ج3.
""""""
صفحة رقم 3 """"""
( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ( قرآن كريم
بسم الله الرحمن الرحيم
ع12
تفسير سورة يوسف عليه السلام
حول السورة
قيل هى مائة وإحدى عشرة آية
وهى مكية كلها وقيل نزلت ما بين مكة والمدينة وقت الهجرة وقال ابن عباس في رواية
عنه وقتادة إلا أربع آيات وأخرج النحاس وأبو الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس قال
نزلت سورة يوسف بمكة وأخرج ابن مردوية عن ابن الزبير مثله وأخرج الحاكم وصححه عن
رفاعة بن رافع الزرقي أنه خرج هو وابن خالته معاذ بن عفراء حتى قدما مكة وذكر قصة
وفي آخرها أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علمهما سورة يوسف ) اقرأ باسم ربك
( ثم رجعا وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن
حبرا من اليهود دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فوافقه وهو يقرأ سورة
يوسف فقال يا محمد من علمكها قال الله علمنيها فعجب الحبر لما سمع من فرجع إلى
اليهود فقال لهم والله إن محمدا ليقرأ القرآن كما أنزل في التوراة فانطلق بنفر
منهم حتى دخلوا عليه فعرفوه بالصفة ونظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه فجعلوا سمعهم
إلى قراءته لسورة يوسف فتعجبوا منه وأسلموا عند ذلك وأخرج الثعلبي عن أبي بن كعب
قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علموا أقاربكم سورة يوسف فإنه أيما مسلم
تلاها أو علمها أهله وما ملكت يمينه هون الله عليه سكرات الموت وأعطاه القوة أن لا
يحسد مسلما وفي إسناده سلام بن سالم ويقال ابن سليم المدائني وهو متروك عن هارون
بن كثير قال أبو حاتم مجهول وقد ذكر له الحافظ ابن عساكر متابعا من طريق القاسم بن
الحكم عن هارون بن كثير ومن طريق شبابة عن مجلز بن عبد الواحد البصري
"""""" صفحة رقم 4
""""""
عن علي بن زيد بن جدعان وعن عطاء بن ميمون عن ذر بن حبيش عن أبي بن كعب مرفوعا
فذكر نحوه وهو منكر من جميع طرقه قال القرطبي قال سعد بن أبي وقاص أنزل القرآن على
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتلاه عليهم زمانا فقالوا لو حدثتنا فنزل قوله
تعالى ) الله نزل أحسن الحديث ( قال قال العلماء وذكر الله أقاصيص الأنبياء في
القرآن وكررها بمعنى واحد في وجوه مختلفة بألفاظ متباينة على درجات البلاغة وقد
ذكر قصة يوسف ولم يكررها فلم يقدر مخالف على معارضة ما تكرر ولا على معارضة غير
المتكرر
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يوسف الآية ( 1 6 )
يوسف : ( 1 ) الر تلك آيات . . . . .
قوله ) الر ( قد تقدم الكلام فيه في فاتحة سورة يونس والإشارة بقوله ) تلك ( إلى
آيات السورة والكتاب المبين السورة أي تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة
آيات السورة الظاهر أمرها في إعجاز العرب وتبكيتهم والمبين من أبان بمعنى بان أي
الظاهر أمره في كونه من عند الله وفي إعجازه أو المبين بمعنى الواضح المعنى بحيث
لا يلتبس على قارئه وسامعه أو المبين لما فيه من الأحكام
يوسف : ( 2 ) إنا أنزلناه قرآنا . . . . .
) إنا أنزلناه ( أي الكتاب المبين حال كونه ) قرآنا عربيا ( فعلى تقدير أن الكتاب
السورة تكون تسميتها قرآنا باعتبار أن القرآن اسم جنس يقع على الكل وعلى البعض وعلى
تقدير أن المراد بالكتاب كل القرآن فتكون تسميته قرآنا واضحة وعربيا صفة لقرآنا أي
على لغة العرب ) لعلكم تعقلون ( أي لكي تعلموا معانيه وتفهموا ما فيه
يوسف : ( 3 ) نحن نقص عليك . . . . .
) نحن نقص عليك أحسن القصص ( القصص تتبع الشيء ومنه قوله تعالى ) وقالت لأخته قصيه
( أي تتبعي أثره وهو مصدر والتقدير نحن نقص عليك قصصا أحسن القصص فيكون بمعنى
الاقتصاص أو هو بمعنى المفعول أي المقصوص ) بما أوحينا إليك ( أي بإيحائنا إليك )
هذا القرآن ( وانتصاب القرآن على أنه صفة لاسم الإشارة أو بدل منه أو عطف بيان
وأجاز الزجاج الرفع على تقدير مبتدأ وأجاز الفراء الجر ولعل وجهه أن يقدر حرف الجر
في بما أوحينا داخلا على اسم الإشارة فيكون المعنى نحن نقص عليك أحسن القصص بهذا
القرآن ) وإن كنت من قبله لمن الغافلين ( إن هي المخففة من الثقيلة بدليل اللام
الفارقة بينها وبين النافية والضمير في من قبله عائد على الايحاء المفهوم من
أوحينا المعنى أنك قبل إيحائنا إليك من الغافلين عن هذه القصة
"""""" صفحة رقم 5
""""""
واختلف في وجه كون ما في هذه السورة هو أحسن القصص فقيل لأن ما في هذه السورة من
القصص يتضمن من العبر والمواعظ والحكم ما لم يكن في غيرها وقيل لما فيها من حسن
المحاورة وما كان من يوسف عليه من الصبر على أذاهم وعفوه عنهم وقيل لأن فيها ذكر
الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين والجن والإنس والأنعام والطير وسير الملوك
والمماليك والتجار والعلماء والجهال والرجال والنساء وحيلهن ومكرهن وقيل لأن فيها
ذكر الحبيب والمحبوب وما دار بينهما وقيل إن أحسن هنا بمعنى أعجب وقيل إن كل من
ذكر فيها كان مآله السعادة
يوسف : ( 4 ) إذ قال يوسف . . . . .
قوله ) إذ قال يوسف لأبيه ( إذ منصوب على الظرفية بفعل مقدر أي اذكر وقت قال يوسف
قرأ الجمهور ) يوسف ( بضم السين وقرأ طلحة بن مصرف بكسرها مع الهمز مكان الواو
وحكى ابن زيد الهمز وفتح السين وهو غير منصرف للعجمة والعلمية وقيل هو عربي والأول
أولى بدليل عدم صرفه ) لأبيه ( أي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ) يا أبت ( بكسر
التاء في قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي ونافع وابن كثير وهي عند البصريين
علامة التأنيث ولحقت في لفظ أب في النداء خاصة بدلا من الياء وأصله يا أبي وكسرها
للدلالة على أنها عوض عن حرف يناسب الكسر وقرأ ابن عامر بفتحها لأن الأصل عنده يا
أبتا ولا يجمع بين العوض والمعوض فيقال يا أبتي وأجاز الفراء يا أبت بضم التاء ) إني
رأيت ( من الرؤيا النومية لا من الرؤية البصرية كما يدل عليه ) لا تقصص رؤياك على
إخوتك ( قوله ) أحد عشر كوكبا ( قرئ بسكون العين تخفيفا لتوالي الحركات وقرأ
بفتحها على الأصل ) والشمس والقمر ( إنما أخرهما عن الكواكب لإظهار مزيتهما
وشرفهما كما في عطف جبريل وميكائيل على الملائكة وقيل إن الواو بمعنى مع وجملة )
رأيتهم لي ساجدين ( مستأنفة لبيان الحالة التي رآهم عليها وأجريت مجرى العقلاء في
الضمير المختص بهم لوصفها بوصف العقلاء وهو كونها ساجدة كذا قال الخليل وسيبويه
والعرب تجمع ما لا يعقل جمع من يعقل إذا أنزلوه منزلته
يوسف : ( 5 ) قال يا بني . . . . .
) قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك ( الرؤيا مصدر رأي في المنام رؤيا على وزن
فعلي كالسقيا والبشرى وألفه للتأنيث ولذلك لم يصرف نهي يعقوب عليه السلام ابنه
يوسف عن أن يقص رؤياه على إخوته لأنه قد علم تأويلها وخاف أن يقصها على إخوته
فيفهمون تأويلها ويحصل منهم الحسد له ولهذا قال ) فيكيدوا لك كيدا ( وهذا جواب
النهي وهو منصوب بإضمار أن أي فيفعلوا لك أي لأجلك كيدا مثبتا راسخا لا تقدر على
الخلوص منه أو كيدا خفيا عن فهمك وهذا المعنى الحاصل بزيادة اللام آكد من أن يقال
فيكيدوا كيدا وقيل إنما جيء باللام لتضمينه معنى الاحتيال المتعدي باللام فيفيد
هذا التضمين معنى الفعلين جميعا الكيد والاحتيال كما هو القاعدة في التضمين أن
يقدر أحدهما أصلا والآخر حالا وجملة ) إن الشيطان للإنسان عدو مبين ( مستأنفة كأن
يوسف عليه السلام قال كيف يقع منهم فنبهه بأن الشيطان يحملهم على ذلك لأنه عدو
للإنسان مظهر للعداوة مجاهر بها
يوسف : ( 6 ) وكذلك يجتبيك ربك . . . . .
قوله ) وكذلك يجتبيك ربك ( أي مثل ذلك الاجتباء البديع الذي رأيته في النوم من
سجود الكواكب والشمس والقمر يجتبيك ربك ويحقق فيك تأويل تلك الرؤيا فيجعلك نبيا
ويصطفيك على سائر العباد ويسخرهم لك كما تسخرت لك تلك الأجرام التى رأيتها في
منامك فصارت ساجدة لك قال النحاس والاجتباء أصله من جبيت الشيء حصلته ومنه جبيت
الماء في الحوض جمعته ومعنى الاجتباء الاصطفاء وهذا يتضمن الثناء على يوسف وتعديد
نعم الله عليه ومنها ) ويعلمك من تأويل الأحاديث ( أي تأويل الرؤيا قال القرطبي
وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا وقد كان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتأويلها
وقيل المراد ويعلمك من تأويل أحاديث الأمم والكتب وقيل المراد به إحواج إخوته إليه
وقيل إنجاؤه من كل مكروه وقيل إنجاؤه من القتل خاصة ) ويتم نعمته عليك (
"""""" صفحة رقم 6
""""""
فيجمع لك بين النبوة والملك كما تدل عليه هذه الرؤيا التي أراك الله أو يجمع لك
بين خيري الدنيا والآخرة ) وعلى آل يعقوب ( وهم قرابته من إخوته وأولاده ومن بعدهم
وذلك أن الله سبحانه أعطاهم النبوة كما قاله جماعة من المفسرين ولا يبعد أن يكون
إشارة إلى ما حصل لهم بعد دخولهم مصر من النعم التى من جملتها كون الملك فيهم مع
كونهم أنبياء ) كما أتمها على أبويك ( أي إتماما مثل إتمامها على أبويك وهي نعمة
النبوة عليهما مع كون إبراهيم اتخذه الله خليلا ومع كون إسحاق نجاه الله سبحانه من
الذبح وصار لهما الذرية الطيبة وهم يعقوب ويوسف وسائر الأسباط ومعنى ) من قبل ( من
قبل هذا الوقت الذي أنت فيه أو من قبلك وإبراهيم وإسحق عطف بيان لأبويك وعبر عنهما
بالأبوين مع كون أحدهما جدا وهو إبراهيم لأن الجد أب ) إن ربك عليم ( بكل شيء )
حكيم ( في كل أفعاله والجملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها تعليلا له أي فعل ذلك
لأنه عليم حكيم وكان هذا كلام من يعقوب مع ولده يوسف تعبيرا لرؤياه على طريق
الإجمال أو علم ذلك من طريق الوحي أو عرفه بطريق الفراسة وما تقتضيه المخايل
اليوسفية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) تلك آيات الكتاب المبين ( قال بين الله
حلاله وحرامه وأخرج ابن جرير عن معاذ قال بين الله الحروب التى سقطت عن ألسن
الأعاجم وهي ستة أحرف وأخرج الحاكم عن جابر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
تلا قرآنا عربيا ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألهم إسماعيل هذا اللسان
العربي إلهاما وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال نزل القرآن بلسان قريش وهو كلامهم
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قالوا يا رسول الله لو قصصت علينا فنزلت ) نحن نقص
عليك أحسن القصص ( وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مثله وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ
عن قتادة في قوله ) نحن نقص عليك أحسن القصص ( قال من الكتب الماضية وأمور الله
السالفة في الأمم ) وإن كنت من قبله ( أي من قبل هذا القرآن ) لمن الغافلين (
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك ) نحن نقص عليك أحسن القصص ( قال القرآن وأخرج ابن جرير
وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله )
إني رأيت أحد عشر كوكبا ( قال رؤيا الأنبياء وحي وأخرج سعيد بن منصور والبزار وأبو
يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي وابن حبان في الضعفاء وأبو
الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال جاء
بستاني اليهودي إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد أخبرني عن الكواكب
التى رآها يوسف ساجدة له ما أسماؤها فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يجبه
بشيء فنزل عليه جبريل فأخبره بأسمائها فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى
البستاني اليهودي فقال هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها قال نعم قال خرثان والطارق
والذيال وذو الكتفان وقابس ووثاب وعمودان والفيلق والمصبح والضروح وذو الفرغ
والضياء والنور رآها في أفق السماء ساجدة له فلما قص يوسف على يعقوب قال هذا أمر
مشتت يجمعه الله من بعد فقال اليهودي إي والله إنها لأسماؤها هكذا ساقه السيوطي في
الدر المنثور وأما ابن كثير فجعل قوله فلما قص الخ رواية منفردة وقال تفرد بها
الحكم بن ظهيرة الفزاري وقد ضعفوه وتركه الأكثرون وقال الجوزجاني ساقط وقال ابن
الجوزي هو موضوع وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) أحد عشر كوكبا ( قال
إخوته والشمس قال أمه والقمر قال أبوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن
قتادة نحوه وأخرج ابن جرير عن السدي نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن ابن زيد نحوه
أيضا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس ) وكذلك يجتبيك ربك ( قال
"""""" صفحة رقم 7
""""""
يصطفيك وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي
حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) ويعلمك من تأويل الأحاديث ( قال عبارة الرؤيا وأخرج
ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد ) ويعلمك من تأويل الأحاديث ( قال تأويل العلم
والحلم وكان يوسف من أعبر الناس وأخرج ابن جرير عن عكرمة ) كما أتمها على أبويك (
قال فنعمته على إبراهيم أن نجاه من النار وعلى إسحاق أن نجاه من الذبح
سورة يوسف الآية ( 7- 10 )
يوسف : ( 7 ) لقد كان في . . . . .
أي ) لقد كان ( في قصتهم علامات دالة على عظيم قدرة الله وبديع صنعه ) للسائلين (
من الناس عنها وقرأ أهل مكة آية على التوحيد وقرأ الباقون على الجمع واختار قراءة
الجمع أبو عبيد قال النحاس وآية ها هنا قراءة حسنة وقيل المعنى لقد كان في يوسف
وإخوته آيات دالة عل نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) للسائلين له من اليهود فإنه
روى أنه قال له جماعة من اليهود وهو بمكة أخبرنا عن رجل من الأنبياء كان بالشام
أخرج ابنه إلى مصر فبكى عليه حتى عمى ولم يكن بمكة أحد من أهل الكتاب ولا من يعرف
خبر الأنبياء وإنما وجهوا إليه من أهل المدينة من يسأله عن هذا فأنزل الله سورة
يوسف جملة واحدة كما في التوراة وقيل معنى ) آيات للسائلين ( عجب لهم وقيل بصيرة
وقيل عبرة قال القرطبي وأسماؤهم يعني إخوة يوسف روبيل وهو أكبرهم وشمعون ولاوى
ويهوذا وريالون ويشجر وأمهم ليا بنت ليان وهي بنت خال يعقوب وولد له من سريتين
أربعة وهم دان ونفتالي وجاد وآشر ثم ماتت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له
يوسف وبنيامين وقال السهيلي إن أم يوسف اسمها وقفا وراحيل ماتت من نفاس بنيامين
وهو أكبر من يوسف
يوسف : ( 8 ) إذ قالوا ليوسف . . . . .
) إذ قالوا ليوسف وأخوه ( أي وقت قالوا والظرف متعلق بكان ) أحب إلى أبينا منا (
والمراد بقوله ) وأخوه ( هو بنيامين وخصوه بكونه أخاه مع أنهم جميعا إخوته لأنه
أخوه لأبويه كما تقدم ووحد الخبر فقال أحب مع تعدد المبتدأ لأن أفعل التفضيل يستوي
فيه الواحد وما فوقه إذا لم يعرف واللام في ليوسف هي الموطئة للقسم وإنما قالوا
هذه لأنه بلغهم خبر الرؤيا فأجمع رأيهم على كيده وجملة ) ونحن عصبة ( في محل نصب
عل الحال والعصبة الجماعة قيل وهي ما بين الواحد إلى العشرة وقيل إلى الخمسة عشر
وقيل من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها بل هي كالنفر والرهط وقد كانوا
عشرة ) إن أبانا لفي ضلال مبين ( أي لفي ذهاب عن وجه التدبير بالترجيح لهما علينا
وإيثارهما دوننا مع استوائنا في الانتساب إليه ولا يصح أن يكون مرادهم أنه في دينه
في ضلال مبين
يوسف : ( 9 ) اقتلوا يوسف أو . . . . .
) اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا ( أي قالوا افعلوا به أحد الأمرين إما القتل أو
الطرح في أرض أو المشير بالقتل بعضه والمشير بالطرح البعض الآخر أو كان المتكلم
بذلك واحد منهم فوافقه الباقون فكانوا كالقائل في نسبة هذا المقول إليهم وانتصاب
أرضا على الظرفية والتنكير للإبهام أي أرضا مجهولة وجواب الأمر ) يخل لكم وجه
أبيكم ( أي يصف ويخلص فيقبل عليكم ويحبكم حبا
"""""" صفحة رقم 8
""""""
كاملا ) وتكونوا ( معطوف على يخل ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أن ) من بعده ( أي
من بعد يوسف والمراد بعد الفراغ من قتله أو طرحه وقيل من بعد الذنب الذي اقترفوه
في يوسف ) قوما صالحين ( في أمور دينكم وطاعة أبيكم أو صالحين في أمور دنياكم
لذهاب ما كان يشغلكم عن ذلك هو الحسد ليوسف وتكدر خواطركم بتأثيره عليكم هو وأخوه
أو المراد بالصالحين التائبون من الذنب
يوسف : ( 10 ) قال قائل منهم . . . . .
) قال قائل منهم ( أي من الإخوة قيل هو يهوذا وقيل روبيل وقيل شمعون ) لا تقتلوا
يوسف وألقوه في غيابة الجب ( قيل ووجه الإظهار في لا تقتلوا يوسف استجلاب شفقتهم
عليه قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة وأهل الشام في غيابة الجب بالإفراد وقرأ
أهل المدينة بالجمع واختار أبو عبيد الإفراد وأنكر الجمع لأن الموضع الذي ألقوه
فيه واحد قال النحاس وهذا تضييق في اللغة وغيابات على الجمع تجوز والغيابة كل شيء
غيب عنك شيئا وقيل للقبر غيابة والمراد بها هنا غور البئر الذي لا يقع البصر عليه
أو طاقة فيه قال الشاعر ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث
إلى ذا كما قد غيبتني غيابيا
والجب البئر التى لم تطو ويقال لها قبل الطي ركية فإذا طويت قيل لها بئر سميت جبا
لأنها قطعت في الأرض قطعا وجمع الجب جبب وجباب وأجباب وجمع بين الغيابة والجب
مبالغة في أن يلقوه في مكان من الجب شديد الظلمة حتى لا يدركه نظر الناظرين قيل
وهذه البئر ببيت المقدس وقيل بالأردن وجواب الأمر ) يلتقطه بعض السيارة ( قرأ
مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة تلتقطه بالمثناة الفوقية ووجهه أن بعض السيارة
سيارة وحكى عن سيبويه سقطت بعض أصابعه ومنه قول الشاعر أرى مر السنين أخذن مني
كما أخذ السرار من الهلال
وقرأ الباقون ) يلتقطه ( بالتحتية والسيارة الجمع الذي يسيرون في الطريق والالتقاط
هو اخذ شيء مشرف على الضياع وكأنهم أرادوا أن بعض السيارة إذا التقطه حمله إلى
مكان بعيد بحيث يخفي عن أبيه ومن يعرفه ولا يحتاجون إلى الحركة بأنفسهم إلى المكان
البعيد فربما أن والدهم لا يأذن لهم بذلك ومعنى إن كنتم فاعلين إن كنتم عاملين بما
أشرت به عليكم في أمره كأنه لم يجزم بالأمر وبل وكله إلى ما يجمعون عليه كما يفعله
المشير مع من استشاره وفي هذا دليل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء فإن الأنبياء
لا يجوز عليهم التواطؤ على القتل لمسلم ظلما وبغيا وقيل كانوا أنبياء وكان ذلك منهم
زلة قدم وأوقعهم فيها التهاب نار الحسد في صدورهم واضطرام جمرات الغيظ في قلوبهم
ورد بأن الأنبياء معصومون عن مثل هذه المعصية الكثيرة المتبالغة في الكبر مع ما في
ذلك من قطع الرحم وعقوق الوالد وافتراء الكذب وقيل إنهم لم يكونوا في ذلك الوقت
أنبياء بل صاروا أنبياء من بعد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) آيات للسائلين ( قال عبرة وأخرج أيضا عن
قتادة في الآية يقول من سأل عن ذلك فهو هكذا ما قص الله عليكم وأنبأكم به وأخرج
أبو الشيخ عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق قال إنما قص الله على محمد
( صلى الله عليه وسلم ) خبر يوسف وبغي إخوته عليه وحسدهم إياه حين ذكر رؤياه لما
رأى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من بغي قومه عليه وحسدهم إياه حين أكرمه
الله بنبوته ليأتسى به وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) إذ قالوا
ليوسف وأخوه ( يعني بنيامين هو أخوه لأبيه وأمه وفي قوله ) ونحن عصبة ( قال العصبة
ما بين العشرة إلى الأربعين
"""""" صفحة رقم 9
""""""
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد قال العصبة الجماعة ) إن
أبانا لفي ضلال مبين ( قال لفي خطأ من رأيه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ
في قوله ) قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف ( قال قاله كبيرهم الذي تخلف قال والجب
بئر بالشام ) يلتقطه بعض السيارة ( قال التقطه ناس من الأعراب وأخرج ابن جرير وابن
أبي حاتم عنه في قوله ) وألقوه في غيابة الجب ( يعني الركية وأخرج ابن جرير عن
الضحاك قال الجب البئر وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ قال
هي بئر ببيت المقدس يقول في بعض نواحيها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال الجب
بحذاء طبرية بينه وبينها أميال
سورة يوسف الآية ( 11 18 )
يوسف : ( 11 ) قالوا يا أبانا . . . . .
لما أجمع رأيهم على أن يلقوه في غيابات الجب جاءوا إلى أبيهم وخاطبوه بلفظ الأبوة
استعطافا له وتحريكا للحنو الذي جبلت عليه طبائع الآباء للأبناء وتوسلا بذلك إلى
تمام ما يريدونه من الكيد الذي دبروه واستفهموه استفهام المنكر لأمر ينبغي أن يكون
الواقع على خلافه ) قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف ( أي أي شيء لك لا
تجعلنا أمناء عليه وكأنهم قد كانوا سألوه قبل ذلك أن يخرج معهم يوسف فأبى وقرأ
يزيد بن القعقاع وعمرو بن عبيد والزهري ) لا تأمنا ( بالإدغام بغير إشمام وقرأ
طلحة بن مصرف ? لا تأمننا ? بنونين ظاهرتين على الأصل وقرأ يحيى بن وثاب وأبو رزين
والأعمش لا تيمنا وهو لغة تميم كما تقدم وقرأ سائر القراء بالإدغام والإشمام ليدل
على حال الحرف قبل إدغامه ) وإنا له لناصحون ( في حفظه وحيطته حتى نرده إليك
يوسف : ( 12 ) أرسله معنا غدا . . . . .
) أرسله معنا غدا ( أي إلى الصحراء التي أرادوا الخروج إليها وغدا ظرف والأصل عند
سيبويه غدوة قال النضر بن شميل ما بين الفجر وطلوع الشمس يقال له غدوة وكذا يقال
له بكرة ) يرتع ويلعب ( هذا جواب الأمر قرأ أهل البصرة وأهل مكة وأهل الشام بالنون
وإسكان العين كما رواه البعض عنهم وقرءوا أيضا بالاختلاس وقرأ الباقون بالنون وكسر
العين والقراءة الأولى مأخوذة من قول العرب رتع الإنسان أو البعير إذا أكل كيف شاء
أو المعنى نتسع في الخصب وكل مخصب راتع قال الشاعر فارعى فزارة لا هناك المرتع
ومنه قول
"""""" صفحة رقم 10
""""""
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت
فإنما هي إقبال وإدبار
والقراءة الثانية مأخوذة من رعي الغنم وقرأ مجاهد وقتادة ) يرتع ويلعب ( بالتحتية
فيهما ورفع يلعب على الاستئناف والضمير ليوسف وقال القتيبي معنى نرتع نتحارس
ونتحافظ ويرعى بعضنا بعضا من قولهم رعاك الله أي حفظك ونلعب من اللعب قيل لأبي
عمرو بن العلاء كيف قالوا ونلعب وهم أنبياء فقال لم يكونوا يومئذ أنبياء وقيل
المراد به اللعب المباح من الأنبياء وهو مجرد الانبساط وقيل هو اللعب الذي يتعلمون
به الحرب ويتقوون به عليه كما في قولهم ) إنا ذهبنا نستبق ( لا اللعب المحظور الذي
هو ضد الحق ولذلك لم ينكر يعقوب عليهم لما قالوا ونلعب ومنه قوله ( صلى الله عليه
وسلم ) لجابر فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك
يوسف : ( 13 ) قال إني ليحزنني . . . . .
فأجابهم يعقوب بقوله ) إني ليحزنني أن تذهبوا به ( أي ذهابكم به واللام في )
ليحزنني ( لام الابتداء للتأكيد ولتخصيص المضارع بالحال أخبرهم أنه يحزن لغيبة
يوسف عنه لفرط محبته له وخوفه عليه ) وأخاف أن يأكله الذئب ( أي ومع ذلك أخاف أن
يأكله الذئب قال يعقوب هذا تخوفا عليه منهم فكنى عن ذلك بالذئب وقيل إنه خاف أن
يأكله الذئب حقيقة لأن ذلك المكان كان كثير الذئاب ولو خاف منهم عليه أن يقتلوه
لأرسل معهم من يحفظه قال ثعلب والذئب مأخوذ من تذأبت الريح إذا هاجت من كل وجه قال
والذئب مهموز لأنه يجيء من كل وجه وقد قرأ ابن كثير ونافع في رواية عنه بالهمز على
الأصل وكذلك أبو عمرو في رواية عنه وابن عامر وعاصم وحمزة وقرأ الباقون بالتخفيف )
وأنتم عنه غافلون ( لاشتغالكم بالرتع واللعب أو لكونهم غير مهتمين بحفظه
يوسف : ( 14 ) قالوا لئن أكله . . . . .
) قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة ( اللام هي الموطئة للقسم والمعنى والله لئن
أكله الذئب والحال إن نحن عصبة أي جماعة كثيرة عشرة ) إنا إذا لخاسرون ( أي إنما
فى ذلك الوقت وهو أكل الذئب له لخاسرون هالكون ضعفا وعجزا أو مستحقون للهلاك لعدم
الاعتداد بنا وانتفاء القدرة على أيسر شيء وأقله أو مستحقون لأن يدعى علينا
بالخسار والدمار وقيل لخاسرون لجاهلون حقه وهذه الجملة جواب القسم المقدر في
الجملة التي قبلها
يوسف : ( 15 ) فلما ذهبوا به . . . . .
) فلما ذهبوا به ( من عند يعقوب ) وأجمعوا ( أمرهم ) أن يجعلوه في غيابة الجب ( قد
تقدم تفسير الغيابة والجب قريبا وجواب لما محذوف لظهوره ودلالة المقام عليه
والتقدير فعلوا به ما فعلوا وقيل جوابه ) قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق ( وقيل
الجواب المقدر جعلوه فيها وقيل الجواب أوحينا والواو مقحمة ومثله قوله تعالى )
فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ( أي ناديناه ) وأوحينا إليه ( أي إلى يوسف
تيسيرا له وتأنيسا لوحشته مع كونه صغيرا اجتمع على إنزال الضرر به عشرة رجال من
إخوته بقلوب غليظة فقد نزعت عنها الرحمة وسلبت منها الرأفة فإن الطبع البشري دعا
عنك الدين يتجاوز عن ذنب الصغير ويغتفره لضعفه عن الدفع وعجزه عن أيسر شيء يراد
منه فكيف بصغير لا ذنب له بل كيف بصغير هو أخ وله ولهم أب مثل يعقوب فلقد أبعد من
قال إنهم كانوا أنبياء فى ذلك الوقت فما هكذا عمل الأنبياء ولا فعل الصالحين وفى
هذا دليل على أنه يجوز أن يوحى الله إلى من كان صغيرا ويعطيه النبوة حينئذ كما وقع
في عيسى ويحيى بن زكريا وقد قيل إنه كان في ذلك الوقت قد بلغ مبالغ الرجال وهو
بعيد جدا فإن من كان قد بلغ مبالغ الرجال لا يخاف عليه أن يأكله الذئب ) لتنبئنهم بأمرهم
هذا ( أي لتخبرن إخوتك بأمرهم هذا الذي فعلوه معك بعد خلوصك مما أرادوه بك من
الكيد وأنزلوه عليك من الضرر وجملة ) وهم لا يشعرون ( في محل نصب على الحال أي لا
يشعرون بأنك أخوهم يوسف لاعتقادهم هلاكك بإلقائهم لك في غيابة الجب ولبعد عهدهم بك
ولكونك قد صرت عند ذلك في حال غير ما كنت عليه وخلاف ما عهدوه منك وسيأتي ما قاله
لهم عند دخولهم عليه بعد أن صار إليه ملك مصر
"""""" صفحة رقم 11
""""""
يوسف : ( 16 ) وجاؤوا أباهم عشاء . . . . .
قوله ) وجاؤوا أباهم عشاء يبكون ( عشاء منتصب على الظرفية وهو آخر النهار وقيل في
الليل ويبكون في محل نصب على الحال أي باكين أو متباكين لأنهم لم يبكوا حقيقة بل
فعلوا فعل من يبكي ترويجا لكذبهم وتنفيقا لمكرهم وغدرهم فلما وصلوا إلى أبيهم
يوسف : ( 17 ) قالوا يا أبانا . . . . .
) قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق ( أي نتسابق في العدو أو في الرمي وقيل ننتضل
ويؤيده قراءة ابن مسعود ننتضل قال الزجاج وهو نوع من المسابقة وقال الأزهري النضال
في السهام والرهان في الخيل والمسابقة تجمعهما قال القشيري نستبق أي في الرمي أو
على الفرس أو على الأقدام والغرض من المسابقة التدرب بذلك في القتال ) وتركنا يوسف
عند متاعنا ( أي عند ثيابنا ليحرسها ) فأكله الذئب ( الفاء للتعقيب أي أكله عقب
ذلك وقد اعتذروا عليه بما خافه سابقا عليه ورب كلمة تقول لصاحبها دعني ) وما أنت
بمؤمن لنا ( بمصدق لنا في هذا العذر الذي أبدينا والكلمة التى قلناها ) ولو كنا (
عندك أو في الواقع ) صادقين ( لما قد علق بقلبك من التهمة لنا في ذلك مع شدة محبتك
له قال الزجاج والمعنى ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا في هذه القضية
لشدة محبتك ليوسف وكذا ذكره ابن جرير وغيره
يوسف : ( 18 ) وجاؤوا على قميصه . . . . .
) وجاؤوا على قميصه بدم كذب ( على قميصه في محل نصب على الظرفية أي جاءوا فوق
قميصه بدم ووصف الدم بأنه كذب مبالغة كما هو معروف في وصف اسم العين باسم المعنى
وقيل المعنى بدم ذي كذب أو بدم مكذوب فيه وقرأ الحسن وعائشة بدم كدب بالدال
المهملة أي بدم طري يقال للدم الطري كدب وقال الشعبي إنه المتغير والكذب أيضا
البياض الذي يخرج في أظفار الأحداث فيجوز أن يكون شبه الدم في القميص بالبياض الذي
يخرج في الظفر من جهة اللونين وقد استدل يعقوب على كذبهم بصحة القميص وقال لهم متى
كان هذا الذئب حكيما يأكل يوسف ولا يخرق القميص ثم ذكر الله سبحانه ما أجاب به
يعقوب عليهم فقال ) قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا ( أي زينت وسهلت قال النيسابوري
التسويل تقرير في معنى النفس مع الطمع في تمامه وهو تفعيل من السول وهو الأمنية
قال الأزهري وأصله مهموز غير أن العرب استثقلوا فيه الهمزة ) فصبر جميل ( قال
الزجاج أي فشأني أو الذى أعتقده صبر جميل وقال قطرب أي فصبري صبر جميل وقيل فصبر
جميل أولى بي قيل والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه قال الزجاج قرأ عيسى بن عمر
فيما زعم سهل بن يوسف ) فصبر جميل ( قال و كذا في مصحف أنس قال المبرد فصبر جميل
بالرفع أولى من النصب لأن المعنى قال رب عندي صبر جميل وإنما النصب على المصدر أي
فلأصبرن صبرا جميلا قال الشاعر شكا إلي جملي طول السرى
صبرا جميلا فكلانا مبتلى
) والله المستعان ( أي المطلوب من العون ) على ما تصفون ( أي على إظهار حال ما
تصفون أو على احتمال ما تصفون وهذا منه عليه السلام إنشاء لا إخبار
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أرسله معنا غدا يرتع ويلعب
( قال نسعى وننشط ونلهو وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والسلفي في الطيوريات عن ابن
عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تلقنوا الناس فيكذبوا فإن بني
يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الناس فلما لقنهم أبوهم كذبوا فقالوا أكله الذئب
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله
"""""" صفحة رقم 12
""""""
) وأوحينا إليه ( الآية قال أوحى إلى يوسف وهو في الجب لتنبئن إخوتك بما صنعوا وهم
لا يشعرون بذلك الوحي وأخرج هؤلاء عن قتادة قال أوحى الله إليه وحيا وهو في الجب
أن سينبئهم بما صنعوا وهم أي إخوته لا يشعرون بذلك الوحي فهون ذلك الوحي عليه ما
صنع به وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وهم لا يشعرون ( قال
لم يعلموا بوحي الله إليه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال لما دخل إخوة يوسف
على يوسف فعرفهم وهم له منكرون جيء بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال إنه
ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف يدنيه دونكم وأنكم
انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب فأتيتم أباكم فقلتم إن الذئب أكله وجئتم على
قميصه بدم كذب فقال بعضهم لبعض إن هذا الجام ليخبره ويخبركم فقال ابن عباس فلا نرى
هذه الآية نزلت إلا في ذلك لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وأخرج ابن أبي حاتم
وابن مردويه عن أبي بكر بن عياش قال كان يوسف في الجب ثلاثة أيام وأخرج أبو الشيخ عن
الضحاك ) وما أنت بمؤمن لنا ( قال بمصدق لنا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي
حاتم عن ابن عباس ) وجاؤوا على قميصه بدم كذب ( قال كان دم سخلة وأخرج ابن جرير عن
مجاهد مثله وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن
عباس ) وجاؤوا على قميصه بدم كذب ( قال لما أتى يعقوب بقميص يوسف فلم ير فيه خرقا
قال كذبتم لو كان كما تقولون أكله الذئب لخرق القميص وأخرج ابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن ابن عباس في قوله ) بل سولت لكم أنفسكم أمرا ( قال أمرتكم أنفسكم وأخرج
ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) بل سولت لكم أنفسكم أمرا (
يقول بل زينت لكم أنفسكم أمرا ) فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ( أي على
ما تكذبون وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي
حاتم عن حبان بن أبي حبلة قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قوله )
فصبر جميل ( قال لا شكوى فيه من بث لم يصبر وهو من طريق هشيم عن عبد الرحمن عن
حبان بن أبي حبلة وهو مرسل وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن
أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فصبر جميل ( قال ليس فيه جزع
سورة يوسف الآية ( 19 22 )
يوسف : ( 19 ) وجاءت سيارة فأرسلوا . . . . .
هذا شروع في حكاية خلاص يوسف وما كان بعد ذلك من خبره وقد تقدم تفسير السيارة
والمراد بها هنا رفقة مارة تسير من الشام إلى مصر فأخطئوا الطريق وهاموا حتى نزلوا
قريبا من الجب وكان في قفرة بعيدة
"""""" صفحة رقم 13
""""""
العمران والوارد الذي يرد الماء ليستقي للقوم وكان اسمه فيما ذكر المفسرون مالك بن
ذعر من العرب العاربة ) فأدلى دلوه ( أي أرسله يقال أدلى دلوه إذا أرسلها ليملأها
ودلاها إذا أخرجها قاله الأصمعي وغيره فتعلق يوسف بالحبل فلما خرج الدلو من البئر
أبصره الوارد ف ) قال يا بشرى ( هكذا قرأ أهل المدينة وأهل مكة وأهل البصرة وأهل
الشام بإضافة البشرى إلى الضمير وقرأ أهل الكوفة ) يا بشرى ( غير مضاف ومعنى
مناداته للبشرى أنه أراد حضورها في ذلك الوقت فكأنه قال هذا وقت مجيئك وأوان حضورك
وقيل إنه نادى رجلا اسمه بشرى والأول أولى قال النحاس والمعنى من نداء البشرى
التبشير لمن حضر وهو أوكد من قولك بشرته كما تقول يا عجبا أي يا عجب هذا من أيامك
فاحضر قال وهذا مذهب سيبويه ) وأسروه ( أي أسر الوارد وأصحابه الذين كانوا معه
يوسف فلم يظهروه لهم وقيل إنهم لم يخفوه بل أخفوا وجدانه لهم في الجب وزعموا أنه
دفعه إليهم أهل الماء ليبيعوه لهم بمصر وقيل ضمير الفاعل في أسروه لإخوة يوسف
وضمير المفعول ليوسف وذلك أنه كان يأتيه أخوه يهوذا كل يوم بطعام فأتاه يوم خروجه
من البئر فأخبر إخوته فأتوا الرفقة وقالوا هذا غلام أبق منا فاشتروه منهم وسكت يوسف
مخافة أن يأخذوه فيقتلوه والأول أولى وانتصاب بضاعة على الحال أي أخفوه حال كونه
بضاعة أي متاعا للتجارة والبضاعة ما يبضع من المال أي يقطع منه لأنها قطعة من
المال الذي يتجر به قيل قاله لهم الوارد وأصحابه أنه بضاعة استبضعناها من الشام
مخافة أن يشاركوهم فيه وفي قوله ) والله عليم بما يعملون ( وعيد شديد لمن كان فعله
سببا لما وقع فيه يوسف من المحن وما صار فيه من الابتذال بجري البيع والشراء فيه
وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم
كما قال نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) في وصفه بذلك
يوسف : ( 20 ) وشروه بثمن بخس . . . . .
قوله ) وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ( يقال شراه بمعنى اشتراه وشراه بمعنى باعه
قال الشاعر وشريت بردا ليتني
من بعد برد كنت هامه
أي بعته
وقال آخر فلما شراها فاضت العين عبرة
أي اشتراها والمراد هنا وباعوه اي باعه الوارد وأصحابه ) بثمن بخس ( أي ناقص أو
زائف وقيل يعود إلى إخوة يوسف على القول السابق وقيل عائد إلى الرفقة والمعنى
اشتروه وقيل بخس ظلم وقيل حرام قيل باعوه بعشرين درهما وقيل بأربعين ودراهم بدل من
ثمن أي دنانير ومعدودة وصف لدراهم وفيه إشارة إلى أنها قليلة تعد ولا توزن لأنهم
كانوا لا يزنون ما دون أوقية وهى أربعون درهما ) وكانوا فيه من الزاهدين ( يقال
زهدت وزهدت بفتح الهاء وكسرها قال سيبويه والكسائي قال أهل اللغة يقال زهد فيه أي
رغب عنه وزهد عنه أي رغب فيه والمعنى أنهم كانوا فيه من الراغبين عنه الذين لا
يبالون به فلذلك باعوه بذلك الثمن البخس وذلك لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون
به والضمير من كانوا يرجع إلى ما قبله على حسب اختلاف الأقوال فيه
يوسف : ( 21 ) وقال الذي اشتراه . . . . .
) وقال الذي اشتراه من مصر ( هو العزيز الذي كان على خزائن مصر وكان وزيرا لملك
مصر وهو الريان بن الوليد من العمالقة وقيل إن الملك هو فرعون موسى قيل اشتراه
بعشرين دينارا وقيل تزايدوا في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مسكا وعنبرا وحريرا وورقا
وذهبا ولآلئ وجواهر فلما اشتراه العزيز قال ) لامرأته ( واللام متعلقة باشتراه )
أكرمي مثواه ( أي منزله الذي يثوي فيه بالطعام الطيب واللباس الحسن يقال ثوى
بالمكان أي أقام به ) عسى أن ينفعنا ( أي يكفينا بعض المهمات مما نحتاج إلى مثله
فيه ) أو نتخذه ولدا ( أي نتبناه فنجعله ولدا لنا قيل كان العزيز حصورا لا يولد له
وقيل كان لا يأتي النساء وقد كان تفرس فيه أنه ينوب عنه فيما إليه
"""""" صفحة رقم 14
""""""
من أمر المملكة قوله ) وكذلك مكنا ليوسف ( الكاف في محل نصب على أنه نعت مصدر
محذوف والإشارة إلى ما تقدم من إنجائه من إخوته وإخراجه من الجب وعطف قلب العزيز
عليه أي مثل ذلك التمكين البديع مكنا ليوسف حتى صار متمكنا من الأمر والنهي يقال
مكنه فيه أي أثبته فيه ومكن له فيه أي أي جعل له فيه مكانا ولتقارب المعنيين
يستعمل كل واحد منهما مكان الآخر قوله ) ولنعلمه من تأويل الأحاديث ( هو علة لمعلل
محذوف كأنه قيل فعلنا ذلك التمكين لنعلمه من تأويل الأحاديث أو كان ذلك الإنجاء
لهذه العلة أو معطوف على مقدر وهو أن يقال مكنا ليوسف ليترتب على ذلك ما يترتب مما
جرى بينه وبين امرأة العزيز ولنعلمه من تأويل الأحاديث ومعنى تأويل الأحاديث تأويل
الرؤيا فإنها كانت من الأسباب التى بلغ بها ما بلغ من التمكن وقيل معنى تأويل
الأحاديث فهم أسرار الكتب الإلهية وسنن من قبله من الأنبياء ولا مانع من حمل ذلك
على الجميع ) والله غالب على أمره ( أي على أمر نفسه لا يمتنع منه شيء ولا يغالبه
عليه غيره من مخلوقاته ) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ( ومن جملة
ما يدخل تحت هذا العام كما يفيد ذلك إضافة اسم الجنس إلى الضمير ما يتعلق بيوسف
عليه السلام من الأمور التى أرادها الله سبحانه في شأنه وقيل معنى ) والله غالب
على أمره ( أنه كان من أمر يعقوب أن لا يقص رؤيا يوسف على إخوته فغلب أمر الله
سبحانه حتى قصت عليهم حتى وقع منهم ما وقع وهذا بعيد جدا ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون
( أي لا يطلعون على غيب الله وما في طيه من الأسرار العظيمة والحكم النافعة وقيل
المراد بالأكثر الجميع لأنه لا يعلم الغيب إلا الله وقيل إن الله سبحانه قد يطلع
بعض عبيده على بعض غيبه كما في قوله ) فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من
رسول ( وقيل المعنى ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الله غالب على أمره وهم المشركون
ومن لا يؤمن بالقدر
يوسف : ( 22 ) ولما بلغ أشده . . . . .
قوله ) ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما ( الأشد قال سيبويه جمع واحده شدة وقال
الكسائي واحده شد وقال أبو عبيد إنه لا واحد له من لفظه عند العرب ويرده قول
الشاعر عهدي به شد النهار كأنما
خضب البنان ورأسه بالعظلم
والأشد هو وقت استكمال القوة ثم يكون بعده النقصان قيل هو ثلاث وثلاثون سنة وقيل
بلوغ الحلم وقيل ثماني عشرة سنة وقيل غير ذلك مما قد قدمنا بيانه في النساء
والأنعام والحكم هو ما كان يقع منه من الأحكام في سلطان ملك مصر والعلم هو العلم
بالحكم الذي كان يحكمه وقيل العقل والفهم والنبوة وقيل الحكم والعلم الذي آتاه
الله هو الزيادة فيهما ) وكذلك نجزي المحسنين ( أي ومثل ذلك الجزاء العجيب نجزي
المحسنين فكل من أحسن في عمله أحسن الله جزاءه وجعل عاقبة الخير من جملة ما يجزيه
به وهذه عام يدخل تحته جزاء يوسف على صبره الحسن دخولا أوليا قال الطبري هذا وإن
كان مخرجه ظاهرا على كل محسن فالمراد به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يقول الله
تعالى كما فعل هذا بيوسف ثم أعطيته ما أعطيته كذلك أنجيك من مشركي قومك الذين
يقصدونك بالعداوة وأمكن لك في الأرض والأولى ما ذكرناه من حمل العموم على ظاهره
فيدخل تحته ما ذكره ابن جرير الطبري
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله )
وجاءت سيارة ( قال جاءت سيارة فنزلت على الجب ) فأرسلوا واردهم ( فاستسقى الماء
فاستخرج يوسف فاستبشروا بأنهم أصابوا غلاما لا يعلمون علمه ولا منزلته من ربه
فزهدوا فيه فباعوه وكان بيعه حراما وباعوه بدراهم معدودة
"""""" صفحة رقم 15
""""""
وأخرج عبد الرزاق وابن بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ) فأرسلوا
واردهم ( يقول فأرسلوا رسولهم ) فأدلى دلوه ( فنشب الغلام بالدلو فلما خرج ) قال
يا بشرى هذا غلام ( تباشروا به حين استخرجوه وهى بئر ببيت المقدس معلوم مكانها
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) يا بشرى
( قال كان اسم صاحبه بشرى كما تقول يا زيد وهذا على ما فيه من البعد لا يتم إلا
على قراءة من قرأ يا بشرى بدون إضافة وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي نحوه وأخرج ابن
جرير عن ابن عباس في قوله ) وأسروه بضاعة ( يعني إخوة يوسف أسروا شأنه وكتموا أن
يكون أخاهم وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته واختار البيع فباعه إخوته بثمن
بخس وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال أسره التجار بعضهم من بعض وأخرج ابن
أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه ) وأسروه بضاعة (
قال صاحب الدلو ومن معه قالوا لأصحابهم إنا استبضعناه خيفة أن يشركوهم فيه إن
علموا به واتبعهم إخوته يقولون للمدلى وأصحابه استوثقوا منه لا يأبق حتى وقفوا
بمصر فقال من يبتاعني ويبشر فابتاعه الملك والملك مسلم وأخرج ابن جرير وابن المنذر
عن مجاهد في قوله ) وشروه ( قال إخوة يوسف باعوه حين أخرجه المدلي دلوه وأخرج ابن
جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس قال بيع بينهم بثمن بخس قال حرام لم يحل
لهم بيعه ولا أكل ثمنه وأخرج ابن جرير عن قتادة ) وشروه بثمن بخس ( قال هم السيارة
وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب أنه قضى في اللقيط أنه حر وقرأ ) وشروه بثمن
بخس ( وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال البخس القليل وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن
الشعبي مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه عن
ابن مسعود قال إنما اشترى يوسف بعشرين درهما وكان أهله حين أرسل إليهم بمصر
ثلثمائة وتسعين إنسانا رجالهم أنبياء ونساؤهم صديقات والله ما خرجوا مع موسى حتى
بلغوا ستمائة ألف وسبعين ألفا وقد روى في مقدار ثمن يوسف غير هذا المقدار مما لا
حاجة إلى التطويل بذكره وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وقال
الذي اشتراه من مصر ( قال كان اسمه قطفير وأخرج أبو الشيخ عن شعيب الجبائي ان اسم
امرأة العزيز زليخا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال الذى
اشتراه أطيفير بن روحب وكان اسم امرأته راعيل بنت رعاييل وأخرج ابن جرير وابن
إسحاق وأبو الشيخ عن ابن عباس قال اسم الذي باعه من العزيز مالك بن ذعر وأخرج ابن
جرير وابن المنذر عنه في قوله ) أكرمي مثواه ( قال منزلته وأخرج ابن جرير وأبو
الشيخ عن قتادة مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال أفرس
الناس ثلاثة العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو
نتخذه ولدا والمرأة التى أتت موسى فقالت لأبيها ) يا أبت استأجره ( وأبو بكر حين
استخلف عمر وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
مجاهد في قوله ) ولنعلمه من تأويل الأحاديث ( قال عبارة الرؤيا وأخرج سعيد بن
منصور وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد والطبراني في الأوسط
وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) ولما بلغ أشده ( قال ثلاثا وثلاثين سنة وأخرج
ابن أبي حاتم عن الحسن قال أربعين سنة وأخرج عن عكرمة قال خمسا وعشرين سنة وأخرج
عن السدي قال ثلاثين سنة وأخرج عن سعيد بن جبير قال ثمانية عشر سنة وأخرج عن ربيعة
قال الحلم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي نحوه وأخرج ابن
جرير عن الضحاك قال عشرين
"""""" صفحة رقم 16
""""""
سنة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) آتيناه حكما وعلما ( قال هو الفقه
والعلم والعقل قبل النبوة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) وكذلك نجزي المحسنين ( قال
المهتدين
سورة يوسف الآية ( 23 29 )
يوسف : ( 23 ) وراودته التي هو . . . . .
المراودة الإرادة والطلب برفق ولين وقيل هى مأخوذة من الرود أي الرفق والتأني يقال
أرودني أمهلني وقيل المراودة مأخوذة من راد يرود إذا جاء وذهب كأن المعنى أنها
فعلت فى مراودتها له فعل المخادع ومنه الرائد لمن يطلب الماء والكلأ وقد يخص
بمحاولة الوقاع فيقال راود فلان جاريته عن نفسها وراودته هى عن نفسه إذا حاول كل
واحد منهما الوطء والجماع وهى مفاعلة وأصلها أن تكون من الجانبين فجعل السبب هنا
في أحد الجانبين قائما مقام المسبب فكأن يوسف عليه السلام لما كان ما أعطيه من
كمال الخلق والزيادة في الحسن سببا لمراودة امرأة العزيز له مراود وإنما قال )
التي هو في بيتها ( ولم يقل امرأة العزيز وزليخا قصدا إلى زيادة التقرير مع
استهجان التصريح باسم المرأة والمحافظة على الستر عليها ) وغلقت الأبواب ( قيل في
هذه الصيغة ما يدل على التكثير فيقال غلق الأبواب ولا يقال غلق الباب بل يقال أغلق
الباب وقد يقال أغلق الأبواب ومنه قول الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء ما زلت أغلق
أبوابا وأفتحها
حتى أتيت أبا عمرو بن عمار
قيل وكانت الأبواب سبعة قوله ) هيت لك ( قرأ أبو عمرو وعاصم والكسائي وحمزة
والأعمش بفتح الهاء وسكون الياء وفتح التاء وبها قرأ ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن
جبير والحسن ومجاهد وعكرمة قال ابن مسعود لا تنطعوا في القراءة فإنما هو مثل قول
أحدكم هلم وتعال وقرأ ابن أبي إسحاق النحوي بفتح الهاء وكسر التاء وقرأ عبد الرحمن
السلمي وابن كثير هيت بفتح الهاء وضم التاء ومنه قول طرفة ليس قومي بالأبعدين إذا
ما
قال داع من العشيرة هيت
وقرأ أبو جعفر ونافع بكسر الهاء وسكون الياء وفتح التاء وقرأ علي وابن عباس في
رواية عنه وهشام بكسر
"""""" صفحة رقم 17
""""""
الهاء وبعدها همزة ساكنة وضم التاء وقرأ ابن عامر وأهل الشام بكسر الهاء وبالهمزة
وفتح التاء ومعنى هيت على جميع القراءات معنى هلم وتعال لأنها من أسماء الأفعال
إلا في قراءة من قرأ بكسر الهاء بعدها همزة وتاء مضمومة فإنها بمعنى تهيأت لك
وأنكر أبو عمرو هذه القراءة وقال أبو عبيدة سئل أبو عمرو عن قراءة من قرأ بكسر
الهاء والهمزة وضم التاء فقال باطل جعلها بمعنى تهيأت اذهب فاستعرض العرب حتى
تنتهي إلى اليمن هل تعرف أحدا يقول هكذا وأنكرها أيضا الكسائي وقال النحاس هى جيدة
عند البصريين لأنه يقال هاء الرجل يهاء ويهئ هيئة ورجح الزجاج القراءة الأولى
وأنشد بيت طرفة المذكور هيتا بالفتح ومنه قول الشاعر في علي بن أبي طالب رضى الله
عنه أبلغ أمير المؤمنين
أخا العراق إذا أتيتا
إن العراق وأهله
سلم إليك فهيت هيتا
وتكون اللام في لك على القراءات الأولى التى هى فيها بمعنى اسم الفعل للبيان أي لك
اقول هذا كما في هلم لك قال النحويون هيت جاء بالحركات الثلاث فالفتح للخفة والكسر
لالتقاء الساكنين والضم تشبيها بحيث وإذا بين باللام نحو هيت لك فهو صوت قائم مقام
المصدر كأف له أي لك أقول هذا وإن لم يبين باللام فهو صوت قائم مقام مصدر الفعل
فيكون اسم فعل إما خبر أي تهيأت وإما أمر أي أقبل وقال في الصحاح يقال هوت به وهيت
به إذا صاح به ودعاه ومنه قول الشاعر يحذو بها كل فتى هيات
وقد روى عن ابن عباس والحسن أنها كلمة سريانية معناها انها تدعوه إلى نفسها قال
أبو عبيدة كان الكسائي يقول هى لغة لأهل حوران وقعت إلى أهل الحجاز معناها تعال
قال أبو عبيدة فسألت شيخا عالما من حوران فذكر أنها لغتهم ) قال معاذ الله ( أي
أعوذ بالله معاذا مما دعوتني إليه فهو مصدر منتصب بفعل محذوف مضاف إلى اسم الله
سبحانه وجملة ) إنه ربي أحسن مثواي ( تعليل للامتناع الكائن منه ببعض الأسباب التى
هى أقرب إلى فهم امرأة العزيز والضمير للشأن أي إن الشأن ربي يعني العزيز أي سيدي
الذى رباني وأحسن مثواى حيث أمرك بقوله ) أكرمي مثواه ( فكيف أخونه في أهله وأجيبك
إلى ما تريدين من ذلك وقال الزجاج إن الضمير لله سبحانه أي إن الله ربي تولاني
بلطفه فلا أركب ما حرمه وجملة ) إنه لا يفلح الظالمون ( تعليل آخر للامتناع منه عن
إجابتها والفلاح الظفر والمعنى أنه لا يظفر الظالمون بمطالبهم ومن جملة الظالمين
الواقعون في مثل هذه المعصية التى تطلبها امرأة العزيز من يوسف
يوسف : ( 24 ) ولقد همت به . . . . .
قوله ) ولقد همت به وهم بها ( يقال هم بالأمر إذا قصده وعزم عليه والمعنى أنه هم
بمخالطتها كما همت بمخالتطه ومال كل واحد منهما إلى الآخر بمقتضى الطبيعة البشرية
والجبلة الخلقية ولم يكن من يوسف عليه السلام القصد إلى ذلك اختيارا كما يفيده ما
تقدم من استعاذته بالله وإن ذلك نوع من الظلم ولما كان الأنبياء معصومين عن الهم
بالمعصية والقصد إليها شطح أهل العلم في تفسير هذه الآية بما فيه نوع تكلف فمن ذلك
ما قاله أبو حاتم قال كنت أقرأ على أبي عبيدة غريب القرآن فلما أتيت على ) ولقد
همت به وهم بها ( قال هذا على التقديم والتأخير كأنه قال ولقد همت به ولولا أن رأى
برهان ربه لهم بها وقال أحمد بن يحيى ثعلب أي همت زليخا بالمعصية وكانت مصرة وهم
يوسف ولم يوقع ما هم به فبين الهمين فرق ومن هذا قول الشاعر
هممت بهم من ثنية لؤلؤ
شفيت غليلات الهوى من فؤاديا
فهذا إنما هو حديث نفس من غير عزم وقيل هم بها أي هم بضربها وقيل هم بها بمعنى
تمنى أن
"""""" صفحة رقم 18
""""""
يتزوجها وقد ذهب جمهور المفسرين من السلف والخلف إلى ما قدمنا من حمل اللفظ على
معناه اللغوي ويدل على هذا ما سيأتي من قوله ) ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب (
وقوله ) وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ( ومجرد الهم لا ينافي العصمة فإنها
قد وقعت العصمة عن الوقوع في المعصية وذلك المطلوب وجواب لو في ) لولا أن رأى
برهان ربه ( محذوف أي لولا أن رأى برهان ربه لفعل ما هم به
واختلف في هذا البرهان الذى رآه ما هو فقيل إن زليخا قامت عند أن همت به وهم بها
إلى صنم لها في زاوية البيت فسترته بثوب فقال ما تصنعين قالت أستحي من إلهي هذا أن
يراني على هذه الصورة فقال يوسف أنا أولى أن أستحي من الله تعالى وقيل إنه رأى في
سقف البيت مكتوبا ) ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة ( الآية وقيل رأى كفا مكتوب
عليها ) وإن عليكم لحافظين ( وقيل إن البرهان هو تذكره عهد الله وميثاقه وما أخذه
على عباده وقيل نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء وقيل رأى
صورة يعقوب على الجدار عاضا على أنملته يتوعده وقيل غير ذلك مما يطول ذكره والحاصل
أنه رأى شيئا حال بينه وبين ما هم به قوله ) كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء (
الكاف نعت مصدر محذوف والإشارة بذلك إلى الإراءة المدلول عليها بقوله ) لولا أن
رأى برهان ربه ( أو إلى التثبيت المفهوم من ذلك أي مثل تلك الإراءة أريناه أو مثل
ذلك التثبيت ثبتناه ) لنصرف عنه السوء ( أي كل ما يسوؤه والفحشاء كل أمر مفرط
القبح وقيل السوء الخيانة للعزيز في أهله والفحشاء الزنا وقيل السوء الشهوة
والفحشاء المباشرة وقيل السوء الثناء القبيح والأولى الحمل على العموم فيدخل فيه
ما يدل عليه السياق دخولا أوليا وجملة ) إنه من عبادنا المخلصين ( تعليل لما قبله
قرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو ) المخلصين ( بكسر اللام وقرأ الآخرون بفتحها
والمعنى على القراءة الأولى أن يوسف عليه السلام كان ممن أخلص طاعته لله وعلى
الثانية أنه كان ممن استخلصه الله للرسالة وقد كان عليه السلام مخلصا مستخلصا
يوسف : ( 25 ) واستبقا الباب وقدت . . . . .
) واستبقا الباب ( أي تسابقا إليه فحذف حرف الجر وأوصل الفعل بالمفعول أو ضمن
الفعل معنى فعل آخر يتعدى بنفسه كابتدرا الباب وهذا الكلام متصل بقوله ) ولقد همت
به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ( وما بينهما اعتراض ووجه تسابقهما أن يوسف يريد
الفرار والخروج من الباب وامرأة العزيز تريد أن تسبقه إليه لتمنعه ووحد الباب هنا
وجمعه فيما تقدم لأن تسابقهما كان إلى الباب الذى يخلص منه إلى خارج الدار ) وقدت
قميصه من دبر ( أي جذبت قميصه من ورائه فانشق إلى أسفله والقد القطع وأكثر ما
يستعمل فيما كان طولا والقط بالطاء يستعمل فيما كان عرضا وقع منها ذلك عند أن فر
يوسف لما رأى برهان ربه فأرادت أن تمنعه من الخروج بجذبها لقميصه ) وألفيا سيدها
لدى الباب ( أي وجدا العزيز هنالك وعنى بالسيد الزوج لأن القبط يسمون الزوج سيدا
وإنما لم يقل سيدهما لأن ملكه ليوسف لم يكن صحيحا فلم يكن سيدا له وجملة ) قالت ما
جزاء من أراد بأهلك سوءا ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فما كان منهما عند أن
ألفيا سيدها لدى الباب وما استفهامية والمراد بالسوء هنا الزنا قالت هذه المقالة
طلبا منها للحيلة وللستر على نفسها فنسبت ما كان منها إلى يوسف أي جزاء يستحقه من
فعل مثل فعل هذا ثم أجابت عن استفهامها بقولها ) إلا أن يسجن ( أي ما جزاؤه إلا أن
يسجن ويحتمل أن تكون ما نافية أي ليس جزاؤه إلا السجن أو العذاب الأليم قيل
والعذاب الأليم هو الضرب بالسياط والظاهر أنه ما يصدق عليه العذاب الأليم من ضرب
أو غيره وفي الإبهام للعذاب زيادة تهويل
يوسف : ( 26 ) قال هي راودتني . . . . .
وجملة ) قال هي راودتني عن نفسي ( مستأنفة كالجملة الأولى وقد تقدم بيان معنى
المراودة أي هى التى طلبت مني ذلك ولم ارد بها سوءا ) وشهد شاهد من أهلها (
"""""" صفحة رقم 19
""""""
أي من قرابتها وسمى الحكم بينهما شهادة لما يحتاج فيه من التثبت والتأمل قيل لما
التبس الأمر على العزيز احتاج إلى حاكم يحكم بينهما ليتبين له الصادق من الكاذب
قيل كان ابن عم لها واقفا مع العزيز فى الباب وقيل ابن خال لها وقيل إنه طفل فى
المهد تكلم قال السهيلي وهو الصحيح للحديث الوارد فى ذلك عن النبي ( صلى الله عليه
وسلم ) فى ذكر من تكلم فى المهد وذكر من جملتهم شاهد يوسف وقيل إنه رجل حكيم كان
العزيز يستشيره فى أموره وكان من قرابة المرأة ) إن كان قميصه قد من قبل ( أي فقال
الشاهد هذه المقالة مستدلا على بيان صدق الصادق منهما وكذب الكاذب بأن قميص يوسف
إن كان مقطوعا من قبل أي من جهة القبل ) فصدقت ( أي فقد صدقت بأنه أراد بها سوءا )
وهو من الكاذبين ( فى قوله إنها روادته عن نفسه وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق
) من قبل ( بضم اللام وكذا قرأ ) من دبر ( قال الزجاج جعلاهما غايتين كقبل وبعد
كأنه قيل من قبله ومن دبره فلما حذف المضاف إليه وهو مراد صار المضاف غاية بعد أن
كان المضاف إليه هو الغاية
يوسف : ( 27 ) وإن كان قميصه . . . . .
) وإن كان قميصه قد من دبر ( أي من ورائه ) فكذبت ( فى دعواها عليه ) وهو من الصادقين
( فى دعواه عليها ولا يخفى أن هاتين الجملتين الشرطيتين لا تلازم بين مقدميهما
وتالييهما لا عقلا ولا عادة وليس ها هنا إلا مجرد أمارة غير مطردة إذ من الجائز أن
تجذبه إليها وهو مقبل عليها فينقد القميص من دبر وأن تجذبه وهو مدبر عنها فينقد
القميص من قبل ) فلما رأى ( أي العزيز ) قميصه ( أي قميص يوسف ) قد من دبر قال إنه
( أى هذا الأمر الذى وقع فيه الإختلاف بينكما أو أن قولك ) ما جزاء من أراد بأهلك
سوءا ( ) من كيدكن ( أى من جنس كيدكن يا معشر النساء ) إن كيدكن عظيم ( والكيد
المكر والحيلة
يوسف : ( 28 ) فلما رأى قميصه . . . . .
ثم خاطب العزيز يوسف عليه السلام بقوله ) يوسف أعرض عن هذا ( أى عن هذا الأمر الذى
جرى واكتمه ولا تتحدث به ثم أقبل عليها بالخطاب فقال ) واستغفري لذنبك ( الذى وقع
منك ) إنك كنت ( بسبب ذلك ) من الخاطئين ( أي من جنسهم والجملة تعليل لما قبلها من
الأمر بالاستغفار ولم يقل من الخاطئات تغليبا للمذكر على المؤنث كما فى قوله )
وكانت من القانتين ( ومعنى من الخاطئين من المتعمدين يقال خطئ إذا أذنب متعمدا
وقيل إن القائل ليوسف ولامرأة العزيز بهذه المقالة هو الشاهد الذى حكم بينهما
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) وراودته التي هو في بيتها عن
نفسه ( قال هى امرأة العزيز وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال راودته حين بلغ
مبلغ الرجال وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن
عباس فى قوله ) هيت لك ( قال هلم لك تدعوه إلى نفسها وأخرج ابن أبي شيبة وابن
المنذر وابن أبي حاتم عنه قال هلم لك بالقبطية وأخرج ابن جرير عن الحسن قال هى
كلمة بالسريانية أي عليك وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال معناها
تعال وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد إنها لغة عربية تدعوه بها
إلى نفسها وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ ? هئت لك ?
مكسورة الهاء مضمومة التاء مهموزة قال تهيأت لك وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إنه ربي ( قال سيدى قال يعنى
زوج المرأة وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن
أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس قال لما همت به تزينت ثم استلقت
على فراشها وهم بها جلس بين رجليها يحل ثيابه فنودى من السماء يا بن يعقوب لا تكن
كطائر نتف ريشه فبقى لا ريش له فلم يتعظ على النداء شيئا حتى رأى برهان ربه جبريل
فى صورة يعقوب عاضا على أصبعه ففزع فخرجت شهوته من أنامله
"""""" صفحة رقم 20
""""""
فوثب إلى الباب فوجده مغلقا فرفع يوسف رجله فضرب بها الباب الأدنى فانفرج له
واتبعته فأدركته فوضعت يديها فى قميصه فشقته حتى بلغت عضلة ساقه فألفيا سيدها لدى
الباب وأخرج أبو نعيم فى الحلية عن علي بن أبي طالب فى قوله ) همت به وهم بها (
قال طمعت فيه وطمع فيها وكان فيه من الطمع أن هم أن يحل التكة فقامت إلى صنم لها
مكلل بالدر والياقوت فى ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها وبينه فقال أي شئ
تصنعين فقالت أستحى من إلهى أن يرانى على هذه السوءة فقال يوسف تستحين من صنم لا
يأكل ولا يشرب ولا أستحى أنا من إلهى الذى هو قائم على كل نفس بما كسبت ثم قال
لاتناليها مني أبدا وهو البرهان الذى رأى وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ
والحاكم وصححه عن ابن عباس فى قوله ) لولا أن رأى برهان ربه ( قال مثل له يعقوب
فضرب بيده فى صدره فخرجت شهوته من أنامله وقد أطال المفسرون فى تعيين البرهان الذى
رآه واختلفت أقوالهم فى ذلك اختلافا كثيرا وأخرج ابن جرير عن زيد بن ثابت قال
السيد الزوج يعنى فى قوله ) وألفيا سيدها لدى الباب ( وأخرج ابن جرير وابن أبي
حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) إلا أن يسجن
أو عذاب أليم ( قال القيد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى
قوله ) وشهد شاهد من أهلها ( قال صبى أنطقه الله كان فى الدار وأخرج أحمد وابن
جرير والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
تكلم أربعة وهم صغار ابن ماشطة فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى بن مريم
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن
مردويه عن ابن عباس فى قوله ) وشهد شاهد من أهلها ( قال كان رجلا ذا لحية وأخرج
الفريابي وابن جرير وأبو الشيخ عنه قال كان من خاصة الملك وأخرج ابن جرير وابن أبي
حاتم عن الحسن قال هو رجل له فهم وعلم وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال ابن
عم لها كان حكيما وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال إنه ليس
بإنسى ولا جنى هو خلق من خلق الله قلت ولعله لم يستحضر قوله تعالى ) من أهلها )
سورة يوسف الآية ( 30 34 )
"""""" صفحة رقم 21
""""""
يوسف : ( 30 ) وقال نسوة في . . . . .
يقال نسوة بضم النون وهى قراءة الأعمش والفضل وسليمان ويقال نسوة بكسر النون وهى
قراءة الباقين والمراد جماعة من النساء ويجوز التذكير فى الفعل المسند إليهن كما
يجوز التأنيث قيل وهن امرأة ساقى العزيز وامرأة خبازه وامرأة صاحب دوابه وامرأة
صاحب سجنه وامرأة حاجبه والفتى فى كلام العرب الشاب والفتاة الشابة والمراد به هنا
غلامها يقال فتاى وفتاتى أي غلامي وجاريتي وجمله ) قد شغفها حبا ( فى محل رفع على
أنها خبر ثان للمبتدا أو فى محل نصب على الحال ومعنى ) شغفها حبا ( غلبها حبه وقيل
دخل حبه فى شغافها قال أبو عبيدة وشغاف القلب غلافه وهو جلدة عليه وقيل هو وسط
القلب وعلى هذا يكون المعنى دخل حبه إلى شغافها فغلب عليه وأنشد الأصمعي قول
الراجز يتبعها وهى له شغاف
وقرأ جعفر بن محمد وابن محيصن والحسن شعفها بالعين المهملة قال ابن الأعرابي معناه
أجرى حبه عليها وقرأ غيرهم بالمعجمة قال الجوهري شعفه الحب أحرق قلبه وقال أبو زيد
أمرضه قال النحاس معناه عند أكثر أهل اللغة قد ذهب بها كل مذهب لأن شعاف الجبال
أعاليها وقد شغف بذلك شغفا باسكان الغين المعجمة إذا ولع به وأنشد أبو عبيدة بيت
امرئ القيس
أتقتلنى من قد شغفت فؤادها كما شغف المهنوة الرجل الطالي
قال فشبهت لوعة الحب بذلك وقرأ الحسن ) قد شغفها ( بضم الغين قال النحاس وحكى قد
شغفها بكسر الغين ولا يعرف ذلك فى كلام العرب إلا شغفها بفتح الغين ويقال إن
الشغاف الجلدة اللاصقة بالكبد التى لا ترى وهى الجلدة البيضاء فكأنه لصق حبه
بقلبها كلصوق الجلدة بالكبد وجملة ) إنا لنراها في ضلال مبين ( مقررة لمضمون ما
قبلها والمعنى إنا لنراها أي نعلمها فى فعلها هذا وهو المراودة لفتاها فى ضلال عن
طريق الرشد والصواب مبين واضح لا يلتبس على من نظر فيه
يوسف : ( 31 ) فلما سمعت بمكرهن . . . . .
) فلما سمعت ( امرأة العزيز ) بمكرهن ( أي بغيبتهن إياها سميت الغيبة مكرا
لاشتراكهما فى الإخفاء وقيل أردن أن يتوسلن بذلك إلى رؤية يوسف فلهذا سمى قولهن
مكرا وقيل إنها أسرت عليهن فافشين سرها فسمى ذلك مكرا ) أرسلت إليهن ( أي تدعوهن
إليها لينظرن إلى يوسف حتى يقعن فيما وقعت فيه ) وأعتدت لهن متكأ ( أي هيأت لهن
مجالس يتكئن عليها وأعتدت من الاعتداد وهو كل ما جعلته عدة لشئ وقرأ مجاهد وسعيد
بن جبير متكا مخففا غير مهموز والمتك هو الأترج بلغة القبط ومنه قول الشاعر
نشرب الإثم بالصواع جهارا وترى المتك بيننا مستعارا
وقيل إن ذلك هو لغة أزدشنوءة وقيل حكى ذلك عن الأخفش وقال الفراء إنه ماء الورد
وقرأ الجمهور ) متكأ ( بالهمز والتشديد وأصح ما قيل فيه إنه المجلس وقيل هو الطعام
وقيل المتكأ كل ما اتكىء عليه عند طعام أو شراب أو حديث وحكى القتيبى أنه يقال
اتكأنا عند فلان أي أكلنا ومنه قول الشاعر
فظللنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال من قلله
ويؤيد هذا قوله ) وآتت كل واحدة منهن سكينا ( فإن ذلك إنما يكون لشىء يأكلنه بعد
أن يقطعنه والسكين تذكر وتؤنث قاله الكسائي والفراء قال الجوهري والغالب عليه
التذكير والمراد من إعطائها لكل واحدة سكينا أن يقطعن ما يحتاج إلى التقطيع من
الأطعمة ويمكن أنها أرادت بذلك ما سيقع منهن من تقطيع أيديهن ) وقالت ( ليوسف )
اخرج عليهن ( أي فى تلك الحالة التى هن عليها من الاتكاء والأكل وتقطيع ما يحتاج
إلى التقطيع من الطعام قوله ) فلما رأينه أكبرنه ( أي عظمنه وقيل أمذين ومنه قول
الشاعر
"""""" صفحة رقم 22
""""""
إذا ما رأين الفحل من فوق قلة
صهلن وأكبرن المنى المقطرا
وقيل حضن قال الأزهري أكبرن بمعنى حضن والهاء للسكت يقال أكبرت المرأة أي دخلت في
الكبر بالحيض وقع منهن ذلك دهشا وفزعا لما شاهدنه من جماله الفائق وحسنه الرائق
ومن ذلك قول الشاعر نأتي النساء على أطهارهن ولا
نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره وقالوا ليس ذلك في كلام العرب قال الزجاج يقال أكبرنه
ولا يقال حضنه فليس الإكبار بمعنى الحيض وأجاب الأزهري فقال يجوز أن تكون هاء
الوقف لا هاء الكناية وقد زيف هذا بأن هاء الوقف تسقط في الوصل وقال ابن الأنباري
إن الهاء كناية عن مصدر الفعل أي أكبرن إكبارا بمعنى حضن حيضا ) وقطعن أيديهن ( أي
جرحنها وليس المراد به القطع الذى تبين منه اليد بل المراد به الخدش والحز وذلك
معروف في اللغة كما قال النحاس يقال قطع يد صاحبه إذا خدشها وقيل المراد بأيديهن
هنا أناملهن وقيل أكمامهن والمعنى أنه لما خرج يوسف عليهن أعظمنه ودهشن وراعهن
حسنه حتى اضطربت أيديهن فوقع القطع عليها وهن في شغل عن ذلك بما دهمهن مما تطيش
عنده الأحلام وتضطرب له الأبدان وتزول به العقول ) وقلن حاش لله ( كذا قرأ أبو
عمرو بن العلاء بإثبات الألف في حاشا وقرأ الباقون بحذفها وقرأ الحسن حاش لله
بإسكان الشين وروى عنه أنه قرأ حاش الإله وقرأ ابن مسعود وأبي حاشا الله قال
الزجاج وأصل الكلمة من الحاشية بمعنى الناحية تقول كنت في حاشية فلان أي في ناحيته
فقولك حاشا لزيد من هذا أي تباعد منه وقال أبو علي هو من المحاشاة وقيل إن حاش حرف
وحاشا فعل وكلام أهل النحو في هذه الكلمة معروف ومعناها هنا التنزيه كما تقول أسى
القوم حاشا زيدا فمعنى ) حاش لله ( براءة لله وتنزيه له قوله ) ما هذا بشرا (
إعمال ما عمل ليس هى لغة أهل الحجاز وبها نزل القرآن كهذه الآية وكقوله سبحانه )
ما هن أمهاتهم ( وأما بنو تميم فلا يعملونها عمل ليس وقال الكوفيون أصله ما هذا
ببشر فلما حذفت الباء انتصب قال أحمد بن يحيى ثعلب إذا قلت ما زيد بمنطلق فموضع
الباء موضع نصب وهكذا سائر حروف الخفض وأما الخليل وسيبويه وجمهور النحويين فقد
أعملوها عمل ليس وبه قال البصريون والبحث مقرر في كتب النحو بشواهده وحججه وإنما
نفين عنه البشرية لأنه قد برز في صورة قد لبست من الجمال البديع ما لم يعهد على
أحد من البشر ولا أبصر المبصرون ما يقاربه في جميع الصور البشرية ثم لما نفين عنه
البشرية لهذه العلة أثبتن له الملكية وإن كن لا يعرفن الملائكة لكنه قد تقرر في الطباع
أنهم على شكل فوق شكل البشر في الذات والصفات وأنهم فائقون فى كل شىء كما تقرر أن
الشياطين على العكس من ذلك ومن هذا قول الشاعر فلست لإنسى ولكن لملأك
تنزل من جو السماء يصوت
وقرأ الحسن ما هذا بشراء على أن الباء حرف جر والشين مكسورة أي ما هذا بعبد يشترى
وهذه قراءة ضعيفة لا تناسب ما بعدها من قوله ) إن هذا إلا ملك كريم ( واعلم أنه لا
يلزم من قول النسوة هذا أن الملائكة صورهم أحسن من صور بني آدم فإنهن لم يقلنه
لدليل بل حكمن على الغيب بمجرد الإعتقاد المرتكز فى طباعهن وذلك ممنوع فإن الله
سبحانه يقول ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ( وظاهر هذا أنه لم يكن شىء مثله
من أنواع المخلوقات فى حسن تقويمه وكمال صورته فما قاله صاحب الكشاف فى هذا المقام
هو من جملة تعصباته لما رسخ فى عقله من أقوال المعتزلة على أن هذه المسألة أعني
مسألة المفاضلة بين الملائكة والبشر ليست من مسائل
"""""" صفحة رقم 23
""""""
الدين في ورد ولا صدر فما أغنى عباد الله عنها وأحوجهم إلى غيرها من مسائل التكليف
يوسف : ( 32 ) قالت فذلكن الذي . . . . .
) قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ( الإشارة إلى يوسف والخطاب للنسوة أي عيرتنني فيه
قالت لهن هذا لما رأت افتتانهن بيوسف إظهارا لعذر نفسها ومعنى فيه أي في حبه وقيل
الإشارة إلى الحب والضمير له أيضا والمعنى فذلك الحب الذى لمتنني فيه هو ذلك الحب
والأول أولى ورجحه ابن جرير وأصل اللوم الوصف بالقبيح ثم لما أظهرت عذر نفسها عند
النسوة بما شاهدته مما وقعن فيه عند ظهوره لهن ضاق صدرها عن كتم ما تجده في قلبها
من حبه فأقرت بذلك وصرحت بما وقع منها من المراودة له فقالت ) ولقد راودته عن نفسه
فاستعصم ( أي استعف وامتنع مما أريده طالبا لعصمة نفسه عن ذلك ثم توعدته إن لم
يفعل ما تريده كاشفة لجلباب الحياء هاتكة لستر العفاف فقالت ) ولئن لم يفعل ما
آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين ( أي لئن لم يفعل ما قد أمرته به فيما تقدم ذكره
عند أن غلقت الأبواب وقالت هيت لك ليسجنن أي يعتقل في السجن وليكونن من الصاغرين
الأذلاء لما يناله من الإهانة ويسلب عنه من النعمة والعزة في زعمها قرئ ) ليكونن (
بالتثقيل والتخفيف قيل والتخفيف أولى لأن النون كتبت في المصحف ألفا على حكم الوقف
وذلك لا يكون إلا في الخفيفة وأما ليسجنن فبالتثقيل لا غير
يوسف : ( 33 ) قال رب السجن . . . . .
فلما سمع يوسف مقالها هذا وعرف أنها عزمة منها مع ما قد علمه من نفاذ قولها عند
زوجها العزيز قال مناجيا لربه سبحان ) رب السجن ( أي يا رب السجن الذى أوعدتني هذه
به ) أحب إلي مما يدعونني إليه ( من مؤاتاتها والوقوع في المعصية العظيمة التى
تذهب بخير الدنيا والآخرة قال الزجاج أي دخول السجن فحذف المضاف وحكى أبو حاتم أن
عثمان بن عفان رضي الله عنه قرأ ) السجن ( بفتح السين وقرأ كذلك ابن أبي إسحاق
وعبد الرحمن الأعرج ويعقوب وهو مصدر سجنه سجنا وإسناد الدعوة إليهن جميعا لأن
النسوة رغبنه في مطاوعتها وخوفنه من مخالفتها ثم جرى على هذا في نسبة الكيد إليهن
جميعا فقال ) وإلا تصرف عني كيدهن ( أما الكيد من امرأة العزيز فما قد قصه الله
سبحانه في هذه السورة وأما كيد سائر النسوة فهو ما تقدم من الترغيب له في المطاوعة
والتخويف من المخالفة وقيل إنها كانت كل واحدة تخلو به وحدها وتقول له يا يوسف اقض
لي حاجتي فأنا خير لك من امرأة العزيز وقيل إنه خاطب امرأة العزيز بما يصلح لخطاب جماعة
النساء تعظيما لها أو عدولا عن التصريح إلى التعريض والكيد الاحتيال وجزم ) أصب
إليهن ( على أنه جواب الشرط أي أمل إليهن من صبا يصبو إذا مال واشتاق ومنه قول
الشاعر إلى هند صبا قلبي
وهند حبها يصبى
) وأكن من الجاهلين ( معطوف على أصب أي أكن ممن يجهل ما يحرم ارتكابه ويقدم عليه
أو ممن يعمل عمل الجهال
يوسف : ( 34 ) فاستجاب له ربه . . . . .
قوله ) فاستجاب له ربه ( لما قال وإلا تصرف عني كيدهن كان ذلك منه تعرضا للدعاء
وكأنه قال اللهم اصرف عني كيدهن فالاستجابة من الله تعالى له هى بهذا الاعتبار
لأنه لم يتقدم دعاء صريح منه عليه السلام والمعنى أنه لطف به وعصمه عن الوقوع في
المعصية لأنه إذا صرف عنه كيدهن لم يقع شىء مما رمنه منه ووجه إسناد الكيد قد تقدم
وجملة ) إنه هو السميع العليم ( تعليل لما قبلها من صرف كيد النسوة عنه أي إنه هو
السميع لدعوات الداعين له العليم بأحوال الملتجئين إليه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) قد شغفها ( قال غلبها وأخرج
ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه ) قد شغفها ( قال قتلها حب يوسف الشغف الحب القاتل
والشعف حب دون ذلك والشغاف حجاب القلب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا ) قد
شغفها ( قال قد علقها وأخرج
"""""" صفحة رقم 24
""""""
ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) فلما سمعت بمكرهن ( قال بحديثهن وأخرج
ابن أبي حاتم عن سفيان ) فلما سمعت بمكرهن ( قال بعملهن وكل مكر في القرآن فهو عمل
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله ) وأعتدت لهن متكأ (
قال هيأت لهن مجلسا وكان سنتهم إذا وضعوا المائدة أعطوا كل إنسان سكينا يأكل بها )
فلما رأينه ( قال فلما خرج عليهن يوسف ) أكبرنه ( قال أعظمنه ونظرن إليه وأقبلن
يحززن أيديهن بالسكاكين وهن يحسبن أنهن يقطعن الطعام وأخرج ابن جرير وابن مردويه
عن ابن عباس ) وأعتدت لهن متكأ ( قال أعطتهن أترنجا وأعطت كل واحدة منهن سكينا
فلما رأين يوسف أكبرنه وجعلن يقطعن أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترنج وأخرج
مسدد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه المتكأ
الأترنج وكان يقرؤها خفيفة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد )
متكأ ( قال طعاما وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عنه قال هو الأترنج وأخرج ابن أبي
حاتم عن عكرمة قال هو كل شىء يقطع بالسكين وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الضحاك
مثله وأخرج أبو الشيخ من طريق عبد العزيز بن الوزير بن الكميت بن زيد قال حدثني
أبي عن جدي يقول في قوله ) فلما رأينه أكبرنه ( قال أمنين وأنشد ولما رأته الخيل
من رأس شاهق
صهلن وأمنين المني المدفقا
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عبد الصمد بن علي بن عبد الله
بن عباس عن أبيه عن جده ابن عباس في قوله ) فلما رأينه أكبرنه ( قال لما خرج عليهن
يوسف حضن من الفرح وذكر قول الشاعر الذى قدمنا ذكره نأتي النساء لدى أطهارهن
البيت
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى
قوله ) أكبرنه ( قال أعظمنه ) وقطعن أيديهن ( قال حزا بالسكين حتى ألقينها ) وقلن
حاش لله ( قال معاذ الله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) إن هذا إلا ملك كريم ( قال قلن ملك من الملائكة من
حسنه وأخرج أبو الشيخ عن منبه عن أبيه قال مات من النسوة التى قطعن أيديهن تسع
عشرة امرأة كمدا وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم عن أنس
عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال أعطى يوسف وأمه شطر الحسن وقد وردت روايات عن
جماعة من السلف فى وصف حسن يوسف والمبالغة فى ذلك ففى بعضها أنه أعطى نصف الحسن
وفي بعضها ثلثه وفي بعضها ثلثيه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن ابن عباس ) فاستعصم ( قال امتنع وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة )
فاستعصم ( قال فاستعصى وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) وإلا
تصرف عني كيدهن ( قال إن لا تكن منك أنت القوى والمنعة لا تكن مني ولا عندي وأخرج
ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ) أصب إليهن ( قال أتبعهن وأخرج أبو الشيخ عن
ابن عباس قال أطاوعهن
سورة يوسف الآية ( 35 36 )
"""""" صفحة رقم 25
""""""
سورة يوسف الآية ( 37 40 )
يوسف : ( 35 ) ثم بدا لهم . . . . .
معنى ) بدا لهم ( ظهر لهم والضمير للعزيز وأصحابه الذين يدبرون الأمر معه ويشيرون
عليه وأما فاعل ) بدا لهم ( فقال سيبويه هو ليسجننه أي ظهر لهم أن يسجنوه قال
المبرد وهذا غلط لأن الفاعل لا يكون جملة ولكن الفاعل مادل عليه ) بدا ( وهو
المصدر كما قال الشاعر وحق لمن أبو موسى أبوه
يوفقه الذى نصب الجبالا
أي وحق الحق فحذف الفاعل لدلالة الفعل عليه وقيل الفاعل المحذوف هو رأي أي وظهر
لهم رأي لم يكونوا يعرفونه من قبل وهذا الفاعل حذف لدلالته ليسجننه عليه واللام في
ليسجننه جواب قسم محذوف على تقدير القول أى ظهر لهم من بعد ما رأوا الآيات قائلين
والله ليسجننه وقرئ لتسجننه بالمثناة الفوقية على الخطاب إما للعزيز ومن معه أو له
وحده على طريق التعظيم والآيات قيل هى القميص وشهادة الشاهد وقطع الأيدي وقيل هى
البركات التى فتحها الله عليهم بعد وصول يوسف إليهم ولم يجد ذلك فيهم بل كانت
امرأته هى الغالبة على رأيه الفاعلة لما يطابق هواها في يوسف وإنفاذ ما تقدم منها
من الوعيد له بقولها ولئن لم يفعل ما آمره به ليسجنن وليكونا من الصاغرين قيل وسبب
ظهور هذا الرأي لهم في سجن يوسف أنهم أرادوا ستر القالة وكتم ما شاع في الناس من
قصة امرأة العزيز معه وقيل إن العزيز قصد بسجنه الحيلولة بينه وبين امرأته لما علم
أنها قد صارت بمكان من حبه لا تبالي معه بحمل نفسها عليه على أي صفة كانت ومعنى
قوله ) حتى حين ( إلى مدة غير معلومة كما قاله أكثر المفسرين وقيل إلى انقطاع ما
شاع في المدينة وقال سعيد بن جبير إلى سبع سنين وقيل إلى خمس وقيل إلى ستة أشهر
وقد تقدم في البقرة الكلام في تفسير الحين وحتى بمعنى إلى
يوسف : ( 36 ) ودخل معه السجن . . . . .
قوله ) ودخل معه السجن فتيان ( في الكلام حذف متقدم عليه والتقدير وبدا لهم من بعد
ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين فسجنوه ودخل معه السجن فتيان ومع للمصاحبة وفتيان
تثنية فتى وذلك يدل على أنهما عبدان له ويحتمل أن يكون الفتى اسما للخادم وإن لم
يكن مملوكا وقد قيل إن أحدهما خباز الملك والآخر ساقيه وقد كانا وضعا للملك سما
لما ضمن لهما أهل مصر مالا في مقابلة ذلك ثم إن الساقي رجع عن ذلك وقال للملك لا
تأكل الطعام فإنه مسموم وقال الخباز لا تشرب فإن الشراب مسموم فقال الملك للساقي
اشرب
"""""" صفحة رقم 26
""""""
فشرب فلم يضره وقال للخباز كل فأبى فجرب الطعام على حيوان فهلك مكانه فحبسهما وكان
دخولهما السجن مع دخول يوسف وقيل قبله وقيل بعده قال ابن جرير إنهما سألا يوسف عن
علمه فقال إني أعبر الرؤيا فسألاه عن رؤياهما كما قص الله سبحانه ) قال أحدهما إني
أراني أعصر خمرا ( أي رأيتني والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة والمعنى إني أراني
أعصر عنبا فسماه باسم ما يئول إليه لكونه المقصود من العصر وفي قراءة ابن مسعود
أعصر عنبا قال الأصمعي أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقى أعرابيا ومعه عنب فقال له
ما معك فقال خمر وقيل معنى أعصر خمرا أي عنب خمر فهو على حذف المضاف وهذا الذى رأى
هذه الرؤيا هو الساقي وهذه الجملة مستأنفة بتقدير سؤال وكذلك الجملة التى بعدها
وهى ) وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا ( ثم وصف الخبز هذا بقوله ) تأكل
الطير منه ( وهذا الرائي لهذ الرؤيا هو الخباز ثم قالا ليوسف جميعا بعد أن قصا
رؤياهما عليه ) نبئنا بتأويله ( أي بتأويل ما قصصناه عليك من مجموع المرئيين أو
بتأويل المذكور لك من كلامنا وقيل إن كل واحد منهما قال له ذلك عقب قص رؤياه عليه
فيكون الضمير راجعا إلى ما رآه كل واحد منهما وقيل إن الضمير في بتأويله موضوع
موضع اسم الإشارة والتقدير بتأويل ذلك ) إنا نراك من المحسنين ( أي من الذين
يحسنون عبارة الرؤيا وكذا قال الفراء إن معنى ) من المحسنين ( من العالمين الذين
أحسنوا العلم وقال ابن إسحاق من المحسنين إلينا إن فسرت ذلك أو من المحسنين إلى
أهل السجن فقد روى أنه كان كذلك
يوسف : ( 37 ) قال لا يأتيكما . . . . .
وجملة ) قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما (
مستأنفة جواب سؤال مقدر ومعنى ذلك أنه يعلم شيئا من الغيب وأنه لا يأتيهما إلى
السجن طعام إلا أخبرهما بماهيته قبل أن يأتيهما وهذا ليس من جواب سؤالهما تعبير ما
قصاه عليه بل جعله عليه السلام مقدمة قبل تعبيره لرؤياهما بيانا لعلو مرتبته فى
العلم وأنه ليس من المعبرين الذين يعبرون الرؤيا عن ظن وتخمين فهو كقول عيسى عليه
السلام وأنبئكم بما تأكلون وإنما قال يوسف عليه السلام لهما بهذا ليحصل الانقياد
منهما له فيما يدعوهما إليه بعد ذلك من الإيمان بالله والخروج من الكفر ومعنى
ترزقانه يجري عليهما من جهة الملك أو غيره والجملة صفة لطعام أو يرزقكما الله
سبحانه والاستثناء بقوله ) إلا نبأتكما بتأويله ( مفرغ من أعم الأحوال أي لا
يأتيكما طعام في حال من الأحوال إلا حال ما نبأتكما أي بينت لكما ماهيته وكيفيته
قبل أن يأتيكما وسماه تأويلا بطريق المشاكلة لأن الكلام في تأويل الرؤيا أو المعنى
إلا نبأتكما بما يئول إليه الكلام من مطابقة ما أخبركما به للواقع والإشارة بقوله
) ذلكما ( إلى التأويل والخطاب للسائلين له عن تعبير رؤياهما ) مما علمني ربي (
بما أوحاه إلي وألهمني إياه لا من قبيل الكهانة والتنجيم ونحو ذلك مما يكثر فيه
الخطأ ثم بين لهما أن ذلك الذى ناله من هذه الرتبة العلية والعلوم الجمة هو بسبب
ترك الملة التى لا يؤمن أهلها بالله ولا بالآخرة واتباعه لملة الأنبياء من آبائه
فقال ) إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ( وهو كلام مستأنف يتضمن التعليل لما
قبله والمراد بالترك هو عدم التلبس بذلك من الأصل لا أنه قد كان تلبس به ثم تركه
كما يدل عليه قوله ) ما كان لنا أن نشرك بالله ( ثم وصف هؤلاء القوم بما يدل على
تصلبهم في الكفر وتهالكهم عليه فقال ) وهم بالآخرة هم كافرون ( أي هم مختصون بذلك
دون غيرهم لإفراطهم في الكفر بالله
يوسف : ( 38 ) واتبعت ملة آبائي . . . . .
وقوله ) واتبعت ( معطوف على تركت وسماهم آباء جميعا لأن الأجداد آباء وقدم الجد
الأعلى ثم الجد الأقرب ثم الأب لكون إبراهيم هو أصل هذه الملة التى كان عليها
أولاده ثم تلقاها عنه إسحاق ثم يعقوب وهذا منه عليه السلام لترغيب صاحبيه في
الإيمان بالله ) ما كان لنا أن نشرك بالله ( أي ما صح لنا ذلك فضلا عن وقوعه
والضمير فى لنا له وللأنبياء المذكورين والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الإيمان
المفهوم من قوله ما كان لنا أن نشرك
"""""" صفحة رقم 27
""""""
بالله و ) من فضل الله علينا ( خبر اسم الإشارة أي ناشئ من تفضلات الله علينا
ولطفه بنا بما جعله لنا من النبوة المتضمنة للعصمة عن معاصيه ومن فضل الله على
الناس كافة ببعثة الأنبياء إليهم وهدايتهم إلى ربهم وتبيين طرائق الحق لهم ) ولكن
أكثر الناس لا يشكرون ( الله سبحانه على نعمه التى أنعم بها عليهم فيؤمنون به
ويوحدونه ويعملون بما شرعه لهم
يوسف : ( 39 ) يا صاحبي السجن . . . . .
قوله ) يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ( جعلهما مصاحبين
للسجن لطول مقامهما فيه وقيل المراد يا صاحبي في السجن لأن السجن ليس بمصحوب بل
مصحوب فيه وأن ذلك من باب يا سارق الليلة وعلى الأول يكون من باب قوله ) أصحاب
الجنة أصحاب النار ( والاستفهام للإنكار مع التقريع والتوبيخ ومعنى التفرق هنا هو
التفرق في الذوات والصفات والعدد أي هل الأرباب المتفرقون في ذواتهم المختلفون في
صفاتهم المتنافون في عددهم خير لكما يا صاحبي السجن أم الله المعبود بحق المتفرد
في ذاته وصفاته الذى لا ضد له ولا ند ولا شريك القهار الذى لا يغالبه مغالب ولا
يعانده معاند أورد يوسف عليه السلام على صاحبي السجن هذه الحجة القاهرة على طريق
الاستفهام لأنهما كانا ممن يعبد الأصنام وقد قيل إنه كان بين أيديهما أصنام
يعبدونها عند أن خاطبهما بهذا الخطاب
يوسف : ( 40 ) ما تعبدون من . . . . .
ولهذا قال لهما ) ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها ( أي إلا أسماء فارغة
سميتموها ولا مسميات لها وإن كنتم تزعمون أن لها مسميات وهى الآلهة التى تعبدونها
لكنها لما كانت لا تستحق التسمية بذلك صارت الأسماء كأنها لا مسميات لها وقيل
المعنى ماتعبدون من دون الله إلا مسميات أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم من تلقاء
أنفسكم وليس لها من الإلهية شىء إلا مجرد الأسماء لكونها جمادات لا تسمع ولا تبصر
ولا تنفع ولا تضر وإنما قال ) ما تعبدون ( على خطاب الجمع وكذلك ما بعده من
الضمائر لأنه قصد خطاب صاحبي السجن ومن كان على دينهم ومفعول سميتموها الثاني
محذوف أي سميتموها آلهة من عند أنفسكم ) ما أنزل الله بها ( أي بتلك التسمية ) من
سلطان ( من حجة تدل على صحتها ) إن الحكم إلا لله ( أي ما الحكم إلا لله في
العبادة فهو الذى خلقكم وخلق هذه الأصنام التى جعلتموها معبودة بدون حجة ولا برهان
وجملة ) أمر ألا تعبدوا إلا إياه ( مستأنفة والمعنى أنه أمركم بتخصيصه بالعبادة
دون غيره مما تزعمون أنه معبود ثم بين لهم أن عبادته وحده دون غيره هى دين الله
الذى لا دين غيره فقال ) ذلك ( أي تخصيصه بالعبادة ) الدين القيم ( أي المستقيم
الثابت ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( أن ذلك هو دينه القويم وصراطه المستقيم
لجهلكم وبعدكم عن الحقائق
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال سألت ابن عباس عن قوله ) ثم بدا
لهم من بعد ما رأوا الآيات ( فقال ما سألني عنها أحد قبلك من الآيات قد القميص
وأثرها في جسده وأثر السكين وقالت امرأة العزيز إن أنت لم تسجنه ليصدقنه الناس
وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال من الآيات كلام الصبي
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال الآيات حزهن أيديهن وقد القميص
وأقول إن كان المراد بالآيات الآيات الدالة على براءته فلا يصح عد قطع أيدي النسوة
منها لأنه وقع منهن ذلك لما حصل لهن من الدهشة عند ظهوره لهن مع ما ألبسه الله
سبحانه من الجمال الذى تنقطع عند مشاهدته عري الصبر وتضعف عند رؤيته قوى التجلد
وإن كان المراد الآيات الدالة على أنه قد أعطى من الحسن ما يسلب عقول المبصرين
ويذهب بإدراك الناظرين فنعم يصح عد قطع الأيدي من جملة الآيات ولكن ليس هذه الآيات
هى المراد هنا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ
والحاكم وصححه عن ابن عباس قال عوقب يوسف ثلاث مرات أما أول مرة فبالحبس لما كان
من همه بها والثانية لقوله
"""""" صفحة رقم 28
""""""
اذكرنى عند ربك فلبث في السجن بضع سنين عوقب بطول الحبس والثالثة حيث قال أيتها
العير إنكم لسارقون فاستقبل في وجهه ) إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ( وأخرج ابن
أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما ( خازن الملك على
طعامه والآخر ساقيه على شرابه وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) إني أراني أعصر خمرا (
قال عنبا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ) نبئنا بتأويله ( قال عبارته وأخرج
ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) إنا نراك من المحسنين ( قال
كان إحسانه فيما ذكر لنا أنه كان يعزي حزينهم ويداوي مريضهم ورأوا منه عبادة
واجتهادا فأحبوه وأخرج سعيد ابن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ والبيهقي في الشعب عن الضحاك قال كان إحسانه أنه إذا مرض إنسان في السجن قام
عليه وإذا ضاق عليه المكان أوسع له وإذا احتاج جمع له وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس
قال دعا يوسف لأهل السجن فقال اللهم لا تعم عليهم الأخبار وهون عليهم مر الأيام
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) لا
يأتيكما طعام ( الآية قال كره العبارة لهما فأجابهما بغير جوابهما ليريهما أن عنده
علما وكان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاما معلوما فأرسل به إليه فقال يوسف
) لا يأتيكما طعام ترزقانه ( إلى قوله ) يشكرون ( فلم يدعه صاحبا الرؤيا حتى يعبر
لهما فكرة العبارة فقال ) يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون ( إلى قوله ) ولكن أكثر
الناس لا يعلمون ( قال فلم يدعاه فعبر لهما وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في
قوله ) ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ( قال إن المؤمن ليشكر ما به من نعمة
الله ويشكر ما بالناس من نعم الله ذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول يا رب شاكر
نعمة غير منعم عليه لا يدري ويا رب حامل فقه غير فقيه وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ
عن قتادة في قوله ) أأرباب متفرقون ( الآية قال لما عرف يوسف أن أحدهما مقتول
دعاهما إلى حظهما من ربهما وإلى نصيبهما من آخرتهما وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج
في قوله ) ذلك الدين القيم ( قال العدل فقال
سورة يوسف الآية ( 41 42 )
يوسف : ( 41 ) يا صاحبي السجن . . . . .
هذا هو بيان ما طلباه منه من تعبير رؤياهما والمراد بقوله ) أما أحدكما ( هو
الساقي وإنما أبهمه لكونه مفهوما أو لكراهة التصريح للخباز بأنه الذى سيصلب )
فيسقي ربه خمرا ( أي مالكه وهى عهدته التى كان قائما بها في خدمة الملك فكأنه قال
أما أنت أيها الساقي فستعود إلى ما كنت عليه ويدعو بك الملك ويطلقك من الحبس )
وأما الآخر ( وهو الخباز ) فيصلب فتأكل الطير من رأسه ( تعبيرا لما رآه من أنه
يحمل فوق رأسه خبزا فتأكل الطير منه ) قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ( وهو ما رأياه
وقصاه عليه يقال استفتاه إذا طلب منه بيان حكم شىء سأله عنه مما أشكل عليه وهما قد
سألاه تعبير ما أشكل عليهما من الرؤيا ) وقال للذي ظن أنه ناج منهما ( أي قال يوسف
والظان هو أيضا يوسف والمراد بالظن العلم لأنه قد علم من الرؤيا نجاة الشرابي
وهلاك الخباز هكذا قال جمهور المفسرين وقبل الظاهر على معناه لأن عابر الرؤيا إنما
يظن ظنا والأول أولى وأنسب بحال
"""""" صفحة رقم 29
""""""
الأنبياء ولا سيما وقد أخبر عن نفسه عليه السلام بأنه قد أطلعه الله على شىء من علم
الغيب كما في قوله ) لا يأتيكما طعام ترزقانه ( الآية
يوسف : ( 42 ) وقال للذي ظن . . . . .
وجملة ) اذكرني عند ربك ( هى مقول القول أمره بأن يذكره عند سيده ويصفه بما شاهده
منه من جودة التعبير والاطلاع على شيء من علم الغيب وكانت هذه المقالة منه عليه
السلام صادرة عن ذهول ونسيان عن ذكر الله بسبب الشيطان فيكون ضمير المفعول في
أنساه عائدا إلى يوسف هكذا قال بعض المفسرين ويكون المراد بربه فى قوله ) ذكر ربه
( هو الله سبحانه أي إنساء الشيطان يوسف ذكر الله تعالى في تلك الحال ) وقال للذي
ظن أنه ناج منهما ( يذكره عند سيده ليكون ذلك سببا لانتباهه على ما أوقعه من الظلم
البين عليه بسجنه بعد أن رأى من الآيات ما يدل على براءته وذهب كثير من المفسرين
إلى أن الذى أنساه الشيطان ذكر ربه هو الذى نجا من الغلامين وهو الشرابي والمعنى
إنساء لشيطان الشرابي ذكر سيده أي ذكره لسيده فلم يبلغ إليه ما أوصاه به يوسف من
ذكره عند سيده ويكون المعنى فأنساه الشيطان ذكر إخباره بما أمره به يوسف مع خلوصه
من السجن ورجوعه إلى ما كان عليه من القيام بسقي الملك وقد رجح هذا بكون الشيطان
لا سبيل له على الأنبياء وأجيب بأن النسيان وقع من يوسف ونسبته إلى الشيطان على
طريق المجاز والأنبياء غير معصومين عن النسيان إلا فيما يخبرون به عن الله سبحانه
وقد صح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما
تنسون فإذا نسيت فذكروني ورجح أيضا بأن النسيان ليس بذنب فلو كان الذى أنساه
الشيطان ذكر ربه هو يوسف لم يستحق العقوبة على ذلك بلبثه فى السجن بضع سنين وأجيب
بأن النسيان هنا بمعنى الترك وأنه عوقب بسبب إستعانته بغير الله سبحانه ويؤيد رجوع
الضمير إلى يوسف ما بعده من قوله ) فلبث في السجن بضع سنين ( ويؤيد رجوعه إلى الذى
نجا من الغلامين قوله فيما سيأتي ) وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة ( سنة )
فلبث ( أي يوسف ) في السجن ( بسبب ذلك القول الذى قاله للذى نجا من الغلامين أو
بسبب ذلك الإنساء ) بضع سنين ( البضع ما بين الثلاث إلى التسع كما حكاه الهروي عن
العرب وحكى عن أبي عبيدة أن البضع ما دون نصف العقد يعني ما بين واحد إلى أربعة
وقيل ما بين ثلاث إلى سبع حكاه قطرب وحكى الزجاج أنه ما بين الثلاث إلى الخمس وقد
اختلف في تعيين قدر المدة التى لبث فيها يوسف في السجن فقيل سبع سنين وقيل اثنتا
عشرة سنة وقيل أربع عشرة سنة وقيل خمس سنين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله ) أما أحدكما ( قال أتاه فقال رأيت فيما يرى
النائم أني غرست حبلة من عنب فنبتت فخرج فيه عناقيد فعصرتهن ثم سقيتهن الملك فقال
تمكث في السجن ثلاثة أيام ثم تخرج فتسقيه خمرا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال ما رأى صاحبا يوسف شيئا إنما
تحالما ليجربا علمه فلما أول رؤياهما قالا إنما كنا نلعب ولم نر شيئا فقال ) قضي
الأمر الذي فيه تستفتيان ( يقول وقعت العبارة فصار الأمر على ما عبر يوسف وأخرج
أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال كان أحد اللذين قصا على يوسف
الرؤيا كاذبا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن ساباط ) وقال للذي ظن أنه ناج
منهما اذكرني عند ( قال عند ملك الأرض وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات وابن
جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
لو لم يقل يوسف الكلمة التى قال ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغى الفرج من
عند غير الله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة مرفوعا نحوه وهو
مرسل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وأخرج
أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم أبو الشيخ عن الحسن مرفوعا
نحوه وهو مرسل وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة فذكر نحوه وهو مرسل
"""""" صفحة رقم 30
""""""
أيضا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر وابن أبي
حاتم وأبو الشيخ عن أنس قال أوحى إلى يوسف من استنقذك من القتل حين هم إخوتك أن
يقتلوك قال أنت يا رب قال فمن استنقذك من الجب إذ ألقوك فيه قال أنت يا رب قال فمن
استنقذك من المرأة إذ همت بك قال أنت يا رب قال فما لك نسيتني وذكرت آدميا قال
جزعا وكلمة تكلم بها لساني قال فوعزتي لأخلدنك في السجن بضع سنين فلبث فيه سبع
سنين وقد اختلف السلف في تقدير مدة لبثه في السجن على حسب ما قدمنا ذكره فلم نشتغل
هاهنا بذكر من قال بذلك ومن خرجه
سورة يوسف الآية ( 43 49 )
يوسف : ( 43 ) وقال الملك إني . . . . .
المراد بالملك هنا هو الملك الأكبر وهو الريان بن الوليد الذى كان العزيز وزيرا له
رأى في نومه لما دنى فرج يوسف عليه السلام أنه خرج من نهر يابس ) سبع بقرات سمان (
جمع سمين وسمينة في إثرهن سبع عجاف أي مهازيل وقد أقبلت العجاف على السمان فأكلتهن
والمعنى إني رأيت ولكنه عبر بالمضارع لاستحضار الصورة وكذلك قوله ) يأكلهن ( عبر
بالمضارع للاستحضار والعجاف جمع عجفاء وقياس جمعه عجف لأن فعلاء وأفعل لا تجمع على
فعال ولكنه عدل عن القياس حملا على سمان ) وسبع سنبلات ( معطوف على سبع بقرات
والمراد بقوله ) خضر ( أنه قد انعقد حبها واليابسات التى قد بلغت حد الحصاد
والمعنى وأرى سبعا أخر يابسات وكان قد رأى أن السبع السنبلات اليابسات قد أدركت
الخضر والتوت عليها حتى غلبتها ولعل عدم التعرض لذكر هذا في النظم القرآني
للاكتفاء بما ذكر من حال البقرات ) يا أيها الملأ ( خطاب للأشراف من قومه ) أفتوني
في رؤياي ( أي أخبروني بحكم هذه الرؤيا ) إن كنتم للرؤيا تعبرون ( أي تعلمون عبارة
الرؤيا وأصل العبارة مشتقة من عبور النهر فمعنى عبرت النهر بلغت شاطئه فعابر
الرؤيا يخبر بما يئول إليه أمرها قال الزجاج اللام في للرؤيا للتبيين أي إن كنتم
تعبرون ثم بين فقال ) للرؤيا ( وقيل هو للتقوية وتأخير الفعل العامل فيه لرعاية
الفواصل
يوسف : ( 44 ) قالوا أضغاث أحلام . . . . .
وجملة ) قالوا أضغاث أحلام ( مستأنفة جواب سؤال مقدر الأضغاث جمع
"""""" صفحة رقم 31
""""""
ضغث وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما والمعنى أخاليط أحلام والأحلام جمع حلم
وهى الرؤيا الكاذبة التى لا حقيقة لها كما يكون من حديث النفس ووسواس الشيطان
والإضافة بمعنى من وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلا رؤيا واحدة مبالغة منهم في
وصفها بالبطلان ويجوز أن يكون رأى مع هذه الرؤيا غيرها مما لم يقصه الله علينا )
وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ( قال الزجاج المعنى بتأويل الأحلام المختلطة نفوا
عن أنفسهم علم ما لا تأويل له لا مطلق العلم بالتأويل وقيل إنهم نفوا عن أنفسهم
علم التعبير مطلقا ولم يدعوا أنه لا تأويل لهذه الرؤيا وقيل إنهم قصدوا محوها من
صدر الملك حتى لا يشتغل بها ولم يكن ما ذكروه من نفى العلم حقيقة
يوسف : ( 45 ) وقال الذي نجا . . . . .
) وقال الذي نجا منهما ( أي من الغلامين وهو الساقي الذى قال له يوسف اذكرنى عند
ربك ) وادكر بعد أمة ( بالدال المهملة على قراءة الجمهور وهى القراء الفصيحة أي
تذكر الساقي يوسف وما شاهده منه من العلم بتعبير الرؤيا وقرئ بالمعجمة ومعنى ) بعد
أمة ( بعد حين ومنه إلى أمة معدودة أي إلى وقت قال ابن درستويه والأمة لا تكون على
الحين إلا على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كأنه قال والله أعلم وادكر بعد
حين أمة أو بعد زمن أمة والأمة الجماعة الكثيرة من الناس قال الأخفش هو في اللفظ
واحد وفي المعنى جمع وكل جنس من الحيوان أمة وقرأ ابن عباس وعكرمة بعد أمة بفتح
الهمزة وتخفيف الميم أي بعد نسيان ومنه قول الشاعر أممت وكنت لا أنسى حديثا
كذاك الدهر يودى بالعقول
ويقال أمه يأمه أمها إذا نسى وقرأ الأشهب العقيلي بعد إمة بكسر الهمزة أي بعد نعمة
وهى نعمة النجاة ) أنا أنبئكم بتأويله ( أي أخبركم به بسؤالي عنه من له علم
بتأويله وهو يوسف ) فأرسلون ( خاطب الملك بلفظ التعظيم أو خاطبه ومن كان عنده من
الملأ طلب منهم ان يرسلوه إلى يوسف ليقص عليه رؤيا الملك حتى يخبره بتأويلها فيعود
بذلك إلى الملك
يوسف : ( 46 ) يوسف أيها الصديق . . . . .
) يوسف أيها الصديق أفتنا ( أي يا يوسف وفي الكلام حذف والتقدير فأرسلوه إلى يوسف
فسار إليه فقال له ) يوسف أيها الصديق ( إلى آخر الكلام والمعنى أخبرنا في رؤيا من
رأى سبع بقرات الخ وترك ذكر ذلك اكتفاء بما هو واثق به من فهم يوسف بأن ذلك رؤيا
وأن المطلوب منه تعبيرها ) لعلي أرجع إلى الناس ( أي إلى الملك ومن عنده من الملأ
) لعلهم يعلمون ( ما تأتي به من تأويل هذه الرؤيا أو يعلمون فضلك ومعرفتك لفن
التعبير
يوسف : ( 47 ) قال تزرعون سبع . . . . .
وجملة ) قال تزرعون ( الخ مستأنفة جواب سؤال مقدر كغيرها مما يرد هذا المورد ) سبع
سنين دأبا ( أي متوالية متتابعة وهو مصدر وقيل هو حال أي دائبين وقيل صفة لسبع أي
دائبة وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه قرأ ) دأبا ( بتحريك الهمزة وكذا روى حفص عن
عاصم وهما لغتان قال الفراء حرك لأن فيه حرفا من حروف الحلق وكذلك كل حرف فتح أوله
وسكن ثانيه فتثقيله جائز في كلمات معروفة فعبر يوسف عليه السلام السبع البقرات
السمان بسبع سنين فيها خصب والعجاف بسبع سنين فيها جدب وهكذا عبر السبع السنبلات
الخضر والسبع السنبلات اليابسات واستدل بالسبع السنبلات الخضر على ما ذكره في
التعبير من قوله ) فما حصدتم فذروه في سنبله ( أي ما حصدتم في كل سنة من السنين
المخصبة فذروا ذلك المحصود في سنبله ولا تفصلوه عنها لئلا يأكله السوس إلا قليلا
مما تأكلون في هذه السنين المخصبة فإنه لا بد لكم من فصله عن سنبله وإخراجه عنها
واقتصر على استثناء المأكول دون ما يحتاجون إليه من البذر الذى يبذرونه في أموالهم
لأنه قد علم من قوله تزرعون
يوسف : ( 48 ) ثم يأتي من . . . . .
) ثم يأتي من بعد ذلك ( أي من بعد السبع السنين المخصبة ) سبع شداد ( اي سبع سنين
مجدبة يصعب أمرها على الناس ) يأكلن ما قدمتم لهن ( من تلك الحبوب المتروكة في
سنابلها وإسناد الأكل إلى
"""""" صفحة رقم 32
""""""
السنين مجاز والمعنى يأكل الناس فيهن أو يأكل أهلهن ما قدمتم لهن أي ما ادخرتم
لأجلهن فهو من باب نهاره صائم ومنه قول الشاعر نهارك يا مغرور سهو وغفلة
وليلك نوم والردى لك لازم
) إلا قليلا مما تحصنون ( أي مما تحبسون من الحب لتزرعوا به لأن في استبقاء البذر
تحصين الأقوات وقال أبو عبيدة معنى تحصنون تحرزون وقيل تدخرون والمعنى واحد
يوسف : ( 49 ) ثم يأتي من . . . . .
قوله ) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ( أي من بعد السنين
المجدبات فالإشارة إليها والعام السنة ) فيه يغاث الناس ( من الإغاثة أو الغوث
والغيث المطر وقد غاث الغيث الأرض أي أصابها وغاث الله البلاد يغيثها غوثا أمطرها
فمعنى يغاث الناس يمطرون ) وفيه يعصرون ( أي يعصرون الأشياء التى تعصر كالعنب
والسمسم والزيتون وقيل أراد حلب الألبان وقيل معنى يعصرون ينجون مأخوذ من العصرة
وهى المنجاة قال أبو عبيدة والعصر بالتحريك الملجأ والمنجاة ومنه قول الشاعر صاديا
يستغيث غير مغاث
ولقد كان عصره المنجود
واعتصرت بفلان التجأت به وقرأ حمزة والكسائي ? تعصرون ? بتاء الخطاب وقرئ يعصرون
بضم حرف المضارعة وفتح الصاد ومعناه يمطرون ومنه قوله تعالى ) وأنزلنا من المعصرات
ماء ثجاجا )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن مجاهد قال قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك أي
الملك الأعظم ومظلمتي وحبسي في غير شىء فقال أفعل فلما خرج الساقي رد على ما كان
عليه ورضى عنه صاحبه وانساه الشيطان ذكر الملك الذى أمره يوسف أن يذكره له فلبث
يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين ثم إن الملك ريان بن الوليد رأى رؤياه التى أرى
فيها فهالته وعرف أنها رؤيا واقعة ولم يدر ما تأويلها فقال للملأ حوله من أهل
مملكته ) إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات (
فلما سمع من الملك ما سمع منه ومسألته عن تأويلها ذكر يوسف ما كان عبر له ولصاحبه
وما جاء من ذلك على ما قال فقال أنا أنبئكم بتأويله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في
قوله ) أضغاث أحلام ( يقول مشتبهة وأخرج أبو يعلى وابن جرير عنه قال من الأحلام
الكاذبة وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله وأخر عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله ) وادكر بعد أمة (
قال بعد حين وأخرج ابن جرير عن مجاهد والحسن وعكرمة وعبد الله بن كثير والسدي مثله
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال بعد سنين وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال بعد أمة
من الناس وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
قتادة في قوله ) أفتنا في سبع بقرات ( الآية قال أما السمان فسنون فيها خصب وأما
العجاف فسنون مجدبة وسبع سنبلات خضر هى السنون المخاصيب تخرج الأرض نباتها وزرعها
وثمارها وآخر يابسات المحول الجدوب لا تنبت شيئا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقد عجبت
من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت
مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط عليهم أن يخرجوني ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله
يغفر له حين أتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ولكنه أراد أن يكون له
العذر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس
"""""" صفحة رقم 33
""""""
في قوله ) إلا قليلا مما تحصنون ( يقول تخزنون وفي قوله ) وفيه يعصرون ( يقول
الأعناب والدهن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) فيه يغاث الناس ( يقول
يصيبهم فيه غيث ) وفيه يعصرون ( يقول يعصرون وفيه العنب ويعصرون فيه الزبيب
ويعصرون من كل الثمرات وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
وأبوالشيخ عنه أيضا ) وفيه يعصرون ( قال يحتلبون وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه
أيضا ) ثم يأتي من بعد ذلك عام ( قال أخبرهم بشىء لم يسألوه عنه كأن الله قد علمه
إياه فيه يغاث الناس بالمطر وفيه يعصرون السمسم دهنا والعنب خمرا والزيتون زيتا
سورة يوسف الآية ( 50 57 )
يوسف : ( 50 ) وقال الملك ائتوني . . . . .
قوله ) وقال الملك ائتوني به ( في الكلام حذف قبل هذا والتقدير فذهب الرسول إلى
الملك فأخبره بما أخبره به يوسف من تعبير تلك الرؤيا وقال الملك لمن بحضرته )
ائتوني به ( أي بيوسف رغب إلى رؤيته ومعرفة حاله بعد أن علم من فضله ما علمه من
وصف الرسول له ومن تعبيره لرؤياه ) فلما جاءه ( أي جاء إلى يوسف ) الرسول (
واستدعاه إلى حضرة الملك وأمره بالخروج من السجن ) قال ( يوسف للرسول ) ارجع إلى
ربك ( أي سيدك ) فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ( أمره بأن يسأل الملك
عن ذلك وتوقف عن الخروج من السجن ولم يسارع إلى إجابة الملك ليظهر للناس براءة
ساحته ونزاهة جانبه وأنه ظلم بكيد امرآة العزيز ظلما بينا ولقد أعطى عليه السلام
من الحلم والصبر والأناة ما تضيق الأذهان عن تصوره ولهذا ثبت في الصحيح من قوله (
صلى الله عليه وسلم ) ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي يعني الرسول
الذى جاء يدعوه إلى الملك قال ابن عطية هذا الفعل من يوسف أناة وصبرا وطلبا لبراءة
ساحته وذلك أنه خشى أن يخرج وينال من الملك مرتبة ويسكت عن امر ذنبه فيراه الناس
بتلك العين يقولون هذا الذى راود امرأة العزيز وإنما قال ) فاسأله ما بال النسوة (
"""""" صفحة رقم 34
""""""
وسكت عن امرأة العزيز رعاية لذمام الملك العزيز أو خوفا منه من كيدها وعظيم شرها
وذكر السؤال عن تقطيع الأيدي ولم يذكر مراودتهن له تنزها منه عن نسبة ذلك إليهن
ولذلك لم ينسب المراودة فيما تقدم إلى امرأة العزيز إلا بعد أن رمته بدائها وانسلت
وقد اكتفى هنا بالإشارة الإجمالية بقوله ) إن ربي بكيدهن عليم ( فجعل علم الله
سبحانه بما وقع عليه من الكيد منهن مغنيا عن التصريح
يوسف : ( 51 ) قال ما خطبكن . . . . .
وجملة ) قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل
فماذا قال الملك بعد أن أبلغه الرسول ما قال يوسف والخطب الشأن العظيم الذى يحق له
أن يخاطب فيه صاحبه خاصة والمعنى ما شأنكن إذا راودتن يوسف عن نفسه وقد تقدم معنى
المراودة وإنما نسب إليهن المراودة لأن كل واحدة منهن وقع منها ذلك كما تقدم ومن
جملة من شمله خطاب الملك امرأة العزيز أو أراد بنسبة ذلك إليهن وقوعه منهن في
الجملة كما كان من امرأة العزيز تحاشيا عن التصريح منه بنسبة ذلك إليها لكونها
امرأة وزيره وهو العزيز فأجبن عليه بقولهن ) قلن حاش لله ( أي معاذ الله ) ما
علمنا عليه من سوء ( أي من أمر سيء ينسب إليه فعند ذلك ) قالت امرأة العزيز (
منزهة لجانبه مقرة على نفسها بالمراودة له ) الآن حصحص الحق ( أي تبين وظهر وأصله
حص فقيل حصحص كما قيل في كبوا كبكبوا قاله الزجاج وأصل الحص استئصال الشيء يقال حص
شعره إذا استاصله ومنه قول أبي قيس بن الأسلت قد حصت البيضة رأسي فما
أطعم نوما غير تهجاع
والمعنى أنه انقطع الحق عن الباطل بظهوره وبيانه ومنه فمن مبلغ عني خداشا فإنه
كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم
وقيل هو مشتق من الحصة والمعنى بانت حصة الباطل قال الخليل معناه ظهر الحق بعد
خفائه ثم أوضحت ذلك بقولها ) أنا راودته عن نفسه ( ولم تقع منه المراودة لي أصلا )
وإنه لمن الصادقين ( فيما قاله من تبرئة نفسه ونسبة المراودة إليها وأرادت بالآن
زمان تكلمها بهذا الكلام
يوسف : ( 52 ) ذلك ليعلم أني . . . . .
قوله ) ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ( ذهب أكثر المفسرين إلى هذا من كلام يوسف
عليه السلام قال الفراء ولا يبعد وصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر إذا دلت القرينة
الصارفة لكل منهما إلى ما يليق به والإشارة إلى الحادثة الواقعة منه وهى تثبته
وتأنيه أي فعلت ذلك ليعلم العزيز أني لم أخنه في أهله بالغيب والمعنى بظهر الغيب
والجار والمجرور في محل نصب على الحال أي وهو غائب عني أو وأنا وادت بالعين عنه
قيل إنه قال ذلك وهو في السجن بعد أن أخبره الرسول بما قالته النسوة وما قالته
امرأة العزيز وقيل إنه قال ذلك وقد صار عند الملك والأول أولى وذهب الأقلون من
المفسرين إلى أن هذا من كلام امرأة العزيز والمعنى ذلك القول الذى قلته في تنزيهه
والإقرار على نفسي بالمراودة ليعلم يوسف أني لم أخنه فأنسب إليه ما لم يكن منه وهو
غائب عني أو وأنا غائبة عنه ) وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ( أي لا يثبته ويسدده
أولا يهديهم في كيدهم حتى يوقعوه على وجه يكون له تأثير يثبت به ويدوم وإذا كان من
قول يوسف ففيه تعريض بامرأة العزيز حيث وقع منها الكيد له والخيانة لزوجها وتعريض
بالعزيز حيث ساعدها على حبسه بعد أن علم براءته ونزاهته
يوسف : ( 53 ) وما أبرئ نفسي . . . . .
) وما أبرئ نفسي ( إن كان من كلام يوسف فهو من باب الهضم للنفس وعدم التزكية بها
مع أنه قد علم هو وغيره من الناس أنه بريء وظهر ذلك ظهور الشمس وأقرت به المرأة
التى ادعت عليه الباطل ونزهته النسوة اللاتي قطعن أيديهن وإن كان من كلام امرأة العزيز
فهو واقع على الحقيقة لأنها قد أقرت بالذنب واعترفت بالمراودة وبالافتراء على يوسف
وقد قيل إن هذا من قول العزيز
"""""" صفحة رقم 35
""""""
وهو بعيد جدا ومعناه وما ابرئ نفسى من سوء الظن بيوسف والمساعدة على حبسه بعد أن
علمت ببراءته ) إن النفس لأمارة بالسوء ( أي إن هذا الجنس من الأنفس البشرية شأنه
الأمر بالسوء لميله إلى الشهوات وتأثيرها بالطبع وصعوبة قهرها وكفها عن ذلك ) إلا
ما رحم ربي ( أي إلا من رحم من النفوس فعصمها عن أن تكون أمارة بالسوء أو إلا وقت
رحمة ربى وعصمته لها وقيل الاستثناء منقطع والمعنى لكن رحمة ربي هى التى تكفها عن
أن تكون أمارة بالسوء وجملة ) إن ربي غفور رحيم ( تعليل لما قبلها أي إن من شأنه
كثرة المغفرة لعباده والرحمة لهم
يوسف : ( 54 ) وقال الملك ائتوني . . . . .
قوله ) وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ( الملك هو الريان بن الوليد لا العزيز
كما تقدم ومعنى ) أستخلصه لنفسي ( أجعله خالصا لي دون غيري وقد كان قبل ذلك خالصا
للعزيز والاستخلاص طلب خلوص الشيء من شوائب الشركة قال ذلك لما كان يوسف نفيسا
وعادة الملوك أن يجعلوا الأشياء النفيسة خالصة لهم دون غيرهم ) فلما كلمه ( في
الكلام حذف وتقديره فأتوه به فلما كلمه أي فلما كلم الملك يوسف ويحتمل أن يكون
المعنى فلما كلم يوسف الملك قيل والأول أولى لأن مجالس الملوك لا يتكلم فيها
ابتداء إلا هم دون من يدخل عليهم وقيل الثاني أولى لقول الملك ) قال إنك اليوم
لدينا مكين أمين ( فإن هذا يفيد أنه لما تكلم يوسف في مقام الملك جاء بما حببه إلى
الملك وقربه من قلبه فقال له هذه المقالة ومعنى مكين ذو مكانة وأمانة بحيث يتمكن
مما يريده من الملك ويأمنه الملك على ما يطلع عليه من أمره أو على ما يكله إليه من
ذلك قيل إنه لما وصل إلى الملك أجلسه على سريره وقال له إني أحب أن أسمع منك تعبير
رؤياي فعبرها له بأكل بيان وأتم عبارة فلما سمع الملك منه ذلك قال له ) إنك اليوم
لدينا مكين أمين )
يوسف : ( 55 ) قال اجعلني على . . . . .
فلما سمع يوسف منه ذلك ) قال اجعلني على خزائن الأرض ( أي ولنى أمر الأرض التى
أمرها إليك وهى أرض مصر أو اجعلنى على حفظ خزائن الأرض وهي الأمكنة التى تخزن فيها
الأموال طلب يوسف عليه السلام منه ذلك ليتوصل به إلى نشر العدل ورفع الظلم ويتوسل
به إلى دعاء أهل مصر إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأوثان وفيه دليل على أنه يجوز
لمن وثق من نفسه إذا دخل في أمر من أمور السلطان أن يرفع منار الحق ويهدم ما أمكنه
من الباطل طلب ذلك لنفسه ويجوز له أن يصف نفسه بالأوصاف التى لها ترغيبا فيما
يرومه وتنشيطا لمن يخاطبه من الملوك بالقاء مقاليد الأمور إليه وجعلها منوطة به
ولكنه يعارض هذا الجواز ما ورد عن نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) من النهي عن طلب
الولاية والمنع من تولية من طلبها أو حرص عليها والخزائن جمع خزانة وهى اسم للمكان
الذى يخزن فيه الشيء والحفيظ الذى يحفظ الشيء أي ) إني حفيظ ( لما جعلته إلى من
حفظ الأموال لا أخرجها في غير مخارجها ولا أصرفها في غير مصارفها ) عليم ( بوجود
جمعها وتفريقها ومدخلها ومخرجها
يوسف : ( 56 ) وكذلك مكنا ليوسف . . . . .
) وكذلك مكنا ليوسف ( أي ومثل ذلك التمكين العجيب مكنا ليوسف في الأرض أي جعلنا له
مكانا وهو عبارة عن كمال قدرته ونفوذ أمره ونهيه حتى صار الملك يصدر عن رأيه وصار
الناس يعملون على أمره ونهيه ) يتبوأ منها حيث يشاء ( أي ينزل منها حيث أراد
ويتخذه مباءة وهو عبارة عن كمال قدرته كما تقدم وكأنه يتصرف في الأرض التى أمرها
إلى سلطان مصر كما يتصرف الرجل في منزله وقرأ ابن كثير بالنون وقد استدل بهذه
الآية على أنه يجوز تولي الأعمال من جهة السلطان الجائر بل الكافر لمن وثق من نفسه
بالقيام بالحق وقد قدمنا الكلام على هذا مستوفى في قوله سبحانه ولا تركنوا إلى
الذين ظلموا ) نصيب برحمتنا من نشاء ( من العباد فنرحمه في الدنيا بالإحسان إليه
والإنعام عليه وفي الآخرة بإدخاله الجنة وإنجائه من النار ) ولا نضيع أجر المحسنين
( في أعمالهم الحسنة التى هى مطلوب الله منهم أي لا نضيع ثوابهم فيها ومجازاتهم
عليها
يوسف : ( 57 ) ولأجر الآخرة خير . . . . .
) ولأجر الآخرة ( أي أجرهم في الآخرة وأضيف الأجر إلى الآخرة للملانسة
"""""" صفحة رقم 36
""""""
وأجرهم هو الجزاء الذى يجازيهم الله به فيها وهو الجنة التى لا ينفد نعيمها ولا
تنقضي مدتها ) خير للذين آمنوا ( بالله ) وكانوا يتقون ( الوقوع فيما حرمه عليهم
والمراد بهم المحسنون المتقدم ذكرهم وفيه تنبيه على أن الإحسان المعتد به هو
الإيمان والتقوى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ما بال النسوة ( قال أراد يوسف العذر
قبل أن يخرج من السجن وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ والبيهقي في الشعب عنه قال لما قالت امرأة العزيز أنا راودته قال يوسف ) ذلك
ليعلم أني لم أخنه بالغيب ( فغمزه جبريل فقال ولا حين هممت بها فقال ) وما أبرئ
نفسي ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) حصحص الحق (
قال تبين وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد والسدي مثله وأخرج سعيد
بن منصور وابن أبي حاتم عن حكيم بن حزام في قوله ) ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب (
فقال له جبريل ولا حين حللت السراويل فقال عند ذلك ) وما أبرئ نفسي ( وأخرج ابن
عبد الحكم في فتوح مصر من طريق الكلبى عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله ) وقال
الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ( قال فأتاه الرسول فقال ألق عنك ثياب السجن والبس
ثيابا جددا وقم إلى الملك فدعا له أهل السجن وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة فلما أتاه
رأى غلاما حدثا فقال أيعلم هذا رؤياي ولا يعلمها السحرة والكهنة وأقعده قدامه وقال
لا تخف وألبسه طوقا من ذهب وثياب حرير وأعطاه دابة مسروجة مزينة كدابة الملك وضرب
الطبل بمصر إن يوسف خليفة الملك وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم
وأبو الشيخ عن ابن عباس قال قال الملك ليوسف إني احب أن تخالطني في كل شيء إلا في
أهلي وأنا آنف تأكل معي فغضب يوسف وقال أنا أحق أن آنف أنا ابن إبراهيم خليل الله
وأنا ابن إسحاق ذبيح الله وأنا ابن يعقوب نبي الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم
وأبو الشيخ عن شيبة بن نعامة الضبي في قوله ) اجعلني على خزائن الأرض ( يقول على
جميع الطعام ) إني حفيظ ( لما استودعتني ) عليم ( بسني المجاعة وأخرج ابن جرير
وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ( قال ملكناه فيها
يكون فيها حيث يشاء من تلك الدنيا يصنع فيها ما يشاء وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن
أسلم أن يوسف تزوج امرأة العزيز فوجدها بكرا وكان زوجها عنينا
سورة يوسف الآية ( 58 63 )
"""""" صفحة رقم 37
""""""
سورة يوسف الآية ( 64 - 66 )
يوسف : ( 58 ) وجاء إخوة يوسف . . . . .
قوله ) وجاء إخوة يوسف ( أي جاءوا إلى مصر من أرض كنعان ليمتاروا لما أصابهم القحط
) فدخلوا ( على يوسف ) فعرفهم ( لأنه فارقهم رجالا ) وهم له منكرون ( لأنهم فارقوه
صبيا يباع بالدراهم في أيدي السيارة بعد أن أخرجوه من الجب ودخلوا عليه الآن وهو
رجل عليه أبهة الملك ورونق الرئاسة وعنده الخدم والحشم وقيل إنهم انكروه لكونه كان
في تلك الحال على هيئة ملك مصر ولبس تاجه وتطوق بطوقه وقيل كانوا بعيدا منه فلم
يعرفوه وقيل غير ذلك
يوسف : ( 59 ) ولما جهزهم بجهازهم . . . . .
) ولما جهزهم بجهازهم ( المراد به هنا أنه أعطاهم ما طلبوه من الميرة وما يصلحون
به سفرهم من العدة التى يحتاجها المسافر يقال جهزت القوم تجهيزا إذا تكلفت لهم
جهازا للسفر قال الأزهري القراء كلهم على فتح الجيم والكسر لغة جيدة ) قال ائتوني
بأخ لكم من أبيكم ( قيل لا بد من كلام ينشأ عنه طلبه لهم بأن يأتوه بأخ لهم من أبيهم
فروى أنه لما رآهم وكلموه بالعبرانية قال لهم ما أنتم وما شأنكم فإني أنكركم
فقالوا نحن قوم من أهل الشام جئنا نمتار ولنا أب شيخ صديق نبي من الأنبياء اسمه
يعقوب قال كم أنتم قالوا عشرة وقد كنا اثنى عشر فذهب أخ لنا إلى البرية فهلك وكان
أحبنا إلى أبينا وقد سكن بعد إلى أخ له أصغر منه هو باق لديه يتسلى به فقال لهم
حينئذ ) ائتوني بأخ لكم من أبيكم ( يعني أخاه بنيامين الذى تقدم ذكره وهو أخو يوسف
لأبيه وأمه فوعدوه بذلك فطلب منهم أن يتركوا أحدهم رهينة عنده حتى يأتوه بالأخ
الذى طلبه فاقترعوا فأصابت القرعة شمعون فخلفوه عنده ثم قال لهم ) ألا ترون أني
أوفي الكيل ( أي أتممه وجاء بصيغة الاستقبال مع كونه قال لهم هذه المقالة بعد
تجهيزهم للدلالة على أن ذلك عادته المستمرة ثم أخبرهم بما يزيدهم وثوقا به وتصديقا
لقوله فقال ) وأنا خير المنزلين ( أي والحال أني خير المنزلين لمن نزل بي كما
فعلته بكم من حسن الضيافة وحسن الإنزال قال الزجاج قال يوسف ) وأنا خير المنزلين (
لأنه حين أنزلهم أحسن ضيافتهم
يوسف : ( 60 ) فإن لم تأتوني . . . . .
ثم توعدهم إذا لم يأتوه به فقال ) فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون (
أي فلا أبيعكم شيئا فيما بعد وأما في الحال فقد أوفاهم كيلهم ومعنى لاتقربون لا
تدخلون بلادي فضلا عن أن أحسن إليكم وقيل معناه لا أنزلكم عندي كما أنزلتكم هذه
المرة ولم يرد أنهم لا يقربون بلاده وتقربون مجزوم إما على أن لا ناهية أو على
أنها نافية وهو معطوف على محل الجزاء داخل في حكمه كأنه قال فإن لم تأتوني تحرموا
ولا تقربوا
يوسف : ( 61 ) قالوا سنراود عنه . . . . .
فلما سمعوا منه ذلك وعدوه بما طلبه منهم ف ) قالوا سنراود عنه أباه ( أي سنطلبه
منه ونجتهد في ذلك بما نقدر عليه وقيل معنى المراودة هنا المخادعة منهم لأبيهم
والاحتيال عليه حتى ينتزعوه منه ) وإنا لفاعلون ( هذه المراودة غير مقصرين فيها
وقيل معناه وإنا لقادرون على ذلك لا نتعانى به ولا نتعاظمه
يوسف : ( 62 ) وقال لفتيانه اجعلوا . . . . .
) وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم (
"""""" صفحة رقم 38
""""""
قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم من رواية شعبة وابن عامر لفتيته واختار هذه
القراءة أبو حاتم والنحاس وغيرهما وقرأ سائر الكوفيين لفتيانه وأختار هذه القراءة
أبو عبيد وفي مصحف عبد الله بن مسعود كالقراءة الآخرة قال النحاس لفتيانه مخالف
للسواد الأعظم ولا يترك السواد المجمع عليه لهذا الإسناد المنقطع وأيضا فإن فتية
أشبه من فتيان لأن فتية عند العرب لأقل العدد وأمر القليل بأن يجعلوا البضاعة في
الرحال أشبه والجملة مستأنفة جواب سؤال كأنه قيل فما قال يوسف بعد وعدهم له بذلك
فأجيب بأنه قال لفتيته قال الزجاج الفتية والفتيان في هذا الموضع المماليك وقال الثعلبي
هما لغتان جيدتان مثل الصبيان والصبية والمراد بالبضاعة هنا هى التى وصلوا بها من
بلادهم ليشتروا بها الطعام وكانت نعالا وأدما فعل يوسف عليه السلام ذلك تفضلا
عليهم وقيل فعل ذلك ليرجعوا إليه مرة أخرى لعلمه أنهم لا يقبلون الطعام إلا بثمن
قاله الفراء وقيل فعل ذلك ليستعينوا بها على الرجوع إليه لشراء الطعام وقيل إنه
استقبح أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمن الطعام ثم علل يوسف عليه السلام ما أمر به من
جعل البضاعة في رحالهم بقوله ) لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم ( فجعل علة
جعل البضاعة في الرحال هي معرفتهم لها إذا انقلبوا إلى أهلهم وذلك لأنهم لا يعلمون
برد البضاعة إليهم إلا عند تفريغ الأوعية التى جعلوا فيها الطعام وهم لا يفرغونها
إلا عند الوصول إلى أهلهم ثم علل معرفتهم للبضاعة المردودة إليهم المجعولة في
رحالهم بقوله ) لعلهم يرجعون ( فإنهم إذا عرفوا ذلك وعلموا أنهم أخذوا الطعام بلا
ثمن وأن ما دفعوه عوضا عنه قد رجع إليهم وتفضل به من وصلوا إليه عليهم نشطوا إلى
العود إليه ولا سيما مع ما هم فيه من الجدب الشديد والحاجة إلى الطعام وعدم وجوده
لديهم فإن ذلك من أعظم ما يدعوهم إلى الرجوع وبهذا يظهر أن يوسف عليه السلام لم يرد
البضاعة إليهم إلا لهذا المقصد وهو رجوعهم إليه فلا يتم تعليل ردهم بغير ذلك
والرحال جمع رحل والمراد به هنا ما يستصحبه الرجل معه من الأثاث قال الواحدي الرحل
كل شيء معد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير ومجلس ورسن انتهى والمراد هنا
الأوعية التى يجعلون فيها ما يمتارونه من الطعام قال ابن الأنباري يقال للوعاء رحل
وللبيت رحل
يوسف : ( 63 ) فلما رجعوا إلى . . . . .
) فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل ( أرادوا بهذا ما تقدم من
قول يوسف لهم ) فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ( أي منع منا الكيل فى المستقبل
وفيه دلالة على أن الامتيار مرة بعد مرة معهود فيما بينهم وبينه ولعلهم قالوا له
بهذه المقالة قبل أن يفتحوا متاعهم ويعلموا برد بضاعتهم كما يفيد ذلك قوله فيما
بعد ولما فتحوا متاعهم إلى آخره ثم ذكروا له ما أمرهم به يوسف فقالوا ) فأرسل معنا
أخانا ( يعنون بنيامين و ) نكتل ( جواب الأمر أي نكتل بسبب إرساله مع ما نريده من
الطعام قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو وابن عامر وعاصم نكتل بالنون وقرأ سائر الكوفيون
بالياء التحتية واختار أبو عبيد القراءة الأولى قال ليكونون كلهم داخلين فيمن
يكتال وزعم أنه إذا كان بالياء كان للأخ وحده أي يكتال أخونا بنيامين واعترضه
النحاس مما حاصله أن إسناد الكيل إلى الأخ لا ينافى محمية من النص للجميع والمعنى
يكتال بنيامين لنا جميعا قال الزجاج أي إن أرسلته اكتلنا وإلا منعنا الكيل ) وإنا
له ( أي لأخيهم بنيامين ) لحافظون ( من أن يصيبه سوء أو مكروه
يوسف : ( 64 ) قال هل آمنكم . . . . .
وجملة ) قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل ( مستأنفة جواب سؤال
مقدر كما تقدم في نظائر ذلك في مواضع كثيرة والمعنى أنه لا يأمنهم على بنيامين إلا
كما أمنهم على أخيه يوسف وقد قالوا له في يوسف ) وإنا له لحافظون ( كما قالوا هنا
) وإنا له لحافظون ( خانوه في يوسف فهو إن أمنهم في بنيامين خاف أن يخونوه فيه كما
خانوه في يوسف ) فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين ( لعل هنا إضمارا والتقدير
فتوكل يعقوب على الله ودفعه إليهم وقال فالله خير حفظا قرأ أهل المدينة
"""""" صفحة رقم 39
""""""
? حفظا ? وهو منتصب على التمييز وهى قراءة أبي عمرو وعاصم وابن عامر وقرأ سائر
الكوفيين حافظا وهو منتصب على الحال وقال الزجاج على البيان يعني التمييز ومعنى
الآية أن حفظ الله إياه خير من حفظهم له لما وكل يعقوب حفظه إلى الله سبحانه حفظه
وأرجعه إليه ولما قال في يوسف ) وأخاف أن يأكله الذئب ( وقع له من الامتحان ما وقع
يوسف : ( 65 ) ولما فتحوا متاعهم . . . . .
) ولما فتحوا متاعهم ( أي أوعية الطعام أو ما هو أعم من ذلك مما يطلق عليه لفظ
المتاع سواء كان الذى فيه طعاما أو غير طعام ) وجدوا بضاعتهم ردت إليهم ( أي
البضاعة التى حملوها إلى مصر ليمتاروا بها وقد تقدم بيانها وجملة ) قالوا يا أبانا
( مستأنفة كما تقدم ) ما نبغي ( ما استفهامية والمعنى أي شيء نطلب من هذا الملك
بعد أن صنع معنا ما صنع من الإحسان برد البضاعة والإكرام عند القدوم إليه وتوفير
ما أردناه من المبرة ويكون الاستفهام للإنكار وجملة ) هذه بضاعتنا ردت إلينا (
مقررة لما دل عليه الاستفهام من الإنكار لطلب شيء مع كونها قد ردت إليهم وقيل إن
ما في ما نبغى نافية أي ما نبغى في القول وما نتزيد فيما وصفنا لك من إحسان الملك
إلينا وإكرامه لنا ثم برهنوا على ما لقوه من التزيد في وصف الملك بقولهم ) هذه
بضاعتنا ردت إلينا ( فإن من تفضل عليهم برد ذلك حقيق الثناء عليه منهم مستحق لما
وصفوه به ومعنى ) ونمير أهلنا ( نجلب إليهم الميرة وهى الطعام والمائر الذى يأتى
بالطعام وقرأ السلمى بضم النون وهو معطوف على مقدر يدل عليه السياق والتقدير ? هذه
بضاعتنا ردت إلينا فنحن نستعين بها على الرجوع ونمير أهلنا ? ونحفظ أخانا بنيامين
مما تخافه عليه ) ونزداد ( بسبب إرساله معنا ) كيل بعير ( أي حمل بعير زائد على ما
جئنا به هذه المرة لأنه كان يكال لكل رجل وقر بعير ومعنى ) ذلك كيل يسير ( أن زيادة
كيل بعير لأخينا يسهل على الملك ولا يمتنع علينا من زيادته له لكونه يسيرا لا
يتعاظمه ولا يضايقنا فيه وقيل إن المعنى ذلك المكيل لأجلنا قليل نريد أن ينضاف
إليه حمل بعير لأخينا واختار الزجاج الأول وقيل إن هذا من كلام يعقوب جوابا على ما
قاله أولاده ) ونزداد كيل بعير ( يعني إن حمل بعير شيء يسير لا يخاطر لأجله بالولد
وهو ضعيف لأن جواب يعقوب هو
يوسف : ( 66 ) قال لن أرسله . . . . .
) قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله ( أي حتى تعطوني ما أثق به وأركن
إليه من جهة الله سبحانه وهو الحلف به واللام في ) لتأتنني به ( جواب القسم لأن
معنى ) حتى تؤتون موثقا من الله ( حتى تحلفوا بالله لتأتني به أي لتردن بنيامين
إلى والاستثناء بقوله ) إلا أن يحاط بكم ( هو من أعم العام لأن ) لتأتنني به ( وإن
كان كلاما مثبتا فهو في معنى النفي فكأنه قال لا تمنعون من إتياني به في حال من
الأحوال لعله من العلل إلا لعلة الإحاطة بكم والإحاطة مأخوذة من إحاطة العدو ومن
أحاط به العدو فقد غلب أو هلك فأخذ يعقوب عليهم العهد بأن يأتوه ببنيامين إلا أن
تغلبوا عليه أو تهلكوا دونه فيكون ذلك عذرا لكم عندي ) فلما آتوه موثقهم ( أي
أعطوه ما طلبه منهم من اليمين ) قال الله على ما نقول وكيل ( أي قال يعقوب الله
على ما قلناه من طلبي الموثق منكم وإعطائكم لي ما طلبته منكم مطلع رقيب لا يخفى
عليه منه خافية فهو المعاقب لمن خاس في عهده وفجر في الحلف به أو موكول إليه
القيام بما شهد عليه منا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال إن إخوة يوسف لما
دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون جاء بصواع الملك الذى كان يشرب فيه فوضعه على يده
فجعل ينقره ويطن وينقره ويطن فقال إن هذا الجام ليخبرني عنكم خبرا هل كان لكم أخ
من أبيكم يقال له يوسف وكان أبوه يحبه دونكم وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في الجب
وأخبرتم أباكم أن الذئب أكله وجئتم على قميصه بدم كذب قال فجعل بعضهم ينظر إلى بعض
ويعجبون وأخرج أبو الشيخ عن وهيب قال لما جعل يوسف ينقر الصواع ويخبرهم قام
"""""" صفحة رقم 40
""""""
إليه بعض إخوته فقال أنشدك بالله أن لا تكشف لنا عورة وأخرج ابن جرير وابن أبي
حاتم عن قتادة في قوله ) ائتوني بأخ لكم من أبيكم ( قال يعني بنيامين وهو أخو يوسف
لأبيه وأمه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وأنا خير
المنزلين ( قال خير من يضيف بمصر وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) لفتيانه ( أي
لغلمانه ) اجعلوا بضاعتهم ( أي أوراقهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ
عن قتادة في قوله ) ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ( يقولون ما نبغى وراء هذا )
ونزداد كيل بعير ( أي حمل بعير وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد )
ونزداد كيل بعير ( قال حمل حمار قال وهى لغة قال أبو عبيد يعنى مجاهدا أن الحمار
يقال له في بعض اللغات بعير وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي
حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) إلا أن يحاط بكم ( قال تهلكوا جميعا وفي قوله
) فلما آتوه موثقهم ( قال عهدهم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي
حاتم عن قتادة في قوله ) إلا أن يحاط بكم ( قال إلا أن تغلبوا حتى لا تطيقوا ذلك
سورة يوسف الآية ( 67 76 )
يوسف : ( 67 ) وقال يا بني . . . . .
لما تجهز أولاد يعقوب للمسير إلى مصر خاف عليهم أبوهم أن تصيبهم العين لكونهم
كانوا ذوى جمال ظاهر وثياب حسنة مع كونهم أولاد رجل واحد فنهاهم أن يدخلوا مجتمعين
من باب واحد لأن في ذلك مظنة لإصابة الأعين لهم وأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة
ولم يكتف بقوله ) لا تدخلوا من باب واحد ( عن قوله
"""""" صفحة رقم 41
""""""
) وادخلوا من أبواب متفرقة ( لأنهم لو دخلوا من بابين مثلا كانوا قد امتثلوا النهي
عن الدخول من باب واحد ولكنه لما كان في الدخول من بابين مثلا نوع اجتماع يخشى معه
أن تصيبهم العين أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة قيل وكانت أبواب مصر أربعة
الرد على المعتزلة في إنكارهم العين
وقد أنكر بعض المعتزلة كأبي هاشم والبلخي أن للعين تأثيرا وقالا لا يمتنع أن صاحب
العين إذا شاهد الشيء وأعجب به كانت المصلحة له في تكليفه أن يغير الله ذلك الشيء
حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف معلقا به وليس هذا بمستنكر من هذين وأتباعهما فقد صار
دفع أدلة الكتاب والسنة بمجرد الاستبعادات العقلية دأبهم وديدنهم وأي مانع من
إصابة العين بتقدير الله سبحانه لذلك وقد وردت الأحاديث الصحيحة بأن العين حق
وأصيب بها جماعة في عصر النبوة ومنهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأعجب من
إنكار هؤلاء لما وردت به نصوص هذه الشريعة ما يقع من بعضهم من الإزراء على من يعمل
بالدليل المخالف لمجرد الاستبعاد العقلي والتنطع في العبارات كالزمخشري في تفسيره
فإنه في كثير من المواطن لا يقف على دفع دليل الشرع بالاستبعاد الذي يدعيه على
العقل حتى يضم إلى ذلك الوقاحة في العبارة على وجه يوقع المقصرين في الأقوال
الباطلة والمذاهب الزائفة وبالجملة فقول هؤلاء مدفوع بالأدلة المتكاثرة وإجماع من
يعتد به من هذه الأمة سلفا وخلفا وبما هو مشاهد في الوجود فكم من شخص من هذا النوع
الإنساني وغيره من أنواع الحيوان هلك بهذا السبب
وقد اختلف العلماء فيمن عرف بالإصابة بالعين فقال قوم يمنع من الاتصال بالناس دفعا
لضرره بحبس أو غيره من لزوم بيته وقيل ينفى وأبعد من قال إنه يقتل إلا إذا كان
يتعمد ذلك وتتوقف إصابته على اختياره وقصده ولم ينزجر عن ذلك فإنه إذا قتل كان له
حكم القاتل ثم قال يعقوب لأولاده ) وما أغني عنكم من الله من شيء ( أي لا أدفع
عنكم ضررا ولا أجلب إليكم نفعا بتدبيرى هذا بل ما قضاه الله عليكم فهو واقع لا
محالة قال الزجاج وابن الأنبارى لو سبق في علم الله أن العين تهلكهم مع الاجتماع
لكان تفرقهم كاجتماعهم وقال آخرون ما كان يغنى عنهم يعقوب شيئا قط حيث أصابهم ما
أصابهم مع تفرقهم من إضافة السرقة إليهم ثم صرح يعقوب بأنه لا حكم إلا لله سبحانه
فقال ) إن الحكم إلا لله ( لا لغيره ولا يشاركه فيه مشارك في ذلك ) عليه توكلت (
في كل إيراد وإصدار لا على غيره أي اعتمدت ووثقت ) وعليه ( لا على غيره ) فليتوكل
المتوكلون ( على العموم ويدخل فيه أولاده دخولا أوليا
يوسف : ( 68 ) ولما دخلوا من . . . . .
) ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ( أي من الأبواب المتفرقة ولم يجتمعوا داخلين من
باب واحد وجواب لما ) ما كان يغني عنهم ( ذلك الدخول ) من الله ( أي من جهته ) من
شيء ( من الأشياء مما قدره الله عليهم لأن الحذر لا يدفع القدر والاستثناء بقوله )
إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ( منقطع والمعنى ولكن حاجة كانت في نفس يعقوب وهى
شفقته عليهم ومحبته لسلامتهم قضاها يعقوب أي أظهرها لهم ووصاهم بها غير معتقد أن
للتدبير الذى دبره لهم تأثيرا في دفع ما قضاه الله عليهم وقيل إنه خطر ببال يعقوب
أن الملك إذا رآهم مجتمعين مع ما يظهر فيهم من كمال الخلقة وسيما الشجاعة أوقع بهم
حسدا وحقدا أو خوفا منهم فأمرهم بالتفرق لهذه العلة وقد اختار هذا النحاس وقال لا
معنى للعين ها هنا وفيه أن هذا لو كان هو السبب لأمرهم بالتفرق ولم يخص النهي عن
ذلك بالاجتماع عند الدخول من باب واحد لأن هذا الحسد أو الخوف يحصل باجتماعهم داخل
المدينة كما يحصل باجتماعهم عند الدخول من باب واحد وقيل إن فاعل في قضاها ضمير
يعود إلى الدخول لا إلى يعقوب والمعنى ما كان الدخول يغني عنهم من جهة الله شيئا
لكنه قضى ذلك الدخول حاجة في نفس يعقوب لوقوعه حسب إرادته ) وإنه لذو علم لما
علمناه ( أي وإن
"""""" صفحة رقم 42
""""""
يعقوب لصاحب علم لأجل تعليم الله إياه بما أوحاه الله من أن الحذر لا يدفع القدر
وأن ما قضاه الله سبحانه فهو كائن لا محالة ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( بذلك
كما ينبغي وقيل لا يعلمون أن الحذر مندوب إليه وإن كان لا يغني من القدر شيئا
والسياق يدفعه وقيل المراد بأكثر الناس المشركون
يوسف : ( 69 ) ولما دخلوا على . . . . .
) ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه ( أي ضم إليه أخاه بنيامين قيل إنه أمر
بإنزال كل اثنين في منزل فبقى أخوه منفردا فضمه إليه و ) قال إني أنا أخوك ( يوسف
قال له ذلك سرا من دون أن يطلع عليه إخوته ) فلا تبتئس ( أي فلا تحزن ) بما كانوا
يعملون ( أي إخوتك من الأعمال الماضية التى عملوها وقيل إنه لم يخبره بأنه يوسف بل
قال له إني أخوك مكان أخيك يوسف فلا تحزن بما كنت تلقاه منهم من الجفاء حسدا وبغيا
وقيل إنه أخبره بما سيدبره معهم من جعل السقاية في رحله فقال لا أبالي وقيل إنه
لما أخبر يوسف أخاه بنيامين بأنه أخوه قال لا تردني إليهم فقال قد علمت اغتمام
أبينا يعقوب فإذا حبستك عندي ازداد غمه فأتى بنيامين فقال له يوسف لا يمكن حبسك
عندي إلا بأن أنسبك إلى مالا يجمل يك فقال لا أبالي فدس الصاع في رحله وهو المراد
بالسقاية وأصلها المشربة التى يشرب بها جعلت صاعا يكال به وقيل كانت تسقى بها
الدواب ويكال بها الحب وقيل كانت من فضة وقيل كانت من ذهب وقيل غير ذلك
يوسف : ( 70 ) فلما جهزهم بجهازهم . . . . .
وقد تقدم تفسير الجهاز والرحل والمعنى أنه جعل السقاية التى هو الصواع في رحل أخيه
الذى هو الوعاء الذى يجعل فيه ما يشتريه من الطعام من مصر ) ثم ( بعد ذلك ) أذن
مؤذن ( أي نادى مناد قائلا ) أيتها العير ( قال الزجاج معناه يا أصحاب العير وكل
ما امتير عليه من الإبل والحمير والبغال فهو عير وقيل هى قافلة الحمير وقال أبو
عبيدة العير الإبل المرحولة المركوبة ) إنكم لسارقون ( نسبة السرق إليهم على
حقيقتها لأن المنادي غير عالم بما دبره يوسف وقيل إن المعنى إن حالكم حال السارقين
كون الصواع صار لديكم من غير رضا من الملك
يوسف : ( 71 ) قالوا وأقبلوا عليهم . . . . .
) قالوا ( أي إخوة يوسف ) وأقبلوا عليهم ( أي حال كونهم مقبلين على من نادى منهم
المنادي من أصحاب الملك ) ماذا تفقدون ( أي ما الذى فقدتموه يقال فقدت الشيء إذا
عدمته بضياع أو نحوه فكأنهم قالوا ماذا ضاع عليكم وصيغة المستقبل لاستحضار الصورة
يوسف : ( 72 ) قالوا نفقد صواع . . . . .
) قالوا ( في جوابهم ) نفقد صواع الملك ( قرأ يحيى بن يعمر صواغ بالغين المعجمة
وقرأ أبو رجاء صوع بضم الصاد المهملة وسكون الواو بعدها عين مهملة وقرأ أبي صياع
وقرأ أبو جعفر صاع وبها قرأ أبو هريرة وقرأ الجمهور ) صواع ( بالصاد والعين
المهملتين قال الزجاج الصواع هو الصاع بعينه وهو يذكر ويؤنث وهو السقاية ومنه قول
الشاعر نشرب الخمر بالصواع جهارا
) ولمن جاء به حمل بعير ( أي قالوا ولمن جاء بالصواع من جهة نفسه حمل بعير والبعير
الجمل وفي لغة بعض العرب أنه الحمار والمراد بالحمل ها هنا ما يحمله البعير من
الطعام ثم قال المنادي ) وأنا به زعيم ( أي بحمل البعير الذى جعل لمن جاء بالصواع
قبل التفتيش للأوعية والزعيم هو الكفيل ولعل القائل نفقد صواع الملك هو المنادى
وإنما نسب القول إلى الجماعة لكونه واحدا منهم ثم رجع الكلام إلى نسبة القول إلى
المنادى وحده لأنه القائل بالحقيقة
يوسف : ( 73 ) قالوا تالله لقد . . . . .
) قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض ( التاء بدل من واو القسم عند
الجمهور وقيل من الباء وقيل أصل بنفسها ولا تدخل إلا على هذا الاسم الشريف دون
سائر أسمائه سبحانه وقد دخلت نادرا على الرب وعلى الرحمن والكلام على هذا مستوفى
في علم الإعراب وجعلوا المقسم عليه هو علم يوسف وأصحابه بنزاهة جانبهم وطهارة
ذيلهم عن التلوث بقذر الفساد في الأرض الذى من أعظم أنواعه السرقة لأنهم قد شاهدوا
منهم في قدومهم عليه المرة الأولى وهذه المرة من التعفف والزهد عما هو دون السرقة
بمراحل ما يستفاد منه العلم الجازم بأنهم ليسوا بمن يتجارأ على هذا
"""""" صفحة رقم 43
""""""
النوع العظيم من أنواع الفساد ولو لم يكن من ذلك إلا ردهم لبضاعتهم التى وجدوها في
رحالهم والمراد بالأرض هنا أرض مصر ثم أكدوا هذه الجملة التى أقسموا بالله عليها
بقولهم ) وما كنا سارقين ( لزيادة التبري مما قرفوهم به والتنزه عن هذه النقيصة
الخسيسة والرذيلة الشنعاء
يوسف : ( 74 ) قالوا فما جزاؤه . . . . .
) قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ( هذه الجملة مسأنفة كما تقدم غير مرة فى
نظائرها والقائلون هم أصحاب يوسف أوالمنادى منهم وحده كما مر والضمير فى جزاؤه
للصواع على حذف مضاف أي فما جزاء سرقة الصواع عندكم أو الضمير للسارق أي فما جزاء
سارق الصواع عندكم ) إن كنتم كاذبين ( فيما تدعونه لأنفسكم من البراءة عن السرقة
وذلك بأن يوجد الصواع معكم
يوسف : ( 75 ) قالوا جزاؤه من . . . . .
فأجاب أخوة يوسف و ) قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ( أي جزاء سرقة الصواع
أو جزاء سارق الصواع وجزاؤه مبتدأ والجملة الشرطية وهى من وجد فى رحله فهو جزاؤه
خبر المبتدأ على إقامة الظاهر مقام المضمر فيها والأصل جزاؤه من وجد فى رحله فهو
فيكون الضمير الثاني عائد إلى المبتدأ والأول إلى من ويجوز أن يكون خبر المبتدأ من
وجد فى رحله والتقدير جزاء السرقة للصواع أخذ من وجد فى رحله وتكون جملة فهو جزاؤه
لتأكيد الجملة الأولى وتقريرها قال الزجاج وقوله ) فهو جزاؤه ( زيادة في البيان أي
جزاؤه أخذ السارق فهو جزاؤه لا غير قال المفسرون وكان حكم السارق فى آل يعقوب أن
يسترق سنة فلذلك استفتوهم في جزائه ) كذلك نجزي الظالمين ( أي مثل ذلك الجزاء
الكامل نجزي الظالمين لغيرهم من الناس بسرقة أمتعتهم وهذه الجملة مؤكدة لما قبلها
إذا كانت من كلام إخوة يوسف ويجوز أن تكون من كلام أصحاب يوسف أي كذلك نحن نجزي
الظالمين بالسرق ثم لما ذكروا جزاء السارق أرادوا أن يفتشوا أمتعتهم حتى يتبين
الأمر فأقبل يوسف على ذلك
يوسف : ( 76 ) فبدأ بأوعيتهم قبل . . . . .
) فبدأ ( تفتيش ) باوعيتيهم ( أي أوعية الإخوة العشرة ) قبل وعاء أخيه ( أي قبل
تفتيشه لوعاء أخيه بنيامين دفعا للتهمة ورفعا لما دبره من الحيلة ) ثم استخرجها (
أي السقاية أو الصواع لأنه يذكر ويؤنث ) كذلك كدنا ليوسف ( أي مثل ذلك الكيد
العجيب كدنا ليوسف يعني علمناه إياه وأوحيناه إليه والكيد مبدؤه السعي فى الحيلة
والخديعة ونهايته إلقاء المخدوع من حيث لا يشعر فى أمر مكروه لا سبيل إلى دفعه وهو
محمول فى حق الله سبحانه على النهاية لا على البداية قال القتيبي معنى كدنا دبرنا
وقال ابن الأنباري أردنا وفي الآية دليل على جواز التوصل إلى الأغراض الصحيحة بما
صورته صورة الحيلة والمكيدة إذا لم يخالف ذلك شرعا ثابتا ) ما كان ليأخذ أخاه في
دين الملك ( أي ما كان يوسف ليأخذ أخاه بنيامين في دين الملك أي ملك مصر وفي
شريعته التى كان عليها بل كان دينه وقضاؤه أن يضرب السارق ويغرم ضعف ما سرقه دون
الاستعباد سنة كما هو دين يعقوب وشريعته وحاصله أن يوسف ما كان يتمكن من إجراء حكم
يعقوب على أخيه مع كونه مخالفا لدين الملك وشريعته لولا ما كاد الله له ودبره
وأراده حتى وجد السبيل إليه وهو ما أجراه على ألسن إخوته من قولهم إن جزاء السارق
الاسترقاق فكان قولهم هذا هو بمشيئة الله وتدبيره وهو معنى قوله ) إلا أن يشاء
الله ( أي إلا حال مشيئته وإذنه بذلك وإرادته له وهذه الجملة أعني ما كان ليأخذ
أخاه الخ تعليل لما صنعه الله من الكيد ليوسف أو تفسير له ) نرفع درجات من نشاء (
بضروب العلوم والمعارف والعطايا والكرامات كما رفعنا درجة يوسف بذلك ) وفوق كل ذي
علم ( ممن رفعه الله بالعلم ) عليم ( أرفع رتبة منهم وأعلى درجة لا يبلغون مداه
ولا يرتقون شأوه وقيل معنى ذلك أن فوق كل أهل العلم عليم وهو الله سبحانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وقال يا بني لا تدخلوا من
باب واحد ( قال رهب يعقوب عليهم العين وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر
عن محمد بن كعب قال خشي عليهم العين وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وأبو الشيخ
عن النخعي في قوله ) وادخلوا من أبواب متفرقة ( قال
"""""" صفحة رقم 44
""""""
أحب يعقوب أن يلقى يوسف أخاه في خلوة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر
وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ( قال
خيفة العين على بنيه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله )
وإنه لذو علم لما علمناه ( قال إنه لعامل بما علم ومن لا يعمل لا يكون عالما وأخرج
هؤلاء عنه فى قوله ) آوى إليه أخاه ( قال ضمه إليه وفى قوله ) فلا تبتئس ( قال لا
تحزن ولا تيأس وفى قوله ) فلما جهزهم بجهازهم ( قال قضى حاجتهم وكال لهم طعامهم
وفي قوله ) جعل السقاية ( قال هو إناء الملك الذى يشرب منه ) في رحل أخيه ( قال فى
متاع أخيه وأخرج ابن أبي حاتم وابن الأنباري فى المصاحف عن ابن عباس فى قوله ) جعل
السقاية ( قال هو الصواع وكل شئ يشرب منه فهو صواع وأخرج ابن جرير وابن المنذر
وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد نحوه أيضا
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) أيتها العير ( قال
كانت العير حميرا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى
قوله ) ولمن جاء به حمل بعير ( قال حمل حمار طعام وهى لغة وأخرج ابن جرير وابن
المنذر عن ابن عباس فى قوله ) وأنا به زعيم ( يقول كفيل وأخرج ابن جرير عن سعيد بن
جبير ومجاهد وقتادة والضحاك مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
الربيع بن أنس فى قوله ) ما جئنا لنفسد في الأرض ( يقول ما جئنا لنعصي فى الأرض
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد فى قوله ) فما جزاؤه ( قال عرفوا الحكم
فى حكمهم فقالوا من وجد فى رحله فهو جزاؤه وكان الحكم عند الأنبياء يعقوب وبنيه أن
يؤخذ السارق بسرقته عبدا يسترق وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي
حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) فبدأ بأوعيتهم ( قال ذكر لنا أنه كان كلما فتح
متاع رجل استغفر تأثما مما صنع حتى بقي متاع الغلام قال ما أظن أن هذا أخذ شيئا
قالوا بلى فاستبره وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن
الضحاك فى قوله ) كذلك كدنا ليوسف ( قال كذلك صنعنا ليوسف ) ما كان ليأخذ أخاه في
دين الملك ( يقول فى سلطان الملك قال كان فى دين ملكهم أنه من سرق أخذت منه السرقة
ومثلها معها من ماله فيعطيه المسروق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
ابن عباس فى قوله ) ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ( يقول فى سلطان الملك وأخرج
ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إلا أن يشاء
الله ( إلا بعلة كادها الله ليوسف فاعتل بها وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عنه فى قوله ) نرفع درجات من نشاء ( قال يوسف وإخوته أوتوا علما فرفعنا يوسف
فى العلم فوقهم درجة وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن سعيد بن جبير قال كنا عند ابن عباس فحدث بحديث فقال رجل عنده ) وفوق كل
ذي علم عليم ( فقال ابن عباس بئس ما قلت الله العليم الخبير وهو فوق كل عالم وأخرج
ابن جرير عن محمد بن كعب قال سأل رجل عليا عن مسألة فقال فيها فقال الرجل ليس هكذا
ولكن كذا وكذا قال علي أصبت وأخطأت ) وفوق كل ذي علم عليم ( وأخرج ابن أبي شيبة
وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى الأسماء والصفات عن عكرمة فى
قوله ) وفوق كل ذي علم عليم ( قال علم الله فوق كل عالم
"""""" صفحة رقم 45
""""""
سورة يوسف الآية ( 77 82 )
يوسف : ( 77 ) قالوا إن يسرق . . . . .
قوله ) قالوا إن يسرق ( أي بنيامين ) فقد سرق أخ له من قبل ( يعنون يوسف
وقد اختلف المفسرون فى هذه السرقة التى نسبوها إلى يوسف ما هى فقيل إنه كان ليوسف
عمة هى أكبر من يعقوب وكانت عندها منطقة إسحاق لكونها أسن أولاده وكانوا
يتوارثونها فيأخذها الأكبر سنا من ذكر أو أنثى وكانت قد حضنت يوسف وأحبته حبا
شديدا فلما ترعرع قال لها يعقوب سلمي يوسف إلي فأشفقت من فراقه واحتالت فى بقائه
لديها فجعلت المنطقة تحت ثيابه وحزمته بها ثم قالت قد سرقت منطقة إسحاق فانظروا من
سرقها فبحثوا عنها فوجدوها مع يوسف فأخذته عندها كما هو شرع الأنبياء فى ذلك الوقت
من آل إبراهيم وقد سبق بيان شريعتهم فى السرقة وقيل إن يوسف أخذ صنما كان لجده أبي
أمه فكسره وألقاه على الطريق تغييرا للمنكر وحكى عن الزجاج أنه كان صنما من ذهب
وحكى الواحدى عن الزجاج أنه قال الله أعلم أسرق أخ له أم لا وحكى القرطبي فى
تفسيره عن الزجاج أنه قال كذبوا عليه فيما نسبوه إليه قلت وهذا أولى فما هذه
الكذبة بأول كذباتهم وقد قدمنا ما يدفع قول من قال إنهم قد كانوا أنبياء عند صدور
هذه الأمور منهم قوله ) فأسرها يوسف في نفسه ( قال الزجاج وغيره الضمير فى أسرها
يعود إلى الكلمة أو الجملة كأنه قيل فأسر الجملة فى نفسه ) ولم يبدها لهم ( ثم
فسرها بقوله ) قال أنتم شر مكانا ( وقد رد أبو علي الفارسي هذا فقال إن هذا النوع
من الإضمار على شريطة التفسير غير مستعمل وقيل الضمير عائد إلى الإجابة أي أسر
يوسف إجابتهم فى ذلك الوقت إلى وقت آخر وقيل أسر فى نفسه قولهم ) إن يسرق فقد سرق
أخ له من قبل ( وهذا هو الأولى ويكون معنى ) ولم يبدها لهم ( أنه لم يبد لهم هذه
المقالة التى أسرها فى نفسه بأن يذكر لهم صحتها أو بطلانها وجملة ) قال أنتم شر
مكانا ( مفسرة على القول الأول ومستأنفة على القولين الآخرين كأنه قيل فماذا قال
يوسف لما قالوا هذه المقالة أي أنتم شر مكانا أي موضعا ومنزلا ممن نسبتموه إلى
السرقة وهو برئ فإنكم قد فعلتم ما فعلتم من إلقاء يوسف إلى الجب والكذب على أبيكم
وغير ذلك من أفاعيلكم ثم قال ) والله أعلم بما تصفون ( من الباطل بنسبة السرق إلى
يوسف وأنه لا حقيقة لذلك ثم أرادوا أن يستعطفوه ليطلق له أخاهم بنيامين يكون معهم
يرجعون به إلى أبيهم لما تقدم من أخذه الميثاق عليهم بأن يردوه إليه
يوسف : ( 78 ) قالوا يا أيها . . . . .
) قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا ( أي إن لبنيامين هذا أبا متصفا بهذه
الصفة وهى كونه شيخا كبيرا لا يستطيع فراقه ولا يصبر عنه ولا يقدر على الوصول إليه
) فخذ أحدنا مكانه ( يبقى لديك فإن له منزلة فى قلب أبيه ليست لواحد منا فلا يتضرر
بفراق أحدنا كما لا يتضرر بفراق بنيامين ثم عللوا ذلك بقوله ) إنا نراك من
المحسنين ( إلى الناس كافة
"""""" صفحة رقم 46
""""""
وإلينا خاصة فتمم إحسانك إلينا بإجابتنا إلى هذا المطلب
يوسف : ( 79 ) قال معاذ الله . . . . .
فأجاب يوسف عليهم بقوله ) معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ( أي نعوذ
بالله ) معاذ ( فهو مصدر منصوب بفعل محذوف والمستعيذ بالله هو المعتصم به ) أن
نأخذ ( منصوب بنزع الخافض والأصل من أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده وهو بنيامين
لأنه الذى وجد الصواع في رحله فقد حل لنا استعباده بفتواكم التى أفتيتمونا بقولكم
) جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ( ) إنا إذا لظالمون ( أي إنا إذا أخذنا غير من
وجدنا متاعنا عنده لظالمون في دينكم وما تقتضيه فتواكم
يوسف : ( 80 ) فلما استيأسوا منه . . . . .
) فلما استيأسوا منه ( أي يئسوا من يوسف وإسعافهم منه إلى مطلبهم الذى طلبوه
والسين والتاء للمبالغة ) خلصوا نجيا ( أي انفردوا حال كونهم متناجين فيما بينهم
وهو مصدر يقع على الواحد والجمع كما في قوله ) وقربناه نجيا ( قال الزجاج معناه
انفردوا وليس معهم أخوهم متناجين فيما يعملون به في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم
) قال كبيرهم ( قيل هو روبيل لأنه الأسن وقيل يهوذا لأنه الأوفر عقلا وقيل شمعون
لأنه رئيسهم ) ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ( أي عهدا من الله
في حفظ ابنه ورده إليه ومعنى كونه من الله أنه بإذنه ) ومن قبل ما فرطتم في يوسف (
معطوف على ما قبله والتقدير ألم تعلموا أن أباكم وتعلموا تفريطكم في يوسف ذكر هذا
النحاس وغيره ومن قبل متعلقة بتعلموا أي وتعلموا تفريطكم في يوسف من قبل على أن ما
مصدرية ويجوز أن تكون زائدة وقيل ما فرطتم مرفوع المحل على الابتداء وخبره من قبل
وقيل إن ما موصولة أو موصوفة وكلاهما في محل النصب أو الرفع وما ذكرناه هو الأولى
ومعنى ) فرطتم ( قصرتم في شأنه ولم تحفظوا عهد أبيكم فيه ) فلن أبرح الأرض ( يقال
برح براحا وبروحا أي زال فإذا دخله النفي صار مثبتا أي لن أبرح من الأرض بل ألزمها
ولا أزال مقيما فيها ) حتى يأذن لي أبي ( في مفارقتها والخروج منها وإنما قال ذلك
لأنه يستحى من أبيه أن يأتى إليه بغير ولده الذى أخذ عليهم الموثق بإرجاعه إليه
إلا أن يحاط بهم كما تقدم ) أو يحكم الله لي ( بمفارقتها والخروج منها وقيل المعنى
) أو يحكم الله لي ( بخلاص أخي من الأسر حتى يعود إلى أبي وأعود معه وقيل المعنى )
أو يحكم الله لي ( بالنصر على من أخذ أخي فأحاربه وآخذ أخي منه أو أعجز فأنصرف بعد
ذلك ) وهو خير الحاكمين ( لأن أحكامه لا تجرى إلا على ما يوافق الحق ويطابق الصواب
يوسف : ( 81 ) ارجعوا إلى أبيكم . . . . .
ثم قال كبيرهم مخاطبا لهم ) ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق ( قرأ
الجمهور ) سرق ( على البناء للفاعل وذلك لأنهم قد شاهدوا استخراج الصواع من وعائه
وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو رزين على البناء للمفعول وروى ذلك النحاس عن الكسائي
قال الزجاج إن سرق يحتمل معنيين أحدهما علم منه السرق والآخر اتهم بالسرق ) وما
شهدنا إلا بما علمنا ( من استخراج الصواع من وعائه وقيل المعنى ) ما شهدنا ( عند
يوسف أن السارق يسترق إلا بما علمنا من شريعتك وشريعة آبائك ) وما كنا للغيب
حافظين ( حتى يتضح لنا هل الأمر على ما شاهدناه أو على خلافه وقيل المعنى ) ما كنا
( وقت أخذنا له منك ليخرجا معنا إلى مصر للغيب حافظين بأنه سيقع منه السرق الذى
افتضحنا به وقيل الغيب هو الليل ومرادهم أنه سرق وهم نيام وقيل مرادهم أنه فعل ذلك
وهوغائب عنهم فخفى عليهم فعله
يوسف : ( 82 ) واسأل القرية التي . . . . .
) واسأل القرية التي كنا فيها ( هذا من تمام قول كبيرهم لهم أي قولوا لأبيكم )
واسأل القرية التي كنا فيها ( أي مصر والمراد أهلها أي اسأل أهل القرية وقيل هى
قرية من قرى مصر نزلوا فيها وامتاروا منها وقيل المعنى واسأل القرية نفسها وإن
كانت جمادا فإنك نبي الله والله سبحانه سينطقها فتجيبك ومما يؤيد هذا أنه قال
سيبويه لا يجوز كلم هندا وأنت تريد غلام هند ) والعير التي أقبلنا فيها ( أي
وقولوا لأبيكم ) والعير التي أقبلنا فيها ( أي أصحابها وكانوا قوما معروفين من
جيران يعقوب ) وإنا لصادقون ( فيما قلنا جاءوا
"""""" صفحة رقم 47
""""""
بهذه الجملة مؤكدة هذا التأكيد لأن ما قد تقدم منهم مع أبيهم يعقوب يوجب كمال
الريبة في خبرهم هذا عند السامع
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل (
قال يعنون يوسف وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال سرق مكحلة لخالته يعنى يوسف
وأخرج أبو الشيخ عن عطية قال سرق في صباه ميلين من ذهب وأخرج ابن مردويه عن ابن
عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
سرق يوسف صنما لجده أبي أمه من ذهب وفضة فكسره وألقاه على الطريق فعيره بذلك إخوته
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير مثله غير
مرفوع وقد روى نحوه عن جماعة من التابعين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن
عباس في قوله ) فأسرها يوسف في نفسه ( قال أسر في نفسه قوله ) أنتم شر مكانا والله
أعلم بما تصفون ( وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة
مثله وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق في قوله ) فلما استيأسوا منه ( قال أيسوا منه
ورأوا شدته في أمره وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) خلصوا نجيا (
قال وحدهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
مجاهد في قوله ) قال كبيرهم ( قال شمعون الذى تخلف أكبرهم عقلا وأكبر منه في
الميلاد روبيل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) قال كبيرهم (
هو روبيل وهو الذى كان نهاهم عن قتله وكان أكبر القوم وأخرج ابن المنذر عن مجاهد
في قوله ) أو يحكم الله لي ( قال أقاتل بسيفي حتى أقتل وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ
عن أبي صالح نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة ) وما كنا
للغيب حافظين ( قال ما كنا نعلم أن ابنك يسرق وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن
عباس في قوله ) واسأل القرية ( قال يعنون مصر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ
عن قتادة مثله
سورة يوسف الآية ( 83 88 )
يوسف : ( 83 ) قال بل سولت . . . . .
قوله ) قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا ( أي زينت والأمر هنا قولهم ) إن ابنك سرق (
وما سرق في الحقيقة وقيل المراد بالأمر إخراجهم بنيامين والمضي به إلى مصر طلبا
للمنفعة فعاد ذلك بالمضرة وقيل التسويل التخييل أي خيلت لكم أنفسكم أمرا لا أصل له
وقيل الأمر الذى سولت لهم أنفسهم فتياهم بأن السارق يؤخذ بسرقته والإضراب هنا هو
باعتبار ما أثبتوه من البراءة لأنفسهم لا باعتبار أصل الكلام فإنه صحيح والجملة
"""""" صفحة رقم 48
""""""
مستأنفة مبنية على سؤال مقدر كغيرها وجملة ) فصبر جميل ( خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ
خبره محذوف أي فأمري صبر جميل أو ) فصبر جميل ( أجمل بي وأولى لي والصبر الجميل هو
الذى لا يبوح صاحبه بالشكوى بل يفوض أمره إلى الله ويسترجع وقد ورد أن الصبر عند
أول الصدمة ) عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ( أي بيوسف وأخيه بنيامين والأخ الثالث
الباقي بمصر وهو كبيرهم كما تقدم وإنما قال هكذا لأنه قد كان عنده أن يوسف لم يمت
وأنه باق على الحياة وإن غاب عنه خبره ) إنه هو العليم ( بحالي ) الحكيم ( فيما
يقضي به
يوسف : ( 84 ) وتولى عنهم وقال . . . . .
) وتولى عنهم ( أي أعرض عنهم وقطع الكلام معهم ) وقال يا أسفى على يوسف ( قال
الزجاج الأصل يا أسفي فأبدل من الياء ألفا لخفة الفتحة والأسف شدة الجزع وقيل شدة
الحزن ومنه قول كثير فيا أسفا للقلب كيف انصرافه
وللنفس لما سليت فتسلت
قال يعقوب هذه المقالة لما بلغ منه الحزن غاية مبالغة بسبب فراقه ليوسف وانضمام
فراقه لأخيه بنيامين وبلوغ ما بلغه من كونه أسيرا عند ملك مصر فتضاعفت أحزانه وهاج
عليه الوجد القديم بما أثاره من الخبر الأخير وقد روى عن سعيد بن جبير أن يعقوب لم
يكن عنده ما ثبت في شريعتنا من الاسترجاع والصبر على المصائب ولو كان عنده ذلك لما
قال ) يا أسفى على يوسف ( ومعنى المناداة للأسف طلب حضوره كأنه قال تعال يا أسفي
وأقبل إلى ) وابيضت عيناه من الحزن ( أي انقلب سواد عينيه بياضا من كثرة البكاء
قيل إنه زال إدراكه بحاسة البصر بالمرة وقيل كان يدرك إدراكا ضعيفا وقد قيل في توجيه
ما وقع من يعقوب عليه السلام من هذا الحزن العظيم المفضي إلى ذهاب بصره كلا أو
بعضا بأنه إنما وقع منه ذلك لأنه علم أن يوسف حي فخاف على دينه مع كونه بأرض مصر
وأهلها حينئذ كفار وقيل إن مجرد الحزن ليس بمحرم وإنما المحرم ما يفضى منه إلى
الوله وشق الثياب والتكلم بما لا ينبغي وقد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عند
موت ولده إبراهيم تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا
إبراهيم لمحزونون ويؤيد هذا قوله ) فهو كظيم ( أي مكظوم فإن معناه أنه مملوء من
الحزن ممسك له لا يبثه ومنه كظم الغيظ وهو إخفاؤه فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه
من كظم السقاء إذا سده على ما فيه والكظم بفتح الظاء مخرج النفس يقال أخذ بأكظامه
وقيل الكظيم بمعنى الكاظم أي المشتمل على حزنه الممسك له ومنه فإن أك كاظما لمصاب
ناس
فإني اليوم منطلق لساني
ومنه ) والكاظمين الغيظ ( وقال الزجاج معنى ) كظيم ( محزون وروى عن ابن عباس أنه
قال معناه مغموم مكروب قال بعض أهل اللغة الحزن بالضم والسكون البكاء وبفتحتين ضد
الفرح وقال أكثر أهل اللغة هما لغتان بمعنى
يوسف : ( 85 ) قالوا تالله تفتأ . . . . .
) قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ( أي لا تفتؤ فحذف حرف النفي لعدم اللبس قال الكسائي
فتأت وفتئت أفعل كذا أي ما زلت وقال الفراء إن لا مضمرة اي لا تفتأ قال النحاس
والذي قال صحيح وقد روى عن الخليل وسيبويه مثل قول الفراء وأنشد الفراء محتجا على
ما قاله فقلت يمين الله أبرح قاعدا
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
ويقال فتئ وفتأ لغتان ومنه قول الشاعر فما فتئت حتى كأن غبارها
سرادق يوم ذي رياح ترفع
) حتى تكون حرضا ( الحرض مصدر يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث والصفة
المشبهة حرض
"""""" صفحة رقم 49
""""""
بكسر الراء كدنف ودنف وأصل الحرض الفساد في الجسم أو العقل من الحزن أو العشق أو
الهرم حكى ذلك عن أبي عبيدة وغيره ومنه قول الشاعر سرى همي فأمرضني
وقد ما زادني مرضا
كذاك الحب قبل اليو
م مما يورث الحرضا
وقيل الحرض ما دون الموت وقيل الهرم وقيل الحارض البالي الدائر وقال الفراء الحارض
الفاسد الجسم والعقل وكذا الحرض وقال مؤرج هو الذائب من الهم ويدل عليه قول الشاعر
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني
حتى بليت وحتى شفني السقم
ويقال رجل محرض ومنه قول الشاعر طلبته الخيل يوما كاملا
ولو ألفته لأضحى محرضا
قال النحاس وحكى أهل اللغة أحرضه الهم إذا أسقمه ورجل حارض أي أحمق وقال الأخفش
الحارض الذاهب وقال ابن الأنباري هو الهالك والأولى تفسير الحرض هنا بغير الموت
والهلاك من هذه المعاني المذكورة حتى يكون لقوله ) أو تكون من الهالكين ( معنى غير
معنى الحرض فالتأسيس أولى من التأكيد ومعنى ) من الهالكين ( من الميتين وغرضهم منع
يعقوب من البكاء والحزن شفقة عليه وإن كانوا هم سبب أحزانه ومنشأ همومه وغمومه
يوسف : ( 86 ) قال إنما أشكو . . . . .
) قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ( هذه الجملة مستأنفة كأنه قيل فما قال يعقوب
لما قالوا له ما قالوا والبث ما يرد على الإنسان من الأشياء التى يعظم الحزن
صاحبها بها حتى لا يقدر على إخفائها كذا قال أهل اللغة وهو مأخوذ من بثثته أي
فرقته فسميت المصيبة بثا مجازا قال ذو الرمة وقفت على ربع لمية يا فتى
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه
تكلمني أحجاره وملاعبه
وقد ذكر المفسرون أن الإنسان إذا قدر على كتم ما نزل به من المصائب كان ذلك حزنا
وإن لم يقدر على كتمه كان ذلك بثا فالبث على هذا أعظم الحزن وأصعبه وقيل البث الهم
وقيل هو الحاجة وعلى هذا القول يكون عطف الحزن على البث واضح المعنى وأما على
تفسير البث بالحزن العظيم فكأنه قال إنما أشكو حزني العظيم وما دونه من الحزن إلى
الله لا إلى غيره من الناس وقد قرئ ? حزنى ? بضم الحاء وسكون الزاي ) وحزني (
بفتحهما ) وأعلم من الله ما لا تعلمون ( أي أعلم من لطفه وإحسانه وثوابه على
المصيبة ما لا تعلمونه أنتم وقيل أراد علمه بأن يوسف حي وقيل أراد علمه بأن رؤياه
صادقة وقيل أعلم من إجابة المضطرين إلى الله ما لا تعلمون
يوسف : ( 87 ) يا بني اذهبوا . . . . .
) يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ( التحسس بمهملات طلب الشيء بالحواس مأخوذ
من الحس أو من الإحساس أي اذهبوا فتعرفوا خبر يوسف وأخيه وتطلبوه وقرئ بالجيم وهو
أيضا التطلب ) ولا تيأسوا من روح الله ( أي لا تقنطوا من فرجه وتنفيسه قال الأصمعي
الروح ما يجده الإنسان من نسيم الهواء فيسكن إليه والتركيب يدل على الحركة والهزة
فكل ما يهتز الإنسان بوجوده ويلتذ به فهو روح وحكى الواحدي عن الأصمعي أيضا أنه
قال الروح الاستراحة من غم القلب وقال أبو عمرو الروح الفرج وقيل الرحمة ) إنه لا
ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ( لكونهم لا يعلمون بقدرة الله سبحانه وعظيم
صنعه
"""""" صفحة رقم 50
""""""
وخفي ألطافه
يوسف : ( 88 ) فلما دخلوا عليه . . . . .
قوله ) فلما دخلوا عليه ( أي على يوسف وفي الكلام حذف والتقدير فذهبوا كما أمرهم
أبوهم إلى مصر ليتحسسوا من يوسف وأخيه فلما دخلوا على يوسف ) قالوا يا أيها العزيز
( أي الملك الممتنع القادر ) مسنا وأهلنا الضر ( أي الجوع والحاجة وفيه دليل على
أنه تجوز الشكوى عند الضرورة إذا خاف من إصابته على نفسه كما يجوز للعليل أن يشكو
إلى الطبيب ما يجده من العلة وهذه المرة التى دخلوا فيها مصر هى المرة الثالثة كما
يفيده ما تقدم من سياق الكتاب العزيز ) وجئنا ببضاعة مزجاة ( البضاعة هى القطعة من
المال يقصد بها شراء شيء يقال أبضعت الشيء واستبضعته إذا جعلته بضاعة وفي المثل
كمستبضع التمر إلى هجر
والإزجاء السوق بدفع قال الواحدي الإزجاء في اللغة السوق والدفع قليلا قليلا ومنه
قوله تعالى ) ألم تر أن الله يزجي سحابا ( والمعنى أنها بضاعة تدفع ولا يقبلها
التجار قال ثعلب البضاعة المزجاة الناقصة غير التامة قال أبو عبيدة إنما قيل
للدراهم الرديئة مزجاة لأنها مردودة مدفوعة غير مقبولة
واختلف في هذه البضاعة ما هى فقيل كانت قديدا وحيسا وقيل صوف وسمن وقيل الحبة
الخضراء والصنوبر وقيل دراهم رديئة وقيل النعال والأدم ثم طلبوا منه بعد أن أخبروه
بالبضاعة التى معهم أن يوفى لهم الكيل أي يجعله تاما لا نقص فيه وطلبوا منه أن
يتصدق عليهم إما بزيادة يزيدها لهم على ما يقابل بضاعتهم أو بالإغماض عن رداءة
البضاعة التى جاءوا بها وأن يجعلها كالبضاعة الجيدة في إيفاء الكيل لهم بها وبهذا
قال أكثر المفسرين وقد قيل كيف يطلبون التصدق عليهم وهم أنبياء والصدقة محرمة على
الأنبياء وأجيب باختصاص ذلك بنبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن الله يجزي
المتصدقين ( بما يجعله لهم من الثواب الأخروي أو التوسيع عليهم في الدنيا
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) عسى الله أن
يأتيني بهم جميعا ( قال يوسف وأخيه وروبيل وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية
قال ) يوسف وأخيه ( وكبيرهم الذى تخلف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
من طرق عن ابن عباس في قوله ) يا أسفى على يوسف ( قال يا حزنا وأخرج ابن أبي شيبة
وابن جرير وابن المنذر عن قتادة مثله وأخرجوا عن مجاهد قال يا جزعا وأخرج ابن جرير
عن ابن عباس في قوله ) فهو كظيم ( قال حزين وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق وابن
جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال كظم على الحزن فلم يقل
إلا خيرا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطاء الخراساني قال كظيم مكروب وأخرج ابن
أبي حاتم عن عكرمة مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
الضحاك قال الكظيم الكمد وأخرج ابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن
الجرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) تالله تفتأ
تذكر يوسف ( قال لا تزال تذكر يوسف ) حتى تكون حرضا ( قال دنفا من المرض ) أو تكون
من الهالكين ( قال الميتين وأخرج هؤلاء عن مجاهد نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير
وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) تفتأ تذكر يوسف ( قال لا تزال تذكر
يوسف ) حتى تكون حرضا ( قال هرما ) أو تكون من الهالكين ( قال أو تموت وأخرج ابن
أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك ) حتى تكون
حرضا ( قال الحرض البالي ) أو تكون من الهالكين ( قال من الميتين وأخرج ابن جرير
وعبد الرزاق عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من بث لم
يصبر ثم قرأ ) إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ( وأخرج ابن منده في المعرفة عن مسلم
بن يسار عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج ابن
"""""" صفحة رقم 51
""""""
مردويه من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا مثله وأخرجه ابن المنذر وابن مردويه عن
عبد الرحمن بن يعمر مرفوعا مرسلا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن
عباس في قوله ) إنما أشكو بثي ( قال همى وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله
) وأعلم من الله ما لا تعلمون ( قال أعلم أن رؤيا يوسف صادقة وأنى سأسجد له وأخرج
عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله ) ولا تيأسوا
من روح الله ( قال من رحمة الله وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله وأخرج ابن جرير
وأبو الشيخ عن ابن زيد قال من فرج الله يفرج عنكم الغم الذى أنتم فيه وأخرج ابن
أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) مسنا وأهلنا الضر ( قال أي الضر في
المعيشة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ببضاعة ( قال دراهم )
مزجاة ( قال كاسدة وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن
أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال مزجاة رثة المتاع خلقة الحبل والغرارة والشيء وأخرج
أبو عبيد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضا
مزجاة قال الورق الزيوف التى لا تنفق حتى يوضع منها وأخرج ابن جرير وابن المنذر
وأبو الشيخ عن ابن جرير في قوله ) وتصدق علينا ( قال اردد علينا أخانا
سورة يوسف الآية ( 89 98 )
يوسف : ( 89 ) قال هل علمتم . . . . .
الاستفهام في قوله ) هل علمتم ( للتوبيخ والتقريع وقد كانوا عالمين بذلك ولكنه
أراد ما ذكرناه ويستفاد منه تعظيم الواقعة لكونه في قوة ما أعظم الأمر الذى
ارتكبتم من يوسف وأخيه وما أقبح ما أقدمتم عليه كما يقال للمذنب هل تدري من عصيت
والذى فعلوا بيوسف هو ما تقدم مما قصه الله سبحانه علينا في هذه السورة وأما ما
فعلوا بأخيه فقال جماعة من المفسرين هو ما أدخلوه عليه من الغم بفراق أخيه يوسف
وما كان يناله منهم من الاحتقار والإهانة ولم يستفهمهم عما فعلوا بأبيهم يعقوب مع
أنه قد نالهم منهم ما قصه الله فيما سبق من صنوف الأذى قال الواحدي ولم يذكر أباه
يعقوب مع عظم ما دخل عليه من الغم بفراقه تعظيما له ورفعا من قدره
"""""" صفحة رقم 52
""""""
وعلما بأن ذلك كان بلاء له من الله عز وجل ليزيد في درجته عنده ) إذ أنتم جاهلون (
نفى عنهم العلم وأثبت لهم صفة الجهل لأنهم لم يعملوا بما يقتضيه العلم وقيل إنه
أثبت لهم صفة الجهل لقصد الاعتذار عنهم وتخفيف الأمر عليهم فكأنه قال إنما أقدمتم
على ذلك الفعل القبيح المنكر وقت عدم علمكم بما فيه من الإثم وقصور معارفكم عن
عاقبته وما يترتب عليه أو أراد أنهم عند ذلك في أوان الصبا وزمان الصغر اعتذارا
لهم ودفعا لما يدهمهم من الخجل والحيرة مع علمه وعلمهم بأنهم كانوا في ذلك الوقت
كبارا
يوسف : ( 90 ) قالوا أئنك لأنت . . . . .
) قالوا أئنك لأنت يوسف ( قرأ ابن كثير ) إنك ( على الخبر بدون استفهام وقرأ
الباقون على الاستفهام التقريري وكان ذلك منهم على طريق التعجب والاستغراب قيل سبب
معرفتهم له بمجرد قوله لهم ) ما فعلتم بيوسف وأخيه ( أنهم لما قال لهم ذلك تنبهوا
وفهموا أنه لا يخاطبهم بمثل هذا إلا هو وقيل إنه لما قال لهم بهذه المقالة وضع
التاج عن رأسه فعرفوه وقيل إنه تبسم فعرفوا ثناياه ) قال أنا يوسف وهذا أخي (
أجابهم بالاعتراف بما سألوه عنه قال ابن الأنباري أظهر الاسم فقال أنا يوسف ولم
يقل أنا هو تعظيما لما وقع به من ظلم إخوته كأنه قال أنا المظلوم المستحل منه
المحرم المراد قتله فاكتفى باظهار الإسم عن هذه المعاني وقال ) وهذا أخي ( مع
كونهم يعرفونه ولا ينكرونه لأن قصده وهذا أخي المظلوم كظلمي ) قد من الله علينا (
بالخلاص عما ابتلينا به وقيل من الله علينا بكل خير في الدنيا والآخرة وقيل بالجمع
بيننا بعد التفرق ولا مانع من إرادة جميع ذلك ) إنه من يتق ويصبر ( قرأ الجمهور
بالجزم على أن من شرطيه وقرأ ابن كثير بإثبات الياء في يتقي كما في قول الشاعر ألم
يأتيك والأنباء تنمى
بما لاقت لبون بنى زياد
وقيل إنه جعل من موصولة لا شرطية وهو بعيد والمعنى إنه من يفعل التقوى أو يفعل ما
يقيه عن الذنوب ويصبر على المصائب ) فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ( على العموم
فيدخل فيه ما يفيده السياق دخولا أوليا وجاء بالظاهر وكان المقام مقام المضمر أي
أجرهم للدلالة على أن الموصوفين بالتقوى موصوفون بصفة الإحسان
يوسف : ( 91 ) قالوا تالله لقد . . . . .
) قالوا تالله لقد آثرك الله علينا ( أي لقد اختارك وفضلك علينا بما خصك به من
صفات الكمال وهذا اعتراف منهم بفضله وعظيم قدره ولا يلزم من ذلك أن لا يكونوا
أنبياء فإن درج الأنبياء متفاوتة قال الله تعالى ) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض
( ) وإن كنا لخاطئين ( أي وإن الشأن ذلك قال أبو عبيدة خطئ وأخطأ بمعنى واحد وقال
الأزهري المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره ومنه قولهم المجتهد يخطئ ويصيب
والخاطئ من تعمد ما لا ينبغي قالوا هذه المقالة المتضمنة للاعتراف بالخطأ والذنب
استجلابا لعفوه واستجذابا لصفحه
يوسف : ( 92 ) قال لا تثريب . . . . .
) قال لا تثريب عليكم ( التثريب التعيير والتوبيخ أي لا تعيير ولا توبيخ ولا لوم
عليكم قال الأصمعي ثربت عليه قبحت عليه فعله وقال الزجاج المعنى لا إفساد لما بيني
وبينكم من الحرمة وحق الأخوة ولكم عندي الصلح والعفو وأصل التثريب الإفساد وهى لغة
أهل الحجاز وقال ابن الأنباري معناه قد انقطع عنكم توبيخي عند اعترافكم بالذنب قال
ثعلب ثرب فلان على فلان إذا عدد عليه ذنوبه وأصل التثريب من الثرب وهو الشحم الذى
هو غاشية الكرش ومعناه إزالة التثريب كما أن التجليد والتقريع إزالة الجلد والقرع
وانتصاب اليوم بالتثريب أي لا أثرب عليكم أو منتصب بالعامل المقدر في عليكم وهو
مستقر أو ثابت أو نحوهما أي لا تثريب مستقر أو ثابت عليكم وقد جوز الأخفش الوقف
على عليكم فيكون اليوم متعلق بالفعل الذى بعده وقد ذكر مثل هذا ابن الأنباري ثم
دعا لهم بقوله ) يغفر الله لكم ( على تقدير الوقف على اليوم
"""""" صفحة رقم 53
""""""
أو أخبرهم بأن الله قد غفر لهم ذلك اليوم على تقدير الوقف على عليكم ) وهو أرحم
الراحمين ( يرحم عباده رحمة لا يتراحمون بها فيما بينهم فيجازى محسنهم ويغفر
لمسيئهم
يوسف : ( 93 ) اذهبوا بقميصي هذا . . . . .
قوله ) اذهبوا بقميصي هذا ( قيل هذا القميص هو القميص الذى ألبسه الله إبراهيم لما
ألقى في النار وكساه إبراهيم إسحاق وكساه إسحاق يعقوب وكان يعقوب أدرج هذا القميص
في قضيبه وعلقه في عنق يوسف لما كان يخاف عليه من العين فأخبر جبريل يوسف أن يرسل
به إلى يعقوب ليعود عليه بصره لأن فيه ريح الجنة وريح الجنة لا يقع على سقيم إلا
شفي ولا مبتلي إلا عوفي ) فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ( أي يصر بصيرا على أن )
يأت ( هى التى من أخوات كان قال الفراء يرجع بصيرا وقال السدي يعد بصيرا وقيل
معناه يأت إلي إلى مصر وهو بصير قد ذهب عنه العمى ويؤيده قوله ) وأتوني بأهلكم
أجمعين ( أي جميع من شمله لفظ الأهل من النساء والذرارى قيل كانوا نحو سبعين وقيل
ثلاثة وتسعين
يوسف : ( 94 ) ولما فصلت العير . . . . .
) ولما فصلت العير ( أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام يقال فصل فصولا وفصلته فصلا
لازم ومتعد ويقال فصل من البلد فصولا إذا انفصل عنه وجاوز حيطانه ) قال أبوهم ( أي
يعقوب لمن عنده في أرض كنعان من أهله ) إني لأجد ريح يوسف ( قيل إنها هاجت ريح
فحملت ريح القميص إلى يعقوب مع طول المسافة فأخبرهم بما وجد ثم قال ) لولا أن
تفندون ( لولا أن تنسبوني إلى الفند وهو ذهاب العقل من الهرم يقال أفند الرجل إذا
خرف وتغير عقله وقال أبو عبيدة لولا أن تسفهون فجعل الفند السفه وقال الزجاج لولا
أن تجهلون فجعل الفند الجهل ويؤيد قول من قال إنه السفه قول النابغة إلا سليمان إذ
قال المليك له
قم في البرية فاحددها عن الفند
أي امنعها عن السفه وقال أبو عمرو الشيباني التفنيد التقبيح ومنه قول الشاعر يا
صاحبي دعا لومي وتفنيد
فليس ما فات من أمري بمردود
وقيل هو الكذب ومنه قول الشاعر هل في افتخار الكريم من أود
أم هل لقول الصديق من فند
وقال ابن الأعرابي ) لولا أن تفندون ( لولا أن تضعفوا رأيى وروى مثله عن أبي عبيدة
وقال الأخفش التفنيد اللوم وضعف الرأي وكل هذه المعاني راجع إلى التعجيز وتضعيف الرأي
يقال فنده تفنيدا إذا عجزه وأفند إذا تكلم بالخطأ والفند الخطأ من الكلام ومما يدل
على إطلاقه على اللوم قول الشاعر يا عاذلي دعا الملام وأقصرا
طال الهوى وأطلتما التفنيدا
أخبرهم يعقوب بأن الصبا قد حملت إليه ريح حبيبه وأنه لولا ما يخشاه من التفنيد لما
شك في ذلك فإن الصبا ريح إذا ما تنفست
على نفس مهموم تجلت همومها
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني
نسيم الصبا من حيث ما يطلع الفجر
ولقد تهب لي الصبا من أرضها
فيلذ مس هبوبها ويطيب
يوسف : ( 95 ) قالوا تالله إنك . . . . .
) قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ( أي قال الحاضرون عنده من أهله إنك يا يعقوب
لفي ذهابك عن طريق الصواب الذى كنت عليه قديما من إفراط حبك ليوسف لا تنساه ولا
تفتر عنه ولسان حال يعقوب يقول لهم لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
"""""" صفحة رقم 54
""""""
لا تعذل المشتاق في أشواقه
حتى تكون حشاك في أحشائه
وقيل المعنى إنك لفي جنونك القديم وقيل في محبتك القديمة قالوا له ذلك لأنه لم يكن
قد بلغهم قدوم البشير
يوسف : ( 96 ) فلما أن جاء . . . . .
) فلما أن جاء البشير ( قال المفسرون البشير هو يهوذا بن يعقوب قال لإخوته أنا
جئته بالقميص ملطخا بالدم فأعطني اليوم قميصك لأخبره أنك حي فأفرحه كما أحزنته )
ألقاه على وجهه ( أي ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب أو ألقاه يعقوب على وجه
نفسه ) فارتد بصيرا ( الارتداد انقلاب الشيء إلى حال قد كان عليها والمعنى عاد
ورجع إلى حالته الأولى من صحة بصره ) قال ألم أقل لكم ( أي قال يعقوب لمن كان عنده
من أهله الذين قال لهم ) إني لأجد ريح يوسف ( ألم أقل لكم هذا القول فقلتم ما قلتم
ويكون قوله ) إني أعلم من الله ما لا تعلمون ( كلاما مبتدأ لا يتعلق بالقول ويجوز
أن تكون جملة ) إني أعلم من الله ما لا تعلمون ( مقول القول ويريد بذلك إخبارهم
بما قاله لهم سابقا ) إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون )
يوسف : ( 97 ) قالوا يا أبانا . . . . .
) قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ( طلبوا منه أن يستغفر لهم
واعترفوا بالذنب وفي الكلام حذف والتقدير ولما رجعوا من مصر ووصلوا إلى أبيهم
قالوا هذا القول
يوسف : ( 98 ) قال سوف أستغفر . . . . .
فوعدهم بما طلبوه منه و ) قال سوف أستغفر لكم ربي ( قال الزجاج أراد يعقوب أن
يستغفر لهم في وقت السحر لأنه أخلق بإجابة الدعاء لا أنه بخل عليهم بالاستغفار
وقيل أخره إلى ليلة الجمعة وقيل أخره إلى أن يستحل لهم من يوسف ولم يعلم أنه قد
عفا عنهم وجملة ) إنه هو الغفور الرحيم ( تعليل لما قبله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله ) لا تثريب ( قال لا تعيير
وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال لما فتح رسول الله ( صلى
الله عليه وسلم ) مكة التفت إلى الناس فقال ماذا تقولون وماذا تظنون فقالوا ابن عم
كريم فقال ) لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس
مرفوعا نحوه وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وأخرج ابن أبي
حاتم وأبو الشيخ عن عطاء الخراساني قال طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند
الشيوخ ألم تر إلى قول يوسف ) لا تثريب عليكم اليوم ( وقال يعقوب ) سوف أستغفر لكم
ربي (
أقول وفي هذا الكلام نظر فإنهم طلبوا من يوسف أن يعفو عنهم بقولهم ) لقد آثرك الله
علينا ( فقال ) لا تثريب عليكم اليوم ( لأن مقصودهم صدور العفو منه عنهم وطلبوا من
أبيهم يعقوب أن يستغفر الله لهم وهو لا يكون إلا بطلب ذلك منه إلى الله عز وجل
وبين المقامين فرق فلم يكن وعد يعقوب لهم بخلا عليهم بسؤال الله لهم ولا سيما إذا
صح ما تقدم من أنه أخر ذلك إلى وقت الإجابة فإنه لو طلبه لهم في الحال لم يحصل له
علم بالقبول
وأخرج الحكيم الترمذي وأبو الشيخ عن وهب بن منبه قال لما كان من أمر إخوة يوسف ما
كان كتب يعقوب إلى يوسف وهو لا يعلم أنه يوسف بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب بن
إسحاق بن إبراهيم إلى عزيز آل فرعون سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذى لا إله
إلا هو أما بعد فإنا إهل بيت مولع بنا أسباب البلاء كان جدي إبراهيم خليل الله
ألقى في النار في طاعة ربه فجعلها الله عليه بردا وسلاما وأمر الله جدي أن يذبح له
أبي ففداه الله بما فداه وكان لي ابن وكان من أحب الناس إلي ففقدته فأذهب حزني
عليه نور بصري وكان له أخ من أمه كنت إذا ذكرته ضممته إلى صدري فإذهب عني بعض وجدى
وهو المحبوس عندك في السرقة وإني أخبرك أني لم أسرق ولم ألد سارقا فلما قرأ يوسف
الكتاب بكى وصاح وقال ) اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ( وأخرج
أبو الشيخ عن أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال في قوله ) اذهبوا
بقميصي هذا (
"""""" صفحة رقم 55
""""""
أن نمروذ لما ألقى إبراهيم في النار نزل إليه جبريل بقميص من الجنة وطنفسة من
الجنة فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة وقعد معه يتحدث فأوحى الله إلى النار )
كوني بردا وسلاما ( ولولا أنه قال ) وسلاما ( لأذاه البرد وأخرج أبو الشيخ عن ابن
عباس مرفوعا
إن الله كسا إبراهيم ثوبا من الجنة فكساه إبراهيم إسحاق وكساه إسحاق يعقوب فأخذه
يعقوب فجعله في قصبة من حديد وعلقه في عنق يوسف ولو علم إخوته إذ ألقوه في الجب
لأخذوه فلما أراد الله أن يرد يوسف على يعقوب كان بين رؤياه وتعبيره أربعون سنة
أمر البشير أن يبشره من ثمان مراحل فوجد يعقوب ريحه فقال ) إني لأجد ريح يوسف لولا
أن تفندون ( فلما ألقاه على وجهه ارتد بصيرا وليس يقع شيء من الجنة على عاهة من
عاهات الدنيا إلا أبرأها بإذن الله وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأحمد في الزهد
وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله
) ولما فصلت العير ( قال لما خرجت العير هاجت الريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف
فقال ) إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ( تسفهون فوجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال وجد ريحه من مسيرة عشرة أيام وأخرج ابن أبي
حاتم من وجه آخر عنه قال وجده من مسيرة ثمانين فرسخا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ
عنه أيضا ) لولا أن تفندون ( قال تجهلون وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال تكذبون وأخرج
ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال تهرمون يقولون قد ذهب عقلك وأخرج
عبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع قال لولا أن تحمقون وأخرج ابن جرير وابن المنذر
وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) إنك لفي ضلالك القديم ( يقول خطئك القديم وأخرج ابن
أبي حاتم عن سعيد ابن جبير قال جنونك القديم وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال حبك
القدبي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال البشير البريد وأخرج ابن
جرير وأبو الشيخ عن الضحاك مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن سفيان قال البشير هو يهوذا بن يعقوب وأخرج ابن أبي حاتم الحسن قال لما أن
جاء البشير إلى يعقوب فألقى عليه القميص قال على أي دين خلفت يوسف قال على الإسلام
قال الآن تمت النعمة وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن
أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله ) سوف أستغفر لكم ربي ( قال إن يعقوب أخر
بنيه إلى السحر وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال أخرهم إلى السحر
وكان يصلي بالسحر وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عنه قال أخرهم إلى السحر لأن دعاء
السحر مستجاب وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضا قال قال النبي ( صلى الله عليه
وسلم ) في قصه هو قول أخي يعقوب لبنيه سوف أستغفر لكم ربي يقول حتى تأتي ليلة
الجمعة
"""""" صفحة رقم 56
""""""
سورة يوسف الآية ( 99 101 )
يوسف : ( 99 ) فلما دخلوا على . . . . .
قوله ) فلما دخلوا على يوسف ( لعل في الكلام محذوفا مقدرا وهو فرحل يعقوب وأولاده
وأهله إلى مصر فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه أي ضمهما وأنزلهما عنده قال
المفسرون المراد بالأبوين هنا يعقوب وزوجته خالة يوسف لأن أمه قد كانت ماتت في
ولادتها لأخيه بنيامين كما تقدم وقيل أحيا الله له أمه تحقيقا للرؤيا حتى سجدت له
) وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ( مما تكرهون وقد كانوا فيما مضى يخافون ملوك
مصر ولا يدخلونها إلا بجواز منهم قيل والتقييد بالمشيئة عائد إلى الأمن ولا مانع
من عوده إلى الجميع لأن دخولهم لا يكون إلا بمشيئة الله سبحانه كما أنهم لا يكونون
آمنين إلا بمشيئته وقيل إن التقييد بالمشيئة راجع إلى قوله ) سوف أستغفر لكم ربي (
وهو بعيد وظاهر النظم القرآني أن يوسف قال لهم هذه المقالة أي ادخلوا مصر قبل
دخولهم وقد قيل في توجيه ذلك أنه تلقاهم إلى خارج مصر فوقف منتظرا لهم في مكان أو
خيمة فدخلوا عليه ف ) آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر ( فلما دخلوا مصر ودخلوا
عليه دخولا أخر في المكان الذى له بمصر
يوسف : ( 100 ) ورفع أبويه على . . . . .
) ورفع أبويه على العرش ( أي أجلسهما معه على السرير الذى يجلس عليه كما هو عادة
الملوك ) وخروا له سجدا ( أي الأبوان والأخوة والمعنى أنهم خروا ليوسف سجدا وكان ذلك
جائزا في شريعتهم منزلا منزلة التحية وقيل لم يكن ذلك سجودا بل هو مجرد إيماء
وكانت تلك تحيتهم وهو يخالف معنى ) وخروا له سجدا ( فإن الخرور في اللغة المقيد
بالسجود لا يكون إلا بوضع الوجه على الأرض وقيل الضمير في قوله ) له ( راجع إلى
الله سبحانه أي وخروا لله سجدا وهو بعيد جدا وقيل إن الضمير ليوسف واللام للتعليل
أي وخروا لأجله وفيه أيضا بعد وقال يوسف ) يا أبت هذا تأويل رؤياي ( يعنى التى
تقدم ذكرها ) من قبل ( أي من قبل هذا الوقت ) قد جعلها ربي حقا ( بوقوع تأويلها
على ما دلت عليه ) وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ( الأصل أن يتعدى فعل الإحسان
بإلى وقد يتعدى بالباء كما في قوله تعالى ) وبالوالدين إحسانا ( وقيل إنه ضمن أحسن
معنى لطف أي لطف بي محسنا ولم يذكر إخراجه من الجب لأن في ذكره نوع تثريب للإخوة
وقد قال ) لا تثريب عليكم ( وقد تقدم سبب سجنه ومدة بقائه فيه وقد قيل إن وجه عدم
ذكر إخراجه من الجب أن المنة كانت في إخراجه من السجن أكبر من المنة في إخراجه من
الجب وفيه نظر ) وجاء بكم من البدو ( أي البادية وهى أرض كنعان بالشام وكانوا أهل
مواش وبرية وقيل إن الله لم يبعث نبيا من البادية وأن المكان الذى كان فيه يعقوب
يقال له بدا وإياه عنى جميل بقوله وأنت الذى حببت شعبا إلى بدا
إلي وأوطاني بلاد سواهما
وفيه نظر ) من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ( أي أفسد بيننا وحمل بعضنا على
بعض يقال نزغه إذا نخسه فأصله من نخس الدابة ليقوى مشيها وأحال يوسف ذنب إخوته على
الشيطان تكرما منه وتأدبا ) إن ربي لطيف لما يشاء ( اللطيف الرفيق قال الأزهري
اللطيف من أسماء الله تعالى معناه الرفيق بعباده يقال لطف فلان بفلان يلطف إذا رفق
به وقال عمرو بن أبي عمرو اللطيف الذى يوصل إليك أربك في لطف قال الخطابي اللطيف
هو البر بعباده الذى يلطف بهم من حيث لا يعلمون ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا
يحتسبون
"""""" صفحة رقم 57
""""""
وقيل اللطيف العالم بدقائق الأمور ومعنى لما يشاء لأجل ما يشاء حتى يجيء على وجه
الصواب ) إنه هو العليم الحكيم ( أى العليم بالأمور الحكيم فى أفعاله
يوسف : ( 101 ) رب قد آتيتني . . . . .
ولما أتم الله نعمته على يوسف عليه السلام بما خلصه منه من المحن العظيمة وبما
خوله من الملك وعلمه من العلم تاقت نفسه إلى الخير الأخروي الدائم الذي لا ينقطع
فقال ) رب قد آتيتني من الملك ( من للتبعيض أى بعض الملك لأنه لم يؤت كل الملك
وإنما أوتي ملكا خاصا وهو ملك مصر فى زمن خاص ) وعلمتني من تأويل الأحاديث ( أى
بعضها لأنه لم يؤت جميع علم التأويل سواء أريد به مطلق العلم والفهم أو مجرد تأويل
الرؤيا وقيل من للجنس كما فى قوله ) فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( وقيل زائدة أى
آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث ) فاطر السماوات والأرض ( منتصب على أنه صفة
لرب لكونه منادى مضافا ويجوز أن يكون انتصابه على أنه منادى بحرف مقدر أى يا فاطر
والفاطر الخالق المنشء والمخترع والمبدع ) أنت وليي ( أى ناصري ومتولي أموري ) في
الدنيا والآخرة ( تتوالاني فيهما ) توفني مسلما وألحقني بالصالحين ( أى توفني على
الإسلام لا يفارقني حتى أموت وألحق بالصالحين من النبيين من آبائي وغيرهم فأظفر
بثوابهم منك ودرجاتهم عندك قيل إنه لما دعا بهذا الدعاء توفاه الله عز وجل قيل كان
عمره عند أن ألقى فى الجب سبع عشرة سنة وكان فى العبودية والسجن والملك ثمانين سنة
إلى قدوم أبيه يعقوب عليه ثم عاش بعد اجتماع شملهم حتى كمل عمره المقدار الذى
سيأتى وتوفاه الله قيل لم يتمن الموت أحد غير يوسف لا نبي ولا غيره وذهب الجمهور
إلى أنه لم يتمن الموت بهذا الدعاء وإنما دعا ربه أن يتوفاه على الإسلام ويلحقه
بالصالحين من عباده عند حضور أجله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال دخل يعقوب مصر فى ملك يوسف وهو ابن مائة
وثلاثين سنة وعاش فى ملكه ثلاثين سنة ومات يوسف وهو ابن مائة وعشرين سنة قال أبو
هريرة وبلغني أنه كان عمر إبراهيم خليل الله مائة وخمسة وتسعين سنة وأخرج ابن أبي
حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) آوى إليه أبويه ( قال أبوه وأمه ضمهما وأخرجا
عن وهب قال أبوه وخالته وكانت توفيت أم يوسف فى نفاس أخيه بنيامين وأخرج أبو الشيخ
نحوه عن سفيان بن عيينة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ورفع
أبويه على العرش ( قال السرير وأخرج ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم فى قوله ) وخروا
له سجدا ( قال كانت تحية من كان قبلكم فأعطاكم الله السلام مكانها وأخرج عبد
الرزاق وابن جير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن
جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد قال ذلك سجود تشرفة كما سجدت الملائكة
تشرفة لآدم وليس سجود عبادة وأخرج أبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) إن ربي لطيف لما
يشاء ( قال لطيف ليوسف وصنع له حين أخرجه من السجن وجاء بأهله من البدو ونزع من
قلبه نزغ الشيطان وتحريشه على إخوته وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ما سأل
نبي الوفاة غير يوسف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عنه قال اشتاق إلى
لقاء الله وأحب أن يلحق به وبآبائه فدعا الله أن يتوفاه وأن يلحقه بهم وأخرج أبو
الشيخ عن الضحاك فى قوله ) وألحقني بالصالحين ( قال يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
ويعقوب
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال يعني أهل الجنة
سورة يوسف الاية ( 102 103 )
"""""" صفحة رقم 58
""""""
سورة يوسف الآية ( 104 108 )
يوسف : ( 102 ) ذلك من أنباء . . . . .
الخطاب بقوله ) ذلك ( لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو مبتدأ خبره ) من
أنباء الغيب ( و ) نوحيه إليك ( خبر ثان قال الزجاج ويجوز أن يكون ذلك بمعنى الذى
ونوحيه إليك خبره أى الذى من أنباء الغيب نوحيه إليك والمعنى الإخبار من الله
تعالى لرسوله صلى الل عليه وآله وسلم بأن هذا الذى قصه عليه من أمر يوسف وإخوته من
الأخبار التى كانت غائبة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأوحاه الله إليه
وأعلمه به ولم يكن عنده قبل الوحي شئ من ذلك وفيه تعريض بكفار قريش لأنهم كانوا
مكذبين له ( صلى الله عليه وسلم ) بما جاء به جحودا وعنادا وحسدا مع كونهم يعلمون
حقيقة الحال ) وما كنت لديهم ( أى لدى إخوة يوسف ) إذ أجمعوا أمرهم ( إجماع الأمر
العزم عليه أى وما كانت لدى إخوة يوسف إذ عزموا جميعا على إلقائه فى الجب ) وهم (
فى تلك الحالة ) يمكرون ( به أى بيوسف فى هذا الفعل الذى فعلوه به ويبغونه الغوائل
وقيل الضمير ليعقوب أى يمكرون بيعقوب حين جاءوه بقميص يوسف ملطخا بالدم وقالوا
أكله الذئب وإذا لم يكن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لديهم عند أن فعلوا ذلك
انتفى علمه بذلك مشاهدة ولم يكن بين قوم لهم علم بأحوال الأمم السالفة ولا خالطهم
ولا خالطوه فانتفى علمه بذلك بطريق الرواية عن الغير فلم يبق لعلمه بذلك طريق إلا
مجرد الوحي من الله سبحانه فهذا يستلزم الإيمان بما جاء به
يوسف : ( 103 ) وما أكثر الناس . . . . .
فلما لم يؤمن بذلك من عاصره من الكفار قال الله سبحانه ذاكرا لهذا ) وما أكثر
الناس ولو حرصت بمؤمنين ( أى وما أكثر الناس المعاصرين لك يا محمد أو ما أكثر
الناس على العموم ولو حرصت على هدايتهم وبالغت فى ذلك بمؤمنين بالله لتصميمهم على
الكفر الذى هو دين آبائهم يقال حرص يحرص مثل ضرب يضرب وفى لغة ضعيفة حرص يحرص مثل
حمد يحمد والحرص طلب الشئ باجتهاد قال الزجاج ومعناه وما أكثر الناس بمؤمنين ولو
حرصت على أن تهديهم لأنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء قال ابن
الأنباري إن قريشا واليهود سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قصة يوسف
وإخوته فشرحهما شرحا شافيا وهو يؤمل أن يكون ذلك سببا لإسلامهم فخالفوا ظنه وحزن
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لذلك فعزاه الله بقوله ) وما أكثر الناس ( الآية
يوسف : ( 104 ) وما تسألهم عليه . . . . .
) وما تسألهم عليه من أجر ( أى على القرآن وما تتلوه عليهم منه أو على الإيمان
وحرصك على وقوعه منهم أو على ما تحدثهم به من هذا الحديث من أجر من مال يعطونك
إياه ويجعلونه لك كما يفعله أحبارهم ) إن هو ( أى القرآن أو الحديث الذى حدثتهم به
) إلا ذكر للعالمين ( أى ما هو إلا ذكر للعالمين كافة لا يختص بهم وحدهم
يوسف : ( 105 ) وكأين من آية . . . . .
) وكأين من آية في السماوات والأرض ( قال الخليل وسيبويه والأكثرون أن كأين أصلها
أى دخل عليها كاف التشبيه لكنه انمحى عن الحرفين المعنى الإفرادي وصار المجموع
كاسم واحد بمعنى كم الخبرية والأكثر إدخال من فى مميزه وهو تمييز عن الكاف لا عن
أى كما فى مثلك رجلا وقد مر الكلام على هذا المستوفى فى آل عمران والمعنى كم من
آية تدلهم على توحيد الله كائنة في السموات من كونها منصوبة بغير عمد مزينة
بالكواكب النيرة السيارة والثوابت وفى الأرض
"""""" صفحة رقم 59
""""""
من جبالها وقفارها وبحارها ونباتها وحيواناتها تدلهم على توحيد الله سبحانه وأنه
الخالق لذلك الرزاق له المحيى والمميت ولكن أكثر الناس يمرون على هذه الآيات غير
متأملين لها ولا مفكرين فيها ولا ملتفتين إلى ما تدل عليه من وجود خالقها وأنه
المتفرد بالألوهية مع كونهم مشاهدين لها ) يمرون عليها وهم عنها معرضون ( وإن
نظروا إليها بأعيانهم فقد أعرضوا عما هو الثمرة للنظر بالحدقة وهى التفكر
والاعتبار والاستدلال وقرأ عكرمة وعمرو بن فايد برفع الأرض على أنه مبتدأ وخبره
يمرون عليها وقرأ السدي بنصب الأرض بتقدير فعل وقرأ ابن مسعود ? يمشون عليها ?
يوسف : ( 106 ) وما يؤمن أكثرهم . . . . .
) وما يؤمن أكثرهم بالله ( أى وما يصدق ويقر أكثر الناس بالله من كونه الخالق
الرزاق المحيى المميت ) إلا وهم مشركون ( بالله يعبدون معه غيره كما كانت تفعله
الجاهلية فإنهم مقرون بالله سبحانه وبأنه الخالق لهم ) ولئن سألتهم من خلقهم
ليقولن الله ( ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ( لكنهم كانوا
يثبتون له شركاء فيعبدونهم ليقربوهم إلى الله ) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله (
ومثل هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله المعتقدون فى
الأموات بأنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه كما يفعله كثير من عباد
القبور ولا ينافي هذا ما قيل من أن الآية نزلت فى قوم مخصوصين فالاعتبار بما يدل عليه
اللفظ لا بما يفيده السبب من الاختصاص ممن كان سببا لنزول الحكم
يوسف : ( 107 ) أفأمنوا أن تأتيهم . . . . .
) أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ( الاستفهام للإنكار والغاشية ما يغشاهم
ويغمرهم من العذاب كقوله تعالى ) يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم (
وقيل هى الساعة وقيل الصواعق والقوارع ولا مانع من الحمل على العموم ) أو تأتيهم
الساعة بغتة ( أى فجأة وانتصاب بغتة على الحال قال المبرد جاء عن العرب حال بعد
نكرة وهو قولهم وقع أمر بغتة يقال بغتهم الأمر بغتا وبغتة إذا فاجأهم ) وهم لا
يشعرون ( بإتيانه ويجوز انتصاب بغتة على أنها صفة مصدر محذوف
يوسف : ( 108 ) قل هذه سبيلي . . . . .
) قل هذه سبيلي ( أى قل يا محمد للمشركين هذه الدعوة التى أدعو إليها والطريقة
التى أنا عليها سبيلي أى طريقتي وسنتي فاسم الإشارة مبتدأ وخبره سبيلي وفسر ذلك
بقوله ) أدعو إلى الله على بصيرة ( أى على حجة واضحة والبصيرة المعرفة التى يتميز
بها الحق من الباطل والجملة فى محل نصب على الحال ) أنا ومن اتبعني ( أى ويدعو
إليها من اتبعني واهتدى بهديي قال الفراء والمعنى ومن اتبعني يدعو إلى الله كما
أدعو وفى هذا دليل على أن كل متبع لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حق عليه أن
يقتدى به فى الدعاء إلى الله أى الدعاء إلى الإيمان به وتوحيده والعمل بما شرعه
لعباده ) وسبحان الله وما أنا من المشركين ( أى وقل يا محمد لهم سبحان الله وما
أنا من المشركين بالله الذين يتخذون من دونه أندادا قال ابن الأنباري ويجوز أن يتم
الكلام عند قوله ) أدعو إلى الله ( ثم ابتدأ فقال ) على بصيرة أنا ومن اتبعني )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله )
وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ( قال هم بنو يعقوب إذ يمكرون بيوسف
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة فى الآية يقول وما كنت لديهم وهم يلقونه فى
غيابة الجب وهم يمكرون بيوسف وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك ) وكأين من آية ( قال كم
من آية فى السماء يعنى شمسها وقمرها ونجومها وسحابها وفى الأرض ما فيها من الخلق
والأنهار والجبال والمدائن والقصور وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
ابن عباس فى قوله ) وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ( قال سلهم من خلقهم ومن
خلق السموات والأرض فسيقولون الله فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره وأخرج سعيد بن
منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء فى قوله ) وما يؤمن أكثرهم بالله
إلا وهم مشركون ( قال كانوا يعلمون أن الله ربهم وهو خالقهم وهو رازقهم وكانوا
"""""" صفحة رقم 60
""""""
مع ذلك يشركون وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك فى الآية قال كانوا يشركون به
فى تلبيتهم يقولون لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن فى الآية قال ذلك المنافق يعمل بالرياء وهو مشرك بعلمه
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) غاشية
من عذاب الله ( قال وقيعة تغشاهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) هذه
سبيلي ( قل هذه دعوتي وأخرج أبو الشيخ عنه ) قل هذه سبيلي ( قال صلاتي وأخرج ابن
جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد فى الآية قال أمري ومشيئتي ومنهاجي وأخرجا عن قتادة
فى قوله ) على بصيرة ( أى على هدى ) أنا ومن اتبعني )
سورة يوسف الآية ( 109 111 )
يوسف : ( 109 ) وما أرسلنا من . . . . .
قوله ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ( هذا رد على من قال لولا أنزل عليه ملك أى
لم نبعث من الأنبياء إلى من قبلهم إلا رجالا لا ملائكة فكيف ينكرون إرسالنا إياك
وتدل الآية على أن الله سبحانه لم يبعث نبيا من النساء ولا من الجن وهذا يرد على
من قال إن فى النساء أربع نبيات حواء وآسية وأم موسى ومريم وقد كان بعثة الأنبياء
من الرجال دون النساء أمرا معروفا عند العرب حتى قال قيس بن عاصم فى سجاح المتنبئة
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها
وأصبحت أنبياء الله ذكرانا
فلعنة الله والأقوام كلهم
على سجاح ومن باللوم أغرانا
) نوحي إليهم ( كما نوحي إليك ) من أهل القرى ( أى المدائن دون أهل البادية لغلبة
الجفاء والقسوة على البدو ولكون أهل الأمصار أتم عقلا وأكمل حلما وأجل فضلا ) أفلم
يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( يعنى المشركين المنكرين
لنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أى أفلم يسر المشركون هؤلاء فينظروا إلى مصارع
الأمم الماضية فيعتبروا بهم حتى ينزعوا عما هم فيه من التكذيب ) ولدار الآخرة خير
للذين اتقوا ( أى لدار الساعة الاخرة أو الحالة الآخرة على حذف الموصوف وقال
الفراء إن الدار هى الآخرة وأضيف الشئ إلى نفسه لاختلاف اللفظ كيوم الجمعة وصلاة
الأولى ومسجدا لجامع والكلام فى ذلك مبين فى كتب الإعراب والمراد بهذه الدار الجنة
أى هى خير للمتقين من دار الدنيا وقرئ وللدار الآخرة وقرأ نافع وعاصم ويعقوب )
أفلا تعقلون ( بالتاء الفوقية على الخطاب وقرأ الباقون بالتحتية
يوسف : ( 110 ) حتى إذا استيأس . . . . .
) حتى إذا استيأس الرسل ( هذه الغاية لمحذوف دل عليه الكلام وتقديره وما أرسلنا من
قبلك يا محمد إلا رجالا ولم نعاجل أممهم الذين لم
"""""" صفحة رقم 61
""""""
يؤمنوا بما جاءوا به بالعقوبة ) حتى إذا استيأس الرسل ( من النصر بعقوبة قومهم أو
حتى إذ استيأس الرسل من إيمان قومهم لانهماكهم في الكفر ) وظنوا أنهم قد كذبوا (
قرأ ابن عباس وابن مسعود وأبوعبد الرحمن السلمى وأبو جعفر بن القعقاع والحسن
وقتادة وأبو رجاء العطاردي وعاصم وحمزة والكسائي ويحيى بن وثاب والأعمش وخلف )
كذبوا ( بالتخفيف أى ظن القوم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروا به من العذاب ولم
يصدقوا وقيل المعنى ظن القوم أن الرسل قد كذبوا فيما ادعوا من نصرهم وقيل المعنى
وظن الرسل أنها قد كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون عليهم أو كذبهم رجاؤهم
للنصر وقرأ الباقون ) كذبوا ( بالتشديد والمعنى عليها واضح أى ظن الرسل بأن قومهم
قد كذبوهم فيما وعدوهم به من العذاب ويجوز فى هذا أن يكون فاعل ظن القوم المرسل
إليهم على معنى أنهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا فيما جاءوا به من الوعد والوعيد وقرأ
مجاهد وحميد ) قد كذبوا ( بفتح الكاف والذال مخففتين على معنى وظن قوم الرسل أن
الرسل قد كذبوا وقد قيل إن الظن فى هذه الآية بمعنى اليقين لأن الرسل قد تيقنوا أن
قومهم كذبوهم وليس ذلك مجرد ظن منهم والذى ينبغي أن يفسر الظن باليقين فى مثل هذه
الصورة ويفسر بمعناه الأصلي فيما يحصل فيه مجرد ظن فقط من الصور السابقة ) جاءهم
نصرنا ( أى فجاء الرسل نصر الله سبحانه فجأة أو جاء قوم الرسل الذين كذبوهم نصر
الله لرسله بإيقاع العذاب على المكذبين ) فنجي من نشاء ( قرأ عاصم فنجى بنون واحدة
وقرأ الباقون ? فننجى ? بنونين واختار أبو عبيدة القراءة الأولى لأنها في مصحف
عثمان كذلك وقرأ ابن محيصن فنجا على البناء للفاعل فتكون من على القراءة الأولى فى
محل رفع على أنها نائب الفاعل وتكون على القراءة الثانية فى محل نصب على أنها
مفعول وعلى القراءة الثالثة فى محل رفع على أنها فاعل والذين نجاهم الله هم الرسل
ومن آمن معهم وهلك المكذبون ) ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ( عند نزوله بهم
وفيه بيان من يشاء الله نجاته من العذاب وهم من عدا هؤلاء المجرمين
يوسف : ( 111 ) لقد كان في . . . . .
) لقد كان في قصصهم ( أى قصص الرسل ومن بعثوا إليه من الأمم أو فى قصص يوسف وإخوته
وأبيه ) عبرة لأولي الألباب ( والعبرة الفكرة والبصيرة المخلصة من الجهل والحيرة
وقيل هى نوع من الاعتبار وهى العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول وأولوا
الألباب هم ذوو العقول السليمة الذين يعتبرون بعقولهم فيدرون ما فيه مصالح دينهم
وإنما كان هذا القصص عبرة لما اشتمل عليه من الإخبارات المطابقة للواقع مع بعد
المدة بين النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وبين الرسل الذين قص حديثهم ومنهم يوسف
وإخوته وأبوه مع كونه لم يطلع على أخبارهم ولا اتصل بأحبارهم ) ما كان حديثا يفترى
( أى ما كان هذا المقصوص الذى يدل عليه ذكر القصص وهو القرآن المشتمل على ذلك
حديثا يفترى ) ولكن تصديق الذي بين يديه ( أى ما قبله من الكتب المنزلة كالتوراة
والإنجيل والزبور وقرئ برفع ) تصديق ( على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هو تصديق وتفصيل
كل شئ من الشرائع المجملة المحتاجة إلى تفصيلها لأن الله سبحانه لم يفرط فى الكتاب
من شئ وقيل تفصيل كل شئ من قصة يوسف مع إخوته وأبيه قيل وليس المراد به ما يقتضيه
من العموم بل المراد به الأصول والقوانين وما يئول إليها ) وهدى ( فى الدنيا يهتدى
به كل من أراد الله هدايته ) ورحمة ( فى الآخرة يرحم الله بها عباده العاملين بما
فيه شرط الإيمان الصحيح ولهذا قال ) لقوم يؤمنون ( أى يصدقون به وبما تضمنه من
الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وشرائعه وقدره وأما من عداهم فلا ينتفع به ولا
يهتدى بما اشتمل عليه من الهدى فلا يستحق ما يستحقونه
"""""" صفحة رقم 62
""""""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ( قال
أى ليسوا من أهل السماء كما قلتم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
قتادة فى الآية قال ما نعلم أن الله أرسل رسولا قط إلا من أهل القرى لأنهم كانوا
أعلم وأحلم من أهل المعمور وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن فى قوله ) كيف كان عاقبة
الذين من قبلهم ( قال كيف عذب الله قوم نوح وقوم لوط وقوم صالح والأمم التى عذب
الله وأخرج البخاري وغيره من طريق عروة أنه سأل عائشة عن قول الله سبحانه يعنى )
إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ( قال قلت أكذبوا أم كذبوا يعنى على هذه
الكلمة مخففة أم مشددة فقالت بل ) كذبوا ( تعني بالتشديد قلت والله لقد استيقنوا
أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك فقلت لعلها وظنوا
أنهم ) قد كذبوا ( مخففة قالت معاذ الله لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها قلت فما هذه
الآية قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر
عليهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد
كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ
وابن مردويه عن عبد الله بن أبي مليكة أن ابن عباس قرأها عليه ) وظنوا أنهم قد
كذبوا ( مخففة يقول أخلفوا وقال ابن عباس كانوا بشرا وتلا ) حتى يقول الرسول
والذين آمنوا معه متى نصر الله ( قال ابن أبي مليكة وأخبرني عروة عن عائشة أنها
خالفت ذلك وأبته وقالت والله ما وعد الله رسوله من شئ إلا علم أنه سيكون قبل أن
يموت ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم وكانت
تقرؤها مثقلة وأخرج ابن مردويه من طريق عروة عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وأله
وسلم قرأ ) وظنوا أنهم قد كذبوا ( مخففة وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور والنسائي
وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس
أنه كان يقرأ ) قد كذبوا ( مخففة قال يئس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم وظن
قومهم أن الرسل قد كذبوهم بما جاءوا به ) جاءهم نصرنا ( قال جاء الرسل نصرنا وأخرج
عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ عن تميم بن
حذلم قال قرأت على ابن مسعود القرآن فلم يأخذ علي إلا حرفين ) وكل أتوه داخرين (
فقال أتوه مخففة وقرأت عليه ) وظنوا أنهم قد كذبوا ( فقال كذبوا مخففة قال استيأس
الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا وأخرج
ابن مردويه من طريق أبي الأحوص عنه قال حفظت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
فى سورة يوسف ) وظنوا أنهم قد كذبوا ( خفيفة وللسلف فى هذا كلام يرجع إلى ما
ذكرناه من الخلاف عن الصحابة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) فنجي من نشاء ( قال
فننجى الرسل ومن نشاء ) ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ( وذلك أن الله بعث الرسل
يدعون قومهم فأخبروهم أن من أطاع الله نجا ومن عصاه عذب وغوى وأخرج أبو الشيخ عنه
قال ) جاءهم نصرنا ( العذاب وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) ولا يرد بأسنا ( قال عذابه
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) لقد كان في قصصهم (
قال يوسف وإخوته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ) عبرة لأولي الألباب (
قال معروفة لذوي العقول وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة ) ما كان حديثا يفترى
( قال الفرية الكذب ) ولكن تصديق الذي بين يديه ( قال القرآن يصدق الكتب التى كانت
قبله من كتب الله التى أنزلها على أنبيائه كالتوراة والإنجيل والزبور ويصدق ذلك
كله ويشهد عليه أن جميعه حق من عند الله ) وتفصيل كل شيء ( فصل الله بين حلاله
وحرامه وطاعته ومعصيته
"""""" صفحة رقم 63
""""""
ع13
تفسير
سورة الرعد
حول السورة
قد وقع الخلاف هل هى مكية أو مدنية فروى النحاس فى ناسخه عن ابن عباس أنها نزلت
بمكة وروى أبو الشيخ وابن مردويه عنه أنها نزلت بالمدينة وممن ذهب إلى أنها مكية
سعيد بن جبير والحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد وممن ذهب إلى أنها نزلت بالمدينة
ابن الزبير والكلبي ومقاتل وقول ثالث أنها مدنية إلا آيتين منها فإنهما نزلتا بمكة
وهما قوله تعالى ) ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( وقيل قوله ) ولا يزال الذين
كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ( وقد روى هذا عن ابن عباس أيضا وقتادة وقد أخرج ابن
أبي شيبة والمروزي فى الجنائز عن جابر بن زيد قال كان يستحب إذا حضر الميت أن يقرأ
عنده سورة الرعد فإن ذلك يخفف عن الميت وإنه أهون لقبضه وأيسر لشأنه
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الرعد الآية ( 1 4 )
الرعد : ( 1 ) المر تلك آيات . . . . .
قوله ) المر ( قد تقدم الكلام فى هذه الحروف الواقعة فى أوائل السور بما يغني عن
الإعادة وهو اسم للسورة مرفوع المحل على أنه خبر مبتدأ محذوف أو على أنه مبتدأ
خبره ما بعده والتقدير على الأول هذه السورة اسمها هذا والإشارة بقوله ) تلك ( إلى
آيات هذه السورة والمراد بالكتاب السورة أى تلك الآيات آيات السورة الكاملة
العجيبة الشأن ويكون قوله ) والذي أنزل إليك من ربك الحق ( مرادا به القرآن كله أى
هو الحق البالغ فى اتصافه بهذه الصفة أو تكون الإشارة بقوله ) تلك ( إلى آيات
القرآن جميعه على أن المراد بالكتاب جميع القرآن ويكون قوله ) والذي أنزل إليك من
ربك الحق ( جملة مبينة لكون هذا المنزل هو الحق قال الفراء والذى رفع بالاستئناف
وخبره الحق قال وإن شئت جعلت الذى خفضا نعتا للكتاب وإن كانت فيه الواو كما فى
قوله إلى الملك القرم وابن الهمام
ويجوز أن يكون محل والذى أنزل إليك الجر على تقدير وآيات الذى أنزل إليك فيكون
الحق على هذا خبرا لمبتدأ محذوف ) ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ( بهذا الحق الذى
أنزله الله عليك
"""""" صفحة رقم 64
""""""
قال الزجاج لما ذكر أنهم لا يؤمنون ذكر الدليل الذى يوجب التصديق بالخالق
الرعد : ( 2 ) الله الذي رفع . . . . .
فقال ) الله الذي رفع السماوات بغير عمد ( والعمد الأساطين جمع عماد أى قائمات
بغير عمد تعتمد عليه وقيل لها عمد ولكن لا نراه قال الزجاج العمد قدرته التى يمسك
بها السموات وهى غير مرئية لنا وقرئ ) عمد ( على أنه جمع عمود يعمد به أى يسند
إليه قال النابغة وخبر الجن أنى قد أذنت لهم
يبنون تذمر بالصفاح والعمد
وجملة ترونها مستأنفة استشهاد على رؤيتهم لها كذلك وقيل هى صفة لعمد وقيل فى
الكلام تقديم وتأخير والتقدير رفع السموات ترونها بغير عمد ولا ملجئ إلى مثل هذا
التكلف ) ثم استوى على العرش ( أى استولى عليه بالحفظ والتدبير أو استوى أمره أو أقبل
على خلق العرش وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى والاستواء على العرش صفة لله سبحانه
بلا كيف كما هو مقرر فى موضعه من علم الكلام ) وسخر الشمس والقمر ( أى ذللهما لما
يراد منهما من منافع الخلق ومصالح العباد ) كل يجري إلى أجل مسمى ( أى كل من الشمس
والقمر يجري إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا وقيام الساعة التى تكور عندها الشمس
ويخسف القمر وتنكدر النجوم وتنتثر وقيل المراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما
التى تنتهيان إليها لا يجاوزنها وهى سنة للشمس وشهر للقمر ) يدبر الأمر ( أى يصرفه
على ما يريد وهو أمر ملكوته وربوبيته ) يفصل الآيات ( أى يبينها وهى الآيات الدالة
على كمال قدرته وربوبيته ومنها ما تقدم من رفع السماء بغير عمد وتسخير الشمس
والقمر وجريهما لأجل مسمى والجملتان فى محل نصب على الحال أو خبر إن لقوله ) الله
الذي رفع ( على أن الموصول صفة للمبتدأ والمراد من هذا تنبيه العباد أن من قدر على
هذه الأشياء فهو قادر على البعث والإعادة ولذا قال ) لعلكم بلقاء ربكم توقنون ( أى
لعلكم عند مشاهدة هذه الآيات توقنون بذلك لا تشكون فيه ولا تمترون في صدقه
الرعد : ( 3 ) وهو الذي مد . . . . .
ولما ذكر الدلائل السماوية أتبعها بذكر الدلائل الأرضية فقال ) وهو الذي مد الأرض
( قال الفراء بسطها طولا وعرضا وقال الأصم إن المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه
وهذا المد الظاهر للبصر لا ينافي كريتها فى نفسها لتباعد أطرافها ) وجعل فيها
رواسي ( أى جبالا ثوابت وأحدها راسية لأن الأرض ترسو بها اى تثبت والإرساء الثبوت
قال عنترة فصرت عارفة لذلك حرة
ترسو إذا نفس الجبان تطلع
وقال جميل أحبها والذى أرسى قواعده
حتى إذا ظهرت آياته بطنا
) وأنهارا ( أى مياها جارية فى الأرض فيها منافع الخلق أو المراد جعل فيها مجاري
الماء ) ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ( من كل الثمرات متعلق بالفعل الذى
بعده أى جعل فيها من كل الثمرات زوجين اثنين الزوج يطلق على الاثنين وعلى الواحد
المزاوج لآخر والمراد هنا بالزوج الواحد ولهذا أكد الزوجين بالاثنين لدفع توهم انه
أريد بالزوج هنا الاثنين وقد تقدم تحقيق هذا مستوفى أى جعل كل نوع من أنواع ثمرات
الدنيا صنفين إما فى اللونية كالبياض والسواد ونحوهما أو فى الطعمية كالحلو
والحامض ونحوهما أو فى القدر كالصغر والكبر أو فى الكيفية كالحر والبرد قال الفراء
يعني بالزوجين هنا الذكر والأنثى والأول أولى ) يغشي الليل النهار ( أى يلبسه
مكانه فيصير أسود مظلما بعدما كان أبيض منيرا شبه إزالة نور الهدى بالظلمة بتغطية
الأشياء الحسية بالأغطية التى تسترها وقد سبق تفسير هذه فى الأعراف ) إن في ذلك
لآيات لقوم يتفكرون (
"""""" صفحة رقم 65
""""""
أى فيما ذكر من مد الأرض وإثباتها بالجبال وما جعله الله فيها من الثمرات المتزاوجة
وتعاقب النور والظلمة آيات غير واضحة للناظرين المتفكرين المعتبرين
الرعد : ( 4 ) وفي الأرض قطع . . . . .
) وفي الأرض قطع متجاورات ( هذا كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع آخر من أنواع
الآيات قيل وفى الكلام حذف أى قطع متجاورات وغير متجاورات كما فى قوله ) سرابيل
تقيكم الحر ( أى وتقيكم البرد قيل والمتجاورات المدن وما كان عامرا وغير
المتجاورات الصحاري وما كان غير عامر وقيل المعنى متجاورات متدانيات ترابها واحد
وماؤها واحد وفيها زرع وجنات ثم تتفاوت فى الثمار فيكون البعض حلوا والبعض حامضا
والبعض طيبا والبعض غير طيب والبعض يصلح فيه نوع والبعض الآخر نوع آخر ) وجنات من
أعناب ( الجنات البساتين قرأ الجمهور برفع جنات على تقدير وفى الأرض جنات فهو
معطوف على قطع متجاورات أو على تقدير وبينها جنات وقرأ الحسن بالنصب على تقدير
وجعل فيها جنات وذكر سبحانه الزرع بين الأعناب والنخيل لأنه يكون فى الخارج كثيرا
كذلك ومثله فى قوله سبحانه ) جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا
بينهما زرعا ( ) صنوان وغير صنوان ( قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص ) وزرع ونخيل
صنوان وغير صنوان ( برفع هذه الأربع عطفا على جنات وقرأ الباقون بالجر عطفا على
أعناب وقرأ مجاهد والسلمي بضم الصاد من صنوان وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان قال
أبو عبيدة صنوان جمع صنو وهو أن يكون الأصل واحدا ثم يتفرع فيصير نخيلا ثم يحمل
وهذا قول جميع أهل اللغة والتفسير قال ابن الأعرابي الصنو المثل ومنه قوله ( صلى
الله عليه وسلم ) عم الرجل صنو أبيه فمعنى الآية على هذا أن أشجار النخيل قد تكون
متماثلة وقد لا تكون قال فى الكشاف والصنوان جمع صنو وهى النخلة لها رأسان وأصلها
واحد وقيل الصنوان المجتمع وغير الصنوان المفترق النحاس وهو كذلك فى اللغة يقال
للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر صنوان والصنو المثل ولا فرق بين التثنية
والجمع إلا بكسرالنون فى المثنى وبما يقتضيه الإعراب فى الجمع ) يسقى بماء واحد (
قرأ عاصم وابن عامر ) يسقى ( بالتحتية أى يسقى ذلك كله وقرأ الباقون بالفوقية
بإرجاع الضمير إلى جنات واختاره أبو حاتم وأبو عبيد وأبو عمرو قال أبو عمرو
التأنيث أحسن لقوله ) ونفضل بعضها على بعض في الأكل ( ولم يقل بعضه وقرأ حمزة
والكسائي يفضل بالتحتية كما فى قوله ) يدبر الأمر يفصل الآيات ( وقرأ الباقون
بالنون على تقدير ونحن نفضل
وفى هذه الدلالة على بديع صنعه وعظيم قدرته ما لا يخفى على من له عقل فإن القطع
المتجاورة والجنات المتلاصقة المشتملة على أنواع النبات مع كونها تسقى بماء واحد
وتتفاضل فى الثمرات فى الأكل فيكون طعم بعضها حلو والآخر حامضا وهذا فى غاية
الجودة وهذا ليس بجيد وهذا فائق فى حسنه وهذا غير فائق مما يقطع من تفكر واعتبر
ونظر نظر العقلاء أن السبب المقتضي لاختلافها ليس إلا قدرة الصانع الحكيم جل
سلطانه وتعالى شأنه لأن تأثير الاختلاف فيما يخرج منها ويحصل من ثمراتها لا يكون
فى نظر العقلاء إلا لسببين إما اختلاف المكان الذى هو المنبت أو اختلاف الماء الذى
تسقى به فإذا كان المكان متجاورا وقطع الأرض متلاصقة والماء الذى تسقى به واحدا لم
يبق سبب للاختلاف فى نظر العقل إلا تلك القدرة الباهرة والصنع العجيب ولهذا قال
الله سبحانه ) إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( أى يعملون على قضية العقل وما يوجبه
غير مهملين لما يقتضيه من التفكر فى المخلوقات والاعتبار فى العبر الموجودات
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) المر ( قال أنا الله أرى
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ) المر ( فواتح يفتتح بها كلامه وأخرج ابن
جرير وابن المنذر عنه فى قوله ) تلك آيات الكتاب (
"""""" صفحة رقم 66
""""""
قال التوراة والإنجيل ) والذي أنزل إليك من ربك الحق ( قال القرآن وأخرج ابن جرير
وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) رفع
السماوات بغير عمد ترونها ( قال وما يدريك لعلها بعمد لا ترونها وأخرج عبد الرزاق
وابن المنذر وأبو الشيخ عنه فى الآية قال يقول لها عمد ولكن لا ترونها يعني
الأعماد وأخرج ابن جرير عن إياس بن معاوية فى الآية قال السماء مقببة على الأرض
مثل القبة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال السماء على أربعة أملاك كل زاوية
موكل بها ملك وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ فى قوله ) لأجل مسمى ( قال الدنيا وأخرج
ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) يدبر الأمر ( قال يقضيه
وحده وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال الدنيا مسيرة خمسمائة عام
أربعمائة خراب ومائة عمران فى أيدي المسلمين من ذلك مسيرة سنة وقد روى عن جماعة من
السلف فى ذلك تقديرات لم يأت عليها دليل يصح وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب
قال لما خلق الله الأرض قمصت وقالت أى رب تجعل علي بني آدم يعملون علي الخطايا
ويجعلون علي الخبث فأرسل الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون فكان إقرارها
كاللحم ترجرج وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) جعل فيها زوجين أثنين ( قال ذكرا
وأنثى من كل صنف وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) يغشي الليل النهار
( أى يلبس الليل النهار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
ابن عباس فى قوله ) وفي الأرض قطع متجاورات ( قال يريد الأرض الطيبة العذبة التى
يخرج نباتها بإذن ربها تجاورها السبخة القبيحة المالحة التى لا تخرج وهما أرض
واحدة وماؤها شئ واحد ملح أو عذب ففصلت إحداهما على الأخرى وأخرج ابن جرير وأبو
الشيخ عن قتادة فى الآية قال قرئ ) متجاورات ( قريب بعضها من بعض وأخرج ابن جرير
عن ابن عباس فى الآية قال الأرض تنبت حلوا والأرض تنبت حامضا وهى متجاورات تسقى
بماء واحد وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء بن عازب فى قوله ) صنوان وغير صنوان ( قال الصنوان
ما كان أصله واحدا وهو متفرق وغير صنوان التى تنبت وحدها وفى لفظ صنوان النخلة فى
النخلة ملتصقة وغير صنوان النخل المتفرق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
عن ابن عباس ) صنوان ( قال مجتمع النخل فى أصل واحد ) وغير صنوان ( قال النخل
المتفرق وأخرج الترمذي وحسنه والبزار وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن
مردويه عن أبي هريرة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) ونفضل بعضها على
بعض في الأكل ( قال الدقل والفارسي والحلو والحامض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم
عن ابن عباس فى الآية قال هذا حامض وهذا حلو وهذا دقل وهذا فارسي
سورة الرعد الآية ( 5 7 )
"""""" صفحة رقم 67
""""""
سورة الرعد ( 8 11 )
الرعد : ( 5 ) وإن تعجب فعجب . . . . .
قوله ) وإن تعجب فعجب قولهم ( أى إن تعجب يا محمد من تكذيبهم لك بعد ما كنت عندهم
من الصادقين فأعجب منه تكذيبهم بالبعث والله تعالى لا يجوز عليه التعجب لأنه تغير
النفس بشئ تخفى أسبابه وإنما ذكر رذلك ليعجب منه رسوله وأتباعه قال الزجاج أى هذا
موضوع عجب أيضا أنهم أنكروا البعث وقد بين لهم من خلق السموات والأرض وما يدل على
أن البعث أسهل فى القدرة وقيل الآية فى منكري الصانع أى إن تعجب من إنكارهم الصانع
مع الأدلة الواضحى ة بأن المتغير لا بد له من مغير فهو محل التعجب والأول أولى
لقوله ) أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ( وهذه الجملة فى محل رفع على البدلية
من قولهم ويجوز أن تكون فى محل نصب على أنها مقول القول والعجب على الأول كلامهم
وعلى الثاني تكلمهم بذلك والعامل فى ) إذا ( ما يفيده قوله ) أئنا لفي خلق جديد (
وهو نبعث أو نعاد والاستفهام منهم للإنكار المفيد لكمال الاستبعاد وتقديم الظرف فى
قوله ) لفي خلق ( لتأكيد الإنكار بالبعث وكذلك تكرير الهمزة فى قوله ) أئنا ( ثم
لما حكى الله سبحانه ذلك عنهم حكم عليهم بأمور ثلاثة الأول ) أولئك الذين كفروا
بربهم ( أى أولئك المنكرون لقدرته سبحانه على البعث هم المتمادون فى الكفر التلون
فيه والثاني ) وأولئك الأغلال في أعناقهم ( الأغلال جمع غل وهو طوق تشد به اليد
إلى العنق أى يغلون بها يوم القيامة وقيل الأغلال أعمالهم السيئة التى هى لازمة
لهم لزوم الأطواق للأعناق
والثالث ) وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( لا ينفكون عنها بحال من الأحوال
وفى توسيط ضمير الفصل دلالة على تخصيص الخلود بمنكري البعث
الرعد : ( 6 ) ويستعجلونك بالسيئة قبل . . . . .
) ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ( السيئة العقوبة المهلكة والحسنة العافية
والسلامة قالوا هذه المقالة لفرط إنكارهم وشدة تصميمهم وتهالكهم على الكفر وقيل
معنى الآية أنهم طلبوا العقوبة قبل الحسنة وهى الإيمان ) وقد خلت من قبلهم المثلات
( قرأ الجمهور ? مثلات ? بفتح الميم وضم المثلثة جمع مثلة كسمرة وهى العقوبة قال
ابن الأنباري المثلة العقوبة التى تبقى فى المعاقب شينا بتغيير بعض خلقه من قولهم
مثل فلان بفلان إذا شان خلقه بقطع أنفه وسمل عينيه وبقر بطنه وقرأ الأعمش بفتح
الميم وإسكان المثلثة تخفيفا لثقل الضمة وفى لغة تميم بضم الميم والمثلثة جميعا
واحدتها على لغتهم مثلة بضم الميم وسكون المثلثة مثل غرفة وغرفات وحكى عن الأعمش
فى رواية أخرى أنه قرا هذا الحرف بضمها على لغة تميم والمعنى أن هؤلاء يستعجلونك
بإنزال العقوبة بهم وقد مضت من قبلهم عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لا
يعتبرون بهم ويحذرون من حلول ما حل بهم والجملة فى محل نصب على الحال وهذا
الاستعجال من هؤلاء هو على طريقة الاستهزاء كقولهم ) اللهم إن كان هذا هو الحق من
عندك ( الآية ) وإن ربك لذو مغفرة ( أى لذو تجاوز عظيم ) للناس على ظلمهم ( أنفسهم
باقترافهم الذنوب ووقوعهم فى المعاصي إن تابوا عن ذلك ورجعوا إلى الله سبحانه
والجار
"""""" صفحة رقم 68
""""""
والمجرور أى على ظلمهم فى محل نصب على الحال أى حال كونهم ظالمين و ) على ( بمعنى
مع أى مع ظلمهم وفى الآية بشارة عظيمة ورجاء كبير لأن من المعلوم أن الإنسان حال
اشتغاله بالظلم لا يكون تائبا ولهذا قيل إنها فى عصاه الموحدين خاصة وقيل المراد
بالمغفرة هنا تأخير العقاب إلى الآخرة ليطابق ما حكاه الله من استعجال الكفار
للعقوبة وكما تفيده الجملة المذكورة بعد هذه الآية وهى ) وإن ربك لشديد العقاب (
يعاقب العصاة المكذبين من الكافرين عقابا شديدا على ما تقتضيه مشيئته فى الدار
الآخرة
الرعد : ( 7 ) ويقول الذين كفروا . . . . .
) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ( أى هلا أنزل عليه آية غير ما قد
جاء به من الآيات وهؤلاء الكفار القائلون هذه المقالة هم المستعجلون للعذاب قال
الزجاج طلبوا غير الآيات التى أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى فقال الله
تعالى ) إنما أنت منذر ( تنذرهم بالنار وليس إليك من الآيات شئ انتهى وهذا مكابرة
من الكفار وعناد وإلا فقد أنزل الله على رسوله من الآيات ما يغني البعض منه وجاء
فى ) إنما أنت منذر ( بصيغة الحصر لبيان أنه ( صلى الله عليه وسلم ) مرسل لإنذار
العباد وبيان ما يحذرون عاقبته وليس عليه غير ذلك وقد فعل ما هو عليه وأنذر أبلغ
انذار ولم يدع شيئا مما يحصل به ذلك إلا أتى به وأوضحه وكرره فجزاه الله عن أمته
خيرا ) ولكل قوم هاد ( أى نبي يدعوهم إلى ما فيه هدايتهم ورشادهم وإن لم تقع
الهداية لهم بالفعل ولم يقبلوها وآيات الرسل مختلفة هذا يأتي بآية أو آيات لم يأت
بها الآخر بحسب ما يعطيه الله منها ومن طلب من بعضهم ما جاء به البعض الآخر فقد
بلغ فى التعنت إلى مكان عظيم فليس المراد من الآيات إلا الدلالة على النبوة لكونها
معجزة خارجة عن القدرة البشرية وذلك لا يختص بفرد منها ولا بأفراد معينة وقيل إن
المعنى ولكل قوم هاد وهو الله عز وجل فإنه القادر على ذلك وليس على أنبيائه إلا
مجرد الإنذار
الرعد : ( 8 ) الله يعلم ما . . . . .
) الله يعلم ما تحمل كل أنثى ( الجملة مستأنفة مسوقة لبيان إحاطته بالعلم سبحانه وعلمه
بالغيب الذى هذه الأمور المذكورة منه قيل ويجوز أن يكون الاسم الشريف خبرا لمبتدأ
محذوف أى ولكل قوم هاد وهو الله وجملة ) يعلم ما تحمل كل أنثى ( تفسير لهاد على
الوجه الأخير وهذا بعيد جدا وما موصولة أى يعلم الذى تحمله كل أنثى فى بطنها من
علقة أو مضغة أو ذكر أو أنثى أو صبيح أو قبيح أو سعيد أو شقي ويجوز أن تكون
استفهامية أى يعلم أي شئ فى بطنها وعلى أي حال هو ويجوز أن تكون مصدرية أى يعلم
حملها ) وما تغيض الأرحام وما تزداد ( الغيض النقص أى يعلم الذى تغيضه الأرحام أى
تنقصه ويعلم ما تزداده فقيل المراد نقص خلقة الحمل وزيادته كنقص أصبع أو زيادتها
وقيل إن المراد نقص مدة الحمل على تسعة أشهر أو زيادتها وقيل إذا حاضت المرأة فى
حال حملها كان ذلك نقصا فى ولدها وقيل الغيض ما تنقصه الأرحام من الدم والزيادة ما
تزداده منه و ) ما ( فى ) وما تغيض ( وما تزداد تحتمل الثلاثة الوجوه المتقدمة فى
ما تحمل كل أنثى ) وكل شيء عنده بمقدار ( أى كل شئ من الأشياء التى من جملتها
الأشياء المذكورة عند الله سبحانه ) بمقدار ( والمقدار القدر الذى قدره الله وهو
معنى قوله سبحانه ) إنا كل شيء خلقناه بقدر ( أى كل الأشياء عند الله سبحانه جارية
على قدره الذي قد سبق وفرغ منه لا يخرج عن ذلك شئ
الرعد : ( 9 ) عالم الغيب والشهادة . . . . .
) عالم الغيب والشهادة ( أى عالم كل غائب عن الحس وكل مشهود حاضر أو كل معدوم
وموجود ولا مانع من حمل الكلام على ما هو أعم من ذلك ) الكبير المتعال ( أى العظيم
الذى كل شئ دونه المتعالى عما يقوله المشركون أو المستعلى على كل شئ بقدرته وعظمته
وقهره
الرعد : ( 10 ) سواء منكم من . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه أنه يعلم تلك المغيبات لا يغادر شئ منها بين أنه عالم بما
يسرونه فى أنفسهم وما يجهرون به لغيره وأن ذلك لا يتفاوت عنده فقال ) سواء منكم من
أسر القول ومن جهر به ( فهو يعلم ما أسره الإنسان كعلمه بما جهر به من خير وشر
وقوله منكم والأرض
"""""" صفحة رقم 69
""""""
بسواء على معنى يستوي منكم من أسر ومن جهر أو سر من أسر وجهر من جهر ) ومن هو
مستخف بالليل ( أى مستتر فى الظلمة الكائنة فى الليل متوار عن الأعين يقال خفى
الشيء واستخفى أى أستتر وتوارى ) وسارب بالنهار ( قال الكسائي سرب يسرب سربا
وسروبا إذا ذهب ومنه قول الشاعر وكل أناس قاربوا قيد فحلهم
ونحن خلعنا قيده فهو سارب
أى ذهب وقال القتيبي ) وسارب بالنهار ( متصرف فى حوائجه بسرعة من قولهم أسرب الماء
قال الأصمعي حل سربه أى طريقته وقال الزجاج معنى الآية الجاهر بنطقه والمضمر فى
نفسه والظاهر فى الطرقات والمستخفي فى الظلمات علم الله فيهم جميعا سوي وهذا ألصق
بمعنى الآية كما تفيده المقابلة بين المستخفي والسارب فالمستخفي المستتر والسارب
البارز الظاهر
الرعد : ( 11 ) له معقبات من . . . . .
) له معقبات ( الضمير فى ) له ( راجع إلى من فى قوله ) من أسر القول ومن جهر به
ومن هو مستخف ( أى لكل من هؤلاء معقبات والمعقبات المتناوبات التى يخلف كل واحد
منها صاحبه ويكون بدلا منه وهم الحفظة من الملائكة فى قول عامة المفسرين قال
الزجاج المعقبات ملائكة يأتي بعضهم بعقب بعض وإنما قال معقبات مع كون الملائكة
ذكورا لأن الجماعة من الملائكة يقال لها معقبة ثم جمع معقبة على معقبات ذكر معناه
الفراء وقيل أنث لكثرة ذلك منهم نحو نسابة وعلامة قال الجوهري والتعقب العود بعد
البدء قال الله تعالى ) ولى مدبرا ولم يعقب ( وقرئ معاقيب جمع معقب ) من بين يديه
ومن خلفه ( أى من بين يدي من له المعقبات والمراد إن الحفظة من الملائكة من جميع
جوانبه وقيل المراد بالمعقبات الأعمال ومعنى ) من بين يديه ومن خلفه ( ما تقدم
منها وما تأخر ) يحفظونه من أمر الله ( أى من أجل أمر الله وقيل يحفظونه من يأس
الله إذا أذنب بالاستمهال له والاستغفار حتى يتوب قال الفراء فى هذا قولان أحدهما
أنه على التقديم والتأخير تقديره له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن
خلفه والثاني أن كون الحفظة يحفظونه هو مما أمر الله به قال الزجاج المعنى حفظهم
إياه من أمر الله أى مما أمرهم به لا أنهم يقدرون أن يدفعوا أمر الله قال ابن
الأنباري وفى هذا قول آخر وهو أن ) من ( بمعنى الباء أى يحفظونه بأمر الله وقيل إن
من بمعنى عن أى يحفظونه عن أمر الله بمعنى من عند الله لا من عند أنفسهم كقوله )
أطعمهم من جوع ( أى عن جوع وقيل يحفظونه من ملائكة العذاب وقيل يحفظونه من الجن
واختار ابن جرير أن المعقبات المواكب بين أيدي الأمراء على معنى أن ذلك لا يدفع
عنه القضاء ) إن الله لا يغير ما بقوم ( من النعمة والعافية ) حتى يغيروا ما
بأنفسهم ( من طاعة الله والمعنى أنه لا يسلب قوما نعمة أنعم بها عليهم حتى يغيروا
الذى بأنفسهم من الخير والأعمال الصالحة أو يغيروا الفطرة التى فطرهم الله عليها
قيل وليس المراد أنه لا ينزل بأحد من عباده عقوبة حتى يتقدم له ذنب بل قد تنزل
المصائب بذنوب الغير كما فى الحديث إنه سأل رسول الله سائل فقال أنهلك وفينا
الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث ) وإذا أراد الله بقوم سوءا ( أى هلاكا وعذابا )
فلا مرد له ( أى فلا رد له وقيل المعنى إذا أراد الله بقوم سوءا أعمى قلوبهم حتى
يختاروا ما فيه البلاء ) وما لهم من دونه من وال ( يلي أمرهم ويلتجئون إليه فيدفع
عنهم ما ينزل بهم من الله سبحانه من العقاب أو من ناصر ينصرهم ويمنعهم من عذاب
الله والمعنى أنه لا راد لعذاب الله ولا ناقص لحكمه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن فى قوله ) وإن تعجب فعجب قولهم ( قال
إن تعجب يا محمد من تكذيبهم إياك فعجب قولهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن ابن زيد فى الآية قال إن تعجب يا محمد من تكذيبهم وهم رأوا من قدرة الله
وأمره وما ضرب لهم من الأمثال وأراهم من حياة الموتى والأرض
"""""" صفحة رقم 70
""""""
الميتة ) فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ( أو لا يرون أنه خلقهم من
نطفة فالخلق من نطفة أشد من الخلق من تراب وعظام وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) وقد خلت من قبلهم المثلات ( قال العقوبات
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى المثلات قال وقائع الله في
الأمم فيمن خلا قبلكم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المثلات ما أصاب القرون
الماضية من العذاب وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب قال لما نزلت
هذه الآية ) وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ( قال رسول الله
( صلى الله عليه وسلم ) لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ لأحد العيش ولولا وعيده
وعقابه لاتكل كل أحد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) ولكل
قوم هاد ( قال داع وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ( قال المنذر محمد ( صلى
الله عليه وسلم ) ) ولكل قوم هاد ( نبي يدعوهم إلى الله وأخرج ابن جرير وابن منذر
وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال محمد المنذر والهادي الله عز وجل وأخرج ابن
جرير وابن مردويه عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير عن مجاهد نحوه أيضا وأخرج ابن
مردويه عن ابن عباس قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هو المنذر وهو الهادي
وأخرج ابن جرير عن عكرمة وأبي الضحى نحوه وأخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم فى
المعرفة والديلمى وابن عساكر وابن النجار عن ابن عباس قال لما نزلت ) إنما أنت
منذر ولكل قوم هاد ( وضع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يده على صدره فقال أنا
المنذر وأومأ بيده إلى منكب علي فقال أنت الهادي يا علي بك يهتدى المهتدون من بعدي
قال ابن كثير فى تفسيره وهذا الحديث فيه نكارة شديدة وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة
الأسلمي قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحوه وأخرج ابن مردويه
والضياء فى المختارة عن ابن عباس مرفوعا نحوه أيضا وأخرج عبد الله بن أحمد فى
زوائد المسند وابن أبي حاتم والطبراني فى الأوسط و الحاكم وصححه وابن مردويه وابن
عساكر عن علي بن أبي طالب فى الآية نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن الضحاك ) الله
يعلم ما تحمل كل أنثى ( قال كل أنثى من خلق الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم
وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير فى الآية قال يعلم ذكرا هو أو أنثى ) وما تغيض الأرحام
( قال هى المرأة ترى الدم فى حملها وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو
الشيخ عن مجاهد فى قوله ) وما تغيض الأرحام ( قال خروج الدم ) وما تزداد ( قال
استمساكه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وما تغيض الأرحام ( قال أن
ترى الدم فى حملها ) وما تزداد ( قال فى التسعة أشهر وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك
عنه فى الآية قال ما تزداد على تسعة وما تنقص من التسعة وأخرج ابن المنذر وأبو
الشيخ عنه أيضا فى الآية ) وما تغيض الأرحام ( قال السقط ) وما تزداد ( ما زادت فى
الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ومنهن من
تحمل تسعة أشهر ومنهن من تنقص فذلك الغيض والزيادة التى ذكر الله وكل ذلك يعلمه
تعالى وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) عالم الغيب والشهادة ( قال السر
والعلانية وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ فى
قوله ) ومن هو مستخف بالليل ( قال راكب رأسه فى المعاصي ) وسارب بالنهار ( قال
ظاهر بالنهار بالمعاصي وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن
عباس ) وسارب بالنهار ( قال الظاهر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه فى الآية قال
هو صاحب ريبة مستخف بالليل وإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه برئ من الإثم وأخرج
"""""" صفحة رقم 71
""""""
ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني فى الكبير وابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل
من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس أن سبب نزول الآية قدوم عامر بن الطفيل وأربد بن
قيس على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى القصة المشهورة وأنه لما أصيب عامر
بن الطفيل بالغدة نزل قوله تعالى ) الله يعلم ما تحمل كل أنثى ( إلى قوله ) معقبات
من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ( قال المعقبات من أمر الله يحفظون
محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ثم ذكر أربد بن قيس وما قتله فقال ) هو الذي يريكم البرق
( إلى قوله ) وهو شديد المحال ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو
الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) معقبات ( الآية قال هذه للنبي ( صلى الله
عليه وسلم ) خاصة وأخرج ابن أبي حاتم عنه ) يحفظونه من أمر الله ( قال ذلك الحفظ
من أمر الله بأمر الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) من
أمر الله ( قال بإذن الله وأخرج ابن جرير عن قتادة مثله وأخرج ابن جرير عن ابن
عباس فى الآية قال ولي السلطان يكون عليه الحراس يحفظونه من بين يديه ومن خلفه
فيقول يحفظونه من أمري فإني إذا أردت بقوم سوءا فلا مرد له
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى الآية قال الملوك
يتخذون الحرس يحفظونه من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله يحفظونه من القتل ألم
تسمع أن الله يقول ) وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ( أى إذا أراد سوءا لم
يغن الحرس عنه شيئا وأخرج ابن جرير عن عكرمة فى الآية قال هؤلاء الأمراء وأخرج ابن
جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال هم الملائكة تعقب بالليل تكتب على ابن آدم
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى الآية قال
ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه وأخرج ابن المنذر
وأبو الشيخ عن علي فى الآية قال ليس من عبد إلا ومعه ملائكة يحفظونه من أن تقع
عليه حائط أو ينزوي فى بئر أو يأكله سبع أو غرق أو حرق فإذا جاء القدر خلوا بينه
وبين القدر وقد ورد فى ذكر الحفظة الموكلين بالإنسان أحاديث كثيرة مذكورة فى كتب
الحديث
سورة الرعد الآية ( 12 16 )
"""""" صفحة رقم 72
""""""
سورة الرعد الآية ( 17 18 )
الرعد : ( 12 ) هو الذي يريكم . . . . .
لما خوف سبحانه عباده بإنزال ما لا مرد له أتبعه بأمور ترجى من بعض الوجوه ويخاف
من بعضها وهى البرق والسحاب والرعد والصاعقة وقد مر فى أول البقرة تفسير هذه
الألفاظ وأسبابها
وقد اختلف فى وجه انتصاب ) خوفا وطمعا ( فقيل على المصدرية أى لتخافوا خوفا
ولتطمعوا طمعا وقيل على العلة بتقدير إرادة الخوف والطمع لئلا يختلف فاعل الفعل
المعلل وفاعل المفعول له أو على الحالية من البرق أو من المخاطبين بتقدير ذوى خوف
وقيل غير ذلك مما لا حاجة إليه قيل والمراد بالخوف هو الحاصل من الصواعق وبالطمع
هو الحاصل في المطر وقال الزجاج الخوف للمسافر لم يتأذى به المطر والطمع للحاضر
لأنه إذا رأى البرق طمع فى المطر الذى هو سبب الخصب ) وينشئ السحاب الثقال (
التعريف للجنس والواحدة سحابة والثقال جمع ثقيلة والمراد أن الله سبحانه يجعل
السحاب التى ينشئها ثقالا بما يجعله فيها من الماء
الرعد : ( 13 ) ويسبح الرعد بحمده . . . . .
) ويسبح الرعد بحمده ( أى يسبح الرعد نفسه بحمد الله أى متلبسا بحمده وليس هذا
بمستبعد ولا مانع من أن ينطقه الله بذلك ) وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( وأما على
تفسير الرعد بملك من الملائكة فلا استبعاد فى ذلك ويكون ذكره على الإفراد مع ذكر
الملائكة بعده لمزيد خصوصية له وعناية به وقيل المراد ويسبح سامعوا الرعد أى
يقولون سبحان الله والحمد لله ) والملائكة من خيفته ( أى ويسبح الملائكة من خيفة
الله سبحانه وقيل من خيفة الرعد وقد ذكر جماعة من المفسرين أن هؤلاء الملائكة هم
أعوان الرعد وأن الله سبحانه جعل له أعوانا ) ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء (
من خلقه فيهلكه وسياق هذه الأمور هنا للغرض الذى سيقت له الآيات التى قبلها وهى
الدلالة على كمال قدرته ) وهم يجادلون في الله ( الضمير راجع إلى الكفار المخاطبين
فى قوله ) هو الذي يريكم البرق ( أى وهؤلاء الكفرة مع هذه الآيات التى أراهم الله
يجادلون فى شأن الله سبحانه فينكرون البعث تارة ويستعجلون العذاب آخرى ويكذبون
الرسل ويعصون الله وهذه الجملة فى محل نصب على الحال ويجوز أن تكون مستأنفة ) وهو
شديد المحال ( قال ابن الأعرابي المحال المكر والمكر من الله التدبير بالحق وقال
النحاس المكر من الله إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر وقال الأزهري
المحال القوة والشدة والميم أصلية وما حلت فلانا محالا أينا أشد وقال أبو عبيد
المحال العقوبة والمكروه قال الزجاج يقال ما حلته محالا إذا قاويته حتى يتبين
أيكما أشد والمحل فى اللغة الشدة وقال ابن قتيبة أى شديد الكيد وأصله من الحيلة
جعل الميم كميم المكان وأصله من الكون ثم يقال تمكنت قال الأزهري غلط ابن قتيبة أن
الميم فيه زائدة بل هى أصلية وإذا رأيت الحرف على مثال فعال أوله ميم مكسورة فهى
أصلية مثل مهاد وملاك ومراس وغير ذلك من الحروف وقرأ الأعرج ) وهو شديد المحال (
بفتح الميم وقد فسرت هذه القراءة بالحول
"""""" صفحة رقم 73 """"""
وللصحابة والتابعين فى تفسير المحال هنا أقوال ثمانية الأول العداوة الثاني الجول
الثالث الأخذ الرابع الحقد الخامس القوة السادس الغضب السابع الهلاك الثامن الحيلة
الرعد : ( 14 ) له دعوة الحق . . . . .
) له دعوة الحق ( إضافة الدعوة إلى الحق للملابسة أى الدعوة الملابسة للحق المختصة
به التى لا مدخل للباطل فيها بوجه من الوجوه كما يقال كلمة الحق والمعنى أنها دعوة
مجابة واقعة فى موقعها لا كدعوة من دونه وقيل الحق هو الله سبحانه والمعنى أن لله
سبحانه دعوة المدعو الحق وهو الذى يسمع فيجيب وقيل المراد بدعوة الحق ها هنا كلمة
التوحيد والإخلاص والمعنى لله من خلقه أن يوحدوه ويخلصوا له وقيل دعوة الحق دعاؤه
سبحانه عند الخوف فإنه لا يدعى فيه سواه كما قال تعالى ) ضل من تدعون إلا إياه (
وقيل الدعوة العبادة فإن عبادة الله هى الحق والصدق ) والذين يدعون من دونه لا
يستجيبون لهم بشيء ( أى والآلهة الذين يدعونهم يعني الكفار من دون الله عز وجل لا
يستجيبون لهم بشيء مما يطلبونه منهم كائنا ما كان إلا استجابة كاستجابة الماء لمن
بسط كفيه إليه من بعيد فإنه لا يجيبه لأنه جماد لا يشعر بحاجته إليه ولا يدري أنه
طلب منه أن يبلغ فاه ولهذا قال ) وما هو ( أى الماء ) ببالغه ( أى يبالغ فيه قال
الزجاج إلا كما يستجاب للذى يبسط كفيه إلى الماء يدعو الماء إلى فيه والماء لا
يستجيب أعلم الله سبحانه أن دعاءهم الأصنام كدعاء العطشان إلى الماء يدعوه إلى
بلوغ فمه وما الماء ببالغه وقيل المعنى أنه كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه فلا
يحصل فى كفه شيء منه وقد ضربت العرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقبض على الماء
كما قال الشاعر فأصبحت مما كان بيني وبينها
من الود مثل القابض الماء باليد
وقال الآخر ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض
على الماء خانته فروج الأصابع
وقال الفراء إن المراد بالماء هنا ماء البئر لأنها معدن للماء وأنه شبهه بمن مد
يده إلى البئر بغير رشاء ضرب الله سبحانه هذا مثلا لمن يدعو غيره من الأصنام ) وما
دعاء الكافرين إلا في ضلال ( أى يضل عنهم ذلك الدعاء فلا يجدون منه شيئا ولا
ينفعهم بوجه من الوجوه بل هو ضائع ذاهب
الرعد : ( 15 ) ولله يسجد من . . . . .
) ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ( إن كان المراد بالسجود معناه
الحقيقي وهو وضع الجبهة على الأرض للتعظيم مع الخضوع والتذلل فذلك ظاهر فى
المؤمنين والملائكة ومسلمي الجن وأما فى الكفار فلا يصح تأويل السجود بهذا فى حقهم
فلا بد أن يحمل السجود المذكور فى الآية على معنى حق لله السجود ووجب حتى يناول
السجود بالفعل وغيره أو يفسر للسجود بالانقياد لأن الكفار وإن لم يسجدوا لله
سبحانه فهم منقادون لأمره وحكمه فيهم بالصحة والمرض والحياة والموت والفقر والغنى
ويدل على إرادة هذا المعنى قوله ) طوعا وكرها ( فإن الكفار ينقادون كرها كما ينقاد
المؤمنون طوعا وهما منتصبان على المصدرية أى انقياد طوع وانقياد كره أو على الحال
أى طائعين وكارهين وقال الفراء الآية خاصة بالمؤمنين فإنهم يسجدون طوعا وبعض
الكفار يسجدون إكراها وخوفا كالمنافقين فالآية محمولة على هؤلاء وقيل الآية فى
المؤمنين فمنهم من سجد طوعا لا يثقل عليه السجود ومنهم من يثقل عليه لأن التزام
التكليف مشقة ولكنهم يتحملون المشقة إيمانا بالله وإخلاصا له ) وظلالهم بالغدو
والآصال ( وظلالهم جمع ظل والمراد به ظل الإنسان الذى يتبعه جعل ساجدا بسجوده حيث
صار لازما له لا ينفك عنه قال الزجاج وابن الأنباري ولا يبعد أن يخلق الله للظلال
أفهاما تسجد بها لله سبحانه كما جعل للجبال أفهاما حتى اشتغلت بتسبيحه فظل المؤمن
يسجد لله طوعا وظل الكافر يسجد لله كرها وخص الغدو والآصال بالذاكر لأنه يزداد
ظهور الظلال فيهما وهما ظرف للسجود المقدر أى ويسجد ظلالهم
"""""" صفحة رقم 74
""""""
فى هذين الوقتين وقد تقدم تفسير الغدو والآصال فى الأعراف وفى معنى هذه الآية قوله
سبحانه ) أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا
لله وهم داخرون ( وجاء بمن فى من فى السموات والأرض تغليبا للعقلاء على غيرهم
ولكون سجود غيرهم تبعا لسجودهم ومما يؤيد حمل السجود على الانقياد ما يفيده تقديم
لله على الفعل من الاختصاص فإن سجود الكفار لأصنامهم معلوم ولا ينقادون لهم
كانقيادهم لله فى الأمور التى يقرون على أنفسهم بأنها من الله كالخلق والحياة
والموت ونحو ذلك
الرعد : ( 16 ) قل من رب . . . . .
) قل من رب السماوات والأرض ( أمر الله سبحانه رسوله أن يسأل الكفار من رب السموات
والأرض ثم لما كانوا يقرون بذلك ويعترفون به كما حكاه الله سبحانه فى قوله ) ولئن
سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ( وقوله ) ولئن سألتهم
من خلقهم ليقولن الله ( أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجيب فقال ) قل الله
( فكأنه حكى جوابهم وما يعتقدونه لأنهم ربما تلعثموا فى الجواب حذرا مما يلزمهم ثم
أمره بأن يلزمهم الحجة ويبكتهم فقال ) قل أفاتخذتم من دونه أولياء ( والاستفهام
للإنكار أى إذا كان رب السموات والأرض هو الله كما تقرون بذلك وتعترفون به كما
حكاه سبحانه عنكم بقوله ) قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله (
فما بالكم اتخذتم لأنفسكم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ينفعونها به )
ولا ضرا ( يضرون به غيرهم أو يدفعونه عن أنفسهم فكيف ترجون منهم النفع والضر وهم
لا يملكونهما لأنفسهم والجملة فى محل نصب على الحال ثم ضرب الله سبحانه لهم مثلا
وأمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقوله لهم فقال ) هل يستوي الأعمى والبصير (
أى هل يستوى الأعمى فى دينه وهو الكافر والبصير فيه وهو الموحد فإن الأول جاهل لما
يجب عليه وما يلزمه والثاني عالم بذلك قرأ بن محيصن وأبو بكر والأعمش وحمزة
والكسائي ? أم هل يستوى الظلمات والنور ? بالتحتية وقرأ الباقون بالفوقية واختار
القراءة الثانية أبو عبيد والمراد بالظلمات الكفر وبالنور الإيمان والاستفهام
للتقريع والتوبيخ أى كيف يكونان مستويين وبينهما من التفاوت ما بين الأعمى والبصير
وما بين الظلمات والنور ووحد النور وجمع الظلمة لأن طريق الحق واحدة لا تختلف
وطرائق الباطل كثيرة غير محصرة ) أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه ( أم هى المنقطعة
التى بمعنى بل والهمزة أى بل أجعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه والاستفهام لإنكار
الوقوع قال ابن الأنباري معناه أجعلوا لله شركاء خلقوا مثل ما خلق الله فتشابه خلق
الشركاء بخلق الله عندهم أى ليس الأمر على هذا حتى يشتبه الأمر عليهم بل إذا فكروا
بعقولهم وجدوا الله هو المنفرد بالخلق وسائر الشركاء لا يخلقون شيئا وجملة خلقوا
كخلقه فى محل نصب صفة لشركاء والمعنى أنهم لم يجعلوا لله شركاء متصفين بأنهم خلقوا
كخلقه ) فتشابه ( بهذا السبب ) الخلق عليهم ( حتى يستحقوا بذلك العبادة منهم بل
إنما جعلوا له شركاء الأصنام ونحوها وهى بمعزل عن أن تكون كذلك ثم أمره الله
سبحانه بأن يوضح لهم الحق ويرشدهم إلى الصواب فقال ) قل الله خالق كل شيء ( كائنا
ما كان ليس لغيره فى ذلك مشاركة بوجه من الوجوه قال الزجاج والمعنى أنه خالق كل
شيء مما يصح أن يكون مخلوقا ألا ترى أنه تعالى شيء وهو غير مخلوق ) وهو الواحد (
أى المتفرد بالربوبية ) القهار ( لما عداه فكل ما عداه مربوب مقهور مغلوب
الرعد : ( 17 ) أنزل من السماء . . . . .
ثم ضرب سبحانه مثلا آخر للحق وذويه وللباطل ومنتحليه فقال ) أنزل من السماء ماء (
أى من جهتها والتنكير للتكثير أو للنوعية ) فسالت أودية ( جمع واد وهو كل منفرج
بين جبلين أو نحوهما قال أبو علي الفارسي لا نعلم فاعلا جمع على أفعلة إلا هذا
وكأنه حمل على فعيل فجمع على أفعلة مثل جريب وأجربة كما أن فعيلا حمل على فاعل
فجمع على أفعال مثل يتيم وأيتام وشريف وأشراف كأصحاب
"""""" صفحة رقم 75
""""""
وأنصار فى صاحب وناصر قال وفى قوله ) فسالت أودية ( توسع أى سال ماؤها قال ومعنى )
بقدرها ( بقدر مائها لأن الأودية ما سالت بقدر أنفسها قال الواحدى والقدر مبلغ
الشئ والمعنى بقدرها من الماء فإن صغر الوادى قل الماء وإن اتسع كثر وقال فى
الكاشف بقدرها بمقدارها الذى يعرف الله أنه نافع للممطور عليهم غير ضار قال ابن
الأنبارى شبه نزول القرآن الجامع للهدى والبيان بنزول المطر إذ نفع نزول القرآن
يعم كعموم نفع نزول المطر وشبه الأودية بالقلوب إذ الأودية يستكن فيها الماء كما
يستكن القرآن والإيمان فى قلوب المؤمنين ) فاحتمل السيل زبدا رابيا ( الزبد هو
الأبيض المرتفع المنتفخ على وجه السيل ويقال له الغثاء والرغوة والرابى العالى
المرتفع فوق الماء قال الزجاج هو الطافى فوق الماء وقال غيره هو الزائد بسبب
انتفاخه من ربا يربو إذا زاد والمراد من هذا تشبيه الكفر بالزبد الذى يعلو الماء
فإنه يضمحل ويعلق بجنبات الوادى وتدفعه الرياح فكذلك يذهب الكفر ويضمحل وقد تم
المثل الأول ثم شرح سبحانه فى ذكر المثل الثانى فقال ) ومما يوقدون عليه في النار
( من لابتداء الغاية أى ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء أو للتبعيض بمعنى وبعضه زبد
مثله والضمير للناس أضمر مع عدم سبق الذكر لظهوره هذا على قراءة يوقدون بالتحتية
وبها قرأ حميد وابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائى وحفص وقرأ الباقون بالفوقية على
الخطاب واختار القراءة الأولى أبو عبيد والمعنى ومما توقدون عليه فى النار فيذوب
من الأجسام المنطرقة الذائبة ) ابتغاء حلية ( أى لطلب اتخاذ حلية تتزينون بها
وتتجملون كالذهب والفضة ) أو متاع ( أى أو طلب متاع تتمتعون به من الأوانى والآلات
المتخذة من الحديد والصفر والنحاس والرصاص ) زبد مثله ( المراد بالزبد هنا الخبث
فإنه يعلو فوق ما أذيب من تلك الأجسام كما يعلو الزبد على الماء فالضمير فى مثله
يعود إلى زبدا رابيا وارتفاع زبد على الابتداء وخبره مما يوقدون ) كذلك يضرب الله
الحق والباطل ( أى مثل ذلك الضرب البديع يضرب لله مثل الحق ومثل الباطل ثم شرع فى
تقسيم المثل فقال ) فأما الزبد فيذهب جفاء ( يقال جفأ الوادى بالهمز جفاء إذا رمى
بالقذر والزبد قال الفراء الجفاء الرمى يقال جفأ الوادى غثاء جفاء إذا رمى به
والجفاء بمنزلة الغثاء وكذا قال أبو عمرو بن العلاء وحكى أبو عبيدة أنه سمع رؤبة
يقرأ جفالا قال أبو عبيدة يقال أجفلت القدر إذا قذفت بزبدها وأجفلت الريح السحاب
إذا قطعته قال أبو حاتم لا يقرأ بقراءة رؤبة لأنه كان يأكل الفأر واعلم أن وجه
المماثلة بين الزبدين فى الزبد الذى يحمله السيل والزبد الذى يعلو الأجسام
المنطرقة أن تراب الأرض لما خالط الماء وحمله معه صار زبدا رابيا فوقه وكذلك ما
يوقد عليه فى النار حتى يذوب من الأجسام المنطرقة فإن أصله من المعادن التى تنبت
فى الأرض فيخالطها التراب فإذا أذيبت صار ذلك التراب الذى خالطها خبثا مرتفعا
فوقها ) وأما ما ينفع الناس ( منهما وهو الماء الصافى والذائب الخالص من الخبث )
فيمكث في الأرض ( أى يثبت فيها أما الماء فإنه يسلك فى عروق الأرض فتنتفع الناس به
وأما ما أذيب من تلك الأجسام فإنه يصاغ حلية وأمتعة وهذان مثلان ضربهما الله
سبحانه للحق والباطل يقول إن الباطل وإن ظهر على الحق فى بعض الأحوال وعلاه فإن
الله سبحانه سيمحقه ويبطله ويجعل العاقبة للحق وأهله كالزبد الذى يعلو الماء
فيلقيه الماء ويضمحل وكخبث هذه الأجسام فإنه وإن علا عليها فإن الكير يقذفه ويدفعه
فهذا مثل الباطل وأما الماء الذى ينفع الناس وينبت المراعى فيمكث فى الأرض وكذلك
الصفو من هذه الأجسام فإنه يبقى خالصا لا شوب فيه وهو مثل الحق قال الزجاج فمثل
المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان كمثل هذا الماء المنتفع به فى نبات الأرض وحياة كل
شيء وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الجواهر لأنها كلها تبقى منتفعا
"""""" صفحة رقم 76
""""""
بها ومثل الكافر وكفره كمثل الزبد الذى يذهب جفاء وكمثل خبث الحديد وما تخرجه
النار من وسخ الفضة والذهب الذى لا ينتفع به وقد حكينا عن ابن الأنبارى فيما تقدم
أنه شبه نزول القرآن إلى آخر ما ذكرناه فجعل ذلك مثلا ضربه الله للقرآن ) كذلك
يضرب الله الأمثال ( أى مثل ذلك الضرب العجيب يضرب الله الأمثال فى كل باب لكمال
العناية بعباده واللطف بهم وهذا تأكيد لقوله كذلك يضرب الله الحق والباطل
الرعد : ( 18 ) للذين استجابوا لربهم . . . . .
ثم بين سبحانه من ضرب له مثل الحق ومثل الباطل من عباده فقال فيمن ضرب له مثل الحق
) للذين استجابوا لربهم ( أى أجابوا دعوته إذ دعاهم إلى توحيده وتصديق أنبيائه
والعمل بشرائعه والحسنى صفة موصوف محذوف أى المثوبة الحسنى وهى الجنة وقال سبحانه
فيمن ضرب له مثل الباطل ) والذين لم يستجيبوا ( لدعوته إلى ما دعاهم إليه والموصول
مبتدأ وخبره الجملة الشرطية وهى ) لو أن لهم ما في الأرض جميعا ( من أصناف الأموال
التى يتملكها العباد ويجمعونها بحيث لا يخرج عن ملكهم منها شيء ) ومثله معه ( أى مثل
ما فى الأرض جميعا كائنا معه ومنضما إليه ) لافتدوا به ( أى بمجموع ما ذكر وهو ما
فى الأرض ومثله والمعنى ليخلصوا به مما هم فيه من العذاب الكبير والهول العظيم ثم
بين الله سبحانه ما أعده لهم فقال ) أولئك ( يعنى الذين لم يستجيبوا ) لهم سوء
الحساب ( قال الزجاج لأن كفرهم أحبط أعمالهم وقال غيره سوء الحساب المناقشة فيه
وقيل هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر منه شيء ) ومأواهم جهنم ( أى مرجعهم
إليها ) وبئس المهاد ( أى المستقر الذى يستقرون فيه والمخصوص بالذم محذوف
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى
قوله ) هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا ( قال خوفا للمسافر يخاف أذاه ومشقته وطمعا
للمقيم يطمع فى رزق الله ويرجو بركة المطر ومنفعته وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال
خوفا لأهل البحر وطمعا لأهل البر وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال الخوف ما يخاف من
الصواعق والطمع الغيث وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ والخرائطي فى مكارم الأخلاق والبيهقى فى سننه من طرق عن علي بن أبي طالب قال
البرق مخاريق من نار بأيدى ملائكة السحاب يزجرون به السحاب وروى عن جماعة من السلف
ما يوافق هذا ويخالفه ولعلنا قد قدمنا فى سورة البقرة شيئا من ذلك وأخرج أحمد عن
شيخ من بني غفار قد صحب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال سمعت رسول اله ( صلى
الله عليه وسلم ) يقول إن الله ينشيء السحاب فتنطق أحسن النطق وتضحك أحسن الضحك
قيل والمراد بنطقها الرعد وبضحكها البرق وقد ثبت عند أحمد والترمذى والنسائى فى
اليوم والليلة والحاكم فى مستدركه من حديث ابن عمر قال كان رسول الله ( صلى الله
عليه وسلم ) إذا سمع الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك
وعافنا قبل ذلك وأخرج العقيلي وضعفه وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله (
صلى الله عليه وسلم ) ينشيء الله السحاب ثم ينزل فيه الماء فلا شيء أحسن من ضحكه
ولا شيء أحسن من نطقه ومنطقه الرعد وضحكه البرق وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد
الله أن خزيمة بن ثابت وليس بالأنصارى سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن
منشأ السحاب فقال إن ملكا موكلا يلم القاصية ويلحم الدانية فى يده مخراق فإذا رفع
برقت وإذا زجر رعدت وإذا ضرب صعقت وأخرج أحمد والترمذى وصححه والنسائى وابن المنذر
وابن أبي حاتم وأبو الشيخ فى العظمة وابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل والضياء فى
المختارة عن ابن عباس قال أقبلت يهود إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا
يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك
فأخذ عليهم ما أخذ
"""""" صفحة رقم 77
""""""
إسرائيل على بنيه إذ قال الله على ما نقول وكيل قال هاتوا قالوا أخبرنا عن علامة
النبى قال تنام عيناه ولا ينام قلبه قالوا أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر قال
يلتقى الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل
أنثت قالوا أخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه قال كان يشتكى عرق النساء فلم يجد
شيئا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا يعنى الإبل فحرم لحومها قالوا صدقت قالوا أخبرنا
ما هذا الرعد قال ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب بيده مخراق من نار يزجر به
السحاب يسوقه حيث أمره الله قالوا فما هذا الصوت الذى نسمع قال صوته قالوا صدقت
إنما بقيت واحدة وهى التى نتابعك إن اخبرتنا إنه ليس من نبى إلا له ملك يأتيه
بالخبر فأخبرنا من صاحبك قال جبريل قالوا جبريل ذاك ينزل بالخراب والقتال والعذاب
عدونا لو قلت ميكائيل الذى ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان فأنزل الله ) قل من
كان عدوا لجبريل ( إلى آخر الآية وأخرج البخارى فى الأدب المفرد وابن أبي الدنيا
فى المطر وابن جرير عن ابن عباس أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال سبحان الذى سبحت له
وقال إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعى بغنمه وقد روى نحو هذا عنه من طرق
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن الرعد صوت الملك وكذا أخرج نحوه أبو الشيخ عن
ابن عمر وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال الرعد ملك اسمه الرعد وصوته
هذا تسبيحه فإذا اشتد زجره احتك السحاب واضطرم من خوفه فتخرج الصواعق من بينه
وأخرج ابن أبي حاتم والخرائطى وأبو الشيخ فى العظمة عن أبي عمران الجونى قال إن
بحورا من نار دون العرش تكون منها الصواعق وأخرج أبو الشيخ عن السدى قال الصواعق
نار وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) وهو شديد المحال ( قال شديد
القوة وأخرج ابن جرير عن علي قال شديد الأخذ وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه فى
قوله ) له دعوة الحق ( قال التوحيد لا إله إلا الله وأخرج عبد الرزاق والفريابي
وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقى فى الأسماء والصفات من
طرق عن ابن عباس فى قوله دعوة الحق قال شهادة أن لا إله إلا الله وأخرج ابن جرير
عن علي فى قوله ) إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ( قال كان
الرجل العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه وأخرج ابن جرير
وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى الآية قال هذا مثل المشرك
الذى عبد مع الله غيره فمثله كمثل الرجل العطشان الذى ينظر إلى خياله فى الماء من
بعيد وهو يريد أن يتناوله ولا يقدر عليه وأخرج أبو الشيخ عنه فى قوله ) هل يستوي
الأعمى والبصير ( قال المؤمن والكافر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
وأبو الشيخ عنه أيضا فى قوله ) أنزل من السماء ماء ( الآية قال هذا مثل ضربه الله
احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها فأما الشك فلا ينفع معه العمل وأما اليقين
فينفع الله به أهله وهو قوله ) فأما الزبد فيذهب جفاء ( وهو الشك ) وأما ما ينفع
الناس فيمكث في الأرض ( وهو اليقين وكما يجعل الحلى في النار فيؤخذ خالصه ويترك
خبثه فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك وأخرج هؤلاء عنه أيضا ) فسالت أودية
بقدرها ( قال الصغير قدر صغره والكبير قدر كبره
سورة الرعد الآية ( 19 20 )
"""""" صفحة رقم 78
""""""
سورة الرعد الآية ( 21 25 )
الرعد : ( 19 ) أفمن يعلم أنما . . . . .
الهمزة فى قوله ) أفمن يعلم ( للإنكار على من يتوهم المماثلة بين من يعلم أنما
أنزله الله سبحانه إلى رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) من الحق الذى لا شك فيه ولا
شبهة وهو القرآن وبين من هو أعمى لا يعلم ذلك فإن الحال بينهما متباعد جدا
كالتباعد الذى بين الماء والزبد وبين الخبث والخالص من تلك الأجسام ثم بين سبحانه
أنه إنما يقف على تفاوت المنزلتين وتباين الرتبتين أهل العقول الصحيحة فقال ) إنما
يتذكر أولوا الألباب )
الرعد : ( 20 ) الذين يوفون بعهد . . . . .
ثم وصفهم بهذه الأوصاف المادحة فقال ) الذين يوفون بعهد الله ( أى بما عقدوه من
العهود فيما بينهم وبين ربهم أو فيما بينهم وبين العباد ) ولا ينقضون الميثاق (
الذى وثقوه على أنفسهم وأكدوه بالأيمان ونحوها وهذا تعميم بعد التخصيص لأنه يدخل
تحت الميثاق كل ما أوجبه العبد على نفسه كالنذور ونحوها ويحتمل أن يكون الأمر
بالعكس فيكون من التخصيص بعد التعميم على أن يراد بالعهد جميع عهود الله وهى
أوامره ونواهيه التى وصى بها عبيده ويدخل فى ذلك الالتزامات التى يلزم بها العبد
نفسه ويراد بالميثاق ما أخذه الله على عباده حين أخرجهم من صلب آدم فى عالم الذر
المذكور فى قوله سبحانه ) وإذ أخذ ربك من بني آدم ( الآية
الرعد : ( 21 ) والذين يصلون ما . . . . .
) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ( ظاهره شمول كل ما أمر الله بصلته ونهى عن
قطعه من حقوق الله وحقوق عباده ويدخل تحت ذلك صلة الأرحام دخولا أوليا وقد قصره
كثير من المفسرين على صلة الرحم واللفظ أوسع من ذلك ) ويخشون ربهم ( خشية تحملهم
على فعل ما وجب واجتناب ما لا يحل ) ويخافون سوء الحساب ( وهو الاستقصاء فيه
والمناقشة للعبد فمن نوقش الحساب عذب ومن حق هذه الخيفة أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن
يحاسبوا
الرعد : ( 22 ) والذين صبروا ابتغاء . . . . .
) والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ( قيل هو كلام مستأنف وقيل معطوف على ما قبله
والتعبير عنه بلفظ المضى للتنبيه على أنه ينبغي تحققه والمراد بالصبر الصبر على
الإتيان بما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه وقيل على الرزايا والمصائب ومعنى كون
ذلك الصبر لابتغاء وجه الله أن يكون خالصا له لا شائبة فيه لغيره ) وأقاموا الصلاة
( أى فعلوها فى أوقاتها على ما شرعه الله سبحانه فى أذكارها وأركانها مع الخشوع
والإخلاص والمراد بها الصلوات المفروضة وقيل أعم من ذلك ) وأنفقوا من ما رزقناهم (
أى أنفقوا بعض ما رزقناهم والمراد بالسر صدقة النفل والعلانية صدقة الفرض وقيل
السر لمن لم يعرف بالمال أو لا يتهم بترك الزكاة والعلانية لمن كان يعرف بالمال أو
يتهم بترك الزكاة ) ويدرؤون بالحسنة السيئة ( أى يدفعون سيئة من أساء إليهم
بالإحسان إليه كما فى قوله تعالى ) ادفع بالتي هي أحسن ( أو يدفعون بالعمل الصالح
العمل السيء أو يدفعون الشر بالخير أو المنكر
"""""" صفحة رقم 79
""""""
بالمعروف أو الظلم بالعفو أو الذنب بالتوبة ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه
الأمور والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الموصوفين بالصفات المتقدمة ) لهم عقبى الدار
( العقبى مصدر كالعاقبة والمراد بالدار الدنيا وعقباها الجنة وقيل المراد بالدار
الدار الآخرة وعقباها الجنة للمطيعين والنار للعصاة
الرعد : ( 23 ) جنات عدن يدخلونها . . . . .
) جنات عدن يدخلونها ( بدل من عقبى الدار أى لهم جنات عدن ويجوز أن يكون مبتدأ
وخبره يدخلونها والعدن أصله الإقامة ثم صار علما لجنة من الجنان قال القشيرى وجنات
عدن وسط الجنة وقصبتها وسقفها عرش الرحمن ولكن في صحيح البخارى وغيره إذا سألتم
الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر
أنهار الجنة ) ومن صلح من آبائهم ( يشمل الآباء والأمهات ) وأزواجهم وذرياتهم (
معطوف على الضمير فى يدخلون وجاز ذلك للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه أى ويدخلها
أزواجهم وذرياتهم وذكر الصلاح دليل على أنه لا يدخل الجنة إلا من كان كذلك من
قرابات أولئك ولا ينفع مجرد كونه من الآباء أو الأزواج أو الذرية بدون صلاح )
والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ( أى من جميع أبواب المنازل التى يسكنونها أو
المراد من كل باب من أبواب التحف والهدايا من الله سبحانه
الرعد : ( 24 ) سلام عليكم بما . . . . .
) سلام عليكم ( أى قائلين سلام عليكم أى سلمتم من الآفات أو دامت لكم السلامة )
بما صبرتم ( أى بسبب صبركم وهو متعلق بالسلام أي إنما حصلت لكم هذه السلامة بواسطة
صبركم أو كتعلق بعليكم أو محذوف أي هذه الكرامة بسبب صبركم أو بدل ما احتملتم من
مشاق الصبر ) فنعم عقبى الدار ( جاء سبحانه بهذه الجملة المتضمنة لمدح ما أعطاهم
من عقبى الدار المتقدم ذكرها للترغيب والتشويق
الرعد : ( 25 ) والذين ينقضون عهد . . . . .
ثم اتبع أحوال السعداء بأحوال الأشقياء فقال ) والذين ينقضون عهد الله من بعد
ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ( وقد مر تفسير عدم النقض وعدم القطع فعرف
منهما تفسير النقض والقطع ولم يتعرض لنفى الخشية والخوف عنهم وما بعدهما من
الأوصاف المتقدمة لدخولها فى النقض والقطع ) ويفسدون في الأرض ( بالكفر وارتكاب
المعاصى والأضرار بالأنفس والأموال ) أولئك ( الموصوفون بهذه الصفات الذميمة ) لهم
( بسبب ذلك ) اللعنة ( أى الطرد والإبعاد من رحمة الله سبحانه ) ولهم سوء الدار (
أى سوء عاقبة دار الدنيا وهى النار أو عذاب النار
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله تعالى ) أفمن يعلم
أنما أنزل إليك من ربك الحق ( قال هؤلاء قوم انتفعوا بما سمعوا من كتاب الله
وعقلوه ووعوه ) كمن هو أعمى ( قال عن الحق فلا يبصره ولا يعقله ) إنما يتذكر أولوا
الألباب ( فبين من هم فقال ) الذين يوفون بعهد الله ( وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد
بن جبير أولوا الألباب قال من كان له لب أى عقل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن قتادة أن الله ذكر الوفاء بالعهد والميثاق فى بضع وعشرين آية من القرآن
وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن
البر والصلة ليخففان سوء الحساب يوم القيامة ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه
وسلم ) ) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب (
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير فى قوله ) والذين يصلون ما أمر
الله به أن يوصل ( يعنى من إيمان بالنبيين وبالكتب كلها ) ويخشون ربهم ( يعنى
يخافون من قطيعة ما أمر الله به أن يوصل ) ويخافون سوء الحساب ( يعنى شدة الحساب
وقد ورد فى صلة الرحم وتحريم قطعها أحاديث كثيرة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر
وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك ) ويدرؤون بالحسنة السيئة ( قال يدفعون
بالحسنة السيئة وأخرج عبد الرزاق والفريابى
"""""" صفحة رقم 80
""""""
وابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن مسعود فى قوله )
جنات عدن ( قال بطنان الجنة يعنى وسطها وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أن عمر قال
لكعب ما عدن قال هو قصر فى الجنة لا يدخله إلا نبى أو صديق أو شهيد أو حكم عدل
وأخرج ابن مردويه عن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جنة عدن قضيب
غرسه الله بيده ثم قال له كن فكان وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن
أبى حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) ومن صلح من آبائهم ( قال من آمن فى الدنيا وأخرج
عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبى عمران الجونى فى قوله )
سلام عليكم بما صبرتم ( قال على دينكم ) فنعم عقبى الدار ( قال نعم ما أعقبكم الله
من الدنيا فى الجنة وأخرج أحمد والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو
الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه وأبو نعيم فى الحلية والبيهقى فى شعب الإيمان عن
عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أول من يدخل الجنة من
خلق الله فقراء المهاجرين الذين تسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم
وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله لمن يشاء من ملائكته ائتوهم فحيوهم
فتقول الملائكة ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم
عليهم قال الله إن هؤلاء عبادي كانوا يعبدونني ولا يشركون بى شيئا وتسد بهم الثغور
وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء فتأتيهم
الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب ) سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار
( وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن أبي أمامة إن المؤمن ليكون متكئا على أريكة إذا
دخل الجنة وعنده سماطان من خدم وعند طرف السماطين باب مبوب فيقبل الملك فيستأذن
فيقول أقصى الخدم للذى يليه ملك يستأذن ويقول الذى يليه ملك يستأذن حتى يبلغ
المؤمن فيقول ائذنوا له فيقول أقربهم إلى المؤمن ائذنوا له ويقول الذى يليه للذى
يليه ائذنوا له حتى يبلغ أقصاهم الذى عند الباب فيفتح له فيدخل ويسلم عليه ثم
ينصرف وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ولهم سوء الدار ( قال سوء العاقبة
سورة الرعد الآية ( 26 30 )
الرعد : ( 26 ) الله يبسط الرزق . . . . .
لما ذكر الله سبحانه عاقبة المشركين بقوله ) ولهم سوء الدار ( كان لقائل أن يقول
قد نرى كثيرا منهم قد وفر الله له الرزق وبسط له فيه فأجاب عن ذلك بقوله ) الله
يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( فقد يبسط الرزق لمن كان كافرا ويقتره على من كان
مؤمنا ابتلاء وامتحانا ولا يدل البسط على الكرامة ولا القبض على الإهانة
"""""" صفحة رقم 81
""""""
ومعنى يقدر يضيق ومنه ) ومن قدر عليه رزقه ( أى ضيق وقيل معنى يقدر يعطى بقدر
الكفاية ومعنى الآية أنه الفاعل لذلك وحده القادر عليه دون غيره ) وفرحوا بالحياة
الدنيا ( أى مشركو مكة فرحوا بالدنيا وجهلوا ما عند الله قيل وفى هذه الآية تقديم
وتأخير والتقدير الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن
يوصل ويفسدون فى الأرض وفرحوا بالحياة الدنيا فيكون وفرحوا معطوفا على يفسدون )
وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ( أى ما هى إلا شيء يستمتع به وقيل المتاع
واحد الأمتعة كالقصعة والسكرجة ونحوهما وقيل المعنى شيء قليل ذاهب من متع النهار
إذا ارتفع فلا بد له من زوال وقيل زاد كزاد الراكب يتزود به منها إلى الآخرة
الرعد : ( 27 ) ويقول الذين كفروا . . . . .
) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ( أى يقول أولئك المشركون من أهل
مكة هلا أنزل على محمد آية من ربه وقد تقدم تفسير هذا قريبا وتكرر فى مواضع ) قل
إن الله يضل من يشاء ( أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بهذا وهو أن الضلال بمشيئة
الله سبحانه من شاء أن يضله ضل كما ضل هؤلاء القائلون ) لولا أنزل عليه آية من ربه
( ) ويهدي إليه من أناب ( أى ويهدى إلى الحق أو إلى الإسلام أو إلى جنابه عز وجل )
من أناب ( أى من رجع إلى الله بالتوبة والإقلاع عما كان عليه وأصل الإنابة الدخول
فى نوبة الخير كذا قال النيسابوري
الرعد : ( 28 ) الذين آمنوا وتطمئن . . . . .
ومحل الذين آمنوا النصب على البدلية من قوله ) من أناب ( أى أنهم هم الذين هداهم
الله وأنابوا إليه ويجوز أن يكون الذين آمنوا خبر مبتدأ محذوف أى هم الذين آمنوا
أو منصوب على المدح ) وتطمئن قلوبهم بذكر الله ( أى تسكن وتستأنس بذكر الله سبحانه
بألسنتهم كتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتكبير والتوحيد أو بسماع ذلك من
غيرهم وقد سمى سبحانه القرآن ذكرا قال ) وهذا ذكر مبارك أنزلناه ( وقال ) إنا نحن
نزلنا الذكر ( قال الزجاج أى إذا ذكر الله وحده آمنوا به غير شاكين بخلاف من وصف
بقوله ) وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ( وقيل تطمئن قلوبهم
بتوحيد الله وقيل المراد بالذكر هنا الطاعة وقيل بوعد الله وقيل بالحلف بالله فإذا
حلف خصمه بالله سكن قلبه وقيل بذكر رحمته وقيل بذكر دلائله الدالة على توحيده )
ألا بذكر الله ( وحده دون غيره ) تطمئن القلوب ( والنظر فى مخلوقات الله سبحانه
وبدائع صنعه وإن كان يفيد طمأنينة فى الجملة لكن ليست كهذه الطمأنينة وكذلك النظر
فى المعجزات من الأمور التى لا يطيقها البشر فليس إفادتها للطمأنينة كإفادة ذكر
الله فهذا وجه ما يفيده هذا التركيب من القصر
الرعد : ( 29 ) الذين آمنوا وعملوا . . . . .
) الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ( الموصول مبتدأ خبره الجملة
الدعائية وهى طوبى لهم على التأويل المشهور ويجوز أن يكون الموصول فى محل نصب على
المدح وطوبى لهم خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون الموصول بدلا من القلوب على حذف
مضاف أى قلوب الذين آمنوا قال أبو عبيدة والزجاج وأهل اللغة طوبى فعلى من الطيب
قال ابن الأنبارى وتأويلها الحال المستطابة وقيل طوبى شجرة فى الجنة وقيل هى الجنة
وقيل هى البستان بلغة الهند وقيل معنى طوبى لهم حسنى لهم وقيل خير لهم وقيل كرامة
لهم وقيل غبطة لهم قال النحاس وهذه الأقوال متقاربة والأصل طيبى فصارت الياء واوا
لسكونها وضم ما قبلها واللام فى لهم للبيان مثل سقيا لك ورعيا لك وقريء ? حسن مآب
? بالنصب والرفع من آب إذا رجع أى وحسن مرجع وهو الدار الآخرة
الرعد : ( 30 ) كذلك أرسلناك في . . . . .
) كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم ( أى مثل ذلك الإرسال العظيم الشأن
المشتمل على المعجزة الباهرة أرسلناك يا محمد وقيل شبه الأنعام على من أرسل إليه
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالأنعام على من أرسل إليه الأنبياء قبله ومعنى ) في
أمة قد خلت من قبلها أمم ( فى قرن قد مضت من قبله قرون أو فى جماعة من الناس قد
مضت من قبلها جماعات ) لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك ( أى لتقرأ عليهم القرآن
"""""" صفحة رقم 82
""""""
و الحال أن ) وهم يكفرون بالرحمن ( أى بالكثير الرحمة لعباده ومن رحمته لهم إرسال
الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم كما قال سبحانه ) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (
وجملة ) قل هو ربي ( مستأنفة بتقدير سؤال كأنهم قالوا وما الرحمن فقال سبحانه ) قل
( يا محمد ) هو ربي ( أى خالقى ) لا إله إلا هو ( أى لا يستحق العبادة له والإيمان
به سواه ) عليه توكلت ( فى جيمع أمورى ) وإليه ( لا إلى غيره ) متاب ( أى توبتي
وفيه تعريض بالكفار وحث لهم على الرجوع إلى الله والتوبة من الكفر والدخول فى
الإسلام
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن سابط فى قوله ) وما
الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ( قال كزاد الراعي يزوده أهله الكف من التمر أو
الشيء من الدقيق أو الشيء يشرب عليه اللبن وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى
الآية قال كان الرجل يخرج فى الزمان الأول فى إبله أو غنمه فيقول لأهله متعوني
فيمتعونه فلقة الخبز أو التمر فهذا مثل ضربه الله للدنيا وأخرج الترمذي وصححه عن
عبد الله بن مسعود قال نام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على حصير فقام وقد
أثر فى جنبه فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك فقال مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا
إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
عن المستورد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما الدنيا فى الآخرة إلا
كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه فى اليم فلينظر بم يرجع وأشار بالسبابة وأخرج ابن
جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) وتطمئن قلوبهم بذكر
الله ( قال هشت إليه واستأنست به وأخرج أبو الشيخ عن السدي فى الآية قال إذا حلف
لهم بالله صدقوا ) ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( قال تسكن وأخرج ابن أبي شيبة وابن
جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى الآية قال بمحمد وأصحابه
وأخرج أبو الشيخ عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأصحابه حين
نزلت هذه الآية ) ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( هل تدرون ما معنى ذلك قالوا الله
ورسوله أعلم قال من أحب الله ورسوله وأحب أصحابي وأخرج ابن مردويه عن علي أن رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما نزلت هذه الآية ) ألا بذكر الله تطمئن القلوب (
قال ذلك من أحب الله ورسوله وأحب أهل بيتي صادقا غير كاذب وأحب المؤمنين شاهدا
وغائبا ألا بذكر الله يتحابون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) طوبى لهم ( قال فرح وقرة عين وأخرج ابن أبي شيبة
وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة فى قوله ) طوبى لهم
( قال نعم ما لهم
وقد روى عن جماعة من السلف نحو ما قدمنا ذكره من الأقوال والأرجح تفسير الآية بما
روى مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما أخرجه أحمد وابن جرير وابن أبي
حاتم وابن حبان والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن عتبة بن عبد قال جاء أعرابي إلى
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله فى الجنة فاكهة قال نعم فيها
شجرة تدعى طوبى الحديث وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان
والخطيب فى تاريخه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن
رجلا قال يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك قال طوبى لمن آمن بي ورآني ثم طوبى ثم
طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني فقال رجل وما طوبى قال شجرة فى الجنة مسير مائة
عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها وفى باب أحاديث وآثار عن السلف وقد ثبت فى
الصحيحين وغيرهما من حديث أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى الجنة
شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة سنة اقرءوا إن شئتم ) وظل ممدود ( وفى بعض الألفاظ
إنها شجرة
"""""" صفحة رقم 83
""""""
الخلد وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) وحسن مآب ( قال حسن منقلب وأخرج ابن جرير عن
الضحاك مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وهم يكفرون بالرحمن
( قال ذكر لنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زمن الحديبية حين صالح قريشا
كتب فى الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم فقالت قريش أما الرحمن فلا نعرفه وكان أهل
الجاهلية يكتبون باسمك اللهم فقال أصحابه دعنا نقاتلهم فقال لا ولكن اكتبوا كما
يريدون وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج فى هذه الآية نحوه وأخرج ابن أبي
حاتم عن مجاهد ) وإليه متاب ( قال توبتي
سورة الرعد الآية ( 31 35 )
الرعد : ( 31 ) ولو أن قرآنا . . . . .
قوله ) ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( قيل هذا متصل بقوله ) لولا أنزل عليه آية من
ربه ( وأن جماعة من الكفار سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يسير لهم
جبال مكة حتى تنفسح فإنها أرض ضيقة فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم بهذا الجواب
المتضمن لتعظيم شأن القرآن وفساد رأي الكفار حيث لم يقنعوا به وأصروا على تعنتهم
وطلبهم ما لو فعله الله سبحانه لم يبق ما تقتضيه الحكمة الإلهية من عدم إنزال
الآيات التى يؤمن عندها جميع العباد ومعنى ) سيرت به الجبال ( أى بإنزاله وقراءته
فسارت عن محل استقرارها ) أو قطعت به الأرض ( أى صدعت حتى صارت قطعا متفرقة ) أو
كلم به الموتى ( أى صاروا أحياء بقراءته عليهم فكانوا يفهمونه عند تكليمهم به كما
يفهمه الأحياء
وقد اختلف فى جواب لو ماذا هو فقال الفراء هو محذوف وتقديره لكان هذا القرآن وروى
عنه أنه قال إن الجواب لكفروا بالرحمن أى لو فعل بهم هذا لكفروا بالرحمن وقيل
جوابه لما آمنوا كما سبق فى قوله
"""""" صفحة رقم 84
""""""
) ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ( وقيل الجواب متقدم وفى الكلام تقديم وتأخير
أى وهم يكفرون بالرحمن لو أن قرآنا إلى آخره وكثيرا ما تحذف العرب جواب لو إذا دل
عليه سياق الكلام ومنه قول امرئ القيس فلو أنها نفس تموت جميعة
ولكنها نفس تساقط أنفسا
أى لهان علي ذلك ) بل لله الأمر جميعا ( أى لو أن قرآنا فعل به ذلك لكان هذا
القرآن ولكن لم يفعل بل فعل ما عليه الشأن الآن فلو شاء أن يؤمنوا لآمنوا وإذا لم
يشأ أن يؤمنوا لم ينفع تسيير الجبال وسائر ما اقترحوه من الآيات فالإضراب متوجه إلى
ما يؤدى إليه كون الأمر لله سبحانه ويستلزمه من توقف الأمر على ما تقتضيه حكمته
ومشيئته ويدل على أن هذا هو المعنى المراد من ذلك قوله ) أفلم ييأس الذين آمنوا أن
لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ( قال الفراء قال الكلبى ) أفلم ييأس ( بمعنى أفلم
يعلم وهى لغة النخع قال فى الصحاح وقيل هى لغة هوازن وبهذا قال جماعة من السلف قال
أبو عبيدة أفلم يعلموا ويتبينوا قال الزجاج وهو مجاز لأن اليائس من الشيء عالم
بأنه لا يكون نظيره استعمال الرجاء فى معنى الخوف والنسيان فى الترك لتضمنهما
إياهما ويؤيده قراءة علي وابن عباس وجماعة أفلم يتبين ومن هذا قول رباح بن عدى ألم
ييأس الأقوام أنى أنا ابنه
وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
أى ألم يعلم وأنشد فى هذا أبو عبيدة قول مالك بن عوف النضرى أقول لهم بالشعب إذ
يأسروننى
ألم تيأسوا أنى ابن فارس زهدم
أى ألم تعلموا فمعنى الآية على هذا أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى
الناس جميعا من غير أن يشاهدوا الآيات وقيل إن الإياس على معناه الحقيقي أى أفلم
ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم
لهداهم لأن المؤمنين تمنوا نزول الآيات التى اقترحها الكفار طمعا فى إيمانهم ) ولا
يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ( هذا وعيد للكفار على العموم أو لكفار
مكة على الخصوص أى لا يزال الذين كفروا تصيبهم بسبب ما صنعوا من الكفر والتكذيب
للرسل قارعة أى داهية تفجؤهم يقال قرعه الأمر إذا أصابه والجمع قوارع والأصل فى
القرع الضرب قال الشاعر أفنى تلادى وما جمعت من نشب
قرع القراقير أفواه الأباريق
والمعنى أن الكفار لا يزالون كذلك حتى تصيبهم داهية مهلكة من قتل أو أسر أو جدب أو
نحو ذلك من العذاب وقد قيل إن القارعة النكبة وقيل الطلائع والسرايا ولا يخفى أن
القارعة تطلق على ما هو أعم من ذلك ) أو تحل ( أى القارعة ) قريبا من دارهم (
فيفزعون منها ويشاهدون من آثارها ما ترجف له قلوبهم وترعد منه بوادرهم وقيل إن
الضمير فى ) تحل ( للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى أو تحل أنت يا محمد قريبا
من دارهم محاصرا لهم آخذا بمخانقهم كما وقع منه ( صلى الله عليه وسلم ) لأهل
الطائف ) حتى يأتي وعد الله ( وهو موتهم أو قيام الساعة عليهم فإنه إذا جاء وعد
الله المحتوم حل بهم من عذابه ما هو الغاية فى الشدة وقيل المراد بوعد الله هنا
الإذن منه بقتال الكفار والأول أولى ) إن الله لا يخلف الميعاد ( فما جرى به وعده
فهو كائن لا محالة
الرعد : ( 32 ) ولقد استهزئ برسل . . . . .
) ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ( التنكير فى رسل للتكثير أى برسل
كثيرة والإملاء الإمهال وقد مر تحقيقه فى الأعراف ) ثم أخذتهم ( بالعذاب الذى
أنزلته بهم ) فكيف كان عقاب ( الاستفهام للتقريع والتهديد أى فكيف كان عقابى
لهؤلاء الكفار الذين استهزءوا بالرسل فأمليت لهم ثم أخذتهم
الرعد : ( 33 ) أفمن هو قائم . . . . .
ثم استفهم
"""""" صفحة رقم 85
""""""
سبحانه استفهاما آخر للتوبيخ والتقريع يجرى مجرى الحجاج للكفار واستركاك صنعهم
والإزراء عليهم فقال ) أفمن هو قائم على كل نفس ( القائم الحفيظ والمتولى للأمور
وأراد سبحانه نفسه فإنه المتولى لأمور خلقه المدبر لأحوالهم بالآجال والأرزاق
وإحصاء الأعمال على كل نفس من الأنفس كائنة ما كانت والجواب محذوف أى أفمن هو بهذه
الصفة كمن ليس بهذه الصفة من معبوداتكم التى لا تنفع ولا تضر قال الفراء كأنه فى
المعنى أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت كشركائهم الذين اتخذوهم من دون الله
والمراد من الآية إنكار المماثلة بينهما وقيل المراد بمن هو قائم على كل نفس
الملائكة الموكلون ببنى آدم والأول أولى وجملة ) وجعلوا لله شركاء ( معطوفة على الجواب
المقدر مبينة له أو حالية بتقدير قد أى وقد جعلوا أو معطوفة على ) ولقد استهزئ (
أى استهزءوا وجعلوا ) قل سموهم ( أى قل يا محمد جعلتم له شركاء فسموهم من هم وفى
هذا تبكيت لهم وتوبيخ لأنه إنما يقال هكذا فى الشيء المستحقر الذى لا يستحق أن
يلتفت إليه فيقال سمه إن شئت يعنى أنه أحقر من أن يسمى وقيل إن المعنى سموهم
بالآلهة كما تزعمون فيكون ذلك تهديدا لهم ) أم تنبئونه ( أى بل أتنبئون الله ) بما
لا يعلم في الأرض ( من الشركاء الذين تعبدونهم مع كونه العالم بما فى السموات
والأرض ) أم بظاهر من القول ( أى بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن تكون
له حقيقة وقيل المعنى قل لهم أتنبئون الله بباطن لا يعلمه أم بظاهر يعلمه فإن
قالوا بباطن لا يعلمه فقد جاءوا بدعوى باطلة وإن قالوا بظاهر يعلمه فقل لهم سموهم
فإذا سموا اللات والعزى ونحوهما فقل لهم إن الله لا يعلم لنفسه شريكا وإنما خص
الأرض بنفى الشريك عنها وإن لم يكن له شريك فى غير الأرض لأنهم ادعوا له شريكا فى
الأرض وقيل معنى ) أم بظاهر من القول ( أم بزائل من القول باطل ومنه قول الشاعر
أعيرتنا ألبانها ولحومها
وذلك عار يا بن ريطة ظاهر
أى زائل باطل وقيل بكذب من القول وقيل معنى بظاهر من القول بحجة من القول ظاهرة
على زعمهم ) بل زين للذين كفروا مكرهم ( أى ليس لله شريك بل زين للذين كفروا مكرهم
وقرأ ابن عباس ) زين ( على البناء للفاعل على أن الذي زين لهم ذلك هو مكرهم وقرأ
من عداه بالبناه للمفعول والمزين هو الله سبحانه أو الشيطان ويجوز أن يسمى المكر
كفرا لأن مكرهم برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان كفرا وأما معناه الحقيقي
فهو الكيد أو التمويه بالأباطيل ) وصدوا عن السبيل ( قرأ حمزة والكسائي وعاصم ?
صدوا ? على البناء للمفعول أى صدهم الله أو صدهم الشيطان وقرأ الباقون على البناء
للفاعل أى صدوا غيرهم واختار هذه القراءة أبو حاتم وقرأ يحيى بن وثاب بكسر الصاد )
ومن يضلل الله فما له من هاد ( أى يجعله ضالا وتقتضى مشيئته إضلاله فما له من هاد
يهديه إلى الخير قرأ الجمهور ) هاد ( من دون إثبات الياء على اللغة الكثيرة
الفصيحة وقريء بإثباتها على اللغة القليلة
الرعد : ( 34 ) لهم عذاب في . . . . .
ثم بين سبحانه ما يستحقونه فقال ) لهم عذاب في الحياة الدنيا ( بما يصابون به من
القتل والأسر وغير ذلك ) ولعذاب الآخرة أشق ( عليهم من عذاب الحياة الدنيا ) وما
لهم من الله من واق ( يقيهم عذابه ولا عاصم يعصمهم منه
الرعد : ( 35 ) مثل الجنة التي . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه ما يستحقه الكفار من العذاب فى الأولى والأخرى ذكر ما أعده
للمؤمنين فقال ) مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار ( أى صفقتها
العجيبة الشأن التى هى فى الغرابة كالمثل قال ابن قتيبة المثل الشبه فى أصل اللغة
ثم قد يصير بمعنى صورة الشيء وصفته يقال مثلت لك كذا أى صورته ووصفته فأراد هنا
بمثل الجنة صورتها وصفتها ثم ذكرها فقال ) تجري من تحتها الأنهار ( وهو كالتفسير
للمثل قال سيبويه وتقديره فيما قصصنا عليك مثل الجنة وقال الخليل وغيره إن مثل
الجنة مبتدأ
"""""" صفحة رقم 86
""""""
والخبر تجرى وقال الزجاج إنه تمثيل للغائب بالشاهد ومعناه مثل الجنة جنة تجرى من
تحتها الأنهار وقيل إن فائدة الخبر ترجع إلى ) أكلها دائم ( أى لا ينقطع ومثله
قوله سبحانه ) لا مقطوعة ولا ممنوعة ( وقال الفراء المثل مقحم للتأكيد والمعنى
الجنة التى وعد المتقون تجرى من تحتها الأنهار والعرب تفعل ذلك كثيرا ) وظلها ( أى
كذلك دائم لا يتقلص ولا تنسخه الشمس والإشارة بقوله ) تلك ( إلى الجنة الموصوفة
بالصفات المتقدمة وهو مبتدأ خبره ) عقبى الذين اتقوا ( أى عاقبة الذين اتقوا
المعاصى ومنتهى أمرهم ) وعقبى الكافرين النار ( ليس لهم عاقبة ولا منتهى إلا ذلك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الطبرانى وأبو الشيخ عن ابن عباس قال قالوا للنبى ( صلى الله عليه وسلم )
إن كان كما تقول فأرنا أشياخنا الأول من الموتى نكلمهم وافسح لنا هذه الجبال جبال
مكة التى قد ضمتنا فنزلت ) ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( الآية وأخرج ابن أبي
حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عطية العوفي قال قالوا لمحمد صلى الله عيه وآله
وسلم لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان
يقطع لقومه بالريح أو أحييت لنا الموتى كما كان يحيى عيسى الموتى لقومه فأنزل الله
) ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( الآية إلى قوله ) أفلم ييأس الذين آمنوا ( قال
أفلم يتبين الذين آمنوا قالوا هل تروى هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبى ( صلى
الله عليه وسلم ) قال عن أبي سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرجه
أيضا ابن أبي حاتم قال حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب بن الحرث أخبرنا بشر بن عمارة
حدثنا عمر بن حسان عن عطية العوفي فذكره وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق
العوفى عن ابن عباس نحوه مختصرا وأخرج أبو يعلى وأبو نعيم فى الدلائل وابن مردويه
عن الزبير بن العوام فى ذكر سبب نزول الآية نحو ما تقدم مطولا وأخرج ابن إسحاق
وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) بل لله الأمر جميعا ( لا يصنع من ذلك إلى ما
يشاء ولم يكن ليفعل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) أفلم
ييأس ( يقول يعلم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ من طريق أخرى عنه نحوه وأخرج أبو
الشيخ عن ابن زيد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية ) أفلم ييأس
( قال قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا ولو شاء الله لهدى الناس جميعا وأخرج الفريابى
وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) تصيبهم بما صنعوا قارعة ( قال
السرايا وأخرج الطيالسى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن
مردويه والبهيقى فى الدلائل عنه نحوه وزاد ) أو تحل قريبا من دارهم ( قال أنت يا
محمد حتى يأتى وعد الله قال فتح مكة وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد نحوه وأخرج عبد بن
حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) قارعة ( قال نكبة وأخرج ابن جرير
وابن مردويه من طريق العوفى عنه قارعة قال عذاب من السماء أو تحل قريبا من دارهم
يعنى نزول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بهم وقتاله آباءهم وأخرج ابن جرير
وابن مردويه عنه أيضا فى قوله ) أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ( قال يعنى بذلك
نفسه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء فى الآية قال الله تعالى قائم بالقسط
والعدل على كل نفس وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن مجاهد فى قوله ) أم بظاهر من القول ( قال الظاهر من القول هو الباطل
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة فى قوله ) مثل الجنة ( قال نعت الجنة ليس
للجنة مثل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم التيمى في قوله ) أكلها دائم
( قال لذاتها دائمة فى أفوائهم
"""""" صفحة رقم 87
""""""
سورة الرعد الآية ( 36 39 )
الرعد : ( 36 ) والذين آتيناهم الكتاب . . . . .
اختلف المفسرون فى تفسير الكتاب المذكور فقيل هو التوراة والإنجيل والذين يفرحون
بما أنزل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هم من أسلم من اليهود والنصارى
وقيل الذين يفرحون هم أهل الكتابين لكون ذلك موافقا لما فى كتبهم مصدقا له فعلى
الأول يكون المراد بقوله ) ومن الأحزاب من ينكر بعضه ( من لم يسلم من اليهود
والنصارى وعلى الثاني يكون المراد به المشركين من أهل مكة ومن يماثلهم أو يكون
المراد به البعض من أهل الكتابين أى من أحزابهما فإنهم أنكروه لما يشتمل عليه من
كونه ناسخا لشرائعهم فيتوجه فرح من فرح به منهم إلى ما هو موافق لما فى الكتابين
وإنكار من أنكر منهم إلى ما خالفهما وقيل المراد بالكتاب القرآن والمراد بمن يفرح
به المسلمون والمراد بالأحزاب المتحزبون على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من
المشركين واليهود والنصارى والمراد بالبعض الذى أنكروه من خالف ما يعتقدونه على
اختلاف اعتقادهم واعترض على هذا بأن فرح المسلمين بنزول القرآن معلوم فلا فائدة فى
ذكره وأجيب عنه بأن المراد زيادة الفرح والاستبشار وقال كثير من المفسرين إن عبد
الله بن سلام والذين آمنوا معه من أهل الكتاب ساءهم قلة ذكر الرحمن فى القرآن مع
كثرة ذكره فى التوراة فأنزل الله ) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ( ففرحوا بذلك
ثم لما بين ما يحصل بنزول القرآن من الفرح للبعض والإنكار للبعض صرح بما عليه رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأمره أن يقول لهم ذلك فقال ) قل إنما أمرت أن أعبد
الله ولا أشرك به ( أى لا أشرك به بوجه من الوجوه أى قل لهم يا محمد إلزاما للحجة
وردا للإنكار إنما أمرت فيما أنزل إلى بعبادة الله وتوحيده وهذا أمر اتفقت عليه
الشرائع وتطابقت على عدم إنكاره جميع الملل المقتدية بالرسل وقد اتفق القراء على
نصب ولا أشرك به عطفا على أعبد وقرأ أبو خليد بالرفع على الاستئناف وروى هذه
القراءة عن نافع ? إليه أدعوا ? أى إلى الله لا إلى غيره أو إلى ما أمرت به وهو
عبادة الله وحده والأول أولى لقوله ) وإليه مآب ( فإن الضمير لله سبحانه أى إليه
وحده لا إلى غيره مرجعى
الرعد : ( 37 ) وكذلك أنزلناه حكما . . . . .
ثم ذكر بعض فضائل القرآن وأوعد على الإعراض عن اتباعه مع التعرض لرد ما أنكروه من
اشتماله على نسخ بعض شرائعهم فقال ) وكذلك أنزلناه حكما عربيا ( أى مثل ذلك
الإنزال البديع أنزلنا القرآن مشتملا على أصول الشرائع وفروعها وقيل المعنى وكما
أنزلنا الكتب على الرسل بلغاتهم كذلك أنزلنا عليك القرآن بلسان العرب ونريد بالحكم
ما فيه من الأحكام أو حكمة عربية مترجمة بلسان العرب وانتصاب حكما على الحال )
ولئن اتبعت أهواءهم ( التى يطلبون منك موافقتهم عليها كالاستمرار منك على التوجه
إلى قبلتهم وعدم مخالفتك لشيء مما يعتقدونه ) بعد ما جاءك من العلم (
"""""" صفحة رقم 88
""""""
الذى علمك الله إياه مالك من الله أى من جنابه ) من ولي ( يلى أمرك وينصرك ) ولا
واق ( يقيك من عذابه والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تعريض لأمته
واللام فى ولئن اتبعت هى الموطئة للقسم ومالك ساد مسد جواب القسم والشرط
الرعد : ( 38 ) ولقد أرسلنا رسلا . . . . .
) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ( أى إن الرسل الذين أرسلناهم
قبلك هم من جنس البشر له أزواج من النساء ولهم ذرية توالدوا منهم ومن أزواجهم ولم
نرسل الرسل من الملائكة الذين لا يتزوجون ولا يكون لهم ذرية وفى هذا رد على من كان
ينكر على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تزوجه بالنساء أى أن هذا شأن رسل الله
المرسلين قبل هذا الرسول فما بالكم تنكرون عليه ما كانوا عليه ) وما كان لرسول أن
يأتي بآية إلا بإذن الله ( أى لم يكن لرسول من الرسل أن يأتى بآية من الآيات ومن
جملتها ما اقترحه عليه الكفار إلا بإذن الله سبحانه وفيه رد على الكفار حيث
اقترحوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الآيات ما اقترحوا بما سبق ذكره
) لكل أجل كتاب ( أى لكل أمر مما قضاه الله أو لكل وقت من الأوقات التى قضى الله
بوقوع أمر فيها كتاب عند الله يكتبه على عباده ويحكم به فيهم وقال الفراء فيه
تقديم وتأخير والمعنى لكل كتاب أجل أى لكل أمر كتبه الله أجل مؤجل ووقت معلوم
كقوله سبحانه ) لكل نبإ مستقر ( وليس الأمر على حسب إرادة الكفار واقتراحاتهم بل
على حسب ما يشاؤه ويختاره
الرعد : ( 39 ) يمحو الله ما . . . . .
) يمحو الله ما يشاء ويثبت ( أى يمحو من ذلك الكتاب ويثبت ما يشاء منه يقال محوت
الكتاب محوا إذا أذهبت أثره قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ) ويثبت ( بالتخفيف وقرأ
الباقون بالتشديد واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد وظاهر النظم القرآني
العموم فى كل شئ مما فى الكتاب فيمحوه ما يشاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو
عمر أو خير أو شر ويبدل هذا بهذا ويجعل هذا مكان هذا ) لا يسأل عما يفعل وهم
يسألون ( وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبو وائل
وقتادة والضحاك وابن جريج وغيرهم وقيل الآية خاصة بالسعادة والشقاوة وقيل يمحو ما
يشاء من ديوان الحفظة وهو ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ويثبت ما فيه الثواب والعقاب
وقيل يمحو ما يشاء من الرزق وقيل يمحو من الأجل وقيل يمحو ما يشاء من الشرائع
فينسخه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه وقيل يمحو ما يشاء من ذنوب عباده ويترك ما يشاء
وقيل يمحو ما يشاء من الذنوب بالتوبة ويترك ما يشاء منها مع عدم التوبة وقيل يمحو
الآباء ويثبت الأبناء وقيل يمحو القمر ويثبت الشمس كقوله ) فمحونا آية الليل
وجعلنا آية النهار مبصرة ( وقيل يمحو ما يشاء من الأرواح التى يقبضها حال النوم
فيميت صاحبه ويثبت ما يشاء فيرده إلى صاحبه وقيل يمحو ما يشاء من القرون ويثبت ما
يشاء منها وقيل يمحو الدنيا ويثبت الآخرة وقيل غير ذلك مما لا حاجة إلى ذكره
والأول أولى كما تفيده ما فى قوله ما يشاء من العموم مع تقدم ذكر الكتاب فى قوله )
لكل أجل كتاب ( ومع قوله ) وعنده أم الكتاب ( أى أصله وهو اللوح المحفوظ فالمراد
من الآية أنه يمحو ما يشاء مما فى اللوح المحفوظ فيكون كالعدم ويثبت ما يشاء مما
فيه فيجرى فيه قضاؤه وقدره على حسب ما تقتضيه مشيئته وهذا لا ينافى ما ثبت عنه (
صلى الله عليه وسلم ) من قوله جف القلم وذلك لأن المحو والإثبات هو من جملة ما
قضاه الله سبحانه وقيل إن أم الكتاب هو علم الله تعالى بما خلق وما هو خالق
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله )
يفرحون بما أنزل إليك ( قال أولئك أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فرحوا بكتاب
الله وبرسله وصدقوا به ) ومن الأحزاب من ينكر بعضه ( يعنى اليهود والنصارى والمجوس
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد فى الآية قال هؤلاء من آمن برسول الله ( صلى
الله عليه وسلم ) من أهل الكتاب يفرحون بذلك ومنهم من يؤمن به ومنهم من
"""""" صفحة رقم 89
""""""
لا يؤمن به ) ومن الأحزاب من ينكر بعضه ( قال الأحزاب الأمم اليهود والنصارى
والمجوس وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
قتادة فى قوله ) وإليه مآب ( قال إليه مصير كل عبد وأخرج ابن ماجه وابن المنذر
وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة
قال نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن التبتل وقرأ قتادة ) ولقد أرسلنا
رسلا من قبلك ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن هشام قال دخلت على
عائشة فقلت إني أريد أن أتبتل قالت لا تفعل أما سمعت الله يقول ) ولقد أرسلنا رسلا
من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ( وقد ورد فى النهي عن التبتل والترغيب فى النكاح
ما هو معروف وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال
قالت قريش حين أنزل ) وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ( ما نراك يا محمد
تملك من شيء ولقد فرغ من الأمر فأنزلت هذه الآية تخويفا لهم ووعيدا لهم ) يمحو
الله ما يشاء ويثبت ( إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا شيئا ويحدث الله فى كل رمضان
فيمحو ما يشاء ويثبت من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم وأخرج عبد
الرزاق والفريابي وابن جرير وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى الشعب
عن ابن عباس فى قوله ) يمحو الله ما يشاء ويثبت ( قال ينزل الله فى كل شهر رمضان
إلى سماء الدنيا فيدبر أمر السنة إلى السنة فيمحو ما يشاء ويثبت إلا الشقاوة
والسعادة والحياة والموت وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه فى الآية قال هو الرجل
يعمل الزمان بطاعة الله ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذى يمحو والذى
يثبت الرجل يعمل بمعصية الله وقد سبق له خير حتى يموت على طاعة الله وأخرج ابن
جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه أيضا فى الآية قال
هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت وعنده أم الكتاب ( ( أي جملة الكتاب
) ) وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام من درة
بيضاء له دفتان من ياقوت والدفتان لوحان لله كل يوم ثلاث وستون لحظة يمحو الله ما
يشاء ويثبت عنده أم الكتاب وإسناده عند ابن جرير هكذا حدثنا محمد بن شهر بن عسكر
حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس فذكره وأخرج ابن جرير وابن
أبي حاتم وابن مردويه والطبراني عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه
وسلم ) إن الله ينزل فى ثلاث ساعات يبقين من الليل فيفتح الذكر فى الساعة الأولى
منها ينظر فى الذكر الذى لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو الله ما يشاء ويثبت الحديث
وأخرج الطبراني فى الأوسط وابن مردويه بإسناد قال السيوطي ضعيف عن ابن عمر سمعت
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الشقاوة
والسعادة والحياة والممات وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا نحوه وأخرج الحاكم
وصححه عن ابن عباس قال لا ينفع الحذر من القدر ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من
القدر وأخرج ابن جرير عن قيس بن عباد قال العاشر من رجب وهو يوم يمحو الله فيه ما
يشاء وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى الشعب عنه نحوه بأطول منه وأخرج
عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه قال وهو يطوف بالبيت اللهم
إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب
فاجعله سعادة ومغفرة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن
مسعود نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى المدخل عن ابن
عباس فى قوله ) يمحو الله ما يشاء ويثبت ( قال يبدل الله ما يشاء من القرآن فينسخه
ويثبت ما يشاء فلا يبدله ) وعنده أم الكتاب ( يقول وجملة ذلك عنده فى أم الكتاب
الناسخ والمنسوخ ما يبدل وما يثبت كل ذلك
"""""" صفحة رقم 90
""""""
فى كتاب وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) وعنده أم الكتاب ( قال الذكر وأخرج ابن
المنذر عن مجاهد مثله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن يسار عن ابن عباس أنه سأل
كعبا عن أم الكتاب فقال علم الله ما هو خالق وما خلقه عالمون فقال لعلمه كن كتابا
فكان كتابا
سورة الرعد الآية ( 40 43 )
الرعد : ( 40 ) وإما نرينك بعض . . . . .
) وإما نرينك ( ما زائدة وأصله وإن نرك ) بعض الذي نعدهم ( من العذاب كما وعدناهم
بذلك بقولنا ) لهم عذاب في الحياة الدنيا ( وبقولنا ) ولا يزال الذين كفروا تصيبهم
بما صنعوا قارعة ( والمراد أريناك بعض ما نعدهم قبل موتك أو توفيناك قبل إراءتك
لذلك ) فإنما عليك البلاغ ( أى فليس عليك إلا تبليغ أحكام الرسالة ولا يلزمك حصول
الإجابة منهم لما بلغته إليهم ) وعلينا الحساب ( أى محاسبتهم بأعمالهم ومجازاتهم
عليها وليس ذلك عليك وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله ( صلى الله عليه وسلم )
وإخبار له أنه قد فعل ما أمره الله به وليس عليه غيره وأن من لم يجب دعوته ويصدق
نبوته فالله سبحانه محاسبه على ما اجترم واجترأ عليه من ذلك
الرعد : ( 41 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا ( يعني أهل مكة والاستفهام للإنكار أى أو لم ينظروا ) أنا نأتي الأرض
ننقصها من أطرافها ( أى نأتي أرض الكفر كمكة ننقصها من أطرافها بالفتوح على
المسلمين منها شيئا فشيئا قال الزجاج أعلم الله أن بيان ما وعد المشركين من قهرهم
قد ظهر يقول أو لم يروا أنا فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد تبين لهم فكيف لا
يعتبرون وقيل إن معنى الآية موت العلماء والصلحاء قال القشيري وعلى هذا فالأطراف
الأشراف وقد قال ابن الأعرابي الطرف الرجل الكريم قال القرطبي وهذا القول بعيد لأن
مقصود الآية أنا أريناهم النقصان فى أمرهم ليعلموا أن تأخير العقاب عنهم ليس عن
عجز إلا أن يحمل على موت أحبار اليهود والنصارى وقيل المراد من الآية خراب الأرض
المعمورة حتى يكون العمران فى ناحية منها وقيل المراد بالآية هلاك من هلك من الأمم
وقيل المراد نقص ثمرات الأرض وقيل المراد جور ولاتها حتى تنقص ) والله يحكم لا
معقب لحكمه ( أى يحكم ما يشاء فى خلقه فيرفع هذا ويضع هذا ويحيى هذا ويميت هذا
ويغني هذا ويفقر هذا وقد حكم بعزة الإسلام وعلوه على الأديان وجملة ) لا معقب
لحكمه ( فى محل نصب على الحال وقيل معترضة والمعقب الذى يكر على الشيء فيبطله
وحقيقته الذى يقفيه بالرد والإبطال قال الفراء معناه لا راد لحكمه قال والمعقب
الذى يتبع الشيء فيستدركه ولا يستدرك أحد عليه والمراد من الآية أنه لا يتعقب أحد
حكم الله سبحانه بنقص ولا تغيير ) وهو سريع الحساب ( فيجازي المحسن بإحسانه
والمسيء بإساءته على السرعة
الرعد : ( 42 ) وقد مكر الذين . . . . .
) وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا ( أى قد مكر الكفار الذين من قبل كفار
مكة بمن أرسله الله إليهم من الرسل
"""""" صفحة رقم 91
""""""
فكادوهم وكفروا بهم وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث
أخبره أن هذا ديدن الكفار من قديم الزمان مع رسل الله سبحانه ثم أخبره بأن مكرهم
هذا كالعدم وأن المكر كله لله فقال ) فلله المكر جميعا ( لا اعتداد بمكر غيره ثم
فسر سبحانه هذا المكر الثابت له دون غيره فقال ) يعلم ما تكسب كل نفس ( من خير وشر
فيجازيها على ذلك ومن علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها كان المكر كله له لأنه
يأتيهم من حيث لا يشعرون وقال الواحدي إن مكر الماكرين مخلوق فلا يضر إلا بإرادته
وقيل المعنى فلله جزاء مكر الماكرين ) وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ( قرأ نافع
وابن كثير وأبو عمرو ) الكافر ( بالإفراد وقرأ الباقون الكفار بالجمع أى سيعلم جنس
الكافر لمن العاقبة المحمودة من الفريقين فى دار الدنيا أو فى الدار الآخرة أو
فيهما وقيل المراد بالكافر أبو جهل
الرعد : ( 43 ) ويقول الذين كفروا . . . . .
) ويقول الذين كفروا لست مرسلا ( أى يقول المشركون أو جميع الكفار لست يا محمد
مرسلا إلى الناس من الله فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم فقال ) قل كفى بالله
شهيدا بيني وبينكم ( فهو يعلم صحة رسالتى وصدق دعواتى ويعلم كذبكم ) ومن عنده علم
الكتاب ( أى علم جنس الكتاب كالتوراة والإنجيل فإن أهلهما العالمين بهما يعلمون
صحة رسالة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد أخبر بذلك من أسلم منهم كعبد الله
بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري ونحوهم وقد كان المشركون من العرب يسألون أهل
الكتاب ويرجعون إليهم فأرشدهم الله سبحانه فى هذه الآية إلى أن أهل الكتاب يعلمون
ذلك وقيل المراد بالكتاب القرآن ومن عنده علم منه هم المسلمون وقيل المراد من عنده
علم اللوح المحفوظ وهو الله سبحانه واختار هذا الزجاج وقال لأن الأشبه أن الله لا
يستشهد على خلقه بغيره
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى
قوله ) ننقصها من أطرافها ( قال ذهاب العلماء وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة
ونعيم بن حماد فى الفتن وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن
عباس فى قوله ) ننقصها من أطرافها ( قال موت علمائها وفقهائها وذهاب خيار أهلها
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد فى تفسير الآية قال موت العلماء وأخرج ابن
جرير عن ابن عباس فى الآية قال أولم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض وأخرج
ابن جرير وابن مردويه من طريق أخرى عنه نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة
وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك فى الآية قال يعنى أن نبي الله (
صلى الله عليه وسلم ) كان ينتقص له ما حوله من الأرضين ينظرون إلى ذلك فلا يعتبرون
وقال الله فى سورة الأنبياء ) نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ( بل
نبي الله وأصحابه هم الغالبون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن
عباس فى الآية قال نقصان أهلها وبركتها وأخرج ابن المنذر عنه قال إنما تنقص الأنفس
والثمرات وأما الأرض فلا تنقص وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا
قال أولم يروا إلى القرية تخرب حتى يكون العمران فى ناحية منها وأخرج ابن جرير
وابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد ) والله يحكم لا معقب
لحكمه ( ليس أحد يتعقب حكمه فيرده كما يتعقب أهل الدنيا بعضهم حكم بعض فيرده وأخرج
ابن مردويه عن ابن عباس قال قدم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أسقف من
اليمن فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هل تجدني فى الإنجيل قال لا فأنزل
الله ) قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ( يقول عبد الله بن
سلام وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الملك بن عمير عن جندب قال جاء عبد الله بن
سلام حتى أخذ بعضاضتى باب المسجد ثم قال أنشدكم بالله أتعلمون أني الذى أنزلت في )
ومن عنده علم الكتاب ( قالوا اللهم نعم وأخرج
"""""" صفحة رقم 92
""""""
ابن جرير وابن مردويه من طريق أخرى عنه نحوه وأخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن
عباس ) ومن عنده علم الكتاب ( قال أهل الكتاب من اليهود والنصارى وأخرج عبد الرزاق
وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم فى الآية قال كان قوم من أهل الكتاب يشهدون
بالحق ويعرفونه منهم عبد الله بن سلام والجارود وتميم الداري وسلمان الفارسي وأخرج
أبو يعلى وابن جرير وابن مردويه وابن عدي بسند ضعيف عن ابن عمر أن النبي ( صلى
الله عليه وسلم ) قرأ ) ومن عنده علم الكتاب ( قال ومن عند الله علم الكتاب وأخرج
أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يقرأ ) ومن عنده
علم الكتاب ( يقول ومن عند الله علم الكتاب وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم والنحاس فى ناسخه عن سعيد بن جبير أنه سئل عن وقوله ) ومن
عنده علم الكتاب ( أهو عبد الله بن سلام قال كيف وهذه السورة مكية وأخرج ابن
المنذر عن الشعبي قال ما نزل فى عبد الله بن سلام شيء من القرآن وأخرج ابن أبي
حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) ومن عنده علم الكتاب ( قال جبريل وأخرج ابن جرير
وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال هو الله
ع14
تفسير
سورة إبراهيم
حول السورة
عليه السلام
اثنتان وخمسون آية وقيل إحدى وخمسون
وهى مكة كما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس وأخرجه ابن مردويه أيضا عن الزبير وحكاه
القرطبي عن الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وقتادة إلا آيتين منها وقيل إلا ثلاث آيات
نزلت فى الذين حاربوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهى قوله ) ألم تر إلى
الذين بدلوا نعمة الله كفرا ( إلى قوله ) فإن مصيركم إلى النار ( وأخرج النحاس فى
ناسخه عن ابن عباس قال هى مكية سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة وهى ) ألم تر إلى
الذين بدلوا نعمة الله كفرا ( الآيتين نزلتا فى قتلى بدر من المشركين
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة إبراهيم الآية ( 1 4 )
"""""" صفحة رقم 93
""""""
سورة إبراهيم الآية ( 5 )
إبراهيم : ( 1 ) الر كتاب أنزلناه . . . . .
قوله ) الر ( قد تقدم الكلام فى أمثال هذا وبيان قول من قال إنه متشابه وبيان قول
من قال إنه غير متشابه وهو إما مبتدأ خبره كتاب أو خبر مبتدأ محذوف ويكون ) كتاب (
خبر المحذوف مقدر أو خبرا ثانيا لهذا المبتدأ أو يكون ) الر ( مسرودا على نمط
التعديد فلا محل له و ) أنزلناه إليك ( صفة لكتاب أى أنزلنا الكتاب إليك يا محمد
ومعنى ) لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ( لتخرجهم من ظلمات الكفر والجهل
والضلالة إلى نور الإيمان والعلم والهداية جعل الكفر بمنزلة الظلمات والإيمان
بمنزلة النور على طريق الاستعارة واللام فى ) لتخرج ( للغرض والغاية والتعريف فى )
الناس ( للجنس والمعنى أنه ( صلى الله عليه وسلم ) يخرج بالكتاب المشتمل على ما
شرعه الله لهم من الشرائع مما كانوا فيه من الظلمات إلى ما صاروا إليه من النور
وقيل إن الظلمة مستعارة للبدعة والنور مستعار للسنة وقيل من الشك إلى اليقين ولا
مانع من إرادة جميع هذه الأمور والباء فى ) بإذن ربهم ( متعلقة بتخرج وأسند الفعل
إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه الداعي والهادي والمنذر قال الزجاج بما أذن
لك من تعليمهم ودعائهم إلى الإيمان ) إلى صراط العزيز الحميد ( هو بدل من إلى
النور بتكرير العامل كما يقع مثله كثيرا أى لتخرج الناس من الظلمات إلى صراط
العزيز الحميد وهو طريقة الله الواضحة التى شرعها لعباده وأمرهم بالمصير إليها
والدخول فيها ويجوز أن يكون مستأنفا بتقدير سؤال كأنه قيل ما هذا النور الذى أخرجه
إليه فقيل صراط العزيز الحميد و العزيز هو القادر الغالب و الحميد هو الكامل فى
استحقاق الحمد
إبراهيم : ( 2 ) الله الذي له . . . . .
) الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ( قرأ نافع وابن عامر بالرفع على أنه
خبر مبتدأ محذوف أى هو الله المتصف بملك ) ما في السماوات وما في الأرض ( وقرأ
الجمهور بالجر على أنه عطف بيان لكونه من الأعلام الغالبة فلا يصح وصف ما قبله به
لأن العلم لا يوصف به وقيل يجوز أن يوصف به من حيث المعنى وقال أبو عمرو إن قراءة
الجر محمولة على التقديم والتأخير والتقدير إلى صراط الله العزيز الحميد وكان
يعقوب إذا وقف على الحميد رفع وإذا وصل خفض قال ابن الأنباري من خفض وقف على ) وما
في الأرض ( ثم توعد من لا يعترف بربوبيته فقال ) وويل للكافرين من عذاب شديد ( قد
تقدم بيان معنى الويل وأصله النصب كسائر المصادر ثم رفع للدلالة على الثبات قال
الزجاج هى كلمة تقال للعذاب والهلكة فدعا سبحانه وتعالى بذلك على من لم يخرج من
الكفار بهداية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) له بما أنزله الله عليه مما هو
فيه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان و ) من عذاب شديد ( متعلق بويل على معنى
يولولون ويضجون من العذاب الشديد الذى صاروا فيه
إبراهيم : ( 3 ) الذين يستحبون الحياة . . . . .
ثم وصف هؤلاء الكفار بقوله ) الذين يستحبون الحياة الدنيا ( أى يؤثرونها لمحبتهم
لها ) على الآخرة ( الدائمة والنعيم الأبدي وقيل إن الموصول فى موضع رفع على أنه
خبر لمبتدأ محذوف أى هم الذين وقيل الموصول مبتدأ وخبره أولئك وجملة ) ويصدون (
وكذلك ويبغون معطوفتان على يستحبون ومعنى الصد ) عن سبيل الله ( صرف الناس عنه
ومنعهم منه وسبيل الله دينه الذى شرعه لعباده ) ويبغونها عوجا ( أى يطلبون لها
زيغا وميلا لموافقة أهوائهم وقضاء حاجاتهم وأغراضهم والعوج بكسر العين فى المعاني
وبفتح العين في الأعيان وقد سبق تحقيقه والأصل يبغون له فحذف الحرف وأوصل الفعل
إلى الضمير واجتماع هذه الخصال نهاية
"""""" صفحة رقم 94
""""""
الضلال ولهذا وصف ضلالهم بالبعد عن الحق فقال ) أولئك في ضلال بعيد ( والإشارة إلى
الموصوفين بتلك الصفات القبيحة والبعد وإن كان من صفة الضال لكنه يجوز وصف الضلال
به مجازا لقصد المبالغة
إبراهيم : ( 4 ) وما أرسلنا من . . . . .
ثم لما من على المكلفين بإنزال الكتاب وإرسال الرسول ذكر من كمال تلك النعمة أن
ذلك المرسل بلسان قومه فقال ) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( أى متلبسا
بلسانهم متكلما بلغتهم لأنه إذا كان كذلك فهم عنه المرسل إليهم ما يقوله لهم وسهل
عليهم ذلك بخلاف ما لو كان بلسان غيرهم فإنهم لا يدرون ما يقول ولا يفهمون ما
يخاطبهم به حتى يتعلموا ذلك اللسان دهرا طويلا ومع ذلك فلا بد أن يصعب عليهم فهم
ذلك بعض صعوبة ولهذا علل سبحانه ما امتن به على العباد بقوله ) ليبين لهم ( أى
ليوضح لهم ما أمرهم الله به من الشريعة التى شرعها لهم ووحد اللسان لأن المراد بها
اللغة وقد قيل فى هذه الآية إشكال لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أرسل إلى
الناس جميعا بل إلى الجن والإنس ولغاتهم متباينة وألسنتهم مختلفة وأجيب بأنه وإن
كان ( صلى الله عليه وسلم ) مرسلا إلى الثقلين كما مر لكن لما كان قومه العرب
وكانوا أخص به وأقرب إليه كان إرساله بلسانهم أولى من إرساله بلسان غيرهم وهم
يبينونه لمن كان على غير لسانهم ويوضحونه حتى يصير فاهماله كفهمهم إياه ولو نزل
القرآن بجميع لغات من أرسل إليهم وبينه رسول الله لكل قوم بلسانهم لكان ذلك مظنة
للاختلاف وفتحا لباب التنازع لأن كل أمة قد تدعى من المعاني فى لسانها ما لا يعرفه
غيرها وربما كان ذلك أيضا مفضيا إلى التحريف والتصحيف بسبب الدعاوي الباطلة التى
يقع فيها المتعصبون وجملة ) فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ( مستأنفة أى يضل من
يشاء إضلاله ويهدي من يشاء هدايته قال الفراء إذا ذكر فعل وبعده فعل آخر فإن لم
يكن النسق مشاكلا للأول فالرفع على الاستئناف هو الوجه فيكون معنى هذه الآية ) وما
أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( ليبين لهم تلك الشرائع باللغة التى ألفوها
وفهموها ومع ذلك فإن المضل والهادي هو الله عز وجل والبيان لا يوجب حصول الهداية
إلا إذا جعله الله سبحانه واسطة وسببا وتقديم الإضلال على الهداية لأنه متقدم
عليها إذ هو إبقاء على الأصل والهداية إنشاء ما لم يكن ) وهو العزيز ( الذى لا
يغالبه مغالب ) الحكيم ( الذى يجري أفعاله على مقتضى الحكمة
إبراهيم : ( 5 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
ثم لما بين أن المقصود من بعثة نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) هو إخراج الناس من
الظلمات إلى النور أراد أن يبين أن الغرض من إرسال الأنبياء لم يكن إلا ذلك وخص
موسى بالذكر لأن أمته أكثر الأمم المتقدمة على هذه الأمة المحمدية فقال ) ولقد
أرسلنا موسى بآياتنا ( أى متلبسا بها والمراد بالآيات المعجزات التى لموسى ومعنى )
أن أخرج ( أى أخرج لأن الإرسال فيه معنى القول ويجوز أن يكون التقدير بأن أخرج
والمراد بقومه بنو إسرائيل بعد ملك فرعون ) من الظلمات ( من الكفر أو من الجهل
الذى قالوا بسببه ) اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ( ) إلى النور ( إلى الإيمان أو
إلى العلم ) وذكرهم بأيام الله ( أى بوقائعه قال ابن السكيت العرب تقول الأيام فى
معنى الوقائع يقال فلان عالم بأيام العرب أى بوقائعها وقال الزجاج أى ذكرهم بنعم
الله عليهم وبنقم أيام الله التى انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود والمعنى عظهم
بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد ) إن في ذلك ( أى فى التذكير بأيام الله أو فى
نفس أيام الله ) الآيات ( لدلالات عظيمة دالة على التوحيد وكمال القدرة ) لكل صبار
( أى كثير الصبر على المحن والمنح ) شكور ( كثير الشكر للنعم التى أنعم الله بها
عليه وقيل المراد بذلك كل مؤمن وعبر عنه بالوصفين المذكورين لأنهما ملاك الإيمان
وقدم الصبار على الشكور لكون الشكر عاقبة الصبر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) لتخرج الناس
من الظلمات إلى النور ( قال من الضلالة إلى الهدى وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك
فى قوله ) يستحبون ( قال يختارون وأخرج
"""""" صفحة رقم 95
""""""
عبد بن حميد وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه
والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس قال إن الله فضل محمدا على أهل السماء وعلى
الأنبياء قيل ما فضله على أهل السماء قال إن الله قال لأهل السماء ) ومن يقل منهم
إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم ( وقال لمحمد ) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك
وما تأخر ( فكتب له براءة من النار قيل فما فضله على الأنبياء قال إن الله يقول )
وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( وقال لمحمد ) وما أرسلناك إلا كافة للناس (
فأرسله إلى الإنس والجن وأخرج ابن مردويه عن عثمان بن عفان ) إلا بلسان قومه ( قال
نزل القرآن بلسان قريش وأخرج ابن المنذر عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر
وابن أبي حاتم عن مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير فى قوله ) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا (
قال بالآيات التسع الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا ويده والسنين
ونقص من الثمرات وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) أن أخرج قومك من
الظلمات إلى النور ( قال من الضلالة إلى الهدى وأخرج النسائي وعبد الله بن أحمد فى
زوائد المسند وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي فى شعب الإيمان
عن أبي ابن كعب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وذكرهم بأيام الله (
قال بنعم الله وآلائه وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس ) وذكرهم بأيام
الله ( قال نعم الله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) وذكرهم بأيام الله
( قال وعظهم وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع فى الآية قال بوقائع الله فى القرون
الأولى وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله )
إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( قال نعم العبد عبد إذا ابتلى صبر وإذا أعطى شكر
"""""" صفحة رقم 96
""""""
سورة إبراهيم الآية ( 6 12 )
إبراهيم : ( 6 ) وإذ قال موسى . . . . .
قوله ) وإذ قال موسى ( الظرف متعلق بمحذوف هو اذكر أى اذكر وقت قول موسى و ) إذ
أنجاكم ( متعلق باذكروا أى اذكروا إنعامه عليكم وقت إنجائه لكم من آل فرعون أو
بالنعمة أو بمتعلق عليكم أى مستقرة عليكم وقت أنجائه وهو بدل اشتمال من النعمة
مرادا بها الإنعام أو العطية ) يسومونكم سوء العذاب ( أى يبغونكم يقال سامه ظلما
وأصل السوم الذهاب في طلب الشيء وسوء العذاب مصدر ساء يسوء والمراد حبس العذاب
السييء وهو استعبادهم واستعمالهم فى الأعمال الشاقة وعطف ) يذبحون أبناءكم ( على )
يسومونكم سوء العذاب ( وإن كان التذبيح من جنس سوء العذاب إخراجا له عن مرتبة
العذاب المعتاد حتى كأنه جنس آخر لما فيه من الشدة ومع طرح الواو كما فى الآية
الأخرى يكون التذبيح تفسيرا لسوء العذاب ) ويستحيون نساءكم ( أى يتركونهن فى
الحياة لإهانتهن وإذلالهن ) وفي ذلكم ( المذكور من أفعالهم ) بلاء من ربكم عظيم (
أى ابتلاء لكم وقد تقدم تفسير هذه الآية فى سورة البقرة مستوفى
إبراهيم : ( 7 ) وإذ تأذن ربكم . . . . .
) وإذ تأذن ربكم ( تأذن بمعنى أذن قاله الفراء قال فى الكشاف ولا بد فى تفعل من
زيادة معنى ليست فى أفعل كأنه قيل وإذ أذن ربكم إيذانا بليغا تنتفى عنه الشكوك
وتنزاح الشبه والمعنى وإذ تأذن ربكم فقال ) لئن شكرتم ( أو أجرى تأذن مجرى قال
لأنه ضرب من القول انتهى وهذا من قول موسى لقومه وهو معطوف على ) نعمة الله ( أى
اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذن ربكم وقيل هو معطوف على قوله إذ أنجاكم
أى اذكروا نعمة الله تعالى فى هذين الوقتين فإن هذا التأذن أيضا نعمة وقيل هو من
قول الله سبحانه أى واذكر يا محمد إذ تأذن ربكم وقرأ ابن مسعود ? وإذ قال ربكم ?
والمعنى واحد كما تقدم واللام فى ) لئن شكرتم ( هى الموطئة للقسم وقوله ) لأزيدنكم
( ساد مسد جوابي الشرط والقسم وكذا اللام فى ) ولئن كفرتم ( وقوله ) إن عذابي
لشديد ( ساد مسد الجوابين أيضا والمعنى لأن شكرتم إنعامي عليكم بما ذكر لأزيدنكم
نعمة إلى نعمة تفضلا مني وقيل لأزيدنكم من طاعتي وقيل لأزيدنكم من الثواب والأول
أظهر فالشك سبب المزيد ) ولئن كفرتم ( ذلك وجحدتموه ) إن عذابي لشديد ( فلا بد أن
يصيبكم منه ما يصيب وقيل إن الجواب محذوف أى ولئن كفرتم لأعذبنكم والمذكور تعليل
للجواب المحذوف
إبراهيم : ( 8 ) وقال موسى إن . . . . .
) وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا ( أى إن تكفروا نعمته تعالى أنتم
وجميع الخلق ولم تشكروها ) فإن الله ( سبحانه ) لغني ( عن شكركم لا يحتاج إليه ولا
يلحقه بذلك نقص ) حميد ( أى مستوجب للحمد لذاته لكثرة إنعامه وإن لم تشكروه أو
يحمده غيركم من الملائكة
إبراهيم : ( 9 ) ألم يأتكم نبأ . . . . .
) ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم ( يحتمل أن يكون هذا خطابا من موسى لقومه فيكون
داخلا تحت التذكير بأيام الله ويحتمل أن يكون من كلام الله سبحانه ابتداء خطابا
لقوم موسى وتذكيرا لهم بالقرون الأولى وأخبارهم ومجئ رسل الله إليهم ويحتمل أنه
ابتداء خطاب من الله سبحانه لقوم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) تحذيرا لهم عن
مخالفته النبأ الخبر والجمع الأنباء ومنه قول الشاعر ألم تأتيك والأنباء تنمى
بما لاقت لبون بني زياد
و ) قوم نوح ( بدل من الموصول أو عطف بيان ) وعاد وثمود والذين من بعدهم ( أى من
بعد هؤلاء
"""""" صفحة رقم 97
""""""
المذكورين ) لا يعلمهم إلا الله ( أى لا يحصى عددهم ويحيط بهم علما إلا الله
سبحانه والموصول مبتدأ وخبره لا يعلمهم إلا الله والجملة معترضة أو يكون الموصول
معطوفا على ما قبله ولا يعلمهم إلا الله اعتراض وعدم العلم من غير الله إما أن
يكون راجعا إلى صفاتهم وأحوالهم وأخلاقهم ومدد أعمارهم أى هذه الأمور لا يعلمها
إلا الله ولا يعلمها غيره أو يكون راجعا إلى ذواتهم أى أنه لا يعلم ذوات أولئك
الذين من بعدهم إلا الله سبحانه وجملة ) جاءتهم رسلهم بالبينات ( مستأنفة لبيان
النبأ المذكور فى ) ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم ( أى جاءتهم الرسل بالمعجزات
الظاهرة وبالشرائع الواضحة ) فردوا أيديهم في أفواههم ( أى جعلوا أيدى أنفسهم فى
أفواههم ليعضوها غيظا مما جاءت به الرسل كما فى قوله تعالى ) عضوا عليكم الأنامل
من الغيظ ( لأن الرسل جاءتهم بتسفيه أحلامهم وشتم أصنامهم وقيل إن المعنى أنهم
أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم لما جاءتهم الرسل بالبينات أى اسكتوا واتركوا هذا
الذى جئتم به تكذيبا لهم ورد لقولهم وقيل المعنى أنهن أشاروا إلى أنفسهم وما يصدر
عنها من المقالة وهى قولهم ) إنا كفرنا بما أرسلتم به ( أى لا جواب لكم سوى هذا
الذى قلناه لكم بألسنتنا هذه وقيل وضعوا أيديهم على أفواههم استهزاء وتعجبا كما
يفعله من غلبه الضحك من وضع يده على فيه وقيل المعنى ردوا على الرسل قولهم وكذبوهم
بأفواههم فالضمير الأول للرسل والثاني للكفار وقيل جعلوا أيديهم فى أفواه الرسل
ردا لقولهم فالضمير الأول على هذا للكفار والثاني للرسل وقيل معناه أومئوا إلى
الرسل أن اسكتوا وقيل أخذوا أيدى الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا
كلامهم وقيل إن الأيدى هنا النعم أى ردوا نعم الرسل بأفواههم أى بالنطق والتكذيب
والمراد بالنعم هنا ما جاءهم به من الشرائع وقال أبو عبيدة ونعم ما قال هو ضرب مثل
أى لم يؤمنوا ولم يجيبوا والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت قد رد يده فى
فيه وهكذا قال الأخفش واعترض ذلك القتيبى فقال لم يسمع أحد من العرب يقول رد يده
فى فيه إذا ترك ما أمر به وإنما المعنى عضوا على الأيدى حنقا وغيظا كقول الشاعر
يردن فى فيه غيظ الحسود
حتى يعض علي الأكفا
وهذا هو القول الذى قدمناه على جميع هذه الأقوال ومنه قول الشاعر لو أن سلمى أبصرت
تجددى
عضت من الوجد بأطراف اليد
وهو أقرب التفاسير للآية إن لم يصح عن العرب ما ذكره أبو عبيدة والأخفش فإن صح ما
ذكراه فتفسير الآية به أقرب ) وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ( أى قال الكفار
للرسل إنا كفرنا بما أرسلتم به من البينات على زعمكم ) وإنا لفي شك مما تدعوننا
إليه ( أى فى شك عظيم مما تدعوننا إليه من الإيمان بالله وحده وترك ما سواه ) مريب
( أى موجب للريب يقال أربته إذا فعلت أمرا أوجب ريبة وشكا والريب قلق النفس وعدم
سكونها وقد قيل كيف صرحوا بالكفر ثم أمرهم على الشك وأجيب بأنهم أرادوا إنا كافرون
برسالتكم وإن نزلنا عن هذا المقام فلا أقل من أنا نشك فى صحة نبوتكم ومع كمال الشك
لا مطمع فى الاعتراف بنبوتكم
إبراهيم : ( 10 ) قالت رسلهم أفي . . . . .
وجملة ) قالت رسلهم أفي الله شك ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالت لهم
الرسل والاستفهام للتقريع والتوبيخ أى أفى وحدانيته سبحانه شك وهى فى غاية الوضوح
والجلاء ثم إن الرسل ذكروا بعد إنكارهم على الكفار ما يؤكد ذلك الإنكار من الشواهد
الدالة على عدم الشك فى وجوده سبحانه ووحدانيته فقالوا ) فاطر السماوات والأرض (
أى خالقهما ومخترعهما ومبدعهما وموجدهما بعد العدم ) يدعوكم ( إلى الإيمان به
وتوحيده ) ليغفر لكم من ذنوبكم ( قال
"""""" صفحة رقم 98
""""""
أبو عبيدة من زائدة ووجه ذلك قوله فى موضع آخر ) إن الله يغفر الذنوب جميعا ( وقال
سيبويه هى للتبعيض ويجوز أن يذكر البعض ويراد منه الجميع وقيل التبعيض على حقيقته
ولا يلزم من غفران جميع الذنوب لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) غفران جميعها
لغيرهم وبهذه الآية احتج من جوز زيادة من فى الإثبات وقيل من للبدل وليست بزائدة
ولا تبعيضية أى لتكون المغفرة بدلا من الذنوب ) ويؤخركم إلى أجل مسمى ( أى إلى وقت
مسمى عنده سبحانه وهو الموت فلا يعذبكم فى الدنيا ) قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا (
أى ما أنتم إلا بشر مثلنا فى الهيئة والصورة تأكلون وتشربون كما نأكل ونشرب ولستم
ملائكة ) تريدون أن تصدونا ( وصفوهم بالبشر أولا ثم بإرادة الصد لهم عما كان يعبد
آباؤهم ثانيا أى تريدون أن تصرفونا عن معبودات آبائنا من الأصنام ونحوها ) فأتونا
( إن كنتم صادقين بأنكم مرسلون من عند الله ) بسلطان مبين ( أى بحجة ظاهرة تدل على
صحة ما تدعونه وقد جاءوهم بالسلطان المبين والحجة الظاهرة ولكن هذا النوع من
تعنتاتهم ولون من تلوناتهم
إبراهيم : ( 11 ) قالت لهم رسلهم . . . . .
) قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ( أى ما نحن فى الصورة والهيئة إلا بشر
مثلكم كما قلتم ) ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ( أى يتفضل على من يشاء منهم
بالنبوة وقيل بالتوفيق والهداية ) وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان ( أى ما صح
ولااستقام لنا أن نأتيكم بحجة من الحجج ) إلا بإذن الله ( أى إلا بمشيئته وليس ذلك
فى قدرتنا قيل المراد بالسلطان هنا هو ما يطلبه الكفار من الآيات على سبيل التعنت
وقيل أعم من ذلك فإن ما شاءه الله كان وما لم يشأه لم يكن ) وعلى الله فليتوكل
المؤمنون ( أى عليه وحده وهذا أمر منهم للمؤمنين بالتوكل على الله دون من عداه
وكأن الرسل قصدوا بهذا الأمر للمؤمنين الأمر لهم أنفسهم قصدا أوليا
إبراهيم : ( 12 ) وما لنا ألا . . . . .
ولهذا قالوا ) وما لنا ألا نتوكل على الله ( أى وأى عذر لنا فى ألا نتوكل عليه
سبحانه ) وقد هدانا سبلنا ( أى والحال أنه قد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه من
هدايتنا إلى الطريق الموصل إلى رحمته وهو ما شرعه لعباده وأوجب عليهم سلوكه )
ولنصبرن على ما آذيتمونا ( بما يقع منكم من التكذيب لنا والاقتراحات الباطلة )
وعلى الله ( وحده دون من عداه ) فليتوكل المتوكلون ( قيل المراد بالتوكل الأول
استحداثه وبهذا السعى فى بقائه وثبوته وقيل معنى الأول إن الذين يطلبون المعجزات
يجب عليهم أن يتوكلوا فى حصولها على الله سبحانه لا علينا فإن شاء سبحانه أظهرها
وإن يشاء لم يظهرها ومعنى الثاني ابداء التوكل على الله فى دفع شر الكفار وسفاهتهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع فى قوله ) وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم (
قال أخبرهم موسى عن ربه أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم من الرزق
وأظهرهم على العالم وأخرج ابن جرير عن الحسن لأزيدنكم قال من طاعتى وأخرج ابن
المبارك وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقى فى الشعب عن علي ابن صالح مثله وأخرج
ابن جرير وابن أبي حاتم عن سفيان الثورى فى الآية قال لا تذهب أنفسكم إلى الدنيا
فإنها أهون عند الله من ذلك ولكن يقول لئن شكرتم لأزيدنكم من طاعتي وأخرج أحمد
والبيهقي عن أنس قال أتى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) سائل فأمر له بتمرة فلم
يأخذها وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقبلها وقال تمرة من رسول الله فقال للجارية اذهبى
إلى أم سلمة فأعطيه الأربعين درهما التى عندها وفى إسناد أحمد عمارة بن زاذان وثقه
أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان وقال ابن معين صالح وقال أبو زرعة لا بأس به وقال
أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين وقال البخاري ربما يضطرب فى حديثه
وقال أحمد روى عنه أحاديث منكرة وقال أبو داود ليس بذلك وضعفه الدارقطنى وقال ابن
عدى لا بأس به وأخرج البخارى فى تاريخه والضياء المقدسي فى المختارة عن أنس قال
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من ألهم خمسة
"""""" صفحة رقم 99
""""""
لم يحرم خمسة وفيها ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة وأخرج الحكيم الترمذى فى نوادر
الأغر أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم أربع من أعطيهن لم
يمنع من الله أربعا وفيها ومن أعطى الشكر لم يمنع الزيادة ولا وجه لتقييد الزيادة
بالزيادة فى الطاعة بل الظاهر من الآية العموم كما يفيده جعل الزيادة جزاء للشكر
فمن شكر الله على ما رزقه وسع الله عليه فى رزقه ومن شكر الله على ما أقدره عليه
من طاعته زاده من طاعته ومن شكره على ما أنعم عليه به من الصحة زاده الله صحة ونحو
ذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه كان
يقرأ ) والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ( ويقول كذب النسابون وأخرج ابن أبي
شيبة وابن المنذر عن عمرو بن ميمون مثله وأخرج ابن الضريس عن أبي مجلز قال قال رجل
لعلي بن أبي طالب أنا أنسب الناس قال إنك لا تنسب الناس فقال بلى فقال له علي
أرأيت قوله ) وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا ( قال أنا أنسب ذلك
الكثير قال أرأيت قوله ) ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين
من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ( فسكت وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن
عروة بن الزبير قال ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء معد بن عدنان وأخرج أبو عبيد وابن
المنذر عن ابن عباس قال بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون وأخرج ابن جرير
وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) فردوا أيديهم في أفواههم ( قال لما سمعوا كتاب الله
عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواهم ) وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك
مما تدعوننا إليه مريب ( يقولون لا نصدقكم فيما جئتم به فإن عندنا فيه شكا قويا
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود فردوا أيديهم فى أفواههم قال عضوا عليها وفى
لفظ على أناملهم غيظا على رسلهم
سورة إبراهيم الآية ( 13 18 )
إبراهيم : ( 13 ) وقال الذين كفروا . . . . .
قوله ) وقال الذين كفروا ( هؤلاء القائلون هم طائفة من المتمردين عن إجابة الرسل
واللام فى ) لنخرجنكم ( هى الموطئة للقسم أى والله لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن فى
ملتنا لم يقنعوا بردهم لما جاءت به الرسل وعدم امتثالهم لما دعوهم إليه حتى
اجترءوا عليهم بهذا وخيروهم بين الخروج من أرضهم أو العود فى ملتهم الكفرية وقد
قيل إن أو فى ) أو لتعودن ( بمعنى حتى أو يعنى إلا أن تعودوا كما قاله بعض
المفسرين ورد بأنه لا حاجة إلى ذلك بل أو على بابها للتخيير بين أحد الأمرين وقد
تقدم تفسير الآية فى سورة الأعراف قيل والعود هنا بمعنى الصيرورة لعصمة الأنبياء
عن أن يكونوا على ملة الكفر قبل النبوة وبعدها وقيل إن الخطاب للرسل ولمن
"""""" صفحة رقم 100
""""""
آمن بهم فغلب الرسل على أتباعهم ) فأوحى إليهم ربهم ( أى إلى الرسل ) لنهلكن
الظالمين ( أى قال لهم لنهلكن الظالمين
إبراهيم : ( 14 ) ولنسكننكم الأرض من . . . . .
) ولنسكننكم الأرض ( أى أرض هؤلاء الكفار الذين توعدوكم بما توعدوا من الإخراج أو
العود ومثل هذه الآية قوله سبحانه ) وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق
الأرض ومغاربها ( وقال ) وأورثكم أرضهم وديارهم ( وقرئ ليهلكن وليسكننكم بالتحتية
فى الفعلين اعتبارا بقوله فأوحى والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من إهلاك
الظالمين وإسكان المؤمنين فى مساكنهم ) لمن خاف مقامي ( أى موقفي وذلك يوم الحساب
فإنه موقف الله سبحانه والمقام بفتح الميم مكان الإقامة وبالضم فعل الإقامة وقيل
إن المقام هنا مصدر بمعنى القيام أى لمن خاف قيامى عليه ومراقبتى له كقوله تعالى )
أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ( وقال الأخفش ذلك لمن خاف مقامى أى عذابى )
وخاف وعيد ( أى خاف وعيدى بالعذاب وقيل بالقرآن وزواجره وقيل هو نفس العذاب
والوعيد الإسم من الوعد
إبراهيم : ( 15 ) واستفتحوا وخاب كل . . . . .
) واستفتحوا ( معطوف على أوحى والمعنى أنهم استنصروا بالله على أعدائهم أو سألوا
الله القضاء بينهم من الفتاحة وهى الحكومة ومن المعنى الأول قوله ) إن تستفتحوا
فقد جاءكم الفتح ( أى إن تستنصروا فقد جاءكم النصر ومن المعنى الثاني قوله ) ربنا
افتح بيننا وبين قومنا بالحق ( أى احكم والضمير فى استفتحوا للرسل وقيل للكفار
وقيل للفريقين ) وخاب كل جبار عنيد ( الجبار المتكبر الذى لا يرى لأحد عليه حقا
هكذا حكاه النحاس عن أهل اللغة والعنيد المعاند للحق والمجانب له وهو مأخوذ من
العند وهو الناحية أى أخذ فى ناحية معرضا قال الشاعر إذا نزلت فاجعلونى وسطا
إنى كبير لا أطيق العندا
قال الزجاج العنيد الذى يعدل عن القصد وبمثله قال الهروى وقال أبو عبيد هو الذى
عند وبغى وقال بن كيسان هو الشامخ بأنفه وقيل المراد به العاصى وقيل الذى أبى أن يقول
لا إله إلا الله ومعنى الآية أنه خسر وهلك من كان متصفا بهذه الصفة
إبراهيم : ( 16 ) من ورائه جهنم . . . . .
) من ورائه جهنم ( أى من بعده جهنم والمراد بعد هلاكه على أن وراء ها هنا بمعنى
بعد ومنه قول النابغة حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وليس وراء الله للمرء مذهب
أى ليس بعد الله ومثله قوله ) ومن ورائه عذاب غليظ ( أى من بعده كذا قال الفراء
وقيل من ورائه أى من أمامه قال أبو عبيد هو من أسماء الأضداد لأن أحدهما ينقلب إلى
الآخر ومنه قول الشاعر ومن ورائك يوم أنت بالغه
لا حاضر معجز عنه ولا بادى
وقال آخر أترجو بنو مروان سمعى وطاعتى
وقومى تميم والفلاة ورائيا
أى أمامي ومنه قوله تعالى ) وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ( أى أمامهم وبقول
أبي عبيدة هذا قال قطرب وقال الأخفش هو كما يقال هذا الأمر من ورائك أى سوف يأتيك
وأنا من وراء فلان إى فى طلبه وقال النحاس من ورائه أى من أمامه وليس من الأضداد
ولكنه من توارى أى استتر فصارت جهنم من ورائه لأنها لاترى وحكى مثله ابن الأنباري
) ويسقى من ماء صديد ( معطوف على مقدر جوابا عن سؤال سائل كأنه قيل فماذا يكون إذن
قيل يلقي فيها ويسقى والصديد ما يسيل من جلود أهل النار واشتقاقه من الصد لأنه يصد
الناظرين عن رؤيته وهو دم مختلط بقيح والصديد صفة لماء وقيل عطف بيان منه
إبراهيم : ( 17 ) يتجرعه ولا يكاد . . . . .
ويتجرعه في محل جر على أنه صفة لماء أو في محل نصب على أنه حال وقيل هو استئناف
مبني على سؤال والتجرع التحسي أى يتحساه مرة بعد مرة لا مرة واحدة لمرارته وحرارته
) ولا يكاد يسيغه ( أي
"""""" صفحة رقم 101
""""""
يبتلعه يقال ساغ الشراب فى الحلق يسوغ سوغا إذا كان سهلا والمعنى ولا يقارب إساغته
فكيف تكون الإساغة بل يغص به فيطول عذابه بالعطش تارة ويشربه على هذه الحال أخرى
وقيل إنه يسيغه بعد شدة وإبطاء كقوله ) وما كادوا يفعلون ( أي يفعلون بعد إبطاء
كما يدل عليه قوله تعالى فى آية أخرى يصهر به ما فى بطونهم ) ويأتيه الموت من كل
مكان ( أى تأتيه أسباب الموت من كل جهة من الجهات أو من كل موضع من مواضع بدنه
وقال الأخفش المراد بالموت هنا البلايا التى تصيب الكافر فى النار سماها موتا
لشدتها ) وما هو بميت ( أى والحال أنه لم يمت حقيقة فيستريح وقيل تعلق نفسه فى
حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فيحيا ومثله قوله تعالى
) لا يموت فيها ولا يحيى ( وقيل معنى وما هو بميت لتطاول شدائد الموت به وامتداد سكراته
عليه والأولى تفسير الآية بعدم الموت حقيقة لما ذكرنا من قوله سبحانه ) لا يموت
فيها ولا يحيى ( وقوله ) لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ( ) ومن
ورائه عذاب غليظ ( أى من أمامه أو من بعده عذاب شديد وقيل هو الخلود وقيل حبس
النفس
إبراهيم : ( 18 ) مثل الذين كفروا . . . . .
) مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد ( قال سيبويه مثل مرتفع على الابتداء
والخبر مقدر أى فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا وبه قال الزجاج وقال الفراء
التقدير مثل أعمال الذين كفروا فحذف المضاف وروى عنه أنه قال بإلغاء مثل والتقدير
الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد وقيل هو أعنى مثل مبتدأ وخبره أعمالهم كرماد على
أن معناه الصفة فكأنه قال صفتهم العجيبة أعمالهم كرماد والمعنى أن أعمالهم باطلة
غير مقبولة والرماد ما يبقى بعد احتراق الشئ ضرب الله سبحانه هذه الآية مثلا
لأعمال الكفار فى أنه يمحقها كما تمحق الريح الشديدة الرماد في يوم عاصف ومعنى
اشتدت به الريح حملته بشدة وسرعة والعصف شدة الريح وصف به زمانها مبالغة كما يقال
يوم حار ويوم بارد والبرد والحر فيهما لا منهما ) لا يقدرون مما كسبوا على شيء (
أى لا يقدر الكفار مما كسبوا من تلك الأعمال الباطلة على شئ منها ولا يرون له أثرا
فى الآخرة يجازون به ويثابون عليه بل جميع ما عملوه فى الدنيا باطل ذاهب كذهاب
الريح بالرماد عند شدة هبوبها والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما دل عليه التمثيل أى
هذا البطلان لأعمالهم وذهاب أثرها ) هو الضلال البعيد ( عن طريق الحق المخالف
لمنهج الصواب لما كان هذا خسرانا لا يمكن تداركه سماه بعيدا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) لنخرجنكم من
أرضنا ( الآية قال كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم ويقهرونهم ويكذبونهم
ويدعونهم إلى أن يعودوا فى ملتهم فأبى الله لرسوله والمؤمنين أن يعودوا فى ملة
الكفر وأمرهم أن يتوكلوا على الله وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة ووعدهم أن
يسكنهم الأرض من بعدهم فأنجز لهم ما وعدهم واستفتحوا كما أمرهم الله أن يستفتحوا
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى الآية قال
وعدهم النصر فى الدنيا والجنة فى الآخرة فبين الله من يسكنها من عباده فقال ) ولمن
خاف مقام ربه جنتان ( وإن لله مقاما هو قائمه وإن أهل الإيمان خافوا ذلك المقام
فنصبوا ودأبوا الليل والنهار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد
فى قوله ) واستفتحوا ( قال للرسل كلها يقول استنصروا وفى قوله ) وخاب كل جبار عنيد
( قال معاند للحق مجانب له وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
عن قتادة فى الآية قال استنصرت الرسل على قومها ) وخاب كل جبار عنيد ( يقول عنيد عن
الحق معرض عنه أبى أن يقول لا إله إلا الله وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال
العنيد الناكب عن الحق وأخرج أحمد والترمذى والنسائي وابن أبي الدنيا وأبو يعلى
وابن جرير وابن
"""""" صفحة رقم 102
""""""
المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم فى الحلية وصححه وابن مردويه والبيهقى
عن أبي أمامة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) ويسقى من ماء صديد يتجرعه
( قال يقرب إليه فيتكرهه فإذا دنا منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع
أمعاءه حتى تخرج من دبره يقول الله تعالى ) وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ( وقال )
وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ( وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس فى
قوله ) من ماء صديد ( قال يسيل من جلد الكافر ولحمه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي
حاتم عن عكرمة قال ) من ماء صديد ( هو القيح والدم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس
فى قوله ) ويأتيه الموت من كل مكان ( قال أنواع العذاب وليس منها نوع إلا الموت
يأتيه منه لو كان يموت ولكنه لا يموت لأن الله يقول ) لا يقضى عليهم فيموتوا (
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران ) ويأتيه الموت من كل مكان (
قال من كل عظم وعرق وعصب وأخرج أبو الشيخ فى العظمة عن محمد بن كعب نحوه وأخرج ابن
أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي قال من موضع كل
شعرة فى جسده ) ومن ورائه عذاب غليظ ( قال الخلود وأخرج ابن المنذر عن الفضيل بن
عياض ) ومن ورائه عذاب غليظ ( قال حبس الأنفاس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن
ابن عباس فى قوله ) مثل الذين كفروا بربهم ( الآية قال مثل الذين عبدوا غيره
فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدت به الريح فى يوم عاصف لا يقدرون على شيء من
أعمالهم ينفعهم كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل فى يوم عاصف
سورة إبراهيم الآية ( 19 23 )
إبراهيم : ( 19 ) ألم تر أن . . . . .
قوله ) ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق ( الرؤية هنا هى القلبية والخطاب
لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تعريضا لأمته أو الخطاب لكل من يصلح له وقرأ
حمزة والكسائي ? خالق السموات ? ومعنى بالحق بالوجه الصحيح الذى يحق أن يخلقها
عليه ليستدل بها على كمال قدرته ثم بين كمال قدرته سبحانه واستغناءه عن كل واحد من
خلقه فقال ) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ( فيعدم الموجودين ويوجد المعدومين
"""""" صفحة رقم 103
""""""
ويهلك العصاة ويأتى بمن يطيعه من خلقه والمقام يحتمل أن يكون هذا الخلق الجديد من
نوع الإنسان ويحتمل أن يكون من نوع آخر
إبراهيم : ( 20 ) وما ذلك على . . . . .
) وما ذلك على الله بعزيز ( أى بممتنع لأنه سبحانه قادر على كل شيء وفيه أن الله
تعالى هو الحقيق بأن يرجى ثوابه ويخاف عقابه
إبراهيم : ( 21 ) وبرزوا لله جميعا . . . . .
فلذلك أتبعه بذكر أحوال الآخرة فقال ) وبرزوا لله جميعا ( أى برزوا من قبورهم يوم
القيامة والبروز الظهور والبراز المكان الواسع لظهوره ومنه امرأة برزة أى تظهر
للرجال فمعنى برزوا ظهروا من قبورهم وعبر بالماضى عن المستقبل تنبيها على تحقيق
وقوعه كما هو مقرر فى علم المعاني وإنما قال وبرزوا لله مع كونه سبحانه عالما بهم
لا تخفى عليه خافية من أحوالهم برزوا أو لم يبرزوا لأنهم كانوا يستترون عن العيون
عند فعلهم للمعاصى ويظنون أن ذلك يخفى على الله تعالى فالكلام خارج على ما
يعتقدونه ) فقال الضعفاء للذين استكبروا ( أى قال الأتباع الضعفاء للرؤساء
الأقوياء المتكبرين لما هم فيه من الرياسة ) إنا كنا لكم تبعا ( أى فى الدنيا
فكذبنا الرسل وكفرنا بالله متابعة لكم والتبع جمع تابع أو مصدر وصف به للمبالغة أو
على تقدير ذوى تبع قال الزجاج جمعهم فى حشرهم فاجتمع التابع والمتبوع فقال الضعفاء
للذين استكبروا من أكابرهم عن عبادة الله إنا كنا لكم تبعا جمع تابع مثل خادم وخدم
وحارس وحرس وراصد ورصد ) فهل أنتم مغنون عنا ( أى دافعون عنا من عذاب الله من شئ
من الأولى للبيان والثانية للتبعيض أى بعض الشئ الذى هو عذاب الله يقال أغنى عنه
إذا دفع عنه الأذى وأغناه إذا أوصل إليه النفع ) قالوا لو هدانا الله لهديناكم (
أى قال المستكبرون مجيبين عن قول المستضعفين والجملة مستأنفة بتقدير سؤال كأنه قيل
كيف أجابوا أى لو هدانا الله إلى الإيمان لهديناكم إليه وقيل لو هدانا الله إلى
طريق الجنة لهديناكم إليها وقيل لونجانا الله من العذاب لنجيناكم منه ) سواء علينا
أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ( أى مستو علينا الجزع والصبر والهمزة وأم لتأكيد
التسوية كما فى قوله ) سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ( ) ما لنا من محيص ( أى
من منجا ومهرب من العذاب يقال حاص فلان من كذا أى فر وزاغ يحيص حيصا وحيوصا
وحيصانا والمعنى ما لنا وجه نتباعد به عن النار ويجوز أن يكون هذا من كلام
الفريقين وإن كان الظاهر أنه من كلام المستكبرين
إبراهيم : ( 22 ) وقال الشيطان لما . . . . .
) وقال الشيطان لما قضي الأمر ( أى قال للفريقين هذه المقالة ومعنى لما قضى الأمر
لما دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار على ما يأتى بيانه فى سورة مريم ) إن
الله وعدكم وعد الحق ( وهو وعده سبحانه بالبعث والحساب ومجازاة المحسن بإحسانه
والمسئ بإساءته ) ووعدتكم فأخلفتكم ( أى وعدتكم وعدا باطلا بأنه لا بعث ولا حساب
ولا جنة ولا نار فأخلفتكم ما وعدتكم به من ذلك قال الفراء وعد الحق هو من إضافة
الشيء إلى نفسه كقولهم مسجد الجامع وقال البصريون وعدكم وعد اليوم الحق ) وما كان
لي عليكم من سلطان ( أى تسلط عليكم بإظهار حجة على ما وعدتكم به وزينته لكم ) إلا
أن دعوتكم فاستجبتم لي ( أى إلا مجرد دعائي لكم إلى الغواية والضلال بلا حجة ولا
برهان ودعوته إياهم ليست من جنس السلطان حتى تستثنى منه بل الاستثناء منقطع أى لكن
دعوتكم فاستجبتم لى أى فسارعتم إلى إجابتى وقيل المراد بالسلطان هنا القهر أى ما
كان لى عليكم من قهر يضطركم إلى إجابتى وقيل هذا الاستثناء هو من باب تحية بينهم
ضرب وجيع مبالغة فى نفيه للسلطان عن نفسه كأنه قال إنما يكون لى عليكم سلطان إذا
كان مجرد الدعاء من السلطان وليس منه قطعا ) فلا تلوموني ( بما وقعتم فيه بسبب
وعدى لكم بالباطل وإخلافى لهذا الموعد ) ولوموا أنفسكم ( باستجابتكم لى بمجرد
الدعوة التى لا سلطان عليها ولا حجة فإن من قبل المواعيد الباطلة والدعاوى الزائغة
عن طريق الحق فعلى نفسه جنى ولمارنه قطع ولا سيما ودعوتى هذه الباطلة وموعدى
الفاسد وقعا معارضين لوعد الله لكم وعد الحق ودعوته لكم إلى الدار السلام مع قيام
الحجة
"""""" صفحة رقم 104
""""""
التى لا تخفى على عاقل ولا تلتبس إلا على مخذول وقريب من هذا من يقتدى بآراء
الرجال المخالفة لما فى كتاب الله سبحانه ولما فى سنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم
) ويؤثرها على ما فيهما فإنه قد استجاب للباطل الذى لم تقم عليه حجة ولا دل عليه
برهان وترك الحجة والبرهان خلف ظهره كما يفعله كثير من المقتدين بالرجال المتنكبين
طريق الحق بسوء اختيارهم اللهم غفرا ) ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ( يقال صرخ
فلان إذا استغاث يصرخ صراخا وصرخا واستصرخ بمعنى صرخ والمصرخ المغيث والمستصرخ
المستغيث يقال استصرخنى فأصرخته والصريخ صوت المستصرخ والصريخ أيضا الصارخ وهو
المغيث والمستغيث وهو من أسماء الأضداد كما فى الصحاح قال ابن الأعرابى الصارخ
المستغيث والمصرخ المغيث ومعنى الآية ما أنا بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب وما
أنتم بمغيثى مما أنا فيه وفيه إرشاد لهم إلى أن الشيطان فى تلك الحالة مبتلى بما
ابتلوا به من العذاب محتاج إلى من يغيثه ويخلصه مما هو فيه فكيف يطمعون فى إغاثة
من هو محتاج إلى من يغيثه ومما ورد مورد هذه الأقوال من قول العرب قول أمية بن أبى
الصلت فلا تجزعوا إنى لكم غير مصرخ
وليس لكم عندى غناء ولا نفر
? ومصرخى ? بفتح الياء فى قراءة الجمهور وقرأ الأعمش وحمزة بكسر الياء على أصل
التقاء الساكنين قال الفراء قراءة حمزة وهم منه وقل من سلم عن خطأ وقال الزجاج هى
قراءة رديئة ولا وجه لها إلا وجه ضعيف يعنى ما ذكرناه من أنه كسرها على الأصل فى
التقاء الساكنين وقال قطرب هذه لغة بني يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياء وأنشد
الفراء فيما ورد على هذه القراءة قول الشاعر قلت لها يا تاء هل لك فى
قالت له ما أنت بالمرضى
) إني كفرت بما أشركتمون من قبل ( لما كشف لهم القناع بأنه لا يغنى عنهم من عذاب
الله شيئا ولا ينصرهم بنوع من أنواع النصر صرح لهم بأنه كافر بإشراكهم له مع الله
فى الربوبية من قبل هذا الوقت الذى قال لهم الشيطان فيه هذه المقالة وهو ما كان
منهم فى الدنيا من جعله شريكا ولقد قام لهم الشيطان فى هذا اليوم مقاما يقصم
ظهورهم ويقطع قلوبهم فأوضح لهم أولا أن مواعيده التى كان يعدهم بها فى الدنيا
باطلة معارضة لوعد الحق من الله سبحانه وأنه أخلفهم ما وعدهم من تلك المواعيد ولم
يف لهم بشيء منها ثم أوضح لهم ثانيا بأنهم قبلوا قوله بما لا يوجب القبول ولا ينفق
على عقل عاقل لعدم الحجة التى لا بد للعاقل منها فى قبول قول غيره ثم أوضح ثالثا
بأنه لم يكن منه إلا مجرد الدعوة العاطلة عن البرهان الخالية عن أيسر شيء مما
يتمسك به العقلاء ثم نعى عليهم رابعا ما وقعوا فيه ودفع لومهم له وأمرهم بأن
يلوموا أنفسهم لأنهم هم الذين قبلوا الباطل البحت الذى لا يلتبس بطلانه على من له
أدنى عقل ثم أوضح لهم خامسا بأنه لا نصر عنده ولا إغاثة ولا يستطيع لهم نفعا ولا
يدفع عنهم ضرا بل هو مثلهم فى الوقوع فى البلية والعجز عن الخلوص عن هذه المحنة ثم
صرح لهم سادسا بأنه قد كفر بما اعتقدوه فيه وأثبتوه له فتضاعفت عليهم الحسرات
وتوالت عليهم المصائب وإذا كان جملة ) إن الظالمين لهم عذاب أليم ( من تتمة كلامه
كما ذهب إليه البعض فهو نوع سابع من كلامه الذى خاطبهم به فأثبت لهم الظلم ثم ذكر
ما هو جزاؤهم عليه من العذاب الأليم لا على قول من قال إنه ابتداء كلام من جهة
الله سبحانه وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن ما مصدرية فى ) بما أشركتمون ( وقيل
يجوز أن تكون موصولة على معنى إنى كفرت بالذى أشركتمونيه وهو الله عز وجل ويكون
هذه حكاية لكفره بالله عند أن أمره بالسجود لآدم
إبراهيم : ( 23 ) وأدخل الذين آمنوا . . . . .
) وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ( لما أخبر
سبحانه بحال أهل النار أخبر بحال أهل الجنة وقرأ الجمهور
"""""" صفحة رقم 105
""""""
) ادخل ( على البناء للمفعول وقرأ الحسن ) وأدخل ( على الاستقبال والبناء للفاعل
أى وأنا أدخل الذين آمنوا ثم ذكر سبحانه خلودهم فى الجنات وعدم انقطاع نعيمهم ثم
ذكر أن ذلك بإذن ربهم أى بتوفيقه ولطفه وهدايته هذا على قراءة الجمهور وأما على
قراءة الحسن فيكون ) بإذن ربهم ( متعلقا بقوله ) تحيتهم فيها سلام ( أى تحية
الملائكة فى الجنة سلام بإذن ربهم وقد تقدم تفسير هذا فى سورة يونس
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) ويأت بخلق جديد ( قال بخلق
آخر وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) فقال الضعفاء ( قال الأتباع
) للذين استكبروا ( قال للقادة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم فى قوله ) سواء
علينا أجزعنا أم صبرنا ( قال زيد بن أسلم جزعوا مائة سنة وصبروا مائة سنة وأخرج
ابن أبي حاتم والطبرانى وابن مردويه عن كعب بن مالك يرفعه إلى النبي ( صلى الله
عليه وسلم ) فى قوله ) سواء علينا ( الآية قال يقول أهل النار هلموا فلنصبر
فيصبرون خمسمائة عام فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا هلموا فلنجزع فبكوا خمسمائة
عام فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص
والظاهر أن هذه المراجعة كانت بينهم بعد دخولهم النار كما فى قوله تعالى ) وإذ
يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون
عنا نصيبا من النار ( قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد
وأخرج ابن المبارك فى الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبرانى وابن مردويه وابن
عساكر عن عقبة بن عامر يرفعه وذكر فيه حديث الشفاعة ثم قال ويقول الكافر عند ذلك
قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ما هو إلا إبليس فهو الذى أضلنا فيأتون
إبليس فيقولون قد وجد المؤمنون من يشفع لهم قم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا
فيقوم إبليس فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط ثم يعظهم بجهنم ويقول عند ذلك
) إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم ( الآية وضعف السيوطى إسناده ولعل سبب
ذلك كون فى إسناده رشدين بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن دجين الحجزى عن
عقبة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال إذا كان يوم القيامة
قام إبليس خطيبا على منبر من نار فقال ) إن الله وعدكم ( إلى قوله ) وما أنتم
بمصرخي ( قال بناصرى ) إني كفرت بما أشركتمون من قبل ( بطاعتكم إياى فى الدنيا
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الشعبى فى هذه الآية قال خطيبان يقومان يوم القيامة
إبليس وعيسى فأما إبليس فيقوم فى حزبه فيقول هذا القول يعنى المذكور فى الآية وأما
عيسى فيقول ) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم
شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد (
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ( قال
ما أنا بنافعكم وما أنتم بنافعى ) إني كفرت بما أشركتمون من قبل ( قال شركه عبادته
وأخرح عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة ) ما أنا بمصرخكم ( قال ما أنا بمغيثكم
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) تحيتهم فيها سلام ( قال
الملائكة يسلمون عليهم فى الجنة
سورة إبراهيم الآية ( 24 25 )
"""""" صفحة رقم 106
""""""
سورة إبراهيم الآية ( 26 27 )
إبراهيم : ( 24 ) ألم تر كيف . . . . .
لما ذكر سبحانه مثل أعمال الكفار وأنها كرماد اشتدت به الريح ثم ذكر نعيم المؤمنين
وما جازاهم الله به من إدخالهم الجنة خالدين فها وتحية الملائكة لهم ذكر تعالى ها
هنا مثلا للكلمة الطيبة وهى كلمة الإسلام أى لا إله إلا الله أو ما هو أعم من ذلك
من كلمات الخير وذكر مثلا للكلمة الخبيثة وهى كلمة الشرك أو ما هو أعم من ذلك من
كلمات الشر فقال مخاطبا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو مخاطبا لمن يصلح
للخطاب ) ألم تر كيف ضرب الله مثلا ( أى اختار مثلا وضعه فى موضعه اللائق به
وانتصاب مثلا على أنه مفعول ضرب وكلمة بدل منه ويجوز أن تنتصب الكلمة على أنها عطف
بيان لمثلا ويجوز أن تنتصب الكلمة بفعل مقدر أى جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة وحكم
بأنها مثلها ومحل كشجرة النصب على أنها صفة لكلمة أو الرفع على تقدير مبتدأ أى هى
كشجرة ويجوز أن تكون كلمة أول مفعولى ضرب وأخرت عن المفعول الثاني وهو مثلا لئلا
تبعد عن صفتها والأول أولى وكلمة وما بعدها تفسير للمثل ثم وصف الشجرة بقوله )
أصلها ثابت ( أى راسخ آمن من الانقلاع بسبب تمكنها من الأرض بعروقها ) وفرعها في
السماء ( أى أعلاها ذاهب إلى جهة السماء مرتفع فى الهواء
إبراهيم : ( 25 ) تؤتي أكلها كل . . . . .
ثم وصفها سبحانه بأنه ) تؤتي أكلها كل حين ( كل وقت بإذن ربها بإرادته ومشيئته قيل
وهى النخلة وقيل غيرها قيل والمراد بكونها ) تؤتي أكلها كل حين ( أى كل ساعة من
الساعات من ليل أو نهار فى جميع الأوقات من غير فرق بين شتاء وصيف وقيل المراد فى
أوقات مختلفة من غير تعيين وقيل كل غدوة وعشية وقيل كل شهر وقيل كل ستة أشهر قال
النحاس وهذه الأقوال متقاربة غير متناقضة لأن الخبر عند جميع أهل اللغة إلا من شذ
منهم بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره وأنشد الأصمعى قول النابغة تطلقه حينا
وحينا تراجع
قال النحاس وهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت وقد ورد الحين فى بعض المواضع يراد
به أكثر كقوله ) هل أتى على الإنسان حين من الدهر ( وقد تقدم بيان أقوال العلماء
فى الحين فى سورة البقرة فى قوله ) ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ( وقال
الزجاج الحين الوقت طال أم قصر ) ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون (
يتفكرون أحوال المبدإ والمعاد وبدائع صنعه سبحانه الدالة على وجوده ووحدانيته وفى
ضرب الأمثال زيادة تذكير وتفهيم وتصوير للمعانى
إبراهيم : ( 26 ) ومثل كلمة خبيثة . . . . .
) ومثل كلمة خبيثة ( قد تقدم تفسيرها وقيل هى الكافر نفسه والكلمة الطيبة المؤمن
نفسه ) كشجرة خبيثة ( أى كمثل شجرة خبيثة قيل هى شجرة الحنظل وقيل هى شجرة الثوم
وقيل الكمأة وقيل الطحلبة وقيل هى الكشوث بالضم وآخره مثلثة وهى شجرة لا ورق لها
ولا عروق فى الأرض قال الشاعر
وهى كشوث فلا أصل ولا ثمر
وقرئ ? ومثلا كلمة ? بالنصب عطفا على كلمة طيبة ) اجتثت من فوق الأرض ( أى استؤصلت
واقتلعت من أصلها ومنه قول الشاعر
هو الجلاء الذى يجتث أصلكم
قال المؤرخ أخذت جثتها وهى نفسها والجثة شخص الإنسان يقال جثة قلعه واجتثه اقتلعه
ومعنى من فوق الأرض أنه ليس لها أصل راسخ وعروق متمكنة من الأرض ) ما لها من قرار
( أى من استقرار على الأرض وقيل من ثبات على الأرض كما أن الكافر وكلمته لا حجة له
ولا ثبات فيه ولا خير يأتى منه أصلا ولا يصعد له قول طيب ولا عمل طيب
إبراهيم : ( 27 ) يثبت الله الذين . . . . .
) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ( أى بالحجة الواضحة وهى الكلمة الطيبة
المتقدم ذكرها وقد ثبت فى الصحيح
"""""" صفحة رقم 107
""""""
أنها كلمة الشهادة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وذلك إذا قعد
المؤمن فى قبره قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فذلك قوله تعالى ) يثبت الله
الذين آمنوا بالقول الثابت ( وقيل معنى تثبيت الله لهم هو أن يدوموا على القول
الثابت ومنه قول عبد الله بن رواحة يثبت الله ما آتاك من حسن
تثبيت موسى ونصرا كالذى نصروا
ومعنى ) في الحياة الدنيا ( أنهم يستمرون على القول الثابت فى الحياة الدنيا قال
جماعة المراد بالحياة الدنيا فى هذه الآية القبر لأن الموتى فى الدنيا حتى يبعثوا
ومعنى ) وفي الآخرة ( وقت الحساب وقيل المراد بالحياة الدنيا وقت المساءلة فى
القبر وفى الآخرة وقت المساءلة يوم القيامة والمراد أنهم إذا سئلوا عن معتقدهم
ودينهم أوضحوا ذلك بالقول الثابت من دون تلعثم ولا تردد ولا جهل كما يقول من لم
يوفق لا أدرى فيقال له لا دريت ولا تليت ) ويضل الله الظالمين ( أى يضلهم عن حجتهم
التى هى القول الثابت فلا يقدرون على التكلم بها فى قبورهم ولا عند الحساب كما
أضلهم عن اتباع الحق فى الدنيا قيل والمراد بالظالمين هم الكفرة وقيل كل من ظلم
نفسه ولو بمجرد الإعراض عن البينات الواضحة فإنه لا يثبت فى مواقف الفتن ولا يهتدى
إلى الحق ثم ذكر سبحانه أنه يفعل ما يشاء من التثبيت والخذلان لا راد لحكمه ولا
يسأل عما يفعل قال الفراء أى لا تنكر له قدرة ولا يسأل عما يفعل والإظهار فى محل الإضمار
فى الموضعين لتربية المهابة كما قيل والله أعلم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى عن ابن عباس فى قوله ) ألم
تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة ( قال شهادة أن لا إله إلا الله ) كشجرة طيبة (
وهو المؤمن ) أصلها ثابت ( يقول لا إله إلا الله ثابت فى قلب المؤمن ) وفرعها في
السماء ( يقول يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء ) ومثل كلمة خبيثة ( وهى الشرك )
كشجرة خبيثة ( يعنى الكافر ) اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ( يقول الشرك ليس
له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان ولا يقبل الله مع الشرك عملا وقد روى نحو هذا عن
جماعة من التابعين ومن بعدهم وأخرج الترمذى والنسائى والبزار وأبو يعلى وابن جرير
وابن أبى حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس قال أتى رسول الله صلى
الله وآله وسلم بقناع من بسر فقال ) مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ( حتى بلغ ) تؤتي
أكلها كل حين بإذن ربها ( قال هى النخلة ) ومثل كلمة خبيثة ( حتى بلغ ) ما لها من
قرار ( قال هى الحنظلة وروى موقوفا على أنس قال الترمذى الموقوف أصح وأخرج أحمد
وابن مردويه قال السيوطى بسند جيد عن عمر عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله
) كشجرة طيبة ( قال هى التى لا ينقص ورقها قال هى النخلة وأخرج البخارى وغيره من
حديث ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوما لأصحابه إن شجرة من
الشجر لا يطرح ورقها مثل المؤمن قال فوقع الناس فى شجرة البوادى ووقع فى قلبى أنها
النخلة فاستحييت حتى قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هى النخلة وفى لفظ
للبخارى قال أخبرونى عن شجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها و لا تؤتى أكلها كل حين
فذكر نحوه وفى لفظ لابن جرير وابن مردويه من حديث ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى
الله عليه وسلم ) هل تدرون ما الشجرة الطيبة ثم قال هى النخلة وروى نحو ذلك عن
جماعة من الصحابة والتابعين وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) تؤتي أكلها
كل حين بإذن ربها ( قال كل ساعة بالليل والنهار والشتاء والصيف وذلك مثل المؤمن
يطيع ربه بالليل والنهار والشتاء والصيف وأخرج ابن أبي حاتم عنه فى الآية قال يكون
أخضر ثم يكون أصفر وأخرج عنه أيضا فى قوله ) كل حين ( قال جذاذ النخل وأخرج
الفريابى وابن جرير وابن المنذر وابن
"""""" صفحة رقم 108
""""""
أبى حاتم عنه أيضا ) تؤتي أكلها كل حين ( قال تطعم فى كل ستة أشهر وأخرج أبو عبيد
وابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عنه أيضا قال الحين هنا سنة وأخرج البيهقى
عنه أيضا قال الحين قد يكون غدوة وعشية وقد روى عن جماعة من السلف فى هذا أقوال
كثيرة وأخرج البخارى ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن البراء بن عازب أن رسول الله (
صلى الله عليه وسلم ) قال المسلم إذا سئل فى القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله فذلك قوله سبحانه ) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في
الحياة الدنيا وفي الآخرة ( وأخرج ابن أبى شيبة والبيهقى عن البراء بن عازب فى
قوله ) يثبت الله الذين آمنوا ( الآية قال التثبيت فى الحياة الدنيا إذا جاء الملكان
إلى الرجل فى القبر فقالا من ربك فقال ربى الله قال وما دينك قال دينى الإسلام قال
ومن نبيك قال نبيى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فذلك التثبيت فى الحياة الدنيا
وأخرج البيهقى عن ابن عباس نحوه وأخرج الطبرانى فى الأوسط وابن مردويه عن أبى سعيد
فى الآية قال فى الآخرة القبر وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت قال النبى ( صلى
الله عليه وسلم ) فى قوله تعالى ) يثبت الله الذين آمنوا ( الآية قال هذا فى القبر
وأخرج البيهقى من حديثها نحوه وأخرج البزار عنها أيضا قالت قلت يا رسول الله تبتلى
هذه الأمة فى قبورها فكيف بى وأنا امرأة ضعيفة قال ) يثبت الله الذين آمنوا (
الآية وقد وردت أحاديث كثيرة فى سؤال الملائكة للميت فى قبره وفى جوابه عليهم وفى
عذاب القبر وفتنته وليس هذا موضع بسطها وهى معروفة
سورة إبراهيم الآية ( 28 34 )
إبراهيم : ( 28 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر ( هذا خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له
وهو تعجيب من حال الكفار حتى جعلوا بدل نعمة الله عليهم الكفر أى بدل شكرها الكفر
بها وذلك بتكذيبهم محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) حين بعثه الله منهم وأنعم عليهم
به وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أنهم كفار مكة وأن الآية نزلت فيهم وقيل نزلت فى
الذين قاتلوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر وقيل نزلت فى بطنين من
بطون قريش بنى مخزوم وبنى أمية وقيل نزلت فى متنصرة العرب وهم جبلة بن الأيهم
وأصحابه وفيه نظر فإن جبلة وأصحابه لم يسلموا إلا فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله
عنه وقيل إنها عامة فى جميع المشركين وقيل
"""""" صفحة رقم 109
""""""
المراد بتبديل نعمة الله كفرا أنهم لما كفروها سلبهم الله ذلك فصاروا متبدلين بها
الكفر ) وأحلوا قومهم دار البوار ( أى أنزلوا قومهم بسبب ما زينوه لهم من الكفر
دار البوار وهي جهنم والبوار الهلاك وقيل هم قادة قريش أحلوا قومهم يوم بدر دار
البوار أى الهلاك وهو القتل الذى أصيبوا به ومنه قول الشاعر فلم أر مثلهم أبطال
حرب
غداة الحرب إذ خيف البوار
إبراهيم : ( 29 ) جهنم يصلونها وبئس . . . . .
والأول أولى لقوله ) جهنم ( فإنه عطف بيان لدار البوار و ) يصلونها ( فى محل نصب
على الحال أو هو مستأنف لبيان كيفية حلولهم فيها ) وبئس القرار ( أى بئس القرار
قرارهم فيها أو بئس المقر جهنم فالمخصوص بالذم محذوف
إبراهيم : ( 30 ) وجعلوا لله أندادا . . . . .
) وجعلوا لله أندادا ( معطوف على وأحلوا أى جعلوا لله شركاء فى الربوبية أو فى
التسمية وهى الأصنام قرأ ابن كثير وأبو عمرو ) ليضلوا ( بفتح الياء أى ليضلوا
أنفسهم عن سبيل الله وتكون اللام للعاقبة أى ليتعقب جهلهم لله أندادا ضلالهم لأن
العاقل لا يريد ضلال نفسه وحسن استعمال لام العاقبة هنا لأنها تشبه الغرض والغاية من
جهة حصولها فى آخر المراتب والمشابهة أحد الأمور المصححة للمجاز وقرأ الباقون بضم
الياء ليوقعوا قومهم فى الضلال عن سبيل الله فهذا هو الغرض من جعلهم لله أندادا ثم
هددهم سبحانه فقال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) قل تمتعوا ( بما أنتم فيه من
الشهوات وما زينته لكم أنفسكم من كفران النعم وإضلال الناس ) فإن مصيركم إلى النار
( أى مردكم ومرجعكم إليها ليس إلا ولما كان هذا حالهم وقد صاروا لفرط تهالكهم عليه
وإنهماكهم فيه لا يقلعون عنه ولا يقبلون فيه نصح الناصحين جعل الأمر بمباشرته مكان
النهى قربانه إيضاحا لما تكون عليه عاقبتهم وأنهم لا محالة صائرون إلى النار فلا
بد لهم من تعاطى الأسباب المقتضية ذلك فجملة ) فإن مصيركم إلى النار ( تعليل للأمر
بالتمتع وفيه من التهديد ما لا يقادر قدره ويجوز أن تكون هذه الجملة جوابا لمحذوف
دل عليه سياق الكلام كأنه قيل فإن دمتم على ذلك فإن مصيركم إلى النار والأول أولى
والنظم القرآنى عليه أدل وذلك كما يقال لما يسعى فى مخالفة السلطان اصنع ما شئت من
المخالفة فإن مصيرك إلى السيف
إبراهيم : ( 31 ) قل لعبادي الذين . . . . .
) قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ( لما أمره
بأن يقول للمبدلين نعمة الله كفرا الجاعلين لله أندادا ما قاله لهم أمره سبحانه أن
يقول للطائفة المقابلة لهم وهى طائفة المؤمنين هذا القول والمقول محذوف دل عليه
المذكور أى قل لعبادى أقيموا وأنفقوا ويقيموا وينفقوا فجزم يقيموا على أنه جواب
الأمر المحذوف وكذلك ينفقوا ذكر معنى هذا الفراء وقال الزجاج إن يقيموا مجزوم
بمعنى اللام أى ليقيموا فأسقطت اللام ثم ذكر وجها آخر للجزم مثل ما ذكره الفراء
وانتصاب سرا وعلانية إما على الحال أى مسرين ومعلنين أو على المصدر أى إنفاق سر
وإنفاق علانية أو على الظرف أى وقت سر ووقت علانية قال الجمهور السر ما خفى
والعلانية ما ظهر وقيل السر التطوع العلانية الفرض وقد تقدم بيان هذا عند تفسير
قوله ) إن تبدوا الصدقات فنعما هي ( ) من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال (
قال أبو عبيدة البيع ها هنا الفداء والخلال المخالة وهو مصدر قال الواحدى هذا قول
جميع أهل اللغة وقال أبو علي الفارسى يجوز أن يكون جميع خلة مثل برمة وبرام وعلبة
وعلاب والمعنى أن يوم القيامة لا بيع فيه حتى يفتدى المقصر فى العمل نفسه من عذاب
الله بدفع عوض عن ذلك وليس هناك مخاللة حتى يشفع الخليل لخليله وينقذه من العذاب
فأمرهم سبحانه بالإنفاق فى وجوه الخير مما رزقهم الله ما داموا فى الحياة الدنيا
قادرين على إنفاق أموالهم من قبل أن يأتى يوم القيامة فإنهم لا يقدرون على ذلك بل
لا مال لهم إذ ذاك فالجملة أعنى ) من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال (
لتأكيد مضمون الأمر بالإنفاق مما رزقهم الله ويمكن أن يكون فيها أيضا تأكيد
"""""" صفحة رقم 110
""""""
لمضمون الأمر بإقامة الصلاة وذلك لأن تركها كثيرا ما يكون بسبب الإشتغال بالبيع
ورعاية حقوق الأخلاء وقد تقدم فى البقرة تفسير البيع والخلال
إبراهيم : ( 32 ) الله الذي خلق . . . . .
) الله الذي خلق السماوات والأرض ( أى أبدعهما واخترعهما على غير مثال وخلق ما
فيهما من الأجرام العلوية والسفلية والإسم الشريف مبتدأ وما بعده خبره ) وأنزل من
السماء ماء ( المراد بالسماء هنا جهة العلو فإنه يدخل فى ذلك الفلك عند من قال إن
ابتداء المطر منه ويدخل فيه السحاب عند من قال إن ابتداء المطر منها وتدخل فيه
الأسباب التى تثير السحاب كالرياح وتنكير الماء هنا للنوعية أى نوعا من أنواع
الماء وهو ماء المطر ) فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ( أى أخرج بذلك الماء من
الثمرات المتنوعة رزقا لبنى آدم يعيشون به و ) من ( فى من الثمرات للبيان كقولك
أنفقت من الدراهم وقيل للتبعيض لأن الثمرات منها ما هو رزق لبنى آدم ومنها ما ليس
برزق لهم وهو ما لا يأكلونه ولا ينتفعون به ) وسخر لكم الفلك ( فجرت على إرادتكم
واستعملتموها فى مصالحكم ولذا قال ) لتجري في البحر ( كما تريدون وعلى ما تطلبون )
بأمره ( أى بأمر الله ومشيئته وقد تقدم تفسير هذا فى البقرة ) وسخر لكم الأنهار (
أى ذللها لكم بالركوب عليها والإجراء لها إلى حيث تريدون
إبراهيم : ( 33 ) وسخر لكم الشمس . . . . .
) وسخر لكم الشمس والقمر ( لتنتفعوا بهما وتستضيئوا بضوئهما وانتصاب ) دائبين (
على الحال والدؤوب مرور الشيء فى العمل على عادة جارية أى دائبين فى إصلاح ما
يصلحانه من النبات وغيره وقيل دائبين فى السير امتثالا لأمر الله والمعنى يجريان
إلى يوم القيامة لا يفتران ولا ينقطع سيرهما ) وسخر لكم الليل والنهار ( يتعاقبان
فالنهار لسعيكم فى أمور معاشكم وما تحتاجون إليه من أمور دنياكم والليل لتسكنوا
كما قال سبحانه ) ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله )
إبراهيم : ( 34 ) وآتاكم من كل . . . . .
) وآتاكم من كل ما سألتموه ( قال الأخفش أى أعطاكم من كل مسئول سألتموه شيئا فحذف
شيئا وقيل المعنى وآتاكم من كل ما سألتموه ومن كل ما لم تسألوه فحذفت الجملة
الأخرى قاله ابن الأنبارى وقيل من زائدة أى آتاكم كل ما سألتموه وقيل للتبعيض أى
آتاكم بعض كل ما سألتموه وقرأ ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة ) من كل ( بتنوين كل
وعلى هذه القراءة يجوز أن تكون ) ما ( نافية أى آتاكم من جميع ذلك حال كونكم غير
سائلين له ويجوز أن تكون موصولة أى آتاكم من كل شئ الذى سألتموه ) وإن تعدوا نعمة
الله لا تحصوها ( أى وإن تتعرضوا لتعداد نعم الله التى أنعم بها عليكم إجمالا فضلا
عن التفصيل لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه ولا تقوموا بحصرها على حال من
الأحوال وأصل الإحصاء أن الحاسب إذا بلغ عقدا معينا من عقود الأعداد وضع حصاة
ليحفظه بها ومعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد أن يحصى ما أنعم الله به عليه
فى خلق عضو من أعضائه أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط ولا أمكنه أصلا فكيف
بما عدا ذلك من النعم فى جميع ما خلقه الله فى بدنه فكيف بما عدا ذلك من النعم
الواصلة إليه فى كل وقت على تنوعها واختلاف أجناسها اللهم إنا نشكرك على كل نعمة
أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلا أنت ومما علمناه شكرا لا يحيط به حصر ولا يحصره
عد وعدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان فى كل زمان ) إن الإنسان لظلوم ( لنفسه بإغفاله
لشكر نعم الله عليه وظاهره شمول كل إنسان وقال الزجاج إن الإنسان اسم جنس يقصد به
الكافر خاصة كما قال ) إن الإنسان لفي خسر ( ) كفار ( أى شديد كفران نعم الله عليه
جاحد لها غير شاكر لله سبحانه عليها كما ينبغى ويجب عليه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبخارى والنسائى وابن جرير وابن أبى حاتم
وابن مردويه والبيهقى عن ابن عباس فى قوله ) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله
كفرا ( قال كفار أهل مكة وأخرج البخارى فى تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن
مردويه عن عمر بن الخطاب فى قوله ) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا (
"""""" صفحة رقم 111
""""""
قال هما الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم
بدر وأما بنو أمية فمتعوا لى حين وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن عمر نحوه وأخرح
ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى فى الأوسط والحاكم وصححه وابن
مردويه من طرق عن علي فى الآية نحوه أيضا وأخرج عبد الرزاق والفريابى والنسائى
وابن جرير وابن أبى حاتم وابن الأنبارى والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى عن أبى
الطفيل أن ابن لكواء سأل عليا عن الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال هو الفجار من
قريش كفيتهم يوم بدر قال فمن الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا قال منهم أهل حروراء
وقد روى فى تفسير هذه الآية عن علي من طرق نحو هذا أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس
فى الآية قال هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ) وأحلوا قومهم دار البوار ( قال الهلاك
وأخرج عبد بن حميد ابن المنذر عن قتادة فى قوله ) وجعلوا لله أندادا ( قال أشركوا
بالله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) وسخر لكم الأنهار (
قال بكل فائدة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ( قال
دؤوبهما فى طاعة الله وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة ) وآتاكم من كل ما سألتموه (
قال من كل شيء رغبتم إليه فيه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد مثله وأخرج ابن
جرير عن الحسن قال من كل الذى سألتموه وأخرج ابن أبى الدنيا والبيهقى فى الشعب عن
سليمان التيمى قال إن الله أنعم على العباد على قدره وكلفهم الشكر على قدرهم
وأخرجا أيضا عن بكر بن عبد الله المزنى قال يا بن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم
الله عليك فغمض عينيك وأخرج البيهقى عن أبى الدرداء قال من لم يعرف نعمة الله عليه
إلا فى مطعمه ومشربه فقد قل عمله وحضر عذابه وأخرج ابن أبى الدنيا والبيهقى عن أبى
أيوب القرشى مولى بنى هاشم قال قال آل داود عليه السلام رب أخبرنى ما أدنى نعمتك
علي فأوحى إلي يا داود تنفس فتنفس فقال هذا أدنى نعمتى عليك وأخرج ابن أبى حاتم عن
عمر بن الخطاب أنه قال اللهم اغفر لى ظلمى وكفرى فقال قائل أمير المؤمنين هذا
الظلم فما بال الكفر قال إن الإنسان لظلوم كفار
سورة إبراهيم الاية ( 35 41 )
"""""" صفحة رقم 112
""""""
إبراهيم : ( 35 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
قوله ) وإذ قال إبراهيم ( متعلق بمحذوف أى اذكر وقت قوله ولعل المراد بسياق ما
قاله إبراهيم عليه السلام فى هذا الموضع بيان كفر قريش بالنعم الخاصة بهم وهى
إسكانهم مكة بعد ما بين كفرهم بالنعم العامة وقيل إن ذكر قصة إبراهيم ها هنا لمثال
الكلمة الطيبة وقيل لقصد الدعاء إلى التوحيد وإنكار عبادة الأصنام
إبراهيم : ( 36 ) رب إنهن أضللن . . . . .
) رب اجعل هذا البلد آمنا ( المراد بالبلد هنا مكة دعا إبراهيم ربه أن يجعله آمنا
أى ذا أمن وقدم طلب الأمن على سائر المطالب المذكورة بعده لأنه إذا انتفى الأمن لم
يفرغ الإنسان لشيء آخر من أمور الدين والدنيا وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية فى
البقرة عند قوله تعالى ) رب اجعل هذا بلدا آمنا ( والفرق بين ما هنا وما هنالك أن
المطلوب هنا مجرد الأمن للبلد والمطلوب هنالك البلدية والأمن ) واجنبني وبني أن
نعبد الأصنام ( يقال جنبته كذا وأجنبته وجنبته أى باعدته عنه والمعنى باعدنى وباعد
بنى عن عبادة الأصنام قيل أراد بنيه من صلبه وكانوا ثمانية وقيل أراد من كان
موجودا حال دعوته من بنيه وبنى بنيه وقيل أراد جميع ذريته ما تناسلوا ويؤيد ذلك ما
قيل من أنه لم يعبد أحد من أولاد إبراهيم صنما والصنم هو التمثال الذى كانت تصنعه
أهل الجاهلية من الأحجار ونحوها فيعبدونه وقرأ الجحدرى وعيسى بن عمر ) واجنبني (
بقطع الهمزة على أن أصله أجنب ) رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ( أسند الإضلال إلى
الأصنام مع كونها جمادات لا تعقل لأنها سبب لضلالهم فكأنها أضلتهم وهذه الجملة
تعليل لدعائه لربه ثم قال ) فمن تبعني ( أى من تبع دينى من الناس فصار مسلما موحدا
) فإنه مني ( أى من أهل دينى جعل أهل ملته كنفسه مبالغة ) ومن عصاني ( فلم
يتتابعنى ويدخل فى ملتى ) فإنك غفور رحيم ( قادر على أن تغفر له قيل قال هذا قبل
أن يعلم أن الله لا يغفر أن يشرك به كما وقع منه الاستغفار لأبيه وهو مشرك كذا قال
ابن الأنبارى وقيل المراد عصيانه هنا فيما دون الشرك وقيل إن هذه المغفرة مقيدة
بالتوبة من الشرك
إبراهيم : ( 37 ) ربنا إني أسكنت . . . . .
ثم قال ) ربنا إني أسكنت من ذريتي ( قال الفراء من للتبعيض أى بعض ذريتى وقال ابن
الأنبارى إنها زائدة أى أسكنت ذريتى والأول أولى لأنه إنما أسكن إسماعيل وهو بعض
ولده ) بواد غير ذي زرع ( أى لا زرع فيه وهو وادى مكة ) عند بيتك المحرم ( أى الذى
يحرم فيه ما يستباح فى غيره وقيل إنه محرم على الجبابرة وقيل محرم من أن تنتهك
حرمته أو يستخف به وقد تقدم فى سورة المائدة ما يغنى عن الإعادة ثم قال ) ربنا
ليقيموا الصلاة ( اللام متعلقة بأسكنت أى أسكنتهم ليقيموا الصلاة فيه متوجهين إليه
متبركين به وخصها دون سائر العبادات لمزيد فضلها ولعل تكرير النداء لإظهار العناية
الكاملة بهذه العبادة ) فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ( الأفئدة جمع فؤاد وهو
القلب عبر به عن جميع البدن لأنه أشرف عضو فيه وقيل هو جمع وفد والأصل أوقدة فقدمت
الفاء وقلبت الواو ياء فكأنه قال وجعل وفودا من الناس تهوى إليهم و ) من ( فى من
الناس للتبعيض وقيل زائدة ولا يلزم منه أن يحج اليهود والنصارى بدخولهم تحت لفظ
الناس لأن المطلوب توجيه قلوب الناس إليهم للسكون معهم والجلب إليهم لا توجيهها
إلى الحج ولو كان هذا مرادا لقال تهوى إليه وقيل من للابتداء كقولك القلب منى سقيم
يريد قلبى ومعنى تهوى إليهم تنزع إليهم يقال هوى نحوه إذا مال وهوت الناقة تهوى
هويا فهى هاوية إذا عدت عدوا شديدا كأنها تهوى فى بئر ويحتمل أن يكون المعنى تجيء
إليهم أو تسرع إليهم والمعنى متقارب ) وارزقهم من الثمرات ( أى ارزق ذريتى الذين
أسكنتهم هنالك أو هم ومن يساكنهم من الناس من أنواع الثمرات التى تنبت فيه أو تجلب
إليه ) لعلهم يشكرون ( نعمك التى أنعمت بها عليهم
إبراهيم : ( 38 ) ربنا إنك تعلم . . . . .
) ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن ( أى ما نكتمه وما نظهره لأن الظاهر والمضمر
بالنسبة إليه سبحانه سيان قيل والمراد هنا بما نخفى ما يقابل ما نعلن فالمعنى ما
نظهره
"""""" صفحة رقم 113
""""""
وما لا نظهره وقدم ما نخفى على ما نعلن للدلالة على أنهما مستويان فى علم الله
سبحانه وظاهر النظم القرآنى عموم كل ما لا يظهر وما يظهر من غير تقييد بشيء معين
من ذلك وقيل المراد ما يخفيه إبراهيم من وجده بإسماعيل وأمه حيث أسكنهما بواد غير
ذى زرع وما يعلنه من ذلك وقيل ما يخفيه إبراهيم من الوجد ويعلنه من البكاء والدعاء
والمجيء بضمير الجماعة يشعر بأن إبراهيم لم يرد نفسه فقط بل أراد جميع العباد فكأن
المعنى أن الله سبحانه يعلم بكل ما يظهره العباد وبكل ما لا يظهرونه وأما قوله )
وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ( فقال جمهور المفسرين هو من
كلام الله سبحانه تصديقا لما قاله إبراهيم من أنه سبحانه يعلم بما يخفيه العباد
وما يعلنونه فقال سبحانه وما يخفى على الله شيء من الأشياء الموجودة كائنا ما كان
وإنما ذكر السموات والأرض لأنها المشاهدة للعباد وإلا فعلمه سبحانه محيط بكل ما هو
داخل فى العالم وكل ما هو خارج عنه لا تخفى عليه منه خافية قيل ويحتمل أن يكون هذا
من قول إبراهيم تحقيقا لقوله الأول وتعميما بعد التخصيص
إبراهيم : ( 39 ) الحمد لله الذي . . . . .
ثم حمد الله سبحانه على بعض نعمه الواصلة إليه فقال ) الحمد لله الذي وهب لي على
الكبر إسماعيل وإسحاق ( أى وهب لى على كبر سنى وسن امرأتى قيل ولد له إسماعيل وهو
ابن تسع وتسعين سنة وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتى عشرة سنة قيل و على هنا
بمعنى مع أى وهو لى مع كبرى ويأسى عن الولد ) إن ربي لسميع الدعاء ( أى لمجيب
الدعاء من قولهم سمع كلامه إذا أجابه واعتد به وعمل بمقتضاه وهو من إضافة الصفة
المتضمنة للمبالغة إلى المفعول والمعنى إنك لكثير إجابة الدعاء لمن يدعوك
إبراهيم : ( 40 ) رب اجعلني مقيم . . . . .
ثم سأل الله سبحانه بأن يجعله مقيم الصلاة محافظا عليها غير مهمل لشيء منها ثم قال
) ومن ذريتي ( أى بعض ذريتى أى اجعلنى واجعل بعض ذريتى مقيمين للصلاة وإنما خص
البعض من ذريته لأنه علم أن منهم من لا يقيمها كما ينبغى قال الزجاج أى اجعل من
ذريتى من يقيم الصلاة ثم سأل الله سبحانه أن يتقبل دعاءه على العموم ويدخل فى ذلك
دعاؤه فى هذا المقام دخولا أوليا قيل والمراد بالدعاء هنا العبادة فيكون المعنى
وتقبل عبادتى التى أعبدك بها ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر له ما وقع منه مما
يستحق أن يغفره الله وإن لم يكن كبيرا لما هو معلوم من عصمة الأنبياء عن الكبائر
إبراهيم : ( 41 ) ربنا اغفر لي . . . . .
ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر لوالديه وقد قيل إنه دعا لهما بالمعفرة قبل أن يعلم
أنهما عدوان لله سبحانه كما فى قوله سبحانه ) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا
عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ( وقيل كانت أمه مسلمة
وقيل أراد بوالديه آدم وحواء وقرأ سعيد بن جبير ولوالدى بالتوحيد على إرادة الأب
وحده وقرأ إبراهيم النخعى ولوالدى يعنى إسماعيل وإسحاق وكذا قرأ يحيى بن يعمر ثم
استغفر للمؤمنين وظاهره شمول كل مؤمن سواء كان من ذريته أو لم يكن منهم وقيل أراد
المؤمنين من ذريته فقط ) يوم يقوم الحساب ( أى يوم يثبت حساب المكلفين فى المحشر
استعير له لفظ يقوم الذى هو حقيقته فى قيام الرجل للدلالة على أنه فى غاية
الاستقامة وقيل إن المعنى يوم يقوم الناس للحساب والأول أولى
وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد فى قوله ) وإذ قال إبراهيم ( الآية قال فاستجاب الله
لإبراهيم دعوته فى ولده فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته واستجاب الله له وجعل
هذا البلد آمنا ورزق أهله من الثمرات وجعله إماما وجعل من ذريته من يقيم الصلاة
وتقبل دعاءه فأراه مناسكه وتاب عليه وأخرج أبو نعيم فى الدلائل عن عقيل بن أبي
طالب أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم
عند جمرة العقبة فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه فسألوه أن يعرض
عليهم ما أوحى إليه فقرأ من سورة إبراهيم ) وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد
آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ( إلى آخر السورة فرق
"""""" صفحة رقم 114
""""""
القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه وأخرج الواقدى وابن عساكر من طريق
عامر بن سعد عن أبيه قال كانت سارة تحت إبراهيم فمكثت تحته دهرا لا ترزق منه ولدا
فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية فولدت له إسماعيل فغارت من ذلك سارة
ووجدت فى نفسها وعتبت على هاجر فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أطراف فقال لها إبراهيم
هل لك أن تبرى يمينك قالت كيف أصنع قال اثقبى أذنيها واخفضيها والخفض هو الختان
ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر فى أذنيها قرطين فازدادت بهما حسنا فقالت سارة أرانى
إنما زدتها جمالا فلم تقاره على كونه معها ووجد بها إبراهيم وجدا شديدا فنقلها إلى
مكة فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها وأخرج
ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) إني أسكنت من ذريتي ( قال أسكن إسماعيل وأمه مكة
وأخرج ابن المنذر عنه قال إن إبراهيم حين قال ) فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم (
لو قال أفئدة الناس تهوى إليهم لازدحمت عليه فارس والروم وأخرج ابن أبي شيبة وابن
جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن الحكم قال سألت عكرمة وطاوسا وعطاء بن أبى رباح
عن هذه الآية ) فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ( فقالوا البيت تهوى إليه قلوبهم
يأتونه وفى لفظ قالوا هواهم إلى مكة أن يحجوا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن
المنذر عن قتادة فى قوله ) تهوي إليهم ( قال تنزع إليهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن محمد بن مسلم الطائفى أن إبراهيم لما دعا للحرم )
وارزق أهله من الثمرات ( نقل الله الطائف من فلسطين وأخرج ابن أبى حاتم عن الزهرى
قال إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم وأخرج ابن جرير
وابن المنذر والبيهقى فى شعب الإيمان قال السيوطى بسند حسن عن ابن عباس قالوا لو
كان إبراهيم عليه السلام قال فاجعل أفئدة الناس تهوى إليهم لحج اليهود والنصارى
والناس كلهم ولكنه قال أفئدة من الناس فخص به المؤمنين وأخرج ابن أبى حاتم عنه فى
قوله ) ما نخفي وما نعلن ( قال من الحزن وأخرج ابن أبى حاتم عن إبراهيم النخعى فى
قوله ) ربنا إنك تعلم ما نخفي ( قال من حب إسماعيل وأمه ) وما نعلن ( قال ما نظهر
لسارة من الجفاء لهما وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى
قوله ) الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ( قال هذا بعد ذلك بحين
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال بشر إبراهيم بعد سبع عشرة سنة ومائة سنة
سورة إبراهيم الآية ( 42 46 )
إبراهيم : ( 42 ) ولا تحسبن الله . . . . .
قوله ) ولا تحسبن ( خطاب للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) وهو تعريض لأمته فكأنه قال
ولا تحسب أمتك
"""""" صفحة رقم 115
""""""
يا محمد ويجوز أن يكون خطابا لكل من يصلح له من المكلفين وإن كان الخطاب للنبى (
صلى الله عليه وسلم ) من غير تعريض لأمته فمعناه التثبيت على ما كان عليه من عدم
الحسبان كقوله ) ولا تكونن من المشركين ( ونحوه وقيل المراد ولا تحسبنه يعاملهم
معاملة الغافل عما يعملون ولكن معاملة الرقيب عليهم أو يكون المراد بالنهى عن
الحسبان الإيذان بأنه عالم بذلك لا تخفى عليه منه خافية وفى هذا تسلية لرسول الله
( صلى الله عليه وسلم ) وإعلام للمشركين بأن تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم
بل سنة الله سبحانه فى إمهال العصاة ) إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ( أى
يؤخر جزاءهم ولا يؤاخذهم بظلمهم وهذه الجملة تعليل للنهى السابق وقرأ الحسن
والسلمى وهو رواية عن أبى عمرو بالنون فى نؤخرهم وقرأ الباقون بالتحتية واختارها
أبو عبيد وأبو حاتم لقوله ) ولا تحسبن الله ( ومعنى ) ليوم تشخص فيه الأبصار ( أى
ترفع فيه أبصار أهل الموقف ولا تغمض من هول ما تراه فى ذلك اليوم هكذا قال الفراء
يقال شخص الرجل بصره وشخص البصر نفسه إلى السماء من هول ما يرى والمراد أن الأبصار
بقيت مفتوحة لا تتحرك من شدة الحيرة والدهشة
إبراهيم : ( 43 ) مهطعين مقنعي رؤوسهم . . . . .
) مهطعين ( أى مسرعين من أهطع يهطع إهطاعا إذا أسرع وقيل المهطع الذى ينظر فى ذل
وخشوع ومنه بدجلة دارهم ولقد أراهم
بدجلة مهطعين إلى السماء
وقيل المهطع الذى يديم النظر قال أبو عبيدة قد يكون الوجهان جميعا يعنى الإسراع مع
إدامة النظر وقيل المهطع الذى لا يرفع رأسه وقال ثعلب المهطع الذى ينظر فى ذل
وخضوع وقيل هو الساكت قال النحاس والمعروف فى اللغة أهطع إذا أسرع ) مقنعي رؤوسهم
( أى رافعى رؤوسهم وإقناع الرأس رفعه وأقنع صوته إذا رفعه والمعنى أنهم يومئذ
رافعون رؤوسهم إلى السماء ينظرون إليها نظر فزع وذل ولا ينظر بعضهم إلى بعض وقيل
إن إقناع الرأس نكسه وقيل يقال أقنع إذا رفع رأسه وأقنع إذا طأطأ ذلة وخضوعا
والآية محتملة للوجهين قال المبرد والقول الأول أعرف فى اللغة قال الشاعر أنغض
نحوى رأسه وأقنعا
كأنما أبصر شيئا أطمعا
) لا يرتد إليهم طرفهم ( أى لا ترجع إليهم أبصارهم وأضل الطرف تحريك الأجفان وسميت
العين طرفا لأنه يكون بها ومن إطلاق الطرف على العين قول عنترة وأغض طرفى ما بدت
لى جارتى
حتى توارى جارتى مأواها
) وأفئدتهم هواء ( الهواء فى اللغة المجرف الخالى الذى لم تشغله الأجرام والمعنى
أن قلوبهم خالية عن العقل والفهم لما شاهدوا من الفزع والحيرة والدهش وجعلها نفس
الهوى مبالغة ومنه قيل للأحمق والجبان قلبه هواء أى لا رأى فيه ولا قوة وقيل معنى
الآية أنها خرجت قلوبهم عن مواضعها فصارت فى الحناجر وقيل المعنى إن أفئدة الكفار
فى الدنيا خالية عن الخير وقيل المعنى وأفئدتهم ذات هواء ومما يقارب معنى هذه
الآية قوله تعالى ) وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ( أى خاليا من كل شئ إلا من هم موسى
إبراهيم : ( 44 ) وأنذر الناس يوم . . . . .
) وأنذر الناس ( هذا رجوع إلى خطاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمره الله
سبحانه بأن ينذر الناس والمراد الناس على العموم وقيل المراد كفار مكة وقيل الكفار
على العموم والأول أولى لأن الإنذار كما يكون للكافر يكون أيضا للمسلم ومنه قوله
تعالى ) إنما تنذر من اتبع الذكر ( ومعنى ) يوم يأتيهم العذاب ( يوم القيامة أى
خوفهم هذا اليوم وهو يوم إتيان العذاب وإنما اقتصر على ذكر إتيان العذاب فيه مع
كونه يوم إتيان الثواب لأن المقام مقام تهديد وقيل المراد به يوم موتهم فإنه أول
أوقات إتيان العذاب وقيل المراد يوم هلاكهم بالعذاب العاجل وانتصاب يوم
"""""" صفحة رقم 116
""""""
على أنه مفعول ثان لأنذر ) فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب ( المراد
بالذين ظلموا ها هنا هم الناس أى فيقولون والعدول إلى الإظهار مكان الإضمار
للإشعار بأن الظلم هو العلة فيما نزل بهم هذا إذا كان المراد بالناس هم الكفار
وعلى تقدير كون المراد بهم من يعم المسلمين فالمعنى فيقول الذين ظلموا منهم وهم
الكفار ربنا أخرنا أمهلنا إلى أجل قريب إلى أمد من الزمان معلوم غير بعيد ) نجب
دعوتك ( أى دعوتك لعبادك على ألسن أنبيائك إلى توحيدك ) ونتبع الرسل ( المرسلين
منك إلينا فنعمل بما بلغوه إلينا من شرائعك ونتدارك ما فرط منا من الإهمال وإنما
جمع الرسل لأن دعوتهم إلى التوحيد متفقة فاتباع واحد منهم اتباع لجميعهم وهذا منهم
سؤال للرجوع إلى الدنيا لما ظهر لهم الحق فى الآخرة ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا
عنه ( ثم حكى سبحانه ما يجاب به عنهم عند أن يقولوا هذه المقالة فقال ) أولم
تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ( أى فيقال لهم هذا القول توبيخا وتقريعا أى
أو لم تكونوا أقسمتم من قبل هذا اليوم ما لكم من زوال من دار الدنيا وقيل إنه لا
قسم منهم حقيقة وإنما كان لسان حالهم ذلك لاستغراقهم فى الشهوات وإخلادهم إلى
الحياة الدنيا وقيل قسمهم هذا هو ما حكاه الله عنهم فى قوله ) وأقسموا بالله جهد
أيمانهم لا يبعث الله من يموت ( وجواب القسم ) ما لكم من زوال ( وإنما جاء بلفظ
الخطاب فى ما لكم من زوال لمراعاة أقسمتم ولولا ذلك لقال ما لنا من زوال
إبراهيم : ( 45 ) وسكنتم في مساكن . . . . .
) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ( أى استقررتم يقال سكن الدار وسكن فيها وهى
بلاد ثمود ونحوهم من الكفار الذين ظلموا أنفسهم بالكفر بالله والعصيان له ) وتبين
لكم كيف فعلنا بهم ( قرأ عبد الرحمن السلمى نبين بالنون والفعل المضارع وقرأ من
عداه بالتاء الفوقية والفعل الماضى أى تبين لكم بمشاهدة الآثار كيف فعلنا بهم من
العقوبة والعذاب الشديد بما فعلوه من الذنوب وفاعل تبين ما دلت عليه الجملة
المذكورة بعده أى تبين لكم فعلنا العجيب بهم ) وضربنا لكم الأمثال ( فى كتب الله
وعلى ألسن رسله إيضاحا لكم وتقريرا وتكميلا للحجة عليكم
إبراهيم : ( 46 ) وقد مكروا مكرهم . . . . .
) وقد مكروا مكرهم ( الجملة فى محل نصب على الحال أى فعلنا بهم ما فعلنا والحال
أنهم قد مكروا فى رد الحق وإثبات الباطل مكرهم العظيم الذى استفرغوا فيه وسعهم )
وعند الله مكرهم ( أى وعند الله جزاء مكرهم أو وعند الله مكتوب مكرهم فهو مجازيهم
أو وعند الله مكرهم الذى يمكرهم به على أن يكون المكر مضافا إلى المفعول قيل
والمراد بهم قوم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) مكروا بالنبى ( صلى الله عليه وسلم )
حين هموا بقتله أو نفيه وقيل المراد ما وقع من النمروذ حيث حاول الصعود إلى السماء
فاتخذ لنفسه تابوتا وربط قوائمه بأربعة نسور ) وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (
قرأ عمر وعلي وابن مسعود وأبى وإن كاد مكرهم بالدال المهملة مكان النون وقرأ غيرهم
من القراء وإن كان بالنون وقرأ ابن محيصن وابن جريج والكسائى لتزول بفتح اللام على
أنها لام الابتداء وقرأ الجمهور بكسرها على أنها لام الجحود قال ابن جرير الاختيار
هذه القراءة يعنى قراءة الجمهور لأنها لو كانت زالت لم تكن ثابتة فعلى قراءة
الكسائى ومن معه تكون إن هى المخففة من الثقيلة واللام هى الفارقة وزوال الجبال
مثل لعظم مكرهم وشدته أى وإن الشأن كان مكرهم معدا لذلك قال الزجاج وإن كان مكرهم
يبلغ فى الكيد إلى إزالة الجبال فإن الله ينصر دينه وعلى قراءة الجمهور يحتمل
وجهين أحدهما أن تكون إن هى المخففة من الثقيلة والمعنى كما مر والثاني أن تكون
نافية واللام المكسورة لتأكيد النفى كقوله ) وما كان الله ليضيع إيمانكم ( والمعنى
ومحال أن تزول الجبال بمكرهم على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه الثابتة على
حالها مدى الدهر فالجملة على هذا حال من الضمير فى مكروا لا من قوله ) وعند الله
مكرهم ( أى والحال أن مكرهم لم يكن لتزول منه الجبال
"""""" صفحة رقم 117
""""""
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والخرائطى فى مساوى الأخلاق عن ميمون
بن مهران فى قوله ) ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ( قال هى تعزية للمظلوم
ووعيد للظالم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) ليوم
تشخص فيه الأبصار ( قال شخصت فيه والله أبصارهم فلا ترتد إليهم وأخرج ابن جرير
وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) مهطعين ( قال يعنى بالإهطاع النظر من غير أن
يطرف ) مقنعي رؤوسهم ( قال الإقناع رفع رؤوسهم ) لا يرتد إليهم طرفهم ( قال شاخصة
أبصارهم ) وأفئدتهم هواء ( ليس فيها شيء من الخير فهى كالخربة وأخرج ابن جرير وابن
أبى حاتم عن مجاهد مهطعين قال مديمى النظر وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر
عن قتادة مهطعين قال مسرعين وأخرج هؤلاء عن قتادة فى قوله ) وأفئدتهم هواء ( قال
ليس فيها شيء خرجت من صدورهم فنشبت فى حلوقهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مرة وأفئدتهم هواء قال
منخرقة لا تعى شيئا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن
قتادة فى قوله ) وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب ( يقول أنذرهم فى الدنيا من قبل أن
يأتيهم العذاب وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال ) يوم يأتيهم العذاب ( هو يوم القيامة
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ) ما لكم من زوال ( قال عما أنتم فيه إلى ما تقولون
وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) ما لكم من زوال ( قال بعث بعد الموت وأخرج
عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن فى قوله ) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم (
قال عملتم بمثل أعمالهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) وإن كان مكرهم (
يقول ما كان مكرهم ) لتزول منه الجبال ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم
عن ابن عباس ) وإن كان مكرهم ( يقول شركهم كقوله ) تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق
الأرض وتخر الجبال هدا ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم
وابن الأنبارى عن علي ابن أبى طالب أنه قرأ هذه الآية ) وإن كان مكرهم لتزول منه
الجبال ( ثم فسرها فقال إن جبارا من الجبابرة قال لا أنتهى حتى أنظر إلى ما فى
السماء فأمر بفراخ النسور تعلف اللحم حتى شبت وغلظت وأمر بتابوت فنجر يسع رجلين ثم
جعل فى وسطه خشبة ثم ربط أرجلهن بأوتاد ثم جوعهن ثم جعل على رأس الخشبة لحما ثم
دخل هو وصاحبه فى التابوت ثم ربطهن إلى قوائم التابوت ثم خلى عنهن يردن اللحم
فذهبن به ما شاء الله ثم قال لصاحبه افتح فانطر ماذا ترى ففتح فقال انظر إلى
الجبال كأنها الذباب قال أغلق فأغلق فطرن به ما شاء الله ثم قال افتح ففتح فقال
انظر ماذا ترى فقال ما أرى إلا السماء وما أراها تزداد إلا بعدا قال صوب الخشبة
فصوبها فانقضت تريد اللحم فسمع الجبال هدتها فكادت تزول عن مراتبها وقد روى نحو
هذه القصة لبختنصر وللنمروذ من طرق ذكرها فى الدر المنثور
سورة إبراهيم الآية ( 47 50 )
"""""" صفحة رقم 118
""""""
سورة إبراهيم الآية ( 51 52 )
إبراهيم : ( 47 ) فلا تحسبن الله . . . . .
) مخلف ( منتصب على أنه مفعول تحسبن وانتصاب رسله على أنه مفعول وعده قيل وذلك على
الاتساع والمعنى مخلف رسله وعده قال القتيبى هو من المقدم الذى يوضحه التأخير
والمؤخر الذى يوضحه التقديم وسواء فى ذلك مخلف وعده رسله ومخلف رسله وعده ومثل ما
فى الآية قول الشاعر ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه
وسائره باد إلى الشمس أجمع
وقال الزمخشرى قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلا كقوله ) إن الله لا يخلف
الميعاد ( ثم قال رسله ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدا وليس من شأنه إخلاف
المواعيد فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته والمراد بالوعد هنا هو ما وعدهم
سبحانه بقوله إنا لننصر رسلنا و ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( وقرئ ) مخلف وعده
رسله ( بجر رسله ونصب وعده قال الزمخشرى وهذه القراءة فى الضعف كمن قرأ قتل أولادهم
شركائهم ) أن الله عزيز ( غالب لا يغالبه أحد ) ذو انتقام ( ينتقم من أعدائه
لأوليائه والجملة تعليل للنهى وقد مر تفسيره فى أول آل عمران
إبراهيم : ( 48 ) يوم تبدل الأرض . . . . .
) يوم تبدل الأرض غير الأرض ( قال الزجاج انتصاب يوم على البدل من يوم يأتيهم أو
على الظرف للانتقام انتهى ويجوز أن ينتصب بمقدر يدل عليه الكلام أى واذكر أو
وارتقب والتبديل قد يكون فى الذات كما فى بدلت الدراهم دنانير وقد يكون فى الصفات
كما فى بدلت الحلقة خاتما والآية تحتمل الأمرين وقد قيل المراد تغير صفاتها وبه
قال الأكثر وقيل تغير ذاتها ومعنى ) السماوات ( أى وتبدل السموات غير السموات على
الاختلاف الذى مر ) وبرزوا لله الواحد القهار ( أى برز العباد لله أو الظالمون كما
يفيده السياق أى ظهروا من قبورهم أو ظهر من أعمالهم ما كانوا يكتمونه والتعبير على
المستقبل بلفظ الماضى للتنبيه على تحقق وقوعه كما فى قوله ) ونفخ في الصور (
والواحد القهار المتفرد بالألوهية الكثير القهر لمن عانده
إبراهيم : ( 49 ) وترى المجرمين يومئذ . . . . .
) وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد ( معطوف على برزوا أو على تبدل والمجئ
بالمضارع لاستحضار الصورة والمجرمون هم المشركون ويومئذ يعنى يوم القيامة ) مقرنين
( أى مشدودين إما بجعل بعضهم مقرونا مع بعض أو قرنوا مع الشياطين كما فى قوله )
نقيض له شيطانا فهو له قرين ( أو جعلت أيديهم مقرونة إلى أرجلهم والأصفاد الأغلال
والقيود والجار والمجرور متعلق بمقرنين أو حال من ضميره يقال صفدته صفدا أى قيدته
والإسم الصفد فإذا أردت التكثير قلت صفدته قال عمرو بن كلثوم فآبوا بالنهاب
وبالسبايا
وأبنا بالملوك مصفدينا
وقال حسان بن ثابت من بين مأسور يشد صفاده
صقر إذا لاقى الكريهة حامى
ويقال صفدته وأصفدته إذا أعطيته ومنه قول النابغة ولم أعرض أبيت اللعن بالصفد
إبراهيم : ( 50 ) سرابيلهم من قطران . . . . .
) سرابيلهم من قطران ( السرابيل القمص وأحدها سربال ومنه قول كعب بن مالك
تلقاكم عصب حول النبى لهم من نسج داود فى الهيجا سرابيل
والقطران هو قطران الإبل الذى تهنأ به أى قمصانهم من قطران تطلى به جلودهم حتى
يعود ذلك الطلاء
"""""" صفحة رقم 119
""""""
كالسرابيل وخص القطران لسرعة اشتعال النار فيه مع نتن رائحته وقال جماعة هو النحاس
أى قمصانهم من نحاس وقرأ عيسى بن عمر ) من قطران ( بفتح القاف وتسكين الطاء وقرئ
بكسر القاف وسكون الطاء وقرئ بفتح القاف والطاء رويت هذه القراءة عن ابن عباس وأبى
هريرة وعكرمة وسعيد بن جبير ويعقوب وهذه الجملة فى محل نصب على الحال ) وتغشى
وجوههم النار ( أى تعلو وجوههم وتضربها وخص الوجوه لأنها أشرف ما فى البدن وفيها
الحواس المدركة والجملة فى محل نصب على الحال أيضا
إبراهيم : ( 51 ) ليجزي الله كل . . . . .
و ) ليجزي الله ( متعلق بمحذوف أى بفعل ذلك بهم ليجزى ) كل نفس ما كسبت ( من
المعاصى أى جزاء موافقا لما كسبت من خير أو شر ) إن الله سريع الحساب ( لا يشغله
عنه شئ وقد تقدم تفسيره
إبراهيم : ( 52 ) هذا بلاغ للناس . . . . .
) هذا بلاغ ( أى هذا الذى أنزل إليك بلاغ أى تبليغ وكفاية فى الموعظة والتذكير قيل
إن الإشارة إلى ما ذكره سبحانه هنا من قوله ) ولا تحسبن الله غافلا ( إلى ) سريع
الحساب ( أى هذا فيه كفاية من غير ما انطوت عليه السورة وقيل الإشارة إلى جميع
السورة وقيل إلى القرآن ومعنى ) للناس ( للكفار أو لجميع الناس على ما قيل فى قوله
) وأنذر الناس ( ) ولينذروا به ( معطوف على محذوف أى لينصحوا ولينذروا به والمعنى
وليخوفوا به وقرئ ) ولينذروا ( بفتح الياء التحتية والذال المعجمة يقال نذرت
بالشيء أنذر إذا علمت به فاستعددت له ) وليعلموا أنما هو إله واحد ( أى ليعلموا بالأدلة
التكوينية المذكورة سابقا وحدانية الله سبحانه وأنه لا شريك له ) وليذكر أولوا
الألباب ( أى ولتعظ أصحاب العقول وهذه اللامات متعلقة بمحذوف والتقدير وكذلك
أنزلنا أو متعلقة بالبلاغ المذكور أى كفاية لهم فى أن ينصحوا وينذروا ويعلموا بما
أقام الله من الحجج والبراهين وحدانيته سبحانه وأنه لا شريك له وليتعظ بذلك أصحاب
العقول التى تعقل وتدرك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) إن الله عزيز ذو انتقام (
قال عزيز والله فى أمره يملى وكيده متين ثم إذا انتقم انتقم بقدرة وأخرج مسلم
وغيره من حديث كثوبان قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
فقال أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض فقال رسول الله ( صلى الله عليه
وسلم ) فى الظلمة دون الحسر وأخرج مسلم أيضا وغيره من حديث عائشة قالت أنا أول من
سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن هذه الآية ) يوم تبدل الأرض غير الأرض (
قلت أين الناس يومئذ قال على الصراط وأخرج البزار وابن المنذر والطبرانى فى الأوسط
وابن مردويه والبيهقى فى البعث وابن عساكر عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى
الله عليه وسلم ) فى قول الله ) يوم تبدل الأرض غير الأرض ( قال أرض بيضاء كأنها
فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل بها خطيئة وأخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة
وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى وأبو الشيخ فى العظمة
والحاكم وصححه والبيهقى فى البعث عنه موقوفا نحوه قال البيهقى الموقوف أصح وأخرج
ابن جرير وابن مردويه عن زيد ابن ثابت قال أتى اليهود النبى ( صلى الله عليه وسلم
) فقال جاءونى يسألوننى وسأخبرهم قبل أن يسألونى ) يوم تبدل الأرض غير الأرض ( قال
أرض بيضاء كالفضة فسألهم فقالوا أرض بيضاء كالنقى وأخرج ابن مردويه مرفوعا عن علي
نحو ما تقدم عن ابن مسعود وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أنس موقوفا نحوه وقد روى
نحو ذلك عن جماعة من الصحابة وثبت فى الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال سمعت رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء
كقرصة نقى وفيهما أيضا من حديث أبى سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها
"""""" صفحة رقم 120
""""""
الجبار بيده الحديث وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) مقرنين في الأصفاد (
قال الكبول وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة ) في الأصفاد ( قال القيود
والأغلال وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير قال فى السلاسل وأخرج ابن جرير وابن
المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) في الأصفاد ( يقول فى وثاق وأخرج ابن أبى حاتم
عن السدى ) سرابيلهم ( قال قمصهم وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله وأخرج عبد الرزاق
وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن الحسن فى قوله ) من قطران ( قال قطران
الإبل وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة فى الآية قال هذا القطران يطلى به حتى يشتعل
نارا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال هو النحاس المذاب
وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير أنه قرأ ) من قطران ( فقال القطر الصفر والآن
الحار وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة نحوه وأخرج
مسلم وغيره عن أبى مالك الأشعرى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) النائحة
إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب وأخرج
ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن زيد فى قوله ) هذا بلاغ للناس ( قال القرآن )
ولينذروا به ( قال القرآن
ع15
تفسير
سورة الحجر
وهى تسع وتسعون آية
حول السورة
وهى مكية بالاتفاق كما قال القرطبى وأخرج النحاس فى ناسخه وابن مردويه عن ابن عباس
قال نزلت سورة الحجر بمكة وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحجر الآية ( 1 12 )
"""""" صفحة رقم 121
""""""
سورة الحجر الآية ( 13 15 )
الحجر : ( 1 ) الر تلك آيات . . . . .
قوله ) الر ( قد تقدم الكلام فى محله مستوفى والإشارة بقوله ) تلك ( إلى ما تضمنته
السورة من الآيات والتعريف فى الكتاب قيل هو للجنس والمراد جنس الكتب المتقدمة
وقيل المراد به القرآن ولا يقدح فى هذا ذكر القرآن بعد الكتاب فقد قيل إنه جمع له
بين الإسمين وقيل المراد بالكتاب هذه السورة وتنكير القرآن للتفخيم أى القرآن
الكامل
الحجر : ( 2 ) ربما يود الذين . . . . .
) ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( قرأ نافع وعاصم بتخفيف الباء من ربما
وقرأ الباقون بتشديدها وهما لغتان قال أبو حاتم أهل الحجاز يخففون ومنه قول الشاعر
ربما ضربة بسيف صقيل
بين بصرى وطعنة نجلاء
وتيم وربيع يثقلونها وقد تزداد التاء الفوقية وأصلها أن تستعمل فى القليل وقد
تستعمل فى الكثير قال الكوفيون أى يود الكفار فى أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين ومنه
قول الشاعر رب رفد هرقته ذلك اليوم
وأسرى من معشر أقيال
وقيل هى هنا للتقليل لأنهم ودوا ذلك فى بعض المواضع لا فى كلها لشغلهم بالعذاب قيل
وما هنا لحقت رب لتهيئها للدخول على الفعل وقيل هى نكرة بمعنى شئ وإنما دخلت رب
هنا على المستقبل مع كونها لا تدخل إلا على الماضى لأن المترقب فى أخباره سبحانه
كالواقع المتحقق فكأنه قيل ربما ود الذين كفروا لو كانوا مسلمين أى منقادين لحكمه
مذعنين له من جملة أهله وكانت هذه الودادة منهم عند موتهم أو يوم القيامة والمراد
أنه لما انكشف لهم الأمر واتضح بطلان ما كانوا عليه من الكفر وأن الدين عند الله
سبحانه هو الإسلام لا دين غيره حصلت منهم هذه الودادة التى لا تسمن ولا تغنى من
جوع بل هى لمجرد التحسر والتندم ولوم النفس على ما فرطت فى جنب الله وقيل كانت هذه
الودادة منهم عند معاينة حالهم وحال المسلمين وقيل عند خروج عصاة الموحدين من
النار والظاهر أن هذه الودادة كائنة منهم فى كل وقت مستمرة فى كل لحظة بعد انكشاف
الأمر لهم
الحجر : ( 3 ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا . . . . .
) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ( هذا تهديد لهم أى دعهم عما أنت بصدده من الأمر لهم
والنهى فهم لا يرعوون أبدا ولا يخرجون من باطل ولا يدخلون فى حق بل مرهم بما هم
فيه من الاشتغال بالأكل والتمتع بزهرة الدنيا فإنهم كالأنعام التى لا تهتم إلا
بذلك ولا تشتغل بغيره والمعنى اتركهم على ما هم عليه من الإشتغال بالأكل ونحوه من
متاع الدنيا ومن إلهاء الأمل لهم عن اتباعك فسوف يعلمون عاقبة أمرهم وسوء صنيعهم
وفى هذا من التهديد والزجر ما لا يقدر قدره يقال ألهاه كذا أى شغله ولهى هو عن
الشئ يلهى أى شغلهم الأمل عن اتباع الحق وما زالوا فى الآمال الفارغة والتمنيات
الباطلة حتى أسفر الصبح لذى عينين وانكشف الأمر ورأوا العذاب يوم القيامة فعند ذلك
يذوقون وبال ما صنعوا والأفعال الثلاثة مجزومة على أنها جواب الأمر وهذه الآية
منسوخة بآية السيف
الحجر : ( 4 ) وما أهلكنا من . . . . .
) وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ( أى وما أهلكنا قرية من القرى بنوع من
أنواع العذاب ) إلا ولها ( أى لتلك القرية ) كتاب ( أى أجل مقدر لا تتقدم عليه ولا
تتأخر عنه ) معلوم ( غير مجهول ولا منسى فلا يتصور التخلف عنه بوجه من الوجوه
وجملة ) ولها كتاب ( فى محل نصب على الحال من قرية وإن كانت نكرة لأنها قد صارت
بما فيها من العموم فى حكم الموصوفة والواو للفرق بين كون هذه الجملة حالا أو صفة
فإنها تعينها للحالية
"""""" صفحة رقم 122
""""""
كقولك حالى رجل على كتفه سيف وقيل إن الجملة صفة لقرية والواو لتأكيد اللصوق بين
الصفة والموصوف
الحجر : ( 5 ) ما تسبق من . . . . .
) ما تسبق من أمة أجلها ( أى ما تسبق أمة من الأمم أجلها المضروب لها المكتوب فى
اللوح المحفوظ والمعنى أنه لا يأتى هلاكها قبل مجئ أجلها ) وما يستأخرون ( أى وما
يتأخرون عنه فيكون مجئ هلاكهم بعد مضى الأجل المضروب له وإيراد الفعل على صيغة جمع
المذكر للحمل على المعنى مع التغليب ولرعاية الفواصل ولذلك حذف الجار والمجرور
والجملة مبينة لما قبلها فكأنه قيل إن هذا الإمهال لا ينبغى أن يغتر به العقلاء
فإن لكل أمة وقتا معينا فى نزول العذاب لا يتقدم ولا يتأخر وقد تقدم تفسير الأجل
فى أول سورة الأنعام
الحجر : ( 6 ) وقالوا يا أيها . . . . .
ثم لما فرغ من تهديد الكفار شرع فى بيان بعض عتوهم فى الكفر وتماديهم فى الغى مع
تضمنه لبيان كفرهم بمن أنزل عليه الكتاب بعد بيان كفرهم بالكتاب فقال ) وقالوا يا
أيها الذي نزل عليه الذكر ( أى قال كفار مكة مخاطبين لرسول الله ( صلى الله عليه
وسلم ) ومتهكمين به حيث أثبتوا له إنزال الذكر عليه مع إنكارهم لذلك فى الواقع أشد
إنكار ونفيهم له أبلغ نفى أو أرادوا بيا أيها الذى نزل عليه الذكر فى زعمه وعلى
وفق ما يدعيه ) إنك لمجنون ( أى إنك بسبب هذه الدعوى التى تدعيها من كونك رسولا
لله مأمورا بتبليغ أحكامه لمجنون فإنه لا يدعى مثل هذه الدعوى العظيمة عندهم من
كان عاقلا فقولهم هذا لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) هو كقول فرعون إن رسولكم الذى
أرسل إليكم لمجنون
الحجر : ( 7 ) لو ما تأتينا . . . . .
) لو ما تأتينا بالملائكة ( لوما حرف تحضيض مركب من لو المفيدة للتمنى ومن ما
المزيدة فأفاد المجموع الحث على الفعل الداخلة هى عليه والمعنى هلا تأتينا
بالملائكة ليشهدوا على صدقك ) إن كنت من الصادقين ( قال الفراء الميم فى لوما بدل
من اللام فى لولا وقال الكسائى لولا ولوما سواء فى الخبر والاستفهام قال النحاس
لوما ولولا وهلا واحد وقيل المعنى لوما تأتينا بالملائكة فيعاقبونا على تكذيبنا لك
) ما ننزل الملائكة إلا بالحق ( قرئ ) ما ننزل ( بالنون مبينا للفاعل وهو الله
سبحانه فهو على هذا من التنزيل والمعنى على هذه القراءة قال الله سبحانه مجيبا على
الكفار لما طلبوا إتيان الملائكة إليهم ما ننزل نحن ) الملائكة إلا بالحق ( أى
تنزيلا متلبسا بالحق الذى يحق عنده تنزيلنا لهم فيما تقتضيه الحكمة الإلهية
والمشيئة الربانية وليس هذا الذى اقترحتموه مما يحق عنده تنزيل الملائكة وقرئ )
ننزل ( مخففا من الإنزال أى ما ننزل نحن الملائكة إلا بالحق وقرئ ? ما تنزل ?
بالمثناة من فرق مضارعا مثقلا مبنيا للفاعل من التنزيل بحذف إحدى التاءين أى تتنزل
وقرئ أيضا بالفوقية مضارعا مبنيا للمفعول وقيل معنى إلا بالحق إلا بالقرآن وقيل
بالرسالة وقيل بالعذاب ) وما كانوا إذا منظرين ( فى الكلام حذف والتقدير ولو
أنزلنا الملائكة لعوجلوا بالعقوبة وما كانوا إذا منظرين فالجملة المذكورة جزاء
للجملة الشرطية المحذوفة
الحجر : ( 9 ) إنا نحن نزلنا . . . . .
ثم أنكر على الكفار استهزاءهم برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقولهم ) يا أيها
الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ( فقال سبحانه ) إنا نحن نزلنا الذكر ( أى نحن
نزلنا ذلك الذكر الذى أنكروه ونسبوك بسببه إلى الجنون ) وإنا له لحافظون ( عن كل
ما لا يليق به من تصحيف وتحريف وزيادة ونقص ونحو ذلك وفيه وعيد شديد للمكذبين به
المستهزئين برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل الضمير فى له لرسول الله ( صلى
الله عليه وسلم ) والأول أولى بالمقام
الحجر : ( 10 ) ولقد أرسلنا من . . . . .
ثم ذكر سبحانه أن عادة أمثال هؤلاء الكفار مع أنبيائهم كذلك تسلية لرسول الله (
صلى الله عليه وسلم ) فقال ) ولقد أرسلنا من قبلك ( أى رسلا وحذف لدلالة الإرسال
عليه أى رسلا كائنة من قبلك ) في شيع الأولين ( فى أممهم وأتباعهم وسائر فرقهم
وطوائفهم قال الفراء الشيع الأمة التابعة بعضهم بعضا فيما يجتمعون عليه وأصله من
شاعه إذا تبعه وإضافته إلى الأولين من إضافة الصفة إلى الموصوف عند بعض النحاة أو
من حذف الموصوف عند آخرين منهم
الحجر : ( 11 ) وما يأتيهم من . . . . .
) وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون (
"""""" صفحة رقم 123
""""""
أى ما يأتى رسول من الرسل شيعته إلا كانوا به يستهزءون كما يفعله هؤلاء الكفار مع
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وجملة إلا كانوا به يستهزءون فى محل نصب على الحال أو
فى محل رفع على أنها صفة رسول أو فى محل جر على أنها صفة له على اللفظ لا على
المحل
الحجر : ( 12 ) كذلك نسلكه في . . . . .
) كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ( أى مثل ذلك الذى سلكناه فى قلوب أولئك المستهزئين
برسلهم ) نسلكه ( أى الذكر ) في قلوب المجرمين ( فالإشارة إلى ما دل عليه الكلام
السابق من إلقاء الوحى مقرونا بالاستهزاء والسلك إدخال الشيء فى الشئ كالخيط فى
المخيط قاله الزجاج قال والمعنى كما فعل بالمجرمين الذين استهزءوا نسلك الضلال فى
قلوب المجرمين
الحجر : ( 13 ) لا يؤمنون به . . . . .
وجملة ) لا يؤمنون به ( فى محل نصب على الحال من ضمير نسلكه أى لا يؤمنون بالذكر
الذى أنزلناه ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان ما قبلها فلا محل لها وقيل إن الضمير فى
نسلكه للاستهزاء وفى لا يؤمنون به للذكر وهو بعيد والأولى أن الضميرين للذكر ) وقد
خلت سنة الأولين ( أى مضت طريقتهم التى سنها الله فى إهلاكهم حيث فعلوا ما فعلوا
من التكذيب والاستهزاء وقال الزجاج وقد مضت سنة الله في الأولين بأن سلك الكفر
والضلال فى قلوبهم
الحجر : ( 14 ) ولو فتحنا عليهم . . . . .
ثم حكى الله سبحانه إصرارهم على الكفر وتصميمهم على التكذيب والاستهزاء فقال ) ولو
فتحنا عليهم ( أى على هؤلاء المعاندين لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) المكذبين له
المستهزئين به ) بابا من السماء ( أى من أبوابها المعهودة ومكناهم من الصعود إليه
) فظلوا فيه ( أى في ذلك الباب ) يعرجون ( يصعدون بآلة أو بغير آلة حتى يشاهدوا ما
فى السماء من عجائب الملكوت التى لا يجحدها جاحد ولا يعاند عند مشاهدتها معاند
وقيل الضمير فى فظلوا للملائكة أى فظل الملائكة يعرجون فى ذلك الباب والكفار
يشاهدونهم وينظرون صعودهم من ذلك الباب
الحجر : ( 15 ) لقالوا إنما سكرت . . . . .
) لقالوا ( أى الكفار لفرط عنادهم وزيادة عتوهم ) إنما سكرت أبصارنا ( قرأ ابن
كثير سكرت بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد وهو من سكر الشراب أو من السكر وهو سدها
عن الإحساس يقال سكر النهر إذا سده وحبسه عن الجرى ورجع الثاني بقراءة التخفيف
وقال أبو عمرو بن العلاء سكرت غشيت وغطيت ومنه قول الشاعر وطلعت شمس عليها مغفر
وجعلت عين الجزور تسكر
وبه قال أبو عبيد وأبو عبيدة وروى عن أبى عمرو أيضا أنه من سكر الشراب أى غشيهم ما
غطى أبصارهم كما غشى السكران ما غطى عقله وقيل معنى سكرت حبست كما تقدم ومنه قول
أوس بن حجر فصرت على ليلة ساهره
فليست بطلق ولا ساكره
قال النحاس وهذه الأقوال متقاربة ) بل نحن قوم مسحورون ( أضربوا عن قولهم سكرت
أبصارنا ثم ادعوا أنهم مسحورون أى سحرهم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وفى هذا بيان
لعنادهم العظيم الذى لا يقلعهم عنه شيء من الأشياء كائنا ما كان فإنهم إذا رأوا
آية توجب عليهم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله نسبوا إلى أبصارهم أن إدراكها
غير حقيقي لعارض السكر أو أن عقولهم قد سحرت فصار إدراكهم غير صحيح ومن بلغ فى
التعنت إلى هذا الحد فلا تنفع فيه موعظة ولا يهتدى بآية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد فى قوله ) تلك آيات الكتاب ( قال التوراة والإنجيل
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم فى ) تلك آيات الكتاب (
قال الكتب التى كانت قبل القرآن ) وقرآن مبين ( قال مبين والله هداه ورشده وخيره
وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب النبى ( صلى الله عليه
وسلم ) فى قوله ) ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( قال ود المشركون يوم بدر
حين
"""""" صفحة رقم 124
""""""
ضربت أعناقهم فعرضوا على النار أنهم كانوا مؤمنين بمحمد ( صلى الله عليه وسلم )
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود فى الآية قال هذا فى الجهنميين إذا رأوهم يخرجون من
النار وأخرج سعيد بن منصور وهناد بن السرى فى الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم
وصححه والبيهقى فى البعث والنشور عن ابن عباس قال ما يزال الله يشفع ويدخل ويشفع
ويرحم حتى يقول من كان مسلما فليدخل الجنة فذلك قوله ) ربما يود الذين كفروا لو
كانوا مسلمين ( وأخرج ابن المبارك فى الزهد وابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر
والبيهقى فى البعث عن ابن عباس وأنس أنهما تذاكرا هذه الآية ) ربما يود الذين
كفروا لو كانوا مسلمين ( فقالا هذا حيث يجمع الله من أهل الخطايا من المسلمين
والمشركين فى النار فيقول المشركون ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون فيغضب الله لهم
فيخرجهم بفضله ورحمته وأخرج الطبرانى فى الأوسط وابن مردويه بسند قال السيوطى صحيح
عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن ناسا من أمتى
يعذبون بذنوبهم فيكونون فى النار ما شاء الله أن يكونوا ثم يعيرهم أهل الشرك
فيقولون ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله من
النار ثم قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ربما يود الذين كفروا لو كانوا
مسلمين ( وأخرج ابن أبى عاصم فى السنة وابن جرير وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم
وصححه وابن مردويه والبيهقى عن أبى موسى الأشعرى مرفوعا نحوه وأخرج إسحاق بن
راهويه وابن حبان والطبرانى وابن مردويه عن أبى سعيد الخدرى مرفوعا نحوه أيضا
وأخرج هناد بن السرى والطبرانى فى الأوسط وأبو نعيم عن أنس مرفوعا نحوه أيضا وفى
الباب أحاديث فى تعيين هذا السبب فى نزول هذه الآية وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن زيد
فى قوله ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ( الآية قال هؤلاء الكفرة وأخرج أيضا عن أبى مالك
فى قوله ) ذرهم ( قال خل عنهم وأخرج ابن جرير عن الزهرى فى قوله ) ما تسبق من أمة
أجلها وما يستأخرون ( قال نرى أنه إذا حضره أجله فإنه لا يؤخر ساعة ولا يقدم وأما
ما لم يحضر أجله فإن الله يؤخر ما شاء ويقدم ما شاء قلت وكلام الزهرى هذا لا حاصل
له ولا مفاد فيه وأخرج ابن جرير عن الضحاك فى قوله ) يا أيها الذي نزل عليه الذكر
( قال القرآن وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى
قوله ) ما ننزل الملائكة إلا بالحق ( قال بالرسالة والعذاب وأخرج ابن أبى حاتم عن
السدى فى قوله ) وما كانوا إذا منظرين ( قال وما كانوا لو نزلت الملائكة بمنظرين
من أن يعذبوا وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد )
وإنا له لحافظون ( قال عندنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن
عباس فى قوله ) في شيع الأولين ( قال أمم الأولين وأخرج ابن أبى حاتم عن أنس فى
قوله ) كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ( قال الشرك نسلكه فى قلوب المشركين وأخرج عبد
بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة مثله وأخرج عبد الرزاق وابن
جرير وابن المنذر عن الحسن مثله أيضا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر
وابن أبى حاتم عن قتادة ) وقد خلت سنة الأولين ( قال وقائع الله فيمن خلا من الأمم
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) فظلوا فيه يعرجون ( قال ابن
جريج قال ابن عباس فظلت الملائكة تعرج فنظروا إليهم لقالوا ) إنما سكرت أبصارنا (
قال قريش تقوله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم فى الآية عن
ابن عباس أيضا يقول ولو فتحنا عليهم بابا من أبواب السماء فظلت الملائكة تعرج فيه
يختلفون فيه ذاهبين وجائين لقال أهل الشرك إنما أخذ أبصارنا وشبه علينا وإنما
سحرنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) سكرت أبصارنا ( قال
سدت وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه قال ومن قرأ ) سكرت ( مخففة فإنه يعنى السحرت
"""""" صفحة رقم 125
""""""
سورة الحجر الآية ( 16 25 )
الحجر : ( 16 ) ولقد جعلنا في . . . . .
لما ذكر سبحانه كفر الكافرين وعجزهم وعجز أصنامهم ذكر قدرته الباهرة وخلقه البديع
ليستدل بذلك على وحدانيته فقال ) ولقد جعلنا في السماء بروجا ( الجعل إن كان بمعنى
الخلق ففى السماء متعلق به وإن كان بمعنى التصيير ففى السماء خبره والبروج فى
اللغة القصور والمنازل والمراد بها هنا منازل الشمس والقمر والنجوم السيارة وهى
الإثنا عشر المشهورة كما تدل على ذلك لتجربة والعرب تعد المعرفة بمواقع النجوم
ومنازلها من أجل العلوم ويستدلون بها على الطرقات والأوقات والخصب والجدب وقالوا
الفلك اثنا عشر برجا وأسماء هذه البروج الحمل الثور الجوزاء السرطان الأسد السنبلة
الميزان العقرب والقوس الجدى الدلو الحوت كل ثلاثة منها على طبيعة عنصر من العناصر
الأربعة المشتغلين بهذا العلم ويسمون الحمل والأسد والقوس مثلثة نارية والثور
والسنبلة والجدى مثلثة أرضية والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية والسرطان
والعقرب والحوت مثلثة مائية وأصل البروج الظهور ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها
وقال الحسن وقتادة البروج النجوم وسميت بذلك لظهورها وارتفاعها وقيل السبعة
السيارة منها قاله أبو صالح وقيل هى قصور وبيوت فى السماء فيها حرس والضمير فى
وزيناها راجع إلى السماء أى وزينا السماء بالشمس والقمر والنجوم والبروج للناظرين
إليها أو للمتفكرين المعتبرين المستدلين إذا كان من النظر وهو الاستدلال
الحجر : ( 17 ) وحفظناها من كل . . . . .
) وحفظناها ( أى السماء ) من كل شيطان رجيم ( قال أبو عبيدة الرجيم المرجوم
بالنجوم كما فى قوله ) رجوما للشياطين ( والرجم فى اللغة هو الرمى بالحجارة ثم قيل
للعن والطرد والإبعاد رجم لأن الرامى بالحجارة يوجب هذه المعانى
الحجر : ( 18 ) إلا من استرق . . . . .
) إلا من استرق السمع ( استثناء متصل أى إلا ممن استرق السمع ويجوز أن يكون منقطعا
أى ولكن من استرق السمع ) فأتبعه شهاب مبين ( والمعنى حفظنا السماء من الشياطين أن
تسمع شيئا من الوحى وغيره إلا من استرق السمع فإنها تتبعه الشهب فتقتله أو تخبله
ومعنى فأتبعه تبعه ولحقه أو أدركه والشهاب الكوكب أو النار المشتعلة الساطعة كما
فى قوله ) بشهاب قبس ( قال ذو الرمة كأنه كوكب فى إثر عفريت
وسمى الكوكب شهابا لبريقه شبه النار والمبين الظاهر للمبصرين يرونه لا يلتبس عليهم
قال القرطبى واختلف فى الشهاب هل يقتل أو لا فقال ابن عباس الشهاب يجرح ويحرق
ويخبل ولا يقتل وقال الحسن وطائفة يقتل
"""""" صفحة رقم 126
""""""
فعلى هذا القول فى قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجن قولان أحدهما أنهم
يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم فلا تصل أخبار السماء إلى غير
الأنبياء ولذلك انقطعت الكهانة والثانى أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من
السمع إلى غيرهم من الجن قال ذكره الماوردى ثم قال والقول الأول أصح قال واختلف هل
كان رمى بالشهب قبل المبعث فقال الأكثرون نعم وقيل لا وإنما ذلك بعد المبعث قال الزجاج
والرمى بالشهب من آيات النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مما حدث بعد مولده لأن
الشعراء فى القديم لم يذكروه فى أشعارهم قال كثير من أهل العلم نحن نرى انقضاض
الكواكب فيجوز أن يكون ذلك كما نرى ثم يصير نارا إذا أدرك الشيطان ويجوز أن يقال
يرمون بشعلة من نار الهواء فيخيل إلينا أنه نجم يسرى
الحجر : ( 19 ) والأرض مددناها وألقينا . . . . .
) والأرض مددناها ( أى بسطناها وفرشناها كما فى قوله ) والأرض بعد ذلك دحاها ( وفى
قوله ) والأرض فرشناها فنعم الماهدون ( وفيه رد على من زعم أنها كالكرة ) وألقينا
فيها رواسي ( أى جبال ثابتة لئلا تحرك بأهلها وقد تقدم بيان ذلك فى سورة الرعد )
وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ( أى أنبتنا فى الأرض من كل شيء مقدر معلوم فعبر عن
ذلك بالوزن لأنه مقدار تعرف به الأشياء ومنه قول الشاعر قد كنت قبل لقائكم ذا مرة
عندى لكل مخاصم ميزانه
وقيل معنى موزون مقسوم وقيل معدود والمقصود من الإثبات الإنشاء والإيجاد وقيل
الضمير راجع إلى الجبال أى أنبتنا فى الجبال من كل شيء موزون من الذهب والفضة
والنحاس والرصاص ونحو ذلك وقيل موزون بميزان الحكمة ومقدر بقدر الحاجة وقيل
الموزون هو المحكوم بحسنه كما يقال كلام موزون أى حسن
الحجر : ( 20 ) وجعلنا لكم فيها . . . . .
) وجعلنا لكم فيها معايش ( تعيشون بها من المطاعم والمشارب جمع معيشة وقيل هى
الملابس وقيل هى التصرف فى أسباب الرزق مدة الحياة قال الماوردى وهو الظاهر قلت بل
القول الأول أظهر ومنه قول جرير تكلفنى معيشة آل زيد
ومن لى بالمرقق والضباب
) ومن لستم له برازقين ( معطوف على معايش أى وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين
وهم المماليك والخدم والأولاد الذين رازقهم فى الحقيقة هو الله وإن ظن بعض العباد
أنه الرازق لهم باعتبار استقلاله بالكسب ويجوز أن يكون معطوفا على محل لكم أى
جعلنا لكم فيها معايش وجعلنا لمن لستم له برازقين فيها معايش وهم من تقدم ذكره
ويدخل فى ذلك الدواب على اختلاف أجناسها ولا يجوز العطف على الضمير المجرور فى لكم
لأنه لا يجوز عند الأكثر إلا بإعادة الجار وقيل أراد الوحش
الحجر : ( 21 ) وإن من شيء . . . . .
) وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ( إن هى النافية ومن مزيدة للتأكيد وهذا التركيب
عام لوقوع النكرة فى حيز النفى مع زيادة من ومع لفظ شيء المتناول لكل الموجودات
الصادق على كل فرد منها فأفاد ذلك أن جميع الأشياء عند الله خزائنها لا يخرج منها
شيء والخزائن جمع خزانة وهى المكان الذى يحفظ فيه نفائس الأمور وذكر الخزائن تمثيل
لاقتداره على كل مقدور والمعنى أن كل الممكنات مقدورة ومملوكة يخرجها من العدم إلى
الوجوب بمقدار كيف شاء وقال جمهور المفسرين إن المراد بما فى هذه الآية هو المطر
لأنه سبب الأرزاق والمعايش وقيل الخزائن المفاتيح أى ما من شيء إلا عندنا فى
السماء مفاتيحه والأولى ما ذكرناه من العموم لكل موجود بل قد يصدق الشيء على
المعدوم على الخلاف المعروف فى ذلك ) وما ننزله إلا بقدر معلوم ( أى ما ننزله من
السماء إلى الأرض أو نوجده للعباد إلا بقدر معلوم والقدر والمقدار والمعنى أن الله
سبحانه لا يوجد للعباد شيئا من تلك الأشياء المذكورة إلا متلبسا ذلك الإيجاد
"""""" صفحة رقم 127
""""""
بمقدار معين حسبما تقتضيه مشيئته على مقدار حاجة العباد إليه كما قال سبحانه ) ولو
بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء ( وقد فسر الإنزال
بالإعطاء وفسر بالإنشاء وفسر بالإيجاد والمعنى متقارب وجملة وما ننزله معطوفة على
مقدر أى وإن من شئ إلا عندنا خزائنه ننزله وما ننزله أو فى محل نصب على الحال
الحجر : ( 22 ) وأرسلنا الرياح لواقح . . . . .
) وأرسلنا الرياح لواقح ( معطوف على ) وجعلنا لكم فيها معايش ( وما بينهما اعتراض
قرأ حمزة ) الريح ( بالتوحيد وقرأ من عداه ) الرياح ( بالجمع وعلى قراءة حمزة
فتكون اللام فى الريح للجنس قال الأزهرى ) وأرسلنا الرياح لواقح ( لأنها تحمل
السحاب أى تقله وتصرفه ثم تمر به فتنزله قال الله سبحانه ) حتى إذا أقلت سحابا
ثقالا ( أى حملت وناقة لاقح إذا حملت الجنين فى بطنها وبه قال الفراء وابن قتيبة
وقيل لواقح بمعنى ملقحة قال ابن الأنبارى تقول العرب أبقل النبت فهو باقل أى مبقل
والمعنى أنها تلقح الشجر أى بقوتها وقيل معنى لواقح ذوات لقح قال الزجاج معناه
وذات لقحة لأنها تعصر السحاب وتدره كما تدر اللقحة يقال رامح أى ذو رمح ولابن أى
ذو لبن وتامر أى ذو تمر قال أبو عبيدة لواقح بمعنى ملاقح ذهب إلى أنها جمع ملقحة
وفى هذه الآية تشبيه الرياح التى تحمل الماء بالحامل ولقاح الشجر بلقاح الحمل )
وأنزلنا من السماء ماء ( أى من الحساب وكل ما علاك فأظلك فهو سماء وقيل من جهة
السماء والمراد بالماء هنا ماء المطر ) فأسقيناكموه ( أى جعلنا ذلك المطر لسقياكم
ولشرب مواشيكم وأرضكم قال أبو علي يقال سقيته الماء إذا أعطيته قدر ما يروى
وأسقيته نهرا أى جعلته شربا له وعلى هذا فأسقيناكموه أبلغ من سقيناكموه وقيل سقى
وأسقى بمعنى واحد ) وما أنتم له بخازنين ( أى ليست خزائنه عندكم بل خزائنه عندنا
ونحن الخازنون له فنفى عنهم سبحانه ما أثبته لنفسه فى قوله ) وإن من شيء إلا عندنا
خزائنه ( وقيل المعنى إن ما أنتم له بخازنين بعد أن أنزلناه عليكم أى لا تقدرون
على حفظه فى الآبار والغدران والعيون بل نحن الحافظون له فيها ليكون ذخيرة لكم عند
الحاجة إليه
الحجر : ( 23 ) وإنا لنحن نحيي . . . . .
) وإنا لنحن نحيي ونميت ( أى نوجد الحياة فى المخلوقات ونسلبها عنها متى شئنا
والغرض من ذلك الاستدلال بهذه الأمور على كمال قدرته عز وجل وأنه القادر على البعث
والنشور والجزاء لعباده على حسب ما يستحقونه وتقتضيه مشيئته ولهذا قال ) ونحن
الوارثون ( أى للأرض ومن عليها لأنه سبحانه الباقى بعد فناء خلقه الحى الذى لا
يموت الدائم الذى لا ينقطع وجوده ولله ميراث السموات والأرض
الحجر : ( 24 ) ولقد علمنا المستقدمين . . . . .
) ولقد علمنا المستقدمين منكم ( هذه اللام هى الموطئة للقسم وهكذا اللام فى ) ولقد
علمنا المستأخرين ( والمراد من تقدم ولادة وموتا ومن تأخر فيهما وقيل من تقدم طاعة
ومن تأخر فيها وقيل من تقدم فى صف القتال ومن تأخر وقيل المراد بالمستقدمين
الأموات وبالمستأخرين الأحياء وقيل المستقدمين هم الأمم المتقدمون على أمة محمد
والمستأخرون هو أمة محمد وقيل المستقدمون من قتل فى الجهاد والمستأخرون من لم يقتل
الحجر : ( 25 ) وإن ربك هو . . . . .
) وإن ربك هو يحشرهم ( أى هو المتولى لذلك القادر عليه دون غيره كما يفيده ضمير
الفصل من الحصر وفيه أنه سبحانه يجازى المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته لأنه الأمر
المقصود من الحشر ) إنه حكيم ( يجرى الأمور على ما تقتضيه حكمته البالغة ) عليم (
أحاط علمه بجميع الأشياء لا يخفى عليه شئ منها ومن كان كذلك فله القدرة البالغة
على كل شئ مما وسعه علمه وجرى فيه حكمه سبحانه لا إله إلا هو
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) ولقد جعلنا في
السماء بروجا ( قال كواكب وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة مثله وأخرج ابن
أبى حاتم عن أبى صالح قال الكواكب العظام وأخرج أيضا عن عطية قال قصورا فى السماء
فيها الحرس وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن
"""""" صفحة رقم 128
""""""
أبى حاتم عن قتادة قال الرجيم الملعون وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس
فى قوله ) إلا من استرق السمع ( أراد أن يخطف السمع كقوله ) إلا من خطف الخطفة (
وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن الضحاك قال كان ابن عباس يقول إن الشهب لا تقتل
ولكن تحرق وتخبل وتجرح من غير أن تقتل وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه فى قوله )
وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ( قال معلوم وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا ) من كل
شيء موزون ( قال بقدر وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن زيد قال الأشياء التى
توزن وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عكرمة قال ما أنبتت الجبال
مثل الكحل وشبهه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) ومن
لستم له برازقين ( قال الذواب والأنعام وأخرج هؤلاء عن منصور قال الوحش وأخرج
البزار وابن مردويه وأبو الشيخ فى العظمة عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى
الله عليه وسلم ) خزائن الله الكلام فإذا أراد شيئا قال له كن فكان وأخرج ابن جرير
عن ابن جريج فى قوله ) إلا عندنا خزائنه ( قال المطر خاصة وأخرج ابن المنذر عن
مجاهد نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال ما نقص المطر منذ
أنزله الله ولكن تمطر أرض أكثر مما تمطر أخرى ثم قرأ وما ننزله إلا بقدر معلوم
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال ما من عام بأمطر من عام
ولكن الله يصرفه حيث يشاء ثم قرأ ) وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا
بقدر معلوم ( وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى
حاتم والطبرانى عن ابن مسعود فى قوله ) وأرسلنا الرياح لواقح ( قال يرسل الله
الريح فتحمل الماء فتلقح به السحاب فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر وأخرج ابن أبى
حاتم وأبو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى
حاتم وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قما ثم يبعث
المثيرة فتثير السحاب فتجعله كسفا ثم يبعث المؤلفة فتؤلف بينه فيجعله ركاما ثم
يبعث اللواقح فتلقحه فتمطر وأخرج ابن أبى الدنيا وابن جرير وأبو الشيخ فى العظمة
وابن مردويه والديلمى بسند ضعيف عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه
وسلم ) يقول ريح الجنوب من الجنة وهى الريح اللواقح التى ذكر الله فى كتابه وأخرج
الطيالسى وسعيد ابن منصور وأحمد والترمذى والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن
المنذر وابن أبى حاتم وابن خزيمة وابن حبان والطبرانى والحاكم وصححه عن ابن عباس
قال كانت امرأة تصلى خلف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حسناء من أحسن النساء
فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون فى الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون
فى الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله ) ولقد علمنا المستقدمين
منكم ولقد علمنا المستأخرين ( وهذا الحديث هو من رواية أبى الجوزاء عن ابن عباس
وقد رواه عبد الرزاق وابن المنذر من قول أبى الجوزاء قال الترمذى وهذا أشبه أن
يكون أصح وقال ابن كثير فى هذا الحديث نكارة شديدة وأخرج الحاكم وابن مردويه عن
ابن عباس فى الآية قال المستقدمين الصفوف المقدمة والمستأخرين الصفوف المؤخرة وقد
وردت أحاديث كثيرة فى أن خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء
آخرها وشرها أولها وأخرج ابن أبى حاتم عن عطاء ومقاتل بن حبان أن الآية فى صفوف
القتال وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن الحسن قال المستقدمين فى طاعة الله
والمسأخرين فى معصية الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه
عن ابن عباس قال يعنى بالمستقدمين من مات وبالمستأخرين من هو حى لم يمت
"""""" صفحة رقم 129
""""""
وأخرج هؤلاء عنه أيضا قال المستقدمين آدم ومن مضى من ذريته والمستأخرين فى أصلاب
الرجال وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة نحوه
سورة الحجر الآية ( 26 44 )
الحجر : ( 26 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . .
المراد بالإنسان فى قوله ) ولقد خلقنا الإنسان ( هو آدم لأنه أصل هذا النوع
والصلصال قال أبو عبيدة هو الطين المخلوط بالرمل الذى يتصلصل إذا حرك فإذا طبخ فى
النار فهو الفخار وهذا قول أكثر المفسرين وقال الكسائى هو الطين المنن مأخوذ من
قول العرب صل اللحم وأصل إذا أنتن مطبوخا كان أو نيئا
قال الحطيئة ذاك فتى يبذل ذا قدرة
لا يفسد اللحم لديه الصلول
والحمأ الطين الأسود المتغير أو الطين الأسود من غير تقييد بالمتغير قال ابن
السكيت تقول منه حمأت البئر حمأ بالتسكين إذا نزعت حمأتها وحمئت البئر حمأ
بالتحريك كثرت حمأتها وأحميتها إحماء ألقيت فيها الحمأة قال أبو عبيدة الحمأة
بسكون الميم مثل الحمأة يعنى بالتحريك والجمع حمء مثل تمرة وتمر والحمأ المصدر مثل
الهلع والجزع ثم سمى به والمسنون قال الفراء هو المتغير وأصله من سننت الحجر على
الحجر إذا حككته وما يخرج بين الحجرين يقال له السنانة والسنين ومنه قول عبد
الرحمن بن حسان ثم حاصرتها إلى القبة الحمرا
تمشى فى مرمر وسنون
أى محكوك ويقال أسن الماء إذا تغير ومنه قوله ) لم يتسنه ( وقوله ) ماء غير آسن (
وكلا الاشتقاقين يدل على التغير لأن ما يخرج بين الحجرين لا يكون إلا منتنا وقال
أبو عبيدة المسنون المصوب وهو من قول
"""""" صفحة رقم 130
""""""
العرب سننت الماء على الوجه إذا صببته والسن الصب وقال سيبويه المسنون المصور
مأخوذ من سنة الوجه وهى صورته ومنه قول ذى الرمة تريك سنة وجه غير مقرفة
ملساء ليس بها خال ولا ندب
وقال الأخفش المسنون المنصوب القائم من قولهم وجه مسنون إذا كان فيه طول والحاصل
على هذه الأقوال أن التراب لما بل صار طينا فلما أنتن صار حمأ مسنونا فلما يئس صار
صلصالا فأصل الصلصال هو الحمأ المسنون ولهذا وصف بهما
الحجر : ( 27 ) والجان خلقناه من . . . . .
) والجان خلقناه من قبل من نار السموم ( الجان أبو الجن عند جمهور المفسرين وقال
عطاء والحسن وقتادة ومقاتل هو إبليس وسمى جانا لتواريه عن الأعين يقال جن الشيء
إذا ستره فالجان يستر نفسه عن أعين بنى آدم ومعنى من قبل من قبل خلق آدم والسموم
الريح الحادة النافذة فى المسام تكون بالنهار وقد تكون بالليل كذا قال أبو عبيدة
وذكر خلق الإنسان والجان فى هذا الموضع للدلالة على كمال القدرة الإلهية وبيان أن
القادر على النشأة الأولى قادر على النشأة الأخرى
الحجر : ( 28 ) وإذ قال ربك . . . . .
) وإذ قال ربك للملائكة ( الظرف منصوب بفعل مقدر أى اذكر بين سبحانه بعد ذكره لخلق
الإنسان ما وقع عند خلقه له وقد تقدم تفسير ذلك فى البقرة والبشر مأخوذ من البشرة
وهى ظاهر الجلد وقد تقدم تفسير الصلصال والحمأ المسنون قريبا مستوفى
الحجر : ( 29 ) فإذا سويته ونفخت . . . . .
) فإذا سويته ( أى سويت خلقه وعدلت صورته الإنسانية وكملت أجزاءه ) ونفخت فيه من
روحي ( النفخ إجراء الريح فى تجاويف جسم آخر فمن قال إن الروح جسم لطيف كالهواء
فمعناه ظاهر ومن قال إنه جوهر مجرد غير متحيز ولا حال فى متحيز فمعنى النفخ عنده
تهيئة البدن لتعلق النفس الناطقة به قال النيسابورى ولا خلاف فى أن الإضافة فى
روحى للتشريف والتكريم مثل ناقة الله وبيت الله قال القرطبى والروح جسم لطيف أجرى
الله العادة بأن يخلق الحياة فى البدن مع ذلك الجسم وحقيقته إضافة خلق إلى خالق
فالروح خلق من خلقه اضافه إلى نفسه تشريفا وتكريما قال ومثله وروح منه وقد تقدم فى
النساء ) فقعوا له ساجدين ( الفاء تدل على أن سجودهم واجب عليهم عقب التسوية
والنفخ من غير تراخ وهو أمر بالوقوع من وقع يقع وفيه دليل على أن المأمور به هو
السجود لا مجرد الإنحناء كما قيل وهذا السجود هو سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة
ولله أن يكرم من يشاء من مخلوقاته كيف يشاء بما يشاء وقيل كان السجود لله تعالى
وكان آدم قبله لهم
الحجر : ( 30 ) فسجد الملائكة كلهم . . . . .
) فسجد الملائكة كلهم أجمعون ( أخبر سبحانه بأن الملائكة سجدوا جميعا عند أمر الله
سبحانه لهم بذلك من غير تراخ قال المبرد قوله كلهم أزال احتمال أن بعض الملائكة لم
يسجد وقوله أجمعون توكيد بعد توكيد ورجح هذا الزجاج قال النيسابورى وذلك لأن أجمع
معرفة فلا يقع حالا ولو صح أن يكون حالا لكان منتصبا
الحجر : ( 31 ) إلا إبليس أبى . . . . .
ثم استثنى إبليس من الملائكة فقال ) إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ( قيل هذا
الاستثناء متصل لكونه كان من جنس الملائكة ولكنه أبى ذلك استكبارا واستعظاما لنفسه
وحسدا لآدم فحقت عليه كلمة الله وقيل إنه لم يكن من الملائكة ولكنه كان معهم فغلب
اسم الملائكة عليه وأمر بما أمروا به فكان الاستثناء بهذا الاعتبار متصلا وقيل إن
الاستثناء منفصل بناء على عدم كونه منهم وعدم تغليبهم عليه أى ولكن إبليس أبى أن
يكون مع الساجدين وقد تقدم الكلام فى هذا فى سورة البقرة وجملة ) أبى أن يكون مع
الساجدين ( استئناف مبين لكيفية ما فيهم من الاستثناء من عدم السجود لأن عدم
السجود قد يكون مع التردد فبين سبحانه أنه كان على وجه الإباء
الحجر : ( 32 ) قال يا إبليس . . . . .
وجملة ) قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين ( مستأنفة أيضا جواب سؤال مقدر
كأنه قيل فماذا قال الله سبحانه لإبليس بعد أن أبى السجود وهذا الخطاب له ليس
للتشريف والتكريم بل للتقريع والتوبيخ والمعنى
"""""" صفحة رقم 131
""""""
غرض لك فى الامتناع وأى سبب حملك عليه على أن لا تكون مع الساجدين لآدم مع
الملائكة وهم فى الشرف علو المنزلة والقرب من الله بالمنزلة التى قد علمتها
الحجر : ( 33 ) قال لم أكن . . . . .
وجملة ) قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون ( مستأنفة كالتى قبلها
جعل العلة لترك سجوده كون آدم بشرا مخلوقا من صلصال من حمأ مسنون زعما منه أنه
مخلوق من عنصر أشرف من عنصر آدم وفيه إشارة إجمالية فى كونه خيرا منه وقد صرح بذلك
فى موضع آخر فقال ) أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ( وقال فى موضع آخر )
أأسجد لمن خلقت طينا ( واللام فى لأسجد لتأكيد النفى أى لا يصح ذلك منى
الحجر : ( 34 ) قال فاخرج منها . . . . .
فأجاب الله سبحانه عليه بقوله ) قال فاخرج منها فإنك رجيم ( والضمير فى منها قيل
عائد إلى الجنة وقيل إلى السماء وقيل إلى زمرة الملائكة أى فاخرج من زمرة الملائكة
فإنك رجيم أى مرجوم بالشهب وقيل معنى ) رجيم ( ملعون أى مطرود لأن من يطرد يرجم
بالحجارة
الحجر : ( 35 ) وإن عليك اللعنة . . . . .
) وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ( أى عليك الطرد والإبعاد من رحمة الله سبحانه
مستمرا عليك لازما لك إلى يوم الجزاء وهو يوم القيامة وجعل يوم الدين غاية للعنة
لا يستلزم انقطاعها فى ذلك الوقت لأن المراد دوامها من غير انقطاع وذكر يوم الدين
للمبالغة كما فى قوله تعالى ) ما دامت السماوات والأرض ( أو أن المراد أنه فى يوم
الدين وما بعده يعذب بما هو أشد من اللعن من أنواع العذاب فكأنه لا يجد له ما كان
يجده قبل أن يمسه العذاب
الحجر : ( 36 ) قال رب فأنظرني . . . . .
) قال رب فأنظرني ( أى أخرنى وأمهلنى ولا تمتنى إلى يوم يبعثون أى آدم وذريته طلب
أن يبقى حيا إلى هذا اليوم لما سمع ذلك علم أن الله قد أخر عذابه إلى الدار الآخرة
وكأنه طلب أن لا يموت أبدا لأنه إذا أخر موته إلى ذلك اليوم فهو يوم لا موت فيه
وقيل إنه لم يطلب أن لا يموت بل طلب أن يؤخر عذابه إلى يوم القيامة ولا يعذب فى
الدنيا
الحجر : ( 37 ) قال فإنك من . . . . .
) قال فإنك من المنظرين ( لما سأل الإنظار أجابه الله سبحانه إلى ما طلبه وأخبره
بأنه من جملة من أنظره ممن أخر آجالهم من مخلوقاته أو من جملة من أخر عقوبتهم بما
اقترفوا
الحجر : ( 38 ) إلى يوم الوقت . . . . .
ثم بين سبحانه الغاية التى أمهله إليها فقال ) إلى يوم الوقت المعلوم ( وهو يوم
القيامة فإن يوم الدين ويوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم كلها عبارات عن يوم القيامة
وقيل المراد بالوقت المعلوم هو الوقت القريب من البعث فعند ذلك يموت
الحجر : ( 39 ) قال رب بما . . . . .
) قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ( الباء للقسم وما مصدرية وجواب القسم
لأزينن لهم أى أقسم بإغوائك إياى لأزينن لهم فى الأرض أى ما داموا فى الدنيا
والتزيين منه إما بتحسين المعاصى لهم وأيقاعهم فيها أو يشغلهم بزينة الدنيا عن فعل
ما أمرهم الله به فلا يلتفتون إلى غيرها وإقسامه ها هنا بإغواء الله له لا ينافى
إقسامه فى موضع آخر بعزة الله التى هى سلطانه وقهره لأن الإغراء له هو من جملة ما
تصدق عليه العزة ) ولأغوينهم أجمعين ( أى لأضلنهم عن طريق الهدى وأوقعهم فى طريق
الغواية وأحملهم عليها
الحجر : ( 40 ) إلا عبادك منهم . . . . .
) إلا عبادك منهم المخلصين ( قرأ أهل المدينة وأهل الكوفة بفتح اللام أى الذين
استخلصتهم من العباد وقرأ الباقون بكسر اللام أى الذين أخلصوا لك العبادة فلم
يقصدوا بها غيرك
الحجر : ( 41 ) قال هذا صراط . . . . .
) قال هذا صراط علي مستقيم ( أى حق على أن أراعيه وهو أن لا يكون لك على عبادى
سلطان قال الكسائى هذا على الوعيد والتهديد كقولك لمن تهدده طريقك علي ومصيرك إلي
وكقوله ) إن ربك لبالمرصاد ( فكأن معنى هذا الكلام هذا طرق مرجعه إلي فأجازى كلا
بعمله وقيل على هنا بمعنى إلي وقيل المعنى على أن الصراط المستقيم بالبيان والحجة
وقيل بالتوفيق والهداية وقرأ ابن سيرين وقتادة والحسن وقيس بن عباد وأبو رجاء
وحميد ويعقوب ) هذا صراط علي ( على أنه صفة مشبهة ومعناه رفيع ) إن عبادي ليس لك
عليهم سلطان ( المراد بالعباد هنا هم المخلصون والمراد أنه
الحجر : ( 42 ) إن عبادي ليس . . . . .
لا تسلط له عليهم بإيقاعهم فى ذنب يهلكون به ولا يتوبون منه فلا ينافى هذا ما وقع
من آدم وحواء ونحوهما فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة عنه ) إلا من اتبعك من الغاوين
( استثنى سبحانه من عباده هؤلاء وهم المتبعون لإبليس
"""""" صفحة رقم 132
""""""
من الغاوين عن طريق الحق الواقعين فى الضلال وهو موافق لما قاله إبليس اللعين من
قوله لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ويمكن أن يقال إن بين الكلامين
فرقاه فكلام الله سبحانه فيه نفى سلطان إبليس على جميع عباده إلا من اتبعه من
الغاوين فيدخل فى ذلك المخلصون وغيرهم ممن لم يتبع إبليس من الغاوين وكلام إبليس
اللعين يتضمن إغواء الجميع إلا المخلصين فدخل فيهم من لم يكن مخلصا ولا تابعا
لإبليس غاويا والحاصل أن بين المخلصين والغاوين التابعين لإبليس طائفة لم تكن
مخلصة ولا غاوية تابعة لإبليس وقد قيل إن الغاوين المتبعين لإبليس هم المشركون
ويدل على ذلك قوله تعالى ) إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون )
الحجر : ( 43 ) وإن جهنم لموعدهم . . . . .
ثم قال الله سبحانه متوعدا لأتباع إبليس ) وإن جهنم لموعدهم أجمعين ( أى موعد
المتبعين الغاوين وأجمعين تأكيد للضمير أو حال
الحجر : ( 44 ) لها سبعة أبواب . . . . .
) لها سبعة أبواب ( يدخل أهل النار منها وإنما كانت سبعة لكثرة أهلها ) لكل باب منهم
( أى من الأتباع الغواة ) جزء مقسوم ( أى قدر معلوم متميز عن غيره وقيل المراد
بالأبواب الأطباق طبق فوق طبق وهى جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم
الجحيم ثم الهاوية فأعلاها للموحدين والثانية لليهود والثالثة للنصارى والرابعة
للصابئين والخامسة للمجوس والسادسة للمشركين والسابعة للمنافقين فجهنم أعلى الطباق
ثم ما بعدها تحتها ثم كذلك كذا قيل
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس قال خلق الإنسان
من ثلاث من طين لازب وصلصال وحمأ مسنون فالطين اللازب اللازم الجيد والصلصال
المدقق الذى يصنع منه الفخار والحمأ المسنون الطين الذى فيه الحمأة وأخرج عبد بن
حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عنه قال الصلصال الماء يقع
على الأرض الطيبة ثم يحسر عنها فتشقق ثم تصير مثل الخزف الرقاق وأخرج ابن جرير
وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا قال الصلصال هو التراب اليابس الذى يبل بعد
يبسه وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال الصلصال طين خلط برمل وأخرج ابن أبى حاتم
عنه أيضا قال الصلصال الذى إذا ضربته صلصل وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال
الصلصال الطين تعصر بيدك فيخرج الماء من بين أصابعك وأخرج ابن جرير وابن المنذر
وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) من حمإ مسنون ( قال من طين رطب وأخرج هؤلاء عنه
أيضا ) من حمإ مسنون ( قال من طين منتن وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال الجان
مسيخ الجن كالقردة والخنازير مسيخ الإنس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر
وابن أبى حاتم عن قتادة قال الجان هو إبليس خلق من قبل آدم وأخرج ابن أبى حاتم عن
ابن عباس فى قوله ) والجان خلقناه من قبل من نار السموم ( قال من أحسن النار وأخرج
ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه قال نار السموم الحارة التى تقتل وأخرج الطيالسى
والفريابى وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه والبيهقى فى الشعب عن ابن مسعود
قال السموم التى خلق منها الجان جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ثم قرأ ) والجان
خلقناه من قبل من نار السموم ( وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعا وأخرج ابن أبى حاتم
وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ( قال أراد
إبليس لا يذوق الموت فقيل إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال النفخة
الأولى يموت فيها إبليس وبين النفخة والنفخة أربعون سنة وأخرج أبو عبيد وابن جرير
وابن المنذر عن ابن سيرين ) هذا صراط علي مستقيم ( أى رفيع وأخرج ابن جرير وابن
أبى حاتم عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) لها سبعة أبواب
( بعدد أطباق جهنم كما قدمنا وأخرج ابن المبارك وابن أبى شيبة وأحمد فى الزهد
وهناد وعبد بن حميد وابن أبى الدنيا فى صفة النار وابن جرير وابن أبى حاتم
"""""" صفحة رقم 133
""""""
والبيهقى فى البعث من طرق عن علي قال أطباق جهنم سبعة بعضها فوق بعض فيملأ الأول
ثم الثانى ثم الثالث حتى تملأ كلها وأخرج البخارى فى تاريخه والترمذى وابن مردويه
عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بجهنم سبعة أبواب باب منها
لمن سل السيف على أمتى وقد ورد فى صفة النار أحاديث وآثار وأخرج ابن مردويه
والخطيب فى تاريخه عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله تعالى
) لكل باب منهم جزء مقسوم ( قال جزء أشركوا بالله وجزء شكوا فى الله وجزء غفلوا عن
الله
سورة الحجر الآية ( 45 66 )
الحجر : ( 45 ) إن المتقين في . . . . .
قوله ) إن المتقين في جنات وعيون ( أى المتقين للشرك بالله كما قاله جمهور الصحابة
والتابعين وقيل هم الذين اتقوا جميع المعاصى فى جنات وهى البساتين وعيون وهى
الأنهار قرئ بضم العين من عيون على الأصل وبالكسر مراعاة للياء والتركيب يحتمل أن
يكون لجميع المتقين جنات وعيون أو لكل واحد منهم جنات وعيون أو لكل واحد منهم جنة
وعين
الحجر : ( 46 ) ادخلوها بسلام آمنين
) ادخلوها ( قرأ الجمهور بلفظ الأمر على تقدير القول أى قيل لهم أدخلوها وقرأ
الحسن وأبو العالية وروى عن يعقوب بضم الهمزة مقطوعة وفتح الخاء على أنه فعل مبنى
للمفعول أى أدخلهم الله إياها وقد قيل إنهم إذا كانوا فى جنات وعيون فكيف يقال لهم
بعد ذلك ادخولها على قراءة الجمهور فإن الأمر لهم بالدخول يشعر بأنهم لم يكونوا
فيها وأجيب بأن المعنى أنهم لما صاروا فى الجنات فإذا
"""""" صفحة رقم 134
""""""
انتقلوا من بعضها إلى بعض يقال لهم عند الوصول إلى التى أرادوا الإنتقال إليها
ادخلوها ومعنى ) بسلام آمنين ( بسلامة من الآفات وأمن من المخافات أو مسلمين على
بعضهم بعضا أو مسلما عليهم من الملائكة أو من الله عز وجل
الحجر : ( 47 ) ونزعنا ما في . . . . .
) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( الغل الحقد والعداوة وقد مر تفسيره فى الأعراف
وانتصاب ) إخوانا ( على الحال أى إخوة فى الدين والتعاطف ) على سرر متقابلين ( أى
حال كونهم على سرر وعلى صورة مخصوصة وهى التقابل ينظر بعضهم إلى وجه بعض والسرر
جمع سرير وقيل هو المجلس الرفيع المهيب للسرور ومنه قولهم سر الوادى لأفضل موضع
منه
الحجر : ( 48 ) لا يمسهم فيها . . . . .
) لا يمسهم فيها نصب ( أى تعب وإعياء لعدم وجود ما يتسبب عنه ذلك فى الجنة لأنها
نعيم خالص ولذة محضة تحصل لهم بسهولة وتوافيهم مطالبهم بلا كسب ولا جهد بل بمجرد
خطور شهوة الشيء بقلوبهم يحصل ذلك الشيء عندهم صفوا عفوا ) وما هم منها بمخرجين (
أبدا وفى هذا الخلود الدائم وعلمهم به تمام اللذة وكمال النعيم فإن علم من هو فى
نعمة ولذة بانقطاعها وعدمها بعد حين موجب لتنغص نعيمه وتكدر لذته
الحجر : ( 49 ) نبئ عبادي أني . . . . .
ثم قال سبحانه بعد أن قص علينا ما للمتقين عنده من الجزاء العظيم والأجر الجزيل )
نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ( أى أخبرهم يا محمد أنى أنا الكثير المغفرة
لذنوبهم الكثير الرحمة لهم كما حكمت به على نفسى إن رحمتى سبقت غضبى اللهم اجعلنا
من عبادك الذين تفضلت عليهم بالمغفرة وأدخلتهم تحت واسع الرحمة ثم إنه سبحانه لما
أمر رسوله بأن يخبر عباده بهذه البشارة العظيمة أمره بأن يذكر لهم شيئا مما يتضمن
التخويف والتحذير حتى يجتمع الرجاء والخوف ويتقابل التبشير والتحذير ليكونوا راجين
خائفين
الحجر : ( 50 ) وأن عذابي هو . . . . .
فقال ) وأن عذابي هو العذاب الأليم ( أى الكثير الإيلام وعند أن جمع الله لعباده
بين هذين الأمرين من التبشير والتحذير صاروا فى حالة وسطا بين اليأس والرجاء وخير
الأمور أوساطها وهى القيام على قدمى الرجاء والخوف وبين حالتى الأنس والهيبة
الحجر : ( 51 ) ونبئهم عن ضيف . . . . .
وجملة ) ونبئهم عن ضيف إبراهيم ( معطوفة على جملة ) نبئ عبادي ( أى أخبرهم بما جرى
على إبراهيم من الأمر الذى اجتمع فيه له الرجاء والخوف والتبشير الذى خالطه نوع من
الوجل ليعتبروا بذلك ويعلموا أنها سنة الله سبحانه فى عباده وأيضا لما اشتملت
القصة على إنجاء المؤمنين وإهلاك الظالمين كان فى ذلك تقريرا لكونه الغفور الرحيم
وأن عذابه هو العذاب الأليم وقد مر تفسير هذه القصة فى سورة هود
الحجر : ( 52 ) إذ دخلوا عليه . . . . .
وانتصاب ) إذ دخلوا عليه ( بفعل مضمر معطوف على ) نبئ عبادي ( أى واذكر لهم دخلوهم
عليه أو فى محل نصب على الحال والضيف فى الأصل مصدر ولذلك وحد وإن كانوا جماعة
وسمى ضيفا لإضافته إلى المضيف ) فقالوا سلاما ( أى سلمنا سلاما ) قال إنا منكم
وجلون ( أى فزعون خائفون وإنما قال هذا بعد أن قرب إليهم العجل فرآهم لا يأكلون
منه كما تقدم فى سورة هود ) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة (
وقيل أنكر السلام منهم لأنه لم يكن فى بلادهم وقيل أنكر دخولهم عليه بغير استئذان
الحجر : ( 53 ) قالوا لا توجل . . . . .
) قالوا لا توجل ( أى قالت الملائكة لا تخف وقرئ لا تاجل ولا توجل من أوجله أى
أخافه وجملة ) إنا نبشرك بغلام عليم ( مستأنفة لتعليل النهى عن الوجل والعليم كثير
العلم وقيل هو الحليم كما وقع فى موضع آخر من القرآن وهذا الغلام هو إسحاق كما
تقدم فى هود ولم يسمه هنا ولا ذكر التبشير بيعقوب اكتفاء بما سلف
الحجر : ( 54 ) قال أبشرتموني على . . . . .
) قال أبشرتموني ( قرأ الجمهور بألف الإستفهام وقرأ الأعمش ? بشرتمونى ? بغير
الألف ) على أن مسني الكبر ( فى محل نصب على الحال أى مع حالة الكبر والهرم ) فبم
تبشرون ( استفهام تعجب كأنه عجب من حصول الولد له مع ما قد صار إليه من الهرم الذى
جرت العادة بأنه لا يولد لمن بلغ إليه والمعنى فبأى شيء تبشرون فإن البشارة بما لا
يكون عادة لا تصح وقرأ نافع ) تبشرون ( بكسر النون والتخفيف وإبقاء الكسرة لتدل
على الياء المحذوفة وقرأ ابن كثير
"""""" صفحة رقم 135
""""""
وابن محيصن بكسر النون مشددة على إدغام النون فى النون وأصله ? تبشروننى ? وقرأ
الباقون تبشرون بفتح النون
الحجر : ( 55 ) قالوا بشرناك بالحق . . . . .
) قالوا بشرناك بالحق ( إى باليقين الذى لا خلف فيه فإن ذلك وعد الله وهو لا يخلف
الميعاد ولا يستحيل عليه شيء فإنه القادر على كل شيء ) فلا تكن من القانطين ( هكذا
قرأ الجمهور بإثبات الألف وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب من القنطين بغير ألف وروى ذلك
عن أبى عمرو أى من الآيسين من ذلك الذى بشرناك به
الحجر : ( 56 ) قال ومن يقنط . . . . .
) قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ( قرئ بفتح النون من يقنط وبكسرها وهما
لغتان وحكى فيه ضم النون والضالون المكذبون أو المخطئون الذاهبون عن طريق الصواب
أى إنما استبعدت الولد لكبر سنى لا لقنوطى من رحمة ربى
الحجر : ( 57 ) قال فما خطبكم . . . . .
ثم سألهم عما لأجله أرسلهم الله سبحانه ف ) قال فما خطبكم أيها المرسلون ( الخطب
الأمر الخطير والشأن العظيم أى فما أمركم وشأنكم وما الذى جئتم به غير ما قد
بشرتمونى به وكأنه قد فهم أن مجيئهم ليس لمجرد البشارة بل لهم شأن آخر لأجله
أرسلوا
الحجر : ( 58 ) قالوا إنا أرسلنا . . . . .
) قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ( أى إلى قوم له إجرام فيدخل تحت ذلك الشرك وما
هو دونه وهؤلاء القوم هم قوم لوط
الحجر : ( 59 ) إلا آل لوط . . . . .
ثم استثنى منهم من ليسوا مجرمين فقال ) إلا آل لوط ( وهو استثناء متصل لأنه من
الضمير فى مجرمين ولو كان من قوم لكان منقطعا لكونهم قد وصفوا بكونهم مجرمين وليس
آل لوط مجرمين ثم ذكر ما سيختص به آل لوط من الكرامة لعدم دخولهم مع القوم فى
إجرامهم فقال ) إنا لمنجوهم أجمعين ( أى آل لوط وهم أتباعه وأهل دينه وهذه الجملة
مستأنفة على تقدير كون الاستثناء متصلا كأنه قيل ماذا يكون حال آل لوط فقال إنا
لمنجوهم أجعين وأما على تقدير كون الاستثناء منقطعا فهى خبر أى لكن آل لوط ناجون
من عذابنا وقرأ حمزة والكسائى ) لمنجوهم ( بالتخفيف من أنجا وقرأ الباقون بالتشديد
من نجى واختار هذه القراءة الأخيرة أبو عبيدة وأبو حاتم والتنجية والإنجاء التخليص
مما وقع فيه غيرهم
الحجر : ( 60 ) إلا امرأته قدرنا . . . . .
) إلا امرأته ( هذا الاستثناء من الضمير فى منجوهم إخراجا لها من التنجية أى إلا
امرأته فليست ممن ننجيه بل ممن نهلكه وقيل إن الاستثناء من آل لوط باعتبار ما حكم
لهم به من التنجية والمعنى قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنهلكهم إلا آل لوط
إنا لمنجوهم إلا امرأته فإنها من الهالكين ومعنى ) قدرنا إنها لمن الغابرين (
قضينا وحكمنا أنها من الباقين فى العذاب مع الكفرة والغابر الباقى قال الشاعر لا
تكسح الشول بأغبارها
إنك لا تدرى من الناتج
والإغبار بقايا اللبن قال الزجاج معنى قدرنا دبرنا وهو قريب من معنى قضينا وأصل
التقدير جعل الشيء على مقدار الكفاية وقرأ عاصم من رواية أبى بكر والمفضل ) قدرنا
( بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد قال الهروى هما بمعنى وإنما أسند التقدير إلى
الملائكة مع كونه من فعل الله سبحانه لما لهم من القرب عند الله
الحجر : ( 61 ) فلما جاء آل . . . . .
) فلما جاء آل لوط المرسلون ( هذه الجملة مستأنفة لبيان وإهلاك من يستحق الهلاك
وتنجية من يستحق النجاة
الحجر : ( 62 ) قال إنكم قوم . . . . .
) قال إنكم قوم منكرون ( أى قال لوط مخاطبا لهم إنكم قوم منكرون أى لا أعرفكم بل
أنكركم
الحجر : ( 63 ) قالوا بل جئناك . . . . .
) قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون ( أى بالعذاب الذى كانوا يشكون فيه
فالإضراب هو عن مجيئهم بما ينكره كأنهم قالوا ما جئناك بما خطر ببالك من المكروه
بل جئناك بما فيه سرورك وهو عذابهم الذى كنت تحذرهم منه وهم يكذبونك
الحجر : ( 64 ) وأتيناك بالحق وإنا . . . . .
) وأتيناك بالحق ( أى باليقين الذى لا مرية فيه ولا تردد وهو العذاب النازل بهم لا
محالة ) وإنا لصادقون ( فى ذلك الخبر الذى أخبرناك
الحجر : ( 65 ) فأسر بأهلك بقطع . . . . .
وقد تقدم تفسير قوله ) فأسر بأهلك بقطع من الليل ( فى سورة هود ) واتبع أدبارهم (
أى كن من ورائهم تذودهم لئلا يختلف منهم أحد فيناله العذاب ) ولا يلتفت منكم أحد (
أى لا تلتفت أنت ولا يلتفت أحد منهم فيرى ما نزل بهم من العذاب فيشتغل بالنظر فى
ذلك ويتباطأ عن سرعة السير والبعد عن ديار
"""""" صفحة رقم 136
""""""
الظالمين وقيل معنى لا يلتفت لا يتخلف ) وامضوا حيث تؤمرون ( أى إلى الجهة التى
أمركم الله سبحانه بالمضي إليها وهى جهة الشام وقيل مصر وقيل قرية من قرى لوط وقيل
أرض الخليل
الحجر : ( 66 ) وقضينا إليه ذلك . . . . .
) وقضينا إليه ( أى أوحينا إلى لوط ) ذلك الأمر ( وهو إهلاك قومه ثم فسره بقوله )
أن دابر هؤلاء مقطوع ( قال الزجاج موضع أن نصب وهو بدل من ذلك الأمر والدابر هو
الآخر أى أن آخر من يبقي منهم يهلك وقت الصبح وانتصاب ) مصبحين ( على الحال أى حال
كونهم داخلين فى وقت الصبح ومثله ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك فى قوله ) آمنين ( قال آمنوا الموت فلا يموتون
ولا يكبرون ولا يسقمون ولا يعرون ولا يجوعون وأخرج ابن جرير عن علي ) ونزعنا ما في
صدورهم من غل ( قال العداوة وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن
مردويه عن الحسن البصري قال قال علي بن أبي طالب فينا والله أهل الجنة نزلت )
ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ( وأخرج ابن عساكر وابن مردويه
عنه فى الآية قال نزلت فى ثلاثة احياء من العرب فى بني هاشم وبني تميم وبني عدي في
وفى أبي بكر وعمر وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن كثير النواء قال قلت لأبي جعفر
إن فلانا حدثني عن علي بن الحسين أن هذه الآية نزلت فى أبي بكر وعمر وعلي ) ونزعنا
ما في صدورهم من غل ( قال والله إنها لفيهم أنزلت وفيمن تنزل إلا فيهم قلت وأى غل
هو قال غل الجاهلية إن بني تميم وبني عدي وبني هاشم كان بينهم فى الجاهلية فلما
أسلم هؤلاء القوم تحابوا فأخذت أبا بكر الخاصرة فجعل علي يسخن يده فيكمد بها خاصرة
أبي بكر فنزلت هذه الآية وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر
وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن علي من طرق أنه قال لابن طلحة إني لأرجو أن
أكون أنا وأبوك من الذين قال الله فيهم ) ونزعنا ما في صدورهم ( الآية فقال رجل من
همدان الله أعدل من ذلك فصاح علي عليه صيحة تداعى لها القصر وقال فيمن إذن إن لم
نكن نحن أولئك وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه عن علي
قال إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان والزبير وطلحة فيمن قال الله ) ونزعنا ما في
صدورهم من غل ( وأخرج ابن مردويه وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن
عباس فى هذه الآية قال نزلت فى عشرة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد
وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن
أبي صالح موقوفا عليه وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد
فى قوله ) على سرر متقابلين ( قال لا يرى بعضهم قفا بعض وأخرجه ابن المنذر وابن
مردويه عن مجاهد عن ابن عباس وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو القاسم البغوي
وابن مردويه وابن عساكر عن زيد بن أبي أوفى قال خرج علينا رسول الله ( صلى الله
عليه وسلم ) فتلا هذه الآية ) إخوانا على سرر متقابلين ( قال المتحابون فى الله فى
الجنة ينظر بعضهم إلى بعض وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) لا يمسهم فيها
نصب ( قال المشقة والأذى وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق عطاء بن أبي رباح عن
رجل من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال اطلع علينا رسول الله ( صلى الله
عليه وسلم ) من الباب الذى يدخل منه بنو شيبة فقال ألا أراكم تضحكون ثم أدبر حتى
إذا كان عند الحجر رجع القهقري فقال إني لما خرجت جاء جبريل فقال يا محمد إن الله
عز وجل يقول لم تقنط عبادى ) نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب
الأليم ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مصعب بن ثابت قال مر النبي ( صلى الله
عليه وسلم ) على ناس من أصحابه يضحكون فقال
"""""" صفحة رقم 137
""""""
اذكروا الجنة واذكروا النار فنزلت ) نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ( وأخرج
الطبراني والبزار وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال مر النبي ( صلى الله عليه
وسلم ) فذكر نحوه وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى
الله عليه وسلم ) قال إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعة
وتسعين رحمة وارسل فى خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر كل الذى عند الله من
رحمته لم ييأس من الرحمة ولو يعلم المؤمن بكل الذى عند الله من العذاب لم يأمن من
النار وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ) قالوا لا توجل ( لا تخف وأخرج بن أبي حاتم عن
السدي ) من القانطين ( قال الآيسين وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ) إنها لمن
الغابرين ( يعني الباقين فى عذاب الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
عن مجاهد فى قوله ) إنكم قوم منكرون ( قال أنكرهم لوط وفى قوله ) بما كانوا فيه
يمترون ( قال بعذاب قوم لوط وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة ) بما كانوا
فيه يمترون ( قال يشكون وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى قوله
) واتبع أدبارهم ( قال أمر أن يكون خلف أهله يتبع أدبارهم فى آخرهم إذا مشوا وأخرج
ابن أبي حاتم عن السدي ) وامضوا حيث تؤمرون ( قال أخرجهم الله إلى الشام وأخرج ابن
جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد ) وقضينا إليه ذلك الأمر ( قال أوحيناه إليه وأخرج
ابن جرير عن ابن عباس ) أن دابر هؤلاء مقطوع ( يعنى استئصال هلاكهم
سورة الحجر الآية ( 67 77 )
الحجر : ( 67 ) وجاء أهل المدينة . . . . .
ذكر سبحانه ما من قوم لوط عند وصول الملائكة إلى قريتهم فقال ) وجاء أهل المدينة
يستبشرون ( أى أهل مدينة قوم لوط وهى سلوم كما سبق وجملة ) يستبشرون ( فى محل نصب
على الحال أى مستبشرون بأضياف لوط طمعا فى ارتكاب الفاحشة منهم
الحجر : ( 68 ) قال إن هؤلاء . . . . .
ف ) قال ( لهم لوط ) إن هؤلاء ضيفي ( وحد الضيف لأنه مصدر كما تقدم والمراد أضيافي
وسماهم ضيفا لأنه رآهم على هيئة الأضياف وقومه رأوهم مردا حسان الوجوه فلذلك طمعوا
فيهم ) فلا تفضحون ( يقال فضحه فضيحة وفضحا إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار
باظهاره والمعنى لا تفضحون عندهم بتعرضكم لهم بالفاحشة فيعلمون أني عاجز عن حماية
من نزل بي أو لا تفضحون بفضيحة ضيفي فإن من فعل ما يفضح الضيف فقد فعل ما يفضح
المضيف
الحجر : ( 69 ) واتقوا الله ولا . . . . .
) واتقوا الله ( فى أمرهم ) ولا تخزون ( يجوز أن تكون من الخزي وهو الذل والهوان
ويجوز أن يكون من الخزاية وهى الحياء والخجل وقد تقدم تفسير ذلك فى هود
الحجر : ( 70 ) قالوا أو لم . . . . .
) قالوا ( أى قوم لوط مجيبين له ) أو لم ننهك عن العالمين ( الاستفهام للإنكار
والواو للعطف على مقدر أى ألم نتقدم إليك وننهك عن أن تكلمنا فى شأن أحد من الناس
إذا قصدناه بالفاحشة وقيل نهوه
"""""" صفحة رقم 138
""""""
عن ضيافة الناس ويجوز حمل ما فى الآية على ما هو أعم من هذين الأمرين
الحجر : ( 71 ) قال هؤلاء بناتي . . . . .
) قال هؤلاء بناتي ( فتزوجوهن ) إن كنتم فاعلين ( ما عزمتم عليه من فعل الفاحشة
بضيفي فهؤلاء بناتى تزوجوهن حلالا ولا تركبوا الحرام وقيل أراد ببناته نساء قومه
لكون النبي بمنزلة الأب لقومه وقد تقدم تفسير هذا فى هود
الحجر : ( 72 ) لعمرك إنهم لفي . . . . .
) لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ( العمر والعمر بالفتح والضم واحد لكنهم خصوا
القسم بالمفتوح لإيثار الأخف فإنه كثير الدور على ألستهم ذكر ذلك الزجاج قال
القاضي عياض اتفق أهل التفسير فى هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد (
صلى الله عليه وسلم ) وكذا حكى إجماع المفسرين على هذا المعنى أبو بكر بن العربي فقال
قال المفسرون بإجمعهم أقسم الله تعالى هاهنا بحياة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
تشريفا له قال أبو الجوزاء ما أقسم الله سبحانه بحياة أحد غير محمد ( صلى الله
عليه وسلم ) لأنه أكرم البرية عنده قال ابن العربي ما الذى يمتنع أن يقسم الله
سبحانه بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء وكل ما يعطيه الله تعالى للوط من فضل
يؤتى ضعفه من شرف لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه أكرم على الله منه أو لا تراه
سبحانه أعطى إبراهيم الخلة وموسى التكليم وأعطى ذلك لمحمد ( صلى الله عليه وسلم )
فإذا أقسم الله سبحانه بحياة لوط فحياة محمد أرفع قال القرطبي ما قاله حسن فإنه
يكون قسمه سبحانه بحياة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كلاما معترضا فى قصة لوط فإن
قيل قد أقسم الله سبحانه بالتين والزيتون وطور سينين ونحو ذلك فما فيهما من فضل
وأجيب بإنه ما من شيء أقسم الله به إلا وفى ذلك دلالة على فضله على جنسه وذكر صاحب
الكشاف وأتباعه أن هذا القسم هو من الملائكة على إرادة القول أى قالت الملائكة
للوط لعمرك ثم قال وقيل الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنه أقسم
بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له انتهى وقد كره كثير من العلماء القسم بغير
الله سبحانه وجاءت بذلك الأحاديث الصحيحة فى النهي عن القسم بغير الله فليس لعباده
أن يقسموا بغيره وهو سبحانه يقسم بما شاء من مخلوقاته ) لا يسأل عما يفعل وهم
يسألون ( وقيل الإقسام منه سبحانه بالتين والزيتون وطور سينين والنجم والضحى
والشمس والليل ونحو ذلك هو على حذف مضاف هو المقسم به أى وخالق التين وكذلك ما
بعده وفى قوله ) لعمرك ( أى وخالق عمرك ومعنى ) إنهم لفي سكرتهم يعمهون ( لفى
غوايتهم يتحيرون جعل الغواية لكونها تذهب بعقل صاحبها كما تذهب به الخمر سكرة
والضمير لقريش على أن القسم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو القوم لوط على أن
القسم للرسول عليه السلام
الحجر : ( 73 ) فأخذتهم الصيحة مشرقين
) فأخذتهم الصيحة ( العظيمة أو صيحة جبريل حال كونهم ) مشرقين ( أى داخلين فى وقت
الشروق يقال أشرقت الشمس أي أضاءت وشرقت إذا طلعت وقيل هما لغتان بمعنى واحد وأشرق
القوم إذا دخلوا في وقت شروق الشمس وقيل أراد شروق الفجر وقيل أول العذاب كان عند
شروق الفجر وامتد إلى طلوع الشمس والصيحة العذاب
الحجر : ( 74 ) فجعلنا عاليها سافلها . . . . .
) فجعلنا عاليها سافلها ( أى عالي المدينة سافلها ) وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل (
من طين متحجر وقد تقدم الكلام مستوفى على هذا فى سورة هود
الحجر : ( 75 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك ( أى فى المذكور من قصتهم وبيان ما أصابهم ) لآيات ( لعلامات يستدل
بها ) للمتوسمين ( للمتفكرين الناظرين فى الأمر ومنه قول زهير وفيهن ملهى للصديق
ومنظر
أنيق لعين الناظر المتوسم
وقال الآخر أو كلما وردت عكاظ قبيلة
بعثوا إلي عريفهم يتوسم
وقال أبو عبيدة للمتبصرين وقال ثعلب الواسم الناظر إليك من قرنك إلى قدمك والمعنى
متقارب وأصل التوسم التثبت والتفكر مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة فى جلد
البعير
الحجر : ( 76 ) وإنها لبسبيل مقيم
) وإنها لبسبيل مقيم ( يعني قرى
"""""" صفحة رقم 139
""""""
قوم لوط أو معدينتهم على طريق ثابت وهى الطريق من المدينة إلى الشام فإن السالك فى
هذه الطريق يمر بتلك القرى
الحجر : ( 77 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك ( المذكور من المدينة أو القرى ) لآية للمؤمنين ( يعتبرون بها فإن
المؤمنين من العباد هم الذين يعتبرون بما يشاهدونه من الآثار
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وجاء أهل المدينة يستبشرون (
قال استبشروا بأضياف نبى الله لوط حين نزلوا به لما أرادوا أن يأتوا إليهم من المنكر
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) أو لم ننهك
عن العالمين ( قال يقولون أو لم ننهك أن تضيف أحدا أو تؤويه ) قال هؤلاء بناتي إن
كنتم فاعلين ( أمرهم لوط بتزويج النساء وأراد أن يبقى أضيافه ببناته وأخرج ابن أبى
شيبة وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن
عباس قال ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد ( صلى الله عليه
وسلم ) وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره قال ) لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون (
يقول وحياتك يا محمد وعمرك وبقائك فى الدنيا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه فى
قوله ) لعمرك ( قال لعيشك وأخرج ابن مردويه عن أبى هريرة قال ما حلف الله بحياة
أحد إلا بحياة محمد قال ) لعمرك ( الآية وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعى قال
كانوا يكرهون أن يقول الرجل لعمرى يرونه كقوله وحياتى وأخرج ابن جرير وابن أبى
حاتم عن قتادة ) إنهم لفي سكرتهم يعمهون ( أى فى ضلالهم يلعبون وأخرج ابن جرير
وابن أبى حاتم عن الأعمش فى الآية لفى غفلتهم يترددون وأخرج ابن المنذر عن ابن
جريج فأخذتهم الصيحة مثل الصاعقة وكل شيء أهلك به قوم فهو صاعقة وصيحة وأخرج ابن
جرير عنه ) مشرقين ( قال حين أشرقت الشمس وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى
حاتم والحاكم عن ابن عباس فى قوله ) إن في ذلك لآية ( قال علامة أما ترى الرجل
يرسل خاتمه إلى أهله فيقول هاتوا كذا وكذا فإذا رأوه عرفوا أنه حق وأخرج ابن جرير
وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه ) للمتوسمين ( قال للناظرين وأخرج عبد الرزاق وابن
جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ فى العظمة عن قتادة قال للمعتبرين
وأخرج بن جريج وابن المنذر عن مجاهد قال للمتفرسين وأخرج البخارى فى التاريخ
والترمذى وابن جرير وابن أبى حاتم وابن السنى وأبو نعيم وابن مردويه والخطيب عن
أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اتقو فراسة المؤمن فإنه
ينظر بنور الله ثم قرأ ) إن في ذلك لآيات للمتوسمين ( وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن
عباس ) وإنها لبسبيل مقيم ( يقول لبهلاك وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر
وابن أبى حاتم عن مجاهد قال لبطريق مقيم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة
لبطريق واضح
سورة الحجر الآية ( 78 86 )
"""""" صفحة رقم 140
""""""
الحجر : ( 78 ) وإن كان أصحاب . . . . .
قوله ) وإن كان أصحاب الأيكة ( إن هى المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن المخذوف
أى وإن الشأن كان أصحاب الأيكة والأيكة الغيضة وهى جماع الشجر والجمع الأيك ويروى
أن شجرهم كان دوما وهو المقل فالمعنى وإن كان أصحاب الشجر المجتمع وقيل الأيكة اسم
القرية التى كانوا فيها قال أبو عبيدة الأيكة وليكة مدينتهم كمكة وبكة وأصحاب
الأيكة هم قوم شعيب وقد تقدم خبرهم واقتصر الله سبحانه هنا على وصفهم بالظلم وقد
فصل ذلك الظلم فيما سبق
الحجر : ( 79 ) فانتقمنا منهم وإنهما . . . . .
والضمير فى ) وإنهما لبإمام مبين ( يرجع إلى مدينة قوم لوط ومكان أصحاب الأيكة أى
وإن المكانين لبطريق واضح والإمام اسم لما يؤتم به ومن جملة ذلك الطريق التى تسلك
قال الفراء والزجاج سمى الطريق إماما لأنه يؤتم ويتبع وقال ابن قتيبة لأن المسافر
يأتم به حتى يصل إلى الموضع الذى يريده وقيل الضمير للأيكة ومدين لأن شعيبا كان
ينسب إليهما
الحجر : ( 80 ) ولقد كذب أصحاب . . . . .
ثم إن الله سبحانه ختم القصص بقصة ثمود فقال ) ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين (
الحجر اسم لديار ثمود قاله الأزهرى وهى ما بين مكة وتبوك وقال ابن جرير هى أرض بين
الحجاز والشام وقال المرسلين ولم يرسل إليهم إلا صالح لأن من كذب واحدا من الرسل
فقد كذب الباقين لكونهم متفقين فى الدعوة إلى الله وقيل كذبوا صالحا ومن تقدمه من
الأنبياء وقيل كذبوا صالحا ومن معه من المؤمنين
الحجر : ( 81 ) وآتيناهم آياتنا فكانوا . . . . .
) وآتيناهم آياتنا ( أى الآيات المنزلة على نبيهم ومن جملتها الناقة فإن فيها آيات
جمة كخروجها من الصخرة ودنو نتاجها عند خروجها وعظمها وكثرة لبنها ) فكانوا عنها
معرضين ( أى غير معتبرين ولهذا عقروا الناقة وخالفوا ما أمرهم به نبيهم
الحجر : ( 82 ) وكانوا ينحتون من . . . . .
) وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا ( النحت فى كلام العرب البرى والنجر نحته ينحته
بالكسر نحتا أى براه وفى التنزيل ) أتعبدون ما تنحتون ( أى تنجرون وكانوا يتخذون
لأنفسهم من الجبال بيوتا أى يخرقونها فى الجبال وانتصاب ) آمنين ( على الحال قال
الفراء آمنين من أن يقع عليهم وقيل آمنين من الموت وقيل من العذاب ركونا منهم على
قوتها ووثاقتها
الحجر : ( 83 ) فأخذتهم الصيحة مصبحين
) فأخذتهم الصيحة مصبحين ( أى داخلين فى وقت الصبح
الحجر : ( 84 ) فما أغنى عنهم . . . . .
وقد تقدم ذكر الصيحة فى الأعراف وفى هود وتقدم أيضا قريبا ) فما أغنى عنهم ما
كانوا يكسبون ( أى لم يدفع عنهم شيئا من عذاب الله ما كانوا يكسبون من الأموال
والحصون فى الجبال
الحجر : ( 85 ) وما خلقنا السماوات . . . . .
) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ( أى متلبسة بالحق وهو ما فيهما
من الفوائد والمصالح وقيل المراد بالحق مجازاة المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته كما
فى قوله سبحانه ) ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا
ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ( وقيل المراد بالحق الزوال لأنها مخلوقة وكل مخلوق
زائل ) وإن الساعة لآتية ( وعند إتيانها ينتقم الله ممن يستحق العذاب ويحسن إلى من
يستحق الإحسان وفيه وعيد للعصاة وتهديد ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه
وسلم ) بأن يصفح عن قومه فقال ) فاصفح الصفح الجميل ( أى تجاوز عنهم واعف عفوا
حسنا وقيل فأعرض عنهم إعراضا جميلا ولا تعجل عليهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم
قيل وهذا منسوخ بآية السيف
الحجر : ( 86 ) إن ربك هو . . . . .
) إن ربك هو الخلاق العليم ( اى الخالق للخلق جميعا العليم بأحوالهم وبالصالح
والطالح منهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمرو قال قال رسول الله ( صلى الله عليه
وسلم ) إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا وأخرج ابن جرير وابن
المنذر عن ابن عباس قال أصحاب الأيكة هم قوم شعيب والأيكة ذات آجام وشجر كانوا
فيها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال الأيكة الغيضة
وأخرج ابن أبى حاتم عنه قال أصحاب الأيكة أهل مدين والأيكة الملتفة من الشجر وأخرج
ابن أبى حاتم عنه أيضا قال الأيكة مجمع الشيء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى
حاتم
"""""" صفحة رقم 141
""""""
عنه أيضا فى قوله ) وإنهما لبإمام مبين ( طريق ظاهر وأخرج عبد الرزاق وابن جرير
وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى أصحاب الحجر قال أصحاب الوادى وأخرج ابن
أبى حاتم عنه قال كان أصحاب الحجر ثمود وقوم صالح وأخرج البخارى وابن جرير وابن
المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه
وسلم ) لأصحاب الحجر لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا
باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم وأخرج ابن مردويه عنه قال نزل
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عام غزوة تبوك بالحجر عند بيوت ثمود فاستقى
الناس من مياه الآبار التى كانت تشرب منها ثمود وعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم
فأمره بإهراق القدور وعلفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم على البئر التى كانت تشرب
منها الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا فقال إنى أخشى أن يصيبكم مثل
الذى أصابهم فلا تدخلوا عليهم وأخرج ابن مردويه عن سبرة بن معبد أن النبى ( صلى
الله عليه وسلم ) قال بالحجر لأصحابه من عمل من هذا الماء شيئا فليلقه قال ومنهم
من عجن العجين ومنهم من حاس الحيس وأخرج ابن مردويه وابن النجار عن علي فى قوله )
فاصفح الصفح الجميل ( قال الرضا بغير عتاب وأخرج البيهقى فى الشعب عن ابن عباس
مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال هذه الآية قبل القتال وأخرج ابن أبى
حاتم عن عكرمة مثله
سورة الحجر الآية ( 87 99 )
الحجر : ( 87 ) ولقد آتيناك سبعا . . . . .
اختلف أهل العلم فى السبع المثانى ماذا هى فقال جمهور المفسرين إنا الفاتحة قال
الواحدى وأكثر المفسرين على أنها فاتحة الكتاب وهو قول عمر وعلي وابن مسعود والحسن
ومجاهد وقتادة والربيع والكلبى وزاد القرطبى أبا هريرة وأبا العالية وزاد
النيسابورى الضحاك وسعيد بن جبير وقد روى ذلك من قول رسول الله ( صلى الله عليه
وسلم ) كما سيأتى بيانه فتعين المصير إليه وقيل هى السبع الطوال البقرة وآل عمران
والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والسابعة الأنفال والتوبة لأنها كسورة واحدة إذ
ليس بينهما تسمية روى هذا القول عن ابن عباس وقيل المراد بالمثانى السبعة الأحزاب
فإنها سبع صحائف والمثانى جمع مثناة من
"""""" صفحة رقم 142
""""""
التثنية أو جمع مثنية وقال الزجاج تثنى بما يقرأ بعدها معها فعلى القول الأول يكون
وجه تسمية الفاتحة مثانى أنها تثنى أى تكرر فى كل صلاة وعلى القول بأنها السبع
الطوال فوجه التسمية إن العبر والأحكام والحدود كررت فيها وعلى القول بأنها السبعة
الأحزاب يكون وجه التسمية هو تكرير ما فى القرآن من القصص ونحوها وقد ذهب إلى أن
المراد بالسبع المثانى القرآن كله الضحاك وطاوس وأبو مالك وهو رواية عن ابن عباس
واستدلوا بقوله تعالى ) كتابا متشابها مثاني ( وقيل المراد بالسبع المثانى أقسام
القرآن وهى الأمر والنهى والتبشير والإنذار وضرب الأمثال وتعريف النعم وأنباء قرون
ماضية قاله زياد بن أبى مريم ولا يخفى عليك أن تسمية الفاتحة مثانى لا تستلزم نفى
تسمية غيرها بهذا الإسم وقد تقرر أنها المرادة بهذه الآية فلا يقدح فى ذلك صدق وصف
المثانى على غيرها ) والقرآن العظيم ( معطوف على سبعا من المثانى ويكون من عطف
العام على الخاص لأن الفاتحة بعض من القرآن وكذلك إن أريد بالسبع المثانى السبع
الطوال لأنها بعض من القرآن وأما إذا أريد بها السبعة الأحزاب أو جميع القرآن أو
أقسامه فيكون من باب عطف أحد الوصفين على الآخر كما قيل فى قول الشاعر إلى الملك
القرم وابن الهمام
ومما يقوى كون السبع المثانى هى الفاتحة أن هذه السورة مكية وأكثر السبع الطوال
مدنية وكذلك أكثر القرآن وأكثر أقسامه وظاهر قوله ) ولقد آتيناك سبعا من المثاني (
أنه قد تقدم إيتاء السبع على نزول هذه الآية و ) من ( فى من المثانى للتبعيض أو
البيان على اختلاف الأقوال ذكر معنى ذلك الزجاج فقال هى للتبعيض إذا أردت بالسبع
الفاتحة أو الطوال وللبيان إذا أردت الإشباع
الحجر : ( 88 ) لا تمدن عينيك . . . . .
ثم لما بين لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أنعم به عليه من هذه النعمة الدينية
نفره عن اللذات العاجلة الزائلة فقال ) لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم
( أى لا تطمح ببصرك إلى زخارف الدنيا طموح رغبة فيها وتمن لها والأزواج الأصناف
قاله ابن قتبية وقال الجوهرى الأزواج القرناء قال الواحدى إنما يكون مادا عينيه
إلى الشيء إذا أدام النظر نحوه وإدامة النظر إليه تدل على استحسانه وتمنيه وقال
بعضهم معنى الآية لا تحسدن أحدا على ما أوتى من الدنيا ورد بأن الحسد منهى عنه مطلقا
وإنما قال فى هذه السورة لا تمدن بغير واو لأنه لم يسبقه طلب بخلاف ما فى سورة طه
ثم لما نهاه عن الالتفات إلى أموالهم وأمتعتهم نهاه عن الالتفات إليهم فقال ) ولا
تحزن عليهم ( حيث لم يؤمنوا وصمموا على الكفر والعناد وقيل المعنى لا تحزن على ما
متعوا به فى الدنيا فلك الآخرة والأول أولى ثم لما نهاه عن أن يمد عينيه إلى أموال
الكفار ولا يحزن عليهم وكان ذلك يستلزم التهاون بهم وبما معهم أمره أن يتواضع
للمؤمنين فقال ) واخفض جناحك للمؤمنين ( وخفض الجناح كناية عن التواضع ولين الجانب
ومنه قوله سبحانه ) واخفض لهما جناح الذل ( وقول الكميت
خفضت لهم منى جناحى مودة إلى كنف عطفاه أهل ومرحب
وأصله أن الطائر إذا ضم فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثم قبضه على الفرخ فجعل ذلك وصفا
لتواضع الإنسان لأتباعه ويقال فلان خافض الجناح أى وقور ساكن والجناحان من ابن آدم
جانباه ومنه واضمم يدك إلى جناحك ومنه قول الشاعر
وحسبك فتنة لزعيم قوم يمد على أخى سقم جناحا
الحجر : ( 89 ) وقل إني أنا . . . . .
) وقل إني أنا النذير المبين ( أى المنذر المظهر لقومه ما يصيبهم من عذاب الله )
كما أنزلنا على المقتسمين ( قيل
"""""" صفحة رقم 143
""""""
المفعول محذوف أى مفعول أنزلنا والتقدير كما أنزلنا على المقتسمين عذابا فيكون
المعنى إنى أنا النذير المبين لكم من عذاب مثل عذاب المقتسمين الذى أنزلناه عليهم
كقوله تعالى ) أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ( وقيل إن الكاف زائدة والتقدير
إنى أنا النذير المبين أنذرتكم ما أنزلنا على المقتسمين من العذاب وقيل هو متعلق
بقوله ) ولقد آتيناك ( أى أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب وهم المقتسمون
والأولى أن يتعلق بقوله ) إني أنا النذير المبين ( لأنه فى قوة الأمر بالإنذار
الحجر : ( 90 ) كما أنزلنا على . . . . .
وقد اختلف فى المقتسمين من هم فقال الفراء هم ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن
المغيرة أيام الموسم فاقتسموا أنقاب مكة وفجاجها يقولون لمن دخلها لا تغتروا بهذا
الخارج فينا فإنه مجنون وربما قالوا ساحر وربما قالوا شاعر وربما قالوا كاهن فقيل
لهم مقتسمين لأنهم اقتسموا هذه الطرق وقيل إنهم قوم من قريش اقتسموا كتاب الله
فجعلوا بعضه شعرا وبعضه سحرا وبعضه كهانة وبعضه أساطير الأولين قاله قتادة وقيل هم
أهل الكتاب وسموا مقتسمين لأنهم كانوا يقتسمون القرآن استهزاء فيقول بعضهم هذه
السورة لى وهذه لك روى هذا عن ابن عباس وقيل إنهم قسموا كتابهم وفرقوه وبددوه وحرفوه
وقيل المراد قوم صالح تقاسموا على قتله فسموا مقتسمين كما قال تعالى ) تقاسموا
بالله لنبيتنه وأهله ( وقيل تقاسموا أيمانا تحالفوا عليها قاله الأخفش وقيل إنهم
العاص بن وائل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام والنضر بن الحارث وأمية بن
خلف ومنبه بن الحجاج ذكره الماوردى
الحجر : ( 91 ) الذين جعلوا القرآن . . . . .
) الذين جعلوا القرآن عضين ( جمع عضة وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها
أجزاء فيكون المعنى على هذا الذين جعلوا القرآن أجزاء متفرقة بعضه شعر وبعضه سحر
وبعضه كهانة ونحو ذلك وقيل هو مأخوذ من عضته إذا بهته فالمحذوف منه الهاء لا الواو
وجمعت العضة على المعنيين جمع العقلاء لما لحقها من الحذف فجعلوا ذلك عوضا عما
لحقها من الحذف وقيل معنى عضين إيمانهم ببعض الكتاب وكفرهم ببعض ومما يؤيد أن معنى
عضين التفريق قول رؤبة وليس دين الله بالعضين
أى بالمفرق وقيل العضة والعضين فى لغة قريش السحر وهم يقولون للساحر عاضه وللساحرة
عاضهة ومنه قول الشاعر
أعوذ بربى من النافثات فى عقد العاضهة والعضة
وفى الحديث أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لعن العاضهة والمستعضهة وفسر
بالساحرة والمستسحرة والمعنى أنهم أكثروا البهت على القرآن وسموه سحرا وكذبا
وأساطير الأولين ونظير عضة فى النقصان شفة والأصل شفهة وكذلك سنة والأصل سنهة قال
الكسائى العضة الكذب والبهتان وجمعها عضون وقال الفراء إنه مأخوذ من العضاه وهى
شجر يؤذى ويجرح كالشوك ويجوز أن يراد بالقرآن التوراة والإنجيل لكونهما مما يقرأ
ويراد بالمقتسمين هم اليهود والنصارى أى جعلوهما أجزاء متفرقة وهو أحد الأقوال
المتقدمة
الحجر : ( 92 ) فوربك لنسألنهم أجمعين
) فوربك لنسألنهم أجمعين ( أى لنسألن هؤلاء الكفرة أجمعين يوم القيامة
الحجر : ( 93 ) عما كانوا يعملون
عما كانوا يعملون فى الدنيا من الأعمال التى يحاسبون عليها ويسألون عنها وقيل إن
المراد سؤالهم عن كلمة التوحيد والعموم فى عما كانوا يعملون يفيد ما هو أوسع من
ذلك وقيل إن المسئولين ها هنا هم جميع المؤمنين والعصاة والكفار ويدل عليه قوله )
ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( وقوله ) وقفوهم إنهم مسؤولون ( وقوله ) إن إلينا
إيابهم ثم إن علينا حسابهم ( ويمكن أن يقال إن قصر هذا السؤال على المذكورين فى
السياق وصرف العموم إليهم لا ينافى سؤال غيرهم
الحجر : ( 94 ) فاصدع بما تؤمر . . . . .
) فاصدع بما تؤمر ( قال الزجاج يقول أظهر ما تؤمر به أخذ من الصديع وهو الصبح
انتهى وأصل الصدع الفرق والشق يقال صدعته فانصدع أى انشق وتصدع القوم أى تفرقوا
ومنه ) يومئذ يصدعون ( أى يتفرقون قال
"""""" صفحة رقم 144
""""""
الفراء أراد فاصدع بالأمر أى أظهر دينك فما مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر وقال
ابن الأعرابى معنى اصدع بما تؤمر أى اقصد وقيل فاصدع بما تؤمر أى فرق جمعهم
وكلمتهم بأن تدعوهم إلى التوحيد فإنهم يتفرقون والأولى أن الصدع الإظهار كما قاله
الزجاج والفراء وغيرهم قال النحويون المعنى بما تؤمر به من الشرائع وجوزوا أن تكون
مصدرية أى بأمرك وشأنك قال الواحدى قال المفسرون أى اجهر بالأمر أى بأمرك بعد
إظهار الدعوة وما زال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مستخفيا حتى نزلت هذه الآية ثم
أمره سبحانه بعد أمره بالصدع بالإعراض وعدم الالتفات إلى المشركين فقال ) وأعرض عن
المشركين ( أى لا تبال بهم ولا تلتفت إليهم إذا لاموك على إظهار الدعوة
الحجر : ( 95 ) إنا كفيناك المستهزئين
ثم أكد هذا الأمر وثبت قلب رسوله بقوله ) إنا كفيناك المستهزئين ( مع كونهم كانوا
من أكابر الكفار وأهل الشوكة فيهم فإذا كفاه الله أمرهم بقمعهم وتدميرهم كفاه أمر
من هو دونهم بالأولى وهؤلاء المستهزئون كانوا خمسة من رؤساء أهل مكة الوليد بن
المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب بن الحرث بن زمعة والأسود بن عبد يغوث
والحرث بن الطلاطلة كذا قال القرطبى ووافقه غيره من المفسرين وقد أهلكهم الله
جميعا وكفاهم أمرهم فى يوم واحد
الحجر : ( 96 ) الذين يجعلون مع . . . . .
ثم وصف هؤلاء المستهزئين بالشرك فقال ) الذين يجعلون مع الله إلها آخر ( فلم يكن
ذنبهم مجرد الاستهزاء بل لهم ذنب آخر وهو الشرك بالله سبحانه
الحجر : ( 97 ) ولقد نعلم أنك . . . . .
ثم توعدهم فقال ) فسوف يعلمون ( كيف عاقبتهم فى الآخرة وما يصيبهم من عقوبة الله
سبحانه ثم ذكر تسلية أخرى لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد التسلية الأولى
بكفايته شرهم ودفعه لمكرهم فقال ) ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ( من
الأقوال الكفرية المتضمنة للطعن على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالسحر
والجنون والكهانة والكذب وقد كان يحصل ذلك مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
بمقتضى الجبلة البشرية والمزاج الإنسانى
الحجر : ( 98 ) فسبح بحمد ربك . . . . .
ثم أمره سبحانه بأن يفزع لكشف ما نابه من ضيق الصدر إلى تسبيح الله سبحانه وحمده
فقال ) فسبح بحمد ربك ( أى متلبسا بحمده أى افعل التسبيح المتلبس بالحمد ) وكن من
الساجدين ( أى المصلين فإنك إذا فعلت ذلك كشف الله همك وأذهب غمك وشرح صدرك
الحجر : ( 99 ) واعبد ربك حتى . . . . .
ثم أمره بعبادة ربه أى بالدوام عليها إلى غاية هى قوله ) حتى يأتيك اليقين ( أى
الموت قال الواحدى قال جماعة المفسرين يعنى الموت لأنه موقن به قال الزجاج المعنى
اعبد ربك أبدا لأنه لو قيل اعبد ربك بغير توقيت لجاز إذا عبد الإنسان مرة أن يكون
مطيعا فإذا قال حتى يأتيك اليقين فقد أمره بالإقامة على العبادة أبدا ما دام حيا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن عمر في قوله ) ولقد آتيناك سبعا من المثاني (
قال السبع المثاني فاتحة الكتاب وأخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن
أبي حاتم والدارقطنى وابن مردويه والبيهقي من طرق عن على بمثله وأخرجه ابن جرير
وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود مثله وزاد والقرآن العظيم سائر القرآن وأخرج
ابن جرير وابن المنذر والطبرانى والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس
في الآية قال فاتحة الكتاب استثناها الله لأمة محمد فرفعها في أم الكتاب فادخرها
لهم حتى أخرجها ولم يعطها أحد قبل قيل فأين الآية السابعة قال بسم الله الرحمن
الرحيم وروى عنه نحو هذا من طرق وأخرج ابن الضريس وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي
هريرة قال السبع المثاني فاتحة الكتاب وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال السبع
المثاني الحمد لله رب العالمين وروى نحو قول هؤلاء الصحابة عن جماعة من التابعين
وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد بن المعلى أنه قال له النبي ( صلى الله
عليه وسلم ) ( ( ألا أعلمك أفضل سورة قبل أن أخرج من المسجد فذهب النبي ( صلى الله
عليه وسلم ) ليخرج فذكرت فقال الحمد
"""""" صفحة رقم 145
""""""
لله رب العالمين هى السبع المثانى والقرآن العظيم وأخرج البخارى أيضا من حديث أبى
هريرة قال قال رسول اله ( صلى الله عليه وسلم ) أم القرآن هى السبع المثانى
والقرآن العظيم فوجب بهذا المصير إلى القول بأنها فاتحة الكتاب ولكن تسميتها بذلك
لا ينافى تسمية غيرها به كما قدمنا وأخرج ابن مردويه عن عمر قال فى الآية هى السبع
الطوال وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثله وأخرج الفريابى وأبو داود والنسائى وابن
جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى عن
ابن عباس قال فى الآية هى السبع الطوال وأخرج الدارمى وابن مردويه عن أبى بن كعب
مثله وروى نحو ذلك عن جماعة من التابعين وأخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال هى فاتحة الكتاب والسبع الطوال وأخرج ابن جرير عنه فى الآية قال
مائتى من القرآن ألم تسمع لقول الله ) الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني (
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال المثانى القرآن يذكر الله القصة الواحدة مرارا وأخرج
سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقى عن زياد بن أبى مريم
فى الآية قال أعطيتك سبعة أجزاء مر وانه وبشر وأنذر واضرب الأمثال واعدد النعم
واتل نبأ القرآن وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) لا تمدن
عينيك ( قال نهى الرجل أن يتمنى مال صاحبه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى
قوله ) أزواجا منهم ( قال الأغنياء الأمثال والأشباه وأخرج ابن المنذر عن سفيان بن
عيينة قال من أعطى القرآن فمد عينه إلى شيء مما صغر القرآن فقد خالف القرآن ألم
يسمع إلى قوله ) ولقد آتيناك سبعا من المثاني ( وإلى قوله ) ورزق ربك خير وأبقى (
وقد فسر ابن عيينة أيضا الحديث الصحيح ليس منا من لم يتغن بالقرآن فقال إن المعنى
يستغنى به وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) واخفض جناحك ( قال اخضع
وأخرج الفريابى وسعيد بن منصور والبخارى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم
والحاكم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس فى قوله ) كما أنزلنا على المقتسمين (
الآية قال هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه وأخرج ابن جرير من
طريق علي بن أبى طلحة عنه قال عضين فرقا وأخرج ابن إسحاق وابن أبى حاتم وأبو نعيم
والبيهقى عن ابن عباس أنها نزلت فى نفر من قريش كانوا يصدون الناس عن رسول الله (
صلى الله عليه وسلم ) منهم الوليد بن المغيرة وأخرج الترمذى وأبو يعلى وابن جرير
وابن المنذر وابن أبى حاتم عن أنس عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله )
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ( قال عن قول لا إله إلا الله وأخرجه ابن
أبى شيبة والترمذى وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن أنس موقوفا وأخرج ابن جرير
وابن المنذر عن ابن عمر مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق
علي بن أبى طلحة عن ابن عباس ) فاصدع بما تؤمر ( فامضه وفى على بن أبى طلحة مقال
معروف وأخرج ابن جرير عن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال ما زال النبى ( صلى
الله عليه وسلم ) مستخفيا حتى نزل ) فاصدع بما تؤمر ( فخرج هو وأصحابه وأخرج ابن
إسحاق وابن جرير عن ابن عباس فى الآية قال هذا أمر من الله لنبيه بتبليغ رسالته
قومه وجميع من أرسل إليه وأخرج ابن المنذر عنه ) فاصدع بما تؤمر ( قال أعلن بما
تؤمر وأخرج أبو داود فى ناسخه وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) وأعرض عن المشركين (
قال نسخه قوله تعالى ) فاقتلوا المشركين ( وأخرج الطبرانى فى الأوسط وابن مردويه
وأبو نعيم والضياء فى المختارة عن ابن عباس فى قوله ) إنا كفيناك المستهزئين ( قال
المستهزئون الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن
عيطل السهمى والعاص ابن وائل وذكر قصة هلاكهم وقد روى هذا عن جماعة من الصحابة مع
زيادة فى عددهم ونقص على طول
"""""" صفحة رقم 146
""""""
فى ذلك وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم فى التاريخ وابن مردويه والديلمى
عن أبى مسلم الخولانى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أوحى إلى أن
أجمع المال وأكن من التاجرين ولكن أوحى إلى أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد
ربك حتى يأتيك اليقين وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعا مثله وأخرج ابن مردويه
والديلمى عن أبى الدرداء مرفوعا نحوه وأخرج الخطيب فى المتفق والمفترق من طريق
عبيد الله بن أبان بن عثمان بن حذيفة ابن أوس الطائفى قال حدثنى أبان بن عثمان عن
أبيه عن جده يرفعه مثل حديث أبى مسلم الخولانى وأخرج ابن أبى شيبة عن سالم بن عبد
الله بن عمر ) حتى يأتيك اليقين ( قال الموت وأخرج ابن المبارك عن الحسن مثله
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله
تفسير
سورة النحل
ع16
آياتها مائة آية وثمان وعشرون آية
حول السورة
وهى مكية كلها فى قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ورواه ابن مردويه عن ابن عباس وعن
أبى الزبير وأخرج النحاس من طريق مجاهد عن ابن عباس قال سورة النحل نزلت بمكة سوى
ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة فى منصرف رسول الله ( صلى الله
عليه وسلم ) من أحد قيل وهى قوله ) وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( الآية
وقوله ) واصبر وما صبرك إلا بالله ( فى شأن التمثيل بحمزة وقتلى أحد وقوله ) ثم إن
ربك للذين هاجروا ( الآية وقيل الثالثة ) ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ( إلى
قوله ) بأحسن ما كانوا يعملون ( وتسمى هذه السورة سورة النعم بسبب ما عدد الله
فيها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النحل الآية ( 1 9 )
النحل : ( 1 ) أتى أمر الله . . . . .
قوله ) أتى أمر الله ( أى عقابه للمشركين وقال جماعة من المفسرين القيامة قال
الزجاج هو ما وعدهم
"""""" صفحة رقم 147
""""""
به من المجازاة على كفرهم وعبر عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه
وقيل إن المراد بأمر الله حكمه بذلك وقد وقع وأتى فأما المحكوم به فإنه لم يقع
لأنه سبحانه حكيم بوقوعه فى وقت معين فقبل مجئ ذلك الوقت لا يخرج إلى الوجود وقيل
إن المراد بإتيانه إتيان مباديه ومقدماته ) فلا تستعجلوه ( نهاهم عن استعجاله أى
فلا تطلبوا حضوره قبل ذلك الوقت وقد كان المشركون يستعجلون عذاب الله كما قال
النضر بن الحارث ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ( الآية والمعنى قرب أمر الله
فلا تستعجلوه وقد كان استعجالهم له على طريقة الاستهزاء من دون استعجال على الحقيقة
وفى نهيهم عن الاستعجال تهكم بهم ) سبحانه وتعالى عما يشركون ( أى تنزه وترفع عن
إشراكهم أو عن أن يكون له شريك وشركهم ههنا هو ما وقع منهم من استعجال العذاب أو
قيام الساعة استهزاء وتكذيبا فإنه يتضمن وصفهم له سبحانه بأنه لا يقدر على ذلك
وأنه عاجز عنه والعجز وعدم القدرة من صفات المخلوق لا من صفات الخالق فكان ذلك
شركا
النحل : ( 2 ) ينزل الملائكة بالروح . . . . .
) ينزل الملائكة بالروح من أمره ( قرأ المفضل عن عاصم تنزل الملائكة والأصل تتنزل
فالفعل مسند إلى الملائكة وقرأ الأعمش تنزل على البناء للمفعول وقرأ الجعفى عن أبى
بكر عن عاصم ننزل بالنون والفاعل هو الله سبحانه وقرأ الباقون ينزل الملائكة
بالياء التحتية إلا أن ابن كثير وأبا عمرو يسكنان النون والفاعل هو الله سبحانه
ووجه اتصال هذه الجملة بما قبلها أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما أخبرهم عن الله
أنه قد قرب أمره ونهاهم عن الاستعجال ترددوا فى الطريق التى علم بها رسول الله (
صلى الله عليه وسلم ) بذلك فأخبر أنه علم بها بالوحى على ألسن رسل الله سبحانه من
ملائكته والروح الوحى ومثله ) يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ( وسمى
الوحى روحا لأنه يحيى قلوب المؤمنين فإن من جملة الوحى القرآن وهو نازل من الدين
منزلة الروح من الجسد وقيل المراد أرواح الخلائق وقيل الروح الرحمة وقيل الهداية
لأنها تحيا بها القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح قال الزجاج الروح ما كان فيه من
الله حياة بالإرشاد إلى أمره وقال أبو عبيد الروح هنا جبريل وتكون الباء على هذا
بمعنى مع ومن فى من أمره بيانية أى بأشياء أو مبتدئا من أمره أو صفة للروح أو
متعلق بينزل ومعنى ) على من يشاء من عباده ( على من اختصه بذلك وهم الأنبياء ) أن
أنذروا ( قال الزجاج أن أنذروا بدل من الروح أى ينزلهم بأن أنذروا وأن إما مفسرة
لأن تنزل الوحى فيه معنى القول وإما مخففة من الثقيلة وضمير الشأن مقدر أى بأن
الشأن أقول لكم أنذروا أى أعلموا الناس ) أنه لا إله إلا أنا ( أى مروهم بتوحيدى
وأعلموهم ذلك مع تخويفهم لأن فى الإنذار تخويفا وتهديدا والضمير فى أنه للشأن )
فاتقون ( الخطاب للمستعجلين على طريق لالتفات وهو تحذير لهم من الشرك بالله
النحل : ( 3 ) خلق السماوات والأرض . . . . .
ثم إن الله سبحانه لما أرشدهم إلى توحيده ذكر دلائل التوحيد فقال ) خلق السماوات
والأرض بالحق ( أى أوجدهما على هذه الصفة التى هما عليهما بالحق أى للدلالة على
قدرته ووحدانيته وقيل المراد بالحق هنا الفناء والزوال ) تعالى ( الله ) عما
يشركون ( أى ترفع وتقدس عن إشراكهم أو عن شركة الذى يجعلونه شريكا له
النحل : ( 4 ) خلق الإنسان من . . . . .
ثم لما كان نوع الإنسان أشرف أنواع المخلوقات السفلية قدمه وخصه بالذكر فقال ) خلق
الإنسان ( وهو اسم لجنس هذا النوع ) من نطفة ( من جماد يخرج من حيوان وهو المنى
فنقله أطوارا إلى أن كملت صورته ونفخ فيه الروح وأخرجه من بطن أمه إلى هذه الدار
فعاش فيها ) فإذا هو ( بعد خلقه على هذه الصفة ) خصيم ( أى كثير الخصومة والمجادلة
والمعنى أنه كالمخاصم لله سبحانه فى قدرته ومعنى ) مبين ( ظاهر الخصومة وأضحها
وقيل يبين عن نفسه ما يخاصم به من الباطل والمبين هو المفصح عما فى ضميره بمنطقة
ومثله قوله تعالى ) أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين )
النحل : ( 5 ) والأنعام خلقها لكم . . . . .
ثم عقب ذكر خلق الإنسان بخلق
"""""" صفحة رقم 148
""""""
الأنعام لما فيها من النفع لهذا النوع فالإمتنان بها أكمل من الإمتنان بغيرها فقال
) والأنعام خلقها لكم ( وهى الإبل والبقر والغنم وأكثر ما يقال نعم وأنعام للإبل
ويقال للمجموع ولا يقال للغنم مفردة ومنه قول حسان وكانت لا يزال بها أنيس
خلال مروجها نعم وشاء
فعطف الشاء على النعم وهى هنا الإبل خاصة قال الجوهرى والنعم واحد الأنعام وأكثر
ما يقع هذا الإسم على الإبل ثم لما أخبر سبحانه بأنه خلقها لبنى آدم بين المنفعة
التى فيها لهم فقال ) فيها دفء ( الدفء السخانة وهو ما استدفئ به من أصوافها
وأوبارها وأشعارها والجملة فى محل النصب على الحال ) ومنافع ( معطوف على دفء وهى
درها وركوبها ونتاجها والحراثة بها ونحو ذلك وقد قيل إن الدفء النتاج واللبن قال
فى الصحاح الدفء نتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها ثم قال والدفء أيضا
السخونة وعلى هذا فإن أريد بالدفء المعنى الأول فلا بد من حمل المنافع على ما عداه
مما ينتفع به منها وإن حمل على المعنى الثانى كان تفسير المنافع بما ذكرناه واضحا
وقيل المراد بالمنافع النتاج خاصة وقيل الركوب ) ومنها تأكلون ( أى من لحومها
وشحومها وخص هذه المنفعة بالذكر مع دخولها تحت المنافع لأنها أعظمها وقيل خصها لأن
الإنتفاع بلحمها وشحمها تعدم عنده عينها بخلاف غيره من المنافع التى فيها وتقديم
الظرف المؤذن بالإختصاص للإشارة إلى أن الأكل منها هو الأصل وغيره نادر
النحل : ( 6 ) ولكم فيها جمال . . . . .
) ولكم فيها جمال ( أى لكم فيها مع ما تقدم ذكره جمال والجمال ما يتجمل به ويتزين
والجمال الحسن والمعنى هنا لكم فيها تجمل وتزين عند الناظرين إليها ) حين تريحون
وحين تسرحون ( أى فى هذين الوقتين وهما وقت ردها من مراعيها ووقت تسريحها إليها
فالرواح رجوعها بالعشى من المراعى والسراح مسيرها إلى مراعيها بالغداة يقال سرحت
الإبل أسرحها سرحا وسروحا إذا غدوت بها إلى المرعى وقدم الإراحة على التسريح لأن
منظرها عند الإراحة أجمل وذواتها أحسن لكونها فى تلك الحالة قد نالت حاجتها من
الأكل والشرب فعظمت بطونها وانتفخت ضروعها وخص هذين الوقتين لأنهما وقت نظر الناظرين
إليها لأنها عند استقرارها فى الحظائر لا يراها أحد وعند كونها فى مراعيها هى
متفرقة غير مجتمعة كل واحد منها يرعى فى جانب
النحل : ( 7 ) وتحمل أثقالكم إلى . . . . .
) وتحمل أثقالكم ( الأثقال جمع ثقل وهو متاع المسافر من طعام وغيره وسمى ثقلا لأنه
يثقل الإنسان حمله وقيل المراد أبدانهم ) إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس
( أى لم تكونوا واصلين إليه لو لم يكن معكم إبل تحمل أثقالكم إلا بشق الأنفس لبعده
عنكم وعدم وجود ما يحمل ما لا بد لكم منه فى السفر وظاهره يتناول كل بلد بعيدة من
غير تعيين وقيل المراد بالبلد مكة وقيل اليمن ومصر والشام لأنها متاجر العرب وشق
الأنفس مشقتها قرأ الجمهور بكسر الشين وقرأ أبو جعفر بفتحها قال الجوهرى والشق
المشقة ومنه قوله ) لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ( وحكى أبو عبيدة بفتح الشين
وهما بمعنى ويجوز أن يكون المفتوح مصدرا من شققت عليه أشق شقا والمكسور بمعنى
النصف يقال أخذت شق الشاة وشقة الشاة ويكون المعنى على هذا فى الآية لم تكونوا
بالغيه إلا بذهاب نصف الأنفس من التعب وقد امتن الله سبحانه على عباده بخلق
الأنعام على العموم
النحل : ( 8 ) والخيل والبغال والحمير . . . . .
ثم خص الإبل بالذكر لما فيها من نعمة حمل الأثقال دون البقر والغنم والاستثناء من
أعم العام أى لم تكونوا بالغيه بشئ من الأشياء إلا بشق الأنفس ) والخيل والبغال
والحمير ( بالنصب عطفا على الأنعام أي وخلق لكم هذه الثلاثة الأصناف وقرأ ابن أبى
عبلة بالرفع فيها كلها وسميت الخيل خيلا لاختيالها فى مشيها وواحد الخيل خائل
كضائن واحد الضأن وقيل لا واحد له ثم علل سبحانه خلق هذه الثلاثة الأنواع بقوله )
لتركبوها ( وهذه العلة هى باعتبار معظم منافعها لأن الانتفاع بها في غير
"""""" صفحة رقم 149
""""""
الركوب معلوم كالتحميل عليها و عطف ) زينة ( على محل ) لتركبوها ( لأنه فى محل نصب
على أنه علة لخلقها ولم يقل لتتزينوا بها حتى يطابق لتركبوها لأن الركوب فعل
المخاطبين والزينة فعل الزائن وهو الخالق والتحقيق فيه أن الركوب هو المعتبر فى
المقصود بخلاف الزينة فإنه لا يلتفت إليه أهل الهمم العالية لأنه يورث العجب فكأنه
سبحانه قال خلقتها لتركبوها فتدفعوا عن أنفسكم بواسطتها ضرر الإعياء والمشقة وأما
التزين بها فهو حاصل فى نفس الأمر ولكنه غير مقصود بالذات وقد استدل بهذه الآية
القائلون بتحريم لحوم الخيل قائلين بأن التعليل بالركوب يدل على أنها مخلوقة لهذه
المصلحة دون غيرها قالوا ويؤيد ذلك إفراد هذه الأنواع الثلاثة بالذكر وإخراجها عن
الأنعام فيفيد ذلك اتحاد حكمها فى تحريم الأكل قالوا ولو كان أكل الخيل جائز لكان
ذكره والإمتنان به أولى من ذكر الركوب لأنه أعظم فائدة منه وقد ذهب إلى هذا مالك
وأبو حنيفة وأصحابهما والأوزاعى ومجاهد وأبو عبيد وغيرهم وذهب الجمهور من الفقهاء
والمحدثين وغيرهم إلى حل لحوم الخيل ولا حجة لأهل القول والأول فى التعليل بقوله )
لتركبوها ( لأن ذكر ما هو الأغلب من منافعها لا ينافى غيره ولا نسلم أن الأكل أكثر
فائدة من الركوب حتى يذكر ويكون ذكره أقدم من ذكر الركوب وأيضا لو كانت هذه الآية
تدل على تحريم الخيل لدلت على تحريم الحمر الأهلية وحينئذ لا يكون ثم حاجة لتحديد
التحريم لها عام خيبر وقد قدمنا أن هذه السورة مكية والحاصل أن الأدلة الصحيحة قد
دلت على حل أكل لحوم الخيل فلو سلمنا ان فى هذه الآية متمسكا للقائلين بالتحريم
لكانت السنة المطهرة الثابتة رافعة لهذا الاحتمال ودافعة لهذا الاستدلال وقد
أوضحنا هذه المسئلة فى مؤلفاتنا بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره ) ويخلق ما لا
تعلمون ( أى يخلق مالا يحيط علمكم به من المخلوقات غير ما قد عدده ها هنا وقيل
المراد من أنواع الحشرات والهوام فى أسافل الأرض وفى البحر مما لم يره البشر ولم
يسمعوا به وقيل هو ما أعد الله لعباده فى الجنة وفى النار مما لم تره عين ولم تسمع
به أذن ولا خطر على قلب بشر وقيل هو خلق السوس فى النبات والدود فى الفواكه وقيل
عين تحت العرش وقيل نهر من النور وقيل أرض بيضاء ولا وجه للاقتصار فى تفسير هذه
الآية على نوع من هذه الأنواع بل المراد أنه سبحانه يخلق ما لا يعلم به العباد
فيشمل كل شيء لا يحيط علمهم به والتعبير هنا بلفظ المستقبل لاستحضار الصورة لأنه
سبحانه قد خلق ما لا يعلم به العباد
النحل : ( 9 ) وعلى الله قصد . . . . .
) وعلى الله قصد السبيل ( القصد مصدر بمعنى الفاعل فالمعنى وعلى الله قصد السبيل
أى هداية قاصد الطريق المستقيم بموجب وعده المحتوم وتفضله الواسع وقيل هو على حذف
مضاف والتقدير وعلى الله بيان قصد السبيل والسبيل الإسلام وبيانه بإرسال الرسل
وإقامة الحجج والبراهين والقصد فى السبيل هو كونه موصلا إلى المطلوب فالمعنى وعلى
الله بيان الطريق الموصل إلى المطلوب ) ومنها جائر ( الضمير فى منها راجع إلى
السبيل بمعنى الطريق لأنها تذكر وتؤنث وقيل راجع إليها بتقدير مضاف أى ومن جنس
السبيل جائر مائل عن الحق عادل عنه فلا يهتدى به ومنه قول امرئ القيس ومن الطريقة
جائر وهدى
قصد السبيل ومنه ذو دخل
وقيل إن الطريق كناية عن صاحبها والمعنى ومنهم جائر عن سبيل الحق أى عادل عنه فلا
يهتدى إليه قيل وهم أهل الأهواء المختلفة وقيل أهل الملل الكفرية وفى مصحف عبد
الله ? ومنكم جائر ? وكذا قرأ على ) ولو شاء لهداكم أجمعين ( أى ولو شاء أن يهديكم
جميعا إلى الطريق الصحيح والمنهج الحق لفعل ذلك ولكنه لم
"""""" صفحة رقم 150
""""""
يشأ بل اقتضت مشيئته سبحانه إراءة الطريق والدلالة عليها ) وهديناه النجدين ( وأما
الإيصال إليها بالفعل فذلك يستلزم أن لا يوجد فى العباد كافر ولا من يستحق النار
من المسلمين وقد اقتضت المشيئة الربانية أنه يكون البعض مؤمنا والبعض كافرا كما
نطق بذلك القرآن فى غير موضع
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزل أتى أمر الله ذعر أصحاب رسول الله (
صلى الله عليه وسلم ) حتى نزلت ) فلا تستعجلوه ( فسكنوا وأخرج عبد الله بن أحمد فى
زائد الزهد وابن جرير وابن أبى حاتم عن أبى بكر بن حفص قال لما نزلت ) أتى أمر
الله ( قاموا فنزلت ) فلا تستعجلوه ( وأخرج ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس
) أتى أمر الله ( قال خروج محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن
المنذر عن ابن جريج قال لما نزلت هذه الآية ) أتى أمر الله ( قال رجال من
المنافقين بعضهم لبعض إن هذا يزعم أن أمر الله أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون
حتى تنظروا ما هو كائن فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا ما نراه نزل شيء فنزلت )
اقترب للناس حسابهم ( فقالوا إن هذا يزعم مثلها أيضا فلما رأوا أنه لا ينزل شيء
قالوا ما نراه نزل شيء فنزلت ) ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ( الآية
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن الضحاك فى قوله ) أتى أمر الله ( قال
الأحكام والحدود والفرائض وأخرج هؤلاء عن ابن عباس فى قوله ) ينزل الملائكة بالروح
( قال بالوحى وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ فى العظمة
وابن مردويه والبيهقى عنه قال الروح أمر من أمر الله وخلق من خلق الله وصورهم على
صورة بنى آدم وما ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد من الروح ثم تلا ) يوم يقوم
الروح والملائكة صفا ( وأخرج ابن أبى حاتم عن الحسن ) ينزل الملائكة بالروح ( قال
القرآن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) لكم فيها
دفء ( قال الثياب ) ومنافع ( قال ما تنتفعون به من الأطعمة والأشربة وأخرج عبد
الرزاق والفريابى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا قال نسل كل دابة
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) وتحمل أثقالكم إلى
بلد ( يعنى مكة ) لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ( قال لو تكلفتموه لم تطيقوه
إلا بجهد شديد
وقد ورد فى حل أكل لحوم الخيل أحاديث منها فى الصحيحين وغيرهما من حديث أسماء قالت
نحرنا فرسا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأكلناه وأخرج أبو عبيد وابن
أبى شيبة والترمذى وصححه والنسائى وابن المنذر وابن أبى حاتم عن جابر قال أطعمنا
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر الأهلية وأخرج
أبو داود نحوه من حديثه أيضا وهما على شرط مسلم وثبت أيضا فى الصحيحين عن حديث
جابر قال نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن لحوم الحمر الأهلية وأذن فى
الخيل وأما ما أخرجه أبو عبيد وأبو داود والنسائى من حديث خالد بن الوليد قال نهى
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أكل كل ذى ناب من السباع وعن لحوم الخيل
والبغال والحمير ففى إسناده صالح بن يحيى بن أبى المقدام فيه مقال ولو فرضنا أن
الحديث صحيح لم يقو على معارضة أحاديث الحل على أنه يكون أن هذا الحديث المصرح
لتحريم متقدم على يوم خيبر فيكون منسوخا وأخرج الخطيب وابن عساكر قال قال رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) ويخلق ما لا تعلمون ( قال البراذين وأخرج
ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن مما خلق الله
أرضا من لؤلؤة بيضاء ثم ساق من أوصافها ما يدل على الحديث موضوع ثم قال فى آخره
فذلك قوله ) ويخلق ما لا تعلمون ( وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن
"""""" صفحة رقم 151
""""""
ابن عباس ) وعلى الله قصد السبيل ( يقول على الله أن يبين الهدى والضلالة ) ومنها
جائر ( قال السبل المتفرقة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم
عن قتادة فى قوله ) وعلى الله قصد السبيل ( قال على الله بيان حلاله وحرامه وطاعته
ومعصيته ) ومنها جائر ( قال من السبل ناكب عن الحق قال وفى قراءة ابن مسعود ?
ومنكم جائر ? وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنبارى فى المصاحف عن علي أنه
كان يقرأ هذه الآية ? ومنكم جائر ?
سورة النحل الآية ( 10 19
النحل : ( 10 ) هو الذي أنزل . . . . .
لما استدل سبحانه على وجوده وكمال قدرته وبديع صنعته بعجائب أحوال الحيوانات أراد
أن يذكر الاستدلال على المطلوب بغرائب أحوال النبات فقال ) هو الذي أنزل من السماء
( أى من جهة السماء وهى السحاب ) ماء ( أى نوعا من أنواع الماء وهو المطر ) لكم
منه شراب ( يجوز ان يتعلق لكم بأنزل أو هو خبر مقدم وشراب مبتدأ مؤخر والجملة صفة
لما ) ومنه ( فى محل نصب على الحال والشراب اسم لما يشرب كالطعام لما يطعم والمعنى
أن الماء النازل من السماء قسمان قسم يشربه الناس ومن جملته ماء الآبار والعيون
فإنه من المطر لقوله ) فسلكه ينابيع في الأرض ( وقسم يحصل منه شجر ترعاه المواشى
قال الزجاج كل ما ينبت من الأرض فهو شجر لأن التركيب يدل على الاختلاط ومنه تشاجر
القوم إذا اختلط أصوات بعضهم بالبعض ومعنى الاختلاط حاصل فى العشب والكلأ وفيما له
ساق وقال ابن قتيبة المراد من الشجر فى الآية الكلأ وقيل الشجر كل ماله ساق كقوله
تعالى ) والنجم والشجر يسجدان ( والعطف يقتضى التغاير فلما كان النجم ما لا ساق له
وجب أن يكون الشجر ما له ساق وأجيب بأن عطف الجنس على النوع جائز ) فيه تسيمون (
أى فى الشجر ترعون مواشيكم يقال سامت السائمة تسوم سوما رعت فهى سائمة وأسمتها أى
أخرجتها إلى الرعى فأنا مسيم وهى مسامة وسائمة وأصل السوم الإبعاد فى المرعى قال
الزجاج أخذ من السومة وهى العلامة لأنها تؤثر
"""""" صفحة رقم 152
""""""
فى الأرض علامات برعيها
النحل : ( 11 ) ينبت لكم به . . . . .
) ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ( قرأ أبو بكر عن عاصم ننبت بالنون
وقرأ الباقون بالياء التحتية أى ينبت الله لكم بذلك الماء الذى أنزله من السماء
وقدم الزرع لأنه أصل الأغذية التى يعيش بها الناس وأتبعه بالزيتون لكونه فاكهة من
وجه وإداما من وجه لكثرة ما فيه من الدهن وهو جمع زيتونة ويقال للشجرة نفسها
زيتونة ثم ذكر النخيل لكونه غذاء وفاكهة وهو مع العنب أشرف الفواكه وجمع الأعناب
لاشتمالها على الأصناف المختلفة ثم أشار إلى سائر الثمرات فقال ) ومن كل الثمرات (
كما أجمل الحيوانات التى لم يذكرها فيما سبق بقوله ) ويخلق ما لا تعلمون ( وقرأ
أبى ابن كعب ) ينبت لكم به الزرع ( يرفع الزرع وما بعده ) إن في ذلك ( أى الإنزال
والإنبات ) لآية ( عظيمة دالة على كمال القدرة والتفرد بالربوبية ) لقوم يتفكرون (
فى مخلوقات الله ولا يهملون النظر فى مصنوعاته
النحل : ( 12 ) وسخر لكم الليل . . . . .
) وسخر لكم الليل والنهار ( معنى تسخيرهما للناس تصييرهما نافعين لهم بحسب ما
تقتضيه مصالحهم وتستدعيه حاجاتهم يتعاقبان دائما كالعبد الطائع لسيده لا يخالف ما
يأمره به ولا يخرج عن إرادته ولا يهمل السعى فى نفعه وكذا الكلام فى تسخير الشمس
والقمر والنجوم فإنها تجرى على نمط متحد يستدل بها العباد على مقادير الأوقات
ويهتدون بها ويعرفون أجزاء الزمان ومعنى مسخرات مذللات وقرأ ابن عامر وأهل الشام )
والشمس والقمر والنجوم مسخرات ( بالرفع على الإبتداء والخبر وقرأ الباقون بالنصب
عطفا على الليل والنهار وقرأ حفص عن عاصم برفع النجوم على أنه مبتدأ وخبره مسخرات
) بأمره ( وعلى قراءة النصب فى مسخرات يكون حالا مؤكدة لأن التسخير قد فهم من قوله
) وسخر ( وقرأ حفص فى رواية برفع مسخرات مع نصب ما قبله على أنه خبر مبتدأ محذوف
أى هى مسخرات ) إن في ذلك ( التسخير ) لآيات لقوم يعقلون ( أى يعملون عقولهم فى
هذه الآثار الدالة على وجود الصانع وتفرده وعدم وجود شريك له وذكر الآيات لأن
الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة وأبين شهادة للكبرياء والعظمة
وجمعها ليطابق قوله مسخرات وقيل إن وجه الجمع هو أن كلا من تسخير الليل والنهار
والشمس والقمر والنجوم آية فى نفسها بخلاف ما تقدم من الإنبات فإنه آية واحدة ولا
يخلو كل هذا عن تكلف والأولى أن يقال إن هذه المواضع الثلاثة التى أفرد الآية فى
بعضها وجمعها فى بعضها كل واحد منها يصلح للجمع باعتبار وللإفراد باعتبار فلم
يجرها على طريقة واحدة افتنانا وتنبيها على جواز الأمرين وحسن كل واحد منهما
النحل : ( 13 ) وما ذرأ لكم . . . . .
) وما ذرأ لكم في الأرض ( أى خلق يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا خلقهم فهو ذارئ
ومنه الذرية وهى نسل الثقلين وقد تقدم تحقيق هذا وهو معطوف على النجوم رفعا ونصبا
أى وسخر لكم ما ذرأ فى الأرض فالمعنى أنه سبحانه سخر لهم تلك المخلوقات السماوية
والمخلوقات الأرضية وانتصاب مختلفا ألوانه على الحال وألوانه هيئاته ومناظره فإن
ذرء هذه الأشياء على اختلاف الألوان والأشكال مع تساوى الكل فى الطبيعة الجسمية
آية عظيمة دالة على وجود الصانع سبحانه وتفرده ) إن في ذلك ( التسخير لهذه الأمور
) لآية لقوم يذكرون ( فإن من تذكر اعتبر ومن اعتبر استدل على المطلوب قيل وإنما خص
المقام الأول بالتفكر لإمكان إيراد الشبهة المذكورة وخص المقام الثانى بالعقل
لذكره بعد إماطة الشبهة وإراحة العلة فمن لم يعترف بعدها بالوحدانية فلا عقل له
وخص المقام الثالث بالتذكر لمزيد الدلالة فمن شك بعد ذلك فلا حس له وفى هذا من
التكلف ما لا يخفى والأولى أن يقال هنا كما قلنا فيما تقدم فى إفراد الآية فى
البعض وجمعها فى البعض الآخر وبيانه أن كلا من هذه المواضع الثلاثة يصلح لذكر
التفكر ولذكر التعقل ولذكر التذكر لاعتبارات
"""""" صفحة رقم 153
""""""
ظاهرة غير خفية فكان فى التعبير فى كل موضع بواحد منها افتنان حسن لا يوجد فى
التعبير بواحد منها فى جميع المواضع الثلاثة
النحل : ( 14 ) وهو الذي سخر . . . . .
) وهو الذي سخر البحر ( امتن الله سبحانه بتسخير البحر بإمكان الركوب عليه
واستخراج ما فيه من صيد وجواهر لكونه من جملة النعم التى أنعم الله بها على عباده
مع ما فيه من الدلالة على وحدانية الرب سبحانه وكمال قدرته وقد جمع الله سبحانه
لعباده فى هذا المقام بين التذكير لهم بآياته الأرضية والسماوية والبحرية فأرشدهم
إلى النظر والاستدلال بالآيات المتنوعة المختلفة الأمكنة إتماما للحجة وتكميلا
للإنذار وتوضيحا لمنازع الاستدلال ومناطات البرهان ومواضع النظر والاعتبار ثم ذكر
العلة فى تسخير البحر فقال ) لتأكلوا منه لحما طريا ( المراد به السمك ووصفه
بالطراوة للإشعار بلطافته والإرشاد إلى المسارعة بأكله لكونه مما يفسد بسرعة )
وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ( أى لؤلؤا ومرجانا كما فى قوله سبحانه ) يخرج منهما
اللؤلؤ والمرجان ( وظاهر قوله ) تلبسونها ( أنه يجوز للرجال أن يلبسوا اللؤلؤ
والمرجان أى يجعلونه حلية لهم كما يجوز للنساء ولا حاجة لما تكلفه جماعة من
المفسرين فى تأويل قوله ) تلبسونها ( بقوله تلبسه نساؤهم لأنهن من جملتهم أو
لكونهن يلبسنها لأجلهم وليس فى الشريعة المطهرة ما يقتضى منع الرجال من التحلى
باللؤلؤ والمرجان ما لم يستعمله على صفة لا يستعمله عليها إلا النساء خاصة فإن ذلك
ممنوع من جهة كونه تشبها بهن وقد ورد الشرع بمنعه لا من جهة كونه حلية لؤلؤ أو
مرجان ) وترى الفلك مواخر فيه ( أى ترى السفن شواق للماء تدفعه بصدرها ومخر
السفينة شقها الماء بصدرها قال الجوهرى مخر السابح إذا شق الماء بصدره ومخر الأرض
شقها للزراعة وقيل مواخر جوارى وقيل معترضة وقيل تذهب وتجئ وقيل ملججة قال ابن
جرير المخر فى اللغة صوت هبوب الريح ولم يقيد بكونه فى ماء ) ولتبتغوا من فضله (
معطوف على تستخرجوا وما بينهما اعتراض أو على علة محذوفة تقديره لتنتفعوا بذلك
ولتبتغوا أو على تقدير فعل ذلك لتبتغوا أى لتتجروا فيه فيحصل لكم الربح من فضل
الله سبحانه ) ولعلكم تشكرون ( أى إذا وجدتم فضله عليكم وإحسانه إليكم اعترفتم
بنعمته عليكم فشكرتم ذلك باللسان والأركان قيل ولعل وجه تخصيص هذه النعمة بالتعقيب
بالشكر من حيث أن فيها قطعا لمسافة طويلة مع أحمال ثقيلة من غير مزاولة أسباب
السفر بل من غير حركة أصلا مع أنها فى تضاعيف المهالك ويمكن أن يضم إلى ما ذكر من
قطع المسافة على الصفة المذكورة ما اشتمل عليه البحر من كون فيه أطيب مأكول وأنفس
ملبوس وكثرة النعم مع نفاستها وحسن موقعها من أعظم الأسباب المستدعية للشكر
الموجبة له
النحل : ( 15 ) وألقى في الأرض . . . . .
ثم أردف هذه النعم الموجبة للتوحيد المفيدة للاستدلال على المطلوب بنعمة أخرى وآية
كبرى فقال ) وألقى في الأرض رواسي ( أى جبالا ثابتة يقال رسا يرسو إذا ثبت وأقام
قال الشاعر فصبرت عارفة لذلك حرة
ترسو إذا نفس الجبان تطلع
) أن تميد بكم ( أى كراهة ان تميد بكم على ما قاله البصريون أو لئلا تميد بكم على
ما قاله الكوفيون والميد الاضطراب يمينا وشمالا ماد الشيء يميد ميدا تحرك ومادت
الأغصان تمايلت وماد الرجل تبختر ) وأنهارا ( أى جعل فيها أنهارا لأن الإلقاء ها
هنا بمعنى الجعل والخلق كقوله ) وألقيت عليك محبة مني ( ) وسبلا ( أى وجعل فيها
سبلا وأظهرها وبيتها لأجل تهتدون بها فى أسفاركم إلى مقاصدكم والسبل الطرق
النحل : ( 16 ) وعلامات وبالنجم هم . . . . .
) وعلامات ( أى وجعل فيها علامات وهى معالم الطرق والمعنى أنه سبحانه جعل للطرق
علامات يهتدون بها ) وبالنجم هم يهتدون ( المراد بالنجم الجنس أى يهتدون به فى
سفرهم ليلا وقرأ ابن وثاب وبالنجم بضم النون والجيم ومراده النجوم فقصره أو هو جمع
نجم كسقف وسقف وقيل المراد بالنجم هنا الجدى والفرقدان قاله الفراء وقيل الثريا
وقيل العلامات
"""""" صفحة رقم 154
""""""
الجبال وقيل هى النجوم لأن من النجوم ما يهتدى به ومنها ما يكون علامة لا يهتدى
بها وذهب الجمهور إلى أن المراد فى الآية الإهتداء فى الأسفار وقيل هو الإهتداء
إلى القبلة ولا مانع من حمل ما فى الآية على ما هو أعم من ذلك قال الأخفش ثم
الكلام عند قوله وعلامات وقوله ) وبالنجم هم يهتدون ( كلام منفصل عن الأول
النحل : ( 17 ) أفمن يخلق كمن . . . . .
ثم لما عدد الآيات الدالة على الصانع ووحدانيته وكمال قدرته أراد أن يوبخ أهل
الشرك والعناد فقال ) أفمن يخلق ( هذه المصنوعات العظيمة ويفعل هذه الأفاعيل
العجيبة ) كمن لا يخلق ( شيئا منها ولا يقدر على إيجاد واحد منها وهو هذه الأصنام
التى تعبدونها وتجعلونها شركاء لله سبحانه وأطلق عليها لفظ ) من ( إجراء لها مجرى
أولى العلم جريا على زعمهم بأنها آلهة أومشاكلة لقوله ) أفمن يخلق ( لوقوعها فى
صحبته وفى هذا الإستفهام من التقريع والتوبيخ للكفار ما لا يخفى وما أحقهم بذلك
فإنهم جعلوا بعض المخلوقات شريكا لخالقه ) تعالى الله عما يشركون ( ) أفلا تذكرون
( مخلوقات الله الدالة على وجوده وتفرده بالربوبية وبديع صنعته فتستدلون بها على
ذلك فإنها لوضوحها يكفى فى الاستدلال بها مجرد التذكر لها
النحل : ( 18 ) وإن تعدوا نعمة . . . . .
ثم لما فرغ من تعديد الآيات التى هى بالنسبة إلى المكلفين نعم قال ) وإن تعدوا
نعمة الله لا تحصوها ( وقد مر تفسير هذا فى سورة إبراهيم قال العقلاء إن كل جزء من
أجزاء الإنسان لو ظهر فيه أدنى خلل وأيسر نقص لنغص النعم على الإنسان وتمنى أن
ينفق الدنيا لو كانت فى ملكه حتى يزول عنه ذلك الخلل فهو سبحانه يدير بدن هذا
الإنسان على الوجه الملائم له مع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك فكيف يطيق حصر
بعض نعم الله عليه أو يقدر على إحصائها أو يتمكن من شكر أدناها
يا ربنا هذه نواصينا بيدك خاضعة لعظيم نعمك معترفة بالعجز عن بادية الشكر لشيء
منها لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ولا نطيق التعبير بالشكر لك فتجاوز
عنا واغفر لنا وأسبل ذيول سترك على عوراتنا فإنك إن لا تفعل ذلك نهلك بمجرد
التقصير فى شكر نعمك فكيف بما قد فرط منا من التساهل فى الائتمار بأوامرك
والإنتهاء عن مناهيك وما أحسن ما قال من قال العفو يرجى من بنى آدم
فكيف لا يرجى من الرب
فقلت مذيلا لهذا البيت الذى هو قصر مشيد فإنه أرءف بى منهم
حسبى به حسبى به حسبى
وما أحسن ما ختم به هذا الإمتنان الذى لا يلتبس على إنسان مشيرا إلى عظيم غفرانه
وسعة رحمته فقال ) إن الله لغفور رحيم ( أى كثير المغفرة والرحمة لا يؤاخذكم
بالغفلة عن شكر نعمه والقصور عن إحصائها والعجز عن القيام بأدناها ومن رحمته
إدامتها عليكم وإدرارها فى كل لحظة وعند كل نفس تتنفسونه وحركة تحتركون بها
اللهم إنى أشكرك عدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان فى كل زمان وعدد ما سيشكرك
الشاكرون بكل لسان فى كل زمان فقد خصصتنى بنعم لم أرها على كثير من خلقك وإن رأيت
منها شيئا على بعض خلقك لم أر عليه بقيتها فأنى أطيق شكرك وكيف أستطيع بادية أدنى
شكر أدناها فكيف أستطيع أعلاها فكيف أستطيع شكر نوع من أنواعها
النحل : ( 19 ) والله يعلم ما . . . . .
ثم بين لعباده بأنه عالم بجميع ما يصدر منهم لا تخفى عليه منه خافية فقال ) والله
يعلم ما تسرون ( أى تضمرونه من الأمور ) وما تعلنون ( أى تظهرونه منها وفيه وعيد
وتعريض وتوبيخ وتنبيه على أن الإله يجب أن يكون عالما بالسر والعلانية لا كالأصنام
التى يعبدونها فإنها جمادات لا شعور لها بشئ من الظواهر فضلا عن السرائر فكيف
يعبدونها
"""""" صفحة رقم 155
""""""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وما
ذرأ لكم في الأرض ( قال ما خلق لكم فى الأرض مختلفا من الدواب والشجر والثمار نعم
من الله متظاهرة فاشكروها لله وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) لتأكلوا
منه لحما طريا ( يعنى حيتان البحر ) وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ( قال هذا اللؤلؤ
وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا
( قال هو السمك وما فيه من الدواب وأخرج ابن أبى شيبة عن أبى جعفر قال ليس فى
الحلى زكاة ثم قرأ ) وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ( أقول وفى هذا الإستدلال نظر
والذى ينبغى التعويل عليه أن الأصل البراءة من الزكاة حتى يرد الدليل بوجوبها فى
شئ من أنواع المال فتلزم وقد ورد فى الذهب والفضة ما هو معروف ولم يرد فى الجواهر
على اختلاف أصنافها ما يدل على وجوب الزكاة فيها وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن
ابن عباس ) مواخر ( قال جوارى وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى
حاتم عن عكرمة ) مواخر ( قال تشق الماء بصدرها وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن
الضحاك ) مواخر ( قال السفينتان تجريان بريح واحدة مقبلة ومدبرة وأخرج ابن أبى
حاتم عن السدى فى قوله ) ولتبتغوا من فضله ( قال هى التجارة
وأخرج عبد الرازق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) رواسي (
قال الجبال ) أن تميد بكم ( قال حتى لا تميد بكم كانوا على الآرض تمور بهم لا
تستقر فأصبحوا صبحا وقد جعل الله الجبال وهى الرواسى أوتادا فى الأرض وأخرج ابن
أبى حاتم عن السدى فى قوله ) وسبلا ( قال السبل هى الطرق بين الجبال وأخرج ان عبد
الرازق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والخطيب عن قتادة ) وسبلا ( قال طرقا
) وعلامات ( قال هى النجوم وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى الآية قال علامات
النهار الجبال وأخرج عبد الرازق وابن جرير وابن المنذر عن الكلبى وعلامات قال
الجبال وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس )
وعلامات ( يعنى معالم الطرق بالنهار ) وبالنجم هم يهتدون ( يعنى بالليل
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) أفمن
يخلق كمن لا يخلق ( قال الله هو الخالق الرازق وهذه الأوثان التى تعبد من دون الله
تخلق شيئا ولا تملك لأهلها ضرا ولا نفعا
سورة النحل الآية ( 20 26 )
"""""" صفحة رقم 156 """"""
النحل : ( 20 ) والذين يدعون من . . . . .
شرع سبحانه فى تحقيق كون الأصنام التى أشار إليها بقوله ) كمن لا يخلق ( عاجزة على
أن يصدر منها خلق شئ فلا تستحق عبادة فقال ) الذين تدعون من دون الله ( أى الآلهة
الذين يدعوهم الكفار من دون الله سبحانه صفتهم هذه الصفات المذكورة وهى أنهم ) لا
يخلقون شيئا ( من المخلوقات أصلا لا كبيرا ولا صغيرا ولا جليلا ولا حقيرا ) وهم
يخلقون ( أى وصفتهم أنهم يخلقون فكيف يتمكن المخلوق من أن يخلق غيره ففى هذه الآية
زيادة بيان لأنه أثبت لهم صفة النقصان بعد أن سلب عنهم صفة الكمال بخلاف قوله )
أفمن يخلق كمن لا يخلق ( فإنه اقتصر على مجرد سلب صفة الكمال وقراءة الجمهور
والذين تدعون بالمثناة الفوقية على الخطاب مطابقة لما قبله
وروى أبو بكر عن عاصم وروى هبيرة عن حفص يدعون بالتحية وهى قراءة يعقوب
النحل : ( 21 ) أموات غير أحياء . . . . .
ثم ذكر صفة أخرى من صفتهم فقال ) أموات غير أحياء ( يعنى أن هذه الأصنام أجسادها
ميتة لا حياة بها أصلا فزيادة ) غير أحياء ( لبيان أنها ليست كبعض الأجساد التى
تموت بعد ثبوت الحياة لها بل لا حياة لهذه أصلا فكيف يعبدونها وهم أفضل منها لأنهم
أحياء ) وما يشعرون أيان يبعثون ( الضمير فى يشعرون للآلهة وفى يبعثون للكفار
الذين يعبدون الأصنام والمعنى ما تشعر هذه الجمادات من الأصنام أبان يبعث عبدتهم
من الكفار ويكون هذا على طريقة التهكم بهم لأن شعور الجماد مستحيل بما هو من
الأمور الظاهرة فضلا عن الأمور التى لا يعلمها إلا الله سبحانه وقيل يجوز أن يكون
الضمير فى يبعثون للآلهة أى وما تشعر هذه الأصنام أيان تبعث ويؤيد ذلك ما روى أن
الله يبعث الأصنام ويخلق لها أرواحا معها شياطينها فيؤمر بالكل إلى النار ويدل على
هذا قوله ) إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ( وقيل قد تم الكلام عند قوله )
وهم يخلقون ( ثم ابتدأ فوصف المشركين بأنهم أموات غير أحياء وما يشعرون أيان
يبعثون فيكون الضميران على هذا للكفار وعلى القول بأن الضميرين أو أحدهما للأصنام
يكون التعبير عنها مع كونها لا تعقل بما هو للعقلاء جريا على اعتقاد من يعبدها
بأنها تعقل وقرأ السلمى إيان بكسر الهمزة وهما لغتان وهو فى محل نصب بالفعل الذى
قبله
النحل : ( 22 ) إلهكم إله واحد . . . . .
) إلهكم إله واحد ( لما زيف سبحانه طريقة عبدة الأوثان صرح بما هو الحق فى نفس
الأمر وهو وحدانيته سبحانه ثم ذكر ما لأجله أصر الكفار على شركهم فقال ) فالذين لا
يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة ( للوحدانية لا يؤثر فيها وعظ ولا ينجع فيها تذكير )
وهم مستكبرون ( عن قبول الحق متعظمون عن الإذعان للصواب مستمرون على الجحد
النحل : ( 23 ) لا جرم أن . . . . .
) لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( قال الخليل لا جرم كلمة تحقيق ولا
تكون إلا جوابا أى حقا أن الله يعلم ما يسرون من أقوالهم وأفعالهم وما يعلنون من
ذلك وقد مر تحقيق الكلام فى لا جرم ) إنه لا يحب المستكبرين ( أى لا يحب هؤلاء
الذين يستكبرون عن توحيد الله والإستجابة لأنبيائه والجملة تعليل لما تضمنه الكلام
المتقدم
النحل : ( 24 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم ( أى وإذا قال لهؤلاء الكفار المنكرين المستكبرين
قائل ماذا أنزل ربكم أى أى شئ أنزل ربكم أو ماذا الذى أنزل قيل القائل النضر بن
الحارث والآية نزلت فيه فيكون هذا القول منه على طريق التهكم وقيل القائل هو من
يفد عليهم وقيل القائل المسلمون فأجاب المشركون المنكرون المستكبرون ف ) قالوا
أساطير الأولين ( بالرفع أى ما تدعونه أيها المسلمون نزوله أساطير الأولين أو أن
المشركين أرادوا السخرية بالمسلمين فقالوا المنزل عليكم أساطير الأولين وعلى هذا
فلا يرد ما قيل من أن هذا لا يصلح أن يكون جوابا من المشركين وإلا لكان المعنى
الذى أنزله ربنا أساطير الأولين والكفار لا يقرون بالإنزال ووجه عدم وروده هو ما
ذكرناه وقيل هو كلام مستأنف أى ليس ما تدعون إنزاله أيها المسلمون منزلا بل هو
أساطير الأولين وقد جوز على مقتضى علم النحو نصب أساطير وإن لم تقع القراءة به ولا
بد من النصب من التأويل الذى ذكرنا أى أنزل
"""""" صفحة رقم 157
""""""
على دعواكم أساطير الأولين أو يقولون ذلك من أنفسهم على طريق السخرية والأساطير
الأباطيل والترهات التى يتحدث الناس بها عن القرون الأولى وليس من كلام الله فى
شيء ولا مما أنزله الله أصلا فى زعمهم
النحل : ( 25 ) ليحملوا أوزارهم كاملة . . . . .
) ليحملوا أوزارهم كاملة ( أى قالوا هذه المقالة لكى يحملوا أوزارهم كاملة لم يكفر
منها شيء لعدم إسلامهم الذى هو سبب لتكفير الذنوب وقيل إن اللام هى لام العاقبة
لأنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير لأجل يحملون الأوزار ولكن لما كان عاقبتهم ذلك
حسن التعليل به كقوله ) ليكون لهم عدوا وحزنا ( وقيل هى لام الأمر ) ومن أوزار
الذين يضلونهم ( أى ويحملون بعض أوزار الذين أضلوهم لأن من سن سنة سيئة كان عليه
وزرها ووزر من عمل بها وقيل من للجنس لا للتبعيض أى يحملون كل أوزار الذين يضلونهم
ومحل ) بغير علم ( النصب على الحال من فاعل ) يضلونهم ( أى يضلون الناس جاهلين غير
عالمين بما يدعونهم إليه ولا عارفين بما يلزمهم من الآثام وقيل إنه حال من المفعول
أى يضلون من لا علم له ومثل هذه الآية ) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( وقد
تقدم فى الأنعام الكلام على قوله ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( ) ألا ساء ما يزرون (
أى بئس شيئا يزرونه ذلك
النحل : ( 26 ) قد مكر الذين . . . . .
ثم حكى سبحانه حال أضرابهم من المتقدمين فقال ) قد مكر الذين من قبلهم ( ذهب أكثر
المفسرين إلى أن المراد به نمروذ بن كنعان حيث بنى بناء عظيما ببابل ورام الصعود
إلى السماء ليقاتل أهلها فأهب الله الريح فخر ذلك البناء عليه وعلى قومه فهلكوا
والأولى أن الآية عامة فى جميع المبطلين من المتقدمين الذين يحاولون إلحاق الضر
بالمحقين ومعنى المكر هنا الكيد والتدبير الذى لا يطابق الحق وفى هذا وعيد للكفار
المعاصرين له ( صلى الله عليه وسلم ) بأن مكرهم سيعود عليهم كما عاد مكر من قبلهم
على أنفسهم ) فأتى الله بنيانهم ( أى أتى أمر الله وهو الريح التى أخربت بنيانهم
قال المفسرون أرسل الله ريحا فألقت رأس الصرح فى البحر وخر عليهم الباقى ) من
القواعد ( قال الزجاج من الأساطين والمعنى أنه أتاها أمر الله من جهة قواعدها
فزعزعها ) فخر عليهم السقف من فوقهم ( قرأ ابن أبى هريرة وابن محيصن السقف بضم
السين والقاف جميعا وقرأ مجاهد بضم السين وسكون القاف وقرأ الباقون السقف بفتح السين
وسكون القاف والمعنى أنه سقط عليهم السقف لأنه بعد سقوط قواعد البناء يسقط جميع ما
هو معتمد عليها قال ابن الأعرابى وإنما قال من فوقهم ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته
والعرب تقول خر علينا سقف ووقع علينا حائط إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه فجاء
بقوله ) من فوقهم ( ليخرج هذا الشك الذى فى كلام العرب لقال ) من فوقهم ( أى عليهم
وقع وكانوا تحته فهلكوا وما أفلتوا وقيل إن المراد بالسقف السماء أى أتاهم العذاب
من السماء التى فوقهم وقيل إن هذه الآية تمثيل لهلاكهم والمعنى أهلكهم فكانوا
بمنزلة من سقط بنيانه عليه
وقد اختلف فى هؤلاء الذين خر عليهم السقف فقيل هو نمروذ كما تقدم وقيل إنه بختنصر
وأصحابه وقيل هم المقسمون الذين تقدم ذكرهم فى سورة الحجر ) وأتاهم العذاب ( أى
الهلاك ) من حيث لا يشعرون ( به بل من حيث أنهم فى أمان
النحل : ( 27 ) ثم يوم القيامة . . . . .
ثم بين سبحانه أن عذابهم غير مقصور على عذاب الدنيا فقال ) ثم يوم القيامة يخزيهم
( بإدخالهم النار ويفضحهم بذلك ويهينهم وهو معطوف على مقدر أى هذا عذابهم فى
الدنيا ثم يوم القيامة يخزيهم ) ويقول ( لهم مع ذلك توبيخا وتقريعا ) أين شركائي (
كما تزعمون وتدعون قرأ ابن كثير من رواية البزى شركاى من دون همز وقرأ الباقون
بالهمز ثم وصف هؤلاء الشركاء بقوله ) الذين كنتم تشاقون فيهم ( قرأ نافع بكسر
النون على الإضافة وقرأ الباقون بفتحها أى تخاصمون الأنبياء والمؤمنين فيهم وعلى
قراءة نافع تخاصموننى فيهم وتعادوننى ادعوهم فليدفعوا عنكم هذا العذاب النازل بكم
"""""" صفحة رقم 158
""""""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق علي بن أبى طلحة عن ابن عباس
فى قوله ) لا جرم ( يقول بلى وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى مالك ) لا جرم ( قال يعنى
لحق وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك قال لا كذب وأخرج مسلم وأبو داود والترمذى وابن
ماجه وغيرهم عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يدخل الجنة
من كان فى قلبه مثقال ذرة كبر ولا يدخل النار من كان فى قلبه مثقال ذرة من إيمان
فقال رجل يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال إن الله جميل
يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمص الناس وفى ذم الكبر ومدح التواضع أحاديث كثيرة
وكذلك فى إخراج محبة حسن الثوب وحسن النعل ونحو ذلك من الكبر أحاديث كثيرة والحاصل
أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قد بين ماهية الكبر أنه بطر الحق وغمص الناس فهذا
هو الكبر المذموم وقد ساق صاحب الدر المنثور عند تفسيره لهذه الآية أعنى قوله
سبحانه ) إنه لا يحب المستكبرين ( أحاديث كثيرة ليس هذا مقام إيرادها بل المقام
مقام ذكر ما له علاقة بتفسير الكتاب العزيز وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله )
قالوا أساطير الأولين ( أن ناسا من مشركى العرب كانوا يقعدون بطريق من أتى نبى
الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا مروا سألوهم فأخبروهم بما سمعوا من النبى ( صلى
الله عليه وسلم ) فقالوا إنما هو أساطير الأولين وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن
ابن عباس فى قوله ) ليحملوا أوزارهم ( الآية يقول يحملون مع ذنوبهم ذنوب الذين
يضلونهم بغير علم وذلك مثل قوله سبحانه ) وأثقالا مع أثقالهم ( وأخرج ابن أبى شيبة
وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد نحوه وزاد ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم
من العذاب شيئا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) قد مكر الذين
من قبلهم ( قال نمروذ بن كنعان حين بنى الصرح وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن زيد
بن أسلم أنه النمروذ أيضا وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) فأتى
الله بنيانهم من القواعد ( قال أتاها أمر الله من أصلها ) فخر عليهم السقف من
فوقهم ( والسقف أعالى البيوت فائتكفت بهم بيوتهم فأهلكهم الله ودمرهم ) وأتاهم
العذاب من حيث لا يشعرون ( وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم من طريق على بن أبى طلحة
عن ابن عباس ) تشاقون فيهم ( قال تخالفونى
سورة النحل الآية ( 27 32 )
"""""" صفحة رقم 159
""""""
قوله ) قال الذين أوتوا العلم ( قيل هم العلماء قالوه لأممهم الذين كانوا يعظونهم
ولايلتفتون إلى وعظهم وكان هذا القول منهم على طريق الشماته وقيل هم الأنبياء وقيل
الملائكة والظاهر الأول لأن ذكرهم بوصف العلم يفيد ذلك وإن كان الانبياء والملائكة
هم من أهل العلم بل هم أعرق فيه لكن لهم وصف يذكرون به هو أشرف من هذا الوصف وهو
كونهم أنبياء أو كونهم ملائكة ولا يقدح فى هذا جواز الإطلاق لأن المراد الاستدلال
على الظهور فقط ) إن الخزي اليوم ( أي الذل والهوان والفضيحة يوم القيامة ) والسوء
( أي العذاب ) على الكافرين ( مختص بهم
النحل : ( 28 ) الذين تتوفاهم الملائكة . . . . .
) الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ( قد تقدم تفسيره والموصول فى محل الجر على
أنه نعت للكافرين أو بدل منه أو فى محل نصب على الاختصاص أو فى محل رفع على تقدير
مبتدأ أى هم الذين تتوفاهم وانتصاب ظالمى أنفسهم على الحال ) فألقوا السلم ( معطوف
على ) فيقول أين شركائي ( وما بينهما اعتراض أى أقروا بالربوبية وانقادوا عند
الموت ومعناه الإستسلام قاله قطرب وقيل معناه المسالمة أى سالموا وتركوا المشاقة
قاله الأخفش وقيل معناه الإسلام أى أقروا بالإسلام وتركوا ما كانوا فيه من الكفر
وجملة ) ما كنا نعمل من سوء ( يجوز أن تكون تفسيرا للسلم على أن يكون المراد
بالسلم الكلام الدال عليه ويجوز أن يكون المراد بالسوء هنا الشرك ويكون هذا القول
منهم على وجه الجحود والكذب ومن لم يجوز الكذب على أهل القيامة حمله على أنهم
أرادوا أنهم لم يعملوا سوءا فى اعتقادهم وعلى حسب ظنونهم ومثله قولهم والله ربنا
ما كنا مشركين فلما قالوا هذا أجاب عليهم أهل العلم بقولهم ) بلى إن الله عليم بما
كنتم تعملون ( أى بلى كنتم تعملون السوء إن الله عليم بالذى كنتم تعملونه فمجازيكم
عليه ولا ينفعكم هذا الكذب شيئا
النحل : ( 29 ) فادخلوا أبواب جهنم . . . . .
) فادخلوا أبواب جهنم ( أى يقال لهم ذلك عند الموت وقد تقدم ذكر أبواب جهنم وأن
جهنم درجات بعضها فوق بعض و ) خالدين فيها ( حال مقدرة لأن خلودهم مستقبل ) فلبئس
مثوى المتكبرين ( المخصوص بالذم محذوف والتقدير لبئس مثوى المتكبرين جهنم والمراد
بتكبرهم هنا هو تكبرهم عن الإيمان والعبادة كما فى قوله ) إنهم كانوا إذا قيل لهم
لا إله إلا الله يستكبرون )
النحل : ( 30 ) وقيل للذين اتقوا . . . . .
ثم أتبع أوصاف الأشقياء بأوصاف السعداء فقال ) وقيل للذين اتقوا ( وهم المؤمنون )
ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ( أى أنزل خيرا قال الثعلبى فإن قيل لم ارتفع الجواب فى
قوله ) أساطير الأولين ( وانتصب فى قوله ) خيرا ( فالجواب أن المشركين لم يؤمنوا
بالتنزيل فكأنهم قالوا الذى يقولونه محمد هو أساطير الأولين والمؤمنون آمنوا
بالنزول فقال أنزل خيرا ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ( قيل هذا من كلام الله
عز وجل وقيل هو حكاية لكلام الذين اتقوا فيكون على هذا بدلا من خيرا وعلى الأول
يكون كلاما مستأنفا مسوقا للمدح للمتقين والمعنى للذين أحسنوا أعمالهم فى الدنيا
حسنة أى مثوبة حسنة ) ولدار الآخرة ( أى مثوبتها ) خير ( مما أوتوا فى الدنيا )
ولنعم دار المتقين ( دار الآخرة فحذف المخصوص بالمدح لدلالة ما قبله عليه وارتفاع
النحل : ( 31 ) جنات عدن يدخلونها . . . . .
) جنات عدن ( على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها أو خبر مبتدأ محذوف وقيل يجوز أن تكون
هى المخصوص بالمدح ) يدخلونها ( هو إما خبر المبتدأ أو خبر بعد خبر وعلى تقدير
تنكير عدن تكون صفة لجنات وكذلك ) تجري من تحتها الأنهار ( وقيل يجوز أن تكون
الجملتان فى محل نصب على الحال على تقدير أن لفظ عدن علم وقد تقدم معنى جرى
الأنهار من تحت الجنات ) لهم فيها ما يشاؤون ( أى لهم فى الجنات ما تقع عليه
مشيئتهم صفوا عفوا يحصل لهم بمجرد ذلك ) كذلك يجزي الله المتقين ( أى مثل ذلك
الجزاء يجزيهم والمراد بالمتقين كل من يتقى الشرك وما يوجب النار من المعاصى
النحل : ( 32 ) الذين تتوفاهم الملائكة . . . . .
والموصول فى قوله ) الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ( فى محل نصب نعت للمتقين
المذكور قبله قرأ الأعمش وحمزة تتوفاهم فى هذا الوضع وفى الموضع الأول بالياء
التحتية وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية واختار
"""""" صفحة رقم 160
""""""
القراءة الأولى أبو عبيد مستدلا بما روى عن ابن مسعود أنه قال إن قريشا زعموا أن
الملائكة إناث فذكروهم أنتم وطيبين فيه أقوال طاهرين من الشرك أو الصالحين أو
زاكية أفعالهم وأقواهم أو طيبين الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله أو طيبة
نفوسهم بالرجوع إلى الله أو طيبين الوفاة أى هى عليهم سهلة لا صعوبة فيها وجملة )
يقولون سلام عليكم ( فى محل نصب على الحال من الملائكة أى قائلين سلام عليكم
ومعناه يحتمل وجهين أحدهما أن يكون السلام إنذارا لهم بالوفاة الثانى أن يكون
تبشيرا لهم بالجنة لأن السلام أمان وقيل إن الملائكة يقولون السلام عليك ولى الله
إن الله يقرأ عليك السلام ) ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ( أى بسبب عملكم قيل
يحتمل هذا وجهين الأول أن يكون تبشيرا بدخول الجنة عند الموت الثانى أن يقولوا ذلك
لهم فى الآخرة ولا ينافى هذا دخول الجنة بالتفضل كما فى الحديث الصحيح سددوا
وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله قيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا
أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته وقد قدمنا البحث عن هذا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله )
وقيل للذين اتقوا ( قال هؤلاء المؤمنون يقال لهم ) ماذا أنزل ربكم ( فيقولون )
خيرا للذين أحسنوا ( أى آمنوا بالله وكتبه وأمروا بطاعته وحثوا عباد الله على
الخير ودعوهم إليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله )
الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ( قال أحياء وأمواتا قدر الله لهم ذلك
سورة النحل الآية ( 33 40 )
النحل : ( 33 ) هل ينظرون إلا . . . . .
قوله ) هل ينظرون ( الآية هذا جواب شبهة أخرى لمنكرى النبوة فإنهم طلبوا من النبى
( صلى الله عليه وسلم )
"""""" صفحة رقم 161
""""""
أن ينزل عليهم ملكا من السماء يشهد على صدقه فى إدعاء النبوة فقال هل ينظرون فى
تصديق نبوتك ) إلا أن تأتيهم الملائكة ( شاهدين بذلك ويحتمل أن يقال إنهم لما
طعنوا فى القرآن بأنه أساطير الأولين أو عدهم الله بقوله ) هل ينظرون إلا أن
تأتيهم الملائكة ( لقبض أرواحهم ) أو يأتي أمر ربك ( أى عذابه فى الدنيا المستأصل
لهم أو المراد بأمر الله القيامة وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائى وخلف ? إلا
أن يأتيهم الملائكة ? بالياء التحتية وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية والمراد
بكونهم ينظرون أى ينتظرون إتيان الملائكة أو إتيان أمر الله على التفسير الآخر
أنهم قد فعلوا فعل من وجب عليه العذاب وصار منتظرا له وليس المراد أنهم ينتظرون
ذلك حقيقة فإنهم لا يؤمنون بذلك ولا يصدقونه ) كذلك فعل الذين من قبلهم ( أى مثل
فعل هؤلاء من الإصرار على الكفر والتكذيب والاستهزاء فعل الذين خلوا من قبلهم من
طوائف الكفار فأتاهم أمر الله فهلكوا ) وما ظلمهم الله ( بتدميرهم بالعذاب فإنه
أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( بما ارتكبوه من القبائح
وفيه أن ظلمهم مقصور عليهم باعتبار ما إليه يئول
النحل : ( 34 ) فأصابهم سيئات ما . . . . .
وجملة ) فأصابهم سيئات ما عملوا ( معطوفة على فعل الذين من قبلهم وما بينهما
اعتراض وقيل فى الكلام تقديم وتأخير والتقدير كذلك فعل الذين من قبلهم فأصابهم
سيئات ما عملوا وما ظلمهم الله والمعنى فأصابهم جزاء سيئات أعمالهم أو جزاء
أعمالهم السيئة ) وحاق بهم ( أى نزل بهم على وجه الإحاطة ) ما كانوا به يستهزؤون (
أى العذاب الذى كانوا به يستهزئون أو عقاب استهزائهم
النحل : ( 35 ) وقال الذين أشركوا . . . . .
) وقال الذين أشركوا ( هذا نوع آخر من كفرهم الذى حكاه الله عنهم والمراد بالذين
أشركوا هنا أهل مكة ) لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ( أى لو شاء عدم
عبادتنا لشيء غيره ما عبدنا ذلك ) نحن ولا آباؤنا ( الذين كانوا على ما نحن عليه
الآن من دين الكفر والشرك بالله قال الزجاج إنهم قالوا هذا على وجهة الاستهزاء ولو
قالوه عن اعتقاد لكانوا مؤمنين وقد مضى الكلام على مثل هذا فى سورة الأنعام ) ولا
حرمنا من دونه من شيء ( من السوائب والبحائر ونحوهما ومقصودهم بهذا القول المعلق
بالمشيئة الطعن فى الرسالة أى لو كان ما قاله الرسول حقا من المنع من عبادة غير
الله والمنع من تحريم ما لم يحرمه الله حاكيا ذلك عن الله لم يقع منا ما يخالف ما
أراده منا فإنه قد شاء ذلك وما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن فلما وقع منا العبادة
لغيره وتحريم ما لم يحرمه كان ذلك دليلا على أن ذلك هو المطابق لمراده والموافق
لمشيئته مع أنهم فى الحقيقة لا يعترفون بذلك ولا يقرون به لكنهم قصدوا ما ذكرنا من
الطعن على الرسل ) كذلك فعل الذين من قبلهم ( من طوائف الكفر فإنهم أشركوا بالله
وحرموا ما لم يحرمه وجادلوا رسله بالباطل واستهزءوا بهم ثم قال ) فهل على الرسل (
الذين يرسلهم الله إلى عباده بما شرعه لهم من شرائعه التى رأسها توحيده وترك الشرك
به ) إلا البلاغ ( إلى من أرسلوا إليهم بما أمروا بتبليغه بلاغا واضحا يفهمه
المرسل إليهم ولا يلتبس عليهم
النحل : ( 36 ) ولقد بعثنا في . . . . .
ثم إنه سبحانه أكد هذا وزاده إيضاحا فقال ) ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ( كما
بعثنا فى هؤلاء لإقامة الحجة عليهم ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( و أن فى
قوله ) أن اعبدوا الله ( إما مصدرية أى بعثنا بأن اعبدوا الله أو مفسرة لأن فى
البعث معنى القول ) واجتنبوا الطاغوت ( أى اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان
والكاهن والصنم وكل من دعا إلى الضلال ) فمنهم ( أى من هذه الأمم التى بعث الله
إليها رسله ) من هدى الله ( أى أرشده إلى دينه وتوحيده وعبادته واجتناب الطاغوت )
ومنهم من حقت عليه الضلالة ( أى وجبت وثبتت لإصراره على الكفر والعناد قال الزجاج
أعلم الله أنه بعث الرسل بالأمر بالعبادة وهو من وراء الإضلال والهداية ومثل هذه
الآية قوله تعالى ) فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ( وفى هذه الآية التصريح
بأن الله أمر جميع عباده بعبادته واجتناب الشيطان وكل ما يدعو إلى الضلال وأنهم
بعد ذلك
"""""" صفحة رقم 162
""""""
فريقان فمنهم من هدى ومنهم من حقت عليه الضلالة فكان فى ذلك دليل على أن أمر الله
سبحانه لا يستلزم موافقة إرادته فإنه يأمر الكل بالإيمان ولا يريد الهداية إلا
للبعض إذ لو أرادها للكل لم يكفر أحد وهذا معنى ما حكيناه عن الزجاج هنا ) فسيروا
في الأرض ( سير معتبرين ) فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( من الأمم السابقة عند
مشاهدتكم لآثارهم كعاد وثمود أى كيف صار آخر أمرهم إلى خراب الديار بعد هلاك
الأبدان بالعذاب
النحل : ( 37 ) إن تحرص على . . . . .
ثم خصص الخطاب برسوله ( صلى الله عليه وسلم ) مؤكدا لما تقدم فقال ) إن تحرص على
هداهم ( أى تطلب بجهدك ذلك ) فإن الله لا يهدي من يضل ( قرأ ابن مسعود وأهل الكوفة
لا يهدى بفتح حرف المضارعة على أنه فعل مستقبل مسند إلى الله سبحانه أى فإن الله
لا يرشد من أضله ) ومن ( فى موضع نصب على المفعولية وقرأ الباقون ) لا يهدي ( بضم
حرف المضارعة على أنه مبنى للمجهول واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم على
معنى أنه لا يهديه هاد كائنا من كان ومن فى موضع رفع على أنها نائب الفاعل المحذوف
فتكون هذه الآية على هذه القراءة كقوله فى الآية الأخرى ) من يضلل الله فلا هادي
له ( والعائد على القراءتين محذوف أى من يضله وروى أبو عبيد عن الفراء على القراءة
الأولى أن معنى ) لا يهدي ( لا يهتدى كقوله تعالى ? أمن لا يهدى إلا أن يهدى ?
بمعنى يهتدى قال أبو عبيد ولا نعلم أحدا روى هذا غير الفراء وليس بمتهم فيما يحكيه
قال النحاس حكى عن محمد بن يزيد المبرد كأن معنى ) لا يهدي من يضل ( من علم ذلك
منه وسبق له عنده ) وما لهم من ناصرين ( ينصرونهم على الهداية لمن أضله الله أو
ينصرونهم بدفع العذاب عنهم
النحل : ( 38 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
ثم ذكر عناد قريش وإنكارهم للبعث فقال ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( مصدر فى موضع
الحال أى جاهدين ) لا يبعث الله من يموت ( من عباده زعموا أن الله سبحانه عاجز عن
بعث الأموات فرد الله عليهم ذلك بقوله ) بلى وعدا عليه حقا ( هذا إثبات لما بعد
النفى أى بلى يبعثهم ووعدا مصدر مؤكدا لما دل عليه بلى وهو يبعثهم لأن البعث وعد
من الله وعد عباده به والتقدير وعد البعث وعدا عليه حقا لا خلف فيه وحقا صفة لوعد
وكذا عليه فإنه صفة لوعد أى كائنا عليه أو نصب حقا على المصدرية أى حق حقا ) ولكن
أكثر الناس لا يعلمون ( أن ذلك يسير عليه سبحانه غير عسير
النحل : ( 39 ) ليبين لهم الذي . . . . .
وقوله ) ليبين لهم ( أى ليظهر لهم وهو غاية لما دل عليه بلى من البعث والضمير فى )
لهم ( راجع إلى من يموت والموصول فى قوله ) الذي يختلفون فيه ( فى محل نصب على أنه
مفعول ليبين أى الأمر الذى وقع الخلاف بينهم فيه وبيانه إذ ذاك يكون بما جاءتهم به
الرسل ونزلت عليهم فيه كتب الله وقيل إن ليبين متعلق بقوله ) ولقد بعثنا ( أى
بعثنا فى كل أمة رسولا ليبين وهو بعيد ) وليعلم الذين كفروا ( بالله سبحانه
وأنكروا البعث ) أنهم كانوا كاذبين ( فى جدالهم وإنكارهم البعث بقولهم ) لا يبعث
الله من يموت )
النحل : ( 40 ) إنما قولنا لشيء . . . . .
وجملة ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( مستأنفة لبيان كيفية
الإبداء والإعادة بعد بيان سهولة البعث عليه سبحانه قال الزجاج أعلمهم بسهولة خلق
الأشياء عليه فأخبر أنه متى أراد الشئ كان وهذا كقوله ) وإذا قضى أمرا فإنما يقول
له كن فيكون ( وقرأ ابن عامر والكسائى فيكون بالنصب عطفا على أن نقول قال الزجاج
يجوز أن يكون نصبا على جواب كن وقرأ الباقون بالرفع على معنى فهو يكون قال ابن
الأنبارى أوقع لفظ الشئ على المعلوم عند الله تعالى قبل الخلق لأنه بمنزلة ما قد
وجد وشوهد وقال الزجاج إن معنى لشئ لأجل شئ فجعل اللام سببية وقيل هى لام التبليغ
كما فى قولك قلت له قم فقام ) إنما قولنا ( مبتدأ ) أن نقول له كن ( خبره وهذا
الكلام من باب التمثيل على معنى أنه لا يمتنع عليه شئ وأن وجوده عند إرادته كوجود
المأمورية عند أمر الآمر المطاع
"""""" صفحة رقم 163
""""""
إذا ورد على المأمور المطيع وليس هناك قول ولا مقول له ولا أمر ولا مأمور حتى يقال
إنه يلزم منه أحد محالين إما خطاب المعدوم أو تحصيل لحاصل وقد مضى تفسير ذلك فى
سورة البقرة مستوفى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) هل
ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ( قال بالموت وقال فى آية أخرى ) ولو ترى إذ يتوفى
الذين كفروا الملائكة ( وهو ملك الموت وله رسل ) أو يأتي أمر ربك ( وذاكم يوم
القيامة وأخرج ابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة فى قوله ) فإن
الله لا يهدي من يضل ( قال من يضله الله لا يهديه أحد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير
وابن المنذر وابن أبى حاتم عن أبى العالية قال كان لرجل من المسلمين على رجل من
المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به والذى أرجوه بعد الموت إنه لكذا
وكذا فقال له المشرك إنك لتزعم أنك تبعث من بعد الموت فأقسم بالله جهد يمينه لا
يبعث الله من يموت فأنزل الله ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت (
الآية وأخرج ابن العقيلى وابن مردويه عن على فى قوله ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم
لا يبعث الله من يموت ( قال نزلت في وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن المنذر عن
أبى هريرة قال قال الله تعالى سبنى ابن آدم ولم يكن ينبغى له أن يسبنى وكذبنى ولم
يكن ينبغى له أن يكذبنى أما تكذيبه إياى فقال ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث
الله من يموت ( وقلت بلى وعدا عليه حقا وأما سبه إياى فقال إن الله ثالث ثلاثة
وقلت هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد هكذا ذكره أبو
هريرة موقوفا وهو فى الصحيحين مرفوعا بلفظ آخر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن
المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) ليبين لهم الذي يختلفون فيه ( يقول للناس
عامة
سورة النحل الآية ( 41 50 )
النحل : ( 41 ) والذين هاجروا في . . . . .
قد تقدم تحقيق معنى الهجرة فى سورة النساء وهى ترك الأهل والأوطان ومعنى ) هاجروا
في الله (
"""""" صفحة رقم 164
""""""
فى شأن الله سبحانه وفى رضاه وقيل ) في الله ( فى دين الله وقيل فى بمعنى اللام أى
لله ) من بعد ما ظلموا ( أى عذبوا وأهينوا فإن أهل مكة عذبوا جماعة من المسلمين
حتى قالوا ما أرادوا منهم فلما تركوهم هاجروا وقد اختلف فى سبب نزول الآية فقيل
نزلت فى صهيب وبلال وخباب وعمار واعترض بأن السورة مكية وذلك يخالف قوله ) والذين
هاجروا ( وأجيب بأنه يمكن أن تكون هذه الآية من جملة الآيات المدنية فى هذه السورة
كما قدمنا فى عنوانها وقيل نزلت فى أبى جندل بن سهيل وقيل نزلت فى أصحاب محمد (
صلى الله عليه وسلم ) لما ظلمهم المشركون بمكة وأحرجوهم حتى لحق طائفة منهم
بالحبشة ) لنبوئنهم في الدنيا حسنة (
اختلف فى معنى هذا على أقوال فقيل المراد نزولهم المدينة قاله ابن عباس والحسن
والشعبى وقتادة وقيل المراد الرزق الحسن قاله مجاهد وقيل النصر على عدوهم قال
الضحاك وقيل ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من الولايات وقيل ما
بقى لهم فيها من الثناء وصار لأولادهم من الشرف ولا مانع من حمل الآية على جميع
هذه الأمور ومعنى ) لنبوئنهم في الدنيا حسنة ( لنبوئنهم مباءة حسنة أو تبوئة حسنة
فحسنة صفة مصدر محذوف ) ولأجر الآخرة ( أى جزاء أعمالهم فى الآخرة ) أكبر ( من أن
يعلمه أحد من خلق الله قبل أن يشاهده ومنه قوله تعالى ) وإذا رأيت ثم رأيت نعيما
وملكا كبيرا ( ) لو كانوا يعلمون ( أى لو كان هؤلاء الظلمة يعلمون ذلك وقيل إن
الضمير فى يعلمون راجع إلى المؤمنين أى لو رأوا ثواب الآخرة وعاينوه لعلموا أنه
أكبر من حسنة الدنيا
النحل : ( 42 ) الذين صبروا وعلى . . . . .
) الذين صبروا ( الموصول فى محل نصب على المدح أو الرفع على تقدير مبتدأ أو هو بدل
من الموصول الأول أو من الضمير فى ) لنبوئنهم ( ) وعلى ربهم يتوكلون ( أى على ربهم
خاصة يتوكلون فى جميع أمورهم معرضين عما سواه والجملة معطوفة على الصلة أو فى محل
نصب على الحال
النحل : ( 43 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ( قرأ حفص عن عاصم نوحى بالنون وقرأ
الباقون يوحى بالياء التحتية وهذه الآية رد على قريش حيث زعموا أن الله سبحانه أجل
من أن يرسل رسولا من البشر فرد الله عليهم بأن هذه عادته وسنته أن لا يرسل إلا
رجالا من البشر يوحى إليهم وزعم أبو علي الجبائي أن معنى الآية أن الله سبحانه لم
يرسل إلى الأنبياء بوحيه إلا من هو على صورة الرجال من الملائكة ويرد عليه بأن
جبريل كان يأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على صور مختلفة ولما كان كفار
مكة مقرين بأن اليهود والنصارى هم أهل العلم بما أنزل الله فى التوراة والإنجيل
صرف الخطاب إليهم وأمرهم أن يرجعوا إلى أهل الكتاب فقال ) فاسألوا أهل الذكر إن
كنتم لا تعلمون ( أى فاسألوا أيها المشركون مؤمن أهل الكتاب إن كنتم لا تعلمون
فإنهم سيخبرونكم أن جميع الأنبياء كانوا بشرا أو اسألوا أهل الكتاب من غير تقييد
بمؤمنيهم كما يفيده الظاهر فإنهم كانوا يعترفون بذلك ولا يكتمونه وقيل المعنى
فاسألوا أهل القرآن
النحل : ( 44 ) بالبينات والزبر وأنزلنا . . . . .
و ) بالبينات والزبر ( يتعلق بأرسلنا فيكون داخلا فى حكم الاستثناء مع رجالا وأنكر
الفراء ذلك وقال إن صفة ما قبل إلا لا تتأخر إلى ما بعدها لأن المستثنى عنه هو
مجموع ما قبل إلا مع صلته كما لو قيل أرسلنا إلا رجالا بالبينات فلما لم يصر هذا
المجموع مذكورا بتمامه امتنع إدخال الاستثناء عليه وقيل فى الكلام تقديم وتأخير
والتقدير وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا وقيل يتعلق بمحذوف دل عليه
المذكور أى أرسلناهم بالبينات والزبر ويكون جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل لماذا
أرسلهم فقال أرسلناهم بالبينات والزبر وقيل متعلق بتعلمون على أنه مفعوله والباء
زائدة أى إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وقيل متعلق برجالا أى رجالا متلبسين
بالبينات والزبر وقيل بنوحى إليهم بالبينات والزبر وقيل منصوب بتقدير أعنى والباء
زائدة وأهل الذكر هم أهل
"""""" صفحة رقم 165
""""""
الكتاب كما تقدم وقال الزجاج اسألوا كل من يذكر بعلم والبينات الحجج والبراهين
والزبر الكتب وقد تقدم الكلام على هذا فى آل عمران ) وأنزلنا إليك الذكر ( أى
القرآن ثم بين الغاية المطلوبة من الإنزال فقال ) لتبين للناس ( جميعا ) ما نزل
إليهم ( فى هذا الذكر من الأحكام الشرعية والوعد والوعيد ) ولعلهم يتفكرون ( أى
إرادة أن يتأملوا ويعملوا أفكارهم فيتعظوا
النحل : ( 45 ) أفأمن الذين مكروا . . . . .
) أفأمن الذين مكروا السيئات ( يحتمل أن تكون السيئات صفة مصدر محذوف أى مكروا
المكرات السيئات وأن تكون مفعولة للفعل المذكور على تضمينه معنى العمل أى عملوا
السيئات أو صفة لمفعول مقدر أى أفأمن الماكرون العقوبات السيئات أو على حذف حرف
الجر أى مكروا بالسيئات ) أن يخسف الله بهم الأرض ( هو مفعول أمن أو بدل من مفعوله
على القول بأن مفعوله محذوف وأن السيئات صفة للمحذوف والاستفهام للتقريع والتوبيخ
ومكر السيئات سعيهم فى إيذاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإيذاء أصحابه على
وجه الخفية واحتيالهم فى إبطال الإسلام وكيد أهله ) أن يخسف الله بهم ( كما خسف
بقارون يقال خسف المكان يخسف خسوفا ذهب فى الأرض وخسف الله به الأرض خسوفا أى غاب
به فيها ومنه قوله ) فخسفنا به وبداره الأرض ( وخسف هو فى الأرض وخسف به ) أو
يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ( به فى حال غفلتهم عنه كما فعل بقوم لوط وغيرهم
وقيل يريد يوم بدر فإنهم أهلكوا ذلك اليوم ولم يكن فى حسبانهم
النحل : ( 46 ) أو يأخذهم في . . . . .
) أو يأخذهم في تقلبهم (
ذكر المفسرون فيه وجوها فقيل المراد فى أسفارهم ومتاجرهم فإنه سبحانه قادر على أن
يهلكهم فى السفر كما يهلكهم فى الحضر وهو لا يفوتونه بسبب ضربهم فى الأرض وبعدهم
عن الأوطان وقيل المراد فى حال تقلبهم فى قضاء أوطارهم بوجود الحيل فيحول الله
بينهم وبين مقاصدهم وحيلهم وقيل فى حال تقلبهم فى الليل على فرشهم وقيل فى حال
إقبالهم وإدبارهم وذهابهم ومجيئهم بالليل والنهار والقلب بالمعنى الأول مأخوذ من
قوله ) لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ( وبالمعنى الثانى مأخوذ من قوله )
وقلبوا لك الأمور ( ) فما هم بمعجزين ( أى بفائتين ولا ممتنعين
النحل : ( 47 ) أو يأخذهم على . . . . .
) أو يأخذهم على تخوف ( أى حال تخوف وتوقع للبلايا بأن يكونوا متوقعين للعذاب
حذرين منه غير غافلين عنه فهو خلاف ما تقدم من قوله ) أو يأتيهم العذاب من حيث لا
يشعرون ( وقيل معنى ) على تخوف ( على تنقص قال ابن الأعرابى أى على تنقص من
الأموال والأنفس والثمرات حتى أهلكهم قال الواحدى قال عامة المفسرين على تخوف قال
تنقص إما بقتل أو بموت يعنى بنقص من أطرافهم ونواحيهم يأخذهم الأول فالأول حتى
يأتى الأخذ على جميعهم قال والتخوف التنقص يقال هو يتخوف المال أى يتنقصه ويأخذ من
أطرافه انتهى يقال تخوفه الدهر وتخونه بالفاء والنون تنقصه قال ذو الرمة لا بل هو
الشوق من دار تخوفها
مرا سحاب ومرا بارح ترب
وقال لبيد تخوفها نزولى وارتحالى
أى تنقص لحمها وشحمها قال الهيثم بن عدى التخوف بالفاء التنقص لغة لأزد شنودة
وأنشد
تخوف عدوهم مالى وأهدى سلاسل فى الحلوق لها صليل
وقيل على تخوف على عجل قاله الليث بن سعد وقيل على تقريع بما قدموه من ذنبوهم وروى
ذلك عن ابن عباس وقيل على تخوف أن يعاقب ويتجاوز قاله قتادة ) إن ربكم لرؤوف رحيم
( لا يعاجل بل يمهل رأفة بكم ورحمة لكم مع استحقاقهم للعقوبة
النحل : ( 48 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء ( لما خوف سبحانه الماكرين
"""""" صفحة رقم 166
""""""
بما خوف أتبعه ذكر ما يدل على كمال قدرته فى تدبير أحوال العالم العلوى والسفلى
ومكانهما والاستفهام فى ) أو لم يروا ( للإنكار وما مبهمة مفسرة بقوله من شئ قرأ
حمزة والكسائى وخلف ويحيى بن وثاب والأعمش تروا بالمثناة الفوقية على أنه خطاب
لجميع الناس وقرأ الباقون بالتحتية بإرجاع الضمير إلى الذين مكروا السيئات وقرأ
أبو عمرو ويعقوب ? تتفيؤا ضلاله ? بالمثناة الفوقية وقرأ الباقون بالتحتية
واختارها أبو عبيد أى يميل من جانب إلى جانب ويكون أول النهار على حال ويتقلص ثم
يعود فى آخر النهار على حالة أخرى قال الأزهرى تفيؤ الظلال رجوعها بعد انتصاف
النهار فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشى وما انصرف عنه الشمس والقمر والذى يكون بالغداة
هو الظل وقال ثعلب أخبرت عن أبى عبيدة أن رؤبة قال كل ما كانت عليه الشمس فزالت
عنه فهو فئ وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل ومعنى ) من شيء ( من شيء له ظل وهى
الأجسام فهو عام أريد به الخاص وظلاله جمع ظل وهو مضاف إلى مفرد لأنه واحد يراد به
الكثرة ) عن اليمين والشمائل ( أى عن جهة أيمانها وشمائلها أى عن جانبى كل واحد
منها قال الفراء وحد اليمين لأنه أراد واحدا من ذوات الأظلال وجمع الشمائل لأنه
أراد كلها لأن ما خلق الله لفظه مفرد ومعناه جمع وقال الواحدى وحد اليمين والمراد
به الجميع إيجازا فى اللفظ كقوله ) ويولون الدبر ( ودلت الشمائل على أن المراد به
الجمع وقيل إن العرب إذا ذكرت صيغتى جمع عبرت عن أحدهما بلفظ الواحد كقوله ) وجعل
الظلمات والنور ( و ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وقيل المراد باليمين النقطة
التى هى مشرق الشمس وأنها واحدة والشمائل عبارة عن الانحراف فى فلك الإظلال بعد
وقوعها على الآرض وهى كثيرة وإنما عبر عن المشرق باليمين لأن أقوى جانبى الإنسان
يمينه ومنه تظهر الحركة القوية ) سجدا لله ( منتصب على الحال أى حال كون الظلال
سجدا لله قال الزجاج يعنى أن هذه الأشياء مجبولة على الطاعة وقال أيضا سجود الجسم
انقياده وما يرى من أثر الصنعة ) وهم داخرون ( فى محل نصب على الحال أى خاضعون
صاغرون والدخور الصغار والذل يقال دخر الرجل فهو داخر وأدخره الله قال الشاعر فلم
يبق إلا داخر فى مخيس
ومتحجر فى غير أرضك فى حجر
النحل : ( 49 ) ولله يسجد ما . . . . .
ومخيس اسم سجن كان بالعراق ) ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة ( أى
له وحده يخضع وينقاد لا لغيره ما فى السموات جميعا وما فى الأرض من دابة تدب على
الأرض والمراد كل دابة قال الأخفش هو كقولك ما أتانى من رجل مثله وما أتانى من
الرجال مثله وقد دخل فى عموم ما فى السموات وما فى الأرض جميع الأشياء الموجودة
فيهما وإنما خص الدابة بالذكر لأنه قد علم من قوله ) أو لم يروا إلى ما خلق الله
من شيء ( انقياد الجمادات وعطف الملائكة على ما قبلهم تشريفا لهم وتعظيما لدخولهم
فى المعطوف عليه ) وهم لا يستكبرون ( أى والحال أنهم لا يستكبرون عن عبادة ربهم
والمراد الملائكة ويحتمل أن تكون الجملة مستأنفة وفى هذا رد على قريش حيث زعموا أن
الملائكة بنات الله ويجوز أن تكون حالا من فاعل يسجد وما عطف عليه أى يسجد لله ما
فى السموات وما فى الأرض والملائكة وهم جميعا لا يستكبرون عن السجود
النحل : ( 50 ) يخافون ربهم من . . . . .
) يخافون ربهم من فوقهم ( هذه الجملة فى محل نصب على الحال أى حال كونهم يخافون
ربهم من فوقهم أو جملة مستأنفة لبيان نفى استكبارهم ومن آثار الخوف عدم الاستكبار
ومن فوقهم متعلق بيخافون على حذف مضاف أى يخافون عذاب ربهم من فوقهم أو يكون حالا
من الرب أى يخافون ربهم حال كونه من فوقهم وقيل معنى ) يخافون ربهم من فوقهم (
يخافون الملائكة فيكون على حذف المضاف أى يخافون ملائكة ربهم كائنين من فوقهم وهو
تكلف لا حاجة إليه وإنما
"""""" صفحة رقم 167
""""""
اقتضى مثل هذه التأويلات البعيدة المحاماة على مذاهب قد رسخت فى الأذهان وتقررت فى
القلوب قيل وهذه المخافة هى مخافة الإجلال واختاره الزجاج فقال ) يخافون ربهم (
خوف مجلين ويدل على صحة هذا المعنى قوله ) وهو القاهر فوق عباده ( وقوله إخبارا عن
فرعون ) وإنا فوقهم قاهرون ( ) ويفعلون ما يؤمرون ( أى ما يؤمرون به من طاعة الله
يعنى الملائكة أو جميع من تقدم ذكره وحمل هذه الجمل على الملائكة أولى لأن فى
مخلوقات الله من يستكبر عن عبادته ولا يخافه ولا يفعل ما يؤمر به كالكفار والعصاة
الذين لا يتصفون بهذه الصفات وإبليس وجنوده
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) والذين هاجروا
في الله من بعد ما ظلموا ( قال هم قوم من أهل مكة هاجروا إلى رسول الله ( صلى الله
عليه وسلم ) بعد ظلمهم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبى حاتم وابن عساكر عن
داود بن أبى هند قال نزلت هذه الآية فى أبى جندل ابن سهيل وأخرج عبد بن حميد وابن
جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) والذين هاجروا في الله ( الآية
قال هؤلاء أصحاب محمد ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم حتى لحق طوائف منهم بأرض
الحبشة ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة وجعل لهم أنصارا من
المؤمنين ) ولأجر الآخرة أكبر ( قال أى والله لما يصيبهم الله من جنته ونعمته أكبر
) لو كانوا يعلمون ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الشعبى فى قوله ) في الدنيا
حسنة ( قال المدينة وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن
مجاهد فى الآية قال لنرزقنهم فى الدنيا رزقا حسنا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن
ابن عباس قال لما بعث الله محمدا رسولا أنكرت العرب ذلك فأنزل الله ) وما أرسلنا
من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ( وأخرج الفريابى وعبد بن حميد وابن جرير وابن
المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عنه فى قوله ) فاسألوا أهل الذكر ( الآية يعنى
مشركى قريش أن محمدا رسول الله فى التوراة والإنجيل وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن
جبير قال نزلت فى عبد الله بن سلام ونفر من أهل التوراة وأخرج ابن أبى شيبة وابن
جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) بالبينات ( قال الآيات )
والزبر ( قال الكتب وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله )
أفأمن الذين مكروا السيئات ( قال نمروذ بن كنعان وقومه وأخرج ابن جرير وابن أبى
حاتم عن قتادة فى الآية قال أى الشرك وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك قال تكذيبهم
الرسل وإعمالهم بالمعاصى وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أو
يأخذهم في تقلبهم ( قال فى اختلافهم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه ) في تقلبهم
( قال إن شئت أخذته فى سفره ) أو يأخذهم على تخوف ( يقول على أثر موت صاحبه وأخرج
ابن أبى حاتم عنه أيضا ) على تخوف ( قال تنقص من أعمالهم وأخرج ابن جرير عن عمر
أنه سألهم عن هذه الآية ) أو يأخذهم على تخوف ( فقالوا ما نرى إلا أنه عند تنقص ما
يردده من الآيات فقال عمر ما أرى إلا أنه على ما يتنقصون من معاصى الله فخرج رجل
ممن كان عند عمر فلقى أعرابيا فقال يا فلان ما فعل ربك قال قد تخيفته يعنى انتقصته
فرجع إلى عمر فأخبره فقال قد رأيته ذلك وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر
عن مجاهد فى قوله ) أو يأخذهم على تخوف ( قال يأخذهم بنقص بعضهم بعضا وأخرج ابن
جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) يتفيأ ( قال يتميل وأخرج ابن جرير وابن
المنذر عن قتادة فى قوله ) وهم داخرون ( قال صاغرون وأخرج ابن جرير وابن المنذر
وابن أبى حاتم عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله )
ولله يسجد ( الآية قال لم يدع شيئا من
"""""" صفحة رقم 168
""""""
خلقه إلا عبده له طائعا أو كارها وأخرج ابن أبى حاتم عن الحسن فى الآية قال يسجد
من فى السموات طوعا ومن فى الأرض طوعا وكرها
سورة النحل الآية ( 51 62 )
النحل : ( 51 ) وقال الله لا . . . . .
لما بين سبحانه أن مخلوقاته السماوية والأرضية منقادة له خاضعة لجلاله أتبع ذلك
بالنهى عن الشرك بقوله ) وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد ( فنهى
سبحانه عن اتخاذ إلهين ثم أثبت أن الإلهية منحصرة فى إله واحد وهو الله سبحانه وقد
قيل إن التثنية فى إلهين قد دلت على الاثنينية والإفراد فى إله قد دل على الوحدة
فما وجه وصف إلهين باثنين ووصف إله واحد فقيل فى الجواب إن فى الكلام تقديما
وتأخيرا والتقدير لا تتخذوا اثنين إلهين إنما هو واحد إله وقيل إن التكرير لأجل
المبالغة فى التنفير عن اتخاذ الشريك وقيل إن فائدة زيادة اثنين هى أن يعلم أن
النهى راجع إلى التعدد لا إلى الجنسية وفائدة زيادة واحد دفع توهم أن المراد إثبات
الإلهية دون الواحدية مع أن الإلهية له سبحانه مسلمة فى نفسها وإنما خلاف المشركين
فى الواحدية ثم نقل الكلام سبحانه من الغيبة إلى التكلم على طريقة الالتفات لزيادة
الترهيب فقال ) فإياي فارهبون ( أى إن كنتم راهبين شيئا فإياى فارهبون لا غيرى وقد
مر مثل هذا فى أول البقرة
النحل : ( 52 ) وله ما في . . . . .
ثم لما قرر سبحانه وحدانيته وأنه الذى يجب أن يخص بالرهبة منه والرغبة إليه ذكر أن
الكل فى ملكه وتحت تصرفه فقال ) وله ما في السماوات والأرض ( وهذه الجملة مقررة
لمن تقدم فى قوله ) ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض ( إلى آخره وتقديم
"""""" صفحة رقم 169
""""""
الخبر لإفادة الاختصاص ) وله الدين واصبا ( أى ثابتا واجبا دائما لا يزول والدين
هو الطاعة والإخلاص قال الفراء ) واصبا ( معناه دائما ومنه قول الدؤلي لا أبتغي
الحمد القليل بقاؤه
بذم يكون الدهر أجمع واصبا
أى دائما وروى عن الفراء أيضا أنه قال الواصب الخالص والأول أولى ومنه قوله سبحانه
) ولهم عذاب واصب ( أى دائم وقال الزجاج أى طاعته واجبة أبدا ففسر الواصب بالواجب
وقال ابن قتيبة فى تفسير الواصب أى ليس أحد يطاع إلا انقطع ذلك بزوال أو بهلكة غير
الله تعالى فإن الطاعة تدوم له ففسر الواصب بالدائم وإذا دام الشيء دواما لا ينقطع
فقد وجب وثبت يقال وصب الشيء يصب وصوبا فهو واصب إذا دام ووصب الرجل على الأمر إذا
واظب عليه وقيل الوصب التعب والإعياء أى يجب طاعة الله سبحانه وإن تعب العبد فيها
وهو غير مناسب لما فى الآية والاستفهام فى قوله ) أفغير الله تتقون ( للتقريع
والتوبيخ وهو معطوف عل مقدر كما فى نظائره والمعنى إذا كان الدين أى الطاعة واجبا
له دائما لا ينقطع كان المناسب لذلك تخصيص التقوى به وعدم إيقاعها لغيره
النحل : ( 53 ) وما بكم من . . . . .
ثم امتن سبحانه عليهم بأن جميع ما هم متقلبون فيه من النعم هو منه لا من غيره فقال
) وما بكم من نعمة ( أى ما يلابسكم من النعم على اختلاف أنواعها فمن الله أى فهي
منه فتكون ما شرطية ويجوز أن تكون موصولة متضمنة معنى الشرط وبكم صلتها ومن نعمة
حال من الضمير فى الجار والمجرور أو بيان لما وقوله ) فمن الله ( الخبر وعلى كون
ما شرطية يكون فعل الشرط محذوفا أى ما يكن والنعمة إما دينية وهى معرفة الحق لذاته
ومعرفة الخير لأجل العمل به وإما دنيوية نفسانية أو بدنية أو خارجية كالسعادات
المالية وغيرها وكل واحدة من هذه جنس تحت أنواع لا حصر لها والكل من الله سبحانه
فعلى العاقل أن لا يشكر إلا إياه ثم بين تلون الإنسان بعد استغراقه فى بحر النعم
فقال ) ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ( أى إذا مسكم الضر أى مس فإلى الله سبحانه
لا إلى غيره تتضرعون فى كشفه فلا كاشف له إلا هو يقال جأر يجأر جؤورا إذا رفع صوته
فى تضرع قال الأعشى يصف بقرة فطافت ثلاثا بين يوم وليلة
وكان النكير أن تطيف وتجأرا
والضر المرض والبلاء والحاجة والقحط وكل ما يتضرر به الإنسان
النحل : ( 54 ) ثم إذا كشف . . . . .
) ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ( أى إذا رفع عنكم ما نزل لكم
من الضر إذا فريق أى جماعة منكم بربهم الذين رفع الضر عنهم يشركون فيجعلون معه
إلها آخر من صنم أو نحوه والآية مسوقة للتعجيب من فعل هؤلاء حيث يضعون الإشراك
بالله الذى أنعم عليهم بكشف ما نزل بهم من الضر مكان الشكر له وهذا المعنى قد تقدم
فى الأنعام ويونس ويأتى فى سبحانه قال الزجاج هذا خاص بمكر وكفر وقابل كشف الضر
عنه بالجحود والكفر وعلى هذا فتكون من فى منكم للتبعيض حيث كان الخطاب للناس جميعا
والفريق هم الكفرة وإن كان الخطاب موجها إلى الكفار فمن للبيان
النحل : ( 55 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . .
واللام فى ) ليكفروا بما آتيناهم ( لام كى أى لكى يكفروا بما آتيناهم من نعمة كشف
الضر حتى كأن هذا الكفر منهم الواقع فى موضع الشكر الواجب عليهم غرض لهم ومقصد من
مقاصدهم وهذا غاية فى العتو والعناد ليس وراءها غاية وقيل اللام للعاقبة يعنى ما
كانت عاقبة تلك التضرعات إلا هذا الكفر
النحل : ( 56 ) ويجعلون لما لا . . . . .
ثم قال سبحانه على سبيل التهديد والترهيب ملتفتا من الغيبة إلى الخطاب ) فتمتعوا (
بما أنتم فيه من ذلك ) فسوف تعلمون ( عاقبة أمركم وما يحل بكم فى هذه الدار وما
تصيرون إليه فى الدار الآخرة ثم حكى سبحانه نوعا آخر من قبائح أعمالهم فقال )
ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم ( أى يقع منهم هذا الجعل بعد ما وقع منهم
الجؤار إلى الله سبحانه فى كشف الضر عنهم وما يعقب كشفه عنهم من الكفر منهم بالله
والإشراك
"""""" صفحة رقم 170
""""""
به ومع ذلك يجعلون لما لا يعلمون حقيقته من الجمادات والشياطين نصيبا مما رزقناهم
من أموالهم يتقربون به إليه وقيل المعنى أنهم أى الكفار يجعلون للأصنام وهم لا
يعلمون شيئا لكونهم جمادات ففاعل يعلمون على هذا هى الأصنام وأجراها مجرى العقلاء
فى جمعها بالواو والنون جريا على اعتقاد الكفار فيها وحاصل المعنى ويجعل هؤلاء
الكفار للأصنام التى لا تعقل شيئا نصيبا من أموالهم التى رزقهم الله إياها ) تالله
لتسألن عما كنتم تفترون ( هذا رجوع من الغيبة إلى الخطاب وهذا السؤال سؤال تقريع
وتوبيخ ) عما كنتم تفترون ( تختلقونه من الكذب على الله سبحانه فى الدنيا
النحل : ( 57 ) ويجعلون لله البنات . . . . .
) ويجعلون لله البنات ( هذا نوع آخر من فضائحهم وقبائحهم وقد كانت خزاعة وكنانة
تقول الملائكة بنات الله ) سبحانه ( نزه سبحانه نفسه عما نسبه إليه هؤلاء الجفاة
الذين لا عقول لهم صحيحة ولا أفهام مستقيمة ) إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ( وفى
هذا التنزيه تعجيب من حالهم ) ولهم ما يشتهون ( أى ويجعلون لأنفسهم ما يشتهوونه من
البنين على أن ما فى محل نصب بالفعل المقدر ويجوز أن تكون فى محل رفع على الإبتداء
وأنكر النصب الزجاج قال لأن العرب لا يقولون جعل له كذا وهو يعنى نفسه وإنما
يقولون جعل لنفسه كذا فلو كان منصوبا لقال ولأنفسهم ما يشتهون وقد أجاز النصب
الفراء
النحل : ( 58 ) وإذا بشر أحدهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه كراهتهم للإناث التى جعلوها لله سبحانه فقال ) وإذا بشر أحدهم
بالأنثى ( أى إذا أخبر أحدهم بولادة بنت له ) ظل وجهه مسودا ( أى متغيرا وليس
المراد السواد الذى هو ضد البياض بل المراد الكناية بالسواد عن الإنكسار والتغير
بما يحصل من الغم والعرب تقول لكل من لقى مكروها قد اسود وجهه غما وحزنا قاله
الزجاج وقال الماوردى بل المراد سواد اللون حقيقة قال وهو قول الجمهور والأول أولى
فإن المعلوم بالوجدان أن من غضب وحزن واغتم لا يحصل فى لونه إلا مجرد التغير وظهور
الكآبة والإنكسار لا السواد الحقيقى وجملة ) وهو كظيم ( فى محل نصب على الحال أى
ممتلئ من الغم غيظا وحنقا قال الأخفش هو الذى يكظم غيظه ولا يظهره وقيل إنه
المغموم الذى يطبق فاه من الغم مأخوذ من الكظامة وهو سد فم البئر قاله على بن عيسى
وقد تقدم فى سورة يوسف
النحل : ( 59 ) يتوارى من القوم . . . . .
) يتوارى من القوم ( أى يتغيب ويختفى ) من سوء ما بشر به ( أى من سوء الحزن والعار
والحياء الذى يلحقه بسبب حدوث البنت له ) أيمسكه على هون ( أى لا يزال مترددا بين
الأمرين وهو إمساك البنت التى بشر بها أو دفنها فى التراب ) على هون ( أى هوان وكذا
قرأ عيسى الثقفى قال اليزيدى والهون الهوان بلغة قريش وكذا حكاه أبو عبيد من
الكسائى وحكى عن الكسائى أنه البلاء والمشقة قالت الخنساء نهين النفوس وهون النفو
س يوم الكريهة أبقى لها
وقال الفراء الهون القليل بلغة تميم وحكى النحاس عن الأعمش أنه قرأ أيمسكه على سوء
) أم يدسه في التراب ( أى يخفيه فى التراب بالوأد كما كانت تفعله العرب فلا يزال
الذى بشر بحدوث الأنثى مترددا بين هذين الأمرين والتذكير فى يمسكه ويدسه مع كونه
عبارة عن الأنثى لرعاية اللفظ وقرأ الجحدرى ? أم يدسها فى التراب ? ويلزمه أن يقرأ
أيمسكها وقيل دسها إخفاؤها عن الناس حتى لا تعرف كالمدسوس لإخفائه عن الأبصار )
ألا ساء ما يحكمون ( حيث أضافوا البنات التى يكرهونها إلى الله سبحانه وأضافوا
البنين المحبوبين عندهم إلى أنفسهم ومثل هذا قوله تعالى ) ألكم الذكر وله الأنثى
تلك إذا قسمة ضيزى )
النحل : ( 60 ) للذين لا يؤمنون . . . . .
) للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ( أى لهؤلاء الذين وصفهم الله سبحانه بهذه
القبائح الفظيعة مثل السوء أى صفة السوء من الجهل والكفر بالله وقيل هو وصفهم لله
سبحانه بالصاحبة والولد وقيل هو حاجتهم إلى الولد ليقوم مقامهم ووأد البنات لدفع
العار وخشية الإملاق وقيل العذاب والنار ) ولله المثل الأعلى ( وهو أضداد صفة
المخلوقين من الغنى الكامل والجود الشامل
"""""" صفحة رقم 171
""""""
والعلم الواسع أو التوحيد وإخلاص العبادة أو أنه خالق رازق قادر مجاز وقيل شهادة
أن لا إله إلا الله وقيل ) الله نور السماوات والأرض مثل نوره ( ) وهو العزيز (
الذى لا يغالب فلا يضره نسبتهم إليه ما لا يليق به ) الحكيم ( فى أفعاله وأقواله
النحل : ( 61 ) ولو يؤاخذ الله . . . . .
ثم لما حكى سبحانه عن القوم عظيم كفرهم بين سعة كرمه وحلمه حيث لم يعاجلهم
بالعقوبة ولم يؤاخذهم بظلمهم فقال ) ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ( والمراد بالناس
هنا الكفار أو جميع العصاة ) ما ترك عليها ( أى على الأرض وإن لم يذكر فقد دل
عليها ذكر الناس وذكر الدابة فإن الجميع مستقرون على الأرض والمراد بالدابة الكافر
وقيل كل ما دب وقد قيل على هذا كيف يعم بالهلاك مع أن فيهم من لا ذنب له وأجيب
بإهلاك الظالم انتقاما منه وإهلاك غيره إن كان من أهل التكليف فلأجل توفير أجره
وإن كان من غيرهم فبشؤم ظلم الظالمين ) فلله الحجة البالغة ( ) لا يسأل عما يفعل
وهم يسألون ( ومثل هذا قوله ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( وفى
معنى هذا أحاديث منها ما عند مسلم وغيره من حديث ابن عمر قال سمعت رسول الله ( صلى
الله عليه وسلم ) يقول إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا
على نياتهم وكذلك حديث الجيش الذين يخسف بهم فى البيداء وفى آخره أنهم يبعثون على
نياتهم وقد قدمنا عند تفسير قوله سبحانه ) واتقوا فتنة ( الآية تحقيقا حقيقا
بالمراجعة له ) ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ( معلوم عنده وهو منتهى حياتهم وانقضاء
أعمارهم أو أجل عذابهم وفى هذا التأخير حكمة بالغة منها الإعذار إليهم وإرخاء
العنان معهم ومنها حصول من سبق فى علمه من أولادهم ) فإذا جاء أجلهم ( الذى سماه
لهم حقت عليهم كلمة الله سبحانه فى ذلك الوقت من دون تقدم عليه ولا تأخر عنه
والساعة المدة القليلة وقد تقدم تفسيرها هذا وتحقيقه
النحل : ( 62 ) ويجعلون لله ما . . . . .
ثم ذكر نوعا آخر من جهلهم وحمقهم فقال ) ويجعلون لله ما يكرهون ( أى ينسبون إليه
سبحانه ما يكرهون نسبته إلى أنفسهم من البنات وهو تكرير لما قد تقدم لقصد التأكيد
والتقرير ولزيادة التوبيخ والتقريع ) وتصف ألسنتهم الكذب ( هذا من النوع الآخر
الذى ذكره سبحانه من قبائحهم وهو أى هذا الذى تصفه ألسنتهم من الكذب هو قولهم ) أن
لهم الحسنى ( أى الخصلة الحسنى أو العاقبة الحسنى قال الزجاج يصفون أن لهم مع قبح
قولهم من الله الجزاء الحسن قال الزجاج أيضا والفراء أبدل من قوله وتصف ألسنتهم
الكذب قوله أن لهم الحسنى والكذب منصوب على أنه مفعول تصف وقرأ ابن عباس وأبو
العالية ومجاهد وابن محيصن الكذب برفع الكاف والذال والباء على أنه صفة للألسن وهو
جمع كذب فيكون المفعول على هذا هو أن لهم الحسنى ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله )
لا جرم أن لهم النار ( أى حقا أن لهم مكان ما جعلوه لأنفسهم من الحسنى النار وقد
تقدم تحقيق هذا ) وأنهم مفرطون ( قال ابن الأعرابى وأبو عبيدة أى متروكون منسيون
فى النار وبه قال الكسائى والفراء فيكون مشتقا من أفرطت فلانا خلفى إذا خلفته
ونسيته وقال قتادة والحسن معجلون إليها مقدمون فى دخولها من أفرطته أى قدمته فى
طلب الماء والفارط هو الذى يتقدم إلى الماء والفراط المتقدمون فى طلب الماء
والوراد المتأخرون ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) أنا فرطكم على الحوض أى
متقدمكم قال القطامى فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا
كما تعجل فراط لوراد
وقرأ نافع فى رواية ورش مفرطون بكسر الراء وتخفيفها وهى قراءة ابن مسعود وابن عباس
ومعناه مسرفون فى الذنوب والمعاصى يقال أفرط فلان على فلان إذا أربى عليه وقال له
أكثر مما قال من الشر وقرأ أبو جعفر القارى مفرطون بكسر الراء وتشديدها أى مضيعون
أمر الله فهو من التفريط فى الواجب وقرأ الباقون مفرطون بفتح الراء مخففا ومعناه
مقدمون إلى النار
"""""" صفحة رقم 172
""""""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله )
وله الدين واصبا ( قال الدين الإخلاص وواصبا دائما وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى صالح
) وله الدين واصبا ( قال لا إله إلا الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى
حاتم عن ابن عباس ) واصبا ( قال دائما وأخرج الفريابى وابن جرير عنه قال واجبا
وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) تجأرون ( قال
تتضرعون دعاء وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى قال تصيحون بالدعاء وأخرج ابن أبى حاتم
عن الحسن فى قوله ) فتمتعوا فسوف تعلمون ( قال وعيد وأخرج ابن جرير عن مجاهد فى
قوله ) ويجعلون لما لا يعلمون ( الآية قال يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم ثم
يجعلون لما لا يعلمون أنه يضرهم ولا ينفعهم ) نصيبا مما رزقناهم ( وأخرج عبد بن
حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى الآية قال هم مشركو العرب جعلوا
لأوثانهم وشياطينهم مما رزقهم الله وجزءوا من أموالهم جزءا فجعلوه لأوثانهم
وشياطينهم وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى الآية قال هو قولهم هذا لله بزعمهم وهذا
لشركائنا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) ويجعلون
لله البنات ( الآية يقول يجعلون لي البنات يرتضونهن لى ولا يرتضونهن لأنفسهم وذلك
أنهم كانوا فى الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمسكها على هوان أو دسها فى
التراب وهى حية وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن الضحاك ) ولهم ما يشتهون ( قال
يعنى به البنين وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج ) أم يدسه في التراب ( قال
يئد ابنته وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) ألا ساء ما يحكمون ( قال بئس ما
حكموا يقول شئ لا يرضونه لأنفسهم فكيف يرضونه لي وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن
المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) ولله المثل الأعلى ( قال شهادة أن لا إله
إلا الله وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم والبيهقى عن ابن عباس ) ولله المثل الأعلى
( قال يقول ليس كمثله شئ وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) ما ترك
عليها من دابة ( قال ما سقاهم المطر وأخرج أيضا عن السدى نحوه وأخرج عبد الرزاق
وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى الآية قال قد فعل ذلك فى زمن نوح
أهلك الله ما على ظهر الأرض من دابة إلا ما حمل فى سفينته وأخرج أحمد فى الزهد عن
ابن مسعود قال ذنوب ابن آدم قتلت الجعل فى جحره ثم قال أى والله زمن غرق قوم نوح
وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى
الشعب عنه قال كاد الجعل أن يعذب فى جحره بذنب ابن آدم ثم قرأ ) ولو يؤاخذ الله
الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ( وأخرج عبد بن حميد وابن أبى الدنيا عن أنس
نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن أبى الدنيا وابن جرير والبيهقى فى الشعب عن أبى هريرة
أنه سمع رجلا يقول إن الظالم لا يضر إلا نفسه قال أبو هريرة بلى والله إن الحبارى
لتموت هزالا فى وكرها من ظلم الظالم وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك ) ويجعلون لله
ما يكرهون ( قال يجعلون لى البنات ويكرهون ذلك لأنفسهم وأخرج ابن أبى شيبة وابن
جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم
الحسنى ( قال قول كفار قريش لنا البنون وله البنات وأخرج عبد الرزاق وابن جرير
وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن
المنذر عن مجاهد ) وأنهم مفرطون ( قال منسبون وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة
وابن المنذر وابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن
المنذر عن قتادة قال معجلون وأخرج ابن أبى حاتم عن الحسن نحوه
"""""" صفحة رقم 173
""""""
سورة النحل الآية ( 63 69 )
النحل : ( 63 ) تالله لقد أرسلنا . . . . .
بين سبحانه أن مثل صنيع قريش قد وقع من سائر الأمم فقال مسليا لرسول الله ( صلى
الله عليه وسلم ) ) تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ( أى رسلا ) فزين لهم
الشيطان أعمالهم ( الخبيثة ) فهو وليهم اليوم ( يحتمل أن يكون اليوم عبارة عن زمان
الدنيا فيكون المعنى فهو قرينهم فى الدنيا ويحتمل أن يكون اليوم عبارة عن يوم
القيامة وما بعده فيكون للحال الآتية ويكون الولى بمعنى الناصر والمراد نفى الناصر
عنهم على أبلغ الوجوه لأن الشيطان لا يتصور منه النصرة أصلا فى الدار الآخرة وإذا
كان الناصر منحصرا فيه لزم أن لا نصرة من غيره ويحتمل أن يراد باليوم بعض زمان
الدنيا وهو على وجهين الأول أن يراد البعض الذى قد مضى وهو الذى وقع فيه التزيين
من الشيطان للأمم الماضية فيكون على طريق الحكاية للحال الماضية الثانى أن يراد
البعض الحاضر وهو وقت نزول الآية والمراد تزيين الشيطان لكفار قريش فيكون الضمير
فى وليهم لكفار قريش أى فهو ولى هؤلاء اليوم أو على حذف مضاف أى فهو ولى أمثال
أولئك الأمم اليوم ) ولهم عذاب أليم ( أى فى الآخرة وهو عذاب النار
النحل : ( 64 ) وما أنزلنا عليك . . . . .
ثم ذكر سبحانه أنه ما هلك من هلك إلا بعد إقامة الحجة عليهم وإزاحة العلة منهم
فقال ) وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ( وهذا خطاب لرسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بالكتاب القرآن والاستثناء مفرغ من أعم
الأحوال أى ما أنزلناه عليك لحال من الأحوال ولا لعلة من العلل إلا لعلة التبيين
لهم أى للناس الذى اختلفوا فيه من التوحيد وأحوال البعث وسائر الأحكام الشرعية و
انتصاب ) هدى ورحمة ( على أنهما مفعول لهما معطوفان على محل لتبين ولا حاجة إلى
اللام لأنهما فعلا فاعل الفعل المعلل بخلاف التبيين فإنه فعل المخاطب لافعل المنزل
) لقوم يؤمنون ( بالله سبحانه ويصدقون ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب
النحل : ( 65 ) والله أنزل من . . . . .
ثم عاد سبحانه إلى تقرير وجوده وتفرده بالإلهية بذكر آياته العظام فقال ) والله
أنزل من السماء ماء ( أى من السحاب أو من جهة العلو كما مر أى نوعا من أنواع الماء
) فأحيا به الأرض بعد موتها ( أى
"""""" صفحة رقم 174
""""""
أحياها بالنبات بعد أن كانت يابسة لا حياة بها ) إن في ذلك ( الإنزال والإحياء )
لآية ( أى علامة دالة على وحدانيته وعلى بعثه للخلق ومجازاتهم ) لقوم يسمعون (
كلام الله ويفهمون ما يتضمنه من العبر ويتفكرون فى خلق السموات والأرض
النحل : ( 66 ) وإن لكم في . . . . .
) وإن لكم في الأنعام لعبرة ( الأنعام هى الإبل والبقر والغنم ويدخل فى الغنم
المعز والعبرة أصلها تمثيل الشيء بالشيء ليعرف حقيقته بطريق المشاكلة ومنه ) فاعتبروا
يا أولي الأبصار ( وقال أبو بكر الوارق العبرة فى الأنعام تسخيرها لأربابها
وطاعتها لهم والظاهر أن العبرة هى قوله ) نسقيكم مما في بطونه ( فتكون الجملة
مستأنفة لبيان العبرة قرأ أهل المدينة وابن عامر وعاصم فى رواية أبى بكر نسقيكم
بفتح النون من سقى يسقى وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بضم النون من أسقى يسقى قيل هما
لغتان قال لبيد سقى قومى بنى م