على إجازة
الورثة . وقيل أنها لا تصح الوصية لوارث أصلا وهو الظاهر لأن النفي أما أن يتوجه
إلى الذات والمراد لا وصية شرعية وأما إلى ما هو أقرب إلى الذات وهو الصحة ولا يصح
أن يتوجه ههنا إلى الكمال الذي هو أبعد المجازين . وحديث ابن عباس المذكور وان دل
على صحة الوصية لبعض الورثة مع رضا البعض الآخر فهو لا يدل على أن النفي غير متوجه
إلى الصحة بل هو متوجه إليها وإذا رضى الوارث كانت صحيحة كما هو شأن بناء العام
على الخاص وهكذا حديث عمرو بن شعيب . وحكي صاحب البحر عن الهادي والناصر وأبي طالب
وأبي العباس أنها تجوز الوصية للوارث واستدلوا بقوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر
أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } قالوا في نسخ الوجوب لا
يستلزم نسخ الجواز وأجاب الجمهور عن ذلك بأن الجواز أيضا منسوخ كما صرح بذلك حديث
ابن عباس المذكور في الباب وقد اختلف في تعيين ناسخ آية الوصية للوالدين والأقربين
فقيل آية الفرائض وقيل الأحاديث المذكورة في الباب وقيل دل الإجماع على ذلك وأن لم
يتعين دليله هكذا في الفتح . وقد قيل ان الآية مخصوصة لأن الأقربين أعم من أن
يكونوا وارثين أم لا فكانت الوصية واجبة لجميهم وخص منها الوارث بآية الفرائض
وبأحاديث الباب وبقي حق من لا يرث من الأقربين من الوصية على حاله قاله طاوس وغيره
: قوله وأنا تحت " جرانها " بكسر الجيم قال في القاموس جران البعير
بالكسر مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره : قوله " وهي تقصع بجرتها " الجرة
بكسر الجيم وتشديد الراء . قال في القاموس الجرة بالكسر هيئة الجر وما يفيض عنه
البعير فيأكله ثانية وقد اجتر واجر واللقمة بها البعير إلى وقت علفه والقصع البلع
. قال في القاموس قصع كمنع ابتلع جرع الماء والناقة بجرتها ردتها إلى جوفها أو مضغتها
أو هو بعد الدسع وقبل المضغ أو هو أن تملأ بها فاها أو شدة المضغ اه : قوله "
وإن لغامها " بضم اللام بعدها غين معجمة وبعد الألف ميم هو اللعاب . قال في
القاموس لغم الجمل كمنع رمى بلعابه لزبده . قال والملاغم ما حول الفم : قوله
" الا أن يشاء الورثة " في ذلك رد على المزني وداود والسبكي حيث قالوا
أنها لا تصح الوصية بما زاد على الثلث ولو أجاز الورثة واحتجوا بالأحاديث الآتية
في الباب الذي بعد هذا ولكن في هذا الحديث وحديث عمرو بن شعيب المذكور بعده زيادة
يتعين القول بها
قال الحافظ ان صحت هذه الزيادة فهي حجة واضحة واحتجوا من جهة المعنى بأن المنع
إنما كان في الأصل لحق الورثة فإذا أجازوه لم يمتنع واختلفوا بعد ذلك في وقت
الإجازة فالجمهور على أنهم إن أجازوا في حياة الموصى كان لهم الرجوع متى شاؤا وإن
أجازوا بعد نفذ . وفصل المالكية في الحياة بين مرض الموت وغيره فألحقوا مرض الموت
بما بعده واستثنى بعضهم ما إذا كان المجيز في عائلة الموصى وخشى من امتناعه انقطاع
معروفه عنه لوعاض فإن لمثل هذا الرجوع . وقال الزهري وربيعة ليس لهم الرجوع مطلقا
واتفقوا على اعتبار كون الموصي له وارثا يوم الموت حتى لو أوصى لأخيه الوراث حيث
لا يكون للموصي ابن ثم ولد له ابن قبل موته صحت الوصية للأخ المذكور ولو أوصى
لأخيه وله ابن فمات الابن قبل موت الموصي فهي وصية لوارث
باب في أن تبرعات المريض من الثلث
1 -
عن أبي زيد الأنصاري " أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته ليس له مال غيرهم
فأقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعتق اثنين وأرق أربعة "
- رواه أحمد وأبو داود بمعناه وقال فيه " لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في
مقابر المسلمين "
2 -
وعن عمران بن حصين " أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال
غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم
فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا "
- رواه الجماعة إلا البخاري . وفي لفظ " ان رجلا أعتق عند موته رجة له فجاء
ورثته من الأعراب فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما صنع قال أو فعل
ذلك لو علمنا إن شاء الله ما صلينا عليه فأقرع بينهم فأعتق منهم اثنين وأرق أربعة
" رواه أحمد واحتج بعمومه من سوى بين متقدم العطايا ومتأخرها لأنه لم يستفصل
هل أعتقهم بكلمة أو بكلمات
- حديث أبي زيد أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح : قوله " أعتق ستة أعبد عند موته " قال القرطبي ظاهره أنه نجز عتقهم في مرضه قوله " فأقرع بينهم " هذا نص في اعتبار القرعة شرعا وهو حجة لمالك والشافعي وأحمد والجمهور على أبي حنيفة حيث يقول القرعة من القمار وحكم الجاهلية ويعتق من كل واحد من العبيد ثلثه ويستسعي في باقيه ولا يقرع بينهم وبمثل ذلك قالت الهادوية : قوله " فأعتق اثنين وأرق أربعة " في هذا أيضا حجة على أبي حنيفة ومن معه حيث يقولون يعتقون جميعا . قال ابن عبد البر في هذا القول ضروب من الخطأ والاضطراب . قال ابن رسلان وفيه ضرر كثير لأن الورثة لا يحصل لهم شيء في الحال أصلا وقد لا يحصل في الشهر خمسة دراهم أو أقل وفيه ضرر على العبيد لإلزامهم السعاية من غير اختيارهم قوله " لو شهدته قبل أن يدفن " الخ هذا تفسير للقول الشديد الذي أبهم في الرواية الأخرى وفيه تغليظ شديد وذم متبالغ وذلك لأن الله سبحانه لم يأذن للمريض بالتصرف إلا في الثلث فإذا تصرف في أكثر منه كان مخالفا لحكم الله تعالى ومشابها لمن وهب غير ماله : قوله " فجزأهم " بتشديد الزاي وتخفيفها لغتان مشهورتان أي قسمهم وظاهره أنه اعتبر عدد أشخاصهم دون قيمتهم وإنما فعل ذلك لتساويهم في القيمة والعدد . قال ابن رسلان فلو اختلفت قيمتهم لم يكن بد من تعديلهم بالقيمة مخافة أن يكون ثلثهم في العدد أكثر من ثلث الميت في القيمة : قوله " رجلة " بفتح الراء وسكون الجيم جمع رجل : قوله " ما صلينا عليه " هذا أيضا من تفسير القول الشديد المبهم في الرواية المتقدمة ( والحديثان ) يدلان على تصرفات المريض إنما تنفذ من الثلث ولو كانت منجزة في الحال ولم تضف إلى بعد الموت وقد قدمنا حكاية الإجماع على المنع من الوصية بأزيد من الثلث لمن كان له وارث والتنجيز حال مرض المخوف حكمه حكم الوصية . واختلفوا هل يعتبر ثلث التركة حال الوصية أو حال الموت وهما وجهان للشافعية أصحهما الثاني وبه قال أبو حنيفة وأحمد والهادوية وهو قول علي رضي الله عنه وجماعة من التابعين وقال بالأول مالك وأكثر العراقيين والنخعي وعمر بن عبد العزيز وتمسكوا بأن الوصية عقد والعقود تعتبر بأولها وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله اعتبر ذلك حال النذر اتفاقا وأجيب بأن الوصية ليست عقدا من كل وجه ولذلك لا يعتبر فيها الفورية ولا القبول وبالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع فيها والنذر يلزم وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصية واختلفوا أيضا هل يحسب الثلث من جميع المال أو يتقيد بما علمه الموصى دون ما خفي عيله أو تجدد له ولم يعلم به وبالأول قال الجمهور وبالثاني قال مالك . وحجة الجمهور أنه لا يشترط أن يستحضر مقدار المال حال الوصية اتفاقا ولو كان عالما بجنسه فلو كان العلم به شرطا لما جاز ذلك
باب وصية الحربي إذا أسلم ورثته هل يجب تنفيذها
1 -
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة
رقبة فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية
فقال يا رسول الله إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة وإن هشاما أعتق عنه خمسين رقبة
وبقيت خمسون رقبة أفأعتق عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كان مسلما
فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك "
- رواه أبو داود
- الحديث سكت عنه أبو داود وأشار المنذري إلى الأختلاف في حديث عمرو بن شعيب وقد قدمنا غير مرة أن حديثه عن أبيه عن جده من قسم الحسن . وقد صحح له الترمذي بهذا الإسناد عدة أحاديث والحديث يدل على أن الكافر إذا أوصى بقربة من القرب لم يلحقه ذلك لأن الكفر مانع وهكذا لا يلحقه ما فعله قرابته المسلمون من القرب كالصدقة والحج والعتق من غير وصية منه ولا فرق بين أن يكون الفاعل لذلك ولدا أو غيره وليس في هذا الحديث ما يدل على عدم صحة وصية الكافر إذ لا ملازمة بين عدم قبول ما أوصى به من القرب وعدم صحة الوصية مطلقا نعم فيه دليل أنه لا يجب على قريب الكافر من المسلمين تنفيذ وصيته بالقرب . قال في البحر مسألة ولا تصح يعني الوصية من كافر في معصية كالسلاح لأهل الحرب . وبناء البيع في خطط المسلمين . وتصح بالمباح إذا لا مانع اه
باب الإيصاء بما يدخله النيابة من خلافة وعتاقة ومحاكمة في نسب وغيره
1 -
عن ابن عمر قال " حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه وقالوا جزاك الله خيرا فقال
راغب وراهب قالوا استخلف فقال اتحمل أمركم حيا وميتا لوددت أن حظي منها الكفاف لا
على ولالى فإن استخلفمن هو خير مني يعني أبو بكر وأن اترككم فقد ترككم من هو خير
مني يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عبد الله فعرفت أنه حين ذكر رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم غير مستحلف "
- متفق عليه
2 -
وعن عائشة " أن عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص اختصما إلى النبي صلى الله عليه
وآله وسلم في ابن أمة زمعة فقال سعد يا رسول الله أوصاني أخي إذا قدمت أن أنظر ابن
أمة زمعة فاقبضه فإنه ابني وقال ابن زمعة أخي وابن أمة أبي ولد على فراش أبي فرأى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم شبها بينا بعتبة فقال هو لك يا عبد بن زمعة الولد
للفراش واحتجبي منه يا سودة "
- رواه البخاري
2 -
وعن الشريد بن سويد الثقفي " أن أمة أوصت أن يعتق عنها رقبة مؤمنة فسأل رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال عندي جارية سوداء فقال أئت بها فدعا بها
فجاءت فقال لها من ربك قالت الله قال من أبا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها
مؤمنة "
- رواه أحمد والنسائي
- حديث الشريد رواه النسائي من طريق موسى بن سعيد وهو صدوق لابأس به وبقية رجاله ثقات . وقد أخرجه أبو داود وابن حبان قوله " فقد استخلف من هو خيرا مني " استدل بهذا المصنف على جواز الوصية بالخلافة وقد ذهب الأشعرية والمعتزلة إلى أن طريقها العقد والأختيار في جميع الأزمان وذهب العترة إلى أن طريقها الدعوة وللكلام في هذا محل آخر . قوله " إنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير مستخلف " يعني أنه سيقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ترك الاستخلاف ويدع الاقتداء بأبي بكر وإن كان الكل عنده جائزا ولكن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الترك أولى من الاقتداء بأبي بكر في الفعل قوله " وعن عائشة أن عبد بن زمعة " سيأتي الكلام على هذا الحديث في باب أن الولد للفراش ان شاء الله لأن المصنف رحمه الله سيذكره هنالك وهو الموضع الذي يليق به وإنما ذكره ههنا للاستدلال به على جواز الإيصاء بالنيابة في دعوى النسب والمحاكمة . ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على سعد بن أبي وقاص دعواه بوصاية أخيه في ذلك ولو كانت النيابة بالوصية في مثله غير جائزة لا نكر عليه . قوله " وعن الشريد بن سويد " الخ استدل به المصنف على جواز النيابة في العتق بالوصية وجهه أنه أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الوصية ولم يبين أن مثل ذلك لا يجوز ولو كان غير جائز لبينه لما نقرر من عدم جواز تأخر البيان عن وقت حاجة . قوله " فقال لها من ربك " الخ قد اكتفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعرفة الله والرسول في كون تلك الرقبة مؤمنة وقد ثبت مثل ذلك في عدة أحاديث . منها حديث معاوية بن الحكم السلمي عند مسلم وغيره . ومنها عن رجل من الأنصار عند أحمد ومنها عن أبي هريرة عند أبي داود وعن حاطب عند أبي أحمد الغسان في كتاب السنة وعن ابن عباس عند الطبراني وغير ذلك
باب وصية من لا يعيش مثله
1 -
عن عمرو بن ميمون قال " رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام
بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال كيف فعلتما أتخافا أن تكونا
قد حملتما الأرض مالا تطيق قالا حملناها أمرا هي له مطيقة وما فيها كثير فضل قال
أنظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق قال قالا لا فقال عمر لئن سلمني الله
لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلي رجل بعدي أبدا قال فما أتت عليه رابعة حتى
أصيب قال أني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب وكان إذا مر بين
الصفين قال أستووا حتى إذا لم ير فيهن خلل تقدم وكبر وربما قرأ سورة يوسف أو النحل
أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول قتلني
أو أكلني الكلب حين طعنه فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا
شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم تسعة فلما رأى ذلك رجل من
المسلمين طرح عليه يرنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه وتناول عمر يد عبد
الرحمن بن عوف فقدمه فمن يلي عمر فقد فقد رأى الذي أرى وأما نواحي المسجد فإنهم لا
يدرون غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهو يقول سبحان الله سبحان الله فصلى بهم عبد
الرحمن صلاة خفيفة فلما أنصرفوا قال يا ابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء
فقال غلام المغيرة فقال الصنع قال نعم قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد
الله الذي لم يجعل منيتي بين ورجل يدعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك أن تكثر العلوج
بالمدينة وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن شئت فعلت أي إن شئت قتليا قال كذبت
بعدما تكلموا بلسانكم وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم فاحتمل إلى بيته فأنطلقا معه وكأن
الناس لم تصبهم مصيبه قبل يومئذ فقائل يقول أخاف عليه فأتى بنبيذ فشربه فخرج من
جوفه ثم أتى بلبن فشربه فخرج من جرحه فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون
عليه وجاء رجل شاب فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة فقال
وددت ذلك كفافا لا على ولا لي فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض فقال ردوا على الغلام
قال يا أخي ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك واتقي لربك يا عبد الله بن عمر أنظر ما على
من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانون ألفا ونحوه وقال إن وفي له مال آل عمر فأده من
أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى
غيرهم فأدعني هذا المال إنطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليكم عمر السلام
ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أمير وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن
يدفن مع صاحبيه
فسلم وأستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عمر بن الخطاب عليكم
السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريده لنفسي ولاؤثرنه به اليوم على
نفسي فلما أقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء قال أرفعوني فاسنده رجل إليه فقال ما
لديك الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد الله ما كان شيء أهم إلي من ذلك
فإذا قبضت فأحملوني ثم سلم فقل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني وإن
رددتني فردوني إلى مقابر الرسول وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير تتبعها فلما
رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة وأستأذن الرجال فولجت داخلا لهم فسمعنا
بكاءها من الداخل فقالوا أوص يا أمير المؤمنين استخلف فقال ما أجد أحق بهذا الأمر
من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهم وهو
عنهم راض فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن وقال يشهدكم عبد الله
بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت إلا مرة سعدا فهو ذاك
وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعز له من عجز ولا خيانة وقال أوصى الخليفة
من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار
خيرا الذي تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم وأن يعفى عن مسئهم
وأوصيه بأهل الأمصار خيرا فهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدو وإن لا يؤخذ
منهم إلا فضلهم عن رضاهم وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام أن
يؤخذ من حواشي أموالهم ويرد في فقرائهم وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله أن يوفي لهم
بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلف إلا طاقتهم فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي
فسلم عبد الله بن عمر فقال يستأذن عمر بن الخطاب قالت أدخلوه فأدخل فوضع هنالك مع
صاحبيه فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن اجعلوا أمركم إلى
ثلاثة منكم فقال الزبير قد جعلت أمري إلى علي فقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان
وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف فقال عبد الرحمن بن عوف أيكما تبرأ
من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام ينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان
فقال عبد الرحمن أفتجعلونه إلي والله على أن لا آلو عن أفضلكم قالا نعم فأخذ بيد
أحدهم فقال لك من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقدم في الإسلام ما
قد علمت فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن ثم خلا بالآخر
فقال له مثل ذلك فلما أخذ الميثاق قال أرفع يدك يا عثمان وبايعه على وولج أهل
الدار فبايعوه "
- رواه البخاري وقد تمسك به من رأى للوصي والوكيل أن يوكلا
-
قوله " عن عمرو بن ميمون " هو الأودي وهذا الحديث بطوله رواه عن عمر بن
ميمون جماعة : قوله " قبل أن يصاب بأيام " أي أربعة كما بينا فيما بعد :
قوله " بالمدينة " أي بعد أن صدر من الحج قوله " أن تكونا حملتما
الأرض ما لا تطيق " الأرض المشار إليها هي أرض السواد وكان عمرم بعثهما
يضربان عليها الخراج وعلى أهلها الجزية كما بين ذلك أبو عبيد في كتاب الأموال من
رواية عمرو بن ميمون المذكور والمراد بقوله انظرا أي في التحميل أو هو كناية عن
الحذر لأنه يستلزم النظر : قوله " قال حملناها أمر هي له مطيقة " في
رواية ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن حصين بهذا الإسناد فقال حذيفة لو شئت
لأضعفت أرضي أي جعلت خراجها ضعفين وقال عثمان بن حنيف لقد حملت أرضي أمرا هي له
مطيقة وفي رواية له أن عمر قال لعثمان ابن حنيف لئن زدت على كل رأس درهمين وعلى كل
جريب درهما وقفيزا من طعام لأطاقوا ذلك قال نعم قوله " إني لقائم " أي
في الصف ننتظر صلاة الصبح " قوله قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه " في
رواية أخرى " فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فناجى عمر غير يعيد ثم
طعنه ثلاثة طعنات فرأيت عمر قائلا بيده هكذا يقول دونكم الكلب فقد قتلني واسم أبي
لؤلؤة فيروز وروى ابن سعد بإسناد صحيح إلى الزهري قال " كان عمر لا يأذن لسبي
قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيره بن شعبة وعلى الكوفة يذكر له غلاما عنده
صنعا ويستأذنه أن يدخله المدينة ويقول ان عنده أعمالا تنفع الناس أنه حداد نقاش
نجار فأذن له فضرب عليه المغيرة كل شهر مائة فشكا إلى عمر شدة الخراج فقال له عمر
ما خراجك بكثير في جنب ما تعمل فانصرف ساخطا فلبث عمر ليالي فمر به العبد فقال له
ألم أحدثك انك تقول لو أشاء لصنعت رحا تطحن بالريح فالتفت إليه عابسا فقال له
لاصنعن لك رحا يتحدث الناس بها فأقبل عمر على من معه فقال توعدني العبد فلبث ليالي
ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين نصابه وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس
حتى خرج عمر يوقظ الناس الصلاة وكان عمر يفعل ذلك فلما دنا منه عمر وثب عليه فطعنه
ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته . قوله " حتى طعن
ثلاثة عشر رجلا " في رواية ابن إسحاق أثني عشر رجلا معه وهو ثالث عشر وزاد
ابن إسحاق من رواية إبراهيم التيمي عن عمر وبن ميمون وعلى عمر ازار أصفر قد رفعه
على صدره فلما طعن قال وكان أمر الله قدرا مقدورا . قوله " مات منهم تسعة
" أي وعاش الباقون . قال الحافظ وقفت من أسمائهم على كليب بن البكير الليثي :
قوله " فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا " وقع في ذيل الاستيعاب
لابن فتحون من طريق سعيد بن يحيى الأموي قال حدثنا أبي حدثني من سمع حصين بن عبد
الرحمن في هذه القصة قال فلما رأى ذلك رجل من المهاجرين يقال له خطاب التميمي
اليربوعي فذكر الحديث . وروى ابن سعد بإسناد ضعيف منقطع قال فأخذ أبا لؤلؤة رهط من
قريش منهم عبد الله بن عوف وهاشم بن عتبة الزهريان ورجل من بني تميم وطرح عليه عبد
الله بن عوف خمصة كانت عليه . قال الحافظ فإن ثبت هذا حمل على أن الكل اشتركوا في
ذلك . قوله " فقدمه " أي للصلاة بالناس . قوله " فصلى بهم عبد
الرحمن صلاة خفيفة " في رواية ابن إسحاق بأقصر سورتين في القرآن إنا أعطيناك
الكوثر وإذا نصر الله والفتح
زاد في رواية ابن شهاب ثم غلب على عمر النزف فغشى عيله فاحتملته في رهط حتى أدخلته
بيته فلم يزل في غشيته حتى اسفر فنظر في وجوهنا فقال أصلي الناس فقلت نعم قال لا
اسلام لمن ترك الصلاة ثم توضأ وصلى . وفي رواية ابن سعد من طريق ابن عمر قال فتوضأ
وصلى الصبح فقرأ في الأولى والعصر وفي الثانية قل يا أيها الكافرون قال وتساند إلى
وجرحه يثعب دما اني لا أضع أصبعي الوسطى فما تسد الفتق . قوله " فلما انصرفوا
قال يا بن عباس انظر من قتلني " في رواية ابن إسحاق فقال عمر يا عبد الله بن
عباس اخرج فناد في الناس عن ملأ منكم كان هذا فقالوا معاذ الله ماعلمنا ولا اطلعنا
. وزاد مبارك بن فضالة فظن عمر أن له ذنبا إلى الناس لا يعلمه فدعا ابن عباس وكان
يحبه ويدنيه فقال أحب أن تعلم عن ملأ من الناس كان هذا فخرج لا يمر بملأ من الناس
الا وهم يبكون فكأنما فقدوا أبكار أولادهم . قال ابن عباس فرأيت البشر في وجهه .
قوله " الصنع " بفتح المهملة والنون وفي رواية ابن فضيل عن حصين عند ابن
أبي شيبة وابن سعد الصناع بتخفيف النون قال أهل اللغة رجل صنع اليد واللسان وامرأة
صناع . وحكى أبو زيد الصناع والصنع بقعان معا على الرجل والمرأة : قوله " لم
يجعل ميتتي " بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها مثناة فوقية أي قتلني . وفي
رواية الكشميهني منيتي بفتح الميم وكسر النون وتشديد التحتانية . قوله " رجل
يدعى الاسلام " في رواية ابن شهاب فقال الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي لم
يحاجني عند الله لسجدة سجدها له قط وفي رواية مبارك بن فضالة يحاجني يقول الا إله
إلا الله . وفي حديث جابر فقال عمر لا تعجلوا على الذي قتلني فقيل إنه قد قتل نفسه
فاسترجع عمر فقيل له أنه أبو لؤلؤرة فقال الله أكبر . قوله " قد كنت أنت
وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة " في رواية ابن سعد فقال عمر هذا من عمل
أصحابك كنت أريد أن لا يدخلها علج من السبي فغلبتموني . وروى عمر بن شبة من طريق
ابن سيرين قال بلغني إن العباس قال لعمر لما قال لا تدخلوا علينا من السبي إلا
الوصف ان عمر أهل المدينة شديد لا يستقيم الا بالعلوج . قوله " إن شئت فعلت
" الخ قال ابن التين إنما قاله ذلك لعلمه بإن عمر لا يأمره بقتلهم . قوله
" كذبت " الخ هو على ما ألف من شدة عمر في الدين لأنه قهم من ابن عباس
ان مراده إن شئت قتلناهم فأجابه بذلك وأهل الحجاز يقولون كذبت في موضع أخطأت ولعل
ابن عباس إنما أراد قتل من لم يسلم منهم . قوله " فأتى بنبيذ فشربه "
زاد في حديث أبي رافع لنظر ما قدر جرحه . قوله " فخرج من جرحه " هذه
رواية الكشميهني وهي الصواب ورواية غيره فخرج من جوفه وفي رواية أبي رافع فخرج
النبيذ فلم يدر أنبيذ هو أم دم . وفي رواية أيضا فقال لا بأس عليك يا أمير المؤمنين
فقال إن يكن القتل بأسا فقد قتلت والمراد بالنبيذ المذكور تمرات نبذن في ماء أن
نقعت فيه كانوا يصنعون ذلك لاستعذاب الماء وسيأتي الكلام عليه : قوله " وجاء
رجل شاب " في رواية للبخاري في الجنائز وولج عليه شاب من الأنصار وفي إنكار
عمر على الشاب المذكور استرسال ازاره مع ما هو فيه من مكابدة الموت أعظم دليل على
صلابته في الدين ومراعاته لمصالح المسلمين
قوله " وقدم " بفتح القاف وكسرها فالأول بمعنى الفضل والثاني بمعنى
السبق . قوله " ثم شهادة " بالرفع عطفا على ما قد علمت لأنه مبتدأ وخبره
لك المتقدم ويجوز عطفه على صحبة فيكون مجرورا ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق
لمحذوف وفي رواية جرير ثم الشهاة بعد هذا كله : قوله " لا على ولالي "
أي سواء بسواء : قوله " انقي لثوبك " بالنون ثم القاف للأكثر وبالموحدة
بدل النون للكشميهني قوله " فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين الفا " ونحوه نفي
حديث جابر ثم قال يا عبد الله أقسمت عليك بحق الله وحق العمر إذا مت فدفنتني أن لا
تغسل رأسك حتى بيع من رباع آل عمر بثلاثين الفا فتضعها في بيت مال المسلمين فسأله
عبد الرحمن ابن عوف فقال انفقتها في حجج حججتها وفي نوائب كانت تنوبني وعرف بهذا
جهة دين عمر . ووقع في أخبار المدينة لمحمد بن الحسن بن زبالة ان دين عمر كان ستة
وعشرين الفا وبه جزم عياض قال الحافظ والأول هو المعتمد : قوله " فإن وفى له
مال آل عمر " كأنه يريد نفسه ومثله يقع في كلامهم كثيرا ويحتمل أن يريد رهطه
: قوله " والأفسل في بني عدي بن كعب " هو البطن الذي هو منهم وقريش
قبيلته قوله " لاتعدهم " بسكون العين أي لا تتجاوزهم وقد أنكر نافع مولى
بن عمر أن يكون على عمر دين فورى عمر بن شبة في كتاب المدينة بإسناد صحيح إن نافعا
قال من أين يكون على عمر دين وقد باع رجل من ورثته ميراثه بمائة ألف اه قال في
الفتح وهذا لا ينفي أن يكون عند موته عليه دين فقد يكون الشخص كثير المال ولا
يستلزم نفي الدين عنه فلعل نافعا أنكر أن يكون دينه لم يقض : قوله " فأنى لست
اليوم للمؤمنين أمير " قال ابن التين إنما قال ذلك عندما أيقن بالموت أشار
بذلك إلى عائشة حتى لا تحابيه لكونه أمير المؤمنين وأشار ابن التين أيضا إلى أنه
أراد أن تعلم أن سؤاله لها بطريق الطلب لا بطريق الأمر : قوله " ولاؤثر به
" استدل بذلك على أنها كانت تملك البيت وفيه نظر بل الواقع أنها كانت تملك
منفعته بالسكنى فيه والإسكان ولا بورث عنها وحكم أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
كالمعتدات لأنهن لا يتزوجن بعده صلى الله عليه وآله وسلم . قوله " ارفعوني
" أي من الأرض كأنه كان مضطجعا فأمرهم أن يقعدوه : قوله " فأسنده رجل
إليه " قال الحافظ في الفتح لم أقف على اسمه ويحتمل انه ابن عباس . قوله
" فأن أذنت لي فأدخلوني " ذكر ابن سعد عن معن بن عيسى عن مالك أن عمر
كان يخشى أن تكون أذنت في حياته حياء منه وأن ترجع عن ذلك بعد موته فأراد أن لا
يكرهها على ذلك . قوله " فولجت عليه " أي دخلت على عمر في رواية
الكشميهني فبكت . وفي رواية غيره فمكثت وذكر ابن سعد بإسناد صحيح عن المقدام بن
معد يكرب إنها قالت يا صاحب رسول الله يا صهير رسول الله يا أمير المؤمنين فقال
عمر لا صبر لي على ما أسمع أحرج عليك بما لي من الحق عليك أن تندبيني بعد مجلسك
هذا فأما عيناك فلن أملكهما . قوله " فولجت داخلا لهم " أي مدخلا كان في
الدار . قوله " أوص يا أمير المؤمنين استخلف " في البخاري في كتاب
الأحكام منه إن الذي قال ذلك هو عبد الله بن عمر . قوله " من هؤلاء النفر أو
الرهط " شك من الراوي
قوله " فسمى عليلا " الخ قد استشكل اقتصاره على هؤلاء الستة من العشرة
المبشرين بالجنة وأجيب بأنه أحدهم وكذلك أبو بكر ومنهم أبو عبيدة وقد مات قبله وأما
سعيد بن زيد فلما كان ابن ابن عم عمر لم يسمه فيهم مبالغة في التبرى من الأمر وصرح
المدائني باسانيده إن عمر عد سعيد ابن زيد فيمن توفي النبي صلى الله عليه وآله
وسلم وهو عنهم راض الا أنه استثناه من أهل الشورى لقرابته منه وقال لا أرب في
أموركم فأرغب فيها لاحد من أهلي . قوله " يشهدكم عبد الله بن عمر " الخ
في رواية للطبري فقال له رجل استخلف عبد الله بن عمر قال والله ما أردت بهذه وأخرج
نحوه ابن سعد بإسناد صحيح من مرسل النخعي ولفظه " فقال عمر قاتلك الله والله
ما أردت الله بهذا أستخلف من لم يحسن أن يطلق امرأته " قوله " كهيئة
التعزية له " أي لابن عمر لأنه أخرجه من أهل الشورى في الخلافةى أراد جبر
خاطره بأن جعله من أهل المشاورة وزعم الكرماني أن هذا من كلام الرواي لامن كلام
عمر : قوله " الأمرة " بكسر الهمزة وللكشميهني الإمارة زاد المدارئني
وما أظن أن يلي هذا الأمر الا علي وعثمان فإن ولى عثمان فرجل فيه لين وان ولى علي
فستختلف عليه الناس . قوله " بالمهاجرين الأولين " هم من صلى للقبلتين .
وقيل من شهد بيعة الرضوان قوله " الذين تبوؤا " أي سكنوا المدينة قبل
الهجرة وادعى بعضهم أن الإيمان المذكور هنا من أسماء المدينة وهو بعيد . قال
الحافظ والراجح أنه ضمن تبوؤا هنا معنى لزموا أو عامل نصبه محذوف تقديره واعتقدوا
أو أن الإيمان لشدة ثبوته في قلوبهم كأنه أحاط بهم فكأنهم نزلوه : قوله " فهم
ردء الإسلام " أي عون الإسلام الذي يدفع عنه وغيظ العدو أي يغيظون العدو
بكثرتهم وقوتهم : قوله " الا فضلهم " أي إلا ما ما فضل عنهم . قوله
" من حواشي أموالهم " أي ما ليس يختار والمراد بذمة الله أهل الذمة
والمراد بالقتال من ورائهم أي إذا قصدهم عدو : قوله " فانطلقنا " في
رواية الكشميهني فانقلبنا أي رجعنا : قوله " فوضع هنالك مع صاحبيه " قد
اختلف في صفة الثلاثة المكرمة فالأكثر على أن قبر أبي بكر وراء قبر النبي صلى الله
عليه وآله وسلم وقبر عمر وراء قبر أبي بكر وقيل أن قبره صلى الله عليه وآله وسلم
تقدم إلى القبلة وقبر أبي بكر حذاء منكبيه وقبر عمر حذاء منكبي أبي بكر . وقيل قبر
أبي بكر عند رجلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبر عمر عند رجلي أبي بكر .
وقيل غير ذلك . قوله " اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم " أي في الأختيار
ليقل الاختلاف كذا قال ابن التين وصرح ابن المدائني في روايته بخلاف ذلك . قوله
" والله عليه والإسلام " بالرفع فيهما والخبر محذوف أي عليه رقيب أو نحو
ذلك . قوله " أفضلهم في نفسه " أي في معتقده زاد المدائني في روايته
فقال عثمان أنا أول من رضى وقال علي أعطني موثقا لتؤثرن الحق ولا تخصن ذا رحم فقال
نعم . قوله " فأسكت " بضم الهمزة وكسر الكاف كأن مسكتا أسكتهما ويجوز
فتح الهمزة والكاف أو هو بمعنى سكت والمراد بالشيخين علي وعثمان
قوله " فأخذ بيد أحدهما " هو على والمراد بالآخر في قوله ثم خلا بالآخر
هو عثمان كما يدل على ذلك سياق الكلام . قوله " والقدم " بكسر القاف
وفتحها كما تقدم زاد المدائني أن عبد الرحمن قال لعلي أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك
فلم تحضر من كنت ترى أحق بها من هؤلاء الرهط قال عثمان ثم قال لعثمان كذلك فقال
على وزاد أيا أن سعدا أشار على عبد الرحمن بعثمان وأنه دار تلك الليالي كلها على
الصحابة ومن وافي المدينة من أشراف الناس لا يخلو برجل منهم الا أمره بعثمان وفي
هذا الأثر دليل على أنه يجوز جعل أمر الخلافة شورى بين جماعة من أهل الفضل والعلم
والصلاح كما يجوز الاستخلاف وعقد أهل الحل والعقد . قال النووي وغيره أجمعوا على
انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لانسان حيث لا يكون
هناك استخلاف غيره وعلي جواز جعل الخلافة شورى بين عدد محصور أو غيره وأجمعوا على
أنه يجب نصب خليفة وعلى أن وجوبه بالشرع لا بالعقل وخالف بعضهم كالأصم وبعض
الخوراج فقالوا لا يجب نصب الخليفة وخالف بعض المعتزلة فقالوا يجب بالعقل لا
بالشرع وهما باطلان وللكلام موضع غير هذا
باب أن ولي الميت يقضي دينه إذا علم صحته
1 -
عن سعد الأطول أن أخاه مات وترك ثلثمائة درهم وترك عيالا قال فأردت أن أنفقها على
عياله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان أخاك محتبس بدينه فاقض عنه فقال يا
رسول الله قد أديت عنه الا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة قال فأعطها فإنها
محقة "
- رواه أحمد وابن ماجه
- الحديث إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرني عبد الملك أبو جعفر عن أبي نضرة عن سعد الأطول فذكره وعبد الملك هو أبو جعفر ولا يعرف اسم أبيه . وقيل أنه ابن أبي نضره وقد وثقه ابن حبان ومن عداه من رجال الإسناد فهم رجال الصحيح وأخرجه أيضا ابن سعد وعبد بن حميد وابن قانع والبارودي والطبراني في الكبير والضياء في المختارة وهو في مسند أحمد بهذا الإسناد فإنه قال حدثنا عفان فذكره وفيه دليل على تقديم اخراج الدين على ما يحتاج إليه من نفقة أولاد الميت ونحوها ولا أعلم في ذلك خلافا وهكذا يقدم الدين على الوصية . قال في الفتح ولم يختلف العلماء في أن الدين يقدم على الوصية الا في صورة واحده هي ما لو أوصى لشخص بالف مثلا وصدقه الوارث وحكم به ثم ادعى آخر أن له في دمة الميت دينا يستغرف موجوده وصدقه الوارث ففي وجه للشافعية انها تقدم الوصية على الدين في هذه الصورة الخاصة وأما تقديم الوصية على الدين في قوله تعالى { من بعد وصية يوصى بها أو دين } فقد قيل في ذلك ان الآية ليس فيها صيغة ترتيب بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وانفاذ الوصية وأتى للإباحة وهي كقولك جالس زيدا أو عمرا أي لك مجالسة كل واحد منهما اجتمعا أو افترقا . وإنما قدمت لمعنى اقتضى الأهتمام بتقديمها واختلف في تعيين ذلك المعنى وحاصل ما ذكره أهل العلم من مقتضيات التقديم ستة أمور . أحدهما الخفة والثقل كربيعة ومضر فمضر أشرف من ربيعة لكن لفظ ربيعة لما كان أخف قدم في الذكر وهذا يرجع إلى اللفظ . ثانيهما بحسب الزمان كعاد وثمود . ثالثهما بحسب الطبع كثلاث ورباع رابعها بحسب الرتبة كالصلاة والزكاة لأن الصلاة حق البدن والزكاة حق المال فالبدن مقدم على البدن خامسها تقديم السبب على المسبب كقوله تعالى { عزيز حكيم } . وقال بعض السلف عز فلما عز حكم . سادسها بالشرف والفضل كقوله تعالى { من النبيين والصديقيين } وإذا تقرر ذلك فقد ذكر السهيلي ان تقديم الوصية في الذكر على الدين لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين فإنه يقع غالبا بعد الميت بنوع تفريط فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل . وقال غيره قدمت الوصية لأنها شيء يؤخذ بغير عوض والدين يؤخذ بعوض فكان اخراج الوصية أشق على الوارث من اخراج الدين وكان اداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه فقدمت الوصية لذلك وأيضا فهي حظ فقير ومسكين غالبا والدين غريم يطلبه بقوة وله مقال كما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " ان لصاحب الدين مقالا " وأيضا فالوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه فقدمت تحرضا على العمل بها بخلاف الدين . قال الزين بن المنير تقديم الوصية في الذكر على الدين لا يقتضي تقديمها في المعنى لانهما معا قد ذكرا في سياق البعدية لكن الميراث يلي الوصية ولا يلي الدين في اللفظ بل هو بعد بعده فيلزم أن الدين يقدم في الأداء باعتبار القبلية فيقدم على الوصية وباعتبار البعدية فتقدم الوصية على الدين اه وقد اخرج أحمد والترمذي وغيرهما من طريق الحرث الأعور عن علي سلام الله ورضوانه قال قضى محمد أن الدين قبل الوصية وأنتم تقرءون الوصية قبل الدين والحديث وان كان إسناده ضعيفا لكنه معتضد بالأتفاق الذي سلف قال الترمذي إن العمل عليه عند أهل العلم : قوله " قد أديت عنه " فيه دليل على أنه يجوز للوصي أن يستقل بنفسه في قضاء ديون الميت لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر عليه ذلك . قال في البحر مسألة وللوصي استيفاء ديون الميت وايفاؤها اجماعا لنيابته عنه اه : قوله " فإنها محقة " لعله صلى الله عليه وآله وسلم حكم بعلمه أو بوحي
كتاب الفرائض
1 -
عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعلموا الفرائض
وعلموها فإنها نصف العلم وهو ينسي وهو أول شيء ينزع من أمتي "
- رواه ابن ماجه والدارقطني
2 -
وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال العلم
ثلاثة وما سوى ذلك فضل أية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة "
- رواه أبو داود وابن ماجه
3 -
وعن الأحوص عن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعلموا
القرآن وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموها فإني امرؤ مقبوض والعلم مرفوع ويوشك
أن يختلف اثنان في الفريضة والمسألة فلا يجدان أحدا يخبرهما "
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله
4 -
وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرحمن أمتي بأمتي أبو
بكر وأشدها في دين الله عمر وأصدقها حياء عثمان وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن
جبل واقرؤها لكتاب الله عز و جل أبي وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت ولكل أمة أمين
وأمين هذه الأمة أبو عبيد بن الجراح "
- رواه أحمد وابن ماجه والنسائي
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم ومداره على حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو متروك وحديث عبد الله بن عمرو في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وقد تكلم فيه غير واحد وفيه أيضا عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي افريقية وقد غمزه البخاري وابن أبي حاتم . وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا النسائي والحاكم والدارمي والدارقطني من رواية عن سليمان بن جابر عنه وفيه انقطاع بين عوف وسليمان ورواه النضر بن شميل وشريك وغيرهما متصلا . وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط وفي إسناده محمد بن عقبة السدوسي وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وفيه أيضا سعيد بن أبي بن كعب وقد ذكره ابن حبان في الثقات وأخرجه أيضا أبو يعلى والبزار وفي إسنادهما من لا يعرف . وأخرج نحوه الطبراني في الأوسط عن أبي بكر والترمذي عن أبي هريرة . وحديث أنس صححه الترمذي والحاكم وابن حبان وقد أعل بالإرسال وسماع أبي قلاة من أنس صحيح الا أنه قيل لم يسمع منه هذا . وقد ذكر الدارقطني الاختلاف على أبي قلابة في العلل ورجح هو والبيهقي والخطيب في المدرج ان الموصول منه ذكر أبي عبيدة والباقي مرسل . ورجح ابن المواق وغيره رواية الموصول وله طريق أخرى عن أنس أخرجها الترمذي ( وفي الباب ) عن جابر عند الطبراني في الصغير بإسناد ضعيف . وعن أبي سعيد عند العقيلي في الضعفاء . وعن ابن عمر عند ابن عدي وفي إسناده كوثر وهو متروك . قوله " الفرائض " جمع فريضة كحدائق جمع حديقة وهي مأخوذة من الفرض وهو القطع يقال فرضت لفلان كذا أي قطعت له شيئا من المال وقيل هي من الفرض وهو القطع يقال فرضت لفلان كذا أي قطعت له شيئا من المال وقيل هي من فرض القوس وهو الحز الذي في طرفه حيث يوضع الوتر ليثبت فيه ويلزمه ولا يزول كذا قال الخطابي . وقيل الثاني خاص بفرائض الله تعالى وهي ما الزم به عباده لمناسبة اللزوم لما كان الوتر يلزم محله : قوله " فإننه نصف العلم " قال ابن الصلاح لفظ النصف ههنا عبارة عن القسم الواحد وان لم يتساويا . وقال ابن عيينة إنما قيل له نصف العلم لأ ه يبتلي به الناس وفيه الترغيب في تعلم الفرائض وتعليمها والتحريض على حفظها لانها كانت تنسى وكانت أول ما ينزع من العلم كان الأعتناء بحفظها أهم من معرفتها لذلك أقوم . قوله " وما سوى ذلك فضل " فيه دليل على أن العلم الذي ينبغي تعلمه وتعليمه هو الثلاثة المذكورة وما عداها ففضل لا تمس إليه حاجة . قوله " فلا يجدان احدا يخبرهما " فيه الترغيب في طلب العلم خصوصا علم الفرائض لما سلف من أنه ينسي وأول ما ينزع : قوله " وعن أنس " الخ فيه دليل على فضيلة كل واحد من الصحابة المذكورين وان زيد بن ثابت أعلمهم بالفرائض فيكون الرجوع إليه عند الاختلاف فيها أولى من الرجوع إلى غيره ويكون قوله فيها مقدما على أقوال سائر الصحابة ولهذا اعتمده الشافعي في الفرائض
باب البداءة بذوي الفروض وإعطاء العصبة ما بقي
1 -
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ألحقوا الفرائض بأهلها
فما بقي فهو لأولي رجل ذكر "
- متفق عليه
- قوله " ألحقوا الفرائض بأهلها " الفرائض الأنصباء المقدرة وأهلها المستحقون لها بالنص . قوله " فما بقي " أي ما فضل بعد إعطاء ذوي الفروض المقدرة فروضهم وقوله " لأولي " أفعل تفضيل من الولى بمعنى القرب أي لأقرب رجل من الميت . قال الخطابي المعنى أقرب رجل من العصبة . وقال ابن بطال المراد إن الرجال من العصبة بعد أهل الفروض إذا كان فيهم من هو أقرب من الميت استحق دون من هو أبعد فإن استووا اشتركوا . وقال ابن التين المراد به العم مع العمة وابن الأخ مع بنت الأخ وابن العم مع بنت العم فإن الذكور يرثون دون الإناث وخرج من ذلك الأخ مع الأخت لأبوين أو لأب فإنهم يشتركون بنص قوله تعالى { وان كانوا أخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } وكذلك الأخوة لأم فإنهم يشتركون هم والأخوات لام لقوله تعالى { فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } قوله " رجل ذكر " هكذا في جميع الروايات ووقع عند صاحب النهاية والغزالي وغيرهما من أهل الفقه فلأولي عصبة ذكر واعترض ذلك ابن الجوزي والمنذري بأن لفظة العصبة محفوظة . وقال ابن الصلاح فيها بعد عن الصحة من حيث اللغة فضلا عن الرواية لأن العصبة اللغة اسم للجمع لا للواحد وتعقب ذلك الحافظ فقال إن العصبة اسم جنس يقع على الواحد فأكثر ووصف الرجل بأنه ذكر زيادة في البيان . وقال ابن التين أنه للتوكيد وتعقبه القرطبي بأن العرب تعتبر حصول فائدة في التأكيد ولا فائدة هنا ويؤيد ذلك ما سرح به أئمة المعاني من أن التأكيد لا بد له من فائدة وهي إما دفع توهم التجوز أو السهو أو عدم الشمول وقيل إن الرجل قد يطلق على مجرد النجدة والقوة في الأمر فيحتاج إلى ذكر ذكر وقيل قد يراد برجل معنى الشخص فيعم الذكر الأنثى وقال ابن العربي فائدته هي أن الإحاطة بالميراث جميعه إنما تكون للذكر لا للأنثى وأما البنت المفردة فأخذها للمال جميعه بسببين الفرض والرد . وقيل احترز به عن الخنثى . وقيل إنه قد يطلق الرجل على الأنثى تغليبا كما في حديث من وجد متاعه عند رجل وحديث " أيما رجل ترك مالا " وقال السهيلي إن ذكر صفة لقوله أولى لا لقوله رجل وأطال الكلام في تقوية ذلك وتضعيف ما عداه وتبعه الكرماني وقيل غير ذلك ( والحديث ) يدل على أن الباقي بعد استيفاء أهل الفروض المقدرة لفروضهم يكون لاقرب العصبات من الرجال لا يشاركه من هو أبعد منه وقد حكى النووي الإجماع على ذلك وقد استدل به ابن عباس ومن وافقه على أن الميت إذا ترك بنتا وأختا وأخا يكون للبنت النصف والباقي للأخت ولا شيء للأخت
2 -
وعن جابر قال " جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم بابنتها من سعد فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك
في أحد شهيدا وأن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان الا بمال فقال
يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى
عمهما فقال أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك "
- وراه الخمسة إلا النسائي
- الحديث حسنه الترمذي وأخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي ولا يعرف الا من حديثه كما قال الترمذي وقد اختلف الأئمة فيه . قال الترمذي هو صدوق سمعت محمدا يقول كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه وروى هذا الحديث أبو داود بلفظ " فقالت يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس قتل معك يوم أحد " قال أبو داود أخطأ فيه بشروهما بنتا سعد بن الربيع وثابت بن قيس قتل يوم اليمامة : قوله " ولا ينكحان الا بمال " يعني أن الأزواج لا يرغبون في نكاحهن الا إذا كان معهن مال وكان ذلك معروفا في العرب : قوله " فنزلت آية الميراث " أي قوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق أثنتين } الآية ( الحديث ) فيه دليل على أن للبنتين الثلثين وإليه ذهب الأكثر . وقال ابن عباس بل للثلاث فصاعدا لقوله تعالى { فوق أثنتين } وحديث الباب نص في محل النزاع ويؤيده أن الله سبحانه جعل للأختين الثلثين والبنتان أقرب إلى الميت منما
3 -
وعن زيد بن ثابت " أنه سئل عن زوج وأخت لأبوين فأعطى الزوج النصف والأخت
النصف وقال حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضى بذلك "
- رواه أحمد
4 -
وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما من مؤمن الا أنا
أولى به في الدنيا والآخرة وأقرأ وإن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما
مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا
مولاه "
- متفق عليه
- الحديث الأول في إسناده أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح وفيه دليل على أن الزوج يستحق النصف والأخت النصف من مال الميت الذي لم يترك غيرهما وذلك مصرح به في القرآن الكريم أما الزوج فقال الله تعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } الأية . وأما الأخت فقال الله تعالى { ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } : قوله " فليرثه عصبته } في لفظ للبخاري " فلورثته " وفي رواية لمسلم " فهو لورثته " وفي لفظ له " فالى العصبة " : قوله " ومن ترك دينا أو ضياعا " الضياع بفتح المعجمة بعدها تحتانية قال الخطابي هو وصف لمن خلفه الميت بلفظ المصدر أي ترك ذوي ضياع أي لا شيء لهم : قوله " فليأتني " في لفظ آخر " فعلى والى " وقد اختلف هل كان رسول الله يقضي دين المديونين من مال المصالح أو من خالص مال نفسه وقد تقدم في كتاب الحوالة حديث جابر بلفظ " فلما فتح على رسوله " وفي لفظ " فلما فتح الله عليه " وفي ذلك اشعار بأنه كان يقضي من مال المصالح واختلفوا هل كان القضاء واجبا عليه صلى الله عليه وآله وسلم أم لا وقد تقدم بقية الكلام على الحديث في كتاب الحوالة
باب سقوط ولا الأب بالأخوة من الأبوين
1 -
وعن علي رضي الله عنه قال " إنكم تقرؤن هذه الآية من بعد وصية يوصى به أو دين
وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالدين قبل الوصية وان أعيان بني الأم
يتوارثون دون بني العلات الرجل يرث أخاه لأبيه وامه دون أخيه لأبيه "
- رواه أحمد وابن ماجه . وللبخاري منه تعليقا " قضى بالدين قبل الوصية "
- الحديث أخرجه الحاكم وفي إسناده الحرث الأعور وهو ضعيف وقد قال الترمذي إنه لا يعرفه الا من حديثه لكن العمل عليه وكان عالما بالفرائض وقد قال النسائي لا بأس به : قوله " فضى بالدين قبل الوصية " قد تقدم الكلام على هذا في آخر كتاب الوصايا : قوله " وان أعيان بني الأم " الأعيان من الأخوة هم الأخوة من أب وأم . قال في القاموس في مادة عين وواحد الأعيان للأخوة من أب وأم وهذه الأخوة تسمى المعاينة انتهى : قوله " دون بني العلات " هو أولاد الأمهات المتفرقة من أب واحد . قال في القاموس والعلة الضرة وبنو العلات بن أمهات شتى من رجل انتهى . ويقال للأخوة لأم فقط أخياف بالخاء المعجمة والياء التحتية وبعد الألف فاء ( والحديث ) يدل على أنه تقدم الأخوة لأب وأم على الأخوة لأب ولا أعلم في ذلك خلافا
باب الأخوات مع البنات عصبة
1 - عن هزيل بن شرحبيل قال " سئل أبو موسى عن ابنه وابنة ابن وأخت فقال للابنة النصف وأثت ابن مسعود فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين أقضى فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم للبنت ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت " روه الجاعة إلا مسلما والنسائيئز وزاد أحمد والبخاري " فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم "
2 -
وعن الأسود : أن معاذ بن ورث أختا وابنة جعل لكل منهما النصف وهو باليمين ونبي
الله يؤمئذ حي "
- رواه أبو داود قوله " هزيل " قال النووي هو بالزاي اجماعا انتهى
ووقع في كلام كثير من الفقهاء هذيل بالذال المعجمة قال الحافظ وهو تحريف : قوله
" سئل أبو موسى " هذا لفظ البخاري ولفظ غيره جاء رجل إلى أبو موسى
الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنه وابنة ابن وأخت لأب وأم فقالا للابنة
النصف وللأخت لأب ولأم النصف ولم يورثا ابنة الابن شيئا . وبقية الحديث كلفظ
البخاري وفيه دليل على أنه الأخت مع البنت عصبة تأخذ الباقي بعد فرضها إن لم يكن
معها ابنة ابن كما في حديث معاذ وتأخذ الباقي بعد فرضها وفرض بنت الابن كما في
حديث هزيل وهذا مجمع عليه . وقد رجع أبو موسى إلى ما رواه ابن مسعود وكانت هذه
الواقعة في أيام عثمان لأن أبا موسى كان وقت السؤال أميرا على الكوفة وسلمان بن
ربيعة قاضيا بها وإمارة أبي موسى على الكوفة كانت في ولاية عثمان . قال ابن بطال
يؤخذ من هذه القصة أن للعالم أن يجتهد إذا ظن أن لا نص في المسألة ولا يترك الجواب
إلى أن يبحث عن ذلك وأن الحجة عند التنازع هي السنة فيجب الرجوع إليها قال ولا
خلاف بين الفقهاء فيما رواه ابن مسعود . قال ابن عبد البر لم يخالف في ذلك إلا أبو
موسى وسلمان بن ربيعة الباهلي . وقد رجع أبو موسى عن ذلك ولعل سلمان أيضا رجع عن
ذلك كأبي موسى انتهى . وقد اختلف في صحبة سلمان المذكور . قوله " لقد ضللت
إذا " أي إذا وقعت مني المتابعة لهما وترك ما وردت به السنة : قوله "
هذا الحبر " بفتح المهملة وبكسرها أيضا وسكون الموحدة ورجح الجوهري الكسر
للمهملة وإنما سمي حبرا لتحبيره الكلام وتحسينه قال أبو عبيد الهروي . وقيل سمي
باسم الحبر الذي يكتب به . قال في الفتح وهو بالفتح في رواية جميع المحدثين وأنكر
أبو الهيثم الكسر وقال الراغب يسمي العالم حبرا لما يبقي من أثر علومه : قوله
" ونبي الله يومئذ حي " فيه أشارة إلى أن معاذ لا يقضي بمثل هذا القضاء
في حياته صلى الله عليه وآله وسلم ألا لدليل يعرفه ولو لم يكن لديه دليل لم يعجل
بالقضية
باب ما جاء في ميراث الجدة والجد
1 -
عن قبيصة بن دؤيب قال " جاءت الجدة إلى أبي بكر فسألته ميراثها فقال مالك في
كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فأرجعي
حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أعطاها السدس فقال هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما
قال المغيرة بن شعبة فانفذه لها أبو بكر قال ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر فسألته
ميراثها فقال مالك في كتاب شيء ولكن هو ذاك السدس فإن اجتمعما فهو بينكما وأيكما
خلت به فهو لها "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي
2 -
وعن عبادة ابن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى للجدتين من
الميراث بالسدس بينهما "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند
3 -
وعن بريدة " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها
أم "
- رواه أبو داود
4 -
وعن عبد الرحمن بن يزيد " قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة
جدات السدس ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم "
- رواه الدارقطني هكذا مرسلا
5 -
وعن القاسم بن محمد قال " جاءت الجدتان إلى أبي بكر الصديق فأراد أن يجعل
السدس للتي من قبل الأم فقال له رجل من الأنصار أما أنك تترك التي لو ماتت وهو حي
كان إياها يرث فجعل السدس بينهما "
- رواه مالك في الموطأ
- حديث قبيصة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم قال الحافظ وإسناده صحيح لثقة رجاله الا أن صورته مرسل فإن قبيصة لا يصح سماعه من الصديق ولا يمكن شهوده القصة قال ابن عبد البر . وقد اختلف في مولده والصحيح أنه ولد عام الفتح فيبعد شهوده القصة وقد أعله عبد الحق تبعا لابن حزم بالإنقطا . وقال الدارقطني في العلل بعد أن ذكر الأختلاف فيه على الزهري يشبه أن يكون الصواب قوله مالك ومن تابعه . وحديث عبادة بن الصامت أخرجه أيضا أبو القاسم بن منده في مستخرجه والطبراني في الكبير بإسناد منقطع لأن إسحاق ابن يحيى لم يسمع من عبادة . وحديث بريدة أخرجه أيضا النسائي وفي إسناده عبيد الله العتكي وهو مختلف فيه وصححه ابن السكن وابن خزيمة وابن الجارود وقواه ابن عدي . وحديث عبد الرحمن بن يزيد هو مرسل كما ذكر المصنف ورواه أبو داود في المراسيل بسند آخر عن إبراهيم النخعي . ورواه الدارقطني والبيهقي من مرسل الحسن أيضا . وأخرج نحوه الدارقطني من طريق أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه كان يورث ثلاث جدات إذا استوين ثنتان من قبل الأب وواحدة من قبل الأم . ورواه البيهقي من طرق عن زيد بن ثابت . وروى الدارقطني من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بلفظ حديث عبد الرحمن المذكور وحديث القاسم بن محمد روه مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم وهو منقطع لأن القاسم لم يدرك جده أبا بكر . ورواه الدارقطني من طريق ابن عيينة وفي الباب عن معقل بن يسار عند أبي القاسم بن منده وقد ذكر القاضي حسين أن الجدة التي جاءت إلى الصديق أم الأم وان التي جاءت إلى عمر أم الأب . وفي رواية ابن ماجه ما يدل له والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أن فرض الجدة الواحدة السدس وكذلك فرض الجدتين والثلاث وقد نقل محمد بن نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك حكى ذلك عنه البيهقي . قال في البحر مسألة فرضهن يعني الجدات السدس وإن كثرن إذا استوين وتستوي أم الأم وأم الأب لافضل بينهما فإن اختلفن سقط الابعد بالأقرب ولا يسقطهن إلا الأمهات والأب ويسقط الجدات من جهته والأم من الطرفين وكل جدة ادرجت أبا بين امين وأما بين الأبوين فهي ساقطة . مثال الأول أم أبي الأم فبينها وبين الميت أب . ومثال الثاني أم أبي أم الأب انتهى . ولأهل الفرائض في الجدات كلام طويل ومسائل متعدده فمن أحب الوقوف على تحقيق ذلك فليرجع إلى كتب الفن
6 -
وعن عمران بن حصين " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ان ابن
ابني مات فمالي من ميراثه قال لك السدس فلما أدبر دعاه قال لك سدس آخر فلما أدبر
دعاه فقال إن السدس الآخر طعمة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه
7 -
وعن الحسن " أن عمر سأل عن فريضة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجد
فقام معقل بن يسار المزني فقال قضي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال
ماذا قال السدس مع من قال لا أدري قال لادريت فما تغني اذن "
- رواه أحمد
- حديث عمران بن حصين هو من رواية الحسن البصري عنه وقد قال علي بن المديني وأبو حاتم الرازي وغيرهما أنه لم يسمع منه . وحديث معقف بن يسار أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه ولكنه منقطع لأن الحسن البصري لم يدرك السماع من عمر فإنه ولد إحدى وعشرين وقتل عمر في سنة ثلاث وعشرين . وقيل سنة أربع وعشرين وذكر أبو حاتم الرازي أنه لم يصح للحسن سماع من معقل بن يسار وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيما حديث الحسن عن معقل . وحديث عمران يدل على أن الجد يستحق ما فرض له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال قتادة لاندري مع أي شيء ورثه قال وأقل ما يرثه الجد السدس . قيل هذه المسألة انه ترك الميت بنتين وهذا السائل فللبنتين الثلثان والباقي ثلث دفع صلى الله عليه وآله وسلم منه إلى الجد سدسا بالفرض لكونه جدا ولم يدفع إليه السدس الآخر الذي يستحقه بالتعصيب لئلا يظن أن فرضه الثلث وتركه حتى ولى أي ذهب فدعاه وقال لك السدس آخر ثم أخبره إن هذا السدس طعمة أي زائد على السهم المفروض وما زاد على المفروض فليس بلازم كالفرض ( وقد اختلف ) الصحابة في الجد اختلافا طويلا ففي البخاري تعليقا يروى عن علي وعمر وزيد بن ثابت وابن مسعود في الجد قضايا مختلفة . وقد ذكر البيهقي في ذلك آثارا كثيرة وروى الخطابي في الغريب بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال سألت عبيدة عن الجد فقال ما يصنع بالجد لقد حفظت فيه عن عمر مائة قضية يخالف بعضها بعضا ثم أنكر الخطابي هذا انكارا شديدا وسبقه إلى ذلك ابن قتيبة . قال الحافظ هو محمول على المبالغة كما حكى ذلك البزار وجعله ابن عباس كالأب كما رواه البيهقي عنه وعن غيره وروى أيضا من طريق الشعبي قال كان من رأي أبي بكر وعمر أن الجد أولى من الأخ وكان عمر يكره الكلام فيه ورورى البيهقي أيضا على أنه شبه الجد بالبحر والنهر الكبير والأب بالخليج المأخوذ منه والميت وأخوته كالساقيتين الممتدتين من الخليخ والساقية إلى الساقية أقرب منها إلى البحر الا ترى إذا سدت إحداهما أخذت الأخرى ماءها ولم يرجع إلى البحر وشبهه زيد بن ثابت الأنصاري بساق الشجرة وأصلها والأب كغصن منها والأخوة كغصنين تفرعا من ذلك الغصن وأحد الغصنين إلى الآخر أقرب منه إلى أصل الشجرة الاترى أنه إذا قطع أحدهما امتص الآخر ما كان يمتص المقطوع ولا يرجع إلى الساق هكذا رواه البيهقي . ورواه الحاكم بغير هذا السياق وأخرجه ابن حزم في الأحكام من طريق اسمعيل القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه فذكر قصة زيد بن ثابت قال في البحر مسألة على وابن مسعود وزيد بن ثابت والأكثر ولا يسقط الأخوة الجد بل يقاسمهم بخلاف الأب وإن اختلفوا في كيفية المقاسمة أبو بكر وعائشة وابن الزبير ومعاذ والحسن البصري وبشر بن غياث بل يسقط الأخوة كالأب إذ سماه الله أبا فقال { ملة أبيكم إبراهيم } لنا قوله تعالى في الأب { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وهذا عام لا يخرج منه إلا ما خصه دليل ولولا الإجماع لما سقط مع الأب لهذه الآية وان الأخوة كالبنين بدليل تعصيبهم اخواتهم فوجب أن لا يسقط مع الجد وأما تسمية الجدايا فمجاز فلا يلزمنا قال فرع اختلف في كيفية المقاسمة فقال علي وابن أبي ليلى والحسن ين زياد والأمامية يقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة عن السدس فإن نقصته رد إلى السدس وعن علي أنه يقاسم إلى التسع روته الإمامية قلنا روايتنا أشهر إذ راويها زيد بن علي عن أبيه عن جده وقال ابن مسعود وزيد بن علي والشافعي وأبو يوسف ومحمد والناصر ومالك بل يقاسمهم إلى الثلث فإن نقضته المقاسمة عنه رد إليه ثم استدل لهم بحديث عمران بن حصين المذكور وقال الناصر إن الجد يقاسم الأخوة أبدا وقد روى ابن حزم عن قوم من السلف إن الأخوة يسقطون الجد وقد قيل أن المثل الذي ذكره علي والمثل الذي ذكره ابن مسعود يستلزمان أن يكون الأخوة أولى من الأب ولا قائل به وللأب مزايا منها النص على ميراثه في القرآن وتعصيبه لأخته وأجيب عن الأولى بأن الجد مثله فيها لأنه أب وهو منصوص على ميراثه في القرآن ورد بأن ذلك مجاز لا حقيقة وأجيب بأن الأصل في الإطلاق الحقيقة وأيضا للجد مزايا . منها أنه يرث مع الأولاد . ومنها أنه يسقط الأخوة لأم اتفاقا
باب ما جاء في ذوي الأرحام والمولى من أسفل ومن أسلم على يد رجل وغير ذلك
1 -
عن المقدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من ترك مالا
فلورثته وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرث والخال وارث من لا وارث له يعقل
عنه ويرثه "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
2 -
وعن أبي أمامة بن سهل " أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله وليس له وارث الا خال
فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب عمر أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قال الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له "
- رواه أحمد وابن ماجه وللترمذي منه المرفوع وقال حديث حسن
- حديث المقدام أخرجه ايضا النسائي والحاكم وابن حبان وصححاه وحسنه أبو زرعة الرازي وأعله البيهقي بالاضطراب ونقل عن يحيى بن معين أنه كان يقول ليس فيه حديث قوي . وحديث عمر ذكره في التلخيص ولم يتكلم عليه وقد حسنه الترمذي كما ذكره المصنف ورواه عن بندار عن أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن عبد الرحمن بن الحرث عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال كتب عمر بن الخطاب فذكره في الباب عن عائشة عند الترمذي والنسائي والدارقطني من رواية طاوس عنها قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخال وارث لا وارث له " قال الترمذي حسن غريب وأعله النسائي بالاضطراب ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه قال الترمذي وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عائشة . وقال البزار أحسن إسناد فيه حديث أبي أمامة بن سهل وأخرجه عبد الرزاق عن رجل من أهل المدينة والعقيلي وابن عساكر عن أبي الدرداء وابن النجار عن أبي هريرة كلها مرفوعة . وقد استدل بحديثي الباب وما في معناهما على أن الخال من جملة الورثة . قال الترمذي واختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فورث بعضهم الخال والخالة والعمة وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال اه وقد حكى صاحب البحر القول بتوريث ذوي الأرحام عن علي وابن مسعود وأبي الدرداء والشعبي ومسروق ومحمد بن الحنفية والنخعي والثوري والحسن بن صالح وأبي نعيم ويحيى بن آدم والقاسم بن سلام والعترة وأبي حنيفة وإسحاق والحسن ابن زياد قالوا إذا لم يكن معهم أحد من العصبة وذوي السهام وإلى ذلك ذهب فقهاء العراق والكوفة والبصرة وغيرهم وحكى في البحر أيضا عن زيد بن ثابت والزهري ومكحول والقاسم بن إبراهيم والأمام يحيى ومالك والشافعي أنه لا ميراث لهم وبه قال فقهاء الحجاز احتج الأولون بالأحاديث المتقدمة وبحديث عائشة الآتي وبعموم قوله تعالى { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } وقوله تعالى { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } ولفظ الرجال والنساء والأقربين يشملهم والدليل على مدعي التخصيص . وأجاب الآخرون عن ذلك فقالوا عمومات الكتاب محتملة وبعضها منسوخ والأحاديث فيها ما تقدم من المقال ويجاب عن ذلك بأن دعوى الاحتمال إن كانت لأجل العموم فليس ذلك مما يقدح في الدليل والاستلزام ابطال بكل دليل عام وهو باطل وإن كانت لأمر آخر فما هو . وأما الاعتذار عن أحاديث الباب بما فيها من المقال فقد عرفت من صححها من الأئمة ومن حسنها ولا شك في انتهاض مجموعها للاستدلال إن لم ينتهض الأفراد ( ومن جملة ) ما استدلوا به على ابطال ميراث ذوي الأرحام حديث ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال سألت الله عز و جل عن ميراث العمة والخالة فسارني أن لا ميراث لهما " أخرجه أبو داود في المراسيل والدارقطني من طريق الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلا وأخرجه النسائي من مرسل زيد بن أسلم ويجاب بأن المرسل لا تقوم به الحجة قالوا وصله الحاكم في المستدرك من حديث أبي سعيد والطبراني ويجاب بأن إسناد الحاكم ضعيف وإسناد الطبراني فيه محمد بن الحرث المخزومي . قالوا وصله أيضا الطبراني من حديث أبي هريرة . ويجاب بأنه ضعفه بمسعدة ابن اليسع الباهلي قالوا وصله الحاكم أيضا من حديث ابن عمر وصححه . ويجاب بإن في إسناده عبد الله بن جعفر المديني وهو ضعيف قالوا روى له الحاكم شاهدا من حديث شريك بن عبد الله ابن أبي نمر عن الحرث بن عبد مرفوعا . ويجاب بإن في إسناده سليمان بن داود الشاذكوني وهو متروك قالوا أخرجه الدارقطني من وجه آخر عن شريك . ويجاب بأنه مرسل ولك هذه الطرق لا تقوم بها حجة وعلى فرض صلاحيتها للاحتجاج فهي واردة في الخالة والعمة فغايتها أنه لاميراث لهما وذلك لا يستلزم ابطال ذوي الأرحام على أنه قد قيل ان المراد بقوله لا ميراث لهما أي مقدور ومما يؤيد ثبوت ميراث ذوي الأرحام ما سيأتي في باب ميراث ابن الملاعنة من جعله صلى الله عليه وآله وسلم ميراثه لورثتها من بعدها وهم أرحام له لا غير ومن المؤيدات لميراث ذوي الأرحام ما أخرجه أبو داود من حديث أبي موسى أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال " ابن أخت القوم منهم " وأخرجه النسائي من حديث أنس بلفظ " من أنفسهم " قال المنذري في مختصر السنن وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي والترمذي قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ابن أخت القوم منهم " مختصرا ومطولا . ومن الأجوبة المتعسفة قول ابن العربي أن المراد بالخال السلطان وأما ما يقال من أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم " الخال وارث من لاوارث له " يدل على انه غير وراث فيجاب عنه بأن المراد من لا وارث له سواه ونظير هذا التركيب كثير في كلام العرب على أن محل النزاع هو إثبات الميراث له وقد أثبته له صلى الله عليه وآله وسلم وهو المطلوب
3 - وعن ابن عباس " أن رجلا مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يترك وارثا الا عبدا هو أعتقه فأعطاه ميراثه "
4 - وعن قبيصة عن تميم الداري قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما السنة في الرجل من أهل الشرك يسلم على يد رجل من المسلمين فقال هو أولى الناس بميحاه ومماته " وهو مرسل قبيصة لم يلق تميما الداري
5 -
وعن عائشة " أن مولى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خر من عذق نخلة فمات فأتى
به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال هل له من نسيب أو رحم قالوا الا قال اعطوا
ميراثه بعض أهل قريته "
- رواهن الخمسة إلا النسائي
6 -
وعن بريدة قال " توفي رجل من الأزد فلم يدع وارثا فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ادفعوه إلى أكبر خزاعة "
- رواه أحمد وأبو داود
7 -
وعن ابن عباس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين أصحابه وكانوا
يتوارثون بذلك حتى نزلت وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فتوارثوا
بالنسب "
- رواه الدارقطني
- حديث ابن عباس الأول حسنه الترمذي وهو من رواية عوسجة عن ابن عباس . قال البخاري عوسجة مولى ابن عباس الهاشمي روى عنه ابن دينار ولم يصح . وقال أبو حاتم ليس بالمشهور . وقال النسائي عوسجة ليس بالمشهور ولا نعلم أحد يروى عنه غير عمرو . وقال أبو زرعة الرازي ثقة . وحديث تميم قال الترمذي لا نعرفه الا من حديث عبد الله بن موهب ويقال ابنوهب عن تميم الداري وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن موهب وتميم الداري قبيصة بن ذؤيب وهو عندي ليس بمتصل اه وقال الشافعي في هذا الحديث ليس بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن وهب عن تميم الداري وابن وهب ليس بالمعروف عندنا ولا نعلمه لقى تميما . ومثل هذا لا يثبت عندنا ولاعندك من قبل أنه مجهول ولا أعلمه متصلا . وقال الخطابي ضعف أحمد بن حنبل تميم الداري هذا وقال عبد العزيز رواية ليس من أهل الحفظ والاتقان وقال البخاري في الصحيح وختلفوا في صحة هذا الخبر . وقال أبو مسهر عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ضعيف الحديث وقد احتج بعبد العزيز المذكور البخاري في صحيحه وأخرج له هوومسلم وقال يحيى بن معين عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ثقة . وقال ابن عمار ثقة ليس بين الناس فيه اختلاف . وحديث عائشة حسنه الترمذي وقد عزا المنذري في مختصر السنن حديث عائشة هذا والحديثين اللذين قبله إلى النسائي فينظر في قول المصنف رواهن الخمسة إلا النسائي . وحديث بريدة أخرجه أيضا النسائي مسندا ومرسلا وقال جبريل بن أحمر ليس بالقوي والحديث منكر اه . وقال الموصلي فيه نظر . وقال أبو زرعة الرازي شيخ . وقال يحيى بن معين كوفي ثقة . ولفظ أبي داود عن بريدة قال أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال إن عندي ميراث رجل من الأزد ولست أجد أزديا أدفعه إليه قال فأذهب فالتمس أزديا فالتمس أزديا حولا قال فأتاه بعد الحول فقال يا رسول الله لم أجد أزديا أدفعه إليه قال فانطلق فانظر أول خزاعي تلقاه فادفعه إليه فلما ولى قال على بالرجل فلما جاء قال انظر أكبر خزاعة فادفعه إليه . وفي لفظ له آخر قال مات رجل من خزاعة فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بميراثه فقال " التمسوا وارثا أو ذا رحم فلمن يجدوا له وارثا فقال انظروا أكبر رجل من خزاعة " وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضا أبو داود بلفظ " كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما من الآخر فنسخ ذلك الأنفال فقال وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض " وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . وأخرج نحوه ابن سعد عن عروة بن الزبير وفيه فصارت المواريقث بعد للأرحام والقرابة وانقطعت تلك المواريث بالمؤخاة ذكره الأسيوطي في أسباب النزول ومعناه في الدر المنثور : قوله " فأعطاه ميراثه " قيل إن ذلك من باب الصرف لا من باب التوريث : قوله " هو أولى الناس بمحياه ومماته " فيه دليل على أن من أسلم على يد رجل من المسلمين ومات ولا وارث له غيره كان له ميراثه . وقال الناصر والشافعي ومالك والأوزاعي لا وارث له بل بصرف الميراث إلى بيت المال دونه وقالت الحنفية والقاسمية وزيد بن علي وإسحاق أنه يرث الا أن الحنفية والمؤيد بالله يشترطون في إرثه المحالفة : قوله " هل له من نسيب أو رحم " فيه دليل على توريث ذوي الأرحام وقد تقدم الكلام على ذلك . قوله " أعطوا ميراثه بعض أهل قريته " فيه دليل على جواز صرف ميراث من لا وارث له معلوم إلى واحد من أهل بلده وظاهر قوله ادفعوه إلى أكبر خزاعة ان ذلك من باب التوريث لان الرجل إذا كان يجتمع هو وقبيلته في جد معلوم ولم يعلم له وارث منهم على التعيين فأكبرهم سنا أقربهم إليه نسبا لان كبر السن مظنة لعلو الدرجة . قوله " كانوا يتوارثون بذلك " قال في البحر أراد بالآية أن العصبات وذوي السهام أولى بالميراث من الحلفاء والمدعين قال أبو عبيد نسخت ميراثهما وقوله تعالى { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } أي إلى حلفائكم . وقال جابر بن زيد ومقاتل ابن محمد وعطاء بل إلى قرابتهم المشركين فاجازوا الوصية لهم للآية قال المهدي وهو ظاهر البطلان لقوله تعالى { لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء } فيكف سماهم أولياء المؤمنين اه
باب ميراث ابن الملاعنة والزانية منهما وميراثهم منهم وانقطاعهم من الأب
1 -
في حديث المتلاعنين الذي يرويه سهل بن سعد " قال وكانت حاملا وكان ابنها ينسب
إلى أمه فجرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله "
- أخرجاه
2 -
وعن ابن عباس " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا مساعاة في
الإسلام من ساعي في الجاهلية فقد ألحقته بعصبته ومن ادعى ولدا من غير رشدة فلا يرث
ولا يورث "
- رواه أحمد وأبو داود
3 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال
ايما رجل عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث "
- رواه الترمذي
4 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه جعل
ميراث ابن الملاعنة لامه ولورثتها من بعدها "
- رواه أبو داود
- حديث ابن عباس في إسناده مجهول في سنن أبي داود وأخرج أبو داود أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى إن كل ولد زنا لأهل أمه من كانوا حرة أو أمة " وذلك فيما استلحق في أول الإسلام وفي إسناده محمد بن راشد المكحول الشامي وفيه مقال وثقه أحمد وابن معين والنسائي وقال دحيم يذكر بالقدر وحديث عمرو بن شعيب الأول في إسناده أبو محمد عيسى بن موسى القرشي الدمشقي قال البيهقي ليس بمشهور وحديث عمرو بن شعيب الثاني في إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف قال الترمذي وروى يونس هذا الحديث عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه . وروى مالك عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا ( وفي الباب ) عن وائلة بن الأسقع عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عنه " قال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن حرب اه وفي إسناده عمر بن رويبة التغلبي قال البخاري فيه نظر وسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال صالح الحديث قيل تقوم به الحجة فقال لا ولكن صالح وقال الخطابي هذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل . وقال البيهقي لم يثبت البخاري ولا مسلم هذا الحديث لجهالة بعض رواته اه . وقد صححه الحاكم وأحاديث الباب تدل على أنه لا يرث ابن الملاعنة من الملاعن له ولا من قرابته شيئا وكذلك لا يرثون منه . وكذلك ولد الزنا وهو مجمع على ذلك ويكون ميراثه لأمه ولقرابتها كما يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب المذكور وتكون عصبته عصبة أمه . وقد روي نحو ذلك عن علي وابن عباس فيكون للأم سهمها ثم لعصبتها على الترتيب وهذا حيث لم يكن غير الأم وقرابتها من ابن الميت أو زوجة فلو كان له ابن أو زوجة أعطي كل واحد ما يستحقه كما في سائر المواريث : قوله " لا مساعاة في الإسلام " المساعاة الزنا وكان الأصمعي يجعلها في الإماء دون الحرائر لأنهن كن يسعين لمواليهن فيكتسبن لضرائب كانت عليهن يقال ساعت الأمة إذا فجرت وساعاها فلان إذا فجر بها كذا في النهاية
باب ميراث الحمل
1 -
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا استهل المولود ورث
"
- رواه أبو داود
2 - وعن
سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله والمسور ابن مخرمة قالا قضى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لا يرث الصبي حتى يستهل "
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله
- حديث أبي هريرة في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف وقد روى عن ابن حبان تصحيح الحديث . وحديث جابر اخرجه أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ " إذا استهل صلى عليه وورث " وفي إسناده اسمعيل ابن مسلم وهو ضعيف قال الترمذي وروى مرفوعا والموقوف أصح وبه جزم النسائي وقال الدارقطني في العلل لا يصح رفعه . قوله " إذا استهل " قال ابن الأثير استهل المولود إذا بكى عند ولادته وهو كناية عن ولادته حيا وإن لم يستهل بل وجدت منه إمارة تدل علة حياته وقد تقدم الكلام على الاستهلال في كتاب الجنائز ( والحديثان ) يدلان على أن المولود إذا وقع منه الاستهلال أو ما يقوم مقامه ثم مات ورثه قرابته وورث هو منهم وذلك ما لا خلاف فيه . وقد اختلف في الأمر الذي تعلم به حياة المولود فأهل الفرائض قالوا بالصوت أو الحركة وهو ول الكرخي وروى عن علي وزفر والشافعي . وروى عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وشريح والنخعي ومالك وأهل المدينة أنه لا يرث مالم يستهل صارخا . وفي شرح الإبانة الاستهلال عند الهادي والفريقين الحركة أو الصوت وعند الناصر ومالك ورواية عن أبي حنيفة وأبي طالب الصوت فقط ويكفي عند الهادوية خبر عدلة بالاستهلال وعند مالك والهادي لابد من عدلتين وعند الشافعي أربع
باب الميراث بالولاء
1 - صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " الولاء لمن أعتق " وللبخاري في رواية " الولاء لمن أعطى الورق وولى النعمة "
2 -
وعن قتادة عن سلمى بنت حمزة " أن مولاها مات وترك ابنته فورث النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ابنته النصف وورث يعلى النصف وكان ابن سلمى "
- رواه أحمد
3 -
وعن جابر ابن زيد عن ابن عباس " أن مولى لحمزة توفي وتك ابنته حمزة فاعطى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته النصف وابنة حمزة النصف "
- رواه الدارقطني . واحتج أحمد بهذا الخبر في رواية أبي طالب وذهب إليه وكذلك روى
عن إبراهيم النخعي ويحيى بن آدم وإسحاق بن راهوية إن المولى كان لحمزة . وقد روى
أنه كان لبنت حمزة فروى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن
شداد عن بنت حمزة وهي أخت ابن شداد لامه " قالت مات مولاي وترك ابنته فقسم
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماله بيني وبين ابنته فجعل لي النصف ولها النصف
" . رواه ابن ماجه . وابن أبي ليلى فيه ضعف فإن صح هذا لم يقدح في الرواية
الأولى فإن من المحتمل تعدد الواقعة ومن المحتمل أنه أضاف مولى الوالد إلى الولد
بناء على القول بانتقاله إليه أو توريثه به
- الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تقدم في باب من اشترى عبدا بشرط أن يعتقه من كتاب البيع وتقدم أيضا في باب من شرط الولاء أو شرطا فاسدا من كتاب البيع أيضا وسيأتي أيضا في باب المكاتب وحديث قتادة ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات الا أن قتادة لم يسمع من سلمي بنت حمزة قال وأخرجه يأسانيد رجال بعضها رجال الصحيح . وحديث جابر بن زيد ذكره أيضا في التلخيص وسكت عنه . وحديث محمد بن عبد الرحمن رواه النسائي من حديث ابنة حمزة أيضا وفي إسناده ابن أبي ليلى المذكور وهو القاضي وهو ضعيف كما قال المصنف وأعل الحديث النسائي بالإرسال وصحح هو والدارقطني الطريق المرسلة وأخرجه أيضا الحاكم وصرح بأن أسمها أمامة وهو يخالف ما في حديث أحمد المذكور في الباب من التصريح بأن اسمها سلمى . وفي مصنف ابن أبي شيبة أنها فاطمة قال البيهقي اتفق الرواة على ان ابنة حمزة هي المعتقة وقال إن قول إبراهيم النخعي إنه مولى حمزة غلط والأولى الجمع بين الروايتين بمثل ما ذكره المصنف رحمه الله . وحديث ابنة حمزة فيه على فرض أنها هي المعتقة دليل على أن المولى الأسفل إذا مات وترك أحدا من ذوي سهامه ومعتقه كان لذوي السهام من قرابته مقدار ميراثهم المفروض والباقي للمعتق ولا فرق بين أن يكون ذكرا أو أنثى ويؤيد ذلك عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " الولاء لمن أعتق والولاء لمن أعطى الورق وولى النعمة " وقد وقع الخلاف فيمن ترك ذوي أرحامه ومعتقه فروى عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس وزيد بن علي والناصر أن مولى العتاق لا يرث الا بعد ذوي أرحام الميت وذهب غيرهم إلى أنه يقدم على ذوي أرحام الميت ويأخذ الباقي بعد ذوي السهام ويسقط مع العصبات والرواية المذكورة عن قتادة تدل على أن العتيق إذا مات وترك ذوي سهامه وعصبة مولاه كان لذوي السهام فرضهم والباقي لعصبة المولى . ورواية ابن عباس المذكورة تدل على أن العتيق إذا مات وترك ذوي سهامه وذوي سهام مولاه كان لذوي سهامه نصيبهم والباقي لذوي سهام مولاه والذي جزم به جماعة من أهل الفرائض أن ذوي سهام الميت يسقطون ذوي سهام المعتق ويدل على ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ميراث الولاء للأكبر من الذكور ولا ترث النساء من الولاء الا ولاء من أعتقن أو أعتقه من أعتقن " وأخرج البيهقي عن علي وعمر وزيد بن ثابت أنهم كانوا لا يورثون النساء من الولاء الا ولاء من أعتقن
باب النهي عن بيع الولاء وهبته وما جاء في السائبة
1 -
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه نهى عن بيع الولاء وهبته
"
- رواه الجماعة
2 -
وعن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من والى قوما بغير أذن
مواليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا
عدلا "
- متفق عليه وليس لمسلم فيه بغير أذن مواليه لكن له مثله بهذه الزيادة من حديث أبي
هريرة
3 -
وعن هزيل بن شرحبيل قال " جاء رجل إلى عبد الله فقال أني أعتقت عبدا لي
وجعلته سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد الله ان أهل الإسلام لا
يسببون وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون وأنت ولى نعمته ولك ميراثه وإن تأثمت وتحرجت
في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال "
- رواه البرقاني على شرط الصحيح . وللبخاري منه " إن أهل الإسلام لا يسيبون
وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون "
- في الباب عن عبد الله بن عمر عند الحاكم وابن حبان وصححه والبيهقي وأعله قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب " : قوله " نهى عن بيع الولاء وعن هبته " فيه دليل على أنه لا يصح بيع الولاء ولا هبته لأنه أمر معنوي كالنسب فلا يتأتى انتقاله قال ابن بطال أجمع العلماء على أنه لا يجوز تحويل النسب وحكم الولاء حكمه لحديث " الولاء لحمة كلحمة النسب " وحكي في البحر عن مالك أنه يجوز بيع الولاء . وقال ابن بطال وغيره جاء عن عثمان جواز بيع الولاء وكذا عن عروة وجاء عن ميمونة جواز هبته قال الحافظ قد أنكر ذلك ابن مسعود في زمن عثمان فأخرج عبد الرزاق عنه أنه كان يقول أيبيع أحدكم نسبه . ومن طريق علي الولاء شعبة من النسب . ومن طريق جابر أنه أنكر بيع الولاء وهبته . ومن طريق ابن عمر وابن عباس أنها كانا ينكران ذلك وسنده صحيح ويغني عن ذلك حديث ابن عمر المذكور في الكتاب وحديثه الثاني الذي ذكرناه فإنه حديث صحيح ويغني عن ذلك كله حديث صحيح وقد جمع أبو نعيم طرقه فرواه عن نحوه من خمسين رجلا من أصحاب عبد الله بن دينار عنه . ورواه أبو جعفر الطبري في تهذيبه والطبراني في الكبير وأبو نعيم أيضا من حديث عبد الله بن أبي أوفى فلا وجه لما قاله البيهقي من أنه يروى بأسانيد كلها ضعيفة : قوله " صرفا ولا عدلا " الصرف التوبة . وقيل النافلة والعدل الفدية وقيل الفريضة ( والحديث ) يدل على أنه يحرم على المولى أن يوالي غيره مواليه لأن اللعن لمن فعل ذلك من الأدلة القاضية بأنه من الذنوب الشديدة . قوله " وجعلته سائبة " قال في القاموس السائبة المهملة والعبد يعتق على أن لا ولاء له انتهى . وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ثم هدمه الإسلام
باب الولاء هل يورث أو يورث به
1 -
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " تزوج رباب بن حذيفة بن سعيد بن سهم أم
وائل بنت معمر الجمحبة فلدت له ثلاثة فتوفيت أمهم فورثها بنوها رباعها وولاء
مواليها فخرج بهم عمرو بن العاص معه إلى الشام فماتوا في طاعون عمواس فورثهم عمرو
وكان عصبتهم فلما رجع عمرو وجاء بنو معمر بن حبيب يخاصمونه في ولاء أختهم إلى عمر
بن الخطاب فقال اقضي بينكم بما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما
أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان فقضى لنا به وكتب لنا كتابا فيه شهادة عبد
الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت "
- رواه ابن ماجه وأبو داود بمعناه . ولأحمد زسطه من قوله " فلما رجع عمرو
وجاء بنو معمر إلى قوله فقضى لنا به " قال أحمد في رواية ابنه صالح حديث عمر
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان هكذا
يرويه عمرو بن شعيب . وقد روى عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود أنهم قالوا
الولاء للكبر فهذا الذي نذهب إليه وهو قول أكثر الناس فيما بلغنا
- الحديث أخرجه أيضا النسائي مسندا ومرسلا وصححه ابن المديني وابن عبد البر وزاد أبو داود بعد قوله وزيد بن ثابت ورجل آخر فلما استخلف عبد الملك اختصموا إلى هشام بن اسمعيل أو إلى اسمعيل بن هشام فرفعهم إلى عبد الملك فقال هذا من القضاء الذي ما كنت أراه قال فقضى لنا بكتاب عمر بن الخطاب فنحن فيه إلى الساعة . وأثر عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود أخرجه أيضا عبد الرزاق والبيهقي وسعيد بن منصور : قوله " رياب " بكسر الراء المهملة وبعدها ياء مثناة تحتية وبعد الألف باء موحدة وذكره صاحب القاموس في مادة المهموز قوله " عمواس " هي قرية بين الرملة وبيت المقدس . قوله " أنهم قالوا الولاء للكبر " الخ أراد أحمد بن حنبل أن مذهب الجمهور ذكر معنى ذلك في نهاية المجتهد . وحديث عمر وفعله يقتضي تقديم البنين ثم رده إلى الأخوة بعدهم وهو مذهب شريح وجماعة وححتهم ظاهر خبر عمر لأن البنين عصبتها ولما كان عمرو بن العاص ليس بعصبة لها رد الولاء إلى أخواتها لأنهم عصبتها وفي ذلك دلالة على أن الولاء لا يورث وإلا لكان عمرو أحق به منهم . قال في البحر مسألة الأكثر ولا يورث يعني الولاء بل تختص العصبات للخبر العترة والفريقان ولا يعصب فيه ذكر أنثى فيختص به ذكور أولاد المعتق وأخوته إذ قد ثبت أن الأعمام لا يعصبون لضعفهم والولاء ضعيف فلم يقع فيه تعصيب بحال شريح وطاوس بل يورث ويعصبون لقوله صلى الله عليه وآله وسلم كلحمة النسب قلت مخصص بالقياس . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يورث " انتهى ومراده بالقياس القياس على عدم تعصيب الأعمام لأخواتهم . ومعنى كون الولاء للكبر أنها لا تجري فيه قواعد الميراث وإنما يختص بارثه الكبر من أولاد المعتق أو غيرهم فإذا خلف رجل ولدين وقد كان أعتق عبدا فمات أحد الولدين وخلف ولدا ثم مات العتيق اختص بولائه ابن المعتق دون ابن ابنه وكذلك لو أعتق رجل عبدا ثم مات وترك أخوين ثم مات أحدهما وترك ابنا ثم مات المعتق فميراثه لأخي المعتق دون ابن أخيه . ووجه الاستدلال بما روي عن هؤلاء الصحابة أنهم لا يخالفون التوريث إلا توقيفا
باب ميراث المعتق بعضه
1 -
عنابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المكاتب يعتق بقدر ما
أدري ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويورث بقدر ما عتق منه "
- رواه النسائي وكذلك أبو داود والترمذي . وقال حديث حسن ولفظهما " إذا أصاب
المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه " والدارقطني مثلهما وزاد "
وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه " وقال أحمد في رواية محمد بن الحكم إذا
كان العبد نصفه حرا ونصفه عبدا ورث بقدر الحرية كذلك روى عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم
- الحديث رجال إسناده ثقات كما قال الحافظ في الفتح لكنه اختلف في إرساله ووصله وقد اختلف في حكم المكاتب إذا ادى بعض مال الكتابة فذهب أبو دطالب والمؤيد بالله إلى أنه إذا سلم شيئا من مال الكتابة صار لقدره حكم الحرية فيما يتبعض من الأحكام حيا وميتا كالوصية والميراث والحد والأرش وفيما لا يتبعض كالوقود والرجم والوطء بالملك له حكم العبد . وقال أبو حنيفة والشافعي أنه لا يثبت ه شيء من أحكام الأحرار بل حكمه حكم العبد حتى يستكمل الحرية وحكاه الحافظ في الفتح عن الجمهور . وحكى في البحر عن عمرو وابن عباس وزيد بن ثابت وعائشة وأم سلمة والحسن البصري وسعيد بن المسيب والزهري والثوري والعترة وأبي حنيفة والشافعي ومالك أن المكاتب لا يعتق حتى يوفي ولو سلم الأكثر واحتجوا بما أخرجه أبو داود عن جده مرفوعا " المكاتب قن ما بقي عليه درهم " ورواه النسائي وابن حبان من وجه آخر من حديثه بلفظ " ومن كان مكاتبا على مائة درهم فقضاها إلا أوقية فهو عبد " وروى عن على المكاتب إذا ادى الشطر عتق ويطالب بالباقي وروى عنه أيضا أنه يعتق منه بقدر ما أدى وعن ابن مسعود لو كتابته عتق . وعن شريح إذا ادى ثلثا عتق وما بقي اداه في الحرية . وحديث الباب يدل على ما قاله المؤيد بالله وأبو طالب ويؤيده ما أخرجه النسائي عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد " قال البيهقي قال أبو عيسى فيما بلغني عنه سألت البخاري عن هذا الحديث قال روى بعضهم هذا الحديث عن أيوب عن عكرمة عن علي قال البيهقي ما اختلف عن عكرمة فيه وروى عنه مرسلا . ورواه حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وجعله إسماعيل من قول عكرمة وروى موقوفا عن علي أخرجه البيهقي من طرق مرفوعا . وفي مسألة مذهب آخر وهو أن المكاتب يعتق بنفس الكتابة ورجح هذا المذهب بأن الحكم الكتابة حكم البيع لأن المكاتب اشترى نفسه من السيد ورجح مذهب الجمهور لبأنه أحوط لأن ملك السيد لا يزول إلا بعد تسليم ما قد رضي به من المال وإذا لم يمكن الجمع بين الحديثين المذكورين فالحديث الذي تمسك به الجمهور ارجح من حديث الباب وسيأتي حديث عمرو بن شعيب في باب المكاتب من كتاب العتق
باب امتناع الأرث باختلاف الدين وحكم من أسلم على ميراث قبل أن يقسم
1 -
عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لا يرث المسلم
الكافر ولا الكافر المسلم "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي . وفي رواية " قال يا رسول الله أتنزل غدا
في دارك بمكة قال وهل ترك لناعقيل من رباع أو دور وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب
ولم يرث جعفر ولا علي شيئا لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين "
أخرجاه
2 -
وعن عبد الله بن عمرو " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يتوارث أهل
ملتين شتى "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . وللترمذي مثله من حديث جابر
3 -
وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يرث المسلم النصراني الا
أن يكون عبده أو أمته "
- رواه الدارقطني ورواه من طريق آخر موقوفا على جابر وقال موقوف وهو محفوظ . وعن
ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل قسم قسم في
الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على ما قسم الإسلام "
رواه أبو داود وابن ماجه
- حديث أسامة بن زيد هو باللفظ الأول في مسلم لا كما زعم المصنف قال الحافظ وأغرب ابن تيمية في المنتقي فادعى إن مسلما لم يخرجه وكذا ابن الأثير في الجامع ادعى ان النسائي لم يخرجه اه وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه ايضا الدارقطني وابن السكن وسند أبي داود فيه إلى عمرو بن شعيب صحيح . وحديث جابر الأول استغربه الترمذي وفي إسناده ابن أبي ليلى ولفظه " لا يتوارث أهل ملتين " وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا أبو يعلى والضياء في المختارة ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند ابن حبان بنحو حديث عمرو بن شعيب . وعن أبي هريرة عند البزار بلفظ " لاترث ملة من ملة وفيه عمر بن راشد تفرد به وهو لين الحديث وأحاديث الباب تدل على أنه لا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم قال في البحر إجماعا واختلف في ميراث المرتد فقيل يكون للمسلمين قال في البحر قيل إجماعا إذ هي كموته الأكثر ولا يرث المسلم من الذمي معاذ ومعاوية والناصر والأمامية بل يرث لنا " لاتوارث بين أهل ملتين " قالوا قال صلى الله عليه وآله وسلم " الاسلام يعلو ولا يعلى " قلنا نقول بموجبه والأرث ممنوع بما رويناه قالوا قال صلى الله عليه وآله وسلم نرثهم ولا يرثونا قلنا لعله أراد المرتدين جمعا بين الأخبار ثم قال مسألة الهادي وأبو يوسف ومحمد ويرث المرتد ورثته المسلمون الشافعي لا بل لبيت المال أبو حنيفة ما كسبه قبل الردة فلورثته المسلمين وبعدها لبيت المال لنا قتل على عليه السلام المستورد العجلي حين ارتد وجعل ميراثه لورثته المسلمين ولم يفصل . قالوا لا يرث المسلم الكافر قلنا مخصوص بعمل علي قالا غنم أموال أهل الردة قلنا كان لهم منعة فصاروا حربيين اه كلام البحر . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الاسلام يعلو " هو حديث أخرجه أبو داود والحاكم وصححه . وأما قوله نرث أهل الكتاب ولا يرثونا فليس من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما زعم في البحر بل هو من قول معاوية كما روى ذلك ابن أبي شيبة وقد قال بقول معاوية ومن معه عبد الله بن مغفل ومسروق وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ولكنه اجتهاد مصادم لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يرث المسلم الكافر " وما في معناه . ومصادم أيضا لنص حديث جابر المذكور في الباب ولتقريره صلى الله عليه وآله وسلم لما فعله عقيل ( والحاصل ) أن أحاديث الباب قاضية بأنه لا يرث المسلم من الكافر من غير فرق بين أن يكون حربيا أو ذميا أو مرتدا فلا يقبل التخصيص الا بدليل . وظاهر قوله " لا يتوارث أهل ملتين " أنه أهل ملة كفرية من أهل ملة كفرية أخرى وبه قال الأوزاعي ومالك وأحمد والهادوية وحمله الجمهور على أن المراد بإحدى الملتين الاسلام وبالأخرى الكفر ولا يخفى بعد ذلك . وفي ميراث المرتد أقوال أخر غير ما سلف والظاهر ما قدمنا
باب أن القاتل لا يرث وأن دية المقتول لجميع ورثته من زوجة وغيرها
1 -
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا
يرث القاتل شيئا "
- رواه أبو داود
2 -
وعن عمر قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ليس لقاتل ميراث
"
- رواه مالك في الموطأ وأحمد وابن ماجه
3 -
وعن سعيد بن المسيب " ان عمر قال الدية للعاقلة لا ترث المرأة من دية زوجها
حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أن
أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ورواه مالك من رواية ابن شهاب عن عمر وزاد
قال ابن شهاب وكان قتلهم أشيم خطأ
4 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى ان
العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم "
- رواه الخمسة إلا الترمذي
5 -
وعن قرة بن دعموص قال أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنا وعمي فقلت يا رسول
الله عند هذا دية أبي قمره يعطنيها وكان قتل في الجاهلية فقال أعطه دية أبيه فقلت
هل لامي فيها حق قال نعم وكانت ديته مائة من الأبل "
- رواه البخاري في تاريخه
- حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وأعله والدارقطني وقواه ابن عبد البر . وحديث عمر أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق والبيهقي وهو منقطع قال البيهقي ورواه محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال الحافظ وكذا أخرجه النسائي من وجه آخر عن عمرو قال أنه خطأ وأخرجه ابن ماجه والدارقطني من وجه آخر عن عمر أيضا ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند الدارقطني بلفظ " لا يرث القاتل شيئا " وفي إسناده كثير بن مسلم وهو ضعيف . وعن ابن عباس أيضا حديث آخر عند البيهقي بلفظ " من قتل قتيلا فإنه لا يرث وإن لم يكن له وارث غيره " وفي لفظ " وإن كان والده أو ولده " وفي إسناد عمرو بن برق وهو ضعيف وعن أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجه بلفظ " القاتل لا يرث " وفي إسناده إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة تركه أحمد وغيره وأخرجه النسائي في السنن الكبرى وقال إسحاق متروك وعن عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي عند الطبراني في قصة وانه قتل امرأته خطأ فقال صلى الله عليه وآله وسلم " اعقلها ولا ترثها " وعن عدي الجذامي نحوه أخرجه الخطابي وحديث سعيد بن المسيب أخرجه أيضا النسائي وقال الترمذي حسن صحيح زاد أبو داود بعد قوله من دية زوجها فرجع عمرو في رواية " وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمله على الأعراب " وحديث عمرو بن شعيب هو حديث طويل ساقه أبو داود بطوله في باب ديات الأعضاء وفي إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد اختلف فيه فتكلم فيه غير واحد ووثقه غير واحد . وحديث قرة ابن دعموص يشهد له حديث الضحاك المذكور . وحديث عمرو بن شعيب : قوله " لا يرث القاتل شيئا " استدل به من قال بأن القاتل لا يرث سواء كان القتل عمدا أو خطأ وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأكثر أهل العلم قالوا ولا يرث من المال ولا من الدية . وقال مالك والنخعي والهادوية إن قاتل الخطأ يرث من المال دون الدية ولا يخفى ان التخصيص لا يقبل الا بدليل . وحديث عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي نص في محل النزاع فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له ولا ترثها . وكذلك حديث عدي الجذامي الذي اشرنا إليه ولفظه في سنن البيهقي " إن عديا كانت له امرأتان اقتتلنا فرمى احداهما فماتت فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاه فذكر له ذلك فقال له اعقلها ولا ترثها " وأخرج البيهقي أيضا " ان رجلا رمى بحجر فأصاب أمه فماتت من ذلك فأراد نصيبه من ميراثها فقال له أخوته لا حق لك فأرتفعوا إلى علي رضي الله عنه فقال له حقك من ميراثها الحجر أو غرمه الدية ولم يعطه من ميراثها شيئا . وأخرج أيضا عن جابر بن زيد أنه قال " أيما رجل قتل رجلا أو امرأة عمدا أو خطأ فلا ميراث له منهما وأيما امرأة قتلت رجلا أو امرأة عمدا أو خطأ فلا ميراث لها منهما " وقال قضي بذلك عمر بن الخطاب وعلي وشريح وغيرهم من قضاة المسلمين . وقد ساق البيهقي في الباب آثارا عن عمر وابن عباس وغيرهما تفيد كلها أنه لا ميراث للقاتل مطلقا : قوله " اشيم " بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت : قوله " من دية زوجها " فيه دليل على أو الزوجة ترث من دية زوجها كما ترث من ماله وكذلك يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب المذكور لعموم قوله فيه " بين ورثة القتيل " والزوجة من جملتهم . وكذلك قوله في حديث قرة المذكور " هل لامي فيها حق قال نعم "
باب في أن الأنبياء لا يورثون
1 - عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا نورث ما تركناه صدقة "
2 - وعن عمر أنه قال لعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد وعلي والعباس " أنشدكم الله الذي بأذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا نورث ماتركنا صدقة قالوا نعم "
3 - وعن عائشة " أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين توفى أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن فقالت عائشة اليس قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نورث ماتركناه صدقة "
4 -
وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقتسم ورثتي
دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة "
- متفق عليهن . وفي لفظ لأحمد " لا يقتسم ورثتي دينارا أو لا درهما "
5 -
وعن أبي هريرة " أن فاطمة رضي الله عنها قالت لأبي بكر من يرثك إذا مت قال
ولدي وأهلي قالت فما لنا لانرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال سمعت النبي صلى
الله عليه وآله وسلم يقول أن النبي لا يورث ولكن أعول من كان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يعول وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد والترمذي وصححه
- قوله " لا نورث " بالنون وهو الذي توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث كما قال الحافظ في الفتح وما تركنا في موضع الرفع بالابتداء وصدقة خبره وقد زعم الرافضة أن لا نورث بالياء التحتانية وصدقة بالنصب على الحال وماتركناه في محل رفع على النيابة والتقدير لا يورث الذي تركناه حال كونه صدقة وهذا خلاف ما جاءت به الرواية ونقله الحافظ وما ذلك بأول تحريف من أهل تلك النحلة ويوضح بطلانه ما في حديث أبي هريرة المذكور في الباب بلفظ " فهو صدقة " وقوله " لا تقتسم ورثتي دينارا " وقوله " أن النبي لا يورث " ومما ينادى على بطلانه أيضا أن أبا بكر أحتج بهذا الكلام على فاطمة رضي الله عنهما فيما ألتمسته منه من الذي خلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأراضي وهما من أفصح الفصحاء وأعلمهم بمدلولات الألفاظ فلوكان اللفظ كما تقرؤه الروافض لم يكن فيما أحتج به أبو بكر حجة ولا كان جوابه مطابقا لسؤالها : قوله " أنشدكم الله " أي اسألك رافعا نشدتي أي صوتي وقد قدمنا الكلام على هذا التركيب ومعناه : قوله " ومؤنة عاملي " اختلف في المراد به فقيل هو الخليفة بعده . قال الحافظ وهذا هو المعتمد . وقيل يريد بذلك العامل على النخل وبه جزم الطبري وابن بطال وأبعده من قال المراد بعامله حافر قبره وقال ابن دحية في الخصائص المراد بعامله خادمه وقيل العامل على الصدقة . وقيل العامل فيها كالأخير ونبه بقوله دينارا بالأدنى على الأعلى وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب أن الأنبياء لا يورثون وإن جميع ما تركوه من الأموال صدقة ولا يعارض ذلك قوله تعالى { وورث سليمان داود } فإن المراد بالوراثة المذكورة وراثة العلم لا المال كما صرح بذلك جماعة من أئمة التفسير وقد استشكل ما وقع في الباب عن عمر أنه قال لعثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد وعلي والعباس " أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا نورث ماتركناه صدقة فقالوا نعم " ووجه الاستشكال ان أصل القصة صريح في أن العباس وعليا قد علما بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال " لانورث " فإن كانا سمعاه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يطلبانه من أبي بكر وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر وأجيب يحمل ذلك على أنهما اعتقدا أن عموم لانورث مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض ولذلك نسب عمر إلى علي والعباس أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما كما وقع في صحيح البخاري وغيره . وأما مخاصمتها بعد ذلك عند عمر فقال إسماعيل القاضي فيما رواه الدارقطني من طريقه لم يكن في الميراث إنما تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف كذا قال لكن في رواية النسائي وعمر بن شبة من طريق أبي البختري ما يدل على انهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث ولفظه في آخره " ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي ويقول هذا أريد نصيبي من امرأتي والله لا أقضي بينكما إلا بذلك " أي إلا بما تقدم من تسليمها لها على سبيل الولاية . وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس نحوه وفي السنن لأبي داود وغيره أراد أن عمر يقسمها بينهما لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه فامتنع عمر من ذلك وأراد أن لا يقع عليهما اسم القسمة ولذلك أقسم على ذلك وعلى هذا اقتصر أكثر شراح الحديث واستحسنوه وفيه من النظر ما تقدم . وأعجب من ذلك جزم ابن الجوزي والنووي أنهما شرحا اللفظ الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في البخاري . وأما ما ثبت في الصحيح في قول عمر جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك فإنما عبر بذلك لبيان قسمة الميراث كيف يقسم بينهم لو كان هناك ميراث لا أنه أراد الغض منهما في هذا الكلام وزاد الإمامي عن ابن شهاب عند عمر بن شبة ما لفظه " فأصلحا أمركما وإلا لم يرجع والله إليكما " : قوله " ولكن أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعول " الخ فيه دليل على أنه يتوجب على الخليفة القائم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعول من كان الرسول صلوات الله عليه وآله وسلم يعوله وينفق على من كان الرسول ينفق عليه
كتاب العتق
باب الحث عليه
1 -
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من أعتق رقبة مسلم أعتق
الله بكل عضو منه عضوا من النار حتى فرجه بفرجه "
- متفق عليه
2 -
وعن سالم ابن أبي الجعد عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله
وسلم يعني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أيما أمرئ مسلم أعتق أمرأ مسلم
كان فكاكه من النار يجزي كل عضو منه عضوا منه وأيما أمرئ مسلم أعتق امراتين
مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزى كل عضو منهما عضوا منه "
- رواه الترمذي وصححه . ولأحمد وأبي داود معناه من رواية كعب بن مرة أو مرة بن كعب
السلمي وزاد فيه " وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار
يجزى بكل عضو من أعضائها عضوا من أعضائها "
- حديث كعب بن مرة أخرجه أيضا النسائي وابن ماجة وإسناده صحيح وفي الباب عن عمر بن عبسة عن أبي داود والترمذي . وعن أبي موسى عند أحمد والنسائي . وعن عقبة بن عامر عن الحاكم وعن وائلة عند الحاكم أيضا . وعن مالك بن الحرث عنده أيضا : قوله " كتاب العتق " بكسر العين المهملة وسكون الفوقية وهو زوال الملك وثبوت الحرية . قال في الفتح يقال عتق يعتق عتقا بكسر أوله ويفتح وعتاقا وعتاقه . قال الأزهري هو مشتق من قوله عتق الفرس إذا سبق وعتق الفرخ إذا طار لأن الرقيق يخلص بالعتق ويذهب حيث شاء . قوله " مسلمه " هذا مقيد لباقي الروايات المطلقة فلا يستحق الثواب المذكور إلا من أعتق رقبة مسلمة . ووقع في حديث عمر بن عبسة " من أعتق رقبة مؤمنة " وهو أخص من قيد الإسلام ولا خلاف أن معتق الرقبة الكافر مثاب على العتق ولكنه ليس كثواب الرقبة المؤمنه : قوله " حتى فرجه بفرجه " استشكله بن العربي فقال الفرج لا يتعلق به ذنب يوجب النار إلا الزنا فإن حمل على ما يتعاطاه من الصغائر كالمفاخذة لم يشكل عتقه من النار بالعتق وإلا فالزنا كبيرة لا تكفر إلا بالتوبة قال فيحتمل أن يكون المراد أن العتق يرجح عن الموازاة بحيث يكون مرجحا لحسنات المعتق ترجيحا يوازي سيئة الزنا اه قال الحافظ ولا اختصاص لذلك بالفرج بل يأتي في غيره من الأعضاء كاليد في الغصب مثلا : قوله " أيما امرئ مسلم " فيه دليل على أن هذا الأجر مختص بمن كان من المعتقين مسلما فلا أجر للكافر في عتقه إلا إذا انتهى أمره إلى الإسلام فسيأتي قوله " فكاكه " بفتح الفاء وكسرها لغة أي كانتا خلاصة قوله " يجزى " بضم الياء وفتح الزاي غير مهموز ( وأحاديث الباب ) فيها دليل على أن العتق من القرب لموجبة للسلامة من النار وإن عتق الذكر أفضل من عتق الأنثى وقد ذهب البعض إلى تفضيل عتق الأنثى على الذكر واستدل على ذلك بأن عتقها يستلزم حرية ولدها سواء تزوجها حر أو عبد ومجرد هذه المناسبة لا يصلح لمعارضة ما وقع التصريح به في الأحاديث من فكاك المعتق إما رجل أو امرأتين وأيضا عتق الأنثى ربما أفضى في الغالب إلى ضياعها لعدم قدرتها على التكسب بخلاف الذكر قال في الفتح وفي قوله أعتق الله بكل عضو عضوا منه إشارة إلى أنه ينبغي أن لا يكون في الرقبة نقصان لتحصيل الاستيعاب وأشار الخطابي إلى أنه يغتفر البعض المجبور بمنفعته كالخصي مثلا واستنكره النووي وغيره وقال لا يشك أن في عتق الخصي وكل ناقص فضيلة ولكن الكامل أولي
3 - وعن أبي ذكر قال " قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله قال قلت أي الرقاب افضل قال أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا "
4 -
وعن ميمونة بنت الحرث " أنها أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت أشعرت يا رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أني أعتقت وليدتي قال فعلت قالت نعم قال أما أنك لو أعطيتها أخوالك
كان أعظم لأجرك "
- متفق عليهما . وفي الثاني دليل على جواز تبرع المرأة بدون إذن زوجها وأن صلة
الرحم أفضل من العتق
5 -
وعن حكيم بن حزام قال " قلت يا رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في
الجاهلية من صدقة وعتاق وصلة رحم هل لي فيها من أجر قال أسلمت على ما سلف لك من
خير "
- متفق عليه . وقد احتج به على أن الحربي ينفذ عتقه ومتى نفذ فله ولائه بالخبر
- قوله " الإيمان بالله والجهاد " قال النووي ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الإيمان ولم يذكر الحج وذكر العتق وفي حديث آخر ذكر السلامة من اليد واللسان . قال العلماء اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال واحتياج المخاطبين وذكر ما لا يعلمه السائل والسامعون وترك ما علموه . قال في الفتح ويمكن أن يقال أن لفظة من مرادة كما يقال فلان أعقل الناس والمراد من أعقلهم ومنه الحديث " خيركم خيركم لأهله " ومن المعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس اه . قوله " أنفسها عند أهلها " أي اغتباطهم بها أشد فإن عتق مثل ذلك ما يقع غالبا إلا خالصا وهو كقوله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } . قوله وأكثرها ثمنا " وأكثرها ثمنا " في رواية للبخاري أعلاها ثمنا بالعين المهملة وهي رواية للنسائي أيضا وللكشميهني بالغين المعجمة وكذا النسفي قال ابن قرقول معناهما متقارب ورواية مسلم كما هنا قال النووي محله والله أعلم فيمن أراد أن يعتق رقبة واحدة أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلا فأراد أن يشتري بها رقبة يعتقها فوجد فوجد رقبة نفيسة ورقبتين مفضولتين فالرقبتان أفضل وهذا بخلاف الأضحية قال الواحدة السمينة فيها أفضل لأن المطلوب هنا فك الرقبة وهناك طيب اللحم . قال الحافظ والذي يظهر أن باختلاف الأشخاص فرب شخص واحد إذا عتق انتفع بالعتق أضعاف ما يحصل من النفع لعتق أكثر عددا منه ورب محتاج إلى كثرة اللحم لتفرقته على المحاويج الذين ينتفعون به أكثر مما ينتفع به بطيب اللحم فالضابط أن مهما كان أكثر نفعا كان أفضل سواء قل أو كثر . واحتج به لمالك في أن عتق الرقبة الكافرة إذا كانت أعلى ثمنا من المسلمي وقد تقدم تقييده بذلك . قوله " أشعرت " بفتح الشين المعجمة والعين المهملة وهو من الشعور . قوله وفي الثاني دليل على جواز تبرع المرأة الخ قد قدمنا الكلام على ذلك في باب ما جاء في تصرف المرأة في مالها ومال زوجها من كتاب الهبة . قوله " أسلمت على ما سلف لك من خير " فيه دليل على أن ما فعله الكافر حال كفره من القرب يكتب له إذا أسلم فيكون هذا الحديث مخصصا لحديث الإسلام يجب ما قبله وقد تقدم في أوائل كتاب الصلاة وجب ذنب الكافر بالإسلام أيضا مشروط بأن يحسن في الإسلام لما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود قال " قلنا يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال من أحسن ي الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أوخذ بالأول والآخر " وحديث حكيم المذكور يدل على أنه يصح العتق من الكافر في حال كفره ويثاب عليه إذا أسلم بعد ذلك وكذلك الصدقة وصلة الرحم
باب من أعتق عبدا وشرط عليه الخدمة
1 -
عن سفينة أبي عبد الرحمن قال " أعتقتني أم سلمة وشرطت علي أن أخدم النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ما عاش "
- رواه أحمد وابن ماجه . وفي لفظ " كنت مملوكا لأم سلمة فقالت أعتقك واشترط
عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت لو لم تشترطي علي ما فارقت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عشت فأعتقتني وأشترطت علي " رواه أبو
داود
- الحديث أخرجه أيضا النسائي وقال لا بأس بإسناده . وأخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده سعيد بن جمهان أبو حفص الأسلمي وثقه يحيى بن معين وأبو داود السجستاني . وقال أبو حاتم الرازي شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به . وقد استدل بهذا الحديث بصحة العتق المعلق على شرط . قال ابن رشد ولم يختلفوا أن العبد إذا أعتقه سيده على أن يخدمه سنين أنه لا يتم عتقه إلا بخدمته . قال ابن رسلان وقد اختلفوا في هذا فكان ابن سيرين يثبت الشرط في مثل هذا وسئل عنه أحمد فقال يشتري هذه الخدمة من صاحبه الذي اشترط له قيل له يشتري بالدراهم قال نعم اه . وقال الخطابي هذا وعد عبر عنه باسم الشرط ولا يلزم الوفاء به وأكثر الفقهاء لا يصححون إيقاع الشرط بعد العتق لأنه شرط لا يلاقي ملكا أو منافع الحر لا يملكها غيره إلا في إجارة أو في ما معناها . قال في البحر مسألة ومن قال أخدم أولادي في ضيعتهم عشر سنين فإذا مضت فأنت حر عتق باستكمال ذلك إجماعا لحصول الشرط والوقت قبل قلت ولو خدمهم في غير تلك الضيعة إذ القصد الخدمة لا مكانها وكذلك فرق السنين عليهم لم يضر . قال الإمام يحيى وللسيد فيه قبل الوفاء كل تصرف إجماعا . قال في البحر في دعوى الإجماع نظر قال الإمام يحيى وتلزمه الخدمة إجماعا إذ قد وهبها السيد لهم قال الهادي ويعتق بمضي المدة وإن لم يخدم إذ علق يمضيها حيث قال فإذا مضت قال وإذا مات الأولاد قبل الخدمة ومضى السنين بطل العتق لبطلان شرطه وقيل إن كان لهم أولاد عتق بخدمتهم إذ يعم اللفظ لا غيرهم من الورثة
باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم
1 -
عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يجزى ولد عن
والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه "
- رواه الجماعة إلا البخاري
2 -
وعن الحسن عن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من ملك ذا رحم
محرم فهو حر "
- رواه الخمسة إلا النسائي . وفي لفظ لأحمد " فهو عتيق " ولأبي داود عن
عمر بن الخطاب موقوفا مثل حديث سمرة . وروى أنس " أن رجالا من الأنصار
استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن
أختنا عباس فداءه فقال لا تدعوا منه درهما " رواه البخاري وهو دليل على أنه
إذا كان في الغنيمة ذو رحم لبعض الغانمين ولم يتعين له لم يعتق عليه لأن العباس ذو
رحم محرم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن علي رضي الله عليه
- حديث سمرة قال أبو داود والترمذي لم يروه إلا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن . ورواه شعبة عن قتادة عن الحسن مرسلا وشعبة أحفظ من حماد ولكن الرفع من الثقة زيادة لولا ما في سماع الحسن بن سمرة من مقال . وقال علي بن المديني هو حديث منكر . وقال البخاري لا يصح . وأثر عمر أخرجه أيضا النسائي وهو من رواية قتادة عنه ولم يسمع منه فإن مولده بعد موت عمر بنيف وثلاثين سنة ( وفي الباب ) عن ابن عمر مرفوعا عند النسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ملك ذا رحم محرم فهو حر " . وهو من رواية ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عنه . قال النسائي حديث منكر ولا نعلم أحد رواه عن سفيان غير ضمرة . وقال الترمذي لم يتابع ضمرة ابن ربيعة على هذا الحديث وهو خطأ عند أهل الحديث . وقال البيهقي أنه وهم فاحش وقال الطبراني وهم فيه ضمرة والمحفوظ بهذا الإسناد حديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته . وقد رد الحاكم هذا وقال أنه روى من طريق ضمرة الحديثين بالإسناد الواحد وضمرة هذا وثقه يحيى بن معين وغيره ولم يخرج له الشيخان وقد صحح حديثه هذا ابن حزم وعبد الحق وابن قطان : قوله " لا يجزي " بفتح أوله أي لا يكافئه بماله من الحقوق عليه إلا بأن يشتريه فيعتقه وظاهره أنه لا يعتق بمجرد الشراء بل لا بد من العتق وبه قالت الظاهرية وخالفهم غيرهم فقالوا أنه يعتق بنفس الشراء . قوله " ذا رحم " بفتح الراء وكسر الحاء وأصله موضع تكوين الولد ثم استعمل للقرابة فيقع على كل من بينك وبينه نسب يوجب تحريم النكاح : قوله " محرم " بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الراء المخففة ويقال محرم بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة . والمحرم من لا يحل نكاحه نكاحه من الأقارب كالأب والأخ والعم ومن في معناهم . قال ابن الأثير الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه ذكرا كان أو أنثى . وذهب الشافعي وغيره من الأئمة والصحابة والتابعين إلى أنه يعتق عليه الأولاد والآباء والأمهات ولا يعتق عليه غيرهم من قرابته . وذهب مالك إلى أنه يعتق عليه الولد والوالد والأخوة ولا يعتق غيرهم . قال البيهقي وافقنا أبو حنيفة في بني الأعمام أنهم لا يعتقون بحق الملك واستدل الشافعي ومن وافقه بأن غير الوالدين والأولاد قرابة لا يتعلق رد الشهادة ولا تجب بها النفقة مع اختلاف الدين فأسبه فرابة ابن العم وبأنه لا يعصبه فلا يعتق عليه بالقرابة كابن العم وبأنه لو استحق العتق عليه بالقرابة لمنع من بيعه إذا اشتراه وهو مكاتب كالوالد والولد ولا يخفى أن نصب مثل هذه الأقيسة في مقابلة حديث سمرة . وحديث ابن عمر مما لا يلتفت إليه منصف والاعتذار عنهما بما فيهما من المقال المتقدم ساقط لأنهما يتعاضدان فيصلحان للاحتجاج . وحكى في الفتح عن داود الظاهري أنه لا يعتق أحدا على أحد . قوله " لابن أختنا " بالمثناة من فوق والمراد أنهم أخوال أبيه عبد المطلب فإن أم العباس هي نتيلة بالنون والفوقية مصغرا بنت جنان والنون وليست من الأنصار وإنما أرادوا بذلك أن أم عبد المطلب منهم لأنها سلمى بنت عمرو بن أحيجة بمهملتين مصغرا وهي من بني النجار . ومثله ما وقع في حديث الهرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم نزل على أخواله بني النجار وأخواله حقيقة غنما هم بنو زهرة وبنو النجار هم أخوال جده عبد المطلب . وقد استدل بحديث أنس هذا من قال أنه لا يعتق ذو الرحم على رحمه وقد ترجم عليه البخاري فقال باب إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادي قال في الفتح قيل أنه أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد فيمن ملك ذا رحم محرم
باب أن مثل بعبده عتق عليه
1 -
عن ابن جريح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو " أن زنباعا
أبا روح وجد غلاما له مع جارية له فجدع أنفه وجبه فأتى النبي صلى الله عليه وآله
وسلم فقال من فعل ذلك بك قال زنباع فدعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما
حملك على هذا فقال كان من أمره كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
اذهب فأنت حر فقال يا رسول الله فمولى من أنا فقال مولى الله ورسوله فأوصى به
المسلمين فلما قبض جاء إلى أبا بكر فقال وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فقال نعم نجري عليك النفقة وعلى عيالك فأجراها عليه حتى قبض فلما استخلف عمر جاءه
فقال وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نعم أين تريد قال مصر قال فكتب
عمر إلى صاحب مصر أن يعطيه ارضا يأكلها "
- رواه أحمد . وفي رواية أبي حمزة الصيرفي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
" قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صارخا فقال له مالك سيدي
رآني أقبل جارية له فجب مذاكيري فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بالرجل
فطلب فلم يقر عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بالرجل فطلب فلم
يقدر عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذهب فأنت حر " رواه أبو
داود وابن ماجه وزاد " قال على من نصرتي يا رسول الله قال تقول أرأيت أن
استرقني مولاي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل مؤمن أو مسلم وروى
أن رجلا أقعد أمه له في مقلى حار فأحرق عجزها فأعتقها عمر وأوجعه ضربا " حكاه
أحمد في رواية ابن منصور قال وكذلك أقول
- حديث عمر بن شعيب سكت عنه أبو داود وقال الترمذي في إسناده عمرو ابن شعيب وقد تقدم اختلاف الأئمة في حديثه وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو ثقة لكنه مدلس وبقية رجال أحمد ثقات وأخرجه أيضا الطبراني . وأثر عمر أخرجه مالك في الموطأ بلفظ " أن وليدة أتت عمر وقد ضربها سيدها بنار فأصابها بها فأعتقها عليه " وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك وفي الباب عن ابن عمر عند مسلم وأبي داود قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه " وعن سويد بن مقرن عند مسلم وأبي داود قال " كنا بني مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس لنا إلا خادمة واحدة فلطمها أحدنا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أعتقوها " وفي رواية " أنه قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا خادمة لبني مقرن غيرها قال فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها " وعن سمرة ابن جندب وأبي هريرة ذكرهما ابن الأثير في الجامع وبيض لهما وكلاهما بلفظ " من مثل بعبده عتق عليه " وعن أبي مسعود البدري عند مسلم وغيره وفيه " كنت أضرب غلاما بالصوت فسمعت صوتا من خلفي إلى أن قال فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام " وفيه قلت يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار " ( والأحاديث ) تدل على أن المثلة من أسباب العتق وقد اختلف هل يقع العتق بمجردها أم لا فحكى في البحر عن علي الهادي والمؤيد بالله والفريقين أنه لا يعتق بمجردها بل يؤمر السيد بالعتق فإن تمرد فالحاكم . وقال مالك والليث وأبو داود والأوزاعي بل يعتق بمجردها . وحكي في البحر عن الأكثر أن من مثلة بعبده لم يعتق وعن الأوزاعي أنه يعتق ويصمن القيمة للمالك قال النووي في شرح مسلم عند الكلام علي حديث سويد بن مقرن المتقدم أنه أجمع العلماء أن ذلك العتق ليس واجبا وأنما هو مندوب رجاء الكفارة وإزالة أثم اللطم وذكر من أدلتهم على عدم الوجوب إذنه صلى الله عليه وآله وسلم لهم بأن يستخدموها ورد بأن إذنه صلى الله عليه وآله وسلم لهم باستخدامها لا يدل على عدم الوجوب بل الأمر قد أفاد الوجوب والإذن بالاستخدام دل على كونه وجوبا متراخيا إلى وقت الاستغناء عنها ولذا أمره عند الاستغناء بالتخلية لها . ونقل النووي أيضا عن القاضي عياض أنه أجمع العلماء على أنه لا يجب إعتاق بشيء مما يفعله المولى من مثل هذا الأمر الخفيف يعني اللطم المذكور في حديث سويد بن مقرن واختلفوا فيما كثر من ذلك وشنع من ضرب مبرح لغير موجب أو تحرق بنار أو قطع عضو أو إفساده أو نحو ذلك فذهب مالك والأوزاعي والليث إلى عتق العبد بذلك ويكون ولاؤه له ويعاقبه السلطان على فعله وقال سائر العلماء لا يعتق عليه اه وبهذا يتبين أن الاجتماع الذي أطلقه النووي المقيد بمثل ما ذكره القاضي عياض ( واعلم ) أن ظاهر حديث ابن عمر الذي ذكرناه يقتضي أن اللطم والضرب يقتضيان العتق من غير فرق بين القليل والكثير والمشروع وغيره ولم يقل بذلك أحد من العلماء وقد دلت الأدلة على أنه يجوز للسيد أن يضرب عبده للتأديب ولكن يجاوز به عشرة أسواط ومن ذلك حديث إذا ضرب أحدكم خادمه فليجتنب الوجه " فأفاد بأنه يباح ضربه في غيره ومن ذلك الإذن لسيد الأمة يحدها فلا بد من تقييد مطلق الضرب الوارد في حديث ابن عمر هذا بما ورد من الضرب المأذون به فيكون موجب العتق للعتق هو ما عداه
باب من أعتق شركا له في عبد
1 -
عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أعتق شركا له في عبد
وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه
العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق "
- رواه الجماعة والدارقطني . وزاد " ورق ما بقي " وفي رواية متفق عليها
" من أعتق عبدا بينه وبين آخر عليه في ماله قيمة عبد لاوكس ولا شطط ثم عتق
عليه في ماله إن كان موسرا " وفي رواية " من أعتق عبا بين اثنين فإن كان
موسرا . قوم عليه ثم يعتق " رواه أحمد والبخاري . وفي رواية " من أعتق
شركا له في مملوك ووجب عليه أن يعتق كله إن كان له مال قدر ثمنه يقام قيمة عدل
ويعطى شركاءه قيمة المعتق " رواه البخاري . وفي رواية " من أعتق نصيبا
له في مملوك أو شركا له في عبد وكان له من مال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق
" رواه أحمد والبخاري . وفي رواية " من أعتق شركا له في عبد عتق ما بقي
في ماله إذا كان له ما يبلغ ثمن العبد " رواه مسلم وأبو داود
2 -
وعن ابن عمر أنه كان يفتى في البعد أو الأمة يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه منه
يقول قد وجب عليه عتقه إذا كان للذي أعتق من المال ما يبلغ يقوم من ماله قيمة
العدل ويدفع إلى الشركاء انصباءهم ويخلى سبيل المعتق يخبر بذلك ابن عمر عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه البخاري
3 -
وعن أبي المليح عن أبيه " أن رجلا من قومنا أعتق شقصا له من مملوكه فرفع ذلك
إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله وقال ليس لله عز و جل
شريك " ز
- رواه أحمد . وفي لفظ " هو حر كله ليس لله شريك " رواه أحمد ولأبي داود
معناه
4 -
وعن إسماعيل بن أمية عن أبيه عن جده " قال كان لهم غلام يقال له طهمان أو
ذكوان فأعتق جده نصفه فجاء العبد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي
صلى الله عليه وآله وسلم تعتق في عتقك وترق في رقك قال فكان يخدم سيده حتى مات
"
- رواه أحمد
5 -
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال من أعتق شقيصا له
من مملوكه فعليه خلاصة في ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ثم استسعى
في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه "
- رواه الجماعة إلا النسائي
-
حديث أبي مليح أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وقال النسائي أرسله سعيد بن أبي عروبة
وساقه عنه مرسلا وقال هشام وسعيد أثبت من همام في قتادة وحديثهما أولى بالصواب
وأبو مليح اسمه عامر ويقال عمر ويقال زيد وهو ثقة محتج بحديثه في الصحيحين وأبو
أسامة بن عمير هذلي بصري له صحبة ولا يعلم أن أحدا روى عنه غير ابنه أبي المليح
وقوى الحافظ في الفتح اسناد حديث أبي مليح قال وأخرجه أحمد بإسناد حسن من حديث
سمرة " أن رجلا أعتق شقصا في مملوك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو حر
كله وليس لله شريك " وحديث إسماعيل بن أمية قال في مجمع الزوائد هو مرسل
ورجاله ثقات . وأخرجه الطبراني ويشهد له ما في حديث ابن عمر المذكور بلفظ "
وإلا فقد عنق عليه ما عتق " وما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن ابن
التلب بالتاء الفوقانية عن أبيه " أن رجلا أعتق نصيبا له من مملوك فلم يضمنه
النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث أبي هريرة قال أبو داود ورواه روح بن عبادة
عن سعيد بن أبي عروبة لم يذكر السعاية اه ورواه يحيى بن سعيد وابن عدي عن سعيد بن
أبي عروبة لم يذكرا فيه السعاية . ورواه يزيد بن زريع عن سعيد فذكر فيه السعاية
وقال البخاري رواه سعيد عن قتادة فلم يذكر فيه السعاية وقال الخطابي اضطرب سعيد بن
أبي عروبة في السعاية مرة يذكرها ومرة لا يذكرها فدل على أنها ليست من متن الحديث
عنده وإنما هي من كلام قتادة وتفسيره على ما ذكره همام وبينه قال ويدل ويدل على ذلك
حديث ابن عمر يعني الذي فيه وإلا فقد عتق عليه ما عتق . وقال الترمذي روى شعبة هذا
الحديث عن قتادة ولم يذكر فيه السعاية . وقال النسائي أثبت أصحاب قتادة شعبة وهمام
على خلاف سعيد بن أبي عروبة وصوب روايتهما قال وقد بلغني أن هماما روى هذا الحديث
عن قتادة فجعل قوله وإن لم يكن مال الخ من قول قتادة وقال عبد الرحمن بن مهدي
أحاديث همام عن قتادة اصح من حديث غيره لأنه كتبه املاء . قال أبو بكر النيسابوري
ما أحسن ما رواه همام وضبطه فصل قول قتادة وقال ابن عبد البر الذين لم يذكروا
السعاية أثبت ممن ذكرها . وقال البيهقي قد اجتمع ههنا شعبة مع فضل حفظه وعلمه بما
سمع من قتادة وما لم يسمع وهشام مع فضل حفظه وهمام مع صحة كتابه وزيادة معرفته بما
ليس من الحديث على خلاف سعيد بن أبي عروبة ومن تابعه في إدراج السعاية في الحديث .
وذكر أبو بكر الخطيب أبا عبد الرحمن بن يزيد المقري قال رواه همام وزاد فيه ذكر
الاستسعاء وجعله من قول قتادة وميزه من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم . قال
ابن العربي اتفقوا على أن ذكر الاستسعاء ليس من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وإنما هو من قول قتادة وقد ضعف أحمد رواية سعيد بن أبي عروبة ولكنه قد تابع سعيد على
ذكر افستسعاء جماعة على كما ذكر ذلك البخاري . ومنهم جرير بن حازم ومنهم حجاج بن
حجاج عن قتادة . ومنهم أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم ابن طهمان
عن حجاج وفيها ذكر السعاية ورواه عن قتادة أيضا حجاج بن أرطأ كما روى الطحاوي .
ورواه أيضا عن قتادة أبان كما في سنن أبي داود ورواه أيضا موسى بن خلف عن قتادة
كما ذكر ذلك الخطيب ورواه ايضا شعبة عن قتادة كما في صحيح مسلم والنسائي . وقد رحج
رواية سعيد للسعاية ورفعها جماعة منهم ابن دقيق العيد قالوا لأن سعيد بن أبي عروبة
اعرف بحديث قتادة لكثرة ملازمته له وكثرة أخذه عنه وإن كان همام وهشام أحفظ منه
لكنه لا يناف ما روياه وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه وليس المجلس متحدا حتى
يتوقف في زيادة سعيد ولهذا صحح صاحبا الصحيحين كون الجميع مرفوعا قال في الفتح
وأما ما أعل به حديث سعيد من كونه اختلط أو تفرد به فمردود لأنه في الصحيحين
وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع ووافقه عليه أربعة آخرون
معهم لا نطيل بذكرهم وهمام هو الذي انفرد بالتفضيل وهو الذي خالف الجميع في القدر
المتفق على رفعه فإنه جعله واقعة عين وهم جعلوه حكما عاما فدل على أنه لم يضبطه
بشكل كما ينبغي
والعجب ممن طعن في رفع الاستسعاء بكون همام جعله من قول قتادة ولم يطعن فيما يدل
على ترك الاستسعاء وهو قوله في حديث ابن عمر " وإلا فقد عتق منه ما عتق بكون
أيوب جعله من قول نافع وميزه كما صنع همام سواء فلم يجعلوه مدرجا كما جعلوا حديث
همام مدرجا مع كون يحيى بن سعيد وافق أيوب في ذلك وهمام ولم يوافقه أحد وقد جزم
بكون حديث نافع مدرجا محمد بن وضاح وآخرون والذي يظهر أن الحديثين صحيحان مرفوعان
وفاقا لصاحبي الصحيح . قال ابن المواق والانصاف أن لا يوهم الجماعة بقول واحد مع
احتمال آن يكون سمع قتادة يفتي به فليس بين تحديثه به مرة وفتياه أخرى منافاة .
ويؤيده أن البيهقي أخرج عن قتادة أنه أفتى به ومما يؤيد الرفع في حديث ابن عمر
أعني قوله " وإلا فقد عتق عليه ما عتق " أن الذي رفعه مالك وهو أحفظ
لحديث نافع من أيوب وقد تابعه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب
كما قال البيهقي ولا شك أن الرفع زيادة معتبرة لا يليق إهمالها كما تقرر في الأصول
وعلم الاصطلاح وما ذهب إليه بعض أهل الحديث من الإعلال لطريق الرفع بالوقف في طريق
أخرى لا ينبغي التعويل عليه وليس له مستند ولا سيما بعد الإجماع على قبول الزيادة
التي لم تقع منافية مع تعدد مجالس السماع فالواجب قبول الزيادتين المذكورتين في
حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة وظاهرهما التعارض والجمع ممكن لا كما قال الإسماعيلي
وقد جمع البيهقي بين حديثين بأن معناهما أن المعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق على
حصة شريكه بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرق ثم يستسعي العبد في عتق بقيته
فيحصل ثمن الجزء الذي لشريك سيده ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه في ذلك كالمكاتب وهو
الذي جزم به البخاري قال الحافظ والذي يظهر أنه في ذلك باختياره لقوله " غير
مشقوق عليه " فلو كان ذلك على سبيل اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب
حتى يحصل ذلك لحصل له غاية المشقة وهي لا تلزم في الكتابة بذلك عند الجمهور لأنها
غير واجبة فهذه مثلها
قال البيهقي لا يبقى بين الحديثين بعد هذا الجمع معارضة أصلا قال الحافظ وهو كما
قال إلا أنه يلزم منه أن يبقى الرق في حصة الشريك إذا لم يختر العبد الاستسعاء
فيعارضه حديث أبي مليح الذي ذكره المصنف قال ويمكن حمله على ما إذا كان المعتق
غنيا أو على ما إذا كان جميعه له فأعتق بعضه واستدل على ذلك بحديث ابن التلب الذي
تقدم ثم قال وهو محمول على المعسر وإلا لتعارضا . وجمع بعضهم بطريق أخرى فقال أبو
عبد الملك المراد بالاستسعاء أن العبد يستمر في حصة الذي لم يعتق رقيقا فيسعى في
خدمته بقدر ماله فيه من الرق قال ومعنى قوله " غير مشقوق عليه " أي من
جهة سيده المذكور فلا يكلفه من الخدمة فوق حصة الرق ويؤيد هذا حديث إسماعيل بن
أمية الذي ذكره المصنف ولكنه يرد عليه ما وقع في رواية للنسائي وأبي داود في لفظ
" واستسعى في قيمته لصاحبه " واحتج من أبطل السعاية بحديث الرجل الذي
أعتق ستة مماليك عند موته فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أجزاء
ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقد تقدم في باب تبرعات المريض من كتاب
الوصايا . ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء لو كان مشروعا لنجز من كل واحد منهم عتق
ثلثه واستسعى في بقية قيمته لورثة الميت وأجاب من أثبت السعاية بأنها واقعة عين
فيحتمل أن تكون قبل مشروعية السعاية ويحتمل أن تكون السعاية مشروعة في غير هذه
الصورة . وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد رجال ثقات " آن رجلا من بني عذرة أعتق
مملوكا له عند موته وليس له مال غيره فأعتق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ثلثه وأمر أن يسعى في الثلثين " واحتجوا أيضا بما أخرجه النسائي عن ابن عمر
من حديث وفيه " وليس على العبد شيء " وأجيب بأن ذلك مختص بصورة اليسار لقوله
في هذا الحديث " وله وفاء " والسعاية إنما هي في صورة الإعسار . وقد ذهب
إلى الأخذ بالسعاية إذا كان المعتق معسرا أبو حنيفة وصاحباه والأوزاعي والثوري
وإسحاق وأحمد في رواية وإليه ذهبت الهادوية وآخرون ثم اختلفوا فقال الأكثر يعتق
جميعه في الحال ويستسعي العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك وزاد ابن أبي ليلى فقال
ثم يرجع العبد على المعتق الأول بما دفعه إلى الشريك . وقال أبو حنيفة وحده يتخير
بين السعاية وبين عتق نصيبه وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء إلا النصيب
الأول فقط وعن عطاء يتخير الشريك بين ذلك وبين إبقاء حصته في الرق وخالف الجميع
زفر فقال يعتق كله وتقوم حصة الشريك فتؤخذ وإليه ذهبت الهادوية وآخرون ثم اختلفوا
فقال الأكثر يعتق جميعه في الحال ويستسعي العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك وزاد
ابن أبي ليلى فقال ثم يرجع العبد على المعتق الأول بما دفعه إلى الشريك . وقال أبو
حنيفة وحده يتخير بين السعاية وبين عتق نصيبه وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده
ابتداء إلا النصيب الأول فقط وعن عطاء يتخير الشريك بين ذلك وبين إبقاء حصته في
الرق وخالف الجميع زفر فقال يعتق كله وتقوم حصة الشريك فتؤخذ إن كان المعتق موسرا
وتبقى في ذمته إن كان معسرا وقد حكى في البحر عن الفريقين من الحنفية والشافعية
مثل قول زفر فينظر في صحة ذلك
وحكي أيضا عن الشافعي أنه يبقي نصيب شريك المعسر رقيقا وعن الناصر أنه يسعى العبد
مطلقا . وعن أبي حنيفة يسعى عن المعسر ولا يرجع عليه والموسر يخير شريكه بين
تضمينه أو السعاية أو إعتاق نصيبه كما مر . وعن عثمان البتي أنه لا شيء على العتق
إلا أن تكون جارية تراد للوطء فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر . وعن ابن
شبرمة أن القيمة في بيت المال وعن محمد بن إسحاق أن هذا الحكم للعبيد دون الإماء .
قوله " قيمة عدل " بفتح العين أي لا زيادة فيه ولا نقص : قوله "
لاوكس " بفتح الواو وسكون الكاف بعدها سين مهملة أي لا نقص ولا الشطط بشين
معجمة ثم طاء مهملة مكررة وهو الجور بالزيادة على القيمة من قولهم شطني فلان إذا
شق عليك وظلمك حقك . قوله " أو شركا له في مملوك " الشرك بكسر الشين
المعجمة وسكون الراء الحصة والنصيب . قالابن دقيق العيد هو في الأصل مصدر : قوله
" شقصا " بكسر الشين المعجمة وسكون القاف . وفي الرواية الثانية شقيصا
بفتح الشين وكسر القاف والشقص والشقيص مثل النصف مثل النصف والنصيف وهو القليل من
كل شيء وقيل هو النصيب قليلا كان أو كثيرا
باب التدبير
1 -
عن جابر " أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي صلى الله عليه
وآله وسلم فقال من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا فدفعه إليه
"
- متفق عليه . وفي لفظ " قال أعتق رجل من الأنصار غلاما له عن دبر وكان
محتاجا وكان عليه دين فباعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثمانمائة درهم
فأعطاه فقال اقض دينك وأنفق على عيالك " رواه النسائي
2 -
وعن محمد بن قيس بن الأحنف عن أبيه عن جده " أنه أعتق غلاما له عن دبر وكاتبه
فأدى بعضا وبقي بعض ومات مولاه فأتوا ابن مسعود فقال ما أخذ فهو له وما بقي فلا
شيء لكم "
- رواه البخاري في تاريخه
-
حديث جابر أخرجه أيضا الأربعة وابن حبان والبيهقي من طرق كثيرة بألفاظ متنوعة .
وفي الباب عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا عند البيهقي لفظ " المدبر من الثلث
" ورواه الشافعي والحافظ يقفونه على ابن عمر . ورواه الدارقطني مرفوعا بلفظ
" المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من الثلث " وفي إسناده عبيدة بن حسان
وهو منكر الحديث . وقال الدارقطني في العلل الأصح وقفه وقال العقيلي لا يعرف غلا
بعلي بن بن ظبيان وهو منكر الحديث . وقال أبو زرعة الموقوف أصح . وقال ابن القطان
المرفوع ضعيف . وقال البيهقي الصحيح موقوف . وقد روى نحوه عن علي موقوفا عليه .
وعن أبي قلابة مرسلا " أن رجلا أعتق عبدا له عن دبر فجعله النبي صلى الله
عليه وآله وسلم من الثلث " وروى الشافعي والحاكم عن عائشة أنها باعت مدبرة
سحرتها : قوله " أن رجلا " في مسلم أنه أبو مذكور الأنصاري والغلام اسمه
يعقوب . ولفظ أبي داود " أن رجلا يقال له أبو مذكور أعتق غلاما يقال له يعقوب
اه وهو يعقوب القبطي كما في رواية مسلم وابن أبي شيبة : قوله " عن دبر "
بضم الدال والموحدة وهو العتق في دبر الحياة كأن يقول السيد لعبده أنت حر بعد موتي
أو إذا مت فأنت حر وسمي السيد مدبرا بصيغة اسم الفاعل لأنه دبر أمر دنياه
باستخدامه ذلك المدبر واسترقاقه ودبر أمر آخرته بإعتاقه وتحصيل أجر العتق : قوله
" فاشتراه نعيم بن عبد الله " في رواية للبخاري نعيم بن النحام بالنون
والحاء المهملة المشددة وهو لقب والد نعيم وقيل أنه لقب لنعيم وظاهر الرواية خلاف
ذلك ( والحديث يدل على جواز بيع المدبر مطلقا من غير تقييد بالفسق والضرورة وإليه
ذهب الشافعي وأهل الحديث ونقله البيهقي في المعرفة عن أكثر الفقهاء
وحكي النووي عن الجمهور أنه لا يجوز بيع المدبر مطلقا والحديث يريد عليهم . وروى
عن الحنفية والمالكية أنه لا يجوز بيع الدبر تدبيرا مطلقا لا المدبر تدبيرا مقيدا
نحو أن يقول إن مت من مرضي هذا ففلان حر فإنه يجوز بيعه لأنه كالوصية فيجوز الرجوع
فيه كما يجوز الرجوع فيها . وقال أحمد يمتنع بيع المدبر دون المدير . وقال الليث
يجوز بيعه أن شرط على المشتري عن \ تقه وقال ابن سيرين لا يجوز بيعه إلا من نفسه .
وقال مالك وأصحابه لا يجوز بيعه إلا إذا كان على السيد دين فيباع له . قال النووي
وهذا الحديث صريح أو ظاهر في الرد عليهم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما
باعه لينفقه سيده على نفسه ولعله لم يقف على رواية النسائي التي ذكرها المصنف نعم
لا وجه لقصر جواز البيع على حاجة قضاء الدين بل يجوز البيع لها ولغيرها من الحاجات
والرواية المذكورة قد تضمنت أن الرجل المذكور كان محتاجا للبيع لما كان عليه من
الدين ومن نفقة أولاده . وقد ذهب إلى جواز البيع لمطلق الحاجة عطاء والهادي
والقاسم والمؤيد بالله وأبو طالب كما حكى ذلك عنهم في البحر وإليه مال ابن دقيق
العيد فقال من منع البيع مطلقا كان الحديث حجة عليه لأن المنع الكلي يناقضه الجواز
الجزئي ومن أجازه في بعض الصور فله أن يقول قلت بالحديث في الصورة التي ورد فيها
فلا يلزمه القول به غير ذلك من الصور وأجاب من أجازه مطلقا بأن قوله في الحديث
وكان محتاجا لا مدخل له في الحكم وإنما ذكر لبيان السبب في المبادرة لبيعه ليبين
للسيد جواز البيع ولا يخفى أن في الحديث إيماء إلى المقتضى لجواز البيع بقوله
فاحتاج وبقوله اقض دينك وأنفق على عيالك ( لا يقال ) الأصل جواز البيع والمنع منه
يحتاج إلى دليل ولا يصلح لذلك حديث الباب لأن غايته أن البيع فيه وقع للحاجة ولا
دليل على اعتبارها في غيره بل مجرد ذلك الأصل كاف في الجوار لأنا نقول قد عارض ذلك
الأصل إيقاع العتق المعلق فصار الدليل بعده على مدعي الجواز ولم يرد الدليل غلا في
صورة الحاجة فيبقى ما عداها على أصل المنع . واما ما ذهب إليه الهادوية من جواز
بيع المدبر للفسق كما يجوز للضرورة فليس على ذلك دليل إلا ما تقدم عن عائشة من
بيعها للمدبرة التي سحرتها وهو مع كونه أخص من الدعوى لا يصلح للاحتجاج به لما
قررناه غير مرة من أن قول الصحابي وفعله ليس بحجة ( واعلم ) أنها قد اتفقت طرق هذا
الحديث على أن البيع وقع في حياة السيد إلا ما أخرجه الترمذي بلفظ " أن رجلا
من الأنصار دبر غلاما له فمات " وكذلك رواه الأئمة احم وإسحاق وابن المديني
والحميدي وابن أبي شيبة عن ابن عيينة ووجه البيهقي الرواية المذكورة بأن أصلها أن
رجلا من الأنصار أعتق مملوكه إن حديث به حدث فمات فدعا به النبي صلى الله عليه
وآله وسلم فباعه من نعيم كذلك رواه مطر الوراق عن عمر . وقال البيهقي فقوله فمات
من بقية الشرط أي فمات من ذلك الحدث وليس أخبارا عن أن المدبر مات فحذف من رواية
ابن عيينة قوله إن حدث به حدث فوقع الغلط بسبب ذلك اه
( وقد استدل ) بحديث الباب وما في معناه على مشروعية التدبير وذلك مما لا خلاف فيه
وإنما الخلاف هل ينفذ من رأس المال أو من الثلث فذهب الفريقان من الشافعية
والحنفية ومالك والعترة وهو مروي عن علي وعمر أنه ينفذ من الثلث واستدلوا بما
قدمنا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو حر من الثلث وذهب ابن مسعود والحسن
البصري وابن المسيب والنخعي وداود ومسروق إلى أنه ينفذ من راس المال قياسا على
الهبة وسائر الأشياء التي يخرجها الإنسان من ماله في حال حياته واعتذروا عن الحديث
الذي احتج به الأولون بما فيه من المقال المتقدم ولكنه معتضد بالقياس على الوصية
ولا شك أنه بالوصية أشبه منه بالهبة لما بينه وبين الوصية من المشابهة التامة .
قوله " ما أخذ فهو له وما بقي فلا شيء لكم " استدل به القاضي زيد
والهادوية على أن الكتابة لا يبطل بها التدبير ويعتق العبد عندهم بالأسبق منهما
وقال المنصور بالله لا تصح الكتابة بعد التدبير لأنها بيع فلا تصلح إلا حيث يصح
البيع ورد بإن ذلك تعجيل للعتق مشروط
باب المكاتب
1 -
عن عائشة " أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها ولم
تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضى عنك
كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت فذكرت بريرة ذلك لأهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب
عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فقال
لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابتاعي فأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق ثم
قام فقال ما أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى من اشترط شرطا ليس في
كتاب الله فليس له وإن شرطه مائة مرة شرط الله أحق وأوثق "
- متفق عليه . وفي رواية قالت " جاءت بريرة إني كاتبت أهلي على تسع أوراق في
كل عام أوقية " الحديث متفق عليه
- قوله " باب المكاتب " بفتح الفوقانية من تقع له الكتابة وبكسرها من تقع منه والكتابة بكسر الكاف وفتحها قال الراغب اشتقاقها من كتب بمني أوجب ومنه قوله تعالى كتب عليكم الصيام أو بمعنى جمع وضم ومنه كتب الخط . قال الحفظ وعلى الأول تكون مأخوذة من معنى الالتزام وعلى الثاني تكون مأخوذة من الخط لوجوده عند عقدها غالبا . قال الروائي الكتابة إسلامية ولم تكن تعرف في الجاهلية وقال ابن التين كانت الكتابة متعارفة قبل الإسلام فأقرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالابن خزيمة وقد كانوا يكاتبون في الجاهلية بالمدينة قوله " أن بريرة " قد تقدم ضبط هذا الاسم وبيان اشتقاقه في باب من اشترى عبدا بشرط أن يعتقه من كتاب البيع وتقدم أيضا رف من شرح هذا الحديث في باب أن من شرط الولاء أو شرط شرطا فاسدا من كتاب البيع أيضا قوله " فإن أحبوا " الخ ظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال الكتابة ولم يقع ذلك إذ لو وقع لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقه غيرها . وقد رواه أبو أساممة بلفظ يزيل الإشكال فقال " ان أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت " وكذلك رواه وهيب عن هشام فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ابتاعي فأعتقي " والمراد بالأهل هنا في قول عائشة ارجعي إلى أهلك السادة والأهل في الأصل الآل وفي الشرع من تلزم نفقته : قوله " إن شاءت أن تحتسب " هو من الحسبة بكسر الحاء المهملة أي تحتسب الأجر عند الله ولا يكون لها ولاء . قوله " فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " في رواية للبخاري فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسالني وفي أخرى له فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بلغه . قوله " ابتاعي فأعتقي " هو كقوله في الحديث ابن عمر لا يمنعك ذلك . قوله " على تسع أواق " في رواية معلقة للبخاري " خمي أواق نجمت عليها في خمس سنين " ولكن المشهور رواية التسع قد جزم الإسماعيلي بأن رواية الخمس غلط ويمكن الجمع بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها وبهذا جزم القرطبي والمحب الطبري ويعكر عليه ما في تلك الرواية بلفظ " ولم تكن قضت من كتابتها شيئا " وأجيب بأنها كانت حصلت الربع الأواق قبل أن تستعين ثم جاءتها وقد بقيت عليها خمس . وقال القرطبي يجاب بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجمها من جملة التسع الأواق المذكورة ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري ذكرها في أبواب المساجد بلفظ " فقال أهلها إن شئت أعطيت ما يبقى " وقد قدمنا بقية الكلام على هذا الحديث في ذلك الباب من كتاب البيع فليرجع إليه وله فوائد أخر خارجة عن المقصود . قال ابن بطال أكثر الناس من تخريج الوجوه في حديث بربرة حتى بلغوها نحو مائة وجه . وقال النووي صنف فيه ابن خزيمة وابن جرير تصنيفين كبيرين أكثر فيهما من استنباط الفوائد
2 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال
أيما عبد كوتب بمائة أوقية فادها إلا عشرة أوقيات فهو رقيق "
- رواه أبو داود
3 -
وعن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا كان لإحداكن مكاتب
وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي ويحمل الأمر بالاحتجاب على الندب
4 -
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " يؤدي المكاتب بحصة ما
أدى دية الحر وما بقي دية العبد "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه
5 -
وعن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤدي المكاتب بقدر ما أدي
"
- رواه أحمد
- حديث عمرو بن شعيب باللفظ الأول أخرجه أيضا الحاكم وصححه وقال الترمذي غريب . قال الشافعي لم أجد أحدا روى هذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا عمرا ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبته وعلى هذا فتا المفتين . وأخرجه باللفظ الثاني أيضا النسائي والحاكم وابن حبان وحسن الحافظ إسناده في بلوغ المرام وهو من رواية إسماعيل بن عياش وفيه مقال . وقال النسائي هو حديث منكر وهو عندي خطأ اه وفي إسناده عطاء الخراساني عن عمرو بن شعيب ولم يسمع عنه كما قال ابن حزم . وحديث أم سلمة قال الشافعي لم أر أحدا ممن رضيت من أهل العلم يثبت واحدا من هذين الحديثين قال البيهقي أراد هذا وحديث عمرو بن شعيب يعني الذي قبله اه من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها . وقد صرح معمر بسماع الزهري من نبهان . وقد أخرجه ابن عزيمة عن نبهان من طريق أخرى . وعن ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وهو عن النسائي مسند ومرسل ورجال إسناده عند أبي داود ثقات . وحديث علي علي عليه السلام أخرجه أيضا أبو داود لأنه قال في السنن بعد إخراجه لحديث ابن عباس ما لفظه ورواه يعني حديث ابن عباس وهيب عن أيوب عن عكرمة عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعله إسماعيل بن علية من قول عكرمة وأخرجه البيهقي من طرق : قوله " فهو رقيق " أي تجرى عليه أحكام الرق وفيه دليل على جواز بيع المكاتب لأنه رق مملوك وكل مملوك يجوز بيعه وهبته والوصية به وهو القديم من مذهب الشافعي وبه قال أحمد وابن المنذي قال بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي مكاتبة ولم ينكر ذلك ففيه أبين بيان أن بيعه جائز قال ولا أعلم خبر يعارضه قال ولا أعلم دليل علي عجزها وقال الشافعي في الجديد ومالك وأصحاب الرأي أنه لا يجوز بيعه وبه قالت العترة قالوا لأنه قد أخرج عن ملكه بدليل تحريم الوطء والاستخدام وتأول الشافعي حديث بريرة على أنها كانت قد عجزت وكان بيعها فسخا لكتابتها وهذا التأويل يحتاج إلى دليل : قوله " فلتحتجب منه " ظاهر الأمر الوجوب إذا كان مع المكاتب من المال ما يكفي بما عليه من مال الكتابة لأنه قد صار حرا وإن لم يكن قد سلمه إلى مولاته وقيل أنه محمول على الندب قال الشافعي يجوز أن يكون أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة بالاحتجاب من مكاتبها إذا كان عنده ما يؤدي لتعظيم أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون ذلك مختصا بهن ثم قال مع هذا فاحتجاب المرأة ممن يجوز له أن يراها واسع وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم سودة أن تحتجب من رجل قضى أنه أخوها وذلك يشبه أن يكون للاحتياط وإن الاحتجاب ممن له أن يراها مباح اه والقرينة الخاطئة بحمل هذا الأمر على الندب حديث عمرو بن شعيب المذكور فإنه يقتضي حكم المكاتب قبل تسليم جميع مال الكتابة حكم العبد والعبد يجوز له النظر إلى سيدته كما هو مذهب أكثر السلف لقوله تعالى { وما ملكت أيمانهن } وذهب جماعة من أهل العلم منهم الهادوية إلى أنه لا يجوز للعبد النظر إلى سيدته . ومن متمسكاتهم ما روي عن سعيد بن المسبب أنه قال لا تغرنكم آية النور فالمراد بها الإماء قال في البحر وخصهن بالذكر لتوهم مخالفتهن للحرائر في قوله تعالى { أو نسائهن } اه وقد تمسك بحديث عمرو بن شعيب جمهور أهل العلم من الصحابة وغيرهم فقال حكم المكاتب قبل تسليم جميع مال الكتابة حكم العبد في جميع الأحكام من الأرث والأرش والدية والحد مغير ذلك وتمسك من قال بأنه يعتق من المكاتب بقدر ما أدي من مال الكتابة وتتبعض الأحكام التي يمكن تبعضها في حقه ابن عباس وحديث علي المذكورين وقد قدمنا في باب ميراث المعتق بعضهم من كتاب الفرائض أقوال في المكاتب الذي قد أدى بعض مال كتابته : قوله " يؤدي المكاتب " بضم أوله وفتح الدال المهملة مبنيا للمجهول أي يؤدي الجاني عليه من ديته أو أرشه لما كان منه حر بحساب دية الحر وأرشه ولما كان منه عبدا بحساب دية العبد وأرشه
6 -
وعن موسى بن أنس " أن سيرين سأل أنس بن مالك المكاتبة وكان كثير المال فأبى
فانطلق إلى عمر فقال كاتبه فأبى فضربه عمر بالدرة وتلى عمر فكاتبوهم إن علمتم فيهم
خيرا "
- أخرجه البخاري
7 - وعن
أبي سعيد المقبر قال " اشترتني امرأة من بني ليث بسوق ذي المجاز بسبعمائة
درهم ثم قدمت فكاتبتني على أربعين ألف درهم فأذهبت إليها عامة المال ثم حملت ما
بقي إليها فقلت هذا مالك فاقبضيه حتى آخذه منك شهرا بشهر وسنة بسنة فخرجت به إلى
عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له فقال عمر ادفعه إلى بيت المال ثم بعث إليها هذا المالك
في بيت المال وقد عتق أبو سعيد فإن شئت خذي شهرا بشهر وسنة بسنة قال فأرسلت فأخذته
"
- رواه الدارقطني
- حديث أبي سعيد المقبري هو من رواية ابنه سعيد بن أبي سعيد وأخرجه ايضا البيهقي وأورده صاحب التلخيص وسكت عنه : قوله " أن سيرين " هو والد محمد ابن سيرين الفقيه المشهور وكنيته أبو عمرة وكان من سبى عين التمر اشتراه أنس في خلافته أبي بكر وروى عن عمر وغيره وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وموسى بن أنس الراوي عنه لم يدرك وقت سوال سيرين الكتابة من أنس . وقد رواه عبد الرزاق والطبراني من وجه آخر متصل من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال أرادني سيرين على المكاتبة فأبيت فأتى عمر بن الخطاب فذكره نحوه . وقد استدل بالآية المذكورة من قال بوجوب الكتابة وقد نقله ابن حزم عن مسروق والضحاك وزاد القرطبي معهما عكرمة وهو قول للشافعي وبه قالت الظاهرية واختاره ابن جرير الطبري وحكاه في البحر عن عطاء وعمرو ابن دينار . وقالإسحاق بن راهويه أنها واجبة إذا طلبها العبد وذهبت العترة والشافعية والحنفية وجمهور العلماء إلى عدم الوجوب وأجابوا عن الآية بأجوبة منها ما قاله أبو سعيد الأصطخرى أن القرينة الصارفة للأمر المذكور آخر الآية أعني قوله تعالى { إن علمتم فيهم خيرا } فإنه وكل الاجتهاد في ذلك إلى المولى ومقتضاه أنه إذا رأى عدمه لم يجبر عليه فدل على أنه غير واجب . وقال غيره الكتابة عقد غرر فكان الأصل أن لا تجوز فلما وقع الإذن فيها كان أمرا بعد منع والأمر بعد المنع للإباحة ولا يرد على هذا كونها مستحية لأن استحبابها ثبت بأدلة أخرى قال القرطبي لما ثبت أن رقبة العبد وكسبه ملك لسيده دل على أن الأمر بالكتابة غير واجب لن قوله خذ كسبي وأعتقني يصير بمنزلة أعتقني بلا شيء وذلك غير واج اتفاقا . وأجاب عن الآية في البحر بأن القياس على المعاوضات صرفها عن الظاهر كالتخصيص ورد بأن القياس المذكور فاسد الاعتبار لأنه في مقابلة النص ويجاب بأن المراد بالقياس المذكور هو الأصل المعلوم من الأصول المقررة وهو صالح للصرف لا القياس الذي هو إلحاق أصل بفرع حتى يرد بما ذكر واستدل بفعل عمر المذكور في قصة أبي سعيد المقبري من لم يسترط التنجيم في الكتابة وهم أبو حنيفة ومالك والناصر والمؤيد بالله . وذهب الشافعي والهادي وأبو العباس وأبو طالب إلى اشتراط التأجيل والتنجيم واستدلوا على ذلك بأن الكتابة مشتقة من الضم وهو ضم بعض النجوم إلى بعض وأقل ما يحصل به الضم نجمان واحتجوا أيضا بما رواه ابن أبي شيبة عن علي بلفظ " إذا تتابع على المكاتب نجمان فلم يؤد نجومه رد إلى الرق " ولا يخفى أن مثل هذا لا ينتهض للاحتجاج به على الاشتراط أما أولا فلأنه قول الصحابي وأما ثانيا فليس فيه ما يشعر بأن ذلك على جهة الحتم والتأجيل في الأصل إنما جعل لأجل الرفق بالعبد لا بالسيد فإذا قدر العبد على التعجيل وتسليم المال دفعة فكيف يمنع من ذلك . والحاصل أن التنجيم جائز بالاتفاق كما حكي ذلك في الفتح وأما كونه شرطا أو واجبا فلا مستند له :
باب ما جاء في أم الولد
1 -
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من وطئ أمته فولدت له
فهي معتقة عن دبر منه "
- رواه أحمد وابن ماجه . وفي لفظ " أيما امرأو ولدت من سيدها فهي معتقة عن
دبر منه أو قال من بعده " رواه أحمد
2 -
وعن ابن عباس قال " ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فقال أعتقها ولدها "
- رواه ابن ماجه والدارقطني
- الحديث الأول أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وله طرق وفي إسناده الحسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف جدا وقد رجح جماعة وقفه على عمرو وفي رواية للدارقطني والبيهقي من حديث ابن عباس أيضا أم الولد حرة وإن كان سقطا وإسناده ضعيف . قال الحافظ والصحيح أنه من قول ابن عمر . والحديث الثاني في إسناده أيضا حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف جدا كما تقدم . قال البيهقي وروي عن ابن عباس من قوله قال وله علة ورواه مسروق عن عكرمة عن عمرو عن خصيف عن عكرمة عن ابن عمر قال فعاد الحديث إلى عمر وله طرق أخرى رواه البيهقي من حديث ابن لهيعة عن عبيد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأم إبراهيم أعتقك ولدك وهو معضل وقال ابن حزم صح هذا بسند رواته ثقات عن ابن عباس ثم ذكره من طريق قاسم بن أصبغ عن محمد بن مصعب عن عبيد الله بن عمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس وتعقبه ابن قطان بأن قوله عن محمد بن مصعب خطأ وإنما هو عن محمد وهو ابن وضاح عن مصعب وهو ابن سعيد المصيصي وفيه ضعف ( والحديثان ) يدلان على أن الأمة تصير حرة إذا ولدت من سيدها وسيأتي الكلام على ذلك قريبا والخلاف فيه . وأم الولد هي الأمة التي علقت من سيدها بحمل ووضعته متخلقا وادعاه
3 -
وعن أبي سعيد قال " جاء رجل من النصار فقال يا رسول الله أنا نصيب سبيا فنحب
الأثمان فكيف ترى في العزل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنكم لتفعلون ذلكم
لا عليكم أن تفعلوا ذلكم فإنها ليست نسمة كتب الله عز و جل أن تخرج إلا وهي خارجة
"
- رواه أحمد والبخاري
- الحديث فيه دليل على جواز العزل عن الإماء وسيذكر المصنف حديث أبي سعيد هذا في باب ما جاء في العزل من كتاب الوليمة والبناء ويأتي شرحه إن شاء الله تعالى هنالك فإن الموضع الأليق به وفي مطلق العزل خلاف طويل وكذلك في خصوص العزل عن الحرة أو الأمة أو أم الولد وسيأتي هنالك مبسوطا بمعونة الله ولعل مراد المصنف رحمه الله بإيراد الحديث الاستدلال بقوله فنحب الأثمان على منع بيع الأمهات الأولاد وهو محتمل
4 -
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه نهى عن بيع أمهات
الأولاد وقال لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن يستمتع بها السيد ما دام حيا وإذا مات
فهي حرة "
- رواه الدارقطني ورواه مالك في الموطا والدارقطني من طريق آخر عن ابن عمر عن عمر
من قوله وهو أصح
5 -
وعن أبي الزبير عن جابر " أنه سمعه يقول كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم فينا حي لا نرى بذلك بأسا "
- رواه أحمد وابن ماجه
6 -
وعن عطاء عن جابر " قال بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا "
- رواه أبو داود . قال بعض العلماء إنما وجه هذا أن يكون ذلك مباحا ثم نهي عنه ولم
يظهر النهي لمن باعها ولا علم أبو بكر بمن باع في زمانه لقصر مدته واشتغاله بأهم
أمور الدين ثم ظهر ذلك زمن عمر فأظهر النهي والمنع وهذا مثل حديث جابر أيضا في
المتعة قال " كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر حتى نهانا عنه عمر في شأن عمرو بن حريث "
رواه مسلم وإنما وجه ما سبق لامتناع النسخ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
7 -
وعن الخطاب بن صالح عن أمه قالت " حدثتني سلامة بنت معقل قالت كنت للحباب بن
عمر ولي منه غلام فقالت لي امرأته الآن تباعين في دينه فأتيت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال من صاحب تركة الحباب بن عمر قالوا أخوه أبو
اليسر كعب بن عمر فدعاه فقال لا تبيعوا وأعتقوها فإذا سمعتم برقيق قد جاءني فأتوني
أعوضكم ففعلوا فاختلفوا فيما بينهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم
فقال قوم أم الولد مملوكة لولا ذلك لم يعوضكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقال بعضهم هي حرة قد أعتقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففي كان الاختلاف
"
- رواه أحمد في مسنده قال الخطابي وليس إسناده لذلك
-
حديث ابن عمر أخرجه أيضا البيهقي مرفوعا وموقوفا وقال الصحيح وقفه على عمر وكذا
قال عبد الحق . وقال صاحب الإلمام المعروف فيه الوقوف والذي رفعه ثقة قيل ولا يصح
مسندا . وحديث جابر الأول أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي وحديثه الثاني أخرجه أيضا
ابن حبان والحافظ . وحديث سلامة بنت معقل أخرجه أيضا أبو داود وفي إسناده محمد بن
إسحاق بن يسار وفيه مقال . وذكر البيهقي أنه أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا بعد أن ذكر أحاديث في أسانيدها مقال ( وفي الباب
) عن أبي سعيد عند الحاكم بنحو حديث جابر الآخر وإسناده ضعيف . قال البيهقي وليس
في شيء من الطرق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطلع علي ذلك يعني بيع أمهات
الأولاد وأقرهم عليه . وقال الحافظ أنه روى ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق أبي
سلمة عن جابر ما يدل على ذلك يعني الإطلاع والتقرير : قوله " قال بعض العلماء
" قد روى نحو هذا الكلام عن الخطاب فقال يحتمل أن يكون بيع أمهات الأولاد كان
مباحا ثم نهى عنه صلى الله عليه وآله وسلم في آخر حياته ولم يشهر ذلك فلما بلغ ذلك
عمر نهاهم : قوله ومثل هذا حديث جابر سيأتي الكلام عليه في النكاح إن شاء الله
تعالى : قوله " عن الخطاب بن صالح " هو المدني مولى النصار معدود في
الثقات توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة وسلامة بتخفيف اللام وهي امرأة من قيس عيلان
والحباب بضم الحاب المهملة وتخفيف الباء الموحدة وأبو اليسر بفتح التحتية والسين
المهملة اسمه كعب يعد في أهل المدينة وهو صحابي أنصاري بدري عقبي . وقد استدل
بحديثي ابن عباس المذكورين في الباب وحديث ابن عمر القائلون بأنه لا يجوز بيع
أمهات الأولاد وهم الجمهور وقد حكي ابن قدامة إجماع الصحابة على ذلك ولا يقدح في
صحة هذه الحكاية ما روي عن علي وابن عباس وابن الزبير من الجواز لأنه قد روي عنهم
الرجوع عن المخالفة كما حكي ذلك ابن رسلان في شرح السنن . وأخرج عبد الرزاق عن علي
بإسناد صحيح أنه رجه عن رأيه الآخر إلى قول جمهور الصحابة وأخرج أيضا عن معمر عن
أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال " سمعت عليا يقول اجتمع رأيي ورأي
عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن ثم رأيت بعد أن يبعن قال عبيدة فقلت له فرأيك
ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة " وهذا الإسناد معدود في
أصح الأسانيد ورواه البيهقي عن طريق أيوب . وأخرج نحوه ابن أبي شيبة وروى ابن
قدامة في الكافي أن عليا لم يرجع رجوعا صريحا إنما قال لعبيدة وشريح اقضوا كما
كنتم تقضون فإني أكره الخلاف وهذا واضح في أنه لم يرجع عن اجتهاده وإ ما أذن لهم
أن يقضوا باجتهادهم الموافق لرأي من تقدم . قال ابن قدامة أيضا وقد روى صالح عن
أحمد أنه قال أكره بيعهن وقد باع علي بن أبي طالب قال أبو الخطاب فظاهر هذا أنه
يصح مع الكراهة وروى البيهقي من طرق منها عن الثوري عن عبد الله بن دينار قال جاء
رجلان إلى ابن عمر فقال من أين أقبلتما قال من قبل ابن الزبير فأحل لنا أشياء كانت
تحرم علينا قال ما أحل لكم قالا أحل لنا بيع أمهات الأولاد قال أتعرفان أبا حفص
عمر فإنه نهى أن تباع أو تورث يستمتع بها ما كان حيا فإذا مات فهي حرة ومن
القائلين بجواز البيع الناصر والباقر والصادق والإمامية وبشر المريسي ومحمد بن
المطهر وولده المزني وداود الظاهري قتادة ولكنه إنما يجوزعند الباقر و الصادق و
الامامية بشرط أن بيعها في حياة سيدها فإن مات ولها منه ولد باق عتقت عندهم و قد
قيل إن هذا مجمع عليه و قد روي في جامع آل محمد عن القاسم بن إبراهيم أن من أدرك
من أهله لم يكونوا يثبتون رواية بيع أمهات الأولاد و قد ادعى بعض المتأخرين
الإجماع على تحريم بيع أم الولد مطلقا وهو مجازفة ظاهرة
وادعى بعض أهل العلم أن تحريم بيعهن قطعي وهو فاسد لأن القطع بالتحريم إت كان لأجل
الأدلة القاضية بالتحريم ففيها ما عرفت من المقال السالف وإن كان لأجل الإجماع
المدعي ففيه ما عرفت وكيف يصح الاحتجاج بمثل ذلك والخلاف ما زال منذ أيام الصحابة
إلى الآن وقد تمسك القائلون بالجواز بحديثي جابر المذكورين وحديث سلامة وقد عرفت
أن حديثي جابر ليس فيهما ما يدل على إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على
البيع وتقريره كما تقدم عن البيهقي وأيضا قوله فلا نرى بذلك باسا الرواية فيه
بالنون التي للجماعة ولو كانت بالياء التحتية لكان فيه دلالة على التقرير . وأما
حديث سلامة فدلالته على عدم الجواز أظهر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاهم
عن البيع وامرهم بالإعتاق وتعويضهم عنها ليس فيه دليل على أنه كان يجوز بيعها
لاحتمال أنه عوضهم لما رأى من احتياجهم وهذه المسألة طويلة الذيل . وقد افردها ابن
كثير بمصنف مستقل . وحكي عن الشافعي فيها أربعة أقوال وذكر أن جملة ما فيها من
الأقوال للعلماء ثمانية ولا شك أن الحكم بعتق أم الولد مستلزم لعدم جواز بيعها فلو
صلحت الأحاديث القاضية بأنها تصير حرة بالولادة لكانت دليلا على عدم جواز البيع ولكن
فيها ما سلف والأحوط اجتناب البيع لأن أقل أحواله أن يكون من الأمور المشتبهة
والمؤمنون واقفون عندها كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم
والله أعلم
كتاب النكاح
باب الحث عليه وكراهة تركه للقادر عليه
1 -
عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يا معشر السباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج
ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "
- رواه الجماعه
2 - وعن سعد بن أبي وقاص قال " رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا "
3 -
وعن أنس " أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بعضهم لا
أتزوج وقال بعضهم أصلي ولا أنام وقال بعضهم أصوم ولا أفطر فبلغ ذلك النبي صلى الله
عليه وآله وسلم فقال ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام
وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "
- متفق عليهما
4 -
وعن سعيد بن جبير قال " قال لي ابن عباس هل تزوجت قلت لا قال تزوج فإن خير
هذه الأمة أكثرها نساء "
- رواه أحمد والبخاري
5 -
وعن قتادة عن الحسن عن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن
التبتل وقرأ قتادة وقد رسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية "
- رواه الترمذي وابن ماجه
-
حديث سمرة قال الترمذي أنه حسن غريب قال وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن
الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقال كلا الحديثين
صحيح انتهى . وفي سماع الحسن عن سمرة خلاف مشهور قد ذكرناه فيما تقدم . وحديث
عائشة الذي أشار إليه الترمذي أخرجه أيضا النسائي ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند
الديلمي في مسند الفردوس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حوا
تستغنوا وسافروا تصحوا وتناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم " وفي إسناده
محمد بن الحرث عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني وهما ضعيفان . ورواه البيهقي أيضا
عن الشافعي أنه ذكره بلاغا وزاد في آخره حتى بالسقط . وعن أبي أمامة عند البيهقي
بلفظ " تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى " وفي
إسناده محمد بن ثابت وهو ضعيف . وعن حرملة بن النعمان عند الدارقطني في المؤتلف
وابن قانع في الصحابة بلفظ " امرأة ولود أحب إلى الله من امرأة حسناء لا تلد
إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " قال الحافظ وإسناده ضعيف . وعن عائشة أيضا
عند ابن ماجه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال النكاح من سنتي فمن لم
يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينحك ومن لم
يجد فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء " وفي إسناده عيسى بن ميمون وهو ضعيف .
وعن عمرو بن العاص عند مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " حبب إلي من
الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة " وقد تقدم الكلام على هذا
الحديث في باب الاكتحال والأدهان والتطيب من كتاب الطهارة . وعن عائشة أيضا عند
الحاكم وأبي داود في المراسيل بلفظ " تزوجوا النساء فإنهن يأتينكم بالمال
" وقد اختلف في وصله وغرساله ورجح الدارقطني المرسل على الموصول . وعن أبي
هريرة عند الترمذي والحاكم والدارقطني وصححه بلفظ " ثلاثة حق على الله
إعانتهم المجاهد في سبيل الله والناكح يريد أن يستعفف والمكاتب يريد الأداء "
وعن أنس أيضا عند الحاكم بلفظ " من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر
دينه فليتق الله في الشطر الثاني " قال الحافظ وسنده ضعيف . وعنه أيضا "
من تزوج امرأة صالحة فقد أعطى نصف العبادة " وفي إسناده زيد العمي وهو ضعيف .
وعن ابن عباس عند أبي داود والحاكم بلفظ " ألا أخبركم بخير مما يكنز المرء
المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته وإذا أمرها أطاعته "
وعن ثوبان عند الترمذي نحوه ورجاله ثقات إلا أن انقطاعا
وعن أبي نجيح عند البيهقي والبغوي في معجم الصحابة بلفظ " من كان موسرا فم
ينكح فليس منا " قال البيهقي هو مرسل وكذا جزم به أبو داود والدولابي وغيرهما
. وعن ابن عباس عند ابن ماجه والحاكم " لم ير للمتحابين مثل التزويج "
وعنه أيضا عند أحمد وأبي داود والحاكم وصححه والطبراني " ولا صرورة في
الإسلام " وهو من رواية عطاء عن عكرمة عنه . قال ابن طاهر هو ابن وراز وهو
ضعيف . وفي رواية الطبراني ابن أبي الجوار وهو موثوق هكذا في التلخيص أنه من رواية
عطاء عن عكرمة ولا رواية له ولعله من رواية عمرو بن عطاء بن وراز وهو مجهول من
السادسة أو عمرو بن عطاء بن أبي الجوار وهو مقبول من الخامسة وكأنه سقط من التلخيص
اسم عمرو . والصرورة بفتح الصاد المهملة الذي لم يتزوج والذي لم يحج . وعن عياض بن
غنم عند الحاكم بلفظ " لا تزوجوا عاقرا ولا عجوزا فإني مكاثر بكم الأمم
" وإسناده ضعيف . وفيه أيضا عن الصنابح بن الأعسر وسهل بن حنيف وحرملة بن
النعمان ومعاوية بن حيدة أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح . وفي الباب عن أنس أيضا
وعبد الله بن عمرو . ومعقل بن يسار . وأبي هريرة أيضا وجابر وسيأتي ذلك في الباب
الذي بعد هذا . قوله " كتاب النكاح " هو في اللغة الضم والتداخل . وفي
الشرع عقد بين الزوجين يحل به الوطء وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء وهو الصحيح
لقوله تعالى { فانكحوهن بإذن أهلهن } والوطء لا يجوز بالأذن وقال أبو حنيفة هو
حقيقة في الوطء مجاز في العقد لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " تناكحوا
تكثروا " وقوله " لعن الله ناكح يده " وقال الإمام يحيى وبعض أصحاب
أبي حنيفة أنه مشترك بينهما وبه قال أبو القاسم الزجاجي . وقال الفارسي إنه إذا
قيل نكح فلانة أو بنت فلان فالمراد به العقد وإذا قيل نكح زوجته فالمراد به الوطء
ويدل على القول الأول ما قيل أنه لم يرد في القرآن إلا للعقد كما صرح بذلك
الزمخشري في كشافه في أوائل سورة النور ولكنه منتقض لقوله تعالى { حتى تنكح زوجا
غيره } وقال أبو الحسين بن فارس إن النكاح لم يرد في القرآن إلا للتزويج إلا قوله
تعالى { وابتلوا اليتاما حتى إذا بلغوا النكاح } فإن المراد به الحلم قوله "
يا معشر الشباب " المعشر جماعة يشملهم وصف ما والشباب جمع شاب قال الأزهري لم
يجمع فاعل علي فعال غيره وأصله الحركة والنشاط . وهو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين
هكذا أطلق الشافعية حكى ذلك عنهم صاحب الفتح . وقال القرطبي في المفهم يقال له حدث
إلى ست عشرة سنة ثم شاب إلى اثنين وثلاثين ثم كهل . قال الزمخشري إن الشباب من لدن
البلوغ إلى اثنين وثلاثين . وقال ابن شاس المالكي في الجواهر إلى أربعين . وقال
النووي الأصح المختار إن الشباب من لدن البلوغ إلى اثنين وثلاثي . وقال ابن شاس
المالكي في الجواهر إلى أربعين . وقال النووي الأصح المختار أن الشباب من بلغ ولم
يجاوز الثلاثين ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين ثم هو شيخ . وقال الروياني وطائفة
من جاوز الثلاثين سمي شيخا زاد ابن قتيبة إلى أن يبلغ الخمسين وقال أبو إسحاق
الأسفرايني عن الأصحاب المرجع في ذلك اللغة وأما بياض الشعر فيختلف باختلاف
الأمزجة هكذا في الفتح : قوله " الباءة " بالهمز وتاء التأنيث ممدودا
وفيها لغة أخرى بغير همز ولا مد وقد تهمز وتمد بلا هاء . قال الخطابي المراد بالباء
النكاح وأصله الموضع يتبوؤه ويأوي إليه . وقال النووي اختلف العلماء في المراد
بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو
الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنة وهي مؤنة النكاح فليتزوج
ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنة فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منية مكا
يقطعه الوجاء . والقول الثاني إن المراد بالباءة مؤنة النكاح سميت باسم ما يلازمها
وتقديره من استطاع منكم مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم قالوا والعاجز عن
الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن . وقال القاضي
عياض لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان فيكون المراد بقوله من استطاع الباءة أي بلغ
الجماع وقدر عليه فليتزوج ويكون قوله " ومن لم يستطع " أي لم يقدر على
التزويج وقيل الباءة بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر الوطء
قال الحافظ ولا مانع من الحمل على المعنى الأعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء
ومؤن التزويج وقد وقع في رواية عند الإسماعيلي من طريق أبي عوانة بلفظ " من
استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج " وفي رواية للنسائي " من كان ذا طول
فلينكح " ومثله لابن ماجه من حديث عائشة والبزار من حديث أنس . قوله "
أغض للبصر " الخ أي أشد غضا وأشد إحصانا له ومنعا من الوقوع في الفاحشة :
قوله " فعليه " قيل هذا من اغراء الغائب ولا تكاد العرب تغري إلا الشاهد
تقول عليك زيدا ولا تقول عليه زيدا . قال الطيبي وجوابه أنه لما كان الضمير للغائب
راجعا إلى لفظة من وهي عبارة عن المخاطبين في قوله " يا معشر الشباب "
وبيان لقوله " منكم " جاز قوله عليه لانه بمنزلة الخطاب . وأجاب القاضي
عياض بأن الحديث ليس فيه إغراء الغائب بل الخطاب للحاضرين الذي خاطبهم أولا بقوله
" من استطاع منكم " وقد استحسنه القرطبي والحافظ والارشاد إلى الصوم لما
فيه من الجوع والامتناع عن مثيرات الشهوة ومستدعيات طغيانها : قوله " وجاء
" بكسر الواو والمد وأصله الغمز ومنه وجأ في عنقه إذا غمزه وجأه بالسيف إذا
طعنه به وجأه الثييه غمزهما حتى رضهما . وتسمية الصيام وجاء استعارة والعلامة
المشابهة لأن الصوم لما كان مؤثرا في ضعف شهوة النكاح شبه بالوجاء . وقد استدل
بهذا الحديث على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج لإرشاده صلى الله
عليه وآله وسلم من كان كذلك إلى مافيه ويضعف داعيه . وذهب بعض أهل العلم إلى أنه
مكروه في حقه : قوله " رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عثمان ابن
مظعون التبتل " هو في الأصل الإنقطاع والمراد به هذا الإنقطاع من النكاح وما
يتبعه من الملاذ إلى العبادة والمراد بقوله تعالى { وتبتل إليه تبتيلا } انقطع
إليه انقطاعا وفسره مجاهد بالإخلاص وهو لازم للإنقطاع . قوله " ولو أذن له لاختصينا
" الخصى هو شق الأنثيين وانتزاع البيضتين . قال الطيبي كان الظاهر أن يقول
ولو أذن له لتبتلنا لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله لاختصينا لإرادة المبالغة أي
لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء ولم يرد به حقيقة الاختصاء
لانه حرام وقيل بل هو على ظاهره وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء . وأصل حديث عثمان
ابن مظعون أنه قال " يا رسول الله أني رجل يشق على العزوبة فأذن لي في
الاختصاء قال لا ولكن عليك بالصيام " الحديث في لفظ آخر " أنه قال يا
رسول الله أتأذن لي في الاختصاء قال إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة
" وأخرج ذلك من طريق عثمان بن مظعون الطبري : قوله " إن نفرا من أصحاب
النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الخ أصل الحديث " جاء ثلاثة رهط إلى
بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه
وآله وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه ما تأخر فقال بعضهم " الحديث : قوله
" لكني أصوم وأفطر " الخ فيه دليل على أن المشروع هو الاقتصاد في
الطاعات لأن أتعاب النفس فيها والتشديد عليها يفضي إلى ترك الجميع والدين يسر ولن
يشاد أحد الدين الا غلبه والشريعة المطهرة مبنية على التيسير وعدم التنفير : قوله
" فمن رغب عن سنتي فليس مني " المراد بالسنة الطريقة . والرغبة الاعراض
. وأراد صلى الله عليه وآله وسلم أن التارك لهديه القويم المائل إلى الرهبانية
خارج عن الاتباع إلى الابتداع وقد أسلفنا الكلام على مثل هذه العبارة في مواطن من
هذا الشرح : قوله " فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء " قيل مراد ابن عباس
بخير هذه الأمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل على ذلك ما وقع عند
الطبراني بلفظ " فان خيرنا كان أكثرنا نساء " وعلى هذا فيكون التقييد
بهذه الأمة لاخراج مثل سليمان فإنه كان أكثر نساء . وقيل أراد ابن عباس ان خير أمة
محمد من كان أكثرها نساء من غيره ممن يساويه فيما عدا ذلك من الفضائل
قال الحافظ والذي يظهر ان مراد ابن عباس بالخير النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وبالأمة أخصاء أصحابه وكأنه أشار إلى ان ترك التزويج مرجوح إذ لو كان راجحا ما آثر
النبي صلى الله عليه وآله وسلم غيره " قوله " نهى عن التبتل " قد
استدل بهذا النهي . وبقوله في الحديث الأول " فليتزوج " وبقوله "
فمن رغب عن سنتي " وبسائر ما في أحاديث الباب من الأوامر ونحوها من قال بوجوب
النكاح . قال في الفتح وقد قسم العلماء الرجل في التزويج إلى أقسام . التائق إليه
القادر على مؤنة الخائف على نفسه فهذا يندب له النكاح عند الجميع وزاد الحنابلة في
رواية أنه يجب وبذلك قال أبو عوانة الأسفرايني من الشافعية وصرح به في صحيحه أنه
يجب بذلك قال أبو عوانة الاسفرايني من الشافعية وصرح به في صحيحه ونقله المصعبي في
شرح مختصر الجويني وجها وهو قول داود وأتباعه انتهى . وبه قالت الهادوية مع الخشية
على النفس من المعصية . قال ابن حزم وفرض على كل قادر على الوطء إن وجد ما يتزوج
به أو يتسري ان يفعل أحدهما فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم وهو قول جماعة من
السلف انتهى . والمشهور عن أحمد أنه لا يجب على القادر التائق الا إذا خشي العنت
وعلى هذه الرواية اقتصر ابن هبيرة . وقال الماوردي الذي نطق به مذهب مالك أنه
مندوب وقد يجب عندنا في حق من لا ينكف عن الزنا الا به . وقال القرطبي المستطيع
الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزوبة لا يرتفع عنه ذلك الا بالتزويج لا
يختلف في وجوب التزويج عليه . وحكى ابن دقيق العيد الوجوب على من خاف العنت عن
المازري وكذلك حكى عنه التحريم على من يخل بالزوجة في الوطء والانفاق مع عدم قدرته
عليه . والكراهة حيث لا يضر بالزوجة مع عدم التوقان إليه وتزداد الكراهة إذا كان
ذلك يفضي إلى الإخلال بشيء من الطاعات التي يعتادها والاستحباب فيما إذا حصل به
معنى مقصود من كسر شهوة واعفاف نفس وتحصين فرج ونحو ذلك والأباحة فيما إذا اتفقت
الدواعي والموانع . وقد ذهبت الهادوية إلى مثل هذا التفضيل . ومن العلماء من جزم
بالأستحباب فمن هذه صفته لما تقدم من الأدلة المقتضية للترغيب في مطلق النكاح .
قال القاضي عياض هو مندوب في حق كل من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطء شهوة
وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطء فاما من لانسل له
ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك
ورضيت . وقد يقال انه مندوب أيضا لعموم " لا رهبانية في الإسلام " قال
الحافظ لم أره بهذا اللفظ لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبراني إن الله أبدلنا
بالرهبانية الحنيفية السمحة
باب صفة المرأة التي يستحب خطبتها
1 - عن أنس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بالباءة وينهي عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الودود الولود فإني مكائر بكم الأنبياء يوم القيامة "
2 -
وعن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " انكحوا
أمهات الأولاد فأني اباهي بكم يوم القيامة "
- رواهما أحمد
3 -
وعن معقل بن يسار قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أني
أصبت امرأة ذات حسب وجمال وأنها لا تلد فاتزوجها قال لا ثم أتاه الثانية فنهاه ثم
أتاه الثالثة فقال تزوجوا الودود الولود فأن مكاثر بكم "
- رواه أبو داود والنسائي
- حديث أنس أخرجه أيضا ابن حبان وصححه وذكره في مجمع الزوائد في موضعين فقال في أحدهما رواه أحمد والطبراني في الأوسط من طريق حفص بن عمر عن أنس وقد ذكره ابن أبي حاتم وروى عنه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في موضع آخر وإسناده حسن . وحديث عبد الله بن عمرو أشار إليه الترمذي وقال في مجمع الزوائد وفيه جريربن عبد الله العامري وقد وثق وهو ضعيف . وحديث معقل أخرجه أيضا ابن حبان وصححه الحاكم ( وفي الباب ) أحاديث قد قدمت الإشارة وقد تقدم تفسير التبتل . والولود كثيرة الولد والودود المودودة لما هي عليه من حسن الخلق والتودد إلى الزوج وهو فعول بمعنى مفعول . والمكائرة يوم القيامة إنما تكون بكثرة أمته صلى الله عليه وآله وسلم وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على مشروعية النكاح ومشروعية أن تكون المنكوحة ولودا . قال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر بعض أحاديث الباب ما لفظه وهذه الأحاديث وإن كان في الكثير منها ضعف فمجموعها يدل على أن لما يحصل به المقصود من الترغيب في الزويج أصلا لكن في حق من يتأتى منه النسل انتهى . وقد تقدم الكلام على أقسام النكاح
4 -
وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له يا جابر تزوجت بكرا أم
ثيبا قال ثيبا قال هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك "
- رواه الجماعة
5 -
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " تنكح المرأة لأربع
لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فأظفر بذات الدين تربت يداك "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
6 -
وعن جابر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إن المرأة تنكح على دينها
ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك "
- رواه مسلم والترمذي وصححه
- قوله " بكرا " هي التي لم توطأ والثيب هي التي قد وطئت : قوله " تلاعبها وتلاعبك " زاد البخاري في رواية له في النفقات " وتضاحكها وتضاحكك " وفي رواية لأبي عبيد " تداعبها تداعبك " بالدال المهملة مكان اللام وفيه دليل على استحباب نكاح الأبكار الا لمقتض لنكاح الثيب كما وقع لجابر فإنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال له ذلك " هلك أبي وترك سبع بنات أوتسع بنات فتزوجت ثيبا كرهت أن أجيئهن بمثلهن فقال بارك الله لك " هكذا في البخاري في النفقات وفي رواية له ذكرها في المغازي من صحيحه " كن لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن قال أصبت " قوله " تنكح المرأة لأربع " أي لأجل أربع . قوله " لحسبها " بفتح الحاء والسين المهملتين بعدها باء موحدة أي شرفها والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره . وقيل المراد بالحسب ههنا الأفعال الحسنة وقيل المال وهو مردود بذكره قبله ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة الا أن تعارض نسيبة غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين وهكذا في كل الصفات . وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه " ان أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال فقال الحافظ يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له ومنه حديث سمرة رفعه " الحسب المال والكرم التقوى " أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم : قوله " وجمالها " يؤخذ منه استحباب نكاح الجميلة ويلحق بالجمال في الذات الجمال في الصفات : قوله " فاظفر بذات الدين " فيه دليل على أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته كالزوجة وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه والبزار والبيهقي رفعه " لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولامة سوداء ذات دين أفضل " ولهذا قيل إن معنى حديث الباب الاخبار منه صلى الله عليه وآله وسلم بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أيها المسترشد بذات الدين : قوله " تربت يداك " أي لصقت بالتراب وهي كناية عن الفقر قال الحافظ وهو خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته وبهذا جزم صاحب العمدة وزاد غيره ان صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه . وحكى ابن العربي ان المعنى استغنت ورد بأن المعروف أترب إذا استغنى وترب إذا افتقر . وقيل معناه ضعف عقلك وقيل افتقرت من العلم وقيل فيه شرط مقدر أي وقع لك ذلك لم تفعل ورجحه ابن العربي . وقيل معنى تربت خابت قال القرطبي معنى الحديث ان هذه الخصال الأربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لاجلها فهو خير عما في الوجود من ذلك لا انه وقع الأمر به بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك قال ولا يظن من هذا الحديث إن هذه الأربع يؤخذ منها الكفاءة أي تنحصر فيها فإن ذلك لم يقل به أحد فيما علمت وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي وسيأتي الكلام على الكفاءة
باب خطبة المجبرة إلى وليها والرشيدة إلى نفسها
1 -
عن عراك عن عروة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر
فقال له أبو بكر إنما أنا أخوك فقال أنت أخي في دين الله وكتابه وهي لي حلال
"
- رواه البخاري هكذا مرسلا
2 -
وعن أم سلمة قالت " لما مات أبو سلمة أرسل إلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم
حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له فقلت له إن لي بنتا وأنا غيور فقال أما ابنتها فتدعو
الله أن يغنيها عنها وأدعو الله أن يذهب بالغيرة "
- مختصر من مسلم
- الحديث الأول فيه دليل على أن خطبة المرأة الصغيرة البكر تكون إلى وليها قال ابن بطال وفيه أن النهي عن انكاح البكر حتى تستأمر مخصوص بالمبالغة التي يتصور منها الأذن . وأما الصغيرة فلا أذن لها وسيأتي الكلام على ذلك في باب ما جاء في الإجبار والاستئمار : قوله " وأنا غيور " هذه الصيغة يستوي فيها المذكر والمؤنث فيقول كل واحد منهما أنا غيور والمراد بالغيرة التي وصفت بها نفسها أنها تغار إذا تزود زوجها امرأة أخرى والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كان له زوجات قبلها . قال في القاموس واغار أهله تزوج عليها فغارت انتهى . وفيه دليل على أن المرأة البالغة الثيبة تخطب إلى نفسها وسيأتي الكلام على هذا
باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه
1 -
عن عقبة بن عامر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال المؤمن أخو
المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر
"
- رواه أحمد ومسلم
2 -
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يخطب الرجل على
خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك "
- رواه البخاري والنسائي
3 -
وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يخطب
الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي
- قوله " أن يبتاع على بيع أخيه " قد تقدم الكلام على هذا من كتاب البيع قوله " ولا يخطب " الخ استدل بهذا الحديث على تحريم الخطبة على الخطبة لقوله في أول الحديث " لا يحل " وكذلك استدل بالنهي المذكور في حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر وفي لفظ للبخاري " نهى أن يبيع بعضكم على بيع بعض أو يخطب " وفي لفظ لأحمد من حديث الحسن عن سمرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه " وقد ذهب إلى هذا الجمهور وجزموا بأن النهي التحريم كما حكى ذلك الحافظ في فتح الباري . وقال الخطابي ان النهي ههنا للتأديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء . قال الحافظ ولاملازمة بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد وحكى النووي ان النهي فيه للتحريم بالإجماع ولكنهم اختلفوا في شروطه فقالت الشافعية والحنابلة محل التحريم إذا صرحت المخطوبة بالإجابة أو وليها الذي أذنت له وبذلك قال الهادوية فلو وقع التصريح بالرد فلا تحريم وليس في الأحاديث ما يدل على اعتبار الإجابة . وأما ما احتج به من قول فاطمة بنت قيس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن معاوية وأبا جهم خطباها فلم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك عليهما بل خطبها لأسامة فليس فيه حجة كما قال النووي لاحتمال أن يكونا خطباها معا أو لم يعلم الثاني بخطبة الأول والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أشار بأسامة ولم يخطب كما سيأتي . وعلى تقدير أن يكون ذلك خطبة فلعله كان بعد ظهور رغبتها عنهما . وظاهر حديث فاطمة الآتي قريبا أن أسامة خطبها مع معاوية وأبي جهم قبل مجيئها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن بعض المالكية لا تمتنع الخطبة إلا بعد التراضي على الصداق ولا دليل على ذلك . وقال داود الظاهري إذا تزوجها الثاني فسخ النكاح قبل الدخول وبعده وللمالكية في ذلك قولان فقال بعضهم يفسخ قبله لا بعده قال في الفتح وحجة الجمهور أن المنهي عنه الخطبة وهي ليست شرطا في صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة . قوله " لا يخطب الرجل على خطبة الرجل " ظاهره أنه لا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة الفاسق ولا على خطبة الكافر نحو أن يخطب ذمية فلا يجوز لمن يجوز نكاحها أن يخطبها ولكنه يقيد هذا الإطلاق بقوله في حديث أبي هريرة " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه " فإنه لا أخوة بين المسلم والكافر وبقوله في حديث عقبة " المؤمن أخو المؤمن " الخ فإنه يخرج بذلك الفاسق وإلى المنع من الخطبة على خطبة الكافر والفاسق ذهب الجمهور قالوا والتعبير بالاخ خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له وذهب الأوزاعي وجماعة من الشافعية إلى أنها تجوز الخطبة على خطبة الكافر وهو الظاهر : قوله " حتى يترك " وفي حديث عقبة حتى يذر في ذلك دليل على أنه يجوز للآخر أن يخطب بعد أن علم رغبة الأول عن النكاح وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي هريرة مرفوعا " حتى ينكح أو يدع " قال الحافظ وإسناده صحيح
باب التعريض بالخطبة في العدة
1 -
عن فاطمة بنت قيس " أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها رسول الله سكنى ولا
نفقة قالت وقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حللت فآذنيني فآذنته
فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد فقال رسول الله أما معاوية فرجل ترب لامال
له وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء ولكن أسامة فقالت بيدها هكذا أسامة أسامة فقال
لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاعة الله وطاعة رسوله قالت فتزوجته
فاغتبطت "
- رواه الجماعة إلا البخاري
2 -
وعن ابن عباس " فيما عرضتم به من خطبة النساء يقول أني أريد التزويج ولوددت
أنه يسر لي امرأة صالحة "
- رواه البخاري
3 -
وعن سكينة بنت حنظلة قالت " استأذن علي محمد بن علي ولم ينقض عدتي من مهلكه
زوجي فقال قد عرفت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرابتي من علي
وموضعي من العرب قلت غفر الله لك يا أبا جعفر إنك رجل يؤخذ عنك وتخطبني في عدتي
فقال إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن علي وقد دخل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة فقال لقد
علمت انى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخيرته من خلقه وموضعي من قومي كانت
تلك خطبته "
- رواه الدارقطني
- حديث سكينة رواه الدارقطني من طريق عبد الحمن بن سليمان بن الغسيل عنها وهي عمته وهو منقطع لان محمد بن علي هو الباقر ولم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " لا سكنى ولانفقة " سيأتي الكلام على ذلك : قوله " معاوية " اختلف فيه فقيل هو ابن أبي سفيان وقيل غيره . وفي صحيح مسلم بأنه هو : قوله " فرجل ضراب " في رواية " لا يضع عصاه عن عاتقه " وهو كناية عن كثرة ضربه للنساء كما وقع التصريح بذلك في حديث الباب : قوله " فاغتبطت " الغبطة بكسر الغين المعجمة حسن الحال والمسرة كما في القاموس قوله " يقول أني أريد التزويج " هو تفسير التعريض المذكور في الآية . قال الزمخشري التعريض أن يذكر المتكلم شيئا يدل به على شيء لم يذكره وتعقب بأن هذا التعريف لا يخرج المجاز وأجاب سعد الدين بأنه لم يقصد التعريف ثم حقق التعريض بأنه ذكر شيء مقصود بلفظ حقيقي أو مجازي أو كنائي ليدل به على شيء آخر لم يذكر في الكلام مثل أن يذكر المجيء للتسليم ومراده التقاضي فالسلام مقصود والتقاضي عرض أي ميل إليه الكلام عن عرض أي جانب وامتاز عن الكناية فلم يشتمل على جميع أقسامها . والحاصل أنهما يجتمعان ويفترقان فمثل جئت لا سلم عليك كناية وتعريض . ومثل طويل النجاد كناية لا تعريض ومثل آذيتني فستعرف خطايا لغير المؤذى تعريض بتهديد المؤذى لا كناية وقد قيل في تفسير التعريض المذكور في الآية أن يقول لها أني فيك لراغب ولا يستلزم التصريح بالرغبة التصريح بالخطبة . ومن التعريض ما وقع في حديث فاطمة بنت قيس عند أبي داود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها لا تفوتينا بنفسك " . ومنه قول الباقر المذكور في الباب . ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لام سلمة كما في الحديث المذكور . قال في الفتح واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم من مات زوجها واختلفوا في المعتدة من الطلاق البائن وكذا من وقف نكاحها . وأما الرجعية فقال الشافعي لا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة فيها والحاصل أن التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات والتعرض مباح للأولى وحرام في الأخيرة مختلف فيه في البائن . واختلف فيمن صرح بالخطبة في العدة لكن لم يعقد الا بعد انقضائها فقال مالك يفارقها دخل أو لم يدخل . وقال الشافعي يصح العقد وان ارتكب النهي بالتصريح المذكور لاختلاف الجهة . وقال المهلب علة المنع من التصريح في العدة أن ذلك ذريعة إلى المواقعة في المدة التي هي محبوسة فيها على ماء الميت أو المطلق وتعقب بأن هذه العلة تصلح أن تكون لمنع العقد لا لمجرد التصريح الا أن يقال التصريح ذريعة إلى العقد والعقد ذريعة إلى الوقاع وقد وقع الاتفاق على أنه إذا وقع العقد في العدة لزم التفريق بينهما . واختلفوا هل تحل له بعدذلك فقال مالك والليث والأوزاعي لا يحل نكاحها بعد وقال الباقون بل يحل له إذا انقضت العدة أن يتزوجها إذا شاء
باب النظر في الخطوبة
1 -
في حديث الواهبة المتفق عليه فصعد فيها النظر وصوبه . وعن المغيرة بن شعبة أنه خطب
امرأة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم انظر إليها فإنه أحرم أن يؤدم بينكما
"
- رواه الخمسة إلا أبا داود
2 -
وعن أبي هريرة قال " خطب رجل امرأة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم انظر
إليها فإن في أعين الأنصار شيئا "
- رواه أحمد والنسائي
3 -
وعن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " إذا خطب أحدكم
المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "
- رواه أحمد وأبو داود
4 -
وعن موسى بن عبد الله عن أبي حميد أو حميدة قال " قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم إذا خطب أحدكم أحدكم إمرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان
إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم "
- رواه أحمد
5 -
وعن محمد بن مسلمة قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا
ألقي الله عز و جل في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها "
- رواه أحمد وابن ماجة
- حديث الواهبة نفسها سيأتي في باب جعل تعليم القرآن صداقا ويأتي الكلام عنه هنالك إن شاء الله . وحديث المغيرة أخرجه أيضا الدارمي وابن حبان وصححه . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا مسلم في صحيحه من حديث أبي حازم عنه ولفظه " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انظرت إليها قال لا قال فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا " وحديث جابر أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق والبزار والحاكم وصحه . قال الحافظ ورجاله ثقات وفي إسناده محمد بن إسحاق وأعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن وقال المعروف واقد بن عمرو . ورواية الحاكم فيها واقد بن عمرو وكذلك رواية الشافعي وعبد الرزاق وحديث أبي حميدة أخرجه أيضا الطبراني والبزار وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح . وحديث محمد بن سلمة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وسكت عنه الحافظ في التلخيص ( وفي الباب ) عن أنس عند ابن حبان والدارقطني والحاكم وابن عوانة وصححوه وهو مثل حديث المغيرة . وعنه أيضا عند أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أم سلمة إلى امرأة فقال انظري إلى عرقوبيها وشمي معاطفها " واستنكره احمد والمشهور فيه من طريق عمارة عن ثابت عنه . ورواه أبو داود في المراسيل عن موسى بن اسمعيل عن حماد مرسلا . قال ورواه محمد بن كثير الصنعاني عن حماد موصولا . وعن محمد بن الحنفية عن عبد الرزاق وسعيد ابن منصور " أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم فذكر له صغرها فقال أبعث بها أليك فإن رضيت فهي امرأتك فارسل بها إليه فكشف عن ساقها فقالت لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينيك " : قوله " أن يؤدم بينكما " أي تحصل الموافقة والملائمة بينكما : قوله " فإن في أعين الأنصار شيسا " قيل عمش وقيل صغر قال في الفتح الثاني وقع في رواية أبي عوانة في مستخرجه فهو المعتمد وأحاديث الباب فيها دليل على أن لا بأس بنظر الرجل إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها والأمر المذكور في حديث أبي هريرة وحديث المغيرة وحديث جابر للإباحة بقرينة قوله في حديث أبي حميد فلا جناح عليه وفي حديث محمد بن مسلمة فلا بأس وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء . وحكى القاضي عياض كراهته وهو خطأ مخالف للأدلة المذكورة ولأقوال أهل العلم . وقد وقع الخلاف في المواضع الذي يجوز النظر إليه من المخطوبة فذهب الأكثر إلى أنه يجوز إلى الوجه والكفين فقط وقال داود يجوز النظر إلى جميع البدن وقال الأوزاعي ينظر إلى مواضع اللحم وظاهر الأحاديث أن يجوز له النظر إليها سواء كان ذلك بإذنها أم لا وروى عن مالك اعتبار الإذن
باب النهي عن الخلوة بالأجنبية والأمر بغض النظر والعفو عن نظر الفجاة
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامراة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان "
2 -
وعن عامر بن ربيعة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يخلون رجل
بامرأة لا تحل له فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم "
- رواهما أحمد . وقد سبق معناه لابن عباس في حديث متفق عليه
3 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد
4 -
وعن جرير بن عبد الله قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نظر
الفجأ فقال أصرف بصرك "
- رواهما أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي
5 -
وعن بريدة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي يا علي لا تتبع
النظرة النظرة فإ ما لك الأولى وليست لك الآخرة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي
6 -
وعن عقبة بن عامر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إياكم والدخول
على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو فقال الحمو الموت
"
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه . قال ومعنى الحمو يقال أخو الزوج كأنه كره
أن يخلو بها
-
حديث جابر وعامر يشهد لهما حديث ابن عباس الذي أشار إليه المصنف وقد تقدم في باب
النهي عن سفر المرأة للحج من كتاب الحج وقد أشار الترمذي إلى حديث عامر . وحديث
بريدة قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك وأخرجه بهذا اللفظ من حديث
علي البزار والطبراني في الأوسط قال في مجمع الزوائد ورجال الطبراني ثقات والخلوة بالأ
] نبية مجمع على تحريمها كما حكى ذلك الحافظ في الفتح . وعلى التحريم ما في الحديث
من كون الشيطان ثالثهما وحضوره يوقعهما في المعصية وأما مع وجود المحرم فالخلوة
بالأجنبية جائزة لامتناع وقوع المعصية مع حضوره واختلفوا هل يقوم غيره مقامه في
ذلك كالنسوة الثقات فقيل يجوز لضعف التهمة . وقيل لا يجوز وهو ظاهر الحديث . حديث
أبي سعيد أخرج نحوه أحمد والحاكم من حديث جابر وأخرجه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم
من حديث ابن عباس وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط من حديث أبي موسى وأخرجه أيضا
البزار من حديث سمرة : قوله " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل " الخ فيه
دليل على أنه يحرم على الرجل نظر عورة الرجل وعلى المرأة نظر عورة المرأة وقد تقدم
في كتاب الصلاة بيان العورة من الرجل والعورة من المرأة . والمراد هنا العورة
المغلظة . فقال في البحر فصل يجب ستر العورة المغلظة من غير له الوطء إجماعا لقوله
صلى الله عليه وآله وسلم " احفظ عورتك " الخبر ونحوه انتهى : قوله
" ولا يفضي الرجل " الخ فيه دليل على أنه يحرم أن يضطجع الرجل مع الرجل
أو المرأة مع المرأ' في ثوب واحد من الإفضاء ببعض البدن لأن ذلك مظنة لوقوع المحرم
من المباشرة أو مس العورة أو غير ذلك . وحديث بريدة فيه دليل على أن النظر الواقع
فجأة من دون قصد وتعمل لا يوجد اثم الناظر لأن التكليف به خارج عن الاستطاعة وإنما
الممنوع منه النظر الواقع على طريقة التعميد أو ترك صرف البصر بعد الفجأة وقد
استدل بذلك من قال بتحريم النظر إلى الأ ] نبية ولم يحكه في البحر إلا عن المؤيد
بالله وأبي طالب . وحكى في البحر أيضا عن الفقهاء والإمام يحيى أنه يجوز ولو لشهوة
وتعقبه صاحب المنار أن كتب الفقهاء ناطقة بالتحريم قال ففي منهاج النووي وهو
عمدتهم ويحرم نظر فحل لالغ إلى عورة حرة أجنبية وكذا وجهها وكفيها عند خوف فتنة وكذا
عند الأمن على الصحيح ثم قال في نظر الأجنبية إلى الأجنبي كهو اليها . وفي المنتهى
من كتب الحنابلة ولشاهد ومعامل نظر وجه مشهود عليها ومن تعامله وكفيها لحاجة
والحنفية لا يجيزون النظر إلى الوجه ووالكفين مع الشهوة ولفظ الكنز ولا ينظر من
اشتهى . قال الشارح العيني في الشاهد لا يجوز له وقت التحمل أن يننظر إليها لشهوة
هذا ما تعقب به صاحب المنار قال بهجة المحافل للعامري الشافعي في حوادث السنة
الخامسة ما لفظه . وفيها نزول الحجاب وفيه مصالح جليلة وعوائد في الإسلام جميلة
ولم يكن لأحد بعده النظر إلى أجنبية لشهوة أو لغير شهوة وعفى عن نظر الفجأة انتهى
. وفي شرح السيلفية للإمام يحيى في شرح الحديث الرابع والعشرين في شرح قوله "
إياكم وفضول النظر فإنه يبذر الهوى ويولد الغفلة " التصريح بتحريم النظر إلى
النساء الأجانب الشهوة أو الغير شهوة . وقال ابن مظفر في البيان إنه يحرم النظر إلى
الأجنبية مع الشهوة اتفاقا . وقال الإمام عز الدين في جواب له والصحيح المعمول
عليه رواية شرح الأزهار وهي رواية البحر أن الإمام يحيى ومن يجوزون النظر ولو مع
شهوة انتهى . ومن جملة ما استدل به المانعون من النظر مطلقا قوله تعالى { قل
للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } وقوله تعالى { فاسألوهن من وراء الحجاب } وأجيب بأن
ذلك خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه إنما شرع قطعا لذريعة وقوف
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته ولا يخفى أن الاعتبار بعموم
اللفظ لا بخصوص السبب ( ومن جملة ) ما استدلوا به حديث ابن عباس عند البخاري
" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه
وفيه قصة المرأة الوضيئة الخثعمية فطفق الفضل ينظر إليها فأخذ النبي صلى الله عليه
وآله وسلم بذقن الفضل فحول وجهه عن النظر إليها " . وأجيب بأن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم إنما فعل ذلك لمخافة الفتنة لما أخرجه الترمذي وصححه من حديث علي
وفيه فقال العباس لويت عنق ابن عمك فقال رأيت شابا وشابة فلم آمن عليهما الفتنة
وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة حيث لم يأمرها بتغطية وجهها
فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل ولو لم يكن ما فهمه جائزا ما أقره عليه .
وهذا الحديث أيضا يصلح للاستدلال به على اختصاص آية الحجاب السابقة بزوجات النبي
صلى الله عليه وآله وسلم لأن قصة الفضل في حجة الوداع وآية الحجاب في نكاح زينب في
السنة الخامسة من الهجرة كما تقدم . وأما قوله تعالى { ولا يبدين زينتهنإلا ما ظهر
منها } فروى البيهقي عن ابن عباس أن المراد بما ظهر الوجه والكفان وروى البيهقي
أيضا عن عائشة نحوه وكذلك روى الطبراني عنها . وروى الطبراني أيضا عن ابن عباس قال
هي الكحل . وروى نحو ذلك عنه البيهقي . وقال في الكشاف الزينة ما تزينت به المرأة
من حلي أو كحل أو خضاب فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس
بابدائه للأجانب وما خفي منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والأكليل والوشاح
والقرط فلا تبديه الا لهؤلاه المذكورين وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر
بالتصون والتستر لان هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير
هؤلاء وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن فنهى عن ابداء الزين
نفسها ليعلم أن النظر إليها إذا لم يحل لملابستها تلك المواقع بدليل أن النظر
إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنا في
الحظر ثابت القدم في الحرمة شاهدا على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين
الله في الكشف عنها انتهى ( والحاصل ) أن المرأة تبدي من مواضع الزينة ما تدعو
الحاجة إليه عند مزاولة الأشياء والبيع والشراء والشهادة فيكون ذلك مستثنى من عموم
النهي عن إبداء مواضع الزينة وهذا على فرض عدم ورود تفسير مرفوع وسيأتي في الباب
الذي الذي بعد هذا ما يدل على أن الوجه والكفين مما يستثني . قوله " الحمو
الموت " أي الخوف منه أكثر من غيره كما أن الخوف من الموت أكثر من الخوف من
غيره قال الترمذي يقال هو أخو الزوج وروى مسلم عن الليث أنه . قال الحمو أخو الزوج
وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه . وقال النووي اتفق أهل اللغة على أن
الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم وأن الأختان
أقارب زوجة الرجل وأن الأصهار تقع على النوعين انتهى
باب أن المرأة عورة إلا الوجه والكفين وأن عبدها كمحرمها في نظر ما يبدو منها غالبا
1 -
عن خالد بن دريك عن عائشة " أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال يا أسماء إن المرأة إذا بلغت
المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه "
- رواه أبو داود وقال هذا مرسل خالد بن دريك لم يسمع من عائشة
2 -
وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها قال
وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ
رأسها فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما تلقى قال إنه ليس عليك بأس إنما
هو أبوك وغلامك "
- رواه أبو داود ويعضد ذلك قوله " إذا كان أحدا كن مكاتب وكان عنده ما يؤدي
فلتحتجب منه "
- حديث عائشة في إسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن النصري نزيل دمشق مولى بني نصر وقد تكلم فيه غير واحد . وذكر الحافظ أبو أحمد الجرجاني هذا الحديث ولا أعلم رواه عن قتادة غير سعيد بن بشير وقال مرة فيه عن خالد بن دريك عن أم سلمة بدل عائشة . وحديث أنس أخرجه أيضا البيهقي وابن مردويه وفي إسناده أبو جميع سالم بن دينار الهجيمي البصري . قال ابن معين ثقة . وقال أبو زرعة الرازي بصري لين الحديث والحديث الذي أشار إليه المصنف وجعله عاضدا لحديث أنس قد تقدم في باب المكاتب من كتاب العتق قوله " دريك " بضم الدال مصغرا وهو ثقة . وقيل بفتح الدال والضم أكثر . قوله " لم يصلح " بفتح الياء وضم اللام : قوله " الا هذا وهذا " فيه دليل لمن قال أنه يجوز نظر الأجنبية . قال ابن رسلان وهذا عند أمن الفتنة مما تدعو الشهوة إليه من جماع أو ما دونه أماعند خوف الفتنة فظاهر إطلاق الآية والحديث عدم اشتراط الحاجة ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق . وحكى القاضي عياض عن العلماء أنه لا يلزمها ستر وجهها في طريقها وعلى الرجال غض البصر للآية وقد تقدم الخلاف في أصل المسألة : قوله " إذا قنعت " بفتح النون المشددة سترت وغطت . قوله " إنما هو أبوك وغلامك " فيه دليل على أنه يجوز للعبد النظر إلى سيدته وأنه من محارمها يخلو بها ويسافر معها وينتظر منها ما ينظر إليه محرمها وإلى ذلك ذهبت عائشة وسعيد بن المسيب والشافعي في أحد قوليه وأصحابه وهو قول أكثر السلف وذهب الجمهور إلى أن المملوك كالأجنبي بدليل صحة تزوجها اياه بعد العتق وحمل الشيخ أبو حامد هذا الحديث على أن العبد كان صغيرا لإطلاق لفظ الغلام ولأنها واقعة حال واحتج أهل القول الأول أيضا بحديث الاحتجاب من المكاتب الذي أشار إليه المصنف وبقوله تعالى { أو ماملكت أيمانكم } وقد تقدم ما أجاب به سعيد بن المسيب من أن الآية خاصة بالأماء كما رواه عنه ابن أبي شيبة
باب في غير أولى الأربة
1 -
عن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عندها وفي البيت مخنث
فقال لعبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة يا عبد الله إن فتح الله عليكم الطائف
فإني أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان وقال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لا يدخلن هؤلاء عليكم "
- متفق عليه
2 -
وعن عائشة " قالت كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخنث
قالت وكانوا يعدونه من غير أولي الأربة فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما
وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت
بثمان فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرى هذا يعرف ما هنا لا يدخلن عليكم هذا
فاحجبوه "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وزاد في رواية له " وأخرجه وكان بالبيداء كل
جمعة يستطعم "
3 -
وعن الاوزاعي في هذه القصة فقيل يا رسول الله إنه إذ يموت من الجوع فأذن له أن
يدخل في كل جمعة مرتين فيسأل ثم يرجع "
- رواه أبو داود
- قوله " مخنث " بفتح والنون وكسرها والفتح المشهور وهو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيته ويتثنى فيها كالنساء وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعا من الفسقة ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه لا أرب له في النساء ولذلك كان أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعددن هذا المخنث من غير أولى الاربة وكن لا يحجبنه إلا أن ظهر منه ما ظهرمن هذا الكلام واختلف في اسمه فقال القاضي الأشهر أن اسمه هيت بكسر الهاء ثم تحتية ثم فوقية وقيل صوابه هنب بالنون والباء الموحدة قاله ابن درستويه وقال أن ماسواه تصحيف وأنه الأحمق المعروف وقيل اسمه ماتع بالمثناة فوق مولى فاختة المخزومية بنت عمرو بن بن عائد . قوله " تقبل بأربع وتدبر بثمان " المراد بالأربع هو العكن جمع عكنة وهي الطية التي تكون في البطن يقال تعكن البطن إذا صار ذلك فيه ولكل عكنة طرفان فإذا رأهن الرائي من جهة البطن وجدهن أربعا وإذا رآهن من جهة الظهر وجدهن ثمانيا . وقال ابن حبيب عن مالك معناه أن أعكانها ينعطف بعضها على بعض وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ أطرافها أي خاصرتها وفي كل جانب أربع . قال الحافظ وتفسير مالك المذكور تبعه فيه الجمهور وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فمن تكون بتلك الصفة وقيل الأربع هي الشعب التي هي اليدان والرجلان والثمان الكتفان والمتنتان والليتان والساقان ولا يخفي ضعف ذلك لأن كل امرأة فيها ما ذكر فلا وجه لجعله من صفات المدح المقصودة في المقام . قوله " هؤلاء " اشارة إلى جميع المخنثين وروى البيهقي أنه كان المخنثون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة ماتع وهدم وهيت . قوله " من غير أولي الأربة " الأربة والأرب الحاجة والشهوة إلى النساء لكبر أو تخنيث أو عنة : قوله " أرى هذا " الخ بفتح الهمزة الراء قال القرطبي هذا يدل على أنهم كانوا يظنون أنه لا يعرف شيئا من أحوال النساء ولا يخطر له ببال ويشبه بأن التخنيث فيه خلقة وطبيعة ولم يعرف إلا ذلك ولهذا كانوا يعدونه من غير الأربة : قوله " وأخرجه " لفظ البخاري " أخرجوهم من بيوتكم قال فأخرج فلانا وفلانا " ورواه البيهقي وزاد وأخرج عمر مخنثا وفي رواية وأخرج أبو بكر أخر . قال العلماء إخراج المخنث ونفيه كان لثلاثة معان أحدها أنه كان يظن أنه من غير أولي الأربة ثم لما وقع منه ذلك الكلام زال الظن . والثاني وصفه النساء ومحاسنهم وعوراتهن بحضرة الرجال وقد نهى أن يصف المرأة زوجها فكيف إذا وصفها غيره من الرجال لسائرهم . الثالث أنه ظهر له منه أنه كان يطلع من النساء وأجسامهن وعوراتهن على مالا يطلع عليه كثير من النساء . قوله " فيسأل ثم يرجع " أي يسأل الناس شيئا ثم يرجع إلى البادية والبيداء بالمد القفر وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها أي تكاد تهلكه وفي ذلك دليل على جواز العقوبة بالإخراج من الوطن لما يخاف من الفساد والفسق وجواز الأذن بالدخول في بعض الأوقات للحاجة
باب في نظر المرأة للرجل
1 -
عن أم سلمة قالت " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وميمونة فأقبل ابن
أم مكتوم حتى دخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم احتجبا منه فقلنا يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال أفعميا
وأن أنتما ألستما تبصرانه "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه
2 -
وعن عائشة قالت " رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسترني بردائه وأنا
أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأمه فاقدروا وأقدر الجارية
الحديثة السن الحريصة على اللهو "
- متفق عليه . ولأحمد " أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم في يوم عيد قالت فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لينكبيه فجعلت أنظر اليهم من
فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت "
- حديث أم سلمة أخرجه أيضا النسائي وابن حبان وفي إسناده نبهان مولى أم سلمة شيخ الزهري وقد وثق . وفي الباب عن عائشة عند مالك في الموطأ أنها احتجبت من أعمى فقيل لها أنه لا ينظر اليك قالت لكني أنظر إليه . وقد استدل بحديث أم سلمة هذا من قال انه يحرم على المرأة نظر الرجل كما يحرم على الرجل نظر المرأة وهو أحد قولي الشافعي وأحمد والهادوية . قال النووي وهو الأصح ولقوله تعالى { وقل للمؤمنات بغضضن من أبصارهن } ولأن النساء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال ويحققه أن المعنى المحرم للنظر هو خوف الفتنة وهذا في المرأة أبلغ فإنها اشد شهوة وأقل عقلا فتسارع إليها الفتنة أكثر من الرجل واحتج من قال بالجواز فيما عدا ما بين سرته وركبته بحديث عائشة المذكور في الباب ويجاب عنه بأنها كانت يومئذ غير مكلفة على ما تقضي به العبارة المذكورة في الباب ويؤيد هذا احتجابها من الأعمى كما تقدم وقد جزم النووي بأ ن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان ذلك قبل الحجاب وتعقبه الحافظ بأن في بعض طرق الحديث ان ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة وان قدومهم كان سنة سبع . ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة . واحتجوا ايضا بحديث فاطمة بنت قيس المتفق عليه انه صلى الله عليه وآله وسلم امرها ان تعتد في بيت أم مكتوم وقال انه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ويجاب بأنه يمكن ذلك مع غض البصر منها ولا ملازمة بين الأجتماع في البيت والنظر واحتجوا أيضا بالحديث الصحيح في مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النساء في يوم العيد عند الخطبة فدكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة وقد تقدم ويجاب أيضا بأن ذلك لا يستلزم النظر منهن لامكان سماع الموعظة ودفع الصدقة مع غض البصر وقد جمع أبو داود بين الأحاديث فجعل حديث أم سلمة مختصا بازواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث فاطمة وما في معناه لجميع النساء . قال الحافظ في التلخيص قلت وهذا جمع حسن وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا انتهى . وجمع في الفتح بأن الأمر بالأحتجاب من ابن أم مكتوم لعله لكون الأعمى مظنة أن ينكشف منه شيء ولا يشعر به فلا يستلزم عدم جواز النظر مطلقا . قال ويؤيد الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قد بالأنتقاب لئلا يراهم النساء فدل على مغايرة الحكم بين الطائفتين وبهذا احتج الغزالي . قوله " يلعبون في المسجد " فيه دليل على جواز ذلك في المسجد وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ في القرآن والسنة أما القرآن فقوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع } وأما السنة فحديث " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما أدعاه ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ . وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث كذا قال في الفتح . وفي الحديث أيضا جواز النظر إلى اللهو المباح وفيه حسن خلقه مع أهله وكرم معاشرته : قوله " حتى شبعت " فيه استعارة الشبع لقضاء الوطر من النظر
باب لا نكاح الا بولي
1 - عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا نكاح إلا بولي "
2 -
وعن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال أيما امرأة نكحت بغير أذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها
باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا
ولي له "
- رواهما الخمسة إلا النسائي . وروى الثاني أبو داود الطيالسي ولفظه " لانكاح
إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير أذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن لم يكن لها
ولي فالسلطان ولي من لا ولي له "
3 -
وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تزوج المرأة
المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها "
- رواه ابن ماجه والدارقطني . وعن عكرمة بن خالد " جمعت الطريق ركبا فجعلت
امرأة منهن ثيب أمرها بيد رجل غير ولي فأنكحها فبلغ ذلك عمر فجلد الناكح والمنكح
ورد نكاحها " رواه الشافعي والدارقطني . وعن الشعبي " ما كان أحد من
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد في النكاح بغير ولي من علي كان يضرب فيه "
رواه الدارقطني
- حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وذكر له الحاكم طرقا . قال وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش ثم سرد تمام ثلاثين صحابيا وقد طرقه الدمياطي من المتأخرين وقد أختلف في وصله وإرساله فرواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق مرسلا ورواه اسرائيل عنه فأسنده وأبو إسحاق مشهور بالتدليس وأسند الحاكم من طريق علي بن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم أنهم صححوا حديث اسرائيل . وحديث عائشة أخرجه أيضا أبو عوانة وابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي وقد أعل بالإرسال وتكلم فيه بعضهم من جهة أن ابن جريج قال ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره وقد عد أبو القاسم بن منده عدة من رواه عن ابن جريج فبلغوا عشرين رجلا وذكر أن معمرا وعبيد الله بن زحر تابعا ابن جريج على روايته اياه عن سليمان بن موسى وأن قرة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وأيوب بن موسى وهشام بن سعد وجماعة تابعوا سليمان بن موسى عن الزهري . قال ورواه أبو مالك الجنبي ونوح بن دراج ومندل وجعفر بن برقان وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة . وقد أعل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيره الحكاية عن ابن جريج بإنكار الزهري وعلى تقدير الصحة لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا البيهقي قال ابن كثير الصحيح وقفه على أبي هريرة وقال الحافظ رجاله ثقات وفي لفظ للدارقطني كنا نقول التي تزوج نفسها هي الزانية . قال الحافظ فتبين أن هذه الزيادة من قول أبي هريرة وكذلك رواها البيهقي وقوفة في طريق ورواها مرفوعة في أخرى ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند أحمد وابن ماجه والطبراني بلفظ " لانكاح إلا بولي " وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف ومداره عليه قال الحافظ وغلط بعض الرواة فرواه عن ابن المبارك عن خالد الحذاء عن عكرمة والصواب حجاج بدل خالد . وعن أبي بردة عند أبي داود الطيالسي بلفظ حديث ابن عباس . وعن غيرهما كما تقدم في كلام الحاكم . قوله " لا نكاح إلا بولي " هذا النفي يتوجه إما إلى الذات الشرعية لأن الذات الموجودة أعني صورة العقد بدون ولي ليست بشرعية أو يتوجه إلى الصحة التي هي أقرب المجازين إلى الذات فيكون النكاح بغير ولي باطل كما هو مصرح بذلك في حديث عائشة المذكور وكما يدل عليه حديث أبي هريرة المذكور لأن النهي يدل على الفساد المرادف للبطلان . وقد ذهب إلى هذا علي وعمر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة والحسن البصري وابن المسيب وابن شبرمة وابن أبي ليلى والعترة وأحمد وإسحاق والشافعي وجمهور أهل العلم فقالوا لا يصح العقد بدون ولي . قال ابن المنذر إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك . وحكى في البحر عن أبي حنيفة أنه لا يعتبر الولي مطلق لحديث الثيب أحق بنفسها من وليها وسيأتي وأجيب بأن المراد اعتبار الرضى منها جمعا بين الإخبار كذا في البحر . وعن أبي يوسف ومحمد للولي الخيار في غير الكفء وتلزمه الإجازة في الكفء وعن مالك يعتبر الولي في الرفيعة دون الوضيعة وأجيب عن ذلك بأن الأدلة لم تفصل وعن الظاهرية أنه يعتبر في البكر فقط وأجيب عنه بمثل ما أجيب به عن الذي قبله . وقال أبو ثور يجوز لها أن تزوج نفسها بإذن وليها آخذا بمفهوم قوله " أيما امرأة نكحت بغير أذن وليها " ويجاب عن ذلك بحديث أبي هريرة المذكور والمراد بالولي هو الأقرب من العصبة من النسب ثم من السبب ثم من عصبته وليس لذوي السهام ولا لذوي الأرحام ولاية وهذا مذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة أن ذوي الأرحام من الأولياء فإذا لم يكن ثم ولى أو كان موجودا وعضل انتقل الأمر إلى السلطان لأنه ولي من لا ولي له كما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس وفي إسناده الحجاج بن أرطاة
باب ما جاء في الإجبار والاستئمار
1 -
عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين وأدخلت
عليه وهي بنت تسع سنين ومكثت عنده تسعا "
- متفق عليه . وفي رواية " تزوجها وهي بنت سبع سنين وزفت إليه وهي بنت تسع
سنين " رواه أحمد ومسلم
- الحديث أورده المصنف للاستدلال به على أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بغير استئذانها ولعله أخذ ذلك من عدم ذكر الاستئذان وكذلك صنع البخاري قال الحافظ وليس بواضح الدلالة بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر وهو الظاهر فإن القصة وقعت بمكة قبل الهجرة . وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته قبل البلوغ . قال المهلب أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها الا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقا إن الأب لا يزوج ابنته الصغيرة حتى تبلغ وتأذن وزعم أن تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصة ويقابله تجويز الحسن والنخعي للأب أن يجبر ابنته كبيرة كانت أو صغيرة بكرا كانت أو ثيبا . وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز تزويج الصغيرة بالكبير وقد بوب لذلك البخاري وذكر حديث عائشة وحكى في الفتح الإجماع على جواز ذلك . قال ولو كانت في المهد لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء
2 -
وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الثيب أحق بنفسها
من وليها والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صمائها "
- رواه الجماعة إلا البخاري وفي رواية لأحمد ومسلم وأبي داود والنسائي "
والبكر يستأمرها أبوها " وفي رواية لأحمد والنسائي " واليتيمة تستأذن في
نفسها " وفي رواية لأبي داود والنسائي " ليس للولي مع الثيب أمر
واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها "
3 -
وعن خنساء بنت خدام الأنصارية " إن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فرد نكاحها "
- أخرجه الجماعة إلا مسلما
4 -
وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تنكح الأيم
حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف أذنها قال أن تسكت
"
- رواه الجماعة
5 -
وعن عائشة " قالت قلت يا رسول الله تستأمر النساء في ابضاعهن قال نعم قلت ان
البكر تستأمر فتستحي فتسكت فقال سكاتها أذنها " ز وفي رواية قالت " قال
رسول الله البكر تستأذن قلت أن البكر تستأذن وتستحي قال أذنها صماتها "
- متفق عليه
6 -
وعن أبي موسى " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال تستأمر اليتيمة في
نفسها فإن سكتت فقد أذنت وإن أبت لم تكره "
- رواه أحمد
7 -
وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تستأمر اليتيمة
في نفسها فان سكتت فهو أذنها وان أبت فلا جواز عليها "
- رواه الخمسة الا ابن ماجه
8 -
وعن ابن عباس " ان جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت
ان أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني . ورواه الدارقطني أيضا عن عكرمة عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وذكر أنه أصح
9 -
وعن ابن عمر قال " توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن
أمية بن حارثة بن الأوقص وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون قال عبد الله وهما خالاي
فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها ودخل المغيرة بن شعبة يعين
إلى أمها فارغبها في المال فحطت إليه وحطت الجارية إلى هوى أمها فأبتا حتى ارتفع
أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال قدامة بن مظعون يا رسول الله
ابنة أخي أوصى بها إلى فزوجتها ابن عمتها فلم اقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة
ولكنها امرأة وإنما حطت إلى هوى امها قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
هي يتيمة ولا تنكح إلا بأذنها قال فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها
المغيرة ابن شبعة "
- رواه أحمد والدارقطني وهو دليل على أن اليتيمة لا يجبرها وصي ولا غيره
10 -
وعن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال آمروا النساء في بناتهن
"
- رواه أحمد وأبو داود
-
حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وأبو يعلى والدارقطني والطبراني قال في
مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن حبان
والحاكم وحسنه الترمذي . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن أبي شيبة . قال الحافظ
ورجاله ثقات واعل بالإرسال ويتفرد جرير بن حازم عن أيوب ويتفرد حسين عن جرير وأجيب
بأن أيوب بن سويد رواه عن الثوري عن أيوب موصولا وكذلك رواه معمر بن سليمان الرقي
عن زيد بن حباب عن أيوب موصولا وإذا اختلف في وصل الحديث وإرساله حكم لمن وصله على
طريقة الفقهاء وعن الثاني بأن جريرا توبع عن أيوب كما ترى . وعن الثالث بأن سليمان
بن حرب تابع حسين بن محمد عن جرير وانفصل البيهقي عن ذلك بأنه محمول على أنه زوجها
من غير كفء . وحديث ابن عمر الأول أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . قال في مجمع
الزوائد ورجال أحمد ثقات . وحديثه الثاني فيه رجل مجهول ( وفي الباب ) عن جابر عند
النسائي وعن عائشة غير ما ذكره المصنف عند النسائي أيضا قوله يستأمرها أبوها
الاستئمار طلب الأمر والمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها : قوله "
خنساء بنت خدام " هي بخاء معجمة ثم نون مهملة على وزن حمراء وأبوها بكسر
الخاء المعجمة وتخفيف المهملة كذا في الفتح . قوله " لاتنكح الأيم حتى تستأمر
ولا البكر حتى تستأذن " عبر للثيب بالاستئمار والبكر بالاستئذان ويؤخذ منه
فرق بينهما من جهة إن الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمرة
ولهذا يحتاج الولي إلى صريح أذنها فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقا والبكر بخلاف ذلك
والأذن دائر بين القول والسكوت بخلاف الأمر فإنه صريح في القول هكذا في الفتح
ويعكر عليه ما في رواية حديث ابن عباس من ان البكر يستأمرها أبوها وان اليتيمة
تستأمر وصمتها إقرارها . وفي حديث عائشة ان البكر تستأمر الخ وكذلك في حديث أبي
موسى وأبي هريرة : قوله " فحطت إليه " أي مالت إليه وأسرعت بفتح الحاء
المهملة وتشديد الطاء المهملة أيضا وقد استدل بأحاديث الباب على اعتبار الرضا من
المرأة التي يراد تزويجها وأنه لا بد من صريح الأذن من الثيب ويكفي السكوت من
البكر والمراد بالبكر التي أمر الشارع باستئذانها هي البالغة إذ لا معنى لاستئذان
الصغيرة لأنها لا تدري ما الأذن . قال ابن المنذر يستحب اعلام البكر أن سكوتها أذن
لكن لو قالت بعد العقد ما علمت ان صمتي أذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور وأبطله
بعض المالكية . وقال ابن شعبان منهم يقال لها ثلاثا إن رضيتي فاسكتي وإن كرهتي
فانطقي . ونقل ابن عبد البر عن مالك ان سكوت البكر اليتيمة قبل أذنها وتفويضها لا
يكون رضا منها بخلاف ما إذا كان بعد تفويضها إلى وليها وخص بعض الشافعية الاكتفاء
بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما لأ ها تستحي منهما أكثر من
غيرهما والصحيح الذي عليه الجمهور استعمال الحديث في جميع الابكار وظهر أحاديث
الباب ان البكر البالغة إذا زوجت بغير إذنها لم يصح العقد وإليه ذهب الأوزاعي
والثوري والعترة والحنفية وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وذهب مالك والشافعي
والليث وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق إلى أنه يجوز للأب أن يزوجها بغير استئذان ويرد
عليهم ما في أحاديث الباب من قوله " وللبكر يستأمرها أبوها " ويرد عليهم
أيضا حديث عبد الله بن بريدة الذي سيأتي في باب ما جاء في الكفاءة وأما ما احتجوا
به من مفهوم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " الثيب أحق بنفسها من وليها
" فدل على أن ولي البكر أحق بها منها فيجاب عنه بأن المفهوم لا ينتهض للتمسك
به في مقابلة المنطوق وقد أجابوا عن دليل أهل القول الأول بما قاله الشافعي من أن
المؤامرة قد تكون على استطابة النفس ويؤيده حديث ابن عمر المذكور بلفظ "
وآمروا النساء في بناتهن " قال ولا خلاف انه ليس للأم أمر لكنه على معنى
استطابة النفس وقال البيهقي زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة قال
الشافعي زادها ابن عيينة في حديثه وكان ابن عمر والقاسم وسالم يزوجون الأبكار لا
يستأمرونهن
قال الحافظ وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ انتهى . وأجاب بعضهم بأن المراد
بالبكر المذكورة في حديث ابن عباس اليتيمة لما وقع في الرواية الأخرى من حديثه
واليتيمة تستأمر فيحمل المطلق على المقيد واجيب بأن اليتيمة هي البكر وأيضا
الروايات الواردة بلفظ تستأمرها وتستأذن بضم أوله هي تفيد مفاد قوله يستأمرها
أبوها وزيادة بأنه يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات ومما يؤيد ما ذهب
إليه الأولون حديث ابن عباس المذكور إن جارية بكرا الخ وأما الثيب فلا بد من رضاها
من غير فرق بين أن يكون الذي زوجها هو الأب أو غيره وقد حكى في البحر الاجماع على
اعتبار رضاها وحكى أيضا الإجماع على أنه لا بد من تصريحها بالرضا بنطق أو ما في
حكمه والظاهر ان استئذان الثيب والبكر شرط في صحة العقد لرده صلى الله عليه وآله
وسلم لنكاح خنساء بنت خدام كما في الحديث المذكور وكذلك تخييره صلى الله عليه وآله
وسلم للجارية كما في حديث ابن عباس المذكور وكذلك حديث ابن عمر المذكور أيضا ويدل
على ذلك أيضا حديث أبي هريرة المذكور لما فيه من النهي . وظاهر قوله الثيب أحق
بنفسها أنه لا فرق بين الصغيرة والكبيرة وبين من زالت بكارتها توطء حلال أو حرام
وخالف في ذلك أبو حنيفة فقال هي كالبكر واحتج بأن علة الأكتفاء بسكوت البكر هي
الحياء وهو باق فيمن زالت بكارتها بزنا لأن المسألة مفروضة فيمن لم يتخذ الزنا
ديدنا وعادة وأجيب بأن الحديث نص على أن الحياء يتعلق بالبكر وقابلها بالثيب فدل
على أن حكمهما مختلف وهذه ثيب لغة وشرعا وأما بقاء حيائها كالبكر فممنوع
باب الابن يزوج أمه
1 -
عن أم سلمة " أنها لما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطبها قالت ليس
أحد من أوليائي شاهد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس أحد من أوليائك
شاهد ولا غائب يكره ذلك فقالت لابنها يا عمر قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فزوجه "
- رواه أحمد والنسائي
- الحديث قد أعل بأن عمر المذكور كان عند تزوجه صلى الله عليه وآله وسلم بأمه صغيرا له من العمر سنتان لأنه ولد في الحبشة في السنة الثانية من الهجرة وتزوجه صلى الله عليه وآله وسلم بأمه كان في السنة الرابعة . قيل رواية قم يا غلام فزوج أمك فلا أصل لها وقد استدل بهذا الحديث من قال بأن الولد من جملة الأولياء في النكاح وهم الجمهور . وقال الشافعي ومحمد بن الحسن وروى عن الناصر ان ابن المرأة إذا لم يجمعها وأياه جد فلا ولاية له ورد بأن الابن يسمي عصبة اتفاقا وبأنه داخل في عموم قوله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم } لأنه خطاب للأقارب وأقربهم الأبناء وأجاب عن هذا الرد في ضوء النهار بأن ظاهر انكحوا صحة عقد غير الأقارب وإنما خصصهم الإجماع استنادا إلى العادة والمعتادة إنما هو غير الابن كيف والابن متأخر عن التزويج في الغالب والمطلق يقيد بالعادة كما عرف في الأصول والعموم لا يشمل النادر ولان نكاح العاقلة خاصة مفوض إلى نظرها وإنما الولي وكيل في الحقيقة ولهذا لو لم يمتثل الولي أمرها بالعقد لكفء لصح توكيلها غيره والوكالة لا تلزم لمعين ودفع بأن هذا يستلزم أن لا يبقى للولي حق وأنه خلاف الإجماع والتحقيق أنه ليس إلى نظر المكلفة إلا الرضا ويجاب عن دعوى خروج الابن بالعادة بالمنع أن أراد عدم الوقوع وان أراد الغلبة فلا يضرنا ولا ينفعه ومن جملة ما أجاب به القائلون بأنه لا ولاية للابن أن هذا الحديث لا يصح الاحتجاج به لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يفتقر في نكاحه إلى ولي ومن جملة ما يستدل به على عدم ولاية الابن في النكاح قول أم سلمة ليس أحد من أوليائي شاهد مع كون ابنها حاضرا ولم ينكر عليها صلى الله عليه وآله وسلم ذلك
باب العضل
1 -
عن مقعل بن يسار قال " كانت لي أخت تخطب إلى فأتاني ابن عم لي فانحكهتها أياه
ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها فلما خطبت إلى أتاني يخطبها فقلت
لا والله لا أنكحكها أبدا . قال ففي نزلت هذه الآية وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن
فلا تعضلوهن ان ينكحن أزواجهن الآية . قال فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه "
- رواه البخاري وأبو داود والترمذي وصححه ولم يذكر التكفير . وفيه رواية للبخاري
" وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه " وهو حجة في
اعتبار الولي
- قوله " كانت لي أخت اسمها جميل " بالضم مصغرا بنت يسار ذكره الطبري وجزم به ابن ماكولا وقيل اسمها ليلى حكاه السهيلي في مبهمات القرآن وتبعه المنذري . وقيل فاطمة ذكره ابن إسحاق ويحمل على التعدد بأن يكون لهما اسمان ولقب أو لقبان واسم : قوله " ففي نزلت هذه الآية " هذا تصريح بنزول هذه الآية في هذه القصة ولا يمنع ذلك كون ظاهر الخطاب في السياق للأزواج حيث وقع فيها وإذا طلقتم النساء لكن قوله فيها نفسها أن ينكحن أزواجهن ظاهر في أن ذلك يتعلق بالأولياء . قوله " فكفرت عن يميني وأنكحتها " في لفظ للبخاري فقلت " الآن أفعل يا رسول الله " قوله " وكان رجلا لا بأس به " . قال ابن التين أي كان جيدا وقد غيرته العامة فكنوا به عمن لا خير فيه ( والحديث ) يدل على أنه يشترط الولي في النكاح ولو لم يكن شرطا لكان رغوب الرجل في زوجته ورغوبها فيه كافيا وبه يرد القياس الذي احتج به أبو حنيفة على عدم الأشتراط فإنه احتج بالقياس على البيع لأن المرأة تستقل به بغير أذن وليها فكذلك النكاح وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي المتقدمة على الصغيرة وخص بهذا القياس عمومها ولكنه قياس فاسد الأعتبار لحديث معقل هذا وانفصل بعضهم عن هذا الأيراد بالتزامهم اشتراط الولي ولكن لا يمنع ذلك تزويجها نفسها ويتوقف النفوذ على اجازة الولي كما في البيع وهو مذهب الأوزاعي وكذلك قال أبو ثور ولكنه يشترط أذن الولي لها في تزويج نفسها وتعقب بأن أذن الولي لا يصح الا لمن ينوب عنه والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لأن الحق لها ولو أذن لها في انكاح نفسها صارت كمن أذن لها في البيع من نفسها ولا يصح وفي حديث معقل هذا دليل على أن السلطان لا يزوج المرأة إلا بعد أن يأمر وليها بالرجوع عن العضل فأن أحاب فذاك وإن أصر زوجها
باب الشهادة في النكاح
1 -
عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البغايا اللاتي ينكحن
أنفسهن بغير بينة "
- رواه الترمذي وذكر أنه لم يرفعه غير عبد الأعلى وأنه قد وقفه مرة وأن الوقف أصح
وهذا لا يقدح لأن عبد الأعلى ثقة فيقبل رفعه وزيادته وقد يرفع الراوي الحديث وقد
يقفه
2 -
وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لانكاح الا بولي
وشاهدي عدل "
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله
3 -
وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لانكاح الا بولي
وشاهدي عدل فإن تشاجروا ( 1 ) [ قوله " فإن تشاجروا " الضمير عائد إلى
الأولياء الدال عليه ذكر الولي والسياق والمراد بالأشتجار منع الأولياء عن العقد
عليها وهذا هو العضل وبه تنتقل الولاية إلى السلطان ان عضل الأقرب وقيل بل تنتقل
إلى الأكبر وانتقالها إلى السلطان مبني على منع الأقرب والأبعد وهو محتمل والله
أعلم ] فالسلطان ولي من لا ولي له "
- رواه الدارقطني . ولمالك في الموطأ عن أبي الزبير المكي " أن عمر بن الخطاب
أتى بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت
تقدمت فيه لرجمت "
- حديث ابن عباس قال الترمذي هذا حديث غير محفوظ لا نعلم أحدا رفعه إلا ما روى عن عبد الأعلى عن سعبد عن قتادة مرفوعا . وروى عن عبد الأعلى عن سعبد هذا الحديث موقوفا والصحيح ما روى عن ابن عباس " لانكاح الا ببينة " وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن أبي عروبة نحو هذا موقوفا . وحديث عمران ابن حصين أشار إليه الترمذي وأخرجه الدارقطني والبيهقي في العلل من حديث الحسن عنه وفي إسناده عبد الله بن محرز وهو متروك . ورواه الشافعي من وجه آخرعن الحسن مرسلا . وقال هذا وان كان مقطعا فإن أكثر أهل العلم يقولون به . وحديث عائشة أخرجه أيضا البيهقي من طريق محمد بن أحمد بن الحجاج الرقي عن عيسى بن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة كذلك وقد توبع الرقي عن عيسى . ورواه سعيد بن خالد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ويزيد بن سنان ونوح بن دراج وعبد الله بن حكيم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كذلك وقد ضعف ابن معين كله واقره البيهقي وقد تقدم في باب لانكاح الا بولي طرف منه ( وفي الباب ) عن ابن عباس غير حديثه المذكور عند الشافعي والبيهقي من طريق ابن خيثم عن سعيد بن جبير عنه موقوفا فابلفظ " لانكاح الا بولي مرشد وشاهدي عدل " وقال البيهقي بعد أن رواه من طريق أخرى عن أبي خيثم بسنده مرفوعا بلفظ " لانكاح الا بأذن ولي مرشد أو سلطان " قال والمحفوظ الموقوف ثم رواه من طريق الثوري عن أبي خيثم به ومن طريق عدي بن الفضل عن أبي خيثم بسنده مرفوعا بلفظ " لانكاح الا بولي وشاهدي عدل فإن نكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل " وعدي بن الفضل ضعيف . وعن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا عند البيهقي بلفظ " لانكاح الا بأربعة خاطب وولي وشاهدين " وفي إسناده المغيرة بن موسى البصري قال البخاري منكر الحديث . وعن عائشة غير حديث الباب عند الدارقطني بلفظ " لابد النكاح من أربعة الولي والزوج والشاهدين " وفي إسناده أبو الخصيب نافع بن ميسرة مجهول وروي نحوه البيهقي في الخلافيات عن ابن عباس موقوفا وصححه وابن أبي شيبة بنحوه عنه أيضا . وعن أنس أشار إليه الترمذي وقد استدل بأحاديث الباب من جعل الأشهاد شرطا وقد حكى ذلك في البحر عن علي وعمر وابن عباس والعترة والشعبي وابن المسيب والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة أحمد بن حنبل . قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم قالوا " لانكاح الابشهود " لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم الا قوم من المتأخرين من أهل العلم وإنما اختلف أهل العلم في هذا إذا شهد واحد بعد واحد فقال أكثر أهل العلم من الكوفة وغيرهم لا يجوز النكاح حتى يشهد الشاهدان معا عند عقدة النكاح وقد روى بعض أهل المدينة إذا شهد واحد بعد واحد فإنه جائز إذا أعلنوا ذلك وهو قول مالك بن أنس وغيره . وقال بعض أهل العلم يجوز شهادة رجل وامرأتين في النكاح وهو قول أحمد وإسحاق انتهى كلام الترمذي . وحكى في البحر عن ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن ابن مهدي وداود انه لا يعتبر الاشهاد . وحكى أيضا عن مالك أنه يكفي الاعلان بالنكاح والحق ما ذهب إليه الأولون لأن أحاديث الباب يقوي بعضها بعضا والنفي في قوله لانكاح يتوجه إلى الصحة وذلك يستلزم أن يكون الأشهاد شرطا لأنه قد استلزم عدمه عدم الصحة وما كان كذلك فهو شرط . واختلفوا في اعتبار العدالة في شهود النكاح فذهبت القاسمية والشافعي إلى أنها تعتبر . وذهب زيد بن علي وأحمد بن عيسى وأبو عبد الله الداعي وأبوحنيفة أنها لا تعتبر والحق القول الأول لتقييد الشهادة المعتبرة في حديث عمران بن حصين وعائشة اللذين ذكرهما المصنف وكذلك حديث ابن عباس الذي ذكرناه بالعدالة
باب ما جاء في الكفاءة في النكاح
1 -
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال " جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فقالت ان أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته قال فجعل الأمر إليها
فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن اعلم النساء ان ليس إلى الآباء من الأمر
شيء "
- رواه ابن ماجه ورواه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة
2 -
وعن عائشة وعن عمر قال " لأمنعن تزوج ذوات الأحساب الا من الأكفاء "
- رواه الدارقطني
3 -
وعن أبي حاتم المزني قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاكم
من ترضون دينه زخلقه فانكحوه الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قالوا يا
رسول الله وإن كان فيه قال إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ثلاث مرات
"
- رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب
4 -
وعن عائشة " ان أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ممن شهد بدرا مع
النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة ابن
ربيعة وهو مولى امرأة من الأنصار "
- رواه البخاري والنسائي وأبو داود
5 -
وعن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت " رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت
بلال "
- رواه الدارقطني
-
حديث عبد الله بن بريدة أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح فإنه قل في سننه
حدثنا هنا دين السري حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه وأخرجه
النسائي من طريق زياد بن أيوب وهو ثقة عن علي بن غراب وهو صدوق عن كهمس بهذا
الإسناد ويشهد له ابن عباس في الجارية البكر التي زوجها أبوها وهي كارهة فخيرها
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك تشهد له الأحاديث الواردة في استئمار النساء
على العموم وكذلك حديث خنساء بنت خدام وقد تقدم جميع ذلك في باب ما جاء في الأجبار
والاستئمار وإنما ذكر المصنف حديث بريدة ههنا لقولها فيه ليرفع بي خسيسته فإن ذلك
مشعر بأنه غير كفؤ لها . وحديث أبي حاتم المزني ذكر المصنف ان الترمذي حسنه ووافقه
المناوي على نقل التحسين عن الترمذي ثم نقل البخاري أنه لم يعده محفوظا وعده أبو
داود في المراسيل وأعله ابن القطان بالأرسال وضعف رواية وأبو حاتم المزني له صحبة
ولا يعرف له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير هذا الحديث وقد أخرج الترمذي
أيضا هذا الحديث من حديث أبي هريرة ولفظه قال " قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم إذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الاتفعلوا تكن فتنة في الأرض
وفساد عريض " وقال قد خولف عبد الحميد بن سليمان في هذا الحديث ورواه الليث
بن سعد عن أبي عجلان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البخاري وحديث الليث
أشبه ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظا ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أبي داود
" ان أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليافوخ فقال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه " وأخرجه ايضا
الحاكم وحسنه الحافظ في التلخيص . وعن علي عند الترمذي " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال له ثلاث لا تؤخر . الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم
إذا وجدت لها كفؤا " وعن ابن عمر عند الحاكم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال
" العرب اكفاء بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة وحي لحي ورجل لرجل الاحائك أو حجام
" وفي إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عن ابن جريج وقد سأل ابن أبي حاتم اباه
عن هذا الحديث فقال هذا كذب لا أصل له وقال في موضع أخر باطل . ورواه ابن عبد البر
في التمهيد من طريق أخرى عنه قال الدار قطني في العلل لا يصح انتهى . وفي اسناد
ابن عبد البر عمران بن أبي الفضل قال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات وقال ابن
أبي حاتم سألت عنه أبي فقال منكر وقد حدث به هشام بن عبيد الله الرازى فزاد فيه
بعد أوحجام او دباغ قال فاجتمع به الدباغون وهموا به . وقال ابن عبد البر هذا
منكرموضوع وذكره في العلل المتناهية من طريقين إلى ابن عمر في أحدهما علي بن عروة
وقد رماه ابن حبان بالوضع وفي الأخرى محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك والأولى في
ابن عدي والثانية في الدارقطني وله طريق أخرى عن غير ابن عمر رواها البزار في
مسنده من حديث معاذ بن جبل رفعه " العرب بعضها لبعض اكفاء " وفيه سليمان
بن أبي الجون . قال ابن القطان لا يعرف ثم هو من رواية خالد بن معدان عن معاذ ولم
يسمع منه وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة " خياركم في الجاهلية خياركم في
الإسلام إذا فقهوا " قوله " الامن الأكفاء " جمع كفء بضم أوله
وسكون الفاء بعدها همزة وهو المثل والنظير قوله " من ترضون دينه وخلقه "
فيه دليل على اعتبار الكفاءة في الدين والخلق وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختص
بالدين مالك . ونقل عن عمر وابن مسعود ومن التابعين عن محمد بن سيرين وعمر بن عبد
العزيز ويدل علهي قوله تعالى { إن أكرمكم عند الله اتقاكم } واعتبر الكفاءة في
النسب الجمهور
وقال أبو حنيفة قريش أكفاء بعضهم بعضا والعرب كذلك وليس أحد من العرب كفؤا لقريش
كما ليس أحد من غير العرب كفؤا للعرب وهو وجه للشافعية . قال في الفتح والصحيح
تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض . وقال الثوري
إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح وبه قال أحمد في رواية وتوسط الشافعي فقال ليس
نكاح غير الأكفاء حراما فأردبه النكاح وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء فإذا رضوا
صح ويكون حقا لهم تركوه فلو رضوا الاواحدا فله فسخه قال ولم يثبت في اعتبار
الكفاءة بالنسب من حديث وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه " العرب
بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض " فإسناده ضعيف واحتج البيهقي
بحديث " ان الله اصطفى بني كنانة من بني اسمعيل " الحديث وهو صحيح أخرجه
مسلم لكن في الأحتجاج به لذلك نظر وقد ضم إليه بعضهم حديث قدموا قريشا ولا تقدموها
ونقل ابن المنذر عن البويطي ان الشافعي قال الكفاءة في الدين وهو كذلك في مختصر
البويطي قال الرافعي وهو خلاف المشهور قال في الفتح واعتبار الكفاءة في الدين متفق
عليه فلاتحل المسلمة لكافر قال الخطابي إن الكفاءة معتبرة في قول أكثر العلماء
بأربعة أشياء الدين والحرية والنسب والصناعة ومنهم من أعتبر السلامة من العيوب
وأعتبر بعضهم اليسار ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم
من حديث بريدة رفعه أن احساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال وما أخرجه أحمد
والترمذي وصححه هو والحاكم من حديث سمرة رفعه " الحسب المال والكرم التقوي
" قال في الفتح أن يكون المراد أنه حسب من لاحسب له فيقوم النسب الشريف
لصاحبه مقام المال لمن لانسب له أو أن شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو
كان وضيعا وضعة من كان مقلا ولو كان رفيع النسب كما هو موجود مشاهد فعلى الاحتمال
الأول يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار الكفاءة بالمال لا على الثاني وقد قدمنا
الأشارة إلى شيء من هذا في باب صفة المرأة التي تستحب خطبتها . قوله " تبنى
سالما " بفتح المثناة الفوقية والموحدة وتشديد النون أي اتخذه ابنا وسالم هو
ابن معقل مولى أبي حذيفة ولم يكن مولاه وإنما كان يلازمه بل هو مولى امرأة من
الأنصار كما وقع في حديث الباب وهذا الحديث فيه دليل على أن الكفاءة تغتفر برضا
الأعلى لا مع الرضا فقد خير النبي صلى الله عليه وآله وسلم بريرة لما لم يكن زوجها
كفؤا لها بعد الحرية وقد قدمنا الخلاف هل كان عبدا أو حرا والراجح أنه كان عبدا
كما سيأتي في باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد . قال الشافعي اصل الكفاءة في
النكاح حديث بريرة يعني هذا ومن جملة الأمور الموجبة لرفعة المتصف بها الصنائع
العالية وأعلاها على الإطلاق العلم لحديث " العلماء ورثة الأنبياء "
أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث أبي الدرداء وضعفه الدارقطني في
العلل . قال المنذري وهومضطرب الإسناد وقد ذكرنا فمن ذلك قوله تعالى { هل يستوي
الذين يعلمون والذين لا يعلمون } وقوله تعالى { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين
أوتوا العلم درجات } وقوله تعالى { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا
العلم } وغير ذلك من الآيات والاحاديث المتاكثرة منها حديث " خياركم في
الجاهلية " وقد تقدم
باب استحباب الخطبة وما يدعى به المتزوج
1 -
عن ابن مسعود قال " علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التشهد في
الصلاة والتشهد في الحاجة وذكر تشهد الصلاة قال والتشهد في الحاجة إن الحمد لله
نستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال ويقرأ ثلاث آيات ففسرها
سفيان الثوري واتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون اتقوا الله الذي
تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا "
الآية
- رواه الترمذي وصححه
2 -
وعن اسمعيل بن اراهيم عن رجل من بني سليم قال " خطبت إلى النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أمامة بنت عبد المطلب فانكحني من غير أن يتشهد "
- رواه أبو داود
3 -
وعن أبي هريرة " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رفا انسانا إذا
تزوج قال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي
4 -
وعن عقيل ابن أبي طالب " أنه تزوج امرأة من بني جشم فقالوا بالرفاء والبنين
فقال لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بارك
لهم وبارك عليهم "
- رواه النسائي وابن ماجه وأحمد بمعناه . وفي رواية له " لاتقولوا ذلك فإن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهانا عن ذلك قولوا بارك الله فيك وبارك لك فيها
"
- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي وهو من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه . وقد رواه الحاكم من طريق أخرى عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود وليس فيه الآيات . ورواه أيضا من طريق اسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة أن عبد الله قال فذكر نحوه ورواه البيهقي من حديث واصل الأحدب عن شقيق عن ابن مسعود بتمامه . وفي رواية للبيهقي " إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من النكاح أو غيره فليقل الحمد لله نحمده ونستعينه " الخ وروى المصنف عن الترمذي أنه صحح حديث ابن مسعود والذي رأيناه في نسخة صحيحة منه التحسين فقط وكذلك روى الحافظ عنه في بلوغ المرام والمنذري في مختصر السنن التحسين فقط ولكنه قال الترمذي بعد أن ذرك أن الحديث حسن مالفظه رواه الأعمش عن أبي إسحاق عن أي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلا الحديثين صحيح لأن اسرائيل جمعهما فقال عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث إسماعيل بن اراهيم أخرجه ايضا البخاري في تاريخه الكبير وقال إسناده مجهول ووقع عند في رواية أمامة بنت ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب فكأنها نسبت في رواية أبي داود إلى جدها انتهى . وأما جهالة الصحابي المذكور فغير قادحة كما قررنا في هذا الشرح غير مرة . وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري وقال الترمذي حسن صحيح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم . وحديث عقيل أخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني وهو من رواية الحسن عن عقيل قال في الفتح ورجاله ثقات الا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال ( وفي الباب ) عن هبار عند الطبراني " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهد نكاح رجل فقال على الخير والبركة والألفة والطائر الميمون والسعة والرزق بارك الله لكم " قوله " إن الحمد لله " جاء في رواية بحذف ان وفي رواية للبيهقي بحذف إن وإثباتها بالشك فقال الحمد لله أو أن الحمد لله وفي آخره قال شعبة قلت لابي إسحاق هذه القصة في خطبة النكاح وفي غيرها قال في كل حاجة . ولفظ ابن ماجه في أول هذا الحديث " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوتى جوامع الخير وخواتيمه فعلمنا خطبة الصلاة وخطبة الحاجة فذكر خطبة الصلاة ثم خطبة الحاجة قوله " وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " زاد أبو داود في رواية " ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما " وفي رواية أخرى بعد قوله " ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا " وقد استدل بحديث ابن مسعود هذا على مشروعية الخطبة عند عقد النكاح وعند كل حاجة قال الترمذي في سننه وقد قال أهل العلم إن النكاح جائز بغير خطبة وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم انتهى . ويدل على الجواز حديث اسمعيل بن إبراهيم المذكور فيكون على هذا الخطبة في النكاح مندوبة : قوله " رفأ " قال في الفتح بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له . وفي القاموس رفأه ترفئة وترفيا قال له بالرفاء والبنين أي بالالتئام وجمع الشمل انتهى . وذلك لأن الترفئة في الأصل الالتئام يقال رفأ الثوب لأم خرقه وضم بعضه إلى بعضه وكانت هذه ترفئة الجاهلية ثم نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك وأرشد إلى ما في أحاديث الباب : قوله " تزوج امرأة من بني جشم " في جامع الأصول عن الحسن أن عليا هو المتزوج من بني جشم وعزاه إلى النسائي واختلف في علة النهي عن الترفئة التي كانت تفعلها الجاهلية فقيل لأنه لأحمد فيها ولا ثناء ولا ذكر لله . وقيل لما فيه من الإشارة إلى بعض البنات لتخصيص البنين بالذكر وإلا فهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه . وقال ابن المنير الذي يظهر أنه صلى الله عليه وآله وسلم كره اللفظ لما فيه من موافقة الجاهلية لأنهم كانوا يقولونه تفاؤلا لادعاء فيظهر أنه لو قيل بصورة الدعاء لم يكره كأن يقول اللهم ألف بينما وارزقهما بنين صالحين
باب ما جاء في الزوجين يوكلان واحدا في العقد
1 -
عن عقبة بن عامر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل أترضى أن أزوجك
فلانة نعم وقال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانا قالت نعم فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها
ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا وكان ممن شهد الحديبية وكان من شهد الحديبية له
سهم بخيبر فلما حضرته الوفاة قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجني
فلانة ولم أفرض لا صداقا ولم أعطها شيئا وأني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي
بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف "
- رواه أبو داود وقال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم بنت قارظ " أتجعلين أمرك
إلى قالت نعم قال فقد تزوجتك " ذكره البخاري في صحيحه وهو يدل على أن مذهب
عبد الرحمن ان من وكل في تزويج أو بيع شيء فله أن يبيع ويزوج من نفسه وأن يتولى
ذلك بلفظ واحد
- حديث عقبة بن عامر سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده عبد العزيز بن يحيى صدوق يهم . وأثر عبد الرحمن ذكره البخاري معلقا ووصله ابن سعد من طريق ابن أبي ذئب عن سعد بن خالج ان أم حكيم ينت قارظ قالت لعبد الرحمن ابن عوف أنه قد خطبني غير واحد فزوجني أيهم رأيت قال وتجعلين ذلك إلي فقالت نعم قال قد تزوجتك قال ابن أبي ذئب فجاز نكاحه . وقد ذكر ابن سعد أم حكيم المذكورة في النساء اللواتي لم يدركن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروين عن أزواجه وهي بنت قارظ بن خالد بن عبيد حليف بني زهرة . وقد استدل بحديث عقبة من قال أنه يجوز أن يتولى طرفي العقد واحد وهو مروى عن الأوزاعي وربيعة والثوري ومالك وأبي حنيفة وأكثر أصحابه والليث والهادوية وأبي ثور وحكى في البحر عن الناصر والشافعي وزفر أنه لا يجوز لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " كل نكاح لا يحضره أربعة " وقد تقدم . وأجيب بأنه أراد أومن يقوم مقامهم قال في الفتح وعن مالك لو قالت الثيب لوليها زوجني بمن رأيت فزوجها من نفسه أوممن أختار لزمها ذلك ولو لن تعلم عين الزوج . وقال الشافعي يزوجه السلطان أو ولي آخر مثله أو أبعد منه ووافقه زفر وداود وحجتهم إن الولاية شرط في العقد فلا يكون الناكح منكحا كما لا يبيع من نفسه وروى البخاري عن المغيرة تعليقا أنه خطب امرأة هو أولى الناس بها فأمر رجلا فزوجه ووصل هذا الأثر وكيع في مصنفه . وللبيهقي من طريقه عن الثوري عن عبد الملك بن عميران المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة هو وليها فجعل أمرها إلى رجل المغيرة أولى منه فزوجه . وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري وقال فيه فأمر أبعد منه فزوجه . وأخرجه سعيد بن منصور من طريق الشعبي ولفظه أن المغيرة خطب بنت عمه عروة بن مسعود فأرسل إلى عبد الله بن أبي عقيل فقال زوجنيها فقال ما كنت لأفعل أنت أمير البلد وابن عمها فأرسل المغيرة إلى عثمان بن أبي العاص فزوجها منه . والمغيرة هو ابن شعبة بن مسعود من ولد عوف بن ثقيف فهي بنت عمه وعبد الله بن أبي عقيل هو ابن عمها أيضا لأن جده هو مسعود المذكور . وأما عثمان بن أبي العاص فهو وإن كان ثقفيا لكنه لا يجتمع معهم إلا في جدهم الأعلى ثقيف لأنه من ولد جشم ابن ثقيف . وقد استدل محمد بن الحسن على الجواز بأن الله لما عاتب الأولياء في تزويج من كانت من أهل المال والجمال بدون صداقها وعاتبهم على ترك تزويج من كانت قليلة المال والجمال دل على أن الولي يصح منه تزويجها من نفسه إذ لا يعاتب أحدا على ترك ما هو حرام عليه
باب ما جاء في نكاح المتعة وبيان نسخه
1 -
عن ابن مسعود قال " كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس معنا
نساء فقلنا ألا نختصى فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن تنكح المرأة بالثوب إلى أجل
ثم قرأ عبد الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم "
الآية
- متفق عليه
2 -
وعن أبي جمرة قال " سألت ابن عباس عن متعة النساء فرخص فقال له مولىله إنما
ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه فقال ابن عباس نعم "
- رواه البخاري
3 -
وعن محمد بن كعب عن ابن عباس قال " إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان
الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له
متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية إلا على أزواجهم أوما ملكت أيمانهم قال
ابن عباس فكل فرج سواهما حرام "
- رواه الترمذي
4 -
وعن علي رضي الله عنه " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن نكاح
المتعة وعن لحوم الحمر الأهل زمن خيبر " وفي رواية " نهى عن متعة النساء
يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية "
- متفق عليهما
5 - وعن سلمة بن الأكوع قال " رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها "
6 -
وعن سبرة الجهني " أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة قال
فأقمنا بها خمسة عشر فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في متعة النساء
" وذكر الحديث إلى أن قال " فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم " وفي رواية " أنه كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال
يا أيها الناس أني كنت أذنت لكم في الأستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى
يوم القيامة فمن كان منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا "
- رواهن أحمد ومسلم . وفي لفظ عن سبرة قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها "
- رواه مسلم . وفي رواية عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة
الوداع نهى عن نكاح المتعة "
- رواه أحمد وأبو داود
-
حديث ابن عباس الذي رواه المصنف من طريق أبي جمرة ونسبه إلى البخاري قيل ليس هو في
البخاري . قال الحافظ في التلخيص وأغرب المجد بن تيمية يعني المصنف فذكره عن أبي
جمرة الضبعي أنه سأل ابن عباس عن متعة النساء فرخص فيه فقال له مولى إنما ذلك في
الحال الشديد وفي النساء قلة فقال نعم ورواه البخاري وليس هذا في صحيح البخاري بل
استغربه ابن الأثير في جامع الأصول فعزاه إلى رزين وحده ثم قال الحافظ قلت قد ذكره
المزي في الأطراف في ترجمة أبي جمرة عن ابن عباس وعزاه إلى البخاري بللفظ الذي
ذكره ابن تيمية سواء ثم راجعته من الأصل فوجدته في باب النهي عن نكاح المتعة أخيرا
ساقه بهذا الإسناد والمتن فأعلم ذلك . وحديث ابن عباس الثاني الذي رواه المصنف من
طريق محمد بن كعب في إسناده موسى بن عبيد الربذي وهو ضعيف . وقد ورى الرجوع عن ابن
عباس جماعة منهم محمد بن خلف القاضي المعروف بوكيع في كتابه الغرر من الأخبار
بسنده المتصل بسعيد بن جبير قال قلت لابن عباس ما تقول في المتعة فقد أكثر الناس
فيها حتى قال فيها الشاعر قال وما قال قال قال
قد قلت للشيخ لما طال محبسه ... يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس وهل ترى رخصة
الأطراف أنسة ... تكون مثواك حتى مصدر الناس
قال وقد قال في الشاعر قلت نعم قال فكرهها أو نهى عنها . ورواه الخطابي أيضا
بإسناده إلى سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس قد سارت بفتياك الركبان وقالت فيها
الشعراء قال وما قالوا فذكر البيتين فقال سبحان الله والله ما بهذا أفتيت وما هي
الا كالميتة لا تحل الا للمضطر . وروى الرجوع أيضا البيهقي وأبو عوانة في صحيحه
قال في الفتح بعد أن ساق عن ابن عباس روايات الرجوع وساق حديث سهل بن سعد عند
الترمذي بلفظ إنما رخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المتعة لعزبة كانت بالناس
شديدة ثم نهى عنها بعد ذلك ما لفظه فهذه أخبار يقوى بعضها بعضها . وحاصلها أن
المتعة إنما رخص فيها بسبب العزبة في حال السفر ثم قال وأخرج البيهقي من حديث أبي
ذر بإسناد حسن إنما كانت المتعة لحربنا وخوفنا وروى عبد الرزاق في مصنفه أن ابن
عباس يراها حلالا ويقرأ فما استمتعتم به منهن . قال وقال ابن عباس في حرف أبي بن
كعب إلى أجل مسمى قال وكان يقول يرحم الله عمر ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله
بها عباده ولولا نهي عمر لما احتيج إلى الزنا أبدا وذكر ابن عبد البر عن عمارة
مولى الشريد سألت ابن عباس عن المتعة اسفاح هي أم نكاح فقال لا نكاح ولاسفاح قلت
فما هي قال المتعة كما قال الله تعالى قلت وهل عليها حيضة قال نعم قلت ويتوارثان
قال لا وقد روى ابن حزم في المحلى عن جماعة من الصحابة غير ابن عباس فقال وقد ثبت
على تحليلها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من السلف منهم من
الصحابة أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية وعمرو
بن حريث وأبو سعيد وسلمة ابنا أمية بن خلف . ورواه جابر عن الصحابة مدة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ومدة أبي بكر ومدة عمر إلى قرب آخر خلافته وروى عنه إنما
أنكرها إذا لم يشهد عليها عد لأن فقط وقال بها من التابعين طاوس وعطاء وسعيد بن
جبير وسائر فقهاء مكة انتهى كلامه . ثم ذكر الحافظ في التلخيص بعد أن نقل هذا
الكلام عن ابن حزم من روى من المحدثين حل المتعت عن المذكورين ثم قال ومن
المشهورين بإباحتها ابن جريج فقيه مكة ولهذا قال الأوزاعي فيما رواه الحاكم في
علوم الحديث يترك من قول أهل الحجاز خمس فذكر منها متعة النساء من قول أهل مكة
واتيان النساء في أدبارهن من قول أهل المدينة ومع ذلك فقد روى أبو عوانة في صحيحه
عن ابن جريج أنه قال لهم بالبصرة اشهدوا أني قد رجعت عنها بعد أن حدثهم فيها
ثمانية عشر حديثا أنه لا بأس بها . وممن حكى القول بجواز المتعة عن ابن جريج
الإمام المهدي في البحر وحكاه عن الباقر والصادق والأمامية انتهى . وقال ابن
المنذر جاء عن الأوائل الرخصة فيها ولا أعلم اليوم أحدا يحيزها الابعض الرافضة
ولامعنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله . وقال عياض ثم وقع الإجماع من جميع
العلماء على تحريمها إلا الروافض وأما ابن عباس فروى عنه أنه أباحها وروى عنه أنه
رجع عن ذلك . قال ابن بطال روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة وروى عنه
الرجوع بأسانيد ضعيفة وإجازة المتعة عنه أصح وهو مذهب الشيعة قال وأجمعوا على أنه
متى وقع الآن أبطل سواء كان قبل الدخول أم بعده إلا قول زفر أنه جعلها كالشروط
الفاسدة ويرده قوله صلى الله عليه وآله وسلم " فمن كان عنده شيء فليخل سبيله
" وقال الخطابي تحريم المتعة كالإجماع الا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم
في الرجوع في المخالفات إلى على صح عن علي أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد
أنه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه . وقال ابن دقيق العيد ما حكاه بعض الحنفية
عن مالك من الجواز خطأ فقد بالغ المالكية في منع النكاح المؤقت حتى أبطلوا توقيت
الحل بسببه فقالوا لوعلق على وقت لا بد من مجيئه وقع الطلاق الآن لأنه توقيت للحل
فيكون في معنى نكاح المتعة قال عياض وأجمعوا على أن شرط البطلان التصريح بالشرط
فلو نوى عند العقد أن يفارق بعد مدة صح نكاحه إلا الأوزاعي فأبطله واختلفوا هل يحد
ناكح المتعة أو يعذر على قولين . وقال القرطبي الروايات كلها متفقة على أن زمن
إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها الا من لا يلتفت
إليه من الروافض وجزم جماعة من الأئمة بتفرد ابن عباس بإباحتها ولكن قال ابن عبد
البر أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن على إباحتها ثم اتفق فقهاء الأمصار على
تحريمها وقد ذكر الحافظ في فتح الباري بعد ما حكى عن ابن حزم كلامه السالف المتضمن
لرواية جواز المتعة عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم مناقشات فقال وفي جميع ما أطلقه
نظر أما ابن مسعود إلى آخر كلامه فليراجع
وقال الحازمي في الناسخ والمنسوخ بعد أن ذكر حديث ابن مسعود المذكور في الباب
مالفظه وهذا الحكم كان مباحا مشروعا في صدر الإسلام وإنما أباحه النبي صلى الله
عليه وآله وسلم للسبب الذي ذكره ابن مسعود وإنما ذلك يكون في أسفارهم ولم يبلغنا
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إباحة لهم وهم في بيوتهم ولهذا نهاهم عنه غير
مرة ثم إباحه لهم في أوقات مختلفة حتى حرمه عليهم في آخر أيامه صلى الله عليه وآله
وسلم وذلك في حجة الوداع وكان تحريم تأييد لا توقيت فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين
فقهاء الأمصار وأئمة الأمة الا شيئا ذهب إليه بعض الشيعة ويروى أيضا عن ابن جرير
جوازه انتهى . إذا تقرر لك معرفة من قال بإباحة المتعة فدليلهم على الإباحة ما ثبت
من إباحته صلى الله عليه وآله وسلم في مواطن متعددة . منها في عمرة القضاء كما
أخرجه عبد الرزاق عن الحسن البصري وابن حبان في صحيحه من حديث سبرة . ومنها في
خيبر كما في حديث علي المذكور في الباب . ومنها عام الفتح كما في حديث سبرة بن
معبد المذكور أيضا . ومنها يوم حنين رواه النسائي من حديث علي قال الحافظ ولعله
تصحيف عن خيبر وذكره الدارقطني عن يحيى بن سعيد بلفظ حنين . ووقع في حديث سلمة
المذكور في الباب في عام أوطاس . قال السهيلي هو موافق في رواية من روى عام الفتح
فإنهما كانا في عام واحد . ومنها في تبوك رواه الحازمي والبيهقي عن جابر ولكنه لم
يبحها لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنالك فإن لفظ حديث جابر عند الحازمي
" قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا
عند الثنية مما بلى الشام جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفن برحالنا فسألنا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم عنهم فأخبرناه فغضب وقام فينا خطيبا فحمد الله وأثنى عليه
ونهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ ولم نعد ولا نعود فيها أبدا فلهذا سميت ثنية الوداع
" . قال الحافظ وهذا إسناد ضعيف لكن عند ابن حبان من حديث أبي هريرة ما يشهد
له وأخرجه البيهقي أيضا وأجيب بما قاله الحافظ في الفتح أنه لا يصح من روايات
الأذن بالمتعة شيء بغير علة إلا في غزوة الفتح وذلك لأن الأذن في عمرة القضاء لا
يصح لكونه من مراسيل الحسن ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد وعلى تقدير
ثبوته فلعله أراد أيام خيبر لأنهما كانا في سنة واحدة كما في الفتح وأوطاس أنهما
في غزوة واحدة ويبعد كل البعد أن يقع الأذن في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح في
أيام الفتح قبلها فإنها حرمت إلى يوم القيامة وأما في غزوة خيبر فطريق توجيه
الحديث وإن كانت صحيحة ولكنه قد حكى البيهقي عن الحميدي ان سفيان كان يقول أن قوله
في الحديث يوم خيبر يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة . وذكر السهيلي أن ابن عيينة
روى عن الزهري بلفظ نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو في
غير ذلك اليوم انتهى
وروى ابن عبد البر أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر
الأهلية وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر قال ابن عبد البر وعلى هذا أكثر الناس
وقال أبو عوانة في صحيحه سمعت أهل العلم يقولون معنى حديث على أنه نهى يوم خيبر عن
لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فسكت عنها وإنما نهى عنها يوم الفتح انتهى . قال
في الفتح والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر كما أشار
البيهقي ولكنه يشكل على كلام هؤلاء ما في البخاري في الذبائح من طريق مالك بلفظ
" نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم
الحمر الأهلية " وهكذا أخرجه مسلم من رواية ابن عيينة . وأما في غزوة حنين
فهو تصحيف كما تقدم والأصل خيبر وعلى فرض عدم ذلك التصحيف فيمكن أن يراد ما وقع في
غزوة أوطاس لكونها هي وحنين واحدة وأما في غزوة تبوك لم يقع منه صلى الله عليه
وآله وسلم أذن بالاستمتاع كما تقدم وإذا تقرر هذا فالأذن الواقع منه صلى الله عليه
وآله وسلم بالمتعة يوم الفتح منسوخ بالنهي عنها المؤبد كما في حديث سبرة الجهني
وهكذا لو فرض وقوع الأذن منه صلى الله عليه وآله وسلم في موطن من المواطن قبل يوم
الفتح كان نهيه عنها يوم الفتح ناسخا له . وأما رواية النهي عنها في حجة الوداع
فهو اختلاف على الربيع بن سبرة والرواية عنه بأن النهي في يوم الفتح أصح وأشهر
ويمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد إعادة النهي ليشيع ويسمعه من لم
يسمعه قبل ذلك ولكنه يعكر على ما في حديث سبرة من التحريم المؤبد ما أخرجه مسلم
وغيره عن جابر قال كنا نستمتع بالقبضة من الدقيق والتمر الأيام على عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدرأ من خلافة عمر حتى نهانا عنها عمر في شأن
حديث عمر وبن حريث فإنه يبعد كل البعد أن يجهل جمع من الصحابة النهي المؤبد الصادر
عنه صلى الله عليه وآله وسلم في جمع كثير من الناس ثم يستمرون على ذلك حياته صلى
الله عليه وآله وسلم وبعد موته حتى ينهاهم عنها عمر . وقد اجيب عن حديث جابر هذا
بأنهم فعلوا ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم يبلغه النسخ حتى
نهى عنها عمر وأعتقد أن الناس باقون على ذلك لعدم الناقل وكذلك يحمل فهل غيره من
الصحابة ولذا ساغ لعمر ان ينهى ولهم الموافقة
وهذا الجواب وإن كان لا يخلو عن تعسف ولكنه أوجب المصير إليه حديث سبرة الصحيح
المصرح بالتحريم المؤبد وعلى كل حال فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع وقد صح لنا
عنه التحريم المؤبد ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا
بالمعذرة عن العمل به كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه
لنا حتى قال ابن عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجه بإسناد صحيح " إن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها والله لا أعلم أحد تمتع وهو
محصن إلا رجمته بالحجارة " وقال أبو هريرة فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم " هدم المتعة الطلاق العدة والميراث " أخرجه الدارقطني وحسنه
الحافظ ولا يمنع من كونه حسنا كون في إسناده مؤمل بن إسماعيل لأن الاختلاف فيه لا
يخرج حديثه عن حد الحسن إذا أنضم إليه من الشواهد ما يقويه كما هو الشأن الحسن
لغيره وأما ما يقال من أن تحليل المتعة مجمع عليه والمجمع عليه قطعى وتحريمها
مختلف فيه المختلف فيه ظني والظني لا ينسخ القطعى فيجاب عنه أولا بمنع هذه الدعوى
أعني كون القطعي لا ينسخه الظني فما الدليل عليها ومجرد كونها مذهب الجمهور غير
مقنع لمن قام في مقام المنع يسائل خصمه عن دليل العقل والسمع بإجماع المسلمين
وثانيا بأن النسخ بذلك الظني إنما هو لاستمرار الحل لا لنفس الحل والاستمرار ظني
لا قطعي . وأما قراءة ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وسعيد بن جبير { فما
استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى } فليست بقرآن عند مشترطي التواتر ولا سنة لأجل
روايتها قرآنا فيكون من قبيل التفسير للآية وليس ذلك بحجة . وأما عند من لم يشترط
التواتر فلا مانع من نسخ ظني القرآن بظني السنة كما تقرر في الأصول
باب نكاح المحلل
1 -
عن ابن مسعود قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المحلل والمحلل له
"
- رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه والخمسة إلا النسائي من حديث علي مثله
2 -
وعن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا أخبركم
بالتيس المستعار قالوا بلى يا رسول الله قال هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له
"
- رواه ابن ماجه
-
حديث ابن مسعود صححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري وله طريق أخرى
أخرجها عبد الرزاق وطريق ثالثة أخرجها إسحاق في مسنده . وحديث علي صححه ابن السكن
وأعله الترمذي فقال روي عن مجالد عن الشعبي عن جابر وهو وهم انتهى . وفي إسناده
مجالد وفيه ضعف . وحديث عقبة ابن عامر أخرجه أيضا الحاكم وأعله أبو زرعة وأبو حاتم
بالإرسال . وحكى الترمذي عن البخاري أنه استنكره . وقال أبو حاتم ذكرته ليحيى بن
بكير فأنكره إنكارا شديدا وسياق إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا يحيى بن عثمان
بن صالح المصري قال حدثنا أبي قال سمعت الليث بن سعد يقول قال لي مشرح بن عاهان
قال عقبة بن عامر فذكره . ويحيى بن عثمان ضعيف . ومشرح قد وثقه ابن معين ( وفي
الباب ) عن ابن عباس عند ابن ماجه وفي إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف وعن أبي هريرة
عند أحمد واسحاق والبيهقي والبزار وابن أبي حاتم في العلل والترمذي في العلل وحسنه
البخاري والأحاديث المذكورة تدل على تحريم التحليل لا اللعن إنما يكون على ذنب
كبير . قال الحافظ في التلخيص استدلوا بهذا الحديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج
أنه إذا نكحها بانت منه أو شرط أنه يطلقها أو نحو ذلك وحملوا الحديث على ذلك ولا
شك أن إطلاقه يشمل هذه الصورة وغيرها لكن روى الحاكم والطبراني في الأوسط عن عمر
أنه جاء إليه رجل فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة
ليحلها لأخيه هل تحل للأول إلا بنكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم . قال وقال ابن حزم ليس الحديث على عموم في كل محلل إذ لو
كان كذلك لدخل فيه كل واهب وبائع ومزوج فصح أنه أراد به بعض المحللين وهو من أحل
حراما لغيره بلا حجة فتعين أن يكون ذلك في من شرط ذلك لأنهم لم يختلفوا في أن
الزوج إذا لم ينو تحليلها للأول ونوت هي أنها لا تدخل في اللعن فدل على أن المعتبر
الشرط انتهى . ومن المجوزين للتحليل بلا شرط أبو ثور وبعض الحنفية والمؤيد بالله
والهادوية وحملوا أحاديث التحريم على ما إذا وقع الشرط أنه نكاح تحليل . قالوا وقد
روى عبد الرزاق أن امرأة أرسلت إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها فأمره عمر بن
الخطاب أن يقيم معها ولا يطلقها وأوعده أن يعاقبه إن طلقها فصحح نكاحه ولم يأمره
باستئنافه . وروى عبد الرزاق أيضا عن عروة بن الزبير أنه كان لا يرى بأسا بالتحليل
إذا لم يعلم أحد الزوجين . قال ابن حزم وهو قول سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد
قال ابن القيم في أعلام الموقعين وصح عن عطاء فيمن نكح امرأة محللا ثم رغب فيها
فأمسكها قال لابأس بذلك . قال الشعبي لا بأس بالتحليل إذا لم يأمر به الزوج . وقال
الليث عن سعد أن تزوجها ثم فارقها فترجع إلى زوجها وقال الشافعي وأبو ثور المحلل
الذي يفسد نكاحه هو من تزوجها ليحلها ثم يطلقها فأما من لم يشترط ذلك في عقد
النكاح فعقده صحيح لا داخلة فيه سواء شرط عليه ذلك قبل العقد أو لم يشرط نوى ذلك
أو لم ينوه . قال أبو ثور وهو مأجور . وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي
حنيفة مثل هذا سواء . وروى أيضا عن محمد وأبي يوسف عن أبي حنيفة أنه إذا نوى
الثاني والمرأة التحليل للأول لم تحل له بذلك . وروى الحسن بن زياد عن زفر وأبي حنيفة
أنه إن شرط عليه في نفس العقد أنه إنما تزوجها ليحلها للأول فإنه نكاح صحيح ويبطل
الشرط وله أن يقيم معها فهذه ثلاث روايات عن أبي حنيفة قالوا وقد قال الله تعالى {
فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وهذا زوج قد عقد بمهر وولى ورضاها وخلوها
عن الموانع الشرعية وهو راغب في ردها إلى زوجها الأول فيدخل في حديث ابن عباس
" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا إلانكاح رغبة " وهذا
نكاح رغبة في تحليلها للمسلم كما أمر الله تعالى بقوله { حتى تنكح زوجا غيره }
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما شرط في عودها إلى الأول مجرد ذوق العسيلة
بينهما فالعسيلة حلت له بالنص
وأما لعنه صلى الله عليه وآله وسلم للمحلل فلا ريب أنه لم يرد كل محلل ومحلل له
فإن الولي محلل لما كان حراما قبل العقد والحاكم المزوج محلل بهذا الاعتبار
والبائع أمته محلل للمشتري وطأها فإن قلنا العام إذا خصص صار مجملا فلا احتجاج
بالحديث وإن قلنا هو حجة فيما عدا التخصيص فذلك مشروط ببيان المراد منه ولسنا ندري
المحلل المراد من هذا النص أهو الذي نوى التحليل أو شرطه قبل العقد أو شرطه في صلب
العقد أو الذي أحل ما حرمه الله تعالى ورسوله ووجدنا كل من تزوج مطلقة ثلاثا فإنه
محلل ولو لم يشترط التحليل أو لم ينوه فإن الحل حصل بوطئه وعقده ومعلوم قطعا أنه
لم يدخل في النص فعلم أن النص إنما أراد به من أحل الحرام بفعله أو عقده وكل مسلم
لا يشك في أنه أهل للعنة وأما من قصد الإحسان إلى أخيه المسلم ورغب في جمع شمله
بزوجته ولم شعثه وشعث أولاده وعياله فهو محسن وما على المحسنين من سبيل فضلا عن أن
يلحقهم لعنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخفاك أن هذا كله بمعزل عن
الجواب بل هو من المجادلة بالباطل البحث ودفعه لا يخفى على عارف
باب نكاح الشغار
1 -
عن نافع عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نى عن الشغار
والشغار أن يزوج الرجل ابنته على ان يزوجه ابنته وليس بينهما صداق "
- رواه الجماعة لكن الترمذي لم يذكر تفسير الشغار وأبو داود جعله من كلام نافع وهو
كذلك في رواية متفق عليه
2 -
وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا شغار في الإسلام
"
- رواه مسلم
3 -
وعن أبي هريرة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشغار
والشغار أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي "
- رواه أحمد ومسلم
4 -
وعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج " أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد
الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وقد كانا جعلاه صداقا فكتب معاوية
بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينما وقال في كتابه هذا الشغار
الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وأبو داود
5 -
وعن عمران بن حصين " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا جلب ولا جنب
ولا شغار في الاسلام ومن انتهب فليس منا "
- رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه
- حديث معاوية في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم اختلاف الأئمة في الأحتجاج بحديثه ( وفي الباب ) عن أنس عند أحمد والترمذي وصححه والنسائي وعن جابر عند مسلم وأخرج البيهقي عن جابر أيضا نهى عن الشغار والشغار أن تنكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه وأخرج عبد الرزاق عن أنس أيضا مرفوعا لا شغار في الاسلام والشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته بأخته . وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي ريحانة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المشاغرة والمشاغرة أن يقول زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر . وأخرج الطبراني عن أبي بن كعب مرفوعا " لا شغار قالوا يا رسول الله وما الشغار قال انكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما " قال الحافظ وإسناده وإن كان ضعيفا لكنه يستأنس به في هذا المقام : قوله " الشغار " بمعجمتين الأولى مكسورة : قوله " والشغار ان يزوج " الخ قال الشافعي لا أدري التفسير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك هكذا حكى عن الشافعي البيهقي في المعرفة قال الخطيب تفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما هو من قول مالك وهكذا قال غير الخطيب قال القرطبي تفسير الشغار وصحيح موافق لما ذكره أهل اللغة فإن كان مرفوعا فهو المقصود وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لأنه أعلم بالمقال وأقعد بالحال . وللشغار صورتان إحداهما المذكورة في الأحاديث وهي خلو بضع كل منهما من الصداق والثانية أن يشرط كل واحد من الوليين على الآخر أن يزوجه وليته فمن العلماء من اعتبر الأولى فقط فمنعها دون الثانية وليس المقتضي للبطلان عندهم مجرد ترك ذكر الصداق لأن النكاح يصح بدون تسميته بل المقتضى لذلك جعل البضع صداقا واختلفوا فيما إذا لم يصرح بذكر البضع فالأصح عندهم الصحة . قال القفال العلة في البطلان التعليق والتوقيف وكأنه يقول لا ينعقد لك نكاح ابنتي حتى ينعقد لي نكاح ابنتك وقال الخطابي كان ابن أبي هريرة يشبهه برجل تزوج امرأة ويستثني عضوا منها وهذا مما لا خلاف في فساده . قال الحافظ وتقرير ذلك أنه يزوج وليته ويستثني بضعها حيث يجعله صداقا للأخرى وقال المؤيد بالله وأبو طالب العلة كون البضع صار ملكا للأخرى . قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان . وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وذهبت الحنفية إلى صحته ووجوب المهر وهو قول الزهري ومكحول والثوري والليث ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور هكذا في الفتح قال وهو قوي على مذهب الشافعي لاختلاف الجهة لكن قال الشافعي النساء محرمات إلا ما أحل الله أو ملك يمين فإذا ورد النهي عن نكاح تأكد التحريم انتهى . وظاهر ما في الأحاديث من النهي والنفي إن الشغار حرام باطل وهو غير مختص بالبنات والأخوات قال النووي اجمعوا على ان غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهن كالبنات في ذلك انتهى . وتفسير الجلب والجنب قد تقدم في الزكاة
باب الشروط في النكاح وما نهى عنه منها
1 -
عن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق الشروط أن
يوفي به ما استحللتم به الفروج "
- رواه الجماعة
2 -
وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يخطب الرجل على
خطبة أخيه أويبيع على بيعه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفي ما في صحفتها أو
إنائها فإنما رزقها على الله تعالى "
- متفق عليه . وفي لفظ عليه " نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها "
3 -
وعن عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحل أن تنكح
امرأة بطلاق أخرى "
- رواه أحمد
-
قوله " أحق الشروط أن يوفى به " في رواية للبخاري " أحق ما أوفيتم
من الشروط " وفي أخرى له " أحق الشروط أن توفوا به " قوله "
ما استحللتم به الفروج " أي أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح لان أمره أحوط
وبابه أضيق . قال الخطابي الشروط في النكاح مختلفة فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا
وهو ما أمر الله به من أمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وعليه حمل بعضهم هذا الحديث
ومنها ما لا يوفى به اتفاقا كسؤال المرأة طلاق أختها . ومنها اختلف فيه كاشتراط أن
لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله وعند الشافعية
الشروط في النكاح على ضربين منها ما يرجع إلى الصداق فيجب الوفاء به وما يكون
خارجا عنه فيختلف الحكم فيه " قوله " نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه
" قد تقدم الكلام على هذا في أول الكتاب النكاح : قوله " أو يبيع على
بيعه " قد تقدم الكلام عليه في كتاب البيع . قوله " ولا تسأل المرأة
طلاق أختها " ظاهر هذا التحريم وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز
ذلك لريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج ويكون ذلك على سبيل
النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج أو للزوج منها أو يكون سؤالها ذلك
تفويضا وللزوج رغبة في ذلك فيكون كالخلع من الأجنبي إلى غير ذلك من المقاصد
المختلفة . وقال ابن حبيب حمل العلماء هذا النهي على الندب فلو فعل ذلك لم يفسخ
النكاح وتعقبه ابن بطال بأن نفي الحل صريح في التحريم ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح
وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى ولترض بما قسم الله لها
والتصريح بنفي الحل وقع في رواية أحمد المذكورة في الباب ووقع أيضا في رواية
للبخاري : قوله " لتكتفي " بفتح التاء المثناة الأولى وسكون الكاف من
كفأت الاناء إذا قلبته وأفرغت ما فيه . وفي رواية للبخاري " لتستفرغ ما في
صحفتها " وفي رواية له " لتكفأ " وأخرجه أبو نعيم في المستخرج بلفظ
" لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكتفيء إناءها " وأخرجه
الإسماعيلي وقال " لتكتفيء " وكذا البيهقي وهو بفتح المثناة وسكون الكاف
وبالهمزة . وفي رواية للبخاري " لتكفيء " بضم المثناة من أكفأته بمعنى
أملته والمراد بقوله ما في صحفتها ما يحصل لها من الزوج وكذلك معنى أوانائها .
قوله " طلاق أختها " قال الثوري معنى هذا الحديث نهى المرأة الأجنبية أن
تسأل رجلا طلاق زوجته وأن يتزوجها هي فيصير لها من نفقته ومعونته ومعاشرته ما كان
للمطلقة فعبر عن ذلك بقوله لتكتفيء ما في صفحتها والمراد بأختها غيرها سواء كانت
أختها من النسب أو الرضاع أو الدين . وحمل ابن عبد البر الأخت هنا على الضرة ومن
الشروط التي هي من مقتضيات النكاح ومقاصده شرطها عليه العشرة بالمعروف والإنفاق
والكسوة والسكنى وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها وشرطه عليها أن لا
تخرج إلا بأذنه ولا تمنعه نفسها ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه . وأما الشروط التي
تنافي مقتضى العقد كأن تشترط عليه أن لا يقسم لضرتها أولا ينفق علياه أولا يتسرى
أو يطلق من كانت تحته فلا يجب الوفاء بشيء من ذلك ويصح النكاح . وفي قول للشافعي
يبطل النكاح . وقال أحمد وجماعة يجب الوفاء بالشروط مطلقا وقد استشكل ابن دقيق
العيد حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح . وقال تلك الأمور لا تؤثر
الشروط في ايجادها وسياق الحديث يقتضي الوفاء بها والشروط التي هي من مقتضى العقد
مستوية في وجوب الوفاء بها ( واختلف ) أهل العلم في اشتراط المرأة أن لا يخرجها
زوجها من بلدها . فحكى الترمذي عن أهل العلم من الصحابة قال ومنهم عمر أنه يلزم
قال وبه يقول الشافعي وأحمد واسحاق . وروى ابن وهب بإسناد جيد أن رجلا تزوج امرأة
فشرط أن لا يخرجها من دارها فارتفعوا إلى عمر فوضع الشرط وقال المرأة مع زوجها قال
أبو عبيدة تضادت الروايات عن عمر في هذا . وحكى الترمذي عن علي أنه قال سبق شرط
الله شرطها قال وهو قول الثوري وبعض أهل الكوفة قال أبو عبيدة وقد قال بقول عمر
عمرو بن العاص ومن التابعين طاوس وأبو الشعثاء وهو قول الأوزاعي
وقال الليث والثوري والجمهور بقول علي حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلا فرضيت
بخمسين على أن لا يخرجها فله إخراجها ولا يلزمه إلا المسمى . وقالت الحنفية لها أن
ترجع عليه بما نقصت له من الصداق . وقال الشافعي يصح النكاح ويلغو الشرط ويلزمه
مهر المثل وعنه يصح وتستحق الكل كذا في الفتح قال أبو عبيدة والذي نأخذ به انا
نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن نحكم عليه بذلك . قال وقد أجمعوا على أنها لو
اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك
اشترط فكذلك هذا ومما يقوي حمل حديث عقبة على الندب حديث عائشة في قصة بريرة
المتقدم بلفظ " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل " وقد تقدم أيضا حديث
" المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " وأخرج
الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن جابر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده فقال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا لا يصلح "
باب نكاح الزاني والزانية
1 -
عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزاني المجلود لا
ينكح إلا مثله "
- رواه أحمد وأبو داود
2 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص " أن رجلا من المسلمين أستأذن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق
عليه قال فاستأذن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أو ذكر له أمرها فقرأ عليه نبي
الله صلى الله عليه وآله وسلم والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك "
- رواه أحمد
3 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل
الأساري بمكة وكان بمكة بغي يقال لها عناق وكانت وكانت صديقته قال فجئت النبي صلى
الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله أنكح عناقا قال فسكت عني فنزلت والزانية لا
ينكحها إلا زان أو مشرك فدعاني فقرأها علي وقال لا تنكحها "
- رواه أبو داود والنسائي والترمذي
-
حديث أبي هريرة قالا لحافظ في بلوغ المرام رجال ثقات . وحديث عبد الله بن عمرو
أخرجه أيضا الطبراني في الكبير والأوسط . قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد ثقات
وحديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي ( وفي الباب ) عن عمرو بن الأحوص " أنه شهد
حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال
استوصوا في النساء خيرا فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن
يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن
أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا " أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه . وعن ابن
عباس عند أبي داود والنسائي قال " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فقال إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال غربها قال أخاف أن تتبعها نفسي قال
فاستمتع بها . قال المنذري ورجال إسناده يحتج بهم في الصحيحين . وذكر الدارقطني أن
الحسن بن واقد تفرد به عن عمارة ابن أبي حفصة وأن الفضل بن موسى السيناني بكسر
المهملة ثم التحتية ثم نونين بينهما ألف تفرد به عن الحسن بن واقد وأخرجه النسائي
من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس وبوب عليه في سننه تزويج الزانية .
وقال هذا الحديث ليس بثابت وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب وقال الإمام أحمد
يدلامس تعطي من ماله قلت فإن أبا عبيد يقول من الفجور قال ليس عندنا إلا أنها تعطى
من ماله ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليأمره بإمساكها وهي تفجر . وسئل
عنه ابن الأعرابي فقال من الفجور . وقال الخطابي معناه الزانية وأنها مطاوعة لمن
أراد لا ترد يده . وعن جابر عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس : قوله " الزاني
المجلود " الخ هذا الوصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا وفيه دليل
على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنا وكذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن
ظهر منها الزنا ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب لأن في آخرها { وحرم ذلك
على المؤمنين } فإنه صرح في التحريم قال في نهاية المجتهد اختلفوا في قوله تعالى {
وحرم ذلك على المرمنين } هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم وهل الإشارة في قوله
ذلك على الزنا أو إلى النكاح قال وإنما صار الجمهور إلى حمل الآية على الذم لا على
التحريم لحديث ابن عباس الذي قدمناه . وقد حكى في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر
وجابر وسعيد بن المسيب وعروة والزهري والعترة ومالك والشافعي وربيعة وأبي ثور أنها
لا تحرم المرأة على من زنى بها لقوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وقوله صلى
الله عليه وآله وسلم " لا يحرم الحلال الحرام " أخرجه ابن ماجه من حديث
ابن عمر . وحكى عن الحسن البصري أنه يحرم على الرجل نكاح من زنى بها واستدل بالآية
. وحكاه أيضا عن قتادة وأحمد الا إذا تابا لارتفاع سبب التحريم وأجاب عنه في البحر
بأنه أراد بالآية الزاني المشرك واستدل على ذلك بقوله تعالى { أو مشركة } قال وهي
تحرم على الفاسق المسلم بالإجماع . وأراد أيضا الزانية المشركة بدليل قوله أو مشرك
وهو يحرم على الفاسقة المسلمة بالإجماع . ولا يخفى ما في هذا الجواب لأن حاصله أن
المراد المشرك الزاني والمشركة الزانية وهذا تأويل يفضي إلى تعطيل فائدة الآية إذ
منع النكاح مع المشرك والزنا حاصل بغير هذه الآية ويستلزم أيضا امتناع عطف المشرك
والمشركة على الزاني والزانية إذ قد ألغى خصوصية الزنا وأيضا قد تقرر في الأصول إن
الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . قال ابن القيم وأما نكاح الزانية فقد صرح الله
بتحريمه في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك فهو إما أن يلتزم حكمه
تعالى ويعتقد وجوبه عليه أولا فإن لم يعتقده فهو مشرك وإن التزمه واعتقد وجوبه
وخالفه فهو زان ثم صرح بتحريمه فقال { وحرم ذلك على المؤمنين } وأما جعل الإشارة
في قوله { وحرم ذلك } إلى الزنا فضعيف جدا إذ يصير معنى الآية الزاني لا يزني الا
بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها الا زان أو مشرك وهذا مما ينبغي أن يصان عنه
القرآن ولا يعارض ذلك حديث عمرو بن الأحوص
وحديث ابن عباس المذكوران فإنهما في الأستمرار على نكاح الزوجة الزانية والآية
وحديث أبي هريرة في ابتداء النكاح فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته
ويحرم عليه أن يتزوج بالزانية وأما ما ذكره المقبلي في المنار من أنه لا يصح أن
يراد به لقوله لا ترد يد لامس الزنا بل عدم نفورها عن الريبة فقصر للفظ المحتمل
على أحد المحتملات بغير دليل فالأولى أن ينزل ترك استفصاله صلى الله عليه وآله
وسلم عن مراده بقوله لا ترد يدلامس منزلة العموم ولا ريب أن العرب تكنى بمثل هذه
العبارة عن عدم العفة عن الزنا . وأيضا حديث عمرو بن الأحوص من أعظم الأدلة الدالة
على جواز إمساك الزانية لقوله فيه " الا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن
فاهجروهن " الخ فتفسير حديث لا ترد يدلامس بغير الزنا لا يأتي بفائدة باعتبار
محل النزاع . وقد حكى صاحب البحر عن الأكثر ان من زنت لم ينفسخ نكاحها . وحكى أيضا
عن المؤيد بالله أنه يجب تطليقها ما لم تتب : قوله " إن مرثد " بفتح
الميم وسكون الراء وفتح المثلثة بعدها دال مهملة . والغنوى بفتح الغين المعجمة
وبعدها نون مفتوحة نسبة إلى غني بفتح الغين وكسر النون وهو غني بن يعصر وقال أعصر
بن سعد بن قيس عيلان . عناق بفتح العين المهملة وبعدها نون وبعد الألف قاف . قال
المنذري وللعلماء في الآية خمسة أقوال : أحدها أنها منسوخة قاله سعيد بن المسيب
وقال الشافعي في الآية القول فيها كما قال سعيد أنها منسوخة وقال غيره الناسخ {
وانكحوا الأيامي منكم } فدخلت الزانية في أيامي المسلمين وعلى هذا أكثر العلماء
يقولون من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها والثاني أن النكاح ههنا
الوطء والمراد أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية مثله أو
مشركة لا تحرم الزنا وتمام الفائدة في قوله سبحانه { وحرم ذلك على المؤمنين } يعني
الذين امتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي . الثالث أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية
مجلودة أو مشركة وكذلك الزانية . الرابع أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوج
إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا واحتج بأن الآية نزلت في ذلك . الخامس
أنه عام في تحريم نكاح الزانية على العفيف والعفيف على الزانية انتهى
باب النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها
1 -
عن أبي هريرة قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تنكح المرأة على
عمتها أو خالتها "
- رواه الجماعة . وفي رواية " نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة
وخالتها " رواه الجماعة إلا ابن ماجه والترمذي . ولأحمد والبخاري والترمذي من
حديث جابر مثل اللفظ الأول
2 - وعن ابن عباس " أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها بعد طلقتين وخلع "
3 -
وعن رجل من أهل مصر " كانت له صحبة يقال له جبلة أنه جمع بين امرأة رجل
وابنته من غيرها "
- رواهما الدارقطني قال البخاري وجمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي
-
حديث أبي هريرة قال ابن عبد البر أكثر طرقه متواترة عنه وزعم قوم أنه تفرد به وليس
كذلك . وقال البيهقي عن الشافعي إن هذا الحديث لم يروى من وجه يثبته أهل الحديث
إلا عن أبي هريرة وروى من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث . قال البيهقي هوكما
قال جاء من حديث علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأنس وأبي
سعيد وعائشة وليس فيها شيء على شرط الصحيح وإنما اتفقا على إثبات حديث أبي هريرة .
وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر وبين الأختلاف علي الشعبي فيه قال
والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ والصواب رواية ابن عون وداود بن أبي هند انتهى : قال
الحافظ وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري لأن الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة
وللحديث طريق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن جريج عن أبي
الزبير عن جابر . وقول من نقل عنهم البيهقي تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي
وابن حبان وغيرهما له وكفي بتخريج البخاري له موصولا قوة . قال ابن عبد البر كان
بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة يعني من وجه يصح وكأنه
لم يصح حديث الشعبي عن جابر وصححه عن أبي هريرة والحديثان جميعا صحيحان . قال
الحافظ وأما من نقل البيهقي أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك
الترمذي بقوله وفي الباب لكن لم يذكر ابن مسعود ولا ابن عباس ولا أنسا وزاد بدلهم
أبا موسى وأبا أمامة وسمرة قال ووقع لي أيضا من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن
أسيد ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود . قال وأحاديثهم
موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وأبي يعلى والبزار
والطبراني وابن حبان وغيرهم ولو لا خشية التطويل لأوردها مفصلة قال لكن في لفظ
حديث ابن عباس عند أبي داود أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين
والخالتين . وفي رواية عند ابن حبان نهى أن تزوج المرأة على العمة والخالة وقال
إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن انتهى . وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن
طلحة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أن تنكح المرأة على
قرابتها مخافة القطيعة " وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأخرج الخلال من طريق
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يكرهون
الجمع بين القرابة مخافة الضغائن ( وأحاديث الباب ) تدل على تحريم الجمع بين من
ذكر في حديث أبي هريرة لأن ذلك هو معنى النهي حقيقة وقد حكاه الترمذي عن عامة أهل
العلم وقال لا نعلم بينهم اخلافا في ذلك وكذلك حكاه الشافعي عن جميع المفتين وقال
لا اختلاف بينهم في ذلك وقال ابن المنذر لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم وإنما
قال بالجواز فرقة من الخوارج وهكذا حكى الإجماع القرطبي استثنى الخوارج . قال ولا
يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين وهكذا نقل الإجماع ابن عبد البر ولم يستثن
ونقله أيضا ابن حزم واستثنى عثمان البتي . ونقله أيضا النووي واستثنى طائفة من
الخوارج والشيعة . ونقله ابن دقيق العيد عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف وحكاه
صاحب البحر عن الأكثر وحكى الخلاف عن البتي وبعض الخوارج والروافض واحتجوا بقوله
تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وحملوا النهي المذكور في الباب على الكراهة فقط
وجعلوا القرينة ما في حديث ابن عباس من التعليل بلفظ " فإنكن إذا فتلتن ذلك
قطعتن أرحامكن " وقد رواه ابن حبان هكذا بلفظ الخطاب للنساء . وفي رواية ابن
عدي بلفظ الخطاب للرجال . والمراد بذلك أنه إذا جمع الرجل بينهما صارا من نسائه
كارحامه فيقطع بينهما بما ينشأ بين الضرائر من التشاحن فنسب القطع إلى الرجل لأنه
السبب وأضيفت إليه الرحم لذلك . وحديث ابن عباس هذا المصرح بالعلة في إسناده أبو
حريز بالحاء المهملة ثم الزاي اسمه عبد الله بن حسين وقد ضعفه جماعة ولكنه قد علق
له البخاري ووثقه ابن معين وأبو زرعة قال في التلخيص فهو حسن الحديث ويقويه المرسل
الذي ذكرنا قالوا ولا شك إن مجرد مخافة القطيعة لا يستلزم حرمة النكاح والالزم
حرمة الجمع بين بنات عمين وخالين لوجود علة النهي في ذلك ولا سيم مع التصريح بذلك
كما في مرسل عيسى بن طلحة فإنه يعم جميع القرابات وأجيب بأن قطيعة الرحم من
الكبائر بالأتفاق فما كان مفضيا إليها من الأسباب يكون محرما وأما الإلزام بتحريم
الجمع بين سائر القرابات فيرده الإجماع على خلافه فهو مخصص لعموم العلة أو لقياسها
وأما قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } فعموم مخصص بأحاديث الباب : قوله
" وجمع عبد الله بن جعفر " هذا وصله البغوي في الجعديان وسعيد بن منصور
من وجه آخر وبنت علي هي زينب وامرأته هي ليلى بنت مسعود النهتلية وفي رواية سعيد
بن منصور أن بنت علي هي أم كلثوم بنت فاطمة ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم
كلثوم لأنه تزوجهما عبد الله بن جعفر واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته وقد
وقع مبينا عند ابن سعد وحكى البخاري عن ابن سيرين أنه قال لا بأس به يعني الجمع
بين زوجة الرجل وبنته من غيرها ووصله سعيد بن منصور بسند صحيح والأثر عن الرجل
الذي من أهل مصر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة مطولا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد أن
عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته أي من غيرها . قال أيوب فسئل عن
ذلك ابن سيرين فلم ير به بأسا وقال نبئت أن رجلا كان نمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة
رجل وبنته من غيرها . وروى البخاري عن الحسن البصري أنه كرهه مرة ثم قال لابأس به
ووصله الدارقطني وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه كرهه . وعن سليمان بن يسار
ومجاهد والشعبي أنهم قالوا لا بأس به واعتبرت الهادوية في الجمع المحرم أن يكون
بين من لو كان أحدهما ذكرا حرم على الآخر من الطرفين وزوجة الرجل وابنته من غيرها
التحريم إنما هو طرف واحد لانا لو فرضنا فإنه أجنبي عن البنت ضرورة فتحل له وحكى
البخاري عن الحسن بن الحسن بن علي أنه جمع بين ابنتي عمر قال وكره جابر بن زيد
القطيعة وليس فيه تحريم لقوله { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وحكى في الفتح عن ابن
المنذر أنه قال لا أعلم أحدا أبطل هذا النكاح قال وكان يلزم من يقول بدخول القياس
في مصل هذا أن يحرمه
باب العدد المباح للحر والعبد وما خص به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك
1 -
عن قيس بن الحرث قال " أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله
وسلم فذكرت ذلكك له فقال اختر منهن أربعا "
- رواه أبو داود وابن ماجه
2 -
وعن عمر بن الخطاب قال " ينكح العبد أمرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة
حيضتين "
- رواه الداقطني
3 -
وعن قتادة عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يطوف على نسائه في
الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة " . وفي رواية " كان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة
قلت لأنس وكان يطيقه قال كنا نتحده أنه أعطي قوة ثلاثين "
- رواهما أحمد والبخاري
-
حديث قيس بن الحرث وفي رواية الحرث بن قيس في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي
ليلى وقد ضعفه غير واحد من الأئمة . وقال أبو اقاسم البغوي ولا أعلم للحرث بن قيس
حديثاغير هذا . وقال أبو عمر النمري ليس له إلا حديث واحد ولم يأت من وجه صحيح .
وفي معنى هذا الحديث غيلان الثقفي لما أسلم وتحته عشر نسوة وسيأتي في باب من أسلم
وتحته أختان أو أكثر من أربع ويأتي الكلام عليه هنالك وفي الباب عن نوفل بن معاوية
عند الشافعي أنه أسلم وتحته خمس نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمسك
أربعا وفارق الأخرى . وفي إسناده رجل مجهول لان الشافعي قال حدثنا بعض أصحابنا عن
أبي الزناد عن عبد المجيد بن سهل عن عوف بن الحرث عن نوفل بن معاوية قال أسلمت
فذكره . وفي الباب أيضا عن عروة بن مسعود وصفوان بن أمية عند البيهقي وأثر عمر يقويه
مارواه البيهقي وابن أبي شيبة من طريق الحكم بن عتيبه أنه أجمع الصحابة على أنه لا
ينكح العبد أكثر من أثنتين . وقال الشافعي بعد أن روى عن علي وعمر وعبد الرحمن بن
عوف أنه لا يعرف لهم من الصحابة مخالف وأخرجه ابن أبي شيبة عن جماهير التابعين
عطاء والشعبي والحسن وغيرهم : قوله " اختر منهن أربعا " استدل به
الجمهور على تحريم الزيادة على أربع . وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج
تسعا وحكى ذلك عن ابن الصباغ والعمراني وبعض الشيعة وحكى أيضا عن القاسم بن
إبراهيم وأنكر الإمام يحيى الحكاية عنه وحكام صاحب البحر عن الظاهرية وقوم مجاهيل
وأجابوا عن حديث غيلان الثقفي بما سيأتي فيه من المقال وكذلك أجابوا عن حديث نوفل
بن معاوية بما قدمنا من كون في إسناده مجهول قالوا ومثل هذا الأصل العظيم لا يكتفي
فيه بمثل ذلك وولا سيما وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين تسع
أو إحدى عشرة . وقد قال تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وأما دعوى
اختصاصه بالزيادة على الأربع فهو محل النزاع ولم يقم عليه دليل وأما قوله تعالى {
مثنى وثلاث ورباع } قالوا وفيه للجمع لا للتخيير وأيضا لفظ مثنى معدول به عن اثنين
اثنين وهو يدل على تناول ما كان متصفا من الأعداد بصفة الاثنينية وإن كان في غاية
الكثرة البالغة إلى ما فوق الألوف فإنك تقول جاءني القوم مثنى أي اثنين اثنين
وهكذا ثلاث ورباع وهذا معلوم في لغة العرب لا يشك فيه أحد فالآية المذكورة تدل
بأصل الوضع على أنه يجوز للإنسان أن يتزوج من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا
وأربعا أربعا وليس من شرط ذلك أن لا تأتي الطائفة الأخرى من العدد إلا بعد مفارقته
للطائفة التي قبلها فإنه لا شك أنه يصح لغة وعرفا أن يقول الرجل لألف رجل عنده
وجاءني هؤلاء اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة . فحينئذ الآية تدل على
إباحة الزواج بعدد من النساء . كثير سواء كانت الواو للجمه أو للتخيير لأن خطاب
الجماعة بحكم من الأحكام بمنزلة الخطاب به لكل واحد منهم فكأن الله سبحانه قال لكل
فرد من الناس انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ومع هذا فالبراءة الأصلية
مستصحبة وهي بمجردها كافية في الحل حتى يوجد ناقل صحيح ينقل عنها . وقد يجاب بأن
مجموع الأحاديث المذكورة في الباب لا يقتصر عن رتبة الحسن لغيره فتنتهض بمجموعها
للاحتجاج وإ كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال . ويؤيد ذلك كون الأصل في الفروج
الحرمة كما صرح به الخطابي فلا يجوز الإقدام على شيء منها إلا بدليل وأيضا هذا
الخلاف مسبوق بالإجماع على عدم جواز الزيادة على الأربع كما صرح بذلك في البحر
وقال في الفتح اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم الزيادة على
أربع نسوة يجمه بينهن : قوله " ينكح العبد امرأتين " قد تمسك بهذا من
قال أنه لا يجوز للعبد أن يتزوج فوق اثنتين وهو مروي عن علي وزيد بن علي والناصر
والحنفية والشافعية
ولا يخفى أن قول الصحابي لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته نعم لو صح إجماع
الصحابة على ذلك كما أسلفنا لكان دليلا عند القائلين بحجية الإجماع . ولكنه قد روى
عن أبي الدرداء ومجاهد وربيعة وأبي ثور والقاسم بن محمد وسالم والقاسمية أنه يجوز
له أن ينكح أربعا كالحر حكى ذلك عنهم صاحب البحر فالأولى الجزم بدخوله تحت قوله
تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } والحكم له وعليه بما للأحرار وعليهم إلا
أن يقوم دليل يقتضي المخالفة كما في المواضع المعروفة بالتخالف بين حكميهما : قوله
" ويطلق تطليقتين " سيأتي الكلام على هذا في باب ما جاء في طلاق العبد
وكذلك يأتي الكلام على عدة الأمة قوله " تسع نسوة هن " عائشة وسودة
وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وصفية وجويرية وأم حبيبة وميمونة هؤلاء الزوجات
اللاتي مات عنهن واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية وهل ماتت في حياته أو بعده
ودخل أيضا بخديجة ولم بتزوج عليها حتى ماتت وبزينب أم المساكين وماتت في حياته قبل
أن يتزوج صفية ومن بعدها قال الحافظ في التلخيص . وأما حديث أنس أنه تزوج خمس عشرة
امرأة ودخل منهمن بإحدى عشرة ومات عن تسعة فقد قواه الضياء في المختارة . قال وأما
من عقد عليها ولم يدخل بها أو خطبها ولم يعقد عليها فضبطنا منهن نحوا من ثلاثين
امرأة وقد حررت ذلك في كتابي في الصحابة . وقد ذكر الحافظ في الفتح والتلخيص
الحكمة في تكثير نسائه صلى الله عليه وآله وسلم فليراجع ذلك
باب العبد يتزوج بغير إذن سيده
1 -
عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيما عبد تزوج بغير اذن
سيده فهو عاهر "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن
- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وأخرجه أيضا ابن ماجه من حديث ابن عمر . قال الترمذي لا يصح إنما هو عن جابر وأخرجه أيضا أبو داود من حديث العمري عن نافع عن ابن عمر بلفظ " فنكاحه باطل " وتعقبه بالتضعيف وبتصويب وقفه ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر وفي إسناده مندل بن علي وهو ضعيف وقال أحمد بن حنبل هذا حديث منكر وصوب الدارقطني وقفه على ابن عمر وأخرجه ايضا عبد الرزاق عن ابن عمر موقوفا . وقد استدل بحديث جابر من قال أن نكاح العبد لا يصح إلا بإذن سيده وذلك للحكم عليه بأنه عاهر والعاهر الزاني والزنا باطل وقال الإمام ييى أراد أنه كالعاهر وليس بزان حقيقة لاستناده إلى عقد قال في البحر قلت بل زان إن علم بالتحريم فيحد ولا مهر وقال داود أن نكاح العبد بغير أذن مولاه صحيح لأن النكاح عنده فرض عين وفروض الأعيان لا تحتاج إلى أذن وهو قياس في مقابلة النص واختلفوا هل ينفذ بالإجازة من السيد أم لا فذهبت العترة والحنفية إلى أن عقد العبد بغير أذن مولاه موقوف ينفذ بالإجازة . وقال الناصر والشافعي أنه لا ينفذ بالإجازة بل هو باطل والإجازة لا تلحق العقود الباطلة . وقال مالك أن العقد نافذ وللسيد فسخه ورد بأنه لا وجه لنفوذه مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم باطل كما وقع في رواية من حديث جابر قالت العترة والشافعي ولا يحتاج في طلانه إلى فسخ وخالف في ذلك مالك
باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد
1 -
عن القاسم عن عائشة " أن بريرة كانت تحت عبد فلما أعتقها قال لها رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم اختاري فإن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد وإن شئت أن
تفارقيه "
- رواه أحمد والدارقطني
2 -
عن القاسم عن عائشة " أن بريرة خبرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان
زوجها عبدا "
- رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة
3 -
وعن عروة عن عائشة " أن بريرة أعتقت وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد فخيرها
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال إن قربك فلا خيار عليك "
رواه أبو داود وهو دليل على أن الخيار على التراخي ما لم تطأ
5 -
وعن ابن عباس قال " كان زوج بريرة عبدا أسود يقال له مغيث عبدا لبني فلان
كأني أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة "
- رواه البخاري . وفي لفظ " أن زوج بريرة كان عبدا أسود لبني مغيرة يوم أعتقت
بريرة والله لكأني به في المدينة ونواحيها وإن دموعه لتسيل على لحيته يترضاها
لتختاره فلم تفعل " رواه الترمذي وصححه وهو صريح ببقاء عبوديته يوم العتق
6 -
وعن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت " كان زوج بريرة حرا فلما أعتقت خيرها
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاختارت نفسها "
- رواه الخمسة . قال البخاري قول الأسود منقطع ثم عائشة عمة القاسم وخالت عروة
فروايتهما عنها أولى من رواية أجنبي يسمع من وراء الحجاب
-
رواية أنه كان عبدا ثابتة أيضا عن طريق ابن عمر عن الدارقطني والبيهقي كان زوج
بريرة وفي اسناده ابن أبي ليلى وهو ضعيف ومن طريق صفية بنت أبى عبيد عند النسائي
والبيهقي باسناد صحيح . وروى ابن سعد في الطبقات عن عبد الوهاب عن داود بن عطاء عن
أبي هند عن عامر الشعبي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبريرة لما عتقت
قد عتق بضعك فاختاري " ووصل هذا المرسل الدارقطني من طريق ابان بن صالح عن
هشام عن أبيه وهذه رواية مطلقة ليس فيها ذكر أنه كان عبدا أو حرا . وروى شعبة عن
عبد الرحمن أنه قال ما أدرى احرام عبد وهذا شك وهو غير قادح في روايات الجزم وكذلك
الرواية المطلقة تحمل على الروايات المقيدة ( والحاصل ) أنه قد ثبت من طريق ابن
عباس وابن عمر وصفية بنت أبي عبيد أنه كان عبد ولم يرو عنهم ما يخالف ذلك وثبت عن
عائشة من طريق القاسم وعروة أنه كان عبدا ومن طريق الأسود أنه كان حرا ورواية
اثنين أرجح من رواية واحد على فرض صحة الجمع فكيف إذا كانت رواية الواحد معلولة
بالإنقطاع كما قال البخاري . وروى عن البخاري أيضا أنه قال هي من قول الحكم وقول
ابن عباس أنه كان عبدا أصح . وقال البيهقي روينا عن القاسم ابن أخيها وعن عروة
ومجاهد وعمرة كلهم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها أن شئت أن
تثوي تحت العبد . قال المنذري وروى عن الأسود أنه كان عبدا فاختلف عليهمع أن بعضهم
يقول أن لفظ أنه كان حرا من قول إبراهيم وإذا تعارضت الرواية عن الأسود فتطرح
ويرجع إلى رواية لجماعة عن عائشة على أنا لو فرضنا أن الروايات عن عائشة متعارضة
ليس لبعضها مرجح على بعض كان الرجوع إلى رواية غيرها بعد اطراح روايتها وقد روى
غيرها أنه كان عبدا على طريق الجزم فلم يبق حينئذ شك في رجحان عبوديته وقال أحمد
بن حنبل إنما يصح أنه كان حرا عن الأسود وحده وما جاء عن غيره فليس بذاك وصح عن
ابن عباس وغيره أنه كان عبدا ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئا
وعملوا به فهو أصح وقال الدارقطني قال عمران بن جرير عن عكرمة عن عائشة كان حرا
وهو وهم في شيئين في قوله كان حرا وفي قوله عن عائشة وإنما هو من رواية عكرمة عن
ابن عباس ولم يختلف على ابن عباس أنه كان عبدا وكذا جزم الترمذي عن ابن عمر : وقال
ابن القيم في الهدى إن حديث عائشة رواه ثلاثة : الأسود وعروة والقاسم . فأما
الأسود فلم يختلف عنه أنه كان حرا . وأما عروة فعنه روايتان صحيحتان متعارضتان
إحداهما أنه كان حرا والثانية أنه كان عبدا . وأما عبد الرحمن بن القاسم فعنه
روايتان صحيحتان إحداهما أنه كان حرا والثانية الشك انتهى . وقد عرفت مما سلف ما
يخالف هذا وعلى فرض صحته فغاية الأمر أن الروايات عن عائشة متعارضة فيرجع إلى
رواية غيرها وقد عرفت أنها عرفت أنهات متفقة على الجزم بكونه عبدا . وقد اختلف أهل
العلم فيما إذا كان الزوج حرا هل يثبت للزوجة الخيار أم لا فذهب الجمهور إلى أنه
لا يثبت وجعلوا العلة في الفسخ عدم الكفاءة لأن المرأة إذا صارت حرة وكان زوجها
عبدا لم يكفؤا لها ويؤيد هذا قول عائشة في حديث الباب ولوكان حرا لم يخيرها ولكنه
قد تعقب ذلك بأن هذه الزيادة مدرجة من قول عروة كما صرح بذلك النسائي في سننه
وبينه أيضا أبو داود في رواية مالك ولو سلم أنه من قولها فهو اجتهاد وليس بحجة .
وذهبت العترة والشعبي والنخعي والثوري والحنفية إلى أنه يثبت الخيار ولو كان الزوج
حرا وتمسكوا أولا بتلك الرواية التي فيها أنه كان زوج بريرة حرا وقد عرفت عدم
صلاحية ذلك للتمسك به ومما يصلح للتمسك به ما وقع في بعض روايات حديث بريرة "
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها ملكت نفسك فاختارى " فإن ظاهر هذا
مشعر بأن السبب في التخيير هو ملكها لنفسها وذلك مما يستوي فيه الحر والعبد . وقد
أجيب عن ذلك بأنه يحتمل أن المراد من ذلك أنها استقلت بأمر النظر في مصالحها من
غير إجبار عليها من سيدها كما كانت من قبل يحبرها سيدها على الزوج
ومن جملة ما يصلح للاحتجاج به على عدم الفسخ إذا كان الزوج حرا ما في سنن النسائي
" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهي
بالخيار مالم يطأها زوجها " وفي إسناده حسين بن عمرو بن أمية الضمري وهو
مجهول وأخرج النسائي أيضا عن القاسم بن محمد قال " كان لعائشة غلام وجارية
قالت فأردت أن أعتقها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبدئي
بالغلام قبل الجارية " قالوا ولم يكن التخيير ممتنعا إذا كان الزوج حرا لم
يكن للبداءة بعتق الغلام فائدة فإذا بدأت به عتقت تحت حر فلا يكون لها اختيار وفي
إسناد هذا الحديث عبد الله بن عبد الرحمن وهو ضعيف . قال العقيلي لا يعرف الا به
قال ابن حزم لا يصح هذا الحديث ولو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه إنهما كانا
زوجين ولو كانا زوجين يحتمل أن تكون البدائة بالرجل لفضل عتقه على الأنثى كما في
الحديث الصحيح : قوله " وهي عند مغيث " بضم الميم وكسر المعجمة ثم تحتية
ساكنة ثم مثلثة . ووقع عند العسكري بفتح المهملة وتشديد التحتية وآخره باء موحدة
وجزم ابن ماكولا وغيره بالأول ووقع عند المستغفري في الصحابة ان اسمه مقسم . قال
الحافظ وما أظنه الا تصحيفا : قوله " ان قربك فلا خيار لك " فيه دليل
على ان خيار من عتقت على التراخي وأنه يبطل إذا مكنت الزوج من نفسها وإلى ذلك ذهب
مالك وأبو حنيفة وأحمد والهادوية وهو قول للشافعي وله قول آخر أنه على الفور . وفي
رواية عنه أنه إلى ثلاثة أيام . وقيل بقيامها من مجلس الحاكم وقيل من مجلسها وهذان
القولان للحنفية والقول الأول هو الظاهر لإطلاق التخيير لها إلى غاية هي تمكينها
من نفسها . ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ "
إذا عتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها أن تشأ فارقته وان وطئها فلا خيار لها ولا
تستطيع فراقه " وفي رواية للدارقطني " ان وطئك فلا خيار لك "
باب من أعتق أمة ثم تزوجها
1 -
عن أبي موسى قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ايما رجل كانت عنده
وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران
وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران وأيما رجل مملوك أدى حق
مواليه وحق ربه فله أجران "
- رواه الجماعة الا أبا داود فإنما له منه " من أعتق أمته ثم تزوجها كان له
أجران " ولأحمد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أعتق
الرجل أمته ثم تزوجها بمهر جديد كان له أجران "
2 -
وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية وتزوجها فقال له ثابت
ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها "
- رواه الجماعة إلا الترمذي وأبا داود وفي لفظ " أعتق صفية وتزوجها وجعل
عتقها صداقها " . رواه البخاري . وفي لفظ " أعتق صفية ثم تزوجها وجعل
عتقها صداقها " رواه الدارقطني . وفي لفظ " أعتق صفية وجعل عتقها صداقها
" رواه أحمد والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه . وفي رواية " أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم اصطفى صفية بنت يحيى فأتخذها لنفسه وخيرها أن يعتقها
وتكونه زوجته أو يلحقها بأهلها فأختارت أن يعتقها وتكون زوجته " رواه أحمد
وهو دليل على أن من مجرى عليه ملك المسلمين من السبي يجوز رده إلى الكفار إذا كان
على دينه
- حديث أبي موسى فيه دليل على مشروعية تعليم الإماء وإحسان تأديبهن ثم اعتاقهن والتزوج بهن وأن ذلك مما يستحق به فاعله أجرين كما أن من آمن من أهل الكتاب يستحق أجرين بإيمانه بالنبي الذي كان على دينه وأجرا بإيمانه بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه يستحق أجرين وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه يصح أن يجعل العتق صداق المعتقة ولكن الذي يدل على ذلك حديث أنس المذكور لقوله فيه " ما أصدقها قال نفسها " وكذلك سائر الألفاظ المذكورة في بقية الروايات . وقد أخذ بظاهر ذلك من القدماء سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وطاوس والزهري ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق . وحكاه في البحر عن العترة والأوزاعي والشافعي والحسن بن صالح فقالوا إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر . وذهب من عدا هؤلاء إلى أنهم لا يصح أن يكون العتق مهرا لم يحك هذا القول في البحر إلا عن مالك وابن شبرمة . وحكى في موضع آخر عن أبي حنيفة ومحمد أنها تستحق مهر النمثل لأنها قد صارت حرة فلا يستباح وطؤها إلا بالمهر . وحكى بعضهم عدم صحة جعل العتق مهرا عن الجمهور وأجابوا عن ظاهر الحديث بأجوبة ذكرها في الفتح الباري . منها أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها ولكنه لا يخفى أن ظاهر الروايات أنه جعل المهر نفس العتق لا قيمة المعتقة . ومنها أنه جعل نفس العتق مهرا ولكنه من خصائصه ويجاب عنه بأن دعوى الاختصاص تفتقر إلى دليل . ومنها أن معنى قوله أعتقها وتزوجها أنه أعتقها ثم تزوجها ولم يعلم أنه ساق لها صداقا فقال أصدقها نفسها أي لم يصدقها شيئا فيما أعلم ولم ينف الصداق ويجاب بأنه يبعد أن يأتي الصحابي الجليل بمثل هذه العبارة في مقام التبليغ ويكون مريدا لما ذكرتم فإن هذا لو صح لكان من باب الألغاز والتعمية وقد أيدوا هذا التأويل البعيد بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة بنت زريبة عن أمها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة وكان أتى بها سبية من بني قريظة والنظير . قال الحافظ وهذا لا يقوم به حجة لضعف اسناده ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت " أعتقني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعل عتقي صداقي " قال الحافظ وهذا موافق لحديث أنس وفيه رد على من قال أن أنسا قال ذلك بناء على ما ظنه . ومنها أنه يحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر فلزمها الوفاء بذلك ويكون خاصا به صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخفى أن هذا تعسف لا مجئ إليه . ومنها ما قاله ابن صلاح من أن العتق حل محل المهر وليس بمهر قال وهذا كقولهم " الجوع زاد من لا زاد له " وجعل هذا أقرب الوجوه إلى لفظ الحديث وتبعه النووي والحامل لمن خالف الحديث على هذه التآويل ظن مخالفته للقياس قالوا لأن العقد إما أن يقع قبل عتقها وهو محال لتناقض حكم الحرية والرق أو بعده وذلك غير لازم لها وأجيب بأن العقد يكون بعد العتق فإذا وقع منها الامتناع لزمتها السعاية بقيمتها ولا محذور في ذلك بالجملة فالدليل قد ورد بهذا ومجرد الاستبعاد لا يصلح لابطال ما صح من الأدلة والأقيسة مطرحة في مقابلة النصوص الصحيحة فليس بيد المانع برهان . ويؤيد الجواز ما أخرجه الطحاوي عن ابن عمران أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل عتق جويرية بنت الحرث المصطلقية صداقها وأخرج نحوه أبو داود من طريق عائشة وقد نسب القول بالجواز ابن القيم في الهدى إلى علي بن أبي طالب وأنس بن مالك والحسن البصري وأبي سلمة قال وهو صحيح والموافق للسنة وأقوال الصحابة والقياس وأطال البحث في المقام بما لا يزيد عليه فليرجع
باب ما يذكر في رد المنكوحة بالعيب
1 -
عن جميل بن زيد قال حدثني شيخ من الأنصار ذكر أنه كانت له صحبة يقال له كعب بن زيد
أو زيد بن كعب " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوج امرأة من بني
غفار فلما دخل عليها فوضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر أبصر بكشحها بياضا فانحاز عن
الفراش ثم قال خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئا "
- رواه أحمد ورواه سعيد في سننه . وقال زيد بن كعب بن عجرة ولم يشك
2 -
وعن عمر " أنه قال أيما امرأة غر بها رجل بها جنون أو جزام أو برص فلها مهرها
بما أصاب منها وصداق الرجل على غره "
- رواه مالك في الموطأ والدارقطني . وفي لفظ " قضى عمر في البرصاء والجذماء
والمجنونة إذا دخل بها فرق بينهما والصداق لها بمسيسه إياها وهو له على وليها
" . رواه الدارقطني
- حديث كعب بن زيد أو زيد بن كعب قد اختلف فيه فقيل هكذا وقيل إنه من حديث كعب بن عجرة وقيل من حديث ابن عمر وقد أخرجه أيضا من حديث كعب بن زيد أو زيد بن كعب والبيهقي ومن حديث كعب بن عجرة الحاكم في المستدرك . ومن حديث ابن عمر أبو نعيم في الطب والبيهقي . وجميل بن زيد المذكور هو ضعف وقد اضطرب في هذا الحديث . وأثر عمر أخرجه أيضا سعيد ابن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيدعن ابن المسيب عنه ورواه الشافعي من طريق مالك وابن أبي شيبة عن أبي ادريس عن يحيى قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات ( وفي الباب ) عن علي أخرجه سعيد بن منصور . قوله " امرأة من بني غفار " قيل اسمها الغالية وقيل أسماء بنت النعمان قاله الحاكم يعني الجونية وقال الحافظ الحق أ ها غيرها . ( وقد استدل ) بحديثي الباب على أن البرص والجنون والجذام عيوب يفسخ بها النكاح ولكن حديث كعب ليس بصريح في الفسخ لأن قوله " خذي عليك ثيابك " وفي رواية " الحقي بأهلك " يمكن أن يكون كناية طلاق : وقد ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة فمن بعجهم إلى أنه يفسخ النكاح بالعيوب وأن اختلفوا في تفاصيل ذلك وفي تعيين العيوب التي يفسخ بها النكاح . وقد روى عن علي وعمر وابن عباس أنها لا ترد النساء إلا بأربعة عيوب الجنون والجزام والبرص والدار في الفرج وخالف الناصر في البرص فلم يجعله عيبا يرد به النكاح والرجل يشارك المرأة في الجنون والجذام والبرص وتفسخه المرأة بالجب والعنة . وذهب بعض الشافعية إلى أن المرأة ترد بكل عيب ترد به الجارية في البيع ورجحه ابن القيم واحتج له في الهدى بالقياس على البيع وقال الزهري يفسخ الناكح بكل داء عضال وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو قول للشافعي أن الزوج لا يرد الزوجة بشيء لأن الطلاق بيده والزوجة لا ترده بشيء إلا الجب والعنة وزاد محمد الجذام والبرص وزادت الهادوية على ما سلف الرق وعدم الكفاءة في الرجل أو المرأة والرتق والعقل والقرن في المرأة والجب والخصاء والسل في الرجل والكلام مبسوط على العيوب التي يثبت بها الرد والمقدار المعتبر منها وتعدادها في الكتب الفقهية ومن أمعن النظر لم يجد في الباب ما يصلح للاستدلال به على الفسخ بالمعنى المذكور عند الفقهاء . أما حديث كعب فلما اسلفنا من كونه غير صريح في محل النزاع لذلك الاحتمال وأما أثر عمر فلما تقرر من أن قول الصحابي ليس بحجة نعم حديث بريرة الذي سلف دليل على ثبوت الفسخ للرق إذا أعتق وأما غير ذلك فيحتاج إلى دليل . قوله " وصداق الرجل على من غره " قد ذهب إلى هذا مالك وأصحاب الشافعي والهادوية فقالوا إنه يرجع الزوج بالمهر على من غرر عليه بأن أوهمه أن المرأة لا عيب فيها فانكشف أنها معيبة بأحد تلك العيوب لكن بشرط أن يعلم بذلك العيب لا إذا جهل وذهب أبو حنيفة والشافعي أنه لا رجوع للزوج على أحد لأنه قد لزمه المهر بالمسيس . وقال المؤيد بالله وأبو طالب أنه يرجع الزوج بالمهر على المرأة ولا يخفي أن قول عمر لا يصلح للاحتجاج به وتضمين الغير بلا دليل لا يحل فإن كان الفسخ بعد الوطء فقد استوفى الزوج ما في مقابلة المهر فلا يرجع به على أحد وإن كان قبل الوطء فالرجوع على المرأة أولى لأنه لم يستوف منها في مقابلة المهر ولا سيما على أصل الهادوية لأن الفسخ بعيب من جهة الزوجة ولا شيء لها عندهم فيما كان كذلك
أبواب أنكحة الكفار
باب ذكر أنكحة الكفار وإقرارهم عليها
1 -
عن عروة " أن عائشة أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء فنكاح
منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها
ونكاح آخر كان الرجل يقول لأمرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه
ويعتزلها زوجها ولا يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين
حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح
يسمى نكاح الاستبضاع . ونكاح آخر يجتمع الرهط فيه دون العشرة فيدخلون على المرأة
كلهم فيصيبونها فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع
رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد
ولدت فهو ابنك يا فلان فتسمي من أحبت باسمه فيلفحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع
عنه الرجل ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها
وهن البغايا ينصبن على أبوابهن الرايات وتكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت
إحداهن ووضعت جمعوا لها ودعوا لها الفاقة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به
ودعى ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحق هدم
نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم "
- رواه البخاري وأبو داود
- قوله " أربعة أنحاء " جمع نحو أي ضرب وزنا ومعنى ويطلق النحو أيضا على الجهة والنوع وعلى العلم المعروف اصطلاحا قال الداودي وغيره بقي عليها أنحاء لم تذكرها الأول نكاح الخدن وهو قوله تعالى { ولا متخذات أخدان } كانوا يقولون ما استثر فلا بأس به وما ظهر فهو لوم . الثاني نكاح المتعة قد تقدم الثالث نكاح البدل وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل انزلي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وإسناده ضعيف جدا قال الحافظ الأول لا يرد لأنها أرادت ذكر بيان نكاح من لا زوج لها أو من أذن لها زوجها في ذلك والثاني يحتمل أن لا يرد لأن الممنوع منه كونه مقدرا بوقت لا أن عدم الولي فيه شرط وعدم ورود الثالث أظهر من الجميع انتهى : قوله " وليته أو ابنته " التخيير للتنويع لا للشك : قوله " فيصدقها " بضم أوله ثم ينكحها أي يعين صداقها ويسمى مقداره ثم يعقد عليها : قوله " من طمثها " بفتح الطاء المهملة وسكون الميم بعدها مثلثة أي حيضها وكأن السر في ذلك أن يسرع علوقها منه : قوله " فاستبضعي منه " بموحدة بعدها ضاد معجمة أي اطلبي منه المباضعة وهو الجماع . ووقع في رواية الدارقطني استرضعي براء بدل الباء الموحدة قال محمد بن إسحاق الصغاني الأول هو الصواب والمعنى اطلبي الجماع منه لتحملي والمباضعة المجامعة مشتقة من البضع وهو الفرج : قوله " في نجابة الولد " لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك : قوله " فهو ابنك يا فلان " هذا إذا كان الولد ذكرا أو تقول هي ابنتك إذا كانت انثى قال في الفتح لكن يحتمل أن لا يفعل ذلك إلا إذا كان ذكرا لما عرف من كراهتهم في البنت وقد كان منهم من يقتل ابنته التي يتحقق أنها ابنته فضلا عمن يكون بمثل هذه الصفة : قوله " علما " بفتح اللام أي علامة . وأخرج الفاكهي من طريق ابن أبي مليكة قال تبرز عمر باجياد فدعا بماء فأتته أم مهزول وهي من البغايا التسع اللاتي كن في الجاهلية فقالت هذا ماء ولكنه في إناء لم يدبغ فقال هلم فإن الله جعل الماء طهورا . وروى الدارقطني أيضا من طريق مجاهد قال في قوله تعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية } هن بغاياكن في الجاهلية معلومات لهن رايات يعرفن بها . ومن طريق عاصم بن المنذر عن عروة مثله وزاد كرايات البيطار . وقد ساق هشام بن الكلبي في كتاب المثالب أسامى صواحبات الرايات في الجاهلية فسمى منهن أكثر من عشرة نسوة مشهورات : قوله " القافة " بقاف ثم فاء جمع قائف وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية : قوله " فالتاط به " بالمثناة الفوقية بعدها طاء مهملة أي استلحقه . واصل اللوط بفتح اللام اللصوق : قوله " الا نكاح الناس اليوم " أي الذي بدأت بذكره وهو أن يخطب الرجل فتزوجه وقد احتج بهذا الحديث على اشتراط الولي وتعقب بأن عائشة وهي الراوية كانت تجيز النكاح بغير ولي ويجاب بأن فعلها ليس بحجة
باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع
1 -
عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال " أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أن أطلق أحداهما "
- رواه الخمسة إلا النسائي . وفي لفظ الترمذي " اختر أيتهما شئت " . وعن
الزهري عن سالم عن ابن عمر قال " أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة في
الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يختار منهن أربعا
" رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وزاد أحمد في رواية " فلما كان في عهد
عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فبلغ ذلك عمر فقال أني لأظن الشيطان فيما يسترق
من السمع وسمع موتك فقذفه في نفسك ولعلك لا تمكث إلا قليلا وأيم الله لتراجعن
نساءك ولترجعن مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك أن يرجم كما رجم قبر أبي رغال
" قوله " لتراجعن نساءك " دليل على أنه كان رجعيا وهو يدل على أن
الرجعية ترث وإن انقضت عدتها في المرض وإلا فنفس الطلاق الرجعي لا يقطع ليتخذ حيلة
في المرض
- حديث الضحاك أخرجه أيضا الشافعي وصححه ابن حبان والدارقطني والبيهقي وحسنه الترمذي وأعله والعقيلي ( وفي الباب ) عن أم حبيبة عند الشيخين " أنها عرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينكح أختها فقال لا تحل لي " وحديث ابن عمر أخرجه أيضا الشافعي عن الثقة عن معمر عن الزهري بإسناده المذكور وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه قال البزرا جوده معمر بالبصرة وأفسده باليمن فأرسله . وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال هذا الحديث غير محفوظ . قال البخاري وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه فإنما هو أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر لتراجعن نساءك أولا رجمنك وحكم أبو حاتم وأبو زرعة بأن المرسل أصح . وحكى الحاكم عن مسلم إن هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة قال فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة حكمنا له بالصحة . وقد أخذ ابن حبان والحاكم والبيهقي بظاهر الحكم فأخرجوه من طرق عن معمر من حديث أهل الكوفة وأهل خراسان وأهل اليمامة عنه قال الحافظ ولا يفيد ذلك شيئا فإن هؤلاء كلهم إنما سمعوا بالبصرة وعلى تقدير أنهم سمعوا منه بغيرها فديثه الذي حدث به في غير بلد مضطرب لأنه كان يحدث في بلده من كتبه على الصحة وأما إذا رحل فحدث من حفظه بأشياء وهم فيها اتفق على ذلك أهل العلم كابن المديني والبخاري وابن أبي حاتم ويعقوب بن شيبة وغيرهم وحكى الأثرم عن أحمد أن هذا الحديث ليس بصحيح والعمل عليه وأعله بتفرد معمر في وصله وتحديثه به في غير بلده . وقال ابن عبد البر طرقه كلها معلولة . وقد أطال الدارقطني في العلل تخريج طرقه . ورواه ابن عيينة ومالك عن الزهري مرسلا ورواه عبد الرزاق عن معمر كذلك وقد وافق علىوصله بحر كنيز السقاء عن الزهري ولكنه ضعيف وكذا وصله يحيى بن سلام عن مالك ويحيى ضعيف وأما الزيادة التي رواها أحمد عن عمر فأخرجها أيضا النسائي والدارقطني قال الحافظ وإسناده ثقات وهذا الموقوف على عمر هو الذي حكم البخاري بصحته ( وفي الباب ) عن قيس بن الحرث أو الحرث بن قيس وقد تقدم في باب العدد المباح للحر تقدم الكلام في تحريم الزيادة على الأربع هنالك فليرجع إليه . وحديث الضحاك استدل به تحريم الجمع بين الأختين ولا أعرف في ذلك خلافا وهو نص القرآن قال الله تعالى { وان تجمعوا بين الأختين الاماقد سلف } فإذا أسلم كافر وعنده أختان أجبر على تطليق إحداهما وفي ترك استفصاله عن المتقدمة منهما من المتأخرة دليل على أنه يحكم لعقود الكفار بالصحة وان لم توافق الإسلام فإذا أسلموا أجرينا عليهم في الأنكحة أحكام المسلمين . وقد ذهب إلى هذا مالك والشافعي وأحمد وداود . وذهبت العترة وأبوحنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي والزهري وأحد قولي الشافعي إلى أنه لا يقر من أنكحة الكفار إلا ما وافق الإسلام فيقولون إذا أسلم الكافر وتحته أختان وجب عليه إرسال من تأخر عقدها وكذلك إذا كان تحته أكثر من خمس أمسك من تقدم العقد عليها منهن وأرسل من تأخر عقدها إذا كانت خامسة أو نحو ذلك وإذا وقع العقد على الأختين أو على أكثر من أربع مرة واحدة بطل وأمسك من شاء من الأختين وأرسل من شاء وأمسك أربعا من الزوجات يختارهن ويرسل الباقيات والظاهر ما قاله الأولون لتركه صلى الله عليه وآله وسلم للاستفصال في حديث الضحاك وحديث غيلان ولما في قوله " أختر أيتهما " وفي قوله " أختر أربعا " من الإطلاق . قوله " قبر أبي رغال " بكسر الراء المهملة بعدها غين معجمة . قال في القاموس في فصل الراء من باب اللام وأبو رغال ككتاب في سنن أبي داود ودلائل النبوة وغيرهما عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه الحديث وقول الجوهري كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق غير معتد به وكذا قول ابن سيده كان عبدا لشعيب وكان عشارا جائرا انتهى . قوله " لتراجعن نساءك " يمكن أن يكون المراد بهذه المراجعة المراجعة اللغوية أعني أرجاعهن إلى نكاحه وعدم الاعتداد بذلك الطلاق الواقع كما ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم فيمن طلق زوجته أو زوجاته مريدا لإبطال ميراثهن منه أنه لا يقع الطلاق ولا يصح وقد جعل ذلك أئمة الأصول قسما من أقسام المناسب وجعلوا هذا الصورة مثالا له والمصنف رحمه الله لما فهم أن الرجعة هي الاصطلاحية أعني الواقعة بعد طلاق رجعي معتد به جعل ذلك الطلاق والواقع منه رجعيا ثم ذكر أن الرجعية ترث وإن أنقضت عدتها فأردف الإشكال بإشكال
باب الزوجين الكافرين يسلم أحدهما قبل الأخر
1 -
عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رد ابنته زينب على زوجها أبي
العاص ابن الربيع بالنكاح الأول لم يحدث شيئا "
- رواه أحمد وأبو داود . وفي لفظ " رد ابنته زينب على أبي العاص زوجها
بنكاحها الأول بعد سنتين ولم يحديث صداقا " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه .
وفي لفظ " رد ابنته زينب على أبي العاص وكان إسلامها قبل إسلامه بست سنين على
النكاح الأول ولم يحدث شهادة ولا صداقا " رواه أحمد وأبو داود . وكذلك
الترمذي وقال فيه " لم يحدث نكاحا " وقال هذا حديث ليس بإسناده بأس
2 -
وقد روى بإسناد ضعيف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم رد ابنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد "
- قال الترمذي في إسناده مقال وقال أحمد هذا حديث ضعيف . والحديث الصحيح الذي روي
أنه أقرهما على النكاح الأول . وقال الدارقطني هذا حديث لا يثبت والصواب حديث ابن
عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ردها بالنكاح الأول "
3 - وعن ابن شهاب " أنه بلغه أن ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمانا وشهد حنيفا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة فلم يفرق صلى الله عليه وآله وسلم بينهما حتى أسلم صفوان واستقرت عنده بذلك النكاح قال ابن شهاب وكان بين إسلام صفوان وبين إسلام زوجته نحو من شهر " مختصر من الموطأ لمالك
4 -
وعن ابن شهاب " أن أم حكيم ابنة الحرث بن هشام أسلمت يوم الفتح بمكة وهرب
زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن فأرتحلت أم حكيم حتى قدمت على
زوجها باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم وقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فبايعه فثبتا على نكاحهما ذلك قال ابن شهاب ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله
وإلى رسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن
يقدم مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها وأنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا
قدم وهي في عدتها "
- رواه عنه مالك في الموطأ
-
حديث ابن عباس صححه الحاكم وقال الخطابي هو أصح من حديث عمرو بن شعيب وكذا قال
البخاري . قال ابن كثير في الارشاد هو حديث جيد قوي وهو من رواية ابن إسحاق عن
داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس انتهى . الا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة
عن ابن عباس نسخه وقد ضعف أمرها علي بن المديني وغيره من علماء الحديث وابن إسحاق
فيه مقال معروف وحديث عمرو بن شعيب أخرجه ايضا ابن ماجه وفي إسناده حجاج بن أرطاة
وهو معروف بالتدليس وأيضا لم يسمعه من عمرو بن شعيب كما قال أبوعبيدة وإنما حمله
عن العرزمي وهو ضعيف وقد ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم قد تقدم ذكر بعضهم
وحديث ابن شهاب الأول هو مرسل وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات وحديثه الثاني مرسل
ايضا وأخرجه ابن سعد في الطبقات أيضا ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند البخاري قال
" كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن المؤمنين
كانوا مشركي أهل حرب يقالتهم ويقاتلونه ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم وكان إذا هاجرت
المرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح وإن جاء
زوجها قبل أن تنكح ردت إليه " وروى البيهقي عن الشافعي عن جماعة من أهل العلم
من قريش وأهل المغازي وغيرهم عن عدد مثلهم " ان أبا سفيان أسلم بمر الظهران
وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة ومكة يومئذ دار حرب وكذلك حكيم بن حزم ثم أسلم
المرأتان بعد ذلك وأقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم النكاح " قوله "
بعد سنتين " وفي الرواية الثانية " بست سنين " ووقع في رواية
" بعد ثلاث سنين " وأشار في الفتح إلى الجمع فقال المراد بالست ما بين
هجرة زينب واسلامه وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى { لاهن حل لهم }
وقدومه مسلما فإن بينهما سنتين وأشهرا . قال الترمذي في حديث ابن عباس أنه لا يعرف
وجهه قال الحافظ وأشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث
مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة قال ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة
تحت المشرك إذا تأخر اسلامه عن اسلامها حتى انقضت عدتها وممن نقل الإجماع في ذلك
ابن عبد البر وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه ورده بالاجماع وتعقب بثبوت
الخلاف فيه قديما فقد أخرجه ابن أبي شيبة عن علي وإبراهيم النخعي بطرق قوية وأفتى
به حماد شيخ أبي حنيفة . وأجاب الخطابي عن الإشكال بأن بقاء العدة تلك المدة ممكن
وإن لم تجربه عادة في الغالب ولا سيما إن كان المدة إنما هي سنتان وأشهر فإن الحيض
قد يبطئ عن ذات الاقراء لعارض وبمثل هذا أجاب البيهقي قال الحافظ وهو أولى ما
يعتمد في ذلك . وقال السهيلي في شرح السيرة ان حديث عمرو بن شعيب هو الذي عليه
العمل وأن كان حديث ابن عباس أصح إسنادا لكن لم يقل به أحد من الفقهاء لأن الإسلام
قد كان فرق بينهما قال الله تعالى { لاهن حل لهم ولاهم يحلون لهن } ومن جمع بين
الحديثين . قال معنى حديث ابن عباس ردها عليه على النكاح الأول في الصداق والحباء
ولم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره انتهى . وقد أشار إلى مثل هذا الجمع ابن
عبد البر وقيل أن زينب لما أسلمت وبقي زوجها على الكفر لم يفرق النبي صلى الله
عليه وآله وسلم إذ لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر فلما نزل قوله
تعالى { لاهن حل لهم } الآية أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تعتد فوصل أبو
العاص مسلما قبل انقضاء العدة فقررها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنكاح الأول
فيندفع الإشكال قال ابن عبد البر وحديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول وقد صرح فيه
بوقوع عقد جديد والأخذ بالصريح أولى من الأخذ بالمحتمل ويؤيده مخالفة ابن عباس لما
رواه كما حكى ذلك عنه البخاري . قال الحافظ وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح
حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم
وإسلام أبي العاص ولا مانع من ذلك وأغرب ابن حزم فقال إن قوله ردها إليه بعد كذا
مراده جمع بينهما وإلا فاسلام أبي العاص كان قبل الحديبية وذلك قبل أن ينزل تحريم
المسلمة على المشرك هكذا زعم
قال الحافظ وهومخالف لما أطبق عليه أهل المغازي ان اسلامه كان بعد نزول آية
التحريم . وقال ابن القيم في الهدى ما محصله إن اعتبار العدة لم يعرف في شيء من
الأحاديث ولا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا
ولوكان الإسلام بمجرده فرقة لكانت طاقة بائنة ولا رجعة فيها فلا يكون الزوج أحق
بها إذا أسلم وقد دل حكمه صلى الله عليه وآله وسلم أن النكاح موقوف فإن أسلم الزوج
قبل انقضاء العدة فهي زوجته وإن انقضت عدتها فإنها أن تنكح من شاءت وإن أحبت
انتظرته وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح قال ولا نعلم أحدا جدد
بعد الإسلام نكاحه البتة بل كان الواقع أحد الأمرين أما افتراقهما ونكاحها غيره
واما بقاؤها على النكاح الأول إذا أسلم الزوج وأما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدة
فلم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بواحد منهما مع كثرة من أسلم
في عهده وهذا كلام في غاية الحسن والمتانة قال وهذا اختيار الخلال وأبي بكر صاحبه
وابن المنذر وابن حزم وهو مذهب الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم . قال ابن حزم
وهو قول عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وابن عباس هم عد آخرين وقد ذهب إلى أن
المرأة إذا أسلمت قبل زوجها لم تخطب حتى تحيض وتطهر ابن عباس وعطاء وطاوس والثوري
وفقهاء الكوفة ووافقهم أبو ثور واختاره ابن المنذر وإليه جنح البخاري وشرط أهل
الكوفة ومن وافقهم أن يعرض على زوجها الإسلام في تلك المدة فيمتنع إن كانا معا في
دار الإسلام . وقد روى عن أحمد أن الفرقة تقع بمجرد الإسلام من غير توقف على مضى
العدة كسائر أسباب الفرقة من رضاع أو خلع أو طلاق وقال في البحر مسألة المذهب
والشافعي ومالك وأبو يوسف والفرقة بإسلام أحدهما فسخ لإطلاق إذ العلة اختلاف الدين
كالردة . وقال أبو العباس وأبو حنيفة ومحمد بل طلاق حيث أسلمت وأبي الزوج إذ
امتناعه كالطلاق قلنا بل كالردة انتهى : قوله " وكان إسلامها " الخ
المراد بإسلامها هنا هجرتها وإلا فهي لم تزل مسلمة منذ بعثه الله تعالى كسائر
بناته صلى الله عليه وآله وسلم هجرتها بعد بدر بقليل وبدر في رمضان من السنة
الثانية وتحريم المسلمات على الكفار في الحديبية سنة ست في ذي القعدة فيكون مكثها
بعد ذلك نحوا من سنتين هكذا قيل وفيه بعض مخالفة لما تقدم
باب المرأة تسبى وزوجها بدار الشرك
1 -
عن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حنين بعث جيشا إلى أوطاس
فلقى عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم واصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب النبي صلى
الله عليه وآله وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله
تعالى في ذلك والمحصنات من النساء إلا ماملكت أيمانكم أي فهن لكم حلال إذا انقضت
عدتهن "
- رواه مسلم والنسائي وأبو داود وكذلك وأحمد وليس عنده الزيادة في آخره بعد الآية
والترمذي مختصرا ولفظه " أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج في قومهن فذكروا
ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت
أيمانكم } "
2 -
وعن عرباض بن سارية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرم وطء السبايا حتى
يضعن ما في بطونهن "
- رواه أحمد والترمذي وهو عام في ذوات الأزواج وغيرهن
-
حديث العرباض رجال إسناده ثقات وقد أخرج الترمذي نحوه من حديث وريفع بن ثابت
" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا
يسقى ماءه ولد غيره " وحسنه الترمذي وأخرجه أيضا أبو داود وسيأتي في باب
استبراء الأمة إذا ملكت من كتاب العدة ولأبي داود من حديث " لا يحل لامرئ يؤمن
بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبى حتى يستبرئها " وسيأتي أيضا في
ذلك الباب من حديث أبي سعيد في سبى أوطاس بلفظ " لا توطأ حامل حتى تضع ولا
غير حامل حتى تحيض حيضة " وسيأتي أيضا هنالك من حديث أبي الدرداء المنع من
وطء الحامل والكلام على هذه الأحايث يأتي هنالك مستوفي إن شاء الله تعالى وإنما
ذكر المصنف رحمه الله ما ذكره في هذا الباب للاستدلال به على أن البغايا حلال من
غير فرق بين ذوات الأزواج وغيرهن وذلك مما لاخلاف فيه فيما أعلم ولكن بعد مضي
العدة المعتبرة شرعا قال الزمخشري في تفسير الآية المذكورة { إلا ماملكت أيمانكم }
يريد ماملكت أيمانكم من اللاتي سببن ولهن أزواج في دار الكفر فهن حلال لغزاة
المسلمين وإن كن محصنات وفي معناه قول الفرزدق
وذات حليل انكحتها رماحنا ... حلال لمن يبني بها لم تطلق
كتاب الصداق
باب جواز التزويج على القليل والكثير واستحباب القصد فيه
1 -
عن عامر بن ربيعة " أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أرضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فأجازه "
- رواه أحمد وابن ماحه والترمذي وصححه
2 -
وعن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لو أن رجلا أعطى امرأة
صداقا ملء يديه طعاما كانت له حلالا "
- رواه أحمد وأبو داود بمعناه
3 -
وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر
صفرة فقال ماهذا قال تزوجت امرأة على وزهن نواة من ذهب قال بارك الله لك أو لم ولو
بشاة "
- رواه الجماعة ولم يذكر فيه أو داود " بارك الله لك "
-
حديث عامر بن ربيعة قال الحافظ في بلوغ المرام بعد أن حكى تصحيح الترمذي له أنه
خولف في ذلك . وحديث جابر في إسناده موسى بن مسلم وهو ضعيف هكذا في مختصر المنذري
وقال في التلخيص في إسناده مسلم بن رومان وهو ضعيف انتهى . قال أبو داود إن بعضهم
رواه موقوفا ورواه أبو عاصم عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر قال "
كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام على معنى
المتعة " قال ورواه ابن جريج على أبي الزبير عن جابر على معنى أبي عاصم وهذا
الذي ذكره أبو داود معلقا قد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج عن أبي الزبير
قال " سمعت جابرا يقول كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عقد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر البيهقي وهذا وإن كان في نكاح
المتعة ونكاح المتعة صار منسوخا فإنما فسخ منه شرط الأجل فأما ما يجعلونه صداقا
فإنه لم يرد فيه نسخ : قوله " وزن نواة من ذهب " في رواية للبخاري
" نواة من ذهب " ورجحها الداودي استنكر رواية من روى وزن نواة . قال
الحافظ واستنكاره المنكر لأن الذين جزموا بذلك أئمة حفاظ قال عياض لا وهم في
الرواية لأنها إن كانت واة تمر أو غيره كان للنواة قدر معلوم صح أن يقال في كل ذلك
وزن نواة فقيل المراد واحدة نوى التمر وإن القيمة عنها يومئذ كانت خمسة دراهم .
وقيل كان قدرها يومئذ ربع دينار ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل
معيارا لما يوزن به وقيل لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق
وجزم به الخطابي واختاره الأزهري ونقله عياض عن أكثر العلماء . ويؤيده أن في رواية
للبيهقي وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم وقيل وزنها من الذهب خمسة دراهم حكاه ابن
قتيبة وجزم به ابن فارس وجعله البيضاوي الظاهر . ووقع في رواية للبيهقي قومت ثلاثة
دراهم وإسناده ضعيف ولكن جزم به أحمد وقيل ثلاثة ونصف . وقيل ثلاثة وربع . وعن بعض
المالكية النواة عند أهل المدينة ربع دينار ووقع في رواية للطبراني قال أنس
حزرناها ربع دينار . وقال الشافعي ربع النش والنش نصف أوقية والأوقية أربعون درهما
فيكون خمسة دراهم . وكذا قال أبو عبيد أن عبد الرحمن دفع خمسة دراهم وهي تسمى نواة
كما تسمى الأربعون أوقية وبه جزم أبو عوانة وآخرون ( والأحاديث ) المذكورة تدل على
أنه يجوز أن يكون المهر شيئا حقيرا كالنعلين والمد من الطعام ووزن نواة من ذهب قال
القاضي عياض الإجماع على أن مثل الشيء الذي لا يتمول ولاله قيمة لا يكون صداقا ولا
يحل به النكاح فإن ثبت نقله فقد خرق هذا الإجماع أبو محمد ابن حزم فقال يجوز بكل
شيء ولو كان حبة من شعير ويؤيد ما ذهب إليه الكافة قوله صلى الله عليه وآله وسلم
" التمس ولو خاتما من حديد " كما سيأتي لأنه أورده مورد التقليل بالنسبة
فما فوقه ولا شك أن الخاتم من الحديد له قيمة وهو أعلى خطرا من النواة وحبة الشعير
. وكذلك حكى في البحر الإجماع على أنه لا يسمح تسمية ما لا قيمة له . قال الحافظ
وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شيء وذكر منها حديث عامر بن ربيعة
وحديث جابر المذكورين في الباب وحديث أبي لبيبة مرفوعا عند ابن أبي شيبة " من
استحل بدرهم في النكاح فقد استحل " وحديث أبي سعيد عند الدارقطني في أثناء
حديث في المهر " ولو على سواك من أراك " قال وأقوى شيء في ذلك حديث جابر
عند مسلم . كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ثم ذكر كلام البيهقي الذي قدمناه ( وقد اختلف ) في أقل المهر فحكى في
البحر عن العترة جميعا وأبي حنيفة وأصحابه أن أقله عشرة دراهم أو ما يوازيها
واستدلوا بما أخرجه الدارقطني من حديث جابر بلفظ " لا مهر أقل من عشرة دراهم
" وهذا الوصح لكان معارضا لما تقدم من الأحاديث الدالة على أنه يصح أن يكون
المهر دونها ولكنه لم يصح فإن في إسناده مبشر بن عبيد وحجاج بن أرطاة وهم ضعيفان
وقد اشتهر حجاج بالتدليس ومبشر متروك كما قال الدارقطني وغيره وقال البخاري منكر الحديث
وقال أحمد روى عنه بقية أحاديث كذب وقد روى الحديث البيهقي من طرق منها عن علي
عليه السلام وفي إسناده داود الأودي وهذا الاسم يطلق على اثنين أحدهما داود ابن
زيد وهو ضعيف لا خلاف والثاني داود بن عبد الله وقد وثقه أحمد واختلفت الرواية فيه
عن يحيى بن معين . ومنها عن جابر قال البيهقي بعد اخراجه هو حديث ضعيف بمرة وروى
أيضا عن علي عليه السلام من طريق فيها أبو خالد الواسطي فهذه طرق ضعيفة لا تقوم
لها حجة وعلى فرض أنها يقوى بعضها بعضا فهي لا تبلغ بذلك إلى حد الأعتبار لا سيما
وقد عارضها ما في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة مثل حديث الخاتم الذي
سيأتي وحديث نواة الذهب وسائر الأحاديث التي قدمناها وحكى في البحر أيضا عن عمر
وابن عباس والحسن البصري وابن المسيب وربيعة والأوزاعي والثوري وأحم وإسحاق
والشافعي ان أقله ما يصح ثمنا أو أجرة وهذا مذهب راجح وقال سعيد بن جبير أقله
خمسون درهما وقال النخعي أربعون وقال ابن شبرمة خمسة دراهم وقال مالك ربع دينار
وليس على هذه الأربعة الأقوال دليل يدل على أن الأقل هو أحدها لا دونه ومجرد
موافقة مهر من المهور الواقعة في عصر النبوة لواحد مها كحديث النواة من الذهب فإنه
موافق لقوله ابن شبرمة ولقول مالك على حسب الأختلاف في تفسيرها لا يدل على أنه
المقدر الذي لا يجزى دونه الا مع التصريح بأنه لا يجزى دون ذلك المقدار ولا تصريح
. فلاح من هذا التقريران كل ماله قيمة صح أن يكون مهرا وسيأتي في باب جعل تعليم
القرآن صداقا زيادة تحقيق للمقام
4 -
وعن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن أعظم النكاح بركة
أيسره مؤنة "
- رواه أحمد
5 -
وعن أبي هريرة قال " كان صداقنا إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم عشر أواقى "
- رواه النسائي وأحمد وزاد " وطبق بيديه وذلك أربعمائة "
6 -
وعن أبي سلمة قال " سألت عائشة كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم قالت كان صداقه لا زواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت أتدري ما النش لا قالت
نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم "
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي
7 -
وعن أبي العجفاء قال " سمعت عمر يقول لا تغلوا صدق النساء فإنها لو كانت
مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من
بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية "
- رواه الجماعة وصححه الترمذي
8 -
وعن أبي هريرة قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اني
تزوجت امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل نظرت إليها فإن
في عيون الانصار شيئا قال قد نظرت إليها قال علي كم تزوجتها قال على أربع أواق
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض
هذا الجبل ماعندنا ما نعطيك ولكن عيسى أن نبعثك في بعث تصيب منه قال فبعث بعثا إلى
بني عيسى بعث ذلك الرجل فيهم "
- رواه مسلم
9 -
وعن عروة بن أم حبيبة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها وهي بأرض
الحبشة زوجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل بن
حسنة ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء وكان مهر نسائه
أربعمائة درهم "
- رواه أحمد والنسائي
- حديث عائشة الأول أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط بلفظ " أخف النساء صداقا أعظمهن بركة " وفي إسناده الحرث بن شبل وهو ضعيف وأخرج أيضا الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه . وأخرج نحوه أبو داود والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير الصداق أيسره " وحديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات . وحديث أبي العجفاء صححه ايضا ابن حبان والحاكم وأبو العجفاء اسمه هرمز بن نسيب قال يحيى بن معين بصرى ثقة وقال البخاري في حديثه نظر . وقال أبو أحمد الكرابيسي حديثه ليس بالقائم . وحديث أم حبيبة أخرجه أيضا أبو داود بلفظ " أنه زوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع شرحبيل بن حسنة " وأخرج أبو داود أيضا عن الزهري مرسلا " أن النجاشي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على صداق أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيل بمائتي دينار : قوله " أسره مؤنة " فيه دليل على أفضلية النكاح مع قلة المهر وأن الزواج بمهر قليل مندوب إليه لأن المهر إذا كان قليلا لم يستصعب النكاح من يريده فيكثر الزواج المرغب فيه ويقدر عليه الفقراء ويكثر النساء الذي هو أهم مطالب النكاح بخلاف ما إذا كان المهر كثيرا فإنه لا يتمكن منه إلا أرباب الأموال فيكون الفقراء الذين هم الأكثر في الغالب غير مزوجين فلا تحصل المكاثرة التي ارشد إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سلف في أول النكاح : قوله " وذلك أربعمائة " أي درهم لأن الأوقية كانت قديما عبارة عن أربعين درهما كما صرح به صاحب النهاية . قوله " كان صداقه لأزواجه " الخ ظاهره أن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلهن كان صداقهن ذلك المقدار وليس الأمر كذلك وإنما هو محمول على الأكثر فإن أم حبيبة أصدقها المقدار وليس الأمر كذلك وإنما هو محمول على الأكثر فإن أم حبيبة أصدقها النجاشي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المقدار المتقدم . وقال ابن إسحاق عن أبي جعفر أصدقها أربعمائة دينار أخرجه ابن أبي شيبة م طريقه وأخرج الطبراني عن أنس أنه أصدقها مائتي دينار وإسناده ضعيف وصفية كان عتقها صداقها وخديجة وجويرية لم يكونا كذلك كما قال الحافظ . قوله " ونش " بفتح النون بعدها شين معجمة وقع مرفوعا في هذا الكتاب والصواب ونشا بالنصب مع وجود لفظ كان كما في غير هذا الكتاب أو الرفع مع عدمها كما في رواية أبي داود قوله " لاتغلوا صدق النساء " الخ ظاهر النهي التحريم . وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه قال " لا تغالوا في مهر النساء فقالت امرأة ليس ذلك لك يا عمر ان الله تعالى يقول { وآتيتم احداهن قنطارا من ذهب } كما في قراءة ابن مسعود فقال عمر امرأة خاصمت عمر فخصمته " وأخرجه الزبير بن بكار بلفظ " امرأة أصابت ورج أخطأ " وأخرجه أبو يعلى مطولا وقد وقع الإجماع على أن المهر لأحد لأكثره بحيث تضير الزيادة على ذلك الحد باطلة للآية . وقد اختلف في تفسير القنطار المذكور في الآية فقال أبو سعيد الخدري هو ملء مسك ثور ذهبا وقال معاذ الف ومائتا أوقية ذهبا وقيل سبعون ألف مثقال وقيل مائة رطل ذهبا قوله " زوجها النجاشي " فيه دليل على جواز التوكيل من الزوج لمن يقبل عنه النكاح وكانت أم حبيبة المذكورة مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش فمات بتلك الأرض فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وأم حبيبة هي بنت أبي سفيان وقد تقدم اختلاف الروايات في مقدار صداقها
باب جعل تعليم القرآن صداقا
1 -
عن سهل بن سعد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول
الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها
إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل عندك من شيء
تصدقها اياه فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن
أعطيتها إزارك فالتمس شيئا فقال ما أجد شيئا ألتمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم
يجد شيئا فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل معك من القرآن شيء قال نعم سورة
كذا وسورة كذا لسور يسميها فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد زوجتها بما
معك من القرآن "
- متفق عليه . وفي رواية متفق عليها " قد ملكتكها بما معك من القرآن "
وفي رواية متفق عليها " فصعد فيها النظر وصوبه "
2 -
وعن أبي النعمان الأزدي " قال زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امراة
على سورة من القرآن ثم قال لا يكون لأحد بعدك مهرا "
- رواه سعيد في سننه وهو مرسل
-
حديث أبي النعمان مع إرساله قال الفتح فيه لا يعرف . وفي الباب عن أبي هريرة عند
أبي داود والنسائي . وعن ابن مسعود عند الدارقطني . وعن ابن عباس عند أبي الشيخ
وأبي عمر بن حيويه في فوائده . وعن ضمير جد حسين بن عبد الله عند الطبراني . وعن
أنس عند البخاري والترمذي . وعن أبي أمامة عند تمام في فوائده وعن جابر عند أبي
الشيخ . قوله " جاءته امرأة " قال الحافظ هذه المرأة لم أقف على اسمها
ووقع في الأحكام لابن الطلاع أنها خولة بنت حكيم أو أم شريك وهذا نقل من اسم
الواهبة الواردة في قوله تعالى { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } صلى الله
عليه وآله وسلم ولكن هذه غيرها . قوله " وهبت نفسي " هو على ذف مضاف أي
امر نفسي لأن رقبة الحر لا تملك قوله " فقام رجل " قال الحافظ لم أقف
على اسمه ووقع في رواية للطبراني فقام رجل أحسبه من الأنصار . قوله " ولو
خاتما " وفي رواية " ولو خاتم " بالرفع على تقدير حصل . ولو في
قوله ولو خاتما تعليلية . قال عياض ووهم من زعم خلاف ذلك ووقع في رواية عند الحاكم
والطبراني من حديث سهل زوج رجلا بخاتم من حديد فصه فضة . قوله " هل معك من
القرآن شيء " المراد هنا بالمعية الحفظ عن ظهر قلبه . وقد وقع في رواية
" أتقرؤهن على ظهر قلبك " بعد قوله سورة كذا ومعي سورة كذا وكذلك في
رواية الثوري عند الإسماعيلي بلفظ " قال عن ظهر قلبك قال نعم " . قوله
" سورة كذا وسورة كذا " وقع في رواية من حديث أبي هريرة " سورة
البقرة أو التي تليها " كذا عند أبي داود والنسائي ووقع في حديث ابن مسعود
" نعم سورة البقرة وسورة من المفصل " وفي حديث ضميرة " زوج صلى
الله عليه وآله وسلم رجلا على سورة البقرة لم يكن عنده شيء " وفي حديث أبي أمامة
" زوج صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من أصحابه امرأة على سورة من المفصل
جعلها مهرا وأدخلها عليه وقال علمها " وفي حديث أبي هريرة " فعلمها
عشرين آية وهي امرأتك " وفي حديث ابن عباس " أزوجها منك على أن تعلمها
أربع أو خمس سور من كتاب الله " وفي حديث ابن عباس وجابر " هل تقرأ من
القرآن شيئا قال نعم إنا أعطيناك الكوثر قال اصدقها اياها " قال الحافظ ويجمع
بين هذه الألفاظ بأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض أو أن القصص متعددة ( والحديث
يدل ) على جواز جعل المنفعة صداقا ولو كانت تعليم القرآن قال المازري هذا ينبني
على أن الباء للتعويض كقولك بعتك ثوبي بدينا وقال وهذا هو الظاهر وإلا لو كانت
بمعنى اللام على معنى تكرمه لكونه حاملا للقرآن لصارت المرأة بمعنى الموهوبة
والموهوبة خاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقال الطحاوي والأبهري وغيرهما بأن هذا خاص بذلك الرجل لكون النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كان يجوز له نكاح الواهبة فكذلك يجوز له إنكاحها من شاء بغير صداق
واحتجوا على هذا بمرسل أبي النعمان المذكور لقوله فيه " لا يكون لأحد بعدك
مهر " وأجيب عنه بما تقدم من إرساله وجهالة بعض رجال اسناده . وأخرج أبو داود
من طريق مكحول قال ليس هذا لأحد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرج أبو
عوانة من طريق الليث بن سعد نحوه ولا حجة في أقوال التابعين قال عياض يحتمل قوله
بما معك من القرآن وجهين أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو مقدارا معينا منه
ويكون ذلك صداقها وقد جاء هذا التفسير عن مالك ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة
فعلمها من القرآن وعين في حديث أبي هريرة مقدار ما يعلمها وهو عشرون آية ويحتمل أن
تكون الباء بمعنى اللام أي لأجل ما معك من القرآن فأكرمه بأن زوجه المرأة بلا مهر
لأجل كونه حافظا للقرآن أو لبعضه ونظيره قصة أبي طلحة مع أم سليم فقالت والله ما
مثلك يرد ولكنك كافر وأ ا مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذلك مهري ولا
أسألك غيره فكان ذلك مهرها " وأخرج النسائي أيضا نحوه من طريق أخرى ويؤيده
الاحتمال الأول ابن أبي شيبة والترمذي من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم سأل رجلا من أصحابه يا فلان هل تزوجت قال لا وليس عندي ما أتزوج به قال
أليس معك قل هو الله أحد " وأجاب بعضهم عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم زوجها أياه لأجل ما معه من القرآن الذي حفظه وسكت عن المهر فيكون ثابتا
في ذمته إذا أيسر كنكاح التفويض ويؤيده ما في حديث ابن عباس حيث قال فيه فإذا رزقك
اللع فعوضها قال في الفتح لكنه غير ثابت وأجاب البعض باحتمال أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم زوجه لأجل ما حفظه من القرآن وأصدق عنه كما كفر عن الذي واقع امرأه
في رمضان ويكون ذكر القرآن وتعليمه على سبيل التحريض على تعلم القرآن وتعليمه
والتنويه بفضل أهله وأجيب بما تقدم من التصريح بجعل التعليم عوضا . وقد ذهب إلى
جواز جعل المنفعة صداقا الشافعي وإسحاق والحسن بن صالح وبه قالت العترة وعند
المالكية فيه خلاف ومنعه الحنفية في الحر وأجازوه في العبد إلا في الإجارة في
تعليم القرآن فمنعوه مطلقا بناء على أصلهم في أن أخذ الأجرة على تعلم القرآن لا
يجوز وقد تقدم الكلام على ذلك وقد نقل القاضي عياض جواز الاستئجار لتعليم القرآن
عن العلماء كافة إلا الحنفية وقال ابن العربي من العلماء من قال زوجه علي أن
يعلمها من القرآ فكأنها كانت إجارة وهذا كرهه مالك ومنعه أبو حنيفة . وقال ابن
القاسم يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده قال والصحيح جوازه بالتعليم . وقال القرطبي
قوله علمها نص في الأمر بالتعليم والسياق يشهد بأن ذلك لأجل النكاح فلا يلتفت لقول
من قال أن ذلك كان إكراما للرجل ولا مساقا ( وفي الحديث ) فوائد منها ثبوت ولاية
الإمام على المرأة التي لا قريب لها وقد أطال الكلام على ما يتعلق بالحديث من
فوائد في الفتح وذكر أكثر من ثلاثين فائدة فمن أحب الوقوف على ذلك فليرجع إليه
باب من تزوج ولم يسم صداقا
- عن
علقمة قال أتى عبد الله في امرأة تزوجها رجل ثم مات عنها ولم يفرض لها صداقا ولم
يكن دخل بها قال فاختلفوا إليه فقال أرى لها مثل مهر نسائها ولها الميراث وعليها
العدة فشهد معقل بن سنان الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في بروع
ابنة واشق بمثل ما قضى "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي
- الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان وصححه أيضا ابن مهدي . وقال ابن حزم لا مغمرز [ مغمز ؟ ؟ ] فيه لصحة إسناده وقال الشافعي لا أحفظه من وجه يثبت مثله ولو ثبت حديث بروع لقلت به وقد قيل ان في راوي الحديث اضطرابا فروي مرة عن مقعل بن سنان ومرة عن رجل من أشجع أو ناس من أشجع وقيل غير ذلك : قال البيهقي قد سمي فيه ابن سنان وهو صحابي مشهور والاختلاف فيه لا يضر فإن جميع الروايات فيه صحيحة وفي بعضها ما دل على أن جماعة من أشجع شهدوا بذلك . وقال ابن أبي حاتم قال أبو زرعة الذي قال معقل بن سنان أصح وروى الحاكم في المستدرك عن حرملة بن يحيى أنه قال شيخنا أبو عبيد الله لوحضرت الشافعي لقمت على رؤوس الناس وقلت بن عامر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوج امرأة رجلا فدخل بها ولم يفرض لها صداقها فحضرته الوفاة فقال أشهدكم ان سهمي بخيبر لها ( والحديث ) فيه دليل على أن المرأة تستحق بموت زوجها بعد العقل قبل فرض الصداق جميع المهر وان لم يقع منه دخول ولاخلوة وبه قال ابن مسعود وابن سيرين وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأحمد . وعن علي عليه السلام وابن عباس وابن عمر ومالك والأوزاعي والليث والهادي وأحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن القاسم أنها لا تستحق إلا الميراث فقط ولا تستحق مهرا ولامتعة لأن المتعة لم ترد إلا للمطلقة والمهر عن الوطء ولم يقع من الزوج وأجابوا عن حديث الباب بالاضطراب ورد بما سلف قالوا روي عن علي أنه قال لا نقبل قول أعرابي بوال على عقبيه فيما يخالف كتاب الله وسنة نبيه ورد بأن ذلك لم يثبت عنه من وجه صحيح ولم سلم ثبوته فلم ينفرد بالحديث معقل المذكور بل روى من طريق غيره بل معه الجراح كما وقع عند أبي داود والترمذي وناس من أشجع كما سلف وأيضا الكتاب والسنة إنما نفيا مهر المطلقة قبل المس والفرض لا مهر من مات عنها زوجها وأحكام الموت غير أحكام الطلاق . وفي رواية عن القاسم أن لها المتعة : قوله " ولها الميراث " هو مجمع على ذلك كما في البحر وإنما اتفق على أنها تستحقه لأنه يجب لها بالعقد إذ هو سببه لا الوطء : قوله " بروع " قال في القاموس كجدول ولا يكسر بنت وأشق صحابية وفي المغني بفتح الباء عند أهل اللغة وكسرها عند أهل الحديث
باب تقدمة شيء من المهر قبل الدخول والرخصة في تركها
1 -
عن ابن عباس " قال لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أعطها شيئا قال عندي شيء قال أين درعك الحطمية "
- رواه أبو داود والنسائي . وفي رواية " أن عليا لما تزوج فاطمة أراد أن يدخل
بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعطيها شيئا فقال يا رسول الله
ليس لي شيء فقال له أعطها درعك الحطمية فأعطاها درعه ثم دخل بها " رواه أبو
داود وهو دليل على جواز الامتناع من تسليم المرأة ما لم تقبض مهرها
2 -
وعن عائشة قالت " أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أدخل امرأة على
زوجها قبل أن يعطيها شيئا "
- رواه أبو داود وابن ماجه
- حديث ابن عباس صححه الحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري والرواية الثانية منه هي في سنن أبي داود عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل عن ابن عباس كما في الرواية الأولى . وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري إلا أن أبا داود قال خثيمة لم يسمع من عائشة انتهى . وفي شريك مقال . وقال البيهقي وصله شريك وأرسله غيره ( وقد استدل ) بحديث ابن عباس من قال أنه يجوز الامتناع من تسليم المرأة حتى يسلم الزوج مهرها وكذلك للمرأة الامتناع حتى يسمي الزوج مهرها وقد تعقب بأن المرأة إذا كانت قد رضيت بالعقد بلا تسمية أو أجازته فقد نفذ وتعين به مهر المثل ولم يثبت لها الامتناع وإن لم يكن رضيت به بغير تسمية ولا إجازة فلا عقد رأسا فضلا عن الحكم بجواز الامتناع وكذلك يجوز للمرأة أن تمتنع حتى يعين الزوجمهرها ثم حتى يسلمه قيل وظاهر الحديث أن المهر لم يكن مسمى عند العقد وتعقب بأنه يحتمل أنه كان مسمى عند العقد ووقع التأجيل به ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم أمره بتقديم شيء منه كرانة للمرأة وتأنيسا . وحديث عائشة المذكور يدل على أنه لا يشترط في صحة النكاح أن يسلم الزوج إلى المرأة مهرها قبل الدخول ولا أعرف في ذلك خلافا . قوله " الحطمية " بضم الحاء المهملة وفتح الطاء المهملة أيضا منسوبة إلى الحطم سميت بذلك لأنها تحطم السيوف وقيل منسوبة إلى بطن من عبد قيس يقال له حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع كذا في النهاية
باب حكم هدايا الزوج للمرأة وأوليائها
1 -
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال
إيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد
العصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما يكرم عليه الرجل ابنته وأخته "
- رواه الخمسة إلا الترمذي
- الحديث سكت عنه أبو داود وأشار المنذري إلى أنه من رواية عمرو بن شعيب وفيه مقال معروف قد تقدم بيانه في أوائل هذا الشرح ومن دون عمرو بن شعيب ثقات وفيه دليل على أن المرأة تستحق جميع ما يذكر قبل العقد من صداق أو حباء وهو العطاء أو عدة بوعد ولو كان ذلك الشيء مذكورا لغيرها وما يذكر بعد عقد النكاح فهو لمن جعل له سواء كان وليا أو غير ولي أو المرأة نفسها . وقد ذهب إلى هذا عمر بن عبد العزيز والثوري وأبو عبيد ومالك والهادوية . وقال أبو يوسف أن ذكر قبل العقد لغيرها استحقه . وقال الشافعي إذا سمي لغيرها كانت التسمية فاسدة وتستحق مهر المثل وقد وهم صاحب الكافي فقالف أنه لم يقل بالقول الأول إلا الهادي وإن ذلك القول خلاف الإ ] ماع قال والصحيح أن ما شرطه الولي لنفسه سقط وعليه عامة السادة والفقهاء وقد عرفت من قال بذلك وأنه الظاهر من الحديث . قوله " وأحق ما يكرم عليه " الخ فيه دليل على مشروعية صلة أقارب الزوجة وإكرامهم والإحسان إليهم وأن ذلك حلال لهم وليس من قبيل الرسوم المحرمة إلا أن يمتنعوا من التزويج إلا به
كتاب الوليمة والبناء على النساء وعشرتهن
باب استحباب الوليمة بالشاة فأكثر وجوازها بدونها
1 - قال صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الرحمن " أولم ولو بشاة "
2 -
وعن أنس قال " ما أولم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على شيء من نسائه ما
أولم على زينب أولم بشاة "
- متفق عليه
3 -
وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولم على صفية بتمر وسويق "
- رواه الخمسة إلا النسائي
4 -
وعن صفية بنت شيبة أنها " قالت أولم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بعض
نسائه بمدين من شعير "
- أخرجه البخاري هكذا مرسلا
5 -
وعن أنس في قصة صفية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل وليمتها التمر
والأقط والسمن "
- رواه أحمد ومسلم . وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام بين
خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني بصفية فدعون المسلمين إلى وليمنته ما كان فيها من
خبز ولا لحم وما كان فيها الا أن أمر بالأنطاع فالقي عليها ما كان فيها من خبز ولا
لحم وما كان فيها إلا أن أمر بالإنطاع فبسطت فالقي عليها التمر والأقط والسمن فقال
المسلمون إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه فقالوا أن حجبها فهي إحدى أمهات
المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب
" متفق عليه
حديث " أولم ولو بشاة " قد تقدم في أول كتاب الصداق . وحديث أنس الثاني
أخرجه أيضا ابن حبان . قوله " أولم " قال الأزهري الوليمة مشتقة من
الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان . وقال ابن الأعرابي أصلها تمام الشيء
واجتماعه وتقع على كل طعام يتخذ لسرور وتستعمل في وليمة الأعراس بلا تقييد وفي
غيرها مع التقييد فيقال مثلا وليمة مأدبة هكذا . قال بعض الفقهاء وحكاه في الفتح
عن الشافعي وأصحابه وحكى ابن عبد البر عن أهل اللغة وهو المنقول عن الخليل وثعلب
وبه جزم الجزهري وابن الأثير أن الوليمة هي الطعام في العرس خاصة قال ابن رسلان
وقول أهل اللغة أقوى لأنهم اللسان وهو أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب
انتهى . ويمكن أن يقال الوليمة في اللغة وليمة العرس فقط وفي الشرع للولائم
المشروعة . وقال في القاموس طعام العرس أوكل طعام صنع لدعوة وغيرها وأولم صنعها .
وقال صاحب المحكم الوليمة طعام العرس والأملاك وسيأتي تفسير الولائم وظاهر الأمر
الوجوب وقد روى القول به القرطبي عن مذهب مالك وقال مشهور المذهب أنها مندوبة وروى
ابن التين الوجوب أيضا عن مذهب مالك وقال مشهور المذهب أنها مندوبة وروى ابن التين
الوجوب أيضا عن مذهب أحمد لكن الذي في المغنى أنها سنة وكذلك حكي الوجوب في البحر
عن أحد قولي الشافعي وحكاه ابن الحزم عن أهل الظاهر وقال سليم الرازي أنه ظاهر نص
الأم ونقله أبو إسحاق الشيرازي عن النص وحكاه في الفتح أيضا عن بعض الشافعية وبهذا
يظهر ثبوت الخلاف في الوجوب لا كما قال ابن بطال ولا أعلم أحدا أوجبها وكذا قال
صاحب المغني ومن جملة ما استدل به من أوجبها ما أخرجه الطبراني من حديث وحشي بن
حرب رفعه " الوليمة حق " وفي مسلم " شر الطعام طعام الوليمة ثم قال
وهو حق " وفي رواية لأبي الشيخ والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رفعه
" الوليمة حق وسنة فمن دعى إليها فلم يجب فقد عصى " وأخرج أحمد من حديث
بريدة قال لما خطب على فاطمة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا بد
للعروس من وليمة قال الحافظ وسنده لا بأس به قال ابن بطال قوله حق أي ليست بباطل
بل يندب إليها وهي سنة فضيلة وليس لمراد بالحق الوجوب وأيضا هو طعام لسرور حادث
فأشبه سائر الأطعمة والأمر محمول على الاستحباب ولكونه أمر بشاة وهي غير واجبة
اتفاقا . قال في الفتح وقد اختلف السلف وفي وقتها هل هو عند العقد أو عقبة أو عند
الدخول أو عقبة أو يوسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول على أقوال قال النووي
اختلفوا فحكي القاضي عياض أن الأصح عند المالكية استحبابها بعد الدخول وعن جماعة
منهم عند العقد . وعن ابن جندب عند العقد وبعد الدخول قال السبكي والمنقول من فعل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أ ها بعد الدخول انتهى . وفي حديث أنس عند البخاري
وغيره التصريح بأنها بعد الدخول لقوله أصبح عروسا بزينب فدعا القوم : قوله "
ولو بشاة " لو هذه ليست إلا متناعية وإنما هي التي للتقليل ( وفي الحديث )
دليل على أن الشاة أقل ما يجزي في الوليمة عن الموسر ولولا ثبوت أنه صلى الله عليه
وآله وسلم أو لم على بعض نسائه بأقل من الشاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة
أقل ما يجزي في الوليمة مطلقا ولكن هذا الأمر من خطاب الواحد وفي تناوله لغيره
خلاف في الأصول معروف
قال القاضي عياض وأجمعوا على أنه لأحد لأكثر ما يولم به وأما أقله فكذلك ومهما
تيسير أجزأ والمستحب أنها على قدر حال الزوج : قوله " ما أولم النبي صلى الله
عليه وآله وسلم على شيء من نسائه " الخ هذا محمول على ما انتهى إليه علم أنس
أو لما وقع من البركة في وليمتها حيث أشبع خبزا ولحما من الشاة الواحدة وإلا فالذي
يظهر أنه أو لم على ميمونة بنت الحرث التي تزوجها في عمرة القضية بمكة وطلب من أهل
مكة أن يحضروا وليمتها فامتنعوا أن يكون ما أولم به عليها أكثر من شاة لوجود
التوسعة عليه في تلك الحال لأن ذلك كان بعد فتح خيبر وقد وسع الله على المسلمين في
فتحها عليهم هكذا في الفتح وما ادعاه من الظهور ممنوع لأن كونه دعا أهل مكة لا يستلزم
أن تكون تلك الوليمة بشاة أو بأكثر منها بل غايته أن يكون فيها طعام كثير يكفي من
دعاهم مع أنه يمكن أن يكون في تلك الحال الطعام الذي دعاهم إليه قليلا ولكنه يكفي
الجميع بتبريكه صلى الله عليه وآله وسلم عليه فلا تدل كثرة المدعوين على كثرة
الطعام ولا سيما وهو في تلك الحال مسافر فإن السفر مظنة لعدم التوسعة في الوليمة
الواقعة فيه فيعارض هذا مظنة التوسعة لكون الوليمة واقعة بعد فتح خيبر . قال ابن
بطال لم يقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم القصد إلى تفضيل بعض النساء على بعض
بل باعتبار ما اتفق وأنه لو وجد الشاة في كل منهن لأولم بها لأنه كان أجود الناس
ولكن كان لا يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق وقال غيره يجوز أن يكون فعل
ذلك لبيان الجواز وقال الكرماني لعل السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها كان
الشكر لله على ما أنعم به عليه من تزويجه أياها بالوحي . وقال ابن المنير يؤخذ من
تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعضهن دون بعض في الأتحاف
والألطاف : قوله " وعن صفية بنت شيبة " صفية هذه ليست بصحابية وحديثها
مرسل وقد رواه البعض عنها عن عائشة ورجح النسائي قوله من لم يقل يقل عن عائشة
ولكنه قد روى البخاري عنها في كتاب الحج أنها قالت " سمعت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم " وقد ضعف ذلك المزي بأنه مروى من طريق أبان بن صالح زكذلك
صرح بتضعيفه ابن عبد البر في التمهيد ويجاب بأنه قد وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو
زرعة وغيرهم حتى قال الذهبي في مختصر التهذيب ما رأيت أحدا ضعف إبان بن صالح ومما
يدل على ثبوت صحبتها ما أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديثها " قالت طاف النبي
صلى الله عليه وآله وسلم على بعير يستلم الحجر بمحجن وأنا أنظر إليه " قال
المزي هذا يضعف قول من أنكر أن يكون لها رؤية فإن إسناده حسن فيحتمل أن يكون مراد من
أطلق أنه مرسل يعني من مراسيل الصحابة لأنها ما حضرت قصة زواج المرأة المذكورة في
الحديث لأنها كانت بمكة طفلة أو لم تولد بعد والتزوج كان بالمدينة قوله " على
بعض نسائه " قال الحافظ لم أقف على تعيين اسمها صريحا وأقرب ما يفسر به أم
سلمة فقد أخرج ابن سعد عن شيخة الواقدي بسنده إلى أم سلمة " قالت لما خطبني
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر قصة تزويجه قالت فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة
فإذا جرة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئا من إهالة
فادمته فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
وأخرج ابن سعد أيضا بإسناد صحيح إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث إن أم سلمة
أخبرته فذكرت قصة خطبتها وقصة الشعير : قوله " يبني بصفية " أصله يبنى
خباء جديدا مع صفية أو بسببها ثم استعمل البناء في الدخول بالزوجة يقال بني الرجل
بالمرأة أي دخل بها ( وفيه دليل ) على أنها تؤثر المرأة الجديدة ولو في السفر :
قوله " التمر والأقط والسمن " هذه الأمور الثلاثة إذا خلط بعضها بعض
سميت حيسا : قوله " بالانطاع " جمع نطع بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء
واسكانها أفصحهن كسر النون مع فتح الطاء والأقط بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن
بعدها طاء مهملة وقد تقدم تفسيره في الفطرة وفي هذه القصة دليل على اختصاص الحجاب
بالحرائر من زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم لجعل الصحابة رضي الله عنهم الحجاب
أمارة كونها حرة
باب إجابة الداعي
1 -
عن أبي هريرة قال " شر الطعام طعام الوليمة تدعي لها الأغنياء وتترك الفقراء
ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله "
- متفق عليه . وفي رواية قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شر
الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب فقد عصي
الله ورسوله " رواه مسلم
2 -
وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أجيبوا هذه الدعوة إذا
دعيتم لها وكان ابن عمر يأتي الدعوة في العرص وغير العرس ويأتيها وهو صائم "
- متفق عليه . وفي رواية " إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها " متفق
عليه ورواه أبو داود وزاد " فإن كان مفطر فليطعم وإن كان صائما فليدع "
وفي رواية " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من دعى فلم يجب فقد عصى
الله لفظ " إذا دعا أحدكم أخاه فليجب " رواه أحمد ومسلم وأبو داود . وفي
لفظ " إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " وفي لفظ " من دعى إلى
عرس أو نحوه فليجب " رواهما مسلم وأبو داود
3 -
وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعى أحدكم إلى
طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه وقال فيه " وهو صائم "
4 -
وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعى أحدكم فليجب
فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود . وفي لفظ " إذا دعي أحدكم إلى الطعام وهو صائم
فليقل أني صائم " رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي
5 -
وعن أبي هريرة عن " النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعى أحدكم إلى الطعام
فجاء مع الرسول فذلك له أذن "
- رواه أحمد وأبو داود
-
الرواية التي أنفرد بها أبو داود بلفظ " ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا
" الخ في إسنادها أبان بن طارق البصرى سئل عنه أبو زرعة الرازي فقال شيخ
مجهول وقال أبو أحمد بن عدي وابان بن طارق لا يعرف الا بهذا الحديث وهذا الحديث
معروف به وليس له أنكر من هذا الحديث . وفي إسناده أيضا درست بن زياد ولا يحتج
بحديثه ويقال هو درست بن حممزة وقيل بل هما أثنان ضعيفان . وحديث أبي هريرة الآخر
رجال إسناده ثقات لكنه قال أبو داود يقال قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئا . قوله
" شر الطعام طعام الوليمة " إنما سماه شرا لما ذكره عقبه فكأنه قال شر
الطعام الذي شأنه كذا . وقال الطيبي اللام في الوليمة للعهد إذ كان من عادة
الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء وقوله " يدعي " الخ استنئاف
وبيان لكونها شر الطعام وقال البيضاوي من مقدرة كما يقال شر الناس من أكل وحده أي
من شرهم : قوله " تدعى " الخ الجملة في موضع الحال . ووقع في رواية
للطبراني من حديث ابن عباس " بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان
ويحبس عنه الجيعان " قوله " فقد عصى الله ورسوله " احتج بهذا من
قال بوجوب الإجابة إلى الوليمة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب وقد نقل
ابن عبد البر والقاضي عياض والنووي الاتفاق على وجوب الإجابة لوليمة العرس . قال
في الفتح وفيه نظر نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب وصرح جمهور الشافعية
والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك . وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة
وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب وعن بعض الشافعية والحنابلة هي فرض كفاية .
وحكى في البحر عن العترة والشافعية أن الإجابة إلى وليمة العرس مستحبة كغيرها ولم
يحك الوجوب إلا عن أحد قولي الشافعي فانظركم التفاوت بين من حكى الإجماع على
الوجوب وبين من لم يحكه إلا عن قول لبعض العلماء الظاهر الوجوب للأوامر الواردة
بالإجابة من غير صارف لها عن الوجوب ولجعل الذي لم يجب عاصيا وهذا في وليمة شرعا
كما سلف في أول الباب كانت الإجابة إليها واجبة " لا يقال " ينبغي حمل
مطلق الوليمة على الوليمة المقيدة بالعرس كما وقع في رواية حديث ابن عمر المذكور
بلفظ " إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " ( لانا نقول ) ذلك غير ناتج
للتقييد لما وقع في الرواية المتعقبة لهذه الرواية بلفظ من دعى إلى عرس أو نحوه
وأيضا قوله " من لم يجب الدعوة فقد عصيي الله " يدل على وجوب الإجابة
إلى غير وليمة العرس . قال في الفتح وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة وهي بفتح
الدال على المشهور وضمها قطرب في مثلثاته وغلطوه في ذلك على ما قال النووي . وقال
في الفتح أيضا في باب آخر والذي يظهر من اللام في الدعوة للعهد من الوليمة
المذكورة أولا . قال وقد تقدم أن الوليمة إذا اطلقت حملت على طعام العرس بخلاف
سائر الولائم فإنها تقيد انتهى . ويجاب أولا بأن هذا مصادرة على المطلوب لأن
الوليمة المطلقة هي محل النزاع وثانيا بأن في أحاديث الباب ما يشعر بالإجابة إلى
كل دعوة ولا يمكن فيه ما ادعاه في الدعوة وذلك نحو ما في رواية ابن عمر بلفظ
" من دعى فلم يجب فقد عصى الله " وكذلك قوله " من دعى إلى عرص أو
نحوه فليجب " وقد ذهب إلى وجوب الإجابة مطلقا بعض الشافعية ونقله عبد البر عن
عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة وزعم ابن حزم أنه قال جمهور الصحابة
والتابعين
وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور
الشافعية وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع وحكاه البحر عن العترة ولكن الحق ما
ذهب إليه الأولون لما عرفت قال في الفتح بعد أن حكى وجوب الإجابة إلى وليمة العرس
إن شرط وجوبها أن يكون الداعي مكلفا حرا رشيدا وأن لا يختص الأغنياء دون الفقراء
وأن لا يظهر قصد التودد لشخص لرغبة فيه أو رهبة منه وأن يكون الداعي مسلما على
الأصح وأن يختص باليوم الأول وعلى المشهور وأن لا يسبق فمن سبق تعينت الإجابة له
دون الثاني وأن لا يكون هناك ما يتأذى بحضوره من منكر أو غيره وأن لا يكون له عذر
وسيأتي البحث عن أدلة هذه الأمور إن شاء الله تعالى : قوله " دخل سارقا وخرج
مغيرا " بضم الميم وكسر الغين المعجمة اسم فاعل من أغار يغير إذا نهب مال
غيره فكأنه شبه دخوله على الطعام الذي لم يدع إليه بدخول السارق الذي يدخل بغير
أرادة المالك لأنه اختفى بين الداخلين وشبه خروجه بخروج من نهب قوما وخرج ظاهرا
بعد ما أكل بخلاف الدخول فإنه دخل مختفيا خوفا من أن يمنع وبعد الخروج قد قضي
حاجته فلم يبق له حاجة إلى التستر " قوله فإن شاء طعم " بفتح الطاء وكسر
العين أي أكل . قوله " وإن شاء ترك " فيه دليل على إن نفس الأكل لا يجب
على المدعي في عرس أو غيره وإنما الواجب الحضور وصحح النووي وجوب الأكل ورجحه أهل
الظاهر ولعل متمسكه ما في الرواية الأخرى من قوله " وإن كان مفطرا فليطعم
" قوله " فإن كان صائما فليصل " وقع في رواية هشام بن حسان في آخره
والصلاة الدعاء ويؤيده ما وقع عند أبي داود من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر
بن نافع في آخر الحديث المرفوع " فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليدع
" وهو يرد قول بعض الشراح أنه محمول على ظاهره وإن المراد فليشتغل بالصلاة
ليحصل له فضلها ويحصل لأهل المنزل والحاضرين بركتها ويرده أيضا حديث " لا
صلاة بحضرة طعام " ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجب الحضور على الصائم ولا
يجب عليه الأكل ولكن هذا بعد أن يقول للداعي أني صائم ما في الرواية الأخرى فإن
عذره من الحضور بذلك وإلا حضر وهل يستحب له أن يفطر ان كان صومه تطوعا قال أكثر
الشافعية وبعض الحنابلة إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالأفضل الفطر وإلا
فالصوم واطلق الروباني استحباب الفطر وهذا على رأي من يجوز الخروج من صوم النفل
وأما من يوجب الأستمرار فيه بعد التلبس به فلا يجوز قوله " فذلك أذن له
" فيه دليل على أنه لا يجب الأستئذان على المدعو إذا كان معه رسول الداعي وإن
كون الرسول معه بمنزلة الأذن
باب ما يصنع إذا اجتمع الداعيان
1 -
عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال
" إذا أجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإذا
سبق أحدهما فأجب الذي سبق "
- رواه أحمد وأبو داود
2 -
وعن عائشة " أنها سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت إن لي جارين فإلى
أيهما أهدي فقال إلى أقربهما منك بابا "
- رواه أحمد والبخاري
- الحديث الأول في إسناده أبو خالد يزيد بن عبد الرحمن المعروف بالدالاني وقد وثقه أبو حاتم الرازي وقال الإمام أحمد لا بأس به . وقال ابن معين ليس به بأس . وقال ابن حبان لا يجوز الأحتجاج به . وقال ابن عدي في حديثه لين الا أنه يكتب حديثه وحكى عن شريك أنه قال كان مرجئا وقال في التلخيص إن إسناد هذا الحديث ضعيف ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من رواية حميد بن عبد الرحمن عن أبيه وقد جعل الحافظ حديث عائشة المذكور شاهدا للحديث الأول ووجه ذلك إن ايثار الأقرب بالهدية يدل على أنه أحق من الأبعد في الإحسان إليه فيكون أحق منه بإجابة دعوته مع اجتماعهما في وقت واحد فإن تقدم أحدهما كان أولى بالإجابة من الآخر سواء كان السابق هو الأقرب أو الأبعد فالقرب وإن كان سببا للإيثار ولكنه لا يعتبر الا مع عدم السبق فإن وجد السبق فلا اعتبار بالقرب فإن وقع الأستواء في قرب الدار وبعدها مع الأجتماع في الدعوة فقال الإمام يحيى يقرع بينهما وقد قيل أن من مرجحات الإجابة لأحد الداعيين كونه رحما أو من أهل العلم أو الورع أو القرابة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم
باب إجابة من قال لصاحبه ادع من لقيت وحكم الإجابة في اليوم الثاني والثالث
1 -
عن أنس قال " تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل بأهله فصنعت أمي أم
سليم حيسا فجعلته في تور فقالت يا أنس أذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فذهبت به قال ضعه ثم قال أذهب فادع لي فلانا وفلانا ومن لقيت فدعوت من سمي
ومن لقيت "
- متفق عليه ولفظه لمسلم
- قوله " حيسا " بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها سين مهملة وهو ما يتخذ من الأقط والسمن وقد يجعل عوض الأقط الدقيق . قوله " في تور " يفتح الفوقية وسكون الواو وآخره راء مهملة وهو إناء من نحاس أوغيره ( والحديث ) فيه دليل على جواز الدعوة إلى الطعام على الصفة التي أمر بها صلى الله عليه وآله وسلم من دون تعيين المدعو وفيه جواز إرساله الصغير إلى من يريد المرسل دعوته إلى طعامه وقبول الهدية من المرأة الأجنبية ومشروعية هدية الطعام وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه قد روى إن ذلك الطعام كفى جميع من حضر إليه وكانوا جميعا كثيرا مع كونه شيئا يسيرا كما يدل على ذلك قوله فجعلته في تور وكون الحامل له ذلك الصغير
2 -
وعن قتادة عن الحسن عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف يقال أن له معروفا
وأثني عليه قتادة إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه قال " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوليمة أول يوم حق واليوم الثاني معروف واليوم
الثالث سمعة ورياء "
- رواه أحمد وأبو داود ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود وابن ماجه من حديث أبي
هريرة
- الحديث الأول أخرجه أيضا النسائي والدارمي والبزار وأخرجه البغوي في معجم الصحابة فيمن اسمه زهير قال ولا أعلم له غيره وقال ابن عبد البر في إسناده نظر يقال أنه مرسل وليس له غيره وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير في ترجمة زهير بن عثمان وقال لا يصح إسناده ولا يعرف له صحبة ووهم ابن قانع فذكره في الصحابة فيمن اسمه معروف وذلك أنه وقع في السنن والسمند عن رجل من ثقيف كان يقال له معروفا أي يثني عليه وحديث ابن مسعود استغر به الترمذي . وقال الدارقطني تفرد به زياد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه قال الحافظ وزياد مختلف في الأحتجاج به ومع ذلك فسماعه عن عطاء بعد الأختلاط . وحديث أبي هريرة في في إسناده عبد الملك بن حسين النخعي الواسطي قال الجافظ ضعيف وفي الباب عن أنس عند البيهقي وفي إسناده بكر بن خنيس وهو ضعيف وذكر ابن أبي حاتم والدارقطني في العلل من حديث الحسن عن أنس ورجحا رواية من أرسله عن الحسن ( وفي الباب ) أيضا عن وحشي بن حرب عند الطبراني بإسناد ضعيف وعن ابن عباس عنده أيضا بإسناد كذلك ( الحديث ) فيه دليل على مشروعية الوليمة في اليوم الأول وهو من متمسكات من قال بالوجوب كما سلف وعدم كراهتها في اليوم الثاني لأنها معروف والمعروف ليس بمنكر ولا مكروه وكراهتها في اليوم الثالث لأن الشيء إذا كان للسمعة والرياء لم يكن حلالا . قال النووي إذا أولم ثلاثا فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة وفي الثاني لا تجب قطعا ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأول انتهى . وذهب بعض العلماء إلى الوجوب في اليوم الثاني وبعضهم إلى الكراهة وإلى كراهة الإجابة في اليوم الثالث ذهبت الشافعية والحنابلة والهادوية وأخرج ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام فلما كان يوم الانصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان أبي صائما فلما طعموا دعا أبي . وأخرجه عبد الرزاق وقال فيه ثمانية أيام . وقد ذهب إلى استحباب الدعوة إلى سبعة أيام المالكية كما حكى ذلك القاضي عياض عنهم وقد أشار البخاري إلى ترجيح هذا المذهب فقال باب إجابة الوليمة والدعوة ومن أولم سبعة أيام ولم يؤقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما ولا يومين انتهى ولا يخفى أن أحاديث الباب يقوى بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها على أن الدعوة بعد اليومين مكروهة
باب من دعي فرأى منكرا فلينكره وإلا فليرجع
1 - قد سبق قوله " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه "
2 -
وعن علي رضي الله عنه قال " صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع "
- رواه ابن ماجه
3 -
وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مطعمين عن
الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منبطح "
- رواه أبو داود
4 -
وعن عمر قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر ومن كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بازار ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا دخل
الحمام "
- رواه أحمد . ورواه البخاري بمعناه من رواية جابر وقال حديث حسن غريب قال أحمد
وقد خرج أبو أيوب حين دعاه ابن عمر فرأي البيت قد ستر ودعي حذيفة فخرج وإنما رأى
شيئا من زي الأعاجم . قال البخاري ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع
-
الحديث الأول الذي أشار المصنف إليه قد سبق في باب خطبة العيد وأحكامها من كتاب
العيدين . وحديث علي أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح وسياقه هكذا حدثنا
أبو كريب قال حدثنا وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي
فذكره . وتشهد له أحاديث قد تقدمت في الباب حكم مافيه صورة من الثياب من كتاب
اللباس . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا النسائي والحاكم وهو من رواية جعفر بن برقان عن
الزهري ولم يسمع منه وقد أعل الحديث بذلك أبو داود والنسائي وأبو حاتم ولكنه قد
روى أحمد والنسائي والترمذي والحاكم عن جابر مرفوعا " من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر " وأخرجه أيضا الترمذي من
طريق ليث بن أبي سليم عن طاوس عن جابر . وهذا الحديث هو الذي أشار إليه المصنف وقد
حسنه الترمذي وقال الحافظ جيد . وأما الطريق الأخرى التي أنفرذ بها الترمذي
فإسنادها ضعيف . وأخرج نحوه البزار من حديث أبي سعيد والطبراني من حديث ابن عباس
وعمران بن حصين . وحديث عمر إسناده ضعيف كما قاله الحافظ في التلخيص وأثر أبي أيوب
رواه البخاري في صحيحه معلقا بلفظ " ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت
سترا فقال غلبنا عليه النساء فقال من كنت أخشي عليه فلم أكن أخشى عليك والله لا
أطعم لكم طعاما فرجع " وقد وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده والطبراني
وأثر ابن مسعود قال الحافظ كذا في رواية المستملى والأصيلي والقابسي . وفي رواية
الباقين أبو مسعود والأول تصحيف فيما أظن فأني لم أر الأثر المعلق الا عن أبي
مسعود عقبة بن عمرو أخرجه البيهقي من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي
مسعود وسنده صحيح وخالد بن سعد هومولى أبي مسعود الأنصاري ولا أعرف له عن عبد الله
بن مسعود رواية ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أضا لكن لم أقف عليه .
وأخرج أحمد في كتاب الزهد من طريق عبد الله بن عتبة قال " دخل ابن عمر بيت
رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور فقال ابن عمر يافلان متى تحولت الكعبة
في بيتك فقال لنفر معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليهتك كل رجل ما
يليه " ( وأحاديث ) الباب وآثاره فيها دليل على أنه لا يجوز الدخول في الدعوة
يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله عنه لما في ذلك اظهار الرضا بها . قال في
الفتح وحاصله ان كان هناك محرم وقدر على إزالته فإزاله فلا بأس وإن لم يقدر فليرجع
وإن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفى الورع . قال وقد فصل العلماء في ذلك فإن
كان هناك لهو مما اختلف فيه فيجوز الحضور والأولى الترك وإن كان هناك حرام كشرب
الخمر نظر فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لاجله فليحضر وان لم يكن كذلك ففيه
للشافعية وجهان أحدهما يحضر وينكر بحسب قدرته وإن كان الأولى أن لا يحضر قال
البيهقي وهو ظاهر نص الشافعي وعليه جرى العراقيون من أصحابه وقال صاحب الهداية من
الحنفية لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يقتدي به فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج
لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية وحكى عن أبي حنيفة أنه قعد وهو محمول على
أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به قال وهذا كله بعد الحضور فإن علم قبله لم
يلزمه الإجابة . والوجه الثاني للشافعية تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر وصححه المروزي
فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم فإن لم ينتهوا فليخرج الا أن خاف على نفسه من ذلك
وعلى ذلك جرى الحنابلة وكذا اعتبر المالكية في وجوب الأجاب أن لا يكون هناك منكر
وكذلك الهادوية وحكى ابن بطال وغيره عن مالك أن الرجل إذا كان من أهل الهيبة لا
ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين "
نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن إجابة طعام الفاسقين " أخرجه
الطبراني في الأوسط
قوله " فلا يدخل الحمام " الخ قد تقدم الكلام على ذلك في باب ما جاء في
دخول الحمام من كتاب الغسل قوله " فرأى البيت قد ستر " اختلف العلماء في
حكم ستر البيوت والجدران فجزم جمهور الشافعية بالكراهة . وصرح الشيخ نصر الدين
المقدسي منهم بالتحريم واحتج بحديث عائشة عند مسلم " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين وجذب الستر حتى هتكه
" قال البيهقي هذه اللفطة تدل على كراهة ستر الجدر وان كان في بعض الفاظ
الحديث ان المنع كان بسبب الصورة وقال غيره ليس في السياق ما يدل على التحريم
وإنما فيه نفي الأمر بذلك ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي لكن يمكن أن يحتج بفعله
صلى الله عليه وآله وسلم في هتكه . وقد جاء عن ستر الجدر صريحا منها في حديث ابن
عباس عند أبي داود وغيره " لا تستروا الجدر بالثياب " وفي إسناده ضعيف
وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين أخرجه ابن وهب ثم البيهقي من طريقه وعند سعيد بن
منصور من حديث سلمان موقوفا أنه أنكر ستر البيت وقال أمحموم بيتكم وتحولت الكعبة
عندكم ثم قال لا أدخله حتى يهتك . وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن كعب عن
عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى وذكر حديثا عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم فيه " كيف بكم إذا سترتم بيوتكم " الحديث وأصله في
النسائي
باب حجة من كره النثار والانتهاب منه
1 -
عن زيد بن خالد " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهي عن النهبة
والخلس "
- رواه أحمد
2 -
وعن عبد الله بن يزيد الأنصاري " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى
عن المثلة والنهبي "
- رواه أحمد والبخاري
3 -
وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من انتهب فليس منا "
- رواه أحمد والترمذي وصححه وقد سبق من حديث عمران بن حصين مثله
- حديث زيد بن خالد قال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد والطبراني وفي إسناده رجل لم يسم . وحديث عمر ان قد تقدم وتقدم في شرحه الكلام عليه وعلى النثار ( والحاصل ) إن أحاديث النهي عن النهبي ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق جماعة من الصحابة في الصحيح وغيره وهي تقتضي تحريم كل انتهاب ومن جملة ذلك انتهاب النثار ولم يأت ما يصلح لتخصيصه ولو صح حديث جابر الذي أورده الجويني وصححه وأورده الغزالي والقاضي حسين من الشافعية لكان مخصصا لعموم النهي عن النهبي ولكنه لم يثبت عند أئمة الحديث المعتبرين حتى قال الحافظ أنه لا يوجد ضعيفا فضلا عن صحيح والجويني وإن كان من أكابر العلماء فليس هو من علماء الحديث وكذلك الغزالي والقاضي حسين وإنما هم من الفقهاء الذي لا يميزون بين الموضوع وغيره كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة واطلاع على مؤلفات هؤلاء . ولفظ حديث جابر عندهم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حضر في أملاك فأتى بأطباق فيها جوز ولوز فنثرت فقبضنا أيدينا فقال مال كم لا تأخذون فقالوا إنك نهيت عن النهبى فقال إنما نهيتكم عن نهبى العساكر خذوا على اسم الله فتجاذبناه " ولكنه قد روى هذا الحديث البيهقي من حديث معاذ بن جبل بإسناد ضعيف منقطع ورواه الطبراني من حديث عائشة عن معاذ وفيه بشر بن إبراهيم المفلوح قال ابن عدي هو عندي ممن يضع الحديث وساقه العقيلي من طريقه ثم قال لا يثبت في الباب شيء وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ورواه أيضا من حديث أنس وفي إسناده خالد بن اسمعيل قال ابن عدي يضع الحديث وقال غيره كذاب . وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن الحسن والشعبي أنهما كانا لا يريان به بأسا وأخرج كراهيته . عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمة قال في البحر فصل والنثار بضم النون وكسرها ما ينثر في النكاح أو غيره مسألة الحسن البصري في القاسم وأبو حنيفة وأبو عبيد وابن المنذر من أصحاب الشافعي وهو مباح إذ ما نثره مالكه إلا إباحة له ؟ ؟ الأمام يحيى ؟ ؟ ولا قول للهادي فيه لا نصا ولا تخريجا عطاء وعكرمة وابن أبي ليلى وابن شبرمة ثم الشافعي ومالك بل يكره لمنافاته المروءة والوقار الصميري يندب ويكره الانتهاب لذلك قلت ندبهما لخير جابر انتهى . وقد تقدم في باب من أذن في انتهاب أضحيته من أبواب الضحايا حديث جعله المصنف حجة لمن رخص في النثار
باب ما جاء في إجابة دعوة الختان
1 -
عن الحسن قال " دعي عثمان ابن أبي العاص إلى ختان فأبي أن يجيب فقيل له فقال
انا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولاندعي له
"
- رواه أحمد
- الأثر هو في مسند أحمد بإسناد لا مطعن فيه الا أن فيه ابن إسحاق وهوثقة ولكنه مدلس وقد أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد أحم وأخرجه ايضا بإسند آخر في حمزة العطار وثقه ابن أبي حاتم وضعفه غيره . وقد استدل به على عدم مشروعية إجابة وليمة الختان لقوله " كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وقد قدمنا إن مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وجوب الإجابة إلى سائر الولائم وهي على ما ذكره القاضي عياض والنووي ثمان . الأعذار بعين مهملة وذال معجمة للختان . والعقيقة للولادة . والخرس بضم المعجمة وسكون الرء بعدها السين المهملة لسلامة المرأة من الطلق وقيل هو طعام الولادة . والعقيقة مختص بيوم السابع . والنقيعة لقدوم المسافر مشتقة من النقع وهو الغبار . والوكيرة للمسكن المتجدد مأخوذ من الوكير وهو المأوى . والمستقر والوضيمة . بضاد معجمة لما يتخذ عند المصيبة . والمأدبة لما يتخذ بلا سبب ودالها مضمومة ويجوز فتحها انتهى . وقد زيد وليمة الاملاك وهو التزوج ووليمة الدخول وهو العرس وقل من غاير بينهما ومن الولائم الأحذاق بكسر الهمزة وسكون المهملة وتخفيف الذال المعجمة وآخره قاف الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبي ذكره ابن الصباغ في الشامل وقال ابن الرفعة هو الذي يصنع عند ختم القرآن . وذكر المحاملي في الولائم العتيرة بفتح المهملة ثم مثناة مكسورة وهي شاة تذبح في أول رجب وتعقب بأنها في معنى الأضحية فلامعنى لذكرها مع الولائم قيل ومن جملة الولائم تحفة الزائر
باب الدف واللهو في النكاح
1 -
عن محمد بن حاطب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصل ما بين
الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح "
- رواه الخمسة إلا أبا داود . وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال
أعلنوا هذا النكاح وأضربوا عليه بالغربال " روه ابن ماجه . 3 - وعن عائشة
" أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما
معكم من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو "
- رواه أحمد والبخاري
4 -
وعن عمرو بن يحيى المازني عن جده أبي حسن " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
كان يكره نكاح السر تى يضرب بدف ويقال أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم "
- رواه عبد الله بن أحمد وفي المسند
5 -
وعن ابن عباس قال " أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فقال أهديتكم الفتاة قالوا نعم قال أرسلتم معها من يغني قالت
لا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الأنصار قوم فيها غزل فلو بعثتم معها
من يقول أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم "
- رواه ابن ماجه
6 -
وعن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ قالت " دخل على النبي صلى الله عليه
وآله وسلم غداة بني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويرات يضربن بالدف يندبن من
قتل من آبائي يوم بدر حتى قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم لا تقولي هكذا وقولي كما كنت تقولين "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي
-
حديث محمد بن حاطب حسنه الترمذي قال ومحمد بن حاطب قد رأي النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وهو صغير وأخرجه الحاكم . وحديث عائشة في إسناده خالد بن الياس وهو
متروك وقد أخرجه أيضا الترمذي بلفظ " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف " قال الترمذي
هذا حديث غريب وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث وعيسى بن ميمون الذي يروي
عن ابن أبي نجيح هو ثقة انتهى . وقد روى الترمذي هذا الحديث من طريق الأول .
وأخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده خالد بن الياس وهو منكر الحديث . وحديث عمرو بن
يحيى سياقه في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا
الأجلح عن أبي الزبير عن ابن عباس فذكره والأجلح وثقه ابن معين العجلي وضعفه
النسائي وبقية رجال الإسناد رجال الصحيح يشهد له حديث ابن عباس المذكور : وحديث
ابن عباس في إسناده الحسين بن عبد الله بن ضميرة قال في مجمع الزوائد وهو متروك
وأخرجه أيضا الطبراني وابو الشيخ ( وفي الباب ) عن عامر بن سعد قال دخلت على قرظة
بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس " وإذا جوار يغنين فقلت أي صاحبي رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل بدر يفعل هذا عندكم فقالا أجلس إن شئت فاستمع
معنا وإن شئت فأذهب فإنه قد رخص لنا اللهو عند العرس " أخرجه النسائي والحاكم
وصححه وأخرج الطبراني من حديث السائب بن يزيد " أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم رخص في ذلك " قوله الدف والصوت أي ضرب الدف ورفع الصوت . وفي ذلك دليل
على أنه يجوز في النكاح ضرب الأدفاف ورفع الأصوات بشيء من الكلام نحو أتيناكم
ونحوه لا بالأغاني المهيجة للشرور المشتملة على وصف الجمال والفجور ومعاقرة الخمور
فإن ذلك يحرم في النكاح كما يحرم . في غيره وكذلك سائر الملاهي المحرمة . قال في
البحر الأكثر وما يحرم من الملاهي في غير النكاح يحرم في لعموم النهي النخعي وغيره
يباح في النكاح لقوله صلى الله عليه وآله وسلم واضربوا عليه بالدفوف فيقاس المزمار
وغيره قال قلنا هذا لا ينافي عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما نهيت عن
صوتين أحمقين الخبر ونحوه فيحمل على ضربة غير ملهية قال الإمام يحيى دف الملاهي
مدور جلده من رق أبيض ناعم في عرضه سلاسل يسمى الطار له صوت يطرب لحلاوة نغمته
وهذا لا إشكال في تحريمه وتعلق النهي به وأما دف العرب فهو على شكل الغربال خلا
أنه لا خروق فيه وطوله إلى أربعة أشباب فهو الذي أراده صلى الله عليه وآله وسلم
لأنه المعهود حينئذ وقد حكى أبو طالب عن الهادي إنه محرم أيضا إذ هو آلة لهو وحكى
المؤيد بالله عن الهادي أنه يكره فقط وهو الذي في الأحكام . وقال أبو العباس وأبو
حنيفة وأصحابه بل مباح لقوله صلى الله عليه وآله وسلم الله واضربوا عليه بالدفوف
وهذا هو الظاهر للأحاديث المذكورة في الباب بل لا يبعد أن يكون ذلك مندوبا ولأن
ذلك أقل ما يفيده الأمر في قوله أعلنوا هذا النكاح الحديث ويؤيد ذلك ما في حديث
المازني المذكور ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره نكاح السر حتى يضرب
بدف : قوله " ما كان معكم لهو " قال في الفتح في رواية شريك فقال فهل
بعثتم جارية تضرب بالدف وتغني قلت تقول ماذا قال تقول
أتيناكم أتيناكم ... فحيانا وحياكم
ولولا الذهب الأحم ... ر ماحلت بواديكم
ولولا الحنطة السمرا ... ء ما سمنت عذاريكم
قوله " بني على " أي تزوج بي : قوله " كمجلسك " بكسر اللام أي
مكانك قال الكرماني هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب أو كان قبل نزول الآية
الحجاب أو عند الأمن من الفتنة قال الحافظ والذي صح لنا بالأدلة القوية أن من
خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها . قال
الكرماني ويجوز أن تكون الرواية كمجلسك بفتح اللام . قوله " يندبن " من
الندبة بضم النون وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه قال المهلب وفي هذا الحديث
اعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح وفي اقبال الامام إلى العرس وإن كان فيه لهو
ما لم يخرج عن حد المباح وسيأتي الكلام في الغناء وآلات الملاهي مبسوطا في أبواب
السبق إن شاء الله تعالى
باب الأوقات التي يستحب فيها البناء على النساء وما يقول إذا زفت إليه
1 -
عن عائشة قالت " تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال وبني بي
في شوال فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان أحظى عنده مني وكانت
عائشة تستحب أن يدخل نساؤها في شوال "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
2 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا
افاد أحدكم امرأة أو خادما أو دابة فليأخذ بناصيتها وليقل اللهم أي أسألك من خيرها
وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ماجبلتها عليه "
- رواه ابن ماجه وأبو داود بمعناه
- حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود ورجال إسناده إلى عمرو بن سعيد ثقات وقد تقدم اختلاف الأئمة في حديث عمرو بن شعيب ولفظه في سنن أبي داود " إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل اللهم أني أسألك خيرها وخير ماجبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك " وفي رواية " ثم ليأخذ بناصيتهما " يعني المرأة والخادم وليدع بالبركة ( استدل ) المصنف بحديث عائشة على استحباب البناء بالمرأة في شوال وهو إنما يدل على ذلك إذا تبين ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قصد ذلك الوقت لخصوصية له لا توجد في غيره لا إذا كان وقوع ذلك منه صلى الله عليه وآله وسلم على طريق الأتفاق وكونه بعض أجزاء الزمان فإنه لا يدل على الأستحباب لأنه حكم شرعي يحتاج إلى دليل وقد تزوج صلى الله عليه وآله وسلم بنسائه في أوقات مختلفة على حسب الأتفاق ولم يتحر وقتا مخصوصا ولو كان مجرد الوقوع يفيد الأستحاب لكان كل وقت من الأوقات التي تزوج فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستحب البناء فيه وهو غير مسلم . والحديث الثاني فيه استحباب الدعاء بما تضمنه الحديث عند تزوج المرأة وملك الخادم والدابة وهو دعاء جامع لأنه إذا لقي الإنسان الخير من زوجته أو خادمه أو دابته وجنب الشر من تلك الأمور كان في ذلك جلب النفع واندفاع الضرر : قوله " إذا أفاد أحدكم " قال في القاموس أفدت المال استفدته وأعطيته انتهى والمراد هنا الأول
باب ما يكره من تزين النساء به ومالا يكره
1 -
عن أسماء بنت أبي بكر قالت " أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم امرأة فقالت
يا رسول الله ان لي ابنة عريسا وأنه أصحابها حصبة فتمرق شعرها أفاصله فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الله الواصلة والمستوصلة "
- متفق عليه متفق على مثله من حديث عائشة
2 - وعن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة "
3 - عن ابن مسعود أنه قال " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى وقال مالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
4 -
وعن معاوية أنه قال " وتناول قصة من شعر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ينهي عن مثل هذه ويقول إنما هلكت بنو اسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم "
- متفق عليهن
5 -
وعن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما امرأة أدخلت في
شعرها من شعر غيرها فإنما تدخله زورا "
- رواه أحمد . وفي لفظ " أيما امرأة زادت في شعرها شعرا ليس منه فإنه زور
تزيد فيه " رواه النسائي ومعناه متفق عليه
6 - وعن ابن مسعود قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهي عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة الا من داء "
7 -
وعن عائشة قالت " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلعن القاشرة والمقشورة
والواشمة والموشومة والواصلة والموصولة "
- رواهما أحمد والنامصة ناتفة الشعر من الوجه والواشرة التي تشر الأسنان حتى تكون
لها أشر أي تحدد ورقة تفعله المرأة الكبيرة تتشبه بالحديثة السن والواشمة التي
تغرز من اليد بارة ظهر الكف والمعصم ثم تحشى بالكحل أو بالنؤر وهو دخان الشحم حتى
يخضر والمنتمصة والمؤتشرة والمستوشمة اللاتي يفعل بهن ذلك بأذنهن وأما القاشرة
والمقشورة فقال أبو عبيد نراه أراد هذه الغمرة التي يعالج بها النساء وجوههن حتى
ينسحق أعلى الجلد ويبدو ما تحته من البشرة وهو شبيه بما جاء في النامصة
-
حديث عائشة الثاني قال في مجمع الزوائد وفيه من لم أعرفه من النساء ( وفي الباب )
عن ابن عباس قال " لعنت الواصلة والمستوصلة والنامصة والمنتمصة والواشمة
والمستوشمة غير داء " أخرجه أبو داود وعن جابر عند مسلم " زجر رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم المرأة أن تصل شعرها بشيء " وعن معقل بن يسار عند
أحمد والطبراني . وعن أبي أمامة عند الطبراني بإسناد صحيح . وعن ابن عباس أيضا
حديث آخر عند الطبراني : قوله " عريسا " بضم العين وفتح الراء وتشديد
الياء المكسورة تصغير عروس والعروس يقع على المرأة والرجل في وقت الدخول : قوله
" حصبة " بفتح الحاء واسكان الصاد المهملتين ويقال أيضا بفتح الصاد
وكسرها ثلاث لغات حكاهن جماعة والاسكان أشهر وهي بئر تخرج في الجلد تقول منه حصب
جلده بكسر الصاد يحصب : قوله " فتمرق " بالراء المهملة بمعنى تساقط هكذا
حكى القاضي عياض في المشارق عن جمهور الرواة وحكى عن جماعة من رواة صحيح مسلم أنه
بالزاي قال وهذا وإن كان قريبا من معنى الأول ولكنه لا يستعمل في الشعر في حال
المرض قوله : الواصلة هي التي تصل شعر امرأة بشعر امرآة أخرى لتكثر به شعر المرأة
والمستوصلة هي التي تستدعي أن يفعل بها ذلك ويقال لها موصولة كما في الرواية
الأخرى والواشمة فاعلة الوشم وهو أن يغرز في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة حتى يسيل
الدم ثم يحشي ذلك الموضع بالكحل أو النؤر فيخضر ذلك الموضع وهو مما تستحسنه الفساق
والنؤر الذي ذكره المصنف قال المصنف قال في القاموس كصبور وهو دخان الشحم كما ذكر
وقد يطلق على أشياء أخر كما في القاموس وقد يكون الوشم بدارات ونقوش وقد يكثر وقد
يقلل والوصل حرام لأن اللعن لا يكون على أمر غير محرم قال النووي وهذا هو الظاهر
المختار قال وقد فصله أصحابنا فقالوا إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف
وسواء كان شعر رجل أو امرأة وسواء شعر المحرم والزوج وغيرهما بلا خلاف لعموم
الأدلة ولأنه يحرم الأنتفاع بشعر الآدمي وسائر اجزائه لكرامته بل يدفن شعره وظفره
وسائر أجزائه وان وصلته بشعر غير آدمي فإن كان شعرا نجسا وهو شعر الميتة وشعر مالا
يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضا للحديث ولأنه حمل نجاسة في صلاتها
وغيرها عمدا وسواء في هذين النوعين المزوجة وغيرها من النساء والرجال وأما الشعر
الطاهر من غير الآدمي فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضا وان كان فثلاثة
أوجه أحدها لا يجوز لظاهر الأحاديث والثاني يجوز وأصحها عندهم إن فعلته بأذن الزوج
أو السيد جاز ولا فهو حرام انتهى وقال القاضي عياض اختلف العلماء في المسألة فقال
مالك والطبري وكثيرون أو الأكثرون الوصل ممنوع بكل شيء سواء وصلته بشعر أو صوف أو
خرق واحتجوا بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زجر أن تصل المرأة
برأسها شيئا . وقال الليث بن سعد النهي مختص الوصل بالشعر ولا بأس بوصله بصوف وخرق
وغيرهما . وقال الإمام المهدي أن وصل شعر النساء بشعر الغنم لا وجه لتحريمه ويرده
عموم حديث جابر المذكور فإنه شامل للشعر والصوف والوبر وغيرها . وحكى النووي عن
عائشة أنه يجوز الوصل مطلقا قال ولا يصح عنها بل الصحيح عنها كقول الجمهور . قال
القاضي عياض فأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي
عنه لأنه ليس بوصل ولا هو في معنى مقصود الوصل وإنما هو للتجمل والتحسين ويجاب بأن
يخصيص عموم حديث جابر لا يكون الا لدليل فما هو وذهبت الهادوية إلى جواز الوصل
بشعر المحرم ويجاب بأن تحريم مطلق الوصل يستلزم تحريم الوصل بشعر المحرم وكذلك
عموم حديث جابر وحديث معاوية وقال الإمام يحيى إنما يحرم على غير ذوات الأزواج
ويجاب بحديث أسماء المذكور فإنه مصرح بأن الوصل فيه للعروس ولم يجزء صلى الله عليه
وآله وسلم فهو حرام أيضا لما تقدم
قال أصحاب الشافعي هذا الموضع الذي وشم يصير نجسا فإن أمكن إزالته بالعلاج وجب
إزالته وإن لم يكن الا بالجرح فإن خافت منه التلف أو فوات عضو أو منفعته أو شيئا
فاحشا في عضو ظاهر لم تجب إزالته وإذا تابت لم يبق عليها أثم وإن لم تخف شيئا من
شيء ونحوه لزمها إزالته وتعصى بتأخيره وسواء في هذا كله الرجل والمرأة : قوله
" والمتنمصات " بالتاء الفوقية ثم النون ثم الصاد المهملة جمع متنمصة
وهي التي تستدعي نتف الشعر من وجهها ويروى بتقديم النون على التاء قال النووي
والمشهور تأخيرها والنامصة المزيلة له من نفسها أو من غيرها وهو حرام قال النووي
وغيره الا إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل تستحب وقال ابن جرير
لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها . قوله " والمتفلجات "
بالفاء والجيم جمع متفلجة وهي التي تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات وهو من
الفلج بفتح الفاء واللام وهو الفرجة بين الثنايا والرباعيات تفعل ذلك العجوز ومن
قاربها في السن اظهارا للصغر وحسن الأسنان لان هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان
تكون للبنات الصغائر فإذا عجزت المرأة كبرت سنها فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة
المنظر وتوهم كونها صغيرة . قال النووي ويقال له الوشر وهذا الفعل حرام على
الفاعلة والمفعول بها : قوله " قصة " بضم القاف وتشديد الصاد المهملة
وهو القطعة من الشعر من قصصت الشعر أي قطعته . قال الأصمعي وغيره وهو شعر مقدم
الرأس المقبل على الجبهة وقيل شعر الناصية : قوله " عن مثل هذه " أي عن
التزين بمثل هذه القصة من الشعر : قوله " إنما هلكت بنو اسرائيل " الخ
هذا تهديد شديد لأن كون مثل هذا الذنب كان سببا لهلاك مثل تلك الأمة يدل على أنه
من أشد الذنوب قال القاضي عياض قيل يحتمل أنه كان محرما عليهم فعوقبوا باستعماله
وهلكوا بسببه وقيل يحتمل أن ذلك الهلاك كان به وبغيره مما ارتكبوه من المعاصي فعند
ظهور ذلك فيهم هلكوا وفيه معاقبة العامة بظهور المنكر انتهى : قوله " الا من
داء " ظاهره ان التحريم المذكور وإنما هو فيما إذا كان القصد التحسين لا لداء
وعلة فإنه ليس بمحرم وظاهر قوله المغيرات خلق الله أنه لا يجوز تغيير شيء من
الخلقة عن الصفة التي هي عليها . قال أبو جعفر الطبري في هذا الحديث دليل على أنه
لا يجوز تغيير شيء مما خلق الله المرأة عليه بزيادة أو نقص التماسا للتحسين لزوج
أو غيره كما لوكان لها سن زائدة أو عضو زائد فلا يجوز لها قطعه ولا نزعه لأنه من
تغيير خلق الله وهكذا لو كان لها أسنان طوال فأرادت تقطيع أطرافها وهكذا قال
القاضي عياض وزاد أن تكون هذه الزوائد مؤلمة وتتضرر بها فلا بأس بنزعها قيل وهذا
إنما هو في التغيير الذي يكون باقيا فأما ما لا يكون باقيا كالكحل ونحوه من
الخضابات فقد أجازه مالك وغيره من العلماء . وقوله " هذه الغمرة " بفتح
الغين المعجمة وسكون الميم بعدها راء طلاء من الورس وفي القاموس في مادة الغمر
وبالضم الزعفران كالغمرة
8 - وعن عائشة قالت " كانت امرأة عثمان بن مظعون تخضب وتطيب فتركته فدخلت علي فقلت أمشهد أم مغيب فقالت مشهد قالت عثمان لا يريد الدنيا ولا يريد النساء قالت عائشة فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته بذلك فلقى عثمان فقال يا عثمان تؤمن بما نؤمن به قال نعم يا رسول الله قال قال فأسوة مالك بنا "
9 -
وعن كريمة بنت همام قالت " دخلت المسجد الحرام فأخلوه لعائشة فسألتها امرأة
ما تقولين يا أم المؤمنين في الحناء فقالت كان حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم
يعجبه لونه ويكره ريحه وليس بمحرم عليكن بين كل حيضتين أو عند كل حيضة "
- رواها أحمد
10 -
وعن أنس قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتشبهين من الرجال
بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال " وفي رواية " لعن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال أخرجوهم من
بيوتكم فأخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلانة وأخرج عمر فلانا "
- رواهما أحمد والبخاري
- حديث عائشة الأول أخرجه أحمد من طرق مختلفة متعددة هذه المذكورة هنا أحدها قال في مجمع الزوائد وأسانيد أحمد رجالها ثقات وقد تقدم ما يشهد له في أول كتاب النكاح وحديثها الثاني أيضا تقدم ما يشهد له في كتاب الطهارة : قوله " أمشهد أم مغيب " أو أزوجك شاهد أم غائب والمراد أن ترك الخضاب والطيب إن كان لأجل غيبة الزوج فذاك وإن كان لأمر آخر مع حضوره فما هو فأخبرتها إن زوجها لا حاجة له بالنساء فهي في حكم من لا زوج لها واستنكار عائشة عليها ترك الخضاب والطيب يشعر بأن ذوات الأزواج يحسن منهن التزين للأزواج بذلك وكذلك قوله في الحديث الآخر وليس بمحرم عليكن بين كل حيضتين يدل على أنه لا بأس بالأختضاب بالحناء وقد تقدم الكلام في الخضاب في الطهارة وقد ذكر في البحر أنه يستحب الخضاب للنساء . قوله " لعن الله المتشبهين من الرجال " الخ فيه دليل على أنه يحرم على الرجال التشبه بالنساء وعلى النساء التشبه بالرجال في الكلام واللباس والمشي وغير ذلك والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال وقد تقدم الكلام على المخنثين ضبطا وتفسيرا وذكر من أخرجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم . وقد أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة قال " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بال هذا قالوا يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع بالنون فقيل يا رسول الله الا تقتله : فقال أني نهيت أن أقتل المصلين " وروى البيهقي أن أبا بكر خرج مخنثا وأخرج عمر واحدا وأخرج الطبراني من حديث وائلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخرج الخنيث
باب التسمية والتستر عند الجماع
1 -
عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لو أن أحدكم إذا أتى
أهله قال بسم الله جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقنا فإن قدر بينهما في ذلك ولد
لن يضر ذلك الولد الشيطان أبدا "
- رواه الجماعة إلا النسائي
2 -
وعن عتبة بن عبد السلمى " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتى
أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردا تجرد العيرين "
- رواه ابن ماجه
2 -
وعن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أياكم والتعري فإن معكم
من لا يفارقكم الا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم "
- رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب
- زاد الترمذي بعد قوله حديث غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه . وحديث عتبة في إسناده رشدين بن سد وهوضعيف . وكذلك في إسناده الأحوص بن حكيم وهو أيضا ضعيف ولكنه قد تابع رشدين بن سعد عبد الأعلى بن عدي وهو ثقة ويشهد لصة الحديثين حديث عتبة بن عبد السلمي وحديث ابن عمر الأحاديث الواردة في الأم بستر العورة والمبالغة في ذلك منها حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال " قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال إن استطعت ان لا يراها أحد فلا يراها قال قلت إذا كان أحدنا خاليا قال فالله أحق أن يستحيا من الناس " هذا لفظ الترمذي وقال حديث حسن ففي هذا الحديث الأمر بستر العورة في جميع الأحوال والأذن بكشف ما لا بد منه للزوجات والمملوكات حال الجماع ولكنه ينبغي الاقتصار على كشف المقدار الذي تدعو الضرورة إليه حال الجماع ولا يحل التجرد كما في حديث عتبة المذكور . قوله " إذا أتى أهله " في رواية للبخاري حين يأتي أهله " وفي رواية للإسماعيلي " حين يجامع أهله " وذلك ظاهر في أن القول يكون مع الفعل . وفي رواية لأبي داود إذا أراد أن يأتي أهله وهي مفسرة لغيرها من الروايات فيكون القول قبل الشروع ويحمل ما عدا هذه الرواية على المجاز كقوله تعالى { وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله } أي إذا أردت القراءة . قوله " جنبنا " في رواية للبخاري بالأفراد قوله " فإن قدر بينهما في ذلك ولد " في رواية للبخاري " فإن قضى الله بينهما ولدا " قوله " لن يضر ذلك الولد الشيطان " في رواية لمسلم وأحمد " لم يسلط عليه الشيطان ولفظ البخاري " لم يضره شيطان " واللفظ الذي ذكره المصنف لأحمد واختلف في الضرر المنفي بع الأتفاق على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر على ما نقل القاضي عياض وإن كان ظاهرا في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأييد وكأنه سبب ذلك الأتفاق ما ثبت في الصحيح إن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد الا من استثنى فإن هذا الطعن نوع من الضرر ثم اختلفوا فقيل المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية بل يكون من جملة العباد الذين قبل فيهم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وقيل المراد لم يطعن في بطنه وهو بعيد لمنابذته لظاهر الحديث المتقدم وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا وقيل المراد لم يصرعه وقيل لم يضره في بدنه . وقال ابن دقيق العيد يحتمل أن لا يضره في دينه أيضا ولكن يبعده انتفاء العصمة لاختصاصها بالأنبياء وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدا وإن لم يكن ذلك واجبا له . وقال الداودي بمعنى لم يضره أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر وليس المراد عصمته منه عن المعصية . وقيل لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد ان الذي يجامع ولا يسمى يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه
باب ما جاء في العزل
1 -
عن جابر قال " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن
ينزل "
- متفق عليه . ولمسلم " كذا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فبلغه ذلك فلم يهنا "
2 -
وعن جابر " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي جارية هي
خادمتنا وسانيتنا في النخل وأنا لوف عليها وأكره أن تحمل فقال أعزل عنها إن شئت
فإنه سيأتيها ما قدر لها "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
3 -
وعن أبي سعيد قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بني
المصطلق فأصبنا سبيا من العرب فأشتهينا النساء وأشتدت العزبة وأحببنا العزل فسألنا
عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله عز
و جل قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة "
- متفق عليه
4 -
وعن أبي سعيد قال " قالت اليهود العزل الموؤدة الصغرى فقال النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كذبت يهود أن الله عز و جل لو أراد أن يخلق شيئا لم يستطع أحد أن
يصرفه "
- رواه أحمد وأبو داود
5 - وعن أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العزل أنت تخلقه أنت ترزقه أقره قراره فإنما ذلك القدر "
- رواه أحمد
6 -
وعن أسامة بن زيد " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أني
أعزل عن امرأتي فقال له صلى الله عليه وآله وسلم لم تفعل ذلك فقال له الرجل اشفق
على ولدها أو على أولادها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كان ضارا ضر
فارس والروم "
- رواه أحمد ومسلم
7 -
وعن جذامة بنت وهب الأسدية قالت " حضرت رسول الله في أناس وهو يقول لقد هممت
ان أنهي عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم
شيئا ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الوأد الخفي
وهي وإذا الموؤدة سئلت "
- رواه أحمد ومسلم
8 -
وعن عمر بن الخطاب " قال نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعزل عن
الحرة الا بأذنها "
- رواه أحمد وابن ماجه وليس إسناده بذلك
-
حديث أبي سعيد الثاني أخرجه أيضا الترمذي والنسائي . قال الحافظ ورجاله ثقات وقال
في مجمع الزوائد البزار وفيه موسى بن وردان وهو ثقة وقد ضعف وبقية رجاله ثقات .
وأخرج نحوه النسائي من حديث جابر وأبي هريرة وجزم الطحاوي بكونه منسوخا وعكسه ابن
حزم . وحديث عمر بن الخطاب في إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف ويشهد له ما أخرجه
عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس قال " نهى عن عزل الحرة إلا بأذنها "
وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كان يعزل عن أمته وروى البيهقي عن ابن عمر مثله ( ومن
أحاديث ) هذا الباب عن أنس عند أحمد والبزار وابن حبان وصححه " أن رجلا عن
العزل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لو أن الماء الذي يكون منه الولد
أهرقته على صخرة لاخرج الله منها ولد " وله شاهدان في الكبير للطبراني عن ابن
عباس وفي الأوسط له عن ابن مسعود : قوله " كنا نعزل " العزل النزع بعد
الأيلاج لينزل خارج الفرج : قوله " والقرآن ينزل " فيه جواز الاستدلال
بالتقرير من الله ورسوله على حكم من الأحكام لأنه لو كان ذلك الشيء حراما لم يقررا
عليه ولكن بشرط أن يعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقد ذهب الأكثر من أهل
الأصول على ما حكاه في الفتح إلى أن الصحابي إذا أضاف الحكم إلى زمن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم كان له حكم الرفع قال لان الظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم اطلع على ذلك واقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم اياه عن الأحكام قال وقد وردت
عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك وأخرج مسلم من حديث جابر قال " كنا نعزل على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم
فلم ينهنا " ووقع في حديث الباب المذكور الأذن له بالعزل فقال اعزل عنها ان
شئت " قوله " ما عليكم ان لا تفعلوا " وقع في رواية في البخاري
وغيره " لا عليكم ان لا تفعلوا " قال ابن سيرين هذا أقرب إلى النهي وحكى
ابن عون عن الحسن أنه قال والله لكان هذا زجرا قال القرطبي كأن هؤلاء فهموا من لا
النهي عما سألواعنه فكأنه قال لا تعزلوا وعليكم ان لا تفعلوا ويكون قوله وعليكم
إلى آخره تأكيدا للنهي وتعقب بأن الأصل عدم هذا التقدير وإنما معناه ليس عليكم أن
تتركوا وهو الذي يساوي ان لا تفعلوا وقال غيره معنى لا عليكم ان لا تفعلوا أي لا
حرج عليكم ان لا تفعلوا ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل فأفهم ثبوت الحرج في فعل
العزل ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال لا عليكم أن تفعلوا الا أنيدعى ان
لازائدة فيقال الأصل عدم ذلك ( وقد اختلف ) السلف في حكم العزل فحكى في الفتح عن ابن
عبد البر انه قال لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة الا بأذنها لأن
الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل . قال
الحافظ ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة قال وتعقب بأن المعروف عند الشافعية
أنه لاحق للمرأة في الجماع وهو أيضا مذهب الهادوية فيجوز عندهم العزل عن الحرة
بغير أذنها على مقتضى قولهم أنه لا حق لها في الوطء ولكنه وقع التصريح في كتب
الهادوية بأنه لا يجوز العزل عن الحرة الا برضاها ويدل على اعتبار الأذن من الحرة
حديث عمر المذكور ولكن فيه ما سلف وأما الأمة فإن كانت زوجة فحكمها حكم الحرة
واختلفوا هل يعتبر الأذن منها أو من سيدها وإن كانت سرية فقال في الفتح يجوز بلا
خلاف عندهم الا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقا كمذهب ابن حزم وإن كانت
السرية مستولدة فالراجح الجواز فيها مطلقا لأنها ليست راسخة في الفراش وقيل حكمها
حكم الأمة المزوجة
قوله " كذبت يهود " فيه دليل على جواز العزل ومثله ما أخرجه الترمذي
وصححه عن جابر قال " كانت لنا جوار وكنا نعزل فقالت اليهود ان تلك الموؤدة
الصغرى فسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال كذبت اليهود لو أراد الله
خلقه لم يستطع رده " وأخرج نحوه النسائي من حديث أبي هريرة ولكنه يعارض ذلك
ما في حديث جذامة المذكور من تصريحه صلى الله عليه وآله وسلم بأن الوأد الخفي فمن
العلماء من جمع بين هذا الحديث وما قبله فحمل هذا على التنزيه وهذه طريقة البيهقي
ومنهم من ضعف حديث جزامة هذا لمعارضته لما هو أكثر منه طرقا قال الحافظ وهذا دفع
للأحاديث الصحيحة بالتوهم والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن ومنهم من أدعى أنه
منسوخ ورد بعدم معرفة التاريخ وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما
كان عليه الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أعلمه الله بالحكم
فكذب اليهود فيم كانوا يقولونه وتعقبه ابن رشد وابن العربي بأن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم لا يحرم شيئا تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه ومنهم من رجح جذامة
بثبوته في الصحيح وضعف مقابله بالأختلاف في إسناده والاضطراب قال الحافظ ورد بأنه
إنما يقدح في حديث لا فيما يقوي بعضه بعضا فإنه يعمل به وهو هنا كذلك والجمع ممكن
ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة وحديثها يدل
على المنع قال فمن ادعى انه ابيح بعد أن منع فعليه البيان وتعقب من حديثها ليس
بصريح في المنع إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما
وجمع ابن القيم فقال الذي كذب فيه صلى الله عليه وآله وسلم اليهود هو زعمهم ان
العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فاكذبهم وأخبر أنه
لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة وإنما سماه
وأدا خفيا في حديث جذامة لأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى
الوأد لكن الفرق بينهما ان الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل والعزل
يتعلق فقط فلذلك وصفه بكونه خفيا وهذا الجمع قوي وقد ضعف أيضا حديث جذامة أعني
الزيادة التي في آخره بأنه تفرد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود ورواه مالك
ويحيى بن أيوب عن أبي الأسود فلم يذكرها وبمعارضتها لجميع أحاديث الباب وقد حذف
هذه الزيادة أهل السنن الأربع وقد احتج بحديث جذامة هذا من قال بالمنع من العزل
كابن حبان : قوله " اشفق علي ولدها " هذا أحد الأمور التي تحمل على
العزل ومنها الفرار من كثرة العيال والفرار من حصولهم من الأصل ومنها خشية علوق
الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقا وكل ذلك لا يغني شيئا لاحتمال أن يقع الحمل
بغير الأختيار : قوله " ان انهي عن الغيلة " بكسر الغين المعجمة بعدها
تحتية ساكنة ويقال لها الغيل بفتح الغين والياء والغيال بكسر الغين المعجمة
والمراد بها أن يجامع امرأته وهي مرضع . وقال ابن السكيت هي أن ترضع المرأة وهي
حامل وذلك لما يحصل على الرضيع من الضرر بالحبل حال إرضاعه فكان ذلك سبب همه صلى
الله عليه وآله وسلم بالنهي ولكنه لما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن
الغيلة لا تضر فارس والروم ترك النهي عنها
باب نهي الزوجين عن التحدث بما يجري حال الوقاع
1 -
عن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ان من شر الناس عند الله
منزلة يوم القيامة يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها "
- رواه أحمد ومسلم
2 -
وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما سلم أقبل عليهم
بوجهه فقال مجالسكم هل منكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره ثم يخرج
فيحدث فيقول فعلت بأهلي كذا وفعلت بأهلي كذا فسكتوا فأقبل على النساء فقال هل منكم
من تحدث فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت ليراها رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ويسمع كلامها فقالت أي والله أنهم يتحدثون وأنهن ليتحدثن فقال هل تدرون
مامثل من فعل ذلك أن مثل من فعل مثل شيطان وشيطانة لقى أحدهما صاحبه بالسكة فقضى
حاجته منها والناس ينظرون إليه "
- رواه أحمد وأبو داود . ولأحمد نحوه من حديث أسماء بنت يزيد
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي والترمذي وحسنه وقال الا أن الطفاوي لانعرفه إلا في هذا الحديث ولا نعرف اسمه . وقال أبو الفضل محمد بن طاهر والطفاوي مجهول . وقد رواه أبو داود من طريقه فقال عن أبي نضرة قال حدثني شيخ من طفاوة : قوله " إن من شر الناس " لفظ مسلم " أشر " قال القاضي عياض وأهل النحو يقولون لا يجوز أشر وأخيرو وإنما يقال هو خير منه وشر منه قال وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعا وهي حجة في جواز الجميع قوله " كعاب " على وزن سحاب وهي الجارية المكعب ( والحديثان ) يدلان على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع وذلك لأن كون الفاعل لذلك من أشر الناس وكونه بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينما الراجعة إلى الوطء ومقدماته فإن مجرد فعل المكروه لا يصير به فاعله من الأشرار فضلا عن كونه من شرهم وكذلك الجماع بمرأى من الناس لا شك في تحريمه وإنما خص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي سعيد الرجل فجعل الزجر المذكور خاصا به ولم يتعرض للمرأة لأن وقوع ذلك الأمر في الغالب من الرجال قيل وهذا التحريم إنما هو في نشر أمور الأستمتاع ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع وإنشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقاع وأما مجرد ذكر نفس الجماع فإن لم يكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروأة من التكلم بما لا يعني ومن حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " فإن كان إليه حاجة أو ترتيب عليه فائدة فلاكرهة في ذكره وذلك نحو أن تنكر المرأة نكاح الزوج لها وتدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك كما روى أن الرجل الذي دعت عليه امرأته العنة قال يا رسول الله أني لانفضها نفض الأديم ولم ينكر عليه وما روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال أني لافعله أنا وهذه وقال لأبي طلحة أعرستم الليلة ونحو ذلك كثير
باب النهي عن اتيان المرأة في دبرها
1 -
عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ملعون من أتى
امرأة في دبرها "
- رواه أحمد وأبو داود . وفي لفظ " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في
دبرها " . رواه أحمد وابن ماجه
2 -
وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أتى حائضا أو
امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم
"
- رواه أحمد والترمذي وأبو دواد وقال " فقد بريء مما أنزل "
3 -
وعن خزيمة بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يأتي الرجل
امرأته في دبرها "
- رواه أحمد وابن ماجه
4 - وعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تأتوا النساء في اعجازهن أو قال في أدبارهن "
5 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في
الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى "
- رواهما أحمد
6 -
وعن علي بن طلق قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا تأتوا
النساء في استاههن فإن الله لا يستحي من الحق "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن
7 -
وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينظر الله إلى
رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر "
- رواه الترمذي وقال حديث غريب
-
حديث أبي هريرة الأول أخرجه أيضا بقية أهل السنن والبزار وفي إسناده الحرث بن مخلد
. قال البزار ليس بمشهور وقال ابن القطان لا يعرف حاله وقد اختلف فيه على سهيل بن
أبي صالح فرواه عنه إسماعيل بن عياش عن محمد بن المنكدر عن جابر كما أخرجه
الدارقطني وابن شاهين ورواه عمر مولى عفرة عن سهيل عن أبيه عن جابر كما أخرجه ابن
عدي بإسناد ضعيف قال الحافظ في بلوغ المرام إن رجال حديث أبي هريرة هذا ثقات لكن
أعل بالإرسال . وحديث أبي هريرة الثاني هو من رواية أبي تميمة عن أبي هريرة قال
الترمذي لا نعرفه الا من حديث أبي تميمة عن أبي هريرة وقال البخاري لا يعرف لأبي
تميمة سماع عن أبي هريرة وقال البزار هذا حديث منكر وفي الإسناد أيضا حكيم الأثرم قال
البزار لا يحتج به وما تفرد به فليس بشيء ولأبي هريرة حديث ثالث نحو حديثه الأول
أخرجه النسائي من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وفي إسناده عبد الملك بن
محمد الصنعاني وقد تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وغيرهما ولأبي هريرة ايضا حديث رابع
أخرجه النسائي من طريق بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة بلفظ " من
أتى شيئا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر " وفي إسناده بكر بن خنيس
وليث ابن أبي سليم وهم ضعيفان . ولأبي هريرة أيضا حديث خامس رواه عبد الله بن عمر
بن ابان عن مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ " ملعون
من أتى النساء في أدبارهن " وفي إسناده مسلم بن خالد وهو ضعيف . وحديث خزيمة
بن ثابت أخرجه الشافعي أيضا بنحوه وفي إسناده عمر بن أحيحة وهو مجهول واختلف في
إسناده اختلافا كثيرا ورواه النسائي من طريق أخرى وفيها هرمى بن عبد الله ولا يعرف
حاله وأخرجه أيضا من طريق هرمي أحمد وابن حبان وحديث الأمام علي بن أبي طالب رضي
الله عنه قال في مجمع الزوائد ورجاله ثقات وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي
وأعله قال الحافظ والمحفوظ عن عبد الله بن عمرو من قوله كذا أخرجه عبد الرزاق
وغيره وحديث علي بن طلق قال الترمذي بعد أن حسنه سمعت محمدا يقول لا أعرف لعلي بن
طلق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير هذا الحديث الواحد ولا أعرف هذا الحديث
الواحد من حديث طلق بن علي السحيمي وكأنه رأى أن هذا آخر من اصحاب النبي صلى الله
عليه وآله وسلم . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والبزار وقال لا
نعلمه يروى عن ابن عباس بإسناد حسن وكذا قال ابن عدي ورواه النسائي عن هناد بن
وكيع عن الضحاك موقوفا وهو أصح عندهم من المرفوع ولابن عباس حديث آخر من طريق أخرى
موقوفة رواها عبد الرزاق إن رجلا سأل ابن عباس عن اتيان المرأة في دبرها فقال
سألتني عن الكفر . وأخرجه النسائي بإسناد قوي وفي الباب عن جماعة من الصحابة منها
ما سيأتي ومنها عن أبي بن كعب عند الحسن بن عرفة بإسناد ضعيف . وعن ابن مسعود عند
ابن عدي بإسناد واه وعن عقبة بن عامر عند أحمد بإسناد فيه ابن لهيعة وعن عمر عند
النسائي والبزار بإسناد فيه زمعة بن صالح وهو ضعيف ( وقد استدل ) بأحاديث الباب من
قال أنه يحرم اتيان النساء في أدبارهن وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم وحكى ابن
عبد الحكم عن الشافعي أنه قال لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في
تحريمه ولا في تحليله شيء والقياس أنه حلال . وقد أخرجه عنه ابن أبي حاتم في مناقب
الشافعي وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الأصم عنه وكذلك رواه الطحاوي عن ابن
عبد الحكم عن الشافعي
وروى الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال سألني محمد بن
الحسن فقلت له إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم وإن
تكلمت بالمناصفة كلمتك قال علي المناصفة قلت فبأي شيء حرمته قال يقول الله عز و جل
{ فأتوهن من حيث أمركم الله } وقال { فأتوا حرثكم أنى شئتم } والحرث لا يكون الا
في الفرج قلت أفيكون ذلك محرما لما سواه قال نعم قلت فما تكون لو وطئها بين ساقيها
أو في أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أو في ذلك حرث قال لا قلت فيحرم
ذلك قال لا قلت فلم تحتج بمالا حجة فيه قال فإن الله قال { والذين هم لفروجهم
حافظون } الآية قال فقلت له هذا مما يحجون به للجواز إن الله أثنى على من حفظ فرجه
من غير زوجته وماملكت يمينه فقلت له أنت تتحفظ من زوجتك وما ملكت يمينك انتهى .
وقد أجيب عن هذا بأن الأصل التحريم المباشرة إلا ما أحل الله بالعقد ولا يقاس عليه
غيره لعدم المشابهة في كونه مثله محلا للزرع وأما تحليل الاستمتاع فيما عدا الفرج
فهو مأخوذ من دليل آخر ولكنه لا يخفى ورود ما أورده الشافعي على من استدل بالآية
وأما دعوى أن الأصل تحريم المباشرة فهذا محتاج إلى دليل ولو سلم فقوله تعالى {
قأتوا حرثكم أنى شئتم } رافع للتحريم المستفاد من ذلك الأصل فيكون الظاهر بعد هذه
الآية الحل ومن ادعى تحريم الأتيان في محل مخصوص طولب يخصص عموم هذه الآية ولا شك
إن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم اتيان النساء في أدبارهن يقوي بعضها
بعضا فتنتهض لتخصيص الدبر من ذلك العموم وأيضا الدبر في أصل اللغة اسم لخلاف الوجه
ولا اختصاص له بالمخرج كما قال الله تعالى { ومن يولهم يومئذ دبره } فلا يبعد حمل
ما ورد من الأدبار على الأستمتاع بين الأليتين وأيضا قد حرم الله الوطء في الفرج
لأجل الأذى فما الظن بالحش الذي هو موضع الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض
لانقطاع النسل الذي هو العلة الغائية في مشروعية النكاح والذريعة القريبة جدا الحاملة
على الانتقال من ذلك إلى أدبار المرد . وقد ذكر ابن القيم لذلك مفاسد دينية
ودنيوية فليراجع وكفى مناديا على خساسته أنه لا يرضى أحد من أن ينسب إليه ولا إلى
إمامه تجويز ذلك إلاما كان من الرافضة مع أنه مكروه عندهم وأوجبوا للزوجة فيه عشرة
دنانير عوض النطفة وهذه المسألة هي إحدى مسائلهم التي شذوا بها وقد حكى الإمام
المهدي في البحر عن العترة جميعا وأكثر الفقهاء أنه حرام قال الحاكم بعد أن حكى عن
الشافعي ما سلف لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم فأما الجديد فالمشهور أنه حرمه
. وقد روى الماوردي في الحاوي وأبو نصر بن الصباغ في الشامل وغيرهما عن الربيع أنه
قال كذب والله يعني ابن عبد الحكم فقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب وتعقبه
الحافظ في التلخيص فقال لا يعني لها التكذيب فإن عبد الحكم لم يتفرد بذلك بل قد
تابعه عليه عبد الرحمن بن عبد الله أخوه عن الشافعي ثم قال أنه لاخلاف في ثقة ابن
عبد الحكم وأمانته وقد روى الجواز أيضا عن مالك قال القاضي أبو الطيب في تعليقه
أنه روى ذلك عنه أهل مصر وأهل المغرب ورواه عنه أيضا ابن رشد في كتاب البيان
والتحصيل وأصحاب مالك العراقيون لم يثبتوا هذه الرواية وقد رجع متأخر وأصحابه عن
ذلك وأفتوا بتحريمه وقد استدل للمجوزين بما رواه الدارقطني عن ابن عمر أنه لما قرأ
قوله تعالى { نساؤكم حرث لكم } فقال ما تدري يا نافع فيما أنزلت هذا الآية قال قلت
لا قال لي في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل الله
تعالى نساؤكم حرث لكم قال نافع فقلت لابن عمر من دبرها في قبلها قال لا الا في
دبرها وروى نحو ذلك عنه الطبراني والحاكم وأبو نعيم وروى النسائي والطبراني من
طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر نحوه ولم يذكر قوله " لا الا في دبرها "
وأخرج أبو يعلى وابن مردوية في تفسيره والطبري والطحاوي من طرق عن أبي سعيد الخدري
أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه فأنزل الله نساؤكم حرث لكم
فأتوا حرثكم أنى شئتم وسيأتي بقية الأسباب في نزول الآية
8 -
وعن جابر " أن يهود كانت تقول إذا أتيت المرأة في دبرها ثم حملت كان ولدها
أحول قال فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم "
- رواه الجماعة إلا النسائي وزاد مسلم " إن شاء مجبية وإن شاء غير مجيبة غير
أن ذلك في صمام واحد "
9 -
وعن أم سلمة " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى { نساؤكم حرث
لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } يعني صمام واحدا "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن
10 -
وعنها أيضا قالت " لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم
وكان المهاجرون يجبون وكانت الأنصار لا تجبى فأراد رجل امرأته من المهاجرين على
ذلك فأبت عليه حتى تسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فأته فاستحيت أن تسأله
فسألته أم سلمة فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقال لا الا في صمام
واحد "
- رواه أحمد ولأبي داود هذا المعنى من رواية ابن عباس
11 -
وعن ابن عباس قال " جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول
الله هلكت قال وما الذي أهلكت قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه بشيء قال فأوحى
الله إلى رسوله هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتقوا
الدبر والحيضة "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب
12 -
وعن جابر " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال استحيوا فإن الله لا
يستحي من الحق لا يحل مأتاك النساء في حشوشهن "
- رواه الدارقطني
- حديث أم سلمة أورده في التلخيص وسكت عنه ويشهد له حديث ابن عباس الذي أشار إليه المصنف وهو من رواية محمد بن إسحاق عن ابان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس وفيه إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم من العلم وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذ بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرخون النساء شرخا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فانكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتننبني فسرى أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله عز و جل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم مقبلات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد وحديث ابن عباس الثاني في قصة عمر لعله الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه من طريق عمر نفسه وقد سبق ما فيه وحديث جابر الآخر قد قدمنا في أول الباب الإشارة إليه بضم من الاختلاف على سهيل بن أبي صالح وقد أخرجه من تقدم ذكره : قوله مجبية بضم الميم وبعدها جيم مفتوحة ثم موحدة أي باركة والتجبية الإنكباب على الوجه وأخرج الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري بلفظ باركة مدبرة في فرجها من ورائها وهذا يدل على أن المراد بقولهم إذا أتيت من دبرها يعتني في قبلها ولا شك أن ذلك هو المراد ويزيد ذلك وضحوحا قوله عقب ذلك ثم حملت فإن الحمل لا يكون إلا من الوطء في القبل : قوله " غير أن ذلك في صمام واحد " هذه الزيادة تشبه أن تكون من تفسير الزهري لخلوها من رواية غيره من أصحاب ابن المنكدر مع كثرتهم كذا قيل وهو الظاهر ولو كانت مرفوعة لما صح قول البزار في الوطء في الدبر لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا لا في الحصر ولا في الإطلاق وكذا روى نحو ذلك الحاكم عن أبي علي النيسابوري ومثله عن النسائي وقاله قبلهما البخاري كذا قال الحافظ والصمام بكسر الصاد المهملة وتخفيف الميم وهو في الأصل سدادة القارورة ثم سمى به المنفذ كفرج المرأة وهذا أحد الأسباب في نزول الآية وقد ورد ما يدل على أن ذلك هو السبب من طرق عن جماعة من الصحابة في بعضها التصريح بأنه لا يحل إلا في القبل وفي أكثره الارد على اعتراض اليهود وهذا أحد الأقوال والقول الثاني أن السبب النزول اتيان الزوجة في الدبر وقد تقدم ذلك عن ابن عمر وأبي سعيد والثالث أنها نزلت في الأذن بالعزل عن الزوجة وروى ذلك