Translate

الأربعاء، 23 مارس 2022

9.[ نيل الأوطار - الشوكاني ] الكتاب:نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار محمد بن علي بن محمد الشوكاني

 

/9.[ نيل الأوطار - الشوكاني كتاب:نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار محمد بن علي بن محمد الشوكاني    ] 

1- عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال " أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقوم على بدنه وان أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وان لا أعطي الجازر منا شيئا وقال نحن نعيه من عندنا "  - متفق عليه

2 - وعن أبي سعيد " أن قتادة بن النعمان أخبره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام فقال أني كنت أمرتكم أن لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام ليسعكم وأني أحله لكم فكلوا ماشئتم ولا تبيعوا لحوم الهدى والأضاحي وكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها وان أطعمتم من لحومها شيئا فكلوا أني شئتم  - متفق عليه

- حديث قتادة ذكره صاحب الفتح ولم يتعقبه مع جرى عادته بتعقب ما في ضعف . وقال في مجمع الزوائد أنه مرسل صحيح الإسناد انتهى . قوله " أن أقوم على بدنه " أي عند نحرها للاحتفاظ بها ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك أي على مصالحها في علفها ورعيها وسقيها وغير ذلك . ولم يقع في هذه الرواية عدد البدن . ووقع في رواية أخرى للبخاري وغيره أنها مائة بدنة وقد تقدم ما روى من أنه صلى الله عليه وآله وسلم نحر ثلاثين بدنة كما في رواية أبي داود أو ثلاثا وستين كما في رواية مسلم وهي الأصح : قوله " واجلتها " جمع جلال بضم الجيم وتخفيف اللام وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه ويجمع أيضا على جلال بكسر الجيم قوله " وان لا أعطي الجازر منها شيئا " فيه دليل على أنه لا يعطى الجازر شيئا البتة وليس ذلك المراد به المراد أنه لا يعطى لأجل الجزارة لا لغير ذلك . وقد بين النسائي ذلك في روايته من طريق شعيب بن إسحاق عن ابن جريج قال ابن خزيمة والمراد أنه يقسمها كلها على المساكين إلا ما أمره به من أن يأخذ من كل بدنة بضعة كما في حديث جابر الطويل عند مسلم ( والحديث ) يدل على أنه لا يجوز إعطاء الجازر من لحم الهدى الذي نحره على وجه الأجرة وقال القرطبي ولم يرخص في إعطاء منها لأجل إلا الحسن البصري وعبد الله بن عبيد بن عمير انتهى . وقد روى ابن خزيمة والبغوي انه يجوز إعطؤه منها إذا كان فقيرا بعد توفير أجرته من غيرها . وقال غيرهما ان القياس ذلك لولا إطلاق الشارع المنع وظاهره عدم جواز الصدقة والهدية كما لا تجوز الأجرة وذلك لانها قد تقع مسامحة من الجازر في الأجرة لاجل ما يعطاه من اللحم على وجه الصدقة أو الهدية وقد استدل به على نمع بيع الجلد والجلال قال القرطبي فيه دليل على ان جلود الهدى وجلالها لاتباع لعفهما على اللحم وإعطئهما حكمه وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذلك الجلود والجلال . وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية قالوا ويصرف ثمنه مصرف الأضحية . قوله " ماشئتم " فيه إطلاق المقدار الذي يأكله المضحي من أضحيته وتفويضه إلى مشيئته : قوله " ولا تبيعوا لحوم الأضاحي " فيه دليل على منع بيع لحوم الأضاحي وظاهره التحريم وقد بين الشارع وجوه الانتفاع في الأضحية من الاكل والتصدق والادخار والائتجار : قوله " واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها " فيه رد على الأوزاعي ومن معه وفيه أيضا الأذن بالانتفاع بها بغير البيع . وقد روى عن محمد بن الحسن ان له ان يشتري بمسكها غربالا أو غيرها من آلة البيت لا شيئا من المأكول . وقال الثوري لا يبيعه ولكن يجعله سقائ وشنا في البيت وهو ظاهر الحديث . قوله وان أطعمتم " الخ فيه دليل على أنه يجوز لمن أطعمه غيره من لحم الأضحية ان يأكل كيف شاء وان كان غنيا ؟

باب من أذن في انتهاب أضحيته

1 - عن عبد الله بن قرط " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر وقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس بدنات أو ست ينحرهن فطفقن يزدلفن إليه أيتهن يبدأ بها فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفية لم أفهمها فسألت بعض من يليني ما قال قالوا قال من شاء اقتطع "
- رواه أحمد وأبو داود وقد احتج به من رخص في نثار العروس ونحوه

- الحديث أخرجه أيضا النسائي وابن حبان في صحيحه وسكت عنه أبو داود والمنذري : قوله " ابن قرط " بضم القاف وآخره طاء مهملة : قوله " يوم النحر " هو يوم الحج الأكبر على الصحيح عند الشافعية ومالك وأحمد لما في البخاري أنه صلى الله عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات وقال هذا يوم الحج الأكبر ( وفي الحديث ) دلالة على أنه أفضل أيام السنة ولكنه يعارضه حديث خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة وقد تقدم في أبواب الجمعة وتقدم الجمع ويعارضه أيضا ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة " وقد ذهبت الشافعية إلى أنه أفضل من يوم النحر ولا يخفى الباب ليس فيه إلا أن يوم النحر أعظم وكونه أعظم وان كان مستلزما لكونه أفضل لكنه ليس كالتصريح بالأفضلية كما في حديث جابر اذ لا شك أن الدلالة المطابقية أقوى من الالتزامية فإن أمكن الجمع بحمل أعظمية يوم النحرعلى غير الأفضلية فذاك وإلا يمكن فدلالة حديث جابر على أفضلية يوم عرفة أقوى من دلالة حديث عبد الله بن قر على أفضلية يوم النحر : قوله " يوم القرط بفتح القاف وتشديد الراء وهو اليوم الذي يلي يوم النحر سمى بذلك لأن الناس يقرون فيه بمنى وقد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر فاستراحوا ومعنى قروا واستقروا ويسمى يوم النفر الأول ويوم الأكارع قوله يزدلفن " أي يقترين واصل الدال تاء ثم أبدلت منه ومنه المزدلفة لاقترابها إلى عرفات ومنه قوله تعالى { وأزلفت الجنة للمتقين } وفي هذه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث تسارع إليه الدواب التي لا تعقل لأراقة دمها تبركا به فيالله العجب من هذا النوع الإنساني كيف يكون هذا النوع البهيمي أهدى من أكثره وأعرف تقرب إليه هذه العجم لإزهاق أرواحها . وفرى أوداجها وتتنافس في ذلك وتتسابق إليه ومع كونها لا ترجو جنة ولا تخاف نارا ويبعد ذلك الناطق العاقل عنه مع كونه ينال بالقرب منه النعيم الأجل والعاجل ولا يصيبه ضرر في نفس ولا مال حتى قال القائل مظهرا لندة حرصه على قتل المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أين محمد لانجوت إن نجا وأراق الآخر دمه وكسر ثنيته فانظر إلى هذا التفاوت الذي يضحك منه ابليس ولأمر ما كان الكافر شر الدواب عند الله : قوله " فلما وجبت جنوبها " أي سقط إلى الأرض جنوبها والوجوب السقوط : قوله " من شاء اقتطع " أي من شاء أن يقطع منها فليقتطع هذا محل الحجة على جواز انتهاب الهدي والأضحية واستدل به على جواز انتهاب نثلر العروس كما ذكره المصنف . ومن جملة من استدل به البغوي ووجه الدلالة قياس انتهاب النثار على انتهاب الأضحية وقد رويت في النثار وانتهابه أحاديث لا يصح منها شيء وليس هذا محل ذكرها وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كراهة انتهاب النثار وروى ذلك عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمة وتمسكوا بما ورد في النهي عن النهبي وهو يعم كل ما صدق عليه أنه انتهاب ولا يخرج منه إلا ما خص بمخصص صالح

كتاب العقيقة وسنة الولادة

1 - عن سلمان بن عامر الضبي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الغلام عقيقة فاهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى "
- رواه الجماعة إلا مسلما

2 - وعن سمرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل غلام وهينة بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي

3 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة "
- رواه أحمد والترمذي وصححه . وفي لفظ " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين " رواه أحمد وابن ماجه

4 - وعن أم كرز الكعبية " أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العقيقة فقال نعم عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة ولا يضركم ذكرانا كن أو أناثا "
- رواه أحمد والترمذي وصححه

- حديث سمرة أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه عبد الحق وهو من رواية الحسن عن سمرة والحسن مدلسة لكنه روى البخاري في صحيحه من طريق الحسن أنه سمع حديث العقيقة من سمرة . قال الحافظ كأنه عنى هذا وقد تقدم قوله من قال أنه لم يسمع منه غيره . وحديث عائشة أخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي وحديث أم كرز أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والحاكم والدارقطني . قال في التلخيص له طرق عند الأربعة والبيهقي : قوله " مع الغلام عقيقه " العقيقة الذبيحة التي تذبح للمولود والعق في الأصل الشق والقطع . وسبب تسميتها بذلك أنه يشق حلقها بالذبح وقد يطلق اسم العقيقة على شعر المولود وجعله الزمخشري الأصل والشاة مشتقة منه : قوله " فاهر يقوا عنه دما " تمسك بهذا وببقية الأحاديث القائلون بأنها واجبة وهم الظاهرية والحسن البصري وذهب الجمهور من العترة وغيرهم إلى انها سنة وذهب أبو حنيفة إلى أنها ليست فرضا ولا سنة وقيل أنها عند تطوع ( احتج الجمهور ) بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل " وسيأتي ذلك يقتضي عدم الوجوب لتفويضه إلى الاختيار قرينة صارفة للأوامر ونحوها عن الوجوب إلى الندب وبهذا الحديث احتج أبو حنيفة على عدم الوجوب والسنية ولكنه لا يخفى أنه لا منافاة بين التفويض إلى الأختيار وبين كون الفعل الذي وقع فيه التفويض سنة . وذهب محمد بن الحسن إلى أن العقيقة كانت في الجاهلية وصدر الإسلام فنسخت بالاضحية وتمسك بما سيأتي ويأتي الجواب عنه . وحكى صاحب البحر عن أبي حنيفة أن العقيقة جاهلية محاها الاسلام وهذا ان صح عنه حمل على انها لم بتلغه الأحاديث الواردة في ذلك . قوله " وأميطوا عنه الأذى " المراد احلقوا عنه شعر رأسه كما في الحديث الذي بعده . ووقع عند أبي داود عن ابن سيرين أنه قال ان إن لم يكن الأذى حلق الرأس وإلا فلا أدرى ما هو . وأخرج الطحاوي عنه أيضا قال لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس . وأخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن الحسن كذلك . ووقع في حديث عائشة عند الحاكم بلفظ " وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى " قال في الفتح ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ويماط عنه اقذارةه رواه أبو الشيخ قوله " كل غلام رهينة بعقيقته "
قال الخطابي اختلف الناس في معنى هذا فذهب أحمد بن حنبل إلى أن معناه أنه إذا مات وهو طفل ولم يعق عنه لم يشفع لابويه وقيل المعنى أن العقيقة لازمة لابد منها فشبه لزومها للمولود بلزوم الرهن للمرهون في يد المرتهن . وقيل أنه مرهون بالعقيقة بمعنى أنه لا يسمى ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها وبه صرح صاحب المشارق والنهاية : قوله " يذبح عنه يوم سابعه " بضم الياء من قوله يذبح وبناء الفعل للمجهول وفيه دليل على أنه يصح أن يتولى ذلك الأجنبي كما يصح أن يتولاه القريب عن قريبه والشخص عن نفسه وفيه أيضا دليل على أن وقت العقيقة سابع الولادة وأنها تفوت بعده وتسقط ان مات قبله وبذلك قال مالك وحكى عنه ابن وهب انه قال ان فات السابع الأول فالثاني ونقل الترمذي عن أهل العلم أنهم يستحبون أن تذبح العقيقة في السابع فان لم يمكن ففي الرابع عشر فان لن يمكن فيوم أحد وعشرين وتعقبه الحافظ بأنه لم ينقل ذلك صريحا الا عن أبي عبد الله البوشنجي ونقله صالح بن أحمد عن أبيه . ويدل على ذلك ما أخرجه البيهقي عن عبد الله بن بريدة عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال العقيقة تذبح لسبع ولأربع عشرة ولإحدى وعشرين " وعند الحنابلة في اعتبار الأسابيع بعد ذلك روايات . وعن الشافعية ان ذكر السابع للاختيار لا للتعين : ونقل الرافعي انه يدخل وقتها بالولادة وقال الشافعي ان معناه انها لا تؤخر عن السابع اختيارا فان تأخرت إلى البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه لكن ان أراد هو أن يعق عن نفسه فعل . ونقل صاحب البحر عن الامام يحيى انها لا تجزي قبل السابع ولا بعده اجماعا ودعوى الاجماع مجازفة لما عرفت من الخلاف المذكور . قوله " ويسمى فيه " في رواية يدعى وقال أبو داود انها وهم من همام . وقال ابن عبد البر هذا الذي تفرد به همام ان كان حفظه فهو منسوخ . وقد سئل قتادة عن معنى قوله يدمى فقال إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت بها أو داجها صم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل عن رأسه مثل الخيط ثم يعلق ثم يغسل رأسه بعد ويحلق . وقد كره الجمهور التدمية واستدلوا عن ذلك بما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عائشة " قالت كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي خضبوا بطنه بدم العقيقة فإذا حلقوا رأس المولود وضعوها على رأسه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجعلوا مكان الدم خلوقا " زاد أبو الشيخ " ونهى ان يمس رأس المولود بدم " وأخرج ابن ماجه عن يزيد بن عبد الله المزني " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم " وهذا مرسل لأن يزيد لا صحبة له وقد وصله البزار من هذه الطريق وقال عن أبيه ومع هذا فقد قيل إنه عن أبيه مرسل وسيأتي حديث بريدة الأسلمي ونقل ابن حزم عن ابن عمر وعطاء واستحباب التدمية وحكاه في البحر عن الحسن البصري وقتادة . وفي قوله ويسمى دليل على استحباب التسمية في اليوم السابع وحمل ذلك بعضهم على التسمية عند المذبح واستدل بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق همام عن قتادة قال يسمى على المولود ما يسمى على الأضحية بسم الله عقيقة فلان ومن طريق سعيد عن قتادة نحوه وزاد " اللهم منك ولك عقيقة فلان بسم الله والله أكبر " . ولا يخفى بعده لان قوله " ويسمى فيه مشعر " بأن المراد تسمية المولود في ذلك اليوم ولو كان المراد ما ذكره ذلك البعض لقال ويسمي عليها . قوله " مكافئتان " قال النووي بكسر الفاء بعدها همزة هكذا صوابه عند أهل اللغة والمحدثون يقولونه بفتح الفاء قال أبو داود في سننه أي مستويتان أو متقاربتان وكذا قال أحمد قال الخطابي والمراد التكافؤ في السن فلا تكون إحداهما مسنة والأخرى غير مسنة . وقيل معناه أن يذبح إحداهما مقابلة للأخرى وفي هذا الحديث وحديث أم كرز المذكور بعده وكذلك حديث بريدة وابن عباس وأبي رافع وسيأتي دليل على أن المشروع في العقيقة شاتان عن الذكر وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود والإمام يحيى وحكاه للمذهب . وحكاه في الفتح عن الجمهور . وقال مالك أنها شاة عن الذمر والأنثى قال في البحر وهو المذهب . واستدل على ذلك في حديث بريدة الآتي بلفظ " كنا نذبح شاة " الخ وبحديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين عليهما السلام كبشا كبشا ويجاب عن ذلك بان أحاديث الشاتين مشتملة على الزيادة فهي من هذه الحيثية أولى بالقبول . وأما حديث ابن عباس فسيأتي أيضا في رواية منه أنه عق عن كل واحد بكبشين وأيضا القول أرجح من الفعل وقيل أن في اقتصاره صلى الله عليه وآله وسلم على شاة دليلا على أن الشاتين مستحبة فقط وليست بمتعينة والشاة جائزة غير مستحبة . وقيل أنه لم يتيسر إلا شاة وأما الأنثى فالمشروع في العقيقة عنها شاة واحدة إجماعا كما في البحر . قوله " ولا يضر كم ذكرانا كن أو أناثا " فيه دليل على أنه لافرق بين ذكور الغنم واناثها

5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العقيقة فقال لا أحب العقوق وكأنه كره الاسم فقالوا يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له قال من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بتسمة المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب

7 - وعن بريدة الأسلمي قال " كنا في الجاهلية إذا ولد لاحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران "
- رواه أبو داود

8 - وعن ابن عباس " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا "
- رواه أبو داود والنسائي وقال " بكبشين كبشين "

- حديث عمرو بن شعيب الأول سكت عنه أبو داود وقال المنذري في إسناده عمرو بن شعيب وفيه مقال يعني في روايته عن أبيه وجده وقد سلف بيان ذلك . وحديثه الثاني أخرجه الحاكم وحديث بريدة أخرجه ايضا أحمد والنسائي قال في التلخيص وإسناده صحيح انتهى . وفيه نظر لان في إسناده علي بن الحسين بن وافد وفيه مقال وقد أخرج نحو حديث بريدة هذا ابن حبان وصححه وابن السكن وصححه من حديث عائشة والطبراني في الصغير من حديث أنس والبيهقي من حديث فاطمة والترمذي والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والبيهقي من حديث علي عليه السلام وحديث ابن عباس صححه عبد الحق وابن دقيق العيد وأخرج نحوه ابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث عائشة بزيادة يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى : قوله " وكأنه كره الأسم " وذلك لأن العقيقة التي هي الذبيحة والعقوق للأمهات مشتقان من العق الذي هو الشق والقطع فقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا أحب العقوق " بعذ سؤاله عن العقيقة للاشارة إلى كراهة اسم العقيقة لما كانت هي والعقوق يرجعان إلى أصل واحد ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم " من أحب منكم أن ينسك " ارشادا منه إلى مشروعية تحويل العقيقة إلى النسيكة وما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله مع الغلام عقيقة وكل غلام مرتهن بعقيقته ورهينة بعقيقته فمن البيان للمخاطبين بما يعرفونه لان ذلك اللفظ هو المتعارف عند العرب ويمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وآله وسلم تكلم بذلك لبيان الجواز وهو لا ينافي الكراهة التي اشعر بها قوله " لا أحب العقوق " : قوله " من أحب منكم " قد قدمنا ان التفويض إلى المحبة يقتضي رفع الوجوب وصرف ما أشعر به إلى الندب . قوله " مكافأتان " قد تقدم ضبطه وتفسيره . قوله " أمر بتسمية المولود " الخ فيه مشروعية التسمية في اليوم السابع والرد على من حمل التسمية في حديث سمرة السابق على التسمية عند الذبح وفيه أيضا مشروعية وضع الأذى عنه وذبح العقيقة في ذلك اليوم . قوله " فلما جاء الله بالاسلام " الخ فيه دليل على تلطيخ رأس المولود بالدم من عمل الجاهلية وانه منسوخ كما تقدم وأصرح منه في الدلالة على النسخ حديث عائشة عند ابن حبان وابن السكن وصححاه كما تقدم بلفظ " فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوقا " : قوله " ونلطخه بزعفران " فيه دليل على استحباب تلطيخ رأس الصبي بالزعفران أو غيره من الخلوق كما في حديث عائشة المذكور . قوله " عق عن الحسن والحسين " فيه دليل على أنها تصح العقيقة من غير الأب مع وجوده وعدم امتناعه وهو يرد ما ذهبت إليه الحنابلة من أنه يتعين الأب الا ان يموت أو يمتنع . وروى عن الشافعي ان العقيقة تلزم من تلزمه النفقة ويجوز أن يعق الانسان عن نفسه ان صح ما أخرجه البيهقي عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن نفسه بعد البعثة " ولكنه قال انه منكر وفيه عبد الله بن محرر بمهملات وهو ضعيف جدا كما قال الحافظ وقال عبد الرزاق إنما تكلموا فيه لاجل هذا الحديث . قال البيهقي وروى من وجه آخر عن قتادة عن انس وليس بشيء . وأخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن أنس وأخرجه أيضا ابن أيمن في مصنفه والخلال من طريق عبد الله بن المثني عن ثمامة بن عبد الله عن أنس عن أبيه به وقال النووي في شرح المهذب هذا حديث باطل وأخرجه أيضا الطبراي والضياء من طريق فيها ضعف وقد احتج بحديث أنس هذا من قال أنها تجوز العقيقة عن الكبير وقد حكاه ابن رشد عن بعض أهل العلم

9 - وعن أبي رافع " أن حسن بن علي رضي الله عنهما لما ولد أرادت أمه فاطمة رضي الله عنها أن تعق عنه بكبشين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تعقي عنه ولكن احلقي شعر رأسه فتصدقي بوزنه من الورق ثم ولد حسين رضي الله عنه فصنعت مثل ذلك "
- رواه أحمد

10 - وعن أبي رافع قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة بالصلاة "
- رواه أحمد وكذلك أبو داود والترمذي وصححه وقالا " الحسن "

11 - وعن أنس " أن أم سليم ولدت غلاما قال فقال لي أبو طلحة احفظه حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه به وأرسلت معه بتمرات فأخذها الني صلى الله عليه وآله وسلم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في الصبي وحنكه به وسماه عبد الله "

12 - وعن سهل بن سعد قال " أتي بالمنذر بن أسيد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين ولد فوضعه على فخذه وأبو أسيد جالس فلهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشيء بين يديه فأمر أبو أسيد بابنه فاحتمل من فخذه فاستفاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اين الصبي فقال أبو أسيد قلبناه يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما اسمه قال فلان ولكن اسمه المنذر فسماه يومئذ المنذر "
- متفق عليهما

- حديث أبي رافع الأول أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده ابن عقيل وفيه مقال وقال البيهقي أنه تفرد به ويشهد له ما أخرجه مالك وأبو داود في المراسيل والبيهقي من حديث جعفر بن محمد زاد البيهقي عن أبيه عن جده " أن فاطمة رضي الله عنها وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم رضي الله عنهم فتصدقت بوزنه فضة " وأخرجه الترمذي والحاكم من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي رضي الله عنهم قال " عق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحسن شاة وقال يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة فوزناه فكان وزنه درهما أو بعض درهم . وروى الحاكم من حديث علي رضي الله عنه قال " أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فقال زنى شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطى القابلة رجل العقيقة " ورواه أبو داود في سننه من طريق حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا . وحديث أبي رافع الثاني أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ورواه أبو نعيم والطبراني من حديثه بلفظ " اذن في أذن الحسن والحسين رضي الله عنهما " ومداره علي عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف . قال البخاري منكر الحديث وأخرج ابن السني من حديث الحسين بن علي رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ " من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان " وام الصبيان هي التابعة من الجن هكذا أورد الحديث في التلخيص ولم يتكلم عليه : قوله " لا تعقي عنه " قيل يحمل هذا على أنه قد كان صلى الله عليه وآله وسلم عق عنه وهذا متعين لما قدمنا في رواية الترمذي والحاكم عن علي عليه السلام : قوله " من الورق " قال في التلخيص الروايات كلها متفقة على التصدق بالفضة وليس في شيء منها ذكر الذهب وقال الرافعي انه يتصدق بوزن شعره ذهبا وان لم يفعل ففضة . وقال المهدي في البحر أنه يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة ويدل على ذلك ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال " سبعة من السنة في الصبي يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى وتثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ بدم عقيقه ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة " وفي إسناده رواد بن الجراح وهو ضعيف وبقية رجاله ثقاة وفي لفظه ما ينكر وهو ثقب الأذن والتلطيخ بدم العقيقة : قوله " أذن في أذن الحسين عليه السلام " الخ فيه استحباب التأذين في أذن الصبي عند ولادته وحكى في البحر استحباب ذلك عن الحسن البصري واحتج على الاقامة في اليسرى بفعل عمر بن عبد العزيز وهو توقيف وقد روى ذلك ابن المنذر عنه أنه كان إذا ولد له أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى قال الحافظ لم أره عنه مسندا انتهى . وقد قدمنا نحو هذا مرفوعا . قوله " فمضغها " أي لاكها في فيه . قوله " وحنكه " بفتح المهملة بعدها نون مشددة والتحنيك ان يمضع المحنك التمر أو نحوه حتى يصير مائعا بحيث يبتلع ثم يفتح فم المولود ويضعها في فمه ليدخل شيء منا جوفه قال النووي اتفق العلماء على اسباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فما في معناه أو قريب منه من الحلوا قال ويستحب ان يكون من الصالحين وممن يبرك به رجلا كان او امرأة فان لم يكن حاضرا عند المولود حمل إليه ( وفيه استحباب ) التسمية بعبد الله قال النووي وإبراهيم وسائر الأنبياء الصالحين قال في البحر وعبد الرحمن واستحباب تفويض التسمية إلى أهل الصلاح . قوله " أسيد " بفتح الهمزة على المشهور وحكى عياض عن أحمد الضم وكذا عن عبد الرزاق ووكيع : قوله " فلهى " روى بفتح الهاء وكسرها مع الياء والأولى لغة طئ والثانية لغة الأكثر ومعناه اشتغل بذلك الشيء قاله أهل الغريب والشراح : قوله " استفاق " أي فرغ من ذلك الأشتغال : قوله " قلبناه " أي رددناه وصرفناه وفي الحديث استحباب التسمية بالمنذر
( فائدة ) قد وقع الخلاف في ابحاث تتعلق بالعقيقة الأول هي يجزئ منا غير الغنم أم لا فقيل لا يجزئ وقد نقله ابن المنذر في حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه . وقال البوشنجي لا نص للشافعي في ذلك وعندي لا يجزئ غيرها انتهى . ولعل وجه ذلك ذكرها في الأحاديث دون غيرها ولا يخفى ان مجرد ذكرها لا ينفي اجزاء واختلف قول مالك في الاجزاء وأما الأفضل عند فالكبش مثل الأضحية كما تقدم والجمهور على اجزاء البقر والغنم . ويدل عليه ما عند الطبراني وأبي الشيخ من حديث أنس مرفوعا بلفظ " يعق عنه من الأبل والبقر والغنم " ونص أحمد على أنها تشترط بدنة أو بقرة كاملة . وذكر الرافعي أنه يجوز اشتراك سبعة في الأبل والبقر كما في الأضحية ولعل من جوز اشتراك عشرة هناك يجوز هنا . الثاني هل يشترط فيها ما يشترط في الأضحية وفيه وجهان للشافعية . وقد استدل بإطلاق الشاتين على عدم الأشتراط وهو الحق لكن لا لهذا الإطلاق بل لعدم ورود ما يدل ههنا على تلك الشروط والعيوب المذكورة في الأضحية وهي أحكام شرعية لا تثبت بدون دليل . وقال المهدي في البحر مسألة الامام يحيى ويجزيء عنها ما يجزئ أضحية بدنة أو بقرة شاة وسنها وصفتها والجامع التقرب باراقة الدم انتهى ولا يخفى أنه يلزم علىمقتضى هذا القياس ان تثبت أحكام الأضحية في كل دم متقرب به ودماء الولائم كلها مندوبة عند المستدل بذلك القياس والمندوب في كل دم متقرب به ودماء الولائم كلها مندوبة عند المستدل بذلك القياس والمندوب متقرب به فيلزم ان يعتبر فيها أحكام الأضحية بل روى عن الشافعي في أحد قوليه ان وليمة العرس واجبة . وذهب أهل الظاهر إلى وجوب كثير من الولائم ولا أعرف قائلا يقول بأنه يشترط في ذبائح شيء من هذه الولائم ما يشترط في الأضحية فقد استلزم هذا القياس ما لم يقل به أحد وما استلزم الباطل باطل الثالث . في مبدأ وقت ذبح العقيقة وقد اختلف أصحاب مالك في ذلك فقيل وقتها الضحايا وقد تقدم الخلاف فيه هل هو من بعد الفجر أو من طلوع الشمس أو من وقت الضحى أو غير ذلك . وقيل أنها تجيء في الليل . وقيل لا على حسب الخلاف السابق في الأضحية وقيل يجزئ في كل وقت وهو الظاهر لما عرفت من عدم الليل على انه يعتبر فيها ما يعتبر في الأضحية

باب ما جاء في الفرع والعتيرة ونسخهما

1 - عن مخنف بن سليم قال " كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات فسمعه يقول يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدرون ما العتيرة هي التي تسمونها الرجبية "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي . وقال هذا حديث حسن غريب

2 - وعن أبي رزين العقيلي أنه " قال يا رسول الله ان كنا نذبح في رجب ذبائح فنأكل منا ونطعم من جاءنا فقال له لا بأس بذلك "

3 - وعن الحرث بن عمرو " أنه لقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع قال فقال رجل يا رسول الله الفرائع والعتائر فقال من شاء فرع ومن شاء لم يفرع ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر في الغنم أضحية "
- رواهما أحمد والنسائي

4 - وعن نبيشة الهذلى قال " قال رجل يا رسول الله انا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا قال اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا الله عز و جل وأطعموا قال فقال رجل آخر يا رسول الله انا كنا نفرع فرعا في الجاهلية فما تأمرنا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل سائمة من الغنم فرع تغذوه غنمك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه على ابن السبيل فان ذلك هو خير "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

- حديث مخنف أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وفي إسناده أبو رملة واسمه عامر . قال الخطابي هو مجهول والحديث ضعيف المخرج . وقال أبو بكر المعافري حديث مخنف بن سليم ضعيف لا يحتج به . وحديث أبي زرين العقيلي أخرجه أيضا البيهقي وأبو داود وصححه ابن حبان بلفظ " أنه قال يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انا كنا نذبح في الجاهلية ذبائح في رجب فنأكل منها ونطعم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا بأس بذلك " وحديث الحرث بن عمرو أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححاه . وحديث نبيشة صححه ابن المنذر وقال النووي أسانيده صححه ( وفي الباب ) عن عائشة عند أبي داود والحاكم والبيهقي قال النووي بإسناده صحيح قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة " وفي رواية " من كل خمسين شاة شاة " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود قال " سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الفرع فقال الفرع حق وأن تتركون حتى يكون بكرا أو ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه فيلزق بحمه بوبره وتكفأ إناءك وتوله ناقتك " يعني ان ذبحه يذهب لبن الناقة ويفجعها قوله " في كل عام أضحية " هذا من جملة الأدلة التي تمسك بها من قال بوجوب الأضحية وقد تقدم الكلام على ذلك . قوله " وعتيرة " بفتح العين المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية بعدها راء وهي ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية كما وقع في الحديث المذكور . قال النووي اتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا : قوله " الفرائع " جمع فرع بفتح الفاء والراء ثم عين مهملة ويقال فيه الفرعة بالهاء هو أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها هكذا فسره أكثر أهل اللغة وجماعة من أهل العلم منهم الشافعي وأصحابه وقيل هو أول النتاج للأبل وهكذا جاء تفسيره في البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي وقالوا كانا يذبحونه لآلهتهم فالقول الأول باعتبار أو نتاج الدابة على انقرادها والثاني باعتبار نتاج الجميع وان لم يكن أول ماتنتجه أمه وقيل هو أول النتاج لمن بلغت ابله مائة يذبحونه . قال شمر قال أبو مالك كان الرجل إذا بلغت ابله مائة قدم بكر افنحره لصنمه ويسمونه فرعا . قوله " حتى إذا استحمل " في رواية لأبي داود عن نصر بن علي استحمل للحجيج أي إذا قدر الفرع على ان يحمله من أراد الحج تصدقت بلحمه على ابن السبيل ( وأحاديث ) الباب تدل على بعضها على وجوب العتيرة والفرع وهو حديث مخنف وحديث نبيشة وحديث عائشة وحديث عمرو ابن شعيب . وبعضها يدل على مجرد الجواز من غير وجوب وهو حديث الحرث بن عمرو وأبي رزين فيكون هذان الحديثان كالقرينة الصارفة للأحاديث المقتضية للوجوب إلى الندب ( وقد اختلف ) في الجمع بين الأحاديث المذكورة والأحاديث الآتي القاضية بالمنع من الفرع والعتيرة فقيل إنه يجمع بينها بحمل هذا الأحاديث على الندب وحمل الأحاديث الآتية على عدم الوجوب ذكر ذلك جماعة منهم الشافعي والبيهقي وغيرهما فيكون المراد بقوله لا فرع ولاعتيرة أي لافرع واجب ولا عتيرة واجبة وهذا لا بد منه مع عدم العلم بالتاريخ لان المصير إلى الترجيح مع امكان الجمع لا يجوز كما تقرر في موضعه . وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى ان هذه الأاحاديث منسوخة بالأحاديث الآتية وادعة القاضي عياض ان جماهير العلماء عن ذلك ولكنه لا يجوز الجزم به الا بعد ثبوت أنها متأخرة ولم يثبت

5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا فرع ولاعتيرة والفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه والعتيرة في رجب "
- متفق عليه . وفي لفظ " لاعتيرة في الاسلام ولافرع " رواه أحمد . وفي لفظ " انه نهى عن الفرع والعتيرة " وراه أحمد والنسائي

6 - وعن ابن عمر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا فرع ولا عتيرة "
- رواه أحمد

- حديث ابن عمر رضي الله عنه متنه متن حديث أبي هريرة المتفق عليه شاهد لصحته ولم يذكره في مجمع الزوائد بل ذكر حديث ابن عمر الآخران النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في العتيرة هي حق وفي بعض نسخ المتن رواه ابن ماجه مكان قوله رواه أحمد . قوله " لا فرع ولاعتيرة " قد تقرر ان النكرة الواقعة في سياق النفي تعم فيشعر ذلك بنفي كل فرع وكل عتيرة والخبر محذوف وقد تقرر في الأصول ان المقتضى لا عموم له فيقدر واحد وهو الصقها بالمقام وقد تقدم ان المحذوف هو لفظ واجب وواجبة ولكن إنما حسن المصير إلى أن المحذوف هو ذلك الحرص على الجمع بين الأحاديث ولولا ذلك لكان المناسب تقدير ثابت في الاسلام أو مشروع أو حلال كما يرشد إلى ذلك التصريح بالنهي في الرواية الأخرى ( وقد استدل ) بحديثي الباب من قال بأن الفرع والعتيرة منسوخان وهم من تقدم ذكره وقد عرفت ان النسخ لا يتم إلا بعد معرفة تأخر تاريخ ما قيل إنه ناسخ فأعدل الأقوال الجمع بين الأحاديث بما سلف ولا يعكر على ذلك رواية النهي لأن معنى النهي الحقيقي وان كان هو التحريم لكن إذا وجدت قرينة أخرجته عن ذلك ويمكن أن يجعل النهي موجها إلى ما كانوا يذبحونه لاصنامهم فيكون على حقيقته ويكون غير متناول لما ذبح من الفرع والعتيرة لغير ذلك مما فيه وجه قربة . وقد قيل إن المراد بالنفي المذكور نفي مساواتهما للاضحية في الثواب أو تأكد الاستحباب وقد استدل الشافعي بما روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " اذبحوا لله في أي شهر كان " كما تقدم في حديث نبيشة على مشروعية الذبح في كل شهر ان أمكن قال في سنن حرملة أنها ان تيسرت كل شهر كان حسنا
وإلى هنا انتهى النصف الأول من نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار بمعونة العزيز الغفار وصلى الله على نبيه المختار وآله الأخيار . بك اللهم أستعين على نيل الأوطار من أسرار منتقي الأخبار متوسلا إليك بنبيك المختار قال المصنف رحمه الله تعالى

كتاب البيوع

أبواب ما يجوز بيعه وما لا يجوز

باب ما جاء في بيع النجاسة وآلة المعصية وما لا نفع فيه

1 - عن جابر " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى به السف ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال هو حرام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذلك قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه " ( 1 ) [ أي هذا الكتاب في ذكر الأحاديث التي يستنط منها أحكام البيوع . ولما فرغ من بيان العبادات المقصود منها التحصيل الأخروى شرع في بيان المعاملات المقصود منها التحصيل الدنيوي . فقدم العبادات لاهتمامها ثم ثنى بالمعاملات لأنها ضرورية . وأخر النكاح لأن شهوته متأخرة عن الأكل والشرب ونحوهما . وأخر الجنايات والمخاصمات لأن وقوع ذلك في الغالب إنما هو بعد الفراغ من شهوتي البطن والفرج . وصدر الصنف المبحث بلفظ كتاب لأنه مشتمل على أبواب كثيرة في أنواع البيوع . وجمع البيوع وإن كان مصدرا لاختلاف أنواعه . فالمطلق ان كان ببيع بالثمن كالثوب بالدراهم . والمقايضة بالياء التحتية إن كان عينا بعين كالثوب بالعبد . والسلم إن كان بيع الدين بالعين والصرف إن كان بيع الثمن بالثمن . والمرابحة إن كان بالثمن مع زيادة . والتولية إن لن يكن مع زيادة . والوضعية إن كان بالنقصان واللازم إن كان تاما وغير اللازم إن كان بالخيار . والصحيح والباطل والفاسد والمكروه . وللبيع تفسير لغة وشرعا وركن وشرط ومحل وحكم وحكمة . أما معناه لغة فمطلق المبادلة وهو ضد الشراء ويطلق البيع على الشراء أيضا فلفظ البيع والشراء يطلق كل منهما على ما يطلق عليه الآخر فهما من الألفاظ المشتركة بين المعاني المتضادة وشرعا هو مبادلة مال بمال على سبيل التراضي . وأما ركنه فإيجاب وقبول . وأما شرطه فاهلية المتعاقدين . وأما محله فهو المال . وأما حكمه فهو ثبوت الملك للمشتري في المبيع وللبائع في الثمن إذا كان تاما وعند الاجازة إذا كان موقوفا . وأما حكمته على ما ذكره الحافظ في الفتح إن حاجة الانسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبا وصاحبه قد لا يبذله ففي شرعية البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج اه اقول قد ذكر العلماء للبيع حكما كثيرة منا اتساع أمور المعاش والبقاء . ومنا اطفاء نار المنازعات والنهب والسرق والخيانات والحيل المكروهة . ومنها بقاء نظام المعاش وبقاء العالم لان المحتاج يميل إلى ما في يد غيره فبغير المعاملة يفضي إلى التقاتل والتنازع وفناء العالم واختلال نظام المعاش وغير ذلك ومشروعيته ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع : والله أعلم ]
- رواه الجماعة

2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه "
- رواه أحمد وأبو داود وهو حجة في تحريم بيع الدهن النجس

- حديث ابن عباس في التنفير عنها وأما تحريم بيعها على أهل الذمة فمبني على الخلاف في خطاب الكافر بالفروع : قوله " والميتة " بفتح الميم وهي مازالت عنها الحياة لا بذكاة شرعة . ونقل ابن المنذر أيضا الإجماع على تحريم بيع الميتة والظاهر أنه تحريم بيعها بجميع اجزائها قيل ويستثنى من ذلك السمك والجراد ومالا تحله الحياة . قوله " والخنزير " فيه دليل على تحريم بيعه بجميع أجزائه وقد حكى صاحب الفتح الإجماع على ذلك . وحكى ابن المنذر عن الأوزاعي وأبي يوسف وبعض المالكية الترخيص في القليل من شعره والعلة في تحريم بيعه وبيع الميتة هي النجاسة عند جمهور العلماء فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة ولكن المشهور عن مالك طهارة الخنزير : قوله " والأصنام " جمع صنم قال الجوهري هو الوثن وقال غيره الوثن ما له جثة والصنم ما كان مصورا فبينهما على هذا عموم وخصوص من وجه ومادة اجتماعهما إذا كان الوثن مصورا والعلة في تحريم بيعها عدم المنفعة المباحة فإن كان ينتفع بها بعد الكسر جاز بيعها عند البعض ومنعه الأكثر . قوله " أرأيت شحوم الميتة " الخ أي فهل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع كذا في الفتح : قوله " ويسصبح بها الناس " الاستصباح استفعال من المصباح وهو السراج الذي يشتعل منه الضوء . قوله " لا هو حرام الأكثر على أن الضمير راجع إلى البيع وجعله بعض العلماء راجعا إلى الانتفاع فقال يحرم الأنتفاع بها وهو قول أكثر العلماء فلا ينتفع من الميتة بشيء إلا ما خصه دليل كالجلد المدبوغ والظاهر أن مرجع الضمير البيع لأنه المذكور صريحا والكلام فيه ( 1 ) [ من قال ان الضمير يرجع إلى البيع يقول بجواز الانتفاع بالنجس مطلقا ويحرم بيعه ويستدل أيضا بالإجماع على جواز اطعام الميتة الكلاب : وإذا كان التحريم للبيع جاز الانتفاع بشحوم الميتة والأدهان المتنجسة في كل شيء غير أكل الآدمي ودهن بدنه فيحرمان كحرمة أكل الميتة والترطب بالنجاسة . وإلى هذا ذهب الشافعي ونقله القاضي عياض عن مالك وأكثر أصحابه وأبي حنيفة وأصحابه والليث . والله أعلم . ] ويؤيد ذلك قوله في آخر الحديث " فباعوها " وتحريم الانتفاع يؤخذ من دليل آخر كحديث " لاتنتفعوا من الميتة بشيء " وقد تقدم والمعنى لا تظنوا إن هذه المنافع مقتضية لجواز بيع الميتة فإن بيعها حرام . قوله " جملوه " بفتح الجيم والميم أي أذابوه يقال جملة إذا أذابه والجميل الشحم المذاب . وفي رواية للبخاري " جملوها ثم باعوها " وحديث ابن عباس فيه دليل على ابطال الحيل والوسائل إلى المحرم وإن كان ما حرمه الله على العباد فبيعه حرام لتحريم ثمنه فلا يخرج من هذه الكلية إلا ما خصة دليل والتنصيص على تحريم بيع الميتة في حديث الباب مخصص لعموم مفهوم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إنما حرم من الميتة أكلها " وقد تقدم : وقوله " لعن الله اليهود " زاد في سنن أبي داود ثلاثا

3 - وعن أبي حنيفة " أنه اشترى حجاما فأمر فكسرت محاجمه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصورين "
- متفق عليه

4 - وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحوان الكاهن "
- رواه الجماعة

5 - وعن ابن عباس قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب وقال إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا "
- رواه أحمد وأبو داود

6 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله ثقات لأن أبا داود رواه من طريق عبيد الله بن عمرو الواقي وهو من رجال الجماعة عن عبد الكريم بن مالك الجزري وهو كذلك عن قيس بن حبتر بفتح الحاء المهملة واسكان الموحدة وفتح الفوقية وهو من ثقات التابعين كم قال ابن حبان . وحديث جابر هو في مسلم بلفظ " سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " وقد أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الهر " وقال الترمذي غريب وقال النسائي هذا حديث منكر اه وفي إسناده عمر بن زيد الصنعاني قال ابن حبان يتفرد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الأحتجاج به . وقال الخطابي قد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقال ابن عبد البر حديث بيع السنور لا يثبت رفعه . وقال النووي الحديث صحيح رواه مسلم وغيره انتهى . ولم يخرجه مسلم من طريق عمر بن زيد المذكور بل رواه من حديث معقل بن عبد الله الجزري عن أبي الزبير قال " سألت جابرا " وقد أخرج الحديث أيضا أبو داود والترمذي من طريق أخرى ليس فيها عمر ابن زيد الصنعاني باللفظ الذي ذكره المصنف ولكن في إسناده اضطراب كما قال الترمذي : قوله " حرم ثمن الدم " اختلف في المراد به فقيل أجرة الحجامة فيكون دليلا لمن قال بأنها غير حلال وسيأتي الكلام على ذلك في باب ما جاء في كسب الحجام من أبواب الأجارة . وقيل المراد به ثمن الدم نفسه فيدل على تحريم بيعه وهو حرام اجماعا كم في الفتح . قوله " وثمن الكلب " فيه دليل على تحريم بيع الكلب ( 1 ) وظاهره عدم الفرق بين العلم وغيره سواء كان مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز وإليه ذهب الجمهور . وقال أبو حنيفة يجوز وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره
ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب إلاكلب صيد " قال في الفتح ورجال إسناده ثقات إلا أنه طعن في صحته وأخرج نحوه الترمذي من حديث أبي هريرة لكن من رواية أبي المهزم وهو ضعيف فينبغي حمل المطلق على المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد ان صلح المقيد للاحتجاج به وقد اختلفوا أيضا هل تجب القيمة على متلفه فمن قال بتحريم بيعه قال بعدم الوجوب ومن قال بجوازه قال بالوجوب ومن فصل في البيع فصل في لزوم القيمة وروى عن مالك أنه لا يجوم بيعه وتجب القيمة وروى عنه أن بيعه مكروه فقط . قوله " وكسب البغي " في الرواية الثانية ومهر البغي ( 2 ) والمراد ما تأخذه الزانية على الزنا وهو مجمع على تحريمه والبغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة تشديد التحتانية
وأصل البغي الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد واستدل به على أن الأمة إذا أكرهت على الزنا فلا مهرها وفي وجه للشافعية يجب للسيد الحكم . قوله " ولعن الواشمة والمستوشمة " سيأتي الكلام على هذا في باب ما يكرهه من تزين النساء من كتاب الوليمة إن شاء الله . قوله " وآكل الربا وموكله يأتي إن شاء الله الكلام على هذا في باب التشديد في الربا من أبواب الربا قوله " ولعن المصورين " فيه أن المصور من أشد المحرمات لأن اللعن لا يكون إلا على ما هو كذلك وقد تقدم ما يحرم من التصوير ومالا يحرم في أبواب اللباس . قوله " وحلوان الكاهن " الحلوان بضم الحاء المهملة ومصدر حلوته إذا أعطيته . قال في الفتح وأصله من الحلاوة شبه بالشي الحلو من حيث أنه يؤخذ سهلا بلا كلفة ولا مشقة الحلوان أيضا الرشوة والحلوان أيضا ما يأخذه الرجل من مهر ابنته لنفسه . والكاهن قال الخطابي هو الذي يدعى مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن قال في الفتح حلوان الكاهن حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاناه العرافون من استطلاع الغيب . قوله " فاملأ كفه ترابا " كناية عن منعه من الثمن كما يقال للطالب الخائب لم يحصل في كفه غير التراب وقيل المراد التراب خاصة حملا للتحديث على ظاهره وهذا جمود لا ينبغي التعويل عليه ومثله حمل من حمل حديث " احثوا التراب في وجوه المداحين " على معناه الحقيقي . قوله " والسنور " بكسر السين المهملة وفتح النون المشددة وسكون الواو بعدها راء وهو الهر وفيه دليل على تحريم بيع الهروبه قال أبو هريرة ومجاهد وجابر وابن زيد حكى ذلك عنهم ابن المنذر وحكاه المنذري أيضا عن طاوس وذهب الجمهور إلى جواز بيعه وأجابوا عن هذا الحديث بما تقدم من تضعيفه وقد عرفت دفع ذلك وقيل إنه يحمل النهي على كراهة التنزيه وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق ولامن المروآت ولا يخفى أن هذا إخراج للنهي عن معناه الحقيقي بلا مقتض
_________
( 1 ) أقول ما ذكره الشارح من أن قوله في الحديث " وثمن الكلب " يدل على تحريم بيعه إنما هو باللزوم لا بالنص لأن الحديث دل على تحريم ثمن الكلب بالنص وعلى تحريم بيعه باللزوم أفهم
( 2 ) وسمي مهرا مجازا في حكمه تفاصيل ترجع إلى كيفية أخذه والذي اختاره العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى أنه في جميع كيفياته يجب التصدق به ولا يرد إلى الدافع لأنه دفعه باختياره في مقابل عوض ولا يمكن صاحب العوض استرجاعه فهو كسب خبيث يجب التصدق به ولا يعان صاحب المعصية بحصول غرضه ورجوع ماله إليه : والله أعلم

باب النهي عن بيع فضل الماء

1 - عن إباس بن عبد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع فضل الماء "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي

2 - وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله
- رواه أحمد وابن ماجه

- حديث إباس قال القشيري هو على شرط الشيخين وحديث جابر هو صحيح [ 1 ] [ وقد ذهب إلى هذا العموم العلامة ابن القيم في زاد المعاد وقال إنه يجوز دخول الأرض المملوكة لاخذ الماء والكلأ لأن له حقا في ذلك ولا يمنعه استعمال ملك الغير وقال أنه نص أحمد على جواز الرعي في أرض غير مباحة للراعي . قال الصنعاني في سبل السلام وإلى مثله ذهب المنصور بالله والإمام يحيى في الحطب والحشيش : والله أعلم ] مسلم ولفظه لفظ حديث إباس وكذا أخرجه النسائي ( والحديثان ) يدلان على تحريم بيع فضل الماء وهو الفاضل عن كفاية صاحبه والظاهر أنه لافرق بين الماء الكائن في أرض مباحة أو في أرض مملوكة وسواء كان للشرب أو لغيره وسواء كان لحاجة الماشية أو الزرع وسواء كان في فلاة أو في غيرها وقال القرطبي ظاهر هذا اللفظ النهي عن نفس بيع الماء الفاضل الذي يشرب فإنه السابق إلى الفهم وقال النووي وحاكيا عن أصحاب الشافعي أنه يجب بذل الماء في الفلاة بشروط . أحدها أن لا يكون ماء أخر يستغنى به . الثاني أن يكون البذل لحاجة الماشية لا لسقي الزرع . الثالث أن لا يكون مالكه محتاجا إليه ويؤيد ما ذكرنا من دلالة الحديثين على المنع من بيع الماء على العموم حديث أبي هريرة عند الشيخين مرفوعا بلفظ " لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ " وذكره صاحب جامع الأصول بلفظ " لا يباع فضل الماء " وهو لفظ مسلم وسيأتي هذا الحديث وما في معناه في باب النهي عن منع فضل الماء من كتاب إحياء الموات ويؤيد المنع من البيع أيضا أحاديث " الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار " وستأتي في باب " الناس شركاء في ثلاث " من كتاب إحياء الموات أيضا وقد حمل الماء المذكور في حديثي الباب على ماء الفحل وهو مع كونه خلاف الظاهر مردود بما في حديث جابر الذي أشار إليه المصنف فإنه في صحيح مسلم بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع فضل الماء وعن منع ضراب الفحل وقد خصص من عموم حديثي المنع من البيع للماء ما كان منه محرزا في الآنية فإنه يجوز بيعه قياسا على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب لحديث الذي أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالاحتطاب ليستغني به عن المسألة وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم في الزكاة وهذا القياس بعد تسليم صحته إنما يصح على مذهب من جوز التخصيص بالقياس والخلاف في ذلك معروف في الأصول ولكنه يشكل على النهي عن بيع الماء على الأطلاق ما ثبت في الحديث الصحيح من أن عثمان اشترى نصف بئر رومة من اليهودي وسبلها للمسلمين بعد أن سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " من يشتري بئر رومة فيوسع بها على المسلمين وله الجنة وكان اليهودي يبيع ماءها " الحديث فإنه كما يدل على جواز بيع البئر نفسها وكذلك العين بالقياس عليها يدل على جواز بيع الماء لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم لليهودي على البيع ويجاب بأن هذا كان في صدر الإسلام وكانت شوكة اليهود في ذلك الوقت قوية والنبي صلى الله عليه وآله وسلم صالحهم في مبادئ الأمر على ما كانوا ثم استقرت الأحكام وشرع لامته تحريم بيع الماء فلا يعارضه ذلك التقرير وأيضا الماء هنا دخل تبعا لبيع البئر ولا نزاع في جواز ذلك

باب النهي عن ثمن عسب الفحل

1 - عن ابن عمر قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن عسب الفحل "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود

2 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع ضراب الفحل "
- رواه مسلم والنسائي

3 - وعن أنس " أن رجلا من كلاب سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عسب الفحل فنهاه فقال يا رسول الله أنا نطرق الفحل فنكرم فرخص له في الكرامة "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب

- وفي الباب عن أنس غير حديث الباب عند الشافعي وعن علي عليه السلام عند الحاكم في علوم الحديث وابن حبان والبزار وعن البراء عند الطبراني وعن ابن عباس عند أيضا : قوله " عسب الفحل " بفتح العين المهملة وإسكان السين المهملة أيضا وفي آخره موحدة ويقال له العسيب أيضا والفحل الذكر من كل حيوان فرسا كان أوجملا أو تيسا أو غير ذلك . وقد روى النسائي من حديث أبي هريرة نهى عن عسيب التيس واختلف فيه فقيل هو ماء الفحل وقيل أجرة الجماع ويؤيد الأول حديث جابر المذكور في الباب ( وأحاديث الباب ) تدل على أن بيع ماء الفحل واجارته حرام لأنه غير متقوم ولامعلوم ولا مقدور على تسليمه وإليه ذهب الجمهور وفي وجه للشافعية والحنابلة وبه قال الحسن وابن سيرين وهو مروي عن مالك أنها تجوز إجارة الفحل للضراب مدة معلومة وأحاديث الباب ترد عليهم لأنها صادقة على الأجارة قال صاحب الأفعال أعسب الرجل عسبا اكترى منه فحلا ينزيه ولا يصح القياس على تلقيح النخل لأن ماء الفحل صاحبه عاجز عن تسليمه بخلاف التلقيح قال في الفتح وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه . قوله " فرخص له في الكرامة " فيه دليل أن المعير إذا أهدى إليه المستعير هدية بغير شرط حلت له وقد ورد الترغيب في اطراق الفحل . أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي كبشة مرفوعا " من اطرق فرسا فاعقب كان له كاجر سبعين فرسا "

باب النهي عن بيوع الغرر

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر "
- رواه الجماعة إلا البخاري

2 - وعن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر "
- رواه أحمد

3 - وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حبل الحبلة "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي . وفي رواية " نهى عن بيع حبل الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت " . رواه أبو داود وفي لفظ " كان أهل الجاهلية يبتاعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم يحمل التي نتجت فنهاهم صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " متفق عليه . وفي لفظ " كانوا يبتاعون الجزور إلى حبل الحبلة فنهاهم صلى الله عليه وآله وسلم عنه " رواه البخاري

- حديث ابن مسعود في إسناده يزيد بن أبي زياد عن المسيب بن رافع عن ابن مسعود قال البيهقي فيه إرسال بين المسيب وعبد الله والصحيح وقفه وقال الدارقطني في العلل اختلف فيه والموقوف أصح وكذلك قال الخطيب وابن الجوزي وقد روى أبو بكر ابن أبي عاصم عن عمران بن حصين حديثا مرفوعا وفيه النهي عن بيع السمك في الماء فهو شاهد لهذا . قوله " نهى عن بيع الحصاة " اختلف في تفسيره فقيل وهو أن يقول بعتك من هذا الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة ويرمي الحصاة أو من هذه الأرض ما انتهت إليه في الرمي وقيل هو أن يشرط الخيار إلى أن يرمي الحصاة وقيل هو أن يجعل نفس الرمي بيعا ويؤيده ما أخرجه البزار من طريق حفص بن عاصم عنه أنه قال يعني إذا قذف الحصاة فقد وجب البيع : قوله " وعن بيع الغرر " بفتح المعجمة وبراءين مهملتين وقد ثبت النهي عنه في أحاديث . منها المذكور في الباب . ومنها عن ابن عمر عند أحمد وابن حبان . ومنها عن ابن عباس عند ابن ماجه . ومنها عن سهل بن سعد الطبراني ومن جملة بيع الغرر بيع السمك في الماء كما في حديث ابن مسعود ومن جملته بيع الطير في الهواء وهو مجمع على ذلك والمعدوم والمجهول والآبق وكل ما دخل فيه الغرر بوجه من الوجوه . قال النووي النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا ويستثنى من بيع الغرر أمران . أحدهما ما يدخل في المبيع تبعا بحيث لو أفرد لم يصح بيعه . والثاني ما يتسامح بمثله أما لحقارته أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه ومن جملة ما يدخل تحت هذين الأمرين بيع أساس البناء واللبن في ضرع الدابة والحمل في بطنها والقطن الحشو في الجبة : قوله " حبل الحبلة " الحبل بفتح الحاء المهملة والباء وغلط عياض من سكن الباء وهو مصدر حبلت تحبل والحبلة بفتحهما أيضا جمع حابل مثل ظلمة وظالم وكتبة وكاتب والهاء فيه للمبالغة وقيل هو مصدرسمي به الحيوان والأحاديث المذكورة في الباب تقضي البيع لأن النهي يستلزم ذلك كما تقرر في الأصول . واختلف في تفسير حبل الحبلة فمنهم من فسره بما وقع في الرواية من تفسير ابن عمر كما جزم به ابن عبد البر . وقال الإسماعيلي والخطيب هو من كلام نافع ولا منافاة بين الروايتين ومن جملة الذاهبين إلى هذا التفسير مالك والشافعي وغيرهما وهو أن يبيع لحم الحزور بثمن مؤجل إلى أن يلد ولد الناقة وقيل إلى أن يحمل ولد الناقة ولا يشترط وضع الحمل وبه جزم أبو أسحق في التنبيه وتمسك بالتفسيرين المذكورين في الباب فإنه ليس فيهما ذكران يلد الولد ولكنه وقع في رواية متفق عليها بلفظ " كان الرجل يبتاع إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها وهو صريح في اعتبار ان يلد الولد ومشتمل على زيادة فيرجح . وقال أحمد وإسحاق وابن حبيب المالكي والترمذي وأكثر أهل اللغة منهمه أبو عبيدة وأبو عبيد هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال فتكون علة النهي على القول الأول جهالة الأجل وعلى القول الثاني بيع الغرر لكونه معدوما ومجهولا وغير مقدور على تسليمه ويرجح الأول قوله في حديث الباب " لحوم الجزور " وكذلك قوله " يبتاعون الجزور " قال ابن التين محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الحبين وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أم ولادة ولدها وعلى الثاني هل المراد بيع الجنين الأول أو جنين الجنين فصارت أربعة أقوال كذا في الفتح : قوله " ان تنتج " بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه والفاعل الناقة قال في الفتح وهذا الفعل وقع في لغة العرب على صيغة الفعل المسند إلى المفعول : قوله " الجزور " بفتح الجيم وضم الزاي وهو البعير ذكرا كان أو أنثى

4 - وعن شهربن حوشب عن أبي سعيد قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع وعن بيع ما في ضروعها إلا بكيل وعن شراء العبد وهو آبق وعن شراء المغانم حتى تقسم وعن شراء الصدقات حتى تقبض وعن ضربة الغائص "
- رواه أحمد وابن ماجه وللترمذي منه شراء المغانم وقال غريب

5 - وعن ابن عباس قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع المغانم حتى تقسم "
- رواه النسائي

6 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله
- رواه أحمد وأبو داود

7 - وعن ابن عباس قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم أو صوف على ظهر أو لبن في ضرع أو سمن في لبن "
- رواه الدارقطني

- حديث أبي سعيد أخرجه أيضا البزار والدارقطني وقد ضعف الحافظ إسناده وشهربن حوشب فيه مقال تقدم وقد حسن الترمذي ما أخرجه منه ويشهد لأكثر الأطراف التي اشتمل عليها أحاديث أخر منها أحاديث النهي عن بيع الغرر وما ورد في النهي عن بيع الملاقيح والمضامين وما ورد في حبل الحبلة على أحد التفسيرين وحديث أبي هريرة في إسناد أبي داود رجل مجهول وحديث ابن عباس الآخر أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده عمر بن فروخ قال البيهقي تفرد به وليس بالقوي انتهى . ولكنه قد وثقه ابن معين وغيره وقد رواه عن وكيع مرسلا أبو داود في المراسيل وابن أبي شيبة في مصنفه قال ووقفه غيره على ابن عباس وهو المحفوظ . وأخرجه ايضا أبو داود من طريق أبي إسحاق عن عكرمة والشافعي من وجه آخر عن ابن عباس والطبراني في الأوسط من طريق عمر المذكور وقال لا يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بهذا الإسناد وفي الباب عن عمران بن حصين مرفوعا عند أبي بكر بن أبي عاصم بلفظ " نهى عن بيع ما في ضروع الماشية قبل أن تحلب وعن الجنين في بطون الأنعام وعن بيع السمك في الماء وعن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة وعن بيع الغرر " قوله " عن شراء ما في بطون الأنعام " فيه دليل على أنه لا يصح شراء الحمل وهو مجمع عليه والعلة الغرر وعدم القدرة على التسليم : قوله " وعن بيع ما في ضروعها " هو أيضا مجمع على عدم صحة بيعه قبل انفصاله لما فيه من الغرر والجهالة الا أن يبيعه منه كيلا نحو أن يقول بعت منك صاعا من حليب بقرتي فإن الحديث يدل على جوازه لارتفاع الغرر والجهالة . قوله " وعن شراء العبد الآبق " فيه دليل على أنه لا يصح بيعه وقد ذهب إلى ذلك الهادي والشافعي . وقال أبو حنيفة وأصحابه والمؤيد بالله وأبو طالب أنه يصح موقوفا على التسليم واستدلوا بعموم قوله تعالى { وأحل الله البيع } وهو من التمسك بالعام في مقابلة ما هو أخص منه مطلقا وعلة النهي عدم القدرة على التسليم إن كانت عين العبد الآبق معلومة ولا فجموع الجهالة والغرر وعدم القدرة على التسليم . قوله " وشراء المغانم " مقتضى النهي عدم صحة بيعها قبل القسمة لأنه لا ملك على ماهو الاظهر من قول الشافعي وغيره لاحد من الغانمين قبلها فيكون ذلك من أكل أموال الناس بالباطل : قوله " وعن شراء الصدقات " فيه دليل على أنه لا يجوز للمتصدق عليه بيع الصدقة قبل قبضها لأنه لا يملكها الا به وقد خصص من هذا العموم المصدق فقيل يجوز له بيع الصدقات قبل قبضها وهو غير مقبول إلا بدليل يخص هذا العموم وجعل التخلية إليه بمنزلة القبض دعوى مجردة وعلى تسليم قيامها القبض فلا فرق بينه وبين غيره . قوله " وعن ضربة الغائص " المراد بذلك أن يقول من يعتاد الغوص في البحر لغيره ما أخرجته في هذه الغوصة فهو لك بكذا من الثمن فإن هذا لا يصح لما فيه من الغرر والجهالة . قوله " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم " سيأتي الكلام على هذا في باب النهي عن بيع قبل بدو صلاحه : قوله " أو صوف على ظهر " فيه دليل على عدم صحة بيع الصوف ما دام على ظهر الحيوان وإلى ذلك ذهب العترة والفقهاء والعلة الجهالة والتأدية إلى الشجار في موضع القطع : قوله " أو سمن في لبن " يعني لما فيه من الجهالة والغرر

8 - وعن أبي سعيد قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الملامسة والنابذة في البيع والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض "
- متفق عليه

9 - وعن أنس قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المحالفة والمخاضرة والمنابذة والملامسة والمزابنة "
- رواه البخاري

- قوله " عن الملامسة والمنابذة " هما مفسران بما ذكر في الحديث ذكر البخاري ذلك في اللباس عن الزهري وقد فسر ابان الملامسة أن يمس الثوب ولا ينظر إليه والمنابذة أن يطرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه وينظر إليه وهو كالتفسير الأول . قال في الفتح ولأبي عوانة عن يونس أن يتبايع القوم السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها أو يتنابذ القوم السلع كذلك فهذا من أبواب القمار وفي رواية لابن ماجه من طريق سفيان عن الزهري المنابذة أن يقول الق إلى مامعك والقي إليك ما معي والنسائي من حديث أبي هريرة الملامسة أن يقول الرجل للرجل ابيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر احدمنها إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه لمسا . والمنابذة أن يقول انبذ ما معي وتنبذ ما معك فيشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري كم مع الآخر . وروى أحمد عن معمر أنه فسر المنابذة بأن يقول إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع . والملامسة أن يلمس بيده ولا ينشره ولا يقلبه إذا مسه وجب البيع . ولمسلم عن أبي هريرة الملامسة أن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل . والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه . قال الحافظ وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة لأنها مفاعلة فتستدعي وجود الفعل من الجانبين قال واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور هي أوجه للشافعية أصحها أن يأتي بثوب مطوى أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته وهذا موافق للتفسير الذي في الأحاديث . الثاني أن يجعلا نفس اللمس بيعا بغير صيغة زائدة . الثالث أن يجعلا اللمس شرطا في قطع خيار المجلس والبيع على التأويلات كلها باطل . ثم قال واختلفوا في المنابذة على ثلاثة أقوال وهي ثلاثة أوجه للشافعية أصحها أن يجعلا نفس النبذ بيعا كما تقدم في الملامسة وهو الموافق للتفسير المذكور في الأحاديث والثاني أن يجعلا النبذ بيعا بغير صيغة . والثالث أن يجعلا النبذ قاطعا للخيار هكذا في الفتح . والعلة في النهي عن الملامسة والمنابذة الغرر والجهالة وابطال خيار المجلس وحديث أنس يأتي الكلام علي ما اشتمل عليه من المحاقلة والمزابنة في باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه وأما المخاضرة المذكورة فيه فهي بالخاء والضاد المعجمتين وهي بيع الثمرة خضراء قبل بدو صلاحها وسيأتي الخلاف في ذلك

باب النهي عن الاستثناء في البيع الا أن يكون معلوما

1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والثنيا الا ان تعلم "
- رواه النسائي والترمذي وصححه

- الحديث أخرجه مسلم بلفظ " نهى عن الثنيا " وأخرجه أيضا بزيادة " الا أن تعلم " النسائي وابن حبان في صحيحه وغلط ابن الجوزي فزعم ان هذا الحديث متفق عليه وليس الأمر كذلك فإن البخاري لم يذكر في كتابه الثنيا وهو يدل على تحريم الحاقلة والمزابنة وسيأتي الكلام عليهما شيئا والثنيا بضم المثلثة وسكون النون المراد بها الاستثناء في البيع نحو أن يبيع الرجل شيئا ويستثنى بعضه فإن كان الذي استثناه معلوما نحو أن يستثني واحدة من الأشجار أو منزلا من المنازل أو موضعا معلوما من الأرض صح بالاتفاق وإن كان مجهولا نحو أن يستثني شيئا غير معلوم لم يصح البيع وقد قيل أنه يجوز أن يستثني مجهول العين إذا ضرب لاختياره مدة معلومة لانه بذلك صار كالمعلوم وبه قالت الهادوية وقال الشافعي لا يصح لما في الجهالة حال البيع من الغرر وهو الظاهر لدخول هذه الصورة تحت عموم الحديث واخراجها يحتاج إلى دليل ومجرد كون مدة الاختيار معلومة وإن صار به على بصيرة في التعيين بعد ذلك لكنه لم يصر به على بصيرة حال العقد وهو المعتبر ( والحكمة ) في النهي عن استثناء المجهول ما يتضمنه من الغرر مع الجهالة

باب بيعتين في بيعة

1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من باع بيعين في بيعة فله أو كسهما أو الربا "
- رواه أبو داود . وفي لفظ " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيعتين في بيعة " رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه

2 - وعن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صفقتين في صفقة قال سماك هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنسا بكذا وهو ينقد بكذا وكذا "
- رواه أحمد

- حديث أبي هريرة باللفظ الأول في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد قال المنذري والمشهور عنه من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله الأنصاري أنه صلى الله عليه وآله وسلم " نهى عن بيعتين في بيعة " انتهى وهو باللفظ الثاني عند من ذكره المصنف وأخرجه أيضا الشافعي ومالك في بلاغاته وحديث ابن مسعود أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات وأخرجه أيضا البزار والطبراني في الكبير والأوسط وفي الباب عن ابن عمر عند الدارقطني وابن عبد البر قوله " من باع بيعتين " فسره سماك بما رواه الصنف عن أحمد عنه وقد وافقه على مثل ذلك الشافعي فقال بان يقول بعتك بألف نقدا أو ألفين إلى سنة فخذ أيهما شئت أنت وشئت أنا ونقل أن الرفعة عن القاضي إن المسألة مفروضة على أنه قبل على الأبهام اما لو قال قبلت بألف نقدا أو بألفين بالنسيئة صح ذلك . وقد فسر ذلك الشافعي بتفسير آخر فقال هو أن يقول بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك كذا أي إذا وجب لك عندي وجب لي عندك وهذا يصلح تفسير اللرواية الأخرى من حديث أبي هريرة لا للأولى فإن قوله فله أوكسهما يدل على أنه باع الشيء الواجد بيعتين بيعة بأقل وبيعة بأكثر . وقيل في تفسير ذلك هو أن يسلفه دينارا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال بعني القفيز الذي لك على إلى شهرين بقفيزين فصار ذلك بيعتين في بيعة لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما وهو الأول كذا في شرح السنن لابن رسلان . قوله " فله أوكسهما " أي انقصهما قال الخطابي لا أعلم أحدا قال بظاهر الحديث وصحح البيع باوكس الثمنين إلا ما حكى عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد انتهى . ولا يخفى إن ماقاله هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بالاوكس يستلزم صحة البيع به : قوله " أو الربا " يعني أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم إذا لم يأخذ الأوكس بل أخذ الأكثر وذلك ظاهر في التفسير الذي ذكره ابن رسلان وأما في التفسير الذي ذكره أحمد عن سماك وذكره الشافعي ففيه متمسك لمن قال يحرم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لاجل النساء وقد ذهب إلى ذلك زين العابدين بن علي بن الحسين والناصر والمنصور بالله والهادوية والامام يحيى . وقالت الشافعية والحنفية وزيد بن علي والمؤيد بالله والجمهور إنه يجوز لعموم الأدلة القاضية بجوازه وهو الظاهر لان ذلك المتمسك هو الرواية الأولى من حديث أبي هريرة وقد عرفت ما في راويها من المقال ومع ذلك فالمشهور عنه اللفظ الذي رواه غيره وهو النهي عن بيعتين في بيعة ولا حجة فيه على المطلوب ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج لكان احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع كما سلف عن ابن رسلان قادحا في الاستدلال بها على المتنازع فيه على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصورة وهي أن يقول نقدا بكذا ونسيئة كذا الا إذا قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط وكان أكثر من سعر يومه مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة ولا يدل الحديث على ذلك فالدليل أخص من الدعوى وقد جمعنا رسالة في هذه المسألة وسميناها شفاء الغلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل وحققناها تحقيقا لم نسبق إليه والعلة في تحريم بعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين والتعليق بالشرط المستقبل في صورة بيع هذا على أن يبيع منه ذاك ولزوم الربا في صورة القفيز الحنطة : قوله " أو صفقتين في صفقة " أي بيعتين في بيعة

النهي عن بيع العربون

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع العربان "
- رواه أحمد والنسائي وأبو دواد وهو لمالك في الموطأ

- الحديث منقطع لانه من رواية مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب ولم يدركه فبينهما راو لم يسم وسماه ابن ماجه فقال عن مالك عن عبد الله بن عامر الأسلمي وعبد الله لا يحتج بحديثه وفي إسناده ابن ماجه هذا أيضا حبيب كاتب الإمام مالك وهو ضعيف لا يحتج به . وقد قيل أن الرجل الذي لم يسم هو ابن هليعة ذكر ذلك ابن عدي وهو أيضا ضعيف . ورواه الدارقطني . والخطيب عن مالك عن عمرو ابن الحرث عن عمرو بن شعيب وفي إسنادهما الهيثم ابن اليمان وقد ضعفه الأزدي وقال أبو حاتم صدوق ورواه موصولا من غير طريق مالك وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن زيد بن أسلم أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العربان في البيع فاصله " وهو مرسل وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف : قوله " العربان " بضم العين المهملة وإسكان الراء ثم موحدة مخففة ويقال فيه عربون بضم العين والياء ويقال بالهمزة مكان العين . قال أبو داود قال مالك وذلك فيما نرى والله أعلم أن يشتري الرجل العبد أو يتكار الدابة ثم يقول أعطيك دينارا على أني أن تركت السلعة و الكراء فما أعطيتك لك انتهى . وبمثل ذلك فسره عبد الرزاق عن زيد بن أسلم والمراد أنه إذا لم يختر السلعة أو اكترى الدابة كان الدينار أو نحوه للمالك بغير شيء وإن اختارهما أعطاه بقية القيمة أو الكراء ( وحديث ) الباب يدل على تحريم البيع مع العربان وبه قال الجمهور وخالف في ذلك أحمد فأجازه وروى نحوه عن عمر وابنه . ويدل على ذلك حديث زيد بن أسلم المتقدم وفيه المقال المذكور والأولى ما ذهب إليه الجمهور لأن حديث عمر بن شعيب قد ورد من طرق يقوي بعضها بعضا ولأنه يتضمن الحظر وهو أرجح من الإباحة كما تقرر في الأصول . والعلة في النهي عنه اشتماله على شرطين فاسدين . أحدهما شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانا إن اختار ترك السلعة . والثاني شرط الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع

باب تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرا وكل بيع أعان على معصية

1 - عن أنس " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحامله والمحمول إليها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له "
- رواه الترمذي وابن ماجة

2 - وعن ابن عمر قال " لعنت الخمرة على عشرة وجوه لعنت الخمرة بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحموله إليه وآكل ثمنها "
- رواه أحمد وابن ماجة وأبو داود بنحوه ولكنه لم يذكر وآكل ثمنها ولم يقل عشرة

- الحديث الأول قال الحافظ في التلخيص ورواته ثقات والحديث الثاني في إسناده عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أمير الأندلس قال يحيى لا أعرفه وقال قوم هو معروف وصححه ابن السكن ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أبي داود وعن ابن عباس عند ابن حبان وعن ابن مسعود عند الحاكم وعن بريدة عند الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن أحمد بن أبي خيثمة بلفظ " من حبس العنب أيام القطف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرا فقد نقحم النار على بصيرة " حسنه الحافظ في بلوغ المرام . وأخرجه البيهقي بزيادة " أو ممن يعلم أن يتخذه خمرا " وقد استدل المصنف رحمه الله بحديثي الباب على تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرا وتحريم كل بيع أعان على معصية قياسا على ذلك وليس في حديثي الباب تعرض لتحريم بيع العنب ونحوه ممن يتخذه خمرا لأن المراد بلعن بائعها وآكل ثمنها بائع الخمر وآكل ثمن الخمر وكذلك بقية الضمائر المذكورة هي للخمر ولو مجازا كما في عاصرها ومعتصرها فإنه يؤل المعصور إلى الخمر والذي يدل على مراد المصنف حديث بريدة الذي ذكرناه لترتيب الوعيد الشديد على من باع العنب إلى من يتخذه خمرا ولكن قوله حبس وقوله أو ممن يعلم أن يتخذه خمرا يدلان على اعتبار القصد والتعمد للبيع لمن يتخذه خمرا ولا خلاف في التحريم مع ذلك وأما مع عدمه فذهب جماعة من أهل العلم إلى جوازه منهم الهادوية مع الكراهة ما لم يعلم أنه يتخذه لذلك ولكن الظاهر أن البيع من اليهودي والنصراني لا يجوز لأنه مظنة لجعل الخمر خمرا ويؤيد المنع مع من البيع مع ظن استعمال المبيع في معصية أما ما أخرجه الترمذي وقال غريب من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " ولا تبيعوا القينات المغنيات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام "

باب النهي عن بيع ما لا يملكه ليمض فيشتريه ويسلمه

1 - عن حكيم بن حزام قال " قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ياتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه ثم أبتاعه من السوق فقال لا تبع ما ليس عندك "
- رواه الخمسة

- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حسن صحيح وقد روى من غير وجه عن حكيم انتهى . وفي بعض طرقه عبد الله بن عصمة زعم عبد الحق أنه ضعيف جدا ولم يتعقبه ابن القطان بل نقل عن ابن حزم أنه مجهول . قال الحافظ وهو جرح مردود وقد روى عنه ذلك ثلاثة كما في التلخيص وقد احتج به النسائي ( وفي الباب ) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح مالم يضمن ولا بيع ماليس عندك " قوله " ما ليس عندك " أي ماليس في ملكك وقدرتك والظاهر أنه يصدق على العبد المغصوب الذي لا يقدر لى انتزاعه ممن هو في يده وفي الآبق الذي لا يعرف مكانه والطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه ويدل على ذلك معنى عند لغة قال الرضى أنها تستعمل في الحاضر القريب وما هو في حوزتك وإن كان بعيدا انتهى . فيخرج عن هذا ما كان غائبا خارجا عن الملك أو داخلا عن الحوزو وظاهره أنه يقال لما كان حاضرا وإن كان خارجا عن الملك . فمعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تبع ماليس عندك " أي ماليس حاضرا عندك ولا غائبا في ملكك وتحت حوزتك . قال البغوي النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروطه فلو باع شيئا موصوفا في ذمته عام الوجود عند المحل المشروط في البيع جاز وإن لم يكن البيع موجودا في ملكه حالة العقد كالسلم قال وفي معنى بيع ما ليس عنده في الفساد بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله فإن اعتاد الطائر أن يعود ليلا لم يصح أيضا عند الأكثر إلا النحل فإن الأصح فيه الصحة كما قال النووي في زيادات الروضة وظاهر النهي تحريم مالم يكن في ملك الأنسان ولا داخلا تحت مقدرته وقد استثنى من ذلك فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم وكذلك إذا كان المبيع في ذمة المشتري إذ هو كالحاضر المقبوض

باب من باع سلعة من رجل ثم من آخر

1 - عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أيما إمرأة زوجها وليان فهي للأول منهما وأيما رجل باع بيعا من رجلين فهو للأول منهما "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه لم يذكر فيه فصل النكاح وهو يدل بعمومه على فساد بيع البائع المبيع وإن كان في مدة الخيار

- الحديث هو من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه خلاف قد تقدم وقد حسنه الترمذي وصححه أبو زرعة وأبو حاتم والحاكم . قال الحافظ وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة ورجاله ثقات ورواه الشافعي وأحمد والنسائي من طريق قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر قال الترمذي الحسن عن سمرة في هذا أصح : قوله " فهي للأول منها " فيه دليل أن المرأة إذا عقد لها ولين لزوجين كانت لمن عقد له أول الوليين من الزوجين وبه قال الجمهور وسواء كان دخل بها الثاني أم لا وخالف في ذلك مالك وطاوس والزهري . وروى عن عمر فقالوا أنها تكون للثاني إذا كان قد دخل بها لأن الدخول أقوى والخلاف في تفاصيل هذه المسألة بين المفرعين طويل قوله " وأيما رجحل باع " الخ فيه دليل أن من باع شيئا من رجل ثم باعه من آخر لم يكن للبيع الآخر حكم بل هو باطل لأنه باع غير ما يملك إذ قد صار في ملك المشتري الأول ولا فرق بين أن يكون البيع الثاني وقع في مدة الخيار أو بعد أنقراضها الأن المبيع قد خرج عن ملكة بمجرد البيع

باب النهي عن بيع الدين بالدين وجوازه بالعين ممن هو عليه

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ "
- رواه الدارقطني

2 - وعن ابن عمر قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم ووآخذ الدنانير فقال لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء "
- رواه الخمسة . وفي لفظ بعضهم " أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير " وفيه دليل على جواز التصرف في الثمن قبل قبضه وإن كان في مدة الخيار وعلى أن خيار الشرط لا يدخل الصرف

- الحديث الأول صححه الحاكم على شرط مسلم وتعقب بأنه تفرد به موسى بن عبيدة الربذي كما قال الدارقطني وابن عدي . وقد قال فيه أحمد لا تحل الرواية عنه عندي ولا أعرف هذا الحديث عن غيره وقال ليس في هذا أيضا حديث يصح ولكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين وقال الشافعي أهل الحديث يوهنون هذا الحديث اه . ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن رافع بن خديج " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع كالئ دين بدين " ولكن في إسناده موسى المذكور فلا يصلح شاهدا والحديث الثاني صححه الحاكم وأخرجه ابن حبان والبيهقي وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث سماك بن حرب وذكر أنه روى عن ابن عمر موقوفا واخرجه النسائي موقوفا عليه ايضا قال البيهقي والحديث تفرد برفعه سماك بن حرب وقال شعبة رفعه لنا سماك وأنا أفرقه : قوله " الكالئ بالكالئ " هو مهموز قال الحاكم عن أبي الوليد حسان هو بيع النسيئة كذا نقله أبو عبيد في الغريب وكذا نقله الدارقطني عن أهل اللغة وروى البيهقي عن نافع قال هو بيع الدين بالدين . وفيه دليل على عدم جواز بيع الدين بالدين وهو إجماع كما حكاه أحمد في كلامه السابق وكذا لا يجوز بيع كل معدوم بمعدوم . قوله " بالبقيع " قال الحافظ بالباء الموحدة كما وقع عند البيهقي في بقيع الغرقد . قال النووي ولم يكن إذ ذاك قد كثرت فيه القبور . وقال ابن باطيش لم أر من ضبطه والظاهر أنه بالنون حكى ذلك عنه في التلخيص وابن رسلان في شرح السنن : قوله " لا بأس " خ فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بغيره وظاهره إنهما غير حاضرين جميعا بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما في الذمة كالحاضر : قوله " مالم تفترقا وبينكما شيء " فيه دليل على أن جواز الاستبدال مقيد بالتقابض في المجلس لان الذهب والفضة مالان ربويان فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر الا بشرط وقوع التقابض في المجلس وهو محكى عن عمر وابنه عبد الله رضي الله عنهما والحسن والحكم وطاوس والزهري ومالك والشافعي وأبي حنيفة . والثوري والأوزاعي وأحمد وغيرهم وروى عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب وهو أحد قولي الشافعي أنه كروه أي الاستبدال المذكور والحديث يرد عليهم ( واختلف ) الأولون فمنهم من قال يشترط أن يكون بسعر يومها كما وقع في الحديث وهو مذهب أحمد وقال أبو حنيفة والشافعي أنه يجوز بسعر يومها وأغلى وأرخص وهو خلاف ما في الحديث من قوله " بسعر يومها " وهو أخص من حديث " إذا أختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " فيبني العام على الخاص

باب نهي المشتري عن بيع ما اشتراه قبل قبضه

1 - عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتى تستوفيه "
- رواه أحمد ومسلم

2 - وعن أبي هريرة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يشتري الطعام ثم يباع حتى يستوفي "
- رواه أحمد ومسلم . ولمسلم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يكتاله "

3 - وعن حكيم بن حزام قال " قلت يا رسول الله أني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم على قال إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه "
- رواه أحمد

4 - وعن زيد بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم "
- رواه أبو داود والدارقطني

5 - وعن ابن عمر قال " كانوا يتبايعون الطعام حزافا با على السوق فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه "
- رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه وفي لفظ في الصحيحين " حتى يحولوه " للجماعة إلا الترمذي " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه " ولأحمد " من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبعه حتى يقبضه " ولأبي داود والنسائي " نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه "

6 - وعن ابن عباس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه قال ابن عباس ولا أحسب كل شيء إلا مثله "
- رواه الجماعة إلا الترمذي وفي لفظ في الصحيحين " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله "

- حديث حكيم بن حزام أخرجه أيضا الطبراني في الكبير وفي إسناده العلاء ابن خالد الواسطي وثقه ابن حبان وضعفه موسى بن إسماعيل وقد أخرج النسائي بعضه وهو طرف من حديثه المتقدم في باب النهي عن بيع مالا يملكه . وحديث زيد بن ثابت أخرجه أيضا الحاكم وصححه وابن حبان وصححه أيضا : قوله " إذا ابتعت طعاما " وكذا قوله في الحديث الثاني " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ وكذا قوله " من اشترى طعاما " وكذلك بقية ما فيه التصريح بمطلق الطعام في حديث الباب في جميعها دليل على أنه لا يجوز لمن اشترى طعاما أن يبيعه حتى يقبضه من غير فرق بين الجزاف وغيره وإلى هذا ذهب الجمهور وروى عن عثمان التبى أنه يجزم بيع كل شيء قبل قبضه والأحاديث ترد عليه فإن النهي يقتضي التحريم بحقيقته ويدل على الفساد المرادف للبطلان كما تقرر في الأصول وحكى في الفتح عن مالك في المشهور عنه الفرق بين الجزاف وغيره فأجاز بيع الجزاف قبل قبضه وبه قال الأوزاعي وإسحاق واحتجوا بان الجزاف يرى فيكفي فيه التخلية والاستيفاء إنما يكون في مكيل أو موزون . وقد روى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعا " من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبعه حتى يقبضه " رواه أبو داود والنسائي بلفظ " نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه " كما ذكره المصنف والدارقطني من حديث جابر " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري " ونحوه للبزار من حديث أبي هريرة قال في الفتح بإسناد حسن قالوا وفي ذلك دليل على أن القبض إنما سيكون شرطا في المكيل والموزون دون الجزاف واستدل الجمهور بإطلاق أحاديث الباب وبنص حديث ابن عمر فإنهم صرح فيه بأنهم كانوا يبتاعون جزافا الحديث . ويدل لما قالوا حديث حكيم بن جزام المذكور لأنه يعم كل مبيع ويجاب عن حديث ابن عمر وجابر اللذين احتج بهما مالك ومن معه بأن التنصيص على كون الطعام المنهي عن بيعه مكيلا أو موزونا لا يستلزم عدم ثبوت الحكم في غيره نعم لو لم يوجد في الباب إلا الأحاديث التي فيها إطلاق لفظ الطعام لأمكن أن يقال أنه يحمل المطلق على المقيد بالكيل والوزن وأما بعد التصريح بالنهي عن بيع الجزاف قبل قبضه كما في حديث ابن عمر فيحتم المصير إلى أن حكم الطعام متحد من غير فرق بين الجزاف وغيره ورجح صاحب ضوء النهار أن هذا الحكم أعني تحريم بيع الشيء قبل قبضه مختص بالجزاف دون المكيل والموزون وسائر المبيعات من غير الطعام وحكي هذا عن مالك ويجاب عنه بما تقدم من إطلاق الطعام والتصريح بما هو أعم منه كما في حديث حكيم والتنصيص على تحريم بيع المكيل من الطعام والموزون كما في حديث ابن عمر وجابر وما حكاه عن مالك خلاف ما حكاه عنه غيره فإن صاحب الفتح حكى عنه ما تقدم وهو مقابل لما حكاه عنه . وكذلك روى عن مالك ما يخالف ذلك ابن دقيق العيد وابن القيم وابن رشد في بداية المجتهد وغيرهم وقد سبق صاحب ضوء النهار إلى هذا المذهب ابن المنذر ولكنه لم يخصص بعض الطعام دون بعض بل سوى بين الجزاف وغيره ونفى اعتبار القبض عن غير الطعام وقد حكى ابن القيم في بدائع الفوائد عن أصحاب مالك كقول ابن المنذر ويكفي في رد هذا المذهب حديث حكيم فإنه يشتمل بعمومه غير الطعام وحديث زيد بن ثابت فإنه صرح بالنهي في السلع وقد استدل من خصص هذا الحكم بالطعام بما في البخاري من حديث ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى من عمر بكرا كان ابنه راكبا عليه ثم وهبه لابنه قبل قبضه " ويجاب عن هذا بانه خارج عن محل النزاع لان البيع معاوضة بعوض وكذلك الهبة إذا كانت بعوض وهذه الهبة الواقعة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست على عوض وغاية ما في الحديث جواز التصرف في المبيع قبل قبضه بالهبة بغير عوض ولا يصح الالحاق للبيع وسائر التصرفات بذلك لأنه مع كونه فاسد الاعتبار قياس مع الفارق وأيضا قد تقرر في الأصول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر
الأمة أو نهاها أمرا أو نهيا خاصا بها ثم فعل ما يخالف ذلك ولم يقم دليل يدل على التأسي في ذلك الفعل بخصوصه كان مختصا به لأن هذا الأمر أو النهي الخاصين بالأمة في مسألة مخصوصة هما أخص من أدلة التأسي العامة مطلقا فيبني العام على الخاص وذهب بعض المتأخرين إلى تخصيص إلى تخصيص التصرف الذي نهى عنه قبل القبض بالبيع دون غيره قال فلا يحل البيع ةيحل غيره من التصرفات وأراد بذلك الجمع بين أحاديث الباب وحديث شرائه صلى الله عليه وآله وسلم للبكر ولكنه يعكر عليه أن ذلك يستلزم الحاق جميع التصرفات التي بعوض وبغير عوض بالهبة بغير عوض وهو إلحاق مع الفارق وأيضا الحاقها بالهبة المذكورة دون البيع الذي وردت بمعنه الأحاديث تحكم والأولى الجمع بالحاق التصرفات بعوض بالبيع فيكون نعلها قبل القبض غير جائز والحاق التصرفات التي لا عوض فيها بالهبة المذكورة وهذا هو الراجح ولا يشكل عليه ما قدمنا من أن ذلك الفعل مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك إنما هو على طريق التنزل مع ذلك الفعل مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك إنما هو على طريق التنزيل مع ذلك القائل بعد فرض أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم يخالف ما دلت عليه أحاديث الباب وقد عرفت أنه لا مخالفة فلا اختصاص ويشهد لما ذهبنا إليه إجماعهم على صحة الوقف والعتق قبل القبض ويشهد له أيضا ما علل به النهي فإنه أخرج البخاري عن طاوس قال قلت لابن عباس كيف ذاك قال دراهم بدراهم والطعام مرجأ استفهمه عن سبب النهي فأجابه بأنه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باع دراهم بدراهم ويبين ذلك ما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه قال لما ساله طاوس ألا تراهم يتباعدون بالذهب والطعام مرجأ وذلك لأنه إذا اشترى طعاما بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام إلى آخر بمائة وعشرين مثلا فكأنه اشترى بذهبه ذهبا أكثر منه ولا يخفى ان مثل هذه العلة لا ينطبق على ما كان من التصرفات بغير عوض وهذا التعليل أجود ما علل به النهي لأن الصحابة أعرف بمقاصد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا شك أن المنع من كل تصرف قبل القبض من غير فرق بين ما كان بعوض وما لا عوض فيه لا دليل عليه إلا الالحاق لسائر التصرفات بالبيع وقد عرفت بطلان الحاق مالا عوض فيه بما فيه عوض ومجرد صدق اسم التصرف على الجميع لا يجعله مسوغا للقياس عارف بعلم الأصول : قوله " حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " فيه دليل على أنه لا يكفي مجرد القبض بل لابد من تحويله إلى المنزل الذي يسكن فيه المشتري أو يضع فيه بضاعته وكذلك يدل على هذا قوله في الرواية الأخرى " حتى يحولوه " وكذلك ما وقع في بعض طرق مسلم عن ابن عمر بلفظ " كنا نبتاع الطعام فبعث علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه " وقد قال صاحب الفتح أنه لا يعتبر الإيواء إلى الرحال لأن الأمر به خرج مخرج الغالب ولا يخفى أن هذه دعوى تحتاج إلى برهان لأنه مخالفة لما هو الظاهر ولا عذر لمن قال إنه يحمل المطلق على المقيد من المصير إلى ما دلت عليه هذه الروايات : قوله " جزافا " بتثليث الجيم والكسر أفصح من غيره وهو مالم يعلم قدره على التفصيل . قال ابن قدامة يجوز بيع الصبرة جزافا لا نعلم فيه خلافا إذا جهل البائع والمشتري قدرها : قوله " ولا أحسب كل شيء الا مثله " استعمل ابن عباس القياس ولعله لم يبلغه النص المقتضى لكون سائر الأشياء كالطعام كما سلف : قوله " حتى يكتاله " قيل المراد بالاكتيال القبض والاستيفاء كما في سائر الروايات ولكنه لما كان الأغلب في الطعام ذلك صرح بلفظ الكيل وهو خلاف الظاهر كما عرفت والظاهر أن من اشترى شيئا مكايلة أو موازنة فلا يكون قبضه الا بالكيل أو الوزن فإن قبضه جزافا كان فاسدا وبهذا قال الجمهور كما حكاه الحافظ عنهم في الفتح ويدل عليه حديث اختلاف الصاعين

باب النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان

1 - عن جابر قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع للبائع وصاع للمشتري "
- رواه ابن ماجه والدارقطني

2 - وعن عثمان قال " كنت ابتاع التمر من بطن اليهود يقال لهم بنو قينقاع وأبيعه وإذا بعت فكل "
- رواه أحمد والبخاري منه بغير اسناد كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- حديث جابر أخرجه ايضا البيهقي وفي إسناده ابن أبي ليلى قال البيهقي وقد روى من وجه آخر ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند البزار بإسناد حسن . وعن أنس وابن عباس عند ابن عدي بإسنادين ضعيفين جدا كما قال الحافظ . وحديث عثمان أخرجه عبد الرزاق ورواه الشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا . قال البيهقي روى موصولا من أوجه إذا ضم بعضها إلى بعض قوي . وقال في مجمع الزوائد إسناد حسن واستدل بهذه الأحاديث على أن من اشترى شيئا مكايلة وقبضه ثم باعه إلى غيره لم يجز تسليمه بالكيل الأول حتى بكيله على من اشتراه ثانيا وإليه ذهب الجمهور كما حكاه في الفتح عنهم : قال وقال عطاء يجوز بيعه بالكيل الأول مطلقا وقيل إن باعه بنقد جاز بالكيل الأول وإن باعه بنسيئة لم يجز الأول والظاهر ما ذهب إليه الجمهور من غير فرق بين بيع وبيع للأحاديث المذكورة في الباب التي تفيد بمجموعها ثبوت الحجة وهذا إنما هو إذا كان الشراء مكايلة وأما إذا كان جزافا فلا يعتبر الكيل المذكور عند أن يبيعه المشتري

باب ما جاء في التفريق بين ذوي المحارم

1 - عن أبي موسى قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة "
- رواه أحمد والترمذي

2 - وعن علي عليه السلام " قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما وفرقت بينهما فذكرت ذلك له فقال أدركهما فأرجعتهما ولا تبعهما إلا جميعا "
- رواه أحمد . وفي رواية " وهب لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال لي يا علي ما فعل غلامك فأخبرته فقال رده رده " رواه الترمذي وابن ماجه

3 - وعن أبي موسى قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فرق بين الوالد وولده وبين الأخ وأخيه "
- رواه ابن ماجه والدارقطني

4 - وعن علي عليه السلام " أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ورد البيع "
- رواه أبو داود والدارقطني

- حديث أبي أيوب أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم وصححه وحسنه الترمذي وفي إسناده حي بن عبد الله المعافري وهو مختلف فيه وله طريق أخرى عند البيهقي وفيها غنقطاع لأنها من رواية العلاء بن كثير الإسكندراني عن أبي أيوب ولم يدركه . وله طريق أخرى عند الدارمي . وحديث أبي موسى إسناده لا بأس به فإن محمد بن عمر بن الهياج صدوق وطليق بن عمران مقبول . وحديث علي الأول رجال إسناده ثقات كما قال الحافظ وقد صححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم والطبراني وابن القطان وحديثه الثاني هو من رواية ميمون بن أبي شبيب عنه وقد أعله أبو داود بالإنقطاع بينهما وأخرجه الحاكم وصحح إسناده ورجحه البيهقي لشواهده ( وفي الباب ) عن أنس عند ابن عدي بلفظ " لا يولهن والد عن ولده " وفي إسناده مبشر بن عبيد وهو ضعيف ورواه من طريق أخرى فيها إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن ارطأة وقد تفرد به إسماعيل وهو ضعيف في غير الشاميين . وعن أبي سعيد عند الطبراني بلفظ " لا توله والدة بولدها " وأخرجه البيهقي بإسناد ضعيف عن الزهري مرسلا ( والأحاديث ) المذكورة في الباب فيها دليل على تحريم التفريق بين الوالدة والولد وبين الأخوين أما بين الوالدة وولدها فقد حكي في البحر عن الإمام يحيى أنه إجماع حتى يستغني الولد بنفسه وقد اختلف في إنعقاد البيه فذهب الشافعي إلى أنه لا ينعقد . وقال أبو حنيفة وهو قول للشافعي أنه ينعقد . وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يحرم التفريق بين الأب والابن وأجاب عليه صاحب البحر بأنه مقيس على الأم ولا يخفى أن حديث أبي موسى المذكور في الباب يشمل الأب فالتعويل عليه أن صح أولى من التعويل على القياس وأما بقية القرابة فذهبت الهادوية والحنفية إلى أنه يحرم التفري بينهم قياسا وقال الإمام يحيى والشافعي لا يحرم والذي يدل عليه النص هو تحريم التفريق بين الأخوة وأما بين من عداهم من الأرحام فالحاقه بالقياس فيه نظر لأنه لا تصل منهم بالمفارقة مشقة كما تحصل بالمفارقة بين الوالد والولد وبين الأخ وأخيه فلا الحاق لوجود الفارق فينبغي الوقوف على ما تناوله النص وظاهر الأحاديث أنه يحرم التفريق سواء كان بالبيع أو بغيره مما فيه مشقة تساوي مشقة التفريق بالبيع إلا التفريق الذي لا اختيار فيه للمفرق كالقسمة والظاهر أيضا أنه لا يجوز التفريق بين من ذكر لا قبل البلوغ ولا بعده وسيأتي بيان ما استدل به على جوازه بعد البلوغ

5 - وعن سلمة بن الأكوع قال " خرجنا مع أي بكر أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فغزونا فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا فلما صلينا الصبح أمرنا أبو بكر فشننا الغارة فقتلنا على الماء من قتلنا ثم نظرت إلى عنق من الناس فيه الذرية والنساء نحوالجبل وأنا أعدو في أثرهم فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل قال فجئت بهم اسوقهم إلى أبي بكر وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من أدم ومعها ابنة لها من أحسن العرب وأجمله فنفلني أبو بكر فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة ثم بت فلم أكشف لها ثوبا فلقيني النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السوق فقال يا سلمة هب لي المرأة فقلت يا رسول الله لقد اعجبتني وما كشفت لها ثوبا فسكت وتركني حتى إذا كان من الغد لقيني في السوق فقال يا سلمة هب المرأة لله أبوك فقلت هي لك يا رسول الله قال فبعث بها إلى مكة وفي أيديهم أسارى من المسلمين ففداهم بتلك المرأة "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

- قوله " فعرسنا " التعريس النزول آخر الليل للاستراحة قوله " شننا الغارة " شن الغارة هو اتيان العدو من جهات متفرقة قال في القاموس شن الغارة عليهم صبها من كل وجه كاشنها . قوله " عنق " أي جماعة من الناس قال في القاموس العنق بضم وبضمتين وكأمير وصرد الجيد ويؤنث الجمع اعناق والجماعة من الناس والرؤساء قوله " قشع من أدم " أي نطع قال في القاموس القشع بالفتح الفر والخلق ثم قال ويثلث والنطع أو قطعة من نطع : قوله " فلم أكشف لها ثوبا " كناية عن عدم الجماع وقد استدل بهذا الحديث على جواز التفريق وبوب عليه أبو داود بذلك لأن الظاهر إن البنت قد كانت بلغت قال المصنف رحمه الله وهو حجة في جوز التفريق بعد البلوغ وجواز تقديم القبول بصيغة الطلب على الإيجاب في الهبة ونحوها وفيه أن ماملكه المسلمون من الرقيق يجوز رده إلى الكفار في الفداء اه . وقد حكى في الغيث الاجماع على جواز التفريق بعد البلوغ فإن صح فهو المستند لا هذا الحديث لأن كون بلوغها هو الظاهر غير مسلم الا أن يقال أنه حمل الحديث على ذلك للجمع بين الأدلة وقد روى عن المنصور بالله والناصر في أحد قوليه أن حد تحريم التفريق إلى سبع وقد استدل على جواز التفريق بين البالغين بما أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث عبادة بن الصامت بلفظ " لاتفرق بين الأم وولدها قيل إلى متى قال حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية " وهذا نص على المطلوب صريح لولا إن في إسناده عبد الهل بن عمرو الواقفي وهو ضعيف وقد رماه على ابن المديني بالكذب ولم يروه عن سعيد بن عبد العزيز غيره وقد استدل له الدارقطني بحديث سلمة المذكور ولا شك إن مجموع ما ذكر من الإجماع وحديث سلمة وهذا الحديث منتهض للاستدلال به على التفرقة بين الكبير والصغير

باب النهي ان يبيع حاضر لباد

1 - عن ابن عمر قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيع حاضر لباد "
- رواه البخاري والنسائي

2 - وعن جابر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض "
- رواه الجماعة إلا البخاري

3 - وعن أنس قال " نهينا أن يبيع حضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه "
- متفق عليه . ولأبي داود والنسائي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد وإن كان اباه وأخاه "

4 - وعن ابن عباس " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد فقيل لابن عباس ما قوله لا يبع حاضر لباد قال لا يكون له سمسارا "
- رواه الجماعة إلا الترمذي

- قوله " حاضر لباد " الحاضر ساكن الحضر والبادي ساكن البادية قال في القاموس الحضر والحاضرة والحضارة وتفتح خلاف البادية والحضارة الأقامة في الحضر ثم قال والحاضر خلاف البادي . وقال البدو والبادية والبادات والبداوة خلاف الحضر وتبدي أقام بها وتبادي تشبه بأهلها والنسبة بداوى وبدوي وبدا القوم خرجوا إلى البادية انتهى . قوله " دعوا الناس " الخ في مسند أحمد من طريق عطاء بن السائب عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه حدثني أبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح الرجل فلينصح له " ورواه البيهقي من حديث جابر مثله . قوله " لاتلقوا الركبان " سيأتي الكلام عليه . قوله " سمسارا " بسينين مهملتين قال في الفتح وهو في الأصل القيم بالأمر والحافظ ثم استعمل في متولى البيع والشراء لغيره ( وأحاديث الباب ) تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي من غير فرق بين أن يكون البادي قريبا له أو أجنبيا وسواء كان في زمن الغلاء أولا وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا وسواء باعه له على التدريج أم دفعة واحدة . قالت الحنفية انه يختص المنع من ذلك بزمن الغلاء وبما يحتاج إليه أهل لمصر وقالت الشافعية والحنابلة أن الممنوع إنما هو أن يجيء البلد بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال فيأتيه الحاضر فيقول ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر قال في الفتح فجعلوا الحكم منوطا بالبادي ومن شاركه في معناه قالوا وإنما ذكر البادي في الحديث لكونه الغالب فألحق من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين وجعلت المالكية البداوة قيدا . وعن مالك لا يلتحق بالبدوي في ذلك إلى من كان يشبهه فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والأسواق فليسوا داخلين في ذلك . وحكى ابن المنذر عن الجمهور ان النهي للتحريم إذا كان البائع عالما والمبتاع مما تعم الحاجة إليه ولم يعضه البدوي على الحضري ولا يخفى أن تخصيص العموم بمثل هذه الأمور من التخصيص بمجرد الاستنباط وقد ذكر ابن دقيق العيد فيه تفصيلا حاصله أنه يجوز التخصيص به حيث يظهر المعنى لا حيث يكون خفيا فاتباع اللفظ أولى ولكنه لا يطميئن الخاطر إلى التخصيص به مطلقا فالبقاء على ظواهر النصوص هو الأولى فيكون بيع الحاضر للبادي محرما على العموم وسواء كان بأجرة أم لا . وروى عن البخاري أنه حمل النهي على البيع بأجة لا بغير أجرة فإنه من باب النصيحة . وروى عن عطاء ومجاهد وأبي حنيفة أنه يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقا وتمسكوا بأحاديث النصيحة . وروى مثل ذلك عن الهادي وقالوا إن أحاديث الباب منسوخة واستظهروا على الجواز بالقياس على توكيل البادي للحاضر فإنه جائز ويجاب عن تمسكهم بأحاديث النصيحة بأنها عامة مخصصة بأحاديث الباب ( فإن قيل ) إن أحاديث النصيحة وأحاديث الباب بينها عموم وخصوص من وجه لأن بيع الحاضر للبادي قد يكون على غير وجه النصيحة فيحتاج فيحتاج حينئذ إلى الترجيح من خارج كما هو شأن الترجيح بين العمومين المتعارضين فيقال المراد بيع الحاضر للبادي الذي جعلناه أخص مطلقا هو البيع الشرعي بيع المسلم للمسلم الذي بينه الشارع للأمة وليس بيع الغش والخداع داخلا في مسمى هذا البيع الشرعي كما أنه لا يدخل فيه بيع الربا وغيره مما لا يحل شرعا فلا يكون البيع باعتبار ما ليس بيعا شرعيا أعم من وجه حتى يحتاج إلى طلب مرجح بين العمومين لأن ذلك ليس هو البيع الشرعي ويجاب عن دعوى النسخ بأنها إنما تصح عند العلم بتأخر الناسخ ولم ينقل ذلك . وعن القياس بأنه فاسدا لاعتبار لمصادمته النص على أن أحاديث الباب أخص من الأدلة القاضية بجواز التوكيل مطلقا فيبني العام على الخاص ( واعلم ) أنه كما لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي كذلك لا يجوز أن يشتري له وبه قال ابن سيرين والنخعي . وعن مالك روايتان ويدل لذلك ما أخرجه أبو داود عن أنس بن مالك أنه قال كان يقال لا يبع حاضر لباد وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا ولكن في إسناده أبو هلال محمد بن سليم الراسبي وقد تكلم فيه غير واحد . وأخرج أبو عوانة في صحيحه عن ابن سيرين قال لقيت أنس بن مالك فقلت لا يبع حاضر لباد أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم قال نعم قال محمد صدق أنها كلمة جامعة ويقوى ذلك العلة التي نبه عليها صلى الله عليه وآله وسلم بقوله دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإن ذلك يحصل بشراء من لا خبرة له بالأثمان كما يحصل ببيعه وعلى فرض عدم ورود نص يقضي بأن الشراء حكمه البيع فقد تقرر إن لفظ البيع يطلق على الشراء وأنه مشترك بينهما كما أن لفظ البيع يطلق على الشراء وأنه مشترك بينهما كما أن لفظ الشراء يطلق على البيع لكونه مشتركا بينهما والخلاف في جواز استعمال المشترك في معنيه أو معانييه معروف في الأصول والحق الجواز إن لم يتناقضا

باب النهي عن النجش

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد وان يتناجشوا "

2 - وعن ابن عمر قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النجش "
- متفق عليهما

- قوله " النجش بفتح النون وسكون الجيم بعدها معجمة قال في الفتح وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته من مكان ليصاد يقال نجشت الصيد أنجشه بالضم نجشا وفي الشرع الزيادة في السلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الأثم ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك . وقال ابن قتيبة النجش الختل والخديعة ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختل الصيد ويحتال له قال الشافعي النجش أن تحضر السلعة تباع فيعطى بها الشيء وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السوام فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه . قال ابن بطال أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع إذا وقع على ذلك وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان بموطأه البائع أو صنعته والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار وهو وجه للشافعية قياسا على المصراة والأصح عندهم صحة البيع مع الأثم وهو قول الحنفية والهادوية وقد اتفق أكثر العلماء على تفسير النجش في الشرع بما تقدم وقيد ابن عبد البر وابن حزم وابن العربي التحريم بأن تكون الزيادة المذكورة فوق ثمن المثل ووافقهم على ذلك بعض المتأخرين من الشافعية وهو تقييد للنص بغير مقتض للتقييد وقد ورد ما يدل على جواز لعن الناجش فأخرج الطبراني عن ابن أبي أوفى مرفوعا " الناجش آكل ربا خائن ملعون " وأخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور موقوفا مقتصرين على قوله " آكل الربا خائن "

باب النهي ن تلقي الركبان

1 - عن ابن مسعود قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تلقي البيوع "
- متفق عليه

2 - وعن أبي هريرة قال نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتلقى الجلب قال تلقاه انسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخياء إذا ورد السوق "
- رواه الجماعة إلا البخاري وفيه دليل على صحة البيع

- في الباب عن ابن عمر عند الشيخين وعن ابن عباس عندهما أيضا : قوله " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تلقي البيوع " فيه دليل على أن التلقي محرم وقد اختلف في هذا النهي هل يقتضي الفساد أم لا فقيل يقتضي الفساد وقيل لا وهو الظاهر لأن النهي ههنا لأمر خارج وهو لا يقتضيه كما تقرر في الأصول وقد قال بالفساد المرادف للبطلان بعض المالكية وبعض الحنابلة وقال غيرهم بعدم الفساد لما سلف . ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم " فصاحب السلعة فيها بالخيار " فإنه يدل على انعقاد البيع ولو كان فاسدا لم ينعقد وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الحديث الجمهور فقالوا لا يجوز تلقي الركبان واختلفوا هل هو محرم أو مكروه فقط حكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه أجاز التلقي وتعقبه الحافظ بأن الذي في كتب الحنفية أنه يكره التلقي في حالتين أن يضر بأهل البلد وأن يلبس السعر على الواردين اه . والتنصيص على الركبان في بعض الروايات خرج مخرج الغالب في أن من يجلب الطعام يكون في الغالب راكبا وحكم الجالب الماشي حكم الراكب ويدل على ذلك حديث أبي هريرة المذكور فإن فيه النهي عن تلقي الجلب من غير فرق . وكذلك حديث ابن مسعود المذكور فإن فيه النهي عن تلقي البيوع قوله " الجلب " بفتح اللام مصدر بمعنى اسم المفعول يقال جلب الشيء جاء به من بلد إلى بلد للتجارة . قوله " بالخيار " اختلفوا هل يثبت له الخيار مطلقا أو بشرط أن يقع له في البيع عين . ذهبت الحنابلة إلى الأول وهو الأصح عند الشافعية وهو الظاهر وظاهره أن النهي لأجل صنعة البائع وازالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه . قال ابن المنذر وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي قال والحديث حجة للشافعي لأنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق اه . وقد احتج مالك ومن معه بما وقع في رواية من النهي عن تلقي السلع حتى تهبط الأسواق وهذا لا يكون دليلا لمدعاهم لأنه يمكن أن يكون ذلك رعاية لمنفعة البائع لأنها إذا هبطت الأسواق عرف مقدار السعر فلا يخدع ولا مانع من أن يقال العلة في النهي مرعاة نفع البائع ونفع أهل السوق ( واعلم ) أنه لا يجوز تلقيهم للبيع منهم كما لا يجوز للشراء منهم لأن العلة التي هي مراعاة نفع الجالب أو أهل السوق أو الجميع حاصلة في ذلك ويدل على ذلك ما في رواية للبخاري بلفظ " لا بيع " فإنه يتناول البيع لهم والبيع منهم وظاهر النهي المذكور في الباب عدم الفرق بين أن يبتدئ المتلقي الجالب بطلب الشراء أو البيع أو العكس وشرط بعض الشافعية في النهي أن يكون المتلقي هو الطالب وبعضهم اشترط أن يكون المتلقي قاصدا لذلك فلو خرج للسلام على الجالب أو للفرجة أو لحاجة أخرى فوجدهم فبايعهم لم يتناوله النهي ومن نظر إلى المعنى لم يفرق وهو الأصح عند الشافعي وشرط الجويني في النهي أن يكذب المتلقي في سعر البلد ويشتري منهم باقل من ثمن المثل . وشرط المتولى من أصحاب الشافعي أن يخبرهم بكثرة المؤنة عليهم في الدخول وشرط أبو إسحاق الشيرازي أن يخبرهم بكساد ما معهم والكل من هذه الشروط لا دليل عليه والظاهر من النهي أيضا أنه يتناول المسافة القصيرة والطويلة وهو ظاهر إطلاق الشافعية . وقال بعض المالكية ميل . وقال بعضهم أيضا فرسخان . وقال بعضهم يومان . وقال بعضهم مسافة قصر وبه قال الثوري وأما ابتداء التلقي فقيل الخروج من السوق وإن كان في البلد وقيل الخروج من البلد وهو قول الشافعية وبالأول قال أحمد وإسحاق والليث والمالكية

باب النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وسومه إلا في المزايدة

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا بيع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه لا أن يأذن له "
- رواه أحمد . وللنسائي " لا بيع أحدكم على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر " وفيه بيان أنه أراد بالبيع الشراء

2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسوم على سومه " . وفي لفظ " لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه "
- متفق عليه

3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم باع قدحا وحلسا فيمن يزيد "
- رواه أحمد والترمذي

- حديث ابن عمر أخرجه أيضا باللفظ الأول مسلم وأخرجه ايضا البخاري في النكاح بلفظ " نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه وأ يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب " وأخرج نحو الرواية الثانية من حديثه ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني وزادوا " إلا الغنائم والمواريث " وحديث أنس أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وحسنه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان عن أبي بكر الحنفي عنه وأعله ابن قطان بجهل حال أبي بكر الحنفي ونقل عن البخاري أنه قال لم يصح حديثه . ولفظ الحديث عند أبي داود وأحمد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نادى على قدح وجلس لبعض أصحابه فقال رجل هما علي بدرهم ثم قال آخر هما علي بدرهمين " وفيه " أن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة " وقد تقدم ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند الشيخين وعن عقبة بن عامر عند مسلم : قوله " لا يبيع " الأكثر بإثبات الياء على أن لا نافية ويحتمل أن تكون ناهية وأشبعت الكسرة كقراءة من قرأ ( أنه من يتقي ويصبر ) وهكذا ثبتت الياء في بقية ألفاظ الباب : قوله " إلا أن يأذن له " يحتمل أن يكون استثناء من الحكمين ويحتمل أن يختص بالأخير والخلاف في ذلك وبيان الراجح مستوفى في الأصول ويدل على الثاني في خصوص هذا المقام رواية للبخاري التي ذكرناها : قوله " لا يخطب الرجل " الخ سيأتي الكلام على الخطبة في النكاح إن شاء الله قوله " ولا يسوم " صورته أن يأخذ شيئا ليشتريه فيقول المالك رده لأبيعك خيرا منه بثمنه أو يقول للمالك غسترده لأشتريه منك بأكثر وإنما يمنع من ذلك بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر فإن كان ذلك تصريحا فقال في الفتح لا خلاف في التحريم وإن كان ظاهرا ففيه وجهان للشافعية وقال ابن حزم إن لفظ الحديث لا يدل على اشتراط الرون وتعقب أنه لا بد من أمر مبين لموضع التحريم في السوم لأن السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقا كما حكاه في الفتح عن ابن عبد البرفتعين أن السوم المحرم ما وقع فيه قدر زائد على ذلك . وأما صورة البيع على البيع والشراء على الشراء فهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك بأنقص أو يقول للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد قال في الفتح وهذا مجمع عليه وقد اشترى بعض الشافعية في التحريم أن لا يكون المشتري مغبونا غبنا فاحشا وإلا جاز البيع على البيع والسوم على السوم لحديث الدين النصيحة وأجيب عن ذلك أن النصيحة لا تنحصر في البيع على البيع والسوم على السوم لأنه يمكن أن يعرفه أن قيمتها كذا فيجمع بذلك بين المصلحتين كذا في الفتح وقد عرفت أن أحاديث النصيحة أعم مطلقا من الأحاديث القاضية بتحريم أنواع من البيع فيبني العام على الخاص واختلفوا في صحة البيع المذكور فذهب الجمهور إلى صحته مه الأثم . وذهبت الحنابلة والمالكية إلى فساده في إحدى الروايتين عنهم وبه جزم ابن حزم والخلاف يرجع إلى ما تقرر في الأصول من أن النهي المقتضى للفساد هو النهي عن الشيئ لذاته ولوصف ملازم لا لخارج : قوله " وحلسا " بكسر الحاء المهملة وسكون اللام كساء رقيق يكون تحت برذعه البعير قال الجوهري . والحلس البساط أيضا ومنه حديث " كن حلس بيتك حتى يأتيك يد خاطئة أو ميتة قاضية " كذا في النهاية : قوله " فيمن يزيد " فيه دليل على على جواز بيع المزايدة وهو البيع على الصفة التي فعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سلف وحكى البخاري عن عطاء أنه قال أدركت الناس لا يرون بأسا في بيع المغانم فيمن يزيد ووصله ابن أبي شيبة ن عطاء ومجاهد وروى هو وسعيد بن منصور عن مجاهد قال لا بأس بيع من يزيد وكذلك كانت تباع الأخماس . وقال الترمذي عقب حديث أنس المذكور والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث . قالابن العربي لا معنى للاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك اه ولعلهم جعلوا تلك الزيادة التي زادها ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني قيدا لحديث أنس المذكور ولكن لم ينقل أن الرجل الذي باع عنه صلى الله عليه وآله وسلم القدح والحلس كانا معه من ميراث أو غنيمة فالظاهر الجواز مطلقا أما لذلك وأما لإلحاق غيرهما بهما ويكون ذكرهما خارجا مخرج الغالب لأنهما الغالب على ما كانوا يعتادون البيع فيه مزايدة وممن قال باختصاص الجواز بهما الأوزاعي وإسحاق وروى عن النخعي أنه كره بيع المزايدة واحتج بحديث جابر الثابت في الصحيح أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في مدبر " من يشتريه منى فاشتراه نعيم ابن عبد الله بثمانمائة درهم " واعترضه الإسماعيلي فقال ليس في قصة لمدبر بيع المزايدة فإن بيع المزايدة أن يعطي به واحد ثمنا ثم يعطي به غيره زيادة عليه نعم يمكن الاستدلال بما أخرجه البزار من حديث سفيان بن وهب قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن بيع المزايدة " ولكن في إسناده ابن هليعة وهو ضعيف

باب البيع بغير إشهاد

1 - عن عمارة بن خزيمة " أن عمه حدثه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس لا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتاعه فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سمع نداء الأعرابي أوليس قد ابتعته منك قال الأعرابي لا والله ما بعتك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلى قد بعته فطفق الأعرابي يقول هلم شهيدا قال خزيمة أنا أشهد أنك قد ابتعته فأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم علىخزيمة فقال بم تشهدد فقال بتصديقك يا رسول الله فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود

- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده عند أبي داود ثقات . وأخرجعه أيضا الحاكم في المستدرك : قوله " ابتاع فرسا " قيل هذا الفرس هو المرتجز المذكور في أفراس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمي بذلك لحسن صهيله كأنه بصهيله ينشد رجز الشعر الذي هو أطيبه وكان أبيض وقيل هو الطرف بكسر الطاء وقيل هو النجيب : قوله من " أعرابي " قيل هو سواء بن الحرث وقال الذهبي هو سواء بن قيس المحاربي : قوله " فاستتبعه " السين للطلب أي أمره أن يتبعه إلى مكانه فاستخدمه إذا أمره أن يخدمه وفيه شراء السلعة وإن لم يكن الثمن حاضرا وجواز تأجيل البائع بالثمن إلى أن يأتي إلى منزله : قوله " فطفق " بكسر الفاء على اللغة المشهورة بفتحها على اللغة القليلة : قوله " بالفرس " الباء زائدة في المفعول لأن المساومة تتعدى بنفسها تقول سمت الشيئ . قوله " لا يشعرون " الخ أي لم يقع من الصحابة السوم النهي عنه بعد استقرار البيع والنهي إنما يتعلق بمن علم لأن العلم شرط التكليف قوله " لا والله ما بعتك " قيل إنما أنكر هذا الصحابي البيع وحلف على ذلك لأن بعض المنافقين كان حاضرا فأمره بذلك وأعلمه أن البيع لم يقع صحيحا وأنه لا إثم عليه في الحلف على أنه ما باعه فاعتقد صحة كلامه لأنه لم يظهر له نفاقه ولو علمه لما أغتر به وهذا وإن كان هو اللائق بجال من كان صحابيا ولكن لا مانع من أن يقع مثل ذلك من الذين لم يدخل حب الا يمان في قلوبهم وغير مستنكر أن يوجد في ذلك الزمان من يؤثر العاجلة فإنه قد كان بهذه المثابة جماعة منهم كما قال تعالى { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } والله يغفر لنا ولهم : قوله " هلم " هلم بضم اللام وبناء الآخر على الفتح لأنه اسم فعل وشهيدا منصوب به وهو فعيل بمعنى فاعل أي هلم شاهدا زاد النسائي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأعرابي وهما يتراجعان وطفق الأعرابي يقول هلم شاهدا أني قد بعتكه : قوله " بم تشهد " أي بأي شيء تشهد عل ىذلك ولم تك حاضرا عند وقوعه . وفي رواية للطبراني بم تشهد ولم تكن حاضرا ( والحديث ) استدل به المصنف على جواز البيع بغير إشهاد قال الشافعي لو كان الإشهاد حتما لم يتبايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني الأعرابي من غير حضور شهادة ومراده أن الأمر في قوله تعالى { واشهدوا إذا تبايعتم } ليس على الوجوب بل هو على الندب لأن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرينة صارفة للأمر من الوجوب إلى الندب . وقيل هذه الآية منسوخة بقوله تعالى { فإن أمن بعضكم بعضا } وقيل محكمة والأمر على الوجوب قال ذلك أبو موسى الأشعري وبن عمرو الضحاك وابن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وعطاء والشعبي والنخعي وداود بن علي وابنه أبو بكر والطبري قال الضحاك هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل قال الطبري لا يحل لمسلم إذا باع أو اشترى أن يترك الإشهاد وإلا كان مخالفا لكتاب الله قال ابن العربي وقول العلماء كافة أنه على الندب وهو الظاهر وقد ترجم أبو داود على هذا الحديث باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به وبه يقول شريح وفي البخاري أن مروان قضى بشهادة ابن عمر وحده وأجاب عنه الجمهور بأن شهادة ابن عمر كانت على جهة الإخبار ويجاب أيضا عن شهادة خزيمة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جعلها بمثابة شهادة رجلين فلا يصح الاستدلال بها على قبول شهادة الواحد . وذكر ابن التين أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لخزيمة لما جعل شهادته بشهادتين لا تعد أي تشهد على ما لم تشاهده . وقد أجيب عن ذلك باستدلال بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما حكم على الأعرابي بعلمه وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد . وقد تمسك بهذا الحديث جماعة من أهل البدع فاستحلوا الشهادة لمن كان معروفا بالصدق على كل شيء ادعاه وهو تمسك باطل لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة لا يجوز أن يحكم لغيره بمقاربتها فضلا عن مساوتها حتى يصح الإلحاق

أبواب بيع الأصول والثمار

باب من باع نخلا مؤبرا

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من باع نخلا بعد أن يؤبر فثمرتها للذي باعها الا أن يشترط المبتاع ومن ابتاع عبدا فماله للذي باعه الا أن يشترط المبتاع "
- رواه ابن ماجه

2 - وعن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن ثمرة النخل لمن أبرها الا أن يشترط المبتاع وقضى أن ثمرة النخل لمن أبرها الا أن يشترط المبتاع وقضى أن مال المملوك لمن باعه إلا أن يشترط المبتاع "
- رواه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد في المسند

- حديث عبادة في إسناده انقطاع لانه من رواية إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن عبادة ولم يدركه : قوله " نخلا " اسم جنس ذكر ويؤنث والجمع نخيل : قوله " بعد أن يؤبر " التأبير التشقيق والتلقيح ومعناه شق طلع النخلة الأنثى ليذر فيها شيء من طلع النخلة الذكر . وفيه دليل على أن من باع نخلا وعليها ثمرة مؤبرة لم يدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع ويدل بمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة تدخل في البيع وتكون للمشترى وبذلك قال جمهور العلماء وخالفهم الأوزاعي وأبو حنيفة فقالا تكون للبائع قبل التأبير وبعده . وقال ابن أبي ليلى تكون للمشتري مطلقا وكلا الإطلاقين مخالف لحديثي الباب الصحيحين وهذا إذا لم يقع شرط من المشتري بأنه اشترى الثمرة ولا من البائع بأنه استثنى لنفسه الثمرة فإن وقع ذلك كانت الثمرة للشارط من غير فرق بين أن تكون مؤبرة أو غير مؤبرة . قال في الفتح لا يشترط في التأبير أن يؤبره أحد بل لوتأبر بنفسه لم يختلف الحكم عند جميع القائلين به : قوله " إلا أن يشترط المبتاع " أي المشتري بقرينة الإشارة إلى البائع بقوله " من باع " وظاهره أنه لا يجوز له أن يشترط بعضها أو كلها . وقال ابن القاسم لا يجوز اشتراط بعضها ووقع الخلاف فيما إذا باع نخلا بعضه قد أبر وبعضه لم يؤبر فقال الشافعي الجميع للبائع . وقال أحمد الذي قد أبر للبائع والذي لم يؤبر للمشتري وهو الصواب : قوله " من ابتاع عبدا " الخ فيه دليل على أن العبد إذا ملكه سيده مالا ملكه وبه قال مالك والشافعي في القديم . وقال في الجديد وأبو حنيفة والهادوية أن العبد لا يملك شيئا أصلا . والظاهر الأول لأن نسبة المال إلى المملوك تقتضي أنه يملك وتأويله بأن المراد أن يكون شيئا في يد العبد من مال سيده وأضيف إلى العبد للاختصاص والانتفاع لا للملك كما يقال الجل للفرس خلاف الظاهر . واستدل بالحديثين على أن مال العبد لا يدخل في البيع حتى الحلقة التي في أذنه والخاتم الذي في إصبعه والنعل التي في رجله والثياب التي على بدنه ( وقد اختلف ) في الثياب على ثلاثة أقوال الأول أنه لا يدخل شيء منها وهو الذي نسبه الماوردي إلى جميع الفقهاء وصححه النووي قال الماوردي لكن العادة جارية بالعفو عنها فيما بين التجار . الثاني أنها تدخل في مطلق البيع للعادة وبه قال أبو حنيفة وكذلك قالت الهادوية في ثياب البذلة . الثالث يدخل قدر ما يستر العورة
والمذهب الأول هو الأولى والتخصيص بالعادة مذهب مرجوح : قوله " أن مال المملوك " فيه التسوية بين العبد والأمة ( واعلم ) ان ظاهر حديثي الباب يخالف الأحاديث التي ستأتي في النهي عن بيع الثمرة قبل صلاحها لأنه يقضي بجواز بيع الثمرة قبل التأبير وبعده قال في الفتح والجمع بين حديث التأبير وحديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح سهل وهو أن الثمرة في بيع النخل تابعه للنخل وحديث النهي مستقلة وهذا واضح جدا . اه

باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع "
- رواه الجماعة إلا الترمذيز وفي لفظ " نهى عن بيع النخل حتى تزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة " رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه

2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تتبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحها "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه

3 - وعن انس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد "
- رواه الخمسة إلا النسائي

4 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى قالوا وما تزهي قال تحمر وقال إذا منه الله الثمرة فيم تستحل مال أخيك "
- أخرجاه

- حديث أنس الأول أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححه : قوله " يبدو " بغير همزة أي يظهر والثمار بالمثلثة جمع ثمرة بالتحريك وهي أعم من الرطب وغيره . قوله " صلاحها " أي حمرتها وصفرتها . وفي رواية لمسلم " ما صلاحه قال تذهب عاهنه " ( واختلف السلف ) هل يكفي بدو الصلاح في جنس الثمار حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلا جاز بيع جميع البساتين أو لا بد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة أو لا بد من بدو الصلاح في كل جنس عل ىحده أو في كل شجرة على حدة على أقوال . والأول قول الليث وهو قول المالكية بشرط أن يكون متلاحقا . والثاني وقول أحمد والثالث قول الشافعية . والرابع رواية عن أحمد . قوله " نهى البائع والمبتاع " أما البائع فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل وأكا المشتري فلئلا يضيع ماله ويساعده البائع على الباطل : قوله " تزهو " يقال زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته وأزهى يزهي إذا احمر أو اصفر هكذا في الفتح وقال الخطابي أنه لا يقال في النخل تزهو إنما يقال تزهي لا غير وهذه الرواية ترد عليه . قوله " عن بيع السنبل حتىيبيض " بضم السين وسكون النون وضم الباء الموحدة سنابل الزرع . قال النووي معناه يشتد حبه وذلك بدو صلاحه . قوله " ويأمن العاهة " هي الآفة تصيبه فيفسد لنه إذا أصيب بها كان أخذ ثمنه من أكل أموال الناس بالباطل . وقد أخرج أبو داود عن أبي هريرة مرفوعا " إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن كل البلد " وفي رواية " رفعت العاهة عن الثمار " النجم هو الثريا وطلوعها صباحا يقع في أو فصل الصيف وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار . واخرج أحمد من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة سألت ابن عمر عن بيع الثمار فقال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة قلت ومتى ذلك قال حتى تطلع الثريا " قوله " حتى يسود " زاد مالك في الموطأ " فإنه إذا أسود ينجو من العاهة والآفة " واشتداد الحب قوته وصلابته : قوله " إذا منع الله الثمرة " الخ صرح الدارقطني بأن هذا مدرج من قول أنس وقال رفعه خطأ ولكنه قد ثبت مرفوعا من حديث جابر عن مسلم بلفظ " إن بعت من أخيك ثمرا قأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق " وسيأتي وفيه دليل على وضع الجوائح لأن معناه أن الثمر إذا تلف كان الثمن المدفوع بلا عوض فكيف يأكله البائع بغير عوض وسيأتي الكلام على وضع الجوائح ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على أنه لا يجوز بيع الثمر قبل بد وصلاحها . وقد اختلف في ذلك على أقوال الأول أنه باطل مطلقا وهو قول ابن أبي ليلى والثوري وهو ظاهر كلام الهادي والقاسم قال في الفتح ووهم من نقل الإجماع فيه . الثاني أنه إذا شرط القطع لم تبطل وإلا بطل وهو قول الشافعي وأحمد ورواية عن مالك ونسبه الحافظ إلى الجمهور وحكاه في البحر عن المؤيد بالله . الثالث أنه يصح أن لم يشترط البقية وهو قول أكثر الحنفية قالوا والنهي محمول على بيع الثمار قبل أن توجد أصلا . وقد حكى صاحب البحر الإجماع على عدم جواز بيع الثمر قبل خروجه . وحكى أيضا الأتفاق على عدم جواز بيعه قبل صلاحه بشرط البقاء وحكى أيضا عن الإمام يحيى أنه صخ جواز البيع بشرط القطع الإجماع وحكى عنه أيضا أنه يصح البيع بشرط القطع إجماعا ولا يخفى مافي دعوى بعض هذه الإجماعات من المجازفة وحكى في البحر عن زيد بن علي والمؤيذ بالله والإمام يحيى وأبي حنيفة والشافعي أنه يصح بيع الثمار قبل الصلاح تمسكا بعموم قوله تعالى { وأحل الله البيع } قال أبو حنيفة ويؤمر بالقطع والمشهور من مذهب الشافعي هوماقدمنا فأما البيع بعد الصلاح فيصح مع شرط القطع إجماعا ويفسد مع شرط البقاء إجماعا ان جهلت المدة كذا في البحر . قال الامام يحيى فإن علمت صح عند القاسمية إذا لاغرر . وقال المؤيد بالله لا يصح النهي عن بيع شرط
( واعلم ) إن ظاهر أحاديث الباب وغيرها المنع من بيع الثمر قبل الصلاح وإن وقوعه في تلك الحالة باطل كما هو مقتضى النهي ومن ادعى إن مجرد شرط القطع يصحح البيع قبل الصلاح فهومحتاج إلى دليل يصلح لتقييد أحاديث النهي ودعوى الإجماع على ذلك لا صحة لها لما عرفت من أن أهل القول الأول يقولون بالبطلان مطلقا وقد عول المجوزون مع شرط القطع في الجواز على علل مستنبطة فجعلوها مقيدة للنهي وذلك مما لا يفيد من لم يسمح بمفارقة النصوص لمجرد خيالات عارضة وشبه واهية تنهار بأيسر تشكيك فالحق ماقاله الأولون من عدم الجواز مطلقا وظاهر النصوص أيضا أن البيع بعد ظهور الصلاح صحيح سواء شرط البقاء أم لم يشرط لان الشارع قد جعل النهي ممتد إلى غاية بدو الصلاح وما بعد الغاية مخالف لما قبلها ومن ادعى ان شرط البقاء مفسد فعليه الدليل ولا ينفعه في المقام ما ورد من النهي عن بيع وشرط لأنه يلزمه في تجويزه للبيع قبل الصلاح مع شرط القطع وهو بيع وشرط وايضا ليس كل شرط في البيع منهيا عنه فإن اشتراط جابر بعد بيعه للجمل أن يكون له ظهره إلى المدينة قد صححه الشارع كما سيأتي وهو شبيه بالشرط الذي نحن بصدده وتقدم ايضا جواز البيع مع الشرط في النخل والعبد لقوله إلا أن يشترط المبتاع وأما دعوى الإجماع على الفساد بشرط البقاء كما سلف فدعوى فاسدة فإنه قد حكى صاحب الفتح عن الجمهور أنه يجوز البيع بعد الصلاح بشرط البقاء ولم يحك الخلاف في ذلك إلا عن أبي حنيفة وأما بيع الزرع أخضر وهو الذي يقال له القصيل فقال ابن رسلان في شرح السنن اتفق العلماء المشهورون على جواز بيع القصيل بشرط القطع وخالف سفيان الثوري وابن أبي ليلى فقالا لا يصح بيعه بشرط القطع وقد اتفق الكل على أنه لا يصح بيع القصيل من غير شرط القطع وخالف ابن حزم الظاهري فأجاز بيعه بغير شرط تمسكا بان النهي إنما ورد عن السنبل قال ولم يأت في منع بيع الزرع مذ نبت إلى أن يسنبل نص أصلا . وروى عن أبي إسحاق الشيباني قال سألت عكرمة عن بيع القصيل فقال لابأس فقلت إنه يسنبل فكرهه اه كلام ابن رسلان ( والحاصل ) إن الذي في الأحاديث النهي عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع السنبل حتى يبيض فما كان من الزرع قد سنبل أو ظهر فيه الحب كان بيعه اشتداد حبه غير جائز وأما قبل أن يظهر فيه الحب والسنابل فإن صدق على بيعه حينئذ إنه مخاضرة كما قال البعض إنها بيع الزرع قبل أن يشتد لم يصح بيعه لورود النهي عن المخاضرة كما تقدم في باب النهي عن بيوع الغرر لأن التفسير المذكور صادق على الزرع الأخضر قبل أن يظهر فيه الحب والسنابل وهو الذي يقال له القصيل ولكن الذي في القاموس إن المخاضرة بيع الثمار قبل بدو صلاحها وكذا من شروح الحديث فلا يتناول الزرع لأن الثمار حمل الشجر كما في القاموس وسيأتي في تفسير المحاقلة عند البعض ما يرشد إلى انها بيع الزرع قبل أن تغلظ سوقه فان صح ذلك فذاك وإلا كان الظاهر ماقاله ابن حزم من جواز بيع الفصيل مطلقا

5 - وعن جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة " وفي لفظ بدل المعاومة " وعن بيع السنين "

6 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه " وفي رواية " حتى يطيب " وفي رواية " حتى يطعم "

7 - وعن زيد بن أبي أنيسة عن عطاء عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وأن يشتري النخل حتى يشقه وإلا شقاه أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شيء والمحاقلة أن يباع الحقل بكيل من الطعام معلوم والمزابنة أن يباع النخل با وساق من التمر والمخابرة الثلث والربع وأشباه ذلك قال زيد قلت لعطاء أسمعت جابرا يذكر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نعم "
- متفق على جميع ذلك إلا الأخير فإنه ليس لأحمد

- قوله " المحاقلة " قد اختلف في تفسيرها فمنهم من فسرها بما في الحديث فقال هي بيع الحقل بكيل من الطعام معلوم وقال أبو عبيد هي بيع الطعام في سنبله والحقل الحرث وموضع الزرع . وقال الليث الحقل الزرع إذا تشعب من قبل أن تغلظ سوقه وأخرج الشافعي في المختصر عن جابر أن الحاقلة أن يبيع الرجل الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة . قال الشافعي وتفسير المحاقلة والمزابنة في الأحاديث يحتمل أن يكون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن يكون من رواية من رواه . وفي النسائي عن رافع ابن خديج والطبراني عن سهل بن سعد أن الحاقلة مأخوذة من الحقل جمع حقلة . قال الجوهري وهي الساحات جمع ساحة . والزرع قد تشعب ورقه وظهر وكثر أو إذا استجمع خروج نباته أو مادام أخضر وقد أحقل في الكل والمحاقل المزارع والمحاقلة بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيعه في سنبله بالحنطة أو المزارعة بالثلث أو الربع أو أقل أو أكثر واكتراء الأرض بالحنطة اه وقال مالك المحاقلة أن تكرى الأرض ببعض ما ينبت منها وهي المخابرة ولكنه يبعد هذا عطف المخابرة عليها في الأحاديث قوله " والمزابنة " بالزاي والموحدة والنون . قال في الفتح هي مفاعلة من الزبن بفتح الزاي وسكون الموحدة وهو الدفع الشديد ومنه سميت الحرب الزبون لشدة الدفع فيها : وقيل للبيع المخصوص مزابنة كأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه أو لأن أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع لفسخه وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بإمضاء البيع اه وقد فسرت بما في الحديث أعني بيع النخل باوساق من التمر وفسرت بهذا وبيع العنب بالزبيب كما في الصحيحين وهذا أصل المزابنة وألحق الشافعي بذلك كل بيع مجهول أو معلوم من جنس يجري الربا في نقده وبذلك قال الجمهور . ووقع في البخاري عن ابن عمر أن المزابنة أن يبيع الثمر بكيل أن زاد فلى وأن نقص فعلي . وفي مسلم عن نافع المزابنة أن يبيع الثمر بكيل إن زاد فلي وإن نقص فعلي . وفي مسلم عن نافع المزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب كيلا وبيع الزرع بالحنطة كيلا وكذا في البخاري . وقال مالك أنها بيع كل شيء من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده إذا بيع بشيء مسمى من الكيل وغير سواء كان يجري فيه الربا أم لا قال ابن عبد البر نظر مالك إلى معنى المزابنة لغة وهي المدافعة . قال في الفتح وفسر بعضهم المزابنة بأنها بيع الثمر قبل بدو صلاحه وهو خطأ قال والذي تدل عليه الأحاديث في تفسيرها أولى . وقيل أن المزابنة المزارعة وفي القاموس الزبن بيع كل ثمر على شجرة بتمر كيلا قال والمزابنة بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر . وعن مالك كل جزاف لا يعلم كيله ولا عدده ولا وزنه أو بيع مجهول من جنسه أو هي بيع المغابنة في الحنس الذي لا يجوز فيه الغين اه : قوله " والمعاومة " هي بيع الشجر أعواما كثيرة وهي مشتقة من العام كالمشاهرة من الشهر . وقيل هي غكتراء الأرض سنين وكذلك بيع السنين هو أن يبيع ثمر النخلة لأكثر من سنة في عقد واحد وذلك لنه بيع غرر لكونه بيع مالم يوجد وذكر الرافعي وغيره لذلك تفسيرا آخر وهو أن يقول بعتك هذا سنة على أنه إذا انقضت السنة فلا يبيع بيننا وأرد أنا الثمن وترد أنت المبيع : قوله " والمخابرة " سيأتي تفسيرها والكلام عليها في كتاب المساقاة والمزارعة : قوله " حتى يطيب " هذه الرواية وما بعدها من قوله حتى يطعم ينبغي أن يقيد بهما سائر الروايات المذكورة : قوله " حتى يشقه " بضم أوله ثم شين معجمة ثم قاف . وفي رواية للبخاري يشقح وهي الأصل والهاء بدل من الحاء وإشقاح النخل إحمراره وإصفراره كما في الحديث والاسم الشقحة بضم الشين المعجمة وسكون القاف بعدها مهملة ( وقد استدل ) بأحاديث الباب ونحوها على تحريم المحاقلة والمزابنة وما شاركهما في العلة قياسا وهي إما مظنة الربا لعدم علم التساوي أو الغرر وعلى تحريم بيع السنين وعلى تحريم بيع الثمر قبل صلاحه وقد تقدم الكلام عليه وقد وقع الاتفاق على تحريم بيع الرطب بالتمر في غير العرايا وعلى تحريم بيع الحنطة في سنابلها بالحنطة منسلة وعلى تحريم بيع العنب بالزبيب ولا فرق عند جمهور أهل العلم بين الرطب والعنب على الشجر وبين ما كان مقطوعا منهما وجوز أبو حنيفة بيع الرطب المقطوع بخرصه من اليابس

باب الثمرة المشتراة يلحقها جائحة

1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع الجوائح "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود . وفي لفظ لمسلم " أمر بوضع الجوائح " . وفي لفظ قال " أن بعت من أخيك تمرا فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق " رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه

- وفي الباب عن عائشة عند البيهقي بنحوه وفي إسناده حارثة ابن أبي الرجال وهو ضعيف ولكنه في الصحيحين عنها مختصر وعن أنس وقد تقدم في باب بيع الثمرة قبل بدو صلاحها : قوله " الجوائح " جمع جائحة وهي الآفة التي تصيب الثمار فتهلكها يقال جاحهم الدهر واجتاحهم بتقديم الجيم على الحاء فيهما إذا أصابهم بمكروه عظيم ولا خلاف أن البرد والقحط والعطش شجائحة وكذلك كل ما كان آفة سماوية وأما ما كان من الآدميين كالسرقة ففيه خلاف منهم من لم يره جائحة تشبيها بالآفة السماوية ( وقد اختلف ) أهل العلم في وضع الجوائح إذا بيعت الثمرة بعد بدو صلاحها وسلمها البائع للمشتري بالتخلية ثم تلفت بالجائحة قبل أوان الجذاذ فقال الشافعي وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين والليث لا يرجع المشتري على البائع بشيء قالوا وإنما ورد وضع الجوائح فيما إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر على ما قيد به في حديث أنس المتقدم . واستدل الطحاوي على ذلك بحديث أبي سعيد " أصيب رجل في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصدقوا عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " أخرجه مسلم وأصحاب السنن قال فلما لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار بالعاهات ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن باعها منه دل على أن وضع الجوائح ليس على عمومه . وقال الشافعي في القديم هي ضمان البائع فيرجع المشتري عليه بنا دفعه من الثمن وبه قال أحمد وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم قال القرطبي وفي الأحاديث دليل واضح على وجوب اسقاط ما اجتيح من الثمرة عن المشتري ولا يلتفت إلى قول من قال إن ذلك لم يثبت مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قول أنس بل الصحيح رفع ذلك من حديث جابر وأنس وقال مالك ان أذهبت الجائحة دون الثلث لم يجب الوضع وان كان الثلث فأكثر وجب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الثلث والثلث كثير " قال أبو داود لم يصح في الثلث شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو رأي أهل المدينة . والراجح الوضع مطلقا من غير فرق بين القليل والكثير وبين البيع قبل بدو الصلاح وبعده وما أحتج به الأولون من حديث أنس المتقدم يجاب عنه بأن التنصيص على الوضع مع البيع قبل الصلاح لا ينافي الوضع مع البيع بعده ولا يصلح مثله لتخصيص ما دل على وضع الجوائح ولا لتقييده . وأما ما احتج به الطحاوي فغير صالح للاستدلال به على محل النزاع لأنه تصريح فيه بأن ذهاب ثمرة ذلك الرجل كان بعاهات سماوية وأيضا عدم نقل تضمين الثمرة لا يصلح للاستدلال به لانه قد نقل ما يشعر بالتضمين على العموم فلا ينافيه عدم النقل في قضية خاصة وسيأتي أحاديث أبي سعيد في كتاب التفليس ويأتي في شرحه بقية الكلام على الوضع

أبواب الشروط في البيع

باب اشتراط منفعة المبيع وما في معناها

1 - عن جابر " أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه قال ولحقني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا لي وضبه فسار سيرا لم يسر مثله فقال بعنيه فقلت لا ثم قال بعنية فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي "
- متفق عليه . وفي لفظ لأحمد والبخاري " وشرطت ظهره إلى المدينة "

- قوله " أعيا " الأعياء التعب والعجز عن السير : قوله " بعنيه " زاد في رواية متفق عليها " بوقية " وفي أخرى بخمس أواق . وفي أخرى أيضا بأوقيتين ودرهم أو درهمين وفي بعضها بأربعة دنانير . وفي بعضها بثمانمائة . وفي بعضها بعشرين دينارا . وقد جمع بين هذه الروايات بما لا يخلو عن تكلف . واستدل بهذا على جواز طلب البيع من المالك قبل عرض المبيع للبيع : قوله " حملانه " بضم الحاء المهملة والمراد الحمل عليه وتمام الحديث في الصحيحين " فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ثم رجعت فأرسل في أثري فقال أتراني ما كستك لا آخذ جملك خذ جملك ودراهمك فهو لك " وللحديث ألفاظ فيها اختلاف كثير وفي بعضها طول وهو يدل على جواز البيع مع استثناء الركوب وبه قال الجمهور وجوزه مالك إذا كانت مسافة السفر قريبة وحدها بثلاثة أيام . وقال الشافعي وأبو حنيفة وآخرون لا يجوز ذلك سواء قلت المسافة أو كثرت واحتجوا بحديث النهي عن بيع وشرط وحديث النهي عن الثنيا وأجابوا عن حديث الباب بأنه قصة عين تدخلها الاحتمالات ويجاب بأن حديث النهي عن بيع وشرط مع ما فيه من المقال هو أعم من حديث الباب مطلقا فيبني العام على الخاص . وأما حديث النهي عن الثنيا فقد تقدم تقييده بقوله " الا أن يعلم " وللحديث فوائد مبسوطة في مطولات شروح الحديث

أبواب النهي عن جمع شرطين من ذلك

1 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحل سلف ولا شرطان في بيع ولا ربح مالم يضمن ولا بيع ما ليس عندك "
- رواه الخمسة الا ابن ماجه فإن له منه " ربح مالم يضمن وبيع ما ليس عندك " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح

- الحديث صححه أيضا ابن خزيمة والحاكم وأخرجه ابن حبان والحاكم أيضا بلفظ " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع " وهو عند هؤلاء كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ووجد في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب عن عبد الله بن عمر بدون واو والصواب إثباتها . وأخرجه ابن حزم في المحلى والخطابي في المعالم والطبراني في الأوسط والحاكم في علوم الحديث من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ " نهى عن بيع وشرط " وقد استغربه النووي وابن أبي الفوارس : قوله " لا يحل سلف وبيع " قال البغوي المراد بالسلف هنا القرض . قال أحمد هو أن يقرضه قرضا ثم يبايعه عليه بيعا ويزداد عليه وهو فاسد لانه إنما يقرضه على أن يجابيه في الثمن وقد يكون السلف بمعنى السلم وذلك مثل أن يقول أبيعك عبدي هذا بألف على أن تسلفني مائة في كذا وكذا أو يسلم إليه في شيء ويقول لم يتهيأ المسلم فيه عندك فهو بيع لك وفي كتب جماعة من أهل البيت عليهم السلام أن السلف والبيع صورته أن يريد الشخص أن يشتري السلعة بأكثر من ثمنها لأجل النساء وعنده ان ذلك لا يجوز فيحتال فيستقرضه الثمن من البائع ليعجله إليه حيلة والأولى تفسير الحديث بما تقتضيه الحقيقة الشرعية أو اللغوية أو العرفية أو المجاز عند تعذر الحمل على الحقيقة لا بما هو معروف في بعض المذاهب غير معروف في غيره وقد عرفت الكلام في جواز بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء : قوله " ولاشرطان في بيع " قال البغوي هو أن يقول بعتك هذا العبد بألف نقدا أو بألفين فهذا بيع واحد تضمن شرطين يختلف المقصود فيه باختلافهما ولا فرق بين شرطين وشروط وهذا التفسير مروي عن زيد بن علي وأبي حنيفة وقيل معناه أن يقول بعتك ثوبي بكذا وعلى قصارته وخياطته فهذا فاسد عند أكثر العلماء وقال أحمد أنه صحيح وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فقال إن شرط في البيع شرطا واحدا صح وإن شرط شرطين أو أكثر لم يصح فيصح مثلا أن يقول بعتك ثوبي على أن أخيطه ولا يصح أن يقول على أن أقصره وأخيطه . ومذهب الأكثر عدم الفرق بين الشرط والشرطين واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان : قوله " ولا ربح مالم يضمن " يعني لا يجوز أن يأخذ ربح سلعة لم يضمنها مثل أن يشتري متاعا ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع فهذا البيع باطل وربحه لا يجوز لأن المبيع في ضمان البائع الأول وليس في ضمان المشتري منه لعدم القبض . قوله " ولا بيع ماليس عندك " وقد قدمنا الكلام عليه في باب النهي عن بيع مالا يملكه

باب من اشترى عبدا بشرط أن يعتقه

1 - عن عائشة " أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق فاشترطوا ولاءها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق "
- متفق عليه ولم يذكر البخاري لفظة أعتقيها

- قوله " بريرة " هي بفتح الباء الموحدة وبراءين بينهما تحتية بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو ثم الأراك وقيل أنها فعلية من البر بمعنى مفعولة أي مبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة أي بارة وكانت لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال قاله ابن عبد البر . وقد ذكر المصنف رحمه الله ههنا هذا الطرف من الحديث للاستدلال به على جواز البيع بشرط العتق وسيأتي الحديث بكماله قريبا قال النووي قال العلماء الشرط في البيع أقسام . أحدها يقتضيه إطلاق العقد كشرط تسليمه . الثاني شرط فيه مصلحة كالرهن وهما جائزان اتفاقا . الثالث اشتراط العتق في العبد وهو جائز عند الجمهور لهذا الحديث . الرابع ما يزيد على مقتضى العقد ولا مصلحة فيه للمشتري كاستثناء منفعته فهو باطل

باب أن من شرط الولاء أو شرطا فاسدا لغا وصح العقد

1 - عن عائشة " قالت دخلت علي بريرة وهي مكاتبة فقالت اشتريني فأعتقيني قلت لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي قلت لا حاجة لي فيك فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بلغه فقال ما شأن بريرة فذكرت عائشة ما قالت فقال اشتريها فأعتقيها ويشترطوا ماشاؤا قالت فاشتريتها فأعتقتها واشترط أهلها ولاءها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الولاء لمن أعتق وان اشترطوا مائة شرط "
- رواه البخاري . ولمسلم معناه . وللبخاري في لفظ آخر " خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق "

2 - وعن ابن عمر " ان عائشة أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال أهلها نبيعكها على ان ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا يمنعك ذلك فإن الولاء لمن أعتق "
- رواه البخاري والنسائي وأبو داود وكذلك مسلم لكن قال فيه عن عائشة جعله من مسندها

3 - وعن أبي هريرة قال " أرادت عائشة أن تشتري جارية تعتقها فأبي أهلها الا ان يكون الولاء لهم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا يمنعك ذلك فإن الولاء لمن أعتق "
- رواه مسلم

- قوله " اشتريها " في ذلك دليل على جواز بيع المكاتب إذا رضي لولم يعجز نفسه وبه قال أحمد وربيعة والأوزاعي والليث وأبو ثور ومالك والشافعي في احد قوليه واختاره ابن جرير وابن المنذر وغيرهما على تفاصيل لهم في ذلك كذا في الفتح وإلى مثل ذلك ذهب الهادي وأتباعه . وقال أبو حنيفة والشافعي في أصح القولين عنه وبعض المالكية أنه لا يجوز بيعه مطلقا ويروى عن ابن مسعود وأجابوا عن حديث الباب بأن بريرة عجزت نفسها بدليل استعانتها لعائشة كما في كثير من الروايات ويجاب بأنه ليس في استعانتها لعائشة ما يستلزم العجز : قوله " ويشترطوا ماشاؤا " فيه دليل على أن شرط البائع للعبد أن يكون الولاء له لا يصح بل الولاء لمن أعتق باجماع المسلمين : قوله " وان اشترطوا مائة شرط " قال النووي أي لو اشترطوا مائة مرة توكيدا فالشرط باطل وإنما حمل ذلك على التوكيد لأن الدليل قد دل على بطلان جميع الشروط التي ليست في كتاب الله فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة فإنها لو زاد عليها كان الحكم كذلك . قوله " واشترطي لهم الولاء " استشكل صدور الأذن منه صلى الله عليه وآله وسلم بشرط فاسد في البيع واختلف العلماء في ذلك فمنهم من أنكر الشرط في الحديث فروى الخطابي في المعالم بسنده إلى يحيى بن أكثم نه أنكر ذلك وعن الشافعي في الأم الاشارة إلى تضعيف هذه الرواية التي فيها الأذن بالاشتراط لكونه انفرد بها هشام بن عروة دون أصحاب أبيه وأشار غيره إلى أنه روي بالمعنى الذي وقع له وليس كما ظن وأثبت الرواية آخرون وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث متفق على صحته فلا وحه لرد ثم اختلفوا في توجيه ذلك فقال الطحاوي أن اللام في قولهم " لهم " بمعنى على كقوله تعالى ( وإن أسأتم فلها ) وقد أسند هذا البيهقي في المعرفة عن الشافعي وجزم به الخطابي عنه وهو مشهور عن المزني . وقال النووي أن هذا تأويل ضعيف وكذلك قال ابن دقيق العيد وقال آخرون الأمر في قوله " اشترطي " للإباحة أي اشترطي لهم أولا فإن ذلك لا ينفعهم ويقوي هذا قوله " وبشترطوا ما شاؤا " وقيل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كان أعلم الناس أن اشتراط الولاء باطل واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم العلم ببطلانه أطلق الأمر مريدا به التهديد كقوله تعالى { اعملوا ما شئتم } فكأنه قال اشترطي لهم الولاء فسيعلمون أن ذلك لا ينفعهم ويؤيد هذا ما قال صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك " ما بال رجال يشترطون شروطا " الخ فوبخهم بهذا القول مشيرا إلى أنه قد تقدم منه بيان إبطال إذ لو لم يتقدم منه ذلك لبدأ ببيان الحكم لا بالتوبيخ بعدم المقتضى له إذ هم يتمسكون بالبراءة الأصلية وقال الشافعي أنه أذن في ذلك لقصدان يعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ويرتدع به غيرهم وكان ذلك من باب الأدب وقيل معنى اشتراطي اتركي مخالفتهم فيما يشترطونه ولا تظهري نزاعهم فيما دعوا إليه مراعاة لتنجيز العتق لتشوف الشرع إليه . وقال النووي أقوى الأجوية أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القصة وأن سببه المبالغة في الزجر عن هذا الشرط لمخالفته حكم الشرع وهو كفسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج ويستفاد منه ارتكاب أخف المفسدتين إذا استلزم إزالة أشدهما وتعقب بأ ه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل . وقال ابن الجوزي ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنا للعقد فيحمل على أنه كان سابقا للعقد فيكون الأمر بقوله " اشترطي " مجرد وعد لا يجب الوفاء به وتعقب باستبعاد أن يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم شخصا أن يعد مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد . وقال ابن حزم كان الحكم ثابتا لجواز اشتراط الولاء لغير المعتق فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان ذلك جائزا فيه ثم نسخ بخطبته صلى الله عليه وآله وسلم وهو بعيد : قوله " فإنما الولاء لمن أعتق " فيه إثبات الولاء للمعتق ونفيه عما عداه كما تقتضيه إنما الحصرية واستدل بذلك على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه رجل أو وقع بينه وبين رجل محالفة . ولا للملتقط وسيأتي الكلام على بقية هذا الحديث في كتاب العتق إن شاء الله تعالى

باب شرط السلامة من الغبن

1 - عن ابن عمر قال ذكر " رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه يخدع في البيوع فقال من بايعت فقل لا خلابة "
- متفق عليه

2 - وعن أنس " أن رجلا عل ىعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يبتاع وكان في عقدته يعني في عقله ضعف فأتى أهله لنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف فدعاه ونهاه فقال يا نبي الله إني لا أصبر عن البيع فقال إن كنت غير تارك للبيع ها وها ولا خلابة "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وفيه صحة الحجر على السفيه لأنهم سألوه أياه وطلبوه منه وأقرهم عليه ولو لم يكن معروفا عندهم لما طلبواه ولا أنكر عليهم

3 - وعن ابن عمر " أن منقذا سفع في رأسه في الجاهلية مأمومة فحبلت لسانه فكان إذا بايع يخدع في البيع فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بايع وقل لا خلابة ثم أنت بالخيار ثلاثا قال ابن عمر فسمعته يبايع ويقول لا خذابة لا خذابة "
- رواه الحميدي في مسنده فقال حدثنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر فذكره

4 - وعن محمد بن يحيى ابن حبان قال هو جدي منقذ بن عمر وكان رجلا قد اصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه وكان لا يدع ذلك التجارة فكان لا يزال يغبن فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له فقال إذا أنت بايعت فقل لا خلابة ثم أنت في كل سعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال إن رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها "
- رواه البخاري في تاريخه وابن ماجه والدارقطني

- حديث أنس أخرجه أيضا الحاكم . وحديث ابن عمر الثاني أخرجه أيضا البخاري في تاريخه والحاكم في مستدركه وفي إسناده محمد بن إسحاق ( وفي الباب ) عن عمر بن الخطاب عند الشافعي وابن الجارود والحاكم والدارقطني وفيه أن الرجل اسمه حبان بن منقذ أخرجه أيضا عنه الدارقطني والطبراني في الأوسط وقيل أن القصة لمنقذ والد حبان كما في حديث الباب . قال النووي وهو الصحيح وبه جزم عبد الحق وجزم ابن طلاع بأنه حبان بن منقذ وتردد الخطيب في المبهمات وابن الجوزي في التنقيح قال ابن الصلاح وأما رواية افشتراط فمنكرة لا أصل لها : قوله " لا خلابة " بكسر المعجمة وتخفيف اللام أي لا خديعة قال العلماء لقنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا القول ليتلفظ به عند البيع فيطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة ويرى له ما يرى لنفسه والمراد أنه لو ظهر غبن رد الثمن واسترد المبيع واختلف العلماء في هذا الشرط هل كان خاصا بهذا الرجل أم يدخل فيه جميع من شرط هذا الشرط فعند أحمد ومالك في رواية عنه والمنصور بالله ووالإمام يحيى أنه يثبت الرد لكل من شرط هذا الشرط ويثبتون الرد بالغبن لمن لم يعرف قيمة السلع وقيده بعضهم بكون الغبن فاحشا وهو ثلث القيمة عنده قالوا بجامع الخدع الذي لأجله أثبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الرجل الخيار وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما جعل لهذا الرجل الخيار للضعف الذي كان في عقله كما في حديث أنس المذكور فلا يلحق به إلا من كان مثله في ذلك بشرط أن يقول هذه المقالة ولهذا روى أنه كان إذا غبن يشهد رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جعله بالخيار ثلاثا فيرجع في ذلك وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل مغبون وإن كان صحيح العقل ولا ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل إذا غبن ولم يقل هذه المقالة وهذا مذهب الجمهور وهو الحق واستدل بهذه القصة على ثبوت الخيار لمن قال لا خلابة سواء وجد غشا أو عيؤبا أم لا ولا يؤيده حديث ابن عمر الآخر والظاهر أنه لا يثبت الخيار إلا إذا وجدت خلابة إلا إذا لم توجد لأن السبب الذي ثبت الخيار لأجله هو موجود ما نفاه منها فإذا لم يوجد فلا خيار واستدل بذلك أيضا على جواز الحجر للسفه كما أشار إليه المصنف وغيره وهو استدلال صحيح لكن بشرط أن يطلب ذلك من الإمام أو الحاكم قرابة من كان في تصرفه سفه كما في حديث أنس : قوله " في عقدته " العقدجة العقل كما يشعر بذلك التفسير المذكور في الحديث وفي التلخيص العقدة الرأي وقيل هي العقدة في اللسان كما يشعر بذلك ما في رواية ابن عمر أنها خبلت لسانه وكذلك قوله فكسرت لسانه وعدم افصاحه بلفظ الخلابة حتى كان يقول لا خذابة بابدال اللام ذالا معجمة . وفي رواية لمسلم أنه كان يقول لاخنابة بابدال اللام نونا ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى { واحلل عقدة من لساني } ولم يذكر في القاموس الا عقدة اللسان : قوله " سفع " بالسين المهملة ثم الفاء ثم العين المهملة أي ضرب والمأمومة التي بلغت أم الرأس وهي الدماغ أو الجلدة الرقيقة التي عليه " قوله " ثم أنت بالخيار ثلاثا " استدل به على أن مدة هذا الخيار ثلاثة أيام من دون زيادة قال في الفتح لانه حكم ورد على خلاف الأصل فيقتصر به على أقصى ما ورد فيه ويؤيده جعل الخيار في المصراة ثلاثة أيام واعتبار الثلاث في غير موضع واغرب بعض المالكية فقال إنما قصره على ثلاث لأن معظم بيعه كان في الرقيق وهذا يحتاج إلى دليل ولا يكفي فيه مجرد الاحتمال انتهى . قوله " وعن محمد بن يحيى بن حبان " بفتح الحاء المهملة وهو غير صاحب الصحيح المعروف بابن حبان بكسر الحاء

باب إتيان خيار المجلس

1 - عن حكيم بن حزام " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو قال حتى يفترقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما "

2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه أختر وربما قال أو يكون بيع الخيار " وفي لفظ " إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أويخير أخدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع "
- متفق على ذلك كله . وفي لفظ " كل بيعين لا بيع حتى يتفرقا الا بيع الخيار " متفق عليه أيضا . وفي لفظ المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا الا بيع الخيار " . وفي لفظ " إذا تبايع المتبايعان بالبيع فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار فإذا كان بيعهما عن خيار فقد وجب قال نافع وكان ان عمر رحمه الله إذا بايع رجلا فأراد أن لا يقيله قام فمشى هنية ثم رجع " . أخرجاهما

- قوله " البيعان " بتشديد التحتانية يعني البائع والمشتري والبيع هو البائع أطلق على المشتري على سبيل التغليب أو لأن كل واحد من اللفظين يطلق على الآخر كما سلف : قوله " بالخيار " بكسر الخاء المعجمة اسم من الاختيار أو التخيير وهو طلب خير الأمرين من امضاء البيع أو فسخه والمراد بالخيار هنا خيار المجلس . قوله " مالم يفترقا " قد اختلف هل المعتبر التفرق بالأبدان أو بالأقوال فابن عمر حمله على التفرق بالأبدان كما في الرواية المذكورة عنه في الباب وكذلك حمله أبو برزة الأسلمي حكى ذلك عنه أبو داود : قال صاحب الفتح ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة قال أيضا ونقل ثعلب عن الفضل بن سلمة أنه يقال افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان ورده ابن العربي بقوله " وماتفرق الذي أوتوا الكتاب " فإنه ظاهر في التفريق بالكلام لأنه بالاعتقاد وأجيب بأنه من لازمه في الغالب لان من خالف آخر في عقيدته كان مستدعيا لمفارقته اياه ببدنه ولا يخفى ضعف هذا الجواب والحق حمل كلام الفضل على الاستعمال بالحقيقة وإنما استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعا انتهى . ويؤيد حمل التفرق على تفرق الأبدان ما رواه البيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ " حتى يتفرقا من كانهما " وروايات حديث الباب بعضها بلفظ التفرق وبعضها بلفظ الأفتراق كم عرفت فإذا كان حقيقة كل واحد منهما مخالفة لحقيقة الآخر مكا سلف فينبغي أن يحمل أحدهما على المجاز توسعا وقد دل الدليل على إرادة حقيقة التفرق بالابدان فيحمل ما دل على التفرق بالأقوال على معناه المجازي ومن الأدلة الدالة على إرادة التفرق بالأبدان قوله في حديث ابن عمر المذكور مالم يتفرقا وكانا جميعا . وكذلك قوله وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع فإن فيه البيان الواضح إن التفرق بالبدن . قال الخطابي وعلى هذا وجدنا أمر الناس في عرف اللغة وظاهر الكلام فإذا قيل تفرق الناس كان المفهوم منه التميز بالأبدان قال ولو كان المراد تفرق الأقوال كما يقول أهل الرأي لخلا الحديث عن الفائدة وسقط معناه وذلك ان العلم محيط بأن يشتري ما لم يوجد منه قبول المبيع فهو بالخيار وكذلك البائع خياره في ملكه ثابت قبل أن يعقد البيع وهذا من العلم العام الذي استقر بيانه قال وثبت ان المتبايعين هما المتعاقدان والبيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين ولا يقع حقيقة الا بعد حصول الفعل منهم كقولهم زان وسارق وإذا كان كذلك فقدصح أن المتبايعين هما المتعاقدان وليس بعد العقد تفرق إلا التمييز بالأبدان انتهى
فتقرر ان المراد بالتفرق المذكور في الباب تفرق الأبدان وبهذا تمسك من أثبت خيار المجلس وهم جماعة من الصحابة منهم علي صلوات الله عليه وأبو برزة الأسلمي وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم من التابعين شريح والشعبي وطاوس وعطاء وابن أبي مليكة نقل ذلك عنهم البخاري . ونقل ابن المنذر القول به أيضا عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة وعن الحسن البصري والأوزاعي وابن جريج وغيرهم وبالغ ابن حزم فقال لا تعرف لهم مخالف من التابعين إلا النخعي وحده ورواية مكذوبة عن شريح والصحيح عنه القول به ومن أهل البيت الباقر والصادق وزين العابدين وأحمد بن عيسى والناصر والإمام يحيى نقل ذلك عنهم صاحب البحر . وحكاه أيضا عن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وذهبت المالكية الا ابن حبيب والحنفية كلهم وإبراهيم النخعي إلى انها إذا وجبت الصفقة فلا خيار وحكاه صاحب البحر عن الثوري والليث . والأمامية وزيد بن علي والقاسمية والعنبري . قال ابن حزم لهم سلفا الا إبراهيم وحده وهذا الخلاف إنما خهو بعد التفرق بالأقوال وأما قبله فالخيار ثابت اجماعا ما في البحر . ولأهل القول الآخر أجوبة عن الأحاديث القاضية بثبوت خيار المجلس فمنهم من رده لكونه معارضا لما هو أقوى منه نحو قوله تعالى { وأشهدوا إذا تبايعتم } قالوا ولو ثبت خيار المجلس لكانت الآية غير مفيدة لأن الاشهاد إن وقع قبل التفرق لم يطابق الأمر وإن وقع بعد التفرق لم يصادف محلا . وقوله تعالى { تجارة عن تراض } فإنا تدل على أنه بمجرد الرضا يتم البيع وقوله تعالى { أوفوا بالعقود } لأن الراجع عن موجب العقد قبل التفرق لم يف به ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم " المسلمون على شروطهم " والخيار بعد العقد يفسد الشرط . ومنه حديث التحالف عند اختلاف المتبايعين لاقتضائه الحاجة إلى اليمين وذلك يستلزم لزوم العقد ولو ثبت خيار المجلس لكان كافيا في رفع العقد لا يخفى إن هذه الأدلة على فرض شمولها لمحل النزاع أعم مطلقا فيبنى العام على الخاص والمصير إلى الترجيح مع امكان الجمع غير جائز كما تقرر في موضعه ومن أهل القول الثاني من أجاب عن أحاديث خيار المجلس بأنها منسوخة بهذه الأدلة
قال في الفتح ولا حجة في شيء من ذلك لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والجمع بين الدليلين مهما أمكن لا يصار معه إلى الرجيح والجمع هنا ممكن بين الأدلة المذكورة بغير تعسف ولا تكلف انتهى . وأجاب بعضهم بأن إثبات خيار المجلس مخالف للقياس الجلي في الحاق ما قبل التفرق بما بعده وهو قياس فاسد الأعتبار لمصادمته النص . وأجاب بعضهم بأن التفرق بالأبدان محمول على الأستحباب تحسينا للمعاملة مع المسلم ويجاب عنه بأنه خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا الدليل وهذا يجاب عن قول من قال إنه محمول على الاحتياط للخروج من الخلاف وقيل أنه يحمل التفرق المذكور في الباب على التفرق في الأقوال كما في عقد النكاح والاجارة . قال في الفتح وتعقب بأنه قياس مع ظهور الفارق لأن البيع ينقل منه ملك رقبة المبيع ومنفعته بخلاف ماذكر . وقيل المراد بالمتبايعين المتساومان قال في الفتح ورد بأنه مجاز فالحمل على الحقيقة أو ما يقرب منها أولى . وقد احتج الطحاوي على ذلك بآيات وأحاديث استعمل فيها المجاز وتعقب بأنه لا يلزم من استعمال المجاز في موضع استعماله في كل موضع . قال البيضاوي ومن نفى خيار المجلس ارتكب مجازين لحمله التفرق على الأقوال وحمله للمتبايعين على المتساومين وأيضا فكلام الشارع يصان عن الحمل عليه لأنه يصير تقديره إن المتساومين إن شاآ عقده البيع وإن شاآ لم يعقداه وهو تحصيل حاصل لأن كل أحد يعرف ذلك . ولأهل القول الآخر أجوبة غير هذه فمنها ما سيأتي في آخر الباب ومنها غيره وقد بسطها صاحب الفتح وأجاب عن كل واحد منها وقد ذكرنا هنا ما كان تحتاج منها إلى الجواب وتركنا ما كان ساقطا فمن أحب الاستفاء ليرجع إلى المطولات وقد اختلف القائلون بأن المراد بالتفرق تفرق بالأبدان هل له حد ينتهي إليه أم لا والمشهور الراجح من مذاهب العلماء على ماذكره الحافظ أن ذلك موكولا إلى العرف فكل ما عد في العرف تفرقا حكم به وما لا فلا : قوله " فإن صدقا وبينا " أي صدق البائع في إخبار المشتري وبين العيب إن كان في السلعة وصدق المشتري في قدر الثمن وبين العيب إن كان في الثمن ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد وذكر أحدهما تأكيدا للأخر : قوله " محقت بركة يبعهما " يحتمل أن يكون على ظاهره وأن شؤم التدليس والكذب وقع في ذلك العقد فمحق بركته وإن كان مأجورا والكاذب مأزورا ويحتمل أن يكون ذلك مختصا بمن وقع منه التدليس بالعيب دون الأخر ورجحه ابن أبي حمزة : قوله " أو يقول أحدهما لصاحبه أختر " وربما قال أو يكون بيع الخيار قد اختلف العلماء في المراد بقوله ألا بيع الخيار فقال الجمهور هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق والمراد أنهما إن اختارا مضاء البيع قبل التفرق فقد لزم البيع حنئذ وبطل اعتبار التفرق فالتقدير ألا البيع الذي جرى فيه التخاير وقيل استثناء من انقطاع الخيار بالتفرق والمراد بقوله أو يخير أحدهما الأخر أي فيشترط الخيار مدة معينة فلا ينقضي الخيار بالتفرق بل يبقى حتى تمضي المدة حكاه ابن عبد البر عن أبي ثور ورجح الأول بأنه أقل في الإضمار ولا يخفى أن قوله في هذا الحديث فإن خير احدهما الأخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع معين للاحتمال الأول وكذلك قوله في الرواية الأخرى فإن كان بيعهما عن خيار فقد وجب وفي رواية للنسائي إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار وجب البيع وقيل هو استثناء من إثبات خيار المجلس والمعني أو خير أحدهما الأخر فيختار عدم ثبوت خيار المجلس فينتفي الخيار قال الفتح وهذا أضعف هذه الاحتمالات وقيل المراد بذلك أنهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يتخايرا ولو قبل التفرق وإلا أن يكون البيع بشرط الخيار ولو بعد التفرق قال في الفتح وهو قول يجمع التأويلين الأولين ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري في لفظ " إلا اليبع الخيار او يقول لصاحبه اختر إن حملت أو علي التقسيم لا على الشك " قوله " أو يخير بإسكان الراء عطفا على قوله مالم يتفرقا ويحتمل نصب الراء على أن أو بمعنى الا أن كما قيل انها كذلك في قوله أو يقول أحدهما لصاحبه اختر : قوله " قال نافع وكان ابن عمر " وهو موصول بإسناد الحديث ورواه مسلم من طريق ابن جريج عن نافع وهو ظاهر في إن ابن عمر كان يذهب إلى أن التفرق المذكور بالأبدان كما تقدم

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البيع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا إلا أن يكون صفقة خيار ولا يحل له ان يفارقه خشية أن يستقيله "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجة . ورواه الدارقطني وفي لفظ " حتى يتفرقا من مكانهما

4 - وعن ابن عمر قال " بعت من أمير المؤمنين عثمان مالا بالوادي بمال له بخيبر فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يرادني البيع وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا "
- رواه البخاري . وفيه دليل على أن الرؤية حال العقد لا تشترط بل تكفي الصفة أو الرؤية المتقدمة

- حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا البيهقي وحسنه الترمذي وفي الباب عن أبي بزرة عند أبي داود وابن ماجة بإسناد رجاله ثقات " أن رجلا باع فرسا بغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما يعني البائع والمشتري فلما أصبح من الغد حضر الرحيل فقام الرجل إلى فرسه يسرجه فندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع فأبى الرجل أن يدفعه إليه فقال بيني وبينك أبو بزرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاتيا أبا بزرة فقال اترضيان ان أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيعان بالخيار ما لم يفترقا " زاد في رواية أنه قالم ما أراكما افترقتما ( وفي الباب ) أيضا عن سمرة عند النسائي وعن ابن عباس عند ابن حبان والحاكم والبيهقي وعن جابر عند البزار والحاكم وصححه : قوله " صفقة خيار " بالرفع على ان كان تامة وصفقة فاعلها والتقدير الا أن توجد أو تحدث صفقة خيار والنصب على إن كان ناقصة واسمها مضمر وصفته خبر والتقدير الا أن تكون الصفقة صفقة خيار والمراد أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه أختر إمضاء البيع أو فسخه فاختار أحدهما تم البيع وإن لم يتفرقا كما تقدم : قوله " خشية أن يستقيله " بالنصب على أنه مفعول له واستدل بهذا أنه القائلون بعدم ثبوت خيار المجلس وقد تقدم ذكرهم قالوا لأن في هذا الحديث دليلا على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة وأجيب بان الحديث حجة عليهم لا لهم ومعناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما للبيع وعلى هذا حمله الترمذي وغيره من العلماء قالوا ولو كانت الفرقة بالكلام لم يكن له خيار بعد البيع ولو كان المراد حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد وقد أثبت في أول الحديث الخيار ومده إلى غاية التفرق ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها على الفسخ وحملوا نفي الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمرء وحسن معاشرة المسلم لا أن اختيار الفسخ حرام : قوله " رجعت على عقبي " الخ قيل لعله لم يبلغ ابن عمر حديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب ويمكن أن يقال أنه بلغه ولكنه عرف أنه لا يدل على التحريم كما تقدم . والمراد بقوله بالوادي وادي القرى قوله " أن يرادني " بتشديد الدال وأصله يراددني أي يطلب منه استرداده قوله " وكانت السنة " الخ يعني أن هذا هو السبب في خروجه من بيت عثمان وأنه فعل ليجب البيع ولا يبقى لعثمان خيار في فسخه

أبواب الربا

- قال الزمخشري في الكشاف كتبت بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع . وقال في الفتح الربا مقصور وحكى مده وهو شاذ وهو من ربا يربو فيكتب بالألف ولكن وقع في خط المصاحف بالواو اه قال الفراء إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربو فعلموهم الخط على صورة لغتهم قال وكذا قرأه أبو سماك العدوي بالواو وقراه حمزة والكسائي بالإمالة بسبب كسرة الراء وقرأه الباقون بالتفخيم لفتحة الباء قال ويجوز كتبه بالألف والواو والياء اه . وتثنيته ربو أن وأجاز الكوفيون كتابة تثنيته بالياء بسبب الكسر في أوله وغلطهم البصريون . قال في الفتح وأصل الزيادة إما في نفس الشيء كقوله تعالى { اهتزت وربت } وأما في مقابلة كدرهم بدرهمين فقيل هو درهمين فقيل هو حقيقة فيهما . وقيل حقيقة في الأول مجازو في الثاني حقيقة شرعية ويطلق الربا على كل مبيع محرم اه ولا خلاف بين المسلمين في تحريم الربا وإن اختلفوا في تفاصيله

باب التشديد فيه

1 - عن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي غير أن لفظ النسائي آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة "

2 - وعن عبد الله بن حنطلة عسيل الملائكة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية "
- رواه أحمد

- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وأخرجه مسلم من حديث جابر بلفظ " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه هم سواء " وفي الباب عن علي عليه السلام عند النسائي وعن أبي جحفة تقدم في أول البيع وحديث عبد الله بن حنظلة وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط والكبير قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح ويشهد له حديث البراء عند ابن جرير بلفظ " الربا إثنان وستون بابا أدناها مثل إتيان الرجل امه " وحديث أبي هريرة عند البيهقي بلفظ " الربا سبعون بابا أدناها الذي يقع على أمه " وأخرج عنه جرير نحوه وكذلك أخرج عنه نحوه ابن أبي الدنيا وحديث عبد الله بن مسعود عند الحاكم وصححه بلفظ " الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح أمه وان اربى الربا عرض الرجل السلم " قوله " آكل الربا " بمد الهمزة ومؤكله بسكون الهمزة بعد الميم ويجوز إبدالها واوا أي ولعن مطعمه غيره وسمي آخذ المال آكلا ودافعه مؤكلا لأن المقصود منه الأكل وهو أعظم منافعه وسببه إتلاف أكثر الأشياء : قوله " وشاهديه " رواية أبي داود بالافراد والبيهقي وشاهديه أو شاهده : قوله وكاتبه فيه دليل على تحريم كتابة الربا إذا علم ذلك وكذلك الشاهد لا يحرم عليه الشهادة إلا مع العلم فأما من كتب أو شهد غير عالم فلا يدخل في الوعيد ( ومن جملة ) ما يدل على تحريم كتابة الربا وشهادته وتحليل الشهادة والكتابة في غيره قوله تعالى { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } وقوله تعالى { واشهدوا إذا تبايعتم } فأمر بالكتابة والإشهاد فيما أحله وفهم منه تحريمهما فيما حرمه : قوله " أشد من ست وثلاثين " الخ يدل على أن معصية الربا من أشد المعاصي لأن المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشد منها لا شك أنها تجاوزت الحد في القبح وأقبح منها استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم ولهذا جعلها الشارع أربى الربا وبعد الرجل يتكلم بالكلمة التي لا يجد لها لذة ولا تزيد في ماله ولا جاهه فيكون أثمه عند الله أشد من إثم من زنا ست وثلاثين زنية هذا ما لا يصنعه بنفسه عاقل نسأل الله تعالى السلامة آمين آمين

باب ما يجري فيه الربا

1 - عن أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منهما غائبا بناجز "
- متفق عليه . وفي لفظ " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطى فيه سواء " رواه أحمد والبخاري . وفي لفظ " لاتبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء " رواه أحمد ومسلم

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي

3 - وعن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه "
- رواه مسلم

4 - وعن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن "
- رواه مسلم والنسائي وأبو داود

- قوله " الذهب بالذهب " يدخل في الذهب جميع أنواعه من مضروب ومنقوش وجيد ورديء وصحيح ومكسر وحلى وتبر وخالص ومغشوش . وقد نقل النووي وغيره الاجماع على ذلك . قول " إلا مثل بمثل " هو مصدر في موضع الحال أي الذهب يباع بالذهب موزونا بموزون أو مصدر مؤكد أي يوزن وزنا بوزن . وقد جمع بين المثل والوزن في رواية مسلم المذكورة : قوله " ولا تشفوا " بضم أوله وكسر الشين المعجمة وتشديد الفاء رباعي من أشف والشف بالكسر الزيادة ويطلق على النقص والمراد هنا لا تفضلوا قوله " بناجز " بالنون والجيم والزاي أي لا تبيعوا مؤجلا بحال . ويحتمل أن يراد بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقا مؤجلا كان أو حالا والناجز الحاضر : قوله " والفضة بالفضة " يدخل في ذلك جميع أنواع الفضة كما سلف في الذهب : قوله " والبر بالبر " بضم الباء وهو الحنطة والشعير بفتح أوله ويجوز الكسر وهو معروف وفيه رد على من قال أن الحنطة والشعير صنف واحد وهو مالك والليث والأوزاعي وتمسكوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الطعام بالطعام " كما سيأتي ويأتي الكلام على ذلك : قوله " فمن زاد " الخ فيه التصريح بتحريم ربا الفضل وهو مذهب الجمهور للأحاديث الكثيرة في الباب وغيرها فإنها قاضية بتحريم بيع هذه الأجناس بعضها بعض متفاضلا . وروى عن ابن عمر أنه يجوز ربا الفضل ثم رجع عن ذلك . وكذلك روى عن ابن عباس واختلف في رجوعه فروى الحاكم انه رجع عن ذلك لما ذكر له أبو سعيد حديثه الذي في باب واستغفر الله وكان ينهي عنه أشد النهي . وروى مثل قولهما عن أسامة ابن زيد وابن الزبير وزيد بن أرقم وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير واستدلوا على جواز ربا الفضل بحديث أسامة عند الشيخين وغيرهما بلفظ " إنما الربا في النسيئة " زاد مسلم في رواية عن ابن عباس " لا ربا فيما كان يدا بيد " وأخرج الشيخان والنسائي عن أبي المنهال قال سألت زيد بن أرقم والبراء بن عازب عن الصرف فقالا نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا . وأخرج مسلم عن أبي نضرة قال سألت ابن عباس عن الصرف فقال إلا يدا بيد قلت نعم قال فلا بأس فأخبرت ابا سعيد فقال أو قال ذلك انا سنكتب إليه فلا يفتيكموه وله من وجه آخر عن أبي نضرة سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسا وأني لقاعد عند أبي سعيد فسألته عن الصرف فقال مازاد فهو ربا فأنكرت ذلك لقولهما فذكر الحديث قال فحدثني أبو صهبا أنه سأل ابن عباس عنه فكرهه . قال في الفتح واتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد . فقيل أن حديث أسامة منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال
وقيل المعنى في قوله " لا ربا " الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب لا عالم في البلد إلا زيد مع أن فيها علماء غيره وإنما القصد نفى الأكمل الأصل وأيضا نفى تحريم ربى الفضل من حديث أسامة إنما هو المفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة عام لأنه يدل على نفي ربا الفضل عن كل شيء سواء كان من الأجناس المذكورة في أحاديث الباب أم لا فهو أعم منها مطلقا . فيخصص هذا المفهوم بمنطوقها . وأما ما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه لا ربا فيما كان يدا بيد كما تقدم فليس ذلك مرويا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى تكون دلالته على نفي ربا الفضل منطوقه ولو كان مرفوعا لما رجع ابن عباس واستغفر لما حدثه أبو سعيد بذلك كما تقدم وقد روى الحازمي رجوع ابن عباس واستغفاره عند ان سمع عمر بن الخطاب وابنه عبد الله يحدثان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما يدل على تحريم ربا الفضل وقال حفظتما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم أحفظ وروى عنه الحازمي أيضا أنه قال كان ذلك برأيي وهذا أبو سعيد الخدري يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتركت رأيي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى تسليم أن ذلك الذي قاله ابن عباس مرفوع فهو عام مخصص بأحاديث الباب لأنها أخص منها مطلقا . وأيضا الأحاديث القاضية بتحريم ربا الفضل ثابتة عن جماعة من الصثحابة في الصحيحين وغيرهما قال الترمذي بعد أن ذكر حديث أبي سعيد وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان وأبي هريرة وهشام بن عامر والبراء وزيد بن أرقم وفضالة بن عبيد وأبي بكرة وابن عمر وأبي الدرداء وبلال اه . وقد ذكر المصنف بعض ذلك في كتابه هذا وخرج الحافظ في التلخيص بعضها فلو فرض معارضة حديث أسامة لها من جميع الوجوه وعدم إمكان الجمع أو الترجيح بما سلف لكان الثابت عن الجماعة أرجح من الثابت عن الواحد : قوله " ولا الورق بالورق " بفتح الواو وكير الراء وبإسكانها على المشهور ويجوز فتحهما كذا في الفتح وهو الفضة وقيل بكسر الواو المضروبة وبفتحها المال . والمراد هنا جميع أنواع الفضة مضروبة وغير مضروبة : قوله " إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء " الجمع بين هذه الألفاظ لقصد التأكيد أو للمبالغة . قوله " إلا ما اختلفت ألوانه " المراد أنه ما اختلفا في اللون اختلافا يصير به كل واحد منهما جنسا غير جنس مقابله فمعناه معنى ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم " وسنذر إن شاء الله ما يستفاد منه

5 - وعن أبي بكرة قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب والأسواء بسواء وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا "
- أخرجاه وفيه دليل على جواز الذهب بالفضة مجازفة

6 - وعن عمر بن الخطاب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذهب بالورق ربا الاهاء وهاء والبر بالبر ربا الاهاء وهاء والشعير بالشعير ربا الاهاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء "
- متفق عليه

7 - وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد "
- رواه أحمد ومسلم . وللنسائي وابن ماجه وأبو داود نحوه في آخره " وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا " وهو صريح في كون البر والشعير جنسين

8 - وعن معمر بن عبد الله قال " كنت أسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول الطعام بالطعام مثلا بمثلا وكان طعامنا يومئذ الشعير "
- رواه أحمد ومسلم

9 - وعن الحسن عن عبادة وأنس بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا وما كيل فمثل ذلك فإذا اختلف النوعان فلا بأس به "
- رواه الدارقطني

- حديث أنس وعبادة أشار إليه في التلخيص ولم يتكلم عليه وفي إسناده الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وغيره وضعفه جماعة . وقد أخرج هذا الحديث البزار أيضا ويشهد لصحته حديث عبادة المذكور أولا وغيره من الأحاديث : قوله " كيف شئنا " هذا الإطلاق مقيد بما في حديث عبادة من قوله " إن كان يدا بيد " فلا يد في بيع الربويات ببعض من التقابض ولا سيما في الصرف وهو بيع الدارهم بالذهب وعكسه فإنه متفق على اشتراطه . وظاهر هذا الإطلاق والتفويض إلى المشيئة انه يجوز بيع الذهب بالفضة والعكس وكذلك سائر الأجناس الربوية إذا بيع بعضها ببعض من غير تقييد بصفة من الصفات غير صفة القبض ويدخل في ذلك بيع الجزاف وغيره : قوله " الا هاء وهاء " بالمد فيهما وفتح الهمزة وقيل بالكسر وقيل بالسكون وحكى القصر بغير همز وخطأها الخطابي ورد عليه النووي وقال هي صحيحة لكن قليلة . والمعنى خذ وهات وحكى بزيادة كاف مكسورة ويقال هاء يكسر الهمزة بمعنى هات وبفتحها بمعنى خذ . وقال ابن الأثير هاء وهاء هو أن يقول كل واحد من البيعين هاء فيعطيه ما في يده وقيل معناهما خذ وأعط قال وغير الخطابي يجيز فيه السكون . وقال ابن مالك هاء اسم فعل بمعنى خذ . وقال الخليل هاء كلمة تستعمل عند المناولة والمقصود من قوله هاء وهاء أن يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه هاء فيتقابضان في المجلس قال فالتقدير لا تبيعوا الذهب بالورق الا مقولا بين المتعاقدين هاء وهاء : قوله " فإذا اختلفت هذه الأصناف " الخ ظاهر هذا انه لا يجوز بيع جنس ربوي بجنس آخر الا مع القبض ولا يجوز مؤجلا ولو اختلفا في الجنس والتقدير كالحنطة والشعير بالذهب والفضة وقيل يجوز مع الأختلاف المذكور وإنما يشترط التقابض في الشيئين المختلفين جنسا المتفقين تقديرا كالفضة بالذهب والبر بالشعير إذ لا يعقل التفاضل والاستواء الا فيما كان كذلك ويجاب بأن مثل هذا لا يصلح لتخصيص النصوص وتقييدها وكون التفاضل والاستواء لا يعقل في المختلفين جنسا وتقديرا ممنوع والسند أن التفاضل معقول لو كان الطعام يوزن أو النقود تكال ولو في بعض الأزمان والبلد ان ثم انه قد يبلغ ثمن الطعام إلى مقدار من الدراهم كثير عند شدة الغلاء بحيث يعقل أن يقال الطعام أكثر من الدراهم وما المانع من ذلك وأما الاستدلال على جواز ذلك بحديث عائشة عند البخاري ومسلم وغيرهما قالت " اشترى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يهودي طعاما بنسيئة وأعطاه درعا له رهنا " فلا يخفى أن غاية ما فيه أن يكون مخصصا للنص المذكور لصورة الرهن فيجوز في هذه الصورة لا في غيرها لعدم صحة الحاق مالا عوض فيه عن الثمن بما فيه عوض عنه وهو الرهن نعم ان صح الإجماع الذي حكاه المغربي في شرح بلوغ المرام فإنه قال واجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلا أو مؤجلا كبيع الذهب بالحنطة وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل اه كان ذلك هو الدليل على الجواز عند من كان يرى حجية الإجماع وأما إذا كان الربوي يشارك مقابله في العلة فإن كان بيع الذهب بالفضة أو العكس فقد تقدم أنه يشترط التقابض إجماعا إن كان في غير ذلك من الأجناس كبيع البر بالشعير أو بالتمر أو العكس فظاهر الحديث عدم الجواز وإليه ذهب الجمهور
وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن علية لا يشترط والحديث يرد عليه . وقد تمسك مالك بقوله " إلا يدا بيد " وبقوله الذهب بالورق وبالا هاء وهاء على أنه يشترط القبض في الصرف عند الإيجاب بالكلام ولا يجوز التراخي ولو كان في المجلس . وقال الشافعي وأبو حنيفة والجمهور ان المعتبر التقابض في المجلس وان التراخي عن الإيجاب والظاهر الأول ولكنه أخرج عبد الرزاق وأحمد وابن ماجه عن ابن عمر " انه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اشتر الذهب بالفضة فإذا أخذت واحدا منهما فلا تفارق صاحبك وبينكما لبس " فيمكن أن يقال أن هذه الرواية تدل على اعتبار المجلس : قوله " ان يبيع البر بالشعير " الخ فيه كما قال المصنف تصريح بان البر والشعير جنسان وهو مذهب الجمهور وحكى عن مالك والليث والأوزاعي كما تقدم أنما جنس واحد وبه قال معظم علماء المدينة وهو محكي عن عمر وسعد وغيرهما من السلف وتمسكوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم الطعام بالطعام كما في حديث معمر بن عبد الله المذكور ويجاب عنه بما في آخر الحديث من قوله " وكان طعامنا يومئذ الشعير " فإنه في حكم التقييد لهذا المطلق وأيضا التصريح بجواز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا كما في حديث عبادة وكذلك عطف أحدهما على الآخر كما في غيره من أحاديث الباب مما لا يبقي معه ارتياب في انهما جنسان ( واعلم ) أنه قد اختلف هل يلحق بهذه الأجناس المذكورة في الأحاديث غيرها فيكون حكمه حكمها في تحريم التفاضل والنساء مع الأتفاق في الجنس وتحريم النساء فقط مع الأختلاف في الجنس والاتفاق في العلة فقالت الظاهرية إنه لا يلحق بها غيرها في ذلك . وذهب من عداهم من العلماء إلى أنه يلحق بها ما يشاركها في العلة ثم اختلفوا في العلة ماهي فقال الشافعي هي الاتفاق في الجنس والطعم فيما عدا النقدين وأماهما فلا يلحق بهما غيرهما من الموزونات واستدل على اعتبار الطعم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الطعام بالطعام " وقال مالك في النقدين كقول الشافعي وفي غيرهما العلة الجنس والتقدير والاقتيات وقال ربيعة بل اتفاق الجنس ووجوب الزكاة
وقالت العترة جميعا بل العلة في جميعها اتفاق الجنس والتقدير بالكيل والوزن واستدلوا على ذلك بذكره صلى الله عليه وآله وسلم للكيل والوزن في أحاديث الباب ويدل على ذلك أيضا حديث أنس المذكور فإنه حكم فيه على كل موزون مع اتحاد نوعه وعلى كل مكيل كذلك بأنه مثل بمثل فاشعر بان الأتفاق في أحدهما مع اتحاد النوع موجب لتحريم التفاضل بعموم النص لا بالقياس وبه يرد على الظاهرية لأنهم إنما منعوا من الألحاق لنفيهم للقياس . ومما يؤيد ذلك ما سيأتي في حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الميزان مثل ماقال في المكيل على ما سيبينه المصنف إن شاء الله تعالى وإلى مثل ما ذهبت إليه العترة ذهب أبو حنيفة وأصحابه كما حكى ذلك عن المهدي في البحر وحكى عنه أنه يقول العلة في الذهب الوزن وفي الأربعة الباقية كونها مطعومة موزونة أو مكيلة ( والحاصل ) أنه قد وقع الاتفاق بين من عدا الظاهرية بأن جزء العلة الأتفاق في الجنس واختلفوا في تعيين الجزء الآخر على تلك الأقوال ولم يعتبر أحد منهم العدد جزأ من العلة مع اعتبار الشارع له كما في رواية من حديث أبي سعيد " ولادرهمين بدرهم " وفي حديث عثمان عند مسلم " لاتبيعوا الدينار بالدينارين "

10 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءهم بتمر جنيب فقال أكل تمر خيبر هكذا قال انا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا وقال في الميزان مثل ذلك "
- رواه البخاري

- الحديث أخرجه أيضا مسلم . قوله " رجلا صرح أبو عوانة والدارقطني ان اسمه سواد بن غزية بمعجمة فزاي فياء مشددة كعطية : قوله " جنيب " بفتح الجيم وكسر النون وسكون التحتية وآخره موحدة اختلف في تفسيره فقيل هو الطيب وقيل الصلب . وقيل ما أخرج منه حشفه وريئه وقبل مالا يختلط بغيره . وقال في القاموس ان الجنيب تمر جيد . قوله " بع الجمع " بفتح الجيم وسكون الميم قال في الفتح هو التمر المختلط بغيره . وقال في القاموس هو الدقل أو صنف من التمر ( والحديث ) يدل على أنه لا يجوز بيع ردئ الجنس بجيده متفاضلا وهذا أمر مجمع عليه لاخلاف بين أهل العلم فيه وأما سكوت الرواة عن فسخ البيع المذكور فلا يدل على عدم الوقوع أما ذهولا وإما اكتفاء بان ذلك معلوم . وقد ورد في بعض طرق الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا هو الربا فرده كما بنه على ذلك في الفتح وقد استدل أيضا بهذا الحديث على جواز بيع العينة لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يشتري بثمن الجمع جنيبا ويمكن أن يكون بائع الجنيب منه هو الذي اشترى منه الجمع فيكون قد عادت إليه الدراهم التي هي عين ماله لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمره بأن يشتري الجنيب من غير من باع منه الجمع وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم . قال في الفتح وتعقب بأنه مطلق والمطلق لا يشمل فإذا عمل به في صورة سقط الأحتجاج به في غيرها فلا يصح الاستدلال به على جواز الشراء ممن باع منه تلك السلعة بعينها انتهى . وسيأتي الكلام على بيع العينة . قوله " وقال في الميزان مثل ذلك " أي مثل ما قال في المكيل من أنه لا يجوز بيع بعض الجنس منه ببعضه متفاضلا وان اختلفا في الجودة والرداءة بل يباع رديئه بالدراهم ثم يشتري بهذا الجيد والمراد بالميزان هنا الموزون . قال المصنف رحمه الله وهو حجة في جريان الربا في الموزونات كلها لان قوله في الميزان أي في الموزون وإلا فنفس الميزان ليست من أموال الربا انتهى

باب في ان الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل

1 - عن جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها باليكل المسمى من التمر "
- رواه مسلم والنسائي وهو يدل بمفهومه على انه لو باعها بجنس غير التمر لجاز

- قوله " الصبرة " قال في القاموس والصبرة بالضم ما جمع من الطعام بلا كيل ووزن انتهى . قوله " لا يعلم كيلها " صفة كاشفة للصبرة لأنه لا يقال لها صبرة إلا إذا كانت مجهولة الكيل ( والحديث ) فيه دليل على أنه لا يجوز أن يباع جنس بجنسه وأحدهما مجهول المقدار لأن العلم بالتساوي مع الأتفاق في الجنس شرط لا يجوزالبيع بدونه ولا شك أن الجهل بكلا البدلين أو بأحدهما فقط مظنة للزيادة والنقصان وما كان مظنة للحرام وجب تجنبه وتجنب هذه المظنة إنما يكون بكيل المكيل ووزن الموزون من كل واحد من البدلين

باب من باع ذهبا وغيره بذهب

1 - عن فضالة بن عبيد قال " اشتريت قلادة يوم خيبر بأثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتاه فوجدت فيها أكثر من أثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا يباع حتى يفصل "
- رواه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه . وفي لفط " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا حتى تميز بينه وبينه فقال إنما أردت الحجارة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا حتى تميز بينهما قال فرده حتى ميز بينهما " . رواه أبو داود

- الحديث قال في التلخيص له عند الطبراني في الكبير طرق كثيرة جدا في بعضها قلادة فيها خرز وذهب . وفي بعضها ذهب وجوهر . وفي بعضها خرز وذهب . وفي بعضها حرز معلقة بذهب وفي بعضها بأثني عشر دينارا . وفي بعضها بتسعة دنانير . وفي أخرى بسبعة دنانير . وأجاب البيهقي عن هذا الاختلاف بأنها كانت بيوعا شهدها فضالة . قال الحافظ والجواب المسدد عندي أن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفا بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه وهو النهي عن بيع مالم يفصل وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به بهذه الحال ما يوجب الحكم بالاضطراب وحينئذ ينبغي الترجيح بين رواتها وإن كان الجميع ثقات فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم فيكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة انتهى . وبعض هذه الروايات التي ذكرها الطبراني في صحيح مسلم وسنن أبي داود : قوله " ففصلتها " بتشديد الصاد ( الحديث ) استدل به على أنه لا يجوز بيع الذهب مع غيره بذهب حتى يفصل من ذلك الغير ويميز عنه ليعرف مقدار الذهب المتصل بغيره ومثله الفضة مع غيرها بفضة وكذلك سائر الأجناس الربوية لاتحادها في العلة وهي تحريم بيع الجنس بجنسه متفاضلا . ومما يرشد إلى استواء الأجناس الربوية في هذا ماتقدم من النهي عن بيع الصبرة من التمر بالكيل المسمى من التمر . وكذلك نهيه عن بيع التمر بالرطب حرصا لعدم التمكن من معرفة التساوي على التحقيق وكذلك في مثل مسألة القلادة يتعذر الوقوف على التساوي من دون فصل ولا يكفي مجرد الفصل بل لابد من معرفة مقدار المفصول والمقابل له من جنسه . وإلى العمل بظاهر الحديث ذهب عمر بن الخطاب وجماعة من السلف والشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحكم المالكي وقالت الحنفية والثوري والحسن بن صالح والعترة أنه لا يجوز إذا كان الذهب المنفرد أكثر من الذي في القلادة ونحوها لامثله ولا دونه . وقال مالك يجوز إذا كان الذهب تابعا لغيره بأن يكون الثلث فما دون . وقال حماد بن أبي سليمان أنه يجوز بيع الذهب مع غيره بالذهب مطلقا سواء كان المنفصل مثل المتصل أو أقل أو أكثر وأعتذرت الحنفية ومن قال بقولهم عن الحديث بأن الذهب كان أكثر من المنفصل واستدلوا بقوله ففصلتها فوجدت فيها أكثرمن أثني عشر دينار والثمن إما سبعة أو تسعة وأكثر ما روي أنه أثنا عشر . وأجيب عن ذلك ماتقدم عن البيهقي من أن القصة التي شهدها فضالة كانت متعددة فلا يصح التمسك بما وقع في بعضها واهدار البعض الآخر وأجيب أيضا بأن العلة هي عدم الفصل وظاهر ذلك عدم الفرق بين المساوي والأقل والأكثر والغنيمة وغيرها وبهذا يجاب عن الخطابي حيث قال أن سبب النهي كون تلك القلادة كانت من الغنائم مخافة أن يقع المسلمون في بيعها وقد أجاب الطحاوي عن الحديث بأنه مضطرب . قال السبكي وليس ذلك باضطراب قادح ولا ترد الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك انتهى . وقد عرفت مماتقدم أنه لا اضطراب في محل الحجة والاضطراب في غيره لا يقدح فيه وبهذا يجاب أيضا على ما قاله مالك . وأما ما ذهب إليه حماد بن أبي سليمان فمردود في الحديث على جميع التقادير ولعله يتعذر عنه بمثل ما قال الخطابي أو لم يبلغه . قوله " حتى تميز " بضم تاء المخاطب في أوله وتشديد الياء المكسورة بعد الميم . قوله " إنما أردت الحجارة " يعني الخرز الذي في القلادة ولم أرد الذهب

باب مرد الكيل والوزن

1 - عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة "
- رواه أبو داود والنسائي

- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا البزار وصححه ابن حبان والدارقطني وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس مكان ابن عمر . قوله " المكيال مكيال أهل المدينة " الخ فيه دليل على أنه يرجع عند الاختلاف في الكيل إلى مكيال المدينة وعند الاختلاف في الوزن إلى ميزان مكة . أما مقدار ميزان مكة فقال ابن حزم بحثت غاية البحث عن كل من وثقت بتمييزه فوجدت كلا يقول أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بالحب من الشعير والدرهم سبعة أعشار المثقال فوزن الدرهم سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة فالرطل مائة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور وأما مكيال المدينة فقد قدمنا تحقيقه في الفطرة . ووقع في رواية لأبي داود من طريق الوليد بن مسلم عن حنظلة ابن أبي سفيان الجمحي قال وزن المدينة ومكيال مكة والرواية المذكورة في الباب من طريق سفيان الثوري عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر وهي أصح . وأما الرواية التي ذكرها أبو داود عن ابن عباس فرواها أيضا الدارقطني من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس ورواه من طريق أبي نعيم عن الثوري عن حنظلة عن سالم بدل طاوس عن ابن عباس قال الدارقطني أخطأ أبو أحمد فيه

باب النهي عن بيع كل رطب من حب أو تمر بيابسه

1 - عن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المزابنة أن يبيع الرجل تمر حائطه إن كان بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه بزبب كيلا وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام نهى عن ذلك كله "
- متفق عليه

2 - ولمسلم في رواية " وعن كل ثمر بخرصه "

3 - وعن سعد بن أبي وقاص قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال لمن حوله أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فنهى عن ذلك "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي

- حديث سعد أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححوه أيضا ابن المديني وأخرجه الدارقطني والبيهقي وقد أعله جماعة منهم الطحاوي والطبري وابن حزم وعبد الحق بان في إسناده زيد أبا عياش وهو مجهول . قال في التلخيص والجواب ان الدارقطني قال أنه ثقة ثبت . وقال المنذري وقد روى عنه ثقات واعتمده مالك مع شدة نقده وقال الحاكم لا أعلم أحدا طعن فيه : قوله " عن المزابنة " قد تقدم ضبطها في باب النهي عن بيع التمر قبل بدو صلاحه : قوله " ثمر حائطه " بالمثلثة وفتح الميم قال في الفتح المراد به الرطب خاصة . قوله " بتمر كيلا " بالمثناة من فوق وسكون الميم والمراد بالكرم العنب قال في الفتح وهذا أهل المزابنة وألحق الجمهور بذلك كل بيع مجهول بمجهول أو بمعلوم من جنس يجري فيه الربا . قال فأما من قال اضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعا مثلا فما زاد فلي ومانقص فعلي فهو من القمار وليس من المزابنة وتعقبه الحافظ بأنه قد ثبت في البخاري عن ابن عمر تفسير المزابنة ببيع التمر بكيل إن زاد فلي وإن نقص فعلي قال فثبت أن من صور المزابنة هذه الصورة من القمار ولا يلزم من كونها قمارا أن لا تسمى مزابنة . قال ومن صور المزابنة بيع الزرع بالحنطة بما أخرجه مسلم في تفسير المزابنة عن نافع بلفظ " المزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب وبيع الزرع بالحنطة كيلا . وقد أخرج هذا الحديث البخاري كما ذكره المصنف ههنا ولم ينفرد به مسلم وقد قدمنا مثل هذا في باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه وقدمنا أيضا ما فسر به مالك المزابنة قوله " أينقص " الاستفهام ههنا ليس المراد به حقيقته أعني طلب الفهم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان عالما بأنه ينقص إذا يبس بل المراد تنبيه السامع بأن هذا الوصف الذي وقع عنه الأستفهام هو علة النهي ومن المشعرات بذلك الفاء في قوله فنهى عن ذلك ويستفاد من هذا عدم جواز بيع الرطب بالرطب لأن نقص كل واحد منهما لا يحصل العلم بأنه نقص الآخر وما كان كذلك فهو مظنة للربا . وقد ذهب إلى ذلك الشافعي وجمهور أصحابه وعبد الملك بن الماجشون وأبو حفص العكبري من الحنابلة وذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه والمزني والروياني من أصحاب الشافعي إلى أنه يجوز . قال ابن المنذر إن العلماء اتفقوا على جواز ذلك ألا الشافعي ويدل على عدم الجواز أن الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري روى حديث ابن عمر بلفظ " نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمرة بالثمرة " وذلك يشمل بيع الرطب بالرطب

باب الرخصة في بيع العرايا

1 - عن رافع بن خديج وسهل ابن أبي حثمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر الا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وزاد فيه وعن بيع العنب بالزبيب وعن كل ثمر بخرصه "

2 - وعن سهل بن أبي حثمة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا أن يشتري بخرصها يأكلها أهلها رطبا "
- متفق عليه . وفي لفظ " عن بيع الثمر بالتمر وقال ذلك الربا تلك المزابنة الا أنه رخص في بيع العرية النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا " متفق عليه

3 - وعن جابر قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول حين أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بخرصها يقول الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة "
- رواه أحمد

4 - وعن زيد بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا أن تباع بخرصها كيلا "
- رواه أحمد والبخاري . وفي لفظ " رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا " متفق عليه . وفي لفظ آخر " رخص في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك " أخرجاه . وفي لفظ " بالتمر وبالطب " رواه أبو داود

- حديث جابر أخرجه أيضا الشافعي وصححه ان خزيمة وابن حبان والحاكم ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند الشيخين " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق " قوله : " بيع الثمر بالتمر " الأول بالمثلثة وفتح الميم والثاني بالمثناة الفوقية وسكون الميم والمراد بالأول ثمر النخلة وقد صرح بذلك مسلم في رواية فقال " ثم النخلة " وليس المراد الثمر من غير النخل لأنه يجوز بيعه بالتمر بالمثناة والسكون : قوله " الا أصحاب العرايا " جمع عرية قال في الفتح وهي في الأصل عطية ثمر النخل دون الرقبة كانت العرب في الجدب تتطوع بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الأبل بالمنيحة وهي عطية اللبن الرقبة ويقال عريت النخلة بفتح العين وكسر الراء تعرى إذا افردت عن حكم اخواتها بأن أعطاها المالك فقيرا قال مالك العرية أن يعري الرجل الرجل الخلة أي يهبها له أو يهب له ثمرها ثم يتأذى بدخوله عليه ويرخص الموهوب له للواهب أن يشتري رطبها منه بتمر يابس هكذا علقه البخاري عن مالك ووصله ابن عبد البر من رواية ابن وهب . وروى الطحاوي عن مالك ان العرية النخلة للرجل في حائط غيره فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه فيقول أنا أعطيك بخرص نخلة تمرا فيرخص له في ذلك فشرط العرية عند مالك أن يكون لأجل التضرر من المالك بدخول غيره إلى حائطه أو لدفع الضررعن الآخر لقيام صاحب النخل بما يحتاج إليه . وقال الشافعي في الأم وحكاه عنه البيهقي ان العرايا ان يشتري الرجل ثمر النخلة بخرصه من التمر بشرط التقابض في الحال واشترط مالك أن يكون التمر مؤجلا . وقال ابن إسحاق في حديثه عن ابن عمر عند أبي داود والبخاري تعليقا ان يعري الرجل الرجل أي يهب له في ماله النخلة والنخلتين فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها . وأخرج الإمام أحمد عن سفيان بن حسين ان العريا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطعيون أن ينتظروا بها فرخص لهم أن يبيعوها بما شاؤا من التمر . وقال يحيى بن سعيد الأنصاري العرية أن يشتري الرجل ثمر النخلات لطعام أهله رطبا بخرصها تمرا قال القرطبي كأن الشافعي اعتمد في تفسير العرية على قول يحيى بن سعيد . وأخرج أبو داود عن عبد ربه ابن سعيد الأنصاري وهو أخو يحيى المذكور أنه قال العرية الرجل يعري الرجل النخلة أو الرجل يستثني من ماله النخلة يأكلها رطبا فيبيعها تمرا . وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع قال سمعنا في تفسير العرية إنها النخلة يعريها الرجل للرجل ويشتريها في بستان الرجل . وقال في القاموس وأعراه النخلة وهبه ثمرة علمها والعرية النخلة المعراة والتي أكل ما عليها . وقال الجوهري هي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا بأن يجعل له ثمرها عاما من عراه إذا قصده قال في الفتح صور العرية كثيرة . منها أن يقول رجل لصاحب النخل يعني ثمر نخلات باعيانها بخرصها من التمر فيخرصها ويبيعها ويقبض منه التمر ويسلم له النخلات بالتخلية فينتفع برطبها
ومنها أن يهب صاحب الحائط لرجل نخلات أو ثمر نخلات معلومة من حائطه ثم يتضرر بدخوله عليه فيخرصها ويشتري رطبها بقدر خرصه بتمر معجل . ومنها أن يهبه اياها فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمرا ولا يحب أكلها ربا لاحتياجه إلى التمر فيبيع ذلك الرطب بخرصه من الواهب أو من غيره بتمر يأخذه معجلا . ومنها أن يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه ويستثني منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله وهي التي عفى له خرصها في الصدقة وسميت عرايا لأنا أعريت عن أن تخرص في الصدقة فرخص لأهل الحاجة الذين لانقدلهم وعنده فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمير من رطب تلك النخلات بخرصها ومما يطلق عليه اسم العرية ان يعري رجلا ثمر نخلات يبيح له أكلها والتصرف فيها وهذ هبة محضة . ومنها أن يعري عامل الصدقة لصاحب الحائط من حائطه نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة وهاتان الصورتان من العرايا لابيع فيهما وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور وقصر مالك العرية في البيع على الصورة الثانية . وقصرها أبو عبيد على الصورة الأخيرة من صور البيع وأراد به رخص لهم أن يأكلوا الرطب ولا يشترونه لتجارة ولا ادخار ومنع أبو حنيفة صور البيع كلها وقصر العرية على الهبة ويه أن يعري الرجل الرجل ثمر نخلة من نخله ولا يسلم ذلك ثم يبدو له أن يرتجع تلك الهبة فرخص له أن يحتبس ذلك ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب يخرصه تمرا وحمله على ذلك أخذه بعموم النهي عن بيع الثمر بالتمر وتعقب بالتصريح باستثناء العرايا في الأحاديث قال ابن المنذر الذي رخص في العرية هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة . قال ونظير ذلك الأذن في السلم مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تبع ماليس عندك " قال ولو كان المراد الهبة لما استثنيت العرية من البيع ولأنه عبر بالرخصة والرخصة لا تكون الا في شيء ممنوع والمنع إنما كان في البيع لا الهبة وبأنها قيدت بخمسة أوسق والهبة التتقيد
وقد احتج أبي حنيفة لمذهبه بأشياء تدل على أن العرية ولا حجة في شيء منه . لأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية أن لا تطلق شرعا على صور أخرى . وقالت الهادوية وهو وجه في مذهب الشافعي أن رخصة العرايا مختصلة بالمحاويج الذين لا يجدون رطبا فيجوز لهم أن يشتروا منه بخرصه تمرا واستدلوا بما أخرجه الشافعي في مختلف الحديث عن زيد بن ثابت أنه سمي رجالا محاجين من الأنصارى شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبا ويأكلون مع الناس وعندهم فضول قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر ويجاب عن دعوى اختصاص العرايا بهذه الصورة أما أولا فبالقدح في هذا الحديث فإنه انكره محمد بن داود الظاهري على الشافعي وقال ابن حزم لم يذكر الشافعي له إسنادا فبطل . وأم ثانيا فعلى تسليم صحته لا منافاة بينه وبين الأحاديث الدالة على أن العرية أعم من الصورة التي اشتمل عليها ( والحاصل ) أن كل صورة من سور العرايا ورد بها حديث صحيح أو ثبتت عن أهل الشرع أو أهل اللغة فهي جائزة لدخولها تحت مطلق الأذن والتنصيص في بعض الأحاديث على بعض الصور لا ينافي ما ثبت في غيره : قوله " بخرصه " بفتح الخاء المعجمة وأشار ابن التين إلى جواز كسرها وجزم ابن العربي بالكسر وانكر الفتح وجوزهما النووي وقال الفتح أشهر قال ومعناه بقدر مافيه إذا صار تمرا فمن فتح قال هو اسم الفعل ومن كسر قال هو اسم للشيء المخروص قال في الفتح والخرص هو التخمين والحدس : قوله " يقول الوسق والوسقين " الخ استدل بهذا من قال أنه لا يجوز في بيع العرايا الا دون خمسة أوسق وهو الشافعية والحنابلة وأهل الظاهر قالوا لأن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة فيؤخذ بما يتحقق فيه الجواز ويلقي ما وقع فيه الشك ولكن مقتضى الاستدلال بهذا الحديث أن لا يجوز مجاوزة الأربعة الأوسق مع أنهم يجوزونها إلى دون الخمسة بمقدار يسير . والذي يدل على ما ذهبوا إليه حديث أبي هريرة الذي ذكرناه لقوله فيه دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق فيلقي الشك وهو الخمسة ويعمل بالمتيقن وهو ما دونها وقد حكى هذا القول صاحب البحر عن أبي حنيفة ومالك والقاسم وأبي العباس وقد عرفت ما سلف من تحقيق مذهب أبي حنيفة في العرايا وحكى في الفتح أن الراحج عند المالكية الجواز في الخمسة عملا برواية الشك واحتج لهم بقول سهل ابن أبي حثمة إن العرية ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة قال في الفتح ولا حجة فيه لأنه موقوف وحكى الماوردي عن ابن المنذر أنه ذهب إلى تحديد ذلك بالأربعة الأوسق وتعقبه الحافظ بأن ذلك لم يوجد في شيء من كتب ابن المنذر . وقد حكى هذا المذهب ابن عبد البر عن قوم وهو ذهاب إلى ما فيه حديث جابر من الأقتصار على الأربعة وقد ترجم ابن حبان الاحتياط لا يزيد على أربعة أوسق . قال الحافظ وهذا الذي قاله يتعين المصير إليه وأما جعله حدا لا يجوز تجاوزه فليس بالواضح اه وذلك لان دون الخمسة المذكورة في حديث أبي هريرة يقضي بجواز الزيادة على الأربعة الا أن يجعل الدون مجملا مبينا بالأربعة كان واضحا ولكنه لا يخفى أنه لا إجمال في قوله " دون خمسة أوسق " لأنها تتناول ما صدق عليه الدون لغة وتما كان كذلك لا يقال له مجمل ومفهوم العدد في الأربعة لا يعارض المنطوق الدال على جواز الزيادة عليها : قوله " ولم يرخص في غير ذلك " فيه دليل على أنه لا يجوز شراء الرطب على رؤوس النخل بغير التمر والرطب . وفيه أيضا دليل على جواز الرطب المخروص على رؤوس النخل بالرطب المخروص على الأرض وهو رأي بعض الشافعية منهم ابن خيران . وقيل لا يجوز وهو رأي الاصطخري منهم وصححه جماعة وقيل إن كانا نوعا واحدا لم يجز إذ لا حاجة إليه وإن كانا نوعين جاز وهو رأي أبي إسحاق وصححه ابن أبي عصرون . وهذا كله فيما إذا كان أحدهما على النخل والآخر على الأرض وأما في غير ذلك فقد قدمنا الكلام عليه في الباب قبل هذا

باب بيع اللحم بالحيوان

1 - عن سعيد بن المسيب " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان " ز
- رواه مالك في الموطأ

- الحديث أخرجه أيضا الشافعي مرسلا من حديث سعيد وأبو داود في المراسيل ووصله الدارقطني في الغريب عن مالك عن الزهري عن سهل بن سعد وحكم بضعفه وصوب الرواية المرسلة المذكورة وتبعه ابن عبد البر وله شاهد من حديث ابن عمر عند البزار في إسناده ثابت بن زهير وهو ضعيف . وأخرجه أيضا من رواية أبي أمية بن يعلى عن نافع أيضا وأبو أمية ضعيف وله شاهد أقوى منه من رواية الحسن عن سمرة عند الحاكم والبيهقي وابن خزيمة وقد اختلف في صحة سماعه منه وروى الشافعي عن ابن عباس ان جزورا نحرت على عهد أبي بكر فجاء رجل بعناق فقال أعطوني منها فقال أبو بكر لا يصلح هذا وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف ولا يخفى إن الحديث ينتهض للاحتجاج بمجموع طرقه فيدل على عدم جواز بيع اللحم بالحيوان وإلى ذلك ذهبت العترة والشافعي إذا كان الحيوان مأكولا وإن كان غير مأكول جاز عند العترة ومالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه لاختلاف الجنس . وقال الشافعي في أحد قوليه لا يجوز لعموم النهي . وقال أبو حنيفة يجوز مطلقا واستدل على ذلك بعموم قوله تعالى { وأحل الله البيع } وقال محمد بن الحسن الشيباني إن غلب اللحم جاز ليقابل الزائد منه الجلد

باب جواز التفاضل والنسيئة في غير المكيل والموزون

1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى عبدا بعبدين "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي ولمسلم معناه

2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى صفية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه

- قوله " ولمسلم معناه " ولفظه عن جابر قال " جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الهجرة ولم يشعر أنه عبد فجاء سيده يريده فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعنيه واشتراه بعدبدين أسودين ثم لم يبايع أحدا بع حتى يسأله أعبد هو " وفي الحديثين دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا إذا كان يدا بيد وهذا مما خلاف فيه وإنما الخلاف في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وسيأتي . وقصة صفية أشار إليها البخاري في البيع وذكرها في غزوة خيبر

3 - وعن عبد الله بن عمرو قال " أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أبعث جيشا على إبل كانت عندي قال فحملت الناس عليها حتى نفدت الأبل وبقيت بقية من الناس قال فقلت يا رسول الله الأبل قد نقدت وقد بقيت بقية من الناس لا ظهر لهم فقال بي ابتع علينا ابلا بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى تنفذ هذا البعث قال وكنت أبتاع البعير بقلوصين وثثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذت ذلك البعث فلما جاءت إبل الصدقة أداها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وأبو داود والدارقطني بمعناه

4 - وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه " أنه باع جملا يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل "
- رواه مالك في الموطأ والشافعي في مسنده

5 - وعن الحسن عن سمرة قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وروى عبد الله بن أحمد مثله من رواية جابر بن سمرة

- حديث ابن عمرو في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف وقوى الحافظ في الفتح إسناده وقال الخطابي في إسناده مقال ولعله يعني من أجل محمد بن إسحاق ولكن قد رواه البيهقي في سننه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . وأثر علي عليه السلام هو م طريق الحسن بن محمد بن علي عن علي عليه السلام وفيه انقطاع بين الحسن وعلي . وقد روى عنه ما يعارض هذا فأخرج عبد الرزاق من طريق ابن المسيب عنه أنه كره بعيرا ببعيرين نسيئة . وروى ابن أبي شيبة عنه نحوه وحديث سمرة صححه ابن الجارود ورجاله ثقات كما قال في الفتح الا أنه اختلف في سماع الحسن من سمرة . وقال الشافعي هو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث جابر بن سمرة عزاه صاحب الفتح إلى زيادات المسند لعبد الله بن أحمد كما فعل المصنف وسكت عنه ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند البزار والطحاوي وابن حبان والدارقطني بنحو حديث سمرة قال في الفتح ورجاله ثقات الا انه اختلف في وصله وإرساله فرجح البخاري وغير واحد إرساله انتهى . قال البخاري حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة من طريق عكرمة عن ابن عباس رواه الثقات عن ابن عباس موقوفا . وعن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا ( وفي الباب ) أيضا عن ابن عمر عند الطحاوي والطبراني وعنه أيضا عند مالك في الموطأ والشافعي أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة . وذكره البخاري تعليقا وعنه أيضا عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة إنه سئل عن بعير بيعيرين فكرهه . وروى البخاري تعليقا عن ابن عباس ووصله الشافعي أنه قال قد يكون خيرا من البعيرين . وروى البخاري تعليقا أيضا عن رافع بن خديج ووصله عبد الرزاق أنه اشترى بعيرا ببعيرين فأعطه أحدهما وقال آتيك بالآخر غدا . وروى البخاري أيضا عن مالك وابن أبي شيبة عن ابن المسيب أنه أنه قال لا ربا في الحيوان . وروى البخاري أيضا وعبد الرزاق عن ابن سيرين أنه قال لا بأس ببعيرين . قوله " حتى نفدت الأبل " بفتح النون وكسر الفاء وفتح الدال المهملة وآخره تاء التأنيث . قوله " بقلائص " قال ابن رسلان جمع قلوص وهي الناقة الشابة : قوله " حتى نفدت ذلك البعث " بفتح النون وتشديد الفاء بعدها دال معجمة ثم تاء المتكلم أي حتى تجهز ذلك الجيش وذهب إلى مقصده والأحاديث والآثار المذكورة في الباب متعارضة كما ترى فذهب الجمهور إلى جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة متفاضلا مطلقا وشرط مالك أن يختلف الجنس ومنع من ذلك مطلقا مع النسيئة أحمد بن حنبل وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين والهادوية وتمسك الأولون بحديث ابن عمرو وما ورد في معناه من الآثار وأجابوا عن حديث سمرة بما فيه من المقال . وقال الشافعي المراد به النسيئة من الطرفين لأن اللفظ يحتمل ذلك كما يحتمل النسيئة من طرف وإذ كانت النسيئة من الطرفين فهي من بيع الكاليء بالكاليء وهو لا يصح عند الجميع واحتج المانعون بحديث سمرة وجابر بن سمرة وابن عباس وما في معناها من الآثار وأجابوا عن حديث ابن عمرو بأنه منسوخ ولا يخفى ان النسخ لا يثبت الا بعد نقرر تأخر الناسخ ولم ينقل ذلك فلم يبق ههنا إلا الطلب لطريق الجمع إن أمكن ذلك أو المصير إلى التعارض قيل وقد أمكن الجمع بما سلف عن الشافعي ولكنه متوقف على صحة إطلاق النسيئة على بيع المعدوم بالمعدوم فإن ثبت ذلك في لغة العرب أو في اصطلاح الشرع فذاك وإلا فلا شك أن أحاديث النهي وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال لكنها ثبتت من طريق ثلاثة من الصحابة سمرة وجابر بن سمرة وابن عباس وبعضها يقوي بعضا فهي أرجح من حديث واحد غير خال عن المقال وهو حديث عبد الله بن عمرو ولا سيما وقد صحح الترمذي وابن الجارود حديث سمرة فإن ذلك مرجح آخر . وأيضا قد تقرر في الأصول إن دليل التحريم أرجح من دليل الإباحة وهذا أيضا مرجح ثالث . وأما الآثار الواردة عن الصحابة فلا حجة فيها وعلى فرض ذلك فهي مختلفة كما عرفت

باب أن من باع سلعة بنسيئة لا يشتريها أقل مما باعهاز

1 - عن ابن إسحاق السبيعي عن امرأته " أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم فقالت يا أم المؤمنين أني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وأني ابتعته منه بستمائة نقدا فقالت لها عائشة بئس ما اشتريت وبئس ما شريت إن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بطل إلا أن يتوب "
- رواه الدارقطني

- الحديث في إسناده الغالية بنت أيفع وقد روى عن الشافعي أنه لا يصح وقرر كلامه ابن كثير في إسناده وفيه دليل على أنه لا يجوز لمن باع شيئا بثمن نسيئة أن يشتريه من المشتري بدون ذلك الثمن نقدا قبل قبض الثمن الأول إما إذا كان المقصود التحيل لأخذ النقد في الحال ورد أكثر منه بعد أيام فلا شك إن ذلك من الربا المحرم الذي لا ينفع في تحليله الحيل الباطلة وسيأتي الخلاف في بيع العينة في الباب الذي بعد هذا . والصورة المذكورة هي صورة بيع العينة وليس في حديث الباب ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن هذا البيع ولكن تصريح عائشة بأن مثل هذا الفعل موجب لبطلان الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدل على أنها قد علمت تحريم ذلك بنص من الشارع إما على جهة العموم كالأحاديث القاضية بتحريم الربا الشامل لمثل هذه الصورة أو على جهة الخصوص كحديث العينة الآتي ولا ينبغي أن يظن بها أنها قالت هذه المقالة من دون أن تعلم بدليل على التحريم لأن مخالفة الصحابي لرأي صحابي آخر لا تكون من جهة الموجبات للإحباط

باب ما جاء في بيع العينة

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم "
- رواه أحمد وأبو داود . ولفظه " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "

- الحديث أخرجه أيضا الطبراني وابن القطان وصححه . قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات . وقال في التلخيص وعندي إن إسناد الحديث الذي صححه ابن القطان معلول لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحا لأن الأعمش مدلس ولم يذكر سماعه من عطاء وعطاء يحتمل أن يكون عطاء الخراساني فيكون فيه تدليس التسوية باسقاط نافع بين عطاء وابن عمر انتهى . وإنما قال هكذا لأن الحديث رواه أحمد والطبراني من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء عن ابن عمر ورواه أحمد وأبو داود من طريق عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر . وقال المنذري في مختصر السنن مالفظه في إسناده إسحاق بن أسيد أبو عبد الرحمن الخراساني نزيل مصر لا يحتج بحديثه وفيه أيضا عطاء الخراساني وفيه مقال انتهى . قال الذهبي فيل الميزان إن هذا الحديث مناكيره وقد ورد النهي عن العينة من طرق عقد لها البيهقي في سننه بابا ساق فيه جميع ما ورد في ذلك وذكر علله . وقال روى حديث العينة من وجهين ضعيفين عن عطاء بن أبي رياح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال ورورى عن ابن عمر موقوفا أنه كره ذلك . قال ابن كثير وروى من وجه ضعيف أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا وبعضده حديث عائشة يعني المتقدم في الباب الذي قبل هذا وهذه الطرق يشد بعضها بعضا : قوله " بالعينة " بكسر العين المهملة ثم ياء تحتية ساكنة ثم نون . قال الجوهري العينة بالكسر السلف . وقال في القاموس وعين أخذ بالعينة بالكسر أي السلف أو أعطى بها قال والتاجر باع سلعته بثمن لي أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن انتهى . قال الرافعي وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نفد أقل من ذلك القدر انتهى . قال ابن رسلان في شرح السنن وسميت هذا المبايعة عينة لحصول النقد لصاحب العينة لأن العين هو المال الحاضر والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره ليصل به إلى مقصورده اه . وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد والهادوية وجوز ذلك الشافعي وأصحابه مستدلين على الجواز بما وقع من ألفاظ البيع التي لا يراد بها حصول مضمونه وطرحوا الأحاديث المذكورة في الباب واستدل ابن القيم على عدم جواز العينة بما روى عن الأوزاعي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع قال وهذا الحديث وإن كان مرسلا فإنه صالح للاعتضاد به بالأتفاق وله من المسندات ما يشهد له وهي الأحاديث الدالة على تحريم العينة فإنه من المعلوم إن العينة عند من يستعملها إنما يسميها بيعا وقد اتفقا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد ثم غير اسمها إلى المعاملة وصورتها إلى التبايع الذي لا قصد لهما فيه البتة وإنما هو حيلة ومكر وخديعة لله تعال فمن أسهل الحيل على من أراد فعله أن يعطيه مثلا ألفا الا درهما باسم القرض ويبيعه خرقة تساوي درهما بخمسمائة درهم : وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " إنما الأعمال بالنيات " أصل في إبطال الحيل فإن من أراد أن يعامله معاملة يعطيه فيها ألفا بألف وخمسمائة أنما نوى بالأقراض تحصيل الربح الزائد الذي أظهر أنه ثمن الثوب فهو في الحقيقة أعطاه الفا حالة بالف وخمسمائة مؤجلة وجعل صورة القرض وصورة البيع محللا لهذا المحرم ومعلوم إن هذا لا يرفع التحريم ولا يرفع المفسدة التي حرم الربا لاجلها بل يزيدها قوة وتأكيدا من وجوه عديدة منها أنه يقدم على مطالبة الغريم المحتاج من جهة السلطان والحكام اقداما لا يفعله المربى لأنه واثق بصورة العقد الذي تحيل به . هذا معنى كلام ابن القيم
قوله " واتبعوا أذناب البقر " المراد الاشتغال بالحرث . وفي الرواية الأخرى " وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع " وقد حمل هذا على الأشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد . قوله " وتركوا الجهاد " أي المتعين فعله . وقد روى الترمذي بإسند صحيح عن ابن عمر " كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى الجماعة فضالة بن عبيد فحمل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم فصاح المسلمون وقالوا سبحان الله يلقى بيده إلى التهلكة فقام أبو أيوب فقال يا أيها الناس إنكم لتأولون هذا التأويل وإنما نزلت هذه الآية لما أعز الله الكلام وكثر ناصروه فقال بعضنا لبعض سرا أن أموالنا قد ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منا فأنزل الله على نبيه ما يرد علينا فقال { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } فكانت التهلكة الأموال واصلاحها وترك الغزو : قوله " ذلا " بضم الذال المعجمة وكسرها أي صغارا ومسكنة . ومن أنواع الذل الخراج الذي يسلمونه كل سنة لملاك الأرض وسبب هذا الذل والله أعلم أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الاسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه وهو انزال الذلة بهم فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان : قوله " حتى ترجعوا إلى دينكم " فيه زجر بليغ لأنه نزل الوقوع في هذه الأمور منزلة الخروج من الدين وبذلك تمسك من قال بتحريم العينة وقيل إن دلالة الحديث على تحريم غير واضحة لأنه قرن العينة بالأخذ بأذناب البقر والأشتغال بالزرع وذلك غير محرم وتوعد عليه بالذل وهو لا يدل على التحريم ولكنه لا يخفى ما في دلالة الاقتران من التضعف ولانسلم إن الوعد بالذل لا يدل على التحريم لان طلب أسباب العزة الدينية وتجنب أسباب الذلة المنافية للدين واجبان على كل مؤمن وقد توعد على ذلك بإنزال البلاء وهو لا يكون إلا لذنب شديد وجعل الفاعل لذلك بمنزلة الخارج من الدين المرتد على عقبه وصرحت عائشة بأنه من المحبطات للجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث السالف وذلك إنما هو شأن الكبائر

باب ما جاء في الشبهات

1 - عن النعمان بن بشير " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما يشتبه عليه من الأثم كان لما استبان أترك وم أجترأ على ما يشك فيه من الأثم أو شك أو يواقع ما استبان والمعاصي حمي الله من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه "
- متفق عليه

- قوله " الحلال بين " الخ فيه تقسم للأحكام إلى ثلاثة أشياء وهو تقسيم صحيح لان الشيء إما أن ينص الشارع على طلبه مع الوعيد على تركه أو ينص على تركه مع الوعيد على فعله أو لانيص على واحد منهما . فالأول الحلال البين . والثاني الحرام البين . والثالث المشتبه لخفائه فلا يدري احلال هو أم حرام وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لانه إن كان في نفس الأمر حراما فقد برئ من التبعة وإن كان حلالا فقد استحق الأجر على الترك لهذا القصد لأن الأصل مختلف فيه حظرا وإباحة . وهذا التقسيم قد وافق قول من قال ممن سيأتي إن المباح والمكروه من المشبهات ولكنه يشكل عليه المندوب فإنه لا يدخل في قسم الحلال البين على ما زعمه صاحب هذا التقسيم والمراد بكون كل واحد من القسمين الأولين بينا أنه مما لا يحتاج إلى بيان أو مما يشترك في معرفته كل أحد وقد يرد أن جميعا أي ما يدل على الحل والحرمة فإن علم المتأخر منهما فذاك وإلا كان ما ورد فيه القسم الثالث : قوله " أمور مشتبهة " أي شبهت بغيرها مما لم يتبين فحكمه على التعيين زاد في رواية للبخاري " لا يعلمها كثير من الناس " أي لا يعلم حكمها وجاء واضحا في رواية للترمذي ولفظه " لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام " ومفهوم قوله كثير أن معرفة حكمها ممكن لكن للقليل من الناس وهم المجتهدون فالشبهات على هذا في حق غيرهم وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين . قوله " والمعاصي حمى الله " في رواية للبخاري وغيره " ألا أن حمى الله تعالى في أرضه محارمه " والمراد بالمحارم والمعاصي فعل المنهى المحرم أوترك المأمور الواجب والحمي المحمي أطلق المصدر على اسم المفعول . وفي اختصاص التمثيل بالحمى نكتة وهي إن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مخصبة يتوعدون من رعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة فمثل لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو مشهور عندهم فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه فبعده أسلم له وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن يقع الخصب في الحمى فال يملك نفسه أن يقع فيه فالله سبحانه هو الملك حقا وحماه محارمه ( وقد اختلف ) في حكم الشبهات فقيل التحريم وهو مردود وقيل الكراهة . وقيل الوقف وهو كالخلاف فيما قبل الشرع واختلف العلماء أيضا في تفسير الشبهات . فمنهم من قال إنها ما تعارضت فيه الأدلة . ومنهم من قال إنها ما اختلف فيه العلماء وهو منتزع من التفسير الأول . ومنهم من قال إن المراد بها قسم المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك ومنهم من قال هي المباح ونقل ابن المنير عن بعض مشايخه أنه كان يقول المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام والمباح عقبة بينه وبين المكروه فمن استكثر من تطرق إلى المكروه . ويؤيد هذا ما وقع في رواية لابن حبان من الزيادة بلفظ " اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه " قال في الفتح بعد أن ذكر التفاسير للمشتبهات التي قدمناها ما لفظه والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول قال ولا يبعد أن يكون كل من الأوجه مرادا ويختلف ذلك باختلاف الناس فالعالم الفطن عليه تمييز الحكم فلا يقع له ذلك إلا في الاستكثار من المباح أو المكروه وم دونه تقع له الشبهة في جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال ولا يخفى أن المستكثر من المكروه تصير فيه جراءة على ارتكاب المنهي في الجملة أو يحمله اعتياده لارتكاب المنهي غير المحرم على ارتكاب المنهي المحرم أو يكون ذلك لسر فيه وهو أن من تعاطي مانهى عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع في الحرام ولو لم يختر الوقوع فيه ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم " فمن ترك ما يشتبه عليه من الإثم " الخ . ( وأعلم أن العلماء ) قد عظموا أمر هذا الحديث فعدوه رابع أربعة تدور عليها الأحكام كما نقل عن أبي داود وغيره وقد جمعها من قال
عمدة الدين عندنا كلمات مسندات من قول خير البرية
اترك الشبهات وازهد ودع ما ليس بعينيك واعملن بنية
والإشارة بقوله ازهد إلى حديث " ازهد فيما في أيدي الناس " أخرجه ابن ماجه وحسن إسناده الحافظ وصححه الحاكم عن سهل بن سعد مرفوعا بلفظ " ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس " وله شاهد عند أبي نعيم من حديث أنس ورجاله ثقات . والمشهور عن أبي داود عد حديث " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه " مكان حديث " ازهد " المذكور . وعد حديث الباب بعضهم ثالث ثلاثة وحذف الثاني وأشار ابن العربي أنه يمكن أن ينزع منه وحده جميع الأحكام قال القرطبي لأنه اشتمل على التفصيل بين الحلال وغيره وعلى تعلق جميع الأعمال بالقلب فمن هناك يمكن أن ترد جميع الأحكام إليه . وقد ادعى أبو عمر الداني أن هذا الحديث لم يروه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير النعمان بن بشير فمن أراد من وجهه صحيح فمسلم وان أراد على الإطلاق فمردود فإنه في الأوسط للطبراني من حديث ابن عمر وعمار وفي الكبير له من حديث ابن عباس وفي الترغيب للأصبهاني من حديث وائلة وفي أسانيدها مقال كما قال الحافظ

2 - وعن عطية السعدي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس "
- رواه الترمذي

3 - وعن أنس قال " ان كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليصيب التمرة فيقول لولا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها "
- متفق عليه

4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما فليأكل من طعامه ولا يسأله عنه وإن سقاه شربا من شرابه فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه "
- رواه أحمد

5 - وعن أنس بن مالك " قال إذا دخلت على مسلم لا يتهم فكل من طعامه واشرب من شرابه "
- ذكره البخاري في صحيحه

- حديث عطية السعدي حسنه الترمذي وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن أبي الدرداء نحوه ولفظه " تمام التقوى أن يتقي الله حتى يترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما " . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي ضعفه الجمهور وقد وثق قال في مجمع الزوائد وبقية رجال أحمد رجال الصحيح . هذه الأحاديث ذكرها المصنف رحمه الله للإشارة إلى ما فيه شبهة كحديث أنس وإلى ما لا شبهة فيه كحديث أبي هريرة وقد ذكر البخاري في تفسير الشبهات حديث عقبة بن الحرث في الرضاع لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " كيف وقد قيل " وحديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " واحتجبي منه يا سودة " فإن الظاهر أن الأمر بالمفارقة في الحديث الأول والاحتجاب في الثاني لأجل الاحتياط وتوقي الشبهات وفي ذلك نزاع يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . قال الخطابي ما شككت فيه فالورع اجتنابه وهو على ثلاثة أقسام واجب ومستحب ومكروه فالواجب اجتناب ما يستلزم ارتكاب المحرم والمندوب اجتناب معاملة من أكثر ماله حرام والمكروه اجتناب الرخص المشروعة اه . وقد أرشد الشارع إلى اجتناب ما لا يتيقن المرء حله بقوله ما يريبك غل ىما لا يريبك واخرجه الترمذي والنسائي وأحمد وابن حبان والحاكم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما ( وفي الباب ) عن أنس عند أحمد . وعن ابن عمر عند الطبراني وعن أبي هريرة ووائلة بن الأسقع . ومن قول ابن عمر وابن مسعود وغيرهما . وروى البخاري وأحمد وأبو نعيم عن حسان بن أبي سنان البصري أحد العباد في زمن التابعين أنه إذا شككت في امر فاتركه . ولأبي نعيم من وجه آخر أنه اجتمع يونس ابن عبيد وحسان بن أبي سنان فقال يونس ما عالجت شيئا أهون علي منه قال كيف قال حسان تركت ما يريبني إلى ما لا يريبني فاسترحت . قال الغزالي الورع أقسام ورع الصديقين وهو ترك ما لم يكن عليه ببنية واضحة . وورع المتقين وهو ترك ما لا شبهة فيه ولكن يخشى أن يجر إلى الحرام . وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال التحريم بشرط أن يكون لذلك الاحتمال موقع فإن لم يكن فهو روع الموسوسين . قال ووراء ذلك ورع الشهود وهو ترك ما يسقط الشهادة أي أعم من أن يكون ذلك متروك حراما أم لا اه . وقد أشار البخاري إلى أن الوساوس ونحوها ليست من الشبهات . فقال باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات . قال في الفتح هذه الترجمة معقودة لبيان ما يكره من التنطيع في الورع

أبواب أحكام العيوب

باب وجوب تبيين العيب

1 - عن عقبة بن عامر قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول المسلم أخو المسلم لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له "
- رواه ابن ماجه

2 - وعن واثلة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل لاحد أن يبيع شيئا الا بين مافيه ولا يحل لأحد يعلم ذلك الا بينه "
- رواه أحمد

3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر برجل يبيع طعاما فادخل يده فيه فإذا هو مبلول فقال من غشنا فليس منا "
- رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي

4 - وعن العداء بن خالد بن هوذة قال " كتب لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابا هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله اشترى منه عبدا أو أمة لاداء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم "
- رواه ابن ماجه والترمذي

- حديث عبقة أخرجه أيضا أحمد والدارقطني والحاكم والطبراني من حديث أبي شماسة عنه على يحيى بن أيوب وتابعه ابن لهيعة قال في الفتح وإسناده حسن وحديث واثلة أخرجه أيضا ابن ماجه والحاكم في المستدرك وفي إسناد أحمد أبو جعفر الرازي وأبو سباع والأول مختلف فيه والثاني قيل إنه مجهول . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم وفيه قصة وادعى أن مسلما لم يخرجها فلم يصب . وقد أخرج نحوه أحمد والدارمي من حديث ابن عمر وابن ماجه من حديث أبي الحمراء والطبراني وابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود وأحمد من حديث أبي بردة بن نيار والحاكم من حديث عمير بن سعيد عن عمه . وحديث العداء أخرجه أيضا النسائي وابن الجارود وعلقه البخاري . قوله " لا يحل لمسلم " الخ وكذلك قوله " لا يحل لأحد " الخ فيهما دليل على تحريم كتم اليب ووجوب تبيينه للمشتري . قوله " فليس منا " لفظ مسلم " فليس مني " قال النووي كذا في الأصول ومعناه ليس ممن اهتدى بهدبي واقتدى بعلمي وعملي وحسن طريقتي كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست مني وهكذا في نظائره مثل قوله " من حمل علينا السلاح فليس منا " وكان سفيان ابن عيينة يكره تفسير مثل هذا ويقول بئس مثل القول بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر اه وهو يدل على تحريم الغش وهو مجمع على ذلك قول " العداء " بفتح العين المهملة وتشديد الدال المهملة أيضا وآخره همزة بوزن الفعال وهوذة هو ابن ربيعة بن عمرو بن عامر أبو صعصعة والعداء صحابي قليل الحديث أسلم بعد حنين . قوله " لاداء " قال المطرزي المراد به الباطن سواء ظهر منه شيء أم لا كوجع الكبد والسعال . وقال ابن المنير لا داء أي يكتمه البائع وإلا فلو كان بالعبد داء وبينه البائع كان من بيع المسلم للمسلم ( ومحصله ) إنه لم يرد بقوله لا داء نفي الداء مطلقا بل نفى داء مخصوص وهو مالم يطلع عليه . قوله " ولا غائلة " قيل المراد بها إلا باق . وقال ابن بطال هو من قولهم اغتالني فلان إذا احتال بحيلة سلب بها مالي . قوله " ولا خبثة " بكسر المعجمة وبضمها وسكون الموحدة وبعدها مثلثة قيل المراد الاخلاق الخبيثة كالاباق . وقال صاحب العين هي الدنية وقيل المراد الحرام كما عبر عن الحلال بالطيب وقيل الداء كان في الخلق بفتح الخاء والخبثة ما كان في الخلق بضمها والغائلة سكوت البائع عن بيان من مكروه في المبيع قاله ابن العربي

باب أن الكسب الحادث لا يمنع الرد بالعيب

1 - عن عائشة " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن الخراج بالضمان "
- رواه الخمسة . وفي رواية " أن رجلا ابتاع غلاما فاستغله ثم وجد به عيبا فرده بالعيب فقال البائع غلة عبدي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الغلة بالضمان " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . وفيه حجة لمن يرى تلف العبد المشتري قبل القبض من المشتري

- الحديث أخرجه أيضا الشافعي وأبو داود الطيالسي وصححه الترمذي وابن حبان وابن الجارود والحاكم وابن القطان ( ومن جملة ) من صححه ابن خزيمة كما حكى ذلك عنه في بلوغ المرام وحكى عنه في التلخيص أنه قال لا يصح وضعفه البخاري . ولهذا الحديث في سنن أبي داود ثلاث طرق اثنتان رجالهما رجال الصحيح والثالثة قال أبو داود إسنادها ليس بذاك ولعل سبب ذلك أن فيه مسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي وقد وثقه يحيى بن معين وتابعه عمر بن علي المقدمي وهو متفق على الأحتجاج به : قوله " إن الخراج بالضمان " الخراج هو الدخل والمنفعة أي يملك المشتري الخراج الحاصل من المبيع بضمان الأصل الذي عليه أي بسببه فالباء سببية فإذا أشترى الرجل أرض فاستغلها أو ذآبة فركبها أو عبدا فاستخدمه ثم وجد به عيبا قديما فله الرد ويستحق الغلة في مقابلة الضمان للمبيع الذي كان عليه . وظاهر الحديث عدم الفرق بين الفوائد الأصلية والفرعية وإلى ذلك ذهب الشافعي وفصل مالك فقال يستحق المشتري الصوف والشعر دون الولد وفرق أهل الرأي والهادوية بين الفوائد الفرعية والأصلية فقالوا يستحق المشتري الفرعية كالكراء دون الأصلية كالولد والثمر وهذا الخلاف إنما هو مع انفصال الفوائد عن المبيع وأما إذا كانت متصلة وقت الرد ردها الإجماع قيل إن هذا الحكم مختص بمن له ملك في العين التي انتفع بخراجها كالمشتري الذي هو سبب ورود الحديث وإلى ذلك مال الجمهور . وقالت الحنفية إن الغاصب كالمشتري قياسا ولا يخفى ما في هذا القياس لان الملك فارق يمنع الالحاق والأولى أن يقال أن الغاصب داخل تحت عموم اللفظ ولا عبرة بخصوص السبب كما تقرر في الأصول : " قوله فاستغله " بالغين المعجمة وتشديد اللام أي أخذ غلته

باب ما جاء في المصراة

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تصروا الأبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ان رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر "
- متفق عليه . وللبخاري وأبي داود " من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر وهو دليل على أن الصاع من التمر في مقابلة اللبن وأنه أخذ قسطا من الثمن " . وفي رواية " إذا ما اشترى أحدكم لقحة مصراة أو شاة مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها أما هي وإلا فليردها وصاعا من تمر " رواه مسلم وهو دليل على أنه يمسك بغير أرش . وفي رواية " من اشترى مصراة فهو منها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ومعها صاعا من تمر لا سمراء " رواه الجماعة إلا البخاري

2 - وعن أبي عثمان النهدي قال " قال عبد الله من اشترى محفلة فردها فليرد معها صاعا "
- رواه البخاري والبرقاني على شرطه وزاد " من تمر "

- قوله " لاتصروا " بضم أوله وفتح الصاد المهملة وضم الراء المشددة من صربت اللبن في الضرع إذا جمعته وظن بعضهم أنه من صروت فقيده بفتح أوله وضم ثانيه . قال في الفتح والأول أصح قال لأنه لو كان من صررت لقيل مصرورة أو مصررة لا مصراة على أنه سمع الأمر إن في كلام العرب ثم استدل على ذلك بشاهدين عربيين ثم قال وضبطه بعضهم بضم أوله وفتح ثانيه بغير واو على البناء للمجهول والمشهور الأول اه . قال الشافعي التصرية هي ربط اخلاف الشاة أو الناقة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر فيظن المشتري أن ذلك عادتها فيزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها . وأصل التصرية حبس الماء يقال منه صريت الماء إذا حبسته قال أبو عبيدة وأكثر أهل اللغة التصرية حبس اللبن في الضرح حتى يجتمع وإنما اقتصر على ذكر الأبل والغنم دون البقر لأن غالب مواشيهم كانت من الأبل والغنم والحكم واحد خلافا لداود : قوله " فمن ابتاعها بعد ذلك " أي اشتراها بعد التصرية : قوله " بعد أن يحلبها " ظاهره إن الخيار لا يثبت الا بعد الحلب والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور ولو لم يجلب لكن لما كانت التصرية لا يعرف غالبها الا بعد الحلب جعل قيدا في ثبوت الخيار قوله " إن رضيها أمسكها " استدل بهذا على صحة بيع المصراة مع ثبوت الخيار : قوله " وصاعا من تمر " الواو عاطفة على الضمير في ردها ولكنه يعكر عليه إن الصاع مدفوع ابتداء لامر دود ويمكن أن يقال أنه مجاز عن فعل يشمل الأمرين نحو سلمها أو أدفعها كما في قول الشاعر علقتها تبنا وماء باردا . أي ناولتها ويمكن أن يقدر قبل آخر يناسب المعطوف أي ردها وسلم أو أعط صاعا من تمر كما قيل أن التقدير في قول الشاعر المذكور وسقيتها ماء باردا . وقيل يجوز أن تكون الواو بمعنى مع ولكنه يعكر عليه قول جمهور النحاة إن شرط المفعول معه إن يكون فاعلا في المعنى نحو جئت أنا وزيدا . وقمت أنا وزيدا نعم جعله مفعولا معه صحيح عند من قال بجواز مصاحبته للمفعول به وهم القليل : وقد استدل بالتنصيص على الصاع من التمر على أنه لا يجوز رد اللبن ولو كان باقيا على صفته لم يتغير ولا يلزم البائع قبوله لذهاب طراوته واختلاطه بما تجدد عند المشتري : قوله " لقحة " هي الناقة الحلوب أو التي نتجت . قوله " ثلاثة أيام " فيه دليل على امتداد الخيار هذا المقدار فتقيد بهذه الرواية الروايات القاضية بأن الخيار بعد الحلب على الفور كما في قوله " بعد أن يحلبها " وإلى هذا ذهب الشافعي والهادي والناصر وذهب بعض الشافعية إلى أن الخيار على الفور وحملوا ورواية الثلاث على ما إذا لم يعلم إنها مصراة قبل الثلاث قالوا وإنما وقع التنصيص عليها لأن الغالب أنه لا يعلم بالتصرية فيما دونها
واختلفوا في ابتداء الثلاث فقيل من وقت بيان التصرية وإليه ذهبت الحنابلة وقيل من حين العقد وبه قال الشافعي . وقيل من وقت التفرق قال في الفتح ويلزم عليه أن يكون الفور أوسع من الثلاث في بعض الصور وهو ما ذا تأخر ظهور التصريح إلى آخر الثلاث ويلزم عليه أن تحسب المدة قبل التمكن من الفسخ وأن يفوت المقصود من التوسع بالمدة اه : قوله " من تمر لاسمراء " لفظ مسلم وأبي داود " من طعام لاسمراء " وينبغي أن تحمل الطعام على التمر المذكور في هذه الرواية وفي غيرها من الروايات ثم لما كان المتبادر من لفظ الطعام القمح نفاه بقوله لا سمراء ويشكل على هذا الجمع مافي رواية للبزار بلفظ " صاع من بر لا سمراء " وأجيب عن ذلك بأنه يحتمل أن يكون على وجه الرواية بالمعنى لما ظن الراوي أن الطعام مساو للبر عبر عنه بالبر لان المتبادر من الطعام البركما سلف في الفطرة ويشكل على ذلك الجمع أيضا ما في مسند أحمد بإسناد صحيح كما قال الحافظ عن رجل من الصحابة بلفظ " صاعا من طعام أو صاعا من تمر " فإن التخيير يقتضي المغايرة : وأجاب عنه في الفتح باحتمال أن يكون شكا من الراوي والاحتمال قادح في الاستدلال فينبغي الرجوع إلى الروايات التي لم تختلف . ويشكل أيضا ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر بلفظ " ردها ورد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا " وأجاب عن ذلك الحافظ بأن إسناد الحديث ضعيف قال وقال ابن قدامة أنه متروك الظاهر بالأتفاق : قوله " محفلة " بضم الميم وفتح الحاء المهملة والفاء المشددة من التحفيل وهو التجمع قال أبو عبيده سميت بذلك لكون اللبن يكثر في ضرعها وكل شيء كثرته فقد حفلته . تقول ضرع حافل أي عظيم واحتفل القوم إذا كثر جمعهم ومنه سمي المحفل . وقد أخذ بظاهر الحديث الجمهور وقال في الفتح وافتي به ابن مسعود وأبو هريرة ولا مخالف لهما في الصحابة . وقال به من التابعين ومن بعدهم لا يحصى عدده ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلا كان أو كثيرا ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا وخالف في أصل المسألة أكثر الحنفية وفي فروعها آخرون أما الحنفية فقالوا لا يرد بعيب التصرية ولا يجب رد الصاع من التمر وخالفهم زفر فقال بقول الجمهور إلا أنه قال مخير بين صاع من التمر أو نصف صاع من بر . وكذا قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف في رواية إلا أ هما قالا لا يتعين صاع التمر بل قيمته . وفي رواية عن مالك وبعض الشافعية كذلك ولكن قالوا يتعين قوت البلد قياسا على كل زكاة الفطر . وحكى البغوي أنه لا خلاف في مذهب الشافعية أنهما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره كفى وأثبت ابن كج الخلاف في ذلك . وحكى الماوردي وجهين فيما إذا عجز عن التمر هل يلزمه قيمته ببلد أو بأقرب البلاد التي فيها التمر إليه وبالثاني قالت الحنابلة اه كلام الفتح : والهادوية يقولون أن الواجب رد اللبن إن كان باقيا وإن كان تالفا فمثله وإن لم يوجد المثل فالقيمة
وقد اعتذر الحنفية عن حديث المصراة بأعذار بسطها صاحب فتح الباري وسنشير إلى ما ذكره باختصار ونزيد عليه ما لا يخلو عن فائدة العذر الأول الطعن في الحديث بكون راوية أبا هريرة وقالوا لم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما يرويه إذا كان مخالفا للقياس الجلي وبطلان هذا العذر أوضح من أن يشتغل ببيان وجهه فإن أبا هريرة رضي الله عنه من أحفظ الصحابة وأكثرهم حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بالحفظ كما ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة بسطه لردائه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن كان بهذه المنزلة لا ينكر عليه تفرده بشيء من الأحكام الشرعية . وقد اعتذر رضي الله عنه عن تفرده بكثير مما لا يشاركه فيه غيره بما ثبت عنه في الصحيح من قوله أن أصحابي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا . وأيضا لو سلم ما ادعوه من أنه ليس كغيره في الفقه لم يكن ذلك قادحا في الذي يتفرد به لأن كثيرا من الشريعة بل أكثرها وارد من غير طريق المشهورين بالفقه من الصحابة فطرح حديث أبي هريرة يستلزم طرح شطر الدين على أن أبا هريرة لم ينفرد برواية هذا الحكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل رواه معه ابن عمر كما أخرج ذلك من حديثه أبو داود والطبراني وأنس كما أخرجه ذلك من حديثه أو يعلى وعمرو بن عوف المزني كما أخرج ذلك عنه البيهقي ورجل من الصحابة لم يسم كما أخرجه أحمد بإسناد صحيح وابن مسعود كما أخرجه الإسماعيلي وإن كان قد خالفه الأكثر ورووه موقوفا عليه كما فعل البخاري وغيره وتبعهم المصنف ولكن مخالفة ابن مسعود للقياس الجلي مشعرة بثبوت حديث أبي هريرة . قال ابن عبد البر ونعم ما قال ان هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها . العذر الثاني من أعذار الحنفية الاضطراب في متن الحديث قالوا لذكر التمر فيه تارة والقمح أخرى واللبن أخرى واعتبار الصاع تارة والمثل أو المثلين أخرى وأجيب بأن الطرق الصحيحة لا اختلاف فيها والضعيف لا يعل به الصحيح . العذر الثالث أنه معارض لعموم قوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وأجيب بأنه من ضمان المتلفات لا العقوبات ولو سلم دخوله تحت العموم فالصاع مثل لأنه عوض المتلف وجعله مخصوصا بالتمر دفا للشجار ولو سلم عدم صدق المثل عليه فعموم الآية مخصص بهذا الحديث اما على مذهب الجمهور فظاهر وأما على مذهب غيرهم فلأنه مشهور وهو صالح لتخصيص العمومات القرآنية . العذر الرابع أن الحديث منسوخ وأجيب بأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال ولو كفى ذلك لرد من شاء ما شاء واختلفوا في تعيين الناسخ فقال بعضهم هو حديث ابن عمر عند ابن ماجه في النهي عن بيع الدين بالدين وذلك لأن لبن المصراة قد صار ينافي ذمة المشتري فإذا ألزم بصاع من تمر صار دينا بدين كذا قال الطحاوي وتعقب بأن الحديث ضعيف باتفاق المحدثين ولو سلمت صلاحيته فكون ما نحن فيه من بيع الدين بالدين ممنوع لأنه يرد الصاع من الصراة حاضرا لا نسيئة من غير فرق بين أن يكون اللبن موجودا أو غير موجود ولو سلم أنه من بيع الدين بالدين فحديث الباب مخصص لعموم ذلك النهي لأنه أخص منه مطلقا . وقال بعضهم أن ناسخه حديث الخراج بالضمان وقد تقدم وذلك لأن اللبن فضلة من فضلات الشاة ولو تلفت لكانت من ضمان المشتري فتكون فضلاتها له وأجيب بأن المغروم هو ما كان فيها قبل البيع لا الحادث وأيضا حديث الخراج بالضمان بعد تسليم شمولة المحل النزاع عام مخصوص بحديث الباب فكيف يكون ناسخا
وايضا لم ينقل تأخره والنسخ لا يتم بدون ذلك ثم لو سلمنا مع عدم العلم بالتاريخ جواز المصير إلى التعارض وعدم لزوم بناء العام على الخاص لكان حديث الباب أرجح لكونه في الصحيحين وغيرهما ولتأيده بما ورد في معناه عن غير واحد من الصحابة . وقال بعضهم ناسخة الأحاديث الوادرة في رفع العقوبة بالمال هكذا قال عيسى بن ابان وتعقبه الطحاوي بأن التصرية إنما وجدت من البائع فلو كان من ذلك الباب لكانت العقوبة له والعقوبة في حديث المصراة للمشتري فافترقا وأيضا عموم الأحاديث القاضية بمنع العقوبة بالمال على فرض ثبوتها مخصوصة بحديث المصراة وقد قدمنا البحث في التأديب بالمال مبسوطا في كتاب الزكاة . وقال بعضهم ناسخه حديث " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " وقد تقدم بذلك أجاب محمد بن شجاع . ووجه الدلالة أن الفرقة قاطعة للخيار من غير فرق بين المصراة وغيرها . وأجيب بأن الحنفية لا يثبتون خيار المجلس كما سلف فكيف يحتجون بالحديث المثبت له . وأيضا بعد تسليم صحة احتجاجهم به هو مخصص بحديث الباب . وأيضا قد أثبتوا خيار العيب بعد التفريق وما هو جوابهم فهو جوابنا . العذر الخامس أن الخبر من الآحاد وهي لا تفيد إلا الظن وهو لا يعلم به إذا خالف قياس الأصول وقد تقرر أن المثلى يضمن بمثله والقيمى بقيمته من أحد النقدين فكيف يضمن بالتمر على الخصوص وأجيب بأن التوقف في خبر الواحد إنما هو إذا كان مخالفا للأصول لا لقياس الأصول والأصول الكتاب والسنة والإجماع والقياس والأولان هما الأصل والآخران مردودان إليهما فكيف يرد الأصل بالفرع ولو سلم أن الآحادي يتوقف فيه على الوجه الذي زعموا فلا أقل لهذا الحديث الصحيح من صلاحيته تخصيص ذلك القياس المدعي . وقد أجيب عن هذا العذر بأجوبة غير ما ذكر ولكن أمثلها ما ذكرناه . ومن جملة ما خالف فيه هذا الحديث القياس عندهم أن الأصول تقتضي أن يكون الضمان بقدر التالف وهو مختلف وقد قد ههنا بمقدار معين وهو الصاع وأجيب بمنع التعميم في جميع المضمونات فإن الموضحة أرشها مقدار مع اختلافها بالكبر والصغر وكذلك كثير من الجنايات . والغرة مقدرة في الجنين مع اختلافه
( والحكمة ) في تقدير الضمان ههنا بمقدار واحد لقطع التشاجر لما كان قد اختلط اللبن الحادث بعد العقد باللبن الموجود قبله فلا يعرف مقداره حتى يسلم المشتري نظيره
( والحكمة ) في التقدير بالتمر أنه أقرب الأشياء إلى اللبن لأنه كان قوتهم إذ ذاك كالتمر ( ومن جملة ) ما خالف به الحديث القياس عندهم أنه جعل الخيار فيه ثلاثا مع أن خيار العيب لا يقدر بالثلاث وكذلك خيار الرؤية والمجلس وأجيب بأن حكم المصراة تفرد بأصله عن مماثلة فلا يستغرب أن ينفرد بوصف يخالف غيره وذلك لأن هذه المدة هي التي يتبين بها لبن الغرر بخلاف خيار والمجلس فلاج مدة
( ومن جملة ) ما خالف به القياس عندهم أنه يلزم من الأخذ به الجمع بين العوض والمعوض فيما إذا كان قيمة الشاة صاعا من تمر فإنها ترجع إليه مع الصاع الذي هو مقدار ثمنها وأجيب بأن التمر عوض اللبن لاعوض الشاة فلا يلزم ما ذكر
( ومن جملة ) ما خالف به القياس عندهم أنه إذا استرد مع الشاة صاعا وكان ثمن الشاة صاعا كان قد باع شاة وصاع بصاع فيلزم الربا وأجيب بأن الربا إنما يعتر في العقود لا في الفسوخ بدليل أنهما لو تبايعا ذهبا بفضة لم يجز أن يتفرقا قبل القبض ولو تقابلا في هذا العقد بعينه جاز التفرق قبل القبض . ( ومن جملة ) المخالفة أنه يلزم من الأخذ به ضمان الأعيان مع بقائها فيما إذا كان اللبن موجودا وأجيب بأنه تعذر رده لاختلاطه باللبن الحادت وتعذر تميزه فأشبه الآبق بعد الغصب فإنه يضمن قيمته مع بقاء عينة لتعذر رده ومنهما أنه يلزم من الأخذ به إثبات الرد بغير عيب ولا شرط وأجيب بأن اسباب الرد بالتدليس وقد أثبت به الشارع الرد في الركبان إذا تلقفوا كما سلف ولا يخفى على منصف أن هذه القواعد التي جعلوا هذا الحديث مخالفا لها لو سلم أنها قد قامت عليها الأدلة لم يقصر الحديث عن الصلاحية لتخصيصها فيالله العجب من قوم يبلغون في المحاماة عن مذاهب اسلافهم وإيثارها على السنة المطهرة الصريحة الصحيحة إلى هذا الحد الذي يسر به ابليس وينفق في حصول مثل هذه القضية التي قل طعمه في مثلها لا سيما من علماء الإسلام النفس والنفيس وهكذا ففلتكن ثمرات التمذهبات وتقليد الرجال في مسائل الحرام والحلال . العذر السادس أن الحديث محمول على صورة مخصوصة وهي ماذا اشترى شاة بشرط أنها تحلب مثلا خمسة ارطال وشرط فيها الخيار فالشرط فاسد فإن اتفقا على اسقاطه في مدة الخيار صح العقد وإن لم يتفقا بطل ووجب رد الصاع من التمر لأنه كان قيمة اللبن يومئذ وأجيب بأن الحديث معلق بالتصرية وما ذكروه يقتضي تعليقه بفساد الشرط سواء وجدت تصرية أم لا فهو تأويل متعسف . وأيضا لو سلم أن ما ذكروه من جملة صور الحديث فالقصر على صورة معينة هي فرد من أفراد الدليل لا بد من إقامة دليل عليه
قال في الفتح واختلف القائلون بالحديث في أشياء . منها لو كان عالما بالتصرية هل يثبت له الخيار فيه وجه للشافعية قال . ومنها لو صار لبن المصراة عادة واستمر على كثرته هل له الرد فيه وجه للشافعية قال . ومنها لو صار لبن المصراة عادة واستمر على كثرته هل له الرد فيه وجه لهم أيضا خلافا للحنابلة في المسئلتين . ومنها لو تصرت بنفسها أو صراها المالك لنفسه ثم بدا له فباعها فهل يثبت ذلك الحكم فيه خلاف فمن نظر إلى المعني لأن العيب يثبت الخيار ولا يشترط فيه تدليس ومن نظر إلى أن حكم التصرية خارج عن القياس خصه بمورده وهو حاله العمد فإن النهي إنما يتناولها فقط . ومنها لو كان الضرع مملوءا لحما فظنه المشترى لبنا فاشتراها على ذلك ثم ظهر له أنه لحم هل يثبت له الخيار فيه وجهان حكاهما بعض المالكية . ومنها لو اشترى غير مصراة ثم اطلع على عيب بها بعد حلبها فقد نص الشافعي على جواز الرد مجانا لأنه قليل غير معتني بجمعه . وقيل يرد بدل اللبن كالمصراة . وقال البغوي يرد صاعا من تمر انتهى . والظاهر عدم ثبوت الخيار مع علم المشترى بالتصرية لأنتفاء الغرر الذي هو السبب للخيار . وأما كون سبب الغرر حاصلا من جهة البائع فيمكن أن يكون معتبرا لأن حكمة صلى الله عليه وآله وسلم بثيوت الخيار بعد النهي عن التصرية مشعر بذلك وأيضا المصراة المذكورة في الحديث اسم مفعول وهو يدل على أن التصرية وقعت عليها من جهة الغير لأن اسم المفعول هو لمن وقع عليه فعل الفاعل ويمكن أن لا يكون معتبرا لأن تصري الدابة من غير قصد وكون ضرعها ممتلئا لحما يحصل به من الغرر ما يحصل بالتصرية عن قصد فينظر . قال ابن عبد البر هذا الحديث أصل في النهي عن الغش وأصل في ثبوت الخيار لمن دلس عليه بعيب . وأصل في أنه لا يفسد أصل البيع وأصل في أن مدة الخيار ثلاثة أيام . وأصل في تحريم التصرية وثبوت الخيار بها

باب النهي عن التسعير

1 - عن أنس قال " غلا السعر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله لو سعرت فقال إن الله هو القابض الباسط الرازع المسعر وأني لارجو ان القي الله عز و جل ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي

- الحديث أخرجه أيضا الدارمي والبزار وأبو يعلى قال الحافظ وإسناده على شرط مسلم وصححه أيضا ابن حبان ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود قال " جاء رجل فقال يا رسول الله سعر فقال بل ادعو الله ثم جاء آخر فقال يا رسول الله سعر فقال بل الله يخفض ويرفع " قال الحافظ وإسناده حسن . وعن أبي سعيد عند ابن ماجه والبزار والطبراني نحو حديث أنس ورجاله رجال الصحيح وحسنه الحافظ . وعن علي عليه السلام عند البزار نحوه . وعن ابن عباس عند الطبراني في الصغير . وعن أبي جحيفة عنده في الكبير : قوله " لوسعرت " التسعير هو أن يأمر السلطان أو نوابه أو كل من ولى من أمور المسلمين أمرا أهل السوق أن لا يبيعوا أمتعتهم الا بسعر كذا فيمنع من الزيادة عليه أو النقصان لمصلحة : قوله " المسعر " فيه دليل على أن المسعر من أسماء الله تعالى وإنها لا تنحصر في التسعة والتسعين المعروفة . وقد استدل بالحديث وما ورد في معناه على تحريم التسعير وأنه مظلمة . ووجهه أن الناس مسلطون على اموالهم والتسعير حجر عليهم والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولي من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الأجتهاد ولانفسهم وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضي به مناف لقوله تعالى { الا أن تكون تجارة عن تراض } وإلى هذا ذهب جمهور العلماء وروى عن مالك أنه يجوز للإمام التسعير وأحاديث الباب ترد عليه . وظاهر الأحاديث أنه لافرق بين حالة الغلاء وحالة الرخص ولا فرق بين المجلوب وغيره وإلى ذلك مال الجمهور . وفي وجه للشافعية جواز التسعير في حالة الغلاء وهو مردود . وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين ما كان قوتا للآدمي ولغيره من الحيوانات وبين ما كان من غير ذلك من الادامات وسائر الأمتعة وجوز جماعة من متأخري أئمة الزيدية جواز التسعير فيما عدا قوت الآدمي والبهيمة كما حكى ذلك منهم صاحب الغيث . وقال شارح الاثمار إن التسعير في غير القوتين لعله اتفاق والتخصيص يحتاج إلى دليل والمناسب الملغى لا ينتهض لتخصيص صرائح الأدلة بل لا يجوز العمل به على فرض عدم وجود دليل كما تقرر في الأصول

باب ما جاء في الأحتكار

1 - عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحتكر الا خاطئ وكان سعيد يحتكر الزيت "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

2 - وعن معقل بن يسار قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة "

3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من احتكر حكرة يريد أن يغري بها على المسلمين فهو خاطئ "
- رواهما أحمد

4 - وعن عمر " قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس "
- رواه ابن ماجه

- حديث معمر أخرجه أيضا الترمذي وغيره . وحديث معقل أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وفي إسناده زيد بن مرة أبو المعلى . قال في مجمع الزائد ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله رجال الصحيح . وحديث أبي هريرة خرجه أيضا الحاكم وزاد وقد برئت منه ذمة الله وفي إسناد حديث أبي هريرة أبو معشر وهو ضعيف وقد وثق . وحديث عمر في إسناده الهيثم بن رافع قال أبو داود روى حديثا منكرا . قال الذهبي هو الذي خرجه ابن ماجه يعني هذا وفي إسناده أيضا أبو يحيى المكي وهو مجهول ولبقية أحاديث الباب شواهد . منها حديث ابن عمر عند ابن ماجه والحاكم وإسحاق بن راهوية والدارمي وأبي يعلى والعقيلي في الضعفاء بلفظ " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " وضعف الحافظ إسناده . ومنها حديث آخر عند ابن عمر أيضا عند أحمد والحاكم وابن أبي شيبة والبزار وأبي يعلى بلفظ " من أحتكر الطعام أربعين ليلة فقد بريء من الله وبرئ الله منه " زاد الحاكم " وأيما أهل عرصة اصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله " وفي إسناده أصبغ بن زيد وكثير بن مرة والأول مختلف فيه والثاني قال ابن حزم إنه مجهول وقال غيره معروف ووثقه ابن سعد وروى عنه جماعة واحتج به النسائي . قال الحافظ ووهم ابن الجوزي فأخرج هذا الحديث في الموضوعات وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه أنه منكر ولا شك أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها للاستدلال على عدم جواز الاحتكار لو فرض عدم ثبوت شيء منها في الصحيح فكيف وحديث معمر المذكور في صحيح مسلم والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف في إفادة عدم الجواز لأن الخاطئ المذنب العاصي وهو اسم فاعل من خطئ بكسر العين وهمز اللام خطأ بفتح العين وبكسر الفاء وسكون العين إذا أثم في فعله قال أبو عبيدة وقال سمعت الأزهري يقول خطئ إذا تعمد وأخطأ إذا لم يتعمد : قوله " بعظم " بضم العين المهملة وسكون الظاء المعجمة أي بمكان عظيم من النار : قوله " حكرة " بضم الحاء المهملة وسكون الكاف وهي حبس السلع عن البيع . وظاهر أحاديث الباب أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غير والتصريح بلفظ " الطعام " في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق وذلك لأن نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر في الأصول وذهبت الشافعية إلى أن المحرم إنما هو احتكار الأقوات خاصة لا غيرها ولا مقدار الكفاية منها وغلى ذلك ذهبت الهادوية
قال ابن رسلان في شرح السنن ولا خلاف في أن ما يدخره الإنسان من قوت ولا يحتاجون إليه من سمن وعسل وغير ذلك جائز لا بأس به انتهى . ويدل على ذلك ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعطي كل واحدة من زوجاته مائة وسق من خيبر . قال ابن رسلان في شرح السنن وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخر لأهله قوت سنتهم من تمر وغيره . قال أبو داود قيل لسعيد يعنس ابن المسيب فإنك تحتكر قال ومعمر كان يحتكر وكذا في صحيح مسلم . قال ابن عبد البر وآخرون إنما كانا يحتكران الزيت وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه وكذلك حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون . ويدل على اعتبار الحاجة وقصد إغلاء السعر على المسلمين قوله في حديث معقل " من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم " وقوله في حديث أبي هريرة " يريد أن يغلي بها على المسلمين " قال أبو داود سألت أحمد ما الحكرة قال ما فيه عيش الناس أي حياتهم وقوتهم وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسئل عن أي شيء الاحتكار فقال إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره وهذا قول ابن عمر . وقال الأوزاعي المحتكر من يعترض السوق أي ينصب نفسه للتردد إلى الأسواق ليشتري منها الطعام الذي يحتاجون إليه ليحتكره قال السبكي الذي ينبغي أن يقال في ذلك أنه ان منع غيره من الشراء وحصل به ضيق حرم وإن كانت الأسعار رخيصة وكان القدر الذي يشتريه لا حاجة بالناس إليه فليس لمنعه من شرائه وادخاره إلى وقت حاجة الناس إليه معنى . قال القاضي حسين والروياني وربما يكون هذا حسنه لأنه ينفع به الناس وقطع المحاملي في المقنع باستحبابه قال أصحاب الشافعي الأولى بيع الفاضل عن الكفاية قال السبكي أما إمساكه حالة استغناء أهل البلد عنه رغبة في أن يبيعه إليهم وقت حاجتهم إليه فينبغي أن لا يكره بل يستحب ( والحاصل ) إن العلة إذا كانت هي الإضرار بالمسلمين لم يحرم الاحتكار الا على وجه يضر بهم ويستوي في ذلك القوت وغيره لأنهم يتضررون بالجميع . قال الغزالي في الأحياء ما ليس بقوت وولا معين عليه فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعوما وما يعين على القوت كاللحم والفواكه وما يسد مسد شيء من القوت في بعض الأحوال وإن كان لا يمكن المداومة عليه فهو في محل النظر فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل ووالشيرج والجبن والزيت وما يجري مجراه . وقال السبكي إذا كان في وقت قحط كان في إدخار العسل والسمن والشيرج وأمثالها إضرار فينبغي أن يقضي بتحريمه وإذا لم يكن إضرار فلا يخلوا احتكار الأقوات عن كراهة . وقال القاضي حسين إذا كان الناس يحتاجون الثياب ونحوها لشدة البرد أو لستر العورة فيكره لمن عنده ذلك امساكه . قال السبكي إن أراد كراهة تحريم فظاهر وان أراد كراهة تنزيه فبعيد . وحكى أبو داود عن قتادة أنه قال ليس في التمر حكرة . وحكى أيضا عن سفيان أنه سئل عن كبس القت فقال كانوا يكرهون الحكرة والكبس بفتح الكاف واسكان الموحدة والقت بفتح القاف وتشديد التاء الفوقية وهي اليابس من القضب . قال الطيبي ان التقييد بالأربعين اليوم غير مراد به التحديد انتهى . ولم أجد من ذهب إلى العمل بهذا العدد

باب النهي عن كسر سكة المسلمين إلا من بأس

1 - عن عبد الله بن عمرو المازني قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تنكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

- الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وزاد " نهى ان تكسر الدراهم فتجعل فضة وتكسر الدنانير فتجعل ذهبا " وضعفه ابن حبان ولعل وجه الضعف كونه في إسناده محمد بن فضاء بفتح الفاء والضاد المعجمة الأزدي الحمصي البصري المعبر للرؤيا قال المنذري لا يحتج بحديثه : قوله " سكة " بكسر السين المهملة أي الدراهم المضروبة على السكة الحديد المنقوشة التي تطبع عليها الدراهم والدنانير . قوله " الجائزة " يعني النافقة في معاملتهم : قوله " الا من بأس " كأن تكون زيوفا وفي معنى كسر الدراهم كسر الدنانير والفلوس التي عليها سكة الإمام لا سيما إذا كان التعامل بذلك جاريا بين المسلمين كثيرا ( والحكمة ) في النهي ما في الكسر من ضرر بإضاعة المال لما يحصل من النقصان في الدراهم ونحوها إذا كسرت وأبطلت المعاملة بها . قال ابن رسلان لو ابطل السلطان المعاملة التي ضربها السلطان الذي قبله وأخرج غيرها جار كسر تلك الدراهم التي ابطلت وسبكها لإخراج الفضة التي فيها وقد يحصل في سبكها وكسرها ربح كثير لفاعله انتهى . ولا يخفى أن الشارع لم يأذن في الكسر إلا إذا كان بها بأس ومجرد الإبدال لنفع البعض ربما أفضى إلى الضرر بالكثير من الناس فالجزم بالجواز من غير تقييد بانتفاء الضرر لا ينبغي . لاقال أبو العباس بن سريج أنهم كانوا يقرضون أطراف الدراهم والدنانير بالمقرض ويخرجونهما عن السعر الذي يأخذونهما به ويجمعون من تلك القراضة شيئا كثيرا بالسبك كما هو معهود في المملكة الشامية وغيرها وهذه الفعلة هي التي نهى الله عنها قوم شعيب بقوله { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } فقالوا انتهانا أن نفعل في اموالنا يعني الدراهم والدنانير ما نشاء من القرد ولم ينتهوا عن ذلك فأخذتهم الصيحة
( فائدة ) قال في البحر مسألة الإمام يحيى لو باع بنقد ثم حرم السلطان التعامل به قبل قبضه فوجهان يلزم ذلك النقد إذ عقد عليه . الثاني يلزم قيمته إذا صار لكساده كالعرض انتهى . قال في المنار وكذلك لو صار كذلك يعني النقد لعارض آخر وكثير ما وقع هذا في زمننا لفساد الضربة لإهمال الولاة النظر في المصالح والأظهر أن اللازم القيمة لما ذكره المصنف انتهى

باب ما جاء في اختلاف المتبايعين

1 - عن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول صاحب السلعة أو يترادان "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي وزاد فيه ابن ماجه " والبيع قائم بعينه " وكذلك أحمد في رواية " والسلعة كما هي " وللدارقطني عن أبي وائل عن عبد الله قال " إذا اختلف البيعان والبيع مستهلك فالقول قول البائع " ورفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ولأحمد والنسائي عن أبي عبيدة " وأتاه رجلان تبايعا سلعة فقال هذا أخذت بكذا وكذا قال هذا بعت بكذا وكذا فقال أبو عبيدة أتى عبد الله في مثل هذا فقال حضرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذا فأمر بالبائع بأن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك "

- الحديث روي عن عبد الله بن مسعود من طرق بألفاظ ذكر المصنف رحمه الله بعضها . وقد أخرجه أيضا الشافعي من طريق سعيد بن سالم عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عمير عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود قد اختلف فيه على اسمعيل بن أميه ثم على ابن جريج . لقد اختلف في صحة سماع أبي عبيدة من أبيه . ورواه من طريق أبي عبيدة أحمد والنسائي والدارقطني وقد صححه الحاكم وابن السكن . ورواه أيضا الشافعي من طريق سفيان بن عجلان عن عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود وفيه ايضا انقطاع لأن عونا لم يدرك ابن مسعود . ورواه الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده : وفيه اسمعيل بن عياش عن موسى بن عقبة . ورواه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده عن ابن مسعود . وأخرجه أيضا من طريق محمد بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن ابن مسعود ومحمد بن أبي ليلى لا يحتج به وعبد الرحمن لم يسمع من أبيه . ورواه ابن ماجه والترمذي من طريق عون بن عبد الله ايضا عن ابن مسعود وقد سبق أنه منقطع . قال البيهقي وأصح إسناد روي في هذا الباب رواية أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده ورواه أيضا الدارقطني من طريق القاسم ابن عبد الرحمن : قال الحافظ ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن اختلف في سماعه من أبيه . ورواية التراد زواها أيضا مالك بلاغا والترمذي وابن ماجه بإسناد منقطع ورواه أيضا الطبراني بلفظ " البيعان إذا اختلفا في البيع ترادا " قال الحافظ رواته ثقات لكن اختلف في عبد الرحمن بن صالح يعني الراوي له عن فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال وما أظنه حفظه فقد حزم الشافعي أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شيء موصول . ورواه أيضا النسائي والبيهقي والحاكم من طريق عبد الرحمن بن قيس بالإسناد الذي رواه عنه أبو داود كما سلف وصححه من هذا الوجه الحاكم وحسنه البيهقي ورواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جده بلفظ " إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا " ورواه من هذا الوجه الطبراني والدارمي وقد انفرد بقوله " والسلعة قائمة " محمد بن أبي ليلى ولا يحتج به كما عرفت لسوء حفظه . قال الخطابي إن هذه اللفظة يعني والسلعة قائمة لا تصح من طريق النقل مع احتمال أن يكون ذكرها من التغليب لأن أكثر ما يعرض النزاع حال قيام السلعة كقوله تعالى { في حجوركم } ولم يفرق أكثر الفقهاء في البيوع الفاسدة بين القائم والتالف انتهى
وأبو وائل الراوي لقوله والبيع مستهلك كما في حديث الباب هو عبد الله بن بحير شيخ عبد الرزاق الصنعاني القاص وثقه ابن معين وقال ابن حبان يروى العجائب التي كأنها معمولة لا يحتج به وليس هذا المذكور عبد الله بن بحير ابن ريشان فإنه ثقة وعلى هذا فلا يقبل ما تفرد به أبو وائل المذكور . وأما قوله فيه تحالفا فقال الحافظ لم يقع عند أحد منهم وإنما عندهم والقول قول البائع أو يتراد ان البيع انتهى . قال ابن عبد البر أن هذا الحديث منقطع إلا أنه مشهور الأصل عند جماعة تلقوه بالقبول وبنوا عليه كثيرا من فروعه وأعله ابن حزم بالإنقطاع وتابعه عبد الحق وأعله هو وابن القطان بالجهالة في عبد الرحمن وأبيه وجده . وقال الخطابي هذا حديث قد اصطلح الفقهاء على قبوله وذلك يدل على أن له أصلا وإن كان في إسناده مقال كما اصطلحوا على قبول لا وصية لوارث وإسناده فيه ما فيه انتهى . قوله " البيعان " أي البائع والمشتري كما تقدم في الخيار ولم يذكر الأمر الذي فيه الاختلاف وحذف المتعلق مشعر بالتعميم في مثل هذا المقام على ما تقرر في علم المعاني فيعم الأختلاف في المبيع والثمن وفي كل أمر فرجع إليهما وفي سائر الشروط المعتبرة والتصريح بالأختلاف في الثمن في بعض الروايات كما وقع في الباب لا ينافي هذا العموم المستفاد من الحذف . قوله " صاحب السلعة " هو البائع كما وقع التصريح به في سائر الروايات فلا وجه لما روى عن البعض إن رب السلعة في الحال هو المشتري . وقد استدل بالحديث من قال إن القول : قول البائع إذا وقع الأختلاف بينه وبين المشتري في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد ولكن مع يمينه كما وقع في الرواية الآخرة وهذا إذا لم يقع التراضي على التراد فإن تراضيا على ذلك جاز بلا خلاف فلا يكون لهما خلاص عن النزاع إلا التفاسخ أو حلف البائع والظاهر عدم الفرق بين بقاء المبيع وتلفه لما عرفت من عدم انتهاض الرواية المصرح فيها باشتراط بقاء المبيع للاحتجاج والتراد مع التلف ممكن بأن يرجع كل واحد منهما بمثل المثلى وقيمة القيمي إذا تقرر لك ما يدل عليه هذا الحديث من كون القول قول البائع من غير فرق فاعلم أنه لم يذهب إلى العمل به في جميع صور الأختلاف أحد فيما أعلم بل اختلفوا في ذلك اختلافا طويلا على حسب ما هو مبسوط في الفروع ووقع الأتفاق في بعض الصور والأختلاف في بعض وسبب الاختلاف في ذلك ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه " لأنه يدل بعمومه على ان اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعي من غير فرق بين أن يكون أحدهما بائعا والآخر مشتريا أولا
وحديث الباب يدل على أن القول قول البائع مع يمينه والبينة على المشتري من غير فرق بين أن يكون البائع مدعيا أو مدعى عليه فبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فيتعارضان باعتبار مادة الأتفاق وهي حيث يكون البائع مدعيا فينبغي أن يرجع في الترجيح إلى الأمور الخارجية وحديث أن اليمين على المدعى عليه عزاه المصنف في كتاب الأقضية إلى أحمد ومسلم وهو أيضا في صحيح البخاري في الرهن وفي باب اليمين على المدعى عليه وفي تفسير آل عمران . وأخرجه الطبراني بلفظ " البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه " وأخرجه الإسماعيلي بلفظ " ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب " وأخرجه البيهقي بلفظ " لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر " وهذه الألفاظ كلها في حديث ابن عباس ممن رام الترجيح بين الحديثين لم يصعب عليه ذلك بعد هذا البيان ومن أمكنة الجمع بوجه مقبول فهو المتعين

كتاب السلم

1 - عن ابن عباس " قال قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم "
- رواه الجماعة وهو حجة في السلم في منقطع الجنس حالة العقد

- قوله " كتاب السلم " هو بفتح السين المهملة واللام كالسلف . وزنا ومعنى وحكى في الفتح عن الماوردي أن السلف لغة أهل العراق والسلم لغة أهل الحجاز وقيل السلف تقديم رأس المال والسلم تسليمه في المجلس فالسلف أعم . قال في الفتح والسلم شرعا بيع موصوف في الذمة وزيد في الحد ببدل يعطى عاجلا وفيه نظر لأنه ليس داخلا في حقيقته . قال واتفق العلماء على مشروعيته إلا ما حكى عن ابن المسيب واختلفوا في بعض شروطه واتفقوا على أنه يشترط له ما يشترط للبيع وعلى تسليم رأس المال في المجلس واختلفوا هل هو عقد غرر جوز للحاجة أم لا اه قوله " يسلفون " بضم أوله قوله " السنة والسنتين " في رواية للبخاري عامين أو ثلاثة " والسنة " بالنصب على الظرفية أو على المصدر وكذلك لفظ سنتين وعامين " قوله " في كيل معلوم " احترز بالكيل عن السلم في الأعيان وبقوله معلوم عن المجهول من المكيل والموزون وقد كانوا في المدينة حين قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسلمون في ثمار نخيل بأعيانها فنهاهم عن ذلك لما فيه من الغرر إذا قد تصاب تلك النخيل بعاهة فلا تثمر شيئا قال الحافظ واشتراط تعيين الكيل فيما يسلم فيه من المكيل متفق عليه من أجل اختلاف المكاييل الا أن يكون في البلد سوى كيل واحد فإنه ينصرف إليه عند الإطلاق : قوله " إلى اجل معلوم " فيه دليل على اعتبار الأجل في السلم وإليه ذهب الجمهور وقالوا لا يجوز السلم حالا وقالت الشافعية يجوز قالوا لأنه إذا جاز مؤجلا مع الغرر فجوازه حالا أولى وليس ذكر الأجل في الحديث لأجل الأشتراط بل معناه إن كان لأجل فليكن معلوما وتعقب بالكتابة فإن التأجيل شرط فيها . وأجيب بالفرق لأن الأجل في الكتابة شرع لعدم قدرة العبد غالبا واستدل الجمهور على اعتبار التأجيل بما أخرجه الشافعي والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ثم قرأ { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } ويجاب بأن هذا يدل على جواز السلم إلى أجل ولا يدل على أنه لا يجوز إلا مؤجلا وبما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه قال " لاتسلف إلى العطاء ولا إلى الحصاد واضرب أجلا " ويجاب بأن هذا ليس بحجة لأنه موقوف عليه . وكذلك يجاب عن قول أبي سعيد الذي علقه البخاري ووصله عبد الرزاق بلفظ " السلم بما يقوم به السعر ربا ولكن السلف في كيل معلوم إلى أجل " وقد اختلف الجمهور في مقدار الأجل فقال أبو حنيفة لا فرق بين الأجل القريب والبعيد وقال أصحاب مالك لا بد من أجل تتغير فيه الأسواق واقله عندهم ثلاثة أيام وكذا عند الهادوية وعند ابن القاسم خمسة عشر يوما وأجاز مالك السلم إلى العطاء والحصاد ومقدم الحاج ووافقه أبو ثور واختار ابن خزيمة تأقيته إلى الميسرة واحتج بحديث عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " بعث إلى يهودي أبعث إلى ثوبين إلى الميسرة " وأخرجه النسائي وطعن ابن المنذر في صحته وليس في ذلك دليل على المطلوب لأن التنصيص على نوع من أنواع الأجل لا ينفي غيره . وقال المنصور بالله أقله أربعون يوما وقال الناصر أقله ساعة والحق ما ذهبت إليه الشافعية من عدم اعتبار الأجل لعدم ورود دليل يدل عليه فلا يلزم التعبد بحكم بدون دليل . وأما ما يقال من أنه يلزم مع عدم الأجل أن يكون بيعا للمعدوم ولم يرخص فيه إلا في السلم ولا فارق بينه وبين البيع إلا الأجل فيجاب عنه بأن الصيغة فارقة وذلك كاف ( واعلم ) أن للسلم شروطا غير ما اشتمل عليه الحديث مبسوطة في كتب الفقه ولا حاجة لنا في التعرض لما لا دليل عليه الا أنه وقع الإجماع على اشتراط معرفة صفة الشيء المسلم فيه على وجه يتميز بتلك المعرفة عن غيره

2 - وعن عبد الرحمن بن أبزي وعبد الله بن أبي أوفى قالا " كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان يأتينا انباط من انباط الشام فنسلفهم في الحنطة والزيت إلى أجل مسمى قيل أكان لهم زرع أو لم يكن قالا ما كنا نسألهم عن ذلك "
- رواه أحمد والبخاري . وفي رواية " كنا نسلف على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزيت والتمر ومانراه عندهم "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

3 - وعن أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره "
- رواه أبو داود وابن ماجه

4 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اسلف شيئا وفا يشرط على صاحبه غير قضائه "
- وفي لفظ " من أسلف في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله " رواهما الدارقطني دليل امتناع الرهن والضمين فيه والثاني بمنع الاقالة في البعض

- حديث أبي سعيد في إسناده عطية بن سعد العوفي قال المنذري لا يحتج بحديثه قوله " بن أبزي " بالموحدة الزاي على وزن علي وزن أعلى وهو الخزاعي أحد صغار الصحابة ولأبيه أبزي صحبة . قوله " انباط " جمع نبيط وهم قوم معروفون كانوا ينزلون بالبطائح من العراقين قاله الجوهي وأصلهم قوم من العرب دخلوا في العجم واختلطت أنسابهم وفسدت السنتهم ويقال لهم النبط بفتحتين والنبيط بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية وإنما سموا بذلك لمعرفتهم بانباط الماء أي استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة وقيل هم نصارى الشام وهم عرب دخلوا في الروم ونزلوا بوادي الشام ويدل على هذا قوله من انباط الشام . وقيل هم طائفتان طائفة اختلطت العجم ونزلوا البطائح وطائفة اختلطت بالروم ونزلوا الشام : قوله فنسلفهم بضم النون واسكان السين المهملة وتخفيف اللام من الاسلاف وقد تشدد اللام مع فتح السين من التسليف : قوله " ما كنا نسألهم عن ذلك " فيه دليل على أنه لا يشترط في المسلم فيه أن يكون عند المسلم إليه وذلك مستفاد من تقريره صلى الله عليه وآله وسلم لهم مع ترك الاستفصال . قال ابن رسلان وأما المعدوم عند المسلم إليه وهو موجود عند غيره فلا خلاف في جوازه . قوله " ومانراه عندهم " لفظ أبي داود الي قوم ما هو عندهم أي ليس عندهم أصل من الأصول الحنطة والشعير والتمر والزبيب . وقد اختلف العلماء في جواز السلم فيما ليس بموجود في وقت السلم إذا امكن وجوده في وقت حلول الأجل فذهب إلى جوازه الجمهور قالوا ولا يضر انقطاعه قبل الحلول . وقال أبوحنيفة لا يصح فيما ينقطع قبله بل لا بد أن يكون موجودا من العقد إلى المحل ووافقه الثوري والأوزاعي فلو أسلم في شيء فانقطع في محله لم ينفسخ عند الجمهور وفي وجه للشافعية ينفسخ . واستدل أبو حنيفة ومن معه بما أخرجه أبو داود عن ابن عمر " أن رجلا أسلف رجلا في نخل فلم يخرج تلك السنة شيئا فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال بم نستحل ماله اردد عليه ماله ثم قال لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه " وهذا نص في التمر وغيره قياس عليه ولو صح هذا الحديث لكان المصير إليه أولى لأنه صريح في الدلالة على المطلوب بخلاف حديث عبد الرحمن بن أبزي وعبد الله بن أبي أوفى فليس فيه الا مظنة التقرير منه صلى الله عليه وآله وسلم مع ملاحظة تنزيل ترك الاستفصال منزلة العموم ولكن حديث ابن عمر هذا في إسناده رجل مجهول فإن أبا داود رواه عن محمد بن كثير عن سفيان عن أبي إسحاق عن رجل نجراني عن ابن عمر ومثل هذا لا تقوم به حجة . ( قال القائلون ) بالجواز ولو صح هذا الحديث لحمل على بيع الأعيان أو على السلم الحال عند من يقول به أو على ما قرب أجله قالوا ومما يدل على الجواز ماتقدم من أنهم كانوا يسلفون في الثمار السنتين والثلاث ومن المعلوم إن الثمار لا تبقى هذه المدة ولو اشترط الوجود لم يصح السلم في الرطب إلى هذه المدة وهذا أولى ما يتمسك به في الجواز . قوله " فلا يصرفه إلى غيره " الظاهر أن الضمير راجع إلى المسلم فيه لا إلى ثمنه الذي هو رأس المال والمعنى أنه لا يحل جعل المسلم فيه ثمنا لشيء قبل قبضه ولا يجوز بيعه قبل القبض أي لا يصرفه إلى شيء غير عقد السلم . وقيل الضمير راجع إلى رأس مال السلم . وعلى ذلك حمله ابن رسلان في شرح السنن وغيره أي ليس له صرف رأس المال في عوض آخر كأن يجعله ثمنا لشيء آخر فلا يجوز له ذلك حتى يقبضه وإلى ذلك ذهب مالك وأبو حنيفة والهادي والمؤيد بالله . وقال الشافعي وزفر يجوز ذلك لأنه عوض من مستقر في الذمة فجاز كما لو كان قرضا ولانه مال عاد إليه بفسخ العقد على فرض تعذر المسلم فيه فجاز أخذ العوض عنه كالثمن في المبيع إذا فسخ العقد قوله " فلا يشرط على صاحبه غير قضائه " فيه دليل على أنه لا يجوز شيء من الشروط في عقد السلم غير القضاء واستدل به المصنف على امتناع الرهن وقد روى عن سعيد بن جبير أن الرهن في السلم هو الربا المضمون : وقد روى نحو ذلك عن ابن عمر والأوزاعي والحسن وهو إحدى الروايتين عن أحمد ورخص فيه الباقون واستدلوا بما في الصحيح من حديث عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى طعاما من يهودي نسيئة ورهنه درعا من حديد " وقد ترحم عليه البخاري باب الرهن في السلم وترجم عليه أيضا في كتاب السلم باب الكفيل في السلم واعترض عليه الإسماعيلي بأنه ليس في الحديث ماترجم به ولعله أراد الحاق الكفيل بالرهن لأنه حق ثبت الرهن به فجاز أخذ الكفيل به والخلاف في الكفيل كالخلاف في الرهن : قوله " فلا يأخذ إلا ما سلف فيه " الخ فيه دليل لمن قال أنه لا يجوز صرف رأس المال إلى شيء آخر وقد تقدم الخلاف في ذلك

كتاب القرض

باب فضيلته

1 - عن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين الا كان كصدقتها مرة "
- رواه ابن ماجه

- الحديث في إسناده سليمان بن بشير وهو متروك قال الدارقطني والصواب أنه موقوف على ابن مسعود وفي الباب عن أنس عند ابن ماجه مرفوعا " الصدقة بعشرة أمثالها والقرض بثمانية عشر " وفي إسناده خالد بن يزيد بن عبد الرحمن الشامي قال النسائي ليس بثقة . وعن أبي هريرة عند مسلم مرفوعا " من نفس عن أخيه كربة من كرب الدينا نفس الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان في عون أخيه " وفي فضيلة القرض أحاديث وعمومات الأدلة القرآنية والحديثية القاضية بفضل المعاونة وقضاء حاجة المسلم وتفريج كربته وسد فاقته شاملة له ولاخلاف بين المسلمين في مشروعيته . قال ابن رسلان ولاخلاف في جواز سؤاله عند الحاجة ولانقص على طالبه ولو كان فيه شيء من ذلك لما استسلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في البحر وموقعه أعظم من الصدقة إذ لا يفترض إلا محتاج اه . ويدل على هذا حديث أنس المذكور وفي حديث الباب دليل على أن قرض الشيء مرتين يقوم مقام التصدق به مرة

باب استقراض الحيوان والقضاء من الجنس فيه وفي غيره

1 - عن أبي هريرة قال " ما استقرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنا فأعطى سنا خيرا من سنه وقال خياركم أحاسنكم قضاء "
- رواه أحمد والترمذي وصححه

2 - وعن أبي رافع قال " استلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكرا فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره فقلت إني لم أجد في الأبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال أعطه أياه فأن من خير الناس أحسنهم قضاء "
- رواه الجماعة إلا البخاري

3 - وعن أبي سيعد قال " جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتقاضاه دينا كان عليه فأرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيك "
- مختصر لابن ماجه

- حديث أبي هريرة هو في الصحيحين بلفظ " كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق فأغلظ له فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا فقال لهم اشتروا له سنا فأعطوه أياه فقالوا إنا لانجد إلا سنا هو خير سنه قال فاشتروه واعطوه أياه فإن من خيركم أو أخيركم أحسنكم قضاء " وسيأتي ( وفي الباب ) عن العرباض بن سارية عند النسائي والبزار قال " بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكرا وأتيته أتقاضاه فقلت أقضي ثمن بكري فقال لا أقضيك إلا نجيبة فدعاني فأحسن قضائي ثم جاء أعرابي فقال أقض بكرى فقضاه بعيرا " وحديث أبي سعيد في إسناده عند ابن ماجه ابن أبي عبيده عن أبيه وهما ثقتان وبقية إسناده ثقات : قوله " أحاسنكم قضاء " جمع أحسن . ورواية الصحيحين " أحسنكم " كما سلف وهو الفصيح . ووقع في رواية لأبي داود محاسنكم بالميم كمطلع ومطالع : قوله " بكرا " بفتح الباء الموحدة وهو الفتى من الأبل . قال الخطابي هو من الأبل بمنزلة الغلام من الذكور والقلوص بمنزلة الجارية من الإناث : قوله " رباعيا " بفتح الراء وتخفيف الموحدة وهوالذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة ( وفي الحديثين ) دليل على جواز الزيادة على مقدار القرض من المستقرض وسيأتي الكلام على ذلك . قال الخطابي وفي حديث أبي رافع من الفقه جواز تقديم الصدقة قبل محلها وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تحل له الصدقة فلا يجوز أن يقضي من إبل الصدقة شيئا كان استسلفه لنفسه فدل على أنه استسلفه لأهل الصدقة من أرباب المال وهذا استدلال الشافعي ( وقد اختلف ) العلماء في جواز تقديم الصدقة عن محل وقتها فأجازه الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وابن حنبل وابن راهويه . وقال الشافعي يجوز أن يعجل الصدقة سنة واحدة وقال الشافعي لا يجوز أن يخرجها قبل حلول الحول وكرهه سفيان النوري وقد تقدم في الزكاة ذكر ما يدل على الجواز ( وفي الحديثين ) أيضا جواز قرض الحيوان وهو مذهب الجمهور ومنع ذلك الكوفيون والهادوية قالوا لأنه نوع من البيع مخصوص وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الحيوان كما سلف . ويجاب بأن الاحاديث متعارضة في المنع من بيع الحيوان بالحيوان والجواز وعلى تسليم أن المنع هو الراجح فحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض بن سارية مخصصة لعموم النهي ( وأما الاستدلال ) على المنع بأن الحيوان مما يعظم فيه التفاوت فممنوع وقد استثنى مالك والشافعي وجماعة من العلماء قرض الولائد فقالوا لا يجوز لأنه يؤدي إلى عارية الفرج وأجاز ذلك مطلقا داود والطبري والمزني ومحمد بن داود وبعض الخراسانيين وأجازه بعض المالكية بشرط أن يرد غيره ما استقرضه . وأجازه بعض أصحاب الشافعي وبعض المالكية فيمن يحرم وطؤه على المستقرض وقد حكى إمام الحرمين عن السلف والغزالي عن الصحابة النهي عن قرض الولائد . وقال ابن حزم ما نعلم في هذا أصلا من كتاب ولا رواية صحيحة ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا إجماع ولا قياس اه وحديث أبي سعيد المذكور فيه دليل على أنه يجوز لمن عليه دين أن يقضيه بدين آخر ولا خلاف في جواز ذلك فيما أعلم

باب جواز الزيادة عند الوفاء والنهي عنها قبله

1 - عن أبي هريرة قال " كان لرجل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال اعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها فقال أعطوه فقال أوفيتني أوفاك الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء "

2 - وعن جابر قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لي عليه دين فقضاني وزادني "
- متفق عليه

3 - وعن أنس " وسئل الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه فقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقرض أحدكم قرضا فاهدي إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله الا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك "
- رواه ابن ماجه

4 - وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أقرض فلا يأخذ هدية "
- رواه البخاري في تاريخه

5 - وعن بن أبي موسى قال " قدمت المدينة فلقيت عبد الله ابن سلام فقال لي إنك بأرض فيها الربا فاش فإذا كان لك على رجل حق فأهدي إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا "
- رواه البخاري في صحيحه

- حديث أنس في إسناده يحيى بن أبي إسحاق الهنائي وهو مجهول وفي إسناده أيضا عتبة بن حميد الضبي وقد ضعفه أحمد والراوي عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف قوله " سن " أي جمل هل سن معين وفي حديث أبي هريرة دليل على جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله وفيه أيضا دليل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتواضعه وانصافه . وقد وقع في بعض ألفاظ الصحيح " أن الرجل أغلظ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا " كما تقدم وفيه دليل على جواز قرض الحيوان وقد تقدم الخلاف في ذلك . وفيه جواز رد ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد وبه قال الجمهور وعن المالكية إن كانت الزيادة بالعدد لم يجز وإن كانت بالوصف جازت وبرد عليهم حديث جابر المذكور في الباب فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زاده والظاهر أن الزيادة كانت في العدد وقد ثبت في رواية للبخاري إن الزيادة كانت قيراطا وأما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فتحرم اتفاقا ولا يلزم من جواز الزيادة في القضاء على مقدار الدين جواز الهدية ونحوها قبل القضاء لأنها بمنزلة الرشولة فلا تحل كم يدل على ذلك حديثا أنس المذكوران في الباب وأثر عبد الله بن سلام ( والحاصل ) أن الهدية والعارية ونحوهما إذا كانت لأجل التنقيس في أجل الدين أو لأجل رشوة صاحب الدين أو لأجل أن يكون لصاحب الدين منفعة في مقابل دينه فذلك محرم لأنه نوع من الربا أو رشوة وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل التداين فلا بأس وإن لم يكن ذلك لغرض أصلا فالظاهر المنع لإطلاق النهي عن ذلك وأما الزيادة على مقدار الدين عند القضاء بغير شرط ولا اضمار فالظاهر الجواز من غير فرق بين الزيادة في الصفة والمقدار والقليل والكثير لحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض وجابر بل مستحب . قال المحاملي وغيره من الشافعية يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح في ذلك يعين قوله " إن خيركم أحسنكم قضاء " ومما يدل على عدم حل القرض الذي يجر إلى المقرض نفعا ما أخرجه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ " كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا " ورواه في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم . ورواه الحرث بن أبي أسامة من حديث علي عليه السلام بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قرض جر منفعة " وفي رواية " كل قرض حر منفعة فهو ربا " وفي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك قال عمر بن زيد في المغنى لم يصح فيه شيء ووهم إمام الحرمين والغزالي فقالا أنه صح ولاخبرة لهما بهذا الفن وأما إذا قضى المقترض المقرض دون حقه وحلله من البقية كان ذلك جائزا وقد استدل البخاري على جواز ذلك بحديث جابر في دين أبيه وفيه " فسألهم أن يقبلوا ثمرة حائطي ويحللوا أبي " وفي رواية للبخاري أيضا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل له غريمه في ذلك " قال ابن بطال لا يجوز أن يقضي دون الحق بغير محاللة ولو حلله من جميع الدين جاز عند العلماء فكذلك إذا حلله من بعضه اه قوله " أوحمل قت " بفتح القاف وتشديد التاء المثناة وهو الجاف من النبات المعروف بالفصفصة بكسر الفاءين وأهمال الصادين فما دام رطبا فهو الفصفصة فإذا جف فهو القت والفصفصة هي القضب المعروف وسمي بذلك لانه يجز ويقطع والقت كلمة فارسية عربت فإذا الفصفصة كبست وضم بعضها على بعض إلى أن تجف وتباع لعلف الدواب كما في بلاد مصر ونواحيها

كتاب الرهن

1 - عن أنس قال " رهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم درعا عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيرا لأهله "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه

2 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد " وفي لفظ " توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير "
- أخرجاهما . ولأحمد والنسائي وابن ماجه مثله من حديث ابن عباس وفيه من الفقه جواز الرهن في الحضر ومعاملة أهل الذمة

- حديث ابن عباس أخرجه ايضا الترمذي وصححه . وقال صاحب الاقتراح هو على شرط البخاري : قوله " رهن " الرهن بفتح أوله وسكون الهاء في اللغة الأحتباس من قولهم رهن الشيء إذا دام وثبت ومنه { كل نفس بما كسبت رهينة } وفي الشرع جعل مال وثيقة على دين ويطلق أيضا على العين المرهونة تسمية للمفعول به باسم المصدر . وأما الرهن بضمتين فالجمع ويجمع أيضا على رهان بكسر الراء ككتب وكتاب وقرئ بهما . قوله " عند يهودي " هو أبو الشحم كما بينه الشافعي والبيهقي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رهن درعا له عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر في شعير " اه وأبو الشحم بفتح المعجمة وسكون المهملة كنيته وظفر بفتح الظاء والفاء بطن من الأوس وكان حليفا لهم وضبطه بعض المتأخرين بهمزة ممدودة وموحدة مكسورة اسم فاعل من الأباء وكأنه التبس عليه بأبي اللحم الصحابي : قوله " بثلاثين صاعا من شعير " في رواية الترمذي والنسائي من هذا الوجه بعشرين ولعله صلى الله عليه وآله وسلم رهنه أول الأمر في عشرين ثم استزاده عشرة فرواه الراوي تارة على ما كان الرهن عليه أولا وتارة على ما كان عليه آخرا . وقال في الفتح لعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة والغى الجبر أخرى : ووقع لابن حبان عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارا وزاد أحمد في رواية فما وجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يفتكها به حتى مات ( والأحاديث ) المذكورة فيها دليل على مشروعية الرهن وهو مجمع على جوازه وفيها أيضا دليل على صحة الرهن في الحضر وهو قول الجمهور والتقييد بالسفر في الآية خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له لدلالة الأحاديث على مشروعيته في الحضر وأيضا السفر مظنة فقد الكاتب فلا يحتاج إلى الرهن غالبا الا فيه . وخالف مجاهد والضحاك فقالا لا يشرع الا في السفر حيث لا يوجد الكاتب وبه قال داود وأهل الظاهر والأحاديث ترد عليهم وقال ابن حزم إن شرط المرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك وإن تبرع به الراهن جاز وحمل أحاديث الباب على ذلك وفيها أيضا دليل على جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم العين المتعامل فيها وجواز رهن السلاح عند أهل الذمة لا عند أهل الحرب بالأتفاق وجواز الشراء بالثمن المؤجل وقد تقدم تحقيق ذلك . قال العلماء والحكمة في عدوله صلى الله عليه وآله وسلم عن معاملة سير الصحابة إلى معاملة اليهود إما بيان الجواز أو لانهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمنا أو عوضا فلم يرد التضييق عليهم

3 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي . وفي لفظ " إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته " رواه أحمد

- الحديث له ألفاظ منا ما ذكره المصنف . ومنها بلفظ " الرهن مركوب ومحلوب " رواه الدارقطني والحاكم وصححه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا . قال الحاكم لم يخرجاه لأن سفيان وغيره وقفوه على الأعمش وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على الأعمش وغيره ورجح الموقوف وبه جزم الترمذي وقال ابن أبي حاتم قال أبي رفعة يعني أبا معاوية مرة ثم ترك الرفع بعد روجح البيهقي أيضا الوقف : قوله " الظهر " أي ظهر الدابة . قوله " يركب " بضم أوله على البناء للمجهول لجميع الرواة كما قال الحافظ وكذلك يشرب وهو خبر في معنى الأمر كقوله تعالى { والولدات يرضعن } وقد قيل إن فاعل الركوب والشرب لم يتعين فيكون الحديث مجملا وأجيب بأنه لا إجمال بل المراد المرتهن بقرينة إن انتفاع الراهن بالعين المرهونة لأجل كونه مالكا والمراد هنا الانتفاع في مقابلة النفقة وذلك يختص بالمرتهن كما وقع التصريح بذلك في الرواية الأخرى . ويؤيده ما وقع عند حماد بن سلمة في جامعه بلفظ " إذا أرتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر علفها فإن استفصل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا " ففيه دليل على أنه يجوز للمرتهن الأنتفاع بالرهن إذا قام بما يحتاج إليه ولو لم يأذن المالك وبه قال أحمد وإسحاق والليث والحسن وغيرهم وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء بل الفوائد للراهن والمؤن عليه قالوا والحديث رد على خلاف القياس من وجهين أحدهما التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير أذنه . والثاني تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة . قال ابن عبد البر هذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها ويدل على نسخه حديث ابن عمر عند البخاري وغيره بلفظ " لاتحلب ماشية امرئ بغير إذنه " ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول فلا ترد الا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع . وعن حديث ابن عمر بأنه عام وحديث الباب خاص فيبنى العام على الخاص والنسخ لا يثبت إلا بدليل يقضي بتأخر الناسخ على وجه يتعذر معه الجمع لا بمجرد الاحتمال مع الإمكان . وقال الأوزاعي والليث وأبو ثور أنه يتعين حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الأتفاق على المرهون فيباح حينئذ للمرتهن وأجود ما يحتج به للجمهور حديث أبي هريرة الآتي وستعرف الكلام عليه : قوله " الدر " بفتح الدال المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة أي لبن الدابة ذات الضرع . وقيل هو ههنا من إضافة الشيء إلى نفسه كقوله تعالى { حب الحصيد }

4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه "
- رواه الشافعي والدارقطني وقال هذا إسناد حسن متصل

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان في صحيحه وأخرجه أيضا ابن ماجه من طريق أخرى وصحح أبو داود والبزار والدارقطني وابن القطان إرساله عن سعيد بن المسيب بدون ذكر أبي هريرة . قال في التلخيص وله طرق في الدارقطني والبيهقي كلها ضعيفة وقال في بلوغ المرام إن رجاله ثقات الا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله اه وساقه ابن حزم من طريق قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا يحيى بن أبي طالب الأنطاكي وغيره من أهل الثقة حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا شبابة عن روقاء عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يغلق الرهن الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه " قال ابن حزم هذا إسناد حسن وتعقبه الحافظ بأن قوله نصر بن عاصم تصحيف وإنما هو عبد الله بن نصر الأصم الأنطاكي وله أحاديث منكرة . وقد رواه الدارقطني عبد الله بن نصر المذكور وصحح هذه الطريق عبد الحق وصحح أيضا وصله ابن عبد البر وقال هذه اللفظة يعني له غنمه وعليه غرمه اختلف الرواة في رفعها ووقفها فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما ووقفها غيرهم . وقد روى ابن وهب هذا الحديث فجوده وبين إن هذه اللفظة من قول سعيد بن المسيب . وقال أبو داود في المراسيل قوله " له غنمه وعليه غرمه من كلام سعيد بن المسيب نقله عنه الزهري . قوله " لا يغلق الرهن " يحتمل أن تكون لانافية ويحتمل أن تكون ناهية . قال في القاموس غلق الرهن استحقه المرتهن وذلك إذا لم يفتكه في الوقت المشروط اه وقال الأزهري الغلق في الرهن ضد الفك فإذا فك الراهن الرهن فقد أطلقه من وثاقه عند مرتهنه . وروى عبد الرزاق عن معمر أنه فسر غلاق الرهن بما إذا قال الرجل إن لم آتك بما لك فالرهن لك قال ثم بلغني عنه أنه قال إن هلك لم يذهب حق هذا إنما هلك من رب الرهن له غنمه وعليه غرمه . وقد روى أن المرتهن في الجاهلية كان يتملك الرهن إذ لم يؤد الراهن إليه ما يستحقه في الوقت المضروب فأبطله الشارع : قوله " له غنمه وعليه غرمه " فيه دليل لمذهب الجمهور المتقدم لأن الشارع قد جعل الغنم والغرم للراهن ولكنه قد اختلف في وصله وإرساله ورفعه ووقفه وذلك مما يوجب عدم انتهاضه لمعارضة ما في صحيح البخاري وغيره كما سلف

كتاب الحوالة والضمان

باب وجوب قبول الحوالة إلى الملئ

1 - عن أبي هريرة قال " مطل الغني ظلم وإذا اتبع أحدكم على ملئ فليتبع "
- رواه الجماعة . وفي لفظ لأحمد " ومن أحيل على ملئ فليحتمل "

2 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " مطل الغني ظلم وإذا أحلت على ملئ فاتبعه "
- رواه ابن ماجه

- حديث ابن عمر إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا إسماعيل بن توبة حدثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر فذكره . وإسماعيل بن توبة قال ابن أبي حاتم صدوق وبقية رجاله رجال الصحيح وقد أخرجه أيضا الترمذي وأحمد . قوله " الحوالة " هي بفتح الحاء المهملة وقد تكسر قال في الفتح مشتقة من التحويل أو من الحول يقال حال عن العهد إذا انتقل عنه حولا وهي عند الفقهاء نقل دين من ذمة إلى ذمة اختلفوا هل هي بيع دين بدين رخص فيه فاستثنى من النهي عن بيع الدين بالدين أو هي استيفاء وقيل هي عقد إرفاق ويشترط في صحتها رضا المحيل لا خلاف والمحتال عند الأكثر والمحال عليه عند بعض . ويشترط أيضا تماثل النقدين في الصفات وأن يكون في شيء معلوم ومنهم من خصها بالنقدين ومنعها في الطعام لأنها بيع طعام قل أن يستوفي اه . قوله " مطل الغني " من إضافة المصدر إلى الفاعل عند الجمهور والمعنى أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل صاحب اليد بخلاف العاجز وقيل هو من إضافة المصدر إلى المفعول أي يجب على المستدين أن يوفي صاحب الدين ولو كان المستحق للدين غنيا فإن مطله ظلم فكيف إذا كان فقيرا فإنه يكون ظلما بالأولى ولا يخفى بعد هذا كما قال الحافظ والمطل في الأصل المد وقال الأزهري المدافعة . قال في الفتح والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر : قوله " وإذا اتبع " باسكان التاء المثناة الفوقية على البناء للمجهول . قال النووي هذا هو المشهور في الرواية واللغة . وقال القرطبي أما أتبع فبضم الهمزة وسكون التاء مبنيا لما لم يسم فاعله عند الجميع وأما فليتبع فالأكثر على التخفيف وقيده بعضهم بالتشديد والأول أجود وتعقب الحافظ ما ادعاه من الاتفاق بقول الخطابي إن أكثر المحدثين يقولونه يعني أتبع بتشديد التاء والصواب التخفيف والمعنى إذا أحيل فليحتل كما وقع في الرواية الأخرى . قوله " على ملئ " قيل هو بالهمز وقيل بغير همز ويدل على ذلك قول الكرماني الملى كالغني لفظا ومعنى . وقال الخطاب إنه في الأصل بالهمز ومن رواه بتركها فقد سهله : قوله " فاتبعه " قال في الفتح هذا بتشديد التاء بلا خلاف ( والحديثان ) يدلان على أنه يجب على من أحيل بحقه على ملئ أن يحتال وإلى ذلك ذهب أهل الظاهر وأكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير وحمله الجمهور على الاستحباب . قال الحافظ ووهم من نقل فيه الإجماع . ( وقد اختلف ) هل المطل مع الغني كبيرة أم لا وقد ذهب الجمهور إلى أنه موجب للفسق واختلفوا هل يفسق بمرة أو يشترط التكرار وهل يعتبر الطلب من المستحق أم لا . قال في الفتح وهو يتصف بالمطل من ليس القدر الذي عليه حاضرا عنده لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلا أطلق أكثر الشافعية عدم الوجوب وصرح بعضهم بالوجوب مطلقا وفصل آخرون بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يعصى به فيجب وإلا فلا اه . والظاهر الأول لأن القادر على التكسب ليس بمليء والوجوب إنما هو عليه فقط لان تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية

باب ضمان دين الميت المفلس

1 - عن سلمة بن الأكوع قال " كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتي بجنازة فقالوا يا رسول الله عليها قال هل ترك شيئا قالوا لا فقال هل عليه دين قالوا ثلاثة دنانير قال صلوا على صاحبكم فقال أبو قتادة صل عليه يا رسول الله وعلى دينه فصلى عليه "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي . وروى الخمسة الا أبا داود هذه القصة من حديث أبي قتادة وصححه الترمذي . وقال فيه النسائي وابن ماجه " فقال أبو قتادة أنا أتكفل به " وهذا صريح في إن الانشاء لا يحتمل الأخبار بما مضى

2 - وعن جابر قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يصلي على رجل مات عليه دين بميت فسأل عليه دين قالوا نعم ديناران قال صلوا على صاحبكم فقال أبو قتادة هما علي يا رسول الله فصلى عليه فلما فتح الله على رسوله قال أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دين فعلى ومن ترك مالا فلورثته "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

- حديث أبي قتادة أخرجه أيضا ابن حبان وحديث جابر أخرجه أيضا ابن حبان والدارقطني والحاكم وفي الباب عن أبي سعيد عند الدارقطني والبيهقي بأسانيد قال الحافظ ضعيفة بلفظ " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وآله وسلم هل على صاحبكم من دين قالوا نعم درهمان قال صلوا على صاحبكم فقال علي عليه السلام يا رسول الله هما علي وأنا لهما ضامن فقام يصلي ثم أقبل على علي عليه السلام فقال جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك ما من مسلم فك رهان أخيه الا فك الله رهانه يوم القيامة فقال بعضهم هذا لعلي رضي الله عنه خاصة أم للمسلمين عامة فقال بل للمسلمين عامة " . وعن أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في خطبته " من خلف مالا أو حقا فلورثته ومن خلف كلا أو دينا فكله إلي ودينه علي " وعن سلمان عند الطبراني بنحو حديث أبي هريرة وزاد " وعلى الولاة من بعدي من بيت مال المسلمين " وفي إسناده عبد الله بن سعيد الأنصاري متروك ومتهم . وعن أبي أمامة عن ابن حبان في ثقاته : قوله " ثلاثة دنانير " في الرواية الأخرى " ديناران " وفي رواية لابن ماجه وابن حبان من حديث أبي قتادة " سبعة عشر درهما " وفي رواية لابن حبان من حديثه " ثمانية عشر " وهذان دون دينارين وفي رواية لابن حبان أيضا من حديثه ديناران وفي رواية له أيضا من حديث أبي أمامة نحو ذلك . وفي مختصر المازني من حديث أبي سعيد الخدري إن الدينكان درهمين ويجمع بين رواية الدينارين والثلاثة بأن الدين كان دينارين وشطرا فمن قال ثلاثة جبر الكسر ومن قال ديناران الغاه أو كان أصلهما ثلاثة فوقي قبل موته دينارا وبقي عليه ديناران فمن قال ثلاثة فباعتبار الأصل ومن قال ديناران فباعتبار ما بقي من الدين والأول اليق كذا في الفتح ولا يخفى ما في ذلك من التعسف والأولى الجمع بين الروايات كلها بتعدد القصة ( وأحاديث الباب ) تدل على أنها تصح الضمانة عن الميت ويلزم الضمين ما ضمن به وسواء كان الميت غنيا أو فقيرا وإلى ذلك ذهب الجمهور وأجاز مالك للضامن الرجوع على مال الميت إذا كان له مال وقال أبو حنيفة لا تصح الضمانة إلا بشرط أن يترك الميت وفاء دينه وإلا لم يصح ( والحكمة ) في ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة على من عليه دين تحريض الناس على قضاء الديون في حياتهم والتوصل إلى البراء لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم . قال في الفتح وهل كانت صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على من عليه دين محرمة عليه أو جائزة وجهان . قال النووي الصواب الجزم وبجوازها مع وجود الضامن كما في حديث مسلم . وحكى القرطبي أنه ربما كان يمتنع من الصلاة على من أدان دينا غير جائز وأما من استدان لأمر هو جائز فما كان يمتنع وفيه نظر لأن في حديث أبي هريرة ما يدل على التعميم حيث قال في رواية للبخاري من توفي وعليه دين ولو كان الحال مختلفا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم نعم جاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما امتنع من الصلاة على من عليه دين جاءه جبريل عليه السلام فقال إنما الظالم في الديون التي حملت في البغي والأسراف فأما المتعفف وذوالعيال فأنا ضامن له أؤدي عنه فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك وقال من ترك ضياعا الحديث . قال الحافظ وهو ضعيف وقال الحازمي بعد أن أخرجه لا بأس به في المتابعات وليس فيه أن التفصيل المذكور كان مستمرا وإنما فيه إنه طرأ بعد ذلك وأنه السبب في قوله صلى الله عليه وآله وسلم من ترك دينا فعلى وفي صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على من عليه دين بعد أن فتح الله عليه اشعار بأنه كان يقضيه من مال المصالح . وقيل بل كان يقضيه من خالص ملكه وهل كان القضاء واجبا عليه أم لا فيه وجهان قال ابن بطال وهكذا يلزم المتولي لأمر المسلمين أن يفعله بمن مات وعليه دين فإن لم يفعل فالأثم عليه إن كان حق الميت في بيت المال يفي بقدر ما عليه وإلا فبقسطه . قوله " فعلى " قال ابن بطال هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين وقد حكى الحازمي اجماع الأمة على ذلك

باب في أن المضمون عنه إنما يبرأ بأداء الضامن لا بمجرد ضمانه

1 - عن جابر قال " توفى رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا تصلي عليه فخطى خطوة ثم قال أعليه دين قلنا ديناران فأنصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه فقال أبو قتادة الديناران على فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منه الميت قال نعم فصلى عليه ثم قال بعد ذلك اليوم ما فعل الديناران إنما مات أمس قال فعاد إليه من الغد فقال قد قضيتهما فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الآن بردت علهي جلده "
- رواه أحمد وإنما أراد بقوله والميت منهما برئ دخوله في الضمان متبرعا لا ينوي به رجوعا بحال

- الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والدارقطني وصححه ابن حبان والحاكم : قوله " أتينا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم " زاد الحاكم " ووضعناه حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل عليه السلام " : قوله " فانصرف " لفظ البخاري في حديث أبي هريرة " فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلوا على صاحبكم " وتقدم نحوه في حديث سلمة . قوله " الآن بردت عليه " فيه دليل على أن خلوص الميت من ورطة الدين وبراءة ذمته على الحقيقة ورفع العذاب عنه إنما يكون بالقضاء عنه لا بمجرد التحمل بلفظ الضمانة ولهذا سارع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى سؤال أبي قتادة في اليوم الثاني عن القضاء وفيه دليل على أنه يستحب للإمام أن يخص من تحمل حمالة عن ميت على الأسراع بالقضاء . وكذلك يستحب لسائر المسلمين لأنه من المعاونة على الخير وفيه أيضا دليل على صحة التبرع بالضمانة عن الميت وقد تقدم الكلام على ذلك

باب في أن ضمان درك المبيع على البائع إذا خرج مستحقا

1 - عن الحسن عن سمرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به ويتبع البيع من باعه "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي . وفي لفظ " إذا سرق من الرجل متاع أو ضاع منه فوجده بيد رجل بعينه فهو أحق به ويرجع المشتري على البائع بالثمن " . رواه أحمد وابن ماجه

- سماع الحسن من سمرة فيه خلاف قد ذكرناه وبقية الاسناد رجاله ثقات لأن أبا داود رواه عن عمرو بن عوف الواسطي الحافظ شيخ البخاري عن هشيم عن موسى بن السائب وثقه أحمد عن قتادة عن الحسن : قوله " من وجد عين ماله " يعني المغصوب أو المسروق عند رجل أو امرأة فهو أحق به من كل أحد إذا ثبت أنه ملكه بالبينة أوصدقة من في يده العين ثم إن كانت العين بحوزه فله مع أخذ العين المطالبة بمنفعتها مدة بقائها في يده سواء انتفع بها من كانت في يده أم لا وإذا كانت العين قد نقصت بغير استعمال كتعثث الثوب ( 1 ) [ العثة بوزن الحقة السوسة التي تلحس الصوف ] وعمي العبد وسقوط يده بآفة فقيل يجب أخذ الأرش مع أجرته سليما لما قبل النقص وناقصا لما بعده وكذلك لو كان النقص بالاستعمال : قوله " البيع " بتشديد التحتية مكسورة وهو المشتري أي يرجع على من باع تلك العين منه ولا يرجع عند الهادوية إلا إذا كان تسليم المبيع إلى مستحقه بأذن البائع أو بحكم الحاكم بالبينة أو بعلمه لا إذا كان الحكم مستندا إلى إقرار المشتري أو نكوله فلا يرجع على البائع ثم إن كان المشتري علم بأن تلك العين مغصوبة فيتوجه عليه من المطالبة كل ما يتوجه إليه على الغاصب من الأجر والأرش وإن جهل لغصب ونحوه كانت يده عليها يد أمانه كالوديعة وقيل يد ضمانة ولكن يرجع بما غرم على البائع . قوله " بالثمن " يعني الذي دفعه إلى البائع

كتاب التفليس

باب ملازمة المليئ وإطلاق المعسر

1 - عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته "
- رواه الخمسة إلا الترمذي . قال أحمد قال وكيع عرضه شكايته وعقوبته حبسه

- الحديث أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وابن حبان وصححه وعلقه البخاري قال الطبراني في الأوسط لا يروى عن الشريد إلا بهذا الإسناد تفرد به ابن أبي دليلة قال في الفتح وإسناده حسن : قوله " التفليس " هو مصدر فلسه أي نسبته إلى الإفلاس والمفلس شرعا من يزيد دينه على موجوده سمي مفلسا لأنه صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير إشارة إلى أنه صار لا يمكل إلا أدنى الأموال وهي الفلوس أو سمي بذلك لأنه يمنع التصرف إلآ في الشيء التافه كالفلوس لأنهم ما كانوا يتعاملون بها في الأشياء الخطيرة أو أنه صار إلى حالة لا يملك فيها فلسا فعلى هذا فالهمزة في أفلس للسلب : قوله " ليالواجد " اللي بالفتح وتشديد الياء المطل والواجد بالجيم الغني من الوجد بالضم بمعنى القدرة قوله " يحل " بضم أوله أي يجوز وصفه بكونه ظالما . وروى البخاري والبيهقي عن سفيان مثل التفسير الذي رواه المصنف عن أحمد عن وكيع . واستدل بالحديث على جواز حبس من عليه الدين حتى يقضيه إذا كان قادرا على القضاء تأديبا له وتشديدا عليه لا إذا لم يكن قادرا لقوله " الواجد " فإنه يدل أيضا على أن المعسر لا يحل عرضه ولا عقوبته وإلى جواز الحبس للواجد ذهبت الحنفية وزيد بن علي . وقال الجمهور يبيع عليه الحاكم لما سيأتي من حديث معاذ وأما غير الواجد فقال الجمهور لا يحبس لكن قال أبو حنيفة يلازمه من له الدين وقال شريح يحبس والظاهر قول الجمهور ويؤيده قوله تعالى ( فنظرة إلى ميسرة ) وقد اختلف هل يفسق الماطل أم لا واختلف أيضا في تقدير ما يفسق به والكلام في ذلك مبسوط في كتب الفقه

2 - وعن أبي سعيد قال " أصيب رجل على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لغرمائه خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك "
- رواه الجماعة إلا البخاري

- قوله " في ثمار ابتاعها " هذا يدل على أن الثمار إذا أصيبت مضمونة على المشتري وقد تقدم في باب وضع الحوائج ما يدل على أنه يجب على البائع أن يضع عن المشتري بقدر ما أصابته الجائحة وقد جمع بينهما بأن وضع الجوائح محمول على الاستحباب . وقيل أنه خاص بما بيع من الثمار قبل بدو صلاحه . وقيل أنه يؤول حديث أبي سعيد هذا بأن التصدق على الغريم من باب الاستحباب وكذلك قضاؤه دين غرمائه من باب التعرض لمكارم الأخلاق وليس التصدق على جهة العزم ولا القضاء للغرماء على جهة الحتم وهذا هو الظاهر . ويدل عليه قوله في حديث وضع الجوائح " لا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك " فإنه صريح في وجوب الوضع لا في استحبابه وكذلك قوله في هذا الحديث " وليس لكم إلا ذلك " فإنه يدل على أن الدين غير لازم ولو كان لازما لما سقط الدين بمجرد الإعسار بل كان اللازم الإنظار إلى ميسرة وقد قدمنا في باب وضع الجوائح عدم صلاحية حديث أبي سعيد هذا للاستدلال به على عدم وضع الجوائح لوجهين ذكرناهما هنالك . وقد استدل الحديث على أن المفلس إذا كان له من المال دون ما عليه من الدين كان الواجب عليه لغرمائه تسليم المال ولا يجب عليه لهم شيء غير ذلك وظاهره أن الزيادة ساقطة عنه ولو أيسر بعد ذلك لم يطالب بها

باب من وجد سلعة باعها من رجل عنده وقد أفلس

1 - عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من وجد متاعه عند مفلس بعينه فهو أحق به "
- رواه أحمد

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره " ز
- رواه الجماعة . وفي لفظ قال في الرجل الذي يعدم " إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه أنه لصاحبه الذي باعه " رواه مسلم والنسائي وفي لفظ " أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده ماله ولم يكن اقتضى من ماله شيئا فهو له " رواه أحمد

3 - وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به وإن مات المشتري فصاحب المتاع اسوة الغرماء "
- رواه مالك في الموطأ وأبو داود وهو مرسل . وقد أسنده أبو داود من وجه ضعيف

- حديث سمرة أخرجه أيضا أبو داود قال في الفتح وإسناده حسن وهو من رواية الحسن البصري عنه وفي سماعه منه خلاف معروف قد قدمنا الكلام فيه ولكنه يشهد لصحته حديث أبي هريرة المذكور بعده ويشهد لصحته أيضا ما أخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه عن أبي هريرة أنه قال في مفلس أتوه به " لاقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أفلس أ
مات فوجد الرجل متاعه بعينه فهو أحق به " وفي إسناده أبو المعتمر . قال أبو داود الطحاوي وابن المنذر وهو مجهول ولم يذكر له ابن أبي حاتم إلا راويا واحدا وذكره ابن حبان في الثقات وهو للدارقطني والبيهقي من طريق أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب . وحديث أبي بكر بن عبد الرحمن هو مرسل كما ذكره المصنف لأن أبا بكر تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ووصله أبو داود من طريق أخرى فقال عن أبي بكر المذكور عن أبي هريرة وهي ضعيفة كما قال المصنف وذلك لأن فيها اسمعيل ابن عياش وهو ضعيف غذ روى عن غير أهل الشام ولكنه ههنا روى عن الحرث الزبيدي وهو شامي قال الحافظ وقد اختلف على اسمعيل فأخرجه ابن الجارود من وجه عنه عن موسى بن عقبة عن الزهري موصولا . وقال الشافعي حديث أبي المعتمر أولى من هذا وهذا منقطع . وقال البيهقي لا يصح وصله ووصله عبد الرزاق في مصنفه . وذكر ابن حزم أن عراك بن مالك رواه أيضا عن أبي هريرة في غرائب مالك . وفي التمهيد أن بعض أصحاب مالك وصله . قال أبو داود والمرسل أصح وقد روى الشيخان بلفظ " من أدرك مال [ ماله ؟ ؟ ] بعينه عند رجل قد أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق من غيره ووصله ابن حبان والدارقطني وغيرهما من طريق الثوري عن أبي بكر عن أبي هريرة بنحو لفظ الشيخين : قوله " بعينه " فيه دليل على أن شرط الاستحقاق أن يكون المال باقيا بعينه لم يتغير ولم يتبدل فإن تغيرت العين في ذاتها بالنقص مثلا أو في صفة من صفاتها فهي أسوة للغرماء ويؤيد ذلك قوله في الرواية الثانية ولم يفرقه وذهب الشافعي والهادوية إلى أن البائع أولى بالعين بعد التغير والنقص : قوله " فهو أحق به " أي من غيره كائن من كان وارثا أو غريما وبهذا قال الجمهور
وخالفت الحنفية في ذلك فقالوا لا يكون البائع أحق بالعين المبيعة التي في يد المفلس وتأولوا الحديث بأنه خبر واحد مخالف للأصول لأن السلعة صارت بالبيع ملكا للمشتري ومن ضمانه واستحقاق البائع أخذها منه نقض لملكه وحملوا الحديث على صورة وهي ماذا كان المتاع وديعة أو عارية أو لقطة
وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يقيد بالأفلاس ولا جعل أحق بها لما تقتضيه صيغة أفعل من الأشتراك وأيضا يرد ما ذهبوا إليه قوله في حديث أبي بكر " أيما رجل باع متاعا " فإن فيه التصريح بالبيع وهو نص في محل النزاع وقد أخرجه أيضا سفيان في جامعه وابن حسان وابن خزيمة عن أبي بكر عن أبي هريرة بلفظ " إذا ابتاع رجل سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها " وفي لفظ لابن حبان " إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته " وفي لفظ لمسلم والنسائي " أنه لصاحبه الذي باعه " كما ذكر المصنف وعند عبد الرزاق بلفظ " من باع سلعة من رجل " قال الحافظ فظهر بهذا أن الحديث وارد في صورة البيع ويلتحق به القرض وسائر ما ذكر يعني من العانية والوديعة بالأولى والأعتذار بأن الحديث خبر واحد مردود بأنه مشهور من غير وجه من ذلك ما تقدم عن سمرة وأبي هريرة وأبي بكر بن عبد الرحمن ومن ذلك ما أخرجه ابن حبان بإسناد صحيح عن ابن عمر مرفوعا بنحو أحاديث الباب وقد قضى به عثمان كما رواه البخاري والبيهقي عنه حتى قال ابن المنذر لا نعرف لعثمان مخالفا في الصحابة والاعتذار بأنه مخالف للأصول اعتذار فاسد لما عرفناك من أن السنة الصحيحة هي من جملة الأصول فلا يترك العمل بها إلا لما هو أنهض ولم يرد في المقام ما هو كذلك وعلى تسليم أنه ورد ما يدل على أن السلعة تصير بالبيع ملكا للمشتري فما ورد في الباب أخص مطلقا فيبنى العام على الخاص وحمل بعض الحنفية الحديث على ما [ ؟ ؟ ] إذا أفلس المشتري قبل أن يقبض السلعة وتعقب بقوله في حديث سمرة عند مفلس . وبقوله في حديث أبي هريرة عند رجل . وفي لفظ لابن حبان ثم أفلس وهي عنده وللبيهقي " إذا افلس الرجل وعنده متاع " وقال جماعة إن هذا الحكم أعني كةن البائع أولى بالسلعة التي بقيت في يد المفلس مختص بالبيع دون القرض . وذهب الشافعي وآخرون إلى أن المقرض أولى من غيره واحتج الأولون بالروايات المتقدمة المصرحة بالبيع قالوا فتحمل الروايات المطلقة عليها ولكنه لا يخفى أن التصريح بالبيع لا يصلح لتقييد الروايات المطلقة لأنه إنما يدل على أن غير البيع بخلافه بمفهوم اللقب وما كان كذلك لا يصح للتقييد إلا على قول أبي ثور كما تقرر في الأصول وربما يقال أن المصرح به هنا هو الوصف فلا يكون من مفهوم اللقب . قوله " ولم يكن أقتضي من ماله شيئا " فيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من أن المشتري إذا كان قد قضى بعض الثمن لم يكن البائع أولى بما لم يسلم المشتري ثمنه من المبيع بل يكون أسوة الغرماء
وقال الشافعي والهادوية إن البائع أولى به والحديث يرد عليهم : قوله " وإن مات المشتري " الخ فيه دليل على أن المشتري إذا مات والسلعة التي لم يسلم المشتري ثمنها باقية لا يكون البائع أولى بها بل يكون اسوة الغرماء وإلى ذلك ذهب مالك وأحمد . وقال الشافعي البائع أولى بها واحتج بقوله في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه من أفلس أو مات الخ ورجحه الشافعي على المرسل المذكور في الباب قال ويحتمل أن يكون آخره من رأي أبي بكر بن عبد الرحمن لأن الذين وصلوه عنه لم يذكروا قضية الموت وكذلك الذين رووه عن أبي هريرة غيره لم يذكروا ذلك بل صرح بعضهم عن أبي هريرة بالتسوية بين الإفلاس والموت كما ذكرنا قال في الفتح فتعين المصير إليه لأنها زيادة مقبولة من ثقة قال وجزم ابن العربي بأن الزيادة التي في مرسل مالك من قول الراوي وجمع الشافعي أيضا بين الحديثين بحمل مرسل أبي بكر على ما إذا مات مليئا وحمل حديث أبي هريرة على ما إذ مات مفلسا وقد استدل بقوله في حديث أبي هريرة " أو مات " على أن صاحب السلعة أولى بها ولو أراد الورثة أن يعطوه ثمنها لم يكن لهم ذلك ولا يلزمه القبول وبه قال الشافعي وأحمد . وقال مالك يلزمه القبول وقالت الهادوية إن الميت إذا خلف الوفاء لم يكن البائع أولى بالسلعة وهو خلاف الظاهر لأن الحديث يدل على أن الموت من موجبات استحقاق البائع للسلعة ويؤيد ذلك عطفه على الإفلاس . واستدل بأحاديث الباب على حلول الدين المؤجل بالإفلاس . قال في الفتح من حيث أن صاحب الدين أدرك متاعه بعينه فيكون أحق به ومن لوازم ذلك أنها تجوز له المطالبة بالمؤجل وهو قول الجمهور لكن الراجح عند الشافعية أن المؤجل لا يحل بذلك لأن الأجل حق مقصود له فلا يفوت وهو قول الهادوية . واستدل أيضا بأحاديث الباب على أن لصاحب المتاع أن يأخذه من غير حكم حاكم قال في الفتح وهو الأصح من قول العلماء وقيل يتوقف على الحكم

باب الحجر على المدين وبيع ماله في قضاء دينه

1 - عن كعب بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه "
- رواه الدارقطني

2 - وعن عبد الرحمن بن كعب قال " كان معاذ بن جبل شابا سخيا وكان لا يمسك شيئا فلم يزل يدان حتى غرق ماله كله في الدين فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوا لأحد لتركوا لمعاذ لأجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم ماله حتى قام معاذ بغير شيء "
- رواه سعيد في سننه هكذا مرسلا

- حديث كعبأخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه ومرسل عبد الرحمن بن كعب أخرجه أيضا أبو داود وعبد الرزاق قال عبد الحق المرسل أصح وقال ابن الطلاع في الأحكام هو حديث ثابت وقد أخرج الحديث الطبراني . ويشهد له ما عند مسلم وغيره من حديث أبي سعيد قال " أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وقد تقدم . وقد استدل بحجره صلى الله عليه وآله وسلم على معاذ على أنه يجوز الحجر على كل مديون وعلى أنه يجوز للحاكم بيع مال المديون لقضاء دينه من غير فرق بين من كان ماله مستغرقا بالدين ومن لم يكن ماله كذلك وقد حكى صاحب البحر هذا عن العترة والشافعي ومالك وأبي يوسف ومحمد وقيدوا الجواز بطلب أهل الدين للحجر من الحاكم وروى عن الشافعي أنه يجوز قبل الطلب للمصلحة وحكى في البحر أيضا عن زيد بن علي والناصر وأبي حنيفة أنه لا يجوز الحجر على المديون ولا بيع ما له بل يحبسه الحاكم حتى يقضي واستدل لهم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل مال امرئ مسلم " الحديث وهو مخصص بحديث معاذ المذكور . وأما ما أدعاه إمام الحرمين حاكبا لذلك عن العلماء وتبعه الغزالي أن حجر معاذ لم يكن من جهة غستعاء غرمائه بل الأشبه أنه جرى باستدعائه فقال الحافظ إنه خلاف ما صح من الروايات المشهورة ففي المراسيل لأبي داود التصريح بأن الغرماء التمسوا ذلك . قال وأما ما رواه الدارقطني أن معاذا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلا حجة فيه أن ذلك لالتماس الحجر وإنما فيه طلب معاذ الرفق منهم وبهذا تجتمع الروايات انتهى . وقد روى الحجر على المديون وإعطاء الغرماء ماله من فعل عمر كما في الموطأ والدارقطني وابن أبي شيبة والبيهقي وعبد الرزاق ولم ينقل أنه أنكر ذلك عليه أحد من الصحابة

باب الحجر على المبذر

1 - عن عروة بن الزبير " قال ابتاع عبد الله بن جعفر بيعا فقال علي رضي الله عنه لآتين عثمان فلأحجرن عليك فاعلم ذلك ابن جعفر الزبير فقال أنا شريكك في بيعتك فأتى عثمان رضي الله عنهما قال تعال احجر على هذا فقال الزبير أنا شريكه فقال عثمان احجر على رجل شريكه الزبير "
- رواه الشافعي في مسنده
هذه القصة رواها الشافعي عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف القاضي عن هشام بن هروة عن أبيه وأخرجها أيضا البيهقي . وقال يقال أن أبا يوسف تفرد به وليس كذلك ثم أخرجها من طريق الزهري المدني القاضي عن هشام نحوه . ورواها أبو عبيد في كتاب الأموال عن عفان بن مسلم عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن أبي سيرين قال قال عثمان لعلي عليه السلام ألا تأخذ على يد ابن أخيك يعني عبد الله بن جعفر وتحجر عليه اشترى سبخة ( 1 ) [ بفتح السين والمهملة وكسر الموحدة بعدها معجمة أي ذات سباخة وهي الأرض التي لا تنبت ] بستين ألف درهم ما يسرني أنها لي بنعلي وقد ساق القصة البيهقي فقال اشترى عبد الله بن جعفر أرضا سبخة فبلغ ذلك عليا عليه السلام فعزم على أن يسأل عثمان الحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر له فقال الزبير أنا شريكك فلما سأل علي عثمان الحجر على عبد الله بن جعفر قال كيف أحجر على من شريكه الزبير وفي رواية للبيهقي أن الثمن ستمائة ألف . وقال الرافعي الثمن ثلاثون ألفا . قال الحافظ لعله من غلط الناسخ والصواب بستين يعني ألفا انتهى . وروى القصة ابن حزم فقال بستين ألفا . وقد استدل بهذه الواقعة من أجاز الحجر على من كان سيء التصرف وبه قال علي عليه السلام وعثمان وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر وشريح وعطاء والشافعي ومالك وأبو يوسف ومحمد هكذا في البحر قال في الفتح والجمهور على جواز الحجر على الكبير . وخالف أبو حنيفة بعض الظاهرية ووافق أبو يوسف ومحمد قال الطحاوي ولم ار عن أحد من الصحابة منع الحجر على الكبير ولا عن التابعين إلا عن إبراهيم وابن سيرين ثم حكى صاحب البحر عن العترة أنه لا يجوز مطلقا وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز أن يسلم إليه ماله بعد خمس وعشرين سنة ولهم أن يجيبوا عن هذه القصة بأنها وقعت عن بعض من الصحابة والحجة إنما هو إجماعهم والأصل جواز التصرف لكل مالك من غير فرق بين نواع التصرفات فلا يمنع منها إلا ما قام الدليل على منعه ولكن الظاهر أن الحجر على من كان في تصرفه سفه مكان أمرا معروفا عند الصحابة مألوفا بينهم ولو كان غير جائز لأنكره بعض من اطلع على هذه القصة ولكان الجواب من عثمان رضي الله عنه عن علي عليه السلام بأن هذا غير جائز وكذلك الزبير وعبد الله بن جعفر لو كان مثل هذا الأمر غير جائز لكان لهما عن تلك الشركة مندوحة والعجب من ذهاب العترة إلى عدم الجواز مطلقا وهذا إمامهم وسيدهم أمير المؤمنين على كرم الله وجهه يقول بالجواز مع كون أكثرهم يجعل حجة متبعة تجب المصير إليها وتصلح لمعارضة المرفوع وأما اعتذار صاحب البحر عن ذلك بأن عليا عليه السلام لم يفعل ذلك ففي غاية من السقوط فإن الحجر لو كان غير جائز لما ذهب إلى عثمان وسأل منه ذلك وأما اعتذاره أيضا بأن ذلك اجتهاد فمخالف لما تمشى عليه في كثير من الأبحاث من الجزم وبأن قول على حجة من غير فرق بين ما كان للاجتهاد فيه مسرح وما ليس كذلك على أن ما لا مجال للاجتهاد فيه لا فرق فيه بين قول علي عليه السلام وغيره من الصحابة أن له حكم الرفع وإنما محل النزاع بين أهل البيت عليهم السلام وغيرهم فيما كان مواطن الاجتهاد وكثيرا ما ترى جماعة من الزيدية في مؤلفاتهم يجزمون بحجية قوله عليه السلام إن وافق ما يذهبون إليه ويعتذرون عنه إن خالف بأنه اجتهاد لا حجة فيه كما يقع منهم ومن غيرهم إذا وافق قول أحد من الصحابة ما يذهبون إليه فإنهم يقولون لا مخالف له من الصحابة فكان إجماعا ويقولون إن خالف ما يذهبون إليه : قول صحابي لا حجة فيه . وهكذا يحتجون بأفعاله صلى الله عليه وآله وسلم إن كانت موافقة للمذهب ويعتذرون عنها إن خالفت بأنها غبر معمولة الوجه الذي لأجله وقعت فلا تصلح للحجة فليكن هذا منك على ذكر فإنه من المزالق التي يتبين عندها الإنصاف والاعتساف . وقد قدمنا التنبيه على مثل هذا وكررناه لما فيه من التحذير عن الاغترار بذلك
ومن الأدلة الدالة على جواز الحجر على من كان بعد البلوغ سيء التصرف قول الله تعالى { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } قال في الكشاق السفهاء المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ولا يدي لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها والخطاب للأولياء وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم كما قال ولا تقتلوا أنفسكم . فمما ملكت إيمانكم من فتياتكم المؤمنات والدليل على أنه خطاب للأولياء في أموال اليتامى قوله { وارزقوهم فيها واكسوهم } ثم قال في تفسير قوله تعالى { وارزقوهم فيها } واجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتحروا فيها وتتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها الإنفاق وقيل هو أمر لكل أحد أن لا يخرج ماله إلى أحد من السفهاء قريب أو أجنبي رجل أو امرأة يعلم أنه يضعه فيما لا ينبغي ويفسده انتهى . وقد عرفت بهذا عدم اختصاص السفهاء المذكورين بالصبيان كما قال في البحر فإنه تخصيص لما تدل عليه الصيغة بلا مخصص . ومما يؤيد ذلك نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الإسراف بالماء ولو على نهر جار . ومن المؤيدات عدم إنكاره صلى الله عليه وآله وسلم على قرابة حبان لما سألوه أن يحجر عليه أن صح ثبوت ذلك وقد تقدم الحديث بجميع طرقه في البيع وقد استدل على جواز الحجر على لاسفيه أيضا برده صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الرجل الذي تصدق بأحد ثوبيه كما أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من حديث أبي سعيد وأخرجه الدارقطني من حديث جابر . وبما أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة من حديث جابر أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رد البيضة على من تصدق بها ولا مال له غيرها وبرده صلى الله عليه وآله وسلم عتق من أعتق عبد له عن دبر ولا مال له غيره كما أشار إلى ذلك البخاري وترجم عليه باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الإمام ( ومن جملة ) ما استدل به على الجواز قول ابن عباس وقد سئل متى ينقضي يتم اليتيم فقال لعمري أن الرجل لتنبت لحيته وأنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء فإذا أخذ لنفسه من صالح ما أخذ الناس فقد ذهب عنه اليتيم حكاه في الفتح والحكمة في الحجر على السفيه أن حفظ الأموال حكمة لأنها مخلوقة للانتفاع بها بلا تبذير ولهذا قال تعالى { أن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } قال في البحر ( فصل ) والسفه المقتضي للحجر عند من أثبته هو صرف المال في الفسق أو فيما لا مصلحة فيه ولا غرض ديني ولا دنيوي كشراء ما يساوي درهما بمائة لا صرفه في أكل طيب ولبس نفيس وفاخر المشموم قوله تعالى { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } الآية وكذا لو أنفقه في القرب انتهى

باب علامات البلوغ

1 - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه " حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتم بعد احتلام ولاصمات يوم إلى الليل "
- رواه أبو داود

2 - وعن ابن عمر قال " عرضت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني "
- رواه الجماعة

3 - وعن عطية قال " عرضنا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله وكنت ممن لم ينبت فخلى سبيلي "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وفي لفظ " فمن كان محتلما أو أنبت عانته قتل ومن لا ترك " رواه أحمد والنسائي

4 - وعن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم والشرخ الغلمان الذي لم ينبتوا "
- رواه الترمذي وصححه

- حديث علي عليه السلام في إسناده يحيى بن محمد المدني الجاري منسوب إلى الجار بالجيم والراء المهملة بلدة على الساحل بالقرب من مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . قال البخاري يتكلمون فيه . وقال ابن حبان يجب التنكب عما انفرد به من الروايات . وقال العقيلي لا يتابع يحيى المذكور على هذا الحديث . وفي الخلاصة أنه وثقه العجلي وابن عدي . قال المنذري وقد روى هذا الحديث من رواية جابر ابن عبد الله وأنس بن مالك وليس فيها شيء يثبت . وقد أعل هذا الحديث أيضا عبد الحق وابن القطان وغيرهما وحسنه النووي متمسكا بسكوت أبي داود عليه ورواه الطبراني في الصغير بسند آخر عن عليه عليه السلام . ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده وأخرج نحوه الطبراني في الكبير عن حنظلة بن حذيفة عن جده وإسناده لا بأس به . وأخرج نحوه أيضا ابن عدي عن جابر وحديث ابن عمر زاد فيه البيهقي وابن حبان في صحيحه بعد قوله " لم يجزني ولم يرني بلغت " وبعد قوله " فأجازني ورآني بلغت " وقد صحح هذه الزيادة أيضا ابن خزيمة . وحديث عطية القرظي صححه أيضا ابن حبان والحاكم وقال على شرط الصحيحين . قال الحافظ وهو كما قال إلا أنهما لم يخرجا لعطية وماله الا هذا الحديث الواحد وقد أخرج نحو حديث عطية الشيخان من حديث أبي سعيد بلفظ " فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن أنبت منهم قبل ومن لم ينبت جعل في الذراري " وأخرج البزار من حديث سعيد بن أبي وقاص " حكم على بني قريظة أن يقتل منهم كل منجرت عليه المواسي " وأخرج الطبراني من حديث أسلم بن بحير الأنصاري قال " جعلني النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أساري قريظة فكنت أنظر في فرج الغلام فإن رأيته قد أنبت ضربت عنقه وإن لم أره قد أنبت جعلته في مغانم المسلمين " قال الطبراني لا يروى عن أسلم الا بهذا الإسناد . قال الحافظ وهو ضعيف . وحديث سمرة أخرجه أيضا أبو داود وهو من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه مقال قد تقدم ( وفي الباب ) عن أنس عند البيهقي بلفظ " إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود " قال في التلخيص وسنده ضعيف . وعن عائشة عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم بلفظ " رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق "
وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي وأحمد والدارقطني والحاكم وابن حبان وابن خزيمة عن علي عليه السلام من طرق وفيه قصة جرت له مع عمر علقها البخاري فمن الطرق عن أبي ظبيان عنه بالحديث والقصة ومنها عن أبي ظبيان عن ابن عباس وهي من رواية جرير بن حازم عن الأعمش عنه وذكره الحاكم عن شعبة عن الأعمش كذلك لكنه وقفه . وقال البيهقي تفرد برفعه جرير بن حازم . قال الدارقطني في العلل وتفرد به عن جرير عبد اللهبن وهب وخالفه ابن فضيل ووكيع عن الأعمش موقوفا وكذا قال أبو حصين عن أبي ظبيان وخالفهم عمار بن رزيق فرواه عن الأعمش ولم يذكر فيه ابن عباش وكذا قال عطاء بن السائب عن أبي ظبيان عن علي وعمر رضي الله عنهما مرفوعا . قال الحافظ وقول وكيع وابن فضيل أشبه بالصواب . وقال النسائي حديث أبي حصين أشبه بالصواب . ورواه أيضا أبو داود من حديث أبي الضحى عن علي عليه السلام بالحديث دون القصة وأبو الضحي . قال أبو رزعة حديثه عن علي مرسل . ورواه ابن ماجه من حديث القاسم بن يزيد عن علي . قال أبو زرعة وهو مرسل أيضا . وراه الترمذي من حديث الحسن البصري قال أبو زرعة أيضا وهو مرسل لم يسمع الحسن من علي شيئا
وروى الطبراني عن أبي أدريس الخولاني قال أخبرني غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوبان ومالك بن شداد وغيرهما فذكر نحوه وفي إسناده برد بن سنان وهو مختلف فيه . قال الحافظ وفي إسناده مقال في اتصاله . ورواه الطبراني أيضا من طريق مجاهد عن ابن عباس وإسناده ضعيف كما قال الحافظ : قوله " لا يتم بعد احتلام " استدل به على أن الاحتلام من علامات البلوغ . وتعقب بأنه بيان لغاية مدة اليتم وارتفاع اليتم لا يستلزم البلوغ الذي هو مناط التكليف لأن اليتم يرتفع عند ادراك الصبي لمصالح دنياه والتكليف إنما يكون عند إدراكه لمصالح آخرته والأولى الاستدلال بما وقع في رواية لأحمد وأبي داود والحاكم من حديث علي عليه السلام بلفظ " وعن الصبي حتى يحتلم " ويؤيد ذلك قوله في حديث عطية " فمن كان محتلما " وقد حكى صاحب البحر الإجماع على أن الأحتلام مع الأنزال من علامات البلوغ في الذكر ولم يجعله المنصور بالله في الأنثى . قوله " ولاصمات " الخ الصمات السكوت قال في القاموس وماذقت صماتا كسحاب شيئا ولا صمت يوم إلى الليل أي لاصمت يوم تام انتهى . قوله " فلم يجزني " وقوله " فأجازني " المراد بالإجازة الأذن بالخروج للقتال من أجازه إذا أمضاه وأذن له لا من الجائزة التي هي العطية كما فهمه صاحب ضوء النهار وقد استدل بحديث ابن عمر هذا من قال ان مضى خمس عشرة سنة من الولادة يكون بلوغا في الذكر والأنثى وإليه ذهب الجمهور وتعقب ذلك الطحاوي وابن القصار وغيرهما بأنه لا دلالة في الحديث على البلوغ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتعرض لسنه وإن فرض خطور ذلك ببال ابن عمر ويرد هذا التعقب ما ذكرنا من الزيادة في الحديث أعني قوله " ولم يرني بلغت " وقوله " ورآني بلغت " والظاهر أن ابن عمر لا يقول هذا بمجرد الظن من دون أن يصدر منه صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على ذلك . وقال أبو حنيفة بل مضى ثمان عشرة سنة للذكر وسبع عشرة للأنثى : قوله " فكان من أنبت " الخ : استدل به من قال إن الإنبات من علامات البلوغ وإليه ذهبت الهادوية وقيدوا ذلك بأن يكون الإنبات بعد التسع وتعقب بأن قتل من أنبت ليس لأجل التكليف بل لرفع ضرره لكونه مظنة للضرر كقتل الحية ونحوها ورد هذا التعقب بأن القتل لمن كان كذلك ليس الا لأجل الكفر لا لدفع الضرر لحديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " وطلب الإيمان وإزالة المانع منه فرع التكليف ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغزو إلى البلاد البعيدة كتبوك ويأمر بغزو أهل الأقطار النائية مع كون الضرر ممن كان كذلك مأمونا وكون قتال الكفار لكفرهم هو مذهب طائفة من أهل العلم وذهبت طائفة أخرى إلى أن قتالهم لدفع الضرر والقول بهذا المقالة هو منشأ ذلك التعقب ومن القائلين بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية حفيد المصنف وله في ذلك رسالة . قوله " شرخهم " بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة بعدها خاء معجمة . قال في القاموس هو أول الشباب انتهى . وقيل هم الغلمان الذي لم يبلغوا وحمله المصنف على من لم يثبت من الغلمان ولابد من ذلك للجمع بين الأحاديث وإن كان أول الشباب يطلق على من كان في أول الانبات والمراد بالإنبات المذكور في الحديث هو ابنات الشعر الأسود المتجعدة في العانة لا إنبات مطلق الشعر فإنه موجود في الأطفال

باب ما يحل لولي اليتيم من ماله بشرط العمل والحاجة

1 - عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } إنها نزلت في ولي اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بالمعروف . وفي لفظ " أنزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف "
- أخرجاهما

2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أني فقير ليس لي شيء ولي يتيم فقال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل "
- رواه الخمسة إلا الترمذي . وللأثرم في سننه عن ابن عمر " أنه كان يزكي مال اليتيم ويستقرض منه ويدفعه مضاربة "

- حديث عمرو بن شعيب سكت عنه أبو داود وأشار المنذري إلى أن في إسناده عمرو بن شعيب وفي سماع أبيه من جده مقال قد تقدم التنبيه عليه . وقال في الفتح إسناده قوي والآية المذكورة تدل على جواز نأكل ولي اليتيم من ماله بالمعروف إذا كان فقيرا ووجوب الاستعفاف إذا كان غنيا وهذا إن كان المراد بالغني والفقير في الآية ولي اليتيم على ما هو المشهور . وقيل المعنى في الآية اليتيم أي إن كان غنيا فلا يسرف في الإنفاق عليه وإن كان فقيرا فليطعمه من ماله بالمعروف فلا يكون على هذا في الآية دلالة على الأكل من مال اليتيم أصلا هذا التفسير رواه ابن التين عن ربيعة ولكن المتعين المصير إلى الأول لقول عائشة المذكور . وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة فروى عن عائشة أنه يجوز للولي أن يأخذ من مال اليتيم قدر عمالته وبه قال عكرمة والحسن وغيرهم وقيل لا يأكل منه إلا عند الحاجة ثم اختلفوا فقال عبيدة بن عمرو وسعيد بن جبير ومجاهد إذا أكل ثم أيسر قضى وقيل لا يجب القضاء وقيل إن كان ذهبا أو فضة لم يجز له أن يأخذ منه شيئا الا على سبيل القرض وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة وهذا أصح الأقوال عن ابن عباس وبه قال الشعبي وأبو العالية وغيرهما أخرج جميع ذلك ابن جرير في تفسيره وقال هو بوجوب القضاء مطلقا وانتصر له وقال الشافعي يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته ولا يجب الرد على الصحيح عنده والظاهر من الآية والحديث جواز الأكل مع الفقر بقدر الحاجة من غير اسراف ولا تبذير ولا تأثل والأذن بالأكل يدل إطلاقه على عدم وجوب الرد عند التمكن ومن ادعى الوجوب فعليه الدليل : قوله " غير مسرف ولا مبادر " هذا مثل قوله تعالى { ولا تأكلوها اسرافا وبدارا } أي مسرفين ومبادرين كبر الأيتام أو لا سرافكم ومبادرتكم كبرهم . يفرطون في انفاقها ويقولون تنفق كما تشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا . ولفظ أبي داود غير مسرف ولا مبذر : قوله " ولامتأثل " قال في القاموس أثل ماله تأثيلا زكاه وأصله وملكه عظمه والأهل كساهمه أفضل كسوة وأحسن إليهم والرجل كثر ماله انتهى . والمراد هنا أنه لا يدخر من مال اليتيم لنفسه ما يزيد على قدر ما يأكله . قال في الفتح المتأثل بمثناة ثم مثلثة مشددة بينهما همزة هو المتخذ والتأثيل اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم واثله اصله . قوله " أنه كان يزكي مال اليتيم " الخ فيه إن ولي اليتيم يزكي ماله ويعامله بالقرض والمضاربة وما شابه ذلك

باب مخالطة الولي اليتيم في الطعام والشراب

1 - عن ابن عباس قال " لما نزلت ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن عزلوا أموال اليتامى حتى جعل الطعام يفسد واللحم ينتن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت { وإن تخالطوهم فأخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح قال فخالطوهم "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وصححه وفي إسناده عطاء بن السائب وقد تفرد بوصله وفيه مقال . وقد أخرج له البخاري مقرونا . وقال أيوب ثقة وتكلم فيه غير واحد . وقال الإمام أحمد من سمع منه قديما فهو صحيح ومن سمع منه حديثا لم يكن بشيء ووافقه على ذلك يحيى بن معين وهذا الحديث من رواية جرير بن عبد الحميد عنه وهو ممن سمع منه حديثا ورواه النسائي من وجه آخر عن عطاء موصولا وزاد فيه " وأحل لهم خلطهم " ورواه عبد بن حميد عن قتادة مرسلا ورواه الثوري في تفسيره عن سعيد بن جبير مرسلا أيضا . قال في الفتح وهذا هو المحفوظ مع إرساله وروى عبد بن حميد من طريق السدى عمن حدثه عن ابن عباس قال المخالطة أن تشرب من لبنه ويشرب من لبنك وتأكل من قصعته ويأكل من قصعتك والله يعلم المفسد من المصلح من يتعمد أكل مال اليتيم وم يتجنبه . وقال أبو عبيد المراد بالمخالطة أن يكون اليتيم بين عيال الوالي فيشق عليه إفراز طعامه فيأخذ من مال اليتيم قدر ما يرى أنه كافيه بالتحري فيخلطه بنفقة عياله ولما كان ذلك قد تقع في الزيادة والنقصان خشوا منه فوسع الله لهم وقد ورد التنفير عن أكل أموال اليتامى والتشديد فيه قال الله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } وثبت في الصحيح أن أكل مال اليتيم أحد السبع الموبقات فالواجد على من ابتلى بيتيم أن يقف على الحد الذي أباحه له الشارع في الأكل من ماله ومخالطته لأن الزيادة عليه ظلم يصلى به فاعله سعيرا ويكون من الموبقين نسأل الله السلامة

كتاب الصلح ( 1 ) وأحكام الجوار

باب جواز الصلح عن المعلوم والمجهول والتحليل منهما

1 - عن أم سلمة قالت " جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواريث بينما قد درست ليس بينهما بينة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنكم تختصمون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما أنا بشر ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها اسطاما في عنقه يوم القيامة فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما حقي لاخي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه "
- رواه أحمد وأبو داود " وفي رواية لأبي داود . وإنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل على فيه "
_________
( 1 ) [ قال الحافظ في الفتح والصلح أقسام : صلح المسلم مع الكافر . والصلح بين الزوجين . والصلح بين الفئة الباغية والعادلة . والصلح بين المتغاضبين كالزوجين والصلح في الجراح كالعفو على مال . والصلح لقطع الخصومة إذا وقعت المزاحمة أما في الأملاك أو في المشتركات كالشوارع وهذا الأخير هو الذي يتكلم فيه أصحاب الفروع اه ]

- الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري . وفي إسناده أسامة بن زيد بن أسلم المدني مولى عمر قال النسائي وغيره ليس بالقوي . واصل هذا الحديث في الصحيحين وسيأتي في باب إن حكم الحاكم ينفذ ظاهر الا باطنا من كتاب الأقضية : قوله " إنكم تختصمون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يعني في الأحكام . قوله " وإنما أنا بشر " البشر يطلع على الواحد كما في الحديث وعلى الجمع نحو قوله تعالى { نذيرا للبشر } والمراد إنما أنا مشارك لغيري في البشرية وإن كان صلى الله عليه وآله وسلم زائدا عليهم بما أعطاه الله تعالى من المعجزات الظاهرة والاطلاع على بعض الغيوب الحصر ههنا مجازي أي باعتبار علم الباطن . وقد حققه علماء المعاني وأشرنا إلى طرف من تحقيقه في كتاب الصلاة : قوله " ألحن " أي أفطن وأعرف ويجوز أن يكون معناه أفصح تعبيرا عنها أظهر احتجاجا فربما جاء بعبارة تخيل إلى السامع أنه محق وهو في الحقيقة مبطل والأظهر أن يكون معناه أبلغ كما في رواية في الصحيحين أي أحسن ايرادا للكلام وأصل اللحن الميل عن جهة الاستقامة يقال لحن فلان في كلامه إذا مال عن صحيح النطق ويقال لحنت لفلان إذا قلت له قولا يفهمه ويخفى على غيره لأنه بالتورية ميل كلامه عن الواضح المفهوم . قوله " وإنما أقضي " الخ فيه دليل على أن الحاكم إنما يحكم بظاهر ما يسمع من الألفاظ مع جواز كون الباطن خلافه ولم يتعبد بالبحث عن البواطن باستعمال الأشياء التي تفضي في بعض الأحوال إلى ذلك كأنواع السياسة والمداهاة قوله " فلا يأخذه " فيه ان حكم الحاكم لا يحل به الحرام كما زعم بعض أهل العلم قوله " قطعة " بكسر القاف أي طائفة : قوله " اسطاما " بضم الهمزة وسكون السين المهملة . قال في القاموس السطام بالكسر المسعار لحديدة مفطوحة تحرك بها النار ثم قال والاسطام المسعار اه . والمراد هنا الحديدة التي تسعر بها النار أي يأتي يوم القيامة حاملا لها مع أثقاله : قوله " حقي لأخي " فيه دليل على صحة هبة المجهول وهبة المدعي قبل ثبوته وهبة الشريك لشريكه : قوله " أما إذا قلتما " لفظ أبي داود " أما إذا فعلتما ما فعلتماه فاقتسما " قال في شرح السنن أما بتخفيف الميم يحتمل أن يكون بمعنى حقا وإذ للتعليل : قوله " فاقتسما " فيه دليل على أنه الهبة إنما تملك بالقبول لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرها بالاقتسام بعد أن وهب كل واحد نصيبه من الآخر . قوله " ثم توخيا " بفتح الواو والخاء المعجمة . قال في النهاية أي اقصدا الحق فيما تصنعان من القسمة يقال توخيت الشيء أتوخاه توخيا إذا قصدت إليه وتعمدت فعله : قوله " ثم استهما " أي ليأخذ كل واحد منكما ماتخرجه القرعة من القسمة ليتميز سهم كل واحد منكما عن الآخر . وفيه الأمر بالقرعة عند المساواة أو المشاحة وقد وردت القرعة في كتاب الله في موضعين . أحدهما قوله تعالى { إذ يلقون أقلامهم } والثاني قوله تعالى { فساهم فكان من المدحضين } وجاءت في خمسة أحاديث من السنة الأول هذا الحديث . الثاني حديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم " كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه " الثالث أنه صلى الله عليه وآله وسلم " أقرع في ستة مملوكين " الرابع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه " الخامس حديث الزبير " أن صفية جاءت بثوبين لتكفن فيهما حمزة فوجدنا إلى جنبه قتيلا فقلنا لحمزة ثوب وللانصاري ثوب فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر فأقرعنا عليهما ثم كفنا كل واحد في الثوب الذي خرج له " والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على على هذا وقرره لأنه كان حاضرا هنالك ويبعد أن يخفي عليه مثل ذلك في حق حمزة وقد كانت الصحابة تعتمد القرعة في كثير من الأمور كما روي " أنه تشاح الناس يوم القادسية في الأذان فأقرع يبنهم سعد " : قوله " ثم ليحلل " الخ أي ليسأل كل واحد منكما صاحبه أن يجعله في حل من قبله بابراء ذمته وفيه دليل على أنه يصح الابراء من المجهول لان الذي في ذمة كل واحد ههنا غير معلوم وفيه أيضا صحة الصلح بمعلوم عن مجهول ولكن لا بد مع ذلك من التحليل . وحكى في البحر عن الناصر والشافعي أنه لا يصح بمعلوم عن مجهول : قوله " برأيي " هذا مما استدل به أهل الأصول على جواز العمل بالقياس وإنه حجة وكذا استدلوا بحديث بعث معاذ المعروف

2 - وعن عمرو بن عوف " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا حزم حلالا أو أحل حراما "
- رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وزاد " المسلمون على شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان وفي إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه وهو ضعيف جدا . قال فيه الشافعي وأبو داود هو ركن من أركان الكذب وقال النسائي ليس بثقة . وقال ابن حبان له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة وتركه أحمد . وقد نوقش الترمذي في تصحيح حديثه قال الذهبي أما الترمذي فروى من حديثه الصلح جائز بين المسلمين وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه . وقال ابن كثير في إرشاده قد نوقش أبو عيسى يعني الترمذي في تصحيحه هذا الحديث وماشاكله اه . واعتذر له الحافظ ( 1 ) [ قال في بلوغ المرام وكأنه اعتبره بكثرة طرقه وقد صححه ابن جبان من حديث أبي هريرة اه . ] فقال وكأنه اعتبره بكثرة طرقه وذلك لأنه رواه أبو داود والحاكم من طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال الحاكم على شرطهما وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي . وأخرجه أيضا الحاكم من حديث أنس . وأخرجه أيضا من حديث عائشة وكذلك الدارقطني . وأخرجه أحمد من حديث سليمان بن بلال عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة وأخرجه ابن أبي شيبة عن عطاء مرسلا . وأخرجه البيهقي موقوفا علي عمر كتبه إلى أبي موسى . وقد صرح الحافظ بأن إسناد حديث أنس وإسناد حديث عائشة واهيان وضعف ابن حزم حديث أبي هريرة وكذلك ضعفه عبد الحق . وقد روى من طريق عبد الله بن الحسين المصيصي وهو ثقة وكثير بن زيد المذكور قال أبو زرعة صدوق ووثقه ابن معين والوليد بن رباح صدوق أيضا ولا يخفى ان الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض فاقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسنا : قوله " الصلح جائز " ظاهر هذه العبارة العموم فيشمل كل صلح الاما استثنى ومن ادعى عدم جواز صلح زائد على ما استثناه الشارع في هذا الحديث فعليه الدليل . وإلى العموم ذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والجمهور . وحكى في البحر عن العترة والشافعي وابن أبي ليلى أنه لا يصح الصلح عن أنكار وقد استدل لهم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل مال أمرئ مسلم الا بطيبة من نفسه " وبقوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ويجاب بأن الرضا بالصلح مشعر بطيبة النفس فلا يكون أكل المال به من أكل أموال الناس بالباطل ( 2 ) [ وقد جمع بين الأدلة بجمع حسن صاحب السبل قال ومعنى عدم صحته أنه لا يطيب مال الخصم مع انكار المصالح وذلك حيث يدعى عليه آخر عينا أو دينا فيصالح ببعض العين او الدين مع انكار خصمه فإن الباقي لا يطيب له بل يجب عليه تسليمه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة من نفس " وقوله تعالى { عن تراض } وأجيب بأنها قد وقعت طيبة النفس بالرضى وعند الصلح قد صار في حكم عقد المعاوضة فيحل له ما بقي . قلت الأولى أن يقال إن كان المدعي يعلم إن حقا عند خصمه جاز له قبض ما صولح به والمدعى عليه إن كان عنده حق يعلمه جاز له إعطاء جزء من ماله في دفع شجار غريم وأذيته وحرم على المدعي أخذه وبهذا تجتمع الادلة فلا يقال الصلح على الإنكار لا يصلح ولا أنه يصح على الإطلاق بل يفصل فيه اه . ] واحتج لهم في البحر بأن الصلح معاوضة فلا يصح مع الإنكار كالبيع . وأجيب بأنه لا معنى للإنكار في البيع لعدم ثبوت حق لاحدهما على الآخر يتعلق به الإنكار قبل صدور البيع فلا يصح القياس . وقله " بين المسلمين " هذا خرج مخرج الغالب لأن الصلح جائز بين الكفار وبين المسلم والكافر . ووجه التخصيص إن المخاطب بالأحكام في الغالب هم المسلمون لأنهم هم المنقادون لها : قوله " الا صلحا " بالنصل على الأستثناء . وفي رواية لأبي داود والترمذي بالرفع . والصلح الذي يحرم الحلال كمصالحة الزوجة للزوج على ان لا يطلقها أو لا يتزوج عليها أو لا يبيت عند ضرتها والذي يحلل الحرام كأن مصالحه على وطء أمة لا يحل له وطؤها أو أكل مال لا يحل له أكله أو نحو ذلك : قوله " المسلمون على شروطهم " ( 1 ) [ وفي الاتيان بعلى ووصفهم بالاسلام والإيمان دلالة على علو مرتبتهم وأنهم لا يخلون بشروطهم فهلا يتنبه لذلك أهل هذا العصر ويقتدون بسلفهم وبما جاءت به شريعتهم لا سيما أهل العلم منهم ومن كان حائزا للشهادة والوظيفة نسأل الله التوفيق ] أي ثابتون عليها لا يرجعون عنها . قال المنذري وهذا في الشروط الجائزة دون الفاسدة ويدل على هذا قوله " الا شرطا حرم حلالا " الخ ويؤيده ماثبت في حديث بريرة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " كل شرك ليس في كتاب الله فهو باطل " وحديث " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد والشرط الذي يحل الحرام كأن يشرط نصرة الظالم أو الباغي أو غزو المسلمين والذي يحرم الحلال كأن يشرط عليه أن لا يطأ أمته أو زوجته أو نحو ذلك

3 - وعن جابر " أن أباه قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم قال فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألهم ان يقبلوا ثمرة حائطي ويحللوا أبي فأبوا فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حائطي وقال سنغدو عليك فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة فجددتها فقضيتهم وبقي لنا من ثمرها " . وفي لفظ " أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود فاستنظره جابر فابى أن ينظره فكلم جابر رسول الله يشفع له إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلم اليهودي ليأخذ ثمرة نخله بالذي له فأبى فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم النخل فمشى فيها ثم قال لجابر جدله فأوف له الذي له فجده بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوفاه ثلاثين وسقا وفضلت سبعة عشر وسقا "
- رواهما البخاري

- قوله " فجددتها " بالجيم ودالين مهملتين والجداد صرام النخل . والحديث فيه دليل على جواز المصالحة بالمجهول عن المعلوم وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل الغريم أن يأخذ ثمر الحائط وهو مجهول القدر في الأوساق التي له وهي معلومة ولكنه ادعى في البحر الإجماع على عدم الجواز فقال ما لفظه مسألة ويصح بمعلوم عن معلوم إجماعا بمجهول إجماعا ولوعن معلوم كأن يصالح بشيء عن شيء أو عن ألف بما يكسبه هذا العام اه . فينبغي أن ينظر في صحة هذا الإجماع فإن الحديث مصرح بالجواز . وقال المهلب لا يجوز عند أحد من العلماء أن يأخذ من له دين تمر تمرا مجازفة بدينه لما فيه من الجهل والغرر وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة في حقه أقل من دينه إذا علم الآخذ بذلك رضي اه . وهكذا قال الدمياطي وتعقبهما ابن المنير فقال بيع المعلوم بالمجهول موابنة فإن كان تمرا نحوه فمزابنة وربا لكن اغتفر ذلك في الوفاء وتبعه الحافظ على ذلك فقال أنه يغتفر في القضاء من المعاوضة مالا يغتفر ابتداء لأن بيع الرطب بالتمر لا يجوز في غير العرايا ويجوز في المعاوضة عند الوفاء قال وذلك بين في حديث الباب انتهى . والحاصل أن هذا الحديث مخصص للعمومات المتقدمة في البيع القاضية بوجوب معرفة مقدار كل واحد من البدلين المتساوينن جنسا وتقديرا فيجوز القضاء مع الجهالة إذا وقع الرضا ويؤيد هذا حديث أم سلمة السالف فإنها وقعت فيه المصالحة بمعلوم عن مجهول . والمواريث الدارسة تطلق على الأجناس الربوية وغيرها فهو يقضي بعمومه أنها تجوز المصالحة مع جهالة أحد العوضين وإن كان المصالح به والمصالح عنه ربوين ولكن لابد من وقوع التحليل كما هو مصرح به في الحديثين وقد استدل المقبلي في الأبحاث بهذا الحديث على جواز صرف الفضة بالفضة مع التصريح بتطييب الزائد وأنه لا يلزم من ذلك إبطال المقصد الشرعي في الربا لأن كل حيلة توصل بها إلى السلامة من الإثم فهي جائزة وإنما المحرم الحيلة التي توصل بها إلى إبطال مقصد شرعي قال فعلى هذا يجوز الصرف للقروش بالمحلقة وهما ضربتان كبيرة وصغيرة ونحو ذلك مما دعت الضرورة إليه قال ولنحو ذلك رخص في بيع العرية وإلا فكان يمكن بيع التمر بالدراهم ثم شراء رطب بالدراهم أما لو كان الغرض طلب التجارة والأرباح كالصيارفة فلا يجوز إلى آخر كلامه . وصرح أيضا بأنه لا حاجة في الصرق إلى تكليف شراء سلعة ثم بيعها كما في حديث تمر الجمع والجنيب السالف قال لأن ذلك يلحق بالممتنع للضرورة إليه في أكثر الأحوال وغالبها ففيه غاية المشقة وأنت خبير بأن الحديث ورد على خلاف ما تقتضيه الأصول فلا يجوز أن يجاوز به مورده وهو صورة القضاء فلا يصح القياس وهذا على فرض عدم صحة الإجماع على خلاف ما يقتضيه الحديث فإن صح فالعمل به في تلك الصورة المخصوصة لا يجوز فكيف يصح إلحاق غيرها بها وأيضا خبر القلادة السالف مشعر بعدم جواز بيع الفضة بالفضة وإن وقعت المرضاة والكباراة فهذا القياس الذي عول عليه فاسد الاعتبار فإن قال إن صرف الدراهم بالقروش يحتاج إليه كل أحد وتدعو الضرورة إليه بخلاف بيع الفضة التي ليست بمضروبة بمثلها فنقول هذا تخصيص بمجرد الحاجة والمشقة ومثل ذلك لا ينتهض لتخصيص النصوص ولا سيما مع إمكان التخلص عن تلك الورطة بأن يشتري بأحد البدلين عينا ويبيعها بالنقد الآخر كما أرشد إليه الشارع في قضية تمر الجمع والجنيب فإن بهذه الوسيلة تنتفي الضرورة الحاملة على ارتكاب ما لا يحل ولو كان مجرد حصول المشقة مجوز المخالفة الدليل ومسوغا للمحرم لكان في ذلك معذرة لمن لا رغبة له القيام بالواجبات لأن كثيرا منها مصحوب بالمشقة كالحج والجهاد ونحوهما

4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه "
- رواه البخاري وكذلك أحمد والترمذي وصححه وقالا فيه " مظلمة من مال أو عرض "

- قوله " مظلمة " بكسر اللام على المشهور وحكى ابن قتيبة وابن التين والجوهري فتحها وأنكره ابن القوطية وحكى القزاز الضم . قوله " أو شيء " هو من عطف العام على الخاص فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها : قوله " قبل أن لا يكون دينار ولا درهم " أي يوم القيامة كما ثبت في رواية الإسماعيلي قوله " أخذ من سيآت صاحبه " أي صاحب المظلمة فحمل عليه " أي على الظالم " . وفي رواية مالك " فطرحت عليه " وقد أخرج هذا الحديث مسلم من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا . ولفظه " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار . ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } لأنه إنما يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الله تعالى في عباده ( وفي الحديث ) دليل على صحة الأبراء من المجهول لإطلاقه . وزعم ابن بطال إن في هذا الحديث دليل على اشتراك التعيين لأن قوله مظلمة يقتضي أن تكون معلومة القدر مشار إليها . قال الحافظ ولا يخفى ما فيه . قال ابن المنير إنما وقع في الحديث التقدير حيث يقتص المظلوم من الظالم حتى يأخذ منه بقدر حقه وهذا متفق عليه والخلاف إنما هو فيما إذا أسقط المظلوم حقه في الدنيا هل يشترط أن يعرف قدره أم لا وقد أطلق ذلك في الحديث نعم قام الإجماع على صحة التحليل من المعين المعلوم فإن كانت العين موجودة صحت هبتها دون الإبراء منها . وفي الحديث أيضا دليل على أن من حلل خصمه من مظلمة لا رجوع له في ذلك أما المعلوم فلا خلاف فيه . وأما المجهول فعند من يجيزه قال في الفتح وهو فيما مضى باتفاق وأما فيما سيأتي ففيه الخلاف

باب الصلح عن دم العمد بأكثر من الدية وأقل

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤا قتلوا وإن شاؤا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وذلك عقل العمد وما صالحوا عليه فهو لهم وذلك تشديد العقل "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي

- الحديث حسنه الترمذي وفي إسناده أحمد على بن زيد بن جدعان وفيه مقال عن يعقوب السدوسي ويقال فيه عقبة بن أوس عن ابن عمرو وروى البيهقي بإسناده إلى ابن خزيمة قال حضرت مجلس المزني يوما وسأله سائل من العراقيين عن شبه العمد فقال السائل إن الله وصف القتل في كتابه صنفين عمدا وخطأ فلم قلتم أنه ثلاثة أصناف فاحتج المزني بحديث ابن عمرو فقال له ناظره أتحتج بعلي بن زيد بن جدعان فسكت المزني فقلت لناظره قد روى هذا الحديث عن غير علي بن زيد فقال من رواه غيره فقلت أيوب السختياني وجابر الحذاء قال لي فمن عقبة بن أوس قلت رجل من أخل البصرة روى عنه ابن سيرين على جلالته فقال للمزني أنت تناظر أم هذا فقال إذا جاء الحديث فهو يناظر لأنه أعلم به مني اه فدل كلام ابن خزيمة هذا على أن علي بن زيد قد توبع . وايضا الترمذي رواه عن أحمد بن سعيد الدارمي عن حبان بن هلال عن محمد بن راشد عن سليمن بن موسى عن عمرو بن شعيب : قوله " خلفة " أي حاملة . ووقع في رواية أربعون خلفة في بطونها أولادها واستشكل ذلك لأن الخلفة هي التي في بطنها ولدها وأجيب بأن هذا التفسير لا تقييد وقيل تأكيد وأيضاح وقيل غير ذلك والحديث يأتي الكلام على ما اشتمل عليه في أبواب الديات وإنما ساقه المصنف ههنا للاستدلال بقوله فيه " وما صالحوا عليه فهو لهم " فإنه يدل على جواز الصلح في الدماء بأكثر من الدية

باب ما جاء في وضع الخشب في جدار الجار وإن كره

1 - ن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره ثم يقول أبو هريرة مالي أراكم عنها معرضين والل لأرمين بها بين أكتافكم "
- رواه الجماعة إلا النسائي

2 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ضرر ولا ضرار وللرجل أن يضع خشبه في حائط جاره وإذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع "

3 - وعن عكرمة بن سلمة بن ربيعة " أن أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما أن لا يغرز خشبا في جداره فلقيا مجمع بن زيد الأنصاري ورجالا كثيرا فقالوا نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يمنع جار جاره فقال الحالف أي أخي قد علمت أنك مقضي لك على وقد حلفت فاجعل اسطوانا دون جداري ففعل الآخر فغرز في الأسطوان خشبه "
- رواهما أحمد وابن ماجه

- أما حديث ابن عباس فأخرجه أيضا ابن ماجه والبيهقي والطبراني وعبد الرزاق قال ابن كثير أما حديث " لا ضرر ولا ضرار " فرواه ابن ماجه عن عبادة بن الصامت . وروى من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري وهو حديث مشهور اه . وهو أيضا عند أبو ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد وعند البيهقي أيضا من حديث عبادة . وعند الطبراني في الكبير وأبي نعيم من حديث ثعلبة بن مالك القرظي وما فيه من جعل الطريق سبعة أذرع ثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة كما سيأتي . وأما حديث مجمع فأخرجه ابن ماجه والبيهقي وسكت عنه الحافظ في التلخيص . وعكرمة بن سلمة بن ربيعة المذكور المجهول : قوله " لا يمنع " بالجزم على النهي : قوله " خشبه " قال القاضي عياض رويناه في مسلم وغيره من الأصول بصيغة الجمع والإفراد ثم قال وقال عبد الغني بن سعيد كل الناس تقول بالجمع إلا الطحاوي فإنه قال عن روح بن الفرج سألت أبا زيد والحرث بن بكير ويونس بن عبد الأعلى عنه فقالوا كلهم خشبة بالتنوين ورواية مجمع تشهد لمن رواه بلفظ الجمع ويؤيدها أيضا ما رواه البيهقي من طريق شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ " إذا سأل أحدكم جاره أن يدعم جذوعه على حائطه فلا يمنعه " قال القرطبي وإنما اعتنى هؤلاء الأئمة بتحقيق الرواية في هذا الحرف لأن أمر الخشبة الواحدة يخف على الجار الماسحة به بخلاف الأخشاب الكثيرة . ( والأحاديث ) تدل على أنه لا يحل للجار أن يمنع جاره من غرز الخشب في جداره ويجبره الحاكم إذا امتنع وبه قال أحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية والشافعي في القديم وأهل الحديث . وقالت الحنفية والهادوية ومالك والشافعي في أحد قوليه والجمهور أنه يشترط إذن المالك ولا يجبر صاحب الجدار إذا امتنع وحملوا النهي على التنزيه جمعا بينه وبين الأدلة القاضية بأنه لا يحل مال إمرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه " وتعقب بأن هذا الحديث أخص من تلك الأدلة مطلقا فيبني العام على الخاص قال البيهقي لم نجد في السنن الصحية ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكرأن يخصها وحمل بعضهم الحديث على ما إذا تقدم استئذان الجار كما وقع في رواية لأبي داود بلفظ " إذا استأذن أحدكم أخاه " وفي رواية لأحمد " من سأله جاره " وكذا في رواية لابن حبان فإذا تقدم الاستئذان لم يكن للجار المنع لا إذا لم يتقدم : قوله " في جداره " الظاهر عود الضمير إلى المالك أي في جدار نفسه وقيل الصمير يعود على الجار الذي يريد الغرز أي لا يمنعه من وضع خشبه على جدار نفسه وإن تضرر به من جهة منع الضوء مثلا . ووقع لأبي عوانة من طريق زياد بن سعد عن الزهري أنه يضع جذعه على جدار نفسه ولو تضرر به جاره والظاهر الأول ويؤيده قوله في حديث ابن عباس " في حائط جاره " وكذا قوله في يالحديث الآخر " فاجعل اسطوانا دون جداري "
قيل وهذا الحكم كشروط عند القائلين بأنه يجب ذلك على الجار بحاجة من يريد الغرز إليه وعدم تضرر المالك فإن تضرر لم يقدم حاجة جاره على حاجته ولكنه لا يخفي أن إطلاق الأحاديث قاض بعدم اعتبار عدم تضرر المالك ولكنه يجب على من يريد الغرز أن يتوقى الضرر بما أمكن فإن لم يمكن إلا بضرر وجب على الغارز إصلاحه وذلك كما يقع عند فتح الجدار لغرز الجذوع وأما اعتبار حاجة الغارز إلى الغرز فأمر لا بد منه : قوله " ما لي أراكم عنها معرضين " أي عن هذه المقالة التي جائت بها السنة أو عن هذه الوصية أو الموعظة : قوله " والل لأرمين بها بين أكتافكم " بالتاء الفوقية أي لأقر عنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته . قال القاضي عياض وابن عبد البر وقد رواه بعض رواة الموطأ أكنافكم بالنون والكنف الجانب ونونه مفتوحة والمعنى لأصرخن بها بين جماعتكم ولا أكتمها أبدا . وقال الخطابي معناه أن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها أس الخشبة على رقابكم كارهين أراد بذلك المبالغة . وفي تعليق القاضي حسين أن أبا هريرة قال ذلك حين كان متوليا بمكة أو المدينة وكأنه قال لما رآهم تةقفوا عن قبول هذا الحكم كما وقع في رواية لأبي داود أنهم نكسوا رؤوسهم لما سمعوا ذلك : قوله " لا ضرر ولا ضرار " هذا فيه دليل على تحريم الضرار على أي صفة كان من غير فرق بين الجار وغيره فلا يجوز في صورة من الصور إلا بدليل يخص به هذا العموم فعليك بمطالبة من جوز المضارة في بعض الصور بالدليل فإن جاء به قبلته وإلا ضربت بهذا الحديث وجهه فإنه قاعدة من قواعد الدين تشهد له كليات وجزئيات . وقد ورد الوعيد لمن ضار غيره فأخرج أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه من حديث أبي صرمة بكسر الصاد المهملة مالك بن قيس الأنصاري وهو ممن شهد بدرا وما بعدها من المشاهد قال ابن عبد البر بلا خلاف قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من ضار أضر الله به ومن شاق شاق الله عليه " واختلفوا في الفرق بين الضر والضرار فقيل أن الضر فعل الواحد والضرار فعل الاثنين فصاعدا . وقيل الضرار أن تضره من غير أن تنتفع والضر أن تضره وتنتفع أنت به . وقيل الضرار الجزاء على الضر والضر الابتداء وقيل هما بمعنى قوله " وللرجل أن يضع خشبه في حائط جاره " فيه دليل على جواز وضع الخشبة في جدار الجار وإذا جاز الغرز جاز الوضع بالأولى لأنه أخف منه . قوله " فاجعلوه سبعة أذرع " هذا محمول على الطريق التي هي مجرى عامة للمسلمين بأحمالهم ومواشيهم فإذا تشاجر من له أرض يتصل مع من له فيها حق جعل عرضها سبعة أذرع بالذراع المتعارف في ذلك البلد بخلاف بنيات الطريق فإن الرجل إذا جعل في بعض أرضه طريقا مسبلة للمارين كان تقديرها إلى خيرته والأفضل توسيعها وليس هذه الصورة مراد الحديث لأن المفروض أن هذه لا مدافعة فيها ولا اختلاف وسيأتي تمام الكلام على الطريق في الباب الذي بعد هذا . قوله " أعتق أحدهما " أي حلف بالعتق

باب في الطريق إذا اختلفوا فيه كم تجعل

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع "
- رواه الجماعة إلا النسائي . وفي لفظ لأحمد " إذا اختلفوا في الطريق رفع من بينهم سبعة أذرع "

2 - وعن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الرحبة تكون في الطريق ثم يريد أهلها البنيان فيها فقضى أن يترك الطريق سبعة أذرع وكانت تلك الطريق تسمى الميتاء "
- رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه

- حديث عبادة أخرجه أيضا الطبراني بلفظ " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الطريق الميتاء " الحديث والراوي له عن عبادة إسحاق بن يحيى ولم يدركه ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ " إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع " وما أخرجه ابن عدي من حديث أنس بلفظ " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الطريق الميتاء التي تؤتى من كل مكان " فذكر الحديث . قال في الفتح وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال اه ولكنه يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها كما لا يخفى : قوله " إذا اختلفتم " في لفظ للبخاري " إذا تشاجروا " وللإسماعيلي " إذا اختلف الناس في الطريق " وزاد المستملي بعد ذكر الطريق فقال " الميتاء " قال الحافظ ولم يتابع عليه وليست محفوظة في حديث أبي هريرة وإنما ذكرها البخاري في الترجمة مشيرا بها إلى الأحاديث الني ذكرناها كما جرت بذلك قاعدته : قوله " سبعة أذرع " قال في الفتح الذي يظهر أن المراد بالذراع ذراع الآدمي فيعتبر ذلك بالمعتدل . وقيل المراد ذراع البنيان المتعارف ولكن هذا المقدار إنما هو في الطريق التي هي مجرى عامة المسلمين للجمال وسائر المواشي كما أسلفنا لا الطريق المشروعة بين الأملاك والطرق التي يمر بها بنو آدم فقط ويدل على ذلك التقييد بالميتاء كما في الأحاديث المذكورة والميتاء بميم مكسورة وتحتانية ساكنة وبعدها فوقانية ومد بوزن مفعال من الإتيان والميم زائدة . قال أبو عمر والشيباني الميتاء أعظم الطرق وهي التي يكثر مرور الناس فيها . وقال غيره هي الطرق الواسعة وقيل العامرة . وحكى في البحر عن الهادي أنه إذا التبس عرض الطريق الواسعة بين الأملاك أو كان حوليها ارض موات بقي لما تجتازه العماريات أثنا عشر ذراعا ولدونه سبعة وفي المنسدة مثل أعرض باب فيها انتهى . وبهذا التفصيل قالت الهادوية " والحكمة ) في ورود الشرع بتقدير الطريق سبعة أذرع هي أن تسلكها الأحمال والأثقال دخولا وخروجلا وتسع ما لا بد منه كما يطرح عند الأبواب . قوله " الرحبة " بفتح الحاء المهملة وتسكن على ما في القاموس وهي المكان بناحية ومتسعه ومن الوادي مسيل مائة من جانبيه . والمراد هنا المكان بجانب الطريق كما في الحديث

باب إخراج ميازيب المطر إلى الشارع

1 - عن عبد الله بن عباس قال " كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس ثيابه يوم الجمعة وقد كان ذبح للعباس فرخان فلما وافى الميزاب صب ماء بدم الفرخين فأمر عمر بقلعه ثم رجع فطرح ثيابه ولبس ثيابه ثم فصلى بالناس فأتاه العباس فقال والله إنه للموضع الذي وضعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عمر للعباس وأنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففعل ذلك العباس "

- الحديث لم يذكر المصنف من أخرجه كما في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب وفي نسخة أنه أخرجه أحمد وهو في مسند أحمد بلفظ " كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس ثيابه يوم الجمعة فأصابه منه ماء بدم فأتاه العباس فقال والله إنه للموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وذكر ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عنه فقال هو خطأ . ورواه البيهقي من وجه آخر ضعيفة أو منقطعة ولفظ أحدهما " والله ما وضعه حيث كان إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده " وأورده الحاكم في المستدرك وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف . قال الحاكم ولم يحتج الشيخان بعبد الرحمن ورواه أبو داود في المراسيل من حديث أبي هرون المذني قال كان في دار العباس ميزاب فذكره ( والحديث ) فيه دليل هلى جواز إخراج الميازيب إلى الطريق لكن بشرط أن لا تكون محدثة تضر بالمسلمين فإن كانت كذلك منعت لأحاديث المنع من الضرار قال في البحر مسألة العترة ويمنع في الطريق الغرس والبناء والحفر ومرور احمال الشوك ووضع الحطب والذبح فيها وطرح القمامة والرماد وقشر الموز واحداث السواحل والميازيب وربط الكلاب الضارية لما فيها من الأذى اه ثم حكى في البحر أيضا عن أبي حنيفة والهادوية أنها لا تضيق قرار السكك النافذة ولا هواؤها بشء وإن اتسعت إذا الهواء تابع للقرار في كونه حقا كتبعية هواء الملك لقراره . وعن الشافعي والمؤيد بالله في أحد قوليه إنما حق المار في القرار لا الهواء فيجوز الروشن والساباط حيث لا ضرر وكذلك الميزاب قال المؤيد بالله ويجوز تضييق النافذة المسبلة بما لا ضرر فيه لمصلحة عامة باذن الإمام . وكذلك يجوز تضييق هوائها بالأولى وإلى مثل ما ذهب إليه المؤيد ذهب الهادوية وقالوا يجوز أيضا التضيق لمصلحة خاصة في الطرق المشروعة بين الأملاك

4 - وعن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم والشرخ الغلمان الذي لم ينبتوا "

كتاب الشركة والمضاربة

1 - عن أبي هريرة رفعه قال " إن الله يقول إنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما "
- رواه أبو داود

- الحديث صححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان وقد ذكره ابن حبان في الثقات وأعله أيضا ابن القطان بالإرسال فلم يذكر فيه أبا هريرة وقال أنه الصواب ولم يسنده غير أبي همام محمد بن الزبرقان . وسكت أبو داود والمنذري عن هذا الحديث وأخرج نحوه أبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب عن حكيم بن حزام : قوله " كتاب الشركة " بكسر الشين وسكون الراء وحكى ابن باطيش فتح الشين وكسر الراء وذكر صاحب الفتحفيها أربع لغات فتح الشين وكسر الراء وكسر الشين وسكون الراء وقد تحذف الهاء وقد يفتح أوله من ذلك : فوله " والمضاربة " هي مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر والمشي والعامل مضارب بكسر الراء . قال الرافعي ولم يشتق للمالك منه اسم فاعل لأن العامل يختص بالضرب في الأرض فعلى هذا تكون المضاربة من المفاعلة التي تكون من واحد مثل عاقبت اللص : قوله " أنا ثالث الشريكين " المراد إن الله جل جلاله يضع البركة للشريكين في مالهما مع عدم الخيانة ويمدهما بالرعاية والمعونة ويتولى الحفظ لما لهما قوله " خرجت من بينهم " أي نزعت البركة من المال زاد رزين " وجاء الشيطان " ورواية الدارقطني " فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما " يعني البركة

2 - وعن السائب بن أبي السائب أنه قال " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك لا تداريني ولا تماريني "
- رواه أبو داود وابن ماجه ولفظه " كنت شريكي ونعم الشريك كنت لا تدراي ولا تماري "

- الحديث أخرجه أيضا النسائي والحاكم وصححه . وفي لفظ لأبي داود وابن ماجه " أن السائب المخزومي كان شريك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة فجاء يوم الفتح فقال مرحبا بأخي وشريكي لا تداري ولا تماري " وفي لفظ أن السائب قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعلوا يثنون على ويذكرونني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أعلمكم به فقلت صدقت بأبي أنت وأمي كنت شريكي فنعم الشريك لا تداري ولا تماري " ورواه أبو نعيم في المعرفة والطبراني في الكبير من طريق قيس بن السائب وروى أيضا عن عبد الله بن السائب قال أبو حاتم في العلل وعبد الله ليس بالقوي . وقد اختلف هل كان الشريك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم السائب المذكور أو ابنه عبد الله . واختلف أيضا في اسلام السائب وصحبته . قال ابن عبد البر هو من المؤلفة قلوبهم وممن حسن اسلامه وعاش إلى زمن معاوية وروى ابن هشام عن ابن عباس أنه ممن هاجر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعطاه يوم الجعرانة من غنائم حنين . وقال ابن إسحاق أنه قتل يوم بدر كافرا وقيل إن اسمه السائب بن يزيد وهو وهم ويقال السائب بن نميلة . قاله " لا تدارين ولا تماريني " أي لا تمانعني ولا تحاورني ( وفي الحديث ) بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حسن المعاملة والرفق قبل النبوة وبعدها وفيه جواز السكوت من الممدوح عند سماع من يمدحه بالحق

3 - وعن أبي المنهال " أن زيد بن أرقم والبراء بن عازب كانا شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرهما أن ما كان ينقد فأجيزوه وما كان بيسيئة فردوه "
- رواه أحمد والبخاري بمعناه

- لفظ البخاري " ما كان يدا بيد فخذوه وما كان نسيئة فردوه " والحديث استدل به على جواز تفريق الصفقة فيصح منها ويبطل ما لا يصح وتعقب باحتمال أن يكونا عقدا مختلفين ويؤيده ما في البخاري في باب الهجرة إلى المدينة عن أبي المنهال المذكور فذكر هذا الحديث . وفيه " قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ونحن نتبايع هذا البيع فقال ما كان يدا بيد فليس به بأس وما كان نسيئة فلا يصلح " فمعنى قوله ما كان يدا بيد فخذوه أي ما وقع لكم فيه التقابض في المجلس فهو صحيح فامضوه ومالم يقع لكم فيه التقابض فليس بصحيح فاتركوه ولا يلزم من ذلك أن يكونا جميعا في عقد واحد واستدل بهذا الحديث أيضا على جواز الشركة في الدراهم والدنانير وهو اجماع كما قال ابن بطال لكن لا بد أن يكون نقد كل واحد منهما مثل نقد صاحبه ثم يخلطا ذلك حتى لا يتميز ثم يتصرفا جميعا الا أن يقيم كل واحد منهما الآخر مقام نفسه . وقد حكى أيضا ابن بطال إن هذا الشرط مجمع عليه واختلفوا إذا كانت الدنانير من أحدهما والدراهم من الآخر فمنعه الشافعي ومالك في المشهور عنه والكوفيون إلا الثوري . واختلفوا أيضا هل تصح الشركة في غير النقدين فذهب الجمهور إلى الصحة في كل ما يتملك وقيل يختص بالنقد المضروب والأصح عند الشافعية اختصاصها بالمثلى . وحديث اشتراك الصحابة في أزوادهم في غزوة الساحل كما في حديث جابر عند البخاري وغيره يرد على من قال باختصاص الشركة بالنقد لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قررهم على ذلك . وكذلك حديث سلمة بن الأكوع عند البخاري وغيره أنهم جمعوا أزوادهم ودعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم فيها بالبركة ويرد على الشافعية حديث أبي عبيدة الآتي . وحديث رويفع والحاصل ( أن الأصل ) الجواز في جميع أنواع الأموال فمن ادعى الأختصاص بنوع واحد أو بأنواع الشرك المفصلة في كتب الفقه فلا نقبل دعوى الأختصاص بالبعض الا بدليل

4 - وعن أبي عبيدة عن عبد الله قال " اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر قال فجاء سعد باسيرين ولم أجيء أنا وعمار بشيء "
- رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه . وهو حجة في شركة الأبدان وتملك المباحات

5 - وعن رويفع بن ثابت قال " إن كان أحدنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليأخذ نضو أخيه على أنه له النصف مما يغنم ولنا النصف وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح "
- رواه أحمد وأبو داود

- الحديث الأول منقطع لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود . والحديث الثاني في إسناده أبو داود شيبان بن أمية القتباني وهو مجهول وبقية رجاله ثقات وقد أخرجه النسائي من غير طريق هذا المجهول بإسناد رجاله كلهم ثقات . قوله " النضو " هو المهزول من الأبل . والنصل حديدة السهم . والريش هو الذي يكون على السهم . والقدح بكسر القاف السهم قبل أن يراش وينصل . ( استدل ) بحديث أبي عبيدة على جواز شركة الأبدان كما ذكره المصنف وهي أن يشترك العاملان فيما يعملانه فيوكل كل واحد منهما صاحبه أن يتقبل ويعمل عنه في قدرمعلوم ما استؤجر عليه ويعينان الصنعة وقد ذهب إلى صحتها مالك بشرط اتحاد الصنعة وإلى صحتها ذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه . وقال الشافعي شركة الأبدان كلا باطلة لأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده وهذا كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة ليكون الدر والنسل بينهما فلا يصح . وأجابت الشافعية عن هذا الحديث بأن غنائم بدر كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدفعها لمن يشاء وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة وغيره ممن قال إن الوكالة في المباحات لا تصح . والحديث الثاني يدل على جواز دفع أحد الرجلين إلى الآخر راحلته في الجهاد على أن تكون الغنيمة بينهما والأحتجاج بهذين الحديثين إنما هو على فرض أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع وقرر وعلى فرض عدم الأطلاع والتقرير لا حجة في أفعال الصحابة وأقوالهم الا أن يصح إجماعهم على أمر

6 - وعن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " انه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالامقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئا من ذلك فقد ضمنت مالي "
- رواه الدارقطني

- الأثر أخرجه أيضا البيهقي وقوى الحافظ إسناده وفي تجويز المضاربة آثار عن جماعة من الصحابة منها عن علي عليه السلام عند عبد الرزاق أنه قال في المضاربة الوضيعة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه . وعن ابن مسعود عند الشافعي في كتاب اختلاف العراقيين أنه أعطى زيد بن جليدة ما لا مقارضة وأخرجه عنه أيضا البيهقي . وعن ابن عباس عن أبيه العباس أنه كان إذا دفع مالا مضاربة فذكر قصة وفيها أنه وقع الشرط إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأجازه أخرجه البيهقي بإسناد ضعيف والطبراني وقال تفرد به محمد بن عقبة عن يونس بن أرقم عن أبي الجارود . وعن جابر عند البيهقي أنه سئل عن ذلك فقال لا بأس به . وفي إسناده ابن لهيعة . وعن عمر عند الشافعي في كتاب اختلاف العراقيين أنه أعطى مال يتيم مضاربة وأخرجه أيضا البيهقي وابن أبي شيبة وعن عبد الله وعبيد الله ابني عمر " أنهما لقيا أبا موسى الأشعري بالبصرة منصرفهما من غزوة نهاوند فتسلفا منه مالا وابتاعا منه متاعا وقدما به المدينة فباعاه وربحا فيه وأراد عمر أخذ رأس المال والربح كله فقالا لو كان تلف كان ضمانه علينا فكيف لا يكون ربحه لنا فقال يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا فقال قد جعلته قراضا وأخذ منهما الصف الربح " أخرجه مالك في الموطأ والشافعي والدارقطني قال الحافظ إسناده صحيح قال الطحاوي يحتمل أن يكون عمر شاطر هما فيه كما شاطر عماله أموالهم . وقال البيهقي تأول الترمذي هذا القصة بأنه سألهما لبره الواجب عليهما أن يجعلاه كله للمسلمين فلم يجيباه فلما طلب النصف أجاباه عن طيب أنفسهما وعن عثمان عند البيهقي إن عثمان أعطى مالا مضاربة فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير فكان ذلك اجماعا منهم على الجواز وليس فيها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ما أخرجه ابن ماجه من حديث صهيب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث فيهن البركة البيع إلى أجل والمقارضة واخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع " لكن في إسناده نصر بن القاسم عن عبد الرحيم بن داود وهما مجهولان وقد بوب أبو داود في سننه للمضاربة وذكر حديث عروة البارقي الذي سيأتي ولا دلالة فيه على جوازها لأن القصة المذكورة فيه ليست من باب المضاربة كما ستعرف ذلك قريبا قال ابن حزم في مراتب الإجماع كل أبواب الفقه فلها أصل من الكتاب والسنة حاشا القراض فما وجدنا له أصلا فيهما البتة ولكنه إجماع صحيح مجرد والذي يقطع به إنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلم به وأقره ولولا ذلك لما جاز انتهى . وقال في البحر إنها كانت قبل الأسلام فاقرها انتهى . وأحكام المضاربة مبسوطة في كتب الفقه فلا نشتغل بالتطويل بها لأن موضوع هذا الشرح الكلام على ما يتعلق بالحديث " قوله " أن لا تجعل مالي في كبد رطبة " أي لا تشتري به الحيوانات إنما نهاه عن ذلك لأن ما كان له روح عرضة للهلاك بطرو الموت عليه

( كتاب الوكالة )

باب ما يجوز التوكيل فيه من العقود وإيفاء الحقوق وأخراج الزكوات واقامة الحدود وغير ذلك

1 - قال أبو رافع " استسلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكرا فجاءت إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره "

2 - وقال ابن أبي أوفى " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصدقة مال أبي فقال اللهم صل علي آل أبي أوفي "

3 - وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفرا طيبة به نفسه حتى يدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين "

4 - وقال " واغديا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها "

5 - وقال علي عليه السلام " أمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أقوم على بدنه وأقسم جلودها وجلالها "

6 - وقال أبو هريرة " وكلني النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حفظ زكاة رمضان وأعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عقبة بن عامر غنما يقسمها بين أصحابه "

- هذه الأحاديث لم يذكر المصنف في هذا الموضع من خرجها . وحديث أبي رافع قد تقدم في باب استقراض الحيوان من كتاب القرض وأورده ههنا للاستدلال به على جواز التوكيل في قضاء القرض . وحديث ابن أبي أوفى تقدم في باب تفرقة الزكاة في بلدها من كتاب الزكاة وذكره المصنف ههنا للاستدلال به على جواز توكيل صاحب الصدقة من يوصلها إلى الامام . وحديث الخازن ذكره المصنف في باب العاملين على الصدقة من كتاب الزكاة وسيذكر الأحاديث الواردة في تصرف المرأة في مال زوجها والعبد في مال سيده والخازن في مال من جعله خازنا في آخر كتاب الهبة والعطية . وذكر حديث الخازن ههنا للاستدلال به على جواز التوكيل في الصدقة لقوله فيه " الذي يعطي ما أمر به كاملا " وقوله " اغديا أنيس " سيأتي في كتاب الحد ودوفيه دليل على أنه يجوز للامام توكيل من يقيم الحد على من وجب عليه . وحديث علي عليه السلام تثدم في باب الصدقة بالجلود من أبواب الضحايا والهدايا وفيه دليل على جواز توكيل صاحب الهدى لرجل أن يقسم جلودها وجلالها . وحديث أبي هريرة هو في صحيح البخاري وغيره وقد أورده في كتاب الوكالة وبوب عليه باب إذا وكل رجل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وان أقرضه إلى أجل مسمى جاز وذكر فيه مجيء السارق إلى أبي هريرة وأنه شكا إليه الحاجة فتركه يأخذ فكأنه أسلفه إلى أجل وهو وقت أخراج زكاة الفطر . وحديث عقبة بن عامر تقدم في باب السن الذي يجزيء في الأضحية وفيه دليل على جواز التوكيل في قسمة الضحايا ( وهذه الأحاديث ) تدل على صحة الوكالة وهي بفتح الواو وقد تكسر التفويض والحفظ تقول وكلت فلانا إذا استحفظته ووكلت الأمر إليه بالتخفيف إذا فوضته إليه وهي في الشرع إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقا وقد استدل على جواز الوكالة من القرآن بقوله تعالى { فابعثوا أحدكم بورقكم } وقوله تعالى { اجعلني على خزائن الأرض } وقد دل على جوازها أحاديث كثيرة منها ما ذكر المصنف في هذا الكتاب وقد أورد البخاري في كتاب الوكالة ستة وعشرين حديثا ستة معلقة والباقية موصولة . وقد حكى صاحب البحر الإجماع على كونها مشروعة وفي كونها نيابة أو ولاية وجهان فقيل نيابة لتحريم المخالفة وقيل ولاية لجواز المخالفة إلى الأصلح كالبيع بمعجل وقد أمر بمؤجل

7 - وعن سليمان بن يسار " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحرث وهو بالمدينة قبل أن يخرج "
- رواه مالك في الموطأ . وهو دليل على أن تزوجه بها سبق احرامه وأنه خفي على ابن عباس

8 - وعن جابر قال " أردت الخروج إلى خيبر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته "
- رواه أبو داود والدارقطني

9 - وعن يعلى بن أمية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أتتك رسلي فاعطهم درعا وثلاثين بعيرا فقال له العارية مؤداة يا رسول الله قال نعم "
- رواه أحمد وأبو داود وقال فيه " قلت يا رسول الله عارية مضمومة أو عارية مؤداة قال بل مؤداة "

- الحديث الأول أخرجه أيضا الشافعي وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وقد أعله ابن عبد البر بالإنقطاع بين سليمان بن يسار وأبي رافع لأنه لم يسمع منه وتعقب بأنه قد وقع التصريح بسماعه في تاريخ ابن أبي خيثمة نزول الأبطح ورجح ابن القطان اتصاله ورجح ان مولد سليمان سنة سبع وعشرين ووفاة أبي رافع سنة ست وثلاثين فيكون سنه عند موت أبي رافع ثمان سنين وقد تقدم الكلام على زواجه صلى الله عليه وآله وسلم بميمونة واختلاف الأحاديث في ذلك في كتاب الحج في باب ما جاء في نكاح المحرم وفيه دليل على جواز التوكيل في عقد النكاح من الزوج والحديث الثاني علق البخاري طرفا منه في الخمس وحسن الحافظ في التلخيص إسناده ولكنه من حديث محمد بن إسحاق قوله فإن ابتغى منك آية علامة . قوله ترقوته بفتح المثناة من فوق وضم القاف وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين ( وفي الحديث ) دليل على صحة الوكالة وإن الامام له أن يوكل ويقيم عاملا على الصدقة في قبضها وفي دفعها إلى مستحقها وإلى من يرسله إليه بإمارة . وفيه أيضا دليل على جواز العمل بالأمارة أي العلامة وقبول قول الرسول إذا عرف المرسل إليه صدقه وهل يجب الدفع إليه قيل لا يجب لأن الدفع إليه غير مبرئ لاحتمال أن ينكر الموكل أو المرسل إليه وبه قال الهادي واتباعه وقيل يجب مع التصديق بأمارة أو نحوها لكن له الامتناع من الدفع إليه حتى يشهد عليه بالقبض وبه قال أبو حنيفة ومحمد ( وفي الحديث ) أيضا دليل على استحباب اتخاذ علامة من الوكيل موكله لا يطلع عليها غيرهما ليعتمد الوكيل عليها في الدفع لأنها أسهل من الكتابة فقد لا يكون أحدهما ممن يحسنها ولان الخط يشتبه . والحديث الثالث أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص . وقال ابن حزم أنه أحسن ما ورد في هذا الباب وقد ورد في معناه أحاديث يأتي ذكرها في العارية عند الكلام على حديث صفوان إن شاء الله وفيه دليل على جواز التوكيل من المستعير لقبض العارية : قوله " العارية مؤداة " سيأتي الكلام على هذا في العارية إن شاء الله تعالى

باب من وكل في شراء شيء فاشترى بالثمن أكثر منه وتصرف في الزيادة

1 - عن عروة بن أبي الجعد البارقي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه دينارا ليشتري به له شاة فاشترى له به شاتين فباع أحدهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح فيه "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود

2 - وعن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم بن حزام " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه ليشتري له أضحية بدينار فاشترى أضحية فاربح فيها دينارا فاشترى أخرى مكانها فجاء بالأضحية والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ضح بالشاة وتصدق بالدينار "
- رواه الترمذي وقال لانعرفه الا من هذا الوجه وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم . ولأبي داود نحوه من حديث أبي حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم

- الحديث الأول أخرجه أيضا الترمذي وابن ماجه والدارقطني . وفي إسناد من عدا البخاري سعيد بن زيد أخو حماد وهو مختلف فيه عن أبي لبيد لمازة بن زبار . وقد قيل أنه مجهول لكنه قال الحافظ أنه وثقه ابن سعد . وقال حرب سمعت أحمد يثني عليه . وقال في التقريب أنه ناصبي جلد . قال المنذري والنووي إسناده صحيح لمجيئه من وجهين وقد رواه البخاري من طريق ابن عيينة عن شبيب بن غرقد سمعت الحي يحدثون عن عروة ورواه الشافعي عن ابن عيينة وقال إن صح قلت به . ونقل المزني عنه أنه ليس بثابت عنده قال البيهقي إنما ضعفه لأن الحي غير معروفين وقال في موضع آخر هو مرسل لأن شبيب بن غرقد لم يسمعه من عروة وإنما سمعه من الحي وقال الرافعي هو مرسل قال الحافظ الصواب أنه متصل في إسناده منهم . والحديث الثاني منقطع في الطريق الأولى لعد سماع حبيب من حكيم وفي الطريق الثانية في إسناده مجهول قال الخطابي إن الخبرين معا غير متصلين لأن في أحدهما وهو خبر حكيم رجلا مجهولا لا يدرى من هو وفي خبر عروة إن الحي حدثوه وما كان هذا سبيله من الرواية لم تقم به الحجة . وقال البيهقي ضعف حديث حكيم من أجل هذا الشيخ ( وفي الحديثين ) دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك اشتري بهذا الدينار شاة ووصفها ان يشتري به شاتين بالصفة المذكورة لأن مقصود الموكل قد حصل وزاد الوكيل خيرا ومثل هذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو بان يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم وهو الصحيح عند الشافعية كما نقله النووي في زيادات الروضة : قوله " فباع أحدهما بدينار " فيه دليل على صحة بيع الفضولي وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعي في القديم وقواه النووي في الروضة وهو مروي عن جماعة من السلف منهم علي عليه السلام وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وإليه ذهبت الهادوية وقال الشافعي في الجديد وأصحابه والناصر إن البيع الموقوف والشراء الموقوف باطلان للحديث المتقدم في البيع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا تبع ماليس عندك " وأجابوا عن حديثي الباب بما فيهما من المقال وعلى تقدير الصحة فيمكن أنه كان وكيلا بالبيع بقرينة فهمها منه صلى الله عليه وآله وسلم . وقال أبو حنيفة أنه يكون البيع الموقوف صحيحا دون الشراء والوجه أن الأخراج عن ملك المالك مفتقر إلى أذنه بخلاف الأدخال ويجاب بأن الأدخال للمبيع في الملك يستلزم الأخراج من الملك للثمن وروي عن مالك العكس من قول أبي حنيفة فإن صح فهو قوي لأن فيه جمعا بين الأحاديث قوله " فاشترى أخرى مكانها " فيه دليل على أن الأضحية لا تصير أضحية بمجرد الشراء وأنه يجوز البيع لا بدال مثل أو أفضل : قوله " وتصدق بالدينار " جعل جماعة من أهل العلم هذا أصلا فقالوا من وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقا فإن يتصدق به : ووجه الشبهة ههنا أنه لم يأذن لعروة في بيع الأضحية ويحتمل أن يتصدق به لأنه قد خرج عنه للقربة لله تعالى في الأضحية فكره أكل ثمنها

باب من وكل في التصديق بماله فدفعه إلى ولد الموكل

1 - عن معن بن يزيد قال " كان أبي خرج بدنانير يتصدق لها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها . فقال والله ما إياك أردت بها فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لك مانويت ما نويت يا يزيد ولك يا معن ما أخذت "
- رواه أحمد والبخاري

- قوله " عند رجل " قال في الفتح لم أقف على اسمه : قوله " فأتيته بها " أي أتيت أبي بالدنانير المذكورة : قوله " والله ما إياك أردت " يعني لو أردت انك تأخذها لاعطيتك اياها من غير توكيل وكأنه كان يرى أن الصدقة على الولد لا تجزئ أو تجزيء ولكن الصدقة على الأجنبي أفضل : قوله " لك ما نويت " أي أنك نويتت أن تتصدق بها على من يحتاج إليها وابنك محتاج فقد وقعت موقعها وإن كان لم يخطر ببالك أنه يأخذها ولابنك ما أخذ لأنه أخذها محتاجا إليها واستدل بالحديث على جواز دفع الصدقة إلى كل أصل وفرع ولو كان ممن تلزمه نفقته قال في الفتح ولا حجة فيه لأنها واقعة حال فاحتمل أن يكون معن كان مستقلا لا يلزم اباه نفقته والمراد بهذه الصدقة صدقة التطوع لا صدقة الفرض فإنه قد وقع الإجماع على أنها لا تجزئ في الولد كما تقدم في الزكاة . وفي الحديث جواز التوكيل في صرف الصدقة ولهذا الحكم ذكر المصنف هذا الحديث ههنا

كتاب المساقاة والمزارعة

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع "
- رواه الجماعة . وعنه أيضا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما ظهر على خيبر سألته اليهود أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها ولهم نصف الثمرة فقال لهم نقركم بها على ذلك ما شئنا " متفق عليه . وهو حجة في أنها عقد جائز . وللبخاري " أعطى يهود خيبر أن يعملوها وبزرعوها وهم شطر ما يخرج منها " ولمسلم وأبي داود والنسائي " دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شطر ثمرها " قلت وظاهر هذا أن البذر منهم وان تسمية نصيب العامل تغني عن تسمية نصيب رب المال ويكون الباقي له

2 - وعن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامل يهود خيبر على أن نخرجهم متى شئنا "
- رواه أحمد والبخاري بمعناه

3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفع خيبر ارضها ونخلها مقاسمة على النصف "
- رواهأحمد وابن ماجه

4 - وعن أبي هريرة قال " قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم اقسم بيننا وبين أخواننا النخل قال لا فقالوا تكفونا العمل ونشرككم في الثمرة فقالوا سمعنا وأطعنا "
- رواه البخاري

5 - وعن طاوس أن معاذ بن جبل أكرى الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان على الثلث والربع فهو يعمل به إلى يومك هذا "
- رواه ابن ماجه . قال البخاري وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر قال ما بالمدينة أهل بيت الهجرة إلا يزرعون على الثلث والربع وزارع علي عيه السلام وسعد ابن مالك وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل علي وآل عمر . قال وعامل عمر الناس على أن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا

- حديث ابن عباس رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن توبة وهو صدوق وبقية رجاله رجال الصحيح . وحديث معاذ رجال إسناده رجال الصحيح ولكن طاوس لم يسمع من معاذ وفيه نكارة لأن معاذ مات في خلافة عمر ولم يدرك أيام عثمان : قوله كتاب المساقاة والمزارعة المساقاة ما كان في النخل والكرم وجميع الشجر الذي يثمر بجزء معلوم من الثمرة للأجير وإليه ذهب الجمهور وخصها الشافعي في قوله الجديد بالنخل والكرم وخصها داود بالنخل وقال مالك لا تجوز في الزرع والشجر ولا تجوز في البقول عند الجمع . وروى عن ابن دينار أنه أجازها فيها ( والحاصل ) أن من قال أنها واردة على خلاف القياس قصرها على مورد النص ومن قال أنها واردة على القياس الحق بالمنصوص غيره . والمزارعة مفاعلة من الزراعة قال المطرزي . وقال صاحب الإقليد من الزرع . والمخابرة مشتقة من الخبير على وزن العليم وهو الإكار بهمزة مفتوحة وكاف مشددة وراء مهملة وهو الزارع والفلاح الحراث وإلى هذا الاشتقاق ذهب أبو عبيد والأكثرون من أهل اللغة والفقهاء . وقال آخرون هي مشتقة من الخبار بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وهي الأرض الرخوة وقيل من الخبر بضم الخاء وهو النصيب من سمك أو لحم وقال ابن الأعرابي هي مشتقة من خبير لأن أول هذه المعاملة فيها . وفسر أصحاب الشافعي المخابرة بأنها العمل على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل . وقيل أن المساقاة والمزارعة والمخابرة بمعنى واحد وإلى ذلك يشير كلام الشافعي فإنه قال في الأم في باب المزرعة وإذا دفع رجل إلى رجل أرضا بيضاء على أن يزرعها المدفوع إليه ما خرج منها من شيء فله منه جزء من الأجزاء فهذه المحاقلة والمخابرة والمزارعة التي ينهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اه . وإلى نحو ذلك يشير كلام البخاري وهو وجه للشافعية . وقال في القاموس المزارعة المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها ويكون البذر من مالكها . وقال المخابرة أن يزرع على النصف ونحوه اه . قوله " بشطر ما يخرج " فيه جواز المزارعة بالجزء المعلوم من نصف أو ربع أو ثمن أو نحوها والشطر هنا بمعنى النصف وقد يأتي بمعنى النحو والقصد . ومنه قوله تعالى { فول وجهك شطر المسجد الحرام } أي نحوه : قوله " نقركم بها على ذلك ما شئنا " المراد أنا نمكنكم من المقام إلى ان نشاء إخراجكم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان عازما على إخراجهم من جزيرة العرب كما أمر بذلك عند موته . واستدل به على جواز المساقاة مدة مجهولة وبه قال أهل الظاهر وخالفهم الجمهور وتأولوا الحديث بأن المراد مدة العهد وأن لنا إخراجكم بعد إنقضائها ولا يخفى بعده . وقيل أن ذلك كان في أول الأمر خاصة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يحتاج إلى دليل : قوله " ما بالمدينة أهل بيت هجرة " الخ هذا الأثر أورده البخاري ووصله عبد الرزاق : قوله " وزارع علي عليه السلام " الخ أما أثر علي عليه السلام فوصله ابن أبي شيبة وأما أثر عمر بن عبد العزيز فوصله ابن أبي شيبة أيضا . وأما أثر القاسم وهو ابن محمد بن أبي بكر فوصله عبد الرزاق . وأما أثر عروة وهو ابن الزبير فوصله ابن أبي شيبة . وأما أثر آل أبي بكر وآل علي وآل عمر فوصله ابن أبي شيبة أيضا وعبد الرزاق . وأما أثر عمر في معاملة الناس فوصله ابن أبي شيبة أيضا والبيهقي وقد ساق البخاري في صحيحه عن السلف غير هذه الآثار ولعله أراد بذكرها الإشارة إلى أن الصحابة لم ينقل عنهم الخلاف في الجواز خصوصا أهل المدينة
وقد تمسك بالأحاديث المذكورة في الباب جماعة من السلف . قال الحازمي روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وابن شهاب الزهري ومن أهل الرأي أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن فقالوا تجوز المزارعة والمساقاة بجزء من الثمر أو الزرع قالوا ويجوز العقد على المزارعة والمساقاة مجتمعتين فتساقيه على النخل وتزارعه على الأرض كما جرى في خيبر ويجوز العقد على كل واحدة منهما منفردة وأجابوا عن الأحاديث القاضية بالنهي عن المزارعة بأنها محمولة على التنزيه وقيل أنها محمولة على ما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها معينة . وقال طاوس وطائفة قليلة لا يجوز كراء الأرض مطلقا لا بجزء من الثمر والطام ولا بذهب ولا بفضة ولا بغير ذلك وذهب إليه ابن حزم وقواه واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك وستأتي وقال الشافعي وأبو حنيفة والعترة وكثيرون أنه يجوز كراء الأرض بكل ما يجوز أن يكون ثمنا في المبيعات من الذهب والفضة والعروض بالطعام سواء كان من جنس ما يزرع في الأرض أو غيره لا يجزء من الخارج منها وقد أطلق ابن المنذر أن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة ونقل ابن بطال اتفاق فقهاء الأمصار عليه وتمسكوا بما سيأتي من النهي عن المزارعة بجزء من الخارج وأجابوا عن أحاديث الباب بأن خيبر فتحت عنوة فكان أهلها عبيدا له صلى الله عليه وآله وسلم فما أخذه من الخارج منها فهو له وما تركه فهو له وروى الحازمي هذا المذهب عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ورافع بن خديج وأسيد بن حضير وأبي هريرة ونافع قال وإليه ذهب مالك والشافعي ومن الكوفيين أبو حنيفة اه . وقال مالك أنه يجوز كراء الأرض بغير طعام والثمر لأبهما لئلا يصير من بيع الطعام بالطعام وحمل النهي على ذلك هكذا حكى عنه صاحب الفتح . قال ابن المنذر ينبغي أن يحمل ما قاله مالك على ما إذا كان المكري به من الطعام جزأ مما يخرج منها فأما إذا اكتراها بطعام معلوم في ذمة المكتري أو بطعام حاضر يقضيه المالك فلا مانع من الجواز . وقال أحمد بن حنبل يجوز إجارة الأرض بجزء من الخارج منها إذا كان البذر من رب الأرض حكى ذلك عن الحازمي وأعلم أنه قد وقع لجماعة ولا سيما من المتأخرين في نقل المذاهب في هذه المسألة حتى أفضي ذلك إلى أن بعضهم يروي عن العالم الواحد الأمرين المتناقضين وبعضهم يروي قولا لعالم آخر ويروي عنه نقيصة ولا جرم فالمسألة باعتيار اختلاف المذاهب فيها وتعيين راجحها من مرجوحها من المعضلات وقد جمعت فيها رسالة مستقلة وسيأتي تحقيق ما هو الحق وتفصيل بعض المذاهب والإشارة إلى حجة كل طائفة ودفعها

باب فساد العقد إذا شرط أحدهما لنفسه التبن أو بقعة بعينها ونحوه

1 - عن رافع بن خديج قال " كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك فأما الورق فلم ينهنا "
- أخرجاه . وفي لفظ " كنا أكثر أهل الأرض مزدرعا كنا نكري الأرض بالناحية منها تسمى لسيد الرض قال فربما يصاب ذلك وتسلم الأرض وربما تصاب الأرض ويسلم ذلك فنهينا فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ " رواه البخاري . وفي لفظ " قال إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كرى إلا هذا فلذلك زجر عنه فأما لاشيء معلوم مضمون فلا بأس به " رواه مسلم وأبو داود والنسائي . وفي رواية عن رافع " قال حدثني عمامي أنهما كانا يكريان الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما ينبت على الأربعاء وبشيء يستثنيه صاحب الأرض قال فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " رواه أحمد والبخاري والنسائي . وفي رواية عن رافع " أن الناس كانوا يكرون المزارع في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالماذيانات وما يسقي الربيع وشيء من التبن فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كرى المزارع بهذا ونهى عنها " رواه أحمد

- قوله " حقلا " أي أهل مزارعة قال في القاموس المحاقل المزارع والمحاقلة بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيعه في سنبله بالحنطة أو المزارعة بالثلث والربع أو أقل أو أكثر وإكراء الأرض بالحنطة اه قوله " فنهانا عن ذلك " أي عن كري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه " فيصلح التمسك بهذا المذهب من قال أن النهي عنه إنما هو هذا النوع ونحوه من المزارعة . وقد حكى في الفتح عن الجمهور أن النهي محمول على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة لا عن إكرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة قال ثم اختلف الجمهور في جواز إكرائها بجزء مما يخرج منها فمن قال بالجواز حمل أحاديث النهي على التنزيه قال ومن لم يجز إجارتها بجزء مما يخرج قال النهي عن كرائها محمول علىما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها أو شرط ما ينبت على النر لصاحب الأرض لما في كل ذلك من الغرر والجهالة اه : قوله " فأما الورقفلم ينهنا " لا منافاة بين هذه الرواية وبين الرواية الثانية أعني قوله فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ لأن عدم النهي عن الورق لا يستلزم وجوده ولا وجود المعاملة به وفي رواية عن نافع عند البخاري أنه قال ليس بها بأس بالدينار والدرهم . قال في الفتح يحتمل أن يكون رافع قال ذلك باجتهاده ويحتمل أن يكون علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه أو علم أن النهي عن كري الأرض ليس على إطلاقه بل بما إذا كان بشيء مجهول ونحو ذلك فاستنبط من ذلك جواز الكري بالذهب والفضة ويرجح كونه مرفوعا بما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة رجل له ارض ورجل منح أرضا ورجل اكترى أرضا بذهب أو فضة " لكن بين النسائي كم وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام سعيد بن المسيب . وقد أخرج أبو داود والنسائي ما هو أظهر في الدلالة على الرفع من هذا وهو حديث سعد بن أبي وقاص الآتي : قوله " بما على الماذيانات " بذال معجمة مكسورة ثم مثناة تحتية ثم ألف ثم نون ثم ألف ثم مثناة فوقية هذا هو المشهور . وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة فتح الذال في غير صحيح مسلم وهو ما ينبت على حافة النهر ومسايل الماء وليست عربية لكنها سوادية وهي في الأصل مسايل المياه فتسمية لنا بت عليها باسمها كما وقع في بعض الروايات بلفظ يؤاجرون على الماذيانات مجاز مرسل والعلاقة المجاورة أو الحالية والمحلية : قوله " وإقبال الجادول " بفتح الهمزة وسكون القاف وتخفيف الموحدة أي أوائل . والجداول السواقي جمع جدول وهو النهر الصغير : قوله " واشياء من الزرع " يعني مجهول المقدار ويدل على ذلك قوله في آخر الحديث فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به : قوله " فيهلك " بكسر اللام أي فربما يهلك . قوله " زجر عنه " على البناء للمجهول أي نهى عنه وذلك لما فيه من الغرر المؤدي إلى التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل : قوله " على الأربعاء " جمع ربع وهو النهر الصغير كنبي وأنبياء ويجمه أيضا ربعان كصبي وصبيان
قوله يستثنيه " من الاستثناء كأنه يشير إلى استثناء الثلث والربع كذا قال في الفتح واستدل على أن هذا هو المراد برواية أخرى ذكرها البخاري ولكنه ينافي هذا التفسير قوله في الرواية الأولى " فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به " وهذا الحديث يدل على تحريم المزارعة على ما يفضي إلى الغرر والجهالة ويوجب المشاجرة وعليه تحمل الأحاديث الواردة في النهي عن المخابرة كما هو شأن حمل المطلق على المقيد ولا يصح حملها على المخابرة التي فعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر لما ثبت من أنه صلى الله عليه وآله وسلم استمر عليها إلى موته واستمر على مثل ذلك جماعة من الصحابة ويؤيد هذا تصريح رافع في هذا الحديث بجواز المزارعة على شيء معلوم مضمون ولا يشكل على جواز المزارعة بجزء معلوم حديث أسيد بن ظهير الآتي فإن النهي فيه ليس بمتوجه إلى المزارعة بالنصف والثلث والربع فقط بل إلى ذلك مع اشتراط ثلاث جداول والقصارة وما يسقى الربيع ولا شك أن مجموع ذلك غير المخابرة التي أجازها صلى الله عليه وآله وسلم وفعلها في خيبر نعم حديث رافع عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ " من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها ولا يكارها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمي " وكذلك حديثه أيضا عند أبي داود بإسناد فيه بكر بن عامر البجلي الكوفي وهو متكلم فيه " قال أنه زرع أرضا فمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يسقيها فسأله لمن الزرع ولمن الأرض فقال زرعي ببذري وعملي ولي الشطر ولبنى فلان الشطر فقال أربيتما فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك " ومثله حديث زيد بن ثابت عند أبي داود قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المخابرة قلت وما المخابرة قال أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع " فيها دليل على المنع من المخابرة بجزء معلوم ومثل هذه الأحاديث حديث أسيد الآتي على فرض أنه نهى عن المزارعة بجزء معلوم وعدم تقييده بما فيه من كلام أسيد كما سيأتي ولكنه لا سبيل إلى جعلها ناسخة لما فعله صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر لموته وهو مستمر على ذلك وتقريره لجماعة من الصحابة عليه ولا سبيل إلى جعل هذه الأحاديث المشتملة على النهي منسوخة بفعله صلى الله عليه وآله وسلم لصدور النهي عنه في أثناء مدة معاملته ورجوع جماعة من الصحابة إلى رواية من روى النهي والجمع ما أمكن هو الواجب وقد أمكن هنا بحمل النهي على معناه المجازي وهو الكراثة ولا يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم " أربيتما " في حديث رافع المذكور وذلك بأن يقال قد وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه المعاملة بأنها ربا والربا حرام بالإجماع فلا يمكن الجمع بالكراهة لانا نقول الحديث لا ينتهض للاحتجاج به للمقال الذي فيه ولا سيما مع معارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة من طرق متعددة الواردة بجواز المعاملة بجزء معلوم وكيف يصح أن يكون ذلك ربا وقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومات عليه جماعة من أجلاء الصحابة بل يبعد أن يعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعاملة المكروهة وبموت عليها ولكنه ألجأنا إلى القول بذلك الجمع بين الأحاديث وهذا ما نرجحه في هذه المسألة ولا يصح الأعتذار عن الأحاديث القاضية بالجواز بأنها مختصة به صلى الله عليه وآله وسلم لما تقرر من أنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا نهى عن شيء نهيا مختصا بالأمة وفعل ما يخالفه كان ذلك الفعل مختصا به لانا نقول أولا النهي غير مختص بالأمة وثانيا أنه صلى الله عليه وآله وسلم قرر جماعة من الصحابة على مثل معاملته في خيبر إلى عند موته . وثالثا أنه قد استمر على ذلك بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من أجلاء الصحابة ويبعد كل البعد أن يخفى عليهم مثل هذا ومن أوضح ما استدل به على كراهة المزارعة بجزء معلوم حديث ابن عباس الآتي

2 - وعن أسيد بن ظهير قال " كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أو افتقر إليه أعطاها بالنصف والثلث والربع ويشترط ثلاث جداول والقصارة وما يسقى الربيع وكان يعمل فيها عملا شديدا ويصيب منها منفعة فاتانا رافع بن خديج فقال نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر كان نافعا وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير لكم نهاكم عن الحقل "
- رواه أحمد وابن ماجه والقصارة بقية الحب في السنبل بعدما يداس

- الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي بدون كلام أسيد بن ظهير ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح . قوله " والقصارة " قال في القاموس والقصارة بالضم والقصرى بالكسر والقصر والقصرة محركتين والقصرى كبشرى ما يبقى في المنخل بعد الأنتخال أو ما يخرج من القت بعد الدوسة الأولى والقشرة العليا من الحبة اه . قوله " عن الحقل " بفتح الحاء المهملة واسكان القاف أصله كما قال الجوهري الحقل الزرع إذا تشعب ورقه قبل أن تغلظ سوقه فالحقل القراح الطيب يعني من الأرض الصالحة للزراعة والمحاقل مواضع الزراعة كما أن المزارع مواضعها . وقد بين البخاري المحاقل التي نهى عنها صلى الله عليه وآله وسلم من رواية رافع قال فيه " ماتصنعون بمحاقلكم قالوا نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير قال لا تفعلوا " ( والحديث ) يدل على عدم جواز مطلق المزارعة ولكنه ينبغي أن يقيد بما في أوله من كلام أسيد من ضم الأشتراط المقتضي للفساد وعلى فرض عدم تقييده بذلك فيحمل على كراهة التنزيه لما أسلفنا " ز

3 - وعن جابر قال " كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنصيب من القصرى ومن كذا ومن كذا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كان له أرض فليزرعها وليحرثها أخاه وإلا فليدعها "
- رواه أحمد ومسلم والقصرى القصارة

- قوله " والقصرى " قد سبق ضبطه وتفسيره . قوله " فليزرعها " بفتح التحتية والراء أي بنفسه : قوله " أو ليحرثها " بضم التحتية وكسر الراء أي يجعلها مزرعة لاخيه بلا عوض وذلك بأن يعيره أياها ويشهد لهذا المعنى الرواية الآتية بلفظ " لان يمنح أحدكم أخاه " أي يجعلها منحة له والمنحة العارية وفيه دليل على المنع من مؤاجرة الأرض مطلقا لقوله " وإلا فليدعها " ولكن ينبغي أن يحمل هذا المطلق على المقيد بما سلف في حديث رافع أو يكون الأمر للندب فقط لما أسلفنا ولما سيأتي وقد كره بعض العلماء تعطيل الأرض عن الزراعة لأن فيه تضييع المال وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن اضاعة المال وقدم في هذا الحديث زراعة الأرض من المالك بنفسه لما في ذلك من الفضيلة فإن الاشتغال بالعمل فيها والاستغناء عن الناس بما يحصل من القرب العظيمة مع ما في ذلك من الأشتغال عن الناس والتنزه عن مخالطتهم التي هي لا سيما في مثل هذا الزمان سم قاتل وشغل عن الرب جل جلاله شاغل إذا لم يكن في الاقبال على الزراعة تثبط عن شيء من الأمور الواجبة كالجهاد وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا في فضل الزرع والغرس وترجم عليه باب فضل الزرع والغرس وروه مسلم من حديث أنس

4 - وعن سعد بن أبي وقاص " أن أصحاب المزارع في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يكرون مزارعهم بما يكون على السواقي وما سعد بالماء مما حول النبت فجاؤا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاختصموا في بعض ذلك فنهاهم أن يكروا بذلك وقال أكروا بالذهب والفضة "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي وما ورد من النهي المطلق عن المخابرة والمزارعة يحمل على مافيه مفسدة كما يبنته هذه الأحاديث أويحمل على اجتنابها ندبا واستحبابا فقد جاء ما يدل على ذلك فروى عمرو بن دينار قال قلت لطاوس لو تركت المخابرة فانهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها فقال أن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عنها وقال لان يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما " رواه أحمد والبخاري وابن ماجه وأبو داود

5 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم بعض " رواه الترمذي وصححه

6 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه "
- أخرجاه بالإجماع تجوز الأجارة ولا تجب الأعارة فعلم أنه أراد الندب

- حديث سعد سكت عنه أبو داود والمنذري . قال في الفتح ورجاله ثقات الا أن محمد بن عكرمة المخزومي لم يرو عنه الا إبراهيم بن سعد . قوله " وما سعد " بفتح السين وكسر العين المهملتين قيل معناه بما جاء من الماء سيحا لا يحتاج إلى ساقية وقيل معناه ما جاء من الماء من غير طلب . وقال الأزهري والسعيد النهر مأخوذ من هذا وسواعد النهر التي تنصب إليه مأخوذة من هذا وفي رواية ما صعد بالصاد بدل السين أي ما ارتفع من النبت بالماء دون ما سفل منه : قوله " بالذهب والفضة " فيه رد على طاوس حيث كره اجارة الأرض بالذهب والفضة كما روى عنه مسلم والنسائي عن طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال كان طاوس يكره أن يؤاجر أرضه بالذهب والفضة ولا يرى بالثلث والربع بأسا فقال له مجاهدا ذهب إلى ابن رافع بن خديج فاسمع حديثه عن أبيه فقال لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه لم أفعله ولكن حدثني من هو أعلم منه ابن عباس فذكر الحديث الذي ذكره المصنف . وللنسائي أيضا من طريق عبد الكريم عن مجاهد قال أخذت بيد طاوس فأدخلته إلى ابن رافع ابن خديج فحدثه عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض فأبى طاوس وقال سمعت ابن عباس لا يرى بذلك بأسا " وهذه الرواية عن طاوس تدل على أنه كان لا يمنع من كراء الأرض مطلقا وقد حكى صاحب الفتح عنه أنه يمنع مطلقا كما قدمنا . واستدل بهذا الحديث من جوز كراء الأرض بالذهب والفضة وقد تقدم ذكرهم وألحقوا بهما غيرهما من الأشياء المعلومة لأنهم رأوا أن محل النهي فيما لم يكن معلوما ولا مضمونا وفي هذا الحديث أيضا رد على من منع كراء الأرض مطلقا كما تقدم . قوله " وما ورد من النهي " الخ مثل حديث جابر عند أبي داود بلفظ " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله " وحديث زيد بن ثابت عند أبي داود قال " نهى رسول الله عن المخابرة " وقد تقدم . ومثل حديث جابر أيضا عند مسلم وأبي داود وابن ماجه بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة " الحديث . ومثل حديث ثابت من الضحاك عند مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المزارعة " وحديث رافع عند أبي داود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض " وأصله في الصحيحين ونحو هذه الأحاديث الواردة بالنهي على الأطلاق وقد ذكر المصنف في هذا الباب طرفا منها وأوردنا بعضا من ذلك فيما سلف وكلام المصنف هذا كلام حسن ولا بد من المصير إليه للجمع بين الأحاديث المختلفة وهو الذي رجحناه فيما سلف . قوله " لم ينه عنها " هذا لا ينافي رواية من روى النهي عنه صلى الله عليه وآله وسلم لأن المثبت مقدم على النافي ومن علم حجة على من لم يعلم ولكن قوله " لأن يمنح أحدكم أخاه خير له " الخ يصلح جعله قرينة لصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة كما سلف . وقوله " يمنح " بفتح التحتية وسكون الميم وفتح النون بعدها حاء مهملة ويجوز كسر النون والمراد بجعلها منيحة أي عطية وعارية كما تقدم وهكذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حقيقته ما في الرواية الثانية عن ابن عباس من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض : قوله " فليزرعها أو ليحرثها " قد تقدم الكلام على هذا : قوله " فليمسك أرضه " قد قدمنا أن بعض العلماء كره تعطيل الأرض عن الزراعة لما ورد من النهي عن إضاعة المال وهذه الرواية والتي سلفت في حديث جابر يدلان على جواز ترك الأرض بغير زراعة وقد جمع بين الرواية القاضية بالنهي عن ذلك وبين ما هنا بحمل النهي عن الإضاعة على إضاعة عين المال أو المنفعة التي لا يخلفها منفعة والأرض إذا تركت بغير زرع لم تتعطل منفعتها فإنها تنبت من الحطب والحشيش وسائر الكلأ ما ينفع في الرعي وغيره وعلى تقدير أن لا يحصل ذلك فقد يكون التأخير للزرع عن الأرض اصلاحا لها فتخلف في السنة التي تليها ما لعله فات في سنة الترك وهذا كله ان حمل النهي على عمومه فاما لوحمل على ما كان مألوفا لهم من الكراء بجزء مما يخرج منها ولا سيما إذا كان غير معلوم فلا يستلزم ذلك تعطيل الانتفاع بها في الزراعة بل يكريها بالذهب أو الفضة كما تقرر ذلك . قوله " وبالاجماع تجوز الأجارة " الخ استدل المصنف رحمه الله بهذا على ما ذكره من الندب لأن العارية إذا لم تكن واجبة بالإجماع من غير فرق بين المزارعة وغيرها لم يجب على الأنسان أن يزرع أرضه بنفسه أو يعيرها أو يعطلها بل يجوز له أمر رابع وهو الأجارة لأنها بالإجماع والعارية لا تجب بالإجماع فلا تجب عليه وإذا انتفى الوجوب بقي الندب

أبواب الإجارة

باب ما يجوز الاستئجار عليه من النفع المباح

1 - عن عائشة في حديث الهجرة قالت " واستأجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر من بني الديل هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية وهو على دين كفار قريش وأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فاتاهما براحلتيمها صبيحة ليال ثلاث فارتحلا "
- رواه أحمد والبخاري

- قوله " واستأجر " الواو ثابتة في نفس الحديث الطويل لأن هذه القصة معطوفة على قصة قبلها وقد ساقها البخاري مستوفاة في الهجرة . قوله " الديل " بالكسر للدال حي من عبد القيس ذكره صاحب القاموس في مادة دول وذكر في مادة دأل أنه يطلق على قبائل وأنه يأتي بفتح الدال وبضمها وكعنب : قوله " خريتا " بكسر العجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة بفتح الهمزة وكسر الميم المخففة ضد الخيانة : قوله " غار ثور " هو الغار المذكور في التنزيل وثور جبل بمكة وليس هو الجبل الذي في المدينة المذكور في الحديث الصحيح إن المدين حرام ما بين عير إلى ثور وقد سبق الاختلاف فيه في كتاب الحج ( والحديث ) فيه دليل على جواز استئجار المسلم للكافر على هداية الطريق إذا أمن إليه وقد ذكر البخاري هذا الحديث في كتاب الاجارة وترجم عليه باب استئجار المشركين عند الضرورة وإذا لم يوجد أهل الأسلام فكأنه أراد الجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وآله وسلم " أنا لا أستعين بمشرك " أخرجه مسلم وأصحاب السنن قال ابن بطال الفقهاء يجيزون استئجارهم يعني المشركين عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من الذلة لهم وإ ما الممتنع أو يؤجر المسلم نفسه من المشرك لما فيه من الإذلال

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة "
- رواه أحمد الإسماعيلي وقد صوب ابن الجوزي وابن ناصر لتفسير الذي ذكره إبراهيم الحربي لكن رجح تفسير سويد بأن أهل مكة لا يعرفون بها يقال له قراريط وقد روى النسائي من حديث نصر بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون قال " افتخر أهل الإبل والغنم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث موسى وهو راعي غنم وبعث داود وهو راعي غنم وبعثت أنا راعي غنم أهلي بجياد " وزعم بعضهم أن في هذه الرواية ردا لتأويل سويد بن سعيد لأنه ما كان يرعى بالأجرة لأهله فيتعين أنه أراد المكان فعبر تارة بقراريط وتعقب بأنه لا مانع من الجمع وأنه كان يرعى لأهله بغير أجرة ولغيرهم بأجرة وهم المراد بقوله " أهل مكة " . ويؤيد تفسير سويد قوله على قراريط فإن المجيء بعلى يدل على ما قاله وينافي ذلك جعلها بمعنى الباء التي للسببية وأما جعلها بمعنى الباء التي للظرفية فبعيد . قال العلماء الحكمة في الهام رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرين برعيها على ما سيكلفونه من اقيام بأمر أمتهم لأن في مخالطتهم ما يحصل الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفريقها في الرعي وتفريقها في الرعي ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها وورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام به من أول وهلة لما يحصل لهم من التدرج وبذلك وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر دونها ( وفي الحديث ) دليل على جواز الإجارة على رعي الغنم ويلحق بها في الجواز غيرها من الحيوانات

3 - وعن سويد بن قيس قال " جلبت أنا ومخرمة العبدي بزامن هجر فأتينا به مكة فجائنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه وثم رجل يزن بالأجر فقال له زن وأرجح "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي وفيه دليل على أن من وكل رجلا في إعطاء شيء لآخر ولم يقدر جاز ويحمل على ما يتعارفه الناس في مثله ويشهد لذلك حديث جابر في بيعه جملة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يا بلال إقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا " . رواه البخاري ومسلم

4 - وعن رافع بن رفاعة قال " نهانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها وقال هكذا بإصابعه نحو الخبز والغزل والنقش "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث سويد بن قيس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرج نحوه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي صفوان بن عمير . وقد تقدم في كتاب اللباس وحديث رافع بن رفاعة اسناده ثقات ولكنه قال أبو القاسم الدمشقي الحافظ في افشراق عقب هذا الحديث رافع هذا غير معروف وقال غيره هو مجهول وقد أخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة لكن بدون قوله " إلا ما عملت بيدها " الخ : قوله " ومخرمة " بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الراء وهو حليف بني عبد شمس : قوله " بزا " بفتح الباء الموحدة بعدها زاي مشددة وهو الثياب وهجر بفتح الهاء والجيم وهي مدينة قرب البحرين بينها وبينها عشر مراحل . قوله " سراويل " معرب جاء على لفظ الجمع وهو واحد أشبه مالا ينصرف : قوله " بالأجر " أي بالأجرة وفيه دليل على جواز الاستئجار على الوزن لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الوزان أن يزن ثمن السراويل . قال أصحاب الشافعي وأجرة وزان الثمن على المشتري كما أن أجرة وازن السلعة إذا احتيج إليه على البائع : قوله " وأرجح " بفتح الهمزة وكسر الجيم أي أعطه راجحا وفيه وفي حديث جابر الذي بعده دليل على استحباب ترجيح المشتري في وزن الثمن ويقاس عليه ترجيح البائع في وزن المبيع أو كيله وفيهما أيضا دليل على جواز هبة المشاع وذلك لأن مقدار الرجحان هبة منه للبائع وهو غير متميز من الثمن وفيهما أيضا جواز التوكيل في الهبة المجهولة ويحمل على ما يتعارفه الناس كما قال المصنف وقد ذكر ههنا طرفا من حديث جابر وقد تقدم طرف منه في البيع : قوله " عن كسب الأمة " الكسب في الأصل مصدر تقول كسبت المال أكسبه كسبا والمراد به ههنا المكسوب وفي الموطأ عن عثمان أنه خطب فقال لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة فإنكم متى ما كلفتموها ذلك كسبت بفرجها ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنه إذا لم يجد سرق . وفي حديث " أنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كسب الأمة مخافة أن تبغي " وقد كانت الجاهلية تجعل عليهن ضرائب فيوقعهن ذلك في الزنا وربما أكرهوهن عليه فلما جاء الإسلام نهى عن ذلك ونزل قوله تعالى { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } الآية : قوله " وقال هكذا بأصابعه " يعني الثلاث والخبز بفتح الخاء وسكون الباء بعدها زاي يعني عجن العجين وخبزه والغزل غزل الصوف والقطن والكتان والشعر وقد روى الطبراني في الأوسط عن عائشة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور " وفي إسناده محمد بن إبراهيم الشامي قال الدارقطني كذاب . وأخرج الطبراني أيضا عن هند بنت المهلب بن أبي صفرة وهي امرأة الحجاج بن يوسف ان زياد بن عبد الله القرشي دخل عليها وبيدها مغزل تغزل به فقال لها تغزلين وأنت امرأة أمير فقالت سمعت أمي تحدث عن جدي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أطولكن طاقة أعظمكن أجرا " والمراد بالطاقة طاقة الغزل من الكتان أو القطن وفي إسناده يزيد بن مروان الخلال قال ابن معين كذاب . قوله " والنفش " بفتح النون وسكون الفاء . بعدها شين معجمة والمراد به نفش الصوف والشعر وندف القطن والصوف ونحو ذلك . وفي رواية النقش بالقاف وهو التطريز

باب ما جاء في كسب الحجام

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كسب الحجام ومهز البغى وثمن الكلب "
- رواه أحمد

2 - وعن رافع بن خديج " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كسب الحجام خبيث ومهر البغى خبيث وثمن الكلب خبيث "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه النسائي ولفظه " شر المكاسب ثمن الكلب وكسب الحجام ومهر البغي "

3 - وعن محيصة بن مسعود أنه كان له غلام حجام فزجره النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كسبه فقال لا أطعمه أيتامالى قال لا قال أفلا أتصدق به قال لا فرخص له أن يعلفه ناضحه "
- رواه أحمد . وفي لفظ " أنه استأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ي اجارة الحجام فنهاه عنها ولم يزل يسأله فيها حتى قال أعلفه ناضحك أو اطعمه رفيقك " رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن

- حديث أبي هريرة قال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح . وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط وأخرجه ايضا الحازمي في الناسخ والمنسوخ بلفظ " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من السحت مهر البغى وأجرة الحجام " ويشهد له ما أخرجه الحازمي أيضا عن ابن مسعود عقبة بن عمرو قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كسب الحجام " وحديث رافع أخرجه أيضا مسلم وحديث محيصة أخرجه أيضا مالك وابن ماجه قال في الفتح ورجاله ثقات وأخرج نحوه أحمد في مسنده من حديث جابر ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الحجام فقال أطعمه ناضحك " وقال في مجمع الزوائد أنه أخرج محديث محيصة المذكور أهل السنن الثلاث باختصار والطبراني في الأوسط قال في مجمع الزوائد أيضا ورجال أحمد رجال الصحيح : وقال في حديث جابر الذي ذكرناه أن رجاله رجال الصحيح . قوله " البغى " بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد الياء فعيل بمعنى فاعلة أو مفعولة وهي الزانية ومنه قوله تعالى { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } أي على الزنا وأصل البغى الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في طلب الفساد والزنا والمراد ماتكتسبه الأمة بالفجور لا بالصنائع الجائزة وقد قدمنا في أول كتاب البيع أنه مجمع على تحريم مهر البغى . قوله " وثمن الكلب " قد تقدم الكلام عليه في أول البيع وقد استدل بأحاديث الباب من قال بتحريم كسب الحجام وهو بعض أصحاب الحديث كما في البحر لأن النهي حقيقة في التحريم والخبيث حرام ويؤيد هذا تسمية ذلك سحتا كما في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه وذهب الجمهور من العترة وغيرهم إلى انه حلال وأحتجوا بحديث أنس وابن عباس الآتيين وحملوا النهي على التنزيه لأن في كسب الحجام دناءة والله يحب معالي الأمور ولأن الحجامة من الاشياء التي تجب للمسلم على المسلم للاعانة له عند الأحتياج إليها ويؤيد هذا أذنه صلى الله عليه وآله وسلم لما سأله عن الجرة الحجامة أن يطعم منها ناضحه ورقيقه ولو كانت حراما لما جاز الانتفاع بها بحال . ومن أهل هذا القول من زعم أن النهي منسوخ وجنح إلى ذلك الطحاوي وقد عرفت إن صحة النسخ متوقفة على العلم بتأخر الناسخ وعدم امكان الجمع بوجه والأول غير ممكن هنا والثاني ممكن بحمل النهي على كراهة التنزيه بقرينة أذنه صلى الله عليه وآله وسلم بالانتفاع في بعض المنافع وبإعطائه صلى الله عليه وآله وسلم الأجر لمن حجمه ولو كان حراما لما مكنه منه ويمكن أن يحمل النهي عن كسب الحجام على ما يكتسبه من بيع الدم فقد كانوا في الجاهلية يأكلونه ولا يبعد ان يشتروه للأكل فيكون ثمنه حراما ولكن الجمع بهذا الوجه بعيد فتيعين المصير إلى الجمع بالوجه الأول ويبقى الإشكال في صحة إطلاق اسم الخبث والسحت على المكروه وتنزيها . قال في القاموس الخبيث ضد الطيب وقال السحت بالضم وبضمتين الحرام أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار انتهى وهذا يدل على جواز إطلاق اسم الخبث والسحت على المكاسب الدنية وإن لم تكن محرمة والحجامة كذلك فيزول الإشكال . وجمع ابن العربي بين الأحاديث بأن محل الجواز إذا كانت الأجرة على عمل معلوم ومحل الزجر على ما إذا كانت على عمل مجهول . وحكى صاحب الفتح عن أحمد وجماعة الفرق بين أخر والعبد فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة وقالوا يحرم عليه الانفاق على نفسه منها ويجوز له الانفاق على الرقيق والدواب منها وأباحوها للعبد مطلقا وعمدتهم حديث محيصة لأنه أذن له صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلف منه ناضحه . والناضح اسم للبعير والبقرة التي ينطح عليها من البئر أو النهر ورواية الموطأ وأطعمه نضاحك بضم النون وتشديد الضاد جمع ناضح . قال ابن حبيب النضاح الذين يسقون النخيل واحده ناضح من الغلمان ومن الأبل وإنما يفترقون في الجمع فجمع الأبل نواضح والغلمان نضاح

3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فحففوا عنه "
- متفق عليه . وفي لفظ " دعا غلاما منا حجمه فأعطاه أجره صاعا أو صاعين وكلم مواليه أن يخففوا عنه من ضريبته " رواه أحمد والبخاري

4 - وعن ابن عباس " قال احتجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعطى الحجام أجره ولو كان سحتا لم يعطه "
- رواه أحمد والبخاري ومسلم . ولفظه " حجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد لبني بياضة فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجره وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته ولو كان سحتا لم يعطه النبي صلى الله عليه وآله وسلم "

- قوله " أبو طيبة " بفتح الطاء المهملة وسكون التحتية بعدها موحدة واسمه نافع : قوله " وأعطاه صاعين من طعام " في الرواية الأخرى صاعا أو صاعين . وفي رواية أبي داود " فأمر له بصاع من تمر " وفي رواية لمسلم " فأمر له بصاع أو مد أو مدين " على الشك : قوله " وكلم مواليه " في رواية أبي داود " فأمر أهله " والمراد بمواليه ساداته وجمع لكونه كان مملوكا لجماعة كما يدل على ذلك رواية مسلم " حجم النبي عبد لبنى بياضة " . قوله " فخفقوا عنه " في الكلام حذف والتقدير كلم مواليه أن يخففوا عنه فخففوا عنه كما في الرواية الأخرى . ولفظ أبي داود " فأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه " وفيه جواز للشفاعة للعبد إلى مواليه في تخفيف الخراج عنه : قوله " ولو كان سحتا " قد تقدم ضبطه وتفسير معناه في شرح الأحاديث التي قبل هذا . وفي رواية للبخاري " لو علم كراهة لم يعطه " يعني كراهة تحريم . وفي رواية له أيضا " ولو كان حراما لم يعطه " وذلك ظاهر في الجواز : قوله " من ضريبته " الضريبة تطلق على أمور منها غلة العبد كما في القاموس وهي بفتح المعجمة فعليه بمعنى مفعولة وجحعها ضرائب . ويقال لها خراج وغلة وأجر ( والحديثان ) يدلان على أن أجرة الحجامة حلال وقد قدمنا الخلاف في ذلك وما هو الحق

باب ما جاء في الأجرة على القرب

1 - عن عبد الرحمن بن شبل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " اقرؤا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به "
- رواه أحمد

2 - وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " اقرؤا القرآن واسألوا الله به فإن من بعدكم قوما يقرؤن القرآن يسالون به الناس "
- رواه أحمد والترمذي

3 - وعن أبي بن كعب قال " علمت رجلا القرآن فأهدى لي قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن أخذتها أخذت قوسا من نار فرددتها "
- رواه ابن ماجه . ولأبي داود وابن ماجه نحو ذلك من حديث عبادة بن الصامت " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان بن أبي العاص لا تتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا "

- أما حديث عبد الرحمن بن شبل فقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات . وأخرجه أيضا البزار ويشهد له أحاديث . منها حديث عمران بن حصين وأبي بن كعب المذكور أن الباب . ومنها حديث جابر عند أبي داود قال " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والعجمي فقال اقرؤا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه " ومنها حديث سهل ابن سعد عند أبي داود أيضا وفيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اقرؤه قبل أن يقرأه قوم يقيمونه كما يقام السهم يتعجل أجره ولا يتأجله " وأما حديث عمران بن حصين فقال الترمذي بعد اخراجه هذا حديث حسن ليس اسناده بذاك . وأما حديث أبي ابن كعب فأخرجه أيضا البيهقي والروياني في مسنده قال البيهقي وابن عبد البر هو منقطع يعني بين عطية الكلاعي وأبي بن كعب . وكذلك قال المزي وتعقبهم الحافظ بأن عطية ولد في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعله ابن القطان بالجهل بحال عبد الرحمن بن سلم الراوي عن عطية وله طرق عن أبي قال ابن القطان لا يثبت منها شيء قال الحافظ وفيما قال نظر وذكر المذى في ألأطراف له طرقا . منها أن الذي أقرأه أبي هو الطفيل بن عمرو ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن الطفيل بن عمرو الدوسى قال " أقرأني أبي بن كعب القرآن فأهديت إليه قوسا فغدا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقلدها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقلدها من جهنم قلت يا رسول الله انا ربما حضر طعامهم فأكلنا فقال أما ما عمل لك فإنما تأكله بخلاقك وأما ما عمل لغيرك فحضرته فأكلت منه فلا بأس " وما أخرجه الأثرم في سننه عن أبي قال " كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة قد احتبس في بيته أقرئه القرآن فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة فحاك في نفسي شيء فذكرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن كان ذلك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه وإن كان بحقك فلا تأكل " وأما حديث عبادة الذي أشار إليه المصنف فلفظه " قال علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت ليس بمال وارمي عليها في سبيل الله عز و جل لأتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا سألته فأتيته فقلت يا رسول الله إنه رجل أهدى إلي قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمى عليها في سبيل الله فقال إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها " وفي إسناده المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وتكلم فيه جماعة . وقال الإمام أحمد ضعيف الحديث حدث بأحاديث مناكير وكل حديث رفعه فهو منكر . وقال أبو زرعة الرازي لا يحتج بحديثه ولكنه قد روي عن عبادة من طريق أخرى عند أبي داود بلفظ " فقلت ما ترى فيها يا رسول الله فقال جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها " وفي هذه الطريق بقية من الوليد وقد تكلم فيه جماعة ووثقه الجمهور إذا روى عن الثقات . وقد أورد الحافظ حديث عبادة هكذا في كتاب النفقات من التلخيص وتكلم عليه فليراجع ( وفي الباب ) عن معاذ عند الحاكم والبزار بنحو حديث أبي وعن أبي الدرداء عند الدارمى بإسناد على شرط مسلم بنحوه أيضا . وأما حديث عثمان بن أبي العاص فقد تقدم الكلام عليه في الأذان . وقد استدل بأحاديث الباب من قال أنها لا تحل الأجرة على تعليم القرآن وهو أحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة والهادوية وبه قال عطاء والضحاك بن قيس والزهري وإسحاق وعبد الله بن شقيق وظاهره عدم الفرق بين أخذها على تعليم من كان صغيرا و كبيرا وقالت الهادوية إنما يحرم أخذها على تعليم الكبير لأجل وجوب تعليمه القدر الواجب وهو غير متعين ولا يحرم على تعليم الصغير لعدم الوجوب عليه وذهب الجمهور إلى أنها تحل الأجرة على تعليم القرآن وأجابوا عن أحاديث الباب بأجوبة . منها أن حديث أبي وعبادة قضيتان في عين فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصا لله فكره أخذ العوض عنه . وأما من علم القرآن على أنه لله وأن يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفسه فلا بأس به . وأما حديث عمران بن حصين فليس فيه إلا تحريم السؤال بالقرآن وهو غير إتخاذ الأجر على تعليمه وأما حديث عيد الرحمن بن شبل فهو أخص من محل النزاع لأن المنع من التأكل بالقرآن لا يستلزم المنع من قبول ما دفعه المتعلم بطيبة من نفسه
وأما حديث عثمان بن أبي العاص فالقياس للتعلم عليه فاسد الاعتبار لما سيأت هذا غاية ما يمكن أن يجاب به عن أحاديث الباب ولكنه لا يخفى أن ملاحظة مجموع ما تقضي به يفيد ظن عدم الجواز وينتهض للاستدلال به على المطلوب وإن كان في كل طريق من طرق هذه الأحاديث مقال فبعضها يقوي بعضا ويؤيد ذلك أن الواجبات إنما تفعل لوجوبها والمحرمات إنما تترك لتحريمها فمن أخذ على شيء من ذلك أجرا فهو من الآكلين لأموال الغير بالباطل لأن الإخلاص شرط ومن أخذ الأجرة غير مخلص والتبليغ للأحكام الشرعية واجب على كل فرد من الأفراد قبل قيام غيره به . ومن جملة ما أجاب به المجوزون دعوى النسخ بحديث ابن عباس الآتي وسيأتي الجواب عن ذلك واستدلوا على الجواز أيضا بما أخرجه الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقل يا رسول الله زوجينها إن لم يكن لك بها حاجة فقال صلى الله عليه وآله وسلم هل عندك من شيء تصدقها إياه فقال ما عندي إلا ازرارى هذه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أعطيتها أزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئا فقال ما أجد شيئا فقال التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل معك من القرآن شيء فقال نعم سورة كذا وسورة كذا يسميها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد زوحتكها بما معك من القرآن " وفي رواية " قدملكتكها بما معك من القرآن " ولمسلم " زوجتهكا تعلمها من القرآن " وفي رواية لأبي داود " علمها عشرين آية وهي امرأتك " ولأحمد " قد انكحتكها على ما معك من القرآن " وقد أجاب المانعون من الجواز عن هذا الحديث بأجوبة منها أنه زوجها به بغير صداق إكراما له لحفظه ذلك المقدار من القرآن ولم يجعل التعليم صداقا وهذا مردود برواية مسلم وأبي داود المذكورة . ومنها أن هذا مختص بتلك المرأة وذلك الرجل ولا يجوز لغيرهما ويدل على ذلك ما أخرجه سعيد بن منصور عن أبي النعمان الأزدي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوج امرأة على سورة من القرآن ثم قال لا يكون لأحد بعدك مهرا " ومنها أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يسم لها مهرا ولم يعطها صداعا وأوصى لا بذلك عند موته ويؤيده ما أخرجه أبو داود من حديث عقبة بن عامر " أنه صلى الله عليه وآله وسلم زوج رجلا امرأة ولم يفرض لها مهرا ولم يعطها شيئا فأوصى لها عند موته بسهمه من خيبر فباعته بمائة الف . ومنها أنها قضية فعل لا ظاهر لها . ومن حملة ما احتجوا به على الجواز حديث عمر بن الخطاب المتقدم في الزكاة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا اشراف نفس فخذه " الحديث ويجاب عنه بأنه عموم مخصص بأحاديث الباب

4 - وعن ابن عباس " أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال هل فيكم من راق فإن في الماء رجلا لديغا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فجاء بالشء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا يا رسول الله أخذ على كتاب الله اجرا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله "
- رواه البخاري

5 - وعن أبي سعيد قال " انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء فقال بعضهم لوأتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم بعض الشيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط أن سيدنا لدغ وسعينا بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء قال بعضهم إني والله لارقي ولكن واللذه لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من غنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم اقتسموا فقال الذي رقي لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنذكر له الذي كان فننظر الذي يأمرنا فقدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا له ذلك فقال وما يدريك أنها رقية ثم قال قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم سهما وضحكالنبي صلى الله عليه وآله وسلم " . رواه الجماعة إلا النسائي وهذا لفظ البخاري وهو أتم

- قوله " فيهم لدغ " اللديغ بالدال المهملة والغين المعجمة هو اللسيع وزنا ومعنى واللدغ اللسع وأما اللذع بالذال المعجمة والعين المهملة فهو الإحراق الخفيف واللدغ المذكور في الحديث هو ضرب ذات الحمة من حية أو عقرب أو غيرهما وأكثر ما يستعمل في العقرب وقد صرح الأعمش في روايته بالعقرب . قوله " أو سليم " هو اللديغ أيضا قوله " أن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " استدل به الجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وأجيب عن ذلك بأن المراد بالأجر هنا الثواب ويرد بأن سياق القصة يأبى ذلك وادعى بعضهم نسخة بالأحاديث السابقة وتعقب بأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال وبأن الأحاديث القاضية بالمنع وقائع أعيان محتملة للتأويل لتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب وبأنها مما لا تقوم به الحجة فلا تقوى على معارضة ما في الصحيح وقد عرفت مما سلف أنها تنتهض للاحتجاج بها على المطلوب والجمع ممكن أما بحمل الأجر المذكور ههنا على الثواب كما سلف وفيه ما تقدم أو المراد أخذ الأجرة على الرقية فقط كما يشعر به السياق فيكون مخصصا للأحاديث القاضية بالمنع أو بحمل الأجر هنا على عمومه فيشمل الأجر على الرقية والتلاوة والتعليم ويخص أخذها على التعليم بالأحاديث المتقدمة ويجوز ما عداه وهذا أظهر وجوه الجمع فينبغي المصير إليه قوله " فاستضافوهم " أي طلبوا منهم الضيافة . وفي رواية للترمذي أنهم ثلاثون رجلا : قوله " فلم يضيفوهم " بالتشديد للأكثر وبكسر الضاد المعجمة مخففا . قوله " فسعوا له بكل شيء " أي مما جرت العادة أن يتداوى به من اللدغة . قوله " إني والله لارقى " ضبطه صاحب الفتح بكسر القاف والرقية كلام يستشفى به من كل عارض . قال في القاموس والرقية بالضم العوذة الجمع رقي ورقاه رقيا ورقيا ورقيه نفث في عوذته . قوله " جعلا " بضم الجيم وسكون المهملة ما يعطي على عمل . قوله " على قطيع " قال ابن التين هو طائفة من الغنم وتعقب بأن القطيع هو الشيء المنقطع من غنم كان أو من غيرها : قال بعضهم الغالب استعماله فيما بين العشرة والأربعين . وفي رواية للبخاري " انا نعطيكم ثلاثين شاة " وهو مناسب لعدد الرهط المذكور سابقا فكأنهم جعلوا لكل رجل شاة : قوله " يتفل " بضم الفاء وكسرها وهو نفخ معه قليل بزاق وقد سبق تحقيقه في الصلاة قال ابن أبي جمرة محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق . قوله " ويقرأ الحمد لله رب العالمين " فيرواية " أنه قرأها سبع مرات " وفي أخرى " ثلاث مرات " والزيادة أرجح قوله " نشط " بضم النون وكسر المعجمة من الثلاثي كذا لجميع الرواة : قال الخطابي وهو لغة والمشهور نشط إذا عقد وأنشط إذا حل واصله الأنشوطة بضم الهمزة والمعجمة بينهما نون ساكنة وهي الحبل والعقال بكسر المهملة بعدها قاف هو الحبل الذي يشد به ذراه البهيمة . قوله " وما به قلبة " بفتح القاف واللام أي علة وسميت العلة قلبة لأن الذي تصيبه يقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء قاله ابن الأعرابي . ومنه قول الشاعر . وقد برئت فما بالصدر من قلبه . وحكي عن ابن الأعرابي أن القلبة داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيؤلمه قلبه فيموت من يومه قوله " فقال الذي رقى " بفتح القاف : قوله " وما يدريك أنها رقية " قال الداودي معناه وما أدراك وقد روى كذلك ولعله هو المحفوظ لأن ابن عيينة قال إذا قال وما يدريك فلم يعلم وإذا قال وما أدراك فقد علم وتعقبه ابن التين بأن ابن عيينه إنما قال ذلك فيما وقع في القرآن وإلا فلا فرق بينهما في اللغة في نفي الدراية وهي كلمة تقال عند التعجب من لاشيء وتستعمل في تعظيم الشيء أيضا وهو لائق هنا كما قال الحافظ . وفي رواية بعد قوله " وما يدر بك أنها رقية قلت القي في روعي " وللدارقطني " قلت با رسول الله القي في روعي " وذلك ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقي بالفاتحة : قوله " ثم قال قد أصبتم " يحتمل أن يكون صوب فعلهم في الرقية ويحتمل أن يكون ذلك في توقفهم عن التصرف في الجعل حتى استأذنوه ويحتمل ما هو أعم من ذلك : قوله " واضربوا لي معكم سهما " أي إجعلوا منه نصيبا وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد المبالغة في تأنيسهم كما وقع في قصة الحمار الوحشي وغير ذلك ( وفي الحديث ) دليل على جواز الرقية بكتاب الله تعالى ويلتحق بما كان بالذكر والدعاء المأثور وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور : وأما الرقي بغير ذلك فليس في الأحاديث ما يثبته ولاما ينفيه إلا ما سيأتي في حديث خارجة . وفي حديث أبي سعيد مشروعية الضيافة على أهل البوادي والنزول على مياه العرب وطلب ما عندهم على سبيل القرى أو الشراء وفيه مقابلة من امتنع من المكرمة بنظير صنعه وفيه الأشتراك في العطية وجواز طلب الهدية ممن يعلم رغبته في ذلك واجابته إليه

6 - وعن خارجة بن الصلت عن عمه " أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أقل راجعا من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله أنا قد حدثنا ان صاحبكم هذا قد جاء بخير فهل عندك شيء تداويه وقال فرقيته فاتحة الكتاب ثلاثة أيام كل يوم مرتين فبرأ فأعطوني مائتي شاة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فقال خذها فلعمري من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق "
- رواه أحمد وأبو داود . وقد صح " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوج امرأة رجلا على أن يعلمها سورا من القرآن " ومن ذهب إلى الرخصة لهذه الأحاديث حمل حديث أبي وعبادة على أن التعليم كان قد يتعين عليهما وحمل فيما سواهما من الأمر والنهي على الندب والكراهة

- حديث خارجة أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح الا خارجة المذكور وقد وثقه ابن حبان . وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه . وحديث تزويج المرأة قد ذكرناه في أول الباب . قوله " عن عمه " هو علاقة بن صحار بضم الصاد وتخفيف الحاء المهملة التميمي الصحاب وقال خليفة هو عبد الله بن عثير بكسر العين المهملة وسكون المثلثة بعدها مثناة تحتية مفتوحة ثم راء مهملة . وقيل اسمه علاثة ويقال سحار بالسين والأول أكثر : قوله " ثلاثة أيام " لفظ أبي داود ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل : قوله " فلعمري " اقسم بحياة نفسه كما اقسم الله بحياته والعمر والعمربفتح العين وضمها واحد الا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لا يثار الأخف وذلك لأن الحلف كثير الدور على ألسنتهم ولذلك حذفوا الخبر وتقديره لعمرك مما أقسم كما حذفوا الفعل في قولك بالله : قوله " برقية باطل " أي برقية كلام باطل فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والرقى الباطلة المذمومة هي التي كلامها كفر أو التي لا يعرف معناها كالطلاسم المجهولة المعنى : قوله " على أن يعلمها سورا من القرآن " قد تقدم الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث وتحقيق ماهو الحق والأحاديث المذكورة في هذا الباب تدل على أنه يجوز للانسان ان يسترقي ويحمل الحديث الوارد في الذين يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذي لا يرقون ولا يسترقون على بيان الأفضلية واستحباب التوكل والاذن لبيان الجواز ويمكن أن يجمع بحمل الأحاديث الدالة ترك الرقية على قوم كانوا يعتقدون نفعها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية يزعمون في أشياء كثيرة

باب النهي أن يكون النفع والأجر مجهولا وجواز استئجار الأجير بطعامه وكسوته

1 - عن أبي سعيد قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن استئجار الاجير حتى يبين له أجره وعن النجش واللمس وإلقاء الحجر "
- رواه أحمد

2 - وعن أبي سعيد أيضا قال " نهى عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان "
- رواه الدارقطني وفسر قوم فقيز الطحان بطحن الطعام بجزء منه مطحونا لما فيه من استحقاق طحن قدر الأجرة لكل واحد منهما على الآخر وذلك متناقض . وقيل لا بأس بذلك مع العلم بقدره وإنما المنهي عنه طحن الصبرة لا يعلم كلها بقفيز منها وإن شرط حبا لان ماعداه مجهول فهو كبيعها الا قفيزا منها

3 - وعن عتبة بن الندر " فقال كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ طس حتى بلغ قصة موسى عليه السلام فقال إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه "
- رواه أحمد وابن ماجه

- حديث أبي سعيد الأول قال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح الا أن إبراهيم النخعي لم يسمع من أبي سعيد فيما احسب اه وأخرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق وإسحاق في مسنده وأبو داود في المراسيل والنسائي في الزراعة غير مرفوع ولفظ " من استأجر أجيرا فليسم له أجرته " وحديثه الثاني أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده هشام أبو كليب قال ابن القطان لا يعرف . وكذا قال الذهبي وزاد وحديثه منكر . وقال مغلطاي هو ثقة وأورده ابن حبان في الثقات . وحديث عتبة بن الندر بضم النون وتشديد المهملة في إسناده مسلمة بن علي الحسني وهو متروك وقيل اسمه مسلم والأول أصح : قوله " حتى يبين له أجره " فيه دليل لمن قال إنه يجب تعيين قدر الأجرة وهم العترة والشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال مالك وأحمد بن حنبل وابن شبرمة لا يجب للعرف واستحسان المسلمين . قال في البحر قلنا لانسلم بل الإجماع على خلافه اه ويؤيد القول الأول القياس على ثمن المبيع : قوله " وعن النجش " إلى آخر الحديث قد تقدم الكلام على ذلك في البيع وإلقاء الحجر هو بيع الحصاة الذي تقدم تفسيره وإذا أخذ النهي عن النجش على عمومه صح الاستدلال به على عدم جواز الاستئجار عليه ولكنه يبعد ذلك عطف اللمس وإلقاء الحجر عليه . قوله " نهى عن عسب الفحل " قد سبق ضبطه وتفسيره في البيع والمراد به الكراهة كما قال الجوهري يقال عسبت الرجل أي أعطيته الكراء وقيل ماء الفحل نفسه لقول زهير
ولولا عسبه لتركتموه ... وشر منيحة فحل معار
وقد ذهبت الشافعية والحنفية والعترة إلى أنه لا يجوز تأخير الفحل للضراب . وقال مالك وابن أبي هريري يصح كالاعارة وهو قياس فاسد الأعتبار . قوله " وعن قفيز الطحان " حكى الحافظ في التلخيص عن ابن المبارك أحد رواة الحديث بأن صورته أن يقال للطحان اطحن بكذاوكذا وزيادة قفيز من نفس الطحين وقد استدل بهذا الحديث أبو حنيفة والشافعي ومالك والليث والناصر على أنه لا يجوز أن تكون الأجرة بعض المعمول بعد العمل . وقالت الهادوية والامام يحيى والمزني أنه يصح بمقدار منه معلوم وأجابوا عن الحديث بأن مقدار القفيز مجهول أو أنه كان الاستئجار على طحن صبة بقفيز منها بعد طحنها وهو فاسد عندهم : قوله " وطعام بطنه " فيه متمسك لمن قال بجواز الاستئجار بالنفقة ومثلها الكسوة وهو أبو حنيفة والامام يحيى . وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد والهادوية والمنصور بالله لا يصح للجهالة

باب الاستئجار على العمل مياومة أو مشاهرة أو معاومة أو معاددة

1 - عن علي رضي الله عنه قال " جعت مرة جوعا شديدا فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فطننتها تريد بله فقاطعتها كل ذنوب على تمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي ثم أتيتها فعدت لي ست عشرة تمرة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فأكل معي منها "
- رواه أحمد

2 - وعن أنس " لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء فكانت الأنصار أهل الارض والعقار فقاسمهم الأنصار على ان أعطوهم نصف ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة "
- أخرجاه قال البخاري وقال ابن عمر أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الأجارة بعد ما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- حديث عليه عليه السلام جود الحافظ إسناده وأخرجه ابن ماجه بسند صححه ابن السكن . وأخرج البيهقي وابن ماجه من حديث ابن عباس بلفظ " أن عليا عليه السلام أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة وعندهما إن عدد التمر سبعة عشر " وفي إسناده حنش راوية عن عكرمة وهو ضعيف : قوله " ذنوبا " هو لدلو مطلقا أو التي فيها ماء أو الممتلئة أو التي هي غير ممتلئة أفاد معنى ذلك في القاموس . وقد قدمنا تحقيقه في أول هذا الشرح : قوله " مجلت " بكسر الجيم أي غلطت وتنفطت وبفتح الجيم غلظت فقط . قال في القاموس مجلت يده كنصر وفرح مجلا ومجولا نفطت من العمل فمرنت كامجلت وقد أمجلها العمل أو المجل أن يكون بين الجلد واللحم ماء أو المجلة جلدة رقيقة يجتمع فيها ماء من أثر العمل . وحديث علي عليه السلام فيه بيان ما كانت الصحابة عليه من الحاجة وشدة الفاقة والصبر على الجوع وبذل الأنفس واتعابها في تحصيل القوام من العيش للتعفف عن السؤال وتحمل المتنن وان تأجير النفس لا يعد دناءة وإن كان المستأجر غير شريف أو كافرا والأجير من أشراف الناس وعظمائهم . وأورده المصنف للاستدلال به على جواز الاجارة معاددة يعني ان يفعل الأجير عددا معلوما من العمل بعدد معلوم من الأجرة وإن لم يبين في الأبتداء مقدار جميع العمل والأجرة . وحديث أنس فيه دليل على جواز اجارة الأرض بنصف الثمرة الخارجة منها في كل عام وكذلك حديث ابن عمر وقد تقدم بسط الكلام على اجارة الأرض وما يصح منها ومالا يصح في المزارعة

باب ما يذكر في عقد الأجارة بلفظ البيع

1 - عن سعيد بن ميناء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال من كان له فضل أرض فيزرعها أو لزرعها أخاه ولا تبيعوها قيل لسعيد مالا تبيعوها يعني الكراء قال نعم "
- رواه أحمد ومسلم
- قد تقدم الكلام على ما اشتمل عليه الحديث في المزارعة وأعاده المصنف ههنا للاستدلال له على صحة إطلاق لفظ البيع على الأجارة وهو مجاز من باب إطلاق الحكم على الشيء وهو لما هو من الأشياء التابعة له كإطلاق البيع هنا على الأرض وهو لمنفعتها

باب الأجير على عمل متى يستحق الأجرة وحكم سراية عمله

1 - عن أبي هريرة " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الله عز و جل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره "
- رواه أحمد والبخاري

2 - وعن أبي هريرة في حديث له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه يغفر لامته في آخر ليلة من رمضان قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر قال لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله "
- رواه أحمد

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن "
- رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه

- حديث أبي هريرة الثاني أخرجه أيضا البزار وفي إسناده هشام بن زياد أبو المقدام وهو ضعيف . وحديث عمرو بن شعيب قال أبو داود بعد إخراجه هذا لم يروه إلا الوليد بن مسلم لا يدري هو صحيح أم لا . وأخرجه النسائي مسندا ومنقطعا ( وفي الباب ) عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن " أخرجه أبو داود وفي إسناده مجهول لا يعلم هل له صحبة أم لا : قوله " ثلاثة أنا خصمهم " قال ابن التين هو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين الا أنه أراد التشديد على هولاء بالتصريح والخصم يطلق على الواحد والاثنين وعلى أكثر من ذلك . وقال الهروي الواحد بكسر أوله قال الفراء الأول قول الفصحاء ويجوز في الاثنين خصمان وفي الثلاثة خصوم . وقوله " ومن كنت خصمه خصمته " هذه الزيادة ليست في صحيح البخاري ولكنه أخرجها أحمد وابن حبان وابن خزيمة والإسماعيلي . قوله " أعطى بي ثم غدر " المفعول محذوف والتقدير أعطى يمينه بن أي عاهد وحلف بالله ثم لم يف : قوله " باع حرا وأكل ثمنه " خص الأكل لأنه أعظم مقصود وفي رواية لأبي داود ورجل اعتبد محررهوهو أعم من الأول في الفعل وأخص منه في المفعول . قال الخطابي اعتباد الحر يقع بأمرين أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحده والثاني أن يستخدمه كرها بعد العتق والأول أشدهما قال في الفتح والأول أشد لأن فيه مع كتم الفعل أو جحده العمل بمقتضى ذلك مع البيع وأكل الثمن فمن ثم كان الوعيد عليه أشد . قال المهلب وإنما كان إثمه شديدا لأن المسلمين اكفاء بالحرية فمن بباع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له والزمه الذي أنقذه الله منه . وقال ابن الجوزي الحر عبد الله فيمن جني عليه فخصمه سيده قال ابن المنذر لم يختلفوا في أن من باع حرا أنه لا يقطع عليه يعني إذا لم يسرقه من حرز مثله إلا ما يروى عن علي عليه السلام أنه تقطع يد من باع حرا قال وكان في جواز بيع الحر خلاف قديم ثم ارتفع فروى عن علي رضي الله عنه أنه قال من أقر على نفسه بأنه عبد فهو عبد . وروى ابن أبي شيبة من طريق قتادة أن رجلا باع نفسه فقضى عمر بأنه عبد وجعل ثمنه في سبيل الله . ومن طريق زرارة ابن حزم أن الحر كان يباع في الدين حتى نزلت { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ونقل عن الشافعي مثل ذلك ولا يثبت أكثر أصحابه . وقد استقر الإجماع على المنع . قوله " ولم يوفه أجره " هو في معنى من باع حرا وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض فكأنه أكلها ولأنه استخدمه بغير أجرة فكأنه استعبده . قوله " إنما يوفى أجره إذا قضي عمله " فيه دليل على أن الأجرة تستحق بالعمل وأما الملك فعند العترة وأبي حنيفة وأصحابه إنما تملك بالعقد فتتبعها أحكام الملك . وعند الشافعي وأصحابه أنها تستحق بالعقد وهذا في الصحيحة وأما الفاسدة فقال في البحر لا تحب بالعقد إجماعا وتجب بالاستيفاء إجماعا : قوله " فهو ضامن " فيه دليل على أن متعاطي الطب يضمن ما حصل من الجناية بسبب علاجه وأما من علم منه أنه طبيب فلا ضمان عليه وهو من يعرف العلة ودوائها وله مشايخ في هذه الصناعة شهدوا له بالحذق فيها وأجازوا له المباشرة

كتاب الوديعة والعارية

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا ضمان على مؤتمن "
- رواه الدارقطني

- الحديث قال الحافظ في إسناده ضعف وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عنه بلفظ " ليس على المستعير غير المغل ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان " وقال إنما نروي هذا عن شريح غير مرفوع . قال الحافظ وفي اسناده ضعيفان . قوله " الوديعة " هي في اللغة مأخوذة من السكون يقال ودع الشيء يدع إذا سكن فكأنها ساكنة عند المودع وقيل مأخوذة من الدعة وهي خفض العيش لأنها غير مبتذلة بالانتفاع . وفي الشرع العين التي يضعها مالكها عند آخر ليحفظها وهي مشروعة إجماعا . والعارية بتشديد الياء قال في النهاية كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار ويجمع على عوارى مشددا . وفي الشرع إباحة منافع العين بغير عوض وهي أيضا مشروعة إجماعا . قوله " لا ضمان على مؤتمن " فيه دليل على أنه لا ضمان على من كان أمينا على عين من الأعيان كالوديع والمستعير أما الوديع فلا يضمن قيل إجماعا إلا لجناية منه على العين . وقد حكى في البحر الإجماع على ذلك وتأول ما حكي عن الحسن البصري أن الوديع لا يضمن إلا بشرط الضمان بأن ذلك محمول على ضمان التفريط لا الجناية المتعمدة والوجه في تضمينه الجناية أنه صار بها خائنا والخائن ضامن لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " ولا على المستودع غير المغل ضمان " والمغل هو الخائن وهكذا يضمن الوديع إذا وقع منه تعد في حفظ العين لأنه نوع من الخيانة وأما العارية فذهبت العترة والحنفية والمالكية إلى أنها غير مضمونة على المستعير إذا لم يحصل منه تعد . وقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء والشافعي وأحمد وإسحاق وعزاه صاحب الفتح إلى الجمهور أنها إذا تلفت في يد المستعير ضمنها إلا فيما إذا كان ذلك على الوجه المأذون فيه . وعن حسن البصري والنخعي والأوزاعي وشريح والحنفية أنها غير مضمونة . وأن شرط الضمان وعند العترة وقتادة والعنبري أنه إذا شرط الضمان كانت مضمونة وحكى في البحر عن مالك والبتي أن غير الحيوان مضمون أو الحيوان غير مضمون واستدل من قال أنه لا ضمان على غير المعتدي بما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ليس على المستعير غير المغل ضمان " وبقوله " لا ضمان على مؤتمن " وبما أخرجه ابن ماجه عن ابن عمرو بلفظ " من أودع وديعة فلا ضمان عليه " وفي إسناده المثنى ابن الصباح وهو متروك وتابعه ابن لهيعة فيما ذكره البيهقي . وبما أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان من حديث أبي أمامة أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في حجة الوداع العارية مؤداة والزعيم غارم وتعقب بأن التصريح بضمان الزعيم لا يدل على عدم ضمان المستعير . واستدل من قال بالضمان بحديث سمرة الآتي وبقوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ولا يخفى أن الأمر بتأدية الأمانة لا يستلزم ضمانها إذا تلفت . واستدل من فرق بين الحيوان وغيره بحديث صفوان الآتي ولا يخفى أن دلالته على أن غير الحيوان مضمون لا يستفاد منها أن حكم الحيوان بخلافه

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك "
- رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وصححه وفي إسناده طلق بن غنام عن شريك واستشهد له الحاكم بحديث أبي التياح عن أنس . وفي إسناده أيوب بن سويد مختلف فيه وقد تفرد به كما قال الطبراني وقد استنكر حديث الباب أبو حاتم الرازي . وأخرجه أيضا البيهقي ومالك ( وفي الباب ) عن أبي بن كعب عند ابن الجوزي في العلل المتناهية وفي إسناده من لا يعرف . وأخرجه أيضا الدارقطني . وعند أبي أمامة عند البيهقي والطبراني بسند ضعيف . وعن أنس عند الدارقطني والطبراني والبيهقي وأبي نعيم . وعن رجل من الصحابة عند أحمد وأبي داود والبيهقي وفي إسناده مجهول آخر غير الصحابي لأن يوسف ابن ماهك رواه عن فلان عن آخر وقد صححه ابن السكن . وعن الحسن مرسلا عند البيهقي . قال الشافعي هذا الحديث ليس ثابت . وقال ابن الجوزي لا يصح من جميع طرقه . وقال أحمد هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح ولا يخفى أن وروده بهذه الطرق المتعددة مع تصحيح إمامين من الأئمة المعتبرين لبعضها وتحسين أمام ثالث منهم مما يصير به الحديث منتهضا للاحتجاج . قوله " ولا تخن من خانك " فيه دليل على أنه لا يجوز مكافأة الخائن بمثل فعله فيكون مخصصا لعموم قوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وقوله تعالى { ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ( والحاصل ) أو الأدلة القاضية بتحريم مال الآدمي ودمه وعرضه عمومها مخصص بهذه الثلاث الآيات . وحديث الباب مخصص لهذه الآيات فيحرم من مال الآدمي وعرضه ودمه ما لم يكن عن طريق المجازاة فإنها حلال إلا الخيانة لأنها لا تحل ولكن الخيانة إنما تكون في الأمانة كما يشعر بذلك كلام القاموس فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث على أنه لا يجوز لمن تعذر عليه استيفاء حقه حبس حق خصمه على العموم كما فعله صاحب البحر وغيره إنما يصح الاستدلال به على أنه لا يجوز للإنسان إذا تعذر عليه استيفاء حقه أن يحبس عنده وديعة لخصمه أو عارية مع أن الخيانة إنما تكون على جهة الخديعة والخفية وليس محل نزاع من ذلك ومما يؤيد الجواز اذنه صلى الله عليه وآله وسلم لامرأة أبي سفيان أن تأخذ لها ولولدها من مال زوجها ما يكفيها كما في الحديث الصحيح . وقد اختلف في مسألة الحبس المذكورة فذهب الهادي إلى أنه لا يجوز مطلقا لا من الجنس ولا من غيره . قال المؤيد بالله أن قول الهادي مسبوق بالإجماع وقال الشافعي والمنصور بالله يجوز من الجنس وغيره . وقال أبو حنيفة والمؤيد بالله يجوز من الجنس فقط . وقال الإمام يحيى يجوز من الجنس ثم من غيره لتعذره دينا . قال في البحر بعد حكاية الخلاف قلت الأقرب اشتراط الحاكم حيث يمكن للخبر يعني حديث الباب فإن تعذر جاز الحبس وغيره لئلا تضيع الحقوق ولظواهر الآى

3 - وعن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال على اليد ما أخذت حتى تؤديه "
- رواه الخمسة إلا النسائي زاد أبو داود والترمذي قال قتادة ثم نسي الحسن فقال هو أمينك لا ضمان عليه يعني العارية

- الحديث صححه الحاكم وسماع الحسن من سمرة فيه خلاف مشهور قد تقدم وفيه دليل على أنه يجب على الإنسان رد ما أخضته يده من مال غيره باعارة أو اجارة أو غيرهما حتى يرده إلى مالكه وبه استدل من قال بأن الوديع والمستعير ضامنان وقد تقدم الخلاف في ذلك وهو صالح للاحتجاج به على التضمين لأن المأخوذ إذا كان على اليد الآخذة حتى ترده فالمراد أنه في ضمانها كما يشعر لفظ على من غير فرق بين مأخوذ ومأخوذ . وقال المقبلي في المنار يحتجون بهذا الحديث في مواضع على التضمين ولا أراه صريحا لأن اليد الأمينة أيضا عليها ما أخذت حتى ترد وإلا فليست بأمينة
ومستخبر عن سر ليلى تركته بعمياء من ليلى بغير يقين
يقولون خبرنا فأنت أمينها وما أنا أن خبرتهم بأمين
إنما كلامنا هل يضمنها لو تلفت بغير جناية وليس الفرق بين المضمون وغير المضمون إلا هذا . وأما الحفظ فمشترك وهو الذي تفيده على فعلي هذا لم ينس الحسن كما زعم قتادة حين قال هو أمينك لا ضمان عليه بعد رواية الحديث اه ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام من قلة الجدوى وعدم الفائدة وبيان ذلك أن قوله لأن اليد الأمينة عليها ما أخذت حتى ترد وإلا فليست بأمينة يقتضي الملازمة بين عدم الرد وعدم الأمانة فيكون تلف الوديعة والعارية بأي وجه من الوجوه قبل الرد مقتضيا لخروج الأمين عن كونه أمينا وهو ممنوع فإن المقتضى لذلك إنما هو التلف بخيانة أو جناية ولا نزاع في أن ذلك موجب للضمان إنما النزاع في تلف لا يصير به الأمين خارجا عن كونه أمينا كالتلف بأمر لا يطاق دفعه أو بسبب سهو أو نسيان أو بآفة سماوية أو سرقة أو ضياع بلا تفريط فإنه يوجد التلف في هذه الأمور مع بقاء الأمانة . وظاهر الحديث يقتضي الضمان وقد عارضه ما أسلفنا . وقال في ضوء النهار إن الحديث إنما يدل على وجوب تأدية غير التالف والضمان عبارة عن غرامة التالف اه ولا يخفى أن قوله في الحديث " على اليد ما أخذت " من المقتضى الذي يتوقف فهم المراد منه على مقدر وهو إما الضمان أو الحفظ أو التأدية فيكون معنى الحديث على اليد ضمان ما أخذت أو حفظ ما أخذت أو تأدية ما أخذت ولا يصح ههنا تقدير التأدية لأنه قد جعل قوله حتى تؤديه غاية لها والشيء لا يكون غاية لنفسه . وأما الضمان والحفظ فكل واحد منهما صالح للتقدير ولا يقدران معالما تقرر من أن المقتضى لا عموم له فمن قدر الضمان أوجبه على الوديع والمستعير ومن قدر الحفظ أوجبه عليهما ولم يوجب الضمان إذا وقع التلف مع الحفظ المعتبر وبهذا تعرف أن قوله إنما يدل الحديث على وجوب التأدية لغير التالف ليس على ما ينبغي وأما مخالفة رأي الحسن لروايته فقد تقرر في الأصول أن العمل بالرواية لا بالرأي

4 - وعن صفوان بن أمية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعار منه يوم حنين أدرعا فقال أغصبا يا محمد قال بل عارية مضمونة قال قضاع بعضها فعرض عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يضمنها له فقال أنا اليوم في الإسلام أرغب "
- رواه أحمد وأبو داود

5 - وعن أنس بن مالك قال " كان فزع بالمدينة فاستعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرسا من أبي طلحة يقال له المندوب فركبه فلما رجع قال ما رأينا من شيء وان وجدناه لبحرا "
- متفق عليه

- حديث صفوان أخرجه أيضا النسائي والحاكم وأورد له شاهدا من حديث ابن عباس ولفظه " بل عارية مؤداة " وفي رواية لأبي داود " أن الأدراع كانت ما بين الثلاثين إلى الأربعين " ورواه البيهقي عن أمية بن صفوان مرسلا وبين أن الأدراع كانت ثمانين . ورواه الحاكم من حديث جابر وذكر أنها مائة درع " وأعل ابن حزم وابن القطان طرق هذا الحديث يعلي بن أمية وقد تقدم في كتاب الوكالة : قوله " أغصبا " معمول لفعل مقدر هو مدخول الهمزة أي أتأخذها غصبا لا تردها علي فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم بقوله بل عارية مضمونة فمن استدل بهذا الحديث على أن العارية مضمونة جعل لفظ مضمونة صفة كاشفة لحقيقة العارية أي أن شأن العارية الضمان جعل لفظ مضمونة صفة مخصصة أي استعيرها منك عارية متصفة بأنها مضمونة لا عارية مطلقة عن الضمان : قوله " فعرض عليه أن يضمنها " فيه دليل على أن الضياع من أسباب الضمان لا على أن مطلق الضياع تفريط وأنه يوجب الضمان على كل حال لاحتمال أن يكون تلف ذلك البعض وقع فيه تفريط . قوله " فزع " أي خوف من عدو وأبو طلحة المذكور هو زيد بن سهل زوج أم أنس قوله " يقال له المندوب " قيل سمي بذلك من الندب وهو الرهن عند السباق . وقيل لندب كان في جسمه وهو أثر الجرح : قوله " وان وجدناه لبحرا " قال الخطابي ان هي النافية واللام بمعنى الا أي ما وجدناه الا بحرا . قال ابن التين هذا مذهب الكوفيين وعند البصرين ان ان مخففة من الثقيلة واللام زائدة قال الأصمعي . يقال للفرس بحر إذا كان واسع الجري أو لأن جريه لا ينفد كما لا ينفد البحر ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري بلفظ " فكان بعد ذلك لا يجارى "

6 - وعن ابن مسعود قال " كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عارية الدلو والقدر "
- رواه أبو داود

- الحديث سكت عنه أبو داود وحسنه المنذري . وروى عن ابن مسعود وابن عباس أنهما فسرا قوله تعالى { وينعون الماعون } أنه متاع البيت الذي يتعاطاه الناس بينهم من الفاس والدلو والحبل والقدر وما أشبه ذلك . وعن عائشة المعاون الماء والنار والملح وقيل المعاون الزكاة قال الشاعر :
قوم على الاسلام لما يمنعوا ... ماعونهم ويضيعوا التهليلا
قال في الكشاف وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار وقبيح في المروءة في غير حال الضرورة . وأخرج أبو داود والنسائي عن بهيسة بضم الموحدة وفتح الهاء وسكون الياء التحتية بعدها سين مهملة الفزارية عن أبيها قالت " أستأذن أبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل بينه وبين قميصة فجعل يقبله ويلتزم ثم قال يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال أن تفعل الخير خير لك " . وسيأتي حديث بهيسة هذا في باب اقطاع المعادن من كتاب احياء الموات . ورورى ابن أبي حاتم عن قرة بن دعموس النميري " أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله ما تعهد إلينا قال لا تمنعوا الماعون قالوا يا رسول الله وما الماعون قال في الحجر والحديد وفي الماء قالوا فأي الحديد قال قدوركم النحاس وحديد الفأس الذي تمتهون به قالوا وما الحجر قال قدوركم الحجارة " وهذا حديث غريب . وروري عن عكرمة " أن رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والأبرة " وروى ابن أبي حاتم أن الماعون العواري واصل الماعون من المعن وهو الشيء القليل فسمي الزكاة ماعونا لأنها قليل من كثير وكذلك الصدقة وغيرها وهذه التفاسير ترجع كلها إلى شيء واحد وهو المعاونة بمال أو منفعة ولهذا قال محمد بن كعب الماعون المعروف . وفي الحديث " كل معروف صدقة "

7 - وعن عائشة " أنها قالت وعليها درع قطري ثمن خمسة دراهم كان لي منهن درع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما كانت امرأة تقين بالمدينة إلا أرسلت إلي تستعيره "
- رواه أحمد والبخاري

- قوله " درع " الدرع قميص المرأة وهو مذكر . قال الجوهري ودرع الحديد مؤنثه وحكى أبو عبيدة أنه أيضا يذكر ويؤنث . قوله " قطري " بكسر القاف وسكون المهملة بعداها راء وفي رواية المستملي والسرخسي بضم القاف وسكون المهملة وآخره نون والقطري نسبة إلى القطر وهي ثياب من غليظ القطن وغيره . وقيل من القطن خاصة تعرف بالقطرية فيها حمة قال الأزهري الثياب القطرية منسوبة إلى قطر قرية من البحرين فكسروا القاف للنسبة وخففوا . قوله " ثمن خمس دارهم " بنصب ثمن بتقدير فعل وخمسة بالخفض على الأضافة أبو برفع ثمن وخمسة على حذف الضمير والتقدير ثمنه خمسة . وروى بضم أوله وتشديد الميم على لفظ الماضي ونصب خمسة على نزع الخافض أي قوم بخمسة دراهم . قوله " تقين " بالقاف والتحتانية المشددة أي تزين من قال الشيء قيانة أي أصلحه والقنية يقال للماشطة وللمغنية . وحكى ابن التين أنه روى تفنن بالفاء أي تعرض وتجلى على زوجها . قال في الفتح ولم يضبط ما بعد الفاء ورأيته بخط بعض الحفاظ بمثناة فوقانية . قال ابن الجوزي أرادت عائشة أنهم كانوا أولا في حال ضيق فكان الشيء المحتقر عندهم أذ ذاك عظيم القدر وفي الحديث إن عارية الثياب للعرس أمر معمول به مرغب فيه وأنه لا يعد من التشيع

4 - وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال مامن صاحب إبل ولا بقر ولاغنم لا يؤدي حقها الا اقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن ليس فيها يؤمئذ جماء ولا مكسورة القرن قلنا يا رسول الله وما حقها قال اطراق فحلها واعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله "
- رواه أحمد ومسلم

- الحديث قد سبق شرح بعض ألفاظه في أول كتاب الزكاة : قوله " اطراق فحلها " أي عارية الفحل لمن أراد أن يستعيره من مالكه ليطرق به على ما شيته : قوله " واعارة دلوها " أي من حقوق الماشية أن يعير صاحبها الدلو الذي يسقيها به إذا طلبه منه من يحتاج إليه : قوله " ومنحتها " بالنون والمهملة والمنحة في الأصل العطية قال أبو عبيدة المنحة عند العرب على وجهين أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه فيكون له والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنائم يردها والمراد بها هنا عارية ذوات الألبان ليؤخذ لبنها ثم ترد لصاحبها : قال القزاز قيل لا تكون المنيحة الاناقة أو شاة والأول أعرف : قوله " وحلبها على الماء " بالحاء المهملة في جميع الروايات وأشار الداودي إلى أنه رورى بالجيم وقال أراد أنها تساق إلى موضع سقيها وتعقب بأنه لو كان كذلك يقال وحلبها إلى الماء لا على الماء وإنما المراد حلبها هناك لنفع من يحضر من المساكين . قوله " حمل عليها " الخ أي من حقها أن يبذلها المالك لمن أراد أن يستعيرها لينتفع بها في الغزو

كتاب إحياء الموات

1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له "
- رواه أحمد والترمذي وصححه . وفي لفظ " من أحاط حائطا على أرض فهي له " رواه أحمد وأبو داود . ولأحمد مثله من رواية سمرة

2 - وعن سعيد بن زيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق " رواه أحمد وأبو داود والترمذي

3 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عمر ارضا ليست لأحد فهو أحق بها "
- رواه أحمد والبخاري

4 - وعن أسمر بن مضرس قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبايعته من سبق إلى مالم يسبق إليه مسلم فهو له قال فخرج الناس يتعادون يتخاطون "
- رواه أبو داود

- حديث جابر أخرجه بنحوه النسائي وابن حبان . وحديث سمرة أخرجه أيضا أبو داود والطبراني والبيهقي وصححه ابن الجارود وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه خلاف ولفظه منأحاط حائطا على الأرض فهي له . وحديث سعيد أخرجه أيضا النسائي وحسنه الترمذي وأعله بالإرسال فقال وروى مرسلا ورجح الدارقطني إرساله أيضا . وقد اختلف مع ترجيح الإرسال من هو الصحابي الذي روى من طريقه فقيل جابر . وقيل عائشة . وقيل عبد الله بن عمر ورجح الحافظ الأول وقد اختلف فيه على هشام بن عروة اختلافا كثيرا . ورواه أبو داود الطيالسي من حديث عائشة وفي إسناده زمعة وهو ضعيف ورواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنديهما من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وعلقه البخاري زحديث أسمر بن مضرس صححه الضياء في المختارة وقال البغوي لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث . قوله " من أحيا أرضا ميتة " الأرض الميتة هي التي لم تعمر شبهت عمارتها بالحياة وتعطيلها بالموت والإحياء أن يعمد شخص إلى أرض لم يتقدم ملك عليها لأحد فيحيها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه كما يدل عليه أحاديث الباب وبه قال الجمهور وظاهر الأحاديث المذكورة أنه يجوز الإحياء سواء بإذن الإمام أو بغير إذنه . وقال أبو حنيفة لا بد من إذن الإمام وعن مالك يحتاج إلى اذن الإمام فيما لأهل القرية إليه حاجة من مرعى ونحوه وبمثله قالت الهادوية . قوله " من أحاط حائطا " فيه أن التحويط على الأرض من جملة ما يستحق به ملكها والمقدار المعتبر ما يسمى حائطا في اللغة : قوله " وليس لعرق ظالما حق " قال في الفتح رواية الأكثر بتنوين عرق وظالم نعت له وهو راجع إلى صاحب العرق أي ليس لذي عرق ظالم أو إلى العرق أي ليس لعرق ذي ظالم . ويروى بالإضافة ويكون الظالم صاحب العرق ويكون المراد بالعرق الأرض ويا لاول جزم مالك والشافعي والأزهري وابن فارس وغيرهم وبالغ الخطابي فغلط رواية الإضافة . وقال ربيعة العرق الظالم يكون ظاهر أو يكون باطنا فالباطن ما احتفره الرجل من الآبار . واستخرجه من المعادن والظاهر ما بناه أو غرسه . وقا لغيره العرق الظالم من غرس أو زرع أو بنى أو حفر في أرض غيره بغير حق ولا شبهة : قوله " من عمر أرضنا " بفتح العين وبتخفيف الميم ووقع في البخاري من أعمر بزيادة الهمزة في أوله وخطئ راويها . وقال ابن بطال يمكن أن يكون اعتمر فسقطت التاء من النسخة وقال غيره قد سمع فيه الرباعي يقال أعمر الله بك منزلك . ووقع في رواية أبي ذر من أعمر بضم الهمزة أي أعمره بغيره . قال الحافظ وكأن المراد بالغير الإمام . قوله " يتعادون " يتخاطون المعاداة الإسراع بالسير والمراد بقوله يتخاطون يعلمون على الأرض علامات بالخطوط وهي تسمى الخطط واحدتها خطة بكسر الخاء وأصل الفعل يتخاططون فأدغمت الطاء في الطاء والتقييد بالمسلم في حديث أسمرة يشعر بأن المراد بقوله في حديث عائشة " ليست لأحد " أي من المسلمين فلا حكم لتقدم الكافر أما إذا كان حربيا فظاهر وأما الذمي ففيه خلاف معروف

باب النهي عن منع فضل الماء

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا تنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ "
- متفق عليه . ولمسلم " لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ " . وللبخاري " لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ "

2 - وعن عائشة قالت " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يمنع نقع البئر "
- رواه أحمد وابن ماجه

3 - وعن مرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال منع فضل مائة أو فضل منعه الله عز و جل فضله يوم القيامة "
- رواه أحمد

4 - وعن عبادة بن الصامت " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بين أهل المدينة في النخل أن لا يمنع نقع بئر وقضي بين أهل البادية أن لا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند

- حديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الخزاعي وهو ثقة وقد ضعفه بعضهم لكن حديث أبي هريرة يشهد لصحة الأحاديث المذكورة بعده ومما يشهد لصحتها حديث جابر عند مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن فضل بيع الماء " وحديث إياس بن عبد عند أهل السنن بنحوه وصححه الترمذي . وقال أبو الفتح القشيري هو على شرطهما ولكن حديث عمرو بن شعيب في إسناده ليث بن أبي سليم وقد رواه الطبراني في الصغير من حديث الأعمش عن عمرو بن شعيب ورواه في الكبير من حديث وائلة بلفظ آخر وإسناده ضعيف وحديث عائشة رواه ابن ماجه من طريق عبد الله بن إسماعيل وهو ابن أبي خالد الكوفي قال أبو حاتم مجهول وكذا قال في التقريب قوله " فضل الماء " المراد به ما زاد على الحاجة ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بلفظ " ولا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه " قال في الفتح وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة . وكذلك في الموات إذا كان لقصد التملك والصحيح عند الشافعية ونص عليه في القديم وحرملة أن الحافر يملك ماءها وأما البءر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق لا التملك فإن الحافر لا يملك ماءها بل يكون أحق به إلى أن يرتحل . وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته والمراد حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته هذا هو الصحيح عند الشافعية وخص المالكية هذا الحكم بالموات وقالوا في البئر التي لا تملك لا يجب عليه بذل فضلها وأما الماء المحرز في الإناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح اه . قال في البحر والماء على أضرب . حق إجماعا كالأنهار غير المستخرجة والسيول . وملك إجماعا كماء يحرز في الجرار ونحوها . ومختلف فيه كماء الآبار والعيون والقنا المحتفرة في الملك اه والقنا هي في الفتح القاف الكظامة التي تحت الأرض وسيأتي ذكر الخلاف في ذلك . قالابن بطال لا خلاف بين العلماء إن صاحب الحق أحق بمائه حتى يروى . قال الحافظ وما نفاه من الخلاف هو على القول بإن الماء يملك فكأن الذين يذهبون إلى أنه يملك وهم الجمهور هم الذين لا خلاف عندهم في ذلك وقد استدل بتوجه النهي إلى الفضل على جواز بيع الماء الذي لا فضل فيه وقد تقدم الكلام على ذلك في البيع . قوله " ليمنع به الكلأ " بفتح الكاف والام بعدها همزة مقصورة وهو النبات رطبة ويابسة والمعنى أن يكون حول البءر كلأ ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا مكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعم من الرعي وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب لأنه إذا منعهم من الشرب امتنعوا من الرعي هناك ويحتمل أن يقال يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم والصحيح الأول ويلتحق بذلك الزرع عند مالك والصحيح عند الشافعية وبه قالت الحنفية الاختصاص بالماشية وفر الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع وبهذا أجاب النووي وغيره واستدل لمالك بحديث جابر المتقدم لإطلاقه وعدم تقييده وتعقب بأنه يحمل على المقيد وعلى هذا لو لم يكن هناك كلأ يرعى فلا منع من المنع لانتقاء العلة . قال الخطابي والنهي عند الجمهور للتنزيه وهو محتاج إلى دليل صرف النهي عن معناه الحقيقي وهو التحريم . قال في الفتح وظاهر الحديث وجوب بذله مجانا وبه قال الجمهور وقيل لصاحبه طلب القيمة من المحتاج إليه كما في طعام المضطر وتعقب بأنه يلزم منه جواز البيع حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة ورد بمنع الملازمة فيجوز أن يقال يجب عليه البذل وتثبت له القيمة في ذمة المبذول له فيكون له أخذ القيمة منه متى أمكن ولكنه لا يخفى أن رواية لا يباع فضل الماء ورواية النهي عن بيع فضل الماء يدلان على تحريم البيع ولو جاز له العوض لجاز له البيع . قوله " نقع البئر " أي الماء الفاضل فيها عن حاجة صاحبها . وفيه دليل على أنه لا يجوز منع فضل الماء الكائن في البئر كما لا يجوز منع فضل ماء النهر وأنه لا فرق بينهما والنقع بفتح النون وسكون القاف بعدها عين مهملة

باب الناس شركاء في الثلاث وشرب الأرض العليا قبل السفلى إذا قل الماء أو اختلفوا فيه

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يمنع الماء والنار والكلأ "
- رواه ابن ماجه

2 - وعن أبي خراش عن بعض أصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمون شركاء في ثلاثة في الماء والكلأ والنار "
- رواه أحمد وأ [ و داود ورواه ابن ماجة من حديث ابن عباس وزاد فيه " وثمنه حرام "

- حديث أبي هريرة قال الحافظ إسناده صحيح وحديث بعض الصحابة رواه أبو نعيم في الصحابة في ترجمة أبي خراش لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الحافظ وهو كما قال فقد سماه أبو داود في روايته حبان بن زيد وهو الشرعبي تابعي معروف . قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات . وحديث ابن عباس فيه عبد الله بن خراش وهو متروك وقد صححه ابن السكن ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند الخطيب وزاد والملح وفيه عبد الحكيم بن ميسرة ورواه الطبراني بسند حسن \ عن زيد بن جبير عن ابن عمرو له عنده طريق أخرى وعن بهيسة عن أبيها عند أبي داود وقد تقدم لفظه في شرح حديث ابن مسعود من كتاب الوديعة والعارية وسيأتي في باب اقطاع المعادن . وعن عائشة عند ابن ماجة " أنها قالت يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح والماء والنار " الحديث . وإسناده ضعيف كما قال الحافظ . وعن أنس عند الطبراني في الصغير بلفظ " خصلتان لا يحل منعهما الماء والنار " قال أبو حاتم في العلل هذا حديث منكر . وعن عبد الله بن سرجس عند العقيلي في الضعفاء نحو حديث بهيسة : قوله " الماء " فيه دليل على أن الناس شركة في جميع أنواع الماء من غير فرق بين المحرز وغيره وقد تقدم في الباب الأول أن الماء المحرز في الجرار ونحوها ملك إجماعا ومن لازم الملك الاختصاص وعدم الاشتراك بين غيره منحصرين كما يقضي به الحديث فإن صح هذا الإجماع كان مخصصا لأحاديث الباب . وأما ماء الأنهار فقد تقدم أنه حق بالإجماع واختلف في ماء الآبار والعيون والكظائم فعند الشافعية والحنفية وأبي العباس وأبي طالب أنه حق لا ملك واستدلوا بأحاديث الباب . وقال الإمام يحيى والمؤيد بالله في أحد قوليه وبعض أصحاب الشافعي أنه ملك وقاسوه على الماء المحرز في الجرار ونحوها فورد بأنه بالسيول أشبه منه بماء الجرة ونحوها قال في البحر فصل ومن احتفر بئرا أو نهرا فهو أحق بمائة إجماعا وإن بعدت منه أرضه وتوسط غيرها اه واختلف في ماء البرك فقيل حق وقيل ملك : قوله " والنار " قيل المراد بها الشجر الذي يحبطه الناس وقيل المراد بها الاستصباح منها والاستضاءة بضوئها . وقيل المراد بها الحجارة التي توري النار إذا كانت في موات الأرض وإذا كان المراد بها الضوء فلا خلاف أنه لا يختص به صاحبه وكذلك إذا كان المراد بها الحجارة المذكورة وإن كان المراد بها الشجر فالخلاف بيه كالخلاف في الحطب وسيأتي : قوله " والكلأ " قد تقدم تفسيره في الباب الذي قبل هذا وهو أعم من الخلا والحشيش لأن الخلا مختص بالرطب من النبات والحشيش مختص باليابس والكلأ يعمهما قيل المراد بالكلأ هنا هو الذي يكون في المواضع المباحة كالأودية والجبال والأراضي التي لا ملك لها . وأما ما كان قد أحرز بعد قطعه فلا شركة فيه بالإجماع كما قيل . وأما النابت في الأرض المملوكة والمتحجرة ففيه خلاف فقيل مباح مطلقا وإليه ذهبت الهادوية وقيل تابع للأرض فيكون حكمه حكمها وإليه ذهب المؤيد بالله ( واعلم ) أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها فتدل على الاشتراك في الأمور الثلاثة مطلقا ولا يخرج شيء من ذلك إلا بدليل يخص به عمومها إلا بما هو أعم منها مطلقا كالأحاديث القاضية بأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسه " لأنها مع كونها إنما تصلح للاحتجاج بها بعد ثبوت الملك وثبوته في الأمور الثلاثة محل النزاع

3 - وعن عبادة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في شرب النخل من السبيل أن الأعلى يشرب قبل الأسفل ويترك الماء إلى الكعبين ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه وكذا حتى تنقضي الحوائط أو يفنى الماء "
- رواه ابن ماجة وعبد الله ابن أحمد

4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في سيل مهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل "
- رواه أبو داود ابن ماجه

- حديث عبادة أخرجه أيضا البيهقي والطبراني وفيه انقطاع وحديث عمرو ابن شعيب في إسناده عبد الرحمن بن الحرث المخزومي المدني تكلم فيه الإمام أحمد وقال الحافظ في الفتح إن إسناد هذا الحديث حسن ورواه الحاكم في المستدرك من حديث عائشة أنه قضى صلى الله عليه وآله وسلم في سيل مهزور أن الأعلى يرسل إلى الأسفل ويحبس قدر الكعبين وأعله الدارقطني بالوقف وصححه الحاكم ورواه ابن ماجه وأبو داود من حديث ثعلبة بن أبي مالك ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن أبي حاتم القرظي عن أبيه عن جده أنه سمع كبراءهم يذكرون " أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مهزور السيل الذين يقسمون ماءه فقضى بينهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الماء إلى الكعبين لا يحبس إلا على الأسفل " قوله " مهزور " بفتح الميم وسكون الهاء بهدعا زاي مضمومة ثم واو ساكنة ثم راء وهو وادي بن قريظة بالحجاز . قال البكري في المعجم هو واد من أودية المدينة . وقيل موضع سوق المدينة وكان قد تصدق به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين فأقطعه عثمان الحرث بن الحكم أخامر وأقطع مروان فدك . وقال ابن الأثير والمنذري أما مهزور بتقديم الراء على الزاي فموضع سوق المدينة ( وأحاديث الباب ) تدل على أن الأعلى تستحق أرضه الشرب بالسيل والغيل وماء البئر قبل الأرض التي تحتها وأن الأعلى يمسك الماء حتى يبلغ إلى الكعبين أي كعبي رجل الإنسان الكائنين عند مفصل الساق والقدم ثم يرسله بعد ذلك . وقال في البحر أن الماء إذا كان قليلا فحده أن يعم أرض الأعلى إلى الكعبين في النخيل وإلى الشراك في الزرع لقضائه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك في خبرة عبادة يعني المذكور في الباب قال وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم للزبير " اسق أرضك حتى يبلغ الجدر " فقيل عقوبة لخصمه وقيل بل هو المستحق وكان أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالتفضيل فإن كانت الأرض بعضها مطمئن فلا يبلغ في بعضها الكعبين إلا وهو في المطمئن إلى الركبتين قدم المطمئن إلى الكعبين ثم حبسه وسقى باقيها . وقال أبو طالب العبرة بالكفاية للأعلى اه وهو المختار عند الهادوية . قال ابن التين الجمهور على أن الحكم أن يمسك إلى الكعبين وخصه ابن كنانة بالنخل والشجر قال وأما الزرع فالى الشراك وقال الطبري الأراضي مختلفة فيمسك لكل ارض ما يكفيها وسيأتي بقية الكلام على هذه المسألة في شرح حديث الزبير أن شاء الله تعالى وقد أورده المصنف رحمه الله في باب النهي عن الحكم في حال الغضب من كتاب الأقضية

باب الحمى لدواب بيت المال

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى النقيع للخيل خيل المسلمين "
- رواه أحمد . والنقيع بالنون موضع معروف

2 - وعن الصعب بن جثامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى النقيع وقال لا حمى إلا لله ولرسوله "
- رواه أحمد وأبو داود وللبخاري منه " لا حمى إلا لله ولرسوله وقال بلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى النقيع وأن عمر حمى شرف والربذة "

3 - وعن أسلم مولى عمر " أن عمر استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمي فقال يا هني أضمم جناحك على المسلمين واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة وإياي ونعم بن عوف ونعم بن عفان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع ورب الصريمة ورب الغنيمة إنما تهلك ماشيتهما يأتيني ببنية يقول يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك فالماء والكلأ أيسر على من الذهب والورق وأيم الله أنهم ليرون أني قد ظلمتهم أنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليم من بلادهم شيئا "
- رواه البخاري

- حديث ابن عمر أخرجه أيضا ابن حبان وحديث الصعب أخرجه أيضا الحاكم قال البيهقي أن قول حمى النقيع من قول الزهري وروى الحديث النسائي فذكره الموصول فقط أعني قوله " لا حمى إلا لله ولرسوله " ويؤيد ما قاله البيهقي أن أبا داود أخرجه من حديث ابن وهب عن يونس عن الزهري فذكره وقال في آخره قال ابن شهاب وبلغني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمي النقيع وقدورهم الحاكم فزعم أن حديث لا حمى إلا لله متفق عليه وهو من إفراد البخاري وتبع الحاكم في وهمه أبو الفتح القشيري في الإلمام وابن الرفعة في المطلب . وأثر عمر أخرجه أيضا الشافعي عن الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه مثله . وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلا . قوله " حمي النقيع " أصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل مخصبا استعوى كلبا على مكان عال فالى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه والحمى هو المكان المحمي . وهو خلاف المباح ومعناه أن يمنع من الإحياء في ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ وترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها والنقيع هو بالنون كما ذكر المصنف وحكى الخطابي أن بعضهم صحفه فقال بالموحدة وهو على عشرين فرسخا من المدينة وقدره ميل في ثمانية أميال ذكر ذلك ابن وهب في موطئه وأصل النقيع كل موضع يستنقع فيه الماء وهذا النقيع المذكور في هذا الحديث غير نقيع الخضمات الذي جمع فيه اسعدين زرارة بالمدينة على المشهور كما قال الحافظ . وقال ابن الجوزي إن بعضهم قال إنهما واحد قال والأول أصح : قوله " لا حمي الا لله ولرسوله " قال الشافعي يحتمل معنى الحديث شيئين أحدهما ليس لأحد أن يحمي المسلمين إلا ما حماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والآخر معناه الا على ما حماه عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فعلى الأول ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي وعلى الثاني يختص الحمى بمن قام مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الخليفة خاصة . قال في الفتح وأخذ أصحاب الشافعي من هذا إن له في المسألة قولين والراجح عندهم الثاني والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ اه ومن أصحاب الشافعي من الحق بالخليفة ولاه الأقاليم . قال الحافظ ومحل الجواز وطلقا أن لا يضر بكافة المسلمين اه وظاهر قوله في الحديث الأول للخيل خيل المسليمن أنه لا يجوز للامام على فرض الحاقة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحمي لنفسه وإلى ذلك ذهب مالك والشافعية والحنفية والهادوية قالوا بل يحمي لخيل المسلمين وسائر أنعامهم ولا سيما أنعام من ضعف منهم من الانتجاع كما فعله عمر في الأثر المذكور . وقد ظن بعضهم أن بين الأحاديث القاضية بالمنع من الحمى والأحاديث القاضية بجواز الأحياء معارضة ومنشأ هذا الظن عدم الفرق بينهما وهو فاسد فإن الحمى أخص من الأحياء مطلقا . قال ابن الجوزي ليس بين الحديثين معارضة فالحمى المنهى عنه ما يحمى من الموات الكثيرة العشب لنفسه خاصة كفعل الجاهلية والاحياء المباح مالا منفعة للمسلمين فيه شاملة فافترقا قال وإنما تعد أرض الحمى مواتا لكونها لم يتقدم فيها ملك لأحد لكنها تشبه العامرة لما فيها من المنفعة العامة . قوله " وإن عمر حمى شرف " لفظ البخاري الشرف بالتعريف قال في الفتح والشرف بفتح المعجمة والراء بعدها فاء في المشهور . وذكر عياض أنه عند البخاري بفتح المهملة وكسر الراء . وقال في الموطأ ابن وهب بفتح المهملة والراء قال وكذا رواه بعض رواة البخاري أو أصلحه وهو الصواب . وأما سرف فهو موضع بقرب مكة ولا يدخله الالف واللام : قوله " والربذة " بفتح الراء والموحدة بعدها ذال معجمة موضع معروف بين مكة والمدينة . وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن عمر حمى الربذة لنعم الصدقة : قوله " هنيا " بضم الهاء وفتح النون وتشديد التحتية : قوله " الصربمة " تصغير صرمة وهي ما بين العشرين إلى الثلاثين من الأبل أو من العشر إلى الأربعين منها

باب ما جاء في اقطاع المعادن

1 - عن ابن عباس قال أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلال بن الحرث المزني معادن القبلية جلسيها وغوريها وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم "
- رواه أحمد وأبو داود وروياه أيضا من حديث عمرو بن عوف المزني

2 - وعن أبيض بن حمال " أنه وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم استقطعه الملح فقطع له فلما أن ولي قال رجل أتدري ما أقطعت له إنما أقطعته الماء العد قال فانتزعه منه قال وسأله عما يحمي من الأراك فقال ما لم تنله خفاف الأبل "
- رواه الترمذي وأبو داود . وفي رواية له " أخفاف الأبل " قال محمد بن الحسن المخزومي يعني أن الأبل تأكل منتهى رؤوسها ويحمى ما فوقه

3 - وعن بهيسة قالت استأذن أبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يدنو منه ويلتزمه ثم قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يانبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح قال يانبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال أن تفعل الخير خير لك "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث ابن عباس في إسناده أبو أويس عبد الله بن عبد الله أخرج له مسلم في الشواهد وضعفه غير واحد . قال أبو عمر هو غريب من حديث ابن عباس ليس يرويه عن أبي أويس غير ثور . وحديث عمرو بن عوف الذي أشار إليه المصنف في إسناده ابن انبه كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده وقد تقدم أنه لا يحتج بحديثه . وحديث أبيض بن حمال أخرجه أيضا ابن ماجه والنسائي وحسنه الترمذي وصححه ابن حابن وضعفه ابن القطان ولعل وجه التضعيف كونه في إسناده السبائي المازني قال ابن عدي أحاديثه مظلمة منكرة . وحديث بهيسة أعله عبد الحق والقطان بأنها لا تعرف وتعقب بأنه ذكرها ابن حبان وغيره في الصحابة ولحديثه شواهد قد تقدمت في كتاب الوديعة والعارية عند الكلام على حديث ابن مسعود في الماعون : قوله " القبلية " منسوبة إلى قبل بفتح القاف والموحدة وهي ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام . وفي رواية لأبي داود معادن القبلية وهي من ناحية الفرع وقد تقدم مثل هذا التفسير في باب ما جاء في الزرع والمعدن من كتاب الزكاة لأن حديث اقطاع بلال تقدم هنالك بلفظ غير ما هنا . وقال في القاموس والقبل محركة نشر من الأرض يستقبلك أو رأس كل أكمة أو جبل أو مجتمع رمل والمحجة الواضحة اه قوله " جلسيها " بفتح الجيم وسكون اللام وكسر السين المهملة بعدها ياء النسب والجلس كل مرتفع من الأرض ويطلق على أرض نجد كما في القاموس . قوله " وغوريها " بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وكسر الراء نسبة إلى غور قال في القاموس إن الغور يطلق على ما بين ذات عرق إلى البحر وكل ما انحدر مغربا عن تهامة وموضع منخفض بين القدس وحوران مسيرة ثلاثة أيام في عرض فرسخين وموضع في ديار بني سليم وماء لبني العدوية اه والمراد ههنا المواضع المرتفعة والمنخفضة من معادن القبلية . قوله " من قدس " بضم القاف وسكون الدال المهملة بعدها سين مهملة وهو جبل عظيم بنجد كما في القاموس . وقيل الموضع المرتفع الذي يصلح للزرع كما في النهاية . قوله " العد " بكسر العين المهملة وتشديد الدال المهملة أيضا قال في القاموس الماء الذي له مادة لا تنقطع كماء العين اه وجمعه أعداد وقيل العد ما يجمع ويعد ورده الأزهري ورجح الأول ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولمن بعده من الأئمة اقطاع المعادن والمراد بالاقطاع جعل بعض الأراضي الموات مختصة ببعض الأشخاص سواء كان ذلك معدنا أو أرضا لما سيأتي فيصير ذلك البعض أولى به من غيره ولكن بشرط أن يكون من الموات التي لا يختص بها أحد وهذا أمر متفق عليه . وقال في الفتح حكى عياض ان الاقطاع تسويغ الامام من مال الله شيئا لمن يراه أهلا لذلك وأكثر ما يستعمل في الأرض وهو أن يخرج منها لمن يراه ما يحوزه إما بأنيملكه اياه فيعمره وإما أن يجعل له غلته مدة . قال السبكي والثاني هو الذي يسمى في زماننا هذا اقطاعا ولم أر أحدا من أصحابنا ذكره وتخرجه على طريق فقهي مشكل قال والذي يظهر أنه يحصل للمقطع بذلك اختصاص كاختصاص المتحجر ولكنه لا يملك الرقبة بذلك وبهذا جزم الطبري وادعى الأذرعي نفى الخلاف في جواز تخصيص الامام بعض الجند بغلة أرضه إذا كان مستحقا لذلك هكذا في الفتح . وحكى صاحب الفتح أيضا عن ابن التين أنه إنما يسمى اقطاعا إذا كان من أرض أو عقار وإنما يقطع من الفئ ولا يقطع من حق مسلم ولا معاهد قال وقد يكون الاقطاع تمليكا وتغير تمليك وعلى الثاني يحمل اقطاعه صلى الله عليه وآله وسلم الدور بالمدينة . قال الحافظ كأنه يشير إلى ما أخرجه الشافعي مرسلا ووصله الطبري إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة أقطع يعني أنزل المهاجرين في دور الأنصار برضاهم : قوله " قال محمد ابن الحسن " الخ ذكر الخطابي وجها آخر فقال إنما يحمى من الاراك ما بعد عن حضرة العمارة فلا تبلغه الأبل الرائحة إذا أرسلت في الرعي اه وحديث بهيسة يدل على أنه لا يحل منع الماء والملح وقد تقدم الكلام في الماء وأما الملح فظاهر الحديث عدم الفرق بين ما كان في معدنه أو قد أنفصل عنه ولا فرق بين جميع أنواعه الصالحة للانتفاع بها

باب إقطاع الأراضي

1 - عن أسماء بنت أبي بكر في حديث ذكرته قالت " كنت أنقل النوي من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأسى وهو مني على ثلثي فرسخ "
- متفق عليه . وهو حجة في سفر المرأة اليسير بغير محرم

2 - وعن ابن عمر قال " اقطع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الزبير حضر فرسه وأجرى الفرس حتى قام ثم رمى بسوطه فقال اقطعوه حيث بلغ السوط "
- رواه أحمد وأبو داود

3 - وعن عمرو بن حريث قال " خط لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دارا بالمدينة بقوس وقال أزيدك "
- رواه أبو داود

4 - وعن وائل بن حجر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطعه أرضا بحضرموت وبعث معاوية ليقطعها اياه "
- رواه الترمذي وصححه

5 - وعن عروة بن الزبير " أن عبد الرحمن بن عوف قال اقطعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا فذهب الزبير إلى آل عمران فاشترى نصيبه منهم فأتى عثمان بن عفان فقال أن عبد الرحمن بن عوف زعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقطعه وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا وإني اشتريت نصيب آل عمر فقال عثمان عبد الرحمن جائز الشهادة له وعليه "
- رواه أحمد

6 - وعن أنس قال " دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأنصار ليقطع لهم البحرين فقالوا يا رسول الله إن فعلت فأكتب لأخواننا في قريش بمثلها فلم يكن ذلك عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إنكم سترون بعدي أثرة فأصبروا حتى تلقوني "
- رواه أحمد والبخاري

- حديث ابن عمر في إسناده عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وفيه مقال وهو أخو عبيد الله بن عمر العمري وحديث عمرو بن حريث سكت عنه أبو داود والمنذري وحسن إسناده الحافظ . ولفظ أبي داود " أزيدك أزيدك " مرتين . وحديث وائل بن حجر أخرجه أيضا أبو داود والبيهقي وابن حبان والطبراني . وحديث عروة بن الزبير لم أجد لغيره أحمد ولم أجده في باب الاقطاع من مجمع الزوائد مع أنه يذكر كل حديث لأحمد خارج عن الأمهات الست . قوله " من أرض الزبير " الخ يمكن أن تكون هذه الأرض هي المذكورة في حديث ابن عمر المذكور بعده في البخاري في أخر كتاب الخمس من حديث أسماء " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير " وفي سنن أبي داود عن أسماء " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقطع الزبير نخلا " قوله " حضر فرسه " بضم الحاء المهملة وإسكان الضاد المعجمة وهو العدو . قوله " وبعث معاوية " أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " ليقطع لهم البحرين " قال الخطابي يحتمل أنه أراد الموات منها ليتملكوه بالأحياء ويحتمل أنه أراد العامر منها لكن في حقه من الخمس لأنه كان ترك أرضها فلم يقسمها وتعقب بأنها فتحت صلحا وضربت على أهلها الجزية فيحتمل أن يكون المراد أنه أراد أن يخصهم بتناول جزيتها وبه جزم إسماعيل القاضي . ووجهه ابن بطال بأن أرض الصلح لا تقصم فلا تملك . قال في الفتح والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يخص الأنصار بما يحصل من البحرين أما الناجز يوم عرض ذلك عليهم لأنهم كانوا صالحوا عليها وأما بعد ذلك إذا وقعت الفتوح فخراج الأرض أيضا وقد وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في عدة أراض بعد فتحها وقبل فتحها . منها إقطاعه تميما الدار ببت إبراهيم فلما فتحت في عهد عمر نجز ذلك لتميم واستمر في أيدي ذريته من ابنته رقية وبيدهم كتاب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وقصته مشهورة ذكرها ابن سعد وأبو عبيد في كتاب الأموال وغيرها . قوله " فلم يكن عنده ذلك " يعني بسبب قلة الفتوح وأغرب ابن بطال فقال معناه أنه لم يرد فعل ذلك لأنه أقطع المهاجرين ارض بني النضير . قوله " أثرة " بفتح الهمزة والمثلثة على المشهور وأشار صلى الله عليه وآله وسلم بذلك إلى ما وقع من استئثار الملوك من قريش على الأنصار بالأموال والتفضيل بالعطاء وغير ذلك فهو من أعلام نبوته وفيه ما كانت فيه الأنصار من الإيثار على أنفسهم كما وصفهم بذلك فقال { يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } وأحاديث الباب فيها دليل على أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده من الأئمة إقطاع الأراضي وتخصيص بعض دون بعض بذلك إذا كان فيه مصلحة وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم في الإقطاع غير أحاديث هذا الباب والباب الذي قبله . منها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقطع صخر بن أبي العيلة البجلي الأحمسي ماء لبني سليم لما هربوا عن الإسلام وتركوا ذلك الماء ثم رده إليهم في قصة طويلة مذكورة في سنن أبي داود . ومنها ما أخرجه أبو داود عن سبرة بن معبد الجهني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل في موضع المسجد تحت دومة فأقام ثلاثا ثم خرج إلى تبوك وأن جهينة لحقوه بالرحبة فقال لهم من أهل ذي المروة فقالوا بنو رفاعة من جهينة فقال قد أقطعتها لبني رفاعة فاقتسموها فمنهم من باع ومنهم من أمسك فعمل . ومنها عند أبي داود عن قيلة بنت مخرمة قالت " قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقدم صاحبي يعني حريث بن حسان وافد بكر بن وائل فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه ثم قال يا رسول الله اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء أن لا يجاوزها إلينا منهم أحد إلا مسافر أو مجاور فقال اكتب له يا غلام بالدهناء فلما رأيته قد أمر له بها شخص بي وهي وطني وداري فقلت يا رسول الله إنه لم يسألك السوية من الأرض اذ سألك إنما هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ومرعى الغنم ونساء بني تميم وأبناؤها وراء ذلك فقال أمسك يا غلام صدقت المسكينة المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان " يعني الشيطان . وأخرجه أيضا الترمذي مختصرا . ومنها ما أخرجه البيهقي والطبراني " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة أقطع الدور وأقطع ابن مسعود فيمن اقطع " وإسناده قوي

باب الجلوس في الطرقات المتسعة للبيع وغيره

1 - عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إياكم والجلوس في الطرقات فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقها قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
- متفق عليه

2 - وعن الزبير بن العوام " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأن يحمل أحدكم حبلا فيحتطب ثم يجيء فيضعه في السوق فيبيعه ثم يستغني به فينفقه على نفسه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه "
- رواه أحمد

- حديث الزبير أخرجه البخاري أيضا بنحو ما هنا وقد اتفق الشيخان على مثل معناه من حديث أبي هريرة وقد تقدم في باب ما جاء في الفقير والمسكين والمسألة من أبواب الزكاة : قوله " إياكم والجلوس " بالنصب على التحذير : قوله " ما لنا من مجالسنا بد " فيه دليل على أن التحذير للإرشاد لا للوجوب إذ لو كان للوجوب لم يراجعوه كما قال القاضي عياض وفيه متمسك لمن يقول أن سد الذراع بطريق الأولى لا على الحتم لأنه نهى أولا عن الجلوس حسما للمادة فلما قالوا مالنا من مجالسنا بد ذكر لهم المقاصد الأصلية للمنع فعرف أن النهي الأول للإرشاد إلى الأصلح ويؤخذ منه أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة وذلك أن الاحتياط في طلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة . قال الحافظ ويحتمل أنهم رجوا وقوع النسخ تخفيفا لما شكوا من شدة الحاجة إلى ذلك يعني فيكون قولهم المذكور دليلا على أن التحذير الذي في قوة الأمر للإرشاد قال ويؤيده أن فيي مرسل يحيى بن يعمر ون القوم أنها عزيمة : قوله " إذا أبيتم إلا المجالس " في رواية للبخاري " فإذا أتيتم إلى المجلس " قوله " غض البصر " الخ زادأبو داود في حديث أبي هريرة " وإرشاد السبيل وتمشيت العاطس إذا حمد " وزاد الطبراني من حديث عمر " وإغاثة الملهوف " وزاد البزار من حديث ابن عباس " وأعينوا على الحمولة " وزاد الطبراني من حديث ابن سهل بن حنيف " وذكر الله كثيرا " وزاد الطبراني أيضا من حديث وحشي بن حرب " واهدوا الأغبياء واعينوا المظلوم " وجاء في حديث أبي طلحة من الزيادة " وحسن الكلام " وقد نظم الحافظ هذه الآداب فقال
جمعت آداب من رام الجلوس على الطريق من قول خير الخلق إنسانا
افش السلام وأحسن في الكلام وشمت عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن واغث ... لهفان واهد سبيلا واهد حيرانا
بالعرف مروانة عن نكر وكف أذى ... وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا
والعلة في التحذير من الجلوس على الطريق ما فيه من التعرض للفتنة بالنظر إلى من يحرم النظر إليه وللحقوق لله وللمسلمين التي لا تلزم غير الجالس في ذلك المحل . وقد أشار في حديث الباب بغض النظر إلى السلامة من الاحتقار والغيبة وبرد السلام إلى اكرام المارو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى استعمال جميع ما يشرع وترك جميع مالا يشرع . وعلى هذا النمط بقية الآداب التي أشرنا إليها ولكل منها شاهد صحيح أو حسن . وقد استوفى ذلك الحافظ في الفتح في كتاب الأستئذان . وحديث الزبير قد سبق شرح ما اشتمل عليه في كتاب الزكاة ذكره المصنف ههنا لقوله فيه فيضعه في السوق فيبيعه فإن فيه دليل على جواز الجلوس في السوق للبيع ولا تخلو غالب الأسواق من كثرة الطرق فيه

باب من وجد دابة قد سيبها أهلها رغبة عنها

1 - عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن الشعبي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسببوها فأخذها فاحياها فهي له . قال عبيد الله فقلت له عمن هذا فقال عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود والدارقطني

2 - وعن الشعبي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من ترك دابة بمهلكة فاحياها رجل فهي لمن احياها "
- رواه أبو داود

- الحديث الأول في إسناده عبيد الله بن حميد وقد وثق وحكى ابن أبي حاتم عن يحيى بن معين أنه سئل عنه فقال لا أعرفه يعني لا أعرف تحقيق امره وأما جهالة الصحابة الذين أبهمهم الشعبي فغير قادحة في الحديث لان مجهولهم مقبول على ما هو الحق وقد حققنا ذلك في رسالة مستقلة . والشعبي قد لقي جماعة من الصحابة حكى الذهبي أنه سمع من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحكى منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي أنه قال أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون علي وطلحة والزبير في الجنة والحديث الثاني مع إرساله فيه عبيد الله بن حميد المذكور : قوله " فسيبوها " وكذلك قوله " من ترك دابة " يؤخذ من الإطلاق أنه يجوز لمالك الدابة التسييب في الصحراء إذا عجز عن القيام بها وقد ذهبت العترة والشافعي وأصحابه إلى أنه يجب على مالك الدابة أن يعلفها أو يبيعها أو يسيبها في مرتع فان تمرد اجبر . وقال أبو حنيفة وأصحابه بل يؤمر استصلاحا لا حتما كالشجر وأجيب بأن ذات الرح تفارق الشجر . والأولى إذا كانت الدابة مما يؤكل لحمه أن يذبحها مالكها ويطعمها المحتاجين . قال ابن رسلان : وأما الدابة التي عجزت عن الاستعمال لزمن ونحوه فلا يجوز لصاحبها تسييبها بل يجب عليه نفقتها : قوله " فأحياها " يعني بسقيها وعلفها وخدمتها وهو من باب المجاز كقوله تعالى { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } قوله " فهي له " أخذ بظاهره أحمد والليث والحسن وإسحاق فقالوا من ترك دابة بمهلكة فأخذها انسان فأطعمها وسقاها وخدمها إلى أن قويت على المشي والحمل وعلى الركوب ملكها الا أن يكون مالكها تركها لا لرغبة عنها بل ليرجع إليها أو ضلت عنه وإلى مثل ذلك ذهبت الهادوية وقال مالك هي لمالكها الأول ويغرم ما أنفق عليها الآخذ . وقال الشافعي وغيره : إن ملك صاحبها لم يزل عنها بالعجز وسبيلها سبيل اللقطة فإذا جاء ربها وجب على واجدها ردها عليه ولا يضمن ما أنفق عليها لأنه لم يأذن فيه : قوله " بمهلكة " بضم الميم وفتح اللام اسم لمكان الاهلاك وهي قراءة الجمهور في قوله تعالى { ما شهدنا مهلك أهله } وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللام

كتاب الغصب والضمانات

باب النهي عن جده وهزله

1 - عن السائب بن يزيد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها عليه "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي

2 - وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه "
- رواه الدارقطني . وعمومه حجة الساحة الغصب يبنى عليها والعين تتغير صفتها أنها لا تملك

3 - وعن عبد الرحمن بن ليلى قال حدثنا أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنام منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما "
- رواه أبو داود

- حديث السائب حسنه الترمذي . وقال غريب لا نعرفه الامن حديث ابن أبي ذئب اه وقد سكت عنه أبو داود والمنذري . وأخرجه أيضا البيهقي وقال إسناده حسن وحديث أنس في إسناده الحارث بن محمد الفهري وهو مجهول وله طريق أخرى عند الدارقطني أيضا عن حميد عن أنس وفي إسنادها داود بن الزبرقان وهو متروك . ورواه أحمد والدارقطني من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس من طريق عكرمة وأخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس أيضا من طريق مقسم وفي إسناده العرزمي وهو ضعيف ورواه البيهقي وابن حبان والحاكم في صحيحيهما من حديث أبي حميد الساعدي بلفظ " لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه " قال البيهقي وحديث أبي حميد أصح ما في الباب وحديث ابن أبي ليلى سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده ل بأس به : قوله " متاع أخيه " المتاع على ما في القاموس المنفعة والسلعة وما تمتعت به من الحوائج الجمع أمتعة : قوله " ولا لاعبا " فيه دليل على عدم جواز أخذ متاع الإنسان على جهة الهزل والمزح . قوله " لا يحل مال امرئ مسلم " الخ هذا أمر مصرح به في القرآن الكريم قال الله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ولا شك أن من أكل مال مسلم بغير طيب نفسه آكل له بالباطل ومصرح به في عدة أحاديث . منها حديث " إنما أموالكم ودماؤكم عليكم حرام " وقد تقدم . ومجمع عليه عند كافة المسلمين ومتوافق على معناه العقل والشرع وقد خصص هذا العموم بأشياء منها أخذ الزكاة كرها والشفعة وإطعام المضطر والقريب المعسر والزوجة وقضاء الدين وكثير من الحقوق المالية . قوله " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما " فيه دليل على أنه لا يجوز ترويع المسلم ولو بما صورته صورة المزح

باب إثبات غصب العقار

1 - عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من ظلم شبرا من الأرض طوقه الله من سبع أرضين "
- متفق عليه

2 - وعن سعيد بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين "
- منفق عليه . وفي لفظ لأحمد " من سرق "

3 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من اقتطع شبرا من الأرض بغير حقه طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين "
- رواه أحمد

4 - وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين "
- رواه أحمد والبخاري

- حديث أبي هريرة هو في صحيح مسلم . وفي الباب عن يعلى بن مرة عند أبي حبان في صحيحه وابن أبي شيبة في مسنده وأبي يعلى . وعن المسور بن مخرمة عند العقيلي في تاريخ الضعفاء وعن شداد بن أوس عن الطبراني في الكبير وعن سعد بن أبي وقاص عند الترمذي . وعن أبي مالك الأشعري عند ابن أبي شيبة بإسناد حسن . وعن الحكم بن حرث السلمي عن الطبراني وأبو يعلى . وعن أبي شريح الخزاعي عند الطبراني أيضا . وعن ابن مسعود عنده أيضا وأحمد . وعن ابن عباس عند الطبراني أيضا : قوله " من ظلم شبرا " في رواية للبخاري " قيد شبر " بكسر القاف وسكون التحتانية أي قدر شبر وكأنه ذكر الشبر إذارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد كذا في الفتح : قوله " يطوقه " بضم أوله على البناء للمجهول : قوله " من سبع أرضين " بفتح الراء ويجوز إسكانها . قال الخطابي له وجهان . أحدهما أن معناه أنه يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر ويكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة . الثاني أن معناه أ يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين أي فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقا في عنقه اه ويؤيد الوجه الثاني حديث ابن عمر المذكور وقيل معناه كالأول لكن بعد أن ينقل جميعه يجعل كله في عنقه ويعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما ورد في غلظ جلد الكافر ونحو ذلك . ويؤيده حديث يعلى بن مرة المشار إليه سابقا بلفظ " ايما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ آخر مبلغ سبع ارضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى بين الناس " وحديث الحكم السلمي المشار إليه أيضا قال الحافظ وإسناده حسن ولفظه " من أخذ من طريق الميلمين شبرا جاء يوم القيامو يحمله من سبع أرضين " : قال في الفتح ويحتمل أن يكون المراد يقوله يطوقه يكلف أن يجعله طوقا ولا يستطيع ذلك فيعذب به كما جاء في حق " من كذب في منامه كلف أن يعقد شعيرة " ويحتمل أن يكون التطويق تطويق الإثم والمراد به أن الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الأثم . ومنه قوله تعالى { ألزمناه طائره في عنقه } ويحتمل أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه المعصية أو تنقسم بين من تلبس بها فيكون بعضهم معذبا ببعض وبعضهم بالبعض الآخر بحسب قوة المفسدة وضعفها هذا جملة ما ذكر من الوجوه في تفسير الحديث : قوله " من اقتطع " فيه استعارة شبه من أخذ ملك غيره ووصله إلى ملك نفسه بمن اقتطع قطعة من شيئ يجري فيه القطع الحقيقي . وأحاديث الباب تدل على تغليظ عقوبة الظلم والغصب وأن ذلك من الكبائر وتدل على أن تخوم الأرض تملك فيكون للمالك منع من رام أن يحفر تحتها حفيرة . قال في الفتح أن الحديث يدل أن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا بغير رضاه وأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة وأبنية ومعادن وغير ذلك وإن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن يجاوره . وفيه أن الأرضين السبع متراكمة لم يفتق بعضها من بعض لأنها لو فتقت لاكتفى في حق هذا الغاصب بتطويق التي غصبها لإنفصالها عما تحتها أشار إلى ذلك الداودي وفيه أن الأرضين السبع كالسموات وهو ظاهر قوله تعالى { ومن الأرض مثلهن } خلافا لمن قالأن المراد بقوله " سبع أرضين " سبعة أقاليم لأنه لو كان كذلك لم يطوق الغاصب شبرا من اقليم آخر قال ابن التين وهو الذي قبله مبني على أن العقوبة متعلقة بما كان سببها وإلا فمع قطع النظر عن ذلك لا تلازم بين ما ذكروه اه

5 - وعن الأشعث بن قيس " أن رجلا من كندة ورجلا من حضرموت اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أرض باليمن فقال الحضرمي يا رسول الله أرضي اغتصبها هذا وأبوه فقال الكندي يا رسول الله أرضي ورثتها من أبي فقال الحضرمي يا رسول الله استحلفه أنه ما يعلم أنها أرضي وأرض والدي اغتصبها أبوه فتهيأ الكندي لليمين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه لا يقتطع عبد أو رجل بيمينه مالا إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم فقال الكندي هي أرضه وأرض والده "
- رواه أحمد

- الحديث رواه الطبراني في الأوسط وفي إسناده محمد بن سلام المسبحي له غرائب وبقية رجاله رجال الصحيح . وللأشعث أيضا حديث آخر أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وإسناده ضعيف وقصة الحضرمي والكندي ذكرها في باب استحلاف المنكر من كتاب الأقضية من حديث وائل بن حجر عند مسلم في صحيحه والترمذي وصححه بنحو ما هنا ولعله يأتي الكلام عليه هنالك إن شار الله . قال في التلخيص والحضرمي هو وائل بن حجر والكندي هو امرؤ القيس بن عابس واسمه ربيعة اه وفيه نظر فإنه سيأتي عن وائل بن حجر في كتاب الأقضية بلفظ " جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الخ وهذا يشعر بأن الحضرمي غير وائل وأيضا قال في البدر المنير اسم الحضرمي ربيعة بن عبدان وكذا جاء مبينا في إحدى روايتي صحيح مسلم وعبدان بكسر المهملة وبعدها موحدة ( والحديث ) فيه دليل على أنها إذا طلبت يمين العلم وجبت وعلى أن يستحب للقاضي أن يعظ من رام الحلف . قوله " أنه لا يقتطع عبدا " الخ لفظ الصحيحين من حديث الأشعث " من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان " وسيأتي في كتاب الأقضية

باب تملك زرع الغاصب بنفقته وقلع غرسه

1 - عن رافع بن خديج " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته "
- رواه الخمسة إلا النسائي وقال البخاري هو حديث حسن

2 - وعن عروة بن الزبير " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أحيا أرضا فهي له وليس لعرق ظالم حق قال ولقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث ان رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها قال فلقد رأيتها وأنها لتضرب أصولها بالفؤس وأنها لنخل عم "
- رواه أبو داود والدارقطني

- حديث رافع ضعفه الخطابي ونقل عن البخاري تضعيفه وهو خلاف ما نقله الترمذي عن البخاري من تحسينه . وضعفه أيضا البيهقي وهو من طريق عطاء بن أبي رباح عن رافع قال أبو زرعة لم يسمع عطاء من رافع وكان موسى بن هرون يضعف هذا الحديث ويقول لم يروه غير شريك ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق ولكن قد تابعه قيس بن الربيع وهو شيء الحفظ . وقد أخرج هذا الحديث أيضا البيهقي والطبراني وابن أبي شيبة والطيالسي وابن ماجه وأبو يعلى . وحكى ابن المنذر عن أحمد بن حنبل أنه قال ان أبا إسحاق زاد في هذا الحديث زرع بغير أذنهم وليس غيره يذكر هذا الحرف . وحديث عروة سكت عنه أبو داود والمنذري وحسن الحافظ في بلوغ المرام إسناده . وفي رواية لأبي داود فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري فانا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل . وأول حديث عروة هذا قد تقدم في أول كتاب الأحياء من حديث سعيد بن زيد . وأخرج أبو داود من حديث جعفر بن محمد بن علي عن أبيه الباقر عن سمرة بن جندب أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار قال ومع الرجل أهله قال وكان سمرة يدخل إلى نخلة فيتأذى به الرجل ويشق عليه فطلب إليه أن يناقله فأبى فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له فطلب إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيعه فأبى فطلب إليه أن يناقله فأبى قال فهبه لي ولك كذاوكذا أمرا رغبه فيه فأبى فقال أنت مضار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للانصاري اذهب فاقلع نخله . وفي سماع الباقر من سمرة بن جندب فقد نقل من مولده ووفاة سمرة ما يتعذر معه سماعه . قوله " فليس له من الزرع شيء " فيه دليل على أن من غصب أرضا وزرعها كان الزرع للمالك للأرض وللغاصب ما غرمه في الزرع يسلمه له مالك الأرض قال الترمذي والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق . قال ابن رسلان وقد استدل به كما قال الترمذي أحمد على أن من زرع بذرا في أرض غيره واسترجعها صاحبها فلا يخلو اما ان يسترجعها مالكها ويأخذها بعد حصاد الزرع أو يسترجعها والزرع قائم قبل أن يحصد فإن أخذها مستحقها بعد حصاد الزرع فإن الزرع لغاصب الأرض لا يعلم فيها خلافا وذلك لأنه نماء ماله وعليه أجرة الأرض إلى وقت التسليم وضمان نقص الأرض وتسوية حفرها وان أخذ الأرض صاحبها من الغاصب والزرع قائم فيها لم يملك إجبار الغاصب على قلعه وخير المالك بين أن يدفع نفقته ويكون الزرع له أو يترك الزرع للغاصب وبهذا قال أبو عبيد . وقال الشافعي وأكثر الفقهاء ان صاحب الأرض يملك إجبار الغاصب على قلعه واستدلوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " ليس لعرق ظالم حق " ويكون الزرع لمالك البذر عندهم على كل حال وعليه كراء الأرض ( ومن جملة ) ما استدل به الأولون ما أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى زرعا في أرض ظهير فأعجبه فقال ما أحسن زرع ظهير فقالوا أنه ليس لظهير ولكنه لفلان قال فخذوا زرعكم وردوا عليه نفقته " فدل على أن الزرع تابع للأرض ولا يخفى ان حديث رافع بن خديج أخص من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ليس لعرق ظالم حق " مطلقا فيبنى العام على الخاص وهذا على فرض أن قوله " ليس لعرق ظالم حق " يدل على ان الزرع لرب البذر فيكون الراحج ما ذهب إليه أهل القول الأول من أن زرع لصاحب الأرض إذا استرجع أرضه والزرع فيها وأما إذا استرجعها بعد حصاد الزرع فظاهر الحديث أنه أيضا لرب الأرض ولكنه إذا صح الإجماع على أنه للغاصب كان مخصصا لهذه الصورة وقد روى عن مالك وأكثر علماء المدينة مثل ما قاله الأولون وفي البحر ان ماكا [ سماكا ؟ ؟ ] والقاسم يقولان الزرع لرب الأرض واحتج لما ذهب إليه الجمهور من أن الزرع للغاصب بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الزرع للزارع وإن كان غاصبا " ولم أقف على هذا الحديث فينظر فيه
وقال ابن رسلان أن حديث ليس لعرق ظالم حق ورد في الغرس الذي له عرق مستطيل في الأرض وحديث رافع ورد في الزرع فيجمع بين الحديثين ويعمل بكل واحد منهما في موضعه ولكن ما ذكرناه من الجمع أرجح لان بناء العام على الخاص أولى من المصير إلى قصر العام على السبب من غير ضرورة والمراد بقوله وله نفقته ما أنفقه الغاصب على الزرع من المؤنة في الحرث والسقي وقيمة البذر وغير ذلك . وقيل المراد بالنفقة قيمة الزرع فتقدر قيمته ويسلمها المالك والظاهر الأول . قوله " وليس لعرق ظالم حق " قد تقدم ضبطه وتفسيره في أول كتاب الاحياء . قوله " وأمر صاحب النخل " الخ فيه دليل على أنه يجوز الحكم على من غرس في أرض غيره غروسا بغير أذنه بقطعها . قال ابن رشد في النهاية أجمع العلماء على أن من غرس نخلا أو ثمرا وبالجملة نباتا في غير أرضه أنه يؤمر بالقلع ثم قال إلا ما روى عن مالك في المشهور من زرع فله زرعه وكان على الزارع كراء الأرض . وقد روى عنه ما يشبه قول الجمهور ثم قال وفرق قوم بين الزرع والثمار إلى آخر كلامه : قوله " عم " بضم المهملة وتشديد الميم جمع عميمة وهي الطويلة وفي القاموس ما يدل على أنه يجوز فتح أوله لأنه قال بعد تفسيره بالنخل الطويل ويضم

باب ما جاء فيمن غصب شاة فذبحها وشواها أو طبخها

1 - عن عاصم بن كليب " أن رجلا من الأنصار أخبره قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فاكلوا فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها فقالت المرأة يا رسول الله أني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى بها فقال رسول الله " أطعميه الأساري "
- رواه أحمد وأبو داود والدارقطني . وفي لفظ له " ثم قال : أني لأجد لحم شاة ذبحت بغير أذن أهلها فقالت : يا رسول الله وأنا من أعز الناس عليه ولو كان خيرا منها لم يغير على وعلى أن أرضيه بأفضل منها فأبى أن يأكل منها وأمر بالطعام للاساري

- الحديث في إسناده عاصم بن كليب قال علي بن المديني لا يحتج به إذا انفرد . وقال الأمام أحمد لا بأس به وقال أبو حاتم الرازي صالح . وقد أخرج له مسلم . وأما جهالة الرجل الصحابي فيغر قادحة لما قررناه غير مرة من أن مجهول الصحابة مقبول لان عموم الأدلة القاضية بأنهم خير الخليفة من جميع الوجوه أقل أحوالها أن تثبت لهم بها هذا المزية أعني قبول مجاهيلهم لاندراجهم تحت عمومها . ومن تولى الله ورسوله تعديله فالواجب حمله على العدالة حتى ينكشف خلافها ولا انكشاف في المجهول . قوله " يلوك " قال في القاموس الوك أهون المضغ أو مضغ صلب : قوله " لقمة " بضم اللام وسكون القاف ويجوز فتح اللام . قال في القاموس اللقمة وتفتح ما يهبأ للفم " قوله " فلم يوجد " بضم أوله وسكون الواو وكسر الجيم أي لم يعطني ما طلبته وفي القاموس أوجده أغناه وفلانا مطلوبه أظفره به " والحديث " فيه دليل على مشروعية إجابة الداعي وان كان امرأة والمدعو رجلا أجنبيا إذا لم يعارض ذلك مفسدة مساوية أو راجحة وفيه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظاهر لعدم اساغته لذلك اللحم وأخباره بما هو الواقع من أخذها بغير أذن أهلها وفي تجنب ما كان من المأكولات حراما أو مشتبها وعدم الانكار على تجويز أذن مالكه بعد أكله . وفيه أيضا أن يجوز صرف ما كان كذلك إلى من يأكله كالأسارى ومن كان على صفتهم . وقد أورد المصنف هذا الحديث للاستدلال به على حكم من غصب شاة فذبحها وشواها أو طبخها كما وقع في الترجمة وقد اختلف العلماء في ذلك فحكى في البحر عن القاسمية وأبي حنيفة أن مالك مخير بين طلب القيمة وبين أخذ العين كما هي وعدم لزوم الأرش لأن الغاصب لم يستهلك ما ينفرد بالتقويم . وحكى عن المؤيد بالله والناصر والشفعي ومالك أنه يأخذ العين مع الأرش كما لو قطع الأذن ونحوها وعن محمد أنه بخير بين القيمة أو العين مع الأرش

باب ما جاء في ضمان المتلف بجنسه

1 - عن أنس قال " أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه طعاما في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فالقت ما فيها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم طعام بطعام وإناء بإناء "
- رواه الترمذي وصححه وهو بمعنى لسائر الجماعة إلا مسلما

2 - وعن عائشة أنها قالت " ما رأيت صانعة طعاما مثل صفية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إناء من طعام فما ملكت نفسي أن كسرته فقلت يا رسول الله ما كفارته : قال إناء كإناء وطعام كطعام "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

- الحديث الأول لفظه في البخاري " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت غحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها الطعام وقال كلوا ودفع القصعة الصحيحة للرسرل وحبس المكسورة " هذا أ د ألفاظ البخاري وله ألفاظ أخر وليس فيه تسمية الضاربة وهي عائشة كما وقع في رواية الترمذي التي ذكرها المصنف . والحديث الثاني في إسناده افلت بن خليفة أبو حسان . ويقال فليت العامري قال الإمام أحمد ما رأى به بأسا . وقال أبو حاتم الرازي شيخ . وقال الخطابي في إسناد الحديث مقال وقال في الفتح أن إسناده حسن : قوله " بعض أزواج النبي " هي زينب بنت جحش كما رواه ابن حزم في المحلي عن أنس ووقع فريب من ذلك لعائشة مع أم سلمة كما روى النسائي عنها " أنها أتت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطعام في صحفة فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به الصحفة " الحديث . والرواية المذكورة في الباب عن عائشة تشعر بأنه قد وقع لها مثل ذلك مع صفية وقد روى الدارقطني عن أنس من طريق عمران بن خالد نحو ذلك قال عمران أكثر ظني أنها حفصة يعني التي كسرت عائشة صحفتها قال في الفتح ولم يصب عمران في ظنه أنها حفصة بل هي أم سلمة ثم قال نعم وقعت القصة لحفصة أيضا وذلك فيما رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه من طريق رجل من بني سوأة غير مسمى عن عائشة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه فصنعت له طعاما وصنعت له حفصة طعاما فسبقتني فقلت للجارية انطلقي فاكفيء قصعتها فاكفأتها فانكسرت وانتشر الطعام فجمعه على النطع فاكلوه ثم بعث بقصعتي إلى حفصة فقال خذوا ظرفا مكان ظرفكم " وبقية رجاله ثقات . قال الحافظ وتحرر من ذلك إن المراد بمن أبهم في حديث الباب هي زينب لمجئ الحديث من مخرجه وهو حميد عن أنس وما عدا ذلك فقصص أخرى لا تليق بمن تحقق أن يقول في مثل هذا قيل المرسلة فلانة وقيل فلانة من غير تحرير : قوله " أناء باناء " فيه دليل على أن القيمى يضمن بمثله ولا يضمن بالقيمة الا عند عدم المثل ويؤيده ما في رواية البخاري المتقدمة بلفظ " ودفع القصعة الصحيحة للرسول " وبه احتج الشافعي والكوفيون وقال مالك ان القيمي يضمن بقيمته مطلقا وفي رواية عنه كالمذهب الأول . وفي رواية عنه أخرى ما صنعه الآدمي فالمثل وأما الحيوان فالقيمة . وعنه أيضا ما كان مكيلا أو موزونا فالقيمة وإلا فالمثل قال في الفتح وهو المشهور عندهم وقد ذهب إلى ما قاله مالك من ضمان القيمى بقيمته مطلقا من أهل العلم منهم الهادوية ولا خلاف في أن المثلى يضمن بمثله وأجاب القائلون بالقول الثاني عن حديث الباب وما في معناه بما حكاه البيهقي من أن القصعتين كانتا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيتي زوجتيه . فعاقب الكاسرة بجعل القصعة المكسورة في بيتها وجعل الصحيحة في بيت صاحبتها ولم يكن هناك تضمين وتعقب بما وقع في رواية لابن أبي حاتم بلفظ " من كسر شيئا فهو له وعليه مثله " وبهذا يرد على من زعم أنها واقعة عين لا عموم فيها ومن جملة ما أجابوا به عن حديث الباب وما في معناه بأنه يحتمل أن يكون في ذلك الزمان كانت العقوبة فيه بالمال فعاقب الكاسرة بإعطاء قصعتها للاخرى وتعقب بأن التصريح بقوله اناء باناء يبعد ذلك : قوله " طعام بطعام " قيل أن الحكم بذلك من باب المعونة والإصلاح دون بت الحكم بوجوب المثل فيه لانه ليس له مثل معلوم . قال الحافظ وفي طرق الحديث ما يدل على أن الطعامين كانا مختلفين : قوله " فما ملكت نفسي أن كسرته " لفظ أبي داود " فأخذني أفكل " بفتح الهمزة واسكان الفاء وفتح الكاف ثم لام وزنه أفعل والمعنى أخذتني رعدو الا فكل وهي الرعدة من برد أو خوف والمراد هنا أنها لما رأت حسن الطعام غارت وأخذتها مثل الرعدة

باب جناية البهيمة

1 - قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " العجماء جرحها جبار " . 2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الرجل جبار " /
- رواه أبو داود

3 - وعن حرام بن محيصة ان ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فافسدت فيه فقضى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

4 - وعن النعمان بن بشير قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وقف دابة في سبيل من سبل المسلمين أو في سوق من أسواقهم فاوطأت بيد أو رجل فهو ضامن "
- رواه الدارقطني وهذا عند بعضهم فيما إذا وقفها في طريق ضيق أو حيث تضر المار

- حديث العجماء جرحها أخرجه الجماعة من حديث أبي هريرة وقد تقدم في باب ما جاء في الركاز والمعدن من كتاب الزكاة . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي . وقال الدارقطني لم يروه غير سفيان بن حسن وخالفه الحفاظ عن الزهري منهم مالك وابن عيينة ويونس ومعمر وابن جريج وعقيل وليث بن سعد وغيرهم كلهم رووه عن الزهري فقالوا العجماء والبئر جبار والمعدن جبار ولم يذكروا الرجل وهو الصواب . وقال الخطابي قد تكلم الناس في هذا الحديث وقيل أنه غير محفوظ وسفيان بن حسين معروف بسوء الحفظ وقد روى آدم بن أبي اياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الرجل جبار " قال الدارقطني تفرد به آدم بن أبي اياس عن شعبة وسفيان بن حسين المذكور قد استشهد به البخاري وأخرج له مسلم في المقدمة ولم يحتج به واحد منهما وتكلم فيه غير واحد . وحديث حرام بن محيصة أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي والنسائي والدارقطني وابن حبان وصححه الحاكم والبيهقي . قال الشافعي أخذنا به لثبوته واتصاله ومعرف رجاله . قال الحافظ ومداره علي الزهري واختلف عليه فقيل عن الزهري عن ابن محيصة . ورواه معن بن عيسى عن مالك فزاد فيه عن جده محيصة ورواه معمر عن الزهري عن حرام عن أبيه ولم يتابع عليه . ورواه الأوزاعي وإسماعيل بن أمية وعبد الله بن عيسى كلهم عن الزهري عن حرام عن البراء قال عبد الحق وحرام لم يسمع من البراء وسبقه إلى ذلك ابن حزم ورواه النسائي من طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن البراء ورواه ابن عيينة عن الزهري عن حرام وسعيد بن المسيب ان البراء . ورواه ابن جريج عن الزهري أخبرني أو أسامة بن سهل أن ناقة البراء . ورواه ابن أبي ذئب عن الزهري قال بلغني أن ناقة البراء . وحديث النعمان قال في الجامع الكبير رواه البيهقي وضعفه : قوله " جبار " بضم الجيم أي هدر قال في القاموس هو الهدر والباطل وظاهره أن جناية البهائم غير مضمونة ولكن المراد إذا فعلت ذلك بنفسها ولم تكن عقورا ولا فرط مالكها في حفظها حيث يجب عليه الحفظ وذلك في الليل كما يدل عليه حديث حرام بن محيصة وكذلك في أسواق المسلمين وطرقهم ومجامعهم كما يدل عليه حديث النعمان بن بشير : قوله " الرجل " بكسر الراء وسكون الجيم يعني أنه لاضمان فيما جنته الدابة برجلها ولكن بشرط أن لا يكون ذلك بسبب من مالكها كتوقيفها في الأسواق والطرق والمجامع وطردها في تلك الأمكنة كما يدل على ذلك حديث النعمان وبشرط أن لا يكون ذلك في الأوقات التي يجب على المالك حفظها فيها كالليل وهذا الحديث وان كان فيه المقال المتقدم ولكنه يشهد له ما في الحديث المتفق عليه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " جرحها جبار " فإن عمومه يقتضي عدم الفرق بين جنايتها برجلها أو بغيرها والكلام في ذلك مبسوط في الكتب الفقهية : قوله " ضامن على أهلها " أي مضمون على أهلها . وفي حديث البراء " وإن حفظ الماشية بالليل على أهلها وان على أهل الماشية ما أصابت ما شيتهم بالليل " وقد استدل بذلك من قال أنه لا يضمن مالك البهيمة ما جنته بالنهار ويضمن ماجنته بالليل وهو مالك والشافعي والهادوية . وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا ضمان على أهل الماشية مطلقا واحتجوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " جرحها جبار " ولا شك أنه عموم مخصوص بحديث حرام بن محيصة والنعمان بن بشير . قال الطحاوي الا ان تحقيق مذهب أبي حنيفة أنه لا ضمان إذا أرسلها مع حافظ وأما إذا أرسلها من دون حافظ ضمن انتهى . ولا دليل على هذا التفصيل . وذهب الليث وبعض المالكية إلى أنه يضمن مالكها ما جنته ليلا أو نهارا وهو اهدار للدليل العام والخاص وروى عن عمر أنه لا تفصيل لا دليل عليه ولا يشكل على المذهب الأول قوله تعالى { إذ نفشت فيه غنم القوم } في قصة داود وسليمان علي القول بأن شرع من قبلنا يلزمنا لان النفش إنما يكون بالليل كما جزم بذلك الشعبي وشريح ومسروق روى ذلك البيهقي عنهم

باب دفع الصائل وان أدي إلى قتله وإن المصول عليه يقتل شهيدا

1 - عن أبي هريرة قال " جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال فلا تعطه مالك قال أرأيت ان قاتلني قال قاتله قال أرأيت إن قتلني قال فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو في النار "
- رواه مسلم وأحمد وفي لفظه " يا رسول الله أرأيت إن عدى على مالي قال انشد الله قال فإن أبوا علي قال أنشد الله قال فإن أبوا علي قال قاتل فإن قتلت ففي الجنة وإن قتلت ففي النار " فيه من الفقه أنه يدفع بالأسهل فالأسهل

2 - وعن عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قتل دون ماله فهو شهيد "
- متفق عليه . وفي لفظ " من أريد ماله بغير حق فقاتل فهو شهيد " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه

3 - وعن سعيد بن زيد قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد "
- رواه أبو داود والترمذي وصححه

- حديث سعيد بن زيد أخرجه أيضا بقية أهل السنن وابن حبان والحاكم وقد أخرج أحمد والنسائي وأبو داود والبيهقي وابن حبان من حديث أبي هريرة من رواية قتادة عن النضر ابن أنس عن بشير بن نهيك عنه بلفظ " ولا قصاص ولا دية " وفي رواية للبيقهي من حديث ابن عمر " ما كان عليه فيه شيء " وقد تعقب الحافظ في صلاة الخوف من التلخيص من زعم أن حديث ابن عمرو بن العاص متفق عليه وقال أنه من إفراد البخاري وفي هذا التعقب نظر فإن الحديث في صحيح مسلم وفيه قصة وقد اعترف الحافظ في الفتح في كتاب المظالم والغصب بأن مسلما أخرج هذا الحديث من طريق ابن عمرو وذكر القصة ( وأحاديث ) الباب فيها دليل على أنها تجوز مقاتلة من أراد أخذ مال انسان من غير فرق بين القليل والكثير إذا كان الأخذ بغير حق وهو مذهب الجمهور كما حكاه النووي والحافظ في الفتح . وقال بعض العلماء ان المقاتلة واجبة . وقال بعض المالكية لا تجوز إذا طلب الشيء الخفيف ولعل متمسك من قال بالوجوب ما في حديث أبي هريرة من الأمر بالمقاتلة والنهي عن تسليم المال إلى من رام غصبه وأما القاتل بعدم الجواز في الشيء الخفيف فعموم أحاديث الباب يرد عليه ولكنه ينبغي تقديم الأخف فالأخف فلا يعدل المدافع إلى القتل مع امكان الدفع بدونه ويدل على ذلك امره صلى الله عليه وآله وسلم بانشاد الله قبل المقاتلة وكما تدل الأحاديث المذكورة على جواز المقاتلة لمن أراد أخذ المال تدل على جواز المقاتلة لمن أراد إراقة الدم والفتنة في الدين والأهل . وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه قال من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله المقاتلة وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة . قال ابن المنذر والذي عليه أهل العلم ان اللرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما تفصيل الا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الورادة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه انتهى . ويدل على لزوم القود والدية في قتل من كان على الصفة الذكورة ما ذكرنا من حديث أبي هريرة . وحمل الأوزاعي أحاديث الباب على الحالة التي للناس فيها امام وأما حالة الفرقة والأختلاف فليستسلم المبغي على نفسه او ماله ولا يقاتل أحدا قال في الفتح ويرد عليه حديث أبي هريرة عند مسلم يعني حديث الباب وأحاديث الباب مصرحة بان المقتول دون ماله ونفسه وأهله ودينه شهيد ومقاتله إذا قتل في النار لأن الأول محق والثاني مبطل : قوله " دون ماله " قال القرطبي دون في أصلها ظرف مكان بمعنى تحت وتستعمل للخلفية على المجاز ووجهه إن الذي قاتل عن ماله غالبا إنما يجعله خلفه أو تحته ثم يقال عليه اه ولكنه يشكل على هذا قوله في حديث سعيد بن زيد دون دينه دون دمه

باب في أن الدفع لا يلزم المصول عليه ولا يلزم الغير مع القدرة

1 - عن عبد الله بن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يمنع أحدكم إذا جاء من يريد قتله أن يكون مثل ابني آدم القاتل في النار والمقتول في الجنة "
- رواه أحمد

2 - وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال أفي الفتنة كسروا فيها قسيكم وقطعوا أوتاركم وأضربوا بسيوفكم الحجارة فإن دخل على أحدكم بينه فليكن كخير ابني آدم "
- رواه الخمسة إلى النسائي

3 - وعن سعد بن بي وقاص " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي قال أرأيت إن دخل على بيتي فبسط يده إلي ليقتلني قال كن كابن آدم "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي

4 - وعن سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله عز و جل على رؤوس الخلائق يوم القيامة "
- رواه أحمد

- حديث ابن عمر أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وأخرج نحوه أبو داود من حديثه بلفظ " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا أي فليمد رقبته فالقاتل في النار والمقتول في الجنة " وحديث أبي موسى أخرجه ايضا ابن حبان وصححه القسيري في الأقتراح على شرط الشيخين وقال الترمذي حسن غريب اه وفي إسناد عبد الرحمن بن ثروان تكلم فيه بعضهم ووثقه يحيى بن معين واحتج به البخاري . وحديث سعبد بن أبي وقاص حسنه الترمذي وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجال إسناده ثقات لا حسين بن عبد الرحمن الأشجعي وقد وثقه ابن حبان . وحديث سهل بن حنيف أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات يشهد لصحته حديث البراء بن عازب عن البخاري وغيره وفيه الأمر بسبع والنهي عن سبع ومن السبع المأمور بها نصر المظلوم وحديث أبي موسى عند البخاري وغيره بلفظ " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعه بعضا " وحديث " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " أخرجه البخاري وغيره ( وفي الباب ) عن أبي بكرة بنحو حديث سعد عند أبي داود . وعن أبي هريرة بنحوه أيضا عند البخاري ومسلم . وعند ابن مسعود بنحوه عند أبي داود . وعن خريم بن فاتك بنحوه أيضا عند أبي داود . وعن أبي ذر عند أبي داود والترمذي بلفظ " قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر قلت لبيك وسعديك قال كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم قلت ما خار الله لي ورسوله قال عليك بمن أنت منه قلت يا رسلول الله أفلا آخذ سيفي فاشعه على عاتقي قال شاركت القوم إذن فقلت فما تأمرني قال تلزم بيتك قلت فإن دخل على بيتي قال فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فالق ثوبك على وجهك يبوء باثمك وأثمة : وعن المقداد بن الأسود عند أبي داود قال " أيم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ثلاثا إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلى فصبر فواها التلهيف . وعن أبي بكرة غير الحديث الأول عند الشيخين وأبي داود والنسائي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار قال يا رسول الله هذا القائل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه " وعن خالد بن عرقطة عند أحمد والحاكم والطبراني وابن نافع بلفظ " ستكون بعدي فتنة واختلاف فإن استطعت أن تكون عبد الله بن المقتول لا القاتل فافعل " وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وقد أخرجه الطبراني من حديث حذيفة ومن حديث خباب . وعن أبي واقد وخرشة أشار إلى ذلك الترمذي : قوله " كسر وافيها قسيكم " قيل المراد الكسر حقيقة ليسد عن نفسه باب هذا القتال وقيل هو مجاز والمراد ترك القتال : ويؤيده الأول واضربوا بسيوفكم الحجارة قال النووي والأول أصح . قوله " القاعد فيها خير من القائم " الخ معناه بيان عظم خطر الفتنة والحث على تجنبها والهرب منها ومن التسبب في شيء من أسبابها فإن شرها وفتنها يكون على حسب التعلق بها . قوله " كن كابن آدم " يعني الذي قال لأخيه لما أراد قتله { لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا باسط يدي إليك لأقتلك } كما حكى الله ذلك في كتابه ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل غللا مشروعية ترك المقاتلة وعدم وجوب المدافعة عن النفس والمال وقد اختلف العلماء في ذلك فقالت طائفة لا يقاتل في فتن المسلمين وإن دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله ولا تجوز له المدافعة عن نفسه لان الطالب متأول وهذا مذهب أبي بكرة الصحابي وغيره وقال ابن عمر وعمران بن الحصين وغيرهما لا يدخل فيها لكن إن قصد دفع عن نفسه
قال النووي فهذان المذهبان متفقان على ترك الدخول في جميع فتن المسلمين . قال القرطبي اختلف السلف في ذلك فذهب سعد ابن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وغيرهم إلى أنه يجب الكف عن المقاتلة فمنم من قال يجب عليه أن يلزم بيته وقالت طائفة يجب عليه التحول عن بلد الفتنة أصلا . ومنهم من قال يترك المقاتلة حتى لو أراد لم يدفعه عن نفسه . ومنهم من قال يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله وهو معذور أن قتل أو قتل وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين وكذا قال النووي وزاد أنه مذهب عامة علماء الأسلام واستدلوا بقوله تعالى { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } قال النووي وهذا هو الصحيح وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق او على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما قال ولو كان كما قال الأولون لظهر الفساد واستطال أهل البغي والمبطلون اه . وقال بعضهم بالتفصيل وهو أنه إذا كان القتال بين طائفتين لا إمام لهم فالقتال ممنوع يومئذ وتنزل الأحاديث من يقدر عليه فمن أعان المحق أصاب ومن أعان المخطئ أخطأ وان أشكل الأمر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها وذهب البعض إلى أن الأحاديث وردت في حق ناس مخصوصين وإن النهي مخصوص بمن خوطب بذلك وقيل إن النهي إنما هو في آخر الزمان حيث يحصل التحقق إن المقاتلة إنما هي في طلب الملك وقد أتى هذا في حديث ابن مسعود فأخرج أيام الهرج وهو حيث لا يأمن الرجل جليسه ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور قول الله تعالى { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ونحو ذلك من الآيات والأحاديث وتؤيده أيضا الآيات والأحاديث الواردة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيأتي للمقام زيادة تحقيق في باب ما جاء في توبة القاتل من كتاب القصاص . وحديث سهل بن حنيف وما ورد في معناه يدل على أنه يجب نصر المظلوم ودفع من أراد اذلاله بوجه من الوجوه وهذا ممالا أعلم فيه خلافا وهو مندرج تحت أدلة النهي عن المنكر

باب ما جاء في كسر أواني الخمر

1 - عن أنس عن أبي طلحة " أنه قال يا رسول الله أني اشتريت خمرا لا يتام في حجري فقال أهرق الخمر واكسر الدنان "
- رواه الترمذي والدارقطني

2 - وعن ابن عمر قال " أمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة فاتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال اغد علي بها ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جابت من الشام فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق تحضرته ثم أعطانيها وأمر الذين كانوا معه أن يمضوا معي ويعاونوني وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته "
- رواه أحمد

3 - وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال " كان عبد الله يحلف بالله ان التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حرمت الخمر أن تكسر دنانه وإن تكفأ لمن التمر الذبيب "
- رواه الدارقطني

- حديث أنس عن أبي طلحة رجال إسناده ثقات وأصله في صحيح مسلم وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أنس قال الترمذي وهو أصح . وحديث ابن عمر أشار إليه الترمذي وذكره الحافظ في الفتح وعزاه إلى أحمد كما فعل المصنف ولم يتكلم عليه وقال في مجمع الزوائد أنه رواه أحمد بإسنادين في احدهما أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط وفي الآخر أبو طعمة وقد وثقه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وبقية رجاله ثقاتز وحديث عبد الله رواه الدارقطني من طريق شيخه العباس بن العباس بن المغيرة الجوهري بإسناد رجاله ثقات وقد أشار إليه الترمذي أيضا ( وفي الباب ) عن جابر وأبي سعيد ( وأحاديث الباب ) تدل على جواز اهراق الخمر وكسر دنانها وشق ازقاقها وإن كان مالكها غير مكلف وقد ترجم البخاري في صحيحه لهذا فقال باب هل تكسر الدنان التي فيها خمر وتخرق الزقاق قال في الفتح لم يثبت الحكم لأن المعتمد فيه التفصيل فإن كان الاوعية بحيث يراق ما فيها فإذا غسلت طهرت واتتفع بها لم يجز اتلافها وإلا جاز ثم ذكر أنه أشار البخاري بالترجمة إلأى حديث أبي طلحة وابن عمر وقال إن الحديثين ان ثبتا فإنما أمر بكسر الدنان وشق الزقاق عقوبة لاصحابها وإلا فالانتفاع بها بعد تطهيرها ممكن كما دل عليه حديث سلمة المذكور في البخاري وغيره في غسل القدور التي طبخت فيها الخمر واذنه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك بعد أمره بكسرها قال ابن الجوزي أراد التغليظ عليهم في طبخهم مانهى عن أكله فلما رأى أذعانهم اقتصر على غسل الأواني وفيه رد على من زعم أن دنان الخمر لا سبيل إلى تطهيرها لما يداخلها من الخمر فإن الذي دخل القدور من الماء الذي طبخت به الخمر نظيره وقد أذن صلى الله عليه وآله وسلم في غسلها فدل على إمكان تطهيرها

كتاب الشفعة

1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفقة "
- رواه أحممد والبخاري . وفي لفظ " إنما جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشفعة " الحديث . رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه : وفي لفظ " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " رواه الترمذي وصححه

2 - وعن أبي هريرة " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قسمت الدار وحدت فلا شفعة فيها " رواه أبو داود وابن ماجه بمعناه

3 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به "
- رواه مسلم والنسائي وأبو داود

- حديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات . قوله " قضي بالشفعة " قال في الفتح الشفعة بضم المعجمة وسكون الفاء وغلط من حركها وهي مأخوذة لغة من الشفع وهو الزوج وقيل من الزيادة وقيل من الإعانة . وفي الشرع انتقال حصة شريك إلى شريك كانت انتقلت إلى أجنبي بمثل العوض المسمى ولم يختلف العلماء في مشروعيتها إلا ما نقل عن أبي بكر الأصم من إنكارها اه . قوله " في كل ما لم يقسم " طاهر هذا العموم ثبوت الشفعة في جميع الأشياء وأنه لا فرق بين الحيوان والجماد والمنقول وغيره . وقد ذهب إلى ذلك العترة ومالك وأبو حنيفة وأصحابه
وسياتي تفصيل الخلاف في ذلك : قوله " فإذا وقعت الحدود " أي حصلت قسمة الحدود في المبيع واتضحت بالقسمة مواضعها : قوله " وصرفت " بضم الصاد وتخفيف الراء المكسورة وقيل بتشديدها أي بينت مصارفها وكأنه من التصريف والتصرف . قال ابن مالك معناه خلصت وبانت وهو مشتق من الصرف عنه الخلط فعلى هذا صرف مخفف الراء وعلى الأول أي التصريف والتصرف مشدد . قوله " فلا شفعة " استدل به من قال أن الشفعة لا تثبت إلا بالخلطة لا بالجوار وقد حكى في البحر هذا القول عن علي وعمر وعثمان وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمنر بن عبد العزيز وربيعة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وعبيد الله بن الحسن والإمامية وحكى في البحر أيضا عن العترة وأبي حنيفة وأصحابة والثوري وابن أبي ليلى وابن سيرين ثبوت الشفعة بالجوار وأجابوا عن حديث جابر بمن قاله أبو حاتم أن قوله " إذا وقعت الحدود " الخ مدرج من قوله ورد ذلك بأن الأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل ورود ذلك في حديث غيره مشعر بعدم الإدراج بعدم إخراج مسلم لتلك الزيادة ويجاب عنه بأنه قد يقتصر بعض الأئمة على ذكر بعض الحديث والحكم للزيادة لا سيما وقد أخرجها مثل البخاري على أن معنى هذه الزيادة التي أدعى أهل القول الثاني ادراجها هو معنى قوله في كل ما لم يقسم ولا تفاوت إلا بكون دلالة أحدهما على هذا المعنى بالمنطوق والآخر بالمفهوم ( احتج ) أهل القول الثاني بالأحاديث الواردة في إثبات الشفعة بالجوار كحديث سمرة والشريد ابن سويدج وأبي رافع وجابر وستأتي . وأما الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة لمطلق الشريك كما في حديث جابر المذكور من قوله في كل شركة وكما في حديث عبادة بن الصامت الآتي فلا تصلح للاحتجاج بها على ثبوت الشفعة للجار إذ لا شركة بعد القسمة وقد أجاب أهل القول الأول عن الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار بأن المراد بها الجار الأخص وهو الشريك المخالط لأن كل شيء قارب شيئا يقال له جار كما قيل لامرأة الرجل جارة لما بينهما من المخالطة وبهذا يندفع ما قيل أنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا . قال ابن المنير ظاهر حديث أبي رافع الآتي أنه كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصا شائعا من منزل سعد ويدل على ذلك ما ذكره عمر بن شبة أن سعدا كان اتخذ دارين بالبلاط متابلتين بينهما عشرة أذرع وكانت التي على اليمين المسجد منهما لأبي رافع فاشتراها سعد منه ثم ساق الحديث الآتي فاقتضى كلامه أن سعدا كان جارا لابي رافع قبل أن يشتري منه داره لا شريكا كذا قال الحافظ . وقال أيضا ذكر بعض الحنفية أنه يلزم الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجار لأن الجار حقيقة لأن الجار حقيقة في المجاور مجاز في الشريك . وأجيب بأن محل ذلك عند التجريد وقد قامت القرينة هنا على المجاز فاعتبر الجمع بين حديثي جابر وأبي رافع فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقا لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك والذين قالوا بشفعة الجوار قدموا الشريك مطلقا ثم المشارك في الشرب ثم المشارك في الطريق ثم الجار على من ليس بمجاور وأجيب بأن المفضل عليه مقدر أي الجار أحق من المشتري الذي لا جوار له . قال في القاموس الجار المجاور والذي أجرته من أن يظلم والمجير ووالمستجير والشريك في التجارة وزوج المرأة وما قرب من المنازل والمقاسم والحليف والناصر اه
( والحاصل ) أن الجار المذكور في الأحاديث الآتية إن كان يطلق على الشريك في الشيء والمجاور له بغير شركة كانت مقتضية بعمومها لثبوت الشفعة لهما جميعا وحديث جابر وأبي هريرة المذكوران يدلان على عدم ثبوت الشفعة للجار الذي لا شركة له فيخصصان عموم أحاديث الجار ولكنه يشكل على هذا الحديث الشريد بن سويد فإن قوله ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار مشعر بثبوت الشفعة لمجرد الجوار وكذلك حديث سمرة لقوله فيه " جار الدار أحق بالدار " فإن ظاهره أن الجوار المذكور جوار لا شركة فيه ويجاب بأن هذين الحديثين لا يصلحان لمعارضة ما في الصحيح على أنه يمكن الجمع بما في حديث جابر الآتي بلفظ " إذا كان طريقهما واحد " فإنه يدل على أن الجوار لا يكون مقتضيا للشفعة إلا مع اتحاد الطريق لا بمجرده ولا عذر لمن قال بحمل المطلق على المقيد من هذا أن قال بصحة هذا الحديث وقد قال بهذا أعني ثبوت الشفعة للجار مع اتحاد الطريق بعض الشافعية ويؤيده أن شرعية الشفعة إنما هي لدفع الضرر وهو إنما يحصل في الأغلب مع المخالط في الشيء المملوك أو في طريقه ولا ضرر على جار لم يشارك في أصل ولا طريق إلا نادرا واعتبار هذا النادر يستلزم ثبوت الشفعة للجار مع عدم الملاصقة لأن حصول الضرر قد يقع في نادر الحالات كحجب الشمس والإطلاع على العورات ونحوهما من الروائح الكريهة التي يتأذى بها ورفع الأصوات وسماع بعض المنكرات ولا قائل بثبوت الشفعة لمن كان كذلك والضرر النادر غير معتبر لأن الشارع علق الأحكام بالأمور الغالبة فعلى فرض أن الجار لغة لا يطلق إلا على من كان ملاصقا غير مشارك ينبغي تقييد الجوار باتحاد الطريق ومقتضاه أن تثبت الشفعة بمجرد الجوار وهو الحق وقد زعم صاحب المنار أن الأحاديث تقتضي ثبوت الشفعة للجار والشريك ولا منافاة بينها . ووجه حديث جابر بتوجيه بارد والصواب ما حررناه . قوله " في كل شركة " في مسلم وسنن أبي داود في كل شرك وهو بكسر الشين المعجمة وإسكان الراء من أشركته في البيع إذا جعلته لك شريكا ثم خفف المصدر بكسر الأول وسكون الثاني فيقال شرك وشركة كما يقال كلم وكلمة . قوله " ربعة " بفتح الراء وسكون الموحدة تأنيث ربع وهو المنزل الذي يرتبعون فيه في الربيع ثم سمى به الدار والمسكن : قوله " لا يحل له أن يبيع " الخ ظاهره أنه يجب على الشريك إذا أراد البيع أن يؤذن شريكه وقد حكى مثل ذلك القرطبي عن بعض مشايخه وقال شرح الإرشاد الحديث يقتضي أنه يحرم البيع قبل العرض على الشريك . قال ابن الرفعة ولم أظفر به عن أحد من أصحابنا ولا محيد عنه وقد قال الشافعي إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط . وقال الزركشي أنه صرح به الفارقي . قال الأذرعي أنه الذي يقتضيه نص الشافعي وحمله الجمهور من الشافعية وغيرهم على الندب وكراهة ترك الأهلام قالوا لأنه يصدق على المكروه أنه ليس بحلال وهذا إنما يتم إذا كان اسم الحلال مختصا بما كان مباحا أو مندوبا أو واجبا وهو ممنوع فإن المكروه من أقسام الحلال كما تقرر في الأصول : قوله " فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به " فيه دليل على ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يؤذنه شريكه بالبيعع وأما إذا أعلمه الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذه بالشفعة فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة والهادوية وابن أبي ليلى والبتي وجمهور أهل العلم أن له أن يأخذه بالشفعة ولا يكون مجرد الأذن مبطلا لها . وقال الثوري والحكم وأبو عبيد وطائفة من أهل الحديث ليس له أن يأخذه بالشفعة بعد وقوع الإذن منه بالبيع وعن أحمد روايتان كالمذهبين ودليل الآخرين مفهوم الشرط فإنه يقتضي عدم ثبوت الشفعة مع الإيذان مع البائع . ودليل الأولين الأحاديث الواردة في سفعة الشريك والجار من غير تقييد وهي منطوقات لا يقاومها ذلك المفهوم ويجاب بأن المفهوم المذكور صالح لتقييد تلك المطلقات عند من عمل بمفهوم الشرط من أهل العلم والترجيح إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وقد أمكن ههنا بحمل المطلق عل المقيد

4 - وعن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والدور "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند ويحتج بعمومه من أثبتها للشريك فيما تضره القسمة

5 - وعن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " جار الدار أحق بالدار من غيره "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه

6 - وعن الشريد بن سويد قال " قلت يا رسول الله أرض ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار فقال الجار أحق بسقبه ما كان "
- رواهأحمد والنسائي وابن ماجه ولابن ماجه مختصر " الشريك أحق بسقبه ما كان "

- حديث عبادة أخرجه أيضا الطبراني في الكبير وهو من رواية إسحاق عن عبادة ولم يدركه وتشهد لصحته الأحاديث الواردة في ثبوت الشفعة فما هو أعم من الأرض والدار كحديث جابر المتقدم وكحديث ابن عباس عند البيهقي مرفوعا بلفظ " الشفعة في كل شيء " ورجاله ثقات الا أنه أعل بالإرسال . وأخرج الطحاوي له شاهدا من حديث جابر بإسناد لا بأس بروايه كما قال الحافظ ويشهد لحديث عبادة أيضا الأحاديث الواردة بثبوت الشفعة في خصوص الأرض كحديث شريد بن سويد المذكور في خصوص الدار كحديث سمرة المذكور أيضا وهكذا تشهد له الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار على العموم وحديث سمرة أخرجه أيضا البيهقي والطبراني والضياء وفي سماع الحسن عن سمرة مقال معروف قد تقدم التنبيه عليه ولكنه أخرج هذا الحديث أبو بكر ابن أبي خيثمة في تاريخه والطحاوي وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والضياء عن أنس وأخرجه ابن سعد عن الشريد بن سويد بلفظ حديث سمرة المذكور وحديث الشريد بن سويد أخرجه أيضا عبد الرزاق والطيالسي والدارقطني والبيهقي قال في المعالم إن حديث الجار أحق بسقيه لم يروه أحد غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وتكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث قال وقد تكلم الناس في إسناد هذا الحديث واضطراب الرواة فيه فقال بعضهم عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع وقال بعضهم عن أبيه عن أبي رافع وأرسله بعضهم والأحاديث التي جاءت في نقيضه أسانيدها جياد ليس في شيء منا اضطراب : قوله " جار الدار أحق " قال في شرح السنة هذه اللفظة تستعمل فيمن لا يكون غيره أحق منه والشريك بهذه الصفة أحق من غيره وليس غيره أحق منه وقد استدل بهذا القائلون بثبوت الشفعة للجار وأجاب المانعون بأنه محمول على تعهده بالأحسان والبر بسبب قرب داره كذا قال الشافعي ولا يخفى بعده ولكنه ينبغي أن يقيد بما سيأتي من اتحاد الطريق ومقتضاه عدم ثبوت الشفعة بمجرد الجوار : قوله " أحق بسقبه " بفتح السين المهملة ويجوز فتح القاف واسكانها وهو القرب والمجاورة . وقد استدل بهذا الحديث القائلون بثبوت شفعه الجار وأجاب المانعون بما سلف قال البغوي ليس في هذا الحديث ذكر الشفعة فيحتمل أن يكون المراد به الشفعة ويحتمل أن يكون أحق بالبر والمعونة اه ولا يخفى بعد هذا الحمل لاسيما بعد قوله " ليس لأحد فيها شرك " والأولى الجواب بحمل هذا المطلق على المقيد الآتي من حديث جابر ( لا يقال ) ان نفي الشرك فيها يدل على عدم اتحاد الطريق فلا يصح تقييده بحديث جابر الآتي لانا نقول إنما الشرك عن الأرض لا عن طريقها ولو سلم عدم صحة التقييد باتحاد الطريق فأحاديث إثبات الشفعة بالجوار مخصصة بما سلف ولو فرض عدم صحة التخصيص للتصريح بنفي الشركة فهي مع مافيها من المقال لا تنتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بنفي شفعة الجار الذي ليس بمشارك كما تقدم

7 - وعن عمرو بن الشريد قال " وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور ابن مخرمة ثم جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ياسعد ابتع مني بيتي في دارك فقال سعد والله ما أبتاعها فقال المسور والله لتبتاعنها فقال سعد والله ما أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمائة دينار ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الجار أحق بسقبه ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطي بها خمسمائة دينار فأعطاها أياه "
- رواه البخاري

- قوله " ابتع بيتي " بلفظ التثنية أي البيتين الكائنين في دارك . قوله " فقال المسور " في رواية ان أبا رافع سأل المسوران يساعده على ذلك . قوله " منجمة أو مقطعة " شك من الراوي والمراد مؤجله على أقساط معلومة . قوله " أربعة آلاف " في رواية للبخاري في كتاب ترك الحيل من صحيحه أربع مائة مثقال وهو يدل على أن المثقال إذ ذاك كان بعشرة دراهم والحديث فيه مشروعية العرض على الشريك وقد تقدم الكلام على ذلك وفيه أيضا ثبوت الشفعة بالجوار وقد سلف بيانه . قال المصنف رحمه الله ومعنى الخبر والله أعلم أنما هو الحث على عرض المبيع قبل البيع على الجار وتقديمه على غيره من الزبون كما فهمه الراوي فإنه أعرف بما سمع اه الربن الدفع ويطلق على بيع المزابنة وقد تقدم وعلى بيع المجهول بالمجهول من جنسه وعلى بيع المغابنة في الجنس الذي لا يجوز فيه الغبن أفاد معنى ذلك في القاموس

8 - وعن عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر " قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وان كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا "
- رواه الخمسة إلا النسائي

- الحديث حسنه الترمذي قال ولانعلم أحدا روى هذا الحديث غير عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وقد تكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث وعبد الملك هو ثقة مأمون عند أهل الحديث اه وقال الشافعي نخاف أن لا يكون محفوظا وقال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به ويروى عن جابر خلاف هذا اه قال المصنف رحمه الله تعالى وعبد الملك هذا ثقة مأمون ولكن قد أنكر عليه هذا الحديث قال شعبة سها فيه عبد الملك فإن روى حديثا مثله طرحت حديثه ثم ترك شعبة التحديث عنه وقال أحمد هذا الحديث منكر وقال ابن معين لم يروه غير عبد الملك وقد أنكروه عليه قلت ويقوى ضعفه رواية جابر الصحيحة المشهورة المذكورة في أول الباب اه ولا يخفى أنه لم يكن في شيء من كلام هؤلاء الحفاظ ما يقدح بمثله وقد احتج مسلم في صحيحه بحديث عبد الملك بن أبي سليمان وأخرج له أحاديث واستشهد به البخاري ولم يخرجا له هذا الحديث . قوله " ينتظر بها " مبني للمفعول قال ابن رسلان يحتمل انتظار الصبي بالسفعة حتى يبلغ وقد أخرج الطبراني في الصغير والأوسط عن جابر أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على شفعته حتى يدرك فإذا أدرك فإن شاء أخذ وإن شاء ترك وفي إسناده عبد الله بن بزيع : قوله " وان كان غائبا " فيه دليل على أن شفعة الغائب لا تبطل وان تراخى وظاهره انه لا يجب عليه السير متى بلغه للطلب أو البعث برسول كما قال مالك وعند الهادوية انه يجب عليه ذلك إذا كان مسافة غيبته ثلاثة أيام فما دونها وإن كانت المسافة فوق ذلك لم يجب . قوله " إذا كان طريقهما واحدا " فيه دليل على أن الجوار بمجرده لا تثبت به الشفعة بل لا بد معه من اتحاد الطريق ويؤيد هذا الأعتبار قوله في حديث جابر وأبي هريرة المتقدمين فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة . وقد أسلفنا الكلام على الشفعة بمجرد الجوار
( فائدة ) من الأحاديث الواردة في الشفعة حديث ابن عمر عند ابن ماجه والبزار بلفظ " لاشفعة لغائب ولا لصغير والشفعة كحل عقال " وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن البيلماني وله مناكير كثيرة . وقال الحافظ في إسناده ضعيف جدا وضعفه ابن عدي وقال ابن حبان لا أصل له . وقال أبو زرعة منكر . وقال البيهقي ليس بثابت وروى هذا الحديث ابن حزم عن ابن عمر أيضا بلفظ " الشفعة كحل العقال فإن قيدها مكانه ثبت حقه وإلا فاللوم عليه " وذكره عبد الحق في الأحكام عنه تعقبه ابن القطان بأنه لم يروه في المحلى ولعله في غير المحلى . وأخرج عبد الرزاق من قول شريح إنما الشفعة لمن واثبها وذكره قاسم بن ثابت في دلائله ورواه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي بلا إسناد بلفظ " الشفعة لمن واثبها " أي بادر إليها ويروى " الشفعة كنشط عقال "

كتاب اللقطة

1 - عن جابر قال " رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به "
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بتمرة في الطريق فقال لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها "
- أخرجاه . وفيه إباحة المحقرات في الحال

- حديث جابر في إسناده المغيرة بن زياد قال المنذري تكلم فيه غير واحد وفي التقريب صدوق له أوهام وفي الخلاصة وثقه وكيع وابن معين وابن عدي وغيرهم وقال أبو حاتم شيخ لا يحتج به . قوله " اللقطة " بضم اللام وفتح القاف على المشهور لا يعرف المحدثون غيره كما قال الأزهري وقال عياض لا يجوز غيره . وقال الخليل هي بسكون القاف وأما بالفتح فهو كثير الألتقاط قال الأزهري هذا الذي قاله هو القياس ولكن الذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة والحديث الفتح وقال الزمخشري في الفائق بفتح القاف والعامة تسكنها قال في الفتح وفيها لغتان أيضا لقاطة بضم اللام ولقطة بفتحهما : قوله " واشباهه " يعني كل شيء يسير : قوله " ينتفع به " فيه دليل على جواز الأنتفاع بما يوجد في الطرقات من المحقرات لا يحتاج إلى تعريف وقيل أنه يجب التعريف بها ثلاثة ايام لما أخرجه أحمد والطبراني والبيهقي والجوزجاني واللفظ لأحمد من حديث يعلى بن مرة مرفوعا من ألتقط لقطة يسيرة حبلا أو درهما أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام زاد الطبراني فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها وفي إسناده عمر بن عبد الله بن يعلى وقد صرح جماعة بضعفه ولكنه قد أخرج له ابن خزيمة متابعة وروى عنه جماعات وزعم ابن جزم أنه مجهول وزعم هو وابن القطان أن يعلى وحكيمة التي روت هذا الحديث عن يعلى مجهولان . قال الحافظ وهو عجب منهما لأن يعلى صحابي معروف الصحبة قال ابن رسلان ينبغي أن يكون هذا الحديث معمول به لأن رجال إسناده ثقات وليس فيه معارضة للأحاديث الصحيحة بتعريف سنة لأن التعريف سنة هو الأصل المحكوم به عزيمة وتعريف الثلاث رخصة تيسيرا للملتقط لأن الملتقط اليسير والرخصة لا تعارض العزيمة بل لا تكون إلا مع بقاء حكم الأصل كما هو مقرر في الأصول ويؤيد تعريف الثلاث ما رواه عبد الرزاق عن أبي سعيد أن عليا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدينار جده في السوق فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرفه ثلاثا ففعل فلم يجد أحد يعرفه فقال كله اه وينبغي يضا أن تقيد مطلق الانتفاع المذكور في حديث الباب بالتعريف بالثلاث المذكور فلا يجوز للملتقط أن ينتفع بالحقير إلا بعد التعريف به ثلاثا حملا للمطلق على المقيد وهذا إذا لم يكن ذلك الشيء الحقير مأكولا جاز أكله ولم يجب التعريف به أصلا كالتمرة ونحوها لحديث أنس المذكور لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين أنه لم يمنعه من كل التمرة إلا خشية أن تكون من الصدقة ولولا ذلك لأكلها وقد روى ابن أبي شيبة عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أ ها وجدت تمرة فأكلتها وقالت لا يحب الله الفساد . قال في الفتح يعني أنها لو تركتها فلم تؤخذ فتؤكل لفسدت قال وجواز الأكل هو المجزوم به عند الأكثر اه ويمكن أن يقال أنه يقيد حديث تمرة بحديث التعريف ثلاثا كما قيد به حديث الانتفاع ولكنها لم تجر للمسلمين عادة بمثل ذلك وأيضا الظاهر من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأكلتها بعد التعريف بها ثلاثا وقد اختلف أهل العلم في مقدار التعريف بالحقير فحكى في البحر عن زيد بن على والناصر والقاسمية والشافعي أن يعرف به سنة كالكثيرين وحكي عن المؤيد بالله والإمام يحيى وأصحاب أبي حنيفة أنه يعرف به ثلاثة أيام ( واجتج ) الأولون بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " عرفها سنة " قالوا ولم يفصل واحتج الآخرون بحديث يعلى بن مرة وحديث على جعلوهما مخصصين لعموم حديث التعريف سنة وهو الصواب لما سلف قال الإمام المهدي قلت الأقوى تخصيصه بمامر للحرج اه يعني تخصيص حديث السنة بحديث التعريف ثلاثا

3 - وعن عياض بن حمار قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل أو ليحفظ عفاصها ووكاءها فإن صاحبها فلا يكتم فهو أحق بها وأن لم يجيء صاحبها فهو مال الله يؤتيه من يشاء "
- رواه أحمد ومسلم

5 - وعن زيد بن خالد " قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اللقطة الذهب والورق فقال أعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه وساله عن ضالة الإبل فقال مالك ولها دعها فإ معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها وسأله عن الشاة فقال له خذها فإنما هي لك ولأخيك أو للذئب "
- متفق عليه . ولم يقل فيه أحمد الذهب أو الورق وهو صريح في التقاط الغنم : وفي رواية " فإن جاء صاحبها فعرف عصافها وعددها ووكاءها فأعطها اياه وإلا فهي لك " رواه مسلم . وهو دليل على دخوله في ملكه وإن لم يقصد

6 - وعن أبي بن كعب في حديث اللقطة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عرفها فإن جاء أحد يخبرك بدتها ووعائها ووكائها فأعطها اياه وإلآ فاستمتع بها "
- مختصر من حديث أحمد ومسلم والترمذي . وهو دليل وجوب الدفع بالصفة

- حديث عياض بن حمار أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن حبان ولفظه " ثم لا يكتم ولا يغيب فإن جاء صاحبها فهو أحق بها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء " وفي لفظ للبيهقي " ثم لا يكتم وليعرف " ورواه الطبراني وله طرق ( وفي الباب ) عن مالك بن عمير عن أبيه أخرجه أبو موسى المديني في الذيل : قوله " فليشهد " ظاهر الأمر يدل على وجوب الأشهاد وهو أحد قولي الشافعي وبه قال أبو حنيفة وفي كيفية الاشهاد قولان أحدهما يشهد أنه وجد لقطة ولا يعلم بالعفاص ولا غيره لئلا يتوصل بذلك الكاذب إلى أخذها . والثاني يشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوارث واشار بعض الشافعية إلى التوسط بين الوجهين فقال لا يستوعب الصفات ولكن يذكر بعضها قال النووي وهو الأصح والثاني من قولي الشافعي أنه لا يجب الأشهاد وبه قال مالك وأحمد وغيرهما قالوا وإنم يستحب احتياطا لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر به في حديث زيد بن خالد ولو كان واجبا لبينه . قوله " عفاصها " بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء وبعد الألف صاد مهملة وهو الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلدا كان أو غيره وقيل له العفاص أخذا من العفص وهو الثني لأن الوعاء على ما فيه . وقد وقع زوائد المسند لعبد الله بن أحمد في حديث أبي " وخرقتها " بدل عفاصها والعفاص أيضا الجلد الذي يكون على رأس القارورة وأما الذي يدخل فم القارورة من جلدا وغيره فهو الصمام بكسر الصاد المهملة فحيث يذكر العفاص مع الوعاء فالمراد الثاني وحيث يذكر العفاص مع الوكاء فالمراد به الأول كذا في الفتح . والوكاء بكسر الواو والمد الخيط الذي يشد به الوعاء التي تكون في النفقة يقال أوكيته ايكاء فهو موكأ ومن قال الوكا بالقصر فهو وهم : قوله " فلا يكتم " أي لا يجوز كتم اللقطة إذا جاء لها صاحبها وذكر من أوصافها ما يغلب الظن بصدقه . قوله " يؤتيه من يشاء " استدل به من قال أن الملتقط يملك اللقطة بعد أن يعرف بها حولا وهو أبو حنيفة لكن بشرط أن يكون فقيرا وبه قالت الهادوية واستدلوا على اشتراط الفقر بقوله في هذا الحديث فهو مال الله قالوا وما يضاف إلى الله إنما يتملكه من يستحق الصدقة وذهب الجمهور إلى أنه يجوز له أن يصرفها في نفسه بعد التعريف سواء كان غنيا أو فقيرا لإطلاق الأدلة الشاملة للغني والفقير كقوله " فاستمتع بها " وفي لفظ فهي كيل مالك . وفي لفظ فاستنفقها وفي لفظ " فهي لك " وأجابوا عن دعوى أن الأضافة تدل على الصرف إلى الفقير بأن ذلك لا دليل عليه فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله قال الله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } قوله " لا يأوي الضالة " الخ في نسخة يؤوي وهو مضارع آوى بالمد والمراد بالضال من ليس بمهتد لأن حق الضالة أن يعرف بها فإذا أخذها من دون تعريف كان ضالا وسيأتي بقية الكلام على هذا في آخر الباب . قوله " أعرف عفاصها ووكاءها " الغرض من هذه المعرفة معرفة الآلات التي تحفظ فيها اللقطة ويلتحق بما ذكر حفظ الجنس والصفة والقدر هو الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن والزرع فيما يزرع وقد اختلفت الروايات ففي بعضها معرفة العفاص والوكاء قبل التعريف كما في الرواية المذكورة في الباب
وفي بعضها التعريف مقدم على معرفة ذلك كما في رواية للبخاري بلفظ " عرفها ثم عرف عفاصها ووكاءها " قال النووي يجمع بين الروايتين بأن يكون مأمورا بالمعرفة في حالتين فيعرف العلامات وقت الالتقاط حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها ثم يعرفها مرة أخرى بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها ليعلم قدرها وصفتها إذا جاء صاحبها بعد ذلك فردها إليه . قال الحافظ ويحتمل أن تكون ثم في الروايتين بمعنى الواو فلا تقتضي تربيبا فلا تقضي تخالفا يحتاج إلى الجمع ويقويه كون المخرج واحدا والقصة واحدة وإنما يحسن الجمع بما تقدم لوكان المخرج مختلفا أو تعددت القصة وليس الغرض الا أن يقع التعرف والتعريف مع قطع النظرعن أيهما يسبق . قال واختلف العلماء في هذه المعرفة على قولين أظهرهما الوجوب لظاهر الأمر وقيل يستحب . وقال بعضهم يجب عند الالتقاط ويستحب بعده . قوله " ثم عرفها " بتشديد الراء وكسرها أي اذكرها للناس : قال في الفتح قال العلماء محل ذلك المحافل كأبواب المساجد والأسواق ونحو ذلك يقول من ضاعت له نفقة ونحو ذلك من العبارات ولا يذكر شيئا من الصفات . قوله " سنة " الظاهر أن تكون متوالية ولكن على وجه لا يكون على جهة الاستيعاب فلا يلزمه التعريف بالليل ولا استيعاب الأيام بل على المعتاد فيعرف في الأبتداء كل يوم مرتين في طرفي النهار ثم في كل يوم مرة ثم في كل أسبوع مرة ثم في كل شهر ولا يشترط أن يعرفها بنفسه بل يجوز له توكيل غيره ويعرفها في مكان وجودها وفي غيره كذا قال العلماء وظاهره أيضا وجوب التعريف لأن الأمر يقتضي الوجوب ولا سيما وقد سمي صلى الله عليه وآله وسلم من لم يعرفها ضالا كما تقدم وفي وجوب المبادرة إلى التعريف خلاف مبناء هل الأمر يقتضي الفور أم لا وظاهره أيضا أنه لا يجب التعريف بعد السنة وبه قال الجمهور وادعى في البحر الإجماع على ذلك . ووقع في رواية من حديث أبي عند البخاري وغيره بلفظ " وجدت صرة فيها مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عرفها حولا فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته ثانيا فقال عرفها حولا فلم أجد ثم أتيته ثالثا فقال أحفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فأستمتعت فلقيته بعد بمكة فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا " هكذا في البخاري وذكر البخاري الحديث في موضع أخر من صحيحه فزاد " ثم أتيته الرابعة فقال أعرف وعاءها " الخ قال في الفتح القائل فلقيته بعد بمكة هو شعبة والذي قال لا أدري هو شيخه سلمة بن كهيل وهو الرواي لهذا الحديث عن سويد عن أبي بن كعب قال شعبة فسمعته بعد عشر سنين يقول عرفها عاما واحدا وقد بين أبو داود الطيالسي في مسنده القائل فلقيته والقائل لا أدري فقال في أخر الحديث قال شعبة فلقيت سلمة بعد ذلك فقال لا أدري ثلاثة أحوال أوحولا واحدا . وبهذا يتبين بطلان ما قاله ابن بطال ان الذي شك هو أبي بن كعب والقائل هو سويد بن غفلة وقد رواه عن شعبة عن سلمة بن كهيل بغير شك جماعة وفيه ثلاثة أحوال الا حماد بن سلمة فإن في حديثه عامين أو ثلاثة وجمع بعضهم بين حديث أبي هذا وحديث زيد بن خالد المذكور فيه سنة فقط بأن حديث أبي محمول على مزيد الورع عن التصرف في اللقطة والمبالغة في التعفف عنها . وحديث زيد على مالا بد منه وجزم ابن جزم وابن الجوزي بأن الزيادة في حديث أبي غلط
قال ابن الجوزي والذي يظهر لي أن سلمة أخطأ فيها ثم ثبت واستمر على عام واحد ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه لا بما يشك فيه رواية . وقال أيضا يحتمل أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم عرف أن تعريفها لم يقع على الوجه الذي ينبغي فأمر ثانيا بإعادة التعريف كما قال للمسئ صلاته " ارجع فصل فإنك لم تصل " قال الحافظ ولا يخفى بعد هذا على مثل أبي مع كونه من فقهاء الصحابة وفضلائهم قال المنذري لم يقل أحد من أئمة الفتوى أن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام إلا شريح عن عمر وقد حكاه الماوردي عن شواذ من الفقهاء وحكى ابن المنذر عن عمر أربعة أقوال يعرف بها ثلاثة أحوال . عاما واحدا : ثلاثة أشهر . ثلاثة أيام وزاد ابن حزم عن عمر قولا خامسا وهو أربعة أشهر قال في الفتح ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها : قوله " فإن لم تعرف فاستنفقها " الخ قال يحيى بن سعيد الأنصاري لا أدري هذا في الحديث أم هو شيء من عند يزيد مولى المنبعث يعني الراوي عن زيد بن خالد كما حكى ذلك البخاري عن يحيى قال في الفتح شك يحيى بن سعيد هل قوله " ولتكن وديعة عنده مرفوع أم لا " وهو القدر المشار إليه بهذا دون ما قبله لثبوت ما قبله في أكثر الروايات وخلوها عن ذكر الوديعة وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه مرة أخرى كما في صحيح مسلم بلفظ " فاستنفقها ولتكن وديعة عندك " وكذلك حزم برفعها خالد بن مخلد عن سليمان عن ربيعة عند مسلم وقد أشار البخاري إلى رجحان رفعها فترجم باب إذا جاء صاحب اللقطة ردها عليه لأنها وديعة عنده والمراد بكونها وديعة أنه يجب ردها فتجور بذكر الوديعة عن وجوب رد بدلها بعد الاستنفاق لا أنها وديعة حقيقة يجب أن تبقى عينها لأن المأذون في استنفاق لا تبقى عينه كذا قال ابن دقيق العيد قال ويحتمل أن تكون الواو في قوله ولتكن وديعة بمعنى أواى أما أن تستنفقها وتغرم بدلها وأما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجيء صاحبها فتعطيها اياه ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها قال في الفتح وهو اختيار البخاري تبعا لجماعة من السلف : قوله " فإن معها حذاءها وسقاءها " الحذاء كسر المهملة بعدها ذال معجمة مع المد أي خفها والمراد بالسقاء جوفها وقيل عنقها وأشار بذلك إلى استغنائها عن الحفظ لها بما ركب في طباعها من الجلادة على العطش وتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها فلا تحتاج إلى ملتقط : قوله " لك أو لأخيك أو للذئب " فيه إشارة إلى جواز أخذها كأنه قال هي ضعيفة لعدم الاستقلال معرضة للهلاك مترددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك قال الحافظ والمراد به ماهو أعم من صاحبها أو من ملتقط آخر
والمراد بالذئب جنس ما يأكل الشاة من السباع وفيها حث على أخذها لأنه إذا علم أنها إذا لم تؤخذ بقيت . للذئب كان ذلك أدعى له إلى أخذها وفيه رد على ما روى عن احمد في رواية إن الشاة لا تلتقط وتمسك به مالك في أنه يملكها بالأخذ ولا تلزمه غرامة ولو جاء صاحبها واحتج على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوى بين الذئب والملتقط والذئب لا غرامة عليه فكذلك الملتقط وأجيب بأن اللام ليست للتمليك لأن الذئب لا يملك وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط كان له أخذها فدل على أنها باقية على ملك صاحبها ولا فرق بين قوله في اللقطة شأنك بها أو خذها وبين قوله هي لك أو لأخيك أو للذئب بل الأول أشبه بالتمليك لأنه لم يشرك معه ذئبا ولا غيره : قوله " فإن جاء أحد يخبرك " الخ فيه دليل على أنه يجوز للملتقط أن يرد اللقطة إلى من وصفها بالعلامات المذكورة من دون إقامة البينة وبه قال المؤيد بالله والامام يحيى وبعض أصحاب الشافعي وأبو بكر الرازي الحنفي قالوا لأنه يجوز العمل بالظن لاعتماده في أكثر الشريعة إذا لا تفيد البينة إلا الظن وبه قال مالك وأحمد وحكى في البحر عن القاسمية والحنفية والشافعية أن اللقطة لا ترد للواصف وإن ظن الملتقط صدقه إذ هو مدع فلا تقبل . وحكى في الفتح عن أبي حنيفة والشافعي أنه يجوز له الرد إلى الواصف إن وقع في نفسه صدقه ولا يجبر على ذلك الا ببينة قال الخطابي إن صحت هذه الفظة يعني قوله فإن جاء صاحبها يخبرك الخ لم يجز مخالفتها وهي فائدة قوله أعرف عفاصها إلى آخره وإلا فالأحتياط مع من لم يرى الرد إلا بالبينة قال ويتأولون قوله أعرف عفاصها على أنه أمره بذلك لئلا تختلط بماله أو لتكون الدعوة فيها معلومة وذكر غيره من فوائد ذلك أيضا أن يعرف صدق المدعي من كذبه وإن فيها تنبيها على حفظ المال وغيره وهو الوعاء لأن العادة جرت بإلقائه إذا أخذت النفقة وأنه إذا نبه على حفظ الوعاء كان فيه تنبيه على حفظ النفقة من باب الأولى قال الحافظ قد صحت هذه الزيادة فتعين المصير إليها اه وهذا هو الحق فترد اللقطة لمن وصفها بالصفات التي أعتبرها الشارع وأما إذا ذكر صاحب اللقطة بعض الأوصاف دون بعض كأن يذكر العفاص دون الوكاء أو العفاص دون العدد فقد أختلف في ذلك فقيل لا شيء له إلا بمعرفة جميع الأوصاف المذكورة وقيل تدفع إليه إذا جاء ببعضها وظاهر الحديث الأول وظاهره أيضا أن مجرد الوصف يكفي ولا يحتاج إلى اليمين وهذا إذا كانت اللقطة لها عفاص ووكاء وعدد فإن كان لها البعض من ذلك فالظاهر أنه يكفي ذكره وإن لم يكن لها شيء من ذلك فلا بد من ذكر أوصاف مختصة بها تقوم مقام وصفها بالأمور التي أعتبرها الشارع
قوله " وإلا فاستمتع بها " الأمر فيه للإباحة وكذا في قوله " فاستنفقها " وقد اختلف العلماء فيما إذا تصرف الملتقط في اللقطة بعد تعريفها سنة ثم جاء صاحبها هل يضمنها له أم لا فذهب الجمهور إلى وجوب الرد إن كانت العين موجودة أو البدل إن كانت استهلكت وخالف في ذلك الكرابيسي صاحب الشافعي ووافقه صاحباه البخاري وداود بن علي امام الظاهرية لكن وافق داود الجمهور إذا كانت العين قائمة ومن أدلة قول الجمهور ماتقدم بلفظ " ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها " الخ وكذلك قوله " فإن صاحبها فلا تكتم فهو أحق بها " الخ وفي رواية للبخاري من حديث زيد بن خالد " فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء صاحبها فأدها " إليه أي بدلها لأن العين لا تبقى بعد أكلها وفي رواية لأبي داود " فإن جاء باغيها فأدها إليه وإلا فأعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء باغيها فأدها إليه " فأمر بأدائها إليه قبل الأذن في أكلها وبعده . وفي رواية لأبي داود أيضا " فإن جاء صاحبها دفعتها إليه وإلا عرفت وكاءها وعفاصها ثم أقبضها في مالك فإن جاء صاحبها فأدفعها إليه " والمراد بقوله أقبضها في مالك أجعلها من جملة مالك وهو بالقاف وكسر الباء من الإقباض . قال ابن رشد اتفق فقهاء الأمصار مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي أن له أن يتصرف فيها ثم قال مالك والشافعي له أن يتملكها وقال أبو حنيفة ليس له إلا أن يتصدق بها . وروي مثل قوله عن علي وابن عباس وجماعة من التابعين وقال الأوزاعي إن كان مالا كثيرا جعله في بيت المال وروي مثل قول مالك والشافعي عن عمر وابن مسعود وابن عمر وكلهم متفق على أنه إن أكلها ضمنها لصاحبها إلا أهل الظاهر اه . قال في البحر مسألة ولا يضمن الملتقط إجماعا إلا لتفريق أو جناية إذا هو أمين حيث لم يأخذ لغرض نفسه فإن جني أو فرط فالأكثر يضمن وداود والكرابيي لا يضمن لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فإن جاء صاحبها الخبر ولم يذكر وجوب البدل قلنا أمر علي عليه السلام بغرامة الدينار في الخبر المشهور وخبركم محمول على من آيس من معرفة صاحبها اه
وحديث علي الذي أشار إليه أخرجه أبو داود عن بلال عن يحيى العبسي عنه أنه " التقط دينارا فاشترى به دقيقا فعرفه صاحب الدقيق فرد عليه الدينار فأخذه علي فقطع منه قيراطين فاشترى به لحما قال المنذري في سماع بلال بن يحيى من على نظر . وقال الحافظ إسناده حسن ورواه أيضا أبو داود عن أبي سعيد الخدري أن علي بن أبي طالب وجد دينارا فأتى به فاطمة فسألت عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال هو رزق الله فأكل منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأكل علي وفاطمة فلما كان بعد ذلك أتته امرأة تنشد الدينار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي أد الدينار " وفي إسناده رجل مجهول وأخرجه أبو داود أيضا من وجه آخر عن أبي سعيد وذكره مطولا وفي إسناده موسى بن يعقوب الزمعي وثقه ابن معين . وقال ابن عدي لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوي وروى هذا الحديث الشافعي عن الدارا وردي عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد وزاد أنه أمره أن يعرفه ورواه عبد الرزاق من هذا الوجه فجعل أجل الدينار وشبهه ثلاثة أيام وفي إسناد هذه الزيادة أبو بكر بن أبي سبرة وهو ضعيف جدا وقد أعل البيهقي هذه الروايات لاضطرابها ولمعارضتها لأحاديث اشتراط السنة في التعريف قال ويحتمل أن يكون آثما أباح له الأكل قبل التعريف للاضطرار . وعن عبد الرحمن بن عثمان قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لقطة الحاج . رواه أحمد ومسلم وقد سبق قوله في بلد مكة ولا يحل لقطتها إلا لمعرف واحتج بهما من قال لا تملك لقطة الحرم بحال بل تعرف أبدا . الحديث الثاني قد سبق في باب صيد الحرم وشجره من كتابا الحج : قوله " نهى عن لقطة الحاج " هذا النهي تأوله الجمهور بأن المراد به النهي عن التقاط ذلك للملك وأما للإنشاد بها فلا بأس ويدل على ذلك قوله في الحديث الآخر " ولا تحل لقطتها إلا لمعرف " وفي لفظ آخر " ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد " قوله " إلا لمعرف " قد استشكل تخصيص لقطة الحاج بمثل هذا مع أن التعريف لا بد منه في كل لقطة من غير فرق بين لقطة الحاج وغيره وأجيب عن هذا الإشكال بأن المعنى أن لقطة الحاج لا تحل إلا لمن يريد التعريف فقط من دون تملك فأما من أراد أن يعرفها ثم أن يتملكها فلا . وقد ذهب الجمهور إلى أن لقطة مكة لا تلتقط للتملك بل للتعريف خاصة . قال في الفتح وإنما اختصت بذلك عندهم لا مكان إيصالها إلى أربابها لافها إن كانت للمكي فظاهر وإن كانت للآفاق فلا يخلوا أفق غالبها من وارد إليها فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها قال ابن بطال وقال أكثر المالكية وبعض الشافعية هي كغيرها من البلاد وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف بأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود فاحتاج الملتقط لها إلى المبالغة في التعريف واحتج ابن منير لمذهبه بظاهر الاستثناء لأنه نفى الحل واستثنى المنشد فدل على أن الحل ثابت للمنشد لأن الاستثناء من النفي إثبات قال ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء والسياق يقتضي تخصيصها قال الحافظ والجواب أن التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهوم والغالب إن لقطة مكة بيأس ملتقطها من صاحبها وصاحبها من وجدانها لتفرق الخلق في الآفاق البعيدة فربما داخل الملتقط الطمع في تملكها من أول وهلة ولا يعرفها فنهى الشارع عن ذلك وأمر أن لا يأخذها الا من عرفها . وقال إسحاق بن راهوية معنى قوله في الحدث " الا لمنشد " أي من سمع ناشدا يقول من رأى كذا فحينئذ يجوز لواجد اللقطة أن يرفعها ليردها على صاحبها وهو أضيق من قول الجمهور لانه قيده بحالة للمعروف دون حالة ويرد عليه قوله الا لمعرف والحديث يفسر بعضه بعضا . وقد حكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه وأحد قولي الشافعي أنه لافرق بين لقطة الحرم وغيره واحتج لهم بأن الأدلة لم تفصل

7 - وعن منذر بن جرير " قال كنت مع أبي جرير بالبوازيج في السواد فراحت البقر فرأى بقرة أنكرها فقال ما هذه البقرة قالوا بقرة لحقت بالبقر فأمر بها فطردت حتى توارت ثم قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يأوي الضالة الا ضال "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . ولمالك في الموطأ عن ابن شهاب قال " كانت ضوال الأبل في زمن عمر بن الخطاب ابلا مؤبلة تتناتج لا يمسكها أحد حتى إذا كان عثمان أمر بمعرفتها ثم تباع فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها "

- حديث منذر أخرجه أيضا النسائي وأبو يعلى والطبراني في الكبير والضياء في المختارة ويشهد له ما في صحيح مسلم من حديث زيد بن خالد بلفظ " لا يأوي الضالة الا ضال " وقد تقدم : قوله " عن منذر بن جرير " يعني ابن عبد الله البجلي . وقد أخرج لمنذر مسلم في الزكاة والعلم من صحيحه . قوله " بالبوازيج " بفتح الباء الموحدة وبعد الألف زاي معجمة بعدها تحتية ثم جيم كذا ضبطه البكري في معجم البلدان ثم قال كذا اتفقت الروايات فيه عند أبي داود قال ولا أعلم هذا الاسم ورد الا في هذا الحديث وصوابه عندي الموازج بالميم وهو المحفوظ قال والموائج من ديار هذيل وهي متصلة بنواحي المدينة . وقال ابن السمعاني بوازيج بالباء الموحدة وبعد الالف زاي بلدة قديمة فوق بغداد خرج منها جماعة من العلماء قديما وحديثاه . وقال المنذري بوازيج الأنبار فتحها جرير بن عبد الله وبها قوم من مواليه وليست بوازيج الملك التي بين تكريت واربل . قوله " لا يأوي الضالة " الخ قد تقدم ضبطه وتفسيره والمراد بالضالة هنا ما يحمي نفسه من الأبل والبقر ويقدر على الأبعاد في طلب المرعى والماء بخلاف الغنم فالحيوان الممتنع من صغار السباع لا يجوز التقاطه سواء كان لكبر جثته كالأبل والخيل والبقر أو يمنع نفسه بطيرانه كالطيور المملوكة أن بنابه كالفهود ولا يجوز لغير الامام ونائبه أخذها ويمكن أن يقيد مطلق هذا الحديث بما تقدم في حديث زيد بن خالد لقوله فيه مالم يعرفها ويكون وصف الذي يأوي الضالة بالضلال مقيدا بعدم التعريف وأما التقاط الأبل ونحوها فقد استفيد المنع منه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " مالك ولها دعها " . قوله " مؤبلة " كمعظمة أي كثيرة متخذة للقنية . وفي هذا الأثر جواز التقاط الأبل للامام وجواز بيعها وإذا جاء مالكها ذفع إليه الامام ثمنها

كتاب الهبة والهدية

باب افتقارها إلى القبول والقبض وأنه على ما يتعارفه الناس

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لو دعيت إلى كراع أو ذراع لاجبت ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت "
- رواه البخاري

2 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوأهدى إلي كراع لقبلت ولو دعيت عليه لاجبت "
- رواه أحمد والترمذي وصححه

- في الباب عن أم حكيم الخزاعية عند الطبراني قالت " قلت يا رسول الله تكره رد اللطف قال ما أقبحه لو أهدى إلى كراع لقبلت " قال في القاموس اللطف بالتحريك اليسير من الطعام : قوله " كتاب الهبة " بكسر الهاء وتخفيف الموحدة قال في الفتح تطلق بالمعنى الأعم على الأنواع الأبراء وهو هبة الدين ممن هو عليه والصدقة وهي هبة ما يتمحض به طلب ثواب الآخرة والهدية وهي ما يلزم به المرهون له عوعوضه ومن خصها بالحياة اخرج الوصية وهي تكون إيضا بالأنواع الثلاثة وتطلق الهبة بالمعنى الأخص على ما لا يقصد له بدل وعليه ينطبق قول من عرف الهبة بأنها تمليك للا عوض اه : قوله " والهدية " بفتح الهاء وكسر الدال المهملة بعدها ياء مشددة ثم تاء تأنيث قال في القاموس الهدية كغنيمة ما أتحف به : قوله " إلى كراع " هو ما دون الكعب من الدابة . وقيل هو اسم مكان قال الحافظ ولا يثبت ويرده حديث أنس وحديث أم حكيم المذكوران وخص الكراع والذراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير لأن الذراع كانت أحب إليه من غيرها والكراع لا قيمة له وفي المثل اعط العبد كراعا يطلب ذراعا هكذا في الفتح والظاهر أن مراده صلى الله عليه وآله وسلم الحض على إجابة الدعوة ولو كانت إلى شيء حقير كالكراع والذراع وعلى قبول الهدية ولو كانت شيئا حقيرا من كراع أو ذراع وليس المراد الجمع بين الحقير وخطير فإن الذراع لا يعد على الإنفراد خطيرا ولم تجر عادة بالدعوة إليه ولا بإهدائه فالكلام من باب الجمع بين حقيرين وكون أحدهما أحقر من الآخر لا يقدح في ذلك ومحبته صلى الله عليه وآله وسلم للذراع لا يستلزم أن تكون في نفسها خطيرة ولا سيما في خصوص هذا المقام ولو كان ذلك مرادا له صلى الله عليه وآله وسلم لقابل الكراع الذي هو أحقر ما يهدي ويدعي إليه بأخطر ما يهدي ويدعى إليه الشاة وما فوقها ولا شك أن مراده صلى الله عليه وآله وسلم الترغيب في إجابة الدعوة وقبول الهدية وإن كانت إلى أمر حقير وفي شيء يسير . وقد ترجم البخاري لهذا الحديث فقال باب القليل من الهدية وفي الحديثين المذكورين دليل على اعتبار القبول لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لقبلت وسيأتي الخلاف في ذلك

3 - وعن خالد بن عدي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه "
- رواه أحمد

4 - وعن عبد الله بن بسر قال " كانت أختي ربما تبعثني بالشيء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطرفه إياه فيقبله مني " . وفي لفظ " كانت تبعثني إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالهدية فيقبلها "
- رواهما أحمد وهو دليل على قبول الهدية برسالة الصبي لأن عبد الله بن بسر كان كذلك مدة حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

5 - وعن أم كلثوم بنت أبي سلمة قالت " لما تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة قال لها إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وألقي من مسك ولا ارى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديتي إلا مردودة فإن ردت علي فهيلك قالت وكان كمل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وردت عليه هديته فأعطى كل إمرأة من نسائه أوقية مسك وأعطى أن سلمة بقية المسك والحلة "
- رواه أحمد
حديث خالد بني عدي قد تقدم في باب ما جاء في الفقير والمسكين من كتاب الزكاة وأعاده المصنف ههنا للاستدلال به على أن الهدية تفتقر إلى القبول لقوله فيه فليقبله . وحديث عبد الله بن بسر أخرجه أيضا الطبراني في الكبير قال في مجمع الزوائد ورجالهما يعني أحمد والطبراني رجال الصحيح وله حديث آخر أخرجه الطبراني في الكبير وفي إسناده الحكم بن الوليد ذكره ابن عدي في الكامل وذكر له هذا الحديث وقال لا أعرف هذا عن عبد الله بن بسر إلا الحكم هكذا هذا معنى كلامه قال في مجمع الزوائد وبقية رجاله ثقات . وحديث أم كلثوم أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وثقه ابن معين وغيره وضعفه جماعة . وفي إسناده أيضا أم موسى بنت عقبة قال في مجمع الزوائد لا أعرفها وبقية رجاله رجال الصحيح . قوله في حديث خالد فليقبله فيه الأمر بقبول الهدية والهبة ونحوهما من الأخ في الدين لأخيه والنهي عن الرد لما في ذلك من جلب الوحشة وتنافر الخواطر فإن التهادي من الأسباب المؤثرة للمحبة لما أخرجه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي وابن طاهر في مسند الشهاب من حديث محمد بن بكير عن ضمام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم " تهادوا تحابوا " قال الحافظ وإسناده حسن وقد اختلف فيه على ضمام فقيل عنه عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمر أورده ابن طاهر ورواه في مسند الشهاب من حديث عائشة بلفظ " تهادوا تزادوا حبا " وفي إسناده محمد بن سليمان قال ابن طاهر لا أعرفه وأورده أيضا من وجه آخر عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية وقال اسناده غريب وليس بحجة وروى مالك في الموطأ عن عطاء الخراساني رفعه " تصافحوا يذهب الغل وتهادوا وتحابوا وتذهب الشحناء " وفي الأوسط للطبراني من حديث عائشة " تهادوا تحابوا وهاجروا تورثوا أولادكم مجدا واقيلوا الكرام عثراتكم " قال الحافظ وفي إسناده نظر وأخرج في الشهاب عن عائشة " تهادوا فإن الهدية تذهب الضغائن " ومداره على محمد بن عبد النور عن أبي يوسف الأعشى عن هشام عن أبيه عنها والراوي له عن محمد هو أحمد بن الحسن المقري قال الدارقطني ليس بثقة وقال ابن طاهر لا أصل له عن هشام ورواه ابن حبان في الضعفاء من طريق بكر بن بكار عن عائذ بن شريح عن أنس بلفظ " تهادوا فإن الهدية قلت أو كثرت تذهب السخيمة " وضعفه بعائذ قال ابن طاهر تفرد به عائذ وقد رواه عنه جماعة قال ورواه كوثر بن حكيم عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وكوثر متروك وروى الترمذي من حديث أبي هريرة " تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر " وفي إسناده أبو معشر المدني تفرد به وهو ضعيف ورواه ابن طاهر في أحاديث الشهاب من طريق عصمة بن مالك بلفظ " الهدية تذهب بالسمع والبصر " ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر بلفظ " تهادوا فإن الهدية تذهب الغل " رواه محمد ابن غيزغة وقال لا يجوز الأحتجاج به قال في البخاري منكر الحديث وروى أبو موسى المديني في الذيل في ترجمة زعبل بالزاي والعين المهملة والباء الموحدة يرفعه " تزاوروا وتهادوا فإن الزيارة تثبت الوداد والهدية تذهب السخيمة " قال الحافظ وهو مرسل وليس لزعبل صحبة : قوله " فإنما هو رزق ساقه الله إليه " فيه دليل على أن الأشياء الواصلة إلى العباد على أيدي بعضهم هي من الأرزاق الألهية لمن وصلت إليه وإنما جعلها الله جارية على أيدي العباد لاثابة من جعلها على يده فالمحمود على جميع ما كان من هذا القبيل هو الله تعالى : قوله " تطرفه اياه " بالطاء المهملة والراء بعدها فاء . قال في القاموس الطرفة بالضم : الاسم من الطريف والطارف والمطرف للمال المستحدث . قال والغريب من الثمر وغيره
قوله " فيقبلها " فيه دليل على اعتبار القبول ولأجل ذلك ذكره المصنف وكذلك حديث أم كلثوم فيه دليل على أيضا على اعتبار القبول لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قبض الهدية التي بعث بها إلى النجاشي بعد رجوعها دل ذلك على أن الهدية لا تملك بمجرد الأهداء بل لابد من القبول ولوكانت ثملك بمجرد ذلك لما قبضها صلى الله عليه وآله وسلم لأنها قد صارت ملكا للنجاشي عند بعثه صلى الله عليه وآله وسلم بها فإذا مات بعد ذلك وقبل وصولها إليه صارت لورثته وإلى اعتبار القبول في الهبة ذهب الشافعي ومالك والناصر والهادوية والمؤيد بالله في أحد قوليه وذهب بعض الحنفية والمؤيد بالله في أحد قوليه إلى أن الأيجاب كاف وقد تمسك بحديث أم كلثوم أحمد وإسحاق فقالا في الهدية التي مات من أهديت إليه قبل وصولها إن كان حاملها رسول المهدي رجعت إليه وإن كان حاملها رسول المهدي إليه فهي لورثته وذهب الجمهور إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدى إليه الا بأن يقبضها هو أو وكيله . وقال الحسن أيهما مات فهي لورثة المهدى له إذا قبضها الرسول . قال ابن بطال وقول مالك كقول الحسن . وروى البخاري عن أبي عبيدة تفصيلا بين أن تكون الهدية قد انفصلت أم لا مصيرا منه إلى أن قبض الرسول يقوم مقام قبض المهدى إليه . وحديث أم كلثوم هذا أخرجه أيضا الطبراني والحاكم وحسن صاحب الفتح إسناده : قوله " ولا أرى النجاشي الا قد مات " قد سبق في صلاة الجنازة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعلم أصحابه بموت النجاشي على جهة الجزم وصلى هو وهم عليه وتقدم أنه رفع له نعشه حتى شاهده وكل ذلك يخالف ما وقع من تظننه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الرواية

6 - وعن أنس قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد وكان أكثر مال أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه العباس فقال يا رسول الله اعطني فأني فاديت نفسي وعقيلا قال خذ فحثى في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلى قال لا قال ارفعه أنت على قال لا فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يرفعه قال مر بعضهم يرفعه على قال لا قال ارفعه أنت على قال لا فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق فما زال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتبعه وبصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه فما قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثم منها درهم "
- رواه البخاري وهو دليل على جواز التفضيل في ذوي القربى وغيرهم وترك تخميس الفيء وأنه متى كان في الفنيمة ذو رحم لبعض الغانمين لم يعتق عليه

7 - وعن عائشة " أن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغاية فلما حضرته الوفاة قال يا بنية أني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا ولو كنت جددته واخترثته كان لك وإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله "
- رواه مالك في الموطأ

- حديث عائشة رواه مالك من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة . وروى البيهقي من طريق ابن وهب عن مالك وغيره عن ابن شهاب . وعن حنظلة بن أبي سفيان عن القاسم بن محمد نحوه : قوله " بمال من البحرين " روى ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلا أنه كان مائة ألف وأنه أرسل به العلاءبن الحضرمي من خراج البحرين قال وهو أول خراج حمل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى البخاري في المغازي من حديث عمرو بن عوف إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم فقدم أبو عبيدة بمال فسمعت الأنصار بقدومه الحديث فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال لكن في كتاب الردة للواقدي أن رسول العلاء بن الحضرمي بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي فلعله كان رفيق أبي عبيدة . وأحاديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له قد جاء مال البحرين أعطيتك " وفيه " فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الحديث فهو صحيح والمراد به أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان مال خراج أو جزية فكان يقدم في كل سنة : قوله " انثروه " أي صبوه : قوله " وفاديت عقيلا " أي ابن أبي طالب وكان أسر مع عمه العباس في غزوة البدر ويقال إنه أسر معهما الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب وأن العباس افتداه أيضا وقد ذكر بن إسحاق كيفية ذلك . قوله " فحثى " بمهملة ثم مثلثة مفتوحة والضمير في ثوبه يعود على العباس . قوله " يقله " بضم أوله من الاقلال وهو الرفع والحمل . قوله " مر بعضهم " بضم الميم وسكون الراء وفي رواية أؤمر بالهمز : قوله " يرفع " بالجزم لأنه جواب الأمر ويجوز الرفع أي فهو يرفعه والكاهل بين الكتفين : قوله " يتبعه " بضم أوله من الأتباع . قوله " وثم منها درهم " بفتح المثلثة أي هناك وفي هذا الحديث بين كرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعدم التفاته إلى المال قل أو كثر وإن الإمام ينبفي له ان يفرق مال المصالح في مستحقيها وأنه يجوز للامام أن يضع في المسجد ما يشترك فيه المسلمون من صدقة ونحوها . واستدل به ابن بطال على جواز إعطاء بعض الاصناف من الزكاة . قال الحافظ ولا دلالة فيه لأن المال لم يكن من الزكاة وعلى تقدير كونه فالعباس ليس من أهل الزكاة ( فإن قيل ) إنما أعطاه من سهم الغارمين كما أشار إليه الكرماني فقد تعقب ولكن الحق إن المال المذكور كان من الخراج أو الجزية وهما من مال المصالح انتهى . قوله " لم يعتق عليه " يريد أن العباس وعقيلا قد كان غنمهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون وهما رحمان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولعلي رضي الله عنه ولم يعتقا وسيأتي ما يدل على أن هذا مراد المصنف رحمه الله في كتاب العتق في باب ما جاء فيمن ملك ذارحم محرم ولا يظهر لذكر هذا الحديث في هذا الموضع وجه مناسبة فإن المصنف ترجم لافتقار الهبة إلى القبول والقبض وأنه على ما يتعارفه الناس فإن أراد أن قبض العباس قام مقام القبول فغير طاهر لأن تقدم سؤاله يقوم مقامه على أن المال المذكور في الحديث لم يكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يكون الدفع منه إلى العباس وإلى غيره من باب الهبة بد هو من مال الخراج أو الجزية كم عرفت والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما تولى قسمته بين مصارفه . قوله " جاد عشرين وسقا " بجيم وبعد الألف دال مهملة مشددة أي أعطاها مالا يجد عشرين وسقا والمراد أنه يحصل من ثمرته ذلك والجد صرام النخل وهذا الأثر يدل على أن الهبة إنما تملك بالقبض لقوله " لو كنت جددته واحترثته كان لك " وذلك لأن قبض الثمرة يكون بالجداد وقبض الأرض بالحرث . وقد نقل ابن بطال اتفاق العلماء أن القبض في الهبة هو غاية القبول قال الحافظ وغفل عن مذهب فإن الشافعية يشترطون القبول في الهبة دون الهدية

باب ما جاء من قبول هدايا الكفار والأهداء لهم

1 - عن علي رضي الله عنه قال " أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقبل منه وأهدى له قيصر فقبل واهدت به الملوك فقبل منها "
- رواه أحمد والترمذي

2 - وفي حديث عن بلال المؤذن قال " انطلقت حتى أتيته يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا أربع وكائب مناخات عليهن أحمالهن فأستأذنت فقال لي أبشر فقد جاءك الله بقضائك قال ألم تر الركائب المناخات الأربع فقلت بلى فقال إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة طعام اهداهن إلى عظيم فدك فأقبضهن واقض دينك ففعلت "
- مختصر لأبي داود

- حديث علي أخرجه أيضا البزار وأورده في التلخيص ولم يتكلم عليه ولم يذكره صاحب مجمع الزوائد في باب هدايا الكفار وقد حسنه الترمذي وفي إسناده نوير بن أبي فاختة وهو ضعيف . وحديث بلال سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وهوحديث طويل أورده أبو داود في باب الامام يقبل هدايا المشركين من كتاب الخراج وفيه " ان بلالا كان يتولى نفقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان إذا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم انسان مسلما عاريا يأمر بلالا أن يستقرض له البرد حتى لزمته ديون فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأربع الركائب وما عليها ( وفي الباب ) عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عند النسائي قال لما قدم وفد ثقيف قدموا معهم بهدية فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهدية أم صدقة فإن كانت هدية فإنما ينبغي بها وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقضاء الحاجة وإن كانت صدقة فإنما ينبغي بها وجه الله قالوا الأبل هدية فقبلها منهم . وعن أنس عند الشيخين " إن أكيدر دومة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبة سندس " . ولأبي داود أن ملك الروم " أهدى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستقة سندس فلبسها " الحديث . والمستقة بضم الفوقانية وفتحها الفروة الطويلة الكمين وجمعها مساتق . وعن أنس أيضا عند أبي داود أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرا فقبلها . وعن علي أيضا عند الشيخين إن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثوب حرير فأعطاه عليا فقال شققه خمرا بين الفواطم . وعن أبي حميد الساعدي عند البخاري قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبوك وأهدى ابن العلماء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بردا وكتب له ببحرهم وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاحب ايلة كتاب وأهدى إليه بغلة بيضاء . الحديث وفي مسلم أهدى فروة الجذامى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغلة بيضاء ركبها يوم حنين . وعن بريدة عند إبراهيم الحربي وابن خزيمة وابن أبي عاصم ان أمير القبط أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاريتين وبغلى فكان يركب البغلة بالمدينة وأخذ إحدى الجاريتين لنفسه فولدت له إبراهيم ووهب الأخرى لحسان وفي كتاب الهدايا لأبراهيم الحربي أهدى يوحنا ابن رؤبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغلته البيضاء . وعن أنس أيضا عند البخاري وغيره أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها الحديث . والأحاديث المذكورة في الباب تدل على جواز قبول الهدية من الكافر ويعارضها حديث عياض بن حمال الآتي وسيأتي الجمع بينها وبين...

========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب المعجب في اخبار المغرب

    كتاب المعجب في اخبار المغرب  1 . المعجب في تلخيص أخبار المغرب تأليف : عبد الواحد بن علي المراكشي دراسة وتحقيق : الدكتور صلاح الدين ا...