Translate

الأربعاء، 23 مارس 2022

كتاب قطر الولي على حديث الولي لمحمد بن علي الشوكاني



قطر الولي على حديث الولي

حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1435 هـ - 2014 مــ

قطر الولي على حديث الولي
تأليف
علامة القطر اليماني
محمد بن علي الشوكاني
رحمه الله
اعتنى به
شــتــا مـحـمـد 
 
O
 ديباجة التحقيق  *الحمد لله الذي ظهر لأوليائه بنعوت جلاله، وأنار قلوبهم بمشاهدة صفات كماله، وتعرف إليهم بما أسداه إليهم من إنعامه وإفضاله، فعلموا أنه الواحد الأحد الفرد الصمد. الذي لا شريك له في ذاته ولا صفاته ولا في أفعاله، بل هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به أحد من خلقه في إكثاره وإقلاله، لا يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه على لسان من أكرمهم بإرساله، الأول الذي ليس قبله شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، ولا يحجب المخلوق عنه تستره بسر باله، الحي القيوم، الواحد الأحد، الفرد الصمد، المنفرد بالبقاء، وكل مخلوق ينتهي إلى زواله، السميع الذي يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، فلا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين في سؤاله، البصير الذي يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء حيث كانت من سهله أو جباله. وألطف من ذلك رؤيته لتقلب قلب عبده، ومشاهدته لاختلاف أحواله، فإن أقبل إليه تلقاه، وإنما إقبال العبد عليه من إقباله، وإن أعرض عنه لم يكله إلى عدوه، ولم يدعه في إهماله، بل يكون أرحم به من الوالدة بولدها، الرفيقة به في حمله ورضاعه وفصاله، فإن تاب فهو أفرح بتوبته من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض الدوية المهلكة إذا وجدها وقد تهيأ لموته وانقطع أوصاله، وإن أصر على الإعراض، ولم يتعرض لأسباب الرحمة، بل أصر على العصيان في إدباره وإقباله، وصالح عدوه وقاطع سيده، فقد استحق الهلاك، ولا يهلك على الله إلا الشقي الهالك لعظيم رحمته وسعة إفضاله. 
 
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهًا واحدًا أحدًا فردًا صمدًا، جل عن الأشباه والأمثال، وتقدس عن الأضداد والأنداد والشركاء والأشكال، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع، ولا راد لحكمه ولا معقب لأمره: ﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [الرعد: 11]. 
 
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، القائم له بحقه، وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه، أرسله رحمة للعالمين، وإمامًا للمتقين، وحسرة على الكافرين، وحجة على العباد أجمعين، بعثه على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل. وافترض على العباد طاعته ومحبته، وتعظيمه وتوقيره والقيام بحقوقه، وسد إلى جنته جميع الطرق فلم يفتح لأحد إلا من طريقه. فشرح له صدره، ووضح له عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذل والصغار على من خالف أمره، وأقسم بحياته في كتابه المبين وقرن اسمه باسمه، فلا يذكر إلا ذكر معه، كما في التشهد والخطب والتأذين. 
 
فلم يزل ﷺ قائمًا بأمر الله لا يرجه عنه راد، مشمرًا في مرضاة الله لا يصده عن ذلك صاد، إلى أن أشرقت الدنيا برسالته ضياء وابتهاجًا، ودخل الناس في دين الله أفواجًا أفواجًا، وسارت دعوته مسير الشمس في الأقطار، وبلغ دينه القيم ما بلغ الليل والنهار، ثم استأثر الله به لينجز له ما وعده به في كتابه المبين، بعدما بلغ رسالته، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وأقام الدين، وترك أمته على البيضاء الواضحة البينة للسالكين. وقال: ﴿ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾([1]) [يوسف: 108].
أما بعد:
بين أيدينا أثرٌ مباركٌ من آثار النبوة، وريحانة أطيب من ريح الألوة، مشكاة مضيئة ودرة مصونة، قد حفت بالحجج البوالغ، ومُدت بالفوائد السوابغ، مصباحٌ منير ، إن حل نهاره فشمس لا تغيب، و إن حل ليله فقمرٌ لا ينطفأ. 
 
هو حديثٌ نبوى ، كبير القدر، عظيم النفع، ما زالت عين فوائده تفور، مذ أن خرج من مشكاة النبوة، وما زال العلماء والعباد ينهلون من خيره، ويستسقون من نبعه، فطوبى لمن وعاه قلبه، وعملت به جوارحه، ودعا به على بصيرة وهدى، اللهم لا تحرمنا فضله ولا تمنعنا أجره.
إنه حديث الولي، الذي رواه «كنانة الأثر» أبو هريرة ﭬ حيث قال:
قال رسول الله ﷺ: «إن الله قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».
و قد استفاضت شروح هذا الحديث، وتعددت الحواشي عليه، فمنها ما هو من المطولات؛ كشروح «صحيح البخاري»، ومنها ما هو دون ذلك؛ كشروح «الأربعين» للإمام النووي $، وهي كثيرة جدًّا.
أما من خصه بمؤلف مستقل: فهم قليل؛ منهم الحافظ السيوطي في كتابه «القول الجلي»، وكتاب القطر هذا، ومن المعاصرين الشيخ علي الشحود في كتابه «الخلاصة في شرح حديث الولي».
والسفر الذي بين أيدينا قد بسط شرحه وحرر فوائده وأظهر غوامض مسائله: علامة اليمن وقاضيها الإمام محمد بن علي الشوكاني $، وجعل الجنة مثواه، وجعل ذلك في سفر سماه «قطر الولي على حديث الولي»، أطال في تحقيقه النفس، واستعرض عليه مسائلًا ظاهرها البعد عن مضمون الحديث، لكن له في ذلك بيان وحجة .
و قد استعنت بالله العلي القدير، بلا حول لي إلا بعزته، ولا عون إلا بتوفيقه وقدرته؛ فجمعت في هوامشه جملةً من زوائد الأئمة على شرحه؛ ومن تعليقات المحققين على تحقيقه، وكذلك ما تيسر من فوائد العلماء الربانيين، وتخريجات وتعليقات لبعض الحفاظ المحدثين رحمة الله تعالى عليهم أجمعين.
ولم يخل كذلك من تزيلات على مسائل تعرض لها المصنف $، خاصة التي وقع فيها خلاف بين العلماء، والفضل لله وحده أولًا وآخرًا، ثم لهؤلاء الأعلام من المتقدمين والمتأخرين، وكذلك لمشايخنا حفظهم الله تعالى؛ الذين ربونا قبل أن يعلمونا، وأدبونا قبل أن يفهمونا، ولولا الأعذار لظلت ركابنا عند ركابهم، ننهل من علمهم، ونتأدب بسمتهم، فاللهم إنا نسألك لهم طول العمر، ودوام النفع للعالمين.
وها هو العبد الفقير يستعين الله تعالى على كل أمر فيه طاعته، يعم به فضله ورحمته، ويعوذ به تعالى من عثرة الأقدام، وذلل الأقلام، وإليه يلوذ من رياءٍ مهلك، وعُجبٍ محرق، وخَطْ حرفٍ لا يُراد به وجهه.
وقبل الشروع في تقديم نص الكتاب محققًا، أقدم بهذه المقدمة، والتي تتكون من قسمين:
1- قسم الدراسة. 2- قسم التحقيق.
ويتكون قسم الدراسة من:
* الفصل الأول: ترجمة المصنف:
- المبحث الأول: حياته الشخصية:
المطلب الأول: اسمه وكنيته ونسبه.
المطلب الثاني: مولده ونشأته.
المطلب الثالث: أخلاقه وعبادته.
المطلب الرابع: وفاته.
- المبحث الثاني: حياته العلمية:
المطلب الأول: طلبه للعلم.
المطلب الثاني: مشايخه.
المطلب الثالث: عقيدته وطريقته.
المطلب الرابع: ثناء العلماء عليه.
- المبحث الثالث: حياته العملية:
المطلب الأول: أعماله.
المطلب الثاني: تلاميذه.
المطلب الثالث: مؤلفاته.
* الفصل الثاني: التعريف بالكتاب:
- المبحث الأول: توثيق الكتاب:
المطلب الأول: عنوان الكتاب.
المطلب الثاني: نسبته إلى المؤلف.
المطلب الثالث: تاريخ تأليف الكتاب.
- المبحث الثاني: أهمية الكتاب.
* الفصل الثالث: معنى الولاية:
- المبحث الأول: معنى الولاية لغةً.
- المبحث الثاني: مفهوم ولاية الله تعالى في الشرع.
- المبحث الثالث: الفرق بين مقام النبوة ومقام الولاية.
- المبحث الرابع: مقام النبوة أفضل من مقام الولاية.
- المبحث الخامس: ضابط التفريق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
- المبحث السادس: كرامات الأولياء.
- المبحث السابع: الفرق بين الكرامة والمعجزة.
* الفصل الرابع: تخريج حديث الولي:
- المبحث الأول: من رواية أبي هريرة.
- المبحث الثاني: من رواية عائشة.
- المبحث الثالث: من رواية أبي أمامة.
- المبحث الرابع: من رواية علي بن أبي طالب.
- المبحث الخامس: من رواية ابن عباس.
- المبحث السادس: من رواية أنس بن مالك.
- المبحث السابع: من رواية حذيفة بن اليمان.
- المبحث الثامن: من رواية معاذ بن جبل.
- المبحث التاسع: من رواية ميمونة بنت الحارث.
- المبحث العاشر: من رواية وهب بن منبه.
ويتكون قسم التحقيق من:
الفصل الأول: منهج التحقيق.
الفصل الثاني: وصف النسخ الخطية.
الفصل الثالث: صور من النسخ الخطية.
وأسأل الله العلي القدير ألا أُحرم من نصيحة ناصح وإرشاد راشد كريم ،
و الحمد لله في الأولى والآخرة، وصل الله على نبيه وآله وصحبه وسلم.
وكتبه/ شتا محمد
shetakornh@yahoo.com
% % %





الفصل الأول
ترجمة المصنف

المبحث الأول
حياته الشخصية
± المطلب الأول: اسمه ونسبه:
هو: شيخ الإسلام، القاضي، علامة القطر اليماني، محمد بن علي بن محمد ابن عبدالله، الشوكاني، ثم الصنعاني، اليماني.
± المطلب الثاني: مولده ونشأته:
ولد - حسبما وجد بخط والده - في وسط نهار يوم الاثنين، الثامن والعشرين من شهر القعدة، سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف، بمحل سلفه، وهو هجرة شوكان، وكان إذ ذاك قد انتقل والده إلى صنعاء واستوطنها، ولكنه خرج إلى وطنه القديم في أيام الخريف، فولد له صاحب الترجمة هنالك، ونشأ بصنعاء.
لو أمعنا النظر في نشأة العلامة الشوكاني، لوجدنا أنه نبغ وترعرع في بيت عريق في العلم والصلاح، فهو من أسرة عرفت بالنجابة، فمنها علماء، ودعاة، وأدباء، وللكثير من أبنائها أيادي طولى في الإصلاح والإفتاء والتدريس، ويأتي في مقدمتهم والده، الذي تولى قضاء صنعاء، وكان كبير رجال الإفتاء والتدريس فيها.
± المطلب الثالث: أخلاقه وعبادته:
قال الشوكاني $ عن نفسه: وكان منجمعًا عن بني الدنيا، لم يقف بباب أمير ولا قاض، ولا صحب أحدًا من أهل الدنيا، ولا خضع لمطلب من مطالبنا، بل كان مشتغلًا في جميع أوقاته بالعلم درسًا وتدريسًا، وإفتاء وتصنيفًا، عائشًا في كنف والده $، راغبًا في مجالسة أهل العلم والأدب وملاقاتهم والاستفادة منهم وإفادتهم، وربما قال الشعر إذا دعت لذلك حاجة؛ كجواب ما يكتبه إليه بعض الشعراء من سؤال أو مطارحة أدبية أو نحو ذلك، وقد جمع ما كتبه من الأشعار لنفسه وما كتب به إليه في نحو مجلد.
± المطلب الرابع: وفاته :
في شهر جمادى الآخرة، سنة خمسين ومائتين وألف للهجرة، توفي العلامة، محمد بن علي الشوكاني، قاضيًا بمدينة «صنعاء»، وصُلِّيَ عليه في الجامع الكبير، ثم دفن بمقبرة «خزيمة» المشهورة بها، وكان عمره عند موته ستة وسبعين عامًا، وستة أشهر، أمضاها في طلب العلم وتحصيله، ثم لما ارتوى منه، نشره بين تلاميذه، وفي أوساط مجتمعه، فرحمه الله رحمة واسعة.
% % %
المبحث الثاني
حياته العلمية
± المطلب الأول: طلبه للعلم:
فبعد أن حفظ الشوكاني القرآن، وجوَّده على جماعة من معلميه، ومشايخه في مدينة صنعاء، وهو في طفولته، وحفظ عددًا من المختصرات في الفقه واللغة وغيرهما، وحرص على مطالعة كتب التاريخ، ومجاميع الأدب - شرع في طلب العلم، حيث وجد بيئة علمية مناسبة، تعلمه العلوم المختلفة، فكان يختلف إلى حلقات كبار المشايخ، والعلماء في صنعاء، ولم يرحل إلى غيرها من المدن الأخرى طلبًا للعلم؛ وذلك لأعذارٍ لم تسمح له بالخروج منها أحد تلك الأعذار، عدم الإذن من الأبوين، كما ذكر ذلك.
وقد أشار الشوكاني $ إلى سبب آخر، ثناه عن الرحلة في طلب العلم، حيث قال في كتابه «فتح القدير» (2/474):
ولا شك أن وجوب الخروج لطلب العلم، إنما يكون إذا لم يجد الطالب من يتعلم منه، في الحضر من غير سفر.
وقد استنبط هذا السبب من مفهومه لقوله تعالى: ﴿ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﴾ [التوبة: 122].
وقد طبَّق $ هذا الفهم لحيثيات الرحلة، وبعد تردده في القيام بها، أو الإحجام عنها، استقر رأيه على البقاء داخل اليمن.
وهكذا نجد أنه آثر ملازمة كبار العلماء، والمشايخ في مدينته، فبدأ بقراءة كتب الفقه على والده، ثم على علماء عصره البارزين، وكانت صنعاء إذ ذاك زاخرة بالعلماء والأدباء، الذين أثروا علمه وثقافته.
وقد ذكر الشوكاني أسماء أساتذته الذين لازمهم، وأنواع العلوم التي تلقَّاها عنهم، وقرأها عليهم في التفسير، والحديث، والفقه، واللغة، والأدب، والمنطق وغيرها.
يقول الشوكاني $ - بعد أن ذكر مشايخه والعلوم التي أخذها عنهم -:
هذا ما أمكن سرده من مسموعات صاحب الترجمة، ومقروءاته، وله غير ذلك من المسموعات، والمقروءات ، وأما ما يجوز له روايته، بما معه من الإجازات فلا يدخل تحت الحصر .
وبذلك يتضح لنا أنه قد درس دراسة واسعة، واطَّلع اطلاعًا يندر أن يحيط به غيره، وقد أعانته الثقافة الواسعة والعميقة، وذكاؤه الخارق، إلى جانب إتقانه للحديث الشريف وعلومه ، على الاتجاه وجهة اجتهادية، وخلع ربقة التقليد، وهو دون الثلاثين، وكان قبل ذلك على المذهب الزيدي، وصار علمًا من أعلام الاجتهاد، ومن أكبر الدعاة إلى ترك التقليد، وأخذ الأحكام اجتهادًا من الكتاب والسنة.
وقد أحسَّ بوطأة الجمود، وجناية التقليد الذي ران على الأمة الإسلامية من بعد القرن الرابع الهجري، وأثر ذلك كله في زعزعة العقيدة الإسلامية في نفوس بعض الناس، واعتناق البدع والاعتقاد في الخرافات وشيوعها، وتحلل بعض الناس من التعاليم الدينية، وانكبابهم على الموبقات والمنكرات، مما جعله يشرع قلمه ولسانه في وجه الجمود والتقليد، فيعمل جاهدًا على محاولة تغيير هذه الأوضاع، وتطهير تلك العقائد.
فكتب عدة رسائل في ذلك، ضمَّنَها دعوته إلى عقيدة السلف، وتطهيرها وتنقيتها من مظاهر الشرك والبدع، ونبذ التقليد، ومن تلك الرسائل:
1- شرح الصدور في تحريم رفع القبور.
2- التحف في الإرشاد إلى مذاهب السلف.
3- الدر النَّضيد في إخلاص كلمة التوحيد.
4- القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد.
وبالجملة؛ فإن الشوكاني يُعدُّ من أبرز العلماء المجدِّدين، والمجتهدين في العصر الحديث، وأحد كبار الأئمة الذين شاركوا في إيقاظ الأمة الإسلامية في هذا العصر.
± المطلب الثاني: مشايخه:
ذكرت فيما سبق أن الإمام الشوكاني $ نشأ في مدينة «صنعاء»، وتلقى على أيدي علمائها البارزين مختلف أنواع العلوم، وقد كانت إذ ذاك، مكتظة بالعشرات من جهابذ العلماء، وكانت المساجد تغص بالحلقات الدراسية المتنوعة، التي تُعقد في رحابها.
لقد حرص على ملازمة أولئك العلماء، وزاحم أقرانه من طلبة العلم على الحضور إلى الصفوف الأُوَل من تلك الحِلَق، لينهل من مناهلها العذبة، وليستقي من معينها الذي لا ينضب، فكان لذلك كله أثر في نضوج فكره، وتكوينه العلمي والثقافي.
ومن أبرز مشايخه الذين تلقى عنهم:
1- أحمد بن عامر، الحدائي، الصنعاني، ولد سنة (1127هـ)، قرأ عليه الشوكاني «الأزهار»، وشرحه، والفرائض، كان زاهدًا، متقللًا من الدنيا، مواظبًا على الطاعات، يغضب إذا بلغه ما يخالف الشرع، مات سنة (1197هـ).
2- أحمد بن محمد بن أحمد بن مطهر، القابلي الحرازي، ولد سنة (1158هـ)، قرأ عليه في الفقه والفرائض، ووصفه الشوكاني بأن له قدرة على حسن التعبير، وجودة التصوير، مع فصاحة لسان، ورجاحة عقل، وجمال صورة، مات سنة (1227هـ).
3- إسماعيل بن حسن بن أحمد الصنعاني، ولد سنة (1125هـ) تقريبًا، وقرأ عليه «مُلْحة الإعراب»، وشرحها، وكانت له مشاركة قوية في علم الصرف والمعاني، والبيان، والأصول. مات سنة (1206هـ).
4- الحسن بن إسماعيل بن الحسين المغربي، ولد سنة (1141هـ) تقريبًا، قرأ عليه «تنقيح الأنظار» في علوم الحديث، وبعض «صحيح مسلم»، وبعض شرحه للنووي، و«سنن أبي داود» وغير ذلك، وكان زاهدًا، ورعًا، عفيفًا، متواضعًا، مات سنة (1208هـ).
5- عبدالرحمن بن حسن الأكوع، ولد سنة (1135هـ)، قرأ عليه أحد كتب الحديث، وقال عنه الشوكاني: كان شيخ الفروع ومحققها، وكان يحضر درسه جماعة نحو الثلاثين والأربعين، مات سنة (1206هـ).
6- عبدالرحمن بن قاسم المداني، ولد سنة (1121هـ)، أخذ عنه في «شرح الأزهار»، وكان زاهدًا، حسن الأخلاق، عفيفًا، جميل المحاضرة، راغبًا في الفوائد العلمية، مات سنة (1211هـ).
7- عبدالقادر بن أحمد بن عبدالقادر، ولد سنة (1135هـ)، قرأ عليه بعض «جمع الجوامع» وشرحه، وبعض «الصحاح»، وبعض «القاموس»، وبعض «منظومة الزين العراقي» في المصطلح، وغير ذلك، وقد بالغ الشوكاني في الثناء عليه، من مصنفاته: «شرح نزهة الطرف»، «فلك القاموس»، مات بصنعاء سنة (1257هـ).
8- عبدالله بن إسماعيل بن حسن النَّهمي، ولد بعد سنة (1150هـ)، قرأ عليه «شرح كافية ابن الحاجب»، و«قواعد الإعراب»، وشرحها للأزهري، وغير ذلك وتبادل معه الشعر، وكان بارعًا في علوم العربية، مات سنة (1228هـ).
9- عبدالله بن الحسن بن علي الصنعاني، ولد سنة (1165هـ)، قرأ عليه «شرح الجامي»، وكان نابغة في التفسير، والحديث والفقه وغير ذلك، مات سنة (1210هـ).
10- علي بن إبراهيم بن علي الصنعاني، ولد سنة (1145هـ)، سمع منه «صحيح البخاري» كاملًا، وأخذ عنه الطلبة في فنون متعددة، وله شعر جيد، مات سنة (1257هـ).
11- علي بن محمد الشوكاني، والده، كانت ولادة سنة (1130هـ)، بـ «هجرة شوكان» في اليمن، ثم ارتحل إلى «صنعاء»؛ لطلب العلم، فقرأ على جماعة من علمائها، حتى برع في علم الفقه، والفرائض، على مذهب الزيدية، ثم تولى القضاء بـ «صنعاء»، إضافة إلى الإفتاء والتدريس، واستمر بها إلى أن مات ليلة الاثنين (4/11/1211هـ)، وكان قد ترك القضاء قبل موته بسنتين.
12- علي بن هادي بن عرهب الصنعاني، ولد سنة (1164هـ)، قرأ عليه في «شرح التلخيص»، وفي حواشيه، كان بارعًا في النحو، والصَّرف، والأصول، والحديث، والتفسير، مات سنة (1236هـ).
13- القاسم بن يحيى الخولاني، ولد سنة (1126هـ)، قرأ عليه «الكافية» في النحو، وشرحها،، وحواشيها، و«الشافية» في الصرف، وشرحها، و«التهذيب» في المنطق، وشرحه، و«تلخيص المفتاح»، وشرحه، وغير ذلك، قال عنه: لم تر عيناي مثله في التواضع، وعدم التلفت إلى مناصب الدنيا، مع قلة ذات يده، وكثرة مكارمه، مات سنة (1209هـ).
14- هادي بن حسن القارني، ولد سنة (1164هـ)، قرأ عليه «شرح الجزرية»، وفي «المُلحة»، وشرحها، وسمع من الشوكاني «نيل الأوطار»، وبعض «صحيح البخاري»، فهو أستاذ الشوكاني، وتلميذه في آن واحد، وقد برع في علم القراءات، والفقه، مات سنة (1238هـ).
15- يحيى بن محمد بن علي الحوثي، ولد سنة (1160هـ)، قرأ عليه في الفرائض والوصايا، والمساحة وغيرها، مات سنة (1247هـ).
16- يوسف بن محمد بن علاء الدين، المزجاجي، ولد سنة (1145هـ) تقريبًا، قال الشوكاني: سمعت منه، وأجازني لفظًا بجميع ما يجوز له روايته، ثم كتب لي إجازة، مات سنة (1213هـ).
± المطلب الثالث: عقيدته وطريقته:
لقد كان الحق دائمًا ضالته، وحكى رحمه عن نفسه بأنه يتبع منهج السلف في العقيدة. و لكنه و إن كان جوادًا ماهرًا، فإنه لم يسلم من بعض الكبوات في بعض مسائل العقيدة ، تذكر في موضعها إن شاء الله.
ومن أحسن الكتب التي استفاضت في الكلام على منهج الشوكاني في مجمل حياته الدينية كتاب «منهج الإمام الشوكاني في العقيدة» للدكتور عبدالله نومسوك .
قال عنه عصريُّه المؤرخ عبدالرحمن الأهدل:
«ولقد منحه الله تعالى من بحر فضل كرمه الواسع، ثلاثة أمور لا أعلم أنها في هذا الزمان الأخير جمعت لغيره:
الأول: سعة التبحر في العلوم على اختلاف أجناسها وأنواعها وأصنافها.
الثاني: سعة التلاميذ المحققين، والنبلاء المدققين، أولي الأفهام الخارقة، والفضائل الفائقة.
الثالث: سعة التأليفات المحررة، والرسائل والجوابات المحبَّرة، التي سَامَى في كثرتها الجهابذة الفحول، وبلغ من تنقيحها وتحقيقها كل غاية وسول».
% % %
المبحث الثالث
حياته العملية
± المطلب الأول: عمله في القضاء:
في شهر رجب سنة (1209هـ)، اختار والي اليمن - إذ ذاك - علي بن عباس ابن حسين (ت: 1224هـ) الإمام الشوكاني لشغل منصب قاضي اليمن، وكان عمره - إذ ذاك - ستًّا وثلاثين سنة. وقد ذكر الشوكاني كيفية تولِّيه القضاء، وَوَصَف ذلك بأنه ابتلاء، يقول:
لما كان شهر رجب سنة (1209هـ)، مات القاضي يحيى بن صالح الشجري السحولي، وبعد موته بأسبوع، لم أشعر إلا بطلاب من الخليفة، فذهبتُ إليه، فذكر لي أنه قد رجَّح قيامي مقام القاضي المذكور، فاعتذرت له بما كنت فيه من الاشتغال بالعلم، فقال: القيام بالأمرين ممكن، وليس المراد إلا القيام بفصل ما يصل من الخصومات إلي في يومين فقط، فقلت: سيقع مني الاستخارة لله، والاستشارة لأهل الفضل، وما اختاره الله ففيه الخير، فلما فارقته، مازلت مترددًا نحو أسبوع، ولكنه وفد إليَّ غالبُ من ينتسب إلى العلم في مدينة «صنعاء»، وأجمعوا على أن الإجابة واجبة، وأنهم يخشون أن يدخل في هذا المنصب - الذي إليه مرجع الأحكام الشرعية في جميع الأقطار اليمنية - من لا يوثق بدينه وعلمه، وأكثروا من هذا، وأرسلوا إليَّ الرسائل المطوَّلة، فقبلت مستعينًا بالله تعالى، ومتكلًا عليه.
لقد كان الشوكاني يعتقد أن الاشتغال بالقضاء سيحول بينه وبين ما كان يقوم به من التعليم، والتدريس، والتصنيف، ويرى أن عملًا كالقضاء يحتاج إلى خبرة بمجالس القضاء وأعمالهم، وهو لا يملك تلك الخبرة ابتداءً، ولكن استخارته لله ۵، ثم إلحاح جُلِّ ذوي العلم والرأي والمعرفة، قد دفع به إلى قبول ذلك العمل، الذي لو انصرف عنه أهل الدين والعلم، لأصبح في أيدي الجهلة والظلمة والمقلدين والمتعصبين.
ولم يقتصر عمله في القضاء، وفضِّ المنازعات بين الخصوم على يومين فقط كما حدَّد له الأمير عند عرض هذا المنصب عليه، بل شَغَل هذا العمل الجديد جل وقته.
يقول الشوكاني: ولم يقع التوقف على مباشرة الخصومات في اليومين فقط، بل انثال الناس من كل محل، فاستغرقتُ في ذلك جميع الأوقات إلا لحظات يسيرة، قد أفرغتها للنظر في شيء من كتب العلم، أو لشيء من التحصيل، وتتميم ما قد كنت شرعت فيه، واشتغل الذهن شُغْلَةً كبيرة، وتكدّر الخاطر تكدرًا زائدًا، لاسيما وأنا لا أعرف الأمور الاصطلاحية في هذا الشأن، ولم أحضر عند قاض في خصومة ولا في غيرها، بل كنت لا أحضر في مجالس الخصومة عند والدي $ من أيام الصغر فما بعدها، ولكن شرح الله الصدر، وأعان على القيام بذلك الشأن.
± المطلب الثاني: تلاميذه:
قال الشوكاني عن نفسه: وأخذ عنه الطلبة، وتكرر أخذهم عنه في كل يوم من تلك الكتب، وكثيرًا ما كان يقرأ على مشايخه، فإذا فرغ من كتاب قراءة أخذه عنه تلامذته، بل ربما اجتمعوا على الأخذ عنه قبل أن يفرغ من قراءة الكتاب على شيخه.
وكان يبلغ دروسه في اليوم والليلة إلى نحو ثلاثة عشر درسًا، منها ما يأخذه عن مشايخه، ومنها ما يأخذه عنه تلامذته، واستمر على ذلك مدة، حتى لم يبق عند أحد من شيوخه ما لم يكن من جملة ما قد قرأه صاحب الترجمة، بل انفرد بمقروءات بالنسبة إلى كل واحد منهم على انفراده إلا شيخه العلامة عبدالقادر بن أحمد، فإنه مات ولم يكن قد استوفي ما عنده.
ثم إن صاحب الترجمة فرَّغ نفسه لإفادة الطلبة، فكانوا يأخذون عنه في كل يوم زيادة على عشرة دروس في فنون متعددة، واجتمع منها في بعض الأوقات التفسير، والحديث، والأصول، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والمنطق، والفقه، والجدل، والعروض، وكان في أيام قراءته على الشيوخ وإقرائه لتلامذته يفتي أهل مدينة صنعاء، بل ومن وفد إليها، بل ترد عليه الفتاوى من الديار التهامية، وشيوخه إذ ذاك أحياء، وكادت الفتيا تدور عليه من عوام الناس وخواصهم، واستمر يفتي من نحو العشرين من عمره فما بعد ذلك، وكان لا يأخذ على الفتيا شيئًا تنزهًا، فإذا عوتب في ذلك قال: أنا أخذت العلم بلا ثمن، فأريد إنفاقه كذلك.
وأخذ عنه الطلبة كتبًا غير الكتب المتقدمة مما لا طريق له فيها إلا الإجازة، وهي كثيرة جدًّا، في فنون عدة، بل أخذوا عنه في فنون دقيقة لم يقرأ في شيء منها؛ كعلم الحكمة التي منها علم الرياضي والطبيعي والإلهي، وكعلم الهيئة وعلم المناظر وعلم الوضع.
ومن أبرز تلامذته الذين أخذوا عنه:
1- السيد محمد بن محمد «زبارة» الحسني اليمني الصنعاني: الذي ترجم للشوكاني في كتابه «نيل الوطر من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر»، والذي ساهم في نشر بعض مؤلفات الشوكاني في مصر.
2- محمد بن أحمد السودي، لازم الشوكاني منذ ابتداء طلبه إلى انتهائه. وقال فيه الشوكاني:
أعز المعالي أنت للدهر زينة
وأنت على رغم الحواسد ماجدُه
3- محمد بن أحمد مشحم الصعدي الصنعاني: تولى القضاء في صنعاء وغيرها، وأثنى عليه الشوكاني كثيرًا.
4- السيد أحمد بن علي بن محسن بن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم: واشتغل بطلب العلم بعد أن قارب الخمسين، ولازم الإمام الشوكاني نحو عشر سنين في الطلب.
5- السيد محمد بن محمد بن هاشم بن يحيى الشامي، ثم الصنعاني.
6- عبدالرحمن بن أحمد البهكلي الضمدي الصبياني: درس على الشوكاني وغيره، ولكنه اختص بالشوكاني اختصاصًا كاملًا، وكان من أولى تلاميذه له، ولي القضاء.
7- أحمد بن عبدالله الضمدي، ولد سنة (1174هـ)، نسبة إلى «ضمد»: أخذ عن الشوكاني وغيره، ولكن صلته به كانت أكثر.
8- علي بن أحمد هاجر الصنعاني.
9- عبدالله بن محسن الحيمي، ثم الصنعاني: درس على الشوكاني واستفاد منه في عدة فنون، ونقل كثيرًا من رسائله.
10- القاضي محمد بن حسن الشجني الذماري.
11- ابنه القاضي أحمد بن محمد الشوكاني، ولد في سنة (1229هـ): وكان له الاشتغال التام بمؤلفات والده، حتى حاز من العلم السهم الوافر، وانتفع به عدة من الأكابر، وتولى القضاء العام بمدينة صنعاء، وله مؤلفات مفيدة، وكان أكبر علماء اليمن بعد والده، توفي سنة (1281هـ).
هذا؛ وتلاميذ الشوكاني أكثر من أن يحصوا، وقد جمع أساتذته وتلاميذه في كتابه «الإعلام بالمشايخ الأعلام والتلامذة الكرام».
وهؤلاء هم تلاميذه المباشرون، أما غير المباشرين فما أكثرهم، ففي اليوم لا تزال مدرسته قائمة إلى اليوم على أقوى ما تكون، ورجالها يضيق عنهم نطاق الحصر، وكلهم على مبدأ الاجتهاد.
± المطلب الثالث: مؤلفاته:
خلّف المصنف $ وراءه تركة عظيمة من المطولات و المختصرات في غالب فروع العلم منها :
1- «شرح المنتقى»: كان تبييضه في أربع مجلدات كبار، أرشده إلى ذلك جماعة من شيوخه؛ كالسيد العلامة عبدالقادر بن أحمد، والعلامة الحسن بن إسماعيل المغربي، وعرض عليهما بعضًا منه، وماتا قبل تمامه.
2- «حاشية شفاء الأوام» في مجلد.
3- «الدرر البهية» وشرحها «الدراري المضية» في مجلد.
4- «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» في مجلد.
5- «الإعلام بالمشايخ الأعلام والتلامذة الكرام»: جعله كالمعجم لشيوخه وتلامذته، وقد ذكر أكابرهم.
6- «بغية الأريب من مغني اللبيب»: نظم ذكر فيه ما تمس الحاجة إليه وشرحها.
7- ونظم «كفاية المتحفظ» ولم يبيض، وكان نظمه لهاتين المنظومتين في أوائل أيام طلبه.
8- «المختصر البديع في الخلق الوسيع»: ذكر فيها خلق السموات والأرض والملائكة والجن والأنس، وسرد غالب ما ورد من الآيات والأحاديث، وتكلم عليها، فصار في مجلد لطيف، ولكنه لم يبيضه.
9- «المختصر الكافي من الجواب الشافي».
10- «طيب النشر في جواب المسائل العشر».
11- «عقود الزبرجد في جيد مسائل علامة ضمد».
12- «الصوارم الهندية المسلولة على الرياض الندية».
13- «رسالة في أحكام الاستجمار».
14- «رسالة في أحكام النفاس».
15- «رسالة في كون تطهير الثياب والبدن من شرائط الصلاة أم لا».
16- «رسالة في الكلام على وجوب الصلاة على النبي في الصلاة».
17- «رسالة في صلاة التحية».
18- «القول الصادق في إمامة الفاسق».
19- «رسالة في أسباب سجود السهو».
20- «تشنيف السمع بإبطال أدلة الجمع».
21- «الرسالة المكملة في أدلة البسملة».
22- «إطلاع أرباب الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال».
23- «رسالة في وجوب الصوم على من لم يفطر إذا وقع الإشعار في دخول رمضان في النهار».
24- «رسالة في زيادة ثواب من باشر العبادة مع مشقة».
25- «رسالة في كون أجرة الحج من الثلث».
26- «رسالة في كون الخلع طلاقًا أو فسخًا».
27- «رسالة في حكم الطلاق ثلاثًا».
28- «رسالة في الطلاق البدعي».
29- «رسالة في نفقة المطلقة».
30- «رسالة في كون رضاع الكبير يقتضي التحريم لعذر وفيما يقتضي التحريم من الرضاع».
31- «رسالة في من حلف ليقضين دينه غدًا إن شاء الله».
32- «رسالة في بيع الشيء قبل قبضه».
33- «تنبيه ذوي الحجى في حكم بيع الرجا».
34- «شفاء العلل في حكم زيادة الثمن لأجل الأجل».
35- «رسالة في الهيئة لبعض الأولاد».
36- «رسالة في جواز إستناد الحاكم في حكمه إلى تقويم العدول».
37- «القول المحرر في حكم لبس المعصفر وسائر أنواع الأحمر».
38- «البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر».
39- «رسالة في الوصية بالثلث ضرارًا».
40- «رسالة في القيام للواصل لمجرد التعظيم».
41- «رسائل في أحكام لبس الحرير».
42- «رسالة في حكم المخابرة».
43- «إتحاف المهرة بالكلام على حديث لا عدوى ولا طيرة».
44- «رسالة في حكم بيع الماء».
45- «رسالة في حكم صبيان الذميين إذا مات أبواهم».
46- «رسائل على مسائل من السيد العلامة علي بن إسماعيل».
47- «رسالة في حكم طلاق المكره».
48- إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع».
49- «رسالة في حكم الجهر بالذكر».
50- «عقود الجمان في شأن حدود البلدان وما يتعلق بها من الضمان».
51- «رسالة على مسائل لبعض علماء الحجاز».
52- «رسالة في الكسوف هل لا يكون إلا في وقت معين على القطع أم ذلك يتخلف».
53- «زهر النسرين الفائح بفضائل العمرين».
54- «حل الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال».
55- «الإبطال لدعوى الاختلال في حل الإشكال».
56- «تفويق النبال إلى إرسال المقال».
57- «رسالة في مسائل وقع الاختلاف فيها بين علماء كوكبان».
58- «رسالة في لحوق ثواب القراءة المهداة من الأحياء إلى الأموات».
59- «التشكيك على التفكيك لعقود التشكيك».
60- «إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي».
61- «رفع الجناح عن نافي المباح».
62- «البغية في مسئلة الرؤية».
63- «رسالة في حكم المولد».
64- «القول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول».
65- «أمنية المتشوق في تحقيق حكم المنطق».
66- «إرشاد المستفيد إلى رفع كلام ابن دقيق العيد في الإطلاق والتقليد».
67- «الصوارم الحداد القاطعة لعلائق مقالات أرباب الاتحاد».
68- «البحث الملم بقوله تعالى إلا من ظلم».
69- «جواب السائل عن تفسير تقدير القمر منازل».
70- «وبل الغمامة في تفسير وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة».
71- «تحرير الدلائل فيما يجوز بين الإمام والمؤتم من الارتفاع والاحتفاظ والبعد والحائل».
72- «فتح القدير في الفرق بين المعذرة والتعذير».
73- «إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر».
74- «تنبيه الأعلام على تفسير المشتبهات بين الحلال والحرام
75- «رفع الخصام في الحكم بالعلم من الأحكام».
76- «الدر النضيد في إخلاص التوحيد».
77- «إيضاح الدلالات على أحكام الخيارات».
78- «دفع الاعتراضات على إيضاح الدلالات».
79- «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح».
80- «الأبحاث الوضية في الكلام على حديث حب الدنيا رأس كل خطية».
81- «إشراق النيرين في بيان الحكم إذا تخلف عن الوعد أحد الخصمين».
82- «القول الجلي في لبس النساء الحلي».
83- «الأبحاث البديعة في وجوب الإجابة إلى حكام الشريعة».
84- «القول المفيد في حكم التقليد».
85- «الوشي المرقوم في تحريم حلية الذهب على العموم».
86- «إرشاد السائل إلى دلائل المسائل».
87- كشف الرين عن حديث ذي اليدين».
88- «هداية القاضي إلى نجوم الأراضي».
89- «إيضاح القول في إثبات العول».
90- «اللمعة في الاعتداد بركعة من الجمعة».
91- «أدب الطلب ومنتهى الأرب».
ثم قال $: وقد يعقب هذه المصنفات مصنفات كثيرة يطول تعدادها، وهو الآن يجمع تفسيرًا لكتاب الله، جامعًا بين الدارية والرواية «فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير»، ويرجو الله أن يعين على تمامه بمنه وفضله، ثم منَّ الله - وله الحمد - بتمامه في أربعة مجلدات كبار.
وشرع في كتاب في أصول الفقه سماه «إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول»، وهو الآن في عمله، أعان الله على تمامه، ثم تم ذلك بحمد الله في مجلد.
وقد جمع من رسائله ثلاث مجلدات كبار، ثم لحق بعد ذلك قدر مجلد، وسمى الجميع «الفتح الرباني في فتاوى الشوكاني»، وجميع ذلك رسائل مستقلة وأبحاث مطوله. وأما الفتاوى المختصرة فلا تنحصر أبدًا.
وهو الآن يشتغل بتصنيف الحاشية التى جعلها على الأزهار، وقد بلغ فيها إلى كتاب الجنايات، وسماها «السيل الجرار على حدائق الأزهار»، وهي مشتملة على تقرير ما دل عليه الدليل، ودفع ما خالفه، والتعرض لما ينبغي التعرض له، والاعتراض عليه من شرح الجلال وحاشيته، وهذا الكتاب إن أعان الله على تمامه، فسيعرف قدره من يعترف بالفضائل، وما وهب الله لعباده من الخير.
هذه ما أمكن خطوره بالبال حال تحرير هذه الترجمة، ولعل ما لم يذكر أكثر مما ذكر.
وقد كان جميع ما تقدم - من القراءة على شيوخه في تلك الفنون، وقراءة تلامذته لها عليه مع غيرها، وتصنيف بعض ما تقدم تحريره - قبل أن يبلغ صاحب الترجمة أربعين سنة، بل درس في شرحه للمنتقى قبل ذلك، وترك التقليد، واجتهد رأيه اجتهادًا مطلقًا غير مقيد، وهو قبل الثلاثين.
% % %

الفصل الثالث
التعريف بالكتاب

المبحث الأول
توثيق الكتاب
± المطلب الأول: عنوان الكتاب:
جاء في النسخة الخطية الأصل، والتي بخط المؤلف: «وَلم يسْتَوْف شرَّاح الحَدِيث - رَحِمهم الله - مَا يسْتَحقّهُ هَذَا الحَدِيث من الشَّرْح؛ فَإِن ابْن حجر $ لم يشرحه فِي «فتح الْبَارِي»([2]) إِلَّا بِنَحْوِ ثَلَاث ورقات ، مَعَ أن شَرحه أكمل شروح البُخَارِيّ، وأكثرها تَحْقِيقًا، وأعمها نفعًا... وسميته «قطر الولي على حديث الولي».
± المطلب الثاني: نسبته إلى المؤلف:
لا شك في نسبة الكتاب إلى مؤلفه الإمام الشوكاني، فقد وقفنا على نسخة خطية له بخط المؤلف، كما ذكر المؤلف في ثنايا كتابه هذا عدة من مصنفاته الأخرى، وذكره صاحب كتاب «مصادر الفكر الإسلامي في اليمن» ضمن مؤلفات الإمام الشوكاني $.
± المطلب الثالث: تاريخ تأليف الكتاب:
جاء في آخر النسخة الخطية الأصل، والتي بخط المؤلف: «وَإلَى هُنَا انْتهى الشَّرْح للْحَدِيث الْقُدسِي، فِي نَهَار الِاثْنَيْنِ، لعله سَابِع شهر الْقعدَة، من شهور سنة (1239هـ)، بقلم مُؤَلفه مُحَمَّد بن عَليّ الشَّوْكَانِيّ غفر الله لَهما».
% % %
المبحث الثاني
أهمية الكتاب
إن أهمية الكتاب ترجع إجمالًا إلى فضل ما حواه و عظم ما تضمنه، وذلك أن حديث الولي كشف لنا فيه ربنا تعالى، على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم عن صفات فئة من المؤمنين، يوالي الله تعالى من والاهم، وينصر من نصرهم، ويحارب من حاربهم. يتقربون إليه بالواجبات قبل النوافل؛ لعلمهم أن أداء الفرائض أحب إليه من أداء النوافل، ثم كمّلوا متممات هذا المقام بفعل ما يحبه الله تعالى من أنواع القربات، حتى رقوا بذلك منزلة المحبة، التي لم يصل إليها إلا الأنبياء المرسلون، والملائكة المقربون، فسمع الله تعالى دعاءهم، وأجاب غوثهم، بل تردد سبحانه عن قبض نفس عبده الولي؛ لعلمه تعالى أنه يكره الموت، وهو يكره إساءت عبده، ولكن لابد له منه. فوالله إنه لميدانٌ حُق أن يتنافس فيه المتنافسون ويشمر له المشمرون.
ثم إنه بالنظر إليه من جهة أخرى: نجد أنه أوسع شرح لحديث الولي، مع أن الحديث كثر شُرّاحه، كما سبق بيانه. وقد تضمن الكتاب عدة مسائل في العقيدة، والأصول، والحديث، وإن كان بعضها لا يخلو من مقال، ويفتقر إلى تدقيق وتحقيق، إلا إنه يدل على سعة علم المصنف $.
% % %


الفصل الرابع
معنى الولاية

المبحث الأول
معنى الولاية لغةً
قال الجوهري في «الصحاح»([3]): « ولى»: الولي: القرب والدنو. يقال: تباعد بعد ولى. و«كل مما يليك»؛ أي: مما يقاربك. وقال:
هجرت غضوب وحبَّ من يتجنّب
وعدت عواد دون وليك تشعب
يقال منه: وليه يليه بالكسر فيهما، وهو شاذ. وأوليته الشئ فوليه. وكذلك ولي الوالي البلد، وولي الرجل البيع، ولاية فيهما. وأوليته معروفًا. ويقال في التعجب: ما أولاه للمعروف، وهو شاذ. وتقول: فلان وَلي ووُلي عليه، كما يقال: ساس وسيس عليه. وولاه الأمير عمل كذا، وولاه بيع الشيء. وتولى العمل؛ أي: تقلد. وتولى عنه؛ أي: أعرض. وولى هاربًا؛ أي: أدبر. وقوله تعالى: ﴿ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ [البقرة: 148]؛ أي: مستقبلها بوجهه. والولى: المطر بعد الوسمي، سمي وليًّا؛ لأنه يلى الوسمي. وكذلك الولى بالتسكين على فعل وفعيل، والجمع أولية. يقال منه: وليت الأرض وليًّا.
ثم قال: والولي: ضد العدو. يقال منه: تولاه. والمولى: المعتِق، والمعتَق، وابن العم، والناصر، والجار. والولي: الصهر، وكل من ولي أمر واحد، فهو وليه. وقول الشاعر:
هم المولى وإن جنفوا علينا
وإنا من لقائهم لزور
قال أبو عبيدة: يعني الموالي؛ أي: بني العم. وهو كقوله تعالى: ﴿ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [غافر: 67].
وأما قول لبيد:
فغدت، كلا الفرجين تحسب أنه
مولى المخافة خلفها وأمامها
فيريد أنه أولى موضع أن تكون فيه الحرب. وقوله: فغدت، تم الكلام، كأنه قال: فغدت هذه البقرة، وقطع الكلام، ثم ابتدأ كأنه قال: تحسب أن كلا الفرجين مولى المخافة. والمولى: الحليف. وقال:
موالى حلف لا موالى قرابة
ولكن قطينًا يسألون الأتاويا
يقول: هم حلفاء، لا أبناء عم.
وقول الفرزدق:
فلو كان عبد الله مولى هجوته
ولكن عبد الله مولى مواليا
لأن عبدالله بن أبي إسحاق مولى الحضرميين، وهم حلفاء بني عبد شمس بن عبد مناف، والحليف عند العرب مولى. وإنما قال مواليا فنصبه؛ لأنه رده إلى أصله للضرورة، وإنما لم ينون؛ لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي لا ينصرف.
والنسبة إلى المولى: مولوي، وإلى الولي من المطر: ولوي، كما قالوا علوي؛ لأنهم كرهوا الجمع بين أربع ياءات، فحذفوا الياء الأولى، وقلبوا الثانية واوًا. ويقال: بينهما ولاء بالفتح؛ أي: قرابة.
والولاء: ولاء المعتق. وفي الحديث: «نهى عن بيع الولاء وعن هبته». والولاء: الموالون. يقال: هم ولاء فلان. والموالاة: ضد المعاداة. ويقال: والى بينهما ولاء؛ أي: تابع. وافعل هذه الأشياء على الولاء؛ أي: متتابعة. وتوالى عليه شهران؛ أي: تتابع. واستولى على الأمد؛ أي: بلغ الغاية. والولاية بالكسر: السلطان.
والوَلاية والوِلاية: النصرة. يقال: هم على ولاية؛ أي: مجتمعون في النصرة.
وقال سيبويه: الولاية بالفتح المصدر، والولاية بالكسر الاسم، مثل الإمارة والنقابة؛ لأنه اسم لما توليته وقمت به. فإذا أرادوا المصدر فتحوا. انتهى.
قال صاحب «تاج العروس»([4]): الولي في أسماء الله تعالى: هو الناصر، وقيل: المتولي لأمور العالم القائم بها. وأيضًا الوالي: وهو مالك الأشياء جميعها المتصرف فيها.
قال ابن الأثير: وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل، وما لم يجتمع ذلك فيه، لم ينطلق عليه اسم الْوَالِي([5]).
ابن سيده: ولي الشيء، وولي عليه، ولاية وولاية، وقيل: الولاية الخطة كالإمارة، والولاية :المصدرُ([6]).
* الفرق بين الولي والمولى:
قال العسكري في «الفروق»([7]): إن الولي يجري في الصفة على المعان والمعين، تقول: الله ولي المؤمنين؛ أي: معينهم، والمؤمن ولي الله؛ أي: المعان بنصر الله عز وجل، ويقال أيضًا: المؤمن ولي الله، والمراد: أنه ناصر لأوليائه ودينه، ويجوز أن يقال: الله ولي المؤمنين، بمعنى: أنه يلي حفظهم وكلاءتهم، كولي الطفل، المتولي شأنه، ويكون الولي على وجوه؛ منها: ولي المسلم الذي يلزمه القيام بحقه إذا احتاج إليه، ومنها: الولي الحليف المعاقد، ومنها: ولي المرأة القائم بأمرها، ومنها: ولي المقتول الذي هو أحق بالمطالبة بدمه.
وأصل الولي: جعل الثاني بعد الأول من غير فصل، من قولهم: هذا يلي ذلك وليًّا، وولاه الله؛ كأنه يلي أمره، ولم يكله إلى غيره، وولاه أمره وكله إليه، كأنه جعله بيده، وتولى أمر نفسه، قام به من غير وسيطة، وولى عنه خلاف والى إليه، ووالى بين رميتين، جعل إحداهما تلي الأخرى، والأولى هو الذي الحكمة إليه أدعى، ويجوز أن يقال: معنى الولي: أنه يحب الخير لوليه، كما أن معنى العدو أنه يريد الضرر لعدوه.
والمولى على وجوه: هو السيد، والمملوك، والحليف، وابن العم، والأولى بالشيء، والصاحب، ومنه قول الشاعر:
ولست بمولى سوأة أدعى لها
فإن لسوآت الأمور مواليا
أي: صاحب سوأة، وتقول: الله مولى المؤمنين؛ بمعنى: أنه معينهم، ولا يقال: إنهم مواليه؛ بمعنى أنهم معينوا أوليائه، كما تقول: إنهم أولياؤه بهذا المعنى. انتهى.
قَالَ ابْنُ الأَثير([8]): وقد تكرر ذكر المولى في الحديث، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة، فهو الرب، والمالك، والسيد، والمنعم، والمعتق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف، والعقيد، والصهر، والعبد، والمعتق، والمنعم عليه، وأكثرها قد جاءت في الحديث، فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه. وكل من ولي أمرًا أو قام به، فهو مولاه ووليه. وقد تختلف مصادر هذه الأسماء، فالولاية بالفتح في النسب والنصرة والمعتق. والولاية بالكسر في الإمارة. والولاء المعتق، والموالاة من والى القوم. ومنه الحديث «من كنت مولاه فعلي مولاه»([9]).
قال أبو العباس: أي: من أحبني وتولاني، فليتوله. وقال ابن الأعرابي: الولي: التابع المحب. قال الشافعي ﭬ: يعني بذلك ولاء الإسلام، كقوله تعالى: ﴿ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ﴾([10]). انتهى.
% % %
المبحث الثاني
مفهوم ولاية الله تعالى في الشرع
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي $: قوله تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [يونس:62]، فبين أنه ولي المؤمنين، وأن المؤمنين أولياؤه. والولي: هو من انعقد بينك وبينه سبب يواليك وتواليه به. فالإيمان سبب يوالي به المؤمنين ربهم بالطاعة، ويواليهم به الثواب والنصر والإعانة. وبين في مواضع أخر: أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، كقوله: ﴿ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ [المائدة:55]، وقوله: ﴿ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [التوبة:71]، وبين في مواضع أخر: أن نبينا صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو قوله تعالى: ﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [الأحزاب:6].
وبين في مواضع أخر: أنه تعالى مولى المؤمنين دون الكافرين، وهو قوله تعالى: ﴿ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ﴾ [محمد:11]، وهذه الولاية المختصة بالمؤمنين هي ولاية الثواب والنصر والتوفيق والإعانة، فلا تنافي أنه مولى الكافرين ولاية ملك وقهر ونفوذ مشيئة، كقوله: ﴿ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [الأنعام:62].
وقال بعض العلماء: الضمير في قوله: ﴿ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [الكهف:26]، راجع لأهل السموات والأرض المفهومين من قوله تعالى: ﴿ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾. وقيل: الضمير في قوله: ﴿ﯮ ﯯ﴾ راجع لمعاصري النبي ﷺ من الكفار. ذكره القرطبي. وعلى كل حال فقد دلت الآيات المتقدمة أن ولاية الجميع لخالقهم جل وعلا، وأن منها ولاية ثواب وتوفيق وإعانة، وولاية ملك وقهر ونفوذ مشيئة. والعلم عند الله تعالى([11]). ا هـ.
و قد جمع الشيخ علي بن نايف الشحود في كتابه القيم «الخلاصة في شرح حديث الولي» فوائد جيدة في الباب وقريبة من المراد، فقال:
ذكر ابن القيم أن ولاية الله تعالى نوعان : عامة، وخاصة.
فأما الولاية العامة: فهي ولاية كل مؤمن، فمن كان مؤمنًا، لله تقيًّا، كان الله له وليًّا، وفيه من الولاية بقدر إيمانه وتقواه.
يدل على هذا قوله تعالى: ﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [آل عمران: 68]، وقوله سبحانه: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾([12]) [البقرة: 257].
قال ابن تيمية في هذا النوع من الولاية: فالظالم لنفسه من أهل الإيمان، معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، كما معه من ضد ذلك بقدر فجوره، إذ الشخص الواحد تجتمع فيه الحسنات المقتضية للثواب والسيئات المقتضية للعقاب، حتى يمكن أن يثاب ويعاقب، وهذا قول جميع أصحاب رسول الله ﷺ وأئمة الإسلام وأهل السنة([13]).
وأما الولاية الخاصة: فهي القيام لله بجميع حقوقه، وإيثاره على كل ما سواه في جميع الأحوال، حتى تصير مراضي الله ومحابه هي همه ومتعلق خواطره، يصبح ويمسي وهمه مرضاة ربه، وإن سخط الخلق([14]).
يقول الشوكاني في هذا النوع من الولاية: الولي في اللغة: القريب، والمراد بأولياء الله: خلص المؤمنين؛ لأنهم قربوا من الله سبحانه بطاعته واجتناب معصيته([15]).
وقد تنوعت تعريفات العلماء لهذه الولاية، فقال الغنيمي الميداني: الأولياء جمع ولي، بوزن فعيل، بمعنى مفعول، كقتيل بمعنى مقتول، أو بمعنى فاعل، كعليم بمعنى عالم.
قال ابن عبدالسلام: وكونه بمعنى فاعل أرجح؛ لأن الإنسان لا يمدح إلا على فعل نفسه، وقد مدحهم الله تعالى.
فعلى الأول: يكون الولي من تولى الله تعالى رعايته وحفظه، فلا يكله إلى نفسه، كما قال سبحانه: ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [الأعراف: 196].
وعلى الثاني: يكون الولي من تولى عبادة الله وطاعته، فهو يأتي بها على التوالي، آناء الليل وأطراف النهار، ويجنح إلى هذا ما عرفه به السعد في «شرح العقائد» حيث قال: هو العارف بالله حسب ما يمكن، المواظب على الطاعات، المجتنب للمعاصي، المعرض عن الانهماك باللذات والشهوات([16]).
وكذا تعريف الهيتمي للأولياء بأنهم: القائمون بحقوق الله وحقوق عباده، بجمعهم بين العلم والعمل، وسلامتهم من الهفوات والزلل([17]).
ولا يخفي أن سلامتهم من الهفوات والزلل لا تعني العصمة، إذ لا عصمة إلا لنبي، ولكن - كما قال ابن عابدين -: على معنى أن الله يحفظ الولي من تماديه في الزلل والخطأ إن وقع فيهما، بأن يلهمه التوبة، فيتوب منهما، وإلا فهما لا يقدحان في ولايته([18]).
% % %
المبحث الثالث
الفرق بين مقام النبوة ومقام الولاية
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية $: وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ. وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم، فإن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه يجب لهم الإيمان بجميع ما يخبرون به عن الله عز وجل، وتجب طاعتهم فيما يأمرون به؛ بخلاف الأولياء، فإنهم لا تجب طاعتهم في كل ما يأمرون به، ولا الإيمان بجميع ما يخبرون به؛ بل يعرض أمرهم وخبرهم على الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة وجب قبوله، وما خالف الكتاب والسنة كان مردودًا، وإن كان صاحبه من أولياء الله، وكان مجتهدًا معذورًا فيما قاله، له أجر على اجتهاده.
لكنه إذا خالف الكتاب والسنة كان مخطئًا، وكان من الخطإ المغفور إذا كان صاحبه قد اتقى الله ما استطاع؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن: 16]، وهذا تفسير قوله تعالى ﴿ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [آل عمران: 102].
قال ابن مسعود وغيره: ﴿ﭩ ﭪ﴾؛ أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر؛ أي: بحسب استطاعتكم، فإن الله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، كما قال تعالى: ﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [البقرة: 286]، وقال تعالى: ﴿ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [الأعراف: 42]، وقال تعالى: ﴿ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [الأنعام: 152].
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الإيمان بما جاءت به الأنبياء في غير موضع، كقوله تعالى: ﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [البقرة: 136]، وقال تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [البقرة: 1- 5]، وقال تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [البقرة: 177].
وهذا الذي ذكرته من أن أولياء الله يجب عليهم الاعتصام بالكتاب والسنة، وأنه ليس فيهم معصوم يسوغ له أو لغيره اتباع ما يقع في قلبه من غير اعتبار بالكتاب والسنة، هو مما اتفق عليه أولياء الله عز وجل، ومن خالف في هذا فليس من أولياء الله سبحانه الذين أمر الله باتباعهم؛ بل إما أن يكون كافرًا، وإما أن يكون مفرطًا في الجهل.
وهذا كثير في كلام المشايخ؛ كقول الشيخ أبي سليمان الداراني: إنه ليقع في قلبي النكتة من نكت القوم، فلا أقبلها إلا بشاهدين؛ الكتاب والسنة.
وقال أبو القاسم الجنيد $: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن، ويكتب الحديث، لا يصلح له أن يتكلم في علمنا، أو قال: لا يقتدى به.
وقال أبو عثمان النيسابوري: من أمر السنة على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالبدعة؛ لأن الله تعالى يقول في كلامه القديم: ﴿ﭡ ﭢ ﭣ﴾([19]). ا هـ.
% % %
المبحث الرابع
مقام النبوة أفضل من مقام الولاية
إن مقام الولاية تبع لمقام النبوة، فلا يكون الولي وليًّا لله تعالى حتى يعتقد أن النبي أفضل منه ومن البشر أجمعين، ومن ظن غير ذلك فقد فتح على نفسه بابا من الزندقة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية $: وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أولياء الله تعالى، على أن الأنبياء أفضل من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء، وقد رتب الله عباده السعداء المنعم عليهم أربع مراتب، فقال تعالى: ﴿ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [النساء: 69]، وفي الحديث: « ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر»([20])، وأفضل الأمم أمة محمد ﷺ، قال تعالى: ﴿ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [آل عمران: 110]، وقال تعالى: ﴿ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾([21]) [فاطر: 32].
قال القشيري: رتبة الأولياء لا تبلغ رتبة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ للإجماع المنعقد على ذلك([22]).
وقد خرج علىنا من بعض غلاة المتصوفة من جوز أن يكون الولي أفضل من النبي، فسبحان مانح العقول وسالبها، كيف نعتقد أن يجعل الله تعالى النبي المصطفي، والمختار سببًا في هداية الناس، ثم نحكم على فئة من هؤلاء الناس يكون أفضل من هذا النبي. وقد اشتهرت هذه المقالة عن الحكيم الترمذي.
قال الذهبي $ في «السير»: قال أبو عبدالرحمن السلمي: أخرجوا الحكيم من ترمذ، وشهدوا عليه بالكفر، وذلك بسبب تصنيفه كتاب «ختم الولاية»، وكتاب «علل الشريعة»، وقالوا: إنه يقول: إن للأولياء خاتمًا كالأنبياء لهم خاتم، وإنه يفضل الولاية على النبوة، واحتج بحديث: «يغبطهم النبيون والشهداء»([23]).ا هـ.
وممن قال بهذه الزندقة البواح أيضًا: إبراهيم الدسوقي، ويزيد البسطامي، وابن عربي، وغيرهم([24]).
وقال الشهرستاني في «الملل والنحل»: ادعت طائفة من الصوفية: أن في أولياء الله تعالى من هو أفضل من جميع الأنبياء والرسل، وقالوا: من بلغ الغاية القصوى من الولاية سقطت عنه الشرائع كلها؛ من الصلاة، والصيام، والزكاة، وغير ذلك، وحلت له المحرمات كلها؛ من الزنا، والخمر، وغير ذلك، واستباحوا بذلك
نساء غيرهم([25]).
فنعوذ بالله تعالى من ران يحيط بالقلوب، ومن سفه يخمر العقول.
% % %
المبحث الخامس
ضابط التفريق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان» (ص: 2): فصل: وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء، كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، كما قال تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [يونس:62، 63].
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره، عن أبي هريرة ﭬ عن النبي ﷺ قال: «يقول الله تعالى: من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة - أو فقد آذنته بالحرب - وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها - وفي رواية: فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي - ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه». وهذا أصح حديث يروى في الأولياء.
فبين النبي ﷺ أنه من عادى وليًّا لله، فقد بارز الله في المحاربة. وفي حديث آخر: «وإني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب»؛ أي: آخذ ثأرهم ممن عاداهم كما يأخذ الليث الحرب ثأره، وهذا لأن أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه، فأحبوا ما يحب، وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يرضى، وسخطوا بما يسخط، وأمروا بما يأمر، ونهوا عما نهى، وأعطوا لمن يحب أن يعطى، ومنعوا من يحب أن يمنع، كما في الترمذي وغيره، عن النبي ﷺ أنه قال: «أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله»، وفي حديث آخر رواه أبو داود وقال: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان». انتهى.
و قال $ في «مجموع الفتاوى» (11/214): «... بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء، لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله ﷺ، وموافقته لأمره ونهيه. وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور، وهذه الأمور الخارقة للعادة، وإن كان قد يكون صاحبها وليًّا لله، فقد يكون عدوًا لله؛ فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار، والمشركين، وأهل الكتاب، والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم، وأفعالهم، وأحوالهم، التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان، والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام الظاهرة». انتهى.
وقال ابن القيم $ في «كتاب الروح» (ص: 359): «... ما يتلبس به العبد من قول وفعل وحال، فإن كان وفق ما يحبه الله ويرضاه في الأمور الباطنة التي في القلوب، وفي الأعمال الظاهرة التي على الجوارح، كان صاحبه من أولياء الله، وإن كان معرضًا في ذلك عن كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه و سلم، مخالفًا لهما إلى غيره، فهو من أولياء الشيطان.
ثم قال: فإن اشتبه عليك، فاكشفه في ثلاثة مواطن؛ في صلاته، ومحبته للسنة وأهلها أو نفرته عنهم، ودعوته إلى الله ورسوله، وتجريد التوحيد، والمتابعة وتحكيم السنة، فزنه بذلك، ولا تزنه بحال ولا كشف ولا خارق، ولو مشى على الماء، وطار في الهواء».
% % %
المبحث السادس
كرامات الأولياء
قال الشيخ علي الشحود في «الخلاصة»: الكرامات جمع كرامة، وهي في اللغة: الشرف، من الكرم: الذي يعني شرف الشيء في نفسه أو في خلق من الأخلاق، أو الإكرام: الذي هو إيصال نفع إلى الإنسان، لا يلحقه فيه غضاضة، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئًا كريمًا؛ أي: شريفًا([26]).
أما في الاصطلاح الشرعي، فقد عرف ابن عابدين الكرامة بأنها: ظهور أمر خارق للعادة، على يد عبد ظاهر الصلاح، ملتزم لمتابعة نبي من الأنبياء، مقترنًا بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح، غير مقارن لدعوى النبوة([27]).
فامتازت الكرامة بعدم الاقتران بدعوى النبوة عن المعجزة، وبكونها على يد ظاهر الصلاح، وهو الولي، عما يسمونه معونة، وهي الخارق الظاهر على أيدي عوام المؤمنين، تخلصًا لهم من المحن والمكاره، وبمقارنة صحيح الاعتقاد والعمل الصالح عن الاستدراج، وبمتابعة نبي قبله عن خوارق مدعي النبوة المؤكدة لكذبه المعروفة بالإهانة؛ كبصق مسيلمة في بئر عذبة الماء ليزداد ماؤها حلاوة، فصار ملحًا أجاجًا([28]).
وقد ذهب أهل السنة والجماعة من الفقهاء والأصوليين والمحدثين وغيرهم - خلافًا للمعتزلة ومن وافقهم - إلى أن ظهور الكرامة على الأولياء جائز عقلًا؛ لأنها من جملة الممكنات، وأنها واقعة نقلًا مفيدًا لليقين من جهة مجيء القرآن بها، ووقوع التواتر عليها قرنًا بعد قرن، وجيلًا بعد جيل، وبعد ثبوت الوقوع لا حاجة إلى إثبات الجواز([29]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية $: وكرامات الأولياء حق باتفاق أهل الإسلام والسنة والجماعة، وقد دل عليها القرآن في غير موضع، والأحاديث الصحيحة والآثار المتواترة عن الصحابة والتابعين وغيرهم، وإنما أنكرها أهل البدع من المعتزلة والجهمية ومن تابعهم، ولكن كثيرًا ممن يدعيها أو تُدَّعى له يكون كذابًا أو ملبوسًا عليه([30]).
% % %
المبحث السابع
الفرق بين الكرامة والمعجزة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «النبوات» (1/40، 41): النبوة هي أصل المعجزة، والولاية هي أصل الكرامة، فلا تحصل المعجزة الخارقة للعادة - التي هي أصل الكرامة في الجنس - إلا مع النبوة الصادقة، كما أنّ الكرامة الخارقة للعادة لا تحصل للولي إلا بمتابعته لشرع نبيّه.
فالمعجزة إذن دليلٌ على النبوة الصادقة، والكرامة دليلٌ على صدق الشاهد بالنبوة الصادقة، وجامعهما: آية الله الخارقة الدالة على النبوة الصادقة، فهما من جنس واحدٍ.
ولكن لا يلزم من هذا أن تكون المعجزة والكرامة متساويتين في الحدّ والحقيقة؛ فآيات الله لا يُحاط بها علمًا، كما أنه - جلّ وعلا - لا يُحيطون به علمًا إلا بما شاء سبحانه وتعالى.
ومن آيات الله تعالى ما هي آيات كبرى، ومنها ما هي آيات صغرى، فالآيات الكبرى لا تكون إلا للأنبياء والمرسلين، وهي التي وجب على الناس الإيمان بمقتضاها، وهي التي يُطلق عليها اسم المعجزات. والآيات الصغرى لا تصل إلى درجة سابقتها، ولا تبلغ مبلغها في الحدّ ولا في الحقيقة، وهي التي يُطلق عليها اسم الكرامات.
ولما كانت الآيات الكبرى والصغرى من جنس واحد، وكان من خواصهما خرق العادة، كان من الواجب أن يكون خرق العادة فيهما مخالفٌ لسنن الطبيعة، وخواص المادة، وقانون الأسباب والمسبّبات، لا سيما في المعجزات التي هي الدلائل اليقينيّة على صدق الرسل؛ فإنّ رتبة الرسالة ذات شأن عظيم؛ إذ هي الواسطة بين الخالق والمخلوق، والعابد والمعبود، وعليها تترتب سعادة المصدّقين، وشقاوة المكذّبين في كلتا الدارين. انتهى.
وقد ضلّ الأشاعرة في هذه المسألة، فقالوا: إن كرامة الولي تساوي آية النبي، ولكن الفرق بينهما: أن الولي لا يدعي النبوة، والنبي يقول هو مرسل من عند الله جل وعلا.
قال الشيخ الشحود في «الخلاصة»:
أما وجوه التفرقة بين الكرامة والمعجزة، فهي:
أولًا: أن المعجزة تقترن بالتحدي، وهو طلب المعارضة والمقابلة، يقال: تحديت فلانًا، إذا باريته في فعل، ونازعته للغلبة، أما الكرامة فلا تقترن بذلك.
ولا شك أن كل ما وقع منه ﷺ بعد النبوة من معجزات؛ كنطق الحصى، وحنين الجذع، ونبع الماء من بين أصابعه ﷺ مقرون بالتحدي؛ لأن قرائن أقواله وأحواله ناطقة بدعواه النبوة، وتحديه للمخالفين، وإظهاره ما يقمعهم ويقطعهم، فكان كل ما ظهر منه ﷺ يسمى آيات ومعجزات؛ ولأن المراد من اقترانها بالتحدي الاقتران بالقوة أو الفعل([31]).
ثانيًا: أن الأنبياء مأمورون بإظهار معجزاتهم؛ لحاجة الناس إلى معرفة صدقهم واتباعهم، ولا يعرف النبي إلا بمعجز. أما الكرامة فلا يجب على الولي إظهارها، بل يستر كرامته ويسرها ويجتهد على إخفاء أمره([32]).
ثالثًا: أن دلالة المعجزة على النبوة قطعية، وأن النبي يعلم أنه نبي، بينما دلالة الكرامة على الولاية ظنية، ولا يعلم مظهرها أو من ظهرت على يديه أنه ولي، ولا غيره يعلم ذلك، لاحتمال أن يكون ممكورًا به([33]).
قال القاضي أبو يعلى: والدلالة عليه أن العلم بأن الواحد منا ولي لله ۵ لا يصح إلا بعد العلم والقطع على أنه لا يموت إلا مؤمنًا، فإذا لم يعلم ذلك لم يمكنا أن نقطع على أنه ولي لله؛ لأن الولي من علم الله أنه لا يوافي إلا بالإيمان، ولما اتفق على أنه لا يمكننا أن نقطع عنه أنه لا يوافي إلا بالإيمان، علم أن الفعل الخارق للعادة لا يدل على ولايته([34]).
ويتفرع على ذلك: أن المعجزة تدل على عصمة صاحبها وعلى وجوب اتباعه، أما الكرامة فلا تدل على عصمة من ظهرت عليه، ولا على وجوب اتباعه في كل ما يقول، ولا على ولايته؛ لجواز سلبها أو أن تكون استدراجًا له([35]).
رابعًا: أن الكرامة لا يجوز بلوغها مبلغ المعجزة في جنسها وعظمها؛ كإحياء الموتى، وانفلاق البحر، وقلب العصا حية، وخروج الماء من بين الأصابع، وبذلك قال بعض الحنفية وبعض الشافعية.
وقال بعض المحققين من علماء المذهبين وغيرهم: كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي، غير أن المعجزة تقترن بدعوى النبوة، والكرامة لا تقترن بذلك، بل إن الولي لو ادعى النبوة صار عدوًا لله، لا يستحق الكرامة، بل اللعنة والإهانة([36]).
% % %

الفصل الخامس
تخريج حديث الولي

المبحث الأول
من رواية أبي هريرة
وهو الذي اعتمده المصنف في كتابه، أخرجه البخاري (4/231)، وأبو نعيم في «الحلية» (1/4)، والبغوي في «شرح السنة» (1/142/2)، وابن حبان (347)، وأبو القاسم المهرواني في «الفوائد المنتخبة الصحاح» (2/3/1)، وابن الحمامي الصوفي في «منتخب من مسموعاته» (1/171)، وصححه ثلاثتهم، ورزق الله الحنبلي في «أحاديث من مسموعاته» (1/2-2/1)، ويوسف بن الحسن النابلسي في «الأحاديث الستة العراقية» (1/26)، والبيهقي في «الزهد» (2/83)، وفي «الأسماء والصفات» (ص: 491)، وفي «السنن الكبرى» (6188، 20769)، وفي «الأربعون الصغرى» (24)، وعبدالرزاق في «المصنف» (20301) مرسلًا عن الحسن البصري، وابن طاهر القيسراني في «تذكرة الحفاظ» (4/1463)، وأبو يعلى الحنبلي في «طبقات الحنابلة» (2/250)، والسبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (9/316)، والمزي في «تهذيب الكمال» (26/97).
كلهم من طريق خالد بن مخلد قال: حدثنا سليمان بن بلال: حدثني شريك ابن عبدالله بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ... فذكره.
قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (1/641) في ترجمة خالد بن مخلد هذا - وهو القطواني - بعد أن ذكر اختلاف العلماء في توثيقه وتضعيفه، وساق له أحاديث تفرد بها هذا منها:
فهذا حديث غريب جدًّا، ولولا هيبة الجامع الصحيح لعددته في منكرات خالد ابن مخلد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك، وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا أخرجه من عدا البخاري، ولا أظنه في «مسند أحمد»، وقد اختلف في عطاء، فقيل: هو ابن أبي رباح، والصحيح أنه عطاء ابن يسار. انتهى.
ونقل كلامه هذا مختصرًا الحافظ في «الفتح» (11/292، 293)، ثم قال: ليس هو في «مسند أحمد» جزمًا، وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود، ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد فيه مقال أيضًا، وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص، وقدم وأخر، وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها، ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلًا. انتهى.
وانتقاد بعض المتأخرين لإسناد الحديث بحجة أن فيه راويين قد تُكلم فيهما، وهما: خالد بن مخلد، وشريك بن عبدالله ، هو ظلم واضح وتعد صريح، وسَقَطٌ من القول، ولو علموا طريقة الإمام البخاري ومذهبه لاستحيوا من أنفسهم، فكلامهم فيه لا يضره و لا يحط من منزلته، و لو كان هذا الحديث خارج الصحيح لبطلت حجتهم، ولذاب دليلهم، فكيف وهو في الصحيح؟!! وهاك بيانه من وجوه:
الوجه الأول : بطلان نقد الحديث بسبب خالد بن مخلد:
أولًا : يقول ابن حجر $ في «هدي الساري» (ص: 398) في رده لكلام من رد رواية خالد في الصحيح: أما التشيع، فقد قدمنا أنه إذا كان ثَبْتَ الأخذ والأداء لا يضر، لا سيما ولم يكن داعية إلى رأي، وأما المناكير: فقد تتبعها أبو أحمد ابن عدي من حديثه، وأوردها في «كامله»، وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري، بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد، وهو حديث أبي هريرة: «من عادى لي وليًّا...» الحديث، وروى له الباقون سوى أبي داود.
قلت: قد نقل ابن حجر عن ابن عدي أنه قال - بعد أن ساق له أحاديث، وهي عشرة حسب ما ذكر الذهَبِيّ - قال ابن عدي بعدها: لم أجد في حديثه أنكر مما ذكرته، ولعلها توهم منه، أو حملًا على حفظه. فتأمل هذا.
بالإضافة إلى قول ابن عدي أيضًا: هو من المكثرين، وهو عندي إن شاء الله لا بأس به. ينظر: «من تُكُلِّمَ فيه وهو موثق أو صالح الحديث» للذهبي (ص: 121).
ثانيًا: أن إخراج البخاري لهذا الحديث نص منه على أنه ليس من مناكير خالد، و أنه موافق لشرطه في انتقاء ما صح سنده.
ثالثًا: أن العلماء أثنوا على رواية خالد عن سليمان بن بلال، فقد أثنى الغلابي على حديثه عن سليمان بن بلال.
قال ابن رجب الحنبلي في «شرح علل الترمذي» (2/775): ذكر الغلابي في «تاريخه»، قال: يؤخذ عنه مشيخة المدينة وسليمان بن بلال فقط. انتهى.
وأما قول أبي حاتم: «لا يحتج به»، فيقابله قول من وثق القطواني مطلقًا، مثل العجلي وصالح جزرة وابن حبان وعثمان بن أبي شيبة، وبعضهم عدله تعديلات منخفضة، وبعضهم ضعفه، وعلى كل حال، فحديثه عن سليمان بن بلال حالة خاصة.
الوجه الثاني: بطلان نقد الحديث بسبب شريك بن عبدالله:
قال الحافظ ابن حجر - في معرض الكلام على حديث شريك في الإسراء والمعراج -: قال أبو الفضل ابن طاهر: تعليل الحديث بتفرد شريك، ودعوى ابن حزم أن الآفة منه، شيء لم يسبق إليه، فإن شريكًا قبله أئمة الجرح والتعديل، ووثقوه، ورووا عنه، وأدخلوا حديثه في تصانيفهم، واحتجوا به.
وروى عبدالله بن أحمد الدورقي، وعثمان الدارمي، وعباس الدوري، عن يحيى بن معين: لا بأس به، وقال ابن عدي: مشهور، من أهل المدينة، حدث عنه مالك، وغيره من الثقات، وحديثه إذا روى عنه ثقة لا بأس به، إلا أن يروي عنه ضعيف.
قال ابن طاهر: وعلى تقدير تسليم تفرده... لا يقتضي طرح حديثه، فوهم الثقة في موضع من الحديث لا يسقط جميع الحديث، ولا سيما إذا كان الوهم لا يستلزم ارتكاب محذور، ولو ترك حديث من وهم في تاريخ؛ لترك حديث جماعة من أئمة المسلمين([37]). قلت (ابن حجر): احتج به الجماعة([38]).
فتبين من خلال هذا صحة إسناد هذا الحديث وثقة رواته بما لا يجعل في النفس أدنى ريبة، وكفي هؤلاء الرواة شرفًا أن كانوا من رجال الشيخين (البخاري ومسلم).
من أجل ذلك: ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راوٍ كان مقتض لعدالته عنده، وصحة ضبطه، وعدم غفلته، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما، هذا إذا خرج له في الأصول، فأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق، فهنا تتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعنًا، فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام، فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرًا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقًا، أو في ضبطه لخبر بعينه؛ لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة، منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح.
وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة؛ يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه.
قال الشيخ أبو الفتح القشيري في مختصره: وهكذا نعتقد، وبه نقول، ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة وبيان شاف، يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين، ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما([39]).
والحديث قد جاء من عدة طرق أخرى غير طريق خالد وشريك، تشهد له، وإن كان هو غنيٌ بنفسه، قال الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص: 430): وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن إلا بهذ الإسناد مردود... ولكن للحديث طرقًا أخرى يدل مجموعها على أن له أصلًا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا حديث شريف، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وهو أصح حديث روي في صفة الأولياء([40]).
وللدكتور سعد المرصفي رسالة قيمة تحت عنوان «دفاع عن الحديث القدسي: من عادي لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، في ضوء أصول التحديث... رواية ودراية، ورد الشبهات ودحض المفتريات»، ضمن سلسة قيمة للدفاع عن الحديث النبوي.
الوجه الثالث: ثناء العلماء في صحيح البخاري:
قال العلامة ابن باز $ كما في «مجموع فتاواه» (25/69): «... والذي عليه أهل العلم هو تلقي أحاديث الصحيحين بالقبول والاحتجاج بها، كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر والحافظ ابن الصلاح وغيرهما، وإذا كان في بعض الرجال المخرج لهم في الصحيحين ضعفٌ، فإن صاحبي الصحيح قد انتقيا من أحاديثهم ما لا بأس به، مثل: إسماعيل بن أبي أويس، ومثل عمر بن حمزة بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، وجماعات فيهم ضعف، لكن صاحبي الصحيح انتقيا من أحاديثهم ما لا علة فيه؛ لأنَّ الرجل قد يكون عنده أحاديث كثيرة، فيكون غلط في بعضها أو رواها بعد الاختلاط إن كان ممن اختلط، فتنبه صاحبا الصحيحين لذلك، فلم يرويا عنه إلا ما صحَّ عندهما سلامته». انتهى.
وقال ولي الله الدهلوي $: أما الصحيحان، فقد اتفق المحدثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع، وأنهما متواتران إلى مصنفيهما، وأن كل من يهون أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين([41]).
وقال العلامة أحمد بن محمد شاكر $: «الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين وممن اهتدى بهديهم وتبعهم على بصيرة من الأمر، أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها، ليس في واحد منها مطعن أو ضعف، وإنما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث. على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ في الصحة الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه. وأما صحة الحديث في نفسه، فلم يخالف أحد فيها، فلا يهولنك إرجاف المرجفين، وزعم الزاعمين، أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة، وتتبع الأحاديث التي تكلموا فيها، وانقدها على القواعد الدقيقة، التي سار عليها أئمة أهل العلم، واحكم عن بينة، والله الهادي إلى سواء السبيل».
وقال النووي $: «الصحيح أقسام؛ أعلاها: ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم مسلم، ثم على شرطهما، ثم على شرط البخاري، ثم مسلم، ثم صحيح عند غيرهما»([42]).
وقال الشوكاني $: «واعلم أن ما كان من الأحاديث في الصحيحين أو أحدهما جاز الاحتجاج به من دون بحث؛ لأنهما التزما الصحة, وتلقت ما فيهما الأمة بالقبول»([43]).
% % %
المبحث الثاني
الحديث من رواية عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها وعن أبيها
الحديث روي عن أم المؤمنين من طريقين:
الأول: قال أبو القاسم الطبراني في «المعجم الأوسط» (9352): حدثنا هارون بن كامل، نا سعيد بن أبي مريم، ثنا إبراهيم بن سويد المدني، حدثني أبو حزرة يعقوب بن مجاهد، أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة، عن رسول الله ﷺ قال:
«إن الله يقول: من أهان لي وليًّا، فقد استحل محاربتي، وما تقرب إلي عبد من عبادي بمثل أداء فرائضي، وإن عبدي ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت عينيه التي يبصر بهما، وأذنيه التي يسمع بهما، ويده التي يبطش بها، ورجليه التي يمشي بهما، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن موته، وذلك أنه يكره الموت، وأنا أكره مساءته».
وجملة أقوال العلماء في رواية أم المؤمنين عائشة ڤ: أن رجال أسناده كلهم ثقات، لكنها معلولة بجهالة حال هارون بن كامل، وقالوا: ولولا جهالة حاله، لكان الحديث صحيحًا.
ولقد تتبعت مرويات هارون بن كامل في كتب الحديث؛ كالمعاجم الثلاثة للطبراني، وحلية الأولياء، و كتب أبي جعفر الطحاوي، وتاريخ ابن عساكر وغيرها، فجمعت أسماء من روى عنهم، ومن رووا عنه. والذين رووا عنه قيدت تراجمهم من «سير أعلام النبلاء»، فوجتهم كلهم ثقات، وأغلبهم محدثون حفاظ، وتتبعت كذلك كتب التراجم التي قد يذكر فيها هارون بن كامل، فلم أجد ذكره إلا في بعضها, ومن ترجم منهم له اقتصر على اسمه وتاريخ وفاته، وذكر بعض من روى عنهم ورووا عنه. وذكرت فصلًا مختصرًا من كلام الأئمة والعلماء - رحمة الله تعالى عليهم - في مسألة حكم رواية المستور أو مجهول الحال، الذي روى عنه جمع من الثقات، واختلافهم في ذلك، وجمعت ما رواه هارون بن كامل من حديثه، فوجتها قاربت السبعين، ولم أجد فيها ما ينكر عليه.
ولقد عقدت في ذلك بحثا مطولًا - حذفته من هنا اختصارًا - وكانت خلاصته: أن هارون ليس مجهول الحال، وعليه فالحديث من رواية أم المؤمنين صحيح، ولو افترض جهالته، فإنه قد روى عنه جمع من الثقات، ولم يثبت عنه رواية المناكير، وقد صحح جمع من المحققين والمحدثين حديث من هذه حاله.
أم الطريق الثاني، فسنده واهٍ جدًّا.
% % %
المبحث الثالث
من رواية أبي أمامة
أخرجه الطبراني (8/221، رقم 7880) قال: حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، ثنا هشام بن عمار، ثنا صدقة بن خالد، ثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي ﷺ قال:
«من أهان لي وليًّا فقد بارزني بالعداوة، ابن آدم لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك، ولا يزال عبدي يتحبب إلي بالنوافل حتى أحبه، فأكون قلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به، وبصره الذي يبصر به، فإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وإذا استنصرني نصرته، وأحب عبادة عبدي إلي النصيحة».
قال الهيثمي (2/248): فيه علي بن يزيد، وهو ضعيف، وهو عند البيهقي في «الزهد» (696) من طريق ابن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عنه. وكذلك رواه السلمي في «الأربعين الصوفية» (9/1).
وهذا الإسناد يضعفه ابن حبان جدًّا، ويقول في مثله: إنه من وضع أحد هؤلاء الثلاثة الذين دون أبي أمامة، لكن أخرجه أبو نعيم في «الطب» (ق11/1- نسخة الشيخ السفرجلاني) من طريق عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، به نحوه.
وعثمان هذا، قال الحافظ في «التقريب»: ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني. وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (1872): وسألت أبي عن حديث؛ رواه هشام - يعني: ابن عمار، عن صدقة بن خالد، قال: حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي ﷺ، أنه كان يقول: «إن الله تعالى يقول: من أهان لي وليًّا...»، فقال: هذا حديث منكر جدًّا.
% % %
المبحث الرابع
من رواية علي بن أبي طالب رضى الله عنه
ذكره ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (2/332)، ونسبه للإسماعيلي في «مسند علي»، وقال: إسناده ضعيف.
% % %
المبحث الخامس
من رواية ابن عباس رضى الله عنهما
أخرجه الطبراني في «الكبير» (12719) قال:
حدثنا عبيد بن كثير التمار، ثنا محمد بن الجنيد، ثنا عياض بن سعيد الثمالي، عن عيسى بن مسلم القرشي، عن عمرو بن عبدالله بن هند الجملي،
عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: «يقول الله تعالى: من عادى لي وليًّا فقد ناصبني بالمحاربة، وما ترددت عن شيء أنا فاعلة كترددي عن موت المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، وربما سألني وليي المؤمن الغنى فأصرفه من الغنى إلى الفقر، ولو صرفته إلى الغنى لكان شرًّا له، وربما سألني وليي المؤمن الفقر فأصرفه إلى الغنى، ولو صرفته إلى الفقر لكان شرًّا له، إن الله ۵ قال: وعزتي وجلالي وعلوي وبهائي وجمالي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هوى نفسه إلا أثبت أجله عند بصره، وضمنت السماء والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر».
ورواه الإمام أحمد في «الزهد» مختصرًا (ص: 61)، وأبونعيم في «الحلية» (1/10) موقوفًا على ابن عباس في باب: أخبار موسى ڠ، قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، عن عبدالله بن أحمد قال: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا إبراهيم ابن عيينة، عن ورقاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس... به، وسندهما ضعيف، فقد ضعفه الحافظ كما تقدم، وبين علته الهيثمي، فقال (10/270): رواه الطبراني، وفيه جماعة لم أعرفهم.
قال الألباني $: وإسناده أسوأ من ذلك، وفي متنه زيادة منكرة، وكذلك أوردته في «الضعيفة» (5396).
% % %
المبحث السادس
من رواية أنس بن مالك رضى الله عنه
قال الطبراني في «الأوسط» (609): حدثنا أحمد، قال: حدثنا عمر بن سعيد أبو حفص الدمشقي، قال: حدثنا صدقة بن عبدالله أبو معاوية، أخبرني عبدالكريم الجزري، عن أنس بن مالك، عن النبي ، صلى الله عليه و سلم عن جبريل، عن الله تعالى: «من أهان لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة». لم يرو هذا الحديث عن عبدالكريم إلا صدقة، تفرد به عمر. انتهى.
وحديث أنس ﭬ له طريقان:
الأول: طريق عمر بن سعيد أبي حفص الدمشقي، قال حدثنا صدقة بن عبدالله أبو معاوية، أخبرني عبدالكريم الجزري، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، عن جبريل، عن الله تعالى: «من أهان لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة». قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبدالكريم إلا صدقة، تفرد به عمر.
الثاني: طريق صدقة بن عبدالرحمن، عن هشام، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن الله تبارك وتعالى قال: «من أهان لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة، ما ترددت في شيء أنا فاعله مثل ترددي في قبض المؤمن، يكره الموت وأكره مماته ولا بد منه، وما تقرب إلي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالتوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت له سمعًا وبصرًا ومؤيدًا، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصح إيمانه إلا بالسقم، ولو أصححته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصح إيمانه إلا بالصحة، ولو أسقمهم لأفسده ذلك».
رواه ابن أبي الدنيا في «كتاب الأولياء» (1)، وأبو نعيم في «الحلية» (8/318)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (1456)، وابن الشجري في «أماليه» (1/416)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية في الأحاديث الواهية» (27)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (7/95)، والقشيري في «الرسالة» (ص: 143).
قال الشيخ الألباني $ : وأما حديث أنس، فلم يعزه الهيثمي إلا للطبراني في «الأوسط» مختصرًا جدًّا بلفظ: «... من أهان لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة»، وقال: وفيه عمر بن سعيد أبو حفص الدمشقي، وهو ضعيف.
وقد وجدته من طريق أخرى بأتم منه، ويرويه الحسن بن يحيى قال: حدثنا صدقة بن عبدالله، عن هشام الكناني، عن أنس، به، نحو حديث الترجمة، وزاد: «وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة، فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر...» الحديث.
أخرجه محمد بن سليمان الربعي في «جزء من حديثه» (ق216/2)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص: 121).
قلت: وإسناده ضعيف، مسلسل بالعلل، وهي:
الأولى: هشام الكناني لم أعرفه، وقد ذكره ابن حبان في كلامه الذي سبق نقله عنه بواسطة الحافظ ابن حجر، فالمفروض أن يورده ابن حبان في ثقات التابعين، ولكنه لم يفعل، وإنما ذكر فيهم هشام بن زيد بن أنس البصري، يروي عن أنس، وهو من رجال الشيخين، فلعله هو.
الثانية: صدقة بن عبدالله، وهو أبو معاوية السمين، ضعيف.
[قال الطالب]: قال السيوطي في «جامع الأحاديث»: وفيه صدقة بن عبدالله السمين، ضعفه أحمد والبخاري والبيهقي والدارقطني، وقال أبوحاتم: محله الصدق، وأنكر عليه القدر فقط.
الثالثة: الحسن بن يحيى، وهو الخشني، وهو صدوق كثير الغلط، كما في «التقريب». انتهى من «السلسلة الصحيحة» (1640).
% % %
المبحث السابع
من رواية حذيفة بن اليمان
قال أبو نعيم في «الحلية» (6/116): حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن رزيق، ثنا أبو اليمان، ثنا الأوزاعي، حدثني عبدة، حدثني زر بن حبيش، قال سمعت حذيفة يقول: قال رسول الله ﷺ: «إن الله تعالى أوحى إلي، يا أخا المرسلين، ويا أخا المنذرين، أنذر قومك أن لا يدخلوا بيتًا من بيوتي ولأحد عندهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائمًا بين يدي يصلي حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها، فأكون سمعه الذي يسمع به، وأكون بصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة».
غريب من حديث الأوزاعي عن عبدة، ورواه علي بن معبد عن إسحاق بن أبي يحيى العكي عن الأوزاعي مثله. ورواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (65/44). قال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (2/333): وهذا إسناد جيد، وهو غريب جدًّا.
وقال الألباني في «السلسلة الضعيفة» (6308): ضعيف، أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (6/116): حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن رزيق، ثنا أبو اليمان، ثنا الأوزاعي، حدثني عبدة، حدثني زر ابن حبيش قال: سمعت حذيفة يقول: قال رسول الله ﷺ...» فذكره. وقال: غريب من حديث الأوزاعي عن عبدة، ورواه علي بن معبد عن إسحاق بن أبي يحيى العكي عن الأوزاعي... به.
قلت (الألباني): وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات، مترجمون في «التهذيب»، إلا شيخ أبي نعيم سليمان بن أحمد، وهو الحافظ الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة، وهو أشهر من أن يذكر، وإلا إسحاق بن إبراهيم بن زريق، فإني جهدت في أن أجد له ترجمة، فلم أوفق، ثم بدا لي شيء، وهو أن جده «زريق» محرف من «زبريق»، وأنه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء المصري، فإنه يعرف بـ «ابن زبريق»، وهو من هذه الطبقة، وقد مضى له حديث برقم (758) من رواية الطبراني بواسطة آخر له عنه: ثنا عمرو بن الحارث، فإذا كان هو هذا، فهو ضعيف جدًّا - كما بينت هناك - وقال الحافظ في «التقريب»: صدوق يهم كثيرًا، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب. ولعله قد خفي حاله على الحافظ ابن رجب الحنبلي، فقال في «جامع العلوم والحكم» (ص: 261) - بعد أن عزاه للطبراني -: وهذا إسناد جيد، وهو غريب جدًّا. ولم أجد من عزاه للطبراني، ولا هو في شيء من معجمه الثلاثة، فلعله في بعض كتبه الأخرى، مثل «مسند الشاميين»، فليراجع، فإن يدي لا تطوله الآن، وليس هو في المجلدين المطبوعين بتحقيق أخينا عبدالمجيد السلفي فرج الله عنه كربه. وأما إسحاق بن أبي يحيى العكي: فلم أعرفه.
% % %
المبحث الثامن
من رواية معاذ بن جبل
أخرجه ابن ماجه في «السنن» (398): حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا عبدالله ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن عيسى بن عبدالرحمن، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب: أنه خرج يومًا إلى مسجد رسول الله ﷺ، فوجد معاذ ابن جبل قاعدًا عند قبر النبي ﷺ يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: يبكيني شيء سمعته من رسول الله ﷺ، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن يسير الرياء شرك، وإن من عادى لله وليًّا فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة».
في «الزوائد»: في إسناده عبدالله بن لهيعة، وهو ضعيف. وقال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (2041): هذا إسناد فيه عبدالله بن لهيعة، وهو ضعيف، رواه الحاكم من طريق عياش بن عباس عن عيسى به، وقال: لا علة له. وأبو نعيم في «الحلية» مختصرًا، وسنده ضعيف أيضًا، وحديث معاذ - مع ضعف إسناده - فهو شاهد مختصر ليس، فيه إلا قوله: «من عادى لله وليًّا فقد بارز الله بالمحاربة». وهو مخرج في «الضعيفة» (1850).
وحديث وهب بن منبه، أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (4/32) من طريق إبراهيم بن الحكم، حدثني أبي، حدثني وهب بن منبه، قال: إني لأجد في بعض كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: إن الله تعالى يقول: «ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبضِ روح المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته ولا بد له منه».
قلت: وإبراهيم هذا ضعيف، ولو صح عن وهب فلا يصلح للشهادة؛ لأنه صريح في كونه من الإسرائيليات التي أمرنا بأن لا نصدق بها، ولا نكذبها.
ونحوه ما روى أبو الفضل المقرئ الرازي في «أحاديث في ذم الكلام» (1/204) عن محمد بن كثير الصنعاني، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: «قال الله...» فذكر الحديث بنحوه معضلًا موقوفًا.
ولقد فات الحافظ $ حديث ميمونة مرفوعًا به بتمامه مثل حديث الطبراني عن عائشة. أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (ق 334/1)، وأبو بكر الكلاباذي في «مفتاح المعاني» (1/13، رقم 15) عن يوسف بن خالد السمتيك، ثنا عمر بن إسحاق: أنه سمع عطاء بن يسار يحدث عنها.
لكن هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ لأن السمتي هذا قال فيه الحافظ: تركوه، وكذبه ابن معين. فلا يصلح للشهادة أصلًا. وقد قال الهيثمي: رواه أبو يعلى، وفيه يوسف خالد السمتي، وهو كذاب.
% % %
المبحث التاسع
من رواية ميمونة بنت الحارث
رواه أبو يعلى في «مسنده» (7087) قال: حدثنا العباس بن الوليد، حدثنا يوسف بن خالد، عن عمر بن إسحاق، أنه سمع عطاء بن يسار يحدث، عن ميمونة زوج النبي ﷺ: أن رسول الله ﷺ قال: «قال الله تعالى : من آذى لي وليًّا فقد استحق محاربتي، وما تقرب إلي عبد بمثل أداء فرائضي، وإنه ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت رجله التي يمشي بها، ويده التي يبطش بها، ولسانه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، إن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موته، وذاك أنه يكرهه، وأنا أكره مساءته».
قال حسين سليم أسد (محقق مسند أبي يعلى): إسناده ضعيف جدًّا، وقال البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» (768) قال: وثنا العباس بن الوليد، ثنا يوسف بن خالد، عن محمد بن إسحاق، أنه سمع عطاء بن يسار يحدث، عن ميمونة زوج النبي ﷺ: أن رسول الله ﷺ قال: «قال الله تبارك وتعالى: من آذى لي وليًّا فقد استحق محاربتي، وما تقرب إليِّ عبدي بمثل أداء فرائضي، وإنه ليتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت رجله التي بها يمشي، ويده التي يبطش بها، ولسانه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، إن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موته، وذلك أنه يكرهه وأنا أكره مساءته».
هذا إسناد ضعيف؛ لضعف يوسف بن خالد السمتي البصري، قال فيه ابن معين: كذاب زنديق، لا يكتب حديثه. وقال أبوحاتم: أنكرت قول ابن معين: زنديق، حتى حمل إلي كتاب قد وضعه في التجهم ينكر فيه الميزان والقيامة، فعلمت أن ابن معين لا يتكلم إلا عن بصيرة وفهم، وهو ذاهب الحديث. وقال البخاري وأبو داود وابن معمر: كذاب. وقال ابن حبان: كان يضع الأحاديث على الأشياخ ويقرؤها عليهم، لا تحل الرواية عنه. قال الحافظ في «المطالب العالية» (575): يضعف. وقال الهيثمي في «المجمع» (17950): رواه أبو يعلى، وفيه يوسف بن خالد السمتي، وهو كذاب.
% % %
المبحث العاشر
من رواية وهب بن منبه
روي عن وهب بن منبه مقطوعًا، أخرجه أحمد في «الزهد»، وأبو نعيم في «الحلية»، وفيه تعقب على ابن حبان، حيث قال بعد إخراج حديث أبي هريرة: لا يعرف لهذا الحديث إلا طريقان - يعني: غير حديث الباب - وهما هشام الكناني، عن أنس، وعبدالواحد بن ميمون، عن عروة عن عائشة، وكلاهما لا يصح.
% % %




الفصل الأول
منهج التحقيق

اتبعت المنهج التالي في التحقيق:
1. نسخت الرسالة من النسخة (أ)، وجعلتها الأصل، وكتبتها حسب الرسم والإملاء الحديث.
2. ثم قابلت الرسالة على النسخة (ب)، والمطبوعة (ط)، وأثبت الفروق في الهامش.
3. قابلت النصوص التي نقلها المصنف من المصادر التي أخذ منها والتي وقفت عليها، و ما احتاج إلى تصويب صوبته.
4. ما كان خطأً في النسختين أثبته في الهامش، وتم تصحيح ما كان فيه من تصحيف، سواء كان ذلك في الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية، وأثبت الصواب في المتن، ووضعته بين قوسين معكوفين هكذا [ ].
7. عزوت الآيات القرآنية إلى السور، وذكرت رقم الآية دبر كل آية.
8. خرَّجت الأحاديث الواردة من مصادر السنة النبوية، وذكرت الجزء والصفحة من الكتاب الذي ورد فيه الحديث، وذكرت أحكام العلماء والمحدثين من المتقدمين والمتأخرين، وأكثرت من نقل تحقيقات الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني $ تعالى، وما كان من هذه الأحاديث في الصحيحين لم أطل فيه الكلام، اللهم إن كانت فائدة أو زيادة من خارجهما.
9. ما احتاج المقام فيه للتعليق على كلام المصنفأ ذكرت أقوال العلماء فيه بما يقتضيه المقام والحاجة.
8. نقلت شروح الكلمات الغامضة من مصادره.
11. وضعت صورًا للنسخ الخطية.
12. وضعت فهارس موضوعية للكتاب.
% % %

الفصل الثاني
وصف النسخ الخطية

1- النسخة الأولى (أ):
نسخة بخط المؤلف، وتوجد بمكتبة الجامع الكبير بصنعاء، في مجلد واحد مع «نثر الجوهر على حديث أبي ذر» تحت رقم (866 حديث)، وقد انتهى من كتابتها سنة (1239هـ)، وهي بحجم متوسط، وعدد صفحاتها (136 صفحة)، ومكتوبة بخط الرقعة الخالي من النقط في أكثر الأحوال.
وكتابتها تتسم بطابع التسرع، ففيها كثير من الشطب إلى جانب الخطأ في كثير من الآيات القرآنية، وتكرار بعض الكلمات أو نقصها، ونقض بعض الحروف، وتصحيف البعض، وعدم التبويب. وفي بعض الأحيان يكتب الإمام الشوكاني الضاد ظاءً حسب نطقهم، وكذلك قد يصل كلمتين من شأنهما أن يفصلا، مع وجود بعض الأخطاء النحوية القليلة.
وقد اعتبرت هذه النسخة الأصل، ورمزت لها بـ (أ).
2- النسخة الأخرى (ب):
نسخة بخط مجهول، كتبت سنة (1240هـ)، وموجودة بدار الكتب المصرية، تحت رقم (564 حديث)، بالمكتبة التيمورية، وكتبت عن النسخة (أ)، بخط رقعة واضح، منقوط إلا في القليل، وقد قرأها وأجازها بعد الكتابة تلميذ المؤلف محمد بن أحمد الشاطبي.
وهي في حجم متوسط، وعدد صفحاتها (224 صفحة)، وحالتها جيدة، لولا أن بها بعض الخروم، التي كادت أن تضيع معالم بعض الحروف.
وكاتبها يلتزم تسهيل الهمزة مثل الشوكاني، وقصر الممدود، وأخطاء (أ) تكاد تكون كلها فيها، وتزيد عليها (ب) في أن بها بعض حالات سقوط الكلمة أو الكلمتين، أو السطر بأكمله، أو الآية القرآنية كلها، إلى جانب بعض التصحيف من الناسخ، وهي تمتاز بإثبات بعض الكلمات التي يقتضيها المقام أو الأسلوب، والتي سقطت من المؤلف في (أ)، وكذلك بعض الحروف، أو إثبات بعض الحروف التي تتمشى مع الأسلوب، والتي يكون الشوكاني قد وضع في مقابلها حرفًا لا يتمشى مع السياق، أو لا يستقيم به الأسلوب. كما أن بهوامشها بعض تعليقات من القراء؛ لتوضيح كلمة، أو ذكر مناسبة. وقد نقل الناسخ هذه النسخة دون تبويب أيضًا على غرار الأصل. وقد رمزت لهذه النسخة بـ (ب).
% % %

الفصل الثالث
صور من النسخ الخطية

* النسخة الأولى (أ) *
ديباجة (أ)
الصفحة الأولى (أ)

الصفحة الأخيرة (أ)

* النسخة الأخرى (ب) *
ديباجة (ب)

الصفحة الأولى (ب)
الصفحة الأخيرة (ب) 
-------------------------------------------------
 
([1]) من مقدمة «إغاثة اللهفان» لابن القيم $.
([2]) «فتح الباري» (11/342- 347).
([3]) «الصحاح» (5/510).
([4]) «تاج العروس» (40/253).
([5]) «النهاية في غريب الحديث والأثر» (5/510).
([6]) «المحكم والمحيط الأعظم» (10/457).
([7]) «الفروق اللغوية » (1/578).
([8]) «النهاية في غريب الحديث والأثر» (5/510).
([9]) أخرجه ابن أبي شيبة (32132)، وأحمد (22995)، والحاكم (4578) من حديث ابن عباس، وأخرجه الترمذي (3713) من حديث أبي الطفيل، وقال: حسن صحيح، وله طرق كثيرة وشواهد عن عدة من الصحابة.
([10]) ينظر: «المحيط في اللغة» (10/279)، و«المخصص» (2/438)، و«تهذيب اللغة» (15/321)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد بن سلّام (3/141)، و«معجم مقاييس اللغة» (6/141)، و«معجم مقاليد العلوم» (221).
([11]) «أضواء البيان» (3/257).
([12]) «بدائع الفوائد» (1063)، وانظر: حاشية المدابغي على «فتح المعين» لابن حجر الهيتمي (ص: 269)، و«شرح العقيدة الطحاوية» للغنيمي (ص: 103).
([13]) «مختصر الفتاوى المصرية» (ص: 588)، و«التحفة العراقية» في أعمال القلوب (ص: 15) وما بعدها، و«مجموع فتاوى ابن تيمية» (2 /345).
([14]) «بدائع الفوائد» (1073).
([15]) «فتح القدير» (4362).
([16]) «شرح العقيدة الطحاوية» للميداني (ص: 103)، وانظر: «لوامع الأنوار البهية» للسفاريني (2/392)، والمحلي على «جمع الجوامع» وحاشية العطار عليه (2/481)، و«التعريفات» للجرجاني (ص: 132)، و«كشاف اصطلاحات الفنون» (2/1528)، و«فتح الباري» (11/342)، و«بستان العارفين» للنووي (ص: 171)، و«مجموعة رسائل ابن عابدين» (2/277)، وحاشية المدابغي على «فتح المعين» (ص: 269).
([17]) «الفتاوى الحديثية» لابن حجر الهيتمي (ص: 301).
([18]) «مجموعة رسائل ابن عابدين» (2/277).
([19]) «مجموع فتاوى ابن تيمية» (11/208- 223)، وينظر «لوامع الأنوار البهية» للسفاريني (2/301) .
([20]) أخرجه عبد بن حميد (508)، وابن أبي عاصم في «السنة» (1224)، وأبو نعيم في «الحلية» (4424)، وابن عساكر (30/210)، وابن أبي حاتم في «العلل» (2663).
([21]) «مجموع فتاوى ابن تيمية» (11/221).
([22]) «بستان العارفين» (ص: 169).
([23]) «سير أعلام النبلاء» (13/441).
([24]) ينظر: «طبقات الشعراني» (2/16، 1/181).
([25]) «الملل والنحل» (5/226).
([26]) «معجم مقاييس اللغة» (5/172)، و«المفردات» للراغب (ص: 707).
([27]) المحلي على «جمع الجوامع» مع حاشية العطار (2/481)، و«شرح العقيدة الطحاوية» للغنيمي الميداني (ص: 139)، و«كشاف اصطلاحات الفنون» (2/975)، و«لوامع الأنوار البهية» للسفاريني (2/392)، و«مجموعة رسائل ابن عابدين» (2/278)، و«التعريفات» للجرجاني (ص: 115).
([28]) «مجموعة رسائل ابن عابدين» (2/278).
([29]) «بستان العارفين» للنووي (ص: 141- 155)، و«المعتمد» لأبي يعلى (ص: 161)، و«الفتاوى الحديثية» لابن حجر الهيتمي (ص: 301)، و«شرح الطحاوية» للغنيمي (ص: 139)، و«لوامع الأنوار البهية» (4/239)، والمحلي على «جمع الجوامع» وحاشية العطار عليه (2/481).
([30]) «مختصر الفتاوى المصرية» (ص: 600).
([31]) «الفتاوى الحديثية» لابن حجر الهيتمي (ص: 308).
([32]) «لوامع الأنوار البهية» (2/396)، و«بستان العارفين» للنووي (ص: 161- 165).
([33]) «الفتاوى الحديثية» للهيتمي (ص: 305)، و«بستان العارفين» للنووي (ص: 161).
([34]) «المعتمد» لأبي يعلي (ص: 165).
([35]) «مختصر الفتاوى المصرية» (ص: 600)، و«لوامع الأنوار البهية» (2/393).
([36]) «رد المحتار» (3/308)، و«مجموعة رسائل ابن عابدين» (2/279)، و«بستان العارفين» للنووي (ص: 156-162).
([37]) «فتح الباري» (13/349) .
([38]) «هدي الساري» (ص: 430).
([39]) «هدي الساري» ( ص 430) .
([40]) «مجموع الفتاوى» (18/129).
([41]) «حجة الله البالغة» (1/249).
([42]) «تدريب الراوي» (1/122، 123).
([43]) «نيل الأوطار» (1/22).
--------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب المعجب في اخبار المغرب

    كتاب المعجب في اخبار المغرب  1 . المعجب في تلخيص أخبار المغرب تأليف : عبد الواحد بن علي المراكشي دراسة وتحقيق : الدكتور صلاح الدين ا...