Translate

الأربعاء، 23 مارس 2022

ج2.( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ( قرآن كريم الشوكاني }

 

ج2."""""" صفحة رقم 3 """"""
ج2.( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ( قرآن كريم بسم الله الرحمن الرحيم
ع5
تفسير  سورة المائدة هي مائة وثلاث وعشرون آية
حول السورة
قال القرطبي هي مدنية بالإجماع وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال المائدة مدنية وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن جبير بن نفير قال حججت فدخلت على عائشة فقالت لي يا جبير تقرا المائدة فقلت نعم فقالت أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم من حرام فحرموه وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو قال آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح وأخرج أحمد عنه قال أنزلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سورة المائدة وهو راكب على راحلته فلم تستطع أن تحمله فنزل عنها قال ابن كثير تفرد به أحمد قلت وفى إسناده ابن لهيعة وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة والطبراني وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد نحوه وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والبغوي في معجمه وابن مردويه والبيهقي في دلائل النبوة عن أم عمرو بنت عيسي عن عمها نحوه أيضا وأخرج أبو عبيد عن محمد بن كعب القرظي نحوه وزاد أنها نزلت في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة
وهكذا أخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس بهذه الزيادة وأخرج أبو عبيد عن ضمرة بن حبيب وعطية بن قيس قالا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المائدة من آخر القرآن تنزيلا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها
وأخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ عن أبي ميسرة عمر بن شرحبيل قال لم ينسخ من المائدة شئ وكذا أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر عنه وكذا أخرجه عبد بن الحميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن الشعبي وكذا أخرجه عن عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن المنذر عن الحسن البصري وأخرج عبد بن حميد


"""""" صفحة رقم 4 """"""
وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن الشعبي قال لم ينسخ من المائدة إلا هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ( وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال نسخ من هذه السورة آيتان آية القلائد وقوله ) فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ( وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن ابن عباس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ في خطبته سورة المائدة والتوبة وذكر النقاش عن أبي سلمة أنه قال لما رجع ( صلى الله عليه وسلم ) من الحديبية قال يا علي أشعرت أنها نزلت علي سورة المائدة ونعمت الفائدة قال ابن العربي هذا حديث موضوع لا يحل لمسلم اعتقاده وقال ابن عطية هذا عندي لا يشبه كلام النبي ( صلى الله عليه وسلم )
سورة المائدة
آية ( 1 )
المائدة : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . .
هذه الآية التي افتتح الله بها هذه السورة إلى قوله ) إن الله يحكم ما يريد ( فيها من البلاغة ما تتقاصر عنده القوى البشرية مع شمولها لأحكام عدة منها الوفاء بالعقود ومنها تحليل بهيمة الأنعام ومنها استثناء ما سيتلى مما لا يحل ومنها تحريم الصيد على المحرم ومنها إباحة الصيد لمن ليس بمحرم وقد حكى النقاش أن أصحاب الفيلسوف الكندي قالوا له أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن فقال نعم أعمل مثل بعضه فاحتجب أياما كثيرة ثم خرج فقال والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث وحلل تحليلا عاما ثم استثنى بعد استثناء ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا قوله ) أوفوا بالعقود ( يقال أوفي ووفى لغتان وقد جمع بينهما الشاعر فقال أما ابن طوف فقد أوفى بذمته
كما وفى بقلاص النجم حاديها
والعقود العهود وأصل العقود الربوط واحدها عقد يقال عقدت الحبل والعهد فهو يستعمل في الأجسام والمعاني وإذا استعمل في المعاني كما هنا أفاد أنه شديد الإحكام قوى التوثيق قيل المراد بالعقود هي التي عقدها الله على عباده وألزمهم بها من الأحكام وقيل هي العقود التي يعقدونها بينهم من عقود المعاملات والأولى شمول الآية للأمرين جميعا ولا وجه لتخصيص بعضها دون بعض قال الزجاج المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم بعضكم على بعض انتهى والعقد الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله وسنة رسول الله فإن


"""""" صفحة رقم 5 """"""
خالفهما فهو رد لا يجب الوفاء به ولا يحل قوله ) أحلت لكم بهيمة الأنعام ( الخطاب للذين آمنوا والبهيمة اسم لكل ذي أربع سميت بذلك لإبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعقلها ومنه باب مبهم أي مغلق وليل بهيم وبهمة للشجاع الذي لا يدري من أين يؤتى وحلقة مبهمة لا يدري أين طرفاها والأنعام اسم للإبل والبقر والغنم سميت بذلك لما في مشيها من اللين وقيل بهيمة الأنعام وحشيها كالظباء وبقر الوحش والحمر الوحشية وغير ذلك حكاه ابن جرير الطبري عن قوم وحكاه غيره عن السدى والربيع وقتادة والضحاك
قال ابن عطية وهذا قول حسن وذلك أن الأنعام هي الثمانية الأزواج وما انضاف إليها من سائر الحيوانات يقال له أنعام مجموعة معها وكأن المفترس كالأسد وكل ذي ناب خارج عن حد الأنعام فبهيمة الأنعام هى الراعي من ذوات الأربع وقيل بهيمة الأنعام ما لم تكن صيدا لأن الصيد يسمى وحشا لا بهيمة وقيل بهيمة الأنعام الأجنة التى تخرج عند الذبح من بطون الأنعام فهي تؤكل من دون ذكاة وعلى القول الأول أعنى تخصيص الأنعام بالإبل والبقر والغنم تكون الإضافة بيانية ويلحق بها ما يحل مما هو خارج عنها بالقياس بل وبالنصوص التى في الكتاب والسنة كقوله تعالى ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة ( الآية وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) يرحم كل ذي ناب من السبع ومخلب من الطير فإنه يدل بمفهومه على أن ما عداه حلال وكذلك سائر النصوص الخاصة بنوع كما في كتب السنة المطهرة قوله ) إلا ما يتلى عليكم ( استثناء من قوله ) أحلت لكم بهيمة الأنعام ( أي إلا مدلول ما يتلى عليكم فإنه ليس بحلال والمتلو هو ما نص الله على تحريمه نحو قوله تعالى ) حرمت عليكم الميتة ( الآية ويلحق به ما صرحت السنة بتحريمه وهذا الاستثناء يحتمل أن يكون المراد به إلا ما يتلى عليكم الآن ويحتمل أن يكون المراد به في مستقبل الزمان فيدل على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ويحتمل الأمرين جميعا قوله ) غير محلي الصيد ( ذهب البصريون إلى أن قوله ) إلا ما يتلى عليكم ( استثناء من بهيمة الأنعام وقوله ) غير محلي الصيد ( استثناء آخر منه أيضا فالاستثناءات أن جميعا من بهيمة الأنعام والتقدير ) أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم ( وقيل الاستثناء الأول من بهيمة الأنعام والاستثناء الثاني هو من الاستثناء الأول ورد بأن هذا يستلزم إباحة الصيد في حال الإحرام لأنه مستثنى من المحظور فيكون مباحا وأجاز الفراء أن يكون ) إلا ما يتلى ( في موضع رفع على البدل ولا يجيزه البصريون إلا في النكرة وما قاربها من الأجناس قال وانتصاب ) غير محلي الصيد ( على الحال من قوله ) أوفوا بالعقود ( وكذا قال الأخفش وقال غيرهما حال من الكاف والميم في لكم والتقدير ) أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد ( أي الاصطياد في البر وأكل صيده ومعنى عدم إحلالهم له تقرير حرمته عملا واعتقادا وهم حرم أي محرمون وجملة ) وأنتم حرم ( في محل نصب على الحال من الضمير في ) محلي ( ومعنى هذا التقييد ظاهر عند من يخص بهيمة الأنعام بالحيوانات الوحشية البرية التي يحل أكلها كأنه قال أحل لكم صيد البر إلا في حال الإحرام وأما على قول من يجعل الإضافة بيانية فالمعنى أحلت لكم بهيمة هي الأنعام حال تحريم الصيد عليكم بدخولكم في الإحرام لكونكم محتاجين إلى ذلك فيكون المراد بهذا التقييد الامتنان عليهم بتحليل ما عدا ما هو محرم عليهم في تلك الحال
والمراد بالحرم من هو محرم بالحج أو العمرة أو بهما وسمى محرما لكونه يحرم عليه الصيد والطيب والنساء وهكذا وجه تسمية الحرم حرما والإحرام إحراما وقرأ الحسن والنخعي ويحيى بن وثاب ) حرم ( بسكون الراء وهى لغة تميمية يقولون في رسل رسل وفى كتب كتب ونحو ذلك قوله ) إن الله يحكم ما يريد ( من الأحكام المخالفة لما كانت العرب تعتاده فهو مالك الكل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه
المائدة : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله (


"""""" صفحة رقم 6 """"""
الشعائر جمع شعيرة على وزن فعيلة قال ابن فارس ويقال للواحدة شعارة وهو أحسن ومنه الإشعار للهدى والمشاعر المعالم وأحدها مشعر وهى المواضع التي أشعرت بالعلامات قيل المراد بها هنا جميع مناسك الحج وقيل الصفا والمروة والهدى والبدن والمعنى على هذين القولين لا تحلوا هذه الأمور بأن يقع منكم الإخلال بشيء منها أو بأن تحولوا بينها وبين من أراد فعلها ذكر سبحانه النهي عن أن يحلو شعائر الله عقب ذكره تحريم صيد المحرم وقيل المراد بالشعائر هنا فرائض الله ومنه ) ومن يعظم شعائر الله ( وقيل هى حرمات الله ولا مانع من حمل ذلك على الجميع اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولا بما يدل عليه السياق
قوله ) ولا الشهر الحرام ( المراد به الجنس فيدخل في ذلك جميع الأشهر الحرم وهى أربعة ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب أي لا تحلوها بالقتال فيها وقيل المراد به هنا شهر الحج فقط قوله ) ولا الهدي ( هو ما يهدى إلى بيت الله من ناقة أو بقرة أو شاة الواحدة هدية نهاهم سبحانه عن أن يحلوا حرمة الهدى بأن يأخذوه على صاحبه أو يحولوا بينه وبين المكان الذى يهدى إليه وعطف الهدى على الشعائر مع دخوله تحتها لقصد التنبيه على مزيد خصوصيته والتشديد في شأنه قوله ) ولا القلائد ( جمع قلادة وهى ما يقلد به الهدى من نعل أو نحوه
وإحلالها بأن تؤخذ غصبا وفي النهى عن إحلال القلائد تأكيد للنهى عن إحلال الهدى وقيل المراد بالقلائد المقلدات بها ويكون عطفه على الهدى لزيادة التوصية بالهدى والأول أولى وقيل المراد بالقلائد ما كان الناس يتقلدونه أمنة لهم فهو على حذف مضاف أي ولأصحاب القلائد قوله ) ولا آمين البيت الحرام ( أي قاصديه من قولهم أممت كذا أي قصدته وقرأ الأعمش ) ولا آمين البيت الحرام ( بالإضافة والمعنى لا تمنعوا من قصد البيت الحرام لحج أو عمرة أو ليسكن فيه وقيل إن سبب نزول هذه الآية أن المشركين كانوا يحجون ويعتمرون ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنزل ) يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ( إلى آخر الآية فيكون ذلك منسوخا بقوله ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وقوله ) فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ( وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يحجن بعد العام مشرك وقال قوم الآية محكمة وهى في المسلمين قوله ) يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ( جملة حالية من الضمير المستتر في ) آمين ( قال جمهور المفسرين معناه يبتغون الفضل والأرباح في التجارة ويبتغون مع ذلك رضوان الله وقيل كان منهم من يطلب التجارة ومنهم من يبتغي بالحج رضوان الله ويكون هذا الابتغاء للرضوان بحسب اعتقادهم وفي ظنهم عند من جعل الآية في المشركين وقيل المراد بالفضل هنا الثواب لا الأرباح في التجارة قوله ) وإذا حللتم فاصطادوا ( هذا تصريح بما أفاده مفهوم ) وأنتم حرم ( أباح لهم الصيد بعد أن حظره عليهم لزوال السبب الذى حرم لأجله وهو الإحرام قوله ) ولا يجرمنكم شنآن قوم ( قال ابن فارس جرم وأجرم ولا جرم بمعنى قولك لا بد ولا محالة وأصلها من جرم أي كسب وقيل المعنى لا يحملنكم قاله الكسائي وثعلب وهو يتعدى إلى مفعولين يقال جرمني كذا على بغضك أي حملني عليه ومنه قول الشاعر ولقد طعنت أبا عيينة طعنة
جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أي حملتهم على الغضب وقال أبو عبيدة والفراء معنى ) لا يجرمنكم ( لا يكسبنكم بغض قوم أن تعتدوا الحق إلى الباطل والعدل إلى الجور والجريمة والجارم بمعنى الكاسب ومنه قول الشاعر جريمة ناهض في رأس نيق
يرى لعظام ما جمعت صليبا
معناه كاسب قوت والصليب الودك ومنه قول الآخر يا أيها المشتكي عكلا وما جرمت
إلى القبائل من قتل وإيئاس


"""""" صفحة رقم 7 """"""
أي كسبت والمعنى في الآية لا يحملنكم بغض قوم على الاعتداء عليهم أولا يكسبنكم بغضهم اعتداءكم للحق إلى الباطل ويقال جرم يجرم جرما إذا قطع قال علي بن عيسى الرماني وهو الأصل فجرم بمعنى حمل على الشيء لقطعه من غيره وجرم بمعنى كسب لانقطاعه إلى الكسب ولا جرم بمعنى حق لأن الحق يقطع عليه قال الخليل معنى لا جرم أن لهم النار لقد حق ان لهم النار وقال الكسائي جرم وأجرم لغتان بمعنى واحد أي اكتسب وقرأ ابن مسعود ) لا يجرمنكم ( بضم الياء والمعنى لا يكسبنكم ولا يعرف البصريون أجرم وإنما يقولون جرم لا غير والشنآن البغض وقرئ بفتح النون وإسكانها يقال شنيت الرجل أشنوه شناء ومشنأة وشنآنا كل ذلك إذا أبغضته وشنآن هنا مضاف إلى المفعول أي بغض قوم منكم لا بغض قوم لكم قوله ) أن صدوكم ( بفتح الهمزة مفعول لأجله أي لأن صدوكم وقرأ أبو عمرو وابن كثير بكسر الهمزة على الشرطية وهو اختيار أبي عبيد وقرأ الأعمش ? إن يصدوكم ? والمعنى على قراءة الشرطية لا يحملنكم بغضهم إن وقع منهم الصد لكم عن المسجد الحرام على الاعتداء عليهم قال النحاس وأما إن صدوكم بكسر إن فالعلماء الجلة بالنحو والحديث والنظر يمنعون القراءة بها لأشياء منها أن الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان وكان المشركون صدوا المؤمنين عام الحديبية سنة ست فالصد كان قبل الآية وإذا قرئ بالكسر لم يجز أن يكون إلا بعده كما تقول لا تعط فلانا شيئا إن قاتلك فهذا لا يكون إلا للمستقبل وإن فتحت كان للماضي وما أحسن هذا الكلام وقد أنكر أبو حاتم وأبو عبيدة شنآن بسكون النون لأن المصادر إنما تأتي في مثل هذا متحركة وخالفهما غيرهما فقال ليس هذا مصدرا ولكنه اسم فاعل على وزن كسلان وغضبان ولما نهاهم عن الاعتداء أمرهم بالتعاون على البر والتقوى أي ليعن بعضكم بعضا على ذلك وهو يشمل كل أمر يصدق عليه أنه من البر والتقوى كائنا ما كان قيل إن البر والتقوى لفظان لمعنى واحد وكرر للتأكيد وقال ابن عطية إن البر يتناول الواجب والمندوب والتقوى تختص بالواجب وقال الماوردي إن في البر رضا الناس وفي التقوى رضا الله فمن جمع بينهما فقد تمت سعادته ثم نهاهم سبحانه عن التعاون على الإثم والعدوان فالإثم كل فعل أو قول يوجب إثم فاعله أو قائله والعدوان التعدي على الناس بما فيه ظلم فلا يبقى نوع من أنواع الموجبات للإثم ولا نوع من أنواع الظلم للناس الذين من جملتهم النفس إلا وهو داخل تحت هذا النهي لصدق هذين النوعين على كل ما يوجد فيه معناهما ثم أمر عباده بالتقوى وتوعد من خالف ما أمر به فتركه أو خالف ما نهى عنه ففعله بقوله ) أن الله شديد العقاب )
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله ) أوفوا بالعقود ( قال ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله لا تغدروا ولا تنكثوا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال
هي عقود الجاهلية الحلف وروى عنه ابن جرير أنه قال ذكر لنا أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول وأوفوا بعقد الجاهلية ولا تحدثوا عقدا في الإسلام وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله ) أحلت لكم بهيمة الأنعام ( قال الإبل والبقر والغنم وأخرج ابن جرير عن ابن عمر في قوله ) أحلت لكم بهيمة الأنعام ( قال ما في بطونها قلت إن خرج ميتا آكله قال نعم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله ) إلا ما يتلى عليكم ( قال ) الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ( إلى آخر الآية فهذا ما حرم الله من بهيمة الأنعام وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لا تحلوا شعائر الله ( قال كان المشركون يحجون البيت الحرام ويهدون الهدايا ويعظمون حرمة المشاعر وينحرون في حجهم فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فقال الله ) (


"""""" صفحة رقم 8 """"""
وفي قوله ) ولا الشهر الحرام ( يعنى لا تستحلوا قتالا فيه ) ولا آمين البيت الحرام ( يعني من توجه قبل البيت الحرام فكان المؤمنون والمشركون يحجون جميعا فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا حج البيت أو يتعرضوا له من مؤمن أو كافر ثم أنزل الله بعد هذه الآية ) إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ( وفي قوله ) يبتغون فضلا ( يعني أنهم يرضون الله بحجهم ) ولا يجرمنكم ( يقول لا يحملنكم ) شنآن قوم ( يقول عداوة قوم ) وتعاونوا على البر والتقوى ( قال البر ما أمرت به والتقوى ما نهيت عنه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال شعائر الله ما نهى الله عنه أن تصيبه وأنت محرم والهدى ما لم يقلد والقلائد مقلدات الهدى ) ولا آمين البيت الحرام ( يقول من توجه حاجا وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) لا تحلوا شعائر الله ( قال مناسك الحج وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشركون عن البيت وقد اشتد ذلك عليهم فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة فقال أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نصد هؤلاء كما صدنا أصحابنا فأنزل الله ) ولا يجرمنكم ( الآية وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه عن وابصة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي والحاكم والبيهقي عن النواس بن سمعان قال سألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن البر والإثم فقال البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة أن رجلا سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الإثم فقال ما حاك في نفسك فدعه قال فما الإيمان قال من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن
سورة المائدة الآية ( 3 )
المائدة : ( 3 ) حرمت عليكم الميتة . . . . .
هذا شروع في المحرمات التي أشار إليها سبحانه بقوله ) إلا ما يتلى عليكم ( والميتة قد تقدم ذكرها في البقرة وكذلك الدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله وما هنا من تحريم مطلق الدم مقيد بكونه مسفوحا كما تقدم حملا للمطلق على المقيد وقد ورد في السنة تخصيص الميتة بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) أحل لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال أخرجه الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وفي إسناده يقال ويقويه حديث هو الطهور ماؤه والحل ميتته وهو عند أحمد وأهل السنن وغيرهم وصححه جماعة منهم ابن خزيمة وابن حبان وقد أطلنا الكلام عليه في شرحنا للمنتقى والإهلال رفع الصوت لغير الله كأن يقول بسم اللات والعزى ونحو ذلك ولا حاجة بنا هنا إلى تكرير ما قد أسلفناه ففيه ما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره
) والمنخنقة ( هي التي تموت بالخنق وهو حبس النفس سواء كان ذلك بفعلها كأن تدخل رأسها في حبل أو بين


"""""" صفحة رقم 9 """"""
عودين أو بفعل آدمي أو غيره وقد كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة فإذا ماتت أكلوها ) والموقوذة ( هي التي تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية يقال وقذه يقذه وقذا فهو وقيذ والوقذ شدة الضرب وفلان وقيذ أي مثخن ضربا وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك فيضربون الأنعام بالخشب لآلهتم حتى تموت ثم يأكلونها ومنه قول الفرزدق شغارة تقذ الفصيل برجلها
فطارة لقوادم الأظفار
قال ابن عبد البر واختلف العلماء قديما وحديثا في الصيد بالبندق والحجر والمعراض ويعني بالبندق قوس البندقة وبالمعراض السهم الذى لا ريش له أو العصا التي رأسها محدد قال فمن ذهب إلى أنه وقيذ لم يجزه إلا ما أدرك ذكاته على ما روى عن ابن عمر وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي وخالفهم الشاميون في ذلك قال الأوزاعي في المعراض كله خرق أو لم يخرق فقد كان أبو الدرداء وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عمر ومكحول لا يرون به بأسا قال ابن عبد البر هكذا ذكر الأوزاعي عن عبد الله بن عمر والمعروف عن ابن عمر ما ذكر مالك عن نافع قال والأصل في هذا الباب والذى عليه العمل وفيه الحجة حديث عدي بن حاتم وفيه ما أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ انتهى
قلت والحديث في الصحيحين وغيرهما عن عدي قال قلت يا رسول الله إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب فقال إذا رميت بالمعراض فخرق فكله وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله فقد اعتبر ( صلى الله عليه وسلم ) الخرق وعدمه فالحق أنه لا يحل إلا ما خرق لا ما صدم فلا بد من التذكية قبل الموت وإلا كان وقيذا
وأما البنادق المعروفة الآن وهى بنادق الحديد التي تجعل فيها البارود والرصاص ويرمى بها فلم يتكلم عليها أهل العلم لتأخر حدوثها فإنها لم تصل إلى الديار اليمنية إلا في المائة العاشرة من الهجرة وقد سألني جماعة من أهل العلم عن الصيد بها إذا مات ولم يتمكن الصائد من تذكيته حيا والذى يظهر لي أنه حلال أنها تخرق وتدخل في الغالب من جانب منه وتخرج من الجانب الآخر وقد قال ( صلى الله عليه وسلم ) في الحديث الصحيح السابق إذا رميت بالمعراض فخرق فكله فاعتبر الخرق في تحليل الصيد قوله ) والمتردية ( هي التي تتردى من علو إلى أسفل فتموت من غير فرق بين أن تتردى من جبل أو بئر أو مدفن أو غيرها والتردي مأخوذ من الردى وهو الهلاك وسواء تردت بنفسها أو ردها غيرها قوله ) والنطيحة ( هي فعيلة بمعنى مفعولة وهى التي تنطحها أخرى فتموت من دون تذكية وقال قوم أيضا فعيلة بمعنى فاعلة لأن الدابتين تتناطحان فتموتان وقال نطيحة ولم يقل نطيح مع أنه قياس فعيل لأن لزوم الحذف مختص بما كان من هذا الباب صفة لموصوف مذكور فإن لم يذكر ثبتت التاء للنقل من الوصفية إلى الإسمية وقرأ أبو ميسرة ? والمنطوحة ? قوله ) وما أكل السبع ( أي ما افترسه ذو ناب كالأسد والنمر والذئب والضبع ونحوها والمراد هنا ما أكل منه السبع لأن ما أكله السبع كله قد فني ومن العرب من يخص اسم السبع بالأسد وكانت العرب إذا أكل السبع شاة ثم خلصوها منه أكلوها وإن ماتت ولم يذكوها وقرأ الحسن وأبو حيوة السبع بسكون الباء وهي لغة لأهل نجد ومنه قول حسان في عتبة بن أبي لهب من يرجع العام إلى أهله
فما أكيل السبع بالراجع
وقرأ ابن مسعود ? وأكيلة السبع ? وقرأ ابن عباس ? وأكيل السبع ? قوله ) إلا ما ذكيتم ( في محل نصب على الاستثناء المتصل عند الجمهور وهو راجع على ما أدركت ذكائه من المذكورات سابقا وفيه حياة وقال المدنيون وهو المشهور من مذهب مالك وهو أحد قولي الشافعي أنه إذا بلغ السبع منها إلى ما لا حياة معه فإنها


"""""" صفحة رقم 10 """"""
لا تؤكل وحكاه في الموطأ عن زيد بن ثابت وإليه ذهب إسماعيل القاضي فيكون الاستثناء على هذا القول منقطعا أي حرمت عليكم هذه الأشياء لكن ما ذكيتم فهو الذى يحل ولا يحرم والأول أولى والذكاة في كلام العرب الذبح قاله قطرب وغيره وأصل الذكاة في اللغة التمام أي تمام استكمال القوة والذكاء حدة القلب والذكاء سرعة الفطنة والذكوة ما تذكى منه النار ومنه أذكيت الحرب والنار أو قدتهما وذكاء اسم الشمس والمراد هنا إلا ما أدركتم ذكاته على التمام والتذكية في الشرع عبارة عن إنهار الدم وفري الأوداج في المذبوح والنحر في المنحور والعقر في غير المقدور مقرونا بالقصد لله وذكر اسمه عليه وأما الآلة التي تقع بها الذكاة فذهب الجمهور إلى أن كل من ما أنهر الدم وفرى الأوداج فهو آلة للذكاة ما خلا السن والعظم وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة وقوله ) وما ذبح على النصب ( قال ابن فارس النصب حجر كان ينصب فيعبد ويصب عليه دماء الذبائح والنصائب حجارة تنصب حوالي شفير البئر فتجعل عضائد وقيل النصب جمع واحده نصاب كحمار وحمر وقرأ طلحة بضم النون وسكون الصاد وروى عن أبي عمرو بفتح النون وسكون الصاد وقرأ الجحدري بفتح النون والصاد جعله اسما موحدا كالجبل والجمل والجمع أنصاب كالأجبال والأجمال قال مجاهد هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها قال ابن جريج كانت العرب تذبح بمكة وتنضح بالدم ما أقبل من البيت ويشرحون اللحم ويضعونه عن الحجارة فلما جاء الإسلام قال المسلمون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) نحن أحق أن نعظم هذا البيت بهذه الأفعال فأنزل الله ) وما ذبح على النصب ( والمعنى والنية بذلك تعظيم النصب لا أن الذبح عليها غير جائز ولهذا قيل إن على بمعنى اللام أي لأجلها قاله قطرب وهو على هذا داخل فيما أهل به لغير الله وخص بالذكر لتأكيد تحريمه ولدفع ما كانوا يظنونه من أن ذلك لتشريف البيت وتعظيمه قوله ) وأن تستقسموا بالأزلام ( معطوف على ما قبله أي وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام
والأزلام قداح الميسر وأحدها زلم قال الشاعر بات يقاسيها غلام كالزم
ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزار على لحم وضم
وقال آخر
فلئن جذيمة قتلت ساداتها
فنساؤها يضربن بالأزلام
والأزلام للعرب ثلاثة أنواع أحدها مكتوب فيه افعل والآخر مكتوب فيه لا تفعل والثالث مهمل لا شئ عليه فيجعلها في خريطة معه فإذا أراد فعل شيء أدخل يده وهى متشابهة فأخرج واحدا منها فإن خرج الأول فعل ما عزم عليه وإن خرج الثاني تركه وإن خرج الثالث أعاد الضرب حتى يخرج واحد من الأولين وإنما قيل لهذا الفعل استقسام لأنهم كانوا يستقسمون به الرزق وما يريدون فعله كما يقال استسقى أي استدعى السقي فالاستفهام طلب القسم والنصيب وجملة قداح الميسر عشرة وقد قدمنا بيانها وكانوا يضربون بها المقامرة وقيل إن الأزلام كعاب وفارس والروم التي يتقامرون بها وقيل هي الشطرنج وإنما حرم الله والاستقسام بالأزلام لأنه تعرض لدعوى علم الغيب وضرب من الكهانة قوله ) ذلكم فسق ( إشارة إلى الاستقسام بالألزام أو إلى جميع المحرمات المذكورة هنا والفسق الخروج عن الحد وقد تقدم بيان معناه وفى هذا وعيد شديد لأن الفسق هو أشد الكفر لا ما وقع عليه اصطلاح قوم من أنه منزلة متوسطة بين الإيمان والكفر قوله ) اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ( والمراد اليوم الذى نزلت فيه الآية وهو يوم فتح مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع وقيل سنة ثمان وقيل المراد باليوم الزمان الحاضر وما يتصل به ولم يرد يوما معينا وبئس فيه لغتان ييس بياءين يأسا وأيس يأيس إياسا وإياسة قاله النضر بن شميل أي حصل لهم اليأس من


"""""" صفحة رقم 11 """"""
إبطال دينكم وأن يردوكم إلى دينهم كما كانوا يزعمون ) فلا تخشوهم ( أي لا تخافوا منهم أن يغلبوكم أو يبطلوا دينكم ) واخشون ( فأنا القادر على كل شيء إن نصرتكم فلا غالب لكم وإن خذلتكم لم يستطع غيري أن ينصركم قوله ) اليوم أكملت لكم دينكم ( جعلته كاملا غير محتاج إلى إكمال لظهوره على الأديان كلها وغلبته لها ولكمال أحكامه التى يحتاج المسلمون إليها من الحلال والحرام والمشتبه ووفي ما تضمنه الكتاب والسنة من ذلك ولا يخفى ما يستفاد من تقديم قوله ) لكم ( قال الجمهور المراد بالإكمال هنا نزول معظم الفرائض والتحليل والتحريم قالوا وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآية الربا وآية الكلالة ونحوهما والمراد باليوم المذكور هنا هو يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر هكذا ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب وقيل إنها نزلت في يوم الحج الأكبر قوله ) وأتممت عليكم نعمتي ( بإكمال الدين المشتمل على الأحكام وبفتح مكة وقهر الكفار وإياسهم عن الظهور عليكم كما وعدتكم بقولي ) ولأتم نعمتي عليكم ( قوله ) ورضيت لكم الإسلام دينا ( أي أخبرتكم برضاي به لكم فإنه سبحانه لم يزل راضيا لأمة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بالإسلام فلا يكون لاختصاص الرضا بهذا اليوم كثير فائدة إن حملناه على ظاهره ويحتمل أن يريد رضيت لكم الإسلام الذى أنتم عليه اليوم دينا باقيا إلى انقضاء أيام الدنيا ودينا منتصب على التمييز ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا قوله ) فمن اضطر في مخمصة ( هذا متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض أي من دعته الضرورة ) في مخمصة ( أي مجاعة إلى أكل الميتة وما بعدها من المحرمات والخمص ضمور البطن ورجل خميص وخمصان وامرأة خميصة وخمصانة ومنه أخمص القدم ويستعمل كثيرا في الجوع قال الأعشى تبيتون في المشتاء ملأى بطونكم
وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا
قوله ) غير متجانف ( الجنف الميل والإثم الحرام أي حال كون المضطر في مخمصة غير مائل لإثم وهو بمعنى غير باغ ولا عاد وكل مائل فهو متجانف وجنف وقرأ النخعي ويحيى بن وثاب والسلمي متجنف ) فإن الله غفور رحيم ( به لا يؤاخذه بما ألجأته إليه الضرورة في الجوع مع عدم ميله بأكل ما حرم عليه إلى الإثم بأن يكون باغيا على غيره أو متعديا لما دعت إليه الضرورة حسبما تقدم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه عن أبي أمامة قال بعثني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله وأعرض عليهم شعائر الإسلام فبينما نحن كذلك إذ جاءوا بقصعة دم واجتمعوا عليها يأكلونها قالوا هلم يا صدى فكل قلت ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم لما أنزل الله عليه قالوا وما ذاك قال فتلوت عليهم هذه الآية ) حرمت عليكم الميتة ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) وما أهل لغير الله به ( قال وما أهل للطواغيت به ) والمنخنقة ( قال التى تخنق فتموت ) والموقوذة ( قال التى تضرب بالخشبة فتموت ) والمتردية ( قال التى تتردى من الجبل فتموت ) والنطيحة ( قال الشاة التى تنطح الشاة ) وما أكل السبع ( يقول ما أخذ السبع ) إلا ما ذكيتم ( يقول ذبحتم من ذلك وبه روح فكلوه ) وما ذبح على النصب ( قال النصب أنصاب كانوا يذبحون ويهلون عليها ) وأن تستقسموا بالأزلام ( قال هى القداح كانوا يستقسمون بها في الأمور ) ذلكم فسق ( يعني من أكل ذلك كله فهو فسق وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال الرداة التى تتردى في البئر والمتردية التي تتردى من الجبل وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله ) وأن تستقسموا بالأزلام ( قال حصى بيض كانوا يضربون بها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في الآية قال كانوا إذا أرادوا أمرا أو سفرا


"""""" صفحة رقم 12 """"""
يعمدون إلى قداح ثلاثة يكتبون على واحد منها أمرني وعلى الآخر نهاني ويتركون الثالث مخللا بينهما ليس عليه شيء ثم يجيلونها فإن خرج الذى عليه أمرني مضوا لأمرهم وإن خرج الذى عليه نهاني كفوا وإن خرج الذى ليس عليه شيء أعادوها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ( قال يئسوا أن يرجعوا إلى دينهم أبدا وأخرج البيهقي عنه في الآية قال يقول يئس أهل مكة أن يرجعوا إلى دينهم أبدا وأخرج البيهقى عنه في الآية قال يقول يئس أهل مكة أن يرجعوا إلى دينهم عبادة الأوثان أبدا ) فلا تخشوهم ( في اتباع محمد ) واخشون ( في عبادة الأوثان وتكذيب محمد فلما كان واقفا بعرفات نزل عليه جبريل وهو رافع يديه والمسلمون يدعون الله ) اليوم أكملت لكم دينكم ( يقول حلالكم وحرامكم فلم ينزل بعد هذا حلال ولا حرام ) وأتممت عليكم نعمتي ( قال منتى فلم يحج معكم مشرك ) ورضيت ( يقول اخترت ) لكم الإسلام دينا ( فمكث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد نزول هذه الآية أحدا وثمانين يوما ثم قبضه الله إليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا وقد أتمه فلا ينقص أبدا وقد رضيه فلا يسخطه أبدا وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن طارق بن شهاب قال قالت اليهود لعمر إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال وأي آية قالوا ) اليوم أكملت لكم دينكم ( قال عمر والله إني لأعلم اليوم الذى نزلت فيه على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والساعة التي نزلت فيها نزلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عشية عرفة في يوم جمعة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فمن اضطر ( يعني إلى ما حرم مما سمى في صدر هذه السورة ) في مخمصة ( يعني في مجاعة ) غير متجانف لإثم ( يقول غير معتمد لإثم
سورة المائدة الآية ( 4 5 )
المائدة : ( 4 ) يسألونك ماذا أحل . . . . .
هذا شروع في بيان ما أحله الله لهم بعد بيان ما حرمه الله عليهم وسيأتى ذكر سبب نزول الآية قوله ) ماذا أحل لهم ( أي شيء أحل لهم أو ما الذي أحل لهم من المطاعم إجمالا ومن الصيد ومن طعام أهل الكتاب ومن نسائهم قوله ) قل أحل لكم الطيبات ( هي ما يستلذه آكله ويستطيبه مما أحله الله لعباده وقيل هي الحلال وقد سبق الكلام في هذا وقيل الطيبات الذبائح لأنها طابت بالتذكية وهو تخصيص للعام بغير مخصص والسبب والسياق لا يصلحان لذلك قوله ) وما علمتم من الجوارح ( هو معطوف على الطيبات بتقدير مضاف لتصحيح المعنى أي أحل لكم الطيبات وأحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح وقرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية ) علمتم (


"""""" صفحة رقم 13 """"""
بضم العين وكسر اللام أي علمتم من أمر الجوارح والصيد بها قال القرطبي وقد ذكر بعض من صنف في أحكام القرآن أن الآية تدل على أن الإباحة تناولت ما علمنا من الجوارح وهو يتضمن الكلب وسائر جوارح الطير وذلك يوجب إباحة سائر وجوه الانتفاع فدل على جواز بيع الكلب والجوارح والانتفاع بها بسائر وجوه المنافع إلا ما خصه الدليل وهو الأكل من الجوارح أي الكواسب من الكلاب وسباغ الطير قال أجمعت الأمة على أن الكلب إذا لم يكن أسود وعلمه مسلم ولم يأكل من صيده الذى صاده وأثر فيه بجرح أو تنييب وصاد به مسلم وذكر اسم الله عند إرساله أن صيده صحيح يؤكل بلا خلاف فإن انخرم شرط من هذه الشروط دخل الخلاف فإن كان الذى يصاد به غير كلب كالفهد وما أشبهه وكالبازى والصقر ونحوهما من الطير فجمهور الأمة على أن كل ما صاد بعد التعليم فهو جارح كاسب يقال جرح فلان واجترح إذا اكتسب ومنه الجارحة لأنه يكتسب بها ومنه اجتراح السيئات ومنه قوله تعالى ) ويعلم ما جرحتم بالنهار ( وقوله ) أم حسب الذين اجترحوا السيئات ( قوله ) مكلبين ( حال والمكلب معلم الكلاب لكيفية الاصطياد والأخص معلم الكلاب وأن كان معلم سائر الجوارح مثله لأن الاصطياد بالكلاب هو الغالب ولم يكتف بقوله ) وما علمتم من الجوارح ( مع ان التكليب هو التعليم لقصد التأكيد لمالا بد منه من التعليم وقيل إن السبع يسمى كلبا فيدخل كل سبع يصاد به وقيل إن هذه الآية خاصة بالكلاب وقد حكى ابن المنذر عن ابن عمر أنه قال ما يصاد بالبزاة وغيرها من الطير فما أدركت ذكاته فهو لك حلال وإلا فلا تطعمه قال ابن المنذر وسئل أبو جعفر البازى هل يحل صيده قال لا إلا أن تدرك ذكاته وقال الضحاك والسدى ) وما علمتم من الجوارح مكلبين ( هي الكلاب خاصة فإن كان الكلب الأسود بهيما فكره صيده الحسن وقتادة والنخعي وقال أحمد ما أعرف أحدا يرخص فيه إذا كان بهيما وبه قال ابن راهويه فأما عامة أهل العلم بالمدينة والكوفة فيرون جواز صيد كل كلب معلم واحتج من منع من صيد الكلب الأسود بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) الكلب الأسود شيطان أخرجه مسلم وغيره والحق أنه يحل صيد كل ما يدخل تحت عموم الجوارح من غير فرق بين الكلب وغيره وبين الأسود من الكلاب وغيره وبين الطير وغيره ويؤيد هذا أن سبب نزول الآية سؤال عدي بن حاتم عن صيد البازي كما سيأتي قوله ) تعلمونهن مما علمكم الله ( الجملة في محل نصب على الحال أي مما علمكم الله مما أدركتموه بما خلقه فيكم من العقل الذى تهتدون به إلى تعليمها وتدريبها حتى تصير قابلة لإمساك الصيد عند إرسالكم لها قوله ) فكلوا مما أمسكن عليكم ( الفاء للتفريع والجملة متفرعة على ما تقدم من تحليل صيد ما علموه من الجوارح ومن في قوله ) مما أمسكن عليكم ( للتبعيض لأن بعض الصيد لا يؤكل كالجلد والعظم وما أكله الكلب ونحوه وفيه دليل على أنه لا بد أن يمسكه على صاحبه فإن أكل منه فإنما أمسكه على نفسه كما في الحديث الثابت في الصحيح وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يحل أكل الصيد الذى يقصده الجارح من تلقاء نفسه من غير إرسال وقال عطاء بن أبي رباح والأوزاعي وهو مروى عن سلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وروى عن علي وابن عباس والحسن البصري والزهري وربيعة ومالك والشافعي في القديم أنه يؤكل صيده ويرد عليهم قوله تعالى ) مما أمسكن عليكم ( وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لعدي بن حاتم إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك وهو في الصحيحين وغيرهما وفي لفظ لهما فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه وأما ما أخرجه أبو داود بإسناد جيد من حديث أبي ثعلبة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا ارسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل وإلا أكل منه وقد أخرجه أيضا بإسناد


"""""" صفحة رقم 14 """"""
جيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأخرجه أيضا النسائي فقد جمع بعض الشافعية بين هذه الأحاديث بأنه إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم وإن أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه الانتظار وجاع فأكل من الصيد لجوعه لا لكونه أمسكه على نفسه فإنه لا يؤثر ذلك ولا يحرم به الصيد وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني وحديث عمرو بن شعيب وهذا جمع حسن وقال آخرون إنه إذا أكل الكلب منه حرم لحديث عدي وإن أكل غيره لم يحرم للحديثين الآخرين وقيل يحمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا أمسكه وخلاه ثم عاد فأكل منه
وقد سلك كثير من أهل العلم طريق الترجيح ولم يسلكوا طريق الجمع لما فيها من البعد قالوا وحديث عدي ابن حاتم أرجح لكونه في الصحيحين وقد قررت هذا المسلك في شرحي للمنتقي بما يزيد الناظر فيه بصيرة قوله ) واذكروا اسم الله عليه ( الضمير في ) عليه ( يعود إلى ) وما علمتم ( أي سموا عليه عند إرساله أو لما أمسكن عليكم أي سموا عليه إذا أردتم ذكاته وقد ذهب الجمهور إلى وجوب التسمية عند إرسال الجارح واستدلوا بهذه الآية ويؤيده حديث عدي بن حاتم الثابت في الصحيحين وغيرهما بلفظ إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله وقال بعض أهل العلم إن المراد التسمية عند الأكل قال القرطبي وهو الأظهر واستدلوا بالأحاديث التي فيها الإرشاد إلى التسمية وهذا خطأ فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد وقت التسمية بإرسال الكلب وإرسال السهم ومشروعية التسمية عند الأكل حكم آخر ومسألة غير هذه المسألة فلا وجه لحمل ما ورد في الكتاب والسنة هنا على ما ورد في التسمية عند الأكل ولا ملجئ إلى ذلك وفى لفظ ف الصحيحين من حديث عدي إن أرسلت كلبك وسميت فأخذ فكل وقد ذهب جماعة إلى أن التسمية شرط وذهب آخرون إلى أنها سنة فقط وذهب جماعة إلى أنها شرط على الذاكر لا الناسي وهذا أقوى الأقوال وأرجحها قوله ) واتقوا الله إن الله سريع الحساب ( أي حسابه سبحانه سريع إتيانه وكل آت قريب
المائدة : ( 5 ) اليوم أحل لكم . . . . .
قوله ) اليوم أحل لكم الطيبات ( هذه الجملة مؤكدة للجملة الأولى وهى قوله ) أحل لكم الطيبات ( وقد تقدم بيان الطيبات قوله ) وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ( الطعام اسم لما يؤكل ومنه الذبائح وذهب أكثر أهل العلم إلى تخصيصه هنا بالذبائح وفى هذه الآية دليل على أن جميع طعام أهل الكتب من غير فرق بين اللحم وغيره حلال للمسلمين وإن كانوا لا يذكرون على ذبائحهم اسم الله وتكون هذه الآية مخصصة لعموم قوله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وظاهر هذا أن ذبائح أهل الكتاب حلال وإن ذكر اليهودي على ذبيحته اسم عزير وذكر النصراني على ذبيحته اسم المسيح وإليه ذهب أبو الدرداء وعبادة بن الصامت وابن عباس والزهري وربيعة والشعبي ومكحول وقال علي وعائشة وابن عمر إذا سمعت الكتابي يسمى غير الله فلا تأكل وهو قول طاوس والحسن وتمسكوا بقوله تعالى ) ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ( ويدل عليه أيضا قوله ) وما أهل لغير الله به ( وقال مالك إنه يكره ولا يحرم فهذا الخلاف إذا علمنا أن أهل الكتاب ذكروا على ذبائحهم اسم غير الله وأما مع عدم العلم فقد حكى الكيا الطبري وابن كثير الإجماع على حلها لهذه الآية ولما ورد في السنة من أكله ( صلى الله عليه وسلم ) من الشاة المصلية آلتي أهدتها إليه اليهودية وهو في الصحيح وكذلك الجراب الشحم الذى أخذه بعض الصحابة من خيبر وعلم بذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو في الصحيح أيضا وغير ذلك والمراد بأهل الكتاب هنا اليهود والنصارى وأما المجوس فذهب الجمهور إلى أنها لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساءهم لأنهم ليسوا بأهل الكتاب على المشهور عند أهل العلم وخالف في ذلك أبو ثور وأنكر عليه الفقهاء ذلك حتى قال أحمد


"""""" صفحة رقم 15 """"""
ابن حنبل أبو ثور كاسمه يعنى في هذه المسئلة وكأنه تمسك بما يروى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مرسلا أنه قال في المجوس سنوا بهم سنة أهل الكتاب ولم يثبت بهذا اللفظ وعلى فرض أن له أصلا ففيه زيادة تدفع ما قاله وهى قوله غير آكلى ذبائحهم ولا ناكحى نسائهم وقد رواه بهذه الزيادة جماعة ممن لا خبرة له بفن الحديث من المفسرين والفقهاء ولم يثبت الأصل ولا الزيادة بل الذى ثبت في الصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أخد الجزية من مجوس هجر وأما بنو تغلب فكان علي بن أبي طالب ينهى عن ذبائحهم لأنهم عرب وكان يقول إنهم لم يتمسكوا بشئ من النصرانية إلا بشرب الخمر وهكذا سائر العرب المتنصرة كتنوخ وجذام ولخم وعاملة ومن أشبههم قال ابن كثير وهو قول غير واحد من السلف والخلف وروى عن سعيد بن المسيب والحسن البصري أنهما كانا لا يريان بأسا بذبيحة نصارى بني تغلب وقال القرطبي وقال جمهور الأمة إن ذبيحة كل نصراني حلال سواء كان من بني تغلب أو من غيرهم وكذلك اليهود قال ولا خلاف بين العلماء أن مالا يحتاج إلى ذكاة كالطعام يجوز أكله قوله ) وطعامكم حل لهم ( أي وطعام المسلمين حلال لأهل الكتاب وفيه دليل على أنه يجوز للمسلمين أن يطعموا أهل الكتاب من ذبائحهم وهذا من باب المكافأة والمجازاة وإخبار المسلمين بأن ما يأخذونه منهم من أعراض الطعام حلال لهم بطريق الدلالة الالتزامية قوله ) والمحصنات من المؤمنات ( اختلف في تفسير المحصنات هنا فقيل العفائف وقيل الحرائر وقرأ الشعبي بكسر الصاد وبه قرأ الكسائي
وقد تقدم الكلام في هذا مستوفى في البقرة والنساء والمحصنات مبتدأ ومن المؤمنات وصف له والخبر محذوف أي حل لكم وذكرهن هنا توطئه وتمهيدا لقوله ) والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( والمراد بهن الحرائر دون الإماء هكذا قال الجمهور وحكى ابن جرير عن طائفة من السلف أن هذه الآية تعم كل كتابيه حرة أو أمة وقيل المراد بأهل الكتاب هنا الإسرائيليات وبه قال الشافعي وهو تخصيص بغير مخصص وقال عبد الله بن عمر لا تحل النصرانية قال ولا أعلم شركا أكبر من أن تقول ربها عيسى وقد قال الله ) ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ( الآية ويجاب عنه بأن هذه الآية مخصصة للكتابيات من عموم المشركات فيبنى العام على الخاص وقد استدل من حرم نكاح الإماء الكتابيات بهذه الآية لأنه حملها على الحرائر وبقوله تعالى ) فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ( وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل العلم وخالفهم من قال إن الآية تعم أو تخص العفائف كما تقدم والحاصل أنه يدخل تحت هذه الآية الحرة العفيفة من الكتابيات على جميع الأقوال إلا على قول ابن عمر في النصرانية ويدخل تحتها الحرة آلتي ليست بعفيفة والأمة العفيفة على قول من يقول إنه يجوز استعمال المشرك في كلا معنييه وأما من لم يجوز ذلك فإن حمل المحصنات هنا على الحرائر لم يقل بجواز نكاح الأمة عفيفة كانت أو غير عفيفة إلا بدليل آخر ويقول بجواز نكاح الحرة العفيفة كانت أو غير عفيفة وإن حمل المحصنات هنا على العفائف قال بجواز نكاح الحرة العفيفة والأمة العفيفة دون غير العفيفة منهما قوله ) إذا آتيتموهن أجورهن ( أي مهورهن وجواب إذا محذوف أي فهن حلال أو هي ظرف لخبر المحصنات المقدر أي حل لكم قوله ) محصنين ( منصوب على الحال أي حال كونكم أعضاء بالنكاح وكذا قوله ) غير مسافحين ( منصوب على الحال من الضمير في محصنين أو صفة لمحصنين والمعنى غير مجاهرين بالزنا قوله ) ولا متخذي أخدان ( معطوف على ) غير مسافحين ( أو على ) مسافحين ( ) ولا ( مزيدة للتأكيد والخدن يقع على الذكر والأنثى أي لم يتخذوا معشوقات فقد شرط الله في الرجال العفة وعدم المجاهرة بالزنا وعدم اتخاذ أخدان كما شرط في النساء أن يكن محصنات ) ومن يكفر بالإيمان ( أي بشرائع الإسلام ) فقد حبط عمله ( أي بطل ) وهو في الآخرة من الخاسرين ( وقرأ ابن السميفع ) فقد حبط ( بفتح الباء ا ه


"""""" صفحة رقم 16 """"""
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي رافع أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمره بقتل الكلاب في الناس فقالوا يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) يسألونك ماذا أحل لهم ( الآية وأخرج ابن جرير عن عكرمة نحوه وأخرج أيضا عن محمد بن كعب القرظي نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين سألا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالا يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فنزلت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي أن عدي بن حاتم الطائي أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسأله فذكر نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) وما علمتم من الجوارح مكلبين ( قال هي الكلاب المعلمة والبازي والجوارح يعني الكلاب والفهود والصقور وأشباهها وأخرج ابن جرير عنه قال آية المعلم أن يمسك صيده فلا يأكل منه حتى يأتي صاحبه وأخرج عنه أيضا قال إذا أكل الكلب فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه وأخرج عبد بن حميد عنه نحوه وزاد وإذا أكل الصقر فلا تأكل لأن الكلب تستطيع أن تضر به والصقر لا تستطيع وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه في قوله ) وطعام الذين أوتوا الكتاب ( قال ذبائحهم وفى قوله ) والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( قال حل لكم ) إذا آتيتموهن أجورهن ( يعنى مهورهن ) محصنين ( يعنى تنكحونهن بالمهر والبينة ) غير مسافحين ( غير متغالين بالزنا ) ولا متخذي أخدان ( يعنى يسرون بالزنا وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ( قال أحل الله لنا محصنتين محصنة مؤمنة ومحصنة من أهل الكتاب نساؤنا عليهم حرام ونساؤهم لنا حلال وأخرج ابن جرير عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا وأخرج عبد الرازق وابن جرير عن عمر بن الخطاب قال المسلم يتزوج النصرانية ولا يتزوج النصراني المسلمة وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال إنما أحلت ذبائح اليهود والنصارى من أجل أنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قوله ) والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ( قال الحرائر وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال العفائف
سورة المائدة آية ( 6 )
المائدة : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) إذا قمتم ( إذا أردتم القيام تعبيرا بالمسبب عن السبب كما في قوله فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله وقد اختلف أهل العلم في هذا الأمر عند إرادة القيام إلى الصلاة فقالت طائفة هو عام في كل قيام إليها سواء كان القائم متطهرا أو محدثا فإنه ينبغى له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضأ وهو مروى عن على وعكرمة


"""""" صفحة رقم 17 """"""
وقال ابن سيرين كان الخلفاء يتوضئون لكل صلاة وقالت طائفة أخرى إن هذا الأمر خاص بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو ضعيف فإن الخطاب للمؤمنين والأمر لهم وقالت طائفة الأمر للندب طلبا للفضل وقال آخرون إن الوضوء لكل صلاة كان فرضا عليهم بهذه الآية ثم نسخ في فتح مكة وقال جماعة هذا الأمر خاص بمن كان محدثا وقال آخرون المراد إذا قمتم من النوم إلى الصلاة فيعم الخطاب كل قائم من نوم وقد أخرج مسلم وأحمد وأهل السنن عن بريدة قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتوضأ عن كل صلاة فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر يا رسول الله إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال عمدا فعلته يا عمر وهو مروى من طرق كثيرة بألفاظ متفقة في المعنى وأخرج البخاري وأحمد وأهل السنن عن عمرو بن عامر الأنصاري سمعت أنس بن مالك يقول كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتوضأ عند كل صلاة قال قلت فأنتم كيف كنتم تصنعون قال كنا نصلى الصلوات بوضوء واحد ما لم نحدث فتقرر بما ذكر أن الوضوء لا يجب إلا على المحدث به وبه قال جمهور أهل العلم وهو الحق قوله ) فاغسلوا وجوهكم ( الوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة وهو عضو مشتمل على أعضاء وله طول وعرض فحده فى الطول من مبتدا سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين وفى العرض من الأذن إلى الأذن وقد ورد الدليل بتخليل اللحية واختلف العلماء فى غسل ما استرسل والكلام فى ذلك مبسوط في مواطنه وقد اختلف أهل العلم أيضا هل يعتبر في الغسل الدلك باليد أم يكفى إمرار الماء والخلاف في ذلك معروف والمرجع اللغة العربية فإن ثبت فيها أن الدلك داخل في مسمى الغسل كان معتبرا وإلا فلا قال في شمس العلوم غسل الشيء غسلا إذا أجرى عليه الماء ودلكه انتهى وأما المضمضة والاستنشاق فإذا لم يكن لفظ الوجه يشمل باطن الفم والأنف فقد ثبت غسلها بالسنة الصحيحة والخلاف في الوجوب وعدمه معروف وقد أوضحنا ما هو الحق في مؤلفاتنا قوله ) وأيديكم إلى المرافق ( إلى للغاية وأما كون ما بعدها يدخل فيما قبلها فمحل خلاف وقد ذهب سيبويه وجماعة إلى أن ما بعدها إن كان من نوع ما قبلها دخل وإلا فلا وقيل إنها هنا بمعنى مع وذهب قوم إلى أنها تفيد الغاية مطلقا وأما الدخول وعدمه فأمر يدور مع الدليل وقد ذهب الجمهور إلى أن المرافق تغسل واستدلوا بما أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جده عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه ولكن القاسم هذا متروك وجده ضعيف قوله ) وامسحوا برؤوسكم ( قيل الباء زائدة والمعنى امسحوا رءوسكم وذلك يقتضى تعميم المسح لجميع الرأس وقيل هى للتبعيض وذلك يقتضى أنه يجزئ مسح بعضه واستدل القائلون بالتعميم بقوله تعالى في التيمم فامسحوا بوجوهكم ولا يجزيء مسح بعض الوجه اتفاقا وقيل أنها للإلصاق أي ألصقوا أيديكم برءوسكم وعلى كل حال فقد ورد في السنة المطهرة ما يفيد انه يكفي مسح بعض الرأس كما أوضحناه فى مؤلفاتنا فكان هذا دليلا على المطلوب غير محتمل كاحتمال الآية على فرض أنها محتملة ولا شك أن من أمر غيره بأن يمسح رأسه كان ممتثلا بفعل ما يصدق عليه مسمى المسح وليس فى لغة العرب ما يقتضى أنه لا بد فى مثل هذا الفعل من مسح جميع الرأس وهكذا سائر الأفعال المتعدية نحو اضرب زيدا أو اطعنه أو ارجمه فإنه يوجد المعنى العربي بوقوع الضرب أو الطعن أو الرجم على عضو من أعضائه ولا يقول قائل من أهل اللغة أو من هو عالم بها إنه لا يكون ضاربا إلا بإيقاع الضرب على كل جزء من أجزاء زيد وكذلك الطعن والرجم وسائر الأفعال فاعرف هذا حتى يتبين لك ما هو الصواب من الأقوال في مسح الرأس فإن قلت يلزم مثل هذا في غسل الوجه واليدين والرجلين قلت ملتزم


"""""" صفحة رقم 18 """"""
لولا البيان من السنة في الوجه والتحديد بالغاية في اليدين والرجلين بخلاف الرأس فإنه ورد في السنة مسح الكل ومسح البعض قوله ) وأرجلكم إلى الكعبين ( قرأ نافع بنصب الأرجل وهى قراءة الحسن البصري والأعمش وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة بالجر وقراءة النصب تدل على أنه يجب غسل الرجلين لأنها معطوفة على الوجه وإلى هنا ذهب جمهور العلماء وقراءة الجر تدل على أنه يجوز الاقتصار على مسح الرجلين لأنها معطوفة على الرأس وإليه ذهب ابن جرير الطبري وهو مروى عن ابن عباس قال ابن العربي اتفقت الأمة على وجوب غسلهما وما علمت من رد ذلك إلا الطبري من فقهاء المسلمين والرافضة من غيرهم وتعلق الطبري بقراءة الجر قال القرطبي قد روى عن ابن عباس أنه قال الوضوء غسلتان ومسحتان قال وكان عكرمة يمسح رجليه وقال ليس في الرجلين غسل إنما نزل فيهما المسح وقال عامر الشعبي نزل جبريل بالمسح قال وقال قتادة افترض الله مسحتين وغسلتين قال وذهب ابن جرير الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين الغسل والمسح وجعل القراءتين كالروايتين وقواه النحاس ولكنه قد ثبت في السنة المطهرة بالأحاديث الصحيحة من فعله ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله غسل الرجلين فقط وثبت عنه أنه قال ويل للأعقاب من النار وهو في الصحيحين وغيرهما فأفاد وجوب غسل الرجلين وأنه لا يجزئ مسحهما لأن شأن المسح أن يصيب ما أصاب ويخطئ ما أخطأ فلو كان مجزئا لما قال ويل للأعقاب من النار وقد ثبت عنه أنه قال بعد أن توضأ وغسل رجليه هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن رجلا توضأ فترك على قدمه مثل موضع الظفر فقال له ارجع فأحسن وضوءك وأما المسح على الخفين فهو ثابت بالأحاديث المتواترة وقوله ) إلى الكعبين ( الكلام فيه كالكلام في قوله ) إلى المرافق ( وقد قيل فى وجه جمع المرافق وتثنية الكعاب إنه لما كان في كل رجل كعبان ولم يكن فى كل يد إلا مرفق واحد ثنيت الكعاب تنبيها على ان لكل رجل كعبين بخلاف المرافق فإنها جمعت لأنه لما كان في كل يد مرفق واحد لم يتوهم وجود غيره ذكر معنى هذا ابن عطية وقال الكواشي ثنى الكعبين وجمع المرافق لنفى توهم أن من كل وحدة امن الرجلين كعبين وإنما فى كل واحدة كعب واحد له طرفان من جانبي الرجل بخلاف المرفق فهي أبعد عن الوهم انتهى
وبقى من فرائض الوضوء النية والتسمية ولم يذكر فى هذه الآية بل وردت بهما السنة وقيل إن فى هذه الآية ما يدل على النية لأنه لما قال ) إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ( كان تقدير الكلام فاغسلوا وجوهكم لها وذلك هو النية المعتبرة قوله ) وإن كنتم جنبا فاطهروا ( أي فاغتسلوا بالماء وقد ذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود إلى أن الجنب لا يتيمم ألبتة بل يدع الصلاة حتى يجد الماء استدلالا بهذه الآية وذهب الجمهور إلى وجوب التيمم للجنابة مع عدم الماء وهذه الآية هي للواجد على أن التطهر هو أعم من الحاصل بالماء أو بما هو عوض عنه مع عدمه وهو التراب وقد صح عن عمر وابن مسعود الرجوع إلى ما قاله الجمهور للأحاديث الصحيحة الواردة في تيمم الجنب مع عدم الماء وقد تقدم تفسير الجنب في النساء قوله ) وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط ( قد تقدم تفسير هذا في سورة النساء مستوفى وكذلك تقدم الكلام على ملامسة النساء وعلى التيمم وعلى الصعيد ومن قوله ) منه ( لابتداء الغاية وقيل للتبعيض قيل ووجه تكرير هذا هنا لاستيفاء الكلام فى أنواع الطهارة ) ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ( أي ما يريد بأمركم بالطهارة بالماء أو بالتراب التضييق عليكم فى الدين ومنه قوله تعالى ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( ثم قال ) ولكن يريد ليطهركم ( من الذنوب وقيل من الحدث الأصغر والأكبر ) وليتم نعمته عليكم ( أي بالترخيص لكم فى التيمم


"""""" صفحة رقم 19 """"""
عند عدم الماء أو بما شرعه لكم من الشرائع التى عرضكم بها للثواب ) لعلكم تشكرون ( نعمته عليكم فتستحقون بالشكر ثواب الشاكرين
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن زيد بن أسلم فى قوله ) إذا قمتم إلى الصلاة ( قال قمتم من المضاجع يعنى النوم وأخرج ابن جرير عن السدى مثله وأخرج ابن جرير أيضا عنه يقول إذا قمتم وأنتم على غير طهر وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن فى قوله ) فاغسلوا وجوهكم ( قال ذلك الغسل الدلك وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير عن أنس أنه قيل له إن الحجاج خطبنا فقال
اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرجلكم وانه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى الخبث من قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما قال أنس صدق الله وكذب الحجاج قال الله ) وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ( وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما وأخرج سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال اجتمع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على غسل القدمين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) من حرج ( قال من ضيق وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير فى قوله ) وليتم نعمته عليكم ( قال تمام النعمة دخول الجنة لم يتم نعمته على عبد لم يدخل الجنة
سورة المائدة الآية ( 7 11 )
المائدة : ( 7 ) واذكروا نعمة الله . . . . .
) نعمة الله ( قيل هي الإسلام والميثاق العهد قيل المراد به هنا ما أخذه على بني آدم كما قال ) وإذ أخذ ربك من بني آدم ( الآية قال مجاهد وغيره نحن وإن لم نذكره فقد أخبرنا الله به وقيل هو خطاب لليهود والعهد ما أخذه عليهم في التوراة وذهب جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم إلى أنه العهد الذى أخذه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة العقبة عليهم وهو السمع والطاعة في المنشط والمكره وأضافه تعالى إلى نفسه لأنه عن أمره وإذنه كما قال ) إنما يبايعون الله ( وبيعة العقبة مذكورة فى كتب السير وهذا متصل بقوله ) أوفوا بالعقود ( قوله ) إذ قلتم سمعنا وأطعنا ( أي وقت قولكم هذا القول وهذا متعلق بواثقكم أو بمحذوف وقع حالا أي كائنا هذا الوقت و ) بذات الصدور ( ما تخفيه الصدور لكونها مختصة بها لا يعلمها أحد ولهذا أطلق عليها ذات التى بمعنى الصاحب وإذا كان سبحانه عالما بها فكيف بما كان ظاهرا جليا
المائدة : ( 8 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ( قد تقدم تفسيرها في النساء وصيغة المبالغة فى ) قوامين ( تفيد أنهم مأمورون بأن يقوموا


"""""" صفحة رقم 20 """"""
بها أتم قيام لله أي لأجله تعظيما لأمره وطمعا في ثوابه والقسط العدل وقد تقدم الكلام على قوله ) يجرمنكم ( مستوفى أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل وكتم الشهادة ) اعدلوا هو ( أي العدل المدلول عليه بقوله اعدلوا ) أقرب للتقوى ( آلتي أمرتم بها غير مرة أي أقرب لأن تتقوا الله أو لأن تتقوا النار
المائدة : ( 9 ) وعد الله الذين . . . . .
قوله ) لهم مغفرة وأجر عظيم ( هذه الجملة في محل نصب على أنها المفعول الثاني لقوله ) وعد ( على معنى وعدهم أن لهم مغفرة أو وعدهم مغفرة فوقعت الجملة موقع المفرد فأغنت عنه ومثله قول الشاعر وجدنا الصالحين لهم جزاء
وجنات وعينا سلسبيلا
المائدة : ( 10 - 11 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
قوله ) أصحاب الجحيم ( أي ملابسوها قوله ) إذ هم قوم ( ظرف لقوله ) اذكروا ( أو للنعمة أو لمحذوف وقع حالا منها ) أن يبسطوا ( أي بأن يبسطوا وقوله ) فكف ( معطوف على قوله ) هم ( وسيأتى بيان سبب نزول هذه الآية وبه يتضح المعنى
وقد أخرج ابن جرير والطبراني في الكبير عن ابن عباس في قوله ) إذ قلتم سمعنا وأطعنا ( يعنى حين بعث الله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأنزل عليه الكتاب قالوا آمنا بالنبي والكتاب وأقررنا بما فى التوراة فذكرهم الله ميثاقه الذى أقروا به على أنفسهم وأمرهم بالوفاء به وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال النعم الآلاء وميثاقه الذى واثقهم به قال الذى واثق به بني آدم في ظهر آدم عليه السلام وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير في قوله ) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ( الآية قال نزلت في يهود خيبر ذهب إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يستفتيهم في دية فهموا أن يقتلوه فذلك قوله ) ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا ( الآية وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نزل منزلا فتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها فعلق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فسله ثم أقبل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال من يمنعك مني قال الله قال الاعرابي مرتين أو ثلاثة من يمنعك مني والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول الله فشام الاعرابي السيف فدعا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه فأخبرهم بصنيع الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه قال معمر وكان قتادة يذكر نحو هذا ويذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأرسلوا هذا الأعرابي ويتأول ) اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ( الآية وأخرج الحاكم وصححه عنه بنحوه وذكر أن اسم الرجل غورث بن الحارث وأنه لما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) الله ( سقط السيف من يده فأخذه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال من يمنعك منى قال كن خير آخذ قال فشهد أن لا إله إلا الله وأخرجه أيضا ابن إسحاق وأبو نعيم فى الدلائل عنه
وأخرج أبو نعيم فى الدلائل عن ابن عباس أن بني النضير هموا أن يطرحوا حجرا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه فجاء جبريل فأخبره بما هموا فقام ومن معه فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم ( الآية وروى نحو هذا من طرق عن غيره وقصة الأعرابي وهو غورث المذكور ثابتة في الصحيح


"""""" صفحة رقم 21 """"""
سورة المائدة الآية ( 12 14 )
المائدة : ( 12 ) ولقد أخذ الله . . . . .
قوله ) ولقد أخذ الله ( كلام مستأنف يتضمن ذكر بعض ما صدر من بنى إسرائيل من الخيانة وقد تقدم بيان الميثاق الذى أخذه الله عليهم واختلف المفسرون في كيفية بعث هؤلاء النقباء بعد الإجماع منهم على أن النقيب كبير القوم العالم بأمورهم الذى ينقب عنها وعن مصالحهم فيها والنقاب الرجل العظيم الذى هو في الناس على هذه الطريقة ويقال نقيب القوم لشاهدهم وضمينهم والنقيب الطريق في الجبل هذا أصله وسمى به نقيب القوم لأنه طريق إلى معرفة أمورهم والنقيب أعلى مكانا من العريف فقيل المراد ببعث هؤلاء النقباء أنهم بعثوا أمناء على الإطلاع على الجبارين والنظر في قوتهم ومنعتهم فساروا ليختبروا حال من بها ويخبروا بذلك فاطعلوا من الجبارين على قوة عظيمة وظنوا أنهم لا قبل لهم بها فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بنى إسرائيل وأن يعلموا به موسى فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فأخبروا قراباتهم ففشا الخبر حتى بطل أمر الغزو وقالوا اذهب أنت وربك فقاتلا وقيل إن هؤلاء النقباء كفل كل واحد منهم على سبطة بأن يؤمنوا ويتقوا الله وهذا معنى بعثهم وسيأتى ذكر بعض ما قاله جماعة من السلف في ذلك قوله ) وقال الله إني معكم ( أي قال ذلك لبني إسرائيل وقيل للنقباء والمعنى إنى معكم بالنصر والعون واللام في قوله ) لئن أقمتم الصلاة ( هي الموطئة للقسم المحذوف وجوابه ) لأكفرن ( وهو ساد مسد جواب الشرط والتعزير التعظيم والتوقير وأنشد أبو عبيدة وكم من ماجد لهم كريم
ومن ليث يعزر في الندى
أي يعظم ويوقر ويطلق التعزير على الضرب والرد يقال عزرت فلانا إذا أدبته ورددته عن القبيح فقوله ) وعزرتموهم ( أي عظمتموهم على المعنى الأول أو رددتم عنهم أعداءهم ومنعتموهم على الثاني قوله ) وأقرضتم الله قرضا حسنا ( أي أنفقتم في وجوه الخير و ) قرضا ( مصدر محذوف الزوائد كقوله تعالى ) وأنبتها نباتا حسنا ( أو مفعول ثان لأقرضتم والحسن قيل هو ما طابت به النفس وقيل ما ابتغى به وجه الله وقيل الحلال
قوله ) فمن كفر بعد ذلك ( أي بعد الميثاق أو بعد الشرط المذكور ) فقد ضل سواء السبيل ( أي أخطأ وسط الطريق
المائدة : ( 13 ) فبما نقضهم ميثاقهم . . . . .
وقوله (فيما نقضهم ميثاقهم ) الباء سببية وما زائدة أي فسبب تقضهم ميثاقهم لعناهم أي طردناهم وأبعدناهم
) وجعلنا قلوبهم قاسية ( أي صلبة لا تعى خيرا ولا تعقله وقرأ حمزة والكسائي قسية بتشديد الياء من غير ألف وهى قراءة ابن مسعود والنخعي ويحيى بن وثاب يقال درهم قسى مخفف السين مشدد الياء أي زائف ذكر ذلك أبو عبيد وقال الأصمعي وأبو عبيدة درهم قسى كأنه معرب قاس وقرأ الأعمش قسية بتخفيف الياء


"""""" صفحة رقم 22 """"""
وقرأ الباقون ) قاسية ( ) يحرفون الكلم عن مواضعه ( الجملة مستأنفة لبيان حالهم أو حالية أي يبدلونه بغيره أو يتأولونه على غير تأويله وقرأ السلمي والنخعي ? الكلام ? قوله ) ولا تزال تطلع على خائنة منهم ( أي لا تزال يا محمد تقف على خائنة منهم والخائنة الخيانة وقيل هو نعت لمحذوف والتقدير فرقة خائنة وقد تقع للمبالغة نحو علامة ونسابة إذا أردت المبالغة في وصفه بالخيانة وقيل خائنة معصية قوله ) إلا قليلا منهم ( استثناء من الضمير في منهم ) فاعف عنهم واصفح ( قيل هذا منسوخ بآية السيف وقيل خاص بالمعاهدين
المائدة : ( 14 ) ومن الذين قالوا . . . . .
قوله ) ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم ( الجار والمجرور متعلق بقوله ) أخذنا ( والتقديم للاهتمام والتقدير وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم أي في التوحيد والإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبما جاء به قال الأخفش هو كقولك أخذت من زيد ثوبه ودرهمه فرتبه الذين بعد أخذنا وقال الكوفيون بخلافة وقيل إن الضمير في قوله ) ميثاقهم ( راجع إلى بنى إسرائيل أي أخذنا من النصارى مثل ميثاق المذكورين قبلهم من بنى إسرائيل وقال ) ومن الذين قالوا إنا نصارى ( ولم يقل ومن النصارى للإيذان بأنهم كاذبون في دعوى النصرانية وأنهم أنصار الله قوله ) فنسوا حظا مما ذكروا به ( أي نسوا من الميثاق المأخوذ عليهم نصيبا وافرا عقب أخذه عليهم ) فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء ( أي ألصقنا ذلك بهم مأخوذ من الغراء وهو ما يلصق الشيء بالشيء كالصمغ وشبهه يقال غرى بالشيء يغرى غريا بفتح الغين مقصورا وغراء بكسرها ممدودا أي أولع به حتى كأنه صار ملتصقا به ومثل الإغراء التحرش وأغريت الكلب أي أولعته بالصيد والمراد بقوله ) بينهم ( اليهود والنصارى لتقدم ذكرهم جميعا وقيل بين النصارى خاصة لأنهم أقرب مذكور وذلك لأنهم افترقوا إلى اليعقوبية والنسطورية والملكانية وكفر بعضهم بعضا وتظاهروا بالعداوة في ذات بينهم قال النحاس وما أحسن ما قيل فى معنى ) فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء ( إن الله عز وجل أمر بعداوة الكفار وإبغاضهم فكل فرقة مأمورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها
قوله ) وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ( تهديد لهم أي سيلقون جزاء نقض الميثاق
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية فى قوله ) ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل ( قال أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره ) وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ( أي كفيلا كفلوا عليهم بالوفاء لله بما واثقوه عليه من العهود فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) اثني عشر نقيبا ( قال من كل سبط من بنى إسرائيل رجال أرسلهم موسى إلى الجبارين فوجدوهم يدخل فى كم أحدهم اثنان منهم ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس منهم في خشبة ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة فرجع النقباء كلهم ينهى سبطه عن قتالهم إلا يوشع بن نون وكالب بن يافنة فإنهما أمرا الأسباط بقتال الجبارين ومجاهدتهم فعصوهما وأطاعوا الآخرين فهما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما فتاهت بنو إسرائيل أربعين سنة يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا فى تيههم ذلك فضرب موسى الحجر لكل سبط عينا حجرا لهم يحملونه معهم فقال لهم موسى اشربوا يا حمير فنهاه الله عن سبهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) اثني عشر نقيبا ( قال هم من بنى إسرائيل بعثهم موسى لينظروا إلى المدينة فجاءوا بحبه من فاكهتهم وقر رجل فقال اقدروا قوة قوم وبأسهم وهذه فاكهتهم فعند ذلك فتنوا فقالوا لا نستطيع القتال ) فاذهب أنت وربك فقاتلا ( وقد ذكر ابن إسحاق أسماء هؤلاء الأسباط وأسماؤهم مذكورة فى السفر الرابع من التوراة وفيه مخالفة لما ذكره ابن إسحاق وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وعزرتموهم ( قال أعنتموهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) وعزرتموهم (


"""""" صفحة رقم 23 """"""
قال نصرتموهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فبما نقضهم ميثاقهم ( قال هو ميثاق أخذه الله على أهل التوراة فنقضوه وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) يحرفون الكلم عن مواضعه ( يعنى حدود الله يقولون إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه وإن خالفكم فاحذروا وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا فى قوله ) ونسوا حظا مما ذكروا به ( قال نسوا الكتاب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) ولا تزال تطلع على خائنة منهم ( قال هم يهود مثل الذى هموا به من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم دخل عليهم حائطهم
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) ولا تزال تطلع على خائنة منهم ( قال كذب وفجور وفى قوله ) فاعف عنهم واصفح ( قال لم يؤمر يومئذ بقتالهم فأمره الله أن يعفو عنهم ويصفح ثم نسخ ذلك فى براءة فقال ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ( الآية وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن إبراهيم النخعي فى قوله ) فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ( قال أغرى بعضهم ببعض بالخصومات والجدال فى الدين
سورة المائدة الآية ( 15 16 )
المائدة : ( 15 ) يا أهل الكتاب . . . . .
الألف واللام في الكتاب للجنس والخطاب لليهود والنصارى ) قد جاءكم رسولنا ( أي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حال كونه ) يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ( المنزل عليكم وهو التوراة والإنجيل كآية الرحيم وقصة أصحاب السبت الممسوخين قردة ) ويعفو عن كثير ( مما تخفونه فيترك بيانه لعدم اشتماله على ما يجب بيانه عليه من الأحكام الشرعية فإن ما لم يكن كذلك لا فائدة تتعلق ببيانه إلا مجرد افتضاحكم وقيل المعنى إنه يعفو عن كثير فيتجاوزه ولا يخبركم به وقيل يعفو عن كثير منكم فلا يؤاخذهم بما يصدر منهم والجملة في محل نصب عطفا على الجملة الحالية أعنى قوله ) يبين لكم ( قوله ) قد جاءكم من الله نور ( جملة مستأنفة مشتملة على بيان أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) قد تضمنت بعثته فوائد غير ما تقدم من مجرد البيان قال الزجاج النور محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل الإسلام والكتاب المبين القرآن فإنه المبين
المائدة : ( 16 ) يهدي به الله . . . . .
والضمير في قوله ) يهدي به ( راجع إلى الكتاب أو إليه وإلى النور لكونهما كالشيء الواحد ) من اتبع رضوانه ( أي ما رضيه الله و ) سبل السلام ( طرق السلامة من العذاب الموصلة إلى دار السلام المنزهة عن كل آفة وقيل المراد بالسلام الإسلام ) ويخرجهم من الظلمات ( الكفرية ) إلى النور ( الإسلامي ) ويهديهم إلى صراط مستقيم ( إلى طريق يتوصلون بها إلى الحق لا عوج فيها ولا مخافة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) رسولنا ( قال هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير أيضا عن عكرمة قال إن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتاه اليهود يسألونه عن الرجم فقال أيكم أعلم فأشاروا إلى ابن صوريا فناشده بالذى أنزل التوراة على موسى والذى رفع الطور بالمواثيق التى أخذت عليهم حتى أخذه أفكل فقال إنه لما كثر فينا جلدنا مائة جلده وحالقنا الرءوس فحكم عليهم بالرجم فنزلت هذه الآية وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) ويعفو عن كثير ( يقول


"""""" صفحة رقم 24 """"""
عن كثير من الذنوب وأخرج ابن جرير عن السدى قال ) سبل السلام ( هي سبيل الله الذى شرعه لعباده ودعاهم إليه وابتعث به رسله وهو الإسلام
سورة المائدة الآية ( 17 18 )
المائدة : ( 17 ) لقد كفر الذين . . . . .
ضمير الفصل في قوله ) هو المسيح ( يفيد الحصر قيل وقد قال بذلك بعض طوائف النصارى وقيل لم يقل به أحد منهم ولكن استلزم قولهم ) إن الله هو المسيح ( لا غيره وقد تقدم في آخر سورة النساء ما يكفى ويغنى عن التكرار قوله ) قل فمن يملك من الله شيئا ( الاستفهام للتوبيخ والتقريع والملك والملك الضبط والحفظ والقدرة من قولهم ملكت على فلان أمره أي قدرت عليه أي فمن يقدر أن يمنع ) إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ( وإذا لم يقدر أحد أن يمنع من ذلك فلا إله إلا الله ولا رب غيره ولا معبود بحق سواه ولو كان المسيح إلها كما تزعم النصارى لكان له من الأمر شيء ولقدر على أن يدفع عن نفسه أقل حال ولم يقدر على أن يدفع عن أمه الموت عند نزوله بها وتخصيصها بالذكر مع دخولها في عموم من فى الأرض لكون الدفع منه عنها أولى وأحق من غيرها فهو إذا لم يقدر على الدفع عنها أعجز عن أن يدفع عن غيرها وذكر من فى الأرض للدلالة على شمول قدرته وأنه إذا أراد شيئا كان لا معارض له في أمره ولا مشارك له في قضائه ) ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما ( أي ما بين النوعين من المخلوقات قوله ) يخلق ما يشاء ( جملة مستأنفة مسوقة لبيان أنه سبحانه خالق الخلق بحسب مشيئته وأنه يقدر على كل شيء لا يستصعب عليه شيء
المائدة : ( 18 ) وقالت اليهود والنصارى . . . . .
قوله ) وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ( أثبتت اليهود لأنفسها ما أثبتته لعزير حيث قالوا عزير ابن الله وأثبتت النصارى لأنفسها ما أثبتته للمسيح حيث قالوا المسيح ابن الله وقيل هو على حذف مضاف أي نحن أتباع أبناء الله وهكذا أثبتوا لأنفسهم أنهم أحباء الله بمجرد الدعوى الباطلة والأمانى العاطلة فأمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يرد عليهم فقال ) قل فلم يعذبكم بذنوبكم ( أي إن كنتم كما تزعمون فما باله يعذبكم بما تقترفونه من الذنوب بالقتل والمسخ وبالنار في يوم القيامة كما تعترفون بذلك لقولكم ) لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ( فإن الابن من جنس أبيه لا يصدر عنه ما يستحيل على الأب وأنتم تذنبون والحبيب لا يعذب حبيبه وأنتم تعذبون فهذا يدل على أنكم كاذبون فى هذه الدعوى وهذا البرهان هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف قوله ) بل أنتم بشر ممن خلق ( عطف على مقدر يدل عليه الكلام أي فلستم حينئذ كذلك ) بل أنتم بشر ممن خلق ( أي من جنس من خلقه الله تعالى يحاسبهم على الخير والشر ويجازى كل عامل بعمله ) يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما (


"""""" صفحة رقم 25 """"""
من الموجودات ) وإليه المصير ( أي تصيرون إليه عند انتقالكم من دار الدنيا إلى دار الآخرة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقى في الدلائل عن ابن عباس قال أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نعمان بن أضاء وبحرى بن عمرو وشاس بن عدي فكلموه وكلمهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا ما تخوفنا يا محمد ) نحن أبناء الله وأحباؤه ( كقول النصارى فأنزل الله فيهم ) وقالت اليهود والنصارى ( إلى آخر الآية وأخرج أحمد في مسنده عن أنس قال مر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في نفر من أصحابه وصبى في الطريق فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول ابنى ابنى فسعت فأخذته فقال القوم يا رسول الله ما كانت هذه لتلقى ابنها في النار فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا والله لا يلقى حبيبه في النار وإسناده في المسند هكذا حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس فذكره ومعنى الآية يشير إلى معنى هذا الحديث ولهذا قال بعض مشايخ الصوفية لبعض الفقهاء أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه فلم يرد عله فتلا الصوفي هذه الآية وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لا والله لا يعذب الله حبيبه ولكن قد يبتليه في الدنيا وأخرج ابن جرير عن السدى في قوله ) يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ( يقول يهدى منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذبه
سورة المائدة الآية ( 19 )
المائدة : ( 19 ) يا أهل الكتاب . . . . .
المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى والرسول هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ويبين لكم حال والمبين هو ما شرعه الله لعباده وحذف للعلم به لأن بعثة الرسل إنما هي بذلك والفترة أصلها السكون يقال فتر الشيء سكن وقيل هي الانقطاع قاله أبو علي الفارسي وغيره ومنه فتر الماء إذا انقطع عما كان عليه من البرد إلى السخونة وفتر الرجل عن عمله إذا انقطع عما كان عليه من الجد فيه وامرأة فاترة الطرف أي منقطعة عن حدة النظر والمعنى أنه انقطع الرسل قبل بعثه ( صلى الله عليه وسلم ) مدة من الزمان واختلف في قدر مدة تلك الفترة وسيأتى بيان ذلك قوله ) أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ( تعليل لمجيء الرسول بالبيان على حين فترة أي كراهة أن تقولوا هذا القول معتذرين عن تفريطكم ومن في قوله ) من بشير ( زائدة للمبالغة في نفى المجئ والفاء في قوله ) فقد جاءكم ( هي الفصيحة مثل قول الشاعر فقد جئنا خراسانا
أي لا تعتذروا فقد جاءكم بشير ونذير وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) والله على كل شيء قدير ( ومن جملة مقدوراته إرسال رسوله على فترة من الرسل
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يهود إلى الإسلام فرغبهم فيه وحذرهم فأبوا عليه فقال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب يا معشر يهود اتقوا الله فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته فقال رافع بن حرملة ووهب بن يهوذا ما قلنا لكم


"""""" صفحة رقم 26 """"""
هذا وما أنزل الله من كتاب من بعد موسى ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده فأنزل الله ) يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) جاء بالحق الذى فرق الله به بين الحق والباطل فيه بيان وموعظة ونور وهدى وعصمة لمن أخذ به قال وكانت الفترة بين عيسى ومحمد ستمائة سنة وما شاء الله من ذلك وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه قال كانت خمسمائة سنة وستين سنة وقال الكلبي خمسمائة سنة وأربعين سنة وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال كانت خمسمائة سنة وأخرج ابن جرير عن الضحاك قالى كانت أربعمائة سنة وبضعا وثلاثين سنة وأخرج ابن سعد في كتاب الطبقات عن ابن عباس قال كان بين موسى وعيسى ألف سنة وتسعمائة سنة ولم يكن بينهما فترة فإنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم وكان بين ميلاد عيسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) خمسائة سنة وتسع وستون سنة بعث في أولها ثلاثة أنبياء كما قال الله تعالى ) إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ( والذى عزز به شمعون وكان من الحواريين وكانت الفترة التى لم يبعث الله فيها رسولا أربعمائة سنة وأربعة وثلاثين سنة وقد قيل غير ما ذكرناه
سورة المائدة الآية ( 20 26 )
المائدة : ( 20 ) وإذ قال موسى . . . . .
هذه الآيات متضمنة للبيان من الله سبحانه بأن أسلاف اليهود الموجودين في عصر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) تمردوا على موسى وعصوه كما تمرد هؤلاء على نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) وعصوه وفى ذلك تسلية له ( صلى الله عليه وسلم ) وروى عن عبد الله بن كثير أنه قرأ ) يا قوم اذكروا ( بضم الميم وكذا قرأ فيما أشبهه وتقديره ) يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء ( أي وقت هذا الجعل وإيقاع الذكر على الوقت مع كون المقصود ما وقع فيه من الحوادث للمبالغة لأن الأمر بذكر الوقت أمر بذكر ما وقع فيه بطريق الأولى وامتن عليهم سبحانه بجعل الأنبياء فيهم مع كونه قد جعل الأنبياء من غيرهم لكثرة من بعثه من الأنبياء منهم قوله ) وجعلكم ملوكا ( أي وجعل منكم ملوكا وإنما حذف حرف الجر لظهور أن معنى الكلام على تقديره


"""""" صفحة رقم 27 """"""
ويمكن أن يقال إن منصب النبوة لما كان لعظم قدره وجلالة خطره بحيث لا ينسب إلى غير من هو له قال فيه ) إذ جعل فيكم أنبياء ( ولما كان منصب الملك مما يجوز نسبته إلى غير من قال به كما تقول قرابة الملك نحن الملوك قال فيه ) وجعلكم ملوكا ( وقيل المراد بالملك أنهم ملكوا أمرهم بعد أن كانوا مملوكين لفرعون فهم جميعا ملوك بهذا المعنى وقيل معناه أنه جعلهم ذوي منازل لا يدخل عليهم غيرهم إلا بأذن وقيل غير ذلك والظاهر أن المراد من الآية الملك الحقيقي ولو كان بمعنى آخر لما كان للامتنان به كثير معنى فإن قلت قد جعل غيرهم ملوكا كما جعلهم قلت قد كثر الملوك فيهم كما كثر الأنبياء فهذا وجه الامتنان قوله ) وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ( أي من المن والسلوى والحجر والغمام وكثرة الأنبياء وكثرة الملوك وغير ذلك والمراد عالمى زمانهم وقيل إن الخطاب هاهنا لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وهو عدول عن الظاهر لغير موجب والصواب ما ذهب إليه جمهور المفسرين من أنه من كلام موسى لقومه وخاطبهم بهذا الخطاب توطئة وتمهيدا لما بعده من أمره لهم بدخول الأرض المقدسة
وقد اختلف في تعيينها فقال قتادة هي الشام وقال مجاهد الطور وما حوله وقال ابن عباس والسدى وغيرهما أريحاء وقال الزجاج دمشق وفلسطين وبعض الأردن وقول قتادة يجمع هذه الأقوال المذكورة بعده
المائدة : ( 21 ) يا قوم ادخلوا . . . . .
والمقدسة المطهرة وقيل المباركة ) التي كتب الله لكم ( أي قسمها وقدرها لهم في سابق علمه وجعلها مسكنا لكم ) ولا ترتدوا على أدباركم ( أي لا ترجعوا عن أمري وتتركوا طاعتي وما أوجبته عليكم من قتال الجبارين جبنا وفشلا ) فتنقلبوا ( بسبب ذلك ) خاسرين ( لخير الدنيا والآخرة
المائدة : ( 22 ) قالوا يا موسى . . . . .
) قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين ( قال الزجاج الجبار من الآدميين العاثي وهو الذى يجبر الناس على ما يريد وأصله على هذا من الإجبار وهو الإكراه فإنه يجبر غيره على ما يريده يقال أجبره إذا أكرهه وقيل هو مأخوذ من جبر العظم فأصل الجبار على هذا المصلح لأمر نفسه ثم استعمل في كل من جر إلى نفسه نفعا بحق أو باطل وقيل إن جبر العظم راجع إلى معنى الإكراه قال الفراء لم أسمع فعالا من أفعل إلا في حرفين جبار من أجبر ودراك من أدرك والمراد هنا أنهم قوم عظام الأجسام طوال متعاظمون قيل هم قوم من بقية قوم عاد وقيل هم من ولد عيص بن إسحاق وقيل هم من الروم ويقال إن منهم عوج بن عنق المشهور بالطول المفرط وعنق هي بنت آدم قيل كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلثمائة وثلاثة ذراعا وثلث ذراع قال ابن كثير وهذا شيء يستحيا من ذكره ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا ثم لم يزل الخلق ينقص ثم قد ذكروا أن هذا الرجل كان كافرا وأنه كان ولد زنية وأنه امتنع من ركوب السفينه وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته وهذا كذب وافتراء فإن الله ذكر أن نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين فقال ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( وقال تعالى ) فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين ( وقال تعالى ) لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ( وإذا كان ابن نوح الكافر غرق فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر ولد زنية هذا لا يسوغ في عقل ولا شرع ثم فى وجود رجل يقال له عوج بن عنق نظر والله أعلم انتهى كلامه
قلت لم يأت فى أمر هذا الرجل ما يقتضى تطويل الكلام فى شأنه وما هذا بأول كذبة اشتهرت في الناس ولسنا بملزومين بدفع الأكاذيب التى وضعها القصاص ونفقت عند من لا يميز بين الصحيح والسقيم فكم في بطون دفاتر التفاسير من أكاذيب وبلايا وأقاصيص كلها حديث خرافة وما أحق من لا تمييز عنده لفن الرواية ولا معرفة به أن يدع التعرض لتفسير كتاب الله ويضع هذه الحماقات والأضحوكات في المواضع المناسبة لها من كتب


"""""" صفحة رقم 28 """"""
القصاص قوله ) فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ( هذا تصريح بما هو مفهوم من الجملة التى قبل هذه الجملة لبيان أن امتناعهم من الدخول ليس إلا لهذا السبب
المائدة : ( 23 ) قال رجلان من . . . . .
قوله ) قال رجلان ( هما يوشع وكالب بن يوفنا أو ابن فانيا وكانا من الاثنى عشر نقيبا كما مر بيان ذلك وقوله ) من الذين يخافون ( أي يخافون من الله عز وجل وقيل من الجبارين أي هذان الرجلان من جملة القوم الذين يخافون من الجبارين وقيل من الذين يخافون ضعف بنى إسرائيل وجبنهم وقيل إن الواو في ) يخافون ( لبنى إسرائيل أي من الذين يخافهم بنو إسرائيل وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير ) يخافون ( بضم الياء أي يخافهم غيرهم قوله ) أنعم الله عليهما ( في محل رفع على أنه صفة ثانية لرجلان بالإيمان واليقين بحصول ما وعدوا به من النصر والظفر ) ادخلوا عليهم الباب ( أي باب بلد الجبارين ) فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ( قالا هذه المقالة لبنى إسرائيل والظاهر أنهما قد علما بذلك من خبر موسى أو قالاه ثقة بوعد الله أو كانا قد عرفا أن الجبارين قد ملئت قلوبهم خوفا ورعبا
المائدة : ( 24 ) قالوا يا موسى . . . . .
) قالوا ( أي بنوا إسرائيل لموسى ) إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها ( وكان هذا القول منهم فشلا وجبنا أو عنادا وجرءة على الله وعلى رسوله ) فاذهب أنت وربك فقاتلا ( قالوا هذا جهلا بالله عز وجل وبصفاته وكفرا بما يجب له أو استهانة بالله ورسوله وقيل أراد بالذهاب الإرادة والقصد وقيل أرادوا بالرب هارون وكان أكبر من موسى وكان موسى يطيعه ) ها هنا قاعدون ( أي لا نبرح هاهنا لا نتقدم معك ولا نتأخر عن هذا الموضع وقيل أرادوا بذلك عدم التقدم لا عدم التأخر
المائدة : ( 25 ) قال رب إني . . . . .
) قال ( موسى ) رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي ( يحتمل أن يعطف وأخي على نفسي وأن يعطف على الضمير في ) إني ( أي إني لا أملك إلا نفسي وأخي لا يملك إلا نفسه قال هذا تحسرا وتحزنا واستجلابا للنصر من الله عز وجل ) فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ( أي افصل بيننا يعنى نفسه وأخاه وبين القوم الفاسقين وميزنا عن جملتهم ولا تلحقنا بهم في العقوبة وقيل المعنى فاقض بيننا وبينهم وقيل إنما أراد في الآخرة وقرأ عبيد بن عمير ) فافرق ( بكسر الراء
المائدة : ( 26 ) قال فإنها محرمة . . . . .
) قال فإنها ( أي الأرض المقدسة ) محرمة عليهم ( أي على هؤلاء العصاة بسبب امتناعهم من قتال الجبارين ) أربعين سنة ( ظرف للتحريم أي أنه محرم عليهم دخولها هذه المدة لا زيادة عليها فلا يخالف هذا التحريم ما تقدم من قوله ) التي كتب الله لكم ( فإنها مكتوبة لمن بقى منهم بعد هذه المدة وقيل إنه لم يدخلها أحد ممن قال ) إنا لن ندخلها ( فيكون توقيت التحريم بهذه المدة باعتبار ذراريهم وقيل إن ) أربعين سنة ( ظرف لقوله ) يتيهون في الأرض ( أي يتيهون هذا المقدار فيكون التحريم مطلقا والموقت هو التيه وهو في اللغة الحيرة يقال منه تاه يتيه تيها أو توها إذا تحير فالمعنى يتحيرون في الأرض قيل إن هذه الأرض التى تاهوا فيها كانت صغيرة نحو ستة فراسخ كانوا يمسون حيث أصبحوا ويصبحون حيث أمسوا وكانوا سيارة مستمرين على ذلك لا قرار لهم
واختلف أهل العلم هل كان معهم موسى وهارون أم لا فقيل لم يكونا معهم لأن التيه عقوبة وقيل كانا معهم لكن سهل الله عليهما ذلك كما جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم وقد قيل كيف يقع هذا لجماعة من العقلاء في مثل هذه الأرض اليسيرة في هذه المدة الطويلة قال أبو علي يكون ذلك بأن يحول الله الأرض التى هم عليها إذا ناموا إلى المكان الذى ابتدءوا منه وقد يكون بغير ذلك من الأسباب المانعة من الخروج عنها على طريق المعجزة الخارقة للعادة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وجعلكم ملوكا ( قال ملكهم الخدم وكانوا أول من ملك الخدم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال كان الرجل من بنى إسرائيل إذا كانت له الزوجة والخادم والدار سمي ملكا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه


"""""" صفحة رقم 29 """"""
فى الآية قال الزوجة والخادم والبيت وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي فى شعب الإيمان عنه أيضا فى قوله ) وجعلكم ملوكا ( قال المرأة والخدم ) وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ( قال الذين هم بين ظهرانيهم يومئذ وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال كانت بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم أو دابة وامرأة كتب ملكا وأخرج ابن جرير والزبير بن بكار فى الموقفيات عن زيد بن أسلم قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من كان له بيت وخادم فهو ملك وأخرج أبو داود فى مراسيله عن زيد بن أسلم فى الآية قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زوجة ومسكن وخادم وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سأله رجل ألسنا من فقراء المهاجرين قال ألك امرأة تأوى إليها قال نعم قال ألك مسكن تسكنه قال نعم قال فأنت من الأغنياء قال إن لي خادما قال فأنت من الملوك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) وجعلكم ملوكا ( قال جعل لهم أزواجا وخدما وبيوتا ) وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ( قال المن والسلوى والحجر والغمام وأخرج ابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال المن والسلوى والحجر والغمام وقد ثبت في الحديث الصحيح من أصبح منكم معافى فى جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) ادخلوا الأرض المقدسة ( قال الطور وما حوله وأخرج عنه أيضا قال هى أريحاء وأخرج ابن عساكر عن معاذ بن جبل قال هى ما بين العريش إلى الفرات وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال هي الشام وأخرج ابن جرير عن السدى في قوله ) التي كتب الله لكم ( قال التى أمركم الله بها وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال أمر القوم بها كما أمرنا بالصلاة والزكاة والحج والعمرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أمر موسى أن يدخل مدينة الجبارين فسار بمن معه حتى نزل قريبا من المدينة وهى أريحاء فبعث إليهم اثنى عشر عينا من كل سبط منهم عين ليأتوه بخبر القوم فدخلوا المدينة فرأوا أمرا عظيما من هيئتهم وجسمهم وعظمهم فدخلوا حائطا لبعضهم فجاء صاحب الحائط ليجتنى الثمار من حائطه فجعل يجتنى الثمار فنظر إلى آثارهم فتتبعهم فكلما أصاب واحدا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة حتى التقط الاثنى عشر كلهم فجعلهم في كمه مع الفاكهة وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه فقال الملك قد رأيتم شأننا وأمرنا اذهبوا فأخبروا صاحبكم قال فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم فقال اكتموا عنا فجعل الرجل يخبر أباه وصديقه ويقول اكتم عنى فأشبع ذلك في عسكرهم ولم يكتم منهم إلا رجلان يوشع بن نون وكالب بن يوفنا وهما اللذان أنزل الله فيهما ) قال رجلان من الذين يخافون ( وقد روى نحو هذا مما يتضمن المبالغة في وصف هؤلاء وعظم أجسامهم ولا فائدة في بسط ذلك فغالبه من أكاذيب القصاص كما قدمنا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فافرق ( يقول اقض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه يقول افصل بيننا وبينهم وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) فإنها محرمة عليهم ( قال أبدا وفى قوله ) يتيهون في الأرض ( قال أربعين سنة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال تاهوا أربعين سنة فهلك موسى وهارون في التيه وكل من جاوز الأربعين سنة فلما مضت الأربعون سنة ناهضهم يوشع بن نون وهو الذى قام بالأمر بعد موسى وهو الذى افتتحها وهو الذى قيل له اليوم يوم جمعة فهموا بافتتاحها فدنت الشمس للغروب فخشى إن دخلت ليلة السبت أن يسبتوا فنادى الشمس إنى مأمور وأنت مأمورة فوقفت حتى افتتحها فوجد فيها من الأموال ما لم ير مثله قط


"""""" صفحة رقم 30 """"""
فقربوه إلى النار فلم تأت فقال فيكم الغلول فدعا رءوس الأسباط وهم اثنا عشر رجلا فبايعهم والتصقت يد رجل منهم بيده فقال الغلول عندك فأخرجه فأخرج رأس بقرة من ذهب لها عينان من ياقوت وأسنان من لؤلؤ فوضعه مع القربان فأتت النار فأكلتها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال خلق لهم في التيه ثياب لا تخلق ولا تدرن
سورة المائدة الآية ( 27 31 )
المائدة : ( 27 ) واتل عليهم نبأ . . . . .
وجه اتصال هذا بما قبله التنبيه من الله على أن ظلم اليهود ونقضهم المواثيق والعهود هو كظلم ابن آدم لأخيه فالداء قديم والشر أصيل
وقد اختلف أهل العلم في ابنى آدم المذكورين هل هما لصلبه أم لا فذهب الجمهور إلى الأول وذهب الحسن والضحاك إلى الثاني وقالا إنهما كانا من بنى إسرائيل فضرب بهما المثل في إبانة حسد اليهود وكانت بينهما خصومة فتقربا بقربانين ولم تكن القرابين إلا في بنى إسرائيل قال ابن عطية وهذا وهم كيف يجهل صورة الدفن أحد من بنى إسرائيل حتى يقتدى بالغراب قال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم واسمهما قابيل وهابيل وكان قربان قابيل حزمة من سنبل لأنه كان صاحب زرع واختارها من أردإ زرعه حتى إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها وكان قربان هابيل كبشا لأنه كان صاحب غنم أخذه من أجود غنمه فتقبل قربان هابيل فرفع إلى الجنة فلم يزل يرعى فيها إلى أن فدى به الذبيح عليه السلام كذا قال جماعة من السلف ولم يتقبل قربان قابيل فحسده وقال لأقتلنك وقيل سبب هذا القربان أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى إلا شيثا عليه السلام فإنها ولدته منفردا وكان آدم عليه السلام يزوج الذكر من هذا البطن بالأنثى من البطن الآخر ولا تحل له أخته التى ولدت معه فولدت مع قابيل أخت جميلة واسمها إقليما ومع هابيل أخت ليست كذلك واسمها ليوذا فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل أنا أحق بأختى فأمره آدم فلم يأتمر وزجره فلم ينزجر فاتفقوا على القربان وأنه يتزوجها من تقبل قربانه قوله ) بالحق ( متعلق بمحذوف وقع صفة لمصدر ) واتل ( أي تلاوة متلبسة بالحق أو صفة لنبأ أي نبأ متلبسا بالحق والمراد بأحدهما هابيل وبالآخر قابيل و ) قال لأقتلنك ( استئناف بياني كأنه فماذا قال الذى لم يتقبل قربانه وقوله ) قال إنما يتقبل الله من المتقين ( استئناف كالأول كأنه قيل فماذا قال الذى تقبل قربانه وإنما للحصر أي إنما يتقبل الله القربان من المتقين لا من غيرهم وكأنه يقول لأخيه إنما أتيت


"""""" صفحة رقم 31 """"""
من قبل نفسك لا من قبلي فإن عدم تقبل قربانك بسبب عدم تقواك
المائدة : ( 28 ) لئن بسطت إلي . . . . .
قوله ) لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ( أي لأن قصدت قتلى واللام هي الموطئة و ) ما أنا بباسط ( جواب القسم ساد مسد جواب الشرط وهذا استسلام للقتل من هابيل كما ورد في الحديث إذا كانت الفتنة فكن كخير ابنى آدم وتلاالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية قال مجاهد كان الفرض عليهم حينئذ أن لا يسل أحد سيفا وأن لا يمتنع ممن يريد قتله قال القرطبي قال علماؤنا وذلك مما يجوز ورود التعبد به إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعا وفى وجوب ذلك عليه خلاف والأصح وجوب ذلك لما فيه من النهي عن المنكر وفى الحشوية قوم لا يجوزون للمصول عليه الدفع واحتجوا بحديث أبي ذر وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة وكف اليد عند الشبهة على ما بيناه فى كتاب التذكرة انتهى كلام القرطبي وحديث أبي ذر المشار إليه هو عند مسلم وأهل السنن إلا النسائي وفيه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له يا أبا ذر أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا كيف تصنع قلت الله ورسوله أعلم قال اقعد فى بيتك وأغلق عليك بابك قال فإن لم أترك قال فأت من أنت منهم فكن فيهم قال فآخذ سلاحي قال إذن تشاركهم فيما هم فيه ولكن إن خشيت أن يردعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك وفى معناه أحاديث عن جماعة من الصحابة سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وخباب بن الأرت وأبي بكر وابن مسعود وأبي واقد وأبي موسى
المائدة : ( 29 ) إني أريد أن . . . . .
قوله ) إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار ( هذا تعليل لامتناعه من المقاتلة بعد التعليل الأول وهو ) إني أخاف الله رب العالمين (
اختلف المفسرون فى المعنى فقيل أراد هابيل إني أريد أن تبوء بالإثم الذى كان يلحقنى لو كنت حريصا على قتلك وبإثمك الذى تحملته بسبب قتلي وقيل المراد بإثمي الذى يختص بي بسبب سيأتي فيطرح عليك بسبب ظلمك لي وتبوء بإثمك فى قتلي وهذا يوافق معناه معنى ما ثبت فى صحيح مسلم من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) يؤتى يوم القيامة بالظالم والمظلوم فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه ومثله قوله تعالى ) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( وقيل المعنى إني أريد أن لا تبوء بإثمي وإثمك كما في قوله تعالى ) وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ( أي أن لا تميد بكم وقوله ) يبين الله لكم أن تضلوا ( أي أن لا تضلوا وقال أكثر العلماء إن المعنى ) إني أريد أن تبوء بإثمي ( أي بإثم قتلك لي ) وإثمك ( الذى قد صار عليك بذنوبك من قبل قتلي قال الثعلبي هذا قول عامة المفسرين وقيل هو على وجه الإنكار أي أو إني أريد على وجه الإنكار كقوله تعالى ) وتلك نعمة ( أي أو تلك نعمة قاله القشيري ووجهه بأن إرادة القتل معصية وسئل أبو الحسن بن كيسان كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار فقال وقعت الإرادة بعد ما بسط يده إليه بالقتل وهذا بعيد جدا وكذلك الذى قبله وأصل باء رجع إلى المباءة وهى المنزل ) وباؤوا بغضب من الله ( أي رجعوا
المائدة : ( 30 ) فطوعت له نفسه . . . . .
قوله ) فطوعت له نفسه قتل أخيه ( أي سهلت نفسه عليه الأمر وشجعته وصورت له أن قتل أخيه طوع يده سهل عليه يقال تطوع الشيء أي سهل وانقاد وطوعه فلان له أي سهله قال الهروي طوعت وطاوعت واحد يقال طاع له كذا إذا أتاه طوعا وفى ذكر تطويع نفسه له بعد ما تقدم من قول قابيل ) لأقتلنك ( وقول هابيل ) لتقتلني ( دليل على أن التطويع لم يكن قد حصل له عند تلك المقاولة قوله ) فقتله ( قال ابن جرير ومجاهد وغيرهما روى أنه جهل كيف يقتل أخاه فجاءه أبليس بطائر أو حيوان غيره فجعل يشدخ رأسه بين حجرين ليقتدى به قابيل ففعل وقيل غير ذلك مما يحتاج إلى تصحيح الرواية
المائدة : ( 31 ) فبعث الله غرابا . . . . .
قوله ) فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه ( قيل إنه لما


"""""" صفحة رقم 32 """"""
قتل أخاه لم يدر كيف يواريه لكونه أول ميت مات من بني آدم فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثا عليه فما رآه قابيل قال ) يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي ( فواراه والضمير المستكن في ) ليريه ( للغراب وقيل لله سبحانه و ) كيف ( فى محل نصب على الحال من ضمير ) يواري ( والجملة ثاني مفعولي يريه والمراد بالسوءة هنا ذاته كلها لكونها ميتة ) وقال ( استئناف جواب سؤال مقدر من سوق الكلام كأنه قيل فماذا قال عند أن شاهد الغراب يفعل ذلك و ) يا ويلتى ( كلمة تحسر وتحزن والألف بدل ياء المتكلم كأنه دعا ويلته بأن تحضر فى ذلك الوقت والويلة الهلكة والكلام خارج مخرج التعجب منه من عدم اهتدائه لمواراة أخيه كما اهتدى الغراب إلى ذلك ) فأواري ( بالنصب على أنه جواب الاستفهام وقرئ بالسكون على تقدير فأنا أوارى ) فأصبح من النادمين ( على قتله وقيل لم يكن ندمه ندم توبة بل ندم لفقده لا على قتله وقيل غير ذلك
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس قال نهي أن تنكح المرأة أخاها توءمها وأن ينكحها غيره من إخوتها وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة فبينما هم كذلك ولد له امرأة وضيئة وولد له أخرى قبيحة دميمة فقال أخو الدميمة أنكحني أختك وأنكحك أختي فقال لا أنا أحق بأختي فقربا قربانا فجاء صاحب الغنم بكبش أعين أقرن أبيض وصاحب الحرث بصبرة من طعام فتقبل من صاحب الكبش ولم يتقبل من صاحب الزرع قال ابن كثير في تفسيره إسناده جيد وكذا قال السيوطي في الدر المنثور وأخرج ابن جرير عنه قال كان من شأن بني آدم أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه وإنما كان القربان يقر به الرجل فبينما ابنا آدم قاعدان إذ قالا لو قربنا قربانا ثم ذكرا ما قرباه وأخرج ابن جرير عن مجاهد فى قوله ) لئن بسطت إلي يدك ( قال كتب عليهم إذا أراد الرجل أن يقتل رجلا تركه ولا يمتنع منه
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ( يقول إني أريد أن تكون عليك خطيئتك ودمى فتبوء بهما جميعا وأخرج ابن جرير عنه ) بإثمي ( قال بقتلك إياي و ? إثمك ? قال بما كان منك قبل ذلك وأخرج عن قتادة والضحاك مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قي قوله ) فطوعت له نفسه قتل أخيه ( قال شجعته على قتل أخيه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى الآية قال زينت له نفسه وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ) فطوعت له نفسه قتل أخيه ( فطلبه ليقتله فراغ الغلام منه في رءوس الجبال فأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما له وهو نائم فرفع صخرة فشدخ به رأسه فمات فتركه بالعراء ولا يعلم كيف يدفن فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثا عليه فلما رآه ) قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب ( وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل وقد روى في صفة قتله لأخيه روايات الله أعلم بصحتها
سورة المائدة الآية ( 32 34 )


"""""" صفحة رقم 33 """"""
المائدة : ( 32 ) من أجل ذلك . . . . .
قوله ) من أجل ذلك ( أي من أجل ذلك القاتل وجريرته وبسبب معصيته وقال الزجاج أي من جنايته قال يقال أجل الرجل على أهله شرا يأجل أجلا إذا جنى مثل أخذ يأخذ أخذا وقرأ أبو جعفر ) من أجل ( بكسر النون وحذف الهمزة وهي لغة قال في شرح الدرة قرأ أبو جعفر منفردا من أجل ذلك بكسر الهمزة مع نقل حركتها إلى النون قبلها وقيل يجوز أن يكون قوله ) من أجل ذلك ( متعلقا بقوله ) من النادمين ( فيكون الوقف على قوله ) من أجل ذلك ( والأولى ما قدمنا والمعنى أن نبأ ابني آدم هو الذى تسبب عنه الكتب المذكور على بني إسرائيل وعلى هذا جمهور المفسرين وخص بني إسرائيل بالذكر لأن السياق في تعداد جناياتهم ولأنهم أول أمة نزل الوعيد عليهم فى قتل الأنفس ووقع التغليظ فيهم إذ ذاك لكثرة سفكهم للدماء وقتلهم للأنبياء وتقديم الجار والمجرور على الفعل الذى هو متعلق به أعني كتبنا يفيد القصر أي من أجل ذلك لا من غيره ومن لابتداء الغاية ) أنه من قتل نفسا ( واحدة من هذه النفوس ) بغير نفس ( أي بغير نفس توجب القصاص فيخرج عن هذا من قتل نفسا بنفس قصاصا قوله ) أو فساد في الأرض ( قرأ الجمهور بالجر عطفا على نفس وقرأ الحسن بالنصب على تقدير فعل محذوف يدل عليه أول الكلام تقديره أو أحدث فسادا فى الأرض وفى هذا ضعف
ومعنى قراءة الجمهور أن من قتل نفسا بغير سبب من قصاص أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا وقد تقرر أن كل حكم مشروط يتحقق أحد شيئين فنقيضه مشروط بانتفائهما معا وكل حكم مشروط بتحققهما معا فنقيضه مشروط بانتفاء أحدهما ضرورة أن نقيض كل شيء مشروط بنقيض شرطه
وقد اختلف في هذا الفساد المذكور في هذه الآية ماذا هو فقيل هو الشرك وقيل قطع الطريق وظاهر النظم القرآني أنه ما يصدق عليه أنه فساد في الأرض فالشرك فساد في الأرض وقطع الطريق فساد في الأرض وسفك الدماء وهتك الحرم ونهب الأموال فساد في الأرض والبغي على عباد الله بغير حق فساد في الأرض وهدم البنيان وقطع الأشجار وتغوير الأنهار فساد في الأرض فعرفت بهذا أنه يصدق على هذه الأنواع أنها فساد في الأرض وهكذا الفساد الذى سيأتي في قوله ) ويسعون في الأرض فسادا ( يصدق على هذه الأنواع وسيأتي تمام الكلام على معنى الفساد قريبا قوله ) فكأنما قتل الناس جميعا ( اختلف المفسرون في تحقيق هذا التشبيه للقطع بأن عقاب من قتل الناس جميعا أشد من عقاب من قتل واحدا منهم فروى عن ابن عباس أنه قال
المعنى من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياه بأن شد عضده ونصره فكأنما أحيا الناس جميعا أخرج هذا عنه ابن جرير وروى عن مجاهد أنه قال
المعنى أن الذى يقتل النفس المؤمنة متعمدا جعل الله جزاءه جهنم وغضب


"""""" صفحة رقم 34 """"""
عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما فلو قتل الناس جميعا لم يزد على هذا قال ومن سلم من قتل فلم يقتل أحدا فكأنها أحيا الناس جميعا
وقد أخرج نحو هذا عنه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وروى عن ابن عباس أيضا أنه قال في تفسير هذه الآية أوبق نفسه كما لو قتل الناس جميعا أخرجه عنه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وروى عن الحسن أنه قال فكأنما قتل الناس جميعا في الوزر وكأنما أحيا الناس جميعا في الأجر وقال ابن زيد المعنى أن من قتل نفسا فيلزمه من القود والقصاص ما يلزم من قتل الناس جميعا ) ومن أحياها ( أي من عفا عمن وجب قتله حكاه عنه القرطبي وحكى عن الحسن أنه العفو بعد القدرة يعنى أحياها وروى عن مجاهد أن إحياءها إنجاؤها من غرق أو حرق أو هدم أو هلكة حكاه عنه ابن جرير وابن المنذر وقيل المعنى أن من قتل نفسا فالمؤمنون كلهم خصماؤه لأنه قد وتر الجميع ) ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ( أي وجب على الكل شكره وقيل المعنى أن من استحل واحدا فقد استحل الجميع لأنه أنكر الشرع وعلى كل حال فالإحياء هنا عبارة عن الترك والإنقاذ من هلكة فهو مجاز إذ المعنى الحقيقي مختص بالله عز وجل والمراد بهذا التشبيه في جانب القتل تهويل أمر القتل وتعظيم أمره في النفوس حتى ينزجر عنه أهل الجرءة والجسارة وفى جانب الإحياء الترغيب إلى العفو عن الجناة واستنقاذ المتورطين في الهلكات قوله ) ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ( جملة مستقلة مؤكدة باللام الموطئة للقسم متضمنة للإخبار بأن الرسل عليهم الصلاة والسلام قد جاءوا العباد بما شرعه الله لهم من الأحكام التى من جملتها أمر القتل وثم في قوله ) ثم إن كثيرا منهم ( للتراخي الرتبي والاستبعاد العقلي والإشارة بقوله ذلك إلى ما ذكر مما كتبه الله على بنى إسرائيل أي إن كثيرا منهم بعد ذلك الكتب ) في الأرض لمسرفون ( فى القتل
المائدة : ( 33 ) إنما جزاء الذين . . . . .
قوله ) إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ( قد اختلف الناس فى سبب نزول هذه الآية فذهب الجمهور إلى أنها نزلت فى العرنيين
وقال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يقطع الطريق ويسعى في الأرض بالفساد قال ابن المنذر قول مالك صحيح قال أبو الثور محتجا لهذا القول إن قوله في هذه الآية ) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ( يدل على أنها نزلت فى غير أهل الشرك لأنهم قد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم تحرم فدل ذلك على أن الآية نزلت فى أهل الإسلام انتهى وهكذا يدل على هذا قوله تعالى ) قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ( وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) الإسلام يهدم ما قبله أخرجه مسلم وغيره وحكى ابن جرير الطبري في تفسيره عن بعض أهل العلم أن هذه الآية أعنى آية المحاربة نسخت فعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى العرنيين ووقف الأمر على هذه الحدود
وروى عن محمد بن سيرين أنه قال كان هذا قبل أن تنزل الحدود يعنى فعله ( صلى الله عليه وسلم ) بالعرنيين وبهذا قال جماعة من أهل العلم وذهب جماعة آخرون إلى أن فعله ( صلى الله عليه وسلم ) بالعرنيين منسوخ بنهى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن المثلة والقائل بهذا مطالب ببيان تأخر الناسخ وسيأتي سياق الروايات الواردة فى سبب النزول والحق أن هذه الآية تعم المشرك وغيره لمن ارتكب ما تضمنته ولا اعتبار بخصوص السبب بل الاعتبار بعموم اللفظ قال القرطبي فى تفسيره ولا خلاف بين أهل العلم في أن حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام وإن كانت نزلت فى المرتدين أو اليهود انتهى ومعنى قوله مترتب أي ثابت قيل المراد بمحاربة الله المذكورة فى الآية هي محاربة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومحاربة المسلمين في عصره ومن بعد عصره بطريق العبارة دون الدلالة ودون القياس لأن ورود النص ليس بطريق خطاب المشافهة حتى يختص حكمه


"""""" صفحة رقم 35 """"""
بالمكلفين عند النزول فيحتاج في تعميم الخطاب لغيرهم إلى دليل آخر وقيل إنها جعلت محاربة المسلمين محاربة لله ولرسوله إكبارا لحربهم وتعظيما لأذيتهم لأن الله سبحانه لا يحارب ولا يغالب والأولى أن تفسر محاربة الله سبحانه بمعاصيه ومخالفة شرائعه ومحاربة الرسول تحمل على معناها الحقيقي وحكم أمته حكمه وهم أسوته والسعي فى الأرض فسادا يطلق على أنواع من الشر كما قدمنا قريبا قال ابن كثير في تفسيره قال كثير من السلف منهم سعيد ابن المسيب إن قرض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض وقد قال تعالى ) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ( انتهى
إذا تقرر لك ما قررناه من عموم الآية ومن معنى المحاربة والسعي فى الأرض فسادا فاعلم أن ذلك يصدق على كل من وقع منه ذلك سواء كان مسلما أو كافرا في مصر وغير مصر فى كل قليل وكثير وجليل وحقير وأن حكم الله فى ذلك هو ما ورد فى هذه الآية من القتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض ولكن لا يكون هذا حكم من فعل أي ذنب من الذنوب بل من كان ذنبه هو التعدي على دماء العباد وأموالهم فيما عدا ما قد ورد له حكم غير هذا الحكم فى كتاب الله أو سنة رسوله كالسرقة وما يجب فيه القصاص لأنا نعلم أنه قد كان فى زمنه ( صلى الله عليه وسلم ) من تقع منه ذنوب ومعاص غير ذلك ولا يجري عليه ( صلى الله عليه وسلم ) هذا الحكم المذكور فى هذه الآية وبهذا تعرف ضعف ما روى عن مجاهد فى تفسير المحاربة المذكورة فى هذه الآية أنها الزنا والسرقة ووجه ذلك أن هذين الذنبين قد ورد فى كتاب الله وفى سنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) لهما حكم غير هذا الحكم
وإذا عرفت ما هو الظاهر من معنى هذه الآية على مقتضى لغة العرب التى أمرنا بأن نفسر كتاب الله وسنة رسوله بها فإياك أن تغتر بشيء من التفاصيل المروية والمذاهب المحكية إلا أن يأتيك الدليل الموجب لتخصيص هذا العموم أو تقييد هذا المعنى المفهوم من لغة العرب فأنت وذاك اعمل به وضعه فى موضعه وأما ما عداه فدع عنك نهبا صيح في حجراته
وهات حديثا ما حديث الرواحل
على أنا سنذكر من هذه المذاهب ما تسمعه أعلم أنه قد اختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة فقال ابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك وأبو ثور إن من شهر السلاح فى قبة الإسلام وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله وبهذا قال مالك وصرح بأن المحارب عنده من حمل على الناس فى مصر أو فى برية أو كابرهم على أنفسهم وأموالهم دون نائرة ولا دخل ولا عداوة قال ابن المنذر اختلف عن مالك فى هذه المسألة فأثبت المحاربة فى المصر مرة ونفى ذلك مرة وروى عن ابن عباس غير ما تقدم فقال فى قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض وروى عن أبي مجلز وسعيد ابن جبير وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والسدى وعطاء على اختلاف فى الرواية عن بعضهم وحكاه ابن كثير عن الجمهور وقال أيضا وهكذا عن غير واحد من السلف والأئمة وقال أبو حنيفة إذا قتل قتل وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف وإذا أخذ المال وقتل فالسلطان مخير فيه إن شاء قطع يديه ورجليه وإن شاء لم يقطع وقتله وصلبه وقال أبو يوسف القتل يأتي على كل شيء ونحوه قول الأوزاعي وقال الشافعي إذا أخذ المال قطعت يده اليمنى وحسمت ثم قطعت رجله اليسرى وحسمت وخلى لأن هذه الجناية


"""""" صفحة رقم 36 """"""
زادت على السرقة بالحرابة وإذا قتل قتل وإذا أخذ المال وقتل قتل وصلب وروى عنه أنه قال يصلب ثلاثة أيام وقال أحمد إن قتل قتل وإن أخذ المال قطعت يده ورجله كقول الشافعي ولا أعلم لهذه التفاصيل دليلا لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله إلا ما رواه ابن جرير في تفسيره وتفرد بروايته فقال حدثنا علي بن سهل حدثنا الوليد بن مسلم عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية فكتب إليه يخبره أن هذه الآية نزلت فى أولئك النفر العرنيين وهم من بجيلة قال أنس فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل وأخافوا السبيل وأصابوا الفرج الحرام قال أنس فسأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جبريل عن القضاء فيمن حارب فقال من سرق وأخاف الطريق فاقطع يده لسرقته ورجله بإضافته ومن قتل فاقتله ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه وهذا مع ما فيه من النكارة الشديدة لا يدرى كيف صحته قال ابن كثير فى تفسيره بعد ذكره لشيء من هذه التفاصيل التى ذكرناها ما لفظه ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذى رواه ابن جرير في تفسيره إن صح سنده ثم ذكره قوله ) ويسعون في الأرض فسادا ( هو إما منتصب على المصدرية أو على أنه مفعول له أو على الحال بالتأويل أي مفسدين قوله ) أو يصلبوا ( ظاهره أنهم يصلبون أحياء حتى يموتوا لأنه أحد الأنواع التى خير الله بينها وقال قوم الصلب إنما يكون بعد القتل ولا يجوز أن يصلب قبل القتل فيحال بينه وبين الصلاة والأكل والشرب ويجاب بأن هذه عقوبة شرعها الله سبحانه في كتابه لعباده قوله ) أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ( ظاهرة قطع إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف سواء كانت المقطوعة من اليدين هى اليمنى أو اليسرى وكذلك الرجلان ولا يعتبر إلا أن يكون القطع من خلاف إما يمنى اليدين مع يسرى الرجلين أو يسرى اليدين مع يمنى الرجلين وقيل المراد بهذا قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى فقط قوله ) أو ينفوا من الأرض ( اختلف المفسرون في معناه فقال السدى هو أن يطلب بالخيل والرجل حتى يؤخذ فيقام عليه الحد أو يخرج من دار الإسلام هربا وهو محكى عن ابن عباس وأنس ومالك والحسن البصري والسدى والضحاك وقتادة وسعيد بن جبير والربيع بن أنس والزهري حكاه الرماني فى كتابه عنهم وحكى عن الشافعي أنهم يخرجون من بلد إلى بلد ويطلبون لتقام عليهم الحدود وبه قال الليث بن سعد وروى عن مالك أنه ينفى من البلد الذى أحدث فيه إلى غيره ويحبس فيه كالزاني ورجحه ابن جرير والقرطبي وقال الكوفيون نفيهم سجنهم فينفى من سعة الدنيا إلى ضيقها والظاهر من الآية أنه يطرد من الأرض التى وقع منه فيها ما وقع من غير سجن ولا غيره والنفي قد يقع بمعنى الإهلاك وليس هو مرادا هنا قوله ) ذلك لهم خزي في الدنيا ( الإشارة إلى ما سبق ذكره من الأحكام والخزى الذل والفضيحة
المائدة : ( 34 ) إلا الذين تابوا . . . . .
قوله ) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ( استثنى الله سبحانه التائبين قبل القدرة عليهم من عموم المعاقبين بالعقوبات السابقة والظاهر عدم الفرق بين الدماء والأموال وبين غيرها من الذنوب الموجبة للعقوبات المعينة المحدودة فلا يطالب التائب قبل القدرة بشيء من ذلك وعليه عمل الصحابة وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يسقط القصاص وسائر حقوق الآدميين بالتوبة قبل القدرة والحق الأول وأما التوبة بعد القدرة فلا تسقط بها العقوبة المذكورة فى الآية كما يدل عليه ذكر قيد ) قبل أن تقدروا عليهم ( قال القرطبي وأجمع أهل العلم على أن السلطان ولى من حارب فإن قتل محارب أخا امرئ وأتاه في حال المحاربة فليس إلى طالب الدم من أمر المحاربة شئ ولا يجوز عفو ولى الدم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن الضحاك فى قوله ) من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل ( يقول من أجل ابن آدم


"""""" صفحة رقم 37 """"""
الذى قتل أخاه ظلما وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه قيل له في هذه الآية يعنى قوله ) فكأنما قتل الناس جميعا ( أهى لنا كما كانت لبنى إسرائيل فقال إي والذى لا إله غيره وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس فى قوله ) إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ( قال نزلت فى المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل أو أفسد فى الأرض أو حارب الله ورسوله وأخرج ابن جرير والطبري فى الكبير عنه في هذه الآية قال كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عهد ميثاق فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض فخير الله نبيه فيهم إن شاء قتل وإن شاء صلب وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وأما النفى فهو الضرب في الأرض فإن جاء تائبا فدخل فى الإسلام قبل منه ولم يؤخذ بما سلف وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص أن هذه الآية نزلت فى الحرورية وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس أن نفرا من عكل قدموا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأسلموا واجتووا المدينة فأمرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها فقتلوا راعيها واستاقوها فبعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى طلبهم قافة فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ولم يحسمهم وتركهم حتى ماتوا فأنزل الله ) إنما جزاء الذين يحاربون ( الآية وفى مسلم عن أنس أنه قال إنما سمل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة وأخرج الشافعي فى الأم وعبد الرزاق والفرياني وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في الآية قال إذا خرج المحارب فأخذ المال ولم يقتل قطع مع خلاف وإذا خرج فقتل ولم يأخذ المال قتل وإذا خرج وأخذ المال وقتل قتل وصلب وإذا خرج فأخاف السبيل ولم يأخذ المال ولم يقتل نفى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال من شهر السلاح فى قبة الإسلام وأفسد السبيل فظهر عليه وقدر فإمام المسلمين مخير فيه إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله قال ) أو ينفوا من الأرض ( يهربوا ويخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب وأخرج ابن جرير عنه قال نفيه أن يطلب وأخرج أيضا عن أنس نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي قال كان حارثة ابن بدر التيمي من أهل البصرة قد أفسد في الأرض وحارب فكلم رجالا من قريش أن يستأمنوا له عليا فأبوا فأتى سعيد بن قيس الهمداني فأتى عليا فقال يا أمير المؤمنين ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا قال ) أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ( ثم قال ) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ( فقال سعيد وإن كان حارثة بن بدر قال وإن كان حارثة بن بدر قال هذا حارثة بن بدر قد جاء تائبا فهو آمن قال نعم فجاء به إليه فبايعه وقبل ذلك منه وكتب له أمانا
سورة المائدة الآية ( 35 37 )


"""""" صفحة رقم 38 """"""
المائدة : ( 35 ) يا أيها الذين . . . . .
) ابتغوا ( اطلبوا ) إليه ( لا إلى غيره و ) الوسيلة ( فعيلة من توسلت إليه إذا تقربت إليه قال عنترة إن الرجال لهم إليك وسيلة
إن يأخذوك تكحلى وتخضبى
وقال آخر إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا
وعاد النصابي بيننا والوسائل
فالوسيلة القربة التى ينبغى أن تطلب وبه قال أبو وائل والحسن ومجاهد وقتادة والسدى وابن زيد وروى عن ابن عباس وعطاء وعبد الله بن كثير قال ابن كثير في تفسيره وهذا الذى قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه والوسيلة أيضا درجة فى الجنة مختصة برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد ثبت فى صحيح البخاري من حديث جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
من قال حيث يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة وفى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة وفى الباب أحاديث وعطف ) وابتغوا إليه الوسيلة ( على ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ( يفيد أن الوسيلة غير التقوى وقيل هى التقوى لأنها ملاك الأمر وكل الخير فتكون الجملة الثانية على هذا مفسرة للجملة الأولى والظاهر أن الوسيلة التى هي القربة تصدق على التقوى وعلى غيرها من خصال الخير التى يتقرب العباد بها إلى ربهم ) وجاهدوا في سبيله ( من لم يقبل دينه ) لعلكم تفلحون )
المائدة : ( 36 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله ) إن الذين كفروا ( كلام مبتدأ مسوق لزجر الكفار وترغيب المسلمين في امتثال أوامر الله سبحانه ) لو أن لهم ما في الأرض ( من أموالها ومنافعها وقيل المراد لكل واحد منهم ليكون أشد تهويلا وإن كان الظاهر من ضمير الجمع خلاف ذلك و ) جميعا ( تأكيد وقوله ) ومثله ( عطف على ما فى الأرض و ) معه ( فى محل نصب على الحال ) ليفتدوا به ( ليجعلوه فدية لأنفسهم وأفرد الضمير إما لكونه راجعا إلى المذكور أو لكونه بمنزلة اسم الإشارة أي ليفتدوا بذلك و ) من عذاب يوم القيامة ( متعلق بالفعل المذكور ) ما تقبل منهم ( ذلك وهذا هو جواب لو
المائدة : ( 37 ) يريدون أن يخرجوا . . . . .
قوله ) يريدون أن يخرجوا من النار ( هذا استئناف بياني كأنه قيل كيف حالهم فيما هم فيه من هذا العذاب الأليم فقيل يريدون أن يخرجوا من النار وقريء ) أن يخرجوا ( من أخرج ويضعف هذه القراءة ) وما هم بخارجين منها ( ومحل هذه الجملة أعنى قوله ) وما هم بخارجين منها ( النصب على الحال وقيل انها جملة اعتراضية
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وابتغوا إليه الوسيلة ( قال الوسيلة القربة وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وابتغوا إليه الوسيلة ( قال تقربوا إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه وأخرج مسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة قال يريد الفقير فقلت لجابر يقول الله ) يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ( قال اتل أول الآية ) إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به ( ألا إنهم الذين كفروا وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس تزعم أن قوما يخرجون من النار


"""""" صفحة رقم 39 """"""
قد قال الله تعالى ) وما هم بخارجين منها ( فقال ابن عباس ويحك اقرأ ما فوقها هذه للكفار قال الزمخشري في الكشاف بعد ذكره لهذا إنه مما لفقته المجبرة ويا لله العجب من رجل لا يفرق بين أصح الصحيح وبين كذب الكذب على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتعرض للكلام على ما لا يعرفه ولا يدرى ما هو وقد واترت الأحاديث تواترا لا يخفى على من له أدنى إلمام بعلم الرواية بأن عصاة الموحدين يخرجون من النار فمن نكر هذا فليس بأهل للمناظرة لأنه أنكر ما هو من ضروريات الشريعة اللهم غفرا
سورة المائدة الآية ( 38 40 )
المائدة : ( 38 ) والسارق والسارقة فاقطعوا . . . . .
لما ذكر سبحانه حكم من يأخذ المال جهارا وهو المحارب عقبه بذكر من يأخذ المال خفية وهو السارق وذكر السارقة مع السارق لزيادة البيان لأن غالب القرآن الاقتصار على الرجال في تشريع الأحكام وقد اختلف أئمة النحو فى خبر السارق والسارقة هل هو مقدر أم هو فاقطعوا فذهب إلى الأول سيبويه وقال تقديره فيما فرض عليكم أو فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أي حكمهما وذهب المبرد والزجاج إلى الثاني ودخول الفاء لتضمن المبتدإ معنى الشرط إذ المعنى الذى سرق والتى سرقت وقرىء ) والسارق والسارقة ( بالنصب على تقدير اقطعوا ورجح هذه القراءة سيبويه قال الوجه في كلام العرب النصب كما تقول زيدا اضربه ولكن العامة أبت إلا الرفع يعنى عامة القراء والسرقة بكسر الراء اسم الشيء المسروق والمصدر من سرق يسرق سرقا قاله الجوهري وهو أخذ الشيء في خفية من الأعين ومنه استرق السمع وسارقة النظر قوله ) فاقطعوا ( القطع معناه الإبانة والإزالة وجمع الأيدى لكراهة الجمع بين تثنيتين وقد بينت السنة المطهرة أن موضع القطع الرسغ وقال قوم يقطع من المرفق وقال الخوارج من المنكب والسرقة لا بد أن تكون ربع دينار فصاعدا ولا بد أن تكون من حرز كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة وقد ذهب إلى اعتبار الربع الدينار الجمهور وذهب قوم إلى التقدير بعشرة دراهم وذهب الجمهور إلى اعتبار الحرز وقال الحسن البصري إذا جمع الثياب في البيت قطع وقد أطال الكلام في بحث السرقة أئمة الفقه وشراح الحديث بما لا يأتى التطويل به ها هنا بكثير فائدة قوله ) جزاء بما كسبا ( مفعول له أي فاقطعوا للجزاء أو مصدر مؤكد لفعل محذوف أي فجازوهما جزاء والباء سببية وما مصدرية أي بسبب كسبهما أو موصولة أي جزاء بالذى كسباه من السرقة وقوله ) نكالا ( بدل من جزاء وقيل هو علة للجزاء والجزاء علة للقطع يقال نكلت به إذا فعلت به ما يجب أن ينكل به عن ذلك الفعل
المائدة : ( 39 ) فمن تاب من . . . . .
قوله ) فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح ( السياق يفيد أن المراد بالظلم هنا السرقة أي فمن تاب من بعد سرقته وأصلح أمره ) فإن الله يتوب عليه ( ولكن اللفظ عام فيشمل السارق وغيره من المذنبين والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقد استدل بهذا عطاء وجماعة على أن القطع يسقط بالتوبة وليس هذا الاستدلال بصحيح لأن هذه الجملة الشرطية لا تفيد إلا مجرد قبول التوبة وإن الله يتوب على من تاب وليس فيها ما يفيد أنه لا قطع على التائب وقد كان في زمن النبوة يأتى إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من وجب


"""""" صفحة رقم 40 """"""
عليه حد تائبا عن الذنب الذى ارتكبه طالبا لتطهيره بالحد فيحده النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال
للسارق بعد قطعه تب إلى الله ثم قال تاب الله عليك أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة وأخرج أحمد وغيره أن هذه الآية نزلت فى المرأة التى كانت تسرق المتاع لما قالت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد قطعها هل لي من توبة وقد ورد في السنة ما يدل على أن الحدود إذا رفعت إلى الأئمة وجبت وامتنع إسقاطها
المائدة : ( 40 ) ألم تعلم أن . . . . .
قوله ) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ( هذا الاستفهام للإنكار مع تقرير العلم وهو كالعنوان لقوله ) يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء ( أي من كان له ملك السموات والأرض فهو قادر على هذا التعذيب الموكول إلى المشيئة والمغفرة الموكولة إليها
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) جزاء بما كسبا نكالا من الله ( قال لا ترثوا لهم فيه فإنه أمر الله الذى أمر به قال وذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول اشتدوا على الفساق واجعلوهم يدا يدا ورجلا رجلا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ( يقول الحد كفارته والأحاديث فى قدر نصاب السرقة وفى سائر ما يتعلق بتفاصيل هذا الحد مذكورة فى كتب الحديث فلا نطيل بذلك
سورة المائدة الآية ( 41 44 )


"""""" صفحة رقم 41 """"""
المائدة : ( 41 ) يا أيها الرسول . . . . .
قوله ) لا يحزنك ( قرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي والباقون بفتح الياء وضم الزاي والحزن والحزن خلاف السرور وحزن الرجل بالكسر فهو حزن وحزين وأحزنه غيره وحزنه قال اليزيدى حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم وقد قرئ بهما وفى الآية النهى له ( صلى الله عليه وسلم ) عن التأثر لمسارعة الكفرة فى كفرهم تأثرا بليغا لأن الله سبحانه قد وعده فى غير موطن بالنصر عليهم والمسارعة إلى الشيء الوقوع فيه بسرعة والمراد هنا وقوعهم فى الكفر بسرعة عند وجود فرصة وآثر لفظ فى على لفظ إلى للدلالة على استقرارهم فيه ومن فى قوله ) من الذين قالوا ( بيانية والجملة مبينة للمسارعين فى الكفر والباء فى ) بأفواههم ( متعلقه بقالوا لا بآمنا وهؤلاء الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم هم المنافقون ) ومن الذين هادوا ( يعنى اليهود وهو معطوف على ) من الذين قالوا آمنا ( وهو تمام الكلام والمعنى أن المسارعين في الكفر طائفة المنافقين وطائفة اليهود وقوله ) سماعون للكذب ( خبر مبتدأ محذوف أي هم سماعون للكذب فهو راجع إلى الفريقين أو إلى المسارعين واللام فى قوله ) للكذب ( للتقوية أو لتضمين السماع معنى القبول وقيل إن قوله ) سماعون ( مبتدأ خبره ) من الذين هادوا ( أي ومن الذين هادوا قوم ) سماعون للكذب ( أي قابلون لكذب رءوسائهم المحرفين للتوراة قوله ) سماعون لقوم آخرين ( خبر ثان واللام فيه كاللام في للكذب وقيل اللام للتعليل فى الموضعين أي سماعون لكلام رسول الله لأجل الكذب عليه وسماعون لأجل قوم آخرين وجهوهم عيونا لهم لأجل أن يبلغوهم ما سمعوا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) لم يأتوك ( صفة لقوم أي لم يحضروا مجلسك وهم طائفة من اليهود كانوا لا يحضرون مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تكبرا وتمردا وقيل هم جماعة من المنافقين كانوا يتجنبون مجالس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال الفراء ويجوز سماعين كما قال ) ملعونين أينما ثقفوا ( قوله ) يحرفون الكلم من بعد مواضعه ( من جملة صفات القوم المذكورين أي يميلونه عن مواضعه التى وضعه الله فيها ويتأولونه على غير تأويله والمحرفون هم اليهود وقيل إن هذه الجملة خبر مبتدأ محذوف وقيل في محل نصب على الحال من ) لم يأتوك ( وقيل مستأنفة لا محل لها من الإعراب لقصد تعداد معايبهم ومثالبهم ومعنى ) من بعد مواضعه ( من بعد كونه موضوعا في مواضعه أو من بعد وضعه في مواضعه التى وضعه الله فيها من حيث لفظه أو من حيث معناه قوله ) يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه ( جملة حالية من ضمير يحرفون أو مستأنفة أو صفة لقوم أو خبر مبتدأ محذوف والإشارة بقولهم ) هذا ( إلى الكلام المحرف أي إن أوتيتم من جهة محمد هذا الكلام الذى حرفناه فخذوه واعملوا به وإن لم تؤتوه بل جاءكم بغيره فاحذروا من قبوله والعمل به قوله ) ومن يرد الله فتنته ( أي ضلالته ) فلن تملك له من الله شيئا ( أي فلا تستطيع دفع ذلك عنه ولا تقدر على نفعه وهدايته وهذه الجملة مستأنفة مقررة لما قبلها وظاهرها العموم ويدخل فيها هؤلاء الذين سياق الكلام معهم دخولا أوليا والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى من تقدم من ذكرهم من الذين قالوا آمنا بأفواههم ومن الذين هادوا وهو مبتدأ وخبره الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم أي لم يرد تطهيرها من أرجاس الكفر والنفاق كما طهر قلوب المؤمنين ) لهم في الدنيا خزي ( بظهور نفاق المنافقين وبضرب الجزية على الكافرين وظهور تحريفهم وكتمهم لما أنزل الله في التوراة
المائدة : ( 42 ) سماعون للكذب أكالون . . . . .
قوله ) سماعون للكذب ( كرره تأكيدا لقبحه وليكون كالمقدمة لما بعده وهو أكالون للسحت وهما من جملة أخبار ذلك المبتدأ المقدر سابقا والسحت بضم السين وسكون الحاء المال الحرام وأصله الهلاك والشدة من سحته إذا هلكه ومنه ) فيسحتكم بعذاب ( ومنه قول الفرزدق وعض زمان يا ابن مروان لم يدع
من المال إلا مسحت أو محلق


"""""" صفحة رقم 42 """"""
ويقال للحالق اسحت أي استأصل وسمى الحرام سحتا لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها وقال الفراء أصله كلب الجوع وقيل هو الرشوة والأول أولى والرشوة تدخل في الحرام دخولا أوليا وقد فسره جماعة بنوع من أنواع الحرام خاص كالهدية لمن يقضى له حاجة وحلوان الكاهن والتعميم أولى بالصواب
قوله ) فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ( فيه تخيير لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبين الحكم بينهم والإعراض عنهم
وقد استدل به على أن حكام المسلمين مخيرون بين الأمرين وقد أجمع العلماء على أنه يجب على حكام المسلمين أن يحكموا بين المسلم والذمي إذا ترافعا إليهم واختلفوا فى أهل الذمة إذا ترافعوا فيها بينهم فذهب قوم إلى التخيير وذهب آخرون إلى الوجوب وقالوا إن هذه الآية منسوخة بقوله ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ( وبه قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز والسدى وهو الصحيح من قول الشافعي وحكاه القرطبي عن أكثر العلماء قوله ) وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا ( أي إن اخترت الإعراض عن الحكم بينهم فلا سبيل لهم عليك لأن الله حافظك وناصرك عليهم وإن اخترت الحكم بينهم ) فاحكم بينهم بالقسط ( أي بالعدل الذى أمرك الله به وأنزله عليك
المائدة : ( 43 ) وكيف يحكمونك وعندهم . . . . .
قوله ) وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ( فيه تعجيب له ( صلى الله عليه وسلم ) من تحكيمهم إياه مع كونهم لا يؤمنون به ولا بما جاء به مع أن ما يحكمونه فيه هو موجود عندهم فى التوراة كالرجم ونحوه وإنما يأتون إليه ( صلى الله عليه وسلم ) ويحكمونه طمعا منهم في أن يوافق تحريفهم وما صنعوه بالتوراة من التغيير قوله ) ثم يتولون ( عطف على يحكمونك ) من بعد ذلك ( أي من بعد تحكيمهم لك وجملة قوله ) وما أولئك بالمؤمنين ( لتقرير مضمون ما قبلها
المائدة : ( 44 ) إنا أنزلنا التوراة . . . . .
وقوله ) إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ( استئناف يتضمن تعظيم التوراة وتفخيم شأنها وأن فيها الهدى والنور وهو بيان الشرائع والتبشير بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وإيجاب اتباعه قوله ) يحكم بها النبيون ( هم أنبياء بنى إسرائيل والجملة إما مستأنفة أو حالية و ) الذين أسلموا ( صفة مادحة للنبيين وفيه إرغام لليهود المعاصرين له ( صلى الله عليه وسلم ) بأن أنبياءهم كانوا يدينون بدين الإسلام الذى دان به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المراد بالنبيين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وعبر عنه بلفظ الجمع تعظيما قوله ) للذين هادوا ( متعلق بيحكم والمعنى أنه يحكم بها النبيون للذين هادوا وعليهم والربانيون العلماء الحكماء وقد سبق تفسيره والأحبار العلماء مأخوذ من التحبير وهو التحسين فهم يحبرون العلم أي يحسنونه قال الجوهري الحبر واحد أحبار اليهود بالفتح وبالكسر والكسر أفصح وقال الفراء هو بالكسر وقال أبو عبيدة هو بالفتح قوله ) بما استحفظوا من كتاب الله ( الباء للسببية واستحفظوا أمروا بالحفظ أي أمرهم الأنبياء بحفظ التوراة عن التغيير والتبديل والجار والمجرور متعلق بيحكم أي يحكمون بها بسبب هذا الاستحفاظ قوله ) وكانوا عليه شهداء ( أي على كتاب الله والشهداء الرقباء فهم يحمونه عن التغيير والتبديل بهذه المراقبة والخطاب بقوله ) فلا تخشوا الناس ( لرؤساء اليهود وكذا في قوله ) ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ( والاشتراء والاستبدال وقد تقدم تحقيقه قوله ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( لفظ من من صيغ العموم فيفيد أن هذا غير مختص بطائفة معينة بل بكل من ولى الحكم وقيل إنها مختصة بأهل الكتاب وقيل بالكفار مطلقا لأن المسلم لا يكفر بارتكاب الكبيرة وقيل هو محمول على أن الحكم بغير ما أنزل الله وقع استخفافا أو استحلالا أو جحدا والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى من والجمع باعتبار معناها وكذلك ضمير الجماعة في قوله ) هم الكافرون (


"""""" صفحة رقم 43 """"""
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ( قال هم اليهود ) من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ( قال هم المنافقون وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عنه قال إن الله أنزل ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( الظالمون ) الفاسقون ( أنزلها الله في طائفتين من اليهود قهرت إحداهما الأخرى في الجاهلية حتى اصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق فكانوا على ذلك حتى قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة فذلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يومئذ لم يظهر عليهم فقتلت الذليلة من العزيزة فأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا إلينا بمائة وسق فقالت الذليلة وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدهما واحد ودية بعضهم نصف دية بعض إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم فأما إذ قدم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فلا نعطيكم ذلك فكانت الحرب تهيج بينهما ثم ارتضوا على أن جعلوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بينهما ففكرت العزيزة فقالت والله ما محمد يعطيكم منهم ضعف ما نعطيهم منكم ولقد صدقوا ما أعطونا هذا إلا ضيما وقهرا لهم فدسوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من يخبر لكم رأيه فإن أعطاكم ما تريدون حكمتوه وإن لم يعطكم حذرتموه ولم تحكموه فدسوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ناسا من المنافقين يختبرون لهم رأيه فلما جاءوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا فأنزل الله ) يا أيها الرسول لا يحزنك ( إلى قوله ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( ثم قال فيهم والله أنزلت وإياهم عنى وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي فى الدلائل عن أبي هريرة قال أول مرجوم رجمه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من اليهود زنى رجل منهم وامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبى بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا فتيا نبى من أنبيائك قال فأتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو جالس في المسجد وأصحابه فقالوا يا أبا القاسم ما ترى فى رجل وامرأة منهم زنيا فلم يكلمهم حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال أنشدكم بالله الذى أنزل التوراة على موسى ما تجدون فى التوراة على من زنى إذا أحصن قالوا يحمم ونجبه ويجلد والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما وسكت شاب منهم فلما رآه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سكت ألظ به النشدة فقال
اللهم إذ نشدتنا نجب فإنا نجد فى التوراة الرجم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم )
فما أول ما ارتخصتم أمر الله قال زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ثم زنى رجل فى أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا والله لا ترجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإنى أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما قال الزهري فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم ) إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا ( فكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منهم وأخرجه ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي فى سننه من طريق أخرى عن أبي هريرة وذكر فيه أن الشاب المذكور هو عبد الله بن صوريا وأخرج نحو حديث أبي هريرة أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث البراء بن عازب وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر أن اليهود جاءوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله


"""""" صفحة رقم 44 """"""
وسلم ما تجدون فى التوراة قالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها آية الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا يده فإذا آية الرجم قالوا صدق فأمر بهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فرجما
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله في قوله ) ومن الذين هادوا سماعون للكذب ( قال يهود المدينة ) سماعون لقوم آخرين لم يأتوك ( قال يهود فدك ) يحرفون الكلم ( قال يهود فدك يقولون ليهود المدينة ) إن أوتيتم هذا ( الجلد ) فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ( الرجم وأخرج أبو داود وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه عنه قال زنى رجل من أهل فدك فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمدا وذكر القصة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) أكالون للسحت ( قال أخذوا الرشوة في الحكم وقضوا بالكذب وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال السحت الرشوة فى الدين قال سفيان يعنى فى الحكم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي فى شعب الإيمان عن ابن مسعود أيضا قال من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة أو يرد عليه حقا فأهدى له هدية فقبلها فذلك السحت فقيل له يا أبا عبد الرحمن إنا كنا نعد السحت الرشوة فى الحكم فقال ذلك الكفر ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( وقد روى نحو هذا عنه من طرق وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال رشوة الحكام حرام وهى السحت الذى ذكره الله في كتابه
وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت قال السحت الرشوة وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن السحت فقال الرشا فقيل له فى الحكم قال ذاك الكفر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عمر قال بابان من السحت يأكلهما الناس الرشاء فى الحكم ومهر الزانية وقد ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى تحريم الرشوة ما هو معروف وأخرج أبو داود فى ناسخه وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال آيتان نسختا من سورة المائدة آية القلائد وقوله ) فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ( فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مخيرا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم فنزلت ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ( قال فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يحكم بينهم بما فى كتابنا وأخرج نحوه فى الآية الآخرة عنه أبو عبيدة وابن المنذر وابن مردويه وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة نحوه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس أن الآيات من المائدة التى قال فيها ) فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ( إلى قوله ) المقسطين ( إنما نزلت فى الدية من بنى النضير وقريظة وذلك أن قتلى بنى النضير كان لهم شرف يودون الدية كاملة وأن بنى قريظة كانوا يودون نصف الدية فتحاكموا فى ذلك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ذلك فيهم فحملهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على الحق فى ذلك فجعل الدية سواء وأخرج نحوه عنه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) وعندهم التوراة فيها حكم الله ( يعنى حدود الله فأخبره الله بحكمه في التوراة قال ) وكتبنا عليهم فيها ( إلى قوله ) والجروح قصاص ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن فى قوله ) يحكم بها النبيون الذين أسلموا ( يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) للذين هادوا ( يعنى اليهود وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال الذين أسلموا النبي ومن قبله من


"""""" صفحة رقم 45 """"""
الأنبياء يحكمون بما فيها من الحق وأخرج ابن جرير عن الحسن قال الربانيون والأحبار الفقهاء والعلماء وأخرج عن مجاهد قال الربانيون العلماء والفقهاء وهم فوق الأحبار وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال الربانيون العباد والأحبار العلماء وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الربانيون الفقهاء والعلماء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال الربانيون هم المؤمنون والأحبار هم القراء وأخرج ابن جرير عن السدى ) فلا تخشوا الناس ( فتكتموا ما أنزلت ) ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ( على أن تكتموا ما أنزلت وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ) ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ( قال لا تأكلوا السحت على كتابي وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ومن لم يحكم ( يقول من جحد الحكم بما أنزل الله فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي فى سننه عن ابن عباس فى قوله ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( قال إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه وإنه ليس كفر ينقل من الملة بل دون كفره وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء ابن أبي رباح في قوله ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( هم الظالمون ) هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا ( هم الفاسقون قال كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق وأخرج سعيد بن منصور وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال إنما أنزل الله ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( و الظالمون ) الفاسقون ( فى اليهود خاصة وقد روى نحو هذا عن جماعة من السلف وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن حذيفة أن هذه الآيات ذكرت عنده ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ( والظالمون و الفاسقون فقال رجل إن هذا فى بنى إسرائيل فقال حذيفة نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لكم كل حلوة ولهم كل مرة كلا والله لتسلكن طريقهم قد الشراك وأخرج ابن المنذر نحوه عن ابن عباس
سورة المائدة الآية ( 45 50 )
المائدة : ( 45 ) وكتبنا عليهم فيها . . . . .
قوله ) وكتبنا (


"""""" صفحة رقم 46 """"""
وكتبنا معطوف على أنزلنا التوراة ومعناها فرضنا بين الله سبحانه في هذه الآية ما فرضه على بني إسرائيل من القصاص في النفس والعين والأنف والأذن والسن والجروح وقد استدل أبو حنيفة وجماعة من أهل العلم بهذه الآية فقالوا إنه يقتل المسلم بالذمي لأنه نفس وقال الشافعي وجماعة من أهل العلم إن هذه الآية خبر عن شرع من قبلنا وليس بشرع لنا وقد قدمنا فى البقرة فى شرح قوله تعالى ) كتب عليكم القصاص في القتلى ( ما فيه كفاية
وقد اختلف أهل العلم فى شرع من قبلنا هل يلزمنا أم لا فذهب الجمهور إلى أنه يلزمنا إذا لم ينسخ وهو الحق وقد ذكر ابن الصباغ فى الشامل إجماع العلماء على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه قال ابن كثير في تفسيره وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة لعموم هذه الآية الكريمة انتهى
وقد أوضحنا ما هو الحق فى هذا فى شرحنا على المنتقى وفى هذه الآية توبيخ لليهود وتقريع لكونهم يخالفون ما كتبه الله عليهم فى التوراة كما حكاه هنا ويفاضلون بين الأنفس كما سبق بيانه وقد كانوا يقيدون بني النضير من بني قريظة ولا يقيدون بني قريظة من بني النضير قوله ) والعين بالعين ( قرأ نافع وعاصم والأعمش وحمزة بالنصب فى جميعها على العطف وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر بالنصب أيضا فى الكل إلا فى الجروح فبالرفع وقرأ الكسائي وأبو عبيد بالرفع فى الجميع عطفا على المحل لأن النفس قبل دخول الحرف الناصب عليها كانت مرفوعة على الابتداء وقال الزجاج يكون عطفا على المضمر فى النفس لأن التقدير إن النفس هي مأخوذة بالنفس فالأسماء معطوفة على هى قال ابن المنذر ومن قرأ بالرفع جعل ذلك ابتداء كلام يتضمن بيان الحكم للمسلمين والظاهر من النظم القرآني أن العين إذا فقئت حتى لم يبق فيها مجال للإدراك أنها تفقأ عين الجاني بها والأنف إذا جدعت جميعها فإنها تجدع أنف الجاني بها والأذن إذا قطعت جميعها فإنها تقطع أذن الجاني بها وكذلك السن فأما لو كانت الجناية ذهبت ببعض إدراك العين أو ببعض الأنف أو ببعض الأذن أو ببعض السن فليس فى هذه الآية ما يدل على ثبوت القصاص
وقد اختلف أهل العلم فى ذلك إذا كان معلوم القدر يمكن الوقوف على حقيقته وكلامهم مدون فى كتب الفروع والظاهر من قوله ) والسن بالسن ( أنه لا فرق بين الثنايا والأنياب والأضراس والرباعيات وأنه يؤخذ بعضها ببعض ولا فضل لبعضها على بعض وإليه ذهب أكثر أهل العلم كما قال ابن المنذر وخالف فى ذلك عمر بن الخطاب رضى الله عنه ومن تبعه وكلامهم مدون فى مواطنه ولكنه ينبغي أن يكون المأخوذ فى القصاص من الجاني هو المماثل للسن المأخوذة من المجني عليه فإن كانت ذاهبة فما يليها قوله ) والجروح قصاص ( أي ذوات قصاص وقد ذكر أهل العلم أنه لا قصاص فى الجروح التى يخاف منها التلف ولا فيما كان


"""""" صفحة رقم 47 """"""
لا يعرف مقداره عمقا أو طولا أو عرضا وقد قدر أئمة الفقه أرش كل جراحة بمقادير معلومة وليس هذا موضع بيان كلامهم ولا موضع استيفاء بيان ما ورد له أرش مقدر قوله ) فمن تصدق به فهو كفارة له ( أي من تصدق من المستحقين للقصاص بالقصاص بأن عفا عن الجاني فهو كفارة للمتصدق يكفر الله عنه بها ذنوبه
وقيل إن المعنى فهو كفارة للجارح فلا يؤاخذ بجنايته في الآخرة لأن العفو يقوم مقام أخذ الحق منه والأول أرجح لأن الضمير يعود على هذا التفسير الآخر إلى غير مذكور قوله ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ( ضمير الفصل مع اسم الإشارة وتعريف الخبر يستفاد منها أن هذا الظلم الصادر منهم ظلم عظيم بالغ إلى الغاية
المائدة : ( 46 ) وقفينا على آثارهم . . . . .
قوله ) وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم ( هذا شروع في بيان حكم الإنجيل بعد بيان حكم التوراة أي جعلنا عيسى ابن مريم يقفوا آثارهم أي آثار النبيين الذين أسلموا من بني إسرائيل يقال قفيته مثل عقبته إذا أتبعته ثم يقال قفيته بفلان وعقبته به فيتعدى إلى الثاني بالباء والمفعول الأول محذوف استغناء عنه بالظرف وهو على آثارهم لأنه إذا قفي به على أثره فقد قفي به إياه وانتصاب ) مصدقا ( على الحال من عيسى ) وآتيناه الإنجيل ( عطف على قفينا ومحل الجملة أعني ) فيه هدى ( النصب على الحال من الإنجيل ) ونور ( عطف على هدى
وقوله ) ومصدقا ( معطوف على محل ) فيه هدى ( أي أن الإنجيل أوتيه عيسى حال كونه مشتملا على الهدى والنور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وقيل إن مصدقا معطوف على مصدقا الأول فيكون حالا من عيسى مؤكدا للحال الأول ومقررا له والأول أولى لأنه التأسيس خير من التأكيد قوله ) وهدى وموعظة للمتقين ( عطف على مصدقا داخل تحت حكمه منضما إليه أي مصدقا وهاديا وواعظا للمتقين
المائدة : ( 47 ) وليحكم أهل الإنجيل . . . . .
قوله ) وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ( هذا أمر لأهل الإنجيل بأن يحكموا بما أنزل الله فيه فإنه قبل البعثة المحمدية حق وأما بعدها فقد أمروا فى غير موضع بأن يعملوا بما أنزل الله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فى القرآن الناسخ لكل الكتب المنزلة وقرأ الأعمش وحمزة بنصب الفعل من يحكم على أن اللام لام كي وقرأ الباقون بالجزم على أن اللام للأمر
فعلى القراءة الأولى تكون اللام متعلقة بقوله ) وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ( وعلى القراءة الثانية هو كلام مستأنف قال مكي والاختيار الجزم لأن الجماعة عليه ولأن ما بعده من الوعيد والتهديد يدل على أنه إلزام من الله لأهل الإنجيل وقال النحاس والصواب عندي أنهما قراءتان حسنتان لأن الله سبحانه لم ينزل كتابا إلا ليعمل بما فيه
المائدة : ( 48 ) وأنزلنا إليك الكتاب . . . . .
قوله ) وأنزلنا إليك الكتاب ( خطاب لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والكتاب القرآن والتعريف للعهد و ) بالحق ( متعلق بمحذوف وقع حالا أي متلبسا بالحق وقيل هو حال من فاعل أنزلنا وقيل من ضمير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) و ) مصدقا لما بين يديه ( حال من الكتاب والتعريف في الكتاب أعني قوله ) مصدقا لما بين يديه من الكتاب ( للجنس أي أنزلنا إليك يا محمد القرآن حال كونه متلبسا بالحق وحال كونه مصدقا لما بين يديه من كتب الله المنزلة لكونه مشتملا على الدعوة إلى الله والأمر بالخير والنهي عن الشر كما اشتمل عليه قوله ) ومهيمنا عليه ( عطف على مصدقا والضمير فى عليه عائد إلى الكتاب الذى صدقه القرآن وهيمن عليه والمهيمن الرقيب وقيل الغالب المرتفع وقيل الشاهد وقيل الحافظ وقيل المؤتمن قال المبرد أصله مؤيمن أبدل من الهمزة هاء كما قيل في أرقت الماء هرقت وبه قال الزجاج وأبو علي الفارسي وقال الجوهري هو من أمن غيره من الخوف وأصله أأمن فهو مؤأمن بهمزتين قلبت الثانية ياء كراهة لاجتماعهما فصار مؤيمن ثم صيرت الأولى هاء كما قالوا هراق الماء وأراقه يقال هيمن على الشيء يهيمن إذا كان له حافظا فهو له مهيمن كذا عن أبي عبيد وقرأ مجاهد وابن محيصن ? مهيمنا عليه ? بفتح الميم أي هيمن


"""""" صفحة رقم 48 """"""
عليه الله سبحانه والمعنى على قراءة الجمهور أن القرآن صار شاهدا بصحة الكتب المنزلة ومقررا لما فيها مما لم ينسخ وناسخا لما خالفه منها ورقيبا عليها وحافظا لما فيها من أصول الشرائع وغالبا لها لكونه المرجع فى المحكم منها والمنسوخ ومؤتمنا عليها لكونه مشتملا على ما هو معمول به منها وما هو متروك قوله ) فاحكم بينهم بما أنزل الله ( أي بما أنزله إليك فى القرآن لاشتماله على جميع ما شرعه الله لعباده فى جميع الكتب السابقة عليه ) ولا تتبع أهواءهم ( أي أهواء أهل الملل السابقة وقوله ) عما جاءك من الحق ( متعلق بلا تتبع على تضمينه معنى لا تعدل أو لا تنحرف ) عما جاءك من الحق ( متبعا لأهوائهم وقيل متعلق بمحذوف أي لا تتبع أهواءهم عادلا أو منحرفا عن الحق وفيه النهي له ( صلى الله عليه وسلم ) عن أن يتبع أهوية أهل الكتاب ويعدل عن الحق الذى أنزله الله عليه فإن كل ملة من الملل تهوى أن يكون الأمر على ما هم عليه وما أدركوا عليه سلفهم وإن كان باطلا منسوخا أو محرفا عن الحكم الذى أنزله الله على الأنبياء كما وقع فى الرجم ونحوه مما حرفوه من كتب الله قوله ) لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ( الشرعة والشريعة فى الأصل الطريقة الظاهرة التى يتوصل بها إلى الماء ثم استعملت فيما شرعه الله لعباده من الدين والمنهاج الطريقة الواضحة البينة وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد الشريعة ابتداء الطريق والمنهاج الطريق المستمر ومعنى الآية أنه جعل التوراة لأهلها والإنجيل لأهله والقرآن لأهله وهذا قبل نسخ الشرائع السابقة بالقرآن وأما بعده فلا شرعة ولا منهاج إلا ما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ( بشريعة واحدة وكتاب واحد ورسول واحد ) ولكن ليبلوكم ( أي ولكن لم يشأ ذلك الاتحاد بل شاء الابتلاء لكم باختلاف الشرائع فيكون ) ليبلوكم ( متعلقا بمحذوف دل عليه سياق الكلام وهو ما ذكرنا ومعنى ) في ما آتاكم ( فيما أنزله عليكم من الشرائع المختلفة باختلاف الأوقات والرسل هل تعملون بذلك وتذعنون له أو تتركونه وتخالفون ما اقتضته مشيئة الله وحكمته وتميلون إلى الهوى وتشترون الضلالة بالهدى وفيه دليل على أن اختلاف الشرائع هو لهذه العلة أعني الابتلاء والامتحان لا لكون مصالح العباد مختلفة باختلاف الأوقات والأشخاص قوله ) فاستبقوا الخيرات ( أي إذا كانت المشيئة قد قضت باختلاف الشرائع فاستبقوا إلى فعل ما أمرتم بفعله وترك ما أمرتم بتركه والاستباق المسارعة ) إلى الله مرجعكم جميعا ( لا إلى غيره وهذه الجملة كالعلة لما قبلها
المائدة : ( 49 ) وأن احكم بينهم . . . . .
قوله ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ( عطف على الكتاب أي أنزلنا عليك الكتاب والحكم بما فيه وقد استدل بهذا على نسخ التخيير المتقدم فى قوله ) أو أعرض عنهم ( وقد تقدم تفسير ) ولا تتبع أهواءهم ( قوله ) واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ( أي يضلوك عنه ويصرفوك بسبب أهوائهم التى يريدون منك أن تعمل عليها وتؤثرها ) فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ( أي إن أعرضوا عن قبول حكمك بما أنزل الله عليك فذلك لما أراده الله من تعذيبهم ببعض ذنوبهم وهو ذنب التولي عنك والإعراض عما جئت به ) وإن كثيرا من الناس لفاسقون ( متمردون عن قبول الحق خارجون عن الإنصاف
المائدة : ( 50 ) أفحكم الجاهلية يبغون . . . . .
قوله ) أفحكم الجاهلية يبغون ( الاستفهام للإنكار والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر كما فى نظائره والمعنى أيعرضون عن حكمك بما أنزل الله عليك ويتولون عنه ويبتغون حكم الجاهلية والاستفهام فى ) ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ( للإنكار أيضا أي لا أحسن من حكم الله عند أهل اليقين لا عند أهل الجهل والأهواء
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس كتبنا عليهم فيها فى التوراة وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عنه قال كتب عليهم هذا فى التوراة وكانوا يقتلون الحر بالعبد فيقولون كتب علينا أن النفس بالنفس


"""""" صفحة رقم 49 """"""
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي فى سننه عن ابن عمر فى قوله ) فمن تصدق به فهو كفارة له ( قال يهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر ابن عبد الله ) فهو كفارة له ( قال للمجروح وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ما من مسلم يصاب بشئ فى جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس ) ومهيمنا عليه ( قال مؤتمنا عليه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال المهيمن الأمين والقرآن أمين على كل كتاب قبله وأخرج سعيد بن منصور وعبد به حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه فى قوله ) شرعة ومنهاجا ( قال سبيلا وسنة وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس قال قال كعب بن أسد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فأتوه فقالوا يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن بك ونصدقك فأبى ذلك وأنزل الله فيهم ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ( إلى قوله ) لقوم يوقنون ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) أفحكم الجاهلية يبغون ( قال يهود وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال هذا فى قتيل اليهود
سورة المائدة الآية ( 51 56 )
المائدة : ( 51 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا ( الظاهر أنه خطاب للمؤمنين حقيقة وقيل المراد بهم المنافقون ووصفهم بالإيمان باعتبار ما كانوا يظهرونه وقد كانوا يوالون اليهود والنصارى فنهوا عن ذلك والأولى أن يكون خطابا


"""""" صفحة رقم 50 """"""
لكل من يتصف بالايمان أعم من أن يكون ظاهرا وباطنا أو ظاهر فقط فيدخل المسلم والمنافق ويؤيد هذا قوله ) فترى الذين في قلوبهم مرض ( والاعتبار بعموم اللفظ وسيأتي فى بيان سبب نزول الآية ما يتضح به المراد
والمراد من النهي عن اتخاذهم أولياء أن يعاملوا معاملة الأولياء فى المصادفة والمعاشرة والمناصرة وقوله ) بعضهم أولياء بعض ( تعليل للنهي والمعنى أن بعض اليهود أولياء البعض الآخر منهم وبعض النصارى أولياء البعض الآخر منهم وليس المراد بالبعض إحدى طائفتي اليهود والنصارى وبالبعض الآخر الطائفة الأخرى للقطع بأنهم فى غاية من العداوة والشقاق وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وقيل المراد أن كل واحدة من الطائفتين توالي الأخرى وتعاضدها وتناصرها على عداوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعداوة ما جاء به وإن كانوا فى ذات بينهم متعادين متضادين ووجه تعليل النهي بهذه الجملة أنها تقتضي أن هذه الموالاة هى شأن هؤلاء الكفار لا شأنكم فلا تفعلوا ما هو من فعلهم فتكونوا مثلهم ولهذا عقب هذه الجملة التعليلة بما هو كالنتيجة لها فقال ) ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( أي فإنه من جملتهم وفى عدادهم وهو وعيد شديد فإن المعصية الموجبة للكفر هى التى قد بلغت إلى غاية ليس وراءها غاية وقوله ) إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( تعليل للجملة التى قبلها أي أن وقوعهم فى الكفر هو بسبب عدم هدايته سبحانه لمن ظلم نفسه بما يوجب الكفر كمن يوالي الكافرين
المائدة : ( 52 ) فترى الذين في . . . . .
قوله ) فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم ( الفاء للسببية والخطاب إما للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له أي ما ارتكبوه من الموالاة ووقعوا فيه من الكفر هو بسبب ما فى قلوبهم من مرض النفاق وقوله ) يسارعون ( فى محل نصب إما على أنه المفعول الثاني إذا كانت الرؤية قلبية أو على أنه حال إذا كانت بصرية وجعل المسارعة فى موالاتهم مسارعة فيهم للمبالغة فى بيان رغوبهم فى ذلك حتى كأنهم مستقرون فيهم داخلون فى عدادهم وقد قرئ فيرى بالتحتية واختلف فى فاعله ما هم فقيل هو الله عز وجل وقيل هو كل ما تصح منه الرؤيا وقيل هو الموصول ومفعوله ) يسارعون فيهم ( على حذف أن المصدرية أي فيرى القوم الذين فى قلوبهم مرض أن يسارعوا فيهم فلما حذفت ارتفع الفعل كقوله ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغا
والمرض فى القلوب هو النفاق والشك فى الدين وقوله ) يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ( جملة مشتملة على تعليل المسارعة فى الموالاة أي أن هذه الخشية هى الحاملة لهم على المسارعة وقيل إن الجملة حال من ضمير يسارعون والدائرة ما تدور من مكاره الدهر أى نخشى أن تظفر الكفار بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فتكون الدولة لهم وتبطل دولته فيصيبنا منهم مكروه ومنه قول الشاعر
يرد عنك القدر المقدورا ودائرات الدهر أن تدورا
أي دولات الدهر الدائرة من قوم إلى قوم وقوله ) فعسى الله أن يأتي بالفتح ( رد عليهم ودفع لما وقع لهم من الخشية وعسى فى كلام الله وعد صادق لا يتخلف والفتح ظهور النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على الكافرين ومنه ما وقع من قتل مقاتلة بني قريظة وسبي ذراريهم وإجلاء بني النضير وقيل هو فتح بلاد المشركين على المسلمين وقيل فتح مكة والمراد بالأمر من عنده سبحانه هو كل ما تندفع به صولة اليهود ومن معهم وتنكسر به شوكتهم وقيل هو إظهار أمر المنافقين وإخبار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بما أسروا فى أنفسهم وأمره بقتلهم وقيل هو الجزية التى جعلها الله عليهم وقيل الخصب والسعة للمسلمين فيصبح المنافقون ) على ما أسروا في أنفسهم ( من النفاق الحامل لهم على الموالاة ) نادمين ( على ذلك لبطلان الأسباب التى تخيلوها


"""""" صفحة رقم 51 """"""
وانكشاف خلافها
المائدة : ( 53 ) ويقول الذين آمنوا . . . . .
قوله ? يقول الذين آمنوا ? قرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق وأهل الكوفة بإثبات الواو وقرأ الباقون بحذفها فعلى القراءة الأولى مع رفع يقول يكون كلاما مبتدأ مسوقا لبيان ما وقع من هذه الطائفة وعلى قراءة النصب يكون عطفا على ) فيصبحوا ( وقيل على ) يأتي ( والأولى أولى لأن هذا القول إنما يصدر عن المؤمنين عند ظهور ندامة الكافرين لا عند إتيان الفتح وقيل هو معطوف على الفتح كقول الشاعر للبس عباءة وتقر عيني
وأما على قراءة حذف الواو فالجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر والإشارة بقوله ) أهؤلاء ( إلى المنافقين أي يقول الذين آمنوا مخاطبين لليهود مشيرين إلى المنافقين ) أهؤلاء ( ) الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم ( بالمناصرة والمعاضدة فى القتال أو يقول بعض المؤمنين لبعض مشيرين إلى المنافقين وهذه الجملة مفسرة للقول وجهد الأيمان أغلظها وهو منصوب على المصدر أو على الحال أي أقسموا بالله جاهدين قوله ) حبطت أعمالهم ( أي بطلت وهو من تمام قول المؤمنين أو جملة مستأنفة والقائل الله سبحانه والأعمال هى التى عملوها فى الموالاة أو كل عمل يعملونه
المائدة : ( 54 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ? يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم ? قرأ أهل المدينة والشام يرتدد بدالين بفك الإدغام وهى لغة تميم وقرأ غيرهم بالإدغام وهذا شروع فى بيان أحكام المرتدين بعد بيان أن موالاة الكافرين من المسلم كفر وذلك نوع من أنواع الردة والمراد بالقوم الذين وعد الله سبحانه بالإيتان بهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه وجيشه من الصحابة والتابعين الذين قاتل بهم أهل الردة ثم كل من جاء بعدهم من المقاتلين للمرتدين فى جميع الزمن ثم وصف سبحانه هؤلاء القوم بهذه الأوصاف العظيمة المشتملة على غاية المدح ونهاية الثناء من كونهم يحبون الله وهو يحبهم ومن كونهم ) أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ( والأذلة جمع ذليل لا ذلول والأعزة جمع عزيز أي يظهرون العطف والحنو والتواضع للمؤمنين ويظهرون الشدة والغلظة والترفع على الكافرين ويجمعون بين المجاهدة فى سبيل الله وعدم خوف الملامة فى الدين بل هم متصلبون لا يبالون بما يفعله أعداء الحق وحزب الشيطان من الإزراء بأهل الدين وقلب محاسنهم مساوى ومناقبهم مثالب حسدا وبغضا وكراهة للحق وأهله والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من الصفات التي أختصهم الله بها والفضل اللطف والإحسان
المائدة : ( 55 ) إنما وليكم الله . . . . .
قوله ) إنما وليكم الله ( لما فرغ سبحانه من بيان من لا تحل موالاته بين من هو الولي الذى تجب موالاته ومحل ) الذين يقيمون الصلاة ( الرفع على أنه صفة للذين آمنوا أو بدل منه أو النصب على المدح وقوله ) وهم راكعون ( جملة حالية من فاعل الفعلين اللذين قبله والمراد بالركوع الخشوع والخضوع أى يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو خاشعون خاضعون لا يتكبرون وقيل هو حال من فاعل الزكاة والمراد بالركوع هو المعنى المذكور أى يضعون الزكاة فى مواضعها غير متكبرين على الفقراء ولا مترفعين عليهم وقيل المراد بالركوع على المعنى الثاني ركوع الصلاة ويدفعه عدم جواز إخراج الزكاة فى تلك الحال
المائدة : ( 56 ) ومن يتول الله . . . . .
ثم وعد سبحانه من يتولى الله ورسوله والذين آمنوا بأنهم الغالبون لعدوهم وهو من وضع الظاهر موضع المضمر ووضع حزب الله موضع ضمير الموالين لله ولرسوله وللمؤمنين والحزب الصنف من الناس من قولهم حزبه كذا أى نابه فكأن المتحزبين مجتمعون كاجتماع أهل النائبة التى تنوب وحزب الرجل أصحابه والحزب الورد وفى الحديث
فمن فاته حزبه من الليل وتحزبوا اجتمعوا والأحزاب الطوائف وقد وقع ولله الحمد ما وعد الله به أولياءه وأولياء رسله وأولياء عباده المؤمنين من الغلب لعدوهم فإنهم غلبوا اليهود بالسبى والقتل والإجلاء وضرب


"""""" صفحة رقم 52 """"""
الجزية حتى صاروا لعنهم الله أذل الطوائف الكفرية وأقلها شوكة وما زالوا تحت كلكل المؤمنين يطحنونهم كيف شاءوا ويمتهنونهم كما يريدون من بعد البعثة الشريفة المحمدية إلى هذه الغاية
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل وابن عساكر عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذى كان لهم من عبد الله بن أبي ابن سلول فخلعهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال أتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم وفيه وفى عبد الله بن أبي نزلت الآيات فى المائدة ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ( إلى قوله ) فإن حزب الله هم الغالبون ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم قال إن بيني وبين قريظة والنضير حلفا وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا وقال عبادة من الصامت أتبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسوله فنزلت وأخرج ابن مردويه أيضا من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده نحو ذلك وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطية بن سعد قال جاء عبادة فذكر نحو ما تقدم وأخرج ابن جرير عن الزهري قال لما انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من يهود آمنوا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر فقال مالك بن الصيف غركم أن أصبتم رهطا من قريش لا علم لهم بالقتال أما لو أصررنا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يدان بقتالنا فقال عبادة وذكر نحو ما تقدم عنه وعن عبد الله بن أبي وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا ( قال إنها فى الذبائح من دخل فى دين قوم فهو منهم وأخرج عبد ابن حميد عن حذيفة قال ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر وتلا ) ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية ) فترى الذين في قلوبهم مرض ( كعبد الله بن أبي ) يسارعون فيهم ( فى ولايتهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي فى سننه وابن عساكر عن قتادة قال أنزل الله هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم ( وقد علم أنه سيرتد مرتدون من الناس فلما قبض الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ارتد عامة العرب عن الإسلام إلا ثلاثة مساجد أهل المدينة وأهل مكة وأهل الجواثي من عبد القيس وقال الذين ارتدوا نصلي الصلاة ولا نزكي والله لا تغصب أموالنا فكلم أبا بكر فى ذلك ليتجاوز عنهم وقيل لهم إنهم لو قد فقهوا أدوا الزكاة فقال والله لا أفرق بين شيء جمعه الله ولو منعوني عقالا مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه فبعث الله عصائب مع أبي بكر فقاتلوا حتى أقروا بالماعون وهو الزكاة قال قتادة فكنا نتحدث أن هذه الآية نزلت فى أبي بكر وأصحابه ) فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ( إلى آخر الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل عن الحسن نحوه وأخرج ابن جرير عن شريح بن عبيد قال لما أنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ( ) عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه ( الآية قال عمر أنا وقومي يا رسول الله قال لا بل هذا وقومه يعني أبا موسى الأشعري وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة فى مسنده وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عياض الأشعري قال لما نزلت ) فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هم


"""""" صفحة رقم 53 """"""
قوم هذا وأشار إلى أبي موسى الأشعري وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والحاكم فى جمعه لحديث شعبة والبيهقي وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري قال تليت عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) فسوف يأتي الله بقوم ( الآية فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قومك يا أبا موسى أهل اليمن وأخرج ابن أبي حاتم فى الكنى والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه بسند حسن عن جابر بن عبد الله قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قوله ) فسوف يأتي الله بقوم ( الآية فقال هؤلاء قوم من أهل اليمن ثم كندة ثم السكون ثم تجيب وأخرج البخاري فى تاريخه وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى الآية قال هم قوم من أهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون وأخرج ابن أبي شيبة عنه قال هم أهل القادسية وأخرج البخاري فى تاريخه عن القاسم بن مخيمرة قال أتيت ابن عمر فرحب بي ثم تلا ) من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم ( الآية ثم ضرب على منكبي وقال أحلف بالله إنهم لمنكم أهل اليمن ثلاثا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عطية ابن سعد قال فى قوله ) إنما وليكم الله ورسوله ( إنها نزلت فى عبادة بن الصامت وأخرج الخطيب فى المتفق والمفترق عن ابن عباس قال تصدق علي بخاتم وهو راكع فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للسائل من أعطاك هذا الخاتم قال ذاك الراكع فأنزل الله فيه ) إنما وليكم الله ورسوله ( وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت فى علي بن أبي طالب وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب نحوه وأخرج ابن مردويه عن عمار نحوه أيضا وأخرج الطبراني فى الأوسط بسند فيه مجاهيل عنه نحوه
سورة المائدة الآية ( 57 63 )


"""""" صفحة رقم 54 """"""
المائدة : ( 57 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ( هذا النهي عن موالاة المتخذين للدين هزؤا ولعبا يعم كل من حصل منه ذلك من المشركين وأهل الكتاب وأهل البدع المنتمين إلى الإسلام والبيان بقوله ) من الذين أوتوا الكتاب ( إلى آخره لا ينافي دخول غيرهم تحت النهي إذا وجدت فيه العلة المذكورة التى هي الباعثة على النهي قوله ) والكفار ( قرأ أبو عمرو والكسائي بالجر على تقدير من أي ومن الكفار قال الكسائي وفى حرف أبي ومن الكفار وقرأ من عداهما بالنصب قال النحاس وهو أوضح وأبين وقال مكي لولا اتفاق الجماعة على النصب لاخترت الخفض لقوته في الإعراب وفى المعنى والمراد بالكفار هنا المشركون وقيل المنافقون ) واتقوا الله ( بترك ما نهاكم عنه من هذا وغيره ) إن كنتم مؤمنين ( فإن الإيمان يقتضى ذلك
المائدة : ( 58 ) وإذا ناديتم إلى . . . . .
والنداء الدعاء يرفع الصوت وناداه مناداة ونداء صاح به وتنادوا أي نادى بعضهم بعضا وتنادوا أي جلسوا في النادي والضمير في ) اتخذوها ( للصلاة أي اتخذوا صلاتكم هزؤا ولعبا وقيل الضمير للمناداة المدلول عليها بناديتم قيل وليس في كتاب الله تعالى ذكر الأذان إلا في هذا الموضع وأما قوله تعالى فى الجمعة إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فهو خاص بنداء الجمعة وقد اختلف أهل العلم فى كون الأذان واجبا أو غير واجب وفى ألفاظه وهو مبسوط في مواطنه قوله ) ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ( أي ذلك بسبب أنهم قوم لا يعقلون لأن الهزؤ واللعب شأن أهل السفه والخفة والطيش
المائدة : ( 59 ) قل يا أهل . . . . .
قوله ) قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا ( يقال نقمت على الرجل بالكسر فأنا ناقم إذا عبت عليه قال الكسائى نقمت بالكسر لغة ونقمت الأمر أيضا ونقمت إذا كرهته وانتقم الله منه أى عاقبه والاسم منه النقمة والجمع نقمات مثل كلمة وكلمات وإن شئت سكنت القاف ونفلت حركتها إلى النون والجمع نقم مثل نعمة ونعم وقيل المعنى يسخطون وقيل ينكرون قال عبد الله بن قيس الرقيات ما نقموا من بنى أمية إلا
أنهم يحلمون إن غضبوا
وقال الله سبحانه ) وما نقموا منهم ( والمعنى فى الآية هل تعيبون أو تسخطون أو تنكرون أو تكرهون منا إلا إيماننا بالله وبكتبه المنزلة وقد علمتم بأنا على الحق ) وأن أكثركم فاسقون ( بترككم للإيمان والخروج عن امتثال أوامر الله وقوله ) وأن أكثركم فاسقون ( معطوف على ) أن آمنا ( أى ما تنقمون منا إلا الجمع بين إيماننا وبين تمردكم وخروجكم عن الإيمان وفيه أن المؤمنين لم يجمعوا بين الأمرين المذكورين فإن الإيمان من جهتهم والتمرد والخروج من جهة الناقمين وقيل هو على تقدير محذوف أى واعتقادنا ) وأن أكثركم فاسقون ( وقيل إن قوله ) أن آمنا ( هو منصوب على أنه مفعول له والمفعول محذوف فيكون ) وأن أكثركم فاسقون ( معطوفا عليه عطف العلة على العلة والتقدير وما تنقمون منا إلا لأن آمنا ولأن أكثركم فاسقون وقيل معطوف على علة محذوفة أى لقلة إنصافكم ولأن أكثركم فاسقون وقيل الواو فى قوله ) وأن أكثركم فاسقون ( هي التى بمعنى مع أى ما تنقمون منا إلا الإيمان مع أن أكثركم فاسقون وقيل هو منصوب بفعل محذوف يدل عليه هل تنقمون أى ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون وقيل هو مرفوع على الابتداء والخبر محذوف أى وفسقكم معلوم فتكون الجملة حالية وقرئ بكسر إن من قوله ) وأن أكثركم فاسقون ( فتكون جملة مستأنفة
المائدة : ( 60 ) قل هل أنبئكم . . . . .
قوله ) قل هل أنبئكم بشر من ذلك ( بين الله سبحانه لرسوله أن فيهم من العيب ما هو أولى بالعيب وهو ما هم عليه من الكفر الموجب للعن الله وغضبه ومسخه والمعنى هل أنبئكم بشر من نقمكم علينا أو بشر مما تريدون لنا من المكروه أو بشر من أهل الكتاب أو بشر من دينهم وقوله ) مثوبة ( أى جزاء ثابتا وهى مختصة بالخير كما أن العقوبة مختصة بالشر ووضعت هنا موضع العقوبة على طريقة ) فبشرهم بعذاب أليم ( وهى منصوبة على التمييز


"""""" صفحة رقم 55 """"""
من بشر وقوله ) من لعنه الله ( خبر لمبتدإ محذوف مع تقدير مضاف محذوف أى هو لعن من لعنه الله أو هو دين من لعنه الله ويجوز أن يكون فى محل جر بدلا من شر قوله ) وجعل منهم القردة والخنازير ( أى مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير وهم اليهود فإن الله مسخ أصحاب السبت قردة وكفار مائدة عيسى منهم خنازير قوله ) وعبد الطاغوت ( قرأ حمزة بضم الباء من عبد وكسر التاء من ) الطاغوت ( أى جعل منهم عبد الطاغوت بإضافة عبد إلى الطاغوت والمعنى وجعل منهم من يبالغ فى عبادة الطاغوت لأن فعل من صيغ المبالغة كحذر وفطن للتبليغ فى الحذر والفطنة وقرأ الباقون بفتح الباء من ) عبد ( وفتح التاء من ) الطاغوت ( على أنه فعل ماض معطوف على فعل ماض وهو غضب ولعن كأنه قيل ومن عبد الطاغوت أو معطوف على القردة والخنازير أي جعل منهم القردة والخنازير وجعل منهم عبد الطاغوت حملا على لفظ من وقرأ أبي وابن مسعود ? وعبدوا الطاغوت ? حملا على معناها وقرأ ابن عباس ) وعبد ( بضم العين والباء كأنه جمع عبد كما يقال سقف وسقف
ويجوز أن يكون جمع عبيد كرغيف ورغف أو جمع عابد كبازل وبزل وقرأ أبو واقد ) وعباد ( جمع عابد للمبالغة كعامل وعمال وقرأ البصريون وعباد جمع عابد أيضا كقائم وقيام ويجوز أن يكون جمع عبد وقرأ أبو جعفر الرقاشي وعبد الطاغوت على البناء للمفعول والتقدير وعبد الطاغوت فيهم وقرأ عون العقيلي وابن بريدة وعابد الطاغوت على التوحيد وروى عن ابن مسعود وأبى أنهما قرآ ? وعبدة الطاغوت ? وقرأ عبيد بن عمير ? وأعبد الطاغوت ? مثل كلب وأكلب وقرىء ) وعبد الطاغوت ( عطفا على الموصول بناء على تقدير مضاف محذوف وهى قراءة ضعيفة جدا والطاغوت الشيطان أو الكهنة أو غيرهما مما قد تقدم مستوفى
قوله ) أولئك شر مكانا ( الإشارة إلى الموصوفين بالصفات المتقدمة وجعلت الشرارة للمكان وهى لأهله للمبالغة ويجوز أن يكون الإسناد مجازيا قوله ) وأضل عن سواء السبيل ( معطوف على شر أي هم أضل من غيرهم عن الطريق المستقيم والتفضيل في الموضعين للزيادة مطلقا أو لكونهم أشر وأضل مما يشاركهم فى أصل الشرارة والضلال
المائدة : ( 61 ) وإذا جاؤوكم قالوا . . . . .
قوله ) وإذا جاؤوكم قالوا آمنا ( أي إذا جاءوكم أظهروا الإسلام قوله ) وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ( جملتان حاليتان أي جاءوكم حال كونهم قد دخلوا عندك متلبسين بالكفر وخرجوا من عندك متلبسين به لم يؤثر فيهم ما سمعوا منك بل خرجوا كما دخلوا ) والله أعلم بما كانوا يكتمون ( عندك من الكفر وفيه وعيد شديد وهؤلاء هم المنافقون وقيل هم اليهود الذين قالوا ) آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره )
المائدة : ( 62 ) وترى كثيرا منهم . . . . .
قوله ) وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم ( الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له والضمير في ) منهم ( عائد إلى المنافقين أو اليهود أو إلى الطائفتين جميعا ) يسارعون في الإثم ( في محل نصب على الحال على أن الرؤية بصرية أو هو مفعول ثان لترى على أنها قلبية والمسارعة المبادرة والإثم الكذب أو الشرك أو الحرام والعدوان الظلم المتعدى إلى الغير أو مجاوزة الحد في الذنوب والسحت الحرام فعلى قول من فسر الإثم بالحرام يكون تكريره للمبالغة
المائدة : ( 63 ) لولا ينهاهم الربانيون . . . . .
والربانيون علماء النصارى والأحبار علماء اليهود وقيل الكل من اليهود لأن هذه الآيات فيهم ثم وبخ علماءهم في تركهم لنبيهم فقال ) لبئس ما كانوا يصنعون ( وهذا فيه زيادة على قوله ) لبئس ما كانوا يعملون ( لأن العمل لا يبلغ درجة الصنع حتى يتدرب فيه صاحبه ولهذا تقول العرب سيف صنيع إذا جود عامله عمله فالصنع هو العمل الجيد لا مطلق العمل فوبخ سبحانه الخاصة وهم العلماء التاركون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما هو أغلظ وأشد من توبيخ فاعل المعاصي فليفتح العلماء لهذه الآية مسامعهم ويفرجوا لها عن قلوبهم فإنها قد جاءت بما


"""""" صفحة رقم 56 """"""
فيه البيان الشافي لهم بأن كفهم عن المعاصي مع ترك إنكارهم على أهلها لا يسمن ولا يغنى من جوع بل هم أشد حالا وأعظم وبالا من العصاة فرحم الله عالما قام بما أوجبه الله عليه من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو أعظم ما افترضه الله عليه وأوجب ما أوجب عليه النهوض به اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر لا يخافون فيك لومة لائم وأعنا على ذلك وقونا عليه ويسره لنا وانصرنا على من تعدى حدودك وظلم عبادك إنه لا ناصر لنا سواك ولا مستعان غيرك يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ونافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا ( إلى قوله ) والله أعلم بما كانوا يكتمون ( وأخرج البيهقي فى الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس فى قوله ) وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ( قال كان منادي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا نادى بالصلاة فقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود والنصارى قد قاموا لا قاموا فإذا رأوهم ركعوا وسجدوا استهزءوا بهم وضحكوا منهم قال وكان رجل من اليهود تاجرا إذا سمع المنادى ينادى بالأذان قال أحرق الله الكاذب قال فبينما هو كذلك إذ دخلت جاريته بشعلة من نار فطارت شرارة منها في البيت فأحرقته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدى قال كان رجل من النصارى فذكر نحو قصة الرجل اليهودي وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نفر من اليهود فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال أومن بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا لا نؤمن بعيسى ولا نؤمن بمن آمن به فأنزل الله فيهم ) قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا ( إلى قوله ) فاسقون ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وجعل منهم القردة والخنازير ( قال مسخت من يهود وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك أنه قيل له كانت القردة والخنازير قبل أن يمسخوا قال نعم وكانوا مما خلق من الأمم وأخرج مسلم وابن مردويه عن ابن مسعود قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن القردة والخنازير هما مما مسخ الله فقال إن الله لم يهلك قوما أو قال لم يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وإذا جاؤوكم قالوا آمنا ( الآية قال أناس من اليهود كانوا يدخلون على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذي جاء به وهم متمسكون بضلالتهم وبالكفر فكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن السدى في الآية قال هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يهودا يقول دخلوا كفارا وخرجوا كفارا
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان ( قال هؤلاء اليهود ) لبئس ما كانوا يعملون ( إلى قوله ) لبئس ما كانوا يصنعون ( قال يصنعون ويعملون واحد قال لهؤلاء حين لم ينتهوا كما قال لهؤلاء حين عملوا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ( قال فهل لا ينهاهم الربانيون والأحبار وهم الفقهاء والعلماء وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال ما فى القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية ) لولا ينهاهم الربانيون والأحبار (


"""""" صفحة رقم 57 """"""
وأخرج ابن المبارك فى الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك بن مزاحم نحوه وقد وردت أحاديث كثيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا حاجة لنا فى بسطها هنا
سورة المائدة الآية ( 64 66 )
المائدة : ( 64 ) وقالت اليهود يد . . . . .
قوله ) يد الله مغلولة ( اليد عند العرب تطلق على الجارحة ومنه قوله تعالى ) وخذ بيدك ضغثا ( وعلى النعمة يقولون كم يد لي عند فلان وعلى القدرة ومنه قوله تعالى ) قل إن الفضل بيد الله ( أو على التأييد ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) يد الله مع القاضي حين يقضى وتطلق على معان أخر وهذه الآية هى على طريق التمثيل كقوله تعالى ) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ( والعرب تطلق غل اليد على البخل وبسطها على الجود مجازا ولا يريدون الجارحة كما يصفون البخيل بأنه جعد الأنامل ومقبوض الكف ومنه قول الشاعر كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها
وكل باب من الخيرات مفتوح
فاستبدلت بعده جعدا أنامله
كأنما وجهه بالخل منضوح
فمراد اليهود هنا عليهم لعائن الله أن الله بخيل فأجاب سبحانه عليهم بقوله ) غلت أيديهم ( دعاء عليهم بالبخل فيكون الجواب عليهم مطابقا لما أرادوه بقوله ) يد الله مغلولة ( ويجوز أن يراد غل أيديهم حقيقة بالأسر فى الدنيا أو بالعذاب فى الآخرة ويقوى المعنى الأول أن البخل قد لزم اليهود لزوم الظل للشمس فلا ترى يهوديا وإن كان ماله فى غاية الكثرة إلا وهو من أبخل خلق الله وأيضا المجاز أوفق بالمقام لمطابقته لما قبله قوله ) ولعنوا بما قالوا ( معطوف على ما قبله والباء سببية أي أبعدوا من رحمة الله بسبب قولهم ) يد الله مغلولة ( ثم رد سبحانه بقوله ) بل يداه مبسوطتان ( أي بل هو في غاية ما يكون من الجود وذكر اليدين مع كونهم لم يذكروا إلا اليد الواحدة مبالغة في الرد عليهم بإثبات ما يدل على غاية السخاء فإن نسبة الجود إلى اليدين أبلغ من نسبتة إلى اليد الواحدة وهذه الجملة الإضرابية معطوفة على جملة مقدرة يقتضيها المقام أي كلا ليس الأمر كذلك ) بل يداه مبسوطتان ( وقيل المراد بقوله ) بل يداه مبسوطتان ( نعمة الدنيا الظاهرة ونعمتها الباطنة وقيل نعمة المطر والنبات وقيل الثواب والعقاب وحكى الأخفش عن ابن مسعود أنه قرأ ) بل يداه مبسوطتان ( أي منطلقتان كيف يشاء قوله ) ينفق كيف يشاء ( جملة مستأنفة مؤكدة لكمال جوده سبحانه أي إنفاقه على ما تقتضيه مشيئته فإن شاء وسع وإن شاء قتر فهو الباسط القابض فإن قبض كان ذلك لما تقتضيه حكمته الباهرة لا لشيء آخر فإن


"""""" صفحة رقم 58 """"""
خزائن ملكه لا تفنى ومواد جوده لا تتناهى قوله ) وليزيدن كثيرا منهم ( الخ اللام هي لام القسم أي ليزيدن كثيرا من اليهود والنصارى ما أنزل الله إليك من القرآن المشتمل على هذه الأحكام الحسنة ) طغيانا وكفرا ( أي طغيانا إلى طغيانهم وكفرا إلى كفرهم قوله ) وألقينا بينهم ( أي بين اليهود ) العداوة والبغضاء ( أو بين اليهود والنصارى قوله ) كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ( أي كلما جمعوا للحرب جمعا وأعدوا له عدة شتت الله جمعهم وذهب بريحهم فلم يظفروا بطائل ولا عادوا بفائدة بل لا يحصلون من ذلك إلا على الغلب لهم وهكذا لا يزالون يهيجون الحروب ويجمعون عليها ثم يبطل الله ذلك والآية مشتملة عل استعارة بليغة وأسلوب بديع ) ويسعون في الأرض فسادا ( أي يجتهدون فى فعل ما فيه فساد ومن أعظمه ما يريدونه من إبطال الإسلام وكيد أهله وقيل المراد بالنار هنا الغضب أي كلما أثاروا فى أنفسهم غضبا أطفأه الله بما جعله من الرعب فى صدورهم والذلة والمسكنة المضروبتين عليهم قوله ) والله لا يحب المفسدين ( إن كانت اللام للجنس فهم داخلون فى ذلك دخولا أوليا وإن كانت للعهد فوضع الظاهر موضع المضمر لبيان شدة فسادهم وكونهم لا ينفكرون عنه
المائدة : ( 65 ) ولو أن أهل . . . . .
قوله ) ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا ( أي لو أن المتمسكين بالكتاب وهم اليهود والنصارى على أن التعريف للجنس ) آمنوا ( الإيمان الذى طلبه الله منهم ومن أهمه الإيمان بما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كما أمروا بذلك فى كتب الله المنزلة عليهم ) واتقوا ( المعاصي التى من أعظمها ما هم عليه من الشرك بالله والجحود لما جاء به رسول الله ) لكفرنا عنهم سيئاتهم ( التى اقترفوها وإن كانت كثيرة متنوعة وقيل المعنى لوسعنا عليهم في أرزاقهم
المائدة : ( 66 ) ولو أنهم أقاموا . . . . .
) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ( أي أقاموا ما فيهما من الأحكام التى من جملتها الإيمان بما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) وما أنزل إليهم من ربهم ( من سائر كتب الله التى من جملتها القرآن فإنها كلها وإن نزلت على غيرهم فهي فى حكم المنزلة عليهم لكونهم متعبدين بما فيها ) لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( ذكر فوق وتحت للمبالغة في تيسر أسباب الرزق لهم وكثرتها وتعدد أنواعها قوله ) منهم أمة مقتصدة ( جواب سؤال مقدر كأنه قيل هل جميعهم متصفون بالأوصاف السابقة أو البعض منهم دون البعض والمقتصدون منهم هم المؤمنون كعبد الله بن سلام ومن تبعه وطائفة من النصارى ) وكثير منهم ساء ما يعملون ( وهم المصرون على الكفر المتمردون عن إجابة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والإيمان بما جاء به
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق والطبراني في الكبير وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس إن ربك بخيل لا ينفق فأنزل الله ) وقالت اليهود يد الله مغلولة ( الآية وأخرج أبو الشيخ عنه أنها نزلت فى فنحاص اليهودي وأخرج مثله ابن جرير عن عكرمة وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وقالت اليهود يد الله مغلولة ( أي بخيلة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ( قال حملهم حسد محمد والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا بمحمد ودينه وهم يجدونه مكتوبا عندهم
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) كلما أوقدوا نارا للحرب ( قال حرب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى فى الآية كلما أجمعوا أمرهم على شيء فرقه الله وأطفأ حدهم ونارهم وقذف فى قلوبهم الرعب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا ( قال آمنوا بما أنزل لله على محمد واتقوا ما حرم الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل (


"""""" صفحة رقم 59 """"""
قال العمل بهما وأما ما أنزل إليهم فمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما أنزل عليه وأما ) لأكلوا من فوقهم ( فأرسلت عليهم مطرا وأما ) ومن تحت أرجلهم ( يقول أنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم ) منهم أمة مقتصدة ( وهم مسلمة وأهل الكتاب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) لأكلوا من فوقهم ( يعنى لأرسل عليهم السماء مدرارا ) ومن تحت أرجلهم ( قال تخرج الأرض من بركتها وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال الأمة المقتصدة الذين لا هم فسقوا في الدين ولا هم غلوا قال والغلو الرغبة والفسق التقصير عنه وأخرج أبو الشيخ عن السدى ) أمة مقتصدة ( يقول مؤمنة وأخرج ابن مردويه قال حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا أحمد بن يونس الضبى حدثنا عاصم بن علي حدثنا أبو معشر عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر حديثا قال ثم حدثهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال تفرقت أمة موسى على اثنتين وسبعين ملة واحدة منها فى الجنة وإحدى وسبعون منها فى النار وتفرقت أمة عيسى على اثنتين وسبعين ملة واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار تعلو أمتي على الفريقين جميعا ملة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار قالوا من هم يا رسول الله قال الجماعات الجماعات قال يعقوب بن زيد كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تلا فيه قرآنا قال ) ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ( إلى قوله ) منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ( وتلا أيضا ) وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ( يعنى أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قال ابن كثير فى تفسيره بعد ذكره لهذا الحديث ما لفظه وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مروى من طرق عديدة قد ذكرناها فى موضع آخر انتهى قلت أما زيادة كونها فى النار إلا واحدة فقد ضعفها جماعة من المحدثين بل قال ابن حزم إنها موضوعة
سورة المائدة الآية ( 67
المائدة : ( 67 ) يا أيها الرسول . . . . .
العموم الكائن فى ما أنزل يفيد أنه يجب عليه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يبلغ جميع ما أنزله الله إليه لا يكتم منه شيئا وفيه دليل على أنه لم يسر أحد مما يتعلق بما أنزل الله إليه شيئا ولهذا ثبت في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت من زعم أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) كتم شيئا من الوحي فقد كذب وفى صحيح البخاري من حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال قلت لعلي بن أبي طالب رضى الله عنه هل عندكم شيء من الوحي مما ليس فى القرآن فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا فى القرآن وما فى هذه الصحيفة قلت وما فى هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر ) وإن لم تفعل ( ما أمرت به من تبليغ الجميع بل كتمت ولو بعضا من ذلك ) فما بلغت رسالته ( قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة إلا شعبة رسالته على التوحيد وقرأ أهل المدينة وأهل الشام رسالاته على الجمع قال النحاس والجمع أبين لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان ينزل عليه الوحي شيئا فشيئا ثم يبينه انتهى وفيه نظر فإن نفى التبليغ عن الرسالة الواحدة أبلغ من نفيه عن الرسالات كما ذكره علماء البيان على


"""""" صفحة رقم 60 """"""
خلاف فى ذلك وقد بلغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأمته ما نزل إليهم وقال لهم فى غير موطن هل بلغت فيشهدون له بالبيان فجزاه الله عن أمته خيرا ثم إن الله سبحانه وعده بالعصمة من الناس دفعا لمن يظن أنه حامل على كتم البيان وهو خوف لحوق الضرر من الناس وقد كان ذلك بحمد الله فإنه بين لعباد الله ما نزل إليهم على وجه التمام ثم حمل من أبى من الدخول فى الدين على الدخول فيه طوعا أو كرها وقتل صناديد الشرك وفرق جموعهم وبدد شملهم وكانت كلمة الله هى العليا فأسلم كل من نازعه ممن لم يسبق فيه السيف العزل حتى قال يوم الفتح لصناديد قريش وأكابرهم ما تظنون أني فاعل بكم فقالوا أخ كريم وابن أخ كريم فقال اذهبوا فأنتم الطلقاء وهكذا من سبقت له العناية من علماء هذه الأمة يعصمه الله من الناس إن قام ببيان حجج الله وإيضاح براهينه وصرخ بين ظهراني من ضاد الله وعانده ولم يمتثل لشرعه كطوائف المبتدعة وقد رأينا من هذا فى أنفسنا وسمعنا منه فى غيرنا ما يزيد المؤمن إيمانا وصلابة فى دين الله وشدة شكيمة فى القيام بحجة الله وكل ما يظنه متزلزلو الأقدام ومضطربو القلوب من نزول الضرر بهم وحصول المحن عليهم فهو خيالات مختلة وتوهمات باطلة فإن كل محنة فى الظاهر هى منحة فى الحقيقة لأنها لا تأتى إلا بخير فى الأولى والأخرى إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد قوله ) إن الله لا يهدي القوم الكافرين ( جملة متضمنة لتعليل ما سبق من العصمة أي إن الله لا يجعل لهم سبيلا إلى الإضرار بك فلا تخف وبلغ ما أمرت بتبليغه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال لما نزلت ) بلغ ما أنزل إليك من ربك ( قال يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس فنزلت ) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ( وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الله يعثني برسالته فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني فأنزلت ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ( يعنى إن كتمت آية مما أنزل إليك لم تبلغ رسالته وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ( على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم غدير خم فى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال كنا نقرأ على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ( وأخرج ابن أبي حاتم عن عنترة قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال إن ناسا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للناس فقال ألم تعلم أن الله قال ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( والله ما ورثنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سوداء فى بيضاء
وأخرج ابن مردويه والضياء فى المختارة عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل أي آية أنزلت من السماء أشد عليك فقال كنت بمنى أيام موسم فاجتمع مشركو العرب وأفناء الناس فى الموسم فأنزل علي جبريل فقال ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ( الآية قال
فقمت عند العقبه فناديت يا أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ رسالة ربي وله الجنة أيها الناس قولوا لا إله إلا الله وأنا رسول الله إليكم تفلحوا وتنجحوا ولكم الجنة قال فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبي إلا يرمون بالتراب والحجارة ويبزقون فى وجهي ويقولون كذب صابئ فعرض علي عارض فقال يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم


"""""" صفحة رقم 61 """"""
كما دعا نوح على قومه بالهلاك فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وطردهم عنه قال الأعمش فبذلك يفتخر بنو العباس ويقولون فيهم نزلت ) إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ( هوى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أبا طالب وشاء الله عباس ابن عبد المطلب وأخرج عبد بن حميد الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما فى الدلائل عن عائشة قالت كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحرس حتى نزلت ) والله يعصمك من الناس ( فأخرج رأسه من القبة فقال أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله قال الحاكم فى المستدرك صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأخرج الطبراني وابن مردويه من حديث أبي سعيد وقد روى فى هذا المعنى أحاديث وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال لما غزا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بني أنمار نزل ذات الرقيع بأعلى نخل فبينما هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه فقال الوارث من بني النجار لأقتلن محمدا فقال له أصحابه كيف تقتله قال أقول له أعطني سيفك فإذا أعطانيه قتلته به فأتاه فقال يا محمد أعطني سيفك أشمه فأعطاه إياه فرعدت يده حتى سقط السيف من يده فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حال الله بينك وبين ما تريد فأنزل الله سبحانه ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ( الآية قال ابن كثير وهذا حديث غريب من هذا الوجه وأخرج ابن حبان فى صحيحه وابن مردويه عن أبي هريرة نحو هذه القصة ولم يسم الرجل وأخرج ابن جرير من حديث محمد بن كعب القرظي نحوه وفى الباب روايات وقصة غورث بن الحارث ثابتة فى الصحيح وهى معروفة مشهورة
سورة المائدة الآية ( 68 75 )


"""""" صفحة رقم 62 """"""
المائدة : ( 68 ) قل يا أهل . . . . .
قوله ) على شيء ( فيه تحقير وتقليل لما هم عليه أي لستم على شيء يعتد به حتى تقيموا التوراة والإنجيل أي تعملوا بما فيهما من أوامر الله ونواهيه التى من جملتها أمركم باتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونهيكم من مخالفته قال أبو علي الفارسي ويجوز أن يكون ذلك قبل النسخ لهما قوله ) وما أنزل إليكم من ربكم ( قيل هو القرآن فإن إقامة الكتابين لا تصح بغير إقامته ويجوز أن يكون المراد ما أنزل إليهم على لسان الأنبياء من غير الكتابين قوله ) وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ( أي كفرا إلى كفرهم وطغيانا إلى طغيانهم والمراد بالكثير منهم من لم يسلم واستمر على المعاندة وقيل المراد به العلماء منهم وتصدير هذه الجملة بالقسم لتأكيد مضمونها قوله ) فلا تأس على القوم الكافرين ( أي دع عنك التأسف عل هؤلاء فإن ضرر ذلك راجع إليهم ونازل بهم وفى المتبعين لك من المؤمنين غنى لك عنهم
المائدة : ( 69 ) إن الذين آمنوا . . . . .
قوله ) إن الذين آمنوا ( الخ جملة مستأنفة لترغيب من عداهم من المؤمنين والمراد بالمؤمنين هنا الذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون ) والذين هادوا ( أي دخلوا في دين اليهود ? والصابون ? مرتفع على الابتداء وخبره محذوف والتقدير والصابون والنصارى كذلك قال الخليل وسيبويه والرفع محمول على التقديم والتأخير والتقدير إن الذين آمنوا هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابون والنصارى كذلك وأنشد سيبويه قول الشاعر
وإلا فاعلموا أنا وأنتم
بغاة ما بقينا في شقاق
أي وإلا فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك ومثله قوله قول ضابي البرجمي فمن يك أمسى بالمدينة رحله
فإنى وقيار بها لغريب
أي فإنى لغريب وقيار كذلك وقال الكسائي والأخفش إن الصابون معطوف على المضمر في هادوا قال النحاس سمعت الزجاج يقول وقد ذكر له قول الكسائي والأخفش هذا خطأ من وجهين أحدهما أن المضمر المرفوع لا يعطف عليه حتى يؤكد وثانيهما أن المعطوف شريك المعطوف عليه فيصير المعنى إن الصابئين قد دخلوا فى اليهودية وهذا محال وقال الفراء إنما جاز الرفع لأن إن ضعيفة فلا تؤثر إلا فى الاسم دون الخبر فعلى هذا هو عنده معطوف على محل اسم إن أو على مجموع إن واسمها وقيل إن خبر إن مقدر والجملة الآتية خبر الصابئون والنصارى كما فى قول الشاعر نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
وقيل إن إن هنا بمعنى نعم فالصابون مرتفع بالابتداء ومثله قول قيس بن الرقيات بكر العواذل فى الصباح
يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علاك
وقد كبرت فقلت إنه
قال الأخفش إنه بمعنى نعم والهاء للسكت وقد تقدم الكلام على الصابئين والنصارى في البقرة وقرئ الصابيون بياء صريحة للهمزة وقرئ الصابون بدون ياء وهو من صبا يصبو لأنهم صبوا إلى اتباع الهوى وقرئ ) والصابئين ( عطفا على اسم إن قوله ) من آمن بالله ( مبتدأ خبره ) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (


"""""" صفحة رقم 63 """"""
والمبتدأ وخبره خبر لإن ودخول الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط والعائد إلى اسم إن محذوف أي من آمن منهم ويجوز أن يكون من آمن بدلا من اسم إن وما عطف عليه ويكون خبر إن ) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( والمعنى على تقدير كون المراد بالذين آمنوا المنافقين كما قدمنا أن من آمن من هذه الطوائف إيمانا خالصا على الوجه المطلوب وعمل عملا صالحا فهو الذي لا خوف عليه ولا حزن وأما على تقدير كون المراد بالذين آمنوا جميع أهل الإسلام المخلص والمنافق فالمراد بمن آمن من اتصف بالإيمان الخالص واستمر عليه ومن أحدث إيمانا خالصا بعد نفاقه
المائدة : ( 70 ) لقد أخذنا ميثاق . . . . .
قوله ) لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ( كلام مبتدأ لبيان بعض أفعالهم الخبيثة وقد تقدم فى البقرة بيان معنى الميثاق ) وأرسلنا إليهم رسلا ( ليعرفوهم بالشرائع وينذروهم ) كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم ( جملة شرطية وقعت جوابا لسؤال ناس من الأخبار بإرسال الرسل كأنه قيل ماذا فعلوا بالرسل وجواب الشرط محذوف أي عصوه وقوله ) فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ( جملة مستأنفة أيضا جواب عن سؤال ناس عن الجواب الأول كأنه قيل كيف فعلوا بهم فقيل فريقا منهم كذبوهم ولم يتعرضوا لهم بضرر وفريقا آخر منهم قتلوهم وإنما قال ) وفريقا يقتلون ( لمراعاة رءوس الآى فمن كذبوه عيسى وأمثاله من الأنبياء وممن قتلوه زكريا ويحيى
المائدة : ( 71 ) وحسبوا ألا تكون . . . . .
قوله ) وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا ( أي حسب هؤلاء الذين أخذ الله عليهم الميثاق أن لا يقع من الله عز وجل ابتلاء واختيار بالشدائد اعتزازا بقولهم ) نحن أبناء الله وأحباؤه ( قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي تكون بالرفع على أن أن هى المخففة من الثقيلة وحسب بمعنى علم لأن أن معناه التحقيق
وقرأ الباقون بالنصب على أن أن ناصبة للفعل وحسب بمعنى الظن قال النحاس والرفع عند النحويين في حسبت وأخواتها أجود ومثله ألا زعمت بسباسة اليوم أننى
كبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي
قوله ) فعموا وصموا ( أي عموا عن أبصار الهدى وصموا عن استماع الحق وهذه إشارة إلى ما وقع من بنى إسرائيل في الابتداء من مخالفة أحكام التوراة وقتل شعيا ثم تاب الله عليهم حين تابوا فكشف عنهم القحط ) ثم عموا وصموا كثير منهم ( وهذا إشارة إلى ما وقع منهم بعد التوبة من قتل يحيى بن زكريا وقصدهم لقتل عيسى وارتفاع ) كثير ( على البدل من الضمير في الفعلين قال الأخفش كما تقول رأيت قومك ثلاثتهم وإن شئت كان على إضمار مبتدإ أي العمى والصم كثير منهم ويجوز أن يكون كثير مرتفعا على الفاعلية على لغة من قال أكلوني البراغيث ومنه قول الشاعر ولكن دفافي أبوه وأمه
بحوران يعصرن السليط أقاربه
وقرئ ) عموا وصموا ( بالبناء للمفعول أي أعماهم الله وأصمهم
المائدة : ( 72 ) لقد كفر الذين . . . . .
قوله ) لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ( هذا كلام مبتدأ يتضمن بيان بعض فضائح أهل الكتاب والقائلون بهذه المقالة هم فرقة منهم يقال لهم اليعقوبية وقيل هم الملكانية قالوا إن الله عز وجل حل فى ذات عيسى فرد الله عليهم بقوله ) وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ( أي والحال أنه قد قال المسيح هذه المقالة فكيف يدعون الإلهية لمن يعترف على نفسه بأنه عبد مثلهم قوله ) إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ( الضمير للشأن وهذا كلام مبتدأ يتضمن بيان أن الشرك يوجب تحريم دخول الجنة وقيل هو من قول عيسى ) وما للظالمين من أنصار ( ينصرونهم فيدخلونهم الجنة أو يخلصونهم من النار
المائدة : ( 73 ) لقد كفر الذين . . . . .
قوله ) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ( وهذا كلام أيضا مبتدأ لبيان بعض مخازيهم والمراد بثالث ثلاثة واحد من ثلاثة ولهذا يضاف إلى ما بعده ولا يجوز فيه


"""""" صفحة رقم 64 """"""
التنوين كما قال الزجاج وغيره وإنما ينون وينصب ما بعده إذا كان ما بعده دونه بمرتبة نحو ثالث اثنين ورابع ثلاثة والقائل بأنه سبحانه وتعالى ثالث ثلاثة هم النصارى والمراد بالثلاثة الله سبحانه وعيسى ومريم كما يدل عليه قوله أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين وهذا هو المراد بقوله ثلاثة أقانيم إقنيم الأب وإقنيم الابن وإقنيم روح القدس وقد تقدم فى سورة النساء كلام فى هذا ثم رد الله سبحانه عليهم هذه الدعوى الباطلة فقال ) وما من إله إلا إله واحد ( أي ليس في الوجود إلا الله سبحانه وهذه الجملة حالية والمعنى قالوا تلك المقالة والحال لأنه لا موجود إلا الله ومن في قوله ) من إله ( لتأكيد الاستغراق المستفاد من النفي ) وإن لم ينتهوا عما يقولون ( من الكفر ) ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ( جواب قسم محذوف ساد مسد جواب الشرط ومن فى ) منهم ( بيانية أو تبعيضية
المائدة : ( 74 ) أفلا يتوبون إلى . . . . .
) أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ( الفاء للعطف على مقدر والهمزة للإنكار
المائدة : ( 75 ) ما المسيح ابن . . . . .
قوله ) ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ( أي هو مقصور على الرسالة لا يجاوزها كما زعتم وجملة ) قد خلت من قبله الرسل ( صفة لرسول أي ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله وما وقع منه من المعجزات لا يوجب كونه إلها فقد كان لمن قبله من الرسل مثلها فإن الله أحيا العصا في يد موسى وخلق آدم من غير أب فكيف جعلتم إحياء عيسى للموتى ووجوده من غير أب يوجبان كونه إلها فإن كان كما تزعمون إلها لذلك فمن قبله من الرسل الذين جاءوا بمثل ما جاء به آلهة وأنتم لا تقولون بذلك قوله ) وأمه صديقة ( عطف على المسيح أي وما أمه إلا صديقة أي صادقة فيما تقوله أو مصدقة لما جاء به ولدها من الرسالة وذلك لا يستلزم الإلهيه لها بل هي كسائر من يتصف بهذا الوصف من النساء قوله ) كانا يأكلان الطعام ( استئناف يتضمن التقرير لما أشير إليه من أنهما كسائر أفراد البشر أى من كان يأكل الطعام كسائر المخلوقين فليس برب بل هو عبد مربوب ولدته النساء فمتى يصلح لأن يكون ربا أما قولكم إنه كان يأكل الطعام بناسوته لا بلاهوته فهو كلام باطل يستلزم اختلاط الإله بغير الإله واجتماع الناسوت واللاهوت ولو جاز اختلاط القديم بالحادث لجاز أن يكون القديم حادثا ولو صح هذا فى حق عيسى لصح فى حق غيره من العباد ) انظر كيف نبين لهم الآيات ( أى الدلالات وفيه تعجيب من حال هؤلاء الذين يجعلون تلك الأوصاف مستلزمة للإلهية ويغفلون عن كونها موجودة فى من لا يقولون بأنه إله ) ثم انظر أنى يؤفكون ( أى كيف يصرفون عن الحق بعد هذا البيان يقال أفكه يأفكه إذا صرفه وكرر الأمر بالنظر للمبالغة في التعجيب وجاء بثم لإظهار ما بين العجبين من التفاوت
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال جاء نافع ابن حارثة وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حرملة فقالوا يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التوراة وتشهد أنها من الله حق فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بلى ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق وكفرتم منها بما أمرتم أن تبينوه للناس فبرئت من أحداثكم فقالوا فإنا نؤخذ بما فى أيدينا وإنا على الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا نتبعك فأنزل الله فيهم ) قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل ( إلى قوله ) القوم الكافرين ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن فى قوله ) وحسبوا ألا تكون فتنة ( ) وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا ( قال بلاء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدى نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة (


"""""" صفحة رقم 65 """"""
قال النصارى يقولون ) إن الله ثالث ثلاثة ( وكذبوا وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال تفرقت بنو إسرائيل ثلاث فرق فى عيسى فقالت فرقه هو الله وقالت فرقة هو ابن الله وقالت فرقة هو عبد الله وروحه وهى المقتصدة وهى مسلمة أهل الكتاب
سورة المائدة الآية ( 76 81 )
المائدة : ( 76 ) قل أتعبدون من . . . . .
أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم هذا القول إلزاما لهم وقطعا لشبهتهم أى أتعبدون من دون الله متجاوزين إياه ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا بل هو عبد مأمور وما جرى على يده من النفع أو دفع من الضر فهو بإقدار الله له وتمكينه منه وأما هو فهو يعجز عن أن يملك لنفسه شيئا من ذلك فضلا عن أن يملكه لغيره ومن كان لا ينفع ولا يضر فكيف تتخذونه إلها وتعبدونه وأى سبب يقتضي ذلك والمراد هنا المسيح عليه السلام وقدم سبحانه الضر على النفع لأن دفع المفاسد أهم من جلب المصالح ) والله هو السميع العليم ( أى كيف تعبدون ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والحال أن الله هو السميع العليم ومن كان كذلك فهو القادر على الضر والنفع لإحاطته بكل مسموع ومعلوم ومن جملة ذلك مضاركم ومنافعكم
المائدة : ( 77 ) قل يا أهل . . . . .
قوله ) تغلوا في دينكم ( لما أبطل سبحانه جميع ما تعلقوا به من الشبه الباطلة نهاهم عن اللغو فى دينهم وهو المجاوزة للحد كإثبات الإلهية لعيسى كما يقوله النصارى أو حطه عن مرتبته العلية كما يقوله اليهود فإن كل ذلك من الغلو المذموم وسلوك طريقة الإفراط أو التفريط واختيارهما على طريق الصواب ) وغير ( منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف أى غلوا غير غلو الحق وأما الغلو فى الحق بإبلاغ كلية الجهد فى البحث عنه واستخراج حقائقه فليس بمذموم وقيل إن النصب على الاستثناء المتصل وقيل على المنقطع ) ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ( وهم أسلاف أهل الكتاب من طائفتي اليهود والنصارى أى قبل البعثة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ) وأضلوا كثيرا ( من الناس ) وضلوا عن سواء السبيل ( أى عن قصدهم طريق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بعد البعثة والمراد أن أسلافهم ضلوا من قبل البعثة وأضلوا كثيرا من الناس إذ ذاك وضلوا من بعد البعثة إما بأنفسهم أو جعل ضلال من أضلوه ضلالا لهم لكونهم سنوا لهم ذلك ونهجوه لهم وقيل المراد بالأول كفرهم بما


"""""" صفحة رقم 66 """"""
يقتضيه العقل وبالثاني كفرهم بما يقتضيه الشرع
المائدة : ( 78 ) لعن الذين كفروا . . . . .
قوله ) لعن الذين كفروا من بني إسرائيل ( أي لعنهم الله سبحانه ) على لسان داود وعيسى ابن مريم ( أي في الزبور والإنجيل على لسان داود وعيسى بما فعلوه من المعاصي كاعتدائهم فى السبت وكفرهم بعيسى قوله ) ذلك بما عصوا ( جملة مستأنفة جواب عن سؤال مقدر والإشارة بذلك إلى اللعن أي ذلك اللعن بسبب المعصية والاعتداء لا بسبب آخر
المائدة : ( 79 ) كانوا لا يتناهون . . . . .
ثم بين سبحانه المعصية والاعتداء بقوله ) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ( فأسند الفعل إليهم لكون فاعله من جملتهم وإن لم يفعلوه جميعا والمعنى أنهم كانوا لا ينهون العاصي عن معاودة معصية قد فعلها أو تهيأ لفعلها ويحتمل أن يكون وصفهم بأنهم قد فعلوا المنكر باعتبار حالة النزول لا حالة ترك الإنكار وبيان العصيان والاعتداء بترك التناهي عن المنكر لأن من أخل بواجب النهي عن المنكر فقد عصى الله سبحانه وتعدى حدوده والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم القواعد الإسلامية وأجل الفرائض الشرعية ولهذا كان تاركه شريكا لفاعل المعصية ومستحقا لغضب الله وانتقامه كما وقع لأهل السبت فإن الله سبحانه مسخ من لم يشاركهم في الفعل ولكن ترك الإنكار عليهم كما مسخ المعتدين فصاروا جميعا قردة وخنازير ) إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ( ثم إن الله سبحانه قال مقبحا لعدم التناهي عن المنكر ) لبئس ما كانوا يفعلون ( أي من تركهم لإنكار ما يجب عليهم إنكاره
المائدة : ( 80 ) ترى كثيرا منهم . . . . .
) ترى كثيرا منهم ( أي من اليهود مثل كعب بن الأشرف وأصحابه ) يتولون الذين كفروا ( أي المشركين وليسوا على دينهم ) لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ( أي سولت وزينت أو ما قدموه لأنفسهم ليردوا عليه يوم القيامة والمخصوص بالذم هو ) أن سخط الله عليهم ( أي موجب سخط الله عليهم على حذف مضاف أو هو سخط الله عليهم على حذف المبتدإ وقيل هو أي أن سخط الله عليهم بدل من ما
المائدة : ( 81 ) ولو كانوا يؤمنون . . . . .
) ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي ( أي نبيهم ) وما أنزل إليه ( من الكتاب ) ما اتخذوهم ( أي المشركين ) أولياء ( لأن الله سبحانه ورسوله المرسل إليهم وكتابه المنزل عليهم قد نهوهم عن ذلك ) ولكن كثيرا منهم فاسقون ( أي خارجون عن ولاية الله وعن الإيمان به وبرسوله وبكتابه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) لا تغلوا في دينكم ( يقول لا تبتدعوا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال كانوا مما غلوا فيه أن دعوا لله صاحبة وولدا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وضلوا عن سواء السبيل ( قال يهود وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول له يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال ) لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود ( إلى قوله ) فاسقون ( ثم قال كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا فلا نطول بذكرها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود ( يعني في الزبور ) وعيسى ابن مريم ( يعني في الإنجيل وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك الغفاري في الآية قال لعنوا على لسان داود فجعلوا قردة وعلى لسان عيسى فجعلوا خنازير وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج الديلمى في مسند الفردوس عن أبي عبيدة بن الجراح مرفوعا قتلت


"""""" صفحة رقم 67 """"""
بنوا إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار فقام مائة واثنا عشر رجلا من عبادهم فأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا في آخر النهار فهم الذين ذكر الله ) لعن الذين كفروا من بني إسرائيل ( الآيات وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ( قال ما أمرتهم وأخرج ابن أبي حاتم والخرائطي في مساوى الأخلاق وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه عن حذيفة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال يا معشر المسلمين إياكم والزنا فإن فيه ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما التى في الدنيا فذهاب البهاء ودوام الفقر وقصر العمر وأما التى في الآخرة فسخط الله وسوء الحساب والخلود في النار ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ( قال ابن كثير في تفسيره هذا الحديث ضعيف على كل حال وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ( قال المنافقون
سورة المائدة الآية ( 82 86 )
المائدة : ( 82 ) لتجدن أشد الناس . . . . .
قوله ) لتجدن ( الخ هذه جملة مستأنفة مقررة لما قبلها من تعداد مساوى اليهود وهناتهم ودخول لام القسم عليها يزيدها تأكيدا وتقريرا والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له كما في غير هذا الموضع من الكتاب العزيز والمعنى في الآية أن اليهود والمشركين لعنهم الله أشد جميع الناس عداوة للمؤمنين وأصلبهم في ذلك وأن النصارى أقرب الناس مودة للمؤمنين واللام في ) للذين آمنوا ( في الموضعين متعلقة بمحذوف وقع صفة لعداوة ومودة وقيل هو متعلق بعداوة ومودة والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى كونهم أقرب مودة والباء في ) بأن منهم قسيسين ( للسببية أي ذلك بسبب أن منهم قسيسين وهو جمع قس وقسيس قاله قطرب والقسيس العالم وأصله من قس إذا تتبع الشيء وطلبه قال الراجز يصبحن عن قس الأذى غوافلا
وتقسست أصواتهم بالليل تسمعتها والقس النميمة والقس أيضا رئيس النصارى في الدين والعلم وجمعه قسوس أيضا وكذلك القسيس مثل الشر والشرير ويقال في جمع قسيس تكسيرا قساوسة بإبدال أحد لسينين واوا والأصل قساسة فالمراد بالقسيسين في الآية المتبعون للعلماء والعباد وهو إما عجمي خلطته العرب بكلامها أو عربي والرهبان جمع راهب كركبان وراكب


"""""" صفحة رقم 68 """"""
والفعل رهب الله يرهبه أي خافه والرهبانية والترهب التعبد في الصوامع قال أبو عبيد وقد يكون رهبان للواحد والجمع قال الفراء ويجمع رهبان إذا كان للمفرد رهبان ورهابين كقربان وقرابين وقد قال جرير في الجمع رهبان مدين لو رأوك ترهبوا
وقال الشاعر في استعمال رهبان مفردا
لو أبصرت رهبان دير في الجبل لانحدر الرهبان يسعى ونزل
ثم وصفهم الله سبحانه بأنهم لا يستكبرون عن قول الحق بل هم متواضعون بخلاف اليهود فإنهم على ضد ذلك وهذه الجملة معطوفة على الجملة التى قبلها
المائدة : ( 83 ) وإذا سمعوا ما . . . . .
) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ( معطوف على جملة ) وأنهم لا يستكبرون ( ) تفيض من الدمع ( أي تمتليء فتفيض لأن الفيض لا يكون إلا بعد الامتلاء جعل الأعين تفيض والفائض إنما هو الدمع قصد للمبالغة كقولهم دمعت عينه قال امرؤ القيس
ففاضت دموع العين مني صبابة على النحر حتى بل دمعي محملي
قوله ) مما عرفوا من الحق ( من الأولى لابتداء الغاية والثانية بيانية أي كان ابتداء الفيض ناشئا من معرفة الحق ويجوز أن تكون الثانية تبعيضيه وقرئ ) ترى أعينهم ( على البناء للمجهول وقوله ) يقولون ربنا آمنا ( استئناف مسوق لجواب سؤال مقدر كأنه قيل فما حالهم عند سماع القرآن فقال ) يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ( أي آمنا بهذا الكتاب النازل من عندك على محمد وبمن أنزلته عليه فاكتبنا مع الشاهدين على الناس يوم القيامة من أمة محمد أو مع الشاهدين بأنه حق أو مع الشاهدين بصدق محمد وأنه رسولك إلى الناس
المائدة : ( 84 ) وما لنا لا . . . . .
قوله ) وما لنا لا نؤمن بالله ( كلام مستأنف والاستفهام للاستبعاد ) ولنا ( متعلق بمحذوف و ) لا نؤمن ( في محل نصب في الحال والتقدير أي شيء حصل لنا حال كوننا لا نؤمن بالله وبما جاء من الحق والمعنى أنهم استبعدوا انتفاء الإيمان منهم مع وجود المقتضى له وهو الطمع في إنعام الله فالاستفهام والنفي متوجهان إلى القيد والمقيد جميعا كقوله تعالى ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( والواو في ) ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ( للحال أيضا بتقدير مبتدإ أي أي شيء حصل لنا غير مؤمنين ونحن نطمع في الدخول مع الصالحين فالحال الأولى والثانية صاحبهما الضمير في ) لنا ( وعاملهما الفعل المقدر أي حصل ويجوز أن تكون الحال الثانية من الضمير في ) نؤمن ( والتقدير وما لنا نجمع بين ترك الإيمان وبين الطمع في صحبة الصالحين
المائدة : ( 85 ) فأثابهم الله بما . . . . .
قوله ) فأثابهم الله بما قالوا ( الخ أثابهم على هذا القول مخلصين له معتقدين لمضمونه
المائدة : ( 86 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
قوله ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( التكذيب بالآيات كفر فهو من باب عطف الخاص على العام والجحيم النار الشديدة الإيقاد ويقال جحم فلان النار إذا شدد إيقادها ويقال أيضا لعين الأسد جحمة لشدة اتقادها
قال الشاعر
والحرب لا تبقى لجاحمها التحيل والمزاح
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ولتجدن أقربهم مودة ( الآية قال هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما خلا يهودي بمسلم إلا هم بقتله وفى لفظ إلا حدث نفسه بقتله قال ابن كثير وهو غريب جدا وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال ما ذكر الله به النصارى من خير فإنما يراد به النجاشي وأصحابه وأخرج أبو الشيخ عنه قال هم ناس من الحبشة آمنوا إذا جاءتهم مهاجرة المؤمنين فذلك لهم وأخرج النسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن


"""""" صفحة رقم 69 """"""
عبد الله بن الزبير قال نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه ) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والواحدي من طريق ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعروة بن الزبير قالوا بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عمرو بن أمية الضمري وكتب معه كتابا إلى النجاشي فقدم عل النجاشي فقرأ كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه وأرسل النجاشي إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم ثم أمر جعفر بن أبي طالب أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ عليهم سورة مريم فآمنوا بالقرآن وفاضت أعينهم من الدمع وهم الذين أنزل الله فيهم ) ولتجدن أقربهم مودة ( إلى قوله ) من الشاهدين (
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعيد بن جبير في الآية قال هم رسل النجاشي بإسلامه وإسلام قومه كانوا سبعين رجلا يختارهم من قومه الخير فالخير في الفقه والسن وفى لفظ نعت من خيار أصحابه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثين رجلا فلما أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دخلوا عليه فقرأ عليهم سورة يس فبكوا حين سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق فأنزل الله فيهم ) ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ( الآية ونزلت هذه الآية فيهم أيضا ) الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ( إلى قوله ) أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ( وأخرج عبد بن حميد والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس نحوه بدون ذكر العدد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال بعث النجاشي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اثنى عشر رجلا سبعة قسيسين وخمسة رهبانا ينظرون إليه ويسألونه فلما لقوه فقرأ عليهم ما أنزل الله بكوا وآمنوا فأنزل الله فيهم ) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ( الآية والروايات في هذا الباب كثيرة وهذا المقدار يكفى فليس المراد إلا بيان سبب نزول الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) قسيسين ( قال هم علماؤهم وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال القسيسون عبادهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله ) فاكتبنا مع الشاهدين ( قال أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
سورة المائدة الآية ( 87 88 )
المائدة : ( 87 ) يا أيها الذين . . . . .
الطيبات هي المستلذات لما أحله الله لعباده نهى الذين آمنوا عن أن يحرموا على أنفسهم شيئا منها إما لظنهم أن في ذلك طاعة لله وتقربا إليه وأنه من الزهد في الدنيا فرفع النفس عن شهواتها أو لقصد أن يحرموا على أنفسهم شيئا مما أحله لهم كما يقع من كثير من العوام من قولهم حرام علي وحرمته على نفسي ونحو ذلك من الألفاظ التي تدخل تحت هذا النهي القرآني قال ابن جرير الطبري لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح ولذلك رد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) التبتل على عثمان بن مظعون
فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله الله لعباده وأن الفضل والبر إنما هو في فعل ما ندب الله عباده إليه وعمل به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسنه لأمته واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون إذ كان خير الهدى


"""""" صفحة رقم 70 """"""
هدى نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا كان ذلك كذلك تبين خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان إذا قدر على لباس ذلك من حله وآثر أكل الخشن من الطعام وترك اللحم وغيره حذرا من عارض الحاجة إلى النساء قال فإن ظن ظان أن الفضل في غير الذى قلنا لما في لباس الخشن وأكله من المشقة على النفس وصرف ما فضل بينهما من القيمة إلى أهل الحاجة فقد ظن خطأ وذلك أن الأولى بالإنسان صلاح نفسه وعونه لها على طاعة ربها ولا شيء أضر للجسم من المطاعم الردية لأنها مفسدة لعقله ومضعفة لأدواته التى جعلها الله سببا إلى طاعته قوله ) ولا تعتدوا ( أي لا تعتدوا على الله بتحريم طيبات ما أحل الله لكم أو لا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله عليكم أي تترخصوا فتحللوا حراما كما نهيتم عن التشديد على أنفسكم بتحريم الحلال وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن من حرم على نفسه شيئا مما أحله الله له فلا يحرم عليه ولا يلزمه كفارة وقال أبو حنيفة وأحمد ومن تابعهما إن من حرم شيئا صار محرما عليه وإذا تناوله لزمته الكفارة وهو خلاف ما في هذه الآية وخلاف ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة ولعله يأتي في سورة التحريم ما هو أبسط من هذا إن شاء الله وقوله ) إن الله لا يحب المعتدين ( تعليل لما قبله وظاهره أن تحريم كل اعتداء أي مجاوزة لما شرعه الله في كل أمر من الأمور
المائدة : ( 88 ) وكلوا مما رزقكم . . . . .
) وكلوا مما رزقكم الله ( حال كونه ) حلالا طيبا ( أي غير محرم ولا مستقذر أو أكلا حلالا طيبا أو كلوا حلالا طيبا مما رزقكم الله ثم وصاهم الله سبحانه بالتقوى فقال ) واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون )
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله إني إذا أكلت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوة وإني حرمت علي اللحم فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( وقد روى من وجه آخر مرسلا وروى موقوفا على ابن عباس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال نزلت في رهط من الصحابة قالوا نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك فقالوا نعم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لكني أصوم وأفطر وأصلى وأنام وأنكح النساء فمن أخذ بسنتي فهو مني ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني وقد ثبت نحو هذا في الصحيحين وغيرهما من دون ذكر أن ذلك سبب نزول الآية وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في المراسيل وابن جرير عن أبي مالك أن هؤلاء الرهط هم عثمان بن مظعون وأصحابه وفى الباب روايات كثيرة بهذا المعنى وكثير منها مصرح بأن ذلك سبب نزول الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أن عبد الله بن رواحة ضافه ضيف من أهله وهو عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارا له فقال لامرأته حبست ضيفي من أجلي هو حرام علي فقالت امرأته هو حرام علي فقال الضيف هو حرام علي فلما رأى ذلك وضع يده وقال كلوا بسم الله ثم ذهب إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد أصبت فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( وهذا أثر منقطع ولكن في صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه ما هو شبيه بهذا وأخرج ابن أبي حاتم عن مسروق قال كنا عند عبد الله فجيء بضرع فتنحى رجل فقال له عبد الله ادن فقال إني حرمت أن آكله فقال عبد الله ادن فاطعم وكفر عن يمينك وتلا هذه الآية وأخرجه أيضا الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه


"""""" صفحة رقم 71 """"""
سورة المائدة الآية ( 89 )
المائدة : ( 89 ) لا يؤاخذكم الله . . . . .
قد تقدم تفسير اللغو والخلاف فيه في سورة البقرة و ) في أيمانكم ( صلة ) يؤاخذكم ( قيل و ) في ( بمعنى من والإيمان جمع يمين وفى الآية دليل على أن أيمان اللغو لا يؤاخذ الله الحالف بها ولا تجب فيها الكفارة وقد ذهب الجمهور من الصحابة ومن بعدهم إلى أنها قول الرجل لا والله وبلى والله في كلامه غير معتقد لليمين وبه فسر الصحابة الآية وهم أعرف بمعاني القرآن قال الشافعي وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة قوله ) ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ( قريء بتشديد ) عقدتم ( وبتخفيفه وقريء ? عاقدتم ? والعقد على ضربين حسى كعقد الحبل وحكمى كعقد البيع واليمين والعهد قال الشاعر قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم
شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
فاليمين المعقدة من عقد القلب ليفعلن أو لا يفعلن في المستقبل أي ولكن يؤاخذكم بأيمانكم المعقدة الموثقة بالقصد والنية إذا حنثتم فيها وأما اليمين الغموس فهي يمين مكر وخديعة وكذب قد باء الحالف بإثمها وليست بمعقودة ولا كفارة فيها كما ذهب إليه الجمهور وقال الشافعي هي يمين معقودة لأنها مكتسبة بالقلب معقودة بخبر مقرونة باسم الله والراجح الأول وجميع الأحاديث الواردة في تكفير اليمين متوجهة إلى المعقودة ولا يدل شيء منها على الغموس بل ما ورد في الغموس إلا الوعيد والترهيب وإنها من الكبائر بل من أكبر الكبائر وفيها نزل قوله تعالى ) إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ( الآية قوله ) فكفارته ( الكفارة هي مأخوذة من التكفير وهو التستير وكذلك الكفر هو الستر والكافر هو الساتر لأنها تستر الذنب وتغطيه والضمير في كفارته راجع إلى ما في قوله ) بما عقدتم ( ) إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم ( المراد بالوسط هنا المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير وليس المراد به الأعلى كما في غير هذا الموضع أي أطعموهم من المتوسط مما تعتادون إطعام أهليكم منه ولا يجب عليكم أن تطعموهم من أعلاه ولا يجوز لكم أن تطعموهم من أدناه وظاهره أنه يجزئ إطعام عشرة حتى يشبعوا وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه قال لا يجزئ إطعام العشرة غداء دون عشاء حتى يغديهم ويعشيهم قال أبو عمر هو قول أئمة الفتوى بالأمصار وقال الحسن البصري وابن سيرين يكفيه أن يطعم عشرة مساكين أكلة واحدة خبزا وسمنا أو خبزا ولحما وقال عمر بن الخطاب وعائشة ومجاهد والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وميمون بن مهران وأبو مالك والضحاك والحكم ومكحول وأبو قلابة ومقاتل يدفع إلى كل واحد من العشرة نصف صاع من بر أو تمر وروي ذلك عن علي وقال أبو حنيفة نصف صاع بر وصاع مما عداه وقد أخرج ابن ماجه وابن مردويه عن ابن عباس قال كفر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بصاع من تمر وكفر الناس به ومن لم يجد فنصف صاع من بر وفى إسناده عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي وهو مجمع على ضعفه وقال الدارقطني متروك قوله ) أو كسوتهم (


"""""" صفحة رقم 72 """"""
عطف على إطعام قرئ بضم الكاف وكسرها وهما لغتان مثل أسوة وإسوة وقرأ سعيد بن جبير ومحمد بن السميفع اليماني ? أو كأسوتهم ? يعني كأسوة أهليكم والكسوة في الرجال تصدق على ما يكسو البدن ولو كان ثوبا واحدا وهكذا في كسوة النساء وقيل الكسوة للنساء درع وخمار وقيل المراد بالكسوة ما تجزئ به الصلاة قوله ) أو تحرير رقبة ( أي إعتاق مملوك والتحرير الإخراج من الرق ويستعمل التحرير في فك الأسير وإعفاء المجهود بعمل عن عمله وترك إنزال الضرر به ومنه قول الفرزدق أبنى غدانة أنني حررتكم
فوهبتكم لعطية بن جعال
أي حررتكم من الهجاء الذى كان سيضع منكم ويضر بإحسابكم
ولأهل العلم أبحاث في الرقبة التي تجريء في الكفارة وظاهر هذه الآية أنها تجزئ كل رقبة على أي صفة كانت وذهب جماعة منهم الشافعي إلى اشتراط الإيمان فيها قياسا على كفارة القتل ) فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ( أي فمن لم يجد شيئا من الأمور المذكورة فكفارته صيام ثلاثة أيام وقرئ متتابعات حكى ذلك عن ابن مسعود وأبى فتكون هذه القراءة مقيدة لمطلق الصوم وبه قال أبو حنيفة والثوري وهو أحد قول الشافعي وقال مالك والشافعي في قوله الآخر يجزئ التفريق ) ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ( أي ذلك المذكور كفارة أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم ثم أمرهم بحفظ الأيمان وعدم المسارعة إليها أو إلى الحنث بها والإشارة بقوله ) كذلك ( إلى مصدر الفعل المذكور بعده أي مثل ذلك البيان ) يبين الله لكم ( وقد تكرر هذا في مواضع من الكتاب العزيز ) لعلكم تشكرون ( ما أنعم به عليكم من بيان شرائعه وإيضاح أحكامه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لما نزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( في القوم الذين كانوا حرموا على أنفسهم النساء واللحم قالوا يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التى حلفنا عليها فأنزل الله ) لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ( وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في اللغو قال هو الرجل يحلف على الحلال وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال هما الرجلان يتبايعان يقول أحدهما والله لا أبيعك بكذا ويقول الآخر والله لا أشتريه بكذا وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن النخعي قال اللغو أن يصل كلامه بالحلف والله لتأكلن والله لتشربن ونحو هذا لا يريد به يمينا ولا يتعمد حلفا فهو لغو اليمين ليس عليه كفارة وقد تقدم الكلام في البقرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ( قال بما تعمدتم وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقيم كفارة اليمين مدا من حنطة وفى إسناده النضر بن زرارة بن عبد الكريم الذهلي الكوفي قال أبو حاتم مجهول وذكره ابن حبان في الثقات وقد تقدم حديث ابن عباس وتضعيفه وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت أبي بكر قالت كنا نعطى في كفارة اليمين بالمد الذى نقتات به وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال إني أحلف لا أعطى أقواما ثم يبدو لي فأعطيهم فأطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو نصف صاع من قمح وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس مثله وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق قال في كفارة اليمين مد من حنطة لكل مسكين


"""""" صفحة رقم 73 """"""
وأخرج هؤلاء إلا ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت مثله وأخرج هؤلاء أيضا عن ابن عمر مثله وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال تغديهم وتعشيهم إن شئت خبزا ولحما أو خبزا وزيتا أو خبزا وسمنا أو خبزا وتمرا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) من أوسط ما تطعمون أهليكم ( قال من عسركم ويسركم وأخرج ابن ماجه عنه قال الرجل يقوت أهله قوتا فيه سعة وكان الرجل يقوت أهله قوتا فيه شدة فنزلت ) من أوسط ما تطعمون أهليكم ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه نحو ذلك وأخرج الطبراني وابن مردويه عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) أو كسوتهم ( قال عباءة لكل مسكين قال ابن كثير حديث غريب وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال قلت يا رسول الله ) أو كسوتهم ( ما هو قال عباءة عباءة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال عباءة لكل مسكين أو شملة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال الكسوة ثوب أو إزار وأخرج ابن جرير والبيهقي فى سننه عن ابن عباس قال في كفارة اليمين هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة الأول فالأول فإن لم يجد من ذلك شيئا فصيام ثلاثة أيام متتابعات
وأخرج ابن مردويه عنه نحوه
سورة المائدة الآية ( 90 93 )
المائدة : ( 90 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا ( خطاب لجميع المؤمنين وقد تقدم تفسير الميسر في سورة البقرة ) والأنصاب ( هي الأصنام المنصوبة للعبادة ) والأزلام ( قد تقدم تفسيرها في أول هذه السورة والرجس يطلق على العذرة والأقذار وهو خبر للخمر وخبر المعطوف عليه محذوف وقوله ) من عمل الشيطان ( صفة لرجس أي كائن من عمل الشيطان بسبب تحسينه لذلك وتزيينه له وقيل هو الذى كان عمل هذه الأمور بنفسه فاقتدى به بنو آدم والضمير في ) فاجتنبوه ( راجع إلى الرجس أو إلى المذكور وقوله ) لعلكم تفلحون ( علة لما قبله قال في الكشاف أكد تحريم الخمر والميسر وجوها من التأكيد منها تصدير الجملة بإنما ومنها أنه قرنهما بعبادة الأصنام ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) شارب الخمر كعابد الوثن ومنها أنه جعلهما رجسا كما قال ) فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت ومنها أنه أمر بالاجتناب ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح وإذا كان الاجتناب فلاحا كان الارتكاب خيبة ومحقة


"""""" صفحة رقم 74 """"""
ومنها أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال وهو وقوع التعادى والتباغض بين أصحاب الخمر والقمر وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله وعن مراعاة أوقات الصلوات انتهى
وفى هذه الآية دليل على تحريم الخمر لما تضمنه الأمر بالاجتناب من الوجوب وتحريم الصد ولما تقرر في الشريعة من تحريم قربان الرجس فضلا عن جعله شرابا يشرب قال أهل العلم من المفسرين وغيرهم كان تحريم الخمر بتدريج ونوازل كثيرة لأنهم كانوا قد ألفوا شربها وحببها الشيطان إلى قلوبهم فأول ما نزل في أمرها ) يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ( فترك عند ذلك بعض من المسلمين شربها ولم يتركه آخرون ثم نزل قوله تعالى ) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( فتركها البعض أيضا وقالوا لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة وشربها البعض في غير أوقات الصلاة حتى نزلت هذه الآية ) إنما الخمر والميسر ( فصارت حراما عليهم حتى كان يقول بعضهم ما حرم الله شيئا أشد من الخمر وذلك لما فهموه من التشديد فيما تضمنته هذه الآية من الزواجر وفيما جاءت به الأحاديث الصحيحة من الوعيد لشاربها وأنها من كبائر الذنوب
وقد أجمع على ذلك المسلمون إجماعا لا شك فيه ولا شبهة وأجمعوا أيضا على تحريم بيعها والانتفاع بها ما دامت خمرا وكما دلت هذه الآية على تحريم الخمر دلت أيضا على تحريم الميسر والأنصاب والأزلام
المائدة : ( 91 ) إنما يريد الشيطان . . . . .
وقد أشارت هذه الآية إلى ما في الخمر والميسر من المفاسد الدنيوية بقوله ) إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء ( ومن المفاسد الدينيه بقوله ) ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ( قوله ) فهل أنتم منتهون ( فيه زجر بليغ يفيده الاستفهام الدال على التقريع والتوبيخ ولهذا قال عمر رضي الله عنه لما سمع هذا انتهينا
المائدة : ( 92 ) وأطيعوا الله وأطيعوا . . . . .
ثم أكد الله سبحانه هذا التحريم بقوله ) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ( أي مخالفتهما أي مخالفة الله ورسوله فإن هذا وإن كان أمرا مطلقا فالمجيء به في هذا الموضع يفيد ما ذكرناه من التأكيد وهكذا ما أفاده بقوله ) فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ( أي إن أعرضتم عن الامتثال فقد فعل الرسول ما هو الواجب عليه من البلاغ الذى فيه رشادكم وصلاحكم ولم تضروا بالمخالفة إلا أنفسكم وفى هذا من الزجر ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه
المائدة : ( 93 ) ليس على الذين . . . . .
قوله ) ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ( أي من المطاعم التى يشتهونها والطعم وإن كان استعماله في الأكل أكثر لكنه يجوز استعماله في الشرب ومنه قوله تعالى ) ومن لم يطعمه فإنه مني ( أباح الله سبحانه لهم في هذه الآية جميع ما طعموا كائنا ما كان مقيدا بقوله ) إذا ما اتقوا ( أي اتقوا ما هو محرم عليهم كالخمر وغيره من الكبائر وجميع المعاصي ) وآمنوا ( بالله ) وعملوا الصالحات ( من الأعمال التى شرعها الله لهم أي استمروا على عملها قوله ) ثم اتقوا ( عطف على اتقوا الأول أي اتقوا ما حرم عليهم بعد ذلك مع كونه كان مباحا فيما سبق ) وآمنوا ( بتحريمه ) ثم اتقوا ( ما حرم عليهم بعد التحريم المذكور قبله مما كان مباحا من قبل ) وأحسنوا ( أي عملوا الأعمال الحسنة هذا معنى الآية وقيل التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة وقيل إن التكرير باعتبار المراتب الثلاثة المبدأ والوسط والمنتهى وقيل إن التكرار باعتبار ما يتقيه الإنسان فإنه ينبغى له أن يترك المحرمات توقيا من العذاب والشبهات توقيا من الوقوع في الحرام وبعض المباحات حفظا للنفس عن الخسة وقيل إنه لمجرد التأكيد كما في قوله تعالى ) كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ( هذه الوجوه كلها مع قطع النظر عن سبب نزول الآية إما مع النظر إلى سبب نزولها وهو أنه لما نزل تحريم الخمر قال قوم من الصحابة كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر فنزلت فقد قيل إن المعنى


"""""" صفحة رقم 75 """"""
) اتقوا ( الشرك ) وآمنوا ( بالله ورسوله ) ثم اتقوا ( الكبائر ) وآمنوا ( أي ازدادوا إيمانا ) ثم اتقوا ( الصغائر ) وأحسنوا ( أي تنفلوا قال ابن جرير الطبري الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق والثالث الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال نزل في الخمر ثلاث آيات فأول شيء ) يسألونك عن الخمر والميسر ( الآية فقيل حرمت الخمر فقيل يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله فسكت عنهم ثم نزلت هذه الآية ) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( فقيل حرمت الخمر فقالوا يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة فسكت عنهم ثم نزلت ) يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر ( الآية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حرمت الخمر وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال حرمت الخمر ثلاث مرات وذكر نحو حديث ابن عمر فقال الناس يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فراشهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان فأنزل الله ) ليس على الذين آمنوا ( الآية وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال في نزل تحريم الخمر صنع رجل من الأنصار طعاما فدعا ناسا فأتوه فأكلوا وشربوا حتى انتشوا من الخمر وذلك قبل تحرم الخمر فتفاخروا فقالت الأنصار الأنصار خير من المهاجرين وقالت قريش قريش خير فأهوى رجل بلحي جمل فضرب على أنفي فأتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكرت ذلك له فنزلت هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ( الآية وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال أنزل تحريم الخمر في قبيلتين من الأنصار شربوا فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض فلما أن صحوا جعل يرى الرجل منهم الأثر بوجهه وبرأسه ولحيته فيقول صنع بي هذا أخي فلان وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن والله لو كان بي رءوفا رحيما ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن في قلوبهم فأنزل الله هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ( إلى قوله ) فهل أنتم منتهون ( فقال ناس من المتكلفين هي رجس وهي في بطن فلان قتل يوم بدر وفلان قتل يوم أحد فأنزل الله هذه الآية ) ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ( الآية وقد رويت في سبب النزول روايات كثيرة موافقة لما قد ذكرناه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال الميسر هو القمار كله وأخرج ابن مردويه عن وهب بن كيسان قال قلت لجابر متى حرمت الخمر قال بعد أحد وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال نزل تحريم الخمر في سورة المائدة بعد غزوة الأحزاب وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن عباس قال كل القمار من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال النرد والشطرنج من الميسر وأخرج عبد بن حميد عن علي قال الشطرنج ميسر الأعاجم وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم بن محمد أنه سئل عن النرد أهي من الميسر قال كل من ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من ميسر وأخرج عبد ابن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبيهقي في الشعب عنه أيضا أنه قيل له هذه النرد تكرهونها فما بال الشطرنج قال كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر وأخرجوا أيضا عن ابن الزبير قال يا أهل مكة بلغني عن رجال يلعبون بلعبة يقال لها النردشير والله يقول في كتابه ) يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر (


"""""" صفحة رقم 76 """"""
إلى قوله ) فهل أنتم منتهون ( وإني أحلف بالله لا أوتى بأحد يلعب بها إلا عاقبته في شعره وبشره وأعطيت سلبه من أتاني به وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن أنس قال الشطرنج من النرد بلغنا عن ابن عباس أنه ولى مال يتيم فأحرقها وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن عمير قال سئل ابن عمر عن الشطرنج فقال هي شر من النرد
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الملك بن عبيد قال رأى رجل من أهل الشام أنه يغفر لكل مؤمن في كل يوم اثنتى عشرة مرة إلا أصحاب الشاة يعني أصحاب الشطرنج وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي جعفر أنه سئل عن الشطرنج فقال تلك المجوسية فلا تلعبوا بها وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من لعب بالنردشير فقد عصى الله ورسوله وأخرج أحمد عن عبد الرحيم الخطمي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلى مثل الذى يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن عبد الله بن عمر قال اللاعب بالنرد قمارا كآكل لحم الخنزير واللاعب بها من غير قمار كالمدهن بودك الخنزير وأخرج ابن أبي الدنيا عن يحيى بن كثير قال مر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقوم يلعبون بالنرد فقال قلوب لاهية وأيدى عليلة وألسنة لاغية وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن قتادة قال الميسر القمار وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد قالوا كل شيء فيه قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن سيرين قال القمار من الميسر وأخرج بن أبي الدنيا وأبو الشيخ عنه قال ما كان من لعب فيه قمار أو قيام أو صياح أو شر فهو من الميسر وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن شريح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ثلاث من الميسر الصفير بالحمام والقمار والضرب بالكعاب
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأنصاب حجارة كانوا يذبحون لها والأزلام قداح كانوا يستقسمون بها الأمور وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال كانت لهم حصيات إذا أراد أحدهم أن يغزو أو يجلس استقسم بها وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الأزلام قال هي كعاب فارس التى يقتمرون بها وسهام العرب
وقد وردت أحاديث كثيرة في ذم الخمر وشاربها والوعيد الشديد عليه وأن كل مسكر حرام وهي مدونة في كتب الحديث فلا نطول المقام بذكرها فلسنا بصدد ذلك بل نحن بصدد ما هو متعلق بالتفسير
سورة المائدة الآية ( 94 95 )


"""""" صفحة رقم 77 """"""
سورة المائدة الآية ( 96 99 )
المائدة : ( 94 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) ليبلونكم ( أي ليختبرنكم واللام جواب قسم محذوف كان الصيد أحد معايش العرب فابتلاهم الله بتحريمه مع الإحرام وفى الحرم كما ابتلى بني إسرائيل أن لا يعتدوا في السبت وكان نزول الآية في عام الحديبية أحرم بعضهم وبعضهم لم يحرم فكان إذا عرض صيد اختلفت فيه أحوالهم
وقد اختلف العلماء في المخاطبين بهذه الآية هل هم المحلون أو المحرمون فذهب إلى الأول مالك وإلى الثاني ابن عباس والراجح أن الخطاب للجميع ولا وجه لقصره على البعض دون البعض ومن في ) من الصيد ( للتبعيض وهو صيد البر قاله ابن جرير الطبري وغيره وقيل إن من بيانية أي شيء حقير من الصيد وتنكير شيء للتحقير قوله ) تناله أيديكم ورماحكم ( قرأ ابن وثاب ) يناله ( بالياء التحتية هذه الجملة تقتضى تعميم الصيد وأنه لا فرق بين ما يؤخذ باليد وهو ما لا يطيق الفرار كالصغار والبيض وبين ما تناله الرماح وهو ما يطيق الفرار وخص الأيدى بالذكر لأنها أكثر ما يتصرف به الصائد في أخذ الصيد وخص الرماح بالذكر لأنها أعظم الآلات للصيد عند العرب قوله ) ليعلم الله من يخافه بالغيب ( أي ليتميز عند الله من يخافه منكم بسبب عقابه الأخروى فإنه غائب عنكم غير حاضر ) فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ( أي بعد هذا البيان الذى امتحنكم الله به لأن الاعتداء بعد العلم بالتحريم معاندة لله سبحانه وتجرئة عليه
المائدة : ( 95 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( نهاهم عن قتل الصيد في حال الإحرام وفى معناه غير ) محلي الصيد وأنتم حرم ( وهذا النهي شامل لكل أحد من ذكور المسلمين وإناثهم لأنه يقال رجل حرام وامرأة حرام والجمع حرم وأحرم الرجل دخل في الحرم قوله ) ومن قتله منكم متعمدا ( المتعمد هو القاصد للشيء مع العلم بالإحرام والمخطيء هو الذى يقصد شيئا فيصيب صيدا والناسي هو الذى يتعمد الصيد ولا يذكر إحرامه وقد استدل ابن عباس وأحمد في رواية وداود عنه باقتصاره سبحانه على العامد بأنه لا كفارة على غيره بل لا تجب إلا عليه وحده وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وأبو ثور وقيل إنها تلزم الكفارة المخطئ والناسى كما تلزم المتعمد وجعلوا قيد التعمد خارجا مخرج الغالب روى عن عمر والحسن والنخعي والزهري وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وروي عن ابن عباس وقيل إنه يجب التكفير على العامد الناسى لإحرامه وبه قال مجاهد قال فإن كان ذاكرا لإحرامه فقد حل ولا حج له لارتكابه محظور إحرامه فبطل عليه كما لو تكلم في الصلاة أو أحدث فيها قوله ) فجزاء مثل ما قتل من النعم ( أي فعليه جزاء مماثل لما قتله ومن النعم بيان للجزاء المماثل قيل المراد المماثلة في القيمة وقيل في الخلقة وقد ذهب إلى الأول أبو حنيفة وذهب إلى الثاني مالك والشافعي وأحمد والجمهور وهو الحق لأن البيان للماثل بالنعم يفيد ذلك وكذلك يفيده هديا بالغ الكعبة وروي عن أبي حنيفة أنه يجوز إخراج القيمة ولو وجد المثل وأن المحرم مخير وقرئ ) فجزاء مثل ما قتل ( وقرئ ) فجزاء مثل ( على إضافة جزاء إلى مثل


"""""" صفحة رقم 78 """"""
وقرئ ينصبهما على تقدير فليخرج جزاء مثل ما قتل وقرأ الحسن ) النعم ( بسكون العين تخفيفا ) يحكم به ( أي بالجزاء أو بمثل ما قتل ) ذوا عدل منكم ( أي رجلان معروفان بالعدالة بين المسلمين فإذا حكما بشئ لزم وإن اختلفا رجع إلى غيرهما ولا يجوز أن يكون الجاني أحد الحكمين وقيل يجوز وبالأول قال أبو حنيفة وبالثاني قال الشافعي في أحد قوليه وظاهر الآية تقتضى حكمين غير الجاني قوله ) هديا بالغ الكعبة ( نصب هديا على الحال أو البدل من مثل و ) بالغ الكعبة ( صفة لهديا لأن الإضافة غير حقيقية والمعنى أنهما إذا حكما بالجزاء فإنه يفعل به ما يفعل بالهدي من الإرسال إلى مكة والنحر هنالك والإشعار والتقليد ولم يرد الكعبة بعينها فإن الهدى لا يبلغها وإنما أراد الحرم ولا خلاف في هذا قوله ) أو كفارة ( معطوف على محل من النعم وهو الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف و ) طعام مساكين ( عطف بيان لكفارة أو بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف ) أو عدل ذلك ( معطوف على طعام وقيل هو معطوف على جزاء وفيه ضعف فالجاني مخير بين هذه الأنواع المذكورة وعدل الشيء ما عادله من غير جنسه و ) صياما ( منصوب على التمييز وقد قرر العلماء عدل كل صيد من الإطعام والصيام وقد ذهب إلى أن الجاني يخير بين الأنواع المذكورة جمهور العلماء وروي عن ابن عباس أنه لا يجزئ المحرم الإطعام والصوم إلا إذا لم يجد الهدى والعدل بفتح العين وكسرها لغتان وهم الميل قاله الكسائي وقال الفراء عدل الشيء بكسر العين مثله من جنسه وبفتح العين مثله من غير جنسه وبمثل قول الكسائي قال البصريون قوله ) ليذوق وبال أمره ( عليه لإيجاب الجزاء أي أوجبنا ذلك عليه ليذوق وبال أمره والذوق مستعار لإدراك المشقة ومثله ) ذق إنك أنت العزيز الكريم ( والوبال سوء العاقبة والمرعى الوبيل الذى يتأذى به بعد أكله وطعام وبيل إذا كان ثقيلا قوله ) عفا الله عما سلف ( يعنى في جاهليتكم من قتلكم للصيد وقيل عما سلف قبل نزول الكفارة ) ومن عاد ( إلى ما نهيتم عنه من قتل الصيد بعد هذا البيان ) فينتقم الله منه ( خبر مبتدأ محذوف أي فهو ينتقم الله منه قيل المعنى إن الله ينتقم منه في الآخرة فيعذبه بذنبه وقيل ينتقم منه بالكفارة قال شريح وسعيد بن جبير يحكم عليه في أول مرة فإذا عاد لم يحكم عليه بل يقال له اذهب ينتقم الله منك أي ذنبك أعظم من أن يكفر
المائدة : ( 96 ) أحل لكم صيد . . . . .
قوله ) أحل لكم صيد البحر ( الخطاب لكل مسلم أو للمحرمين خاصة وصيد البحر ما يصاد فيه والمراد بالبحر هنا كل ماء يوجد فيه صيد بحري وإن كان نهرا أو غديرا قوله ) وطعامه متاعا لكم وللسيارة ( الطعام لكل ما يطعم وقد تقدم وقد اختلف في المراد به هنا فقيل هو ما قذف به البحر وطفا عليه وبه قال كثير من الصحابة والتابعين وقيل طعامه ما ملح منه وبقى وبه قال جماعة وروي عن ابن عباس وقيل طعامه ملحه الذى ينعقد من مائه وسائر ما فيه من نبات وغيره وبه قال قوم وقيل المراد به ما يطعم من الصيد أي ما يحل أكله وهو السمك فقط وبه قالت الحنفية والمعنى أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر وأحل لكم المأكول منه وهو السمك فيكون التخصيص بعد التعميم وهو تكلف لا وجه له ونصب ) متاعا ( على أنه مصدر أي متعمم به متاعا وقيل مفعول له مختص بالطعام أي أخل لكم طعام البحر متاعا وهو تكلف جاء به من قال بالقول الأخير بل إذا كان مفعولا له كان من الجميع أي أحل لكم مصيد البحر وطعامه تمتيعا لكم أي لمن كان مقيما منكم يأكله طريا ) وللسيارة ( أي المسافرين منكم يتزودونه ويجعلونه قديرا وقيل السيارة هم الذين يركبونه خاصة قوله ) وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ( أي حرم عليكم ما يصاد في البر ما دمتم محرمين وظاهرة تحريم صيده على المحرم ولو كان الصائد حلالا وإليه ذهب الجمهور إن كان حلالا صاده للمحرم لا إذا لم يصده لأجله وهو القول الراجح


"""""" صفحة رقم 79 """"""
وبه يجمع بين الأحاديث وقيل إنه يحل له مطلقا وإليه ذهب جماعة وقيل يحرم عليه مطلقا وإليه ذهب آخرون وقد بسطنا هذا في شرحنا للمنتقي قوله ) واتقوا الله الذي إليه تحشرون ( أي اتقوا الله فيما نهاكم عنه الذى إليه تحشرون لا إلى غيره وفيه تشديد ومبالغة في التحذير وقرىء ) وحرم عليكم صيد البر ( بالبناء للفاعل وقرىء ) ما دمتم ( بكسر الدال
المائدة : ( 97 ) جعل الله الكعبة . . . . .
قوله ) جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس ( جعل هنا بمعنى خلق وسميت الكعبة كعبة لأنها مربعة والتكعيب التربيع وأكثر بيوت العرب مدورة لا مربعة وقيل سميت كعبة لنتوئها وبروزها وكل بارز كعب مستديرا كان أو غير مستدير ومنه كعب القدم وكعوب القنا وكعب ثدي المرأة و ) البيت الحرام ( عطف بيان وقيل مفعول ثان ولا وجه له وسمي بيتا لأن له سقوفا وجدرا وهي حقيقة البيت وإن لم يكن به ساكن وسمي حراما لتحريم الله سبحانه إياه وقوله ) قياما للناس ( كذا قرأ الجمهور وقرأ ابن عامر ) قيما ( وهو منصوب على أنه المفعول الثاني إن كان جعل هو المتعدي إلى مفعولين وإن كان بمعنى خلق كما تقدم فهو منتصب على الحال ومعنى كونه قياما أنه مدار لمعاشهم ودينهم أي يقومون فيه بما يصلح دينهم ودنياهم يأمن فيه خائفهم وينصر فيه ضعيفهم ويربح فيه تجارهم ويتعبد فيه متعبدهم قوله ) والشهر الحرام ( عطف على الكعبة وهو ذو الحجة وخصه من بين الأشهر الحرم لكونه زمان تأدية الحج وقيل هو اسم جنس والمراد به الأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب فإنهم كانوا لا يطلبون فيها دما ولا يقاتلون بها عدوا ولا يهتكون فيها حرمة فكانت من هذه الحيثية قياما للناس ) والهدي والقلائد ( أي وجعل الله الهدى والقلائد قياما للناس والمراد بالقلائد ذوات القلائد من الهدى ولا مانع من أن يراد بالقلائد أنفسها والإشارة بذلك إلى الجعل أي ذلك الجعل ) لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ( أي لتعلموا أن الله يعلم تفاصيل أمر السموات والأرض ويعلم مصالحكم الدينية والدنيوية فإنها من جملة ما فيهما فكل ما شرعه لكم فهو جلب لمصالحكم ودفع لما يضركم ) وأن الله بكل شيء عليم ( هذا تعميم بعد التخصيص
المائدة : ( 98 ) اعلموا أن الله . . . . .
ثم أمرهم بأن يعلموا بأن الله لمن انتهك محارمه ولم يتب عن ذلك شديد العقاب وأنه لمن تاب وأناب غفور رحيم
المائدة : ( 99 ) ما على الرسول . . . . .
ثم أخبرهم أن ما على رسوله إلا البلاغ لهم فإن لم يمتثلوا ويطيعوا فما ضروا إلا أنفسهم وما جنوا إلا عليها وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد فعل ما يجب عليه وقام بما أمره الله به
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) ومن قتله منكم متعمدا ( قال إن قتله متعمدا أو ناسيا أو خطأ حكم عليه فإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة إلا أن يعفو الله عنه وفى قوله ) فجزاء مثل ما قتل من النعم ( قال إذا قتل المحرم شيئا من الصيد حكم عليه فيه فإن قتل ظبيا أو نحوه فعليه شاة تذبح بمكة فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فإن قتل أيلا ونحوه فعليه بقرة فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينا فإن لم يجد صام عشرين يوما وإن قتل نعامه أو حمار وحش أو نحوه فعليه بدنة فإن لم يجد أطعم ستين مسكينا فإن لم يجد صام ثلاثين يوما والطعام مد مد يشبعهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن الحكم أن عمر كتب أن يحكم عليه في الخطأ والعمد وأخرجا نحوه عن عطاء
وقد روى نحو هذا عن جماعات من السلف من غير فرق بين العامد والخاطيء والناسي وروي عن آخرين اختصاص ذلك بالعامد
وللسلف فى تقدير الجزاء المماثل وتقدير القيمة أقوال مبسوطة في مواطنها وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال في بيضة النعام
صيام يوم أو إطعام مسكين وأخرج ابن أبي شيبة عن


"""""" صفحة رقم 80 """"""
عبد الله بن ذكوان عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مثله وأخرج أيضا عن عائشة عنه ( صلى الله عليه وسلم ) نحوه وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه من طريق أبي المهزم عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال في بيض النعام ثمنه وقد استثنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من حيوانات الحرم الخمس الفواسق كما ورد ذلك في الأحاديث فإنه يجوز للمجرم أن يقتلها ولا شيء عليه وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله تعالى ) أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ( ما لفظه ميتا فهو طعامه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة موقوفا مثله وأخرج أبو الشيخ عن أبي بكر الصديق نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة أن أبا بكر الصديق قال في قوله ) أحل لكم صيد البحر وطعامه ( قال صيد البحر ما تصطاده أيدينا وطعامه مالاثه البحر وفى لفظ طعامه كل ما فيه وفى لفظ طعامه ميتته ويؤيد هذا ما في الصحيحين من حديث العنبرة التى ألقاها البحر فأكل الصحابة منها وقررهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ذلك وحديث هو الطهور ماؤه والحل ميتته
وحديث أحل لكم ميتتان ودمان وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس ( قال قياما لدينهم ومعالم حجهم وأخرج ابن جرير عنه قال قيامها أن يأمن من توجه إليها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال جعل الله الكعبة البيت الحرام والشهر الحرام قياما للناس يأمنون به في الجاهلية الأولى لا يخاف بعضهم من بعض حين يلقونهم عند البيت أو في الحرم أو في الشهر الحرام وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ( قال حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية فكان الرجل لو جر كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول ولم يقرب وكان الرجل لو لقى قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه وكان الرجل لو لقى الهدى مقلدا وهو يأكل العصب من الجوع لم يعرض له ولم يقربه وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادة من شعر فحمته ومنعته من الناس وكان إذا نفر تقلد قلادة من الاذخر أو من السمر فتمنعه من الناس حتى يأتى أهله حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم ) قياما للناس ( قال أمنا
سورة المائدة الآية ( 100 104 )


"""""" صفحة رقم 81 """"""
المائدة : ( 100 ) قل لا يستوي . . . . .
قيل المراد بالخبيث والطيب الحرام والحلال وقيل المؤمن والكافر وقيل العاصي والمطيع وقيل الرديء والجيد والأولى أن الاعتبار بعموم اللفظ فيشمل هذه المذكورات وغيرها مما يتصف بوصف الخبث والطيب من الأشخاص والأعمال والأقوال فالخبيث لا يساوي الطيب بحال من الأحوال قوله ) ولو أعجبك كثرة الخبيث ( قيل الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل لكل مخاطب يصلح لخطابه بهذا والمراد نفي الاستواء في كل الأحوال ولو في حال كون الخبيث معجبا للرائي للكثرة التي فيه فإن هذه الكثرة مع الخبيث في حكم العدم لأن خبث الشيء يبطل فائدته ويمحق بركته ويذهب بمنفعته والواو إما للحال أو للعطف على مقدر أي لا يستوي الخبيث والطيب لو لم تعجبك كثرة الخبيث ولو أعجبك كثرة الخبيث كقولك أحسن إلى فلان وإن أساء إليك أي أحسن إليه إن لم يسئ إليك وإن أساء إليك وجواب لو محذوف أي ولو أعجبك كثرة الخبيث فلا يستويان
المائدة : ( 101 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ( أي لا تسألوا عن أشياء لا حاجة لكم بالسؤال عنها ولا هي مما يعنيكم في أمر دينكم فقوله ) إن تبد لكم تسؤكم ( في محل جد صفة لأشياء أي لا تسألوا عن أشياء متصفة بهذه الصفة من كونها إذا بدت لكم أي ظهرت وكلفتم بها ساءتكم نهاهم الله عن كثرة مساءلتهم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن السؤال عما لا يعنى ولا تدعو إليه حاجة قد يكون سببا لإيجابه على السائل وعلى غيره قوله ) وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ( هذه الجملة من جملة صفة أشياء
والمعنى لا تسألوا عن أشياء إن تسألوا عنها حين ينزل القرآن وذلك مع وجود رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين أظهركم ونزول الوحي عليه ) تبد لكم ( أي تظهر لكم بما يجيب عليكم به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو ينزل به الوحي فيكون ذلك سببا للتكاليف الشاقة وإيجاب ما لم يكن واجبا وتحريم ما لم يكن محرما بخلاف السؤال عنها بعد انقطاع الوحي بموت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه لا إيجاب ولا تحريم يتسبب عن السؤال
وقد ظن بعض أهل التفسير أن الشرطية الثانية فيها إباحة السؤال مع وجود رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونزول الوحي عليه فقال إن الشرطية الأولى أفادت عدم جواز السؤال والثانية أفادت جوازه فقال إن المعنى وإن تسألوا عن غيرها مما مست إليه الحاجة تبد لكم بجواب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عنها وجعل الضمير في ) عنها ( راجعا إلى أشياء غير الأشياء المذكورة وجعل ذلك كقوله ) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ( وهو آدم ثم قال ) ثم جعلناه نطفة ( أي ابن آدم قوله ) عفا الله عنها ( أي عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى ذلك وقيل المعنى إن تلك الأشياء التى سألتم عنها هى مما عفا عنه ولم يوجبه عليكم فكيف تتسببون بالسؤال لإيجاب ما هو عفو من الله غير لازم وضمير ) عنها ( عائد إلى المسألة الأولى وإلى أشياء على الثاني على أن تكون جملة ) عفا الله عنها ( صفة ثالثة لأشياء والأول أولى لأن الثاني يستلزم أن يكون ذلك المسئول عنه قد شرعه الله ثم عفا عنه ويمكن أن يقال إن العفو بمعنى الترك أي تركها الله ولم يذكرها بشيء فلا تبحثوا عنها وهذا معنى صحيح لا يستلزم ذلك اللازم الباطل ثم جاء سبحانه بصيغة المبالغة في كونه غفورا حليما ليدل بذلك على أنه لا يعاجل من عصاه بالعقوبة لكثرة مغفرته وسعة حلمه
المائدة : ( 102 ) قد سألها قوم . . . . .
قوله ) قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين (


"""""" صفحة رقم 82 """"""
الضمير يرجع إلى المسألة المفهومة من ) لا تسألوا ( لكن ليست هذه المسألة بعينها بل مثلها في كونها مما لا حاجة إليه ولا توجبه الضرورة الدينية ثم لم يعملوا بها بل أصبحوا بها كافرين أي ساترين لها تاركين للعمل بها وذلك كسؤال قوم صالح الناقة وأصحاب عيسى المائدة ولا بد من تقييد النهي في هذه الآية بما لا تدعو إليه حاجة كما قدمنا لأن الأمر الذى تدعو الحاجة إليه في أمور الدين والدنيا قد أذن الله بالسؤال عنه فقال ) فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( وقال ( صلى الله عليه وسلم ) قاتلهم الله ألا سألوا فإنما شفاء العي السؤال
المائدة : ( 103 ) ما جعل الله . . . . .
قوله ) ما جعل الله من بحيرة ( هذا كلام مبتدأ يتضمن الرد على أهل الجاهلية فيما ابتدعوه وجعل ههنا بمعنى سمى كما قال ) إنا جعلناه قرآنا عربيا ( والبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة كالنطيحة والذبيحة وهي مأخوذة من البحر وهو شق الأذن قال ابن سيده البحيرة هى التى خليت بلا راع قيل هي التى تجعل درها للطواغيت فلا يحتلبها أحد من الناس وجعل شق أذنها علامة لذلك وقال الشافعي كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن إناثا بحرت أذنها فحرمت وقيل إن الناقة إذا نتجت خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكرا بحروا أذنه فأكله الرجال والنساء وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها وكانت حراما على النساء لحمها ولبنها وقيل إذا نتجت الناقة خمسة أبطن من غير تقييد بالإناث شقوا أذنها وحرموا ركوبها ودرها والسائبة الناقة تسبب أو البعير يسيب نذر على الرجل إن سلمه الله من مرض أو بلغه منزلة فلا يحبس عن رعى ولا ماء ولا يركبه أحد قال أبو عبيد قال الشاعر وسائبة لله تنمى تشكرا
إن الله عافا عامرا ومجاشعا
وقيل هي التى تسيب لله فلا قيد عليها ولا راعى لها ومنه قول الشاعر عقرتم ناقة كانت لربي
مسيبة فقوموا للعقاب
وقيل هى التى تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر فعند ذلك لا يركب ظهرها ولا يجز وبرها ولا يشرب لبنها إلا ضيف وقيل كانوا يسيبون العبد فيذهب حيث يشاء لا يد عليه لأحد والوصيلة قيل هى الناقة إذا ولدت أنثى بعد أنثى وقيل هى الشاة كانت إذا ولدت أنثى فهي لهم وإن ولدت ذكرا فهو لآلهتهم وإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم وقيل كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا فإن كان السابع ذكرا ذبح فأكل منه الرجال والنساء وإن كانت أنثى تركت في الغنم وإن كان ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبح لمكانها وكان لحمها حراما على النساء إلا أن يموت فيأكلها الرجال والنساء
والحام الفحل الحامي ظهره عن أن يركب وكانوا إذا ركب ولد الفحل قالوا حمى ظهره فلا يركب قال الشاعر حماها أبو قابوس في عز ملكه
كما قد حمى أولاد أولاده الفحل
وقيل هو الفحل إذا نتج من صلبه عشرة قالوا قد حمى ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلأ ولا ماء ثم وصفهم الله سبحانه بأنهم ما قالوا ذلك إلا افتراء على الله وكذبا لا لشرع شرعه الله لهم ولا لعقل دلهم عليه وسبحان الله العظيم ما أرك عقول هؤلاء وأضعفها يفعلون هذه الأفاعيل التى هى محض الرقاعة ونفس الحمق
المائدة : ( 104 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ( وهذه أفعال آبائهم وسننهم التى سنوها لهم وصدق الله سبحانه حيث يقول ) أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ( أي ولو كانوا جهلة ضالين والواو للحال دخلت عليها همزة الاستفهام وقيل للعطف على جملة مقدرة أي أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم وقد تقدم الكلام على مثل هذه الآية في البقرة وقد صارت هذه المقالة التى قالتها الجاهلية نصب أعين


"""""" صفحة رقم 83 """"""
المقلدة وعصاهم التي يتوكئون عليها إن دعاهم داعي الحق وصرخ لهم صارخ الكتاب والسنة فاحتجاجهم بمن قلدوه ممن هو مثلهم في التعبد بشرع الله مع مخالفة قوله لكتاب الله أو لسنة رسوله هو كقول هؤلاء وليس الفرق إلا في مجرد العبارة اللفظية لا في المعنى الذى عليه تدور الإفادة والاستفادة اللهم غفرا
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال الخبيث هم المشركون والطيب هم المؤمنون وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال خطب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خطبة ما سمعت مثلها قط فقال رجل من أبي فقال فلان فنزلت هذه الآية ) لا تسألوا عن أشياء ( وأخرج البخاري وغيره نحوه من حديث ابن عباس وقد بين هذا السائل في روايات أخر أنه عبد الله بن حذافة وأنه قال من أبي قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أبوك حذافة وأخرج ابن حبان عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خطب فقال يا أيها الناس إن الله قد افترض عليكم الحج فقام رجل فقال أكل عام يا رسول الله فسكت عنه فأعادها ثلاث مرات فقال لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما قمتم بها ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وذلك أن هذه الآية أعني ) لا تسألوا عن أشياء ( نزلت في ذلك وقد أخرج عنه نحو هذا ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة الباهلي نحوه وأخرج ابن مردويه عن أبي مسعود نحوه أيضا وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس نحوه أيضا وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم وابن مردويه عن علي نحوه وكل هؤلاء صرحوا في أحاديثهم أن الآية نزلت في ذلك وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال كانوا يسألون عن الشيء وهو لهم حلال فما زالوا يسألون حتى يحرم عليهم وإذا حرم عليهم وقعوا فيه وأخرج ابن المنذر عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فيحرم من أجل مسألته وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وترك أشياء في غير نسيان ولكن رحمة لكم فاقبلوها ولا تبحثوا عنها وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) لا تسألوا عن أشياء ( قال البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعيد بن المسيب قال البحيرة التى يمنع درها للطواغيت ولا يحلبها أحد من الناس والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحلمل عليها شيء والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر والحامي فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال البحيرة الناقة إذا نتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس فإن كان ذكرا ونحوه فأكله الرجال دون النساء وإن كانت أنثى جدعوا آذانها فقالوا هذه بحيرة وأما السائبة فكانوا يسيبون من أنعامهم لآلهتهم لا يركبون لها ظهرا ولا يحلبون لها لبنا ولا يجزون لها وبرا ولا يحملون عليها شيئا وأما الوصيلة فالشاة إذا نتجت سبعة أبطن نظروا في السابع فإن كان ذكرا أو أنثى وهو ميت اشترك فيه الرجال دون النساء وإن كانت أنثى استحيوها وإن كان ذكرا أو أنثى في بطن استحيوهما وقالوا وصلته أخته فحرمته علينا وأما الحام فالفحل


"""""" صفحة رقم 84 """"""
من الأبل إذا ولد لولده قالوا حمى هذا ظهره فلا يحملون عليه شيئا ولا يجزون له وبرا ولا يمنعونه من حمى ولا من حوض يشرب منه وإن كان الحوض لغير صاحبه وأخرج نحوه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق العوفي
سورة المائدة الآية ( 105 )
المائدة : ( 105 ) يا أيها الذين . . . . .
أي الزموا أنفسكم أو احفظوها كما تقول عليك زيدا أي الزمه قرىء ) لا يضركم ( بالجزم على أنه جواب الأمر الذي يدل عليه اسم الفعل وقرأ نافع وغيره بالرفع على أنه مستأنف كقول الشاعر فقال رائدهم أرسوا نزاولها
أو علي أن ضم الراء للاتباع وقرئ ) لا يضركم ( بكسر الضاد وقرئ ? لا يضيركم ? والمعنى لا يضركم ضلال من ضل من الناس إذا اهتديتم للحق أنتم في أنفسكم وليس في الآية ما يدل على سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن من تركه مع كونه من أعظم الفروض الدينية فليس بمهتد وقد قال الله سبحانه ) إذا اهتديتم ( وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث المتكاثرة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوبا مضيقا متحتما فتحمل هذه الآية على من لا يقدر على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو لا يظن التأثير بحال من الأحوال أو يخشى على نفسه أن يحل به ما يضره ضررا يسوغ له معه الترك ) إلى الله مرجعكم ( يوم القيامة ) فينبئكم بما كنتم تعملون ( في الدنيا فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والدارقطني والضياء في المختارة وغيرهم عن قيس بن أبي حازم قال قام أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ( وإنكم تضعونها على غير مواضعها وإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أو شك أن يعمهم الله بعقاب وفى لفظ لابن جرير عنه والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله منه بعقاب وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجه وابن جرير والبغوي في معجمه وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي أمية الشعثاني قال أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له كيف تصنع في هذه الآية قال أية آية قلت قوله ) يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ( قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا سألت عنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم وفى لفظ قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم قال بل أجر خمسين منكم وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عامر الأشعري أنه كان فيهم أعمى فاحتبس على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أتاه فقال ما حبسك قال يا رسول الله قرأت هذه الآية ) أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم (


"""""" صفحة رقم 85 """"""
قال فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أين ذهبتم إنما هي لا يضركم من الكفار إذا اهتديتم وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ عن الحسن أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله ) عليكم أنفسكم ( فقال يا أيها الناس إنا ليس بزمانها إنها اليوم مقبولة ولكنه قد أوشك أن يأتي زمان تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا أو قال فلا يقبل منكم فيحنئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عنه في الآية قال مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما لم يكن من دون ذلك السوط والسيف فإذا كان كذلك فعليكم أنفسكم وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر أنه قال في هذه الآية إنها لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن رجل قال كنت في خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة في حلقة فيهم أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا فيهم شيخ حسبت أنه قال أبي كعب فقرأ ) عليكم أنفسكم ( فقال إنما تأويلها فى آخر الزمان وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن أبي مازن قال انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة فإذا قوم جلوس فقرأ أحدهم ) عليكم أنفسكم ( فقال أكثرهم لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم وأخرج ابن جرير عن جبير بن نفير قال كنت في حلقة فيها أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وإني لأصغر القوم فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقلت أليس الله يقول ) عليكم أنفسكم ( فأقبلوا علي بلسان واحد فقالوا تنزع آية من القرآن لا نعرفها ولا ندرى ما تأويلها حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت ثم أقبلوا يتحدثون فلما حضر قيامهم قالوا إنك غلام حدث السن وإنك نزعت آية لا ندري ما هي وعسى أن تدرك ذلك الزمان إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بنحو حديث أبي ثعلبة الخشني المتقدم وفى آخره كأجر خمسين رجلا منكم وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال ذكرت هذه الآية عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يجئ تأويلها لا يجيء تأويلها حتى يهبط عيسى ابن مريم عليه السلام والروايات في هذا الباب كثيرة وفيما ذكرناه كفاية ففيه ما يرشد إلى ما قدمناه من الجمع بين هذه الآية وبين الآيات والأحاديث الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


"""""" صفحة رقم 86 """"""
سورة المائدة الآية ( 106 108 )
هذه الآيات اصعب ما في القرآن إعرابا
قال مكي هذه الآيات الثلاث عند أهل المعاني من أشكل ما في القرآن إعرابا ومعنى وحكما قال ابن عطية هذا كلام من لم يقع له النتاج في تفسيرها وذلك بين من كتابه رحمه الله يعني من كتاب مكي قال القرطبي ما ذكره مكي ذكره أبو جعفر النحاس قبله أيضا قال السعد في حاشيته على الكشاف واتفقوا على أنها أصعب ما في القرآن إعرابا ونظما وحكما
المائدة : ( 106 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) شهادة بينكم ( أضاف الشهادة إلى البين توسعا لأنها جارية بينهم وقيل أصله شهادة ما بينكم فحذفت ما وأضيفت إلى الظرف كقوله تعالى ) بل مكر الليل والنهار ( ومنه قول الشاعر تصافح من لاقيت لي ذا عداوة
صفايا وعني بين عينيك منزوى
أراد ما بين عينيك ومثله قول الآخر ويوما شهدناه سليما وعامرا
أي شهدنا فيه ومنه قوله تعالى ) هذا فراق بيني وبينك ( قيل والشهادة هنا بمعنى الوصية وقيل بمعنى الحضور للوصية وقال ابن جرير الطبري هي هنا بمعنى اليمين فيكون المعنى يمين ما بينكم أن يحلف اثنان واستدل على ما قاله بأنه لا يعلم لله حكما يجب فيه على الشاهد يمين واختار هذا القول القفال وضعف ذلك ابن عطية واختار أن الشهادة هنا هي الشهادة التي تؤدى من الشهود قوله ) إذا حضر أحدكم الموت ( ظرف للشهادة والمراد إذا حضرت علاماته لأن من مات لا يمكنه الإشهاد وتقديم المفعول للاهتمام ولكمال تمكن الفاعل عند النفس وقوله ) حين الوصية ( ظرف لحضر أو للموت أو بدل من الظرف الأول وقوله ) اثنان ( خبر شهادة علي تقدير محذوف أي شهادة اثنين أو فاعل للشهادة على أن خبرها محذوف أي في فيما فرض عليكم شهادة بينكم اثنان على تقدير أن يشهد اثنان ذكر الوجهين أبو علي الفارسي قوله ) ذوا عدل منكم ( صفة للاثنان وكذا منكم أي كائنان منكم أي من أقاربكم ) أو آخران ( معطوف على ) اثنان ( و ) من غيركم ( صفة له أي كائنان من الأجانب وقيل إن الضمير في ) منكم ( للمسلمين وفى ) غيركم ( للكفار وهو الأنسب لسياق الآية وبه قال أبو موسى الأشعري وعبد الله ابن عباس وغيرهما فيكون في الآية دليل على جواز شهادة أهل الذمة على المسلمين في السفر في خصوص الوصايا كما يفيده النظم القرآني ويشهد له السبب للنزول وسيأتي فإذا لم يكن مع الموصى من يشهد على وصيته من المسلمين فليشهد رجلان من أهل الكفر فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حلفا بعد الصلاة أنهما ما كذبا ولا بدلا وأن ما شهدا به حق فيحكم حينئذ بشهادتهما
المائدة : ( 107 ) فإن عثر على . . . . .
) فإن عثر ( بعد ذلك ) على أنهما ( كذبا أو خانا حلف رجلان من أولياء الموصي وغرم الشاهدان الكافران ما ظهر عليهما من خيانة أو نحوها هذا معنى الآية عند من تقدم ذكره وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وسعيد بن جبير وأبو مجلز والنخعي وشريح وعبيدة السلماني وابن سيرين ومجاهد وقتادة والسدي والثوري وأبو عبيد وأحمد بن حنبل وذهب إلى الأول أعني تفسير ضمير ) منكم ( بالقرابة أو العشيرة وتفسير ) من غيركم ( بالأجانب الزهري والحسن وعكرمة وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم من الفقهاء أن الآية منسوخة واحتجوا بقوله ) ممن ترضون من الشهداء ( وقوله ) وأشهدوا ذوي عدل منكم ( والكفار ليسوا بمرضيين ولا عدول وخالفهم الجمهور فقال الآية محكمة وهو الحق لعدم وجود دليل صحيح يدل على النسخ وأما قوله تعالى ) ممن ترضون من الشهداء ( وقوله ) وأشهدوا ذوي عدل منكم ( فهما عامان في الأشخاص والأزمان والأحوال وهذه الآية خاصة بحالة الضرب في الأرض


"""""" صفحة رقم 87 """"""
وبالوصية وبحالة عدم الشهود المسلمين ولا تعارض بين عام وخاص قوله ) إن أنتم ( هو فاعل فعل محذوف يفسره ضربتم أو مبتدأ وما بعده خبره والأول مذهب الجمهور من النحاة والثاني مذهب الأخفش والكوفيين والضرب في الأرض هو السفر وقوله ) فأصابتكم مصيبة الموت ( معطوف على ما قبله وجوابه محذوف أي إن ضربتم في الأرض فنزل بكم الموت وأردتم الوصية ولم تجدوا شهودا عليها مسلمين ثم ذهبا إلا ورثتكم بوصيتكم وبما تركتم فارتابوا في أمرهما وادعوا عليهما خيانة فالحكم أن تحبسوهما ويجوز أن يكون استئنافا لجواب سؤال مقدر كأنهم قالوا فكيف نصنع إن ارتبنا في الشهادة فقال تحبسونهما من بعد الصلاة إن ارتبتم في شهادتهما
وخص بعد الصلاة أي صلاة العصر قاله الأكثر لكونه الوقت الذى يغضب الله على من حلف فيه فاجرا كما في الحديث الصحيح وقيل لكونه وقت اجتماع الناس وقعود الحكام للحكومة وقيل صلاة الظهر وقيل أي صلاة كانت قال أبو علي الفارسي ) تحبسونهما ( صفة لآخران واعترض بين الصفة والموصوف بقوله ) إن أنتم ضربتم في الأرض ( والمراد بالحبس توقيف الشاهدين في ذلك الوقت لتحلفيهما وفيه دليل على جواز الحبس بالمعنى العام وعلى جواز التغليظ على الحالف بالزمان والمكان ونحوهما قوله ) فيقسمان بالله ( معطوف على ) تحبسونهما ( أي يقسم بالله الشاهدان على الوصية أو الوصيان
وقد استدل بذلك ابن أبى ليلى على تحليف الشاهدين مطلقا إذا حصلت الريبة في شهادتهما وفيه نظر لأن تحليف الشاهدين هنا إنما هو لوقوع الدعوى عليهما بالخيانة أو نحوها قوله ) إن ارتبتم ( جواب هذا الشرط محذوف دل عليه ما تقدم كما سبق قوله ) لا نشتري به ثمنا ( جواب القسم والضمير في ) به ( راجع إلى الله تعالى والمعنى لا نبيع حظنا من الله تعالى بهذا العرض النزر فنحلف به كاذبين لأجل المال الذى ادعيتموه علينا وقيل يعود إلى القسم أي لا نستبدل بصحة القسم بالله عرضا من أعراض الدنيا وقيل يعود إلى الشهادة وإنما ذكر الضمير لأنها بمعنى القول أي لا نستبدل بشاهدتنا ثمنا قال الكوفيون المعنى ذا ثمن فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وهذا مبنى على أن العروض لا تسمى ثمنا وعند الأكبر أنها تسمى ثمنا كما تسمى مبيعا قوله ) ولو كان ذا قربى ( أي ولو كان المقسم له أو المشهود له قريبا فإنا نؤثر الحق والصدق ولا نؤثر العرض الدنيوي ولا القرابة وجواب لو محذوف لدلالة ما قبله عليه أي ولو كان ذا قربى لا نشترى به ثمنا قوله ) ولا نكتم شهادة الله ( معطوف على ) لا نشتري ( داخل معه في حكم القسم وأضاف الشهادة إلى الله سبحانه لكونه الآمر باقامتها والناهي عن كتمها قوله ) فإن عثر على أنهما استحقا إثما ( عثر على كذا اطلع عليه يقال عثرت منه على خيانة أي اطلعت وأعثرت غيري عليه ومنه قوله تعالى ) وكذلك أعثرنا عليهم ( وأصل العثور الوقوع والسقوط على الشيء ومنه قول الأعشى بذات لوث عصرناه إذ عثرت
فالتعس أولى لها من أن أقول لعا
والمعنى أنه إذا اطلع بعد التحليف على أن الشاهدين أو الوصيين استحقا إثما أي استوجبا إثما إما بكذب في الشهادة أو اليمين أو بظهور خيانة قال أبو علي الفارسي الإثم هنا الشيء المأخوذ لأن آخذه يأثم بأخذه فسمي إثما كما سمى ما يؤخذ بغير حق مظلمة وقال سيبويه المظلمة اسم ما أخذ منك فكذلك سمى هذا المأخوذ باسم المصدر قوله ) فآخران يقومان مقامهما ( أي فشاهدان آخران أو فحالفان آخران يقومان مقام الذين عثر على أنهما استحقا إثما فيشهدان أو يحلفان على ما هو الحق وليس المراد أنهما يحومان مقامهما في أداء الشهادة التى شهدها المستحقان للإثم قوله ) من الذين استحق عليهم الأوليان ( استحق مبني للمفعول في قراءة


"""""" صفحة رقم 88 """"""
الجمهور وقرأ علي وأبي وابن عباس وحفص على البناء للفاعل و ) الأوليان ( على القراءة الأولى مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هما الأوليان كأنه قيل من هما فقيل هما الأوليان وقيل هو بدل من الضمير في يقومان أو من آخران وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والأولين جمع أول على أنه بدل من الذين أو من الهاء والميم في عليهم وقرأ الحسن الأولان والمعنى عل بناء الفعل للمفعول من الذين استحق عليهم الإثم أي جنى عليهم وهم أهل الميت وعشيرته فإنهم أحق بالشهادة أو اليمين من غيرهم فالأوليان تثنية أولى والمعنى على قراءة البناء للفاعل من الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهروا بهما كذب الكاذبين لكونهما الأقربين إلى الميت فالأوليان فاعل استحق ومفعوله أن يجردوهما للقيام بالشهادة وقيل المفعول محذوف والتقدير من الذين استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها قوله ) فيقسمان بالله ( عطف على ) يقومان ( أي فيحلفان بالله لشهادتنا أي يميننا فالمراد بالشهادة هنا اليمين كما في قوله تعالى فشهادة احدكم أربع شهادات بالله أي يحلفان لشهادتنا على أنهما كاذبان خائنان أحق من شهادتهما أي من يمينهما على أنهما صادقان أمينان ) وما اعتدينا ( أي تجاوزنا الحق فى يميننا ) إنا إذا لمن الظالمين ( إن كنا حلفنا على باطل
المائدة : ( 108 ) ذلك أدنى أن . . . . .
قوله ) ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ( أي ذلك البيان الذي قدمه الله سبحانه في هذه القصة وعرفنا كيف يصنع من أراد الوصية في السفر ولم يكن عنده أحد من أهله وعشيرته وعنده كفار أدنى أي أقرب إلى أن يؤدى الشهود المتحملون للشهادة على الوصية بالشهادة على وجهها فلا يحرفوا ولا يبدلوا ولا يخونوا وهذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر المنفعة والفائدة في هذا الحكم الذى شرعه الله في هذا الموضع من كتابه فالضمير في ) يأتوا ( عائد إلى شهود الوصية من الكفار وقيل إنه راجع إلى المسلمين المخاطبين بهذا الحكم والمراد تحذيرهم من الخيانة وأمرهم بان يشهدوا بالحق قوله ) أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ( أي ترد على الورثة فيحلفون على خلاف ما شهد به شهود الوصية فيفتضح حينئذ شهود الوصية وهو معطوف على قوله ) أن يأتوا ( فتكون الفائدة في شرع الله سبحانه لهذا الحكم هي أحد الأمرين إما احتراز شهود الوصية عن الكذب والخيانة فيأتون بالشهادة على وجهها أو يخافوا الافتضاح إذا ردت الأيمان على قرابة الميت فحلفوا بما يتضمن كذبهم أو خيانتهم فيكون ذلك سببا لتأدية شهادة شهود الوصية على وجهها من غير كذب ولا خيانة وقيل إن ) يخافوا ( معطوف على مقدر بعد الجملة الأولى والتقدير ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة عل وجهها ويخافوا عذاب الآخرة بسبب الكذب والخيانة أو يخافوا الافتضاح برد اليمين فأي الخوفين وقع حصل المقصود ) واتقوا الله ( في مخالفة أحكامه ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( الخارجين عن طاعته بأي ذنب ومنه الكذب في اليمين أو الشهادة
وحاصل ما تضمنه هذا المقام من الكتاب العزيز أن من حضرته علامات الموت أشهد على وصيته عدلين من عدول المسلمين فإن لم يجد شهودا مسلمين وكان في سفر ووجد كفارا جاز له أن يشهد رجلين منهم على وصيته فإن ارتاب بهما ورثة الموصى حلفا بالله على أنهما شهدا بالحق وما كتما من الشهادة شيئا ولا خانا مما تركه الميت شيئا فإن تبين بعد ذلك خلاف ما أقسما عليه من خلل في الشهادة أو ظهور شيء من تركة الميت زعما أنه قد صار في ملكهما بوجه من الوجوه حلف رجلان من الورثة وعمل بذلك
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي وضعفه وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في تاريخه وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة من طريق أبي النضر وهو الكلبي عن باذان مولى أم هانئ عن ابن عباس عن تميم الداري في هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ( قال برئ الناس منها غيري وغير


"""""" صفحة رقم 89 """"""
عدي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فأتيا الشام لتجارتهما وقد م عليهما مولى لبني سهم يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو عظم تجارته فمرض فأوصى إليهما وأمرها أن يبلغا ما ترك أهله قال تميم فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعدي ابن البداء فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا وفقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا ما ترك غير هذا أو ما دفع إلينا غيره قال تميم فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فأتوا به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ( إلى قوله ) أن ترد أيمان بعد أيمانهم ( فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء وفى إسناده أبو النضر وهو محمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير قال الترمذي بركة أهل العلم بالحديث وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والنحاس والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم فأوصى إليهما فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا بالذهب فأحلفهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالله ما كتمتماها ولا اطلعتما ثم وجدوا الجام بمكة فقيل اشتريناه من تميم وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم وأخذوا الجام قال وفيهم نزلت ) يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ( الآية وفى إسناده محمد بن أبي القاسم الكوفي قال الترمذي قيل إنه صالح الحديث وقد روى ذلك أبو داود من طريقه وقد روى جماعة من التابعين أن هذه القصة هي سبب نزول الآية وذكرها المفسرون في تفاسيرهم وقال القرطبي إنه أجمع أهل التفسير على أن هذه القصة سبب نزول الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ) يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ( الآية قال هذا لمن مات وعنده المسلمون أمره الله أن يشهد على وصيته عدلين مسلمين ثم قال ) أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض ( فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين أمر الله بشهادة رجلين من غير ا لمسلمين فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بالله بعد ما الصلاة اشتريا بشهادتهما ثمنا قليلا فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما وثم رجلان من الأولياء فحلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة فذلك قوله ) فإن عثر على أنهما استحقا إثما ( يقول إن اطلع على أن الكافرين كذبا ) ذلك أدنى أن ( يأتى الكافران ) بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ( فتترك شهادة الكافرين ويحكم بشهادة الأولياء فليس على شهود المسلمين أقسام إنما الأقسام إذا كانا كافرين وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية فقال هذا رجل خرج مسافرا ومعه مال فأدركه قدره فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته وأشهد عليهما عدلين من المسلمين فإن لم يجد عدلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب فإن أدى فسبيل ما أدى وإن جحد استحلف بالله الذى لا إله إلا هو دبر صلاة إن هذا الذى دفع إلي وما غيبت منه شيئا فإذا حلف برئ فإذا أتى بعد ذلك صاحبا الكتاب فشهدا عليه ثم ادعى القوم عليه من تسميتهم ما لهم جعلت أيمان الورثة مع شهادتهم ثم اقتطعوا حقه فذلك الذي يقول الله ) اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله ) أو آخران من غيركم ( قال من


"""""" صفحة رقم 90 """"""
غير المسلمين من أهل الكتاب وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال هذه الآية منسوخة وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم في الآية قال كان ذلك في رجل توفى وليس عنده أحد من أهل الإسلام وذلك في أول الإسلام والأرض حرب والناس كفار إلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه بالمدينة وكان الناس يتوارثون بالوصية ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل المسلمون بها وأخرج ابن جرير أيضا عن الزهري قال مضت السنة أن لا تجوز شهادة كافر في حضر ولا سفر إنما هي في المسلمين وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد وابن أبي حاتم عن عبيدة في قوله ) تحبسونهما من بعد الصلاة ( قال صلاة العصر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) لا نشتري به ثمنا ( قال لا نأخذ به رشوة ) ولا نكتم شهادة الله ( وإن كان صاحبها بعيدا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن ا لمنذر عن قتادة في قوله ) فإن عثر على أنهما استحقا إثما ( أي اطلع منهما على خيانة على أنهما كذبا أو كتما وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله ) الأوليان ( قال بالميت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ( يقول ذلك أحرى أن يصدقوا في شهادتهم ) أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ( يقول وأن يخافوا العتب وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله ) أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ( قال فيبطل أيمانهم ويؤخذ أيمان هؤلاء
سورة المائدة الآية ( 109 111 )
المائدة : ( 109 ) يوم يجمع الله . . . . .
قوله ) يوم يجمع الله الرسل ( العامل في الظرف فعل مقدر أي اسمعوا أو اذكروا أو احذروا وقال الزجاج هو منصوب بقوله ) واتقوا الله ( المذكور في الآية الأولى وقيل بدل من مفعول ) واتقوا ( بدل اشتمال وقيل ظرف لقوله ) لا يهدي ( المذكور قبله وقيل منصوب بفعل مقدر متأخر تقديره ) يوم يجمع الله الرسل ( يكون من الأحوال كذا وكذا قوله ) ماذا أجبتم ( أي أي إجابة أجابتكم به أممكم الذين بعثكم الله إليهم أو أي جواب أجابوكم به وعلى الوجهين تكون ما منصوبة بالفعل المذكور بعدها وتوجيه السؤال إلى الرسل لقصد توبيخ قومهم وجوابهم بقولهم ) لا علم لنا ( مع أنهم عالمون بما أجابوا به عليهم تفويض منهم وإظهار للعجز وعدم القدرة ولا سيما مع علمهم بأن السؤال سؤال توبيخ فإن تفويض الجواب إلى الله أبلغ في حصول ذلك وقيل المعنى لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا وقيل لا علم لنا بما اشتملت عليه بواطنهم وقيل المعنى لا علم لنا إلا


"""""" صفحة رقم 91 """"""
علم ما أنت أعلم به منا وقيل إنهم ذهلوا عما أجاب به قومهم لهول المحشر
المائدة : ( 110 ) إذ قال الله . . . . .
قوله ) إذ قال الله يا عيسى ابن مريم ( إذ بدل من يوم يجمع وهو تخصيص بعد التعميم وتخصيص عيسى عليه السلام من بين الرسل لاختلاف طائفتي اليهود والنصارى فيه إفراطا وتفريطا هذه تجعله إلها وهذه تجعله كاذبا وقيل هو منصوب بتقدير اذكر قوله ) اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ( ذكره سبحانه نعمته عليه وعلى أمه مع كونه ذاكرا لها عالما بتفضل الله سبحانه بها لقصد تعريف الأمم بما خصهما الله به من الكرامة وميزهما به من علو المقام أو لتأكيد الحجة وتبكيت الجاحد بأن منزلتهما عند الله هذه المنزلة وتوبيخ من اتخذهما إلهين ببيان أن ذلك الإنعام عليهما كله من عند الله سبحانه وأنهما عبدان من جملة عباده منعم عليهما بنعم الله سبحانه ليس لهما من الأمر شيء قوله ) إذ أيدتك بروح القدس ( إذ ظرف للنعمة لأنها بمعنى المصدر أي اذكر إنعامي عليك وقت تأييدي لك أو حال من النعمة أي كائنة ذلك الوقت ) أيدتك ( قويتك مأخوذ من الأيد وهو القوة وفى روح القدس وجهان أحدهما أنها الروح الطاهرة التي خصه الله بها وقيل إنه جبريل عليه السلام وقيل إنه الكلام الذي يحيى به الأرواح والقدس الطهر وإضافته إليه لكونه سببه وجملة ) تكلم الناس ( مبينة لمعنى التأييد و ) في المهد ( في محل نصب على الحال أي تكلم الناس حال كونك صبيا وكهلا لا يتفاوت كلامك في الحالتين مع أن غيرك يتفاوت كلامه فيهما تفاوتا بينا وقوله ) وإذ علمتك الكتاب ( معطوف على ) إذ أيدتك ( أي واذكر نعمتي عليك وقت تعليمي لك الكتاب أي جنس الكتاب أو المراد بالكتاب الخط وعلى الأول يكون ذكر التوراة والإنجيل من عطف الخاص على العام وتخصيصهما بالذكر لمزيد اختصاصه بهما أما التوراة فقد كان يحتج بها على اليهود في غالب ما يدور بينه وبينهم من الجدال كما هو مصرح بذلك في الإنجيل وأما الإنجيل فلكونه نازلا عليه من عند الله سبحانه والمراد بالحكمة جنس الحكمة وقيل هي الكلام المحكم ) وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير ( أي تصور تصويرا مثل صورة الطير ) بإذني ( لك بذلك وتيسيري له ) فتنفخ ( في الهيئة المصورة ) فتكون ( هذه الهيئة طائرا متحركا حيا كسائر الطيور ) وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني ( لك وتسهيله عليك وتيسيره لك وقد تقدم تفسير هذا مطولا في البقرة فلا نعيده ) وإذ تخرج الموتى ( من قبورهم فيكون ذلك آية لك عظيمة ) بإذني ( وتكرير بإذني في المواضع الأربعة للاعتناء بأن ذلك كله من جهة الله ليس لعيسى عليه السلام فيه فعل إلا مجرد امتثاله لأمر الله سبحانه قوله ) وإذ كففت ( معطوف على ) وإذ تخرج ( كففت معناه دفعت وصرفت ) بني إسرائيل عنك ( حين هموا بقتلك ) إذ جئتهم بالبينات ( بالمعجزات الواضحات ) فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ( أي ما هذا الذي جئت به إلا سحر بين لما عظم ذلك في صدرهم وانبهروا منه لم يقدروا على جحده بالكلية بل نسبوه إلى السحر
المائدة : ( 111 ) وإذ أوحيت إلى . . . . .
قوله ) وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي ( هو معطوف على ما قبله وقد تقدم تفسير ذلك والوحي في كلام العرب معناه الإلهام أي ألهمت الحواريين وقذفت في قلوبهم وقيل معناه أمرتهم على ألسنة الرسل أن يؤمنوا بي بالتوحيد والإخلاص ويؤمنوا برسالة رسولي قوله ) قالوا آمنا ( جملة مستأنفة كأنه قيل ماذا قالوا فقال قالوا آمنا ) واشهد بأننا مسلمون ( أي مخلصون للإيمان أي واشهد يارب أو واشهد يا عيسى
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم ( فيفزعون فيقولون ) لا علم لنا ( فترد إليهم أفئدتهم فيعلمون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال ذلك أنهم نزلوا منزلا ذهلت فيه العقول فلما سئلوا


"""""" صفحة رقم 92 """"""
قالوا لا علم لنا ثم نزلوا منزلا آخر فشهدوا على قومهم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال قالوا لا علم لنا فرقا يذهل عقولهم ثم يرد الله إليهم عقولهم فيكونون هم الذين يسألون بقول الله ) فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا كان يوم القيامة يدعى بالأنبياء وأممها ثم يدعى بعيسى فيذكره نعمته عليه فيقر بها فيقول يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك الآية ثم يقول ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله فينكر أن يكون قال ذلك فيؤتى بالنصارى فيسألون فيقولون نعم هو أمرنا بذلك فيطول شعر عيسى حتى يأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده فيجاثيهم بين يدي الله مقدار ألف عام حتى يوقع عليهم الحجة ويرفع لهم الصليب وينطلق بهم إلى النار وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات ( أي بالآيات التى وضع على يديه من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير وإبراء الأسقام والخبر بكثير من الغيوب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وإذ أوحيت إلى الحواريين ( يقول قذفت في قلوبهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه
سورة المائدة الآية ( 112 115 )
المائدة : ( 112 ) إذ قال الحواريون . . . . .
قوله ) إذ قال الحواريون ( الظرف منصوب بفعل مقدر أي اذكر أو نحوه كما تقدم قيل والخطاب لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ الكسائي ) هل يستطيع ( بالفوقية ونصب ربك وبه قرأ علي وابن عباس وسعيد ابن جبير ومجاهد وقرأ الباقون بالتحتية ورفع ربك واستشكلت القراءة الثانية بأنه قد وصف سبحانه الحواريين بأنهم قالوا ) آمنا واشهد بأننا مسلمون ( والسؤال عن استطاعته لذلك ينافي ما حكوه عن أنفسهم وأجيب بأن هذا كان في أول معرفتهم قبل أن تستحكم معرفتهم بالله ولهذا قال عيسى في الجواب عن هذا الاستفهام الصادر منهم ) اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ( أي لا تشكوا في قدرة الله وقيل إنهم ادعوا الإيمان والإسلام دعوى باطلة ويرده أن الحواريين هم خلصاء عيسى وأنصاره كما قال ) من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ( وقيل إن ذلك صدر ممن كان معهم وقيل إنهم لم يشكوا في استطاعة الباري سبحانه فإنهم كانوا مؤمنين عارفين بذلك وإنما هو كقول الرجل هل يستطيع فلان أن يأتي مع علمه بأنه يستطيع ذلك ويقدر عليه فالمعنى هل يفعل ذلك وهل يجيب إليه وقيل إنهم طلبوا الطمأنينة كما قال إبراهيم عليه السلام ) رب أرني كيف تحيي الموتى (


"""""" صفحة رقم 93 """"""
الآية ويدل على هذا قولهم من بعد ) وتطمئن قلوبنا ( وأما على القراءة الأولى فالمعنى هل تستطيع أن تسأل ربك قال الزجاج المعنى هل تستدعى طاعة ربك فيما تسأله فهو من باب ) واسأل القرية ( والمائدة الخوان إذا كان عليه الطعام من ماده إذا أعطاه ورفده كأنها تميد من تقدم إليه قاله قطرب وغيره وقيل هي فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية قاله أبو عبيدة فأجابهم عيسى عليه السلام بقوله ) اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ( أي اتقوه من هذا السؤال وأمثاله إن كنتم صادقين في إيمانكم فإن شأن المؤمن ترك الاقتراح على ربه على هذه الصفة وقيل إنه أمرهم بالتقوى ليكون ذلك ذريعة إلى حصول ما طلبوه
المائدة : ( 113 ) قالوا نريد أن . . . . .
قوله ) قالوا نريد أن نأكل منها ( بينوا به الغرض من سؤالهم نزول المائدة وكذا ما عطف عليه من قولهم ) وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ( والمعنى تطمئن قلوبنا بكمال قدرة الله أو بأنك مرسل إلينا من عنده أو بأن الله قد أجابنا إلى ما سألناه ونعلم علما يقينا بأنك قد صدقتنا في نبوتك ونكون عليها من الشاهدين عند من لم يحضرها من بني إسرائيل أو من سائر الناس أو من الشاهدين لله بالوحدانية أو من الشاهدين أي الحاضرين دون السامعين
المائدة : ( 114 ) قال عيسى ابن . . . . .
ولما رأي عيسى ما حكوه عن أنفسهم من الغرض بنزول المائدة قال ) اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ( أي كائنة أو نازلة من السماء وأصل اللهم عند سيبويه وأتباعه يا الله فجعلت الميم بدلا من حرف النداء وربنا نداء ثان وليس بوصف و ) تكون لنا عيدا ( وصف لمائدة وقرأ الأعمش يكون لنا عيدا أي يكون يوم نزولها لنا عيدا وقد كان نزولها يوم الأحد وهو يوم عيد لهم والعيد واحد الأعياد وإنما جمع بالياء وأصله الواو للزومها في الواحد وقيل للفرق بينه وبين أعواد جمع عود ذكر معناه الجوهري وقيل أصله من عاد يعود أي رجع فهو عود بالواو وتقلب ياء لانكسار ما قبلها مثل الميزان والميقات والميعاد فقيل ليوم الفطر والأضحى عيدان لأنهما يعودان في كل سنة وقال الخليل العيد كل يوم جمع كأنهم عادوا إليه قوله ) لأولنا وآخرنا ( بدل من الضمير في لنا بتكرير العامل أي لمن في عصرنا ولم يأتي بعدنا من ذرارينا وغيرهم قوله ) وآية منك ( عطف على عيدا أي دلالة وحجة واضحة على كمال قدرتك وصحة إرسالك من أرسلته ) وارزقنا ( أي أعطنا هذه المائدة المطلوبة أو ارزقنا رزقا نستعين به على عبادتك ) وأنت خير الرازقين ( بل لا رازق في الحقيقة غيرك ولا معطى سواك فأجاب الله سبحانه سؤال عيسى عليه السلام فقال
المائدة : ( 115 ) قال الله إني . . . . .
) إني منزلها ( أي المائدة ) عليكم )
هل نزلت المائدة أم لا؟
وقد اختلف أهل العلم هل نزلت عليهم المائدة أم لا فذهب الجمهور إلى الأول وهو الحق لقوله سبحانه ) إني منزلها عليكم ( ووعده الحق وهو لا يخلف الميعاد وقال مجاهد ما نزلت وإنما هو ضرب مثل ضربه الله لخلقه نهيا لهم عن مسألة الآيات لأنبيائه وقال الحسن وعدهم بالإجابة فلما قال ) فمن يكفر بعد منكم ( استغفروا الله وقالوا لا نريدها قوله ) فمن يكفر بعد منكم ( أي بعد تنزيلها ) فإني أعذبه عذابا ( أي تعذيبا ) لا أعذبه ( صفة لعذابا والضمير عائد إلى العذاب بمعنى التعذيب أي لا أعذب مثل ذلك التعذيب ) أحدا من العالمين ( قيل المراد عالمي زمانهم وقيل جميع العالمين وفى هذا من التهديد والترهيب ما لا يقادر قدره
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة قالت كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا ) هل يستطيع ربك ( إنما قالوا هل تستطيع أنت ربك أن تدعوه ويؤيد هذا ما أخرجه الحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه عن معاذ بن جبل أنه قال أقرأني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) هل يستطيع ربك ( بالتاء يعني الفوقية وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه قرأها كذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال المائدة الخوان وتطمئن توقن


"""""" صفحة رقم 94 """"""
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) تكون لنا عيدا ( يقول نتخذ اليوم الذى نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه كان يحدث عن عيسى ابن مريم أنه قال لبني إسرائيل هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم فإن أجر العامل على من عمل له ففعلوا ثم قالوا يا معلم الخير قلت لنا إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ففعلنا ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا ) هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة ( إلى قوله ) أحدا من العالمين ( فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد فخافوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخوا قردة وخنازير وقد روى موقوفا على عمار قال الترمذي والوقف أصح وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المائدة سمكة وأريغفة وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عنه قال نزلت على عيسى ابن مريم والحواريين خوان عليه سمك وخبز يأكلون منه أينما تولوا إذا شاءوا وأخرج ابن جرير نحوه عنه من طريق عكرمة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو قال إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة والمنافقون وآل فرعون
سورة المائدة الآية ( 116 120 )
المائدة : ( 116 ) وإذ قال الله . . . . .
قوله ) وإذ قال الله ( معطوف على ما قبله في محل نصب بعامله أو بعامل مقدر هنا أي اذكر وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذا القول منه سبحانه هو يوم القيامة والنكتة توبيخ عباد المسيح وأمه من النصارى وقال السدي وقطرب إنه قال له هذا القول عند رفعه إلى السماء لما قالت النصارى فيه ما قالت والأول أولى قيل ) وإذ ( هنا بمعنى إذا كقوله تعالى ) ولو ترى إذ فزعوا ( أي إذا فزعوا وقول أبي النجم ثم جزاك الله عني إذ جزى
جنات عدن في السموات العلى
أي إذا جزى وقول الأسود بن جعفر الأسدي وفى الآن إذ هازلتهن فإنما
يقلن ألا لم يذهب الشيخ مذهبا


"""""" صفحة رقم 95 """"""
أي إذا هازلتهن تعبيرا عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقيق وقوعه وقد قيل في توجيه هذا الاستفهام منه تعالى إنه لقصد التوبيخ كما سبق وقيل لقصد تعريف المسيح بأن قومه غيروا بعده وادعوا عليه ما لم يقله وقوله ) من دون الله ( متعلق بقوله ) اتخذوني ( على أنه حال أي متجاوزين الحد ويجوز أن يتعلق بمحذوف هو صفة لإلهين أي كائنين من دون الله قوله ) سبحانك ( تنزيه له سبحانه أي أنزهك تنزيها ) ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ( أي ما ينبغى لي أن أدعى لنفسي ما ليس من حقها ) إن كنت قلته فقد علمته ( رد ذلك إلى علمه سبحانه وقد علم أنه لم يقله فثبت بذلك عدم القول منه قوله ) تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ( هذه الجملة في حكم التعليل لما قبلها أي تعلم معلومي ولا أعلم معلومك وهذا الكلام من باب المشاكلة كما هو معروف عند علماء المعاني والبيان وقيل المعنى تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك وقيل تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه وقيل تعلم ما أريد ولا أعلم ما تريد
المائدة : ( 117 ) ما قلت لهم . . . . .
قوله ) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ( هذه جملة مقررة لمضمون ما تقدم أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني ) أن اعبدوا الله ربي وربكم ( هذا تفسير لمعنى ) ما قلت لهم ( أي ما أمرتهم وقيل عطف بيان للمضمر في ) به ( وقيل بدل منه ) وكنت عليهم شهيدا ( أي حفيظا ورقيبا أرعى أحوالهم وأمنعهم عن مخالفة أمرك ) ما دمت فيهم ( أي مدة دوامي فيهم ) فلما توفيتني ( قيل هذا يدل على أن الله سبحانه توفاه قبل أن يرفعه وليس بشيء لأن الأخبار قد تظافرت بأنه لم يمت وأنه باق فى السماء على الحياة التى كان عليها فى الدنيا حتى ينزل إلى الأرض آخر الزمان وإنما المعنى فلما رفعتني إلى السماء قيل الوفاة فى كتاب الله سبحانه جاءت على ثلاثة أوجه بمعنى الموت ومنه قوله تعالى ) الله يتوفى الأنفس حين موتها ( وبمعنى النوم ومنه قوله تعالى ) وهو الذي يتوفاكم بالليل ( أي ينيمكم وبمعنى الرفع ومنه ) فلما توفيتني ( وإذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ) كنت أنت الرقيب عليهم ( أصل المراقبة المراعاة أي كنت الحافظ لهم والعالم بهم والشاهد عليهم
المائدة : ( 118 ) إن تعذبهم فإنهم . . . . .
) إن تعذبهم فإنهم عبادك ( تصنع بهم ما شئت وتحكم فيهم بما تريد ) وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ( أي القادر على ذلك الحكيم فى أفعاله قيل قاله على وجه الاستعطاف كما يستعطف السيد لعبده ولهذا لم يقل إن تعذبهم فإنهم عصوك وقيل قاله على وجه التسليم لأمر الله والانقياد له ولهذا عدل عن الغفور الرحيم إلى العزيز الحكيم
المائدة : ( 119 ) قال الله هذا . . . . .
قوله ) قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ( أي صدقهم في الدنيا وقيل في الآخرة والأول أولى قرأ نافع وابن محيصن ) يوم ( بالنصب وقرأ الباقون بالرفع فوجه النصب أنه ظرف للقول أي قال الله هذا القول يوم ينفع الصادقين ووجه الرفع أنه خبر للمبتدإ هو وما أضيف إليه وقال الكسائي نصب ) يوم ( ها هنا لأنه مضاف إلى الجملة وأنشد على حين عاتبت المشيب على الصبا
وقلت ألما أصح والشيب وازع
وبه قال الزجاج ولا يجيز البصريون ما قالاه إلا إذا أضيف الظرف إلى فعل ماض وقرأ الأعمش ) هذا يوم ينفع ( بتنوين يوم كما فى قوله ) واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ( فكلاهما مقطوع عن الإضافة بالتنوين وقد تقدم تفسير قوله ) لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ( قوله ) رضي الله عنهم ورضوا عنه ( أي رضي عنهم بما عملوه من الطاعات الخالصة له ورضوا عنه بما جازاهم به مما لا يخطر لهم على بال ولا تتصوره عقولهم والرضا منه سبحانه هو أرفع درجات النعيم وأعلى منازل الكرامة والإشارة بذلك إلى نيل ما نالوه من دخول الجنة والخلود فيها أبدا ورضوان الله عنهم والفوز الظفر بالمطلوب على أتم الأحوال
المائدة : ( 120 ) لله ملك السماوات . . . . .
قوله ) لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير ( جاء سبحانه بهذه الخاتمة دفعا لما سبق من إثبات من


"""""" صفحة رقم 96 """"""
أثبت إلهية عيسى وأمه وأخبر بأن ملك السموات والأرض له دون عيسى وأمه ودون سائر مخلوقاته وأنه القادر على كل شيء دون غيره وقيل المعنى أن له ملك السموات والأرض يعطي الجنات للمطيعين جعلنا الله منهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال تلقى عيسى حجته والله لقاه فى قوله ) وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ( قال أبو هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلقاه الله سبحانه ) ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ( الآية وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال يقول الله هذا يوم القيامة ألا ترى أنه يقول ) هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال قال الله ذلك لما رفع عيسى إليه وقالت النصارى ما قالت وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) أن اعبدوا الله ربي وربكم ( قال سيدي وسيدكم وأخرج ابن المنذر عنه في قوله ) كنت أنت الرقيب عليهم ( قال الحفيظ وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ( قال ما كنت فيهم وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) إن تعذبهم فإنهم عبادك ( يقول عبيدك قد استوجبوا العذاب بمقالتهم ) وإن تغفر لهم ( أي من تركت منهم ومد في عمره حتى أهبط من السماء إلى الأرض لقتل الدجال فزالوا عن مقالتهم ووحدوك ) فإنك أنت العزيز الحكيم ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى قوله ) هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ( يقول هذا يوم ينفع الموحدين توحيدهم
S6
تفسير
سورة الأنعام
حول السورة
قال الثعلبي سورة الأنعام مكية إلا ست آيات نزلت بالمدينة وهي ) وما قدروا الله حق قدره ( إلى آخر ثلاث آيات و ) قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ( إلى آخر ثلاث آيات قال ابن عطية وهي الآيات المحكمات يعني فى هذه السورة وقال القرطبي هي مكية إلا آيتين هما ) وما قدروا الله حق قدره ( نزلت في مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف اليهوديين وقوله تعالى ) وهو الذي أنشأ جنات معروشات ( نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال أنزلت سورة الأنعام بمكة وأخرج أبو عبيد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عنه قال أنزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة وحولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال نزلت سورة الأنعام يشيعها سبعون ألفا من الملائكة وأخرج ابن مردويه عن أسماء قال نزلت سورة الأنعام على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو في مسير في زجل من الملائكة وقد نظموا ما بين السماء والأرض وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد نحوه وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نزلت على سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد وهو من طريق إبراهيم بن نائلة شيخ الطبراني عن إسماعيل بن عمرو عن يوسف بن عطية بن عون عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وابن مردويه رواه عن الطبراني عن إسماعيل المذكور به وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 97 """"""
نزلت سورة الأنعام ومعها موكب من الملائكة يسد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والتقديس والأرض ترتج ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول سبحان الله العظيم سبحان الله العظيم وأخرج الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والإسماعيلي في معجمه والبيهقي عن جابر قال لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قال لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق وأخرج البيهقي وضعفه والخطيب في تاريخه عن علي بن أبي طالب قال أنزل القرآن خمسا خمسا ومن حفظه خمسا خمسا لم ينسه إلا سورة الأنعام فإنها نزلت جملة يشيعها من كل سماء سبعون ملكا حتى أدوها إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما قرئت على عليل إلا شفاه الله وأخرج أبو الشيخ عن أبي بن كعب مرفوعا نحو حديث ابن عمر وأخرج النحاس في تاريخه عن ابن عباس قال سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة ) قل تعالوا أتل ما حرم ( إلى تمام الآيات الثلاث وأخرج الديلمي بسند ضعيف عن أنس مرفوعا ينادي مناد يا قارئ سورة الأنعام هلم إلى الجنة بحبك إياها وتلاوتها وأخرج ابن المنذر عن أبي جحيفة قال نزلت سورة الأنعام جميعا معها سبعون ألف ملك كلها مكية إلا ) ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة ( فإنها مدنية
فضائل سورة الأنعام
وأخرج أبو عبيد في فضائله والدارمي في مسنده ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال الأنعام من نواجب القرآن وأخرج محمد بن نصر عن ابن مسعود مثله وأخرج السلفي بسند واه عن ابن عباس مرفوعا من قرأ إذا صلى الغداة ثلاث آيات من أول سورة الأنعام إلى ) ويعلم ما تكسبون ( نزل إليه أربعون ألف ملك يكتب له مثل أعمالهم ونزل إليه ملك من فوق سبع سموات ومعه مرزبة من حديد فإن أوحى الشيطان في قلبه شيئا من الشر ضربه ضربة حتى يكون بينه وبينه سبعون حجابا فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى أنا ربك وأنت عبدي امش في ظلي واشرب من الكوثر واغتسل من السلسبيل وادخل الجنة بغير حساب ولا عذاب وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من صلى الفجر في جماعة وقعد في مصلاه وقرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام وكل الله به سبعين ملكا يسبحون الله ويستغفرون له إلى يوم القيامة وفى فضائل هذه السورة روايات عن جماعة من التابعين مرفوعة وغير مرفوعة قال القرطبي قال العلماء هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب بالبعث والنشور وهذا يقتضى إنزالها جملة واحدة لأنها في معنى واحد من الحجة وإن تصرف ذلك بوجوه كثيرة وعليها بنى المتكلمون أصول الدين
سورة الأنعام الآية ( 1 3 )


"""""" صفحة رقم 98 """"""
الأنعام : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . .
بدأ سبحانه هذه السورة بالحمد لله للدلالة على أن الحمد كله له ولإقامة الحجة على الذين هم بربهم يعدلون وقد تقدم في سورة الفاتحة ما يغنى عن الإعادة له هنا ثم وصف نفسه بأنه الذى خلق السموات والأرض إخبارا عن قدرته الكاملة الموجبة لاستحقاقه لجميع المحامد فإن من اخترع ذلك وأوجده هو الحقيق بإفراده بالثناء وتخصيصه بالحمد والخلق يكون بمعنى الاختراع وبمعنى التقدير وقد تقدم تحقيق ذلك وجمع السموات لتعدد طباقها وقدمها على الأرض لتقدمها في الوجود ) والأرض بعد ذلك دحاها ( قوله ) وجعل الظلمات والنور ( معطوف على خلق ذكر سبحانه خلق الجواهر بقوله ) خلق السماوات والأرض ( ثم ذكر خلق الأعراض بقوله ) وجعل الظلمات والنور ( لأن الجواهر لا تستغنى عن الأعراض
واختلف أهل العلم في المعنى المراد بالظلمات والنور فقال جمهور المفسرين المراد بالظلمات سواد الليل وبالنور ضياء النهار وقال الحسن الكفر والإيمان قال ابن عطية وهذا خروج عن الظاهر انتهى والأولى أن يقال إن الظلمات تشمل كل ما يطلق عليه اسم الظلمة والنور يشمل كل ما يطلق عليه اسم النور فيدخل تحت ذلك ظلمة الكفر ونور الإيمان ) أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ( وأفرد النور لأنه جنس يشمل جميع أنواعه وجمع الظلمات لكثرة أسبابها وتعدد أنواعها قال النحاس جعل هنا بمعنى خلق وإذا كانت بمعنى خلق لم تتعد إلا إلى مفعول واحد وقال القرطبي جعل هنا بمعنى خلق لا يجوز غيره قال ابن عطية وعليه يتفق اللفظ والمعنى في النسق فيكون الجمع معطوفا على الجمع والمفرد معطوفا على المفرد وتقديم الظلمات على النور لأنها الأصل ولهذا كان النهار مسلوخا من الليل قوله ) ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ( معطوف على الحمد لله أو على خلق السموات والأرض وثم لاستبعاد ما صنعه الكفار من كونهم بربهم يعدلون مع ما تبين من أن الله سبحانه حقيق بالحمد على خلقه السموات والأرض والظلمات والنور فإن هذا يقتضى الإيمان به وصرف الثناء الحسن إليه لا الكفر به واتخاذ شريك له وتقديم المفعول للاهتمام ورعاية الفواصل وحذف المفعول لظهوره أي يعدلون به ما لا يقدر على شيء مما يقدر عليه وهذا نهاية الحمق وغاية الرقاعة حيث يكون منه سبحانه تلك النعم ويكون من الكفرة الكفر
الأنعام : ( 2 ) هو الذي خلقكم . . . . .
قوله ) هو الذي خلقكم من طين ( في معناه قولان أحدهما وهو الأشهر وبه قال الجمهور أن المراد آدم عليه السلام وأخرجه مخرج الخطاب للجميع لأنهم ولده ونسله الثاني أن يكون المراد جميع البشر باعتبار أن النطفة التي خلقوا منها مخلوقة من الطين ذكر الله سبحانه خلق آدم وبنيه بعد خلق السموات والأرض إتباعا للعالم الأصغر بالعالم الأكبر والمطلوب بذكر هذه الأمور دفع كفر الكافرين بالبعث ورد لجحودهم بما هو مشاهد لهم لا يمترون فيه قوله ) ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ( جاء بكلمة ) ثم ( لما بين خلقهم وبين موتهم من التفاوت
وقد اختلف السلف ومن بعدهم في تفسير الأجلين فقيل ) قضى أجلا ( يعنى الموت ) وأجل مسمى عنده ( يعنى القيامة وهو مروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك ومجاهد وعكرمة وزيد بن أسلم وعطية والسدي وخصيف ومقاتل وغيرهم وقيل الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت والثاني ما بين أن يموت إلى أن يبعث وهو قريب من الأول وقيل الأول مدة الدنيا والثاني عمر الإنسان إلى حين موته وهو مروى عن ابن عباس ومجاهد وقيل الأول قبض الأرواح في النوم والثاني قبض الروح عند الموت وقيل الأول ما يعرف من أوقات الأهلة والبروج وما يشبه ذلك والثاني أجل الموت وقيل الأول لمن مضى والثاني


"""""" صفحة رقم 99 """"""
لمن بقى ولمن يأتي وقيل إن الأول الأجل الذى هو محتوم والثاني الزيادة في العمر لمن وصل رحمه فإن كان برا تقيا وصولا لرحمه زيد في عمره وإن كان قاطعا للرحم لم يزد له ويرشد إلى هذا قوله تعالى ) وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ( وقد صح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن صلة الرحم تزيد في العمر وورد عنه أن دخول البلاد التى قد فشا بها الطاعون والوباء من أسباب الموت وجاز الابتداء بالنكرة فى قوله ) وأجل مسمى عنده ( لأنها قد تخصصت بالصفة قوله ) ثم أنتم تمترون ( استبعاد لصدور الشك منهم مع وجود المقتضى لعدمه أي كيف تشكون فى البعث مع مشاهدتكم فى أنفسكم من الابتداء والانتهاء ما يذهب بذلك ويدفعه فإن من خلقكم من طين وصيركم أحياء تعلمون وتعقلون وخلق لكم هذه الحواس والأطراف ثم سلب ذلك عنكم فصرتم أمواتا وعدتم إلى ما كنتم عليه من الجماديه لا يعجزه أن يبعثكم ويعيد هذه الأجسام كما كانت ويرد إليها الأرواح التى فارقتها بقدرته وبديع حكمته
الأنعام : ( 3 ) وهو الله في . . . . .
قوله ) وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ( قيل إن فى السموات وفى الأرض متعلق باسم الله باعتبار ما يدل عليه من كونه معبودا ومتصرفا ومالكا أي هو المعبود أو المالك أو المتصرف فى السموات والأرض كما تقول زيد الخليفة فى الشرق والغرب أي حاكم أو متصرف فيهما وقيل المعنى وهو الله يعلم سركم وجهركم فى السموات وفى الأرض فلا تخفى عليه خافية فيكون العامل فيهما ما بعدهما قال النحاس وهذا من أحسن ما قيل فيه وقال ابن جرير هو الله فى السموات ويعلم سركم وجهركم فى الأرض والأول أولى ويكون يعلم سركم وجهركم جملة مقررة لمعنى الجملة الأولى لأن كونه سبحانه فى السماء والأرض يستلزم علمه بأسرار عباده وجهرهم وعلمه بما يكسبونه من الخير والشر وجلب النفع ودفع الضرر
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن علي أن هذه الآية أعني الحمد لله إلى قوله ) ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ( نزلت في أهل الكتاب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال نزلت هذه الآية في الزنادقة قالوا إن الله لم يخلق الظلمة ولا الخنافس ولا العقارب ولا شيئا قبيحا وإنما يخلق النور وكل شيء حسن فأنزلت فيهم هذه الآية وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) وجعل الظلمات والنور ( قال الكفر والإيمان واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال إن الذين بربهم يعدلون هم أهل الشرك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال ) يعدلون ( يشركون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ( قال الآلهة التى عبدوها عدلوها بالله وليس لله عدل ولا ند وليس معه آلهة ولا اتخذ صاحبة ولا ولدا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) هو الذي خلقكم من طين ( يعنى آدم ) ثم قضى أجلا ( يعنى أجل الموت ) وأجل مسمى عنده ( أجل الساعة والوقوف عند الله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عنه فى قوله ) ثم قضى أجلا ( قال أجل الدنيا وفى لفظ أجل موته ) وأجل مسمى عنده ( قال الآخرة لا يعلمه إلا الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) قضى أجلا ( قال هو اليوم يقبض فيه الروح ثم يرجع إلى صاحبه من اليقظة ) وأجل مسمى عنده ( قال هو أجل موت الإنسان


"""""" صفحة رقم 100 """"""
سورة الأنعام الآية ( 4 11 )
الأنعام : ( 4 ) وما تأتيهم من . . . . .
قوله ) وما تأتيهم ( الخ كلام مبتدأ لبيان بعض أسباب كفرهم وتمردهم وهو الإعراض عن آيات الله التى تأتيهم كمعجزات الأنبياء وما يصدر عن قدرة الله الباهرة مما لا يشك من له عقل أنه فعل الله سبحانه والإعراض ترك النظر في الآيات التى يجب أن يستدلوا بها على توحيد الله و ) من ( في ) من آية ( مزيدة للاستغراق و ) من ( في ) من آيات ( تبعيضية أي وما تأتيهم آية من الآيات التى هى بعض آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين
الأنعام : ( 5 ) فقد كذبوا بالحق . . . . .
والفاء فى ) فقد كذبوا ( جواب شرط مقدر أي إن كانوا معرضين عنها فقد كذبوا بما هو أعظم من ذلك وهو الحق ) لما جاءهم ( قيل المراد بالحق هنا القرآن وقيل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ( أي أخبار الشيء الذى كانوا به يستهزءون وهو القرآن أو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عن أن ما عبارة عن ذلك تهويلا للأمر وتعظيما له أي سيعرفون أن هذا الشيء الذى استهزءوا به ليس بموضع للاستهزاء وذلك عند إرسال عذاب الله عليهم كما يقال اصبر فسوف يأتيك الخبر عند إرادة الوعيد والتهديد وفى لفظ الأنباء ما يرشد إلى ذلك فإنه لا يطلق إلا على خبر عظيم
الأنعام : ( 6 ) ألم يروا كم . . . . .
قوله ) ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن ( كلام مبتدأ لبيان ما تقدمه والهمزة للإنكار و ) كم ( يحتمل أن تكون الاستفهامية وأن تكون الخبرية وهى معلقة لفعل الرؤية عن العمل فيما بعده و ) من قرن ( تمييز والقرن يطلق على أهل كل عصر سموا بذلك لاقترانهم أي ألم يعرفوا بسماع الأخبار ومعاينة الآثار كم أهلكنا من قبلهم من الأمم الموجودة في عصر بعد عصر لتكذيبهم أنبياءهم وقيل القرن مدة من الزمان وهى ستون عاما أو سبعون أو ثمانون أو مائة على اختلاف الأقوال فيكون ما فى الآية على تقدير مضاف محذوف أي من أهل قرن قوله ) مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ( مكن له فى الأرض جعل له مكانا فيها ومكنه فى الأرض أثبته فيها والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل كيف ذلك وقيل إن هذه الجملة صفة لقرن والأول أولى و ) ما ( في ) ما لم نمكن ( نكرة موصوفة بما بعدها أي مكناهم تمكينا لم نمكنه لكم والمعنى أنا أعطينا القرون الذين هم قبلكم ما لم نعطكم من الدنيا وطول الأعمار


"""""" صفحة رقم 101 """"""
وقوة الأبدان وقد أهلكناهم جميعا فإهلاككم وأنتم دونهم بالأولى قوله ) وأرسلنا السماء عليهم مدرارا ( يريد المطر الكثير عبر عنه بالسماء لأنه ينزل من السماء ومنه قول الشاعر إذا نزل السماء بأرض قوم
والمدرار صيغة مبالغة تدل على الكثرة كمذكار للمرأة التى كثرت ولادتها للذكور وميناث التى تلد الإناث يقال در اللبن يدر إذا أقبل على الحالب بكثرة وانتصاب ) مدرارا ( على الحال وجريان الأنهار من تحتهم معناه من تحت أشجارهم ومنازلهم أي أن الله وسع عليهم النعم بعد التمكين لهم فى الأرض فكفروها فأهلكم الله بذنوبهم ) وأنشأنا من بعدهم ( أي من بعد إهلاكهم ) قرنا آخرين ( فصاروا بدلا من الهالكين وفى هذا بيان لكمال قدرته سبحانه وقوة سلطانه وأنه يهلك من يشاء ويوجد من يشاء
الأنعام : ( 7 ) ولو نزلنا عليك . . . . .
قوله ) ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ( فى هذه الجملة بيان شدة صلابتهم فى الكفر وأنهم لا يؤمنون ولو أنزل الله على رسوله كتابا مكتوبا فى قرطاس بمرأى منهم ومشاهدة ) فلمسوه بأيديهم ( حتى يجتمع لهم إدراك الحاستين حاسة البصر وحاسة اللمس ) لقال الذين كفروا ( منهم ) إن هذا إلا سحر مبين ( ولم يعلموا بما شاهدوا ولمسوا وإذا كان هذا حالهم في المرئي المحسوس فكيف فيما هو مجرد وحي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بواسطة ملك لا يرونه ولا يحسونه والكتاب مصدر بمعنى الكتابة والقرطاس الصحيفة
الأنعام : ( 8 ) وقالوا لولا أنزل . . . . .
قوله ) وقالوا لولا أنزل عليه ملك ( هذه الجملة مشتملة على نوع آخر من أنواع جحدهم لنبوته ( صلى الله عليه وسلم ) وكفرهم بها أي قالوا هلا أنزل الله عليك ملكا نراه ويكلمنا أنه نبي حتى نؤمن به ونتبعه كقولهم ) لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ) ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ( أي لو أنزلنا ملكا على الصفة التى اقترحوها بحيث يشاهدونه ويخاطبونه ويخاطبهم ) لقضي الأمر ( أي لأهلكناهم إذ لم يؤمنوا عند نزوله ورؤيتهم له لأن مثل هذه الآية البينة وهي نزول الملك على تلك الصفة إذ لم يقع الإيمان بعدها فقد استحقوا الإهلاك والمعاجلة بالعقوبة ) ثم لا ينظرون ( أي لا يمهلون بعد نزوله ومشاهدتهم له وقيل إن المعنى إن الله سبحانه لو أنزل ملكا مشاهدا لم تطق قواهم البشرية أن يبقوا بعد مشاهدته أحياء بل تزهق أرواحهم عند ذلك فيبطل ما أرسل الله له رسله وأنزل به كتبه من هذا التكليف الذي كلف به عباده ) لنبلوهم أيهم أحسن عملا )
الأنعام : ( 9 ) ولو جعلناه ملكا . . . . .
قوله ) ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ( أي لو جعلنا الرسول إلى النبي ملكا يشاهدونه ويخاطبونه لجعلنا ذلك الملك رجلا لأنهم لا يستطيعون أن يروا الملك على صورته التى خلقه الله عليها إلا بعد أن يتجسم بالأجسام الكثيفة المشابهة لأجسام بني آدم لأن كل جنس يأنس بجنسه فلو جعل الله سبحانه الرسول إلى البشر أو الرسول إلى رسوله ملك مشاهدا مخاطبا لنفروا منه ولم يأنسوا به ولداخلهم الرعب وحصل معهم من الخوف ما يمنعهم من كلامه ومشاهدته هذا أقل حال فلا تتم المصلحة من الإرسال وعند أن يجعله الله رجلا أي على صورة رجل من بني آدم ليسكنوا إليه ويأنسوا به سيقول الكافرون إنه ليس بملك وإنما هو بشر ويعودون إلى مثل ما كانوا عليه قوله ) وللبسنا عليهم ما يلبسون ( أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم لأنهم إذا رأوه في صورة إنسان قالوا هذا إنسان وليس بملك فإن استدل لهم بأنه ملك كذبوه قال الزجاج المعنى للبسنا عليهم أي على رؤسائهم كما يلبسون على ضعفتهم وكانوا يقولون لهم إنما محمد بشر وليس بينه وبينكم فرق فيلبسون عليهم بهذا ويشككونهم فأعلم الله عز وجل أنه لو نزل ملكا فى صورة رجل لوجدوا سبيلا إلى اللبس كما يفعلون واللبس الخلط يقال لبست عليه الأمر ألبسه لبسا أي خلطته وأصله التستر بالثوب ونحوه ثم قال سبحانه مؤنسا لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ومسليا له
الأنعام : ( 10 ) ولقد استهزئ برسل . . . . .
) ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون ( يقال حاق الشيء يحيق حيقا وحيوقا وحيقانا


"""""" صفحة رقم 102 """"""
نزل أي فنزل ما كانوا به يستهزءون وأحاط بهم وهو الحق حيث أهلكوا من أجل الاستهزاء به
الأنعام : ( 11 ) قل سيروا في . . . . .
) قل سيروا في الأرض ( أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين سافروا في الأرض وانظروا آثار من كان قبلكم لتعرفوا ما حل بهم من العقوبات وكيف كانت عاقبتهم بعد ما كانوا فيه من النعيم العظيم الذي يفوق ما أنتم فيه فهذه ديارهم خاربة وجناتهم مغبرة وأراضيهم مكفهرة فإذا كانت عاقبتهم هذه العاقبة فأنتم بهم لاحقون وبعد هلاكهم هالكون
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ( يقول ما يأتيهم من شيء من كتاب الله إلا أعرضوا عنه وفى قوله ) فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ( يقول سيأتيهم يوم القيامة أنباء ما استهزءوا به من كتاب الله عز وجل وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) من قرن ( قال أمة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ( يقول أعطيناهم ما لم نعطكم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وأرسلنا السماء عليهم مدرارا ( يقول يتبع بعضها بعضا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن هارون التيمي في الآية قال المطر في إبانه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم ( يقول لو أنزلنا من السماء صحفا فيها كتاب ) فلمسوه بأيديهم ( لزادهم ذلك تكذيبا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فلمسوه بأيديهم ( قال فمسوه ونظروا إليه لم يصدقوا به وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قومه إلى الإسلام وكلمهم فأبلغ إليهم فيما بلغني فقال له زمعة بن الأسود بن المطلب والنضر بن الحارث بن كلدة وعبدة بن عبد يغوث وأبي بن خلف بن وهب والعاص بن وائل بن هشام لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويرى معك فأنزل الله ) وقالوا لولا أنزل عليه ملك ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وقالوا لولا أنزل عليه ملك ( قال ملك في صورة رجل ) ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ( لقامت الساعة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) لقضي الأمر ( يقول لو أنزل الله ملكا ثم لم يؤمنوا لعجل لهم العذاب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ولو أنزلنا ملكا ( قال ولو أتاهم ملك في صورته ) لقضي الأمر ( لأهلكناهم ) ثم لا ينظرون ( لا يؤخرون ) ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ( يقول لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة ) وللبسنا عليهم ما يلبسون ( يقول لخلطنا عليهم ما يخلطون وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ( قال في صورة رجل في خلق رجل وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ( يقول في صورة آدمي وأخرج ابن جرير عن ابن زيد نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وللبسنا عليهم ( يقول شبهنا عليهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال شبهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال مر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما بلغني بالوليد بن المغيرة وأمية بن خلف وأبي جهل بن هشام فهمزوه واستهزءوا به فغاظه ذلك فأنزل الله ) ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون (


"""""" صفحة رقم 103 """"""
سورة الأنعام الآية ( 12 21 )
الأنعام : ( 12 ) قل لمن ما . . . . .
قوله ) قل لمن ما في السماوات والأرض ( هذا احتجاج عليهم وتبكيت لهم والمعنى قل لهم هذا القول فإن قالوا فقل لله وإذا ثبت أن له ما في السموات والأرض إما باعترافهم أو بقيام الحجة عليهم فالله قادر على أن يعاجلهم بالعقاب ولكنه كتب على نفسه الرحمة أي وعد بها فضلا منه وتكرما وذكر النفس هنا عبارة عن تأكد وعده وارتفاع الوسائط دونه وفى الكلام ترغيب للمتولين عنه إلى الإقبال إليه وتسكين خواطرهم بأنه رحيم بعباده لا يعاجلهم بالعقوبة وأنه يقبل منهم الإنابة والتوبة ومن رحمته لهم إرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الأدلة قوله ) ليجمعنكم إلى يوم القيامة ( اللام جواب قسم محذوف قال الفراء وغيره يجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله ) الرحمة ( ويكون ما بعدها مستأنفا على جهة التبيين فيكون المعنى ) ليجمعنكم ( ليمهلنكم وليؤخرن جمعكم وقيل المعنى ليجمعنكم في القبور إلى اليوم الذي أنكرتموه وقيل ) إلى ( بمعنى في أي ليجمعنكم في يوم القيامة وقيل يجوز أن يكون موضع ) ليجمعنكم ( النصب على البدل من الرحمة فتكون اللام بمعنى أن والمعنى كتب ربكم على نفسه الرحمة أن يجمعنكم كما قالوا في قوله تعالى ) ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه ( أي أن يسجنوه وقيل إن جملة ) ليجمعنكم ( مسوقة للترهيب بعد الترغيب وللوعيد بعد الوعد أي إن أمهلكم برحمته فهو مجازيكم بجمعكم ثم معاقبة من يستحق عقوبته من العصاة والضمير في ) لا ريب فيه ( لليوم أو للجمع قوله ) الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ( قال الزجاج إن الموصول مرتفع على الابتداء


"""""" صفحة رقم 104 """"""
وما بعده خبره كما تقول الذي يكرمني فله درهم فالفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط وقال الأخفش إن شئت كان ) الذين ( في موضع نصب على البدل من الكاف والميم في ) ليجمعنكم ( أي ليجمعن المشركين الذين خسروا أنفسهم وأنكره المبرد وزعم أنه خطأ لأنه لا يبدل من المخاطب ولا من المخاطب لا يقال مررت بك زيد ولا مررت بي زيد وقيل يجوز أن يكون ) الذين ( مجرورا على البدل من المكذبين الذين تقدم ذكرهم أو على النعت لهم وقيل إنه منادى وحرف النداء مقدر
الأنعام : ( 13 ) وله ما سكن . . . . .
قوله ) وله ما سكن في الليل والنهار ( أي لله وخص الساكن بالذكر لأن ما يتصف بالسكون أكثر مما يتصف بالحركة وقيل المعنى ما سكن فيهما أو تحرك فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر وهذا من جملة الاحتجاج على الكفرة
الأنعام : ( 14 ) قل أغير الله . . . . .
قوله ) قل أغير الله أتخذ وليا ( الاستفهام للإنكار قال لهم ذلك لما دعوه إلى عبادة الأصنام ولما كان الإنكار لاتخاذ غير الله وليا لا لاتخاذ الولي مطلقا دخلت الهمزة على المفعول لا على الفعل والمراد بالولي هنا المعبود أي كيف أتخذ غير الله معبودا و ) فاطر السماوات والأرض ( مجرور على أنه نعت لاسم الله وأجاز الأخفش الرفع على إضمار مبتدأ وأجاز الزجاج النصب على المدح وأجاز أبو علي الفارسي نصبه بفعل مضمر كأنه قيل أترك فاطر السموات والأرض قوله ) وهو يطعم ولا يطعم ( قرأ الجمهور بضم الياء وكسر العين في الأول وضمها وفتح العين في الثاني أي يرزق ولا يرزق وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد والأعمش بفتح الياء في الثاني وفتح العين وقرئ بفتح الياء والعين في الأول وضمها وكسر العين في الثاني على أن الضمير يعود إلى الولي المذكور وخص الإطعام دون غيره من ضروب الإنعام لأن الحاجة إليه أمس قوله ) قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ( أمره سبحانه بعد ما تقدم من اتخاذ غير الله وليا أن يقول لهم إنه مأمور بأن يكون أول من أسلم وجهه لله من قومه وأخلص من أمته وقيل معنى ) أسلم ( استسلم لأمر الله ثم نهاه الله عز وجل أن يكون من المشركين والمعنى أمرت بأن أكون أول من أسلم ونهيت عن الشرك أي يقول لهم هذا
الأنعام : ( 15 ) قل إني أخاف . . . . .
ثم أمره أن يقول ) إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ( أي إن عصيته بعبادة غيره أو مخالفة أمره أو نهيه والخوف توقع المكروه وقيل هو هنا بمعنى العلم أي إني أعلم إن عصيت ربي أن لي عذابا عظيما
الأنعام : ( 16 ) من يصرف عنه . . . . .
قوله ) من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه ( قرأ أهل المدينة وأهل مكة وابن عامر على البناء للمفعول أي من يصرف عنه العذاب واختار هذه القراءة سيبويه وقرأ الكوفيون على البناء للفاعل وهو اختيار أبي حاتم فيكون الضمير على هذه القراءة لله ومعنى ) يومئذ ( يوم العذاب العظيم ) فقد رحمه ( الله أي نجاه وأنعم عليه وأدخله الجنة والإشارة بذلك إلى الصرف أو إلى الرحمة أي فذلك الصرف أو الرحمة ) الفوز المبين ( أي الظاهر الواضح وقرأ أبي ? من يصرف الله عنه ?
الأنعام : ( 17 ) وإن يمسسك الله . . . . .
قوله ) وإن يمسسك الله بضر ( أي إن ينزل الله بك ضرا من فقر أو مرض ) فلا كاشف له إلا هو ( أي لا قادر على كشفه سواه ) وإن يمسسك بخير ( من رخاء أو عافية ) فهو على كل شيء قدير ( ومن جملة ذلك المس بالشر والخير
الأنعام : ( 18 ) وهو القاهر فوق . . . . .
قوله ) وهو القاهر فوق عباده ( القهر الغلبة والقاهر الغالب وأقهر الرجل إذا صار مقهورا ذليلا ومنه قول الشاعر تمنى حصين أن يسود خزاعة
فأمسى حصين قد أذل وأقهرا
ومعنى ) فوق عباده ( فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم لا فوقية المكان كما تقول السلطان فوق رعيته أي بالمنزلة والرفعة وفى القهر معنى زائد ليس في القدرة وهو منع غيره عن بلوغ المراد ) وهو الحكيم ( في أمره ) الخبير ( بأفعال عباده
الأنعام : ( 19 ) قل أي شيء . . . . .
قوله ) قل أي شيء أكبر شهادة ( أي مبتدأ وأكبر خبره وشهادة تمييز والشيء يطلق على القديم والحادث والمحال والممكن والمعنى أي شهيد أكبر شهادة فوضع شيء موضع شهيد


"""""" صفحة رقم 105 """"""
وقيل إن ) شيء ( هنا موضوع موضع اسم الله تعالى والمعنى الله أكبر شهادة أي انفراده بالربوبية وقيام البراهين على توحيده أكبر شهادة وأعظم فهو شهيد بيني وبينكم وقيل إن قوله ) الله شهيد بيني وبينكم ( هو الجواب لأنه إذا كان الشهيد بينه وبينهم كان أكبر شهادة له ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل إنه قد تم الجواب عند قوله ) قل الله ( يعنى الله أكبر شهادة ثم ابتدأ فقال ) شهيد بيني وبينكم ( أي هو شهيد بيني وبينكم قوله ) وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ( أي أوحى الله إلى هذا القرآن الذي تلوته عليكم لأجل أن أنذركم به وأنذر به من بلغ إليه أي كل من بلغ إليه من موجود ومعدوم سيوجد في الأزمنة المستقبلة وفى هذه الآية من الدلالة على شمول أحكام القرآن لمن سيوجد كشمولها لمن قد كان موجودا وقت النزول ما لا يحتاج معه إلى تلك الخزعبلات المذكورة في علم أصول الفقه وقرأ أبو نهيك ) وأوحي ( على البناء للفاعل وقرأ ابن عداة على البناء للمفعول قوله ) أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ( الاستفهام للتوبيخ والتقريع على قراءة من قرأ بهمزتين على الأصل أو بقلب الثانية وأما من قرأ على الخبر فقد حقق عليهم شركهم وإنما قال ) آلهة أخرى ( لأن الآلهة جمع والجمع يقع عليه التأنيث كذا قال الفراء ومثله قوله تعالى ) ولله الأسماء الحسنى ( وقال ) فما بال القرون الأولى ( ) قل لا أشهد ( أي فأنا لا أشهد معكم فحذف لدلالة الكلام عليه وذلك لكون هذه الشهادة باطلة ومثله ) فإن شهدوا فلا تشهد معهم ( وما في ) مما تشركون ( موصولة أو مصدرية أي من الأصنام التى تجعلونها آلهة أو من إشراككم بالله
الأنعام : ( 20 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
قوله ) الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ( الكتاب للجنس فيشمل التوراة والإنجيل وغيرهما أي يعرفون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال به جماعة من السلف وإليه ذهب الزجاج وقيل إن الضمير يرجع إلى الكتاب أي يعرفونه معرفة محققة بحيث لا يلتبس عليهم منه شيء و ) كما يعرفون أبناءهم ( بيان لتحقق تلك المعرفة وكمالها وعدم وجود شك فيها فإن معرفة الآباء للأبناء هي البالغة إلى غاية الإتقان إجمالا وتفصيلا قوله ) الذين خسروا أنفسهم ( في محل رفع على الابتدا وخبره ) فهم لا يؤمنون ( ودخول الفاء في الخبر لتضمن المبتدإ معنى الشرط وقيل إن الموصول خبر مبتدأ محذوف وقيل هو نعت للموصول الأول وعلى الوجهين الأخيرين يكون ) فهم لا يؤمنون ( معطوفا على جملة ) الذين آتيناهم الكتاب (
والمعنى على الوجه الأول أن الكفار الخاسرين لأنفسهم بعنادهم وتمردهم لا يؤمنون بما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى الوجهين الأخيرين أن أولئك الذين آتاهم الله الكتاب هم الذين خسروا أنفسهم بسبب ما وقعوا فيه من البعد عن الحق وعدم العمل بالمعرفة التى ثبتت لهم فهم لا يؤمنون
الأنعام : ( 21 ) ومن أظلم ممن . . . . .
قوله ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( أي اختلق على الله الكذب فقال إن في التوراة أو الإنجيل ما لم يكن فيهما ) أو كذب بآياته ( التى يلزمه الإيمان بها من المعجزة الواضحة البينة فجمع بين كونه كاذبا على الله ومكذبا بما أمره الله بالإيمان به ومن كان هكذا فلا أحد من عباد الله أظلم منه والضمير في ) إنه لا يفلح الظالمون ( للشأن
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سلمان الفارسي قال إنا نجد في التوراة أن الله خلق السموات والأرض ثم جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة فبها يتراحمون وبها يتعاطفون وبها يتباذلون وبها يتزاورون وبها تحن الناقة وبها تنتج البقرة وبها تيعر الشاة وبها تتابع الطير وبها تتابع الحيتان في البحر فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى ما عنده ورحمته أفضل وأوسع وقد أخرج مسلم وأحمد وغيرهما عن سلمان عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال خلق الله يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة منها رحمة يتراحم بها الخلق


"""""" صفحة رقم 106 """"""
وتسعة وتسعون ليوم القيامة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة وثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما قضى الله الخلق كتب كتابا فوضعه عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي وقد روى من طرق أخرى بنحو هذا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وله ما سكن في الليل والنهار ( يقول ما استقر في الليل والنهار وفى قوله ) قل أغير الله أتخذ وليا ( قال أما الولي فالذي تولاه ويقر له بالربوبية وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) فاطر السماوات والأرض ( قال بديع السموات والأرض وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن جرير وابن الأنباري عنه قال كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعربيان يختصمان فى بئر فقال أحدهما أنا فطرتها يقول أنا ابتدأتها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وهو يطعم ولا يطعم ( قال يرزق ولا يرزق وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) من يصرف عنه ( قال من يصرف عنه العذاب وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) وإن يمسسك بخير ( يقول بعافية وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال جاء النمام بن زيد وقردم بن كعب وبحرى بن عمرو فقالوا يا محمد ما تعلم مع الله إلها غيره فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا إله إلا الله بذلك بعثت وإلى ذلك أدعو فأنزل الله ) قل أي شيء أكبر شهادة ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد قال أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن يسأل قريشا أي شيء أكبر شهادة ثم أمره أن يخبرهم فيقول الله شهيد بيني وبينكم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ) وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ( يعني أهل مكة ) ومن بلغ ( يعني من بلغه هذا القرآن من الناس فهو له نذير وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أنس قال لما نزلت هذه الآية ) وأوحي إلي هذا القرآن ( كتب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى كسرى وقيصر والنجاشي وكل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والخطيب وابن النجار عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من بلغه القرآن فكأنما شافهته به ثم قرأ وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفي لفظ من بلغه القرآن حتى تفهمه وتعقله كان كمن عاين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكلمه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله ) وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ( قال العرب ) ومن بلغ ( قال العجم وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال قال النضر وهو من بني عبد الدار إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى فأنزل الله ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( الآية
سورة الأنعام الآية ( 22 23 )


"""""" صفحة رقم 107 """"""
سورة الأنعام الآية ( 24 30 )
الأنعام : ( 22 ) ويوم نحشرهم جميعا . . . . .
قوله ) ويوم نحشرهم ( قرأ الجمهور بالنون في الفعلين وقرئ بالياء فيهما وناصب الظرف محذوف مقدر متأخرا أي يوم نحشرهم كان كيت وكيت والاستفهام في ) أين شركاؤكم ( للتقريع والتوبيخ للمشركين وأضاف الشركاء إليهم لأنها لم تكن شركاء لله فى الحقيقة بل لما سموها شركاء أضيفت إليهم وهى ما كانوا يعبدونه من دون الله أو يعبدونه مع الله قوله ) الذين كنتم تزعمون ( أي تزعمونها شركاء فحذف المفعولان معا ووجه التوبيخ بهذا الاستفهام أن معبوداتهم غابت عنهم في تلك الحال أو كانت حاضرة ولكن لا ينتفعون بها بوجه من الوجوه فكان وجودها كعدمها
الأنعام : ( 23 ) ثم لم تكن . . . . .
قوله ) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ( قال الزجاج تأويل هذه الآية أن الله عز وجل أخبر بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم ثم أخبر أن فتنتهم لم تكن حتى رأوا الحقائق إلا أن انتفوا من الشرك ونظير هذا في اللغة أن ترى إنسانا يحب غاويا فإذا وقع في هلكة تبرأ منه فتقول ما كانت محبتك إياه إلا أن تبرأت منه انتهى فالمراد بالفتنة على هذا كفرهم أي لم تكن عاقبة كفرهم الذي افتخروا به وقاتلوا عليه إلا ما وقع منهم من الجحود والحلف على نفيه بقولهم ) والله ربنا ما كنا مشركين ( وقيل المراد بالفتنة هنا جوابهم أي لم يكن جوابهم إلا الجحود والتبري فكان هذا الجواب فتنة لكونه كذبا وجملة ) ثم لم تكن فتنتهم ( معطوفة على عامل الظرف المقدر كما مر والاستثناء مفرغ وقرئ فتنتهم بالرفع وبالنصب ويكن وتكن والوجه ظاهر وقرئ ? وما كان فتنتهم ? وقرئ ) ربنا ( بالنصب على النداء
الأنعام : ( 24 ) انظر كيف كذبوا . . . . .
) انظر كيف كذبوا على أنفسهم ( بإنكار ما وقع منهم في الدنيا من الشرك ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( أي زال وذهب افتراؤهم وتلاشى وبطل ما كانوا يظنونه من أن الشركاء يقربونهم إلى الله هذا على أن ما مصدرية وقيل هي موصولة عبارة عن الآلهة أي فارقهم ما كانوا يعبدون من دون الله فلم يغن عنهم شيئا وهذا تعجيب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من حالهم المختلفة ودعواهم المتناقضة وقيل لا يجوز أن يقع منهم كذب في الآخرة لأنها دار لا يجرى فيها غير الصدق فمعنى ) والله ربنا ما كنا مشركين ( نفى شركهم عند أنفسهم وفى اعتقادهم ويؤيد هذا قوله تعالى ) ولا يكتمون الله حديثا )
الأنعام : ( 25 ) ومنهم من يستمع . . . . .
قوله ) ومنهم من يستمع إليك ( هذا كلام مبتدأ لبيان


"""""" صفحة رقم 108 """"""
ما كان يصنعه بعض المشركين في الدنيا والضمير عائد إلى الذين أشركوا أي وبعض الذين أشركوا يستمع إليك حين تتلو القرآن ) وجعلنا على قلوبهم أكنة ( أي فعلنا ذلك بهم مجازاة على كفرهم والأكنة الأغطية جمع كنان مثل الأسنة والسنان كننت الشيء في كنه إذا جعلته فيه وأكننه أخفيته وجملة ) جعلنا على قلوبهم أكنة ( مستأنفة للإخبار بمضمونها أو في محل نصب على الحال أي وقد جعلنا على قلوبهم أغطية كراهة أن يفقهوا القرآن أو لئلا يفقهوه والوقر الصمم يقال وقرت أذنه تقر وقرا أي صمت وقرأ طلحة بن مصرف ) وقرا ( بكسر الواو أي جعل في آذانهم ما سدها عن استماع القول على التشبيه بوقر البعير وهو مقدار ما يطيق أن يحمله وذكر الأكنة والوقر تمثيل لفرط بعدهم عن فهم الحق وسماعه كأن قلوبهم لا تعقل وأسماعهم لا تدرك ) وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ( أي لا يؤمنوا بشيء من الآيات التى يرونها من المعجزات ونحوها لعنادهم وتمردهم قوله ) حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ( حتى هنا هى الابتدائية التى تقع بعدها الجمل وجملة يجادلونك في محل نصب على الحال والمعنى أنهم بلغوا من الكفر والعناد أنهم إذا جاءوك مجادلين لم يكتفوا بمجرد عدم الإيمان بل يقولون إن هذا إلا أساطير الأولين وقيل حتى هى الجارة وما بعدها في محل جر والمعنى حتى وقت مجيئهم مجادلين يقولون إن هذا إلا أساطير الأولين وهذا غاية التكذيب ونهاية العناد والأساطير قال الزجاج واحدها أسطار وقال الأخفش أسطورة وقال أبو عبيدة أسطاره وقال النحاس أسطور وقال القشيري اسطير وقيل هو جمع لا واحد له كعباديد وأبابيل والمعنى ما سطره الأولون في الكتب من القصص والأحاديث قال الجوهري الأساطير الأباطيل والترهات
الأنعام : ( 26 ) وهم ينهون عنه . . . . .
قوله ) وهم ينهون عنه وينأون عنه ( أي ينهى المشركون الناس عن الإيمان بالقرآن أو بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ويبعدون هم في أنفسهم عنه وقيل إنها نزلت في أبي طالب فإنه كان ينهى الكفار عن أذية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويبعد هو عن إجابته ) وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ( أي ما يهلكون بما يقع منهم من النهي والنأى إلا أنفسهم بتعريضها لعذاب الله وسخطه والحال أنهم ما يشعرون بهذا البلاء الذي جلبوه على أنفسهم
الأنعام : ( 27 ) ولو ترى إذ . . . . .
قوله ) ولو ترى إذ وقفوا على النار ( الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من تتأتى منه الرؤية وعبر عن المستقبل يوم القيامة بلفظ الماضي تنبيها على تحقيق وقوعه كما ذكره علماء المعاني و ) وقفوا ( معناه حبسوا يقال وقفته وقفا ووقف وقوفا وقيل معنى ) وقفوا على النار ( أدخلوها فتكون على بمعنى فى وقيل هى بمعنى الباء أي وقفوا بالنار أي بقربها معاينين لها ومفعول ترى محذوف وجواب لو محذوف ليذهب السامع كل مذهب والتقدير لو تراهم إذ وقفوا على النار لرأيت منظرا هائلا وحالا فظيعا ) فقالوا يا ليتنا نرد ( أي إلى الدنيا ) ولا نكذب بآيات ربنا ( أي التى جاءنا بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ونكون من المؤمنين ( بها العاملين بما فيها والأفعال الثلاثة داخلة تحت التمني أي تمنوا الرد وأن لا يكذبوا وأن يكونوا من المؤمنين برفع الأفعال الثلاثة هي قراءة الكسائي وأهل المدينة وشعبة وابن كثير وأبي عمرو وقرأ حفص وحمزة بنصب نكذب ونكون بإضمار أن بعد الواو على جواب التمني واختار سيبويه القطع في ) ولا نكذب ( فيكون غير داخل في التمني والتقدير ونحن لا نكذب على معنى الثبات على ترك التكذيب أي لا نكذب رددنا أو لم نرد قال وهو مثل دعني ولا أعود أي لا أعود على كل حال تركتني أو لم تتركني واستدل أبو عمرو بن العلاء على خروجه من التمني بقوله ) وإنهم لكاذبون ( لأن الكذب لا يكون في التمني وقرأ ابن عامر ) ونكون ( بالنصب وأدخل الفعلين الأولين في التمني وقرأ أبي ? ولا نكذب بآيات ربنا أبدا ? وقرأ هو وابن مسعود ? يا ليتنا نرد فلا نكذب ?


"""""" صفحة رقم 109 """"""
بالفاء والنصب والفاء ينصب بها في جواب التمني كما ينصب بالواو كما قال الزجاج وقال أكثر البصريين لا يجوز الجواب إلا بالفاء
الأنعام : ( 28 ) بل بدا لهم . . . . .
قوله ) بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ( هذا إضراب عما يدل عليه التمني من الوعد بالإيمان والتصديق أي لم يكن ذلك التمني منهم عن صدق نية وخلوص اعتقاد بل هو لسبب آخر
وهو أنه بدا لهم ما كانوا يخفون أي يجحدون من الشرك وعرفوا أنهم هالكون بشركهم فعدلوا إلى التمني والمواعيد الكاذبة وقيل بدا لهم ما كانوا يخفون من النفاق والكفر بشهادة جوارحهم عليهم وقيل بدا لهم ما كانوا يكتمون من أعمالهم القبيحة كما قال تعالى ) وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ( وقال المبرد بدا لهم جزاء كفرهم الذي كانوا يخفونه وهو مثل القول الأول وقيل المعنى أنه ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة ) ولو ردوا ( إلى الدنيا حسبما تمنوا ) لعادوا ( لفعل ما نهوا عنه
الأنعام : ( 29 ) وقالوا إن هي . . . . .
من القبائح التي رأسها الشرك كما عاين إبليس ما عاين من آيات الله ثم عاند ) وإنهم لكاذبون ( أي متصفون بهذه الصفة لا ينفكون عنها بحال من الأحوال ولو شاهدوا ما شاهدوا وقيل المعنى وإنهم لكاذبون فيما أخبروا به عن أنفسهم من الصدق والإيمان وقرأ يحيى بن وثاب ) ولو ردوا ( بكسر الراء لأن الأصل رددوا فنقلت كسرة الدال إلى الراء وجملة ) وإنهم لكاذبون ( معترضة بين المعطوف وهو وقالوا وبين المعطوف عليه وهو لعادوا أي لعادوا إلى ما نهوا عنه ) وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا ( أي ما هي إلا حياتنا الدنيا ) وما نحن بمبعوثين ( بعد الموت وهذا من شدة تمردهم وعنادهم حيث يقولون هذه المقالة على تقدير أنهم رجوا إلى الدنيا بعد مشاهدتهم للبعث
الأنعام : ( 30 ) ولو ترى إذ . . . . .
قوله ) ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ( قد تقدم تفسيره فى قوله ولو ترى إذ وقفوا على النار أي حبسوا على ما يكون من أمر ربهم فيهم وقيل على بمعنى عند وجواب لو محذوف أي لشاهدت أمرا عظيما والاستفهام فى ) أليس هذا بالحق ( للتقريع والتوبيخ أي أليس هذا البعث الذي ينكرونه كائنا موجودا وهذا الجزاء الذي يجحدونه حاضرا ) قالوا بلى وربنا ( اعترفوا بما أنكروا وأكدوا اعترافهم بالقسم ) قال فذوقوا العذاب ( الذي تشاهدونه وهو عذاب النار ) بما كنتم تكفرون ( أي بسبب كفركم به أو بكل شيء مما أمرتم بالإيمان به فى دار الدنيا
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ثم لم تكن فتنتهم ( قال معذرتهم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه ) ثم لم تكن فتنتهم ( قال حجتهم ) إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ( يعني المنافقين والمشركين قالوا وهم في النار هلم فلنكذب فلعله أن ينفعنا فقال الله ) انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ( فى القيامة ) ما كانوا يفترون ( يكذبون في الدنيا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله ) والله ربنا ما كنا مشركين ( ثم قال ) ولا يكتمون الله حديثا ( قال بجوارحهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ) انظر كيف كذبوا على أنفسهم ( قال باعتذارهم الباطل ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( قال ما كانوا يشركون وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ومنهم من يستمع إليك ( قال قريش وفى قوله ) وجعلنا على قلوبهم أكنة ( قال كالجعبة للنبل وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ( قال يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئا كمثل البهيمة التي لا تسمع النداء ولا تدرى ما يقال لها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال الغطاء أكن قلوبهم أن يفقهوه والوقر الصمم و ) أساطير الأولين ( أساجيع الأولين وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال أساطير الأولين أحاديث الأولين وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال أساطير الأولين كذب الأولين وباطلهم


"""""" صفحة رقم 110 """"""
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) وهم ينهون عنه وينأون عنه ( قال نزلت فى أبي طالب كان ينهى المشركين أن يردوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويتباعد عما جاء به وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن القاسم بن مخيمرة نحوه وأخرج ابن جرير عن عطاء نحوه أيضا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال ينهون عنه الناس أن يؤمنوا به وينأون عنه يتباعدون وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عنه قال لا يلقونه ولا يدعون أحدا يأتيه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن الحنفية في الآية قال كفار مكة كانوا يدفعون الناس عنه ولا يجيبونه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال ينهون عن القرآن وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وينأون عنه يتباعدون عنه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي هلال في الآية قال نزلت في عمومة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكانوا عشرة فكانوا أشد الناس معه في العلانية وأشد الناس عليه في السر وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ( قال من أعمالهم ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( يقول ولو وصل الله لهم دنيا كدنياهم التى كانوا فيها لعادوا إلى أعمالهم أعمال السوء التي كانوا نهوا عنها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى فقال ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( أي ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حيل بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا
سورة الأنعام الآية ( 31 36 )
الأنعام : ( 31 ) قد خسر الذين . . . . .
قوله ) قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ( هم الذين تقدم ذكرهم والمراد من تكذيبهم بلقاء الله تكذيبهم بالبعث وقيل تكذيبهم بالجزاء والأول أولى لأنهم الذين قالوا قريبا ) إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ( ) حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة (


"""""" صفحة رقم 111 """"""
أي القيامة وسميت ساعة لسرعة الحساب فيها ومعنى بغتة فجأة يقال بغتهم الأمر يبغتهم بغتا وبغتة قال سيبويه وهى مصدر في موضع الحال قال ولا يجوز أن يقاس عليه فلا يقال جاء فلان سرعة و ) حتى ( غاية للتكذيب لا للخسران فإنه لا غاية له ) قالوا يا حسرتنا ( هذا جواب إذا جاءتهم أوقعوا النداء على الحسرة وليست بمنادى في الحقيقة ليدل ذلك على كسرة تحسرهم والمعنى يا حسرتنا احضري فهذا أوانك كذا قال سيبويه في هذا النداء وأمثاله كقولهم يا للعجب ويا للرجل وقيل هو تنبيه للناس على عظم ما يحل بهم من الحسرة كأنهم قالوا يا أيها الناس تنبهوا على عظيم ما بنا من الحسرة والحسرة الندم الشديد ) على ما فرطنا فيها ( أي على تفريطنا في الساعة أي في الاعتداد لها والاحتفال بشأنها والتصديق بها ومعنى فرطنا ضيعنا وأصله التقدم يقال فرط فلان أي تقدم وسبق إلى الماء ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا فرطكم على الحوض ومنه الفارط أي المتقدم فكأنهم أرادوا بقولهم ) على ما فرطنا ( أي على ما قدمنا من عجزنا عن التصديق بالساعة والاعتداد لها وقال ابن جرير والطبري إن الضمير في فرطنا فيها يرجع إلى الصفقة وذلك أنهم لما تبين لهم خسران صفقتهم ببيعهم الإيمان بالكفر والدنيا بالآخرة ) قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا ( في صفقتنا وإن لم تذكر في الكلام فهو دال عليها لأن الخسران لا يكون إلى في صفقة وقيل الضمير راجع إلى الحياة أي على ما فرطنا في حياتنا قوله ) وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ( هذه الجملة حالية أي يقولون تلك المقالة والحال أنهم ) يحملون أوزارهم على ظهورهم ( أي ذنوبهم جمع وزر يقال وزر يزر فهو وازر وموزور وأصله من الوزر قال أبو عبيدة يقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع احمل وزرك أي ثقلك ومنه الوزير لأنه يحمل أثقال ما يسند إليه من تدبير الولاية والمعنى أنها لزمتهم الآثام فصاروا مثقلين بها وجعلها محمولة على الظهور تمثيل ) ألا ساء ما يزرون ( أي بئس ما يحملون
الأنعام : ( 32 ) وما الحياة الدنيا . . . . .
قوله ) وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو ( أي وما متاع الدنيا إلا لعب ولهو على تقدير حذف مضاف أو ما الدنيا من حيث هي إلا لعب ولهو والقصد بالآية تكذيب الكفار في قولهم ) ما هي إلا حياتنا الدنيا ( واللعب معروف وكذلك اللهو وكل ما يشغلك فقد ألهاك وقيل أصله الصرف عن الشيء ورد بأن اللهو بمعنى الصرف لامه ياء يقال لهيت عنه ولام اللهو واو يقال لهوت بكذا ) وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ( سميت آخرة لتأخرها عن الدنيا أي هي خير الذين يتقون الشرك والمعاصي أفلا تعقلون ذلك قرأ ابن عامر ) ولدار الآخرة ( بلام واحدة وبالإضافة وقرأ الجمهور باللام التى للتعريف معها وجعل الآخرة نعتا لها والخبر خير وقرئ تعقلون بالفوقية والتحتية
الأنعام : ( 33 ) قد نعلم إنه . . . . .
قوله ) قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ( هذا اللام مبتدأ مسوق لتسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عما ناله من النعم والحزن بتكذيب الكفار له ودخول قد للتكثير فإنها قد تأتى لإفادته كما تأتي رب والضمير في ) أنه ( للشأن وقرئ بفتح الياء من يحزنك وضمها وقرئ ) يكذبونك ( مشددا ومخففا واختار أبو عبيد قراءة التخفيف قال النحاس وقد خولف أبو عبيد في هذا ومعنى ) يكذبونك ( على التشديد ينسبونك إلى الكذب ويردون عليك ما قلته ومعنى المخفف أنهم لا يجدونك كذابا يقال أكذبته وجدته كذابا وأبخلته وجدته بخيلا وحكى الكسائى عن العرب أكذبت الرجل أخبرت أنه جاء بالكذب وكذبته أخبرت أنه كاذب وقال الزجاج كذبته إذا قلت له كذبت وأكذبته إذا أردت أن ما أتى به كذب والمعنى أن تكذيبهم ليس يرجع إليك فإنهم يعترفون لك بالصدق ولكن تكذيبهم راجع إلى ما جئت به ولهذا قال ) ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ( ووضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التوبيخ لهم والإزراء عليهم ووصفهم بالظلم


"""""" صفحة رقم 112 """"""
لبيان أن هذا الذي وقع منهم ظلم بين
الأنعام : ( 34 ) ولقد كذبت رسل . . . . .
قوله ) ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ( هذا من جملة التسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي أن هذا الذى وقع من هؤلاء إليك ليس هو بأول ما صنعه الكفار مع من أرسله الله إليهم بل قد وقع التكذيب لكثير من الرسل المرسلين من قبلك فاقتد بهم ولا تحزن واصبر كما صبروا على ما كذبوا به وأوذوا حتى يأتيك نصرنا كما أتاهم فإنا لا نخلف الميعاد و ) لكل أجل كتاب ( ) إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا ( ) ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ( ) إنهم لهم المنصورون (
) وإن جندنا لهم الغالبون ( ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( ) ولا مبدل لكلمات الله ( بل وعده كائن وأنت منصور على المكذبين ظاهر عليهم وقد كان ذلك ولله الحمد ) ولقد جاءك من نبإ المرسلين ( ما جاءك من تجرى قومهم عليهم في الابتداء وتكذيبهم لهم ثم نصرهم عليهم في الانتهاء وأنت ستكون عاقبة هؤلاء المكذبين لك كعاقبة المكذبين للرسل فيرجعون إليك ويدخلون في الدين الذي تدعوهم إليه طوعا أو كرها
الأنعام : ( 35 ) وإن كان كبر . . . . .
قوله ) وإن كان كبر عليك إعراضهم ( كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يكبر عليه إعراض قومه ويتعاظمه ويحزن له فبين له الله سبحانه أن هذا الذى وقع منهم من توليهم عن الإجابة له والإعراض عما دعا إليه هو كائن لا محالة لما سبق في علم الله عز وجل وليس في استطاعته وقدرته إصلاحهم وإجابتهم قبل أن يأذن الله بذلك ثم علق ذلك بما هو محال فقال ) فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض ( فتأتيهم بآية منه ) أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ( منها فافعل ولكنك لا تستطيع ذلك فدع الحزن و ) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( ) لست عليهم بمصيطر ( والنفق السرب والمنفذ ومنه النافقاء لجحر اليربوع ومنه المنافق وقد تقدم في البقرة ما يغنى عن الإعادة والسلم الدرج الذي يرتقى عليه وهو مذكر لا يؤنث وقال الفراء إنه يؤنث قال الزجاج وهو مشتق من السلامة لأنه يسلك به إلى موضع الأمن وقيل إن الخطاب وإن كان لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فالمراد به أمته لأنها كانت تضيق صدورهم بتمرد الكفرة وتصميمهم على كفرهم ولا يشعرون أن لله سبحانه في ذلك حكمة لا تبلغها العقول ولا تدركها الأفهام فإن الله سبحانه لو جاء لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بآية تضطرهم إلى الإيمان لم يبق للتكليف الذي هو الابتلاء والامتحان معنى ولهذا قال ) ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ( جمع إلجاء وقسر ولكنه لم يشأ ذلك ولله الحكمة البالغة ) فلا تكونن من الجاهلين ( فإن شدة الحرص والحزن لإعراض الكفار عن الإجابة قبل أن يأذن الله بذلك هو صنيع أهل الجهل ولست منهم فدع الأمور مفوضة إلى عالم الغيب والشهادة فهو أعلم بما فيه المصلحة ولا تحزن لعدم حصول ما يطلبونه من الآيات التى لو بدا لهم بعضها لكان إيمانهم بها اضطرارا
الأنعام : ( 36 ) إنما يستجيب الذين . . . . .
) إنما يستجيب الذين يسمعون ( أي إنما يستجيب لك إلى ما تدعو إليه الذين يسمعون سماع تفهم بما تقتضيه العقول وتوجبه الأفهام وهؤلاء ليس كذلك بل هو بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون ولا يعقلون لما جعلنا على قلوبهم من الأكنة وفى آذانهم من الوقر ولهذا قال ) والموتى يبعثهم الله ( شبههم بالأموات بجامع أنهم جميعا لا يفهمون الصواب ولا يعقلون الحق أي أن هؤلاء لا يلجئهم الله إلى الإيمان وإن كان قادرا على ذلك كما يقدر على بعثة الموتى للحساب ) ثم إليه يرجعون ( إلى الجزاء فيجازى كلا بما يليق به كما تقتضيه حكمته البالغة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) قالوا يا حسرتنا ( قال الحسرة الندامة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) يا حسرتنا ( قال الحسرة أن يرى أهل النار منازلهم من الجنة فتلك الحسرة وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ألا ساء ما يزرون ( قال ما يعملون


"""""" صفحة رقم 113 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) لعب ولهو ( قال كل لعب لهو وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والضياء في المختارة عن علي بن أبي طالب قال قال أبو جهل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله ) فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي يزيد المدني أن أبا جهل قال والله إني لأعلم أنه صادق ولكن متى كنا تبعا لبني عبد مناف وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن أبي مسيرة نحو رواية علي بن أبي طالب وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ( قال يعلمون أنك رسول الله ويجحدون وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ) ولقد كذبت رسل من قبلك ( قال يعزى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال ) فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض ( والنفق السرب فتذهب فيه فتأتيهم بآية أو تجعل لهم سلما في السماء فتصعد عليه ) فتأتيهم بآية ( أفضل مما أتيناهم به فافعل ) ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ( يقول سبحانه لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) نفقا في الأرض ( قال سربا ) أو سلما في السماء ( قال يعنى الدرج وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله ) إنما يستجيب الذين يسمعون ( قال المؤمنون ) والموتى ( قال الكفار وأخرج هؤلاء عن مجاهد مثله
سورة الإنعام الآية ( 37 39 )
الأنعام : ( 37 ) وقالوا لولا نزل . . . . .
هذا كان منهم تعنتا ومكابرة حيث لم يقتدوا بما قد أنزله الله على رسوله من الآيات البينات التى من جملتها القرآن وقد علموا أنهم قد عجزوا عن أن يأتوا بسورة مثله ومرادهم بالآية هنا هي التي تضطرهم إلى الإيمان كنزول الملائكة بمرأى منهم ومسمع أو نتق الجبل كما وقع لبني إسرائيل فأمره الله سبحانه أن يجيبهم بأن الله قادر على أن ينزل على رسوله آية تضطرهم إلى الإيمان ولكنه ترك ذلك لتظهر فائدة التكليف الذى هو الابتلاء والامتحان وأيضا لو أنزل آية كما طلبوا لم يمهلهم بعد نزولها بل سيعاجلهم بالعقوبة إذا لم يؤمنوا قال الزجاج طلبوا أن يجمعهم على الهدى يعني جمع إلجاء ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( أن الله قادر على ذلك وأنه تركه لحكمة بالغة لا تبلغها عقولهم
الأنعام : ( 38 ) وما من دابة . . . . .
قوله ) وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ( الدابة من دب يدب فهو داب إذا مشى مشيا فيه تقارب خطو وقد تقدم بيان ذلك في البقرة ) ولا طائر ( معطوف على ) دابة ( مجرور في قراءة الجمهور وقرأ الحسن وعبد الله بن أبي إسحاق ) ولا طائر ( بالرفع عطفا على موضع من دابة على تقدير زيادة من و ) بجناحيه ( لدفع الإيهام لأن العرب تستعمل الطيران لغير الطير كقولهم طرفي حاجتي


"""""" صفحة رقم 114 """"""
أي أسرع وقيل إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران ومع عدم الاعتدال يميل فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين وقيل ذكر الجناحين للتأكيد كضرب بيده وأبصر بعينيه ونحو ذلك والجناح أحد ناحيتي الطير الذى يتمكن به من الطيران في الهواء وأصله الميل إلى ناحية من النواحي والمعنى ما من دابة من الدواب التي تدب في أي مكان من أمكنة الأرض ولا طائر يطير في أي ناحية من نواحيها ) إلا أمم أمثالكم ( أي جماعات مثلكم خلقهم الله كما خلقكم ورزقهم كما رزقكم داخلة تحت علمه وتقديره وإحاطته بكل شيء وقيل ? أمثالنا ? في ذكر الله والدلالة عليه وقيل ? أمثالنا ? في كونهم محشورين روى ذلك عن أبي هريرة وقال سفيان بن عيينة أي ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه فمنهم من يعدو كالأسد ومنهم من يشره كالخنزير ومنهم من يعوي كالكلب ومنهم من يزهو كالطاوس وقيل ) أمثالكم ( في أن لها أسماء تعرف بها وقال الزجاج ) أمثالكم ( في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص والأولى أن تحمل المماثلة على كل ما يمكن وجود شبه فيه كائنا ما كان قوله ) ما فرطنا في الكتاب من شيء ( أي ما أغلقنا عنه ولا ضيعنا فيه من شيء والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ فإن الله أثبت فيه جميع الحوادث وقيل إن المراد به القرآن أي ما تركنا في القرآن من شيء من أمر الدين إما تفصيلا أو إجمالا ومثله قوله تعالى ) ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ( وقال ) وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ( ومن جملة ما أجمله في الكتاب العزيز قوله ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( فأمر من هذه الآية باتباع ما سنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكل حكم سنه الرسول لأمته قد ذكره الله سبحانه في كتابه العزيز بهذه الآية وبنحو قوله تعالى ) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ( وبقوله ) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( و ) من ( في ) من شيء ( مزيدة للاستغراق قوله ) ثم إلى ربهم يحشرون ( يعنى الأمم المذكورة وفيه دلالة على أنها تحشر كما يحشر بنو آدم وقد ذهب إلى هذا جمع من العلماء ومنهم أبو ذر وأبو هريرة والحسن وغيرهم وذهب ابن عباس إلي أن حشرها موتها به قال الضحاك والأول أرجح للآية ولما صح في السنة المطهرة من أنه يقاد يوم القيامة للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ولقول الله تعالى ) وإذا الوحوش حشرت ( وذهبت طائفة من العلماء إلى أن المراد بالحشر المذكور في الآية حشر الكفار وما تخلل كلام معترض قالوا وأما الحديث فالمقصود به التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص واستدلوا أيضا بأن في هذا الحديث خارج الصحيح عن بعض الرواة زيادة ولفظه حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء وللحجر لم ركب على الحجر والعود لم خدش العود قالوا والجمادات لا يعقل خطابها ولا ثوابها ولا عقابها
الأنعام : ( 39 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
قوله ) والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم ( أي لا يسمعون بأسماعهم ولا ينطقون بألسنتهم نزلهم منزلة من لا يسمع ولا ينطق لعدم قبولهم لما ينبغى قبوله من الحجج الواضحة والدلائل الصحيحة وقال أبو علي يجوز أن يكون صممهم وبكمهم في الآخرة قوله ) في الظلمات ( أي من ظلمات الكفر والجهل والحيرة لا يهتدون لشيء مما فيه صلاحهم والمعنى كائنين في الظلمات التي تمنع من إبصار المبصرات وضموا إلى الصمم والبكم عدم الانتفاع بالأبصار لتراكم الظلمة عليهم فكانت حواسهم كالمسلوبة التي لا ينتفع بها بحال وقد تقدم في البقرة تحقيق المقام بما يغنى عن الإعادة ثم بين سبحانه أن الأمر بيده ما شاء يفعل من شاء تعالى أن يضله أضله ومن شاء أن يهديه جملة على صراط مستقيم لا يذهب به إلى غير الحق ولا يمشي فيه إلا إلى صوب الاستقامة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله ) إلا أمم أمثالكم (


"""""" صفحة رقم 115 """"""
قال أصنافا مصنفة تعرف بأسمائها وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال الطير أمة والإنس أمة والجن أمة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال خلق أمثالكم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريح في الآية قال الذرة فما فوقها من ألوان ما خلق الله من الدواب وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ) ما فرطنا في الكتاب من شيء ( يعني ما تركنا شيئا إلا وقد كتبناه في أم الكتاب وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ثم إلى ربهم يحشرون ( قال موت البهائم حشرها وفى لفظ قال يعني بالحشر الموت وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال ما من دابة ولا طائر إلا سيحشر يوم القيامة ثم يقتص لبعضها من بعض حتى يقتص للجلحاء من ذات القرن ثم يقال لها كوني ترابا فعند ذلك يقول الكافر ) يا ليتني كنت ترابا ( وإن شئتم فاقرءوا ) وما من دابة في الأرض ( الآية وأخرج ابن جرير عن أبي ذر قال انتطحت شاتان عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لي يا أبا ذر أتدري فيم انتطحتا قلت لا قال لكن الله يدري وسيقضى بينهما قال أبو ذر ولقد تركنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وما يقلب طائر جناحيه في السماء ولا ذكرنا منه علما وأخرجه أيضا أحمد وفى صحيح مسلم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء
سورة الأنعام الآية ( 40 45 )
الأنعام : ( 40 ) قل أرأيتكم إن . . . . .
قوله ) أرأيتكم ( الكاف والميم عند البصرين للخطاب ولا حظ لهما في الإعراب وهو اختيار الزجاج وقال الكسائي والفراء وغيرهما إن الكاف والميم في محل نصب بوقوع الرؤية عليهما والمعنى أرأيتم أنفسكم قال في الكشاف مرجحا للمذهب الأول إنه لا محل للضمير الثاني يعني الكاف من الإعراب لأنك تقول أرأيتك زيدا ما شأنه فلو جعلت للكاف محلا لكنت كأنك تقول أرأيت نفسك زيدا ما شأنه وهو خلف من القول انتهى والمعنى أخبروني ) إن أتاكم عذاب الله ( كما أتى غيركم من الأمم ) أو أتتكم الساعة ( أي القيامة ) أغير الله تدعون ( هذا على طريقة التبكيت والتوبيخ أي أتدعون غير الله في هذه الحالة من الأصنام التي تعبدونها أم تدعون الله سبحانه وقوله ) إن كنتم صادقين ( تأكيد لذلك التوبيخ أي أغير الله من الأصنام تدعون إن كنتم صادقين أن أصنامكم تضر وتنفع وأنها آلهة كما تزعمون
الأنعام : ( 41 ) بل إياه تدعون . . . . .
قوله ) بل إياه تدعون ( معطوف على منفى مقدر


"""""" صفحة رقم 116 """"""
أي لا تدعون غيره بل إياه تخصون بالدعاء ) فيكشف ما تدعون إليه ( أي فيكشف عنكم ما تدعونه إلى كشفه إن شاء أن يكشفه عنكم لا إذا لم يشأ ذلك قوله ) وتنسون ما تشركون ( أي وتنسون عند أن يأتيكم العذاب ما تشركون به تعالى أي ما تجعلونه شريكا له من الأصنام ونحوها فلا تدعونها ولا ترجون كشف ما بكم منها بل تعرضون عنها إعراض الناس وقال الزجاج يجوز أن يكون المعنى وتتركون ما تشركون
الأنعام : ( 42 ) ولقد أرسلنا إلى . . . . .
قوله ) ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ( كلام مبتدأ مسوق لتسلية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي ولقد أرسلنا إلى أمم كائنة من قبلك رسلا فكذبوهم ) فأخذناهم بالبأساء والضراء ( أي البؤس والضر وقيل البأساء المصائب في الأموال والضراء المصائب في الأبدان وبه قال الأكثر ) لعلهم يتضرعون ( أي يدعون الله بضراعة مأخوذ من الضراعة وهي الذل يقال ضرع فهو ضارع ومنه قول الشاعر لبيك يزيد ضارع لخصومة
ومختبط مما تطيح الطوائح
الأنعام : ( 43 ) فلولا إذ جاءهم . . . . .
قوله ) فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ( أي فهلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا لكنهم لم يتضرعوا وهذا عتاب لهم على ترك الدعاء في كل الأحوال حتى عند نزول العذاب بهم لشدة تمردهم وغلوهم في الكفر ويجوز أن يكون المعنى أنهم تضرعوا عند أن نزل بهم العذاب وذلك تضرع ضروري لم يصدر عن إخلاص فهو غير نافع لصاحبه والأول أولى كما يدل عليه ) ولكن قست قلوبهم ( أي صلبت وغلظت ) وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ( أي أغواهم بالتصميم على الكفر والاستمرار على المعاصي
الأنعام : ( 44 ) فلما نسوا ما . . . . .
قوله ) فلما نسوا ما ذكروا به ( أي تركوا ما ذكروا به أو أعرضوا عما ذكروا به لأن النسيان لو كان على حقيقته لم يؤاخذوا به إذ ليس هو من فعلهم وبه قال ابن عباس وابن جريج وأبو علي الفارسي والمعنى أنهم لما تركوا الاتعاظ بما ذكروا به من البأساء والضراء وأعرضوا عن ذلك ) فتحنا عليهم أبواب كل شيء ( أي لما نسوا ما ذكروا به استدرجناهم بفتح أبواب كل نوع من أنواع الخير عليهم ) حتى إذا فرحوا بما أوتوا ( من الخير على أنواعه فرح بطر وأشر وأعجبوا بذلك وظنوا أنهم إنما أعطوه لكون كفرهم الذى هم عليه حقا وصوابا ) أخذناهم بغتة ( أي فجأة وهم غير مترقبين لذلك والبغتة الأخذ على غرة من غير تقدمة أمارة وهي مصدر في موضع الحال لا يقاس عليها عند سيبويه قوله ) فإذا هم مبلسون ( المبلس الحزين الآيس من الخير لشدة ما نزل به من سوء الحال ومن ذلك اشتق اسم إبليس يقال أبلس الرجل إذا سكت وأبلست الناقة إذا لم ترع قال العجاج صاح هل تعرف رسما مكرسا
قال نعم أعرفه وأبلسا
أي تحير لهول ما رأى والمعنى فإذا هم محزونون متحيرون آيسون من الفرح
الأنعام : ( 45 ) فقطع دابر القوم . . . . .
قوله ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا ( الدابر الآخر يقال دبر القوم يدبرهم دبرا إذا كان آخرهم في المجيء والمعنى أنه قطع آخرهم أي استؤصلوا جميعا حتى آخرهم قال قطرب يعني أنهم استؤصلوا وأهلكوا قال أمية بن أبي الصلت فأهلكوا بعذاب حص دابرهم
فما استطاعوا له صرفا ولا انتصروا
ومنه التدبير لأنه أحكام عواقب الأمور قوله ) والحمد لله رب العالمين ( أي على هلاكهم وفيه تعليم للمؤمنين كيف يحمدونه سبحانه عند نزول النعم التي من أجلها هلاك الظلمة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فإنهم أشد على عباد الله من كل شديد اللهم أرح عبادك المؤمنين من ظلم الظالمين واقطع دابرهم وأبدلهم بالعدل الشامل لهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله ) فأخذناهم بالبأساء والضراء ( قال خوف السلطان وغلاء السعر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فلما نسوا ما ذكروا به ( قال


"""""" صفحة رقم 117 """"""
يعني تركوا ما ذكروا به وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج ) فلما نسوا ما ذكروا به ( قال ما دعاهم الله إليه ورسله أبوه وردوه عليهم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فتحنا عليهم أبواب كل شيء ( قال رخاء الدنيا ويسرها وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) حتى إذا فرحوا بما أوتوا ( قال من الرزق ) أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ( قال مهلكون متغير حالهم ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا ( يقول فقطع أصل الذين ظلموا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن النضر الحارثي في قوله ) أخذناهم بغتة ( قال أمهلوا عشرين سنة ولا يخفى أن هذا مخالف لمعنى البغتة لغة ومحتاج إلى نقل عن الشارع وإلا فهو كلام لا طائل تحته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال المبلس المجهود المكروب الذى قد نزل به الشر الذي لا يدفعه والمبلس أشد من المستكين وفى قوله ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا ( قال استؤصلوا
سورة الأنعام الآية ( 46 49 )
الأنعام : ( 46 ) قل أرأيتم إن . . . . .
هذا تكرير للتوبيخ لقصد تأكيد الحجة عليهم ووحد السمع لأنه مصدر يدل على الجمع بخلاف البصر ولهذا جمعه والختم الطبع وقد تقدم تحقيقه فى البقرة والمراد أخذ المعاني القائمة بهذه الجوارح أو أخذ الجوارح نفسها والاستفهام في ) من إله غير الله يأتيكم به ( للتوبيخ ) ومن ( مبتدأ و ) إله ( خبره و ) غير الله ( صفة للخبر ووحد الضمير في ) به ( مع أن المرجع متعدد على معنى فمن يأتيكم بذلك المأخوذ أو المذكور وقيل الضمير راجع إلى أحد هذه المذكورات وقيل إن الضمير بمنزلة اسم الإشارة أي يأتيكم بذلك المذكور ثم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالنظر في تصريف الآيات وعدم قبولهم لها تعجيبا له من ذلك والتصريف المجيء بها على جهات مختلفة تارة إنذار وتارة إعذار وتارة ترغيب وتارة ترهيب وقوله ) ثم هم يصدفون ( عطف على نصرف ومعنى يصدفون يعرضون يقال صدف عن الشيء إذا أعرض عنه صدفا وصدوفا
الأنعام : ( 47 ) قل أرأيتكم إن . . . . .
قوله ) قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله ( أي أخبروني عن ذلك وقد تقدم تفسير البغتة قريبا أنها الفجأة قال الكسائي بغتهم يبغتهم بغتا وبغتة إذا أتاهم فجأة أي من دون تقديم مقدمات تدل على العذاب والجهرة أن يأتي العذاب بعد ظهور مقدمات تدل عليه وقيل البغتة إتيان العذاب ليلا والجهرة إتيان العذاب نهارا كما في قوله تعالى ) بياتا أو نهارا ( ) هل يهلك إلا القوم الظالمون ( الاستفهام للتقرير أي ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا القوم الظالمون وقريء ) يهلك ( على البناء للفاعل قال الزجاج معناه هل يهلك إلا أنتم ومن أشبهكم انتهى
الأنعام : ( 48 ) وما نرسل المرسلين . . . . .
قوله ) وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ( كلام مبتدأ لبيان الغرض من إرسال الرسل أي مبشرين لمن أطاعهم


"""""" صفحة رقم 118 """"""
بما أعد الله له من الجزاء العظيم ومنذرين لمن عصاهم بما له عند الله من العذاب الوبيل وقيل مبشرين في الدنيا بسعة الرزق وفى الآخرة بالثواب ومنذرين مخوفين بالعقاب وهما حالان مقدرتان أي ما نرسلهم إلا مقدرين تبشيرهم وإنذارهم ) فمن آمن وأصلح ( أي آمن بما جاءت به الرسل ) وأصلح ( حال نفسه بفعل ما يدعونه إليه ) فلا خوف عليهم ( بوجه من الوجوه ) ولا هم يحزنون ( بحال من الأحوال هذا حال من آمن وأصلح
الأنعام : ( 49 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
وأما حال المكذبين فهو أنه يمسهم العذاب بسبب فسقهم أي خروجهم عن التصديق والطاعة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) يصدفون ( قال يعدلون وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) يصدفون ( قال يعرضون وقال في قوله ) قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة ( قال فجأة آمنين أو جهرة قال وهم ينظرون وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال كل فسق في القرآن فمعناه الكذب
سورة الأنعام الآية ( 50 55 )
الأنعام : ( 50 ) قل لا أقول . . . . .
أمره الله سبحانه بأن يخبرهم لما كثر اقتراحهم عليه وتعنتهم بإنزال الآيات التي تضطرهم إلى الإيمان أنه لم يكن عنده خزائن الله حتى يأتيهم بما اقترحوه من الآيات والمراد خزائن قدرته التى تشتمل على كل شيء من الأشياء ويقول لهم إنه لا يعلم الغيب حتى يخبرهم به ويعرفهم بما سيكون في مستقبل الدهر ) ولا أقول لكم إني ملك ( حتى تكلفوني من الأفعال الخارقة للعادة ما لا يطيقه البشر وليس في هذا ما يدل على أن الملائكة أفضل من الأنبياء وقد اشتغل بهذه المفاضلة قوم من أهل العلم ولا يترتب على ذلك فائدة دينية ولا دنيوية بل الكلام في مثل هذا من الاشتغال بما لا يعنى ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) إن أتبع إلا ما يوحى إلي ( أي ما أتبع إلا ما يوحيه الله إلي وقد تمسك بذلك من لم يثبت اجتهاد الأنبياء عملا بما يفيده القصر في هذه الآية والمسئلة مدونه في الأصول والأدلة عليها معروفة وقد صح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال أوتيت القرآن ومثله معه


"""""" صفحة رقم 119 """"""
) قل هل يستوي الأعمى والبصير ( هذا الاستفهام للإنكار والمراد أنه لا يستوي الضال والمهتدي أو المسلم والكافر أو من اتبع ما أوحي إليه ومن لم يتبعه والكلام تمثيل ) أفلا تتفكرون ( في ذلك حتى تعرفوا عدم الاستواء بينهما فإنه بين لا يلتبس على من له أدنى عقل وأقل تفكر
الأنعام : ( 51 ) وأنذر به الذين . . . . .
قوله ) وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ( الإنذار الإعلام والضمير فى به راجع إلى ما يوحى وقيل إلى الله وقيل إلى اليوم الآخر وخص الذين يخافون أن يحشروا لأن الإنذار يؤثر فيهم لما حل بهم من الخوف بخلاف من لا يخاف الحشر من طوائف الكفر لجحوده به وإنكاره له فإنه لا يؤثر فيه ذلك قيل ومعنى يخافون يعلمون ويتيقنون أنهم محشورون فيشمل كل من آمن بالبعث من المسلمين وأهل الذمة وبعض المشركين وقيل معنى الخوف على حقيقته والمعنى أنه ينذر به من يظهر عليه الخوف من الحشر عند أن يسمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يذكره وإن لم يكن مصدقا به في الأصل لكنه يخاف أن يصح ما أخبر به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإن من كان كذلك تكون الموعظة فيه أنجع والتذكير له أنفع قوله ) ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع ( الجملة في محل نصب على الحال أي أنذر به هؤلاء الذين يخافون الحشر حال كونهم لا ولي لهم يواليهم ولا نصير يناصرهم ولا شفيع يشفع لهم من دون الله وفيه رد على من زعم من الكفار المعترفين بالحشر أن أباءهم يشفعون لهم وهم أهل الكتاب أو أن أصنامهم تشفع لهم وهم المشركون
الأنعام : ( 52 ) ولا تطرد الذين . . . . .
قوله ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ( الدعاء العبادة مطلقا وقيل المحافظة على صلاة الجماعة وقيل الذكر وقراءة القرآن وقيل المراد الدعاء لله بجلب النفع ودفع الضرر قيل والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام على ذلك والاستمرار وقيل هو على ظاهره و ) يريدون وجهه ( في محل نصب على الحال والمعنى أنهم مخلصون في عبادتهم لا يريدون بذلك إلا وجه الله تعالى أي يتوجهون بذلك إليه لا إلى غيره قوله ) ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء ( هذا كلام معترض بين النهي وجوابه متضمن لنفي الحامل على الطرد أي حساب هؤلاء الذين أردت أن تطردهم موافقة لمن طلب ذلك منك هو على أنفسهم ما عليك منه شيء وحسابك على نفسك ما عليهم منه شيء فعلام تطردهم هذا على فرض صحة وصف من وصفهم بقوله ) وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ( وطعن عندك في دينهم وحسبهم فكيف وقد زكاهم الله عز وجل بالعبادة والإخلاص وهذا هو مثل قوله تعالى ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( وقوله ) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( وقوله ) إن حسابهم إلا على ربي ( قوله ) فتطردهم ( جواب النفي في قوله ) ما عليك من حسابهم من شيء ( وهو من تمام الاعتراض أي إذا كان الأمر كذلك فأقبل عليهم وجالسهم ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل ومن في ) ما عليك من حسابهم من شيء ( للتبعيض والثانية للتوكيد وكذا في ) وما من حسابك عليهم من شيء ( قوله ) فتكون من الظالمين ( جواب للنهي أعني ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم ( أي فإن فعلت ذلك كنت من الظالمين وحاشاه عن وقوع ذلك وإنما هو من باب التعريض لئلا يفعل ذلك غيره ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل الإسلام كقوله تعالى ) لئن أشركت ليحبطن عملك ( وقيل إن ) فتكون من الظالمين ( معطوف على ) فتطردهم ( على طريق التسبب والأول أولى
الأنعام : ( 53 ) وكذلك فتنا بعضهم . . . . .
قوله ) وكذلك فتنا بعضهم ببعض ( أي مثل ذلك الفتن العظيم فتنا بعض الناس ببعض والفتنة الاختبار أي عاملناهم معاملة المختبرين واللام في ) ليقولوا ( للعاقبة أي ليقول البعض الأول مشيرين إلى البعض الثاني ) أهؤلاء ( الذين ) من الله عليهم من بيننا ( أي أكرمهم بإصابة الحق دوننا قال النحاس وهذا من المشكل لأنه يقال كيف فتنوا ليقولوا هذا القول وهو إن كان على طريقة الإنكار كفر وأجاب بجوابين


"""""" صفحة رقم 120 """"""
الأول أن ذلك واقع منهم على طريقة الاستفهام لا على سبيل الإنكار والثاني أنهم لما اختبروا بهذا كان عاقبته هذا القول منهم كقوله ) فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ( قوله ) أليس الله بأعلم بالشاكرين ( هذا الاستفهام للتقرير والمعنى أن مرجع الاستحقاق لنعم الله سبحانه هو الشكر وهو أعلم بالشاكرين له فما بالكم تعترضون بالجهل وتنكرون الفضل
الأنعام : ( 54 ) وإذا جاءك الذين . . . . .
قوله ) وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ( هم الذين نهاه الله عن طردهم وهم المستضعفون من المؤمنين كما سيأتي بيانه ) فقل سلام عليكم ( أمره الله بأن يقول لهم هذا القول تطييبا لخواطرهم وإكراما لهم والسلام والسلامة بمعنى واحد فمعنى سلام عليكم سلمكم الله وقد كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد نزول هذه الآية إذا رآهم بدأهم بالسلام وقيل إن هذا السلام هو من جهة الله أي أبلغهم منا السلام قوله ) كتب ربكم على نفسه الرحمة ( أي أوجب ذلك إيجاب فضل وإحسان وقيل كتب ذلك في اللوح المحفوظ قيل هذا من جملة ما أمره الله سبحانه بإبلاغه إلى أولئك الذين أمره بإبلاغ السلام إليهم تبشيرا بسعة مغفرة الله وعظيم رحمته قوله ) أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ( قرأ ابن عامر وعاصم ونافع بفتح أن من أنه وقرأ الباقون بكسرها فعلى القراءة الأولى تكون هذه الجملة بدلا من الرحمة أي كتب ربكم على نفسه أنه من عمل إلى آخره وعلى القراءة الثانية تكون هذه الجملة مفسرة للرحمة بطريق الاستئناف وموضع بجهالة النصب على الحال أي عمله وهو جاهل قيل والمعنى أنه فعل فعل الجاهلين لأن من عمل ما يؤدى إلى الضرر في العاقبة مع علمه بذلك أو ظنه فقد فعل فعل أهل الجهل والسفه لا فعل أهل الحكمة والتدبير وقيل المعنى أنه عمل ذلك وهو جاهل لما يتعلق به من المضرة فتكون فائدة التقييد بالجهالة الإيذان بأن المؤمن لا يباشر ما يعلم أنه يؤدي إلى الضرر قوله ) ثم تاب من بعده ( أي من بعد عمله ) وأصلح ( ما أفسده بالمعصية فراجع الصواب وعمل الطاعة ) فأنه غفور رحيم ( قرأ ابن عامر وعاصم بفتح الهمزة من ) فإنه ( وقرأ الباقون بالكسر فعلى القراءة الأولى تكون أن وما بعدها خبر مبتدأ محذوف أي فأمره أن الله غفور رحيم وهذا اختيار سيبويه واختار أبو حاتم أن الجملة في محل رفع على الابتداء والخبر مضمر كأنه قيل فله ) فأنه غفور رحيم ( قال لأن المبتدأ هو ما بعد الفاء وأما على القراءة الثانية فالجملة مستأنفة
الأنعام : ( 55 ) وكذلك نفصل الآيات . . . . .
قوله ) وكذلك نفصل الآيات ( أي مثل ذلك التفصيل نفصلها والتفصيل التبيين والمعنى أن الله فصل لهم ما يحتاجون إليه من أمر الدين وبين لهم حكم كل طائفة قوله ) ولتستبين سبيل المجرمين ( قال الكوفيون هو معطوف على مقدر أي وكذلك نفصل الآيات لنبين لكم ولتستبين قال النحاس وهذا الحذف لا يحتاج إليه وقيل إن دخول الواو للعطف على المعنى قرئ ? لتستبين ? بالفوقية والتحتية فالخطاب على الفوقية للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي لتستبين يا محمد سبيل المجرمين وسبيل منصوب على قراءة نافع وأما على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحفص بالرفع فالفعل مسند إلى سبيل وأما عل التحتية فالفعل مسند إلى سبيل أيضا وهى قراءة حمزة والكسائي وشعبة بالرفع وإذا استبان سبيل المجرمين فقد استبان سبيل المؤمنين
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) قل هل يستوي الأعمى والبصير ( قال الأعمى الكافر الذى عمى عن حق الله وأمره ونعمه عليه والبصير العبد المؤمن الذى أبصر بصرا نافعا فوحد الله وحده وعمل بطاعة ربه وانتفع بما أتاه الله وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن مسعود قال مر الملأ من قريش على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين


"""""" صفحة رقم 121 """"""
فقالوا يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك ) أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ( أنحن نكون تبعا لهؤلاء اطردهم عنا فلعلك إن طردتهم أن نتبعك فأنزل الله فيهم القرآن ) وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ( إلى قوله ) والله عليم بالظالمين ( وقد أخرج هذا السبب مطولا ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة وفيه إن الذين جاءوا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل والحارث بن عامر بن نوفل ومطعم بن عدي بن الخيار بن نوفل في أشراف الكفار من عبد مناف وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن خباب قال جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فذكر نحو حديث عبد الله بن مسعود مطولا قال ابن كثير هذا حديث غريب فإن هذه الآية مكية والأقرع وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص قال لقد نزلت هذه الآية في ستة أنا وعبد الله بن مسعود وبلال ورجل من هذيل ورجلان لست أسميهما فقال المشركين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) اطرد هؤلاء عنك لا يجترئون علينا فوقع في نفس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ( وقد روى في بيان السبب روايات موافقة لما ذكرنا في المعنى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) بالغداة والعشي ( قال يعنى الصلاة المكتوبة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال الصلاة المكتوبة الصبح والعصر وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في الآية قال هم أهل الذكر لا تطردهم عن الذكر قال سفيان أي أهل الفقه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وكذلك فتنا بعضهم ببعض ( يعنى أنه جعل بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء فقال الأغنياء للفقراء ) أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ( يعني أهؤلاء هداهم الله وإنما قالوا ذلك استهزاء وسخرية وأخرج ابن المنذر عن ابن جريح ) أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ( أي لو كان لهم كرامة على الله ما أصابهم هذا الجهد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ماهان قال أتى قوم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا إنا أصبنا ذنوبا عظاما فما رد عليهم شيئا فانصرفوا فأنزل الله ) وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ( الآية فدعاهم فقرأها عليهم وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال أخبرت أن قوله ) سلام عليكم ( كانوا إذا دخلوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بدأهم بالسلام فقال ) سلام عليكم ( وإذا لقيهم فكذلك أيضا
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ) وكذلك نفصل الآيات ( قال نبين الآيات وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) ولتستبين سبيل المجرمين ( قال الذين يأمرونك بطرد هؤلاء
سورة الأنعام الآية ( 56 58 )


"""""" صفحة رقم 122 """"""
سورة الأنعام الآية ( 59 )
الأنعام : ( 56 ) قل إني نهيت . . . . .
قوله ) قل إني نهيت ( أمره الله سبحانه أن يعود إلى مخاطبة الكفار ويخبرهم بأنه نهى عن عبادة ما يدعونه ويعبدونه من دون الله أي نهاه الله عن ذلك وصرفه وزجره ثم أمره سبحانه بأن يقول لهم ) لا أتبع أهواءكم ( أي لا أسلك المسلك الذى سلكتموه في دينكم من اتباع الأهواء والمشى على ما توجبه المقاصد الفاسدة التى يتسبب عنها الوقوع في الضلال قوله ) قد ضللت إذا ( أي اتبعت أهواءكم فيما طلبتموه من عبادة معبوداتكم وطرد من أردتم طرده ) وما أنا من المهتدين ( إن فعلت ذلك وهذه الجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها والمجيء بها اسمية عقب تلك الفعلية للدلالة على الدوام والثبات وقرىء ) ضللت ( بفتح اللام وكسرها وهما لغتان قال أبو عمرو ضللت بكسر اللام لغة تميم وهى قراءة ابن وثاب وطلحة بن مصرف والأولى هى الأصح والأفصح لأنها لغة أهل الحجاز وهى قراءة الجمهور قال الجوهري والضلال والضلالة ضد الرشاد وقد ضللت أضل
قال الله تعالى ) قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي ( قال فهذه يعني المفتوحة لغة نجد وهى الفصيحة وأهل العالية يقول ضللت بالكسر أضل انتهى
الأنعام : ( 57 ) قل إني على . . . . .
قوله ) قل إني على بينة من ربي ( البينة الحجة والبرهان أي إني على برهان من ربي ويقين لا على هوى وشك أمره الله سبحانه بأن يبين لهم أن ما هو عليه من عبادة ربه هو عن حجة برهانية يقينية لا كما هم عليه من اتباع الشبه الداحضة والشكوك الفاسدة التى لا مستند لها إلا مجرد الأهوية الباطلة قوله ) وكذبتم به ( أي بالرب أو بالعذاب أو بالقرآن أو بالبينة والتذكير للضمير باعتبار المعنى وهذه الجملة إما حالية بتقدير قد أي والحال أن قد كذبتم به أو جملة مستأنفة مبينة لما هم عليه من التكذيب بما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الحجج الواضحة والبراهين البينة قوله ) ما عندي ما تستعجلون به ( أخبرهم بأنه لم يكن عنده ما يتعجلونه من العذاب فإنهم كانوا لفرط تكذيبهم يستعجلون نزوله استهزاء نحو قوله ) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ( وقولهم ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ( وقولهم ) متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( وقيل ) ما عندي ما تستعجلون به ( من الآيات التى تقترحونها علي قوله ) إن الحكم إلا لله ( أي ما الحكم في كل شيء إلا لله سبحانه ومن جملة ذلك ما تستعجلون به من العذاب أو الآيات المقترحة والمراد الحكم الفاصل بين الحق والباطل قوله ) يقص الحق ( قرأ نافع وابن كثير وعاصم ) يقص ( بالقاف والصاد المهملة وقرأ الباقون ) يقضي ( بالضاد المعجمة والياء وكذا قرأ علي وأبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن المسيب وهو مكتوب في المصحف بغير ياء فعلى القراءة الأولى هو من القصص أي يقص القصص الحق أو من قص أثره أي يتبع الحق فيما يحكم به وعلى القراءة الثانية هو من القضاء أي يقضى القضاء بين عباده والحق منتصب على المفعولية أو على أنه صفة لمصدر محذوف أي يقضى القضاء الحق أو يقص القصص الحق ) وهو خير الفاصلين ( أي بين الحق والباطل بما يقتضى به بين عباده ويفصله لهم في كتابه
الأنعام : ( 58 ) قل لو أن . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم ) لو أن عندي ما تستعجلون به ( أي ما تطلبون تعجيله بأن يكون إنزاله بكم مقدورا لي وفى وسعي ) لقضي الأمر بيني وبينكم ( أي لقضى الله الأمر بيننا بأن ينزله الله سبحانه بكم بسؤالي له وطلبي ذلك أو المعنى لو كان العذاب الذى تطلبونه وتستعجلون به عندي وفى قبضتي لأنزلته بكم وعند ذلك يقضى الأمر بيني وبينكم ) والله أعلم بالظالمين ( وبالوقت الذى ينزل فيه عذابهم وبما تقتضيه


"""""" صفحة رقم 123 """"""
مشيئته من تأخيره استدراجا لهم وإعذارا إليهم
الأنعام : ( 59 ) وعنده مفاتح الغيب . . . . .
قوله ) وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ( المفاتح جمع مفتح بالفتح وهو المخزن أي عنده مخازن الغيب جعل للأمور الغيبية مخازن تخزن فيها على طريق الاستعارة أو جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح جعل للأمور الغيبية مفاتح يتوصل بها إلى ما فى المخازن منها على طريق الاستعارة أيضا ويؤيد أنها جمع مفتح بالكسر قراءة ابن السميفع ) وعنده مفاتح الغيب ( فإن المفاتيح جمع مفتاح والمعنى إن عنده سبحانه خاصة مخازن الغيب أو المفاتح التى يتوصل بها إلى المخازن وقوله ) لا يعلمها إلا هو ( جملة مؤكدة لمضمون الجملة الأولى وأنه لا علم لأحد من خلقه بشيء من الأمور الغيبية التى استأثر الله بعلمها ويندرج تحت هذه الآية علم ما يستعجله الكفار من العذاب كما يرشد إليه السياق اندراجا أوليا وفى هذه الآية الشريفة ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين والرمليين وغيرهم من المدعين ما ليس من شأنهم ولا يدخل تحت قدرتهم ولا يحيط به علمهم ولقد ابتلى الإسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة والأنواع المخذولة ولم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم بغير خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق ( صلى الله عليه وسلم ) من أتى كاهنا أو منجما فقد كفر بما أنزل على محمد قوله ) ويعلم ما في البر والبحر ( خصهما بالذكر لأنهما من أعظم مخلوقات الله أي يعلم ما فيهما من حيوان وجماد علما مفصلا لا يخفى عليه منه شيء أو خصهما لكونهما أكثر ما يشاهده الناس ويتطلعون لعلم ما فيهما ) وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ( أي من ورق الشجر وهو تخصيص بعد التعميم أي يعلمها ويعلم زمان سقوطها ومكانه وقيل المراد بالورقة ما يكتب فيه الآجال والأرزاق وحكى النقاش عن جعفر بن محمد أن الورقة يراد بها هنا السقط من أولاد بني آدم قال ابن عطية وهذا قول جار على طريقة الرموز ولا يصح عن جعفر بن محمد ولا ينبغى أن يلتفت إليه ) ولا حبة ( كائنة ) في ظلمات الأرض ( أي في الأمكنة المظلمة وقيل في بطن الأرض ) ولا رطب ولا يابس ( بالخفض عطفا على حبة وهى معطوفة على ورقة وقرأ ابن السميفع والحسن وغيرهما بالرفع عطفا على موضع من ورقة وقد شمل وصف الرطوبة واليبوسة جميع الموجودات قوله ) إلا في كتاب مبين ( هو اللوح المحفوظ فتكون هذه الجملة بدل اشتمال من ) إلا يعلمها ( وقيل هو عبارة عن علمه فتكون هذه الجملة بدل كل من تلك الجملة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي عمران الجوني في قوله ) قل إني على بينة من ربي ( قال على ثقة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله ) لقضي الأمر بيني وبينكم ( قال لقامت الساعة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وعنده مفاتح الغيب ( قال يقول خزائن الغيب وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وعنده مفاتح الغيب ( قال هن خمس ) إن الله عنده علم الساعة ( إلى قوله ) عليم خبير ( وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن ابن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ) وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ( قال ما من شجرة من بر ولا بحر إلا وبها ملك يكتب ما يسقط من ورقها وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد نحوه وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن جحادة في قوله ) وما تسقط من ورقة ( قال لله تبارك وتعالى شجرة تحت العرش ليس مخلوق إلا له فيها ورقة فإذا سقطت ورقته خرجت روحه من جسده فذلك قوله ) وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ( وأخرج الخطيب في تاريخه بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله


"""""" صفحة رقم 124 """"""
( صلى الله عليه وسلم ) قال ما من زرع على الأرض ولا ثمار على أشجار إلا عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم هذا رزق فلان بن فلان فذلك قوله تعالى ) وما تسقط من ( الآية وقد رواه يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية ) ولا رطب ولا يابس ( فقال الرطب واليابس من كل شيء
سورة الأنعام الآية ( 60 62 )
الأنعام : ( 60 ) وهو الذي يتوفاكم . . . . .
قوله ) يتوفاكم بالليل ( أي ينيمكم فيقبض فيه نفوسكم التى بها تميزون وليس ذلك موتا حقيقة فهو مثل قوله ) الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ( والتوفى استيفاء الشيء وتوفيت الشيء واستوفيته إذا أخذته أجمع قال الشاعر إن بنى الأدرم ليسوا من أحد
ولا توفاهم قريش في العدد
قيل الروح إذا خرجت من البدن في ا لمنام بقيت فيه الحياة وقيل لا تخرج منه الروح بل الذهن فقط والأولى أن هذا أمر لا يعرفه إلا الله سبحانه قوله ) ويعلم ما جرحتم بالنهار ( أي كسبتم بجوارحكم من الخير والشر قوله ) ثم يبعثكم فيه ( أي فى النهار يعني اليقظة وقيل يبعثكم من القبور فيه أي فى شأن ذلك الذي قطعتم فيه أعماركم من النوم بالليل والكسب بالنهار وقيل فى الكلام تقديم وتأخير والتقدير هو الذي يتوفاكم بالليل ثم يبعثكم بالنهار ويعلم ما جرحتم فيه وقيل ثم يبعثكم فيه أي فى المنام ومعنى الآية أن إمهاله تعالى للكفار ليس للغفلة عن كفرهم فإنه عالم بذلك ولكن ) ليقضى أجل مسمى ( أي معين لكل فرد من أفراد العباد من حياة ورزق ) ثم إليه مرجعكم ( أي رجوعكم بعد الموت ) ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ( فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته
الأنعام : ( 61 ) وهو القاهر فوق . . . . .
قوله ) وهو القاهر فوق عباده ( المراد فوقية القدرة والرتبة كما يقال السلطان فوق الرعية وقد تقدم بيانه في أول السورة قوله ) ويرسل عليكم حفظة ( أي ملائكة جعلهم الله حافظين لكم ومنه قوله ) وإن عليكم لحافظين ( والمعنى أنه يرسل عليكم من يحفظكم من الآفات ويحفظ أعمالكم والحفظة جمع حافظ مثل كتبة جمع كاتب ) وعليكم ( متعلق بيرسل لما فيه من معنى الاستيلاء وتقديمه على حفظة ليفيد العناية بشأنه وأنه أمر حقيق بذلك وقيل هو متعلق بحفظة قوله ) حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ( حتى يحتمل أن تكون هى الغائية أي ويرسل عليكم حفظة يحفظون ما أمروا بحفظه مما يتعلق بكم ) حتى إذا جاء أحدكم الموت ( ويحتمل أن تكون الابتدائية والمراد بمجىء الموت مجيء علاماته وقرأ حمزة ) توفته رسلنا ( وقرأ الأعمش ? تتوفاه ? والرسل هم أعوان ملك الموت ومعنى توفته استوفت روحه ) لا يفرطون ( أي لا يقصرون ويضيعون وأصله من التقدم وقال أبو عبيدة لا يتوانون وقرأ عبيد بن عمير ) لا يفرطون ( بالتخفيف أي لا يجاوزون الحد فيما أمروا به من الإكرام والإهانة
الأنعام : ( 62 ) ثم ردوا إلى . . . . .
قوله ) ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ( معطوف على توفته والضمير راجع إلى أحد لأنه فى معنى الكل


"""""" صفحة رقم 125 """"""
مع الالتفات من الخطاب إلى الغيبة أي ردوا بعد الحشر إلى الله أي إلى حكمه وجزائه ) مولاهم ( مالكهم الذى يلي أمورهم ) الحق ( قرأ الجمهور بالجر صفة لاسم الله وقرأ الحسن ) الحق ( بالنصب على إضمار فعل أي أعني أو أمدح أو على المصدر ) وهو أسرع الحاسبين ( لكونه لا يحتاج إلى ما يحتاجون إليه من الكفر والروية والتدبر
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مع كل إنسان ملك إذا نام يأخذ نفسه فإذا أذن الله في قبض روحه قبضه وإلا ردها إليه فذلك قوله تعالى ) يتوفاكم بالليل ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال ما من ليلة إلا والله يقبض الأرواح كلها فيسأل كل نفس عما عمل صاحبها من النهار ثم يدعو ملك الموت فيقول اقبض روح هذا وما من يوم إلا وملك الموت ينظر في كتاب حياة الإنسان قائل يقول ثلاثا وقائل يقول خمسا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال أما وفاته إياهم بالليل فمنامهم وأما ) جرحتم بالنهار ( فيقول ما اكتسبتم بالنهار ) ثم يبعثكم فيه ( قال في النهار ) ليقضى أجل مسمى ( وهو الموت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ويعلم ما جرحتم ( قال ما كسبتم من الإثم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) ويرسل عليكم حفظة ( قال هم المعقبات من الملائكة يحفظونه ويحفظون عمله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى الآية قال أعوان ملك الموت من الملائكة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) وهم لا يفرطون ( يقول لا يضيعون
سورة الأنعام الآية ( 63 65 )
الأنعام : ( 63 ) قل من ينجيكم . . . . .
قيل المراد بظلمات البر والبحر شدائدهما قال النحاس والعرب تقول يوم مظلم إذا كان شديدا فإذا عظمت ذلك قالت يوم ذو كوكب أي يحتاجون فيه لشدة ظلمته إلى كوكب وأنشد سيبويه بني أسد هل تعلمون بلاءنا
إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا
والاستفهام للتقريع والتوبيخ أي من ينجيكم من شدائدهما العظيمة قرأ أبو بكر عن عاصم ? خفية ? بكسر الخاء وقرأ الباقون بضمها وهما لغتان وقرأ الأعمش ) وخيفة ( من الخوف وجملة ) تدعونه ( في محل نصب على الحال أي من ينجيكم من ذلك حال دعائكم له دعاء تضرع وخفية أو متضرعين ومخفين والمراد بالتضرع هنا دعاء الجهر قوله ) لئن أنجيتنا ( كذا قرأ أهل المدينة وأهل الشام وقرأ الكوفيون ) لئن أنجانا ( والجملة فى محل نصب على تقدير القول أي قائلين لئن أنجيتنا من هذه الشدة التى نزلت بنا وهى الظلمات المذكورة ) لنكونن من الشاكرين (


"""""" صفحة رقم 126 """"""
لك على ما أنعمت به علينا من تخليصنا من هذه الشدائد
الأنعام : ( 64 ) قل الله ينجيكم . . . . .
قوله ) قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ( قرأ الكوفيون وهشام ) ينجيكم ( بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف وقراءة التشديد تفيد التكثير وقيل معناهما واحد والضمير فى ) منها ( راجع إلى الظلمات والكرب الغم يأخذ بالنفس ومنه رجل مكروب قال عنترة ومكروب كشفت الكرب عنه
بطعنة فيصل لما دعاني
اه ) ثم أنتم تشركون ( بالله سبحانه بعد أن أحسن إليك بالخلوص من الشدائد وذهاب الكروب شركاء لا ينفعونكم ولا يضرونكم ولا يقدرون على تخليصكم من كل ما ينزل بكم فكيف وضعتم هذا الشرك موضع ما وعدتم به من أنفسكم من الشكر
الأنعام : ( 65 ) قل هو القادر . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم ) هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا ( أي الذى قدر على إنجائكم من تلك الشدائد ودفع عنكم تلك الكروب قادر على أن يعيدكم في شدة ومحنة وكرب يبعث عذابه عليكم من كل جانب فالعذاب المبعوث من جهة الفوق ما ينزل من السماء من المطر والصواعق والمبعوث من تحت الأرجل الخسف والزلازل والغرق وقيل ) من فوقكم ( يعني الأمراء الظلمة ) من تحت أرجلكم ( يعني السفلة وعبيد السوء قوله ) أو يلبسكم شيعا ( قرأ الجمهور بفتح التحتية من لبس الأمر إذا خلطه وقرأ أبو عبد الله المديني بضمها أي يجعل ذلك لباسا لكم قيل والأصل أو يلبس عليكم أمركم فحذف أحد المفعولين مع حرف الجر كما في قوله تعالى ) وإذا كالوهم أو وزنوهم ( والمعنى يجعلكم مختلطي الأهواء مختلفي النحل متفرقي الآراء وقيل يجعلكم فرقا يقاتل بعضكم بعضا والشيع الفرق أي يخلطكم فرقا قوله ) ويذيق بعضكم بأس بعض ( أي يصيب بعضكم بشدة بعض من قتل وأسر ونهب ) ويذيق ( معطوف على ) يبعث ( وقرئ نذيق بالنون ) انظر كيف نصرف الآيات ( نبين لهم الحجج والدلالات من وجوه مختلفة ) لعلهم يفقهون ( الحقيقة فيعودون إلى الحق الذى بيناه لهم بيانات متنوعة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر ( يقول من كرب البر والبحر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم فى تفسير الآية عن ابن عباس قال يقول إذا أضل الرجل الطريق دعا الله لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ( قال يعني من أمرائكم ) أو من تحت أرجلكم ( يعني سفلتكم ) أو يلبسكم شيعا ( يعني بالشيع الأهواء المختلفة ) ويذيق بعضكم بأس بعض ( قال يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه من وجه آخر في تفسير الآية قال ) عذابا من فوقكم ( أئمة السوء ) أو من تحت أرجلكم ( قال خدم السوء وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا من وجه آخر قال ) من فوقكم ( من قبل أمرائكم وأشرافكم ) أو من تحت أرجلكم ( قال من قبل سفلتكم وعبيدكم وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مالك ) عذابا من فوقكم ( قال القذف ) أو من تحت أرجلكم ( قال الخسف وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد مثله وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد أيضا ) من فوقكم ( قال الصيحة والحجارة والريح ) أو من تحت أرجلكم ( قال الرجفة والخسف وهما عذاب أهل التكذيب ) ويذيق بعضكم بأس بعض ( قال عذاب أهل الإقرار وأخرج البخاري وغيره عن جابر ابن عبد الله قال لما نزلت هذه الآية ) قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ( قال رسول الله صلى


"""""" صفحة رقم 127 """"""
الله عليه وآله وسلم أعوذ بوجهك ) أو من تحت أرجلكم ( قال أعوذ بوجهك ) أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ( قال هذا أهون أو أيسر وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث طويل عن ثوبان وفيه وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها وأخرج مسلم وغيره من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا فقال سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيهما وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وأخرج أحمد والحاكم وصححه من حديث جابر بن عتيك نحوه وأخرج نحوه أيضا ابن مردويه من حديث أبي هريرة وأخرج أيضا ابن أبي شيبة وابن مردويه من حديث حذيفة بن اليمان نحوه وأخرج أحمد والنسائي وابن مردويه عن أنس نحوه أيضا وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى هذه الآية ) قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم ( فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والضياء فى المختارة عن أبي بن كعب في هذه الآية قال هن أربع وكلهن عذاب وكلهن واقع لا محالة فمضت اثنتان بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بخمس وعشرين سنة فألبسوا شيعا وذاق بعضهم بأس بعض وبقيت اثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم والأحاديث فى هذا الباب كثيرة وفيما ذكرناه كفاية
سورة الأنعام الآية ( 66 71 )


"""""" صفحة رقم 128 """"""
سورة الأنعام الآية ( 72 73 )
الأنعام : ( 66 ) وكذب به قومك . . . . .
قوله ) وكذب به قومك ( الضمير راجع إلى القرآن أو إلى العذاب وقومه المكذبون هم قريش وقيل كل معاند وجملة ) وهو الحق ( فى محل نصب على الحال أي كذبوا بالقرآن أو العذاب والحال أنه حق وقرأ ابن أبي عبلة ? وكذبت ? بالتاء ) قل لست عليكم بوكيل ( أي لست بحفيظ على أعمالكم حتى أجازيكم عليها قيل وهذه الآية منسوخة بآية القتال وقيل ليست بمنسوخة إذ لم يكن إيمانهم فى وسعه
الأنعام : ( 67 ) لكل نبإ مستقر . . . . .
قوله ) لكل نبإ مستقر ( أي لكل شيء وقت يقع فيه والنبأ الشيء الذي ينبأ عنه وقيل المعنى لكل عمل جزاء قال الزجاج يجوز أن يكون وعيدا لهم بما ينزل بهم فى الدنيا وقال الحسن هذا وعيد من الله للكفار لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث ) وسوف تعلمون ( ذلك بحصوله ونزوله بهم كما علموا يوم بدر بحصول ما كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتوعدهم به
الأنعام : ( 68 ) وإذا رأيت الذين . . . . .
قوله ) وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ( الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له والخوض أصله في الماء ثم استعمل فى غمرات الأشياء التى هى مجاهل تشبيها بغمرات الماء فاستعير من المحسوس للمعقول وقيل هو مأخوذ من الخلط وكل شيء خضته فقد خلطته ومنه خاص الماء بالعسل خلطه والمعنى إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والرد والاستهزاء فدعهم ولا تقعد معهم لسماع مثل هذا المنكر العظيم حتى يخوضوا في حديث مغاير له أمره الله سبحانه بالإعراض عن أهل المجالس التى يستهان فيها بآيات الله إلى غاية هى الخوض في غير ذلك
وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم وذلك يسير عليه غير عسير وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة فيكون فى حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر
وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه وبلغت إليه طاقتنا ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما فى مجالسة من يعصى الله بفعل شيء من المحرمات ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه فيعمل بذلك مدة عمره ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر قوله ) وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى ( إما هذه هي الشرطية وتلزمها غالبا نون التأكيد ولا تلزمها نادرا ومنه قول الشاعر إما يصبك عدو في منازله
يوما فقل كيف يستعلى وينتصر
وقرأ ابن عباس ينسيك بتشديد السين ومثله قول الشاعر وقد ينسيك بعض الحاجة الكسل
والمعنى إن أنساك الشيطان أن تقوم عنهم فلا تقعد بعد الذكرى إذا ذكرت ) مع القوم الظالمين ( أي الذين


"""""" صفحة رقم 129 """"""
ظلموا أنفسهم بالاستهزاء بالآيات والتكذيب بها قيل وهذا الخطاب وإن كان ظاهره للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فالمراد التعريض لأمته لتنزهه عن أن ينسيه الشيطان وقيل لا وجه لهذا فالنسيان جائز عليه كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني ونحو ذلك
الأنعام : ( 69 ) وما على الذين . . . . .
قوله ) وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ( أي ما على الذين يتقون مجالسة الكفار عند خوضهم في آيات الله من حساب الكفار من شيء وقيل المعنى ما على الذين يتقون ما يقع منهم من الخوض فى آيات الله فى مجالستهم لهم من شيء وعلى هذا التفسير ففي الآية الترخيص للمتقين من المؤمنين فى مجالسة الكفار إذا اضطروا إلى ذلك كما سيأتي عند ذكر السبب
قيل وهذا الترخيص كان في أول الإسلام وكان الوقت وقت تقية ثم نزل قوله تعالى ) وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ( فنسخ ذلك قوله ) ولكن ذكرى لعلهم ( ذكرى فى موضع نصب على المصدر أو رفع على أنها مبتدأ وخبرها محذوف أي ولكن عليهم ذكرى وقال الكسائي المعنى ولكن هذه ذكرى والمعنى على الاستدراك من النفي السابق أي ولكن عليهم الذكرى للكافرين بالموعظة والبيان لهم بأن ذلك لا يجوز أما على التفسير الأول فلأن مجرد اتقاء مجالس هؤلاء الذين يخوضون فى آيات الله لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأما على التفسير الثاني فالترخيص فى المجالسة لا يسقط التذكير ) لعلهم يتقون ( الخوض فى آيات الله إذا وقعت منكم الذكرى لهم وأما جعل الضمير للمتقين فبعيد جدا
الأنعام : ( 70 ) وذر الذين اتخذوا . . . . .
قوله ) وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ( أي اترك هؤلاء الذين اتخذوا الدين الذى كان يجب عليهم العمل به والدخول فيه لعبا ولهوا ولا تعلق قلبك بهم فإنهم أهل تعنت وإن كنت مأمورا بإبلاغهم الحجة وقيل هذه الآية منسوخة بآية القتال وقيل المعنى أنهم اتخذوا دينهم الذى هم عليه لعبا ولهوا كما فى فعلهم بالأنعام من تلك الجهالات والضلالات المتقدم ذكرها وقيل المراد بالدين هنا العيد أي اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا وجملة ) وغرتهم الحياة الدنيا ( معطوفة على ) اتخذوا ( أي غرتهم حتى آثروها على الآخرة وأنكروا البعث وقالوا ) إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ( قوله ) وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ( الضمير فى به للقرآن أو للحساب والإبسال تسليم المرء نفسه للهلاك ومنه أبسلت ولدي أي رهنته فى الدم لأن عاقبة ذلك الهلاك قال النابغة ونحن رهنا بالإفاقة عامرا
بما كان في الدرداء رهنا فأبسلا
أي فهلك والدرداء كتيبة كانت لهم معروفة بهذا الاسم فالمعنى وذكر به خشية أو مخافة أو كراهة أن تهلك نفس بما كسبت أي ترتهن وتسلم للهلكة وأصل الإبسال المنع ومنه شجاع باسل أي ممتنع من قرنه
قوله ) وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ( العدل هنا الفدية والمعنى وإن بذلت تلك النفس التى سلمت للهلاك كل فدية لا يؤخذ منها ذلك العدل حتى تنجو به من الهلاك وفاعل ) يؤخذ ( ضمير يرجع إلى العدل لأنه بمعنى المفدى به كما فى قوله ) ولا يؤخذ منها عدل ( وقيل فاعله منها لأن العدل هنا مصدر لا يسند إليه الفعل وكل عدل منصوب على المصدر أي عدلا كل عدل والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المتخذين دينهم لعبا ولهوا خبره ) الذين أبسلوا بما كسبوا ( أي هؤلاء الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا هم الذين سلموا للهلاك بما كسبوا ) لهم شراب من حميم ( جواب سؤال مقدر كأنه قيل كيف حال هؤلاء فقيل لهم شراب من حميم وهو الماء الحار ومثله قوله تعالى ) يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( وهو هنا شراب يشربونه فيقطع أمعاءهم
الأنعام : ( 71 ) قل أندعو من . . . . .
قوله ) قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ( أمره الله سبحانه بأن يقول لهم هذه المقالة والاستفهام للتوبيخ أي


"""""" صفحة رقم 130 """"""
كيف ندعوا من دون الله أصناما لا تنفعنا بوجه من وجوه النفع إن أردنا منها نفعا ولا نخشى ضرها بوجه من الوجوه ومن كان هكذا فلا يستحق العبادة ) ونرد على أعقابنا ( عطف على ) ندعوا ( والأعقاب جمع عقب أي كيف ندعوا من كان كذلك ونرجع إلى الضلالة التي أخرجنا الله منها قال أبو عبيدة يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها قد رد على عقبيه وقال المبرد تعقب بالشر بعد الخير
وأصله من المعاقبة والعقبى وهما ما كان تاليا للشيء واجبا له أن يتبعه ومنه ) والعاقبة للمتقين ( ومنه عقب الرجل ومنه العقوبة لأنها تالية للذنب قوله ) كالذي استهوته الشياطين في الأرض ( هوى يهوى إلى الشيء أسرع إليه وقال الزجاج هو من هوى النفس أي زين له الشيطان هواه و ) استهوته الشياطين ( هوت به والكاف فى ) كالذي ( إما نعت مصدر محذوف أي نرد على أعقابنا ردا كالذى أو في محل نصب على الحال من فاعل نرد أي نرد حال كوننا مشبهين للذى استهوته الشياطين أي ذهبت به مردة الجن بعد أن كان بين الإنس قرأ الجمهور ) استهوته ( وقرأ حمزة استهواه على تذكير الجمع وقرأ ابن مسعود والحسن ? استهواه الشيطان ? وهو كذلك فى قراءة أبي و ) حيران ( حال أي حال كونه متحيرا تائها لا يدري كيف يصنع والحيران هو الذي لا يهتدى لجهة وقد حار يحار حيرة وحيرورة إذا تردد وبه سمى الماء المستنقع الذى لا منفذ له حائرا قوله ) له أصحاب يدعونه إلى الهدى ( صفة لحيران أو حالية أي له رفقة يدعونه إلى الهدى يقولون له ائتنا فلا يجيبهم ولا يهتدى بهديهم قوله ) قل إن هدى الله هو الهدى ( أمره الله سبحانه بأن يقول لهم ) إن هدى الله ( أي دينه الذى ارتضاه لعباده ) هو الهدى ( وما عداه باطل ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ( ) وأمرنا ( معطوف على الجملة الاسمية أي من جملة ما أمره الله بأن يقوله واللام في ) لنسلم ( هى لام العلة والمعلل هو الأمر أي أمرنا لأجل نسلم لرب العالمين وقال الفراء المعنى أمرنا بأن نسلم لأن العرب تقول أمرتك لتذهب وبأن تذهب بمعنى وقال النحاس سمعت ابن كيسان يقول هى لام الخفض
الأنعام : ( 72 ) وأن أقيموا الصلاة . . . . .
قوله ) وأن أقيموا الصلاة واتقوه ( معطوف على ) لنسلم ( على معنى وأمرنا أن نسلم وأن أقيموا ويجوز أن يكون عطفا على يدعونه على المعنى أي يدعونه إلى الهدى ويدعونه أن أقيموا ) وهو الذي إليه تحشرون ( فكيف تخالفون أمره
الأنعام : ( 73 ) وهو الذي خلق . . . . .
) وهو الذي خلق السماوات والأرض ( خلقا ) بالحق ( أو حال كون الخلق بالحق فكيف تعبدون الأصنام المخلوقة قوله ) ويوم يقول كن فيكون قوله الحق ( أي واذكر يوم يقول كن فيكون أو واتقوا يوم يقول كن فيكون وقيل هو عطف على الهاء فى ) واتقوه ( وقيل إن ) يوم ( ظرف لمضمون جملة ) قوله الحق ( والمعنى وأمره المتعلق بالأشياء الحق أي المشهود له بأنه حق وقيل قوله مبتدأ والحق صفة له ) ويوم يقول كن فيكون ( خبره مقدما عليه والمعنى قوله المتصف بالحق كائن يوم يقول كن فيكون وقيل إن قوله مرتفع بيكون والحق صفته أي يوم يقول كن فيكون قوله الحق وقرأ ابن عامر ) فنكون ( بالنون وهو إشارة إلى سرعة الحساب وقرأ الباقون بالياء التحتية وهو الصواب قوله ) وله الملك يوم ينفخ في الصور ( الظرف منصوب بما قبله أي له الملك فى هذا اليوم وقيل هو بدل من اليوم الأول والصور قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء والثانية للإنشاء وكذا قال الجوهري إن الصور القرن قال الراجز
لقد نطحناهم غداة الجمعين نطحا شديدا لا كنطح الصورين
والصور بضم الصاد وبكسرها لغة وحكى عن عمرو بن عبيد أنه قرأ ) يوم ينفخ في الصور ( بتحريك الواو جمع صورة والمراد الخلق قال أبو عبيدة وهذا وإن كان محتملا يرد بما في الكتاب والسنة وقال الفراء


"""""" صفحة رقم 131 """"""
كن فيكون يقال إنه للصور خاصة أي ويوم يقول للصور كن فيكون قوله ) عالم الغيب والشهادة ( رفع عالم على أنه صفة للذى خلق السموات والأرض ويجوز أن يرتفع على إضمار مبتدإ أي هو عالم الغيب والشهادة وروى عن بعضهم أنه قرأ ) ينفخ ( بالبناء للفاعل فيجوز على هذه القراءة أن يكون الفاعل ) عالم الغيب ( ويجوز أن يرتفع بفعل مقدر كما أنشد سيبويه لببك يزيد ضارع لخصومة
ومختبط مما تطيح الطوائح
أي يبكيه مختبط وقرأ الحسن والأعمش ) عالم ( بالخفض على البدل من الهاء فى ) له الملك ( ) وهو الحكيم ( في جميع ما يصدر عنه ) الخبير ( بكل شيء
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وكذب به قومك ( يقول كذبت قريش بالقرآن ) وهو الحق ( وأما الوكيل فالحفيظ وأما ) لكل نبإ مستقر ( فكان نبأ القوم استقر يوم بدر بما كان يعدهم من العذاب وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله ) وما أنا عليكم بوكيل ( قال نسخ هذه الآية آية السيف ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) لكل نبإ مستقر ( يقول حقيقة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قال فى قوله ) لكل نبإ مستقر ( قال حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها أرسلت عقوبتها وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس فى قوله ) لكل نبإ مستقر ( قال فعل وحقيقة وما كان منه في الدنيا وما كان منه فى الآخرة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ( ونحو هذا فى القرآن قال أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ( قال يستهزئون بها نهى محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقعد معهم إلا أن ينسى فإذا ذكر فليقم وذلك قول الله ) فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ( وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن سيرين أنه كان يرى أن هذه الآية نزلت في أهل الأهواء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر قال لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن علي قال إن أصحاب الأهواء من الذين يخوضون فى آيات الله وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل قال كان المشركون بمكة إذا سمعوا القرآن من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاضوا واستهزءوا فقال المسلمون لا تصلح لنا مجالستهم نخاف أن نخرج حين نسمع قولهم ونجالسهم فلا نعيب عليهم فأنزل الله هذه الآية وأخرج أبو الشيخ أيضا عن السدي أنه قال إن هذه الآية منسوخة بآية السيف وأخرج النحاس عن ابن عباس فى قوله ) وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ( قال نسخت هذه الآية المكية بالآية المدنية وهى قوله ) وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ( الآية وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد ) وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ( إن قعدوا ولكن لا يقعدوا وأخرج ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن عمر بن العزيز أنه أتى بقوم قعدوا على شراب معهم رجل صائم فضربه وقال لا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ( قال هو مثل قوله ) ذرني ومن خلقت وحيدا ( يعني أنه للتهديد وأخرج عبد بن حميد وأبو داود فى ناسخه عن قتادة فى هذه


"""""" صفحة رقم 132 """"""
الآية قال نسختها آية السف وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى قوله ) لعبا ولهوا ( قال أكلا وشربا وأخرج ابن جرير والمنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أن تبسل ( قال أن تفضح وفى قوله ) أبسلوا ( قال فضحوا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى قوله ) أن تبسل ( قال تسلم وفى قوله ) أبسلوا بما كسبوا ( قال أسلموا بجرائرهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا فى قوله ) قل أندعو من دون الله ( قال هذا مثل ضربه الله للآلهة وللدعاة الذين يدعون إلى الله وقوله ) كالذي استهوته الشياطين في الأرض ( يقول أضلته وهم الغيلان يدعونه باسمه واسم أبيه وجده فيتبعها ويرى أنه فى شيء فيصبح وقد ألقته فى هلكة وربما أكلته أو تلقيه فى مضلة من الأرض يهلك فيها عطشا فهذا مثل من أجاب الآلهة التى تعبد من دون الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا فى قوله ) كالذي استهوته الشياطين ( قال هو الرجل لا يستجيب لهدى الله وهو الرجل أطاع الشيطان وعمل فى الأرض بالمعصية وحاد عن الحق وضل عنه و ) له أصحاب يدعونه إلى الهدى ( ويزعمون أن الذى يأمرونه به هدى يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس يقول ) إن الهدى هدى الله ( والضلالة ما تدعو إليه الجن وأخرج ابن المبارك فى الزهد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى البعث عن عبد الله بن عمرو قال سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الصور فقال قرن ينفخ فيه والأحاديث الواردة فى كيفية النفخ ثابتة فى كتب الحديث لا حاجة لنا إلى إيرادها ها هنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) عالم الغيب والشهادة ( يعني أن عالم الغيب والشهادة هو الذى ينفخ في الصور
سورة الأنعام الآية ( 74 81 )


"""""" صفحة رقم 133 """"""
سورة الأنعام الآية ( 82 83
الأنعام : ( 74 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
قوله ) لأبيه آزر ( قال الجوهري آزر اسم أعجمي وهو مشتق من آزر فلان فلانا إذا عاونه فهو مؤازر قومه على عبادة الأصنام وقال ابن فارس إنه مشتق من القوة قال الجويني فى النكت من التفسير له ليس بين الناس اختلاف فى أن اسم والد إبراهيم تارخ والذى في القرآن يدل على أن اسمه آزر وقد تعقب في دعوى الاتفاق بما روى عن ابن إسحاق والضحاك والكلبي أنه كان له اسمان آزر وتارخ وقال مقاتل آزر لقب وتارخ اسم وقال سليمان التيمي إن آزر سب وعتب ومعناه في كلامهم المعوج وقال الضحاك معنى آزر الشيخ الهم بالفارسية وقال الفراء هي صفة ذم بلغتهم كأنه قال يا مخطئ وروى مثله عن الزجاج وقال مجاهد هو اسم صنم وعلى هذا إطلاق اسم الصنم على أبيه إما للتعبير له لكونه معبوده أو على حذف مضاف أي قال لأبيه عابد آزر أو أتعبد آزر على حذف الفعل وقرأ ابن عباس أإزر بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وروى عنه أنه قرأ بهمزتين مفتوحتين ومحل ) إذ قال ( النصب على تقدير واذكر إذ قال إبراهيم ويكون هذا المقدر معطوفا على ) قل أندعو من دون الله ( وقيل هو معطوف على ) وذكر به أن تبسل ( وآزر عطف بيان قوله ) أتتخذ أصناما آلهة ( الاستفهام للإنكار أي أتجعلها آلهة لك تعبدها ) إني أراك وقومك ( المتبعين لك فى عبادة الأصنام ) في ضلال ( عن طريق الحق ) مبين ( واضح )
الأنعام : ( 75 ) وكذلك نري إبراهيم . . . . .
وكذلك نري إبراهيم ( أي ومثل تلك الإراءة نرى إبراهيم والجملة معترضة و ) ملكوت السماوات والأرض ( ملكهما وزيدت التاء والواو للمبالغة في الصفة ومثله الرغبوت والرهبوت مبالغة في الرغبة والرهبة قيل أراد بملكوت السموات والأرض ما فيهما من الخلق وقيل كشف الله له عن ذلك حتى رأى إلى العرش وإلى أسفل الأرضين وقيل رأى من ملكوت السموات والأرض ما قصه الله فى هذه الآية وقيل المراد بملكوتهما الربوبية والإلهية أي نريه ذلك وتوفقه لمعرفته بطريق الاستدلال التى سلكها ومعنى ) نرى ( أريناه حكاية حال ماضية قوله ) وليكون من الموقنين ( متعلق بمقدر أي أريناه ذلك ) وليكون من الموقنين ( وقد كان آزر وقومه يعبدون الأصنام والكواكب والشمس والقمر فأراد أن ينبههم على الخطأ وقيل إنه ولد في سرب وجعل رزقه في أطراف أصابعه فكان يمصها وسبب جعله في السرب أن النمروذ رأى رؤيا أن ملكه يذهب على يد مولود فأمر بقتل كل مولود والله أعلم
الأنعام : ( 76 ) فلما جن عليه . . . . .
قوله ) فلما جن عليه الليل ( أي ستره بظلمته ومنه الجنة والمجن والجن كله من الستر قال الشاعر ولولا جنان الليل أدرك ركضنا
بذى الرمث والأرطي عياض بن ثابت
والفاء للعطف على ) قال إبراهيم ( أي واذكر إذ قال وإذ جن عليه الليل فهو قصة أخرى غير قصة عرض الملكوت عليه وجواب لما ) رأى كوكبا ( قيل رآه من شق الصخرة الموضوعة على رأس السرب الذى كان فيه وقيل رآه لما أخرجه أبوه من السرب وكان وقت غيبوبة الشمس قيل رأى المشتري وقيل الزهرة قوله ) هذا ربي ( جملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال عند رؤية الكوكب قيل وكان هذا منه عند قصور النظر لأنه في زمن الطفولية وقيل أراد قيام الحجة على قومه كالحاكي لما هو عندهم وما يعتقدونه لأجل إلزامهم وبالثاني قال الزجاج وقيل هو على حذف حرف الاستفهام أي أهذا ربي ومعناه إنكار أن يكون مثل هذا رب ومثله قوله تعالى ) أفإن مت فهم الخالدون ( أي أخهم الخالدون ومثله قول الهذلي


"""""" صفحة رقم 134 """"""
رقوني وقالوا يا خويلد لم ترع
فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
أي أهم هم وقول الآخر لعمرك ما أدري وإن كنت داريا
بسبع رمين الجمر أم بثمانيا
أي أبسبع وقيل المعنى وأنتم تقولون هذا ربي فأضمر القول وقيل المعنى على حذف مضاف أي هذا دليل ربي ) فلما أفل ( أي غرب ) قال ( إبراهيم ) لا أحب الآفلين ( أي الآلهة التى تغرب فإن الغروب تغير من حال إلى حال وهو دليل الحدوث
الأنعام : ( 77 ) فلما رأى القمر . . . . .
) فلما رأى القمر بازغا ( أي طالعا يقال بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع والبزغ الشق كان يشق بنوره الظلمة ) فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي ( أي لئن لم يثبتني على الهداية ويوفقني للحجة ) لأكونن من القوم الضالين ( الذين لا يهتدون للحق فيظلمون أنفسهم ويحرمونها حظها من الخير
الأنعام : ( 78 ) فلما رأى الشمس . . . . .
) فلما رأى الشمس بازغة ( بازغا وبازغة منصوبان على الحال لأن الرؤية بصرية وإنما ) قال هذا ربي ( مع كون الشمس مؤنثة لأن مراده هذا الطالع قاله الكسائي والأخفش وقيل هذا الضوء وقيل الشخص ) هذا أكبر ( أي بما تقدمه من الكوكب والقمر ) قال يا قوم إني بريء مما تشركون ( أي من الأشياء التي تجعلونها شركاء لله وتعبدونها وما موصولة أو مصدرية قال بهذا لما ظهر له أن هذه الأشياء مخلوقة لا تنفع ولا تضر مستدلا على ذلك بأفولها الذى هو دليل حدوثها
الأنعام : ( 79 ) إني وجهت وجهي . . . . .
) إني وجهت وجهي ( أي قصدت بعبادتي وتوحيدي الله عز وجل وذكر الوجه لأنه العضو الذى يعرف به الشخص أو لأنه يطلق على الشخص كله كما تقدم وقد تقدم معنى ) فطر السماوات والأرض حنيفا ( مائلا إلى الدين الحق
الأنعام : ( 80 ) وحاجه قومه قال . . . . .
قوله ) وحاجه قومه ( أي وقعت منهم المحاججة له فى التوحيد بما يدل على ما يدعونه من أن ما يشركون به ويعبدونه من الأصنام آلهة فأجاب إبراهيم عليه السلام بما حكاه الله عنه أنه قال ) أتحاجوني في الله ( أي في كونه لا شريك له ولا ند ولا ضد وقرأ نافع بتخفيف نون أتحاجوني وقرأ الباقون بتشديدها بإدغام نون الجمع فى نون الوقاية ونافع خفف فحذف إحدى النونين وقد أجاز ذلك سيبويه وحكى عن أبي عمرو بن العلاء أن قراءة نافع لحن وجملة ? وقد هداني ? في محل نصب على الحال أي هداني إلى توحيده وأنتم تريدون أن أكون مثلكم في الضلالة والجهالة وعدم الهداية قوله ) ولا أخاف ما تشركون به ( قال هذا لما خوفوه من آلهتهم بأنها ستغضب عليه وتصيبه بمكروه أي إني لا أخاف ما هو مخلوق من مخلوقات الله لا يضر ولا ينفع والضمير في به يجوز رجوعه إلى الله وإلى معبوداتهم المدلول عليها بما فى ) ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا ( أي إلا وقت مشيئته ربي بأن يلحقني شيئا من الضرر بذنب عملته فالأمر إليه وذلك منه لا من معبوداتكم الباطلة التى لا تضر ولا تنفع والمعنى على نفي حصول ضرر من معبوداتهم على كل حال وإثبات الضرر والنفع لله سبحانه وصدورهما حسب مشيئته ثم علل ذلك بقوله ) وسع ربي كل شيء علما ( أي إن علمه محيط بكل شيء فإذا شاء الخير كان حسب مشيئته وإذا شاء إنزال شر بي كان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
الأنعام : ( 81 ) وكيف أخاف ما . . . . .
ثم قال لهم مكملا للحجة عليهم دافعا لما خوفوه به ) وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ( أي كيف أخاف ما لا يضر ولا ينفع ولا يخلق ولا يرزق والحال أنكم لا تخافون ما صدر منكم من الشرك بالله وهو الضار النافع الخالق الرازق أورد عليهم هذا الكلام الإلزامي الذى لا يجدون عنه مخلصا ولا متحولا والاستفهام للإنكار عليهم والتقريع لهم و ) ما ( فى ) ما لم ينزل به عليكم سلطانا ( مفعول أشركتم أي ولا تخافون أنكم جعلتم الأشياء التي لم ينزل بها عليكم سلطانا شركاء لله أو لمعنى أن الله سبحانه لم يأذن بجعلها شركاء له ولا نزل عليهم بإشراكها حجة يحتجون بها فكيف عبدوها واتخذوا آلهة وجعلوها شركاء لله سبحانه


"""""" صفحة رقم 135 """"""
قوله ) فأي الفريقين أحق بالأمن ( المراد بالفريقين فريق المؤمنين وفريق المشركين أي إذا كان الأمر على ما تقدم من أن معبودي هو الله المتصف بتلك الصفات ومعبودكم هى تلك المخلوقات فكيف تخوفوني بها وكيف أخافها وهى بهذه المنزلة ولا تخافون من إشراككم بالله سبحانه وبعد هذا فأخبروني أي الفريقين أحق بالأمن وعدم الخوف ) إن كنتم تعلمون ( بحقيقة الحال وتعرفون البراهين الصحيحة وتميزونها عن الشبه الباطلة
الأنعام : ( 82 ) الذين آمنوا ولم . . . . .
ثم قال الله سبحانه قاضيا بينهم ومبينا لهم ) الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( أي هم الأحق بالأمن من الذين أشركوا وقيل هو من تمام قول إبراهيم وقيل هو من قول قوم إبراهيم ومعنى ) ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( لم يخلطوه بظلم
والمراد بالظلم الشرك لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود قال لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالوا أينا لم يظلم نفسه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان ) يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ( والعجب من صاحب الكشاف حيث يقول في تفسير هذه الآية وأبي تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس وهو لا يدري أن الصادق المصدوق قد فسرها بهذا وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الموصول المتصف بما سبق و ) لهم الأمن ( جملة وقعت خبرا عن اسم الإشارة هذا أوضح ما قيل مع احتمال غيره من الوجوه ) وهم مهتدون ( إلى الحق ثابتون عليه وغيرهم على ضلال وجهل
الأنعام : ( 83 ) وتلك حجتنا آتيناها . . . . .
والإشارة بقوله ) وتلك حجتنا ( إلى ما تقدم من الحجج التى أوردها إبراهيم عليهم أي تلك البراهين التى أوردها إبراهيم عليهم من قوله ) فلما جن عليه الليل ( إلى قوله ) وهم مهتدون ( ) حجتنا آتيناها إبراهيم ( أي أعطيناه إياها وأرشدناه إليها وجملة ) آتيناها إبراهيم ( فى محل نصب على الحال أو فى محل رفع على أنها خبر ثان لاسم الإشارة ) على قومه ( أي حجة على قومه ) نرفع درجات من نشاء ( بالهداية والإرشاد إلى الحق وتلقين الحجة أو بما هو أعم من ذلك ) إن ربك حكيم عليم ( أي حكيم فى كل ما يصدر عنه عليم بحال عباده وأن منهم من يستحق الرفع ومنهم من لا يستحقه
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال فى قوله تعالى ) وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ( قال الآزر الصنم وأبو إبراهيم اسمه يازر وأمه اسمها مثلى وامرأته اسمها سارة وسريته أم إسماعيل هاجر
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال آزر لم يكن بأبيه ولكنه اسم صنم وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال اسم أبيه تارخ واسم الصنم آزر وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سليمان التيمي أنه قرأ ) وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ( قال بلغني أنها أعوج وأنها أشد كلمة قالها إبراهيم لأبيه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال إن والد إبراهيم لم يكن اسمه آزر وإنما اسمه تارخ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عنه في قوله تعالى ) وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ( قال الشمس والقمر والنجوم
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال فى الآية كشف ما بين السموات حتى نظر إليهن على صخرة والصخرة على حوت وهو الحوت الذى منه طعام الناس والحوت فى سلسلة والسلسلة في خاتم العزة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد فى الآية قال سلطانهما وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس فى قوله ) وحاجه قومه ( يقول خاصموه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أتحاجوني ( قال أتخاصموني وأخرج ابن أبي شيبة والحكيم الترمذي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي بكر الصديق أنه فسر ) ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( بالشرك وكذلك أخرج أبو الشيخ عن عمر بن الخطاب


"""""" صفحة رقم 136 """"""
وكذلك أخرج ابن شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن حذيفة بن اليمان وكذلك أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سلمان الفارسي وكذلك أخرجا أيضا عن أبي بن كعب وكذلك أخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس وأخرج عنه من طريق أخرى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ مثله وقد روى عن جماعة من التابعين مثل ذلك ويغنى عن الجميع ما قدمنا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى تفسير الآية كما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله تعالى ) وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ( قال خصمهم وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم فى قوله ) نرفع درجات من نشاء ( قال بالعلم وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال إن للعلماء درجات كدرجات الشهداء
سورة الأنعام الآية ( 84 90 )
الأنعام : ( 84 ) ووهبنا له إسحاق . . . . .
قوله ) ووهبنا له ( معطوف على جملة ) وتلك حجتنا ( عطف جملة فعلية على جملة اسمية وقيل معطوف على آتيناها والأول أولى والمعنى ووهبنا له ذلك جزاء له على الاحتجاج فى الدين وبذل النفس فيه و ) كلا هدينا ( انتصاب ) كلا ( على أنه مفعول لما بعده مقدم عليه للقصر أي كل واحد منهما هديناه وكذلك نوحا منصوب بهدينا الثاني أو بفعل مضمر يفسره ما بعده ) ومن ذريته ( أي من ذرية إبراهيم وقال الفراء من ذرية نوح
واختاره ابن جرير الطبري والقشيري وابن عطية واختار الأول الزجاج واعتراض عليه بأنه عد من هذه الذرية يونس ولوطا وما كانا من ذرية إبراهيم فإن لوطا هو ابن أخي إبراهيم وانتصب داود وسليمان بفعل مضمر أي وهدينا من ذريته داود وسليمان وكذلك ما بعدهما وإنما عد الله سبحانه هداية هؤلاء الأنبياء من النعم التى عددها على إبراهيم لأن شرف الأبناء متصل بالآباء ومعنى ) من قبل ( فى قوله ) ونوحا هدينا من قبل ( أي من قبل إبراهيم والإشارة بقوله ) وكذلك ( إلى مصدر الفعل المتأخر أي ومثل ذلك الجزاء ) نجزي المحسنين (
الأنعام : ( 85 ) وزكريا ويحيى وعيسى . . . . .
) وإلياس ( قال الضحاك هو من ولد إسماعيل وقال القتيبي هو من سبط يوشع بن نون وقرأ الأعرج والحسن وقتادة ) وإلياس ( بوصل الهمزة وقرأ أهل الجرمين وأبو عمرو وعاصم ) واليسع ( مخففا وقرأ الكوفيون إلا عاصما بلامين وكذا قرأ الكسائي ورد القراءة الأولى ولا وجه للرد فهو اسم أعجمي والعجمة لا تؤخذ بالقياس


"""""" صفحة رقم 137 """"""
بل تؤدى على حسب السماع ولا يمتنع أن يكون في الاسم لغتان للعجم أو تغيره العرب تغييرين قال المهدوي من قرأ بلام واحدة فالاسم يسع والألف واللام مزيدتان كما فى قول الشاعر رأيت الوليد بن اليزيد مباركا
شديدا بأعباء الخلافة كاهلة
ومن قرأ بلامين فالاسم ليسع وقد توهم قوم أن اليسع هو إلياس وهو وهم فإن الله أفرد كل واحد منهما
وقال وهب اليسع صاحب إلياس وكانوا قبل يحيى وعيسى وزكريا وقيل إلياس هو إدريس وهذا غير صحيح لأن إدريس جد نوح وإلياس من ذريته وقيل إلياس هو الخضر وقيل لا بل اليسع هو الخضر
الأنعام : ( 86 ) وإسماعيل واليسع ويونس . . . . .
) وكلا فضلنا على العالمين ( أي كل واحد فضلناه بالنبوة على عالمي زمانه والجملة معترضة
الأنعام : ( 87 ) ومن آبائهم وذرياتهم . . . . .
قوله ) ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ( أي هدينا ) ومن ( للتبعيض أي هدينا بعض آبائهم وذرياتهم وأزواجهم ) واجتبيناهم ( معطوف على فضلنا والاجتباء الاصطفاء أو التخليص أو الاختيار مشتق من جبيت الماء فى الحوض جمعته فالاجتباء ضم الذى تجتبيه إلى خاصيتك قال الكسائي جبيت الماء في الحوض جبى مقصور والجابية الحوض قال الشاعر كجابية الشيخ العراقي تفهق
الأنعام : ( 88 ) ذلك هدى الله . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك هدى الله ( إلى الهداية والتفضيل والاجتباء المفهومة من الأفعال السابقة ) يهدي به ( الله ) من يشاء من عباده ( وهم الذين وفقهم للخير واتباع الحق ) ولو أشركوا ( أي هؤلاء المذكورون بعبادة غير الله ) لحبط عنهم ( من حسناتهم ) ما كانوا يعملون ( والحبوط البطلان وقد تقدم تحقيقه فى البقرة
الأنعام : ( 89 ) أولئك الذين آتيناهم . . . . .
والإشارة بقوله ) أولئك الذين آتيناهم الكتاب ( إلى الأنبياء المذكورين سابقا أي جنس الكتاب ليصدق على كل ما أنزل على هؤلاء المذكورين ) والحكم ( العلم ) والنبوة ( الرسالة أو ما هو أعم من ذلك ) فإن يكفر بها هؤلاء ( الضمير فى بها للحكم والنبوة والكتاب أو للنبوة فقط والإشارة بهؤلاء إلى كفار قريش المعاندين لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فقد وكلنا بها قوما ( هذا جواب الشرط أي ألزمنا بالإيمان بها قوما ) ليسوا بها بكافرين ( وهم المهاجرون والأنصار أو الأنبياء المذكورون سابقا وهذا اولى لقوله فيما بعد
الأنعام : ( 90 ) أولئك الذين هدى . . . . .
(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) فإن الإشارة إلى الأنبياء المذكورين لا إلى المهاجرين والأنصار إذ لا يصح أن يؤمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالاقتداء بهداهم وتقديم بهداهم على الفعل يفيد تخصيص هداهم بالاقتداء والاقتداء طلب موافقة الغير في فعله وقيل المعنى اصبر كما صبروا وقيل اقتد بهم في التوحيد وإن كانت جزئيات الشرائع مختلفة وفيها دلالة على أنه ( صلى الله عليه وسلم ) مأمور بالاقتداء بمن قبله من الأنبياء فيما لم يرد عليه فيه نص قوله ) قل لا أسألكم عليه أجرا ( أمره الله بأن يخبرهم بأنه لا يسألهم أجرا على القرآن وأن يقول لهم ما ) هو إلا ذكرى ( يعني القرآن ) للعالمين ( أي موعظة وتذكير للخلق كافة الموجودين عند نزوله ومن سيوجد من بعد
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال الخال والد والعم والد نسب الله عيسى إلى أخواله فقال ) ومن ذريته ( حتى بلغ إلى قوله ) وزكريا ويحيى وعيسى ( وأخرج أبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن عبد الملك بن عمير قال دخل يحيى بن يعمر على الحجاج فذكر الحسين فقال الحجاج لم يكن من ذرية النبي فقال يحيى كذبت فقال لتأتيني على ما قلت ببينة فتلا ) ومن ذريته ( إلى قوله ) وعيسى ( فأخبر الله أن عيسى من ذرية آدم بأمه فقال صدقت وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حرب بن أبي الأسود قال أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي تجده فى كتاب الله وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده فذكر يحيى بن يعمر نحو ما تقدم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر


"""""" صفحة رقم 138 """"""
وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) واجتبيناهم ( قال أخلصناهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد فى قوله ) ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ( قال يريد هؤلاء الذين هديناهم وفعلنا بهم وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال الحكم اللب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فإن يكفر بها هؤلاء ( يعني أهل مكة يقول إن يكفروا بالقرآن ) فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ( يعنى أهل المدينة والأنصار وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) فقد وكلنا بها قوما ( قال هم الأنبياء الثمانية عشر الذين قال الله فيهم ) فبهداهم اقتده ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي رجاء العطاردي قال فى الآية هم الملائكة وأخرج البخاري والنسائي وغيرهما عن ابن عباس فى قوله ) فبهداهم اقتده ( قال أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقتدى بهداهم وكان يسجد في ص ولفظ ابن أبي حاتم عن مجاهد سألت ابن عباس عن السجدة التى فى ص فقال هذه الآية وقال أمر نبيكم أن يقتدى بداود عليه السلام وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) قل لا أسألكم عليه أجرا ( قال قل لهم يا محمد لا أسألكم على ما أدعوكم إليه عرضا من عروض الدنيا
سورة الأنعام الآية ( 91 94 )
الأنعام : ( 91 ) وما قدروا الله . . . . .
قوله ) وما قدروا الله حق قدره ( قدرت الشيء وقدرته عرفت مقداره وأصله الستر ثم استعمل فى معرفة الشيء أي لم يعرفوه حق معرفته حيث أنكروا إرساله للرسل وإنزاله للكتب وقيل المعنى وما قدروا نعم الله حق تقديرها وقرأ أبو حيوة ) وما قدروا الله حق قدره ( بفتح الدال وهى لغة ولما وقع منهم هذا الإنكار


"""""" صفحة رقم 139 """"""
وهم من اليهود أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يورد عليهم حجة لا يطيقون دفعها فقال ) قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ( وهم يعترفون بذلك ويذعنون له فكان فى هذا من التبكيت لهم والتقريع ما لا يقادر قدره مع إلجائهم إلى الاعتراف بما أنكروه من وقوع إنزال الله على البشر وهم الأنبياء عليهم السلام فبطل جحدهم وتبين فساد إنكارهم وقيل إن القائلين بهذه المقالة هم كفار قريش فيكون إلزامهم بإنزال الله الكتاب على موسى من جهة أنهم يعترفون بذلك ويعلمونه بالأخبار من اليهود وقد كانوا يصدقونهم و ) نورا وهدى ( منتصبان على الحال و ) للناس ( متعلق بمحذوف هو صفة لهدى أي كائنا للناس قوله ) تجعلونه قراطيس ( أي تجعلون الكتاب الذى جاء به موسى في قراطيس تضعونه فيها ليتم لكم ما تريدونه من التحريف والتبديل وكتم صفة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المذكورة فيه وهذا ذم لهم والضمير في ) تبدونها ( راجع إلى القراطيس وفى ) تجعلونه ( راجع إلى الكتاب وجملة تجعلونه فى محل نصب على الحال وجملة تبدونها صفة لقراطيس ) وتخفون كثيرا ( معطوف على ) تبدونها ( أي وتخفون كثيرا منها والخطاب فى ) وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ( لليهود أي والحال أنكم قد علمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ويحتمل أن تكون هذه الجملة استئنافية مقررة لما قبلها والذى علموه هو الذى أخبرهم به نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من الأمور التى أوحى الله إليه بها فإنها اشتملت على ما لم يعلموه من كتبهم ولا على لسان أنبيائهم ولا علمه آباؤهم ويجوز أن يكون ما فى ) ما لم تعلموا ( عبارة عما علموه من التوراة فيكون ذلك على وجه المن عليهم بإنزال التوراة وقيل الخطاب للمشركين من قريش وغيرهم فتكون ) ما ( عبارة عما علموه من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أمره الله رسوله بأن يجيب عن ذلك الإلزام الذى ألزمهم به حيث قال ) من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ( فقال ) قل الله ( أي أنزله الله ) ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ( أي ذرهم فى باطلهم حال كونهم يلعبون أي يصنعون صنع الصبيان الذين يلعبون
الأنعام : ( 92 ) وهذا كتاب أنزلناه . . . . .
قوله ) وهذا كتاب أنزلناه مبارك ( هذا من جملة الرد عليهم فى قوله ) ما أنزل الله على بشر من شيء ( أخبرهم بأن الله أنزل التوراة على موسى وعقبه بقوله ) وهذا كتاب أنزلناه ( يعني على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فكيف تقولون ) ما أنزل الله على بشر من شيء ( ومبارك ومصدق صفتان لكتاب والمبارك كثير البركة والمصدق كثير التصديق والذى بين يديه ما أنزله الله من الكتب على الأنبياء من قبله كالتوراة والإنجيل فإنه يوافقها فى الدعوة إلى الله وإلى توحيده وإن خالفها فى بعض الأحكام قوله ) ولتنذر ( قيل هو معطوف على ما دل عليه مبارك كأنه قيل أنزلناه للبركات ولتنذر وخص أم القرى وهى مكة لكونها أعظم القرى شأنا ولكونها أول بيت وضع للناس ولكونها قبلة هذه الأمة ومحل حجهم فالإنذار لأهلها مستتبع لإنذار سائر أهل الأرض والمراد بمن حولها جميع أهل الأرض والمراد بأنذر أم القرى إنذار أهلها وأهل سائر الأرض فهو على تقدير مضاف محذوف كسؤال القرية ) والذين يؤمنون بالآخرة ( مبتدأ و ) يؤمنون به ( خبره والمعنى أن من حق من صدق بالدار الآخرة أن يؤمن بهذا الكتاب ويصدقه ويعمل بما فيه لأن التصديق بالآخرة يوجب قبول من دعا الناس إلى ما ينال به خيرها ويندفع به ضرها وجملة ) وهم على صلاتهم يحافظون ( فى محل نصب على الحال وخص المحافظة على الصلاة من بين سائر الواجبات لكونها عمادها وبمنزلة الرأس لها
الأنعام : ( 93 ) ومن أظلم ممن . . . . .
قوله ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( هذه الجملة مقررة لمضمون ما تقدم من الاحتجاج عليهم بأن الله أنزل الكتب على رسله أي كيف تقولون ما أنزل الله على بشر من شيء وذلك يستلزم تكذيب الأنبياء عليهم السلام ولا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا فزعم أنه نبي وليس بنبي أو كذب على الله فى شيء من الأشياء ) أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء (


"""""" صفحة رقم 140 """"""
أي والحال أنه لم يوح إليه شيء وقد صان الله أنبياءه عما تزعمون عليهم وإنما هذا شأن الكذابين رءوس الإضلال كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاح قوله ) ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ( معطوف على ) من افترى ( أي ومن أظلم ممن افترى أو ممن أوحى إلي ولم يوح إليه شيء أو ممن قال سأنزل مثل ما أنزل الله وهم القائلون ) لو نشاء لقلنا مثل هذا ( وقيل هو عبد الله بن أبي سرح فإنه كان يكتب الوحي لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأملى عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ثم أنشأناه خلقا آخر ( فقال عبد الله ) فتبارك الله أحسن الخالقين ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هكذا أنزلت فشك عبد الله حينئذ وقال لئن كان محمد صادقا لقد أوحى إلي كما أوحى إليه ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال ثم ارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين ثم أسلم يوم الفتح كما هو معروف قوله ) ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ( الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له والمراد كل ظالم ويدخل فيه الجاحدون لما أنزل الله والمدعون للنبوات افتراء على الله دخولا أوليا وجواب لو محذوف أي لرأيت أمرا عظيما والغمرات جمع غمرة وهى الشدة وأصلها الشيء الذى يغمر الأشياء فيغطيها ومنه غمرة الماء ثم استعملت فى الشدائد ومنه غمرة الحرب قال الجوهري والغمرة الشدة والجمع غمر مثل نوبة ونوب وجملة ) والملائكة باسطوا أيديهم ( فى محل نصب أي والحال أن الملائكة باسطوا أيديهم لقبض أرواح الكفار وقيل للعذاب وفي أيديهم مطارق الحديد ومثله قوله تعالى ) ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (
قوله ) أخرجوا أنفسكم ( أي قائلين لهم أخرجوا أنفسكم من هذه الغمرات التى وقعتم فيها أو أخرجوا أنفسكم من أيدينا وخلصوها من العذاب أو أخرجوا أنفسكم من أجسادكم وسلموها إلينا لنقبضها ) اليوم تجزون عذاب الهون ( أي اليوم الذى تقبض فيه أرواحكم أو أرادوا باليوم الوقت الذى يعذبون فيه الذى مبدؤه عذاب القبر والهون والهوان بمعنى أي اليوم تجزون عذاب الهوان الذى تصيرون به في إهانة وذلة بعد ما كنتم فيه من الكبر والتعاظم والباء فى ) بما كنتم تقولون على الله غير الحق ( للسببية أي بسبب قولكم هذا من إنكار إنزال الله كتبه على رسله والإشراك به ) وكنتم عن آياته تستكبرون ( عن التصديق لها والعمل بها فكان ما جوزيتم به من عذاب الهون ) جزاء وفاقا )
الأنعام : ( 94 ) ولقد جئتمونا فرادى . . . . .
قوله ) ولقد جئتمونا فرادى ( قرأ أبو حيوة فرادى بالتنوين وهى لغة تميم وقرأ الباقون بألف التأنيث للجمع فلم ينصرف وحكى ثعلب ? فراد ? بلا تنوين مثل ثلاث ورباع وفرادى جمع فرد كسكارى جمع سكران وكسالى جمع كسلان والمعنى جئتمونا منفردين واحدا واحدا كل واحد منفرد عن أهله وماله وما كان يعبده من دون الله فلم ينتفع بشيء من ذلك ) كما خلقناكم أول مرة ( أي على الصفة التى كنتم عليها عند خروجكم من بطون أمهاتكم والكاف نعت مصدر محذوف أي جئتمونا مجيئا مثل مجيئكم عند خلقنا لكم أو حال من ضمير فرادى أي مشابهين ابتداء خلقنا لكم ) وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ( أي أعطيناكم والحول ما أعطاه الله للإنسان من متاع الدنيا أي تركتم ذلك خلفكم لم تأتونا بشيء منه ولا انتفعتم به بوجه من الوجوه ) وما نرى معكم شفعاءكم الذين ( عبدتموهم وقلتم ) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( و ) زعمتم أنهم فيكم شركاء ( لله يستحقون منكم العبادة كما يستحقها قوله ) لقد تقطع بينكم ( قرأ نافع والكسائي وحفص بنصب بينكم على الظرفية وفاعل تقطع محذوف أي تقطع الوصل بينكم أنتم وشركاؤكم كما يدل عليه ) وما نرى معكم شفعاءكم ( وقرأ الباقون بالرفع على إسناد التقطع إلى البين أي وقع التقطع بينكم ويجوز أن يكون معنى قراءة النصب معنى قراءة الرفع فى إسناد الفعل إلى الظرف وإنما نصب لكثرة استعماله ظرفا وقرأ ابن مسعود


"""""" صفحة رقم 141 """"""
) لقد تقطع بينكم ( على إسناد الفعل إلى ما أي الذى بينكم ) وضل عنكم ما كنتم تزعمون ( من الشركاء والشرك وحيل بينكم وبينهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) وما قدروا الله حق قدره ( قال هم الكفار لم يؤمنوا بقدرة الله فمن آمن أن الله على كل شيء قدير قد قدر الله حق قدره ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قالت اليهود يا محمد أنزل الله عليك كتابا قال نعم قالوا والله ما أنزل الله من السماء كتابا فأنزل الله ) قل ( يا محمد ) من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ( إلى آخر الآية وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ( قالها مشركو قريش وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال قال فنحاص اليهودي ما أنزل الله على محمد من شيء فنزلت وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال نزلت في مالك بن الصيف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف فخاصم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنشدك بالذى أنزل التوراة على موسى هل تجد فى التوراة أن الله يبغض الحبر السمين وكان حبرا سمينا فغضب وقال والله ما أنزل الله على بشر من شيء فقال له أصحابه ويحك ولا على موسى قال ما أنزل الله على بشر من شيء فنزلت وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) تجعلونه قراطيس ( قال اليهود وقوله ) وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ( قال هذه للمسلمين وأخرج عبد بن حميد وابن أبي جاتم عن قتادة فى قوله ) وعلمتم ما لم تعلموا ( قال هم اليهود آتاهم الله علما فلم يقتدوا به ولم يأخذوا به ولم يعملوا به فذمهم الله في علمهم ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وهذا كتاب أنزلناه مبارك ( قال هو القرآن الذى أنزل الله علي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد بن حميد عنه قال ) مصدق الذي بين يديه ( أي من الكتب التى قد خلت قبله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) ولتنذر أم القرى ( قال مكة ومن حولها قال يعني ما حولها من القرى إلى المشرق والمغرب
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال إنما سميت أم القرى لأن أول بيت وضعت بها وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) ولتنذر أم القرى ( قال هى مكة قال وبلغني أن الأرض دحيت من مكة وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار نحوه وأخرج الحاكم فى المستدرك عن شرحبيل بن سعد قال نزلت فى عبد الله بن أبي سرح ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ( الآية فلما دخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مكة فر إلى عثمان أخيه من الرضاعة فغيبه عنده حتى اطمأن أهل مكة ثم استأمن له وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي خلف الأعمى أنها نزلت فى عبد الله بن أبي سرح وكذلك روى ابن أبي حاتم عن السدي وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ( قال نزلت في مسيلمة الكذاب ونحوه ممن دعا إلى مثل ما دعا إليه ) ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ( قال نزلت فى عبد الله بن سعد بن أبي سرح وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة نحوه وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة لما نزلت ) والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا ( قال النضر وهو من بني عبد الدار والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا قولا كثيرا فأنزل الله ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى


"""""" صفحة رقم 142 """"""
قوله غمرات الموت قال سكرات الموت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال في قوله والملائكة باسطوا أيديهم هذا عند الموت والبسط الضرب يضربون وجوههم وأدبارهم وأخرج أبو الشيخ عنه قال في الآية هذا ملك الموت عليه السلام وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله والملائكة باسطوا أيديهم قال بالعذاب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله عذاب الهون قال الهوان وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال قال النضر بن الحارث سوف تشفع لي اللات والعزى فنزلت ) ولقد جئتمونا فرادى ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله ) ولقد جئتمونا فرادى ( الآية قال كيوم ولد يرد عليه كل شيء نقص منه يوم ولد وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وتركتم ما خولناكم ( قال من المال والخدم ) وراء ظهوركم ( قال في الدنيا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) لقد تقطع بينكم ( قال ما كان بينهم من الوصل وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله لقد تقطع بينكم قال تواصلكم في الدنيا
سورة الأنعام 95 99 ) إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون (
الأنعام : ( 95 ) إن الله فالق . . . . .
قوله إن الله فالق الحب والنوى هذا شروع في تعداد عجائب صنعه تعالى وذكر ما يعجز آلهتهم عن أدنى شيء منه والفلق الشق أي هو سبحانه فالق الحب فيخرج منه النبات وفالق النوى فيخرج منه الشجر وقيل معنى فالق الحب والنوى الشق الذي فيهما من أصل الخلقة وقيل معنى فالق خالق والنوى جمع نواة يطلق على كل ما فيه عجم كالتمر والمشمش والخوخ قوله يخرج الحي من الميت هذه الجملة خبر بعد خبر فهي في محل رفع وقيل هي جملة مفسرة لما قبلها لأن معناها معناه والأول أولى فإن معنى يخرج الحي من الميت يخرج الحيوان من مثل النطفة والبيضة وهي ميتة ومعنى ومخرج الميت من الحي مخرج النطفة والبيضة وهي ميتة من الحي وجملة ومخرج الميت من الحي معطوفة على يخرج الحي من الميت عطف جملة اسمية على جملة فعلية ولا ضير في ذلك وقيل معطوفة على فالق على تقدير أن جملة يخرج الحي من الميت مفسرة لما قبلها


"""""" صفحة رقم 143 """"""
والأول أولى والإشارة ? بذلكم ? إلى صانع ذلك الصنع العجيب المذكور سابقا و ) الله ( خبره والمعنى أن صانع هذا الصنع العجيب هو المستجمع لكل كمال والمفضل بكل إفضال والمستحق لكل حمد وإجلال ) فأنى تؤفكون ( فكيف تصرفون عن الحق مع ما ترون من بديع صنعه وكمال قدرته
الأنعام : ( 96 ) فالق الإصباح وجعل . . . . .
قوله ) فالق الإصباح ( مرتفع على أنه من جملة أخبار ) إن ( فى ) إن الله فالق الحب والنوى ( وقيل هو نعت للاسم الشريف فى ) ذلكم الله ( وقرأ الحسن وعيسى بن عمر ) فالق الإصباح ( بفتح الهمزة وقرأ الجمهور بكسرها وهو على قراءة الفتح جمع صبح وعلى قراءة الكسر مصدر أصبح والصبح والصباح أول النهار وكذا الإصباح وقرأ النخعي ) فالق الإصباح ( بفعل وهمزة مكسورة والمعنى فى ) فالق الإصباح ( أنه شاق الضياء عن الظلام وكاشفه أو يكون المعنى على حذف مضاف أي فالق ظلمة الإصباح وهى الغبش أو فالق عمود الفجر عن بياض النهار لأنه يبدو مختلطا بالظلمة ثم يصير أبيض خالصا وقرأ الحسن وعيسى بن عمر وعاصم وحمزة والكسائي ) وجعل الليل سكنا ( حملا على معنى ) فالق ( عند حمزة والكسائي وأما عند الحسن وعيسى فعطفا على فلق وقرأ الجمهور وجاعل عطفا على فالق وقرئ فالق وجاعل بنصبهما على المدح وقرأ يعقوب ? وجاعل الليل ساكنا ? والسكن محل السكون من سكن إليه إذا اطمأن إليه لأنه يسكن فيه الناس عن الحركة فى معاشهم ويستريحون من التعب والنصب قوله ) والشمس والقمر حسبانا ( بالنصب على إضمار فعل أي وجعل الشمس والقمر وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره والشمس والقمر مجعولان حسبانا وبالجر عطفا على الليل على قراءة من قرأ وجاعل الليل قال الأخفش والحسبان جمع حساب مثل شهبان وشهاب وقال يعقوب حسبان مصدر حسبت الشيء أحسبه حسبا وحسبانا والحساب الاسم وقيل الحسبان بالضم مصدر حسب بالفتح والحسبان بالكسر مصدر حسب
والمعنى جعلهما محل حساب تتعلق به مصالح العباد وسيرهما على تقدير لا يزيد ولا ينقص ليدل عباده بذلك على عظيم قدرته وبديع صنعه وقيل الحسبان الضياء وفى لغة أن الحسبان النار ومنه قوله تعالى ) ويرسل عليها حسبانا من السماء ( والإشارة ب ) ذلك تقدير العزيز العليم ( إلى الجعل المدلول عليه بجاعل أو بجعل على القراءتين
والعزيز القاهر الغالب والعليم كثير العلم ومن جملة معلوماته تسييرهما على هذا التدبير المحكم
الأنعام : ( 97 ) وهو الذي جعل . . . . .
قوله ) وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها ( أي خلقها للاهتداء بها ) في ظلمات ( الليل عند المسير فى ) البر والبحر ( وإضافة الظلمات إلى البر والبحر لكونها ملابسة لهما أو المراد بالظلمات اشتباه طرقهما التى لا يهتدى فيها إلا بالنجوم وهذه إحدى منافع النجوم التى خلقها الله لها ومنها ما ذكره الله فى قوله ) وحفظا من كل شيطان مارد (
) وجعلناها رجوما للشياطين ( ومنها جعلها زينة للسماء ومن زعم غير هذه الفوائد فقد أعظم على الله الفرية ) قد فصلنا الآيات ( التى بيناها بيانا مفصلا لتكون أبلغ فى الاعتبار ) لقوم يعلمون ( بما فى هذه الآيات من الدلالة على قدرة الله وعظمته وبديع حكمته
الأنعام : ( 98 ) وهو الذي أنشأكم . . . . .
قوله ) وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة ( أي آدم عليه السلام كما تقدم وهذا نوع آخر من بديع خلقه الدال على كمال قدرته ) فمستقر ومستودع ( قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وأبو عمرو وعيسى والأعرج والنخعي بكسر القاف والباقون بفتحها وهما مرفوعان على أنهما مبتدآن وخبرهما محذوف والتقدير فمنكم مستقر أو فلكم مستقر التقدير الأول على القراءة الأولى والثاني على الثانية أي فمنكم مستقر على ظهر الأرض أو فلكم مستقر على ظهرها ومنكم مستودع فى الرحم أو فى باطن الأرض أو فى الصلب وقيل المستقر فى الرحم والمستودع فى الأرض وقيل المستقر فى القبر قال القرطبي وأكثر أهل


"""""" صفحة رقم 144 """"""
التفسير يقولون المستقر ما كان فى الرحم والمستودع ما كان فى الصلب وقيل المستقر من خلق والمستودع من لم يخلق وقيل الاستيداع إشارة إلى كونهم فى القبور إلى المبعث
ومما يدل على تفسير المستقر بالكون على الأرض قول الله تعالى ) ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ( وذكر سبحانه هاهنا ) يفقهون ( وفيما قبله ) يعلمون ( لأن فى إنشاء الأنفس من نفس واحدة وجعل بعضها مستقرا وبعضها مستودعا من الغموض والدقة ما ليس فى خلق النجوم للاهتداء فناسبه ذكر الفقه لإشعاره بمزيد تدقيق وإمعان فكر
الأنعام : ( 99 ) وهو الذي أنزل . . . . .
قوله ) وهو الذي أنزل من السماء ماء ( هذا نوع آخر من عجائب مخلوقاته والماء هو ماء المطر وفي ) فأخرجنا به ( التفات من الغيبة إلى التكلم إظهار للعناية بشأن هذا المخلوق وما ترتب عليه والضمير فى ) به ( عائد إلى الماء و ) نبات كل شيء ( يعني كل صنف من أصناف النبات المختلفة وقيل المعنى رزق كل شيء والتفسير الأول أولى ثم فصل هذا الإجمال فقال ) فأخرجنا منه خضرا ( قال الأخفش أي أخضر والخضر رطب البقول وهو ما يتشعب من الأغصان الخارجة من الحبة وقيل يريد القمح والشعير والذرة والأرز وسائر الحبوب ) نخرج منه حبا ( هذه الجملة صفة لخضرا أي نخرج من الأغصان الخضر حبا متراكبا أي مركبا بعضه على بعضه كما فى السنابل ) ومن النخل ( خبر مقدم و ) من طلعها ( بدل منه وعلى قراءة من قرأ يخرج منه حب يكون ارتفاع قنوان على أنه معطوف على حب وأجاز الفراء فى غير القرآن قنوانا عطفا على حبا وتميم يقولون قنيان وقرأ بضم القاف وفتحها باعتبار اختلاف اللغتين لغة قيس ولغة أهل الحجاز والطلع الكفري قبل أن ينشق عن الإغريض والاغريض يسمى طلعا أيضا والقوان جمع قنو والفرق بين جمعه وتثنيته أن المثنى مكسور النون والجمع على ما يقتضيه الإعراب ومثله صنوان والقنو العذق والمعنى أن القنوان أصله مع الطلع والعذق هو عنقود النخل وقيل القنوان الجمار والدانية القريبة التى ينالها القائم والقاعد قال الزجاج المعنى منها دانية ومنها بعيدة فحذف ومثله ) سرابيل تقيكم الحر ( وخص الدانية بالذكر لأن الغرض من الآية بيان القدر والامتنان وذلك فيما يقرب تناوله أكثر قوله ) وجنات من أعناب ( قرأ محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى والأعمش وعاصم فى قراءته الصحيحة عنه برفع جنات وقرأ الباقون بالنصب وأنكر القراءة الأولى أبو عبيدة وأبو حاتم حتى قال أبو حاتم هى محال لأن الجنات لا تكون من النخل قال النحاس ليس تأويل الرفع عل هذا ولكنه رفع الابتداء والخبر محذوف أي ولهم جنات كما قرأ جماعة من القراء ) وحور عين ( وقد أجاز مثل هذا سيبويه والكسائي والفراء وأما على النصب فقيل هو معطوف على ) نبات كل شيء ( أي وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب أو النصب بفعل يقدر متأخرا أي وجنات من أعناب أخرجناها وهكذا القول في انتصاب الزيتون والرمان وقيل هما منصوبان على الاختصاص لكونهما عزيزين و ) مشتبها ( منتصب على الحال أي كل واحد منهما يشبه بعضه بعضا فى بعض أوصافه ولا يشبه بعضه بعضا فى البعض الآخر وقيل إن أحدهما يشبه الآخر فى الورق باعتبار اشتماله على جميع الغصن وباعتبار حجمه ولا يشبه أحدهما الآخر فى الطعم وقيل خص الزيتون والرمان لقرب منابتهما من العرب كما فى قوله الله سبحانه ) أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ( ثم أمرهم سبحانه بأن ينظروا نظر اعتبار إلى ثمره إذا أثمر وإلى ينعه إذا أينع والثمر فى اللغة جنى الشجر واليانع الناضج الذى قد أدرك وحان قطافه قال ابن الأنباري الينع جمع يانع كركب وراكب
وقال الفراء أينع احمر وقرأ حمزة والكسائي ) ثمرة ( بضم الثاء والميم وقرأ الباقون بفتحها إلا الأعمش فإنه قرأ ثمره بضم الثاء وسكون الميم تخفيفا وقرأ محمد بن السميفع وابن محيصن وابن أبي إسحاق ) وينعه ( بضم الياء التحتية


"""""" صفحة رقم 145 """"""
قال الفراء هي لغة بعض أهل نجد وقرأ الباقون بفتحها والإشارة بقوله ) إن في ذلكم ( إلى ما تقدم ذكره مجملا ومفصلا ) لآيات لقوم يؤمنون ( بالله استدلالا بما يشاهدونه من عجائب مخلوقاته التى قصها عليهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله تعالى ) إن الله فالق الحب والنوى ( يقول خلق الحب والنوى وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال يفلق الحب والنوى عن النبات وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال الشقان اللذان فيهما وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي مالك نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى قوله ) يخرج الحي من الميت ( قال النخلة من النواة والسنبلة من الحبة ) ومخرج الميت من الحي ( قال النواة من النخلة والحبة من السنبلة وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد ) يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ( قال الناس الأحياء من النطف والنطفة ميتة تخرج من الناس الأحياء ومن الأنعام والنبات كذلك أيضا
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فأنى تؤفكون ( أي فكيف تكذبون وأخرج أيضا عن الحسن قال أنى تصرفون وأخرج أيضا عن ابن عباس فى ) فالق الإصباح ( قال خلق الليل والنهار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال يعني بالإصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى ) فالق الإصباح ( قال إضاءة الفجر وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) فالق الإصباح ( قال فالق الصبح وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وجعل الليل سكنا ( قال سكن فيه كل طير ودابة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) والشمس والقمر حسبانا ( يعني عدد الأيام والشهور والسنين
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ( قال يضل الرجل وهو فى الظلمة والجور عن الطريق وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والخطيب فى كتاب النجوم عن عمر بن الخطاب قال تعلموا من النجوم ما تهتدون به فى بركم وبحركم ثم أمسكوا فإنها والله ما خلقت إلا زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن مردويه والخطيب عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تعلموا من النجوم ما تهتدون به فى ظلمات البر والبحر ثم انتهوا
وقد ورد فى استحباب مراعاة الشمس والقمر لذكر الله سبحانه لا لغير ذلك أحاديث منها عند الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر لذكر الله وأخرج ابن شاهين والطبراني والحاكم والخطيب عن عبد الله بن أبي أوفى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحوه وأخرج أحمد فى الزهد والخطيب عن أبي الدرداء نحوه وأخرج الخطيب فى كتاب النجوم عن أبي هريرة نحو حديثه الأول مرفوعا وأخرج الحاكم فى تاريخه والديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة أيضا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله التاجر الأمين والإمام المقتصد وراعى الشمس بالنهار وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد عن سلمان الفارسي قال سبعة فى ظل الله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم الرجل الذى يراعي الشمس لمواقيت الصلاة
فهذه الأحاديث مقيدة بكون المراعاة لذكر الله والصلاة لا لغير ذلك وقد جعل الله انقضاء وقت صلاة الفجر طلوع الشمس وأول صلاة الظهر زوالها ووقت العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية ووقت المغرب غروب


"""""" صفحة رقم 146 """"""
الشمس وورد فى صلاة العشاء أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصليها لوقت مغيب القمر ليلة ثالث الشهر وبها يعرف أوائل الشهور وأوساطها وأواخرها فمن راعى الشمس والقمر بهذه الأمور فهو الذى أراده ( صلى الله عليه وسلم ) ومن راعاها لغير ذلك فهو غير مراد بما ورد وهكذا النجوم ورد النهي عن النظر فيها كما أخرج ابن مردويه والخطيب عن علي قال نهاني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن النظر فى النجوم
وأخرج ابن مردويه والمرهبي والخطيب عن أبي هريرة قال نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن النظر فى النجوم وأخرج الخطيب عن عائشة مرفوعا مثله وأخرج الطبراني وأبو نعيم فى الحلية والخطيب عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن مردويه عن ابن عباس قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد فهذه الأحاديث محمولة على النظر فيها لما عدا الاهتداء والتفكر والاعتبار وما ورد فى جواز النظر فى النجوم فهو مقيد بالاهتداء والتفكر والاعتبار كما يدل عليه حديث ابن عمر السابق وعليه يحمل ما روى عن عكرمة فيما أخرجه الخطيب عنه أنه سأل رجلا عن حساب النجوم فجعل الرجل يتحرج أن يخبره فقال عكرمة سمعت ابن عباس يقول علم عجز الناس عنه ووددت أني علمته وقد أخرج أبو داود والخطيب عن سمرة بن جندب أنه خطب فذكر حديثا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال أما بعد فإن ناسا يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النجوم عن مواضعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض وإنهم قد كذبوا ولكنها آيات من آيات الله يعبر بها عباده لينظر ما يحدث لهم من توبة وقد ثبت فى الصحيحين وغيرهما فى كسوف الشمس والقمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بهما عباده
وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة مرفوعا إن الله نصب آدم بين يديه ثم ضرب كتفه اليسرى فخرجت ذريته من صلبه حتى ملئوا الأرض فهذا الحديث هو معنى ما فى الآية ) وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة ( وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس فى قوله ) فمستقر ومستودع ( قال المستقر ما كان فى الرحم والمستودع ما استودع فى أصلاب الرجال والدواب وفى لفظ المستقر ما فى الرحم وعلى ظهر الأرض وبطنها مما هو حي ومما قد مات وفى لفظ المستقر ما كان فى الأرض والمستودع ما كان فى الصلب وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود فى الآية قال مستقرها فى الدنيا ومستودعها فى الآخرة وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال المستقر الرحم والمستودع المكان الذى يموت فيه
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن وقتادة فى الآية قالا مستقر فى القبر ومستودع فى الدنيا أوشك أن يلحق بصاحبه
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) نخرج منه حبا متراكبا ( قال هذا السنبل وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب ) قنوان دانية ( قال قريبة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) قنوان دانية ( قال قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قنوان الكبائس والدانية المنصوبة وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا فى ) قنوان دانية ( قال تهدل العذوق من الطلع وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) مشتبها وغير متشابه ( قال متشابها ورقه مختلفا ثمره وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن


"""""" صفحة رقم 147 """"""
كعب القرظي فى قوله ) انظروا إلى ثمره إذا أثمر ( قال رطبه وعنبه وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء ) وينعه ( قال نضجه
سورة الأنعام الآية ( 100 103 )
الأنعام : ( 100 ) وجعلوا لله شركاء . . . . .
هذا الكلام يتضمن ذكر نوع آخر من جهالاتهم وضلالاتهم قال النحاس الجن المفعول الأول وشركاء المفعول الثاني كقوله تعالى ) وجعلكم ملوكا ( ) وجعلت له مالا ممدودا ( وأجاز الفراء أن يكون الجن بدلا من شركاء ومفسرا له وأجاز الكسائي رفع الجن بمعنى هم الجن كأنه قيل من هم فقيل الجن وبالرفع قرأ يزيد بن أبي قطيب وأبو حيان وقريء بالجر على إضافة شركاء إلى الجن للبيان والمعنى أنهم جعلوا شركاء لله فعبدوهم كما عبدوه وعظموهم كما عظموه وقيل المراد بالجن هاهنا الملائكة لاجتنانهم أي استتارهم وهم الذين قالوا الملائكة بنات الله وقيل نزلت فى الزنادقة الذين قالوا إن الله تعالى وإبليس أخوان فالله خالق الناس والدواب وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب وروى ذلك عن الكلبي ويقرب من هذا قول المجوس فإنهم قالوا للعالم صانعان هما الرب سبحانه والشيطان وهكذا القائلون كل خير من النور وكل شر من الظلمة وهم المانوية قوله ) وخلقهم ( جملة حالية بتقدير قد أي وقد علموا أن الله خلقهم أو خلق ما جعلوه شريكا لله قوله ) وخرقوا له بنين وبنات ( قرأ نافع بالتشديد على التكثير لأن المشركين ادعوا أن الملائكة بنات الله والنصارى ادعو أن المسيح ابن الله واليهود ادعوا أن عزيرا ابن الله فكثر ذلك من كفرهم فشدد الفعل لمطابقة المعنى وقرأ الباقون بالتخفيف وقرئ ? حرفوا ? من التحريف أي زوروا قال أهل اللغة معنى خرقوا اختلقوا وافتعلوا وكذبوا يقال اختلق الإفك واخترقه وخرقه أو أصله من خرق الثوب إذا شقه أي اشتقوا له بنين وبنات قوله ) بغير علم ( متعلق بمحذوف هو حال أي كائنين بغير علم بل قالوا ذلك عن جهل خالص ثم بعد حكاية هذا الضلال البين والبهت الفظيع من جعل الجن شركاء لله وإثبات بنين وبنات له نزه الله نفسه فقال ) سبحانه وتعالى عما يصفون ( وقد تقدم الكلام فى معنى سبحانه ومعنى ) تعالى ( تباعد وارتفع عن قولهم الباطل الذى وصفوه به
الأنعام : ( 101 ) بديع السماوات والأرض . . . . .
قوله ) بديع السماوات والأرض ( أي مبدعهما فيكف يجوز أن ) يكون له ولد ( وقد جاء البديع بمعنى المبدع كالسميع بمعنى المسمع كثيرا ومنه قول عمرو بن معدي كرب أمن ريحانة الداعي السميع
يؤرقني وأصحابي هجوع
أي المسمع وقيل هو من إضافة الصفة المشبهة إلى الفاعل والأصل بديع سمواته وأرضه وأجاز الكسائي خفضه على النعت لله والظاهر أن رفعه على تقدير مبتدأ محذوف أو على أنه مبتدأ وخبره ) أنى يكون له ولد (


"""""" صفحة رقم 148 """"""
وقيل هو مرفوع على أنه فاعل ) تعالى ( وقرئ بالنصب على المدح والاستفهام فى ) أنى يكون له ولد ( للإنكار والاستبعاد أي من كان هذا وصفه وهو أنه خالق السموات والأرض وما فيهما كيف يكون له ولد وهو من جملة مخلوقاته وكيف يتخذ ما يخلقه ولدا ثم بالغ فى نفي الولد فقال ) ولم تكن له صاحبة ( أي كيف يكون له ولد والحال أنه لم تكن له صاحبة والصاحبة إذا لم توجد استحال وجود الولد وجملة ) وخلق كل شيء ( لتقرير ما قبلها لأن من كان خالقا كل شيء استحال منه أن يتخذ بعض مخلوقاته ولدا ) وهو بكل شيء عليم ( لا تخفى عليه من مخلوقاته خافية
الأنعام : ( 102 ) ذلكم الله ربكم . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى الأوصاف السابقة وهو فى موضع رفع على الابتداء وما بعده خبره وهو الاسم الشريف و ) ربكم ( خبر ثان و ) لا إله إلا هو ( خبر ثالث و ) خالق كل شيء ( خبر رابع ويجوز أن يكون ) الله ربكم ( بدلا من اسم الإشارة وكذلك ) لا إله إلا هو خالق كل شيء ( خبر المبتدأ ويجوز ارتفاع خالق على إضمار مبتدأ وأجاز الكسائي والفرا النصب فيه ) فاعبدوه ( أي من كانت هذه صفاته فهو الحقيق بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا غيره ممن ليس له من هذه الصفات العظيمة شيء
الأنعام : ( 103 ) لا تدركه الأبصار . . . . .
قوله ) لا تدركه الأبصار ( الأبصار جمع بصر وهو الحاسة وإدراك الشيء عبارة عن الإحاطة به قال الزجاج أي لا تبلغ كنه حقيقته فالمنفى هو هذا الإدراك لا مجرد الرؤية فقد ثبتت بالأحاديث المتواترة تواترا لا شك فيه ولا شبهة ولا يجهله إلا من يجهل السنة المطهرة جهلا عظيما وأيضا قد تقرر فى علم البيان والميزان أن رفع الإيجاب الكلي سلب جزئي فالمعنى لا تدركه بعض الأبصار وهي أبصار الكفار هذا على تسليم أن نفي الإدراك يستلزم نفي الرؤية فالمراد به هذه الرؤية الخاصة والآية من سلب العموم لا من عموم السلب والأول تخلفه الجزئية والتقدير لا تدركه كل الأبصار بل بعضها وهي أبصار المؤمنين والمصير إلى أحد الوجهين متعين لما عرفناك من تواتر الرؤية فى الآخرة واعتضادها بقوله تعالى ) وجوه يومئذ ناضرة ( الآية قوله ) وهو يدرك الأبصار ( أي يحيط بها ويبلغ كنهها لا تخفى عليه منها خافية وخص الأبصار ليجانس ما قبله وقال الزجاج فى هذا دليل على أن الخلق لا يدركون الأبصار أي لا يعرفون كيفية حقيقة البصر وما الشيء الذى صار به الإنسان يبصر من عينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه انتهى ) وهو اللطيف ( أي الرفيق بعباده يقال لطف فلان بفلان أي رفق به واللطف فى العمل الرفق فيه واللطف من الله التوفيق والعصمة وألطفه بكذا إذا أبره والملاطفة المبارة هكذا قال الجوهري وابن فارس و ) الخبير ( المختبر بكل شيء بحيث لا يخفى عليه شيء
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم ( قال والله خلقهم ) وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ( قال تخرصوا وأخرج ابن أبي حاتم عنه فى قوله ) وخرقوا ( قال جعلوا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كذبوا وأخرج عبد ابن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والعقيلي وابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) لا تدركه الأبصار ( قال لو أن الإنس والجن والملائكة والشياطين منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفا واحدا ما أحاطوا بالله أبدا قال الذهبي هذا حديث منكر انتهى وفي إسناده عطية العوفي وهو ضعيف وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال رأى محمد ربه قال عكرمة فقلت له أليس الله يقول ) لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ( قال لا أم لك ذاك نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء


"""""" صفحة رقم 149 """"""
وفى لفظ إنما ذلك إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر وأخرج ابن جرير عنه قال لا يحيط بصر أحد بالله
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي فى كتاب الرؤية عن الحسن فى قوله ) لا تدركه الأبصار ( قال فى الدنيا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية مثله
سورة الأنعام الآية ( 104 108 )
الأنعام : ( 104 ) قد جاءكم بصائر . . . . .
البصائر جمع بصيرة وهى فى الأصل نور القلب والمراد بها هنا الحجة البينة والبرهان الواضح وهذا الكلام وارد على لسان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولهذا قال فى آخره ) وما أنا عليكم بحفيظ ( ووصف البصائر بالمجيء تفخيما لشأنها وجعلها بمنزلة الغائب المتوقع مجيئه كما يقال جاءت العافية وانصرف المرض وأقبلت السعود وأدبرت النحوس ) فمن أبصر فلنفسه ( أي فمن تعقل الحجة وعرفها وأذعن لها فنفع ذلك لنفسه لأنه ينجو بهذا الإبصار من عذاب النار ) ومن عمي ( عن الحجة ولم يتعقلها ولا أذعن لها فضرر ذلك على نفسه لأنه يتعرض لغضب الله فى الدنيا ويكون مصيره النار ) وما أنا عليكم بحفيظ ( برقيب أحصى عليكم أعمالكم وإنما أنا رسول أبلغكم رسالات ربي وهو الحفيظ عليكم قال الزجاج نزل هذا قبل فرض القتال ثم أمر أن يمنعهم بالسيف من عبادة الأوثان
الأنعام : ( 105 ) وكذلك نصرف الآيات . . . . .
) وكذلك نصرف الآيات ( أي مثل ذلك التصريف البديع نصرفها فى الوعد والوعيد والوعظ والتنبيه قوله ) وليقولوا درست ( العطف على محذوف أي نصرف الآيات لتقوم الحجة وليقولوا درست أو علة لفعل محذوف يقدر متأخرا أي وليقولوا درست صرفناها وعلى هذا تكون اللام للعاقبة أو للصيرورة
والمعنى ومثل ذلك التصريف نصرف الآيات وليقولوا درست فإنه لا احتفال بقولهم ولا اعتداد بهم فيكون معناه الوعيد والتهديد لهم وعدم الاكتراث بقولهم وقد أشار إلى مثل هذا الزجاج وقال النحاس وفي المعنى قول آخر حسن وهو أن يكون معنى ) نصرف الآيات ( نأتي بها آية بعد آية ) وليقولوا درست ( علينا فيذكرون الأول بالآخر فهذا حقيقته والذى قاله أبو إسحاق يعني الزجاج مجاز وفى ) درست ( قراءات قرأ أبو عمرو وابن كثير دارست بألف بين الدال والراء كفاعلت وهى قراءة علي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وأهل مكة وقرأ ابن عامر ) درست ( بفتح السكين وإسكان التاء من غير ألف كخرجت وهى قراءة الحسن وقرأ الباقون ) درست ( كضربت فعلى القراءة الأولى المعنى دارست أهل الكتاب ودارسوك أي ذاكرتهم وذاكروك ويدل على هذا ما وقع فى الكتاب العزيز من إخبار الله عنهم بقوله ) وأعانه عليه قوم آخرون ( أي أعان اليهود النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على القرآن ومثله قولهم ) أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (


"""""" صفحة رقم 150 """"""
وقولهم ) إنما يعلمه بشر ( والمعنى على القراءة الثانية قدمت هذه الآيات وعفت وانقطعت وهو كقولهم ) أساطير الأولين ( والمعنى على القراءة الثالثة مثل المعنى على القراءة الأولى قال الأخفش هى بمعنى دارست إلا أنه أبلغ وحكى عن المبرد أنه قرأ ) وليقولوا ( بإسكان اللام فيكون فيه معنى التهديد أي وليقولوا ما شاءوا فإن الحق بين وفى هذا اللفظ أصله درس يدرس دراسة فهو من الدرس وهو القراءة وقيل من درسته أي ذللته بكثرة القراءة وأصله درس الطعام أي داسه والدياس الدارس بلغة أهل الشام وقيل أصله من درست الثوب أدرسه درسا أي أخلقته ودرست المرأة درسا أي حاضت ويقال إن فرج المرأة يكنى أبا دراس وهو من الحيض والدرس أيضا الطريق الخفي وحكى الأصمعي بعير لم يدرس أي لم يركب وروى عن ابن عباس وأصحابه وأبي وابن مسعود والأعمش أنهم قرءوا درس أي درس محمد الآيات وقرئ ) درست ( وبه قرأ زيد بن ثابت أي الآيات على البناء للمفعول ودارست أي دارست اليهود محمدا واللام فى ? لنبينه ? لام كي أي نصرف الآيات لكي نبينه لقوم يعلمون والضمير راجع إلى الآيات لأنها فى معنى القرآن أو إلى القرآن وإن لم يجر له ذكر لأنه معلوم من السياق أو إلى التبيين المدلول عليه بالفعل
الأنعام : ( 106 ) اتبع ما أوحي . . . . .
قوله ) اتبع ما أوحي إليك من ربك ( أمره الله باتباع ما أوحى إليه وأن لا يشغل خاطره بهم بل يشتغل باتباع ما أمره الله وجملة ) لا إله إلا هو ( معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لقصد تأكيد إيجاب الاتباع ) وأعرض ( معطوف على ) اتبع ( أمره الله بالإعراض عن المشركين بعدما أمره باتباع ما أوحى إليه وهذا قبل نزول آية السيف
الأنعام : ( 107 ) ولو شاء الله . . . . .
) لو شاء الله ما أشركنا ( أي لو شاء الله عدم إشراكهم ما أشركوا وفيه أن الشرك بمشيئة الله سبحانه والكلام فى تقرير هذا على الوجه الذى يتعارف به أهل علم الكلام والميزان معروف فلا نطيل بإيراده ) وما جعلناك عليهم حفيظا ( أي رقيبا ) وما أنت عليهم بوكيل ( أي قيم بما فيه نفعهم فتجلبه إليهم ليس عليك إلا إبلاغ الرسالة
الأنعام : ( 108 ) ولا تسبوا الذين . . . . .
قوله ) ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ( الموصول عبارة عن الآلهة التى كانت تعبدها الكفار والمعنى لا تسب يا محمد آلهة هؤلاء الكفار التى يدعونها من دون الله فيتسبب عن ذلك سبهم لله عدوانا وتجاوزا عن الحق وجهلا منهم
وفى هذه الآية دليل على أن الداعي إلى الحق والناهي عن الباطل إذا خشى أن يتسبب عن ذلك ما هو أشد منه من انتهاك حرم ومخالفة حق ووقوع فى باطل أشد كان الترك أولى به بل كان واجبا عليه وما أنفع هذه الآية وأجل فائدتها لمن كان من الحاملين لحجج الله المتصدين لبيانها للناس إذا كان بين قوم من الصم والبكم الذين إذا أمرهم بمعروف تركوه وتركوا غيره من المعروف وإذا نهاهم عن منكر فعلوه وفعلوا غيره من المنكرات عنادا للحق وبغضا لاتباع المحقين وجراءة على الله سبحانه سبحانه فإن هؤلاء لا يؤثر فيهم إلا السيف وهو الحكم العدل لمن عاند الشريعة المطهرة وجعل المخالفة لها والتجرؤ على أهلها ديدنه وهجيراه كما يشاهد ذلك فى أهل البدع الذين إذا دعوا إلى حق وقعوا فى كثير من الباطل وإذا أرشدوا إلى السنة قابلوها بما لديهم من البديعة فهؤلاء هم المتلاعبون بالدين المتهاونون بالشرائع وهم شر من الزنادقة لأنهم يحتجون بالباطل وينتمون إلى البدع ويتظهرون بذلك غير خائفين ولا وجلين والزنادقة قد ألجمتهم سيوف الإسلام وتحاماهم أهله وقد ينفق كيدهم ويتم باطلهم وكفرهم نادرا على ضعيف من ضعفاء المسلمين مع تكتم وتحرز وخيفة ووجل وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن هذه الآية محكمة ثابتة غير منسوخة وهى أصل أصيل فى سد الذرائع وقطع التطرق إلى الشبه وقرأ أهل مكة ) عدوا ( بضم العين والدال وتشديد الواو وهى قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة وقرأ من


"""""" صفحة رقم 151 """"""
عداهم بفتح العين وضم الدال وتشديد الواو ومعنى القراءتين واحد أي ظلما وعدوانا وهو منتصب على الحال أو على المصدر أو على أنه مفعول له ) كذلك زينا لكل أمة عملهم ( أي مثل ذلك التزيين زينا لكل أمة من أمم الكفار عملهم من الخير والشر ) يضل من يشاء ويهدي من يشاء ( ) ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ( فى الدنيا من المعاصى التى لم ينتهوا عنها ولا قبلوا من المرسلين ما أرسلهم الله به إليهم وما تضمنته كتبه المنزلة عليهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) قد جاءكم بصائر ( أي بينة ) فمن أبصر فلنفسه ( أي فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ) ومن عمي ( أي من ضل ) فعليها ( وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والضياء فى المختارة عن ابن عباس أنه كان يقرأ دارست وقال قرأت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه ) درست ( قال قرأت وتعلمت وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عنه أيضا قال دارست خاصمت جادلت تلوت وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) وأعرض عن المشركين ( قال كف عنهم وهذا منسوخ نسخة القتال ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) ولو شاء الله ما أشركوا ( يقول الله تبارك وتعالى لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وما أنت عليهم بوكيل ( أي بحفيظ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ( قال قالوا يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجون ربك فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم ) فيسبوا الله عدوا بغير علم ( وقد ثبت فى الصحيح أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ملعون من سب والديه قالوا يا رسول الله وكيف يسب الرجل والديه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه
سورة الأنعام الآية ( 109 113 )
الأنعام : ( 109 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
قوله ) وأقسموا بالله ( أي الكفار مطلقا أو كفار قريش وجهد الأيمان أشدها أي أقسموا بالله أشد


"""""" صفحة رقم 152 """"""
أيمانهم التى بلغتها قدرتهم وقد كانوا يعتقدون أن الله هو الإله الأعظم فلهذا أقسموا به وانتصاب جهد على المصدرية وهو بفتح الجيم المشقة وبضمها الطاقة ومن أهل اللغة من يجعلهما لمعنى واحد والمعنى أنهم اقترحوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) آية من الآيات التى كانوا يقترحونها وأقسموا لئن جاءتهم هذه الآية التى اقترحوها ) ليؤمنن بها ( وليس غرضهم الإيمان بل معظم قصدهم التحكم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والتلاعب بآيات الله فأمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بقوله ) إنما الآيات عند الله ( هذه الآية التى يقترحونها وغيرها وليس عندي من ذلك شيء فهو سبحانه إن أراد إنزالها أنزلها وإن أراد أن لا ينزلها لم ينزلها
قوله ) وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( قرأ أبو عمرو وابن كثير بكسر الهمزة من أنها وهى قراءة مجاهد ويؤيد هذه القراءة قراءة ابن مسعود ) وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( قال مجاهد وابن زيد المخاطب بهذا المشركون أي وما يدريكم ثم حكم عليهم بقوله ) أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( وقال الفراء وغيره الخطاب للمؤمنين لأن المؤمنين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يا رسول الله لو نزلت الآية لعلهم يؤمنون فقال الله تعالى ) وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( وقرأ أهل المدينة والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم وابن عامر ) أنها إذا جاءت ( بفتح الهمزة قال الخليل أنها بمعنى لعلها وفى التنزيل ) وما يدريك لعله يزكى ( أي أنه يزكى وحكى عن العرب ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا أي لعلك ومنه قول الشاعر عدي بن زيد أعاذل ما يدريك أن منيتي
إلى ساعة فى اليوم أو فى ضحى الغد
أي لعل منيتي ومنه قول دريد بن الصمة أريني جوادا مات هزلا لأنني
أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
أي لعلني وقول أبي النجم قلت لشيبان ادن من لقائه
أني بعد اليوم من سوائه
أي لعلى وقول جرير هل أنتم عائجون بنا لأن
نرى العرصات أو أثر الخيام
أي لعلنا اه وقد وردت فى كلام العرب كثيرا بمعنى لعل وحكى الكسائي أنها كذلك فى مصحف أبي بن كعب وقال الكسائي أيضا والفراء إن ) لا ( زائدة والمعنى وما يشعركم أنها أي الآيات إذا جاءت يؤمنون فزيدت كما زيدت فى قوله تعالى ) وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ( وفى قوله ) ما منعك ألا تسجد ( وضعف الزجاج والنحاس وغيرهما زيادة لا وقالوا هو غلط وخطأ وذكر النحاس وغيره أن فى الكلام حذفا والتقدير أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ثم حذف هذا المقدر لعلم السامع
الأنعام : ( 110 ) ونقلب أفئدتهم وأبصارهم . . . . .
قوله ) ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ( معطوف على ) لا يؤمنون ( قيل والمعنى تقليب أفئدتهم وأبصارهم يوم القيامة على لهب النار وحر الجمر ) كما لم يؤمنوا ( فى الدنيا ) ونذرهم ( في الدنيا أي نمهلهم ولا نعاقبهم فعلى هذا بعض الآية في الآخرة وبعضها في الدنيا وقيل المعنى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم فى الدنيا أي نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم تلك الآية كما حلنا بينهم وبين ما دعوتهم إليه أول مرة عند ظهور المعجزة وقيل في الكلام تقديم وتأخير والتقدير أنها إذا جاءت لا يؤمنون كما لم يؤمنوا ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ونذرهم فى طغيانهم يعمهون أي يتحيرون والكاف فى ) كما لم يؤمنوا ( نعت مصدر محذوف وما مصدرية و ) يعمهون ( فى محل نصب على الحال


"""""" صفحة رقم 153 """"""
الأنعام : ( 111 ) ولو أننا نزلنا . . . . .
قوله ) ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة ( أي لا يؤمنون ولو نزلنا إليهم الملائكة كما اقترحوه بقولهم ) لولا أنزل عليه ملك ( ) وكلمهم الموتى ( الذين يعرفونهم بعد إحيائنا لهم فقالوا لهم إن هذا النبي صادق مرسل من عند الله فآمنوا به لم يؤمنوا ) وحشرنا عليهم كل شيء ( مما سألوه من الآيات ) قبلا ( أي كفلا وضمنا بما جئناهم به من الآيات البينات هذا على قراءة من قرأ قبلا بضم القاف وهم الجمهور وقرأ نافع وابن عامر قبلا بكسرها أي مقابلة
وقال محمد بن يزيد المبرد قبلا بمعنى ناحية كما تقول لي قبل فلان مال فقبلا نصب على الظرف وعلى المعنى الأول ورد قوله تعالى ) أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ( أي يضمنون كذا قال الفراء وقال الأخفش هو بمعنى قبيل قبيل أي جماعة جماعة وحكى أبو زيد لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا كله واحد بمعنى المواجهة فيكون على هذا الضم كالكسر وتستوى القراءتان والحشر الجمع ) ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ( إيمانهم فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن والاستثناء مفرغ ) ولكن أكثرهم يجهلون ( جهلا يحول بينهم وبين درك الحق والوصول إلى الصواب
الأنعام : ( 112 ) وكذلك جعلنا لكل . . . . .
قوله ) وكذلك جعلنا لكل نبي ( هذا الكلام لتسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ودفع ما حصل معه من الحزن بعدم إيمانهم أي مثل هذا الجعل ) جعلنا لكل نبي عدوا ( والمعنى كما ابتليناك بهؤلاء فقد ابتلينا الأنبياء من قبلك بقوم من الكفار فجعلنا لكل واحد منهم عدوا من كفار زمنهم و ) شياطين الإنس والجن ( بدل من عدوا وقيل هو المفعول الثاني لجعلنا وقرأ الأعمش الجن والإنس بتقديم الجن والمراد بالشياطين المردة من الفريقين والإضافة بيانية أو من إضافة الصفة إلى الموصوف والأصل الإنس والجن الشياطين وجملة ) يوحي بعضهم إلى بعض ( فى محل نصب على الحال أي حال كونه يوسوس بعضه لبعض وقيل إن الجملة مستأنفة لبيان حال العدو وسمى وحيا لأنه إنما يكون خفية بينهم وجعل تمويههم زخرف القول لتزيينهم إياه والمزخرف المزين وزخارف الماء طرائقه و ) غرورا ( منتصب على المصدر لأن معنى يوحى بعضهم إلى بعض يغرونهم بذلك غرورا ويجوز أن يكون فى موضع الحال ويجوز أن يكون مفعولا له والغرور الباطل قوله ) ولو شاء ربك ما فعلوه ( الضمير يرجع إلى ما ذكر سابقا من الأمور التى جرت من الكفار فى زمنه وزمن الأنبياء قبله أي لو شاء ربك عدم وقوع ما تقدم ذكره ما فعلوه وأوقعوه وقيل ما فعلوا الإيحاء المدلول عليه بالفعل ) فذرهم ( أي اتركهم وهذا الأمر للتهديد للكفار كقوله ) ذرني ومن خلقت وحيدا ( ) وما يفترون ( إن كانت ما مصدرية فالتقدير اتركهم وافتراءهم وإن كانت موصولة فالتقدير اتركهم والذى يفترونه
الأنعام : ( 113 ) ولتصغى إليه أفئدة . . . . .
قوله ) ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ( اللام فى لتصغى لام كي فتكون علة كقوله ) يوحى ( والتقدير يوحى بعضهم إلى بعض ليغروهم ولتصغى وقيل هو متعلق بمحذوف يقدر متأخرا أي لتصغى ) جعلنا لكل نبي عدوا ( وقيل إن اللام للأمر وهو غلط فإنها لو كانت لام الأمر جزمت الفعل والإصغاء الميل يقال صغوت أصغو صغوا وصغيت أصغى ويقال صغيت بالكسر ويقال أصغيت الإناء إذا أملته ليجتمع ما فيه وأصله الميل إلى الشيء لغرض من الأغراض ويقال صغت النجوم إذا مالت للغروب وأصغت الناقة إذا أمالت رأسها ومنه قول ذي الرمة تصغى إذا شدها بالكور جانحة
حتى إذا ما استوى فى غرزها وثبت
والضمير فى إليه لزخرف القول أو لما ذكر سابقا من زخرف القول وغيره أي أوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول ليغروهم ) ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ( من الكفار ) وليرضوه ( لأنفسهم بعد الإصغاء إليه ) وليقترفوا ما هم مقترفون ( من الآثام والاقتراف الاكتساب يقال خرج ليقترف لأهله أي


"""""" صفحة رقم 154 """"""
ليكتسب لهم وقارف فلان هذ ا الأمر إذا واقعه وقرفه إذا رماه بالريبة واقترف كذب وأصله اقتطاع قطعة من الشئ
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال نزلت ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( فى قريش ) وما يشعركم ( يا أيها المسلمون ) أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال كلم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قريشا فقالوا يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصى يضرب بها الحجر وأن عيسى كان يحيى الموتى وأن ثمود لهم ناقة فأتنا من الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي شيء تحبون أن آتيكم به قالوا تجعل لنا الصفا ذهبا قال فإن فعلت تصدقوني قالوا نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون فقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يدعو فجاءه جبريل فقال له إن شئت أصبح ذهبا فإن لم يصدقوا عند ذلك لنعذبنهم وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم فقال بل يتوب تائبهم فأنزل الله ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( إلى قوله ) يجهلون ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ( قال لما جحد المشركون ما أنزل الله لم تثبت قلوبهم على شيء وردت عن كل أمر وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ) وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ( قال معاينة ) ما كانوا ليؤمنوا ( أي أهل الشقاء ) إلا أن يشاء الله ( أي أهل السعادة والذين سبق لهم فى علمه أن يدخلوا فى الإيمان وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة ) وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ( أي فعاينوا ذلك معاينة وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال أفواجا قبيلا
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ( قال إن للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الإنس يضلونهم فيلتقى شيطان الإنس وشيطان الجن فيقول هذا لهذا أضلله بكذا وأضلله بكذا فهو ) يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ( وقال ابن عباس الجن هم الجان وليسوا شياطين والشياطين ولد إبليس وهم لا يموتون إلا مع إبليس والجن يموتون فمنهم المؤمن ومنهم الكافر وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال الكهنة هم شياطين الأنس وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) يوحي بعضهم إلى بعض ( قال شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس فإن الله يقول ) وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ( وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة فى الآية قال من الإنس شياطين ومن الجن شياطين يوحى بعضهم إلى بعض وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس زخرف القول قال يحسن بعضهم لبعض القول ليتبعوهم في قتنتهم وقد أخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا أيا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس قال يا نبي الله وهل للإنس شياطين قال نعم شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا
وأخرج أحمد وابن مردويه والبيهقي فى الشعب عن أبي ذر مرفوعا نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ولتصغى ( لتميل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عنه ) ولتصغى ( تزيغ ) وليقترفوا ( يكتسبوا
سورة الأنعام الآية ( 114 117 )


"""""" صفحة رقم 155 """"""
الأنعام : ( 114 ) أفغير الله أبتغي . . . . .
قوله ) أفغير الله ( الاستفهام للإنكار والفاء للعطف على فعل مقدر والكلام هو على إرادة القول والتقدير قل لهم يا محمد كيف أضل وأبتغى غير الله حكما وغير مفعول لأبتغي مقدم عليه وحكما المفعول الثاني أو العكس
ويجوز أن ينتصب حكما على الحال والحكم أبلغ من الحاكم كما تقرر فى مثل هذه الصفة المشتقة أمره الله سبحانه وتعالى أن ينكر عليهم ما طلبوه منه من أن يجعل بينه وبينهم حكما فيما اختلفوا فيه وإن الله هو الحكم العدل بينه وبينهم وجملة ) وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ( فى محل نصب على الحال أي كيف أطلب حكما غير الله وهو الذى أنزل عليكم القرآن مفصلا مبينا واضحا مستوفيا لكل قضية على التفصيل ثم أخبر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بأن أهل الكتاب وإن أظهروا الجحود والمكابرة فإنهم يعلمون أن القرآن منزل من عند الله بما دلتهم عليه كتب الله المنزلة كالتوراة والإنجيل من أنه رسول الله وأنه خاتم الأنبياء و ) بالحق ( متعلق بمحذوف وقع حالا أي متلبسا بالحق الذى لا شك فيه ولا شبهة ثم نهاه الله عن أن يكون من الممترين فى أن أهل الكتاب يعلمون بأن القرآن منزل من عند الله بالحق أو نهاه عن مطلق الامتراء ويكون ذلك تعريضا لأمته عن أن يمترى أحد منهم أو الخطاب لكل من يصلح له أي فلا يكونن أحد من الناس من الممترين ولا يقدح فى ذلك كون الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن خطابه خطاب لأمته
الأنعام : ( 115 ) وتمت كلمة ربك . . . . .
قوله ) وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ( قرأ أهل الكوفة كلمة بالتوحيد وقرأ الباقون بالجمع والمراد بالكلمات العبارات أو متعلقاتها من الوعد والوعيد
والمعنى أن الله قد أتم وعده ووعيده فظهر الحق وانطمس الباطل وقيل المراد بالكلمة أو الكلمات القرآن و ) صدقا وعدلا ( منتصبان على التمييز أو الحال أو على أنهما نعت مصدر محذوف أي تمام صدق وعدل ) لا مبدل لكلماته ( لا خلف فيها ولا مغير لما حكم به والجملة المنفية فى محل نصب على الحال أو مستأنفة ) وهو السميع ( لكل مسموع ) العليم ( بكل معلوم
الأنعام : ( 116 ) وإن تطع أكثر . . . . .
قوله ) وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ( أخبره الله سبحانه بأنه إذا رام طاعة أكثر من فى الأرض أضلوه لأن الحق لا يكون إلا بيد الأقلين وهم الطائفة التى لا تزال على الحق ولا يضرها خلاف من يخالفها كما ثبت ذلك عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المراد بالأكثر الكفار وقيل المراد بالأرض مكة أي أكثر أهل مكة ثم علل ذلك سبحانه بقوله ) إن يتبعون إلا الظن ( أي ما يتبعون إلا الظن الذى لا أصل له وهو ظنهم أن معبوداتهم تستحق العبادة وأنها تقربهم إلى الله ) وإن هم إلا يخرصون ( أي وما هم إلا يخرصون أي يحدسون ويقدرون وأصل الخرص القطع ومنه خرص النخل يخرص إذا حزره ليأخذ منه الزكاة فالخارص يقطع بما لا يجوز القطع به إذ لا يقين منه
الأنعام : ( 117 ) إن ربك هو . . . . .
وإذا كان هذا حال أكثر من فى الأرض فالعلم الحقيقي هو عند الله فاتبع ما أمرك به ودع عنك طاعة غيره وهو العالم بمن يضل عن سبيله ومن يهتدى إليه قال بعض أهل العلم إن ) أعلم ( فى الموضعين بمعنى يعلم قال ومنه قول حاتم الطائي فحالفت طي من دوننا حلفا
والله أعلم ما كنا لهم خولا


"""""" صفحة رقم 156 """"""
والوجه فى هذا التأويل أن أفعل التفضيل لا ينصب الاسم الظاهر فتكون من منصوبة بالفعل الذى جعل أفعل التفضيل نائبا عنه وقيل إن أفعل التفضيل على بابه والنصب بفعل مقدر وقيل إنها منصوبة بأفعل التفضيل أي إن ربك أعلم أي الناس يضل عن سبيله وقيل فى محل نصب بنزع الخافض أي بمن يضل قاله بعض البصريين وقيل فى محل جر بإضافة أفعل التفضيل إليها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) مفصلا ( قال مبينا وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) صدقا وعدلا ( قال صدقا فيما وعد وعدلا فيما حكم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نصر السجزي فى الإبانة عن محمد بن كعب القرظي فى قوله ) لا مبدل لكلماته ( قال لا تبديل لشيء قاله فى الدنيا والآخرة لقوله ) ما يبدل القول لدي ( وأخرج ابن مردويه وابن النجار عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ( قال لا إله إلا الله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي اليمان عامر بن عبد الله قال دخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المسجد الحرام يوم فتح مكة ومعه مخصرة ولكل قوم صنم يعبدونه فجعل يأتيها صنما صنما ويطعن فى صدر الصنم بعصا ثم يعقره فكلما طعن صنما أتبعه ضربا بالقوس حتى يكسروه ويطرحوه خارجا من المسجد والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ) وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم )
سورة الأنعام الآية ( 118 120 )
الأنعام : ( 118 ) فكلوا مما ذكر . . . . .
لما تقدم ذكر ما يصنعه الكفار فى الأنعام من تلك السنن الجاهلية أمر الله المسلمين بأن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقيل إنها نزلت فى سبب خاص وسيأتي ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فكل ما ذكر الذابح عليه اسم الله حل إن كان مما أباح الله أكله وقال عطاء فى هذه الآية الأمر بذكر الله على الشراب والذبح وكل مطعوم والشرط فى ) إن كنتم بآياته مؤمنين ( للتهييج والإلهاب أي بأحكامه من الأوامر والنواهي التى من جملتها الأمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه
الأنعام : ( 119 ) وما لكم ألا . . . . .
والاستفهام فى ) وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ( للإنكار أي ما المانع لكم من أكل ما سميتم عليه بعد أن أذن الله لكم بذلك ? و ? الحال أن ) وقد فصل لكم ما حرم عليكم ( أي بين لكم بيانا مفصلا يدفع الشك ويزيل الشبهة بقوله ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما ( إلى آخر الآية ثم استثنى فقال ) إلا ما اضطررتم إليه ( أي من جميع ما حرمه عليكم فإن الضرورة تحلل الحرام وقد تقدم تحقيقه فى البقرة قرأ نافع ويعقوب ) وقد فصل لكم ما حرم عليكم ( بفتح الفعلين على البناء للفاعل وهو الله سبحانه وقرأ أبو عمرو وابن عامر وابن كثير بالضم فيهما على النباء للمفعول وقرأ عطية العوفي ) فصل ( بالتخفيف أي أبان وأظهر قوله ) وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم ( هم الكفار الذين كانوا يحرمون البحيرة والسائبة ونحوهما فإنهم بهذه الأفعال المبنية على الجهل كانوا يضلون الناس فيتبعونهم ولا يعلمون أن ذلك جهل


"""""" صفحة رقم 157 """"""
وضلالة لا يرجع إلى شيء من العلم
الأنعام : ( 120 ) وذروا ظاهر الإثم . . . . .
ثم أمرهم الله أن يتركوا ظاهر الإثم وباطنه والظاهر ما كان يظهر كأفعال الجوارح والباطن ما كان لا يظهر كأفعال القلب وقيل ما أعلنتم وما أسررتم وقيل الزنا الظاهر والزنا المكتوم وأضاف الظاهر والباطن إلى الإثم لأنه يتسبب عنهما ثم توعد الكاسبين للإثم بالجزاء بسبب افترائهم على الله سبحانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال جاءت اليهود إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قالوا إنا نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله فأنزل الله ) فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ( إلى قوله ) وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ( وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ( فإنه حلال ) إن كنتم بآياته ( يعني القرآن ) مؤمنين ( قال مصدقين ) وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ( يعني الذبائح ) وقد فصل لكم ما حرم عليكم ( يعني ما حرم عليكم من الميتة ) وإن كثيرا ( يعني من مشركي العرب ) ليضلون بأهوائهم بغير علم ( يعني في أمر الذبائح
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) إلا ما اضطررتم إليه ( أي من الميتة والدم ولحم الخنزير وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وذروا ظاهر الإثم ( قال هو نكاح الأمهات والبنات ) وباطنه ( قال هو الزنا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال الظاهر منه ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ( و ) حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ( الآية والباطن الزنا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى الآية قال علانيته وسره
سورة الأنعام الآية ( 121 )
الأنعام : ( 121 ) ولا تأكلوا مما . . . . .
نهى الله سبحانه عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه بعد أن أمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه وفيه دليل على تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
وقد اختلف أهل العلم فى ذلك فذهب ابن عمر ونافع مولاه والشعبي وابن سيرين وهو رواية عن مالك وعن أحمد بن حنبل وبه قال أبو ثور وداود الظاهري أن ما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح حرام من غير فرق بين العامد والناسي لهذه الآية ولقوله تعالى فى آية الصيد ) فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ( ويزيد هذا الاستدلال تأكيدا قوله سبحانه فى هذه الآية ) وإنه لفسق )
فوائد
وقد ثبت فى الأحاديث الصحيحة الأمر بالتسمية فى الصيد وغيره وذهب الشافعي وأصحابه وهو رواية عن مالك ورواية عن أحمد أن التسمية مستحبة لا واجبة وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء ابن أبي رباح وحمل الشافعي الآية على من ذبح لغير الله وهو تخصيص للآية بغير مخصص وقد روى أبو داود فى المرسل أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر وليس في هذا المرسل ما يصلح لتخصيص الآية نعم حديث عائشة أنها قالت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن قوما يأتوننا بلحمان لا ندرى أذكر اسم الله عليه أم لا فقال سموا أنتم وكلوا يفيد أن التسمية عند الأكل تجزئ مع التباس وقوعها


"""""" صفحة رقم 158 """"""
عند الذبح وذهب مالك وأحمد في المشهور عنهما وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه أن التسميه إن تركت نسيانا لم تضر وإن تركت عمدا لم يحل أكل الذبيحة وهو مروي عن علي وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والحسن البصري وأبي مالك وعبد الرحمن بن أبي ليلي وجعفر بن محمد وربيعة بن أبي عبد الرحمن واستدلوا بما أخرجه البيهقي عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال المسلم إن نسى أن يسمى حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكله وهذا الحديث رفعه خطأ وإنما هو من قول ابن عباس وكذا أخرجه من قوله عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر نعم يمكن الاستدلال لهذا المذهب بمثل قوله تعالى ) ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ( كما سبق تقريره وبقوله ( صلى الله عليه وسلم ) رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وأما حديث أبي هريرة الذى أخرجه ابن عدي أن رجلا جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اسم الله على كل مسلم فهو حديث ضعيف قد ضعفه البيهقي وغيره قوله ) وإنه لفسق ( الضمير يرجع إلى ) ما ( بتقدير مضاف أي وإن أكل ما لم يذكر لفسق ويجوز أن يرجع إلى مصدر تأكلوا أي فإن الأكل لفسق وقد تقدم تحقيق الفسق
وقد استدل من حمل هذه الآية على ما ذبح لغير الله بقوله ) وإنه لفسق ( ووجه الاستدلال أن الترك لا يكون فسقا بل الفسق الذبح لغير الله ويجاب عنه بأن طلاق اسم الفسق على تارك ما فرضه الله عليه غير ممتنع شرعا ) وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ( أي يوسوسون لهم بالوساوس المخالفة للحق المباينة للصواب قاصدين بذلك أن يجادلكم هؤلاء الأولياء بما يوسوسون لهم ) وإن أطعتموهم ( فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه ) إنكم لمشركون ( مثلهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى سننه عن ابن عباس قال قال المشركون وفي لفظ قال اليهود لا تأكلوا مما قتل الله وتأكلوا مما قتلتم أنتم فأنزل الله ) ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ( وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عنه قال لما نزلت ) ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ( أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمدا فقالوا له ما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال وما ذبح الله بشمشار من ذهب يعني الميتة فهو حرام فنزلت ) وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ( قال الشياطين من فارس وأوليائهم من قريش وقد روى نحو ما تقدم فى حديث ابن عباس الأول من غير طريق وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عنه أيضا فى قوله ) وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ( قال إبليس أوحى إلى مشركي قريش
وأخرج أبو داود وابن مردويه والبيهقي فى سننه عنه أيضا فى قوله ) ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ( فنسخ واستثنى من ذلك فقال ) وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ( وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال كلوا ذبائح المسلمين وأهل الكتاب مما ذكر اسم الله عليه وروى ابن أبي حاتم عن مكحول نحو قول ابن عباس فى النسخ


"""""" صفحة رقم 159 """"""
سورة الأنعام الآية ( 122 124 )
الأنعام : ( 122 ) أو من كان . . . . .
قوله ) أو من كان ميتا فأحييناه ( قرأ الجمهور بفتح الواو بعد همزة الاستفهام وقرأ نافع وابن أبي نعيم بإسكانها قال النحاس يجوز أن يكون محمولا على المعنى أي انظروا وتدبروا ) أفغير الله أبتغي حكما ( ) أو من كان ميتا فأحييناه ( والمراد بالميت هنا الكافر أحياه الله بالإسلام وقيل معناه كان ميتا حين كان نطفة فأحييناه بنفخ الروح فيه والأول أولى لأن السياق يشعر بذلك لكونه فى تنفير المسلمين عن اتباع المشركين وكثيرا ما تستعار الحياة للهداية وللعلم ومنه قول القائل وفى الجهل قبل الموت موت لأهله
فأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امرأ لم يحى بالعلم ميت
فليس له حتى النشور نشور
والنور عبارة عن الهداية والإيمان وقيل هو القرآن وقيل الحكمة وقيل هو النور المذكور في قوله تعالى ) يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ( والضمير فى به راجع إلى النور ) كمن مثله في الظلمات ( أي كمن صفته فى الظلمات ومثله مبتدأ والظلمات خبره والجملة صفة لمن وقيل مثل زائدة والمعنى كمن فى الظلمات كما تقول إنا أكرم من مثلك أي منك ومثله ) فجزاء مثل ما قتل من النعم ( ) ليس كمثله شيء ( وقيل المعنى كمن مثله مثل من هو فى الظلمات و ) ليس بخارج منها ( في محل نصب على الحال أي حال كونه ليس بخارج منها بحال من الأحوال
الأنعام : ( 123 ) وكذلك جعلنا في . . . . .
قوله ) وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ( أي مثل ذلك الجعل جعلنا فى كل قرية والأكابر جمع أكبر قيل هم الرؤساء والعظماء وخصهم بالذكر لأنهم أقدر على الفساد والمكر الحيلة في مخالفة الاستقامة وأصله الفتل فالماكر يفتل عن الاستقامة أي يصرف عنها ) وما يمكرون إلا بأنفسهم ( أي وبال مكرهم عائد عليهم ) وما يشعرون ( بذلك لفرط جهلهم
الأنعام : ( 124 ) وإذا جاءتهم آية . . . . .
) وإذا جاءتهم آية ( من الآيات ) قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ( يريدون أنهم لا يؤمنون حتى يكونوا أنبياء وهذا نوع عجيب من جهالاتهم الغريبة وعجرفتهم العجيبة ونظيره ) يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ( والمعنى إذا جاءت الأكابر آية قالوا هذه المقالة فأجاب الله عنهم بقوله ) الله أعلم حيث يجعل رسالته ( أي إن الله أعلم بمن يستحق أن يجعله رسولا ويكون موضعا لها وأمينا عليها وقد اختار أن يجعل الرسالة فى محمد صفيه وحبيبه فدعوا طلب ما ليس من شأنكم ثم توعدهم بقوله ) سيصيب الذين أجرموا صغار ( أي ذل وهوان وأصله من الصغر كأن الذل يصغر إلى المرء نفسه وقيل الصغار هو الرضا بالذل روى ذلك عن ابن السكيت
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) أو من كان ميتا فأحييناه ( قال كان كافرا ضالا فهديناه ) وجعلنا له نورا ( هو القرآن ) كمن مثله في الظلمات ( الكفر والضلالة وأخرج ابن أبي شيبة وابن


"""""" صفحة رقم 160 """"""
المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال نزلت فى عمار بن ياسر وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ( يعني عمر بن الخطاب ) كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ( يعني أبا جهل بن هشام وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم فى الآية قال نزلت فى عمر بن الخطاب وأبي جهل بن هشام كانا ميتين فى ضلالتهما فأحيا الله عمر بالإسلام وأعزه وأقر أبا جهل فى ضلالته وموته وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعا فقال اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة فى قوله ) وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ( قال نزلت فى المستهزئين وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى الآية قال سلطنا شرارها فعصوا فيها فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد قال ) أكابر مجرميها ( عظماءها وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج فى قوله ) وإذا جاءتهم آية ( الآية قال قالوا لمحمد حين دعاهم إلى ما دعاهم إليه من الحق لو كان هذا حقا لكان فينا من هو أحق أن يؤتى به من محمد ) وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) سيصيب الذين أجرموا ( قال أشركوا ) صغار ( قال هوان
سورة الأنعام الآية ( 125 128 (
الأنعام : ( 125 ) فمن يرد الله . . . . .
قوله ) فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ( الشرح الشق وأصله التوسعة وشرحت الأمر بينته وأوضحته والمعنى من يرد الله هدايته للحق يوسع صدره حتى يقبله بصدر منشرح ) ومن يرد ( إضلاله ) يجعل صدره ضيقا حرجا ( قرأ ابن كثير ) ضيقا ( بالتخفيف مثل هين ولين وقرأ الباقون بالتشديد وهما لغتان وقرأ نافع ) حرجا ( بالكسر ومعناه الضيق كرر المعنى تأكيدا وحسن ذلك اختلاف اللفظ وقرأ الباقون بالفتح جمع حرجة وهى شدة الضيق والحرجة الغيظة والجمع حرج وحرجات ومنه فلان يتحرج أي يضيق على نفسه وقال الجوهري مكان حرج وحرج أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية والحرج الإثم وقال الزجاج الحرج أضيق الضيق وقال النحاس حرج اسم الفاعل وحرج مصدر وصف به كما يقال رجل عدل قوله ) كأنما يصعد في السماء ( قرأ ابن كثير بالتخفيف من الصعود شبه الكافر فى ثقل الإيمان عليه بمن


"""""" صفحة رقم 161 """"""
يتكلف ما لا يطيقه كصعود السماء وقرأ النخعي يصاعد وأصله يتصاعد وقرأ الباقون ) يصعد ( بالتشديد وأصله يتصعد ومعناه يتكلف ما لا يطيق مرة بعد مرة كما يتكلف من يريد الصعود إلى السماء وقيل المعنى على جميع القراءات كاد قلبه يصعد إلى السماء نبوا على الإسلام وما فى ) كأنما ( هى المهيئة لدخول كأن على الجمل الفعلية قوله ) كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ( أي مثل ذلك الجعل الذى هو جعل الصدر ضيقا حرجا يجعل الله الرجس والرجس فى اللغة النتن وقيل هو العذاب وقيل هو الشيطان يسلطه الله عليهم وقيل هو ما لم خير فيه والمعنى الأول هو المشهور فى لغة العرب وهو مستعار لما يحل بهم من العقوبة وهو يصدق على جميع المعاني المذكورة
الأنعام : ( 126 ) وهذا صراط ربك . . . . .
والإشارة بقوله ) وهذا صراط ربك ( إلى ما عليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه من المؤمنين أي هذا طريق دين ربك لا اعوجاج فيه وقيل الإشارة إلى ما تقدم مما يدل على التوفيق والخذلان أي هذا هو عادة الله فى عبادتة يهدى من يشاء ويضل من يشاء وانتصاب ) مستقيما ( على الحال كقوله تعالى ) وهو الحق مصدقا ( ) وهذا بعلي شيخا ( ) قد فصلنا الآيات ( أي بيناها وأوضحناها ) لقوم يذكرون ( ما فيها ويتفهمون معانيها
الأنعام : ( 127 ) لهم دار السلام . . . . .
) لهم دار السلام عند ربهم ( أي لهؤلاء المتذكرين الجنة لأنها دار السلامة من كل مكروه أو دار الرب السلام مدخرة لهم عند ربهم يوصلهم إليها ) وهو وليهم ( أي ناصرهم والباء فى ) بما كانوا يعملون ( للسببية أي بسبب أعمالهم ق
الأنعام : ( 128 ) ويوم يحشرهم جميعا . . . . .
وله ) ويوم نحشرهم جميعا ( الظرف منصوب بمضمر يقدر متقدما أي واذكر يوم نحشرهم أو ) ويوم نحشرهم ( نقول ) يا معشر الجن ( والمراد حشر جميع الخلق فى القيامة والمعشر الجماعة أي يوم الحشر نقول يا جماعة الجن ) قد استكثرتم من الإنس ( أي من الاستمتاع بهم كقوله ) ربنا استمتع بعضنا ببعض ( وقيل استكثرتم من إغوائهم وإضلالهم حتى صاروا فى حكم الأتباع لكم فحشرناهم معكم ومثله قولهم استكثر الأمير من الجنود والمراد التقريع والتوبيخ وعلى الأول فالمراد بالاستمتاع التلذذ من الجن بطاعة الإنس لهم ودخولهم فيها يريدون منهم ) وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض ( أما استمتاع الجن بالإنس فهو ما تقدم من تلذذهم باتباعهم لهم وأما استمتاع الإنس بالجن فحيث قبلوا منهم تحسين المعاصي فوقعوا فيها وتلذذوا بها فذلك هو استمتاعهم بالجن وقيل استمتاع الإنس بالجن أنه كان إذا مر الرجل بواد فى سفره وخاف على نفسه قال أعوذ برب هذا الوادي من جميع ما أحذر يعني ربه من الجن ومنه قوله تعالى ) وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ( وقيل استمتاع الجن بالإنس أنهم كانوا يصدقونهم فيما يقولون من الأخبار الغيبية الباطلة واستمتاع الإنس وبالجن أنهم كانوا يتلذذون بما يلقونه إليهم من الأكاذيب وينالون بذلك شيئا من حظوظ الدنيا كالكهان ) وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ( أي يوم القيامة اعترافا منهم بالوصول إلى ما وعدهم الله به مما كانوا يكذبون به ولما قالوا هذه المقالة أجاب الله عليهم ف ) قال النار مثواكم ( أي موضع مقامكم والمثوى المقام والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر قوله ) خالدين فيها إلا ما شاء الله ( المعنى الذى تقتضيه لغة العرب فى هذا التركيب أنهم يخلدون فى النار فى كل الأوقات إلا في الوقت الذى يشاء الله عدم بقائهم فيها وقال الزجاج إن الاستثناء يرجع إلى يوم القيامة أي خالدين فى النار إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم من قبورهم ومقدار مدتهم فى الحساب وهو تعسف لأن الاستثناء هو من الخلود الدائم ولا يصدق على من لم يدخل النار وقيل الاستثناء راجع إلى النار أي إلا ما شاء الله من تعذيبهم بغيرها فى بعض الأوقات كالزمهرير وقيل الاستثناء لأهل الإيمان وما بمعنى من أي إلا من شاء الله إيمانه فإنه لا يدخل النار وقيل المعنى إلا ما شاء الله من كونهم فى الدنيا بغير عذاب وكل هذه التأويلات متكلفة والذى ألجأ إليها ما ورد فى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من خلود الكفار فى النار أبدا ولكن لا تعارض بين عام وخاص


"""""" صفحة رقم 162 """"""
لاسيما بعد وروده في القرآن مكررا كما سيأتي فى سورة هود ) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ( ولعله يأتي هنالك إن شاء الله زيادة تحقيق
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المبارك فى الزهد وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي فى الأسماء والصفات عن أبي جعفر المدائني رجل من بني هاشم وليس هو محمد بن علي قال سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن هذه الآية ) فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ( قالوا كيف يشرح صدره يا رسول الله قال نور يقذف فيه فينشرح صدره له وينفسح له قالوا فهل لذلك من أمارة يعرف بها قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقاء الموت وأخرج عبد بن حميد عن فضيل نحوه وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن نحوه أيضا وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي فى الشعب من طرق عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين نزلت هذه الآية فذكر نحوه وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعا من طريق أخرى وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي فى الأسماء والصفات وابن النجار في تاريخه عن عبد الله بن المستورد وكان من ولد جعفر بن أبي طالب قال تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية فذكر نحوه وهذه الطرق يقوى بعضها بعضا والمتصل يقوى المرسل فالمصير إلى هذا التفسير النبوي متعين وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى الآية قال كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء كذلك لا يقدر على أن يدخل الإيمان والتوحيد قلبه حتى يدخله الله فى قلبه وأخرج البيهقي فى الأسماء والصفات عنه فى الآية يقول من أراد أن يضله يضيق عليه حتى يجعل الإسلام عليه ضيقا والإسلام واسع وذلك حين يقول ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( يقول ما جعل عليكم فى الإسلام من ضيق وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) دار السلام ( قال الجنة وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن زيد قال السلام هو الله وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال الله هو السلام وداره الجنة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) قد استكثرتم من الإنس ( يقول من ضلالتكم إياهم يعني أضللتم منهم كثيرا وفي قوله ) خالدين فيها إلا ما شاء الله ( قال إن هذه الآية لا ينبغى لأحد أن يحكم على الله فى خلقه لا ينزلهم جنة ولا نارا
سورة الأنعام الآية ( 129 132 )
الأنعام : ( 129 ) وكذلك نولي بعض . . . . .
قوله ) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ( أي مثل ما جعلنا بين الجن والإنس ما سلف ) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا (


"""""" صفحة رقم 163 """"""
والمعنى نجعل بعضهم يتولى البعض فيكونون أولياء لبعضهم بعضا ثم يتبرأ بعضهم من البعض فمعنى نولي على هذا نجعله وليا له وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم معناه نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس
وروى عنه أيضا أنه فسر هذه الآية بأن المعنى نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله فيكون فى الآية على هذا تهديد للظلمة بأن من لم يمتنع من ظلمه منهم سلط الله عليه ظالما آخر وقال فضيل بن عياض إذا رأيت ظالما ينتقم من ظالم فقف وانظر متعجبا وقيل معنى نولي نكل بعضهم إلى بعض فيما يختارونه من الكفر والباء فى ) بما كانوا يكسبون ( للسببية أي بسبب كسبهم للذنوب ولينا بعضهم بعضا قوله
الأنعام : ( 130 ) يا معشر الجن . . . . .
) يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ( أي يوم نحشرهم نقول لهم ) ألم يأتكم ( أو هو شروع فى حكاية ما سيكون فى الحشر وظاهره أن الله يبعث في الدنيا إلى الجن رسلا منهم كما يبعث إلى الإنس رسلا منهم وقيل معنى منكم أي ممن هو مجانس لكم فى الخلق والتكليف والقصد بالمخاطبة فإن الجن والإنس متحدون فى ذلك وإن كان الرسل من الإنس خاصة فهم من جنس الجن من تلك الحيثية وقيل إنه من باب تغليب الإنس على الجن كما يغلب الذكر على الأنثى وقيل المراد بالرسل إلى الجن هاهنا هم النذر منهم كما فى قوله ) ولوا إلى قومهم منذرين ( قوله ) يقصون عليكم آياتي ( صفة أخرى لرسل وقد تقدم بيان معنى القص قوله ) قالوا شهدنا على أنفسنا ( هذا إقرار منهم بأن حجة الله لازمة لهم بإرسال رسله إليهم والجملة جواب سؤال مقدر فهي مستأنفة وجملة ) وغرتهم الحياة الدنيا ( فى محل نصب على الحال أو هى جملة معترضة ) وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ( هذه شهادة أخرى منهم على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين فى الدنيا بالرسل المرسلين إليهم والآيات التى جاءوا بها وقد تقدم ما يفيد ان مثل هذه الآية المصرحة بإقرارهم بالكفر على أنفسهم ومثل قولهم ) والله ربنا ما كنا مشركين ( محمول على أنهم يقرون فى بعض مواطن يوم القيامة وينكرون فى بعض آخر لطول ذلك اليوم واضطراب القلوب فيه وطيشان العقول وانغلاق الأفهام وتبلد الأذهان
الأنعام : ( 131 ) ذلك أن لم . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى شهادتهم على أنفسهم أو إلى إرسال الرسل إليهم وأن فى ) أن لم يكن ربك مهلك القرى ( هى المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن محذوف والمعنى ذلك أن الشأن لم يكن ربك مهلك القرى أو هى المصدرية والباء فى ) بظلم ( سببية أي لم أكن أهلك القرى بسبب ظلم من يظلم منهم والحال أن أهلها غافلون لم يرسل الله إليهم رسولا
والمعنى أن الله أرسل الرسل إلى عباده لأنه لا يهلك من عصاه بالكفر من القرى والحال أنهم غافلون عن الإعذار والإنذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب بل إنما يهلكهم بعد إرسال الرسل إليهم وارتفاع الغفلة عنهم بإنذار الأنبياء لهم ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( وقيل المعنى ما كان الله مهلك أهل القرى بظلم منه فهو سبحانه يتعالى عن الظلم بل إنما يهلكهم بعد أن يستحقوا ذلك وترتفع الغفلة عنهم بإرسال الأنبياء وقيل المعنى أن الله لا يهلك أهل القرى بسبب ظلم من يظلم منهم مع كون الآخرين غافلين عن ذلك فهو مثل قوله ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( ) ولكل درجات مما عملوا ( أي لكل من الجن والإنس درجات متفاوته مما عملوا فنجازيهم بأعمالهم كما قال فى آية أخرى
الأنعام : ( 132 ) ولكل درجات مما . . . . .
) ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ( وفيه دليل على أن المطيع من الجن في الجنة والعاصي فى النار ) وما ربك بغافل عما يعملون ( من أعمال الخير والشر والغفلة ذهاب الشيء عنك لاشتغالك بغيره قرأ ابن عامر ) تعملون ( بالفوقية وقرأ الباقون بالتحتية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ( قال يولي الله بعض الظالمين بعضا فى الدنيا يتبع بعضهم بعضا فى النار وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن


"""""" صفحة رقم 164 """"""
عبد الرحمن بن زيد في الآيه مثل ما حكينا عنه قريبا وأخرج أبو الشيخ عن الأعمش فى تفسير الآية قال سمعتهم يقولون إذا فسد الزمان أمر عليهم شرارهم وأخرج الحاكم فى التاريخ والبيهقي فى الشعب من طريق يحيى بن هاشم حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما تكونون كذلك يؤمر عليكم قال البيهقي هذا منقطع ويحيى ضعيف وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) رسل منكم ( قال ليس فى الجن رسل وإنما الرسل فى الإنس والنذارة فى الجن وقرأ ) فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين ( وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ فى العظمة أيضا عن الضحاك قال الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون وأخرج أبو الشيخ فى العظمة أيضا عن ليث بن أبي سليم قال مسلمو الجن لا يدخلون الجنة ولا النار وذلك أن الله اخرج أباهم من الجنة فلا يعيده ولا يعيد ولده وأخرج أبو الشيخ فى العظمة أيضا عن ابن عباس قال الخلق أربعة فخلق فى الجنة كلهم وخلق فى النار كلهم وخلقان فى الجنة والنار فأما الذين فى الجنة كلهم فالملائكة وأما الذين فى النار كلهم فالشياطين وأما الذين فى الجنة والنار فالإنس والجن لهم الثواب وعليهم العقاب
سورة الأنعام الآية ( 133 137 )
الأنعام : ( 133 ) وربك الغني ذو . . . . .
قوله ) وربك الغني ( أي عن خلقه لا يحتاج إليهم ولا إلى عبادتهم لا ينفعه إيمانهم ولا يضره كفرهم ومع كونه غنيا عنهم فهو ذو رحمة بهم ولا يكون غناه عنهم مانعا من رحمته لهم وما أحسن هذا الكلام الرباني وأبلغه وما أقوى الاقتران بين الغنى والرحمة فى هذا المقام فإن الرحمة لهم مع الغنى عنهم هى غاية التفضل والتطول ) إن يشأ يذهبكم ( أيها العباد العصاة فيستأصلكم بالعذاب المفضى إلى الهلاك ) ويستخلف ( من بعد ? إهلاك ? ) كم ما يشاء ( ) كم أهلكنا من ( ) من خلقه ممن هو أطوع له وأسرع إلى امتثال أحكامه منكم ) كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ( الكاف نعت مصدر محذوف وما مصدرية أي ويستخلف استخلافا مثل إنشائكم من ذرية قوم آخرين قيل هم أهل سفينة نوح ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك فلم يهلكهم ولا استخلف غيرهم رحمة لهم ولطفا بهم
الأنعام : ( 134 ) إن ما توعدون . . . . .
) إن ما توعدون ( من البعث والمجازاة ) لآت ( لا محالة فإن الله لا يخلف الميعاد ) وما أنتم بمعجزين ( أي بفائتين عن ما هو نازل بكم وواقع عليكم يقال أعجزني فلان أي فاتني وغلبني
الأنعام : ( 135 ) قل يا قوم . . . . .
قوله ) قل يا قوم اعملوا على مكانتكم ( المكانة الطريقة أي اثبتوا على ما أنتم عليه فإني غير مبال بكم ولا مكترث بكفركم إني ثابت على ما أنا عليه ) فسوف تعلمون ( من هو على الحق ومن هو على الباطل وهذا وعيد شديد فلا يرد ما يقال كيف يأمرهم بالثبات على الكفر و ) عاقبة الدار (


"""""" صفحة رقم 165 """"""
هي العاقبة المحمودة التى يحمد صاحبها عليها أي من له النصر فى دار الدنيا ومن له وراثة الأرض ومن له دار الآخرة وقال الزجاج معنى مكانتكم تمكنكم فى الدنيا أي اعملوا على تمكنكم من أمركم وقيل على ناحيتكم وقيل على موضعكم قرأ حمزة والكسائي من يكون بالتحتية وقرأ الباقون بالفوقية والضمير فى ) إنه لا يفلح الظالمون ( للشأن أي لا يفلح من اتصف بصفة الظلم وهو تعريض لهم بعدم فلاحهم لكونهم المتصفين بالظلم
الأنعام : ( 136 ) وجعلوا لله مما . . . . .
قوله ) وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ( وهو بيان نوع آخر من أنواع كفرهم وجهلهم وتأثيرهم لآلهتهم على الله سبحانه أي جعلوا لله سبحانه مما خلق من حرثهم ونتاج دوابهم نصيبا ولآلهتهم نصيبا من ذلك يصرفونه فى سدنتها والقائمين بخدمتها فإذا ذهب ما لآلهتهم بانفاقه فى ذلك عوضوا عنه ما جعلوه لله وقالوا الله غني عن ذلك والزعم الكذب قرأ يحيى بن وثاب والسلمي والأعمش والكسائي ) بزعمهم ( بضم الزاي وقرأ الباقون بفتحها وهما لغتان ) فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ( أي إلى المصارف التى شرع الله الصرف فيها كالصدقة وصلة الرحم وقرى الضيف ) وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ( أي يجعلونه لآلهتهم وينفقونه فى مصالحها ) ساء ما يحكمون ( أي ساء الحكم حكمهم فى إيثار آلهتهم على الله سبحانه وقيل معنى الآية أنهم كانوا إذا ذبحوا ماجعلوه لله ذكروا عليه اسم أصنامهم وإذا ذبحوا ما لأصنامهم لم يذكروا عليه اسم الله فهذا معنى الوصول إلى الله والوصول إلى شركائهم وقد قدمنا الكلام فى ذرأ
الأنعام : ( 137 ) وكذلك زين لكثير . . . . .
قوله ) وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ( أي ومثل ذلك التزيين الذى زينه الشيطان لهم فى قسمة أموالهم بين الله وبين شركائهم زين لهم قتل أولادهم قال الفراء والزجاج شركاؤهم ها هنا هم الذين كانوا يخدمون الأوثان وقيل هم الغواة من الناس وقيل هم الشياطين وأشار بهذا إلى الوأد وهو دفن البنات مخافة السبى والحاجة وقيل كان الرجل يحلف بالله لئن ولد له كذا من الذكور لينحرن أحدهم كما فعله عبد المطلب قرأ الجمهور ) زين ( بالبناء للفاعل ونصبت ) قتل ( على أنه مفعول زين وجر أولاد بإضافة قتل إليه ورفع ) شركاؤهم ( على أنه فاعل زين وقرأ الحسن بضم الزاي ورفع قتل وخفض أولاد ورفع شركاؤهم على أن قتل هو نائب الفاعل ورفع شركاؤهم بتقدير يجعل يرجعه أي زينة شركاؤهم ومثله قول الشاعر ليبك يزيد ضارع لخصومة
ومختبط ما تطيح الطوائح
أي يبكيه ضارع وقرأ ابن عامر وأهل الشام بضم الزاي ورفع قتل ونصب أولاد وخفض شركائهم على أن قتل مضاف إلى شركائهم ومعموله أولادهم ففيه الفصل بين المصدر وما هو مضاف إليه بالمفعول ومثله فى الفصل بين المصدر وما أضيف إليه قول الشاعر تمر على ما تستمر وقد شفت
علائل عبد القيس منها صدورها
بجر صدورها والتقدير شفت عبد القيس علائل صدورها قال النحاس إن هذه القراءة لا تجوز فى كلام ولا فى شعر وإنما أجاز النحويون التفريق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف فى الشعر لاتساعهم فى الظروف وهو أي الفصل بالمفعول به فى الشعر بعيد فإجازته فى القرآن أبعد وقال أبو غانم أحمد بن حمدان النحوي إن قراءة ابن عامر هذه لا تجوز فى العربية وهي زلة عالم وإذا زل العالم لم يجز اتباعه ورد قوله إلى الإجماع وإنما أجازوا فى الضرورة للشاعر أن يفرق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف كقول الشاعر كما خط الكتاب بكف يوما
يهودي يقارب أو يزيل
وقول الآخر لله در اليوم من لامها


"""""" صفحة رقم 166 """"""
وقال قوم ممن انتصر لهذه القراءة إنها إذا ثبتت بالتواتر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فهى فصيحة لا قبيحة قالوا وقد ورد ذلك فى كلام العرب وفي مصحف عثمان رضي الله عنه ) شركائهم ( بالياء
وأقول دعوى التواتر باطلة بإجماع القراء المعتبرين كما بينا ذلك في رسالة مستقلة فمن قرأ بما يخالف الوجه النحوي فقراءته رد عليه ولا يصح الاستدلال لصحة هذه القراءة بما ورد من الفصل فى النظم كما قدمنا وكقول الشاعر فزججتها بمزجة
زج القلوص أبي مزاده
فإن ضرورة الشعر لا يقاس عليها وفي الآية قراءة رابعة وهى جر الأولاد والشركاء ووجه ذلك أن الشركاء بدل من الأولاد لكونهم شركاءهم فى النسب والميراث قوله ) ليردوهم ( اللام لام كي أي لكي يردوهم من الإرداء وهو الإهلاك ) وليلبسوا عليهم دينهم ( معطوف على ما قبله أي فعلوا ذلك التزيين لإهلاكهم ولخلط دينهم عليهم ) ولو شاء الله ما فعلوه ( أي لو شاء الله عدم فعلهم ما فعلوه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وإذا كان ذلك بمشيئة الله ) فذرهم وما يفترون ( فدعهم وافتراءهم فذلك لا يضرك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبان بن عثمان قال الذرية الأصل والذرية النسل وأخرجا أيضا عن ابن عباس ) وما أنتم بمعجزين ( قال بسابقين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) على مكانتكم ( قال على ناحيتكم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه عنه أيضا فى قوله ) وجعلوا لله ( الآية قال جعلوا لله من ثمارهم ومائهم نصيبا وللشيطان والأوثان نصيبا فإن سقط من ثمره ما جعلوه لله فى نصيب الشيطان تركوه وإن سقط مما جعلوه للشياطين فى نصيب الله ردوه إلى نصيب الشيطان وإن انفجر من سقى ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه وإن انفجر من سقى ما جعلوه للشيطان في نصيب الله نزحوه فهذا ما جعلوا لله من الحرث وسقى الماء وأما ما جعلوه للشيطان من الأنعام فهو قول الله ) ما جعل الله من بحيرة ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عنه نحوه من طريق أخرى وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال جعلوا لله مما ذرأ من الحرث جزءا ولشركائهم جزءا فما ذهب به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه وقالوا الله عن هذا غني وما ذهب به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه والأنعام التى سموا لله البحيرة والسائبة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ( قال شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خوف العيلة
سورة الأنعام الآية ( 138 139 )


"""""" صفحة رقم 167 """"""
سورة الأنعام الآية ( 140 )
الأنعام : ( 138 ) وقالوا هذه أنعام . . . . .
هذا بيان نوع آخر من جهالاتهم وضلالاتهم والحجر بكسر أوله وسكون ثانيه فى قراءة الجمهور وقرأ أبان بن عثمان ) حجر ( بضم الحاء والجيم وقرأ الحسن وقتادة بفتح الحاء وإسكان الجيم وقرأ ابن عباس وابن الزبير ) حرج ( بتقديم الراء على الجيم وكذا فى مصحف أبي وهو من الحرج يقال فلان يتحرج أي يضيق على نفسه الدخول فيما يشتبه عليه والحجر على اختلاف القراءات فيه هو مصدر بمعنى اسم المفعول أي محجور وأصله المنع فمعنى الآية هذه أنعام وحرث ممنوعة يعنون أنها لأصنامهم لا يطعمها إلا من يشاءون بزعمهم وهم خدام الأصنام والقسم الثاني قولهم ) وأنعام حرمت ظهورها ( وهي البحيرة والسائبة والحام وقيل إن هذا القسم الثاني مما جعلوه لآلهتهم أيضا والقسم الثالث ) وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ( وهى ما ذبحوا لآلهتهم فإنهم يذبحونها باسم أصنامهم لا باسم الله وقيل إن المراد لا يحجون عليها افتراء على الله أي للافتراء عليه ) سيجزيهم بما كانوا يفترون ( أي بافترائهم أو بالذى يفترونه ويجوز أن يكون افتراء منتصبا على أنه مصدر أي افتروا افتراء أو حال أي مفترين وانتصابه على العلة أظهر
الأنعام : ( 139 ) وقالوا ما في . . . . .
ثم بين الله سبحانه نوعا آخر من جهالاتهم فقال ) وقالوا ما في بطون هذه الأنعام ( يعنون البحائر والسوائب من الأجنة ) خالصة لذكورنا ( أي حلال لهم ) ومحرم على أزواجنا ( أي على جنس الأزواج وهن النساء فيدخل فى ذلك البنات والأخوات ونحوهن وقيل هو اللبن جعلوه حلالا للذكور ومحرما على الإناث والهاء في خالصة للمبالغة فى الخلوص كعلامة ونسابة قاله الكسائي والأخفش وقال الفراء تأنيثها لتأنيث الأنعام ورد بأن فى بطون الأنعام غير الأنعام وتعقب هذا الرد بأن ما فى بطون الأنعام أنعام وهى الأجنة وما عبارة عنها فيكون تأنيث خالصة باعتبار معنى ما وتذكير محرم باعتبار لفظها وقرأ الأعمش خالص قال الكسائي معنى خالص وخالصة واحد إلا أن الهاء للمبالغة كما تقدم عنه وقرأ قتادة ) خالصة ( بالنصب على الحال من الضمير فى متعلق الظرف الذى هو صلة لما وخبر المبتدإ محذوف كقولك الذى فى الدار قائما زيد هذا قول المبصريين وقال الفراء أنه انتصب على القطع وقرأ ابن عباس ) خالصة ( بإضافة خالص إلى الضمير على أنه بدل من ما وقرأ سعيد بن جبير خالصا ) وإن يكن ميتة ( قرئ بالتحتية والفوقية أي وإن يكن ذلك الذى فى بطون الأنعام ) ميتة فهم فيه ( أي فى الذى فى البطون ) شركاء ( يأكل منه الذكور والإناث ) سيجزيهم وصفهم ( أي بوصفهم على أنه منتصب بنزع الخافض والمعنى سيجزيهم بوصفهم الكذب على الله وقيل المعنى سيجزيهم جزاء وصفهم
الأنعام : ( 140 ) قد خسر الذين . . . . .
ثم بين الله سبحانه نوعا آخر من جهالاتهم فقال ) قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها ( أي بناتهم بالوأد الذى كانوا يفعلونه سفها أي لأجل السفه وهو الطيش والخفة لا لحجة عقلية ولا شرعية كائنا ذلك منهم ) بغير علم ( يهتدون به
قوله ) وحرموا ما رزقهم الله ( من الأنعام التى سموها بحائر وسوائب ) افتراء على الله ( أي للافتراء عليه أو افتروا افتراء عليه ) قد ضلوا ( عن طريق الصواب بهذه الأفعال ) وما كانوا مهتدين ( إلى الحق ولا هم من أهل لاستعداد لذلك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ( قال الحجر ما احرموا من الوصيلة وتحريم ما حرموا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد


"""""" صفحة رقم 168 """"""
فى قوله ) وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ( قال ما جعلوا لله ولشركائهم وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة ) وحرث حجر ( قال حرام وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى الآية قال يقولون حرام أن يطعم الابن شيئا ) وأنعام حرمت ظهورها ( قال البحيرة والسائبة والحامي ) وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ( إذا نحروها وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وائل فى قوله ) وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ( قال لم تكن يحج عليها وهي البحيرة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) وقالوا ما في بطون هذه الأنعام ( الآية قال اللبن وأخرج هؤلاء إلا ابن جرير عن مجاهد فى الآية قال السائبة والبحيرة محرم على أزواجنا قال النساء ) سيجزيهم وصفهم ( قال قولهم الكذب في ذلك وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال كانت الشاة إذا ولدت ذكرا ذبحوه فكان للرجال دون النساء وإن كانت أنثى تركوها فلم تذبح وإن كانت ميتة كانوا فيها شركاء وأخرج عبد بن حميد والبخارى وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام ) قد خسر الذين قتلوا أولادهم ( إلى قوله ) وما كانوا مهتدين ( وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمه في الآية قال نزلت فيمن كان يئذ البنات من مضر وربيعة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن قتاده في الآية قال هذا صنع أهل الجاهلية كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السبي والفاقة ويغذو كلبه ) وحرموا ما رزقهم الله ( قال جعلوه بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميا تحكما من الشيطان في أموالهم
سورة الانعام الآية ( 141 142 (
الأنعام : ( 141 ) وهو الذي أنشأ . . . . .
هذا فيه تذكير لهم ببديع قدره الله وعظيم صنعه ) أنشأ ( أى خلق والجنات البساتين ) معروشات ( مرفوعات على الأعمدة ) وغير معروشات ( غير مرفوعات عليها وقيل المعروشات ما انبسط على وجه الأرض مما يعرش مثل الكرم والزرع والبطيخ وغير المعروشات ما قام على ساق مثل النخل وسائر الأشجار وقيل المعروشات ما أنبته الناس وعرشوه وغير المعروشات ما نبت فى البراري والجبال قوله ) والنخل والزرع ( معطوف على جنات وخصهما بالذكر مع دخولهما فى الجنات لما فيها من الفضيلة ) مختلفا أكله ( أي حال كونه مختلفا أكله فى الطعم والجودة والرداءة قال الزجاج وهذه مسئلة مشكلة فى النحو يعني انتصاب مختلفا على الحال لأنه يقال قد أنشأها ولم يختلف أكلها فالجواب أن الله سبحانه أنشأنها مقدرا فيها الاختلاف وقد بين هذا سيبويه بقوله مررت برجل معه صقر صائدا به غدا أي مقدرا للصيد به غدا كما تقول لتدخلن الدار آكلين شاربين أي مقدرين ذلك وهذه هي الحال المقدرة المشهورة عند النحاة المدونة فى كتب النحو وقال ) مختلفا أكله ( ولم يقل أكلهما اكتفاء بإعادة الذكر على أحدهما كقوله ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها (


"""""" صفحة رقم 169 """"""
أو الضمير بمنزلة اسم الإشارة أي أكل ذلك قوله ) والزيتون والرمان ( معطوف على جنات أي وأنشأ الزيتون والرمان حال كونه متشابها وغير متشابه وقد تقدم الكلام على تفسير هذا ) كلوا من ثمره ( أي من ثمر كل واحد منهما أو من ثمر ذلك ) إذا أثمر ( أي إذا حصل فيه الثمر وإن لم يدرك ويبلغ حد الحصاد قوله ) وآتوا حقه يوم حصاده (
وقد اختلف أهل العلم هل هذه محكمة أو منسوخة أو محمولة على الندب فذهب ابن عمر وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير إلى أن الآية محكمة وأنه يجب على المالك يوم الحصاد أن يعطى من حضر من المساكين القبضة والضغث ونحوهما وذهب ابن عباس ومحمد ابن الحنفية والحسن والنخعي وطاوس وأبو الشعثاء وقتادة والضحاك وابن جريح أن هذه الآية منسوخة بالزكاة وأختاره ابن جرير ويؤيده أن هذه الآية مكية وآيه الزكاة مدنية فى السنة الثانية بعد الهجرة وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم من السلف والخلف وقالت طائفة من العلماء إن الآية محمولة على الندب لا على الوجوب قوله ) ولا تسرفوا ( أي فى التصدق وأصل الإسراف فى اللغة الخطأ والإسراف في النفقة التبذير وقيل هو خطاب للولاة يقول لهم لا تأخذوا فوق حقكم وقيل المعنى لا تأخذوا الشيء بغير حقه وتضعونه فى غير مستحقه
الأنعام : ( 142 ) ومن الأنعام حمولة . . . . .
قوله ) ومن الأنعام حمولة وفرشا ( معطوف على جنات أي وأنشأ لكم من الأنعام حمولة وفرشا والحمولة ما يحمل عليها وهو يختص بالإبل فهي فعولة بمعنى فاعلة والفرش ما يتخذ من الوبر والصوف والشعر فراشا يفترشه الناس وقيل الحمولة الإبل والفرش الغنم وقيل الحمولة كل ما حمل عليه من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير والفرش الغنم وهذا لا يتم إلى على فرض صحة إطلاق اسم الأنعام على جميع هذه المذكورات وقيل الحمولة ما تركب والفرش ما يؤكل لحمه ) كلوا مما رزقكم ( من هذه الأشياء ) ولا تتبعوا خطوات الشيطان ( كما فعل المشركون من تحريم ما لم يحرمه الله وتحليل ما لم يحلله ) أنه ( أي الشيطان ) لكم عدو مبين ( مظهر للعداوة ومكاشف بها
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وهو الذي أنشأ جنات معروشات ( قال المعروشات ما عرش الناس ) وغير معروشات ( ما خرج فى الجبال والبرية من الثمار وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال معروشات بالعيدان والقصب وغير معروشات قال الضاحي وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) معروشات ( قال الكرم خاصة وأخرج ابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وآتوا حقه يوم حصاده ( قال ما سقط من السنبل وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وابن المنذر والنحاس والطبراني وأبو الشيخ و ابن مردويه والبيهقي فى سننه عن ابن عمر فى قوله ) وآتوا حقه يوم حصاده ( قال كانوا يعطون من اعتز بهم شيئا سوى الصدقة وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد فى الآية قال إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران ويزيد الأصم قال كان أهل المدينة إذا صرموا النخل يجيئون بالعذق فيضعونه فى المسجد فيجيء السائل فيضربه بالعصا فيسقط منه فهو قوله ) وآتوا حقه يوم حصاده ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حماد بن أبي سليمان فى الآية قال كانوا يطعمون منه رطبا وأخرج أحمد وأبو داود فى سننه من حديث جابر بن عبد الله أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر من كل حادي عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق فى المسجد للمساكين وإسناده جيد
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي فى سننه عن ابن عباس قال


"""""" صفحة رقم 170 """"""
) وآتوا حقه يوم حصاده ( نسخها العشر ونصف العشر وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود فى ناسخه وابن المنذر عن السدي نحوه وأخرج النحاس وأبو الشيخ والبيهقي عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة نحوه وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قال إن فى المال حقا سوى الزكاة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية قال ما كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة ثم إنهم تباذروا وأسرفوا فأنزل الله ) ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال نزلت فى ثابت بن قيس بن شماس جد نخلا فقال لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليس له تمرة فأنزل الله ) ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ( وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال لو أنفقت مثل أبي قبيس ذهبا فى طاعة الله لم يكن إسرافا ولو أنفقت صاعا من معصية الله كان إسرافا وللسلف فى هذا مقالات طويلة وأخرج الفريابي وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال الحمولة ما حمل عليه من الإبل والفرش صغار الإبل التي لا تحمل وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال الحمولة الكبار من الإبل والفرش الصغار من الإبل وأخرج أبو الشيخ عنه قال الحمولة ما حمل عليه والفرش ما أكل منه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه والفرش الغنم وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية قال الحمولة الإبل والبقر والفرش الضأن والمعز
سورة الأنعام الآية ( 143 144 )
الأنعام : ( 143 ) ثمانية أزواج من . . . . .
اختلف فى انتصاب ) ثمانية ( على ماذا فقال الكسائي بفعل مضمر أي وأنشأ ثمانية أزواج وقال الأخفش سعيد هو منصوب على البدل من حمولة وفرشا وقال الأخفش علي بن سليمان هو منصوب بكلوا أي كلوا لحم ثمانية أزواج وقيل منصوب على أنه بدل من ) ما ( فى ) مما رزقكم الله ( والزوج خلاف الفرد يقال زوج أو فرد كما يقال شفع أو وتر فقوله ) ثمانية أزواج ( يعني ثمانية أفراد وإنما سمى الفرد زوجا فى هذه الآية لأن كل واحد من الذكر والأنثى زوج بالنسبة إلى الآخر ويقع لفظ الزوج على الواحد فيقال هما زوج وهو زوج ويقول اشتريت زوجي حمام أي ذكرا وأنثى والحاصل أن الواحد إذا كان منفردا سواء كان ذكرا أو أنثى قيل له فرد وإن كان الذكر مع أنثى من جنسه قيل لهما زوج ولكل واحد على انفراده منهما زوج ويقال لهما أيضا زوجان ومنه قوله تعالى ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ( قوله ) من الضأن اثنين ( بدل من ثمانية منتصب بناصبه على حسب الخلاف السابق والضأن ذوات الصوف من الغنم وهو جمع ضائن ويقال للأنثى ضائنة والجمع ضوائن وقيل هو جمع لا واحد له وقيل فى جمعه ضئين كعبد وعبيد وقرأ طلحة


"""""" صفحة رقم 171 """"""
ابن مصرف ) الضأن ( بفتح الهمزة وقرأ الباقون بسكونها وقرأ أبان بن عثمان ومن الضأن اثنان ومن المعز اثنان رفعا بالابتداء قوله ) ومن المعز اثنين ( معطوف على ما قبله مشارك له فى حكمه وقرأ ابن عامر وأبو عمرو وابن كثير وأهل البصرة بفتح العين من المعز وقرأ الباقون بسكونها قال النحاس الأكثر فى كلام العرب المعز والضأن بالإسكان والمعز من الغنم خلاف الضأن وهي ذوات الأشعار والأذناب القصار وهو اسم جنس وواحد المعز ماعز مثل صحب وصاحب وركب وراكب وتجر وتاجر والأنثى ماعزة والمراد من هذه الآية أن الله سبحانه بين حال الأنعام وتفاصيلها إلى الأقسام المذكورة توضيحا للامتنان بها على عباده ودفعا لما كانت الجاهلية تزعمه من تحليل بعضها وتحريم بعضها تقولا على الله سبحانه وافتراء عليه والهمزة فى ) قل آلذكرين حرم أم الأنثيين ( للإنكار والمراد بالذكرين الكبش والتيس وبالأنثيين النعجة والعنز وانتصاب الذكرين بحرم والأنثيين معطوف عليه منصوب بناصبه والمعنى الإنكار على المشركين فى أمر البحيرة وما ذكر معها وقولهم ) ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ( أي قل لهم إن كان حرم الذكور فكل ذكر حرام وإن كان حرم الإناث فكل أنثى حرام وإن كان حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين يعني من الضأن والمعز فكل مولود حرام ذكرا كان أو أنثى وكلها مولود فيستلزم أن كلها حرام وقوله ) نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ( أي أخبروني بعلم لا بجهل إن كنتم صادقين والمراد من هذا التبكيت لهم وإلزام الحجة لأنه يعلم أنه لا علم عندهم
الأنعام : ( 144 ) ومن الإبل اثنين . . . . .
وهكذا الكلام فى قوله ) ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ( إلى آخره قوله ) أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا ( أم هي المنقطعة والإستفهام للإنكار وهي بمعنى بل والهمزة أي بل أكنتم شهداء حاضرين مشاهدين إذ وصاكم الله بهذا التحريم والمراد التبكيت وإلزام الحجة كما سلف قبله قوله ) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا فحرم شيئا لم يحرمه الله ونسب ذلك إليه افتراء عليه كما فعله كبراء المشركين واللام فى ) ليضل الناس بغير علم ( للعلة أي لأجل يضل الناس بجهل وهو متعلق بافترى ) إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( على العموم وهؤلاء المذكورون فى السياق داخلون فى ذلك دخولا أوليا وينبغى أن ينظر في وجه تقديم المعز والضأن على الإبل والبقر مع كون الإبل والبقر أكثر نفعا وأكبر أجساما وأعود فائدة لا سيما فى الحمولة والفرش اللذين وقع الإبدال منهما على ما هو الوجه الأوضح فى إعراب ثمانية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه من طرق عن ابن عباس قال الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والضأن والمعز وليت شعري ما فائدة نقل هذا الكلام عن ابن عباس من مثل هؤلاء الأئمة فإنها لا تتعلق به فائدة وكون الأزواج الثمانية هي المذكورة هو هكذا فى الآية مصرحا به تصريحا لا لبس فيه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال الذكر والأنثى زوجان وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) ثمانية أزواج ( قال فى شأن ما نهى الله عنه من البحيرة السائبة وأخرج ابن أبي حاتم عن ليث بن أبي أسلم قال الجاموس والبختى من الأزواج الثمانية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس فى قوله ) ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ( قال فهذه أربعة ) قل آلذكرين حرم أم الأنثيين ( يقول لم أحرم شيئا من ذلك ) أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين (


"""""" صفحة رقم 172 """"""
يعني هل تشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى فلم يحرمون بعضا ويحلون بعضا ) نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ( يقول كلها حلال يعني ما تقدم ذكره مما حرمه أهل الجاهلية
سورة الأنعام الآية ( 145 )
الأنعام : ( 145 ) قل لا أجد . . . . .
أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أنه لا يجد فى شيء مما أوحى إليه محرما غير هذه المذكورات فدل ذلك على انحصار المحرمات فيها لولا أنها مكية وقد نزل بعدها بالمدينة سورة المائدة وزيد فيها على هذه المحرمات المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وصح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وتحريم الحمر الأهلية والكلاب ونحو ذلك وبالجملة فهذا العموم إن كان بالنسبة إلى ما يؤكل من الحيوانات كما يدل عليه السياق ويفيده الاستثناء فيضم إليه كل ما ورد بعده فى الكتاب أو السنة مما يدل على تحريم شيء من الحيوانات وإن كان هذا العموم هو بالنسبة إلى كل شيء حرمه الله من حيوان وغيره فإنه يضم إليه كل ما ورد بعده مما فيه تحريم شيء من الأشياء وقد روى عن ابن عباس وابن عمر وعائشة أنه لا حرام إلا ما ذكره الله فى هذه الآية وروى ذلك عن مالك وهو قول ساقط ومذهب فى غاية الضعف لاستلزامه لإهمال غيرها مما نزل بعدها من القرآن وإهمال ما صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قاله بعد نزول هذه الآية بلا سبب يقتضى ذلك ولا موجب يوجبه قوله ) محرما ( صفة لموصوف محذوف أي طعاما محرما ) على ( أي ) طاعم يطعمه ( من المطاعم وفي ) يطعمه ( زيادة تأكيد وتقرير لما قبله ) إلا أن يكون ميتة ( أي ذلك الشيء أو ذلك الطعام أو العين أو الجثة أو النفس وقرئ ) يكون ( بالتحتية والفوقية وقرئ ) ميتة ( بالرفع على أن يكون تامة والدم المسفوح الجاري وغير المسفوح معفو عنه كالدم الذى يبقى فى العروق بعد الذبح ومنه الكبد والطحال وهكذا ما يتلطخ به اللحم من الدم وقد حكى القرطبي الإجماع على هذا قوله ) أو لحم خنزير ( ظاهر تخصيص اللحم أنه لا يحرم الانتفاع منه بما عدا اللحم والضمير فى ) فإنه ( راجع إلى اللحم أو إلى الخنزير
والرجس النجس وقد تقدم تحقيقه قوله ) أو فسقا ( عطف على لحم خنزير و ) أهل به لغير الله ( صفة فسق أي ذبح على الأصنام وسمى فسقا لتوغله فى باب الفسق وقيل يجوز أن يكون ) فسقا ( مفعولا له لأهل أي أهل به لغير الله فسقا على عطف أهل على يكون وهو تكلف لا حاجة إليه ) فمن اضطر غير باغ ولا عاد ( قد تقدم تفسيره فى سورة البقرة فلا نعيده ) فإن ربك غفور رحيم ( أي كثير المغفرة والرحمة فلا يؤاخذ المضطر بما دعت إليه ضرورته
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد عن طاوس قال إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء ويحلون أشياء فنزلت ) قل لا أجد ( الآية وأخرج عبد بن حميد وأبو داود وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تعذرا فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو ثم تلا هذه الآية ) قل لا أجد (


"""""" صفحة رقم 173 """"""
إلى آخرها وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عنه أنه تلا هذه الآية فقال ما خلا هذا فهو حلال وأخرج البخاري وأبو داود وابن المنذر وأبو الشيخ عن عمرو بن دينار قال قلت لجابر بن زيد إنهم يزعمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر فقال قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس وقرأ ) قل لا أجد ( الآية وأقول وإن أبى ذلك البحر فقد صح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والتمسك بقول صحابي فى مقابلة قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من سوء الاختيار وعدم الإنصاف وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ليس شيء من الدواب حرام إلا ما حرم الله فى كتابه ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما ( الآية وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر أنه سئل عن أكل القنفد فقرأ ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما ( الآية فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول ذكر عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال
خبيثة من الخبائث فقال ابن عمر إن كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قاله فهو كما قال وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة أنها كانت إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير تلت ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما ( الآية وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن شاة لسودة بنت زمعة ماتت فقالت يا رسول الله ماتت فلانة تعني الشاة قال فلولا أخذتم مسكها قالت يارسول الله أنأخذ مسك شاة قد ماتت فقرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة ( وأنتم لا تطعمونه وإنما تدبغونه حتى تستنفعوا به فأرسلت إليها فسلختها ثم دبغته فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها ومثل هذا حديث شاة ميمونة وهو فى الصحيح ومثله حديث إنما حرم من الميتة أكلها وهو أيضا فى الصحيح وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) أو دما مسفوحا ( قال مهراقا وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا أو دجوا الدابة وأخذوا الدم فأكلوه قال هو دم مسفوح وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي أنه سئل عن لحم الفيل والأسد فتلا ) قل لا أجد فيما أوحي إلي ( الآية والأحاديث الواردة بتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير والحمر الأهلية ونحوها مستوفاة فى كتب الحديث
سورة الأنعام الآية ( 146 147 )
الأنعام : ( 146 ) وعلى الذين هادوا . . . . .
قدم ) وعلى الذين هادوا ( على الفعل للدلالة على أن هذا التحريم مختص بهم لا يجاوزهم إلي غيرهم والذين هادوا اليهود ذكر الله ما حرمه عليهم عقب ذكر ما حرمه على المسلمين والظفر واحد الأظفار ويجمع أيضا على أظافير وزاد الفراء فى جموع ظفر أظافر وأظافره وذو الظفر ماله أصبع من دابة أو طائر ويدخل


"""""" صفحة رقم 174 """"""
فيه الحافر والخف والمخلب فيتناول الإبل والبقر والغنم والنعام والأوز والبط وكل ما له مخلب من الطير وتسمية الحافر والخف ظفرا مجاز والأولى حمل الظفر على ما يصدق عليه اسم الظفر فى لغة العرب لأن هذا التعميم يأباه ما سيأتي من قوله ) ومن البقر والغنم ( فإن كان فى لغة العرب بحيث يقال على البقر والغنم كان ذكرهما من بعد تخصيصا حرم الله ذلك عليهم عقوبة لهم على ما وقعوا فيه من الظلم كما قال تعالى ) فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ( قوله ) ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ( لا غير هذه المذكورات كلحمهما والشحوم يدخل فيها الثروب وشحم الكلية وقيل الثروب جمع ثرب وهو الشحم الرقيق الذى يكون على الكرش ثم استثنى الله سبحانه من الشحوم ما حملت ظهورهما من الشحم فإنه لم يحرمه الله عليهم و ) ما ( فى موضع نصب على الاستثناء ) أو الحوايا ( معطوف على ظهورهما أي إلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا وهي المباعر التى يجتمع البعر فيها فما حملته من الشحم غير حرام عليهم وواحدها حاوية مثل ضاربة وضوارب وقيل واحدها حاوياء مثل قاصعاء وقواصع وقيل حوية كسفينة وسفائن وقال أبو عبيدة الحوايا ما تحوى من البطن أي اسندار وهى متحوية أي مستديرة وقيل الحوايا خزائن اللبن وهى تتصب بالمباعر وقيل الحوايا الأمعاء التى عليها الشحوم قوله ) أو ما اختلط بعظم ( معطوف على ) ما ( فى ) ما حملت ( كذا قال الكسائي والفراء وثعلب وقيل إن الحوايا وما اختلط بعظم معطوفة على الشحوم والمعنى حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت ظهورهما فإنه غير محرم ولا وجه لهذا التكلف ولا موجب له لأنه يكون المعنى إن الله حرم عليهم إحدى هذه المذكورات والمراد بما اختلط بعظم ما لصق بالعظام من الشحوم فى جميع مواضع الحيوان ومنه الإلية فإنها لاصقة بعجب الذنب والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى التحريم المدلول عليه بحرمنا إى ذلك التحريم جزيناهم به بسبب بغيهم وقيل إن الإشارة إلى الجزاء المدلول عليه بقوله ) جزيناهم ( أي ذلك الجزاء جزيناهم وهو تحريم ما حرمه الله عليهم ) وإنا لصادقون ( فى كل ما نحبر به ومن جملة ذلك هذا الخبر وهو موجود عندهم فى التوراة ونصها حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وكل دابة ليست مشقوقة الحافر وكل حوت ليس فيه سفاسف أي بياض انتهى
الأنعام : ( 147 ) فإن كذبوك فقل . . . . .
والضمير فى ) كذبوك ( لليهود أي فإن كذبك اليهود فيما وصفت من تحريم الله عليهم تلك الأشياء ) فقل ربكم ذو رحمة واسعة ( ومن رحمته حلمه عنكم وعدم معاجلته لكم بالعقوبة فى الدنيا وهو وإن أمهلكم ورحمكم ف ) ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ( إذا أنزله بهم واستحقوا المعاجلة بالعقوبة وقيل المراد لا يرد بأسه فى الآخرة عن القوم المجرمين والأول أولى فإنه سبحانه قد عاجلهم بعقوبات منها تحريم الطيبات عليهم فى الدنيا وقيل الضمير يعود إلى المشركين الذين قسموا الأنعام إلى تلك الأقسام وحللوا بعضها وحرموا بعضها وقيل المراد أنه ذو رحمة للمطيعين ) ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ( ولا ملجيء لهذا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) كل ذي ظفر ( قال هو الذى ليس بمنفرج الأصابع يعني ليس بمشقوق الأصابع وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه عنه ) كل ذي ظفر ( قال البعير والنعامة وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال هو كل شيء لم تنفرج قوائمه من البهائم وما انفرج أكلته اليهود قال انفرجت قوائم الدجاج والعصافير فيهود تأكله ولم ينفرج خف البعير ولا النعامة ولا قائمة الوزينة فلا تأكل اليهود الإبل ولا النعام ولا الوزينة ولا كل شيء لم تنفرج قائمته كذلك ولا تأكل حمار الوحش وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه عن ابن عباس فى قوله ) ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما ( يعني ما علق بالظهر من الشحم ) أو الحوايا ( هي المبعر


"""""" صفحة رقم 175 """"""
وأخرج ابن ابى حاتم وأبو الشيخ عن أبى صالح في قوله ) إلا ما حملت ظهورهما ( قال الألية ) أو الحوايا ( قال المبعر ) أو ما اختلط بعظم ( قال الشحم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) أو الحوايا ( قال المباعر وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن الضحاك ) أو الحوايا ( قال المرائض والمباعر وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس ) أو ما اختلط بعظم ( قال الألية اختلط شحم الألية بالعصعص فهو حلال وكل شحم القوائم والجنب والرأس والعين والأذن يقولون قد اختلط ذلك بعظم فهو حلال لهم إنما حرم عليهم الثرب وشحم الكلية وكل شئ كان كذلك ليس فى عظم وأخرج ابن أبي شيبة وعبيد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) فإن كذبوك ( قال اليهود وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال كانت اليهود يقولون إن ما حرمه إسرائيل فنحن نحرمه فذلك قوله ) فإن كذبوك ( الآية
سورة الأنعام الآية ( 148 150 )
الأنعام : ( 148 ) سيقول الذين أشركوا . . . . .
أخبر الله عن المشركين أنهم سيقولون هذه المقالة وهم كفار قريش أو جميع المشركين يريدون أنه لو شاء الله عدم شركهم ما أشركوا هم ولا آباؤهم ولا حرموا شيئا من الأنعام كالبحيرة ونحوها وظنوا أن هذا القول يخلصهم عن الحجة التى ألزمهم بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأن ما فعلوه حق ولو لم يكن حقا لأرسل الله إلى آبائهم الذى ماتوا على الشرك وعلى تحريم ما لم يحرمه الله رسلا يأمرونهم بترك الشرك وبترك التحريم لما لم يحرمه الله والتحليل لما لم يحلله ) كذلك كذب الذين من قبلهم ( أي مثل ما كذب هؤلاء كذب من قبلهم من المشركين أنبياء الله ) حتى ذاقوا بأسنا ( أي استمروا على التكذيب حتى ذاقوا بأسنا الذى أنزلناه بهم ثم أمره الله أن يقول لهم ) هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ( أي هل عندكم دليل صحيح بعد من العلم النافع فتخرجوه إلينا لننظر فيه ونتدبره والمقصود من هذا التبكيت لهم لأنه قد علم أنه لا علم عندهم يصلح للحجة ويقوم به البرهان ثم أوضح لهم أنهم ليسوا على شيء من العلم وأنهم إنما يتبعون الظنون أي ما يتبعون إلا الظن الذى هو محل الخطأ ومكان الجهل ) وإن أنتم إلا تخرصون ( أي تتوهمون مجرد توهم فقط كما يتوهم الحارص وقد سبق تحقيقه
الأنعام : ( 149 ) قل فلله الحجة . . . . .
ثم أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أن لله الحجة البالغة على الناس أي التى تنقطع عندها معاذيرهم وتبطل شبههم وظنونهم وتوهماتهم والمراد بها الكتب المنزلة والرسل المرسلة وما جاءوا به من المعحزات ) فلو شاء ( هدايتكم جميعا ) لهداكم أجمعين ( ولكنه لم يشأ ذلك ومثله قوله تعالى ) ولو شاء الله ما أشركوا ( ) ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ( ومثله كثير
الأنعام : ( 150 ) قل هلم شهداءكم . . . . .
ثم أمره الله أن يقول لهؤلاء المشركين ) هلم شهداءكم ( أي هاتوهم وأحضروهم وهو اسم فعل


"""""" صفحة رقم 176 """"""
يستوى فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع عند أهل الحجاز وأهل نجد يقولون هلما هلمي هلموا فينطقون به كما ينطقون بسائر الأفعال وبلغة أهل الحجاز نزل القرآن ومنه قوله تعالى ) والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ( والأصل عند الخليل ها ضمت إليها لم وقال غيره أصلها هل زيدت عليها الميم وفي كتاب العين للخليل أن أصلها هل أؤم أي هل أقصدك ثم كثر استعمالهم لها وهذا أيضا من باب التبكيت لهم حيث يأمرهم بإحضار الشهود على أن الله حرم تلك الأشياء مع علمه أن لا شهود لهم ) فإن شهدوا ( لهم بغير علم بل مجازفة وتعصب ) فلا تشهد معهم ( أي فلا تصدقهم ولا تسلم لهم فإنهم كاذبون جاهلون وشهادتهم باطلة ) ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا ( أي ولا تتبع أهواءهم فإنهم رأس المكذبين بآياتنا قوله ) والذين لا يؤمنون بالآخرة ( معطوف على الموصول أي لا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا وأهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة ) وهم بربهم يعدلون ( أي يجعلون له عدلا من مخلوقاته كالأوثان والجملة إما فى محل نصب على الحال أو معطوفة على لا يؤمنون
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي فى الأسماء والصفات عن مجاهد فى قوله ) سيقول الذين أشركوا ( قال هذا قول قريش إن الله حرم هذا أي البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة ) قل فلله الحجة البالغة ( قال السلطان وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي فى الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قيل له إن ناسا يقولون ليس الشر بقدر فقال ابن عباس بيننا وبين أهل القدر هذه الآية ) سيقول الذين أشركوا ( إلى قوله ) فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ( قال ابن عباس والعجز والكيس من القدر وأخرج أبو الشيخ عن علي بن زيد قال انقطعت حجة القدرية عند هذه الآية ) قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) قل هلم شهداءكم ( قال أروني شهداءكم
سورة الأنعام الآية ( 151 153 )
الأنعام : ( 151 ) قل تعالوا أتل . . . . .
قوله ) قل تعالوا ( أي تقدموا قال ابن الشجري إن المأمور بالتقدم فى أصل وضع هذا الفعل كأنه كان قاعدا فقيل له تعال أي ارفع شخصك بالقيام وتقدم واتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي وهكذا قال الزمخشري فى الكشاف إنه من الخاص الذى صار عاما وأصله أن يقوله من كان فى مكان عال لمن هو


"""""" صفحة رقم 177 """"""
أسفل منه ثم كثر واتسع فيه حتى عم قوله ) أتل ما حرم ربكم ( أتل جواب الأمر وما موصولة فى محل نصب به أي أتل الذى حرمه ربكم عليكم والمراد من تلاوة ما حرم الله تلاوة الآيات المشتملة عليه ويجوز أن تكون ما مصدرية أي أتل تحريم ربكم والمعنى ما اشتمل على التحريم قيل ويجوز أن تكون ما استفهامية أي أتل أي شيء حرم ربكم على جعل التلاوة بمعنى القول وهو ضعيف جدا وعليكم أن تعلق بأتل فالمعنى أتل عليكم الذى حرم ربكم وإن تعلق بحرم فالمعنى أتل الذى حرم ربكم عليكم وهذا أولى لأن المقام مقام بيان ما هو محرم عليكم لا مقام بيان ما هو محرم مطلقا وقيل إن عليكم للإغراء ولا تعلق لها بما قبلها والمعنى عليكم أن لا تشركوا إلى آخره أي الزموا ذلك كقوله تعالى ) عليكم أنفسكم ( وهو أضعف مما قبله وأن فى ) ألا تشركوا ( مفسرة لفعل التلاوة وقال النحاس يجوز أن تكون فى موضع نصب بدلا من ما أي أتل عليكم تحريم الإشراك وقيل يجوز أن يكون فى محل رفع بتقدير مبتدأ أي المتلو أن لا تشركوا وشيئا مفعول أو مصدر أي لا تشركوا به شيئا من الأشياء أو شيئا من الإشراك قوله ) وبالوالدين إحسانا ( أي أحسنوا بهما إحسانا والإحسان إليهما البر بهما وامتثال أمرهما ونهيهما وقد تقدم الكلام على هذا قوله ) ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ( لما ذكر حق الوالدين على الأولاد ذكر حق الأولاد على الوالدين وهو أن لا يقتلوهم من أجل إملاق
والإملاق الفقر فقد كانت الجاهلية تفعل ذلك بالذكر والإناث خشية الإملاق وتفعله بالإناث خاصة خشية العار وحكى النقاش عن مؤرج أن الإملاق الجوع بلغة لخم وذكر منذر بن سعيد البلوطي أن الإملاق الإنفاق يقال أملق ماله بمعنى أنفقه والمعنى الأول هو الذى أطبق عليه أئمة اللغة وأئمة التفسير ها هنا ) ولا تقربوا الفواحش ( أي المعاصي ومنه ) ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة ( وما فى ) ما ظهر ( بدل من الفواحش وكذا ما بطن والمراد بما ظهر ما أعلن به منها وما بطن ما أسر وقد تقدم ) ولا تقتلوا النفس ( اللام فى النفس للجنس و ) التي حرم الله ( صفة للنفس أي لا تقتلوا شيئا من الأنفس التى حرمها الله ) إلا بالحق ( أي إلا بما يوجبه الحق والاستثناء مفرغ أي لا تقتلوه فى حال من الأحوال إلا فى حال الحق أو لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق ومن الحق قتلها قصاصا وقتلها بسبب زنا المحصن وقتلها بسبب الردة ونحو ذلك من الأسباب التى ورد الشرع بها والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى ما تقدم مما تلاه عليهم وهو مبتدأ ? ووصاكم به ? خبره أي أمركم به وأوجبه عليكم
الأنعام : ( 152 ) ولا تقربوا مال . . . . .
) ولا تقربوا مال اليتيم ( أي لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه إلا ب الخصلة ) التي هي أحسن ( من غيرها وهى ما فيه صلاحه وحفظه وتنميته فيشمل كل وجه من الوجوه التي فيها نفع لليتيم وزيادة فى ماله وقيل المراد بالتى هى أحسن التجارة ) حتى يبلغ أشده ( أي إلى غاية هى أن يبلغ اليتيم أشده فإن بلغ ذلك فادفعوا إليه ماله كما قال تعالى ) فإن آنستم منهم رشدا ( فادفعوا إليهم أموالهم
واختلف أهل العلم فى الأشد فقال أهل المدينة بلوغه وإيناس رشده وقال أبو حنيفة خمس وعشرون سنة وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو البلوغ وقيل إنه انتهاء الكهولة ومنه قول سحيم الرباحي أخو الخمسين مجتمع أشدى
وبحديثي مداورة الشئون
والأولى فى التحقيق بلوغ الأشد أنه البلوغ إلى سن التكليف مع إيناس الرشد وهو أن يكون فى تصرفاته بما له سالكا مسلك العقلاء لا مسلك أهل السفه والتبذير ويدل على هذا قوله تعالى فى سورة النساء ) وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ( فجعل بلوغ النكاح وهو بلوغ سن التكليف مقيدا بإيناس الرشد ولعله قد سبق هنالك كلام فى هذا والأشد واحد لا جمع له وقيل واحدة شد كفلس وأفلس


"""""" صفحة رقم 178 """"""
أصله من شد النهار أي ارتفع وقال سيبويه واحده شدة قال الجوهري وهو حسن فى المعنى لأنه يقال بلغ الكلام شدته ولكن لا تجمع فعله على أفعل قوله ) وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ( أي بالعدل فى الأخذ والإعطاء عند البيع والشراء ) لا نكلف نفسا إلا وسعها ( أي إلا طاقتها فى كل تكليف من التكاليف ومنه التكليف بإيفاء الكيل والوزن فلا يخاطب المتولي لهما بما لا يمكن الاحتراز عنه فى الزيادة والنقصان ) وإذا قلتم فاعدلوا ( أي إذا قلتم بقول فى خبر أو شهادة أو جرح أو تعديل فاعدلوا فيه وتحروا الصواب ولا تتعصبوا فى ذلك لقريب ولا على بعيد ولا تميلوا إلى صديق ولا على عدو بل سووا بين الناس فإن ذلك من العدل الذى أمر الله به والضمير فى ) ولو كان ( راجع إلى ما يفيده ) وإذ قلتم ( فإنه لابد للقول من مقول فيه أو مقول له أى ولو كان المقول فيه أو القول له ) ذا قربى ( أى صاحب قرابة لكم وقيل إن المعنى ولو كان الحق على مثل قراباتكم والأول أولى ومثل هذه الآية قوله ) ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ( قوله ) وبعهد الله أوفوا ( أي أوفوا بكل عهد عهده الله إليكم ومن جملة ما عهده إليكم ما تلاه عليكم رسوله بأمره في هذا المقام ويجوز أن يراد به كل عهد ولو كان بين المخلوقين لأن الله سبحانه لما أمر بالوفاء به في كثير من الآيات القرآنية كان ذلك مسوغا لإضافتة إليه والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى ما تقدم ذكره ) وصاكم به ( أمركم به أمرا مؤكدا ) لعلكم تذكرون ( فتتعظون بذلك
الأنعام : ( 153 ) وأن هذا صراطي . . . . .
قوله ) وأن هذا صراطي مستقيما ( أن فى موضع نصب أي واتل أن هذا صراطي قاله الفراء والكسائي قال الفراء ويجوز أن يكون خفضا أي وصاكم به وبأن هذا وقال الخليل وسيبويه إن التقدير ولأن هذا صراطي مستقيما كما فى قوله سبحانه ) وأن المساجد لله ( وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي ) وأن هذا ( بكسر الهمزة على الاستئناف والتقدير الذى ذكر فى هذه الآيات صراطي وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب ) وأن هذا صراطي ( بالتخفيف على تقدير ضمير الشأن وقرأ الأعمش ) هذا صراطي ( وفي مصحف عبد الله بن مسعود ) وهذا صراط ربك ( وفي مصحف أبي ) وهذا صراط ربك ( والصراط الطريق وهو طريق دين الإسلام ونصب مستقيما على الحال والمستقيم المستوى الذى لا اعوجاج فيه ثم أمرهم باتباعه ونهاهم عن اتباع سائر السبل أي الأديان المتباينة طرقها ) فتفرق بكم ( أي تميل بكم ) عن سبيله ( أي عن سبيل الله المستقيم الذى هو دين الإسلام قال ابن عطية وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ فى الفروع وغير ذلك من أهل التعمق فى الجدل والخوض فى الكلام
هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد والإشارة ب ) ذلكم ( إلى ما تقدم وهو مبتدأ وخبره ) وصاكم به ( أي أكد عليكم الوصية به ) لعلكم تتقون ( ما نهاكم عنه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث ثم تلا ) قل تعالوا ( إلى ثلاث آيات ثم قال فمن وفى بهن فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله فى الدنيا كانت عقوبته ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس وابن المنذر عن كعب الأحبار قال أول ما نزل فى التوراة عشر آيات وهى العشر التى أنزلت من آخر الأنعام ) قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ( إلى آخرها وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي ابن الخيار قال سمع كعب رجلا يقرأ ) قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ( فقال كعب والذى نفس كعب بيده إنها لأول آية فى التوراة بسم الله الرحمن الرحيم ) قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ( إلى آخر الآيات


"""""" صفحة رقم 179 """"""
انتهى قلت هى الوصايا العشر التى فى التوراة وأولها أنا الرب إلهك الذى أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية لا يكن لك إله آخر غيري ومنها أكرم أباك وأمك ليطول عمرك فى الأرض التى يعطيك الرب إلهك لا تقتل لا تزن لا تسرق لا تشهد على قريبك شهادة زور لا تشته بنت قريبك ولا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك فلعل مراد كعب الأحبار هذا ولليهود بهذه الوصايا عناية عظيمة وقد كتبها أهل الزبور فى آخر زبورهم وأهل الإنجيل فى أول إنجيلهم وهى مكتوبة فى لوحين وقد تركنا منها ما يتعلق بالسبت وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة ) ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ( قال من خشية الفاقة قال وكان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته مخافة الفاقة عليها والسبي ) ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ( قال سرها وعلانيتها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ) ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ( قال خشية الفقر ) ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ( قال كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسا فى السر ويستقبحونه فى العلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية وأخرج عبد ابن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) وأن هذا صراطي مستقيما ( قال اعلموا أن السبيل سبيل واحد جماعه الهدى ومصيره الجنة وأن إبليس اشترع سبلا متفرقه جماعه الضلالة ومصيرها النار وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار والنسائي وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود قال خط رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خطا بيده ثم قال هذا سبيل الله مستقيما ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ ) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ( وأخرج أحمد وابن ماجه وابن مردويه من حديث جابر نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن مردويه عن ابن مسعود أن رجلا سأله ما الصراط المستقيم قال تركنا محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) فى أدناه وطرفه الجنة وعن يمينه جواد وعن شماله جواد وثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار ومن أخذ على الصراط المستقيم انتهى به إلى الجنة ثم قرأ ابن مسعود ) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) ولا تتبعوا السبل ( قال الضلالات
سورة الأنعام الآية ( 154 157 )
الأنعام : ( 154 ) ثم آتينا موسى . . . . .
هذا الكلام مسوق لتقرير التوصية التى وصى الله عباده بها وقد استشكل العطف بثم مع كون قصة موسى وإيتائه الكتاب قبل المعطوف عليه وهو ما تقدم من قوله ) ذلكم وصاكم به ( فقيل إن ثم ها هنا بمعنى الواو وقيل تقدير الكلام ثم كنا قد آتينا موسى الكتاب قبل إنزالنا القرآن على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل


"""""" صفحة رقم 180 """"""
المعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ثم أتل إيتاء موسى الكتاب وقيل إن التوصية المعطوف عليها قديمة لم يزل كل نبي يوصي بها أمته وقيل إن ثم للتراخي في الإخبار كما تقول بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت بالأمس أعجب قوله ) تماما ( مفعول لأجله أو مصدر و ) على الذي أحسن ( قرئ بالرفع وهى قراءة يحيى ابن يعمر وابن أبى إسحاق فيكون رفع أحسن على تقدير مبتدأ أى على الذى هو أحسن ومنه ما حكى سيبويه عن الخليل أنه سمع ما أنا بالذى قائل لك شيئا وقرأ الباقون بالنصب على أنه فعل ماض عند البصريين وأجاز الفراء والكسائي أن يكون اسما نعتا للذى وهذا محال عند البصريين لأنه نعت للاسم قبل أن يتم والمعنى عندهم تماما على من أحسن قبوله والقيام به كائنا من كان ويؤيد هذا أن ابن مسعود قرأ ? تماما على الذين أحسنوا ? وقال الحسن كان فيهم محسن وغير محسن فأنزل الله الكتاب تماما على المحسنين وقيل المعنى أعطينا موسى التوراة زيادة على ما كان يحسنه موسى مما علمه الله قبل نزول التوراة عليه وقيل المعنى تماما على الذى أحسن به الله عز وجل إلى موسى من الرسالة وغيرها وقيل تماما على احسان موسى بطاعة الله عز وجل قاله الفراء قوله ) وتفصيلا لكل شيء ( معطوف على تماما أي ولأجل تفصيل كل شيء وكذا ) هدى ورحمة ( معطوفتان عليه أي وللهدى والرحمة والضمير فى لعلهم راجع إلى بني إسرائيل المدلول عليه بذكر موسى والباء فى ) بلقاء ( متعلقة بيؤمنون
الأنعام : ( 155 ) وهذا كتاب أنزلناه . . . . .
قوله ) وهذا كتاب أنزلناه مبارك ( الإشارة إلى القرآن واسم الإشارة مبتدأ وخبره كتاب وأنزلناه صفة لكتاب ومبارك صفة أخرى له وتقديم صفة الإنزال لكونه الإنكار متعلقا بها والمبارك كثير البركة لما هو مشتمل عليه من المنافع الدنيوية والدينية ) فاتبعوه ( فإنه لما كان من عند الله وكان مشتملا على البركة كان اتباعه متحتما عليكم ) واتقوا ( مخالفته والتكذيب بما فيه ) لعلكم ( إن قبلتموه ولم تخالفوه ) ترحمون ( برحمة الله سبحانه
الأنعام : ( 156 ) أن تقولوا إنما . . . . .
وأن فى ) أن تقولوا ( فى موضع نصب قال الكوفيون لئلا تقولوا وقال البصريون كراهة أن تقولوا وقال الفراء والكسائي المعنى فاتقوا أن تقولوا يا أهل مكة ) إنما أنزل الكتاب ( أي التوراة والإنجيل ) على طائفتين من قبلنا ( وهم اليهود والنصارى ولم ينزل علينا كتاب ) وإن كنا عن دراستهم ( أي عن تلاوة كتبهم بلغاتهم ) لغافلين ( أي لا ندري ما فيها ومرادهم إثبات نزول الكتابين مع الاعتذار عن اتباع ما فيهما بعدم الدراية منهم والغفلة عن معناهما
الأنعام : ( 157 ) أو تقولوا لو . . . . .
قوله ) أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب ( معطوف على ) تقولوا ( أي أو أن تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب كما أنزل على الطائفتين من قبلنا ) لكنا أهدى منهم ( إلى الحق الذى طلبه الله فإن هذه المقالة والمعذرة منهم مندفعة بإرسال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وإنزال القرآن عليه ولهذا قال ) فقد جاءكم بينة من ربكم ( أي كتاب أنزله الله على نبيكم وهو منكم يا معشر العرب فلا تعتذروا بالأعذار الباطلة وتعللوا أنفسكم بالعلل الساقطة فقد أسفر الصبح لذى عينين ) وهدى ورحمة ( معطوف على ) بينة ( أي جاءكم البينة الواضحة والهدى الذى يهتدى به كل من له رغبة فى الاهتداء ورحمة من الله يدخل فيها كل من يطلبها ويريد حصولها ولكنكم ظلمتم أنفسكم بالتكذيب بآيات الله والصدوف عنها أي الانصراف عنها وصرف من أراد الإقبال إليها ) فمن أظلم ممن كذب بآيات الله ( التى هى رحمة وهدى للناس ) وصدف عنها ( فصل بانصرافه عنها وأضل بصرف غيره عن الإقبال إليها ) سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب ( أي العذاب السيء بسبب ما كانوا يصدفون وقيل معنى صدف أعرض ويصدفون يعرضون وهو مقارب لمعنى الصرف وقد تقدم تحقيق معنى هذا اللفظ والاستفهام في فمن أظلم للإنكار أي إنكار أن يكون أحد أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها مع ما يفيده ذلك من التبكيت لهم


"""""" صفحة رقم 181 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) تماما على الذي أحسن ( قال على المؤمنين المحسنين وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر ) تماما على الذي أحسن ( قال تماما لما كان قد أحسن الله وأخرج أيضا عن ابن زيد قال تماما لنعمته عليهم وإحسانه إليهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) وهذا كتاب ( قال هو القرآن الذى أنزل الله على محمد ) فاتبعوه واتقوا ( يقول فاتبعوا ما أحل الله فيه واتقوا ما حرم وأخرج هؤلاء عن مجاهد فى قوله ) على طائفتين من قبلنا ( قال اليهود والنصارى خاف أن تقوله قريش وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عباس قال هم اليهود والنصارى ) وإن كنا عن دراستهم ( قال تلاوتهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) لكنا أهدى منهم ( قال هذا قول كفار العرب وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) فقد جاءكم بينة من ربكم ( يقول قد جاءتكم بينة لسان عربي مبين حين لم يعرفوا دراسة الطائفتين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وصدف عنها ( قال أعرض عنها وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك فى قوله ) يصدفون ( قال يعرضون
سورة الأنعام الآية ( 158 )
الأنعام : ( 158 ) هل ينظرون إلا . . . . .
أي لما أقمنا عليهم الحجة وأنزلنا الكتاب على رسولنا المرسل إليهم فلم ينفعهم ذلك ولم يرجعوا به عن غوايتهم فما بقى بعد هذا إلا أنهم ) ينظرون ( أي ينتظرون ) أن تأتيهم الملائكة ( أي ملائكة الموت لقبض أرواحهم وعند ذلك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) أو يأتي ربك ( يا محمد كما اقترحوه بقولهم ) لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ( وقيل معناه أو يأتي أمر ربك بإهلاكهم وقيل المعنى أو يأتي كل آيات ربك بدليل قوله ) أو يأتي بعض آيات ربك ( وقيل هو من المتشابه الذى لا يعلم تأويله إلا الله وقد جاء فى القرآن حذف المضاف كثيرا كقوله ) واسأل القرية ( وقوله ) وأشربوا في قلوبهم العجل ( أي حب العجل وقيل إتيان الله مجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه كقوله ) وجاء ربك والملك صفا صفا ( قوله ) يوم يأتي بعض آيات ربك ( قرأ ابن عمر وابن الزبير ) يوم يأتي ( بالفوقية وقرأ الباقون بالتحتية قال المبرد التأنيث على المجاورة لمؤنث لا على الأصل منه قول جرير لما أتى خبر الزبير تواضعت
سور المدينة والجبال الخشع
وقرأ ابن سيرين لا تنفع بالفوقية قال أبو حاتم إن هذا غلط عن ابن سيرين وقد قال الناس في هذا شيء دقيق من النحو ذكره نفطويه وذلك أن الإيمان والنفس كل واحد منهما مشتمل على الآخر فأنث الإيمان إذ هو من النفس قال النحاس وفيه وجه آخر وهو أن يؤنث الإيمان لأنه مصدر كما يذكر المصدر المؤنث مثل ) فمن جاءه موعظة من ربه ( ومعنى ) يوم يأتي بعض آيات ربك ( يوم يأتي الآيات التى اقترحوها وهى التى تضطرهم إلى الإيمان ) لا ينفع نفسا إيمانها ( أو ما هو أعم من ذلك فيدخل فيه ما ينتظرونه وقيل هى الآيات التى هى علامات القيامة المذكورة فى الأحاديث الثابتة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فهى التى إذا جاءت


"""""" صفحة رقم 182 """"""
لا ينفع نفسا إيمانها قوله ) لم تكن آمنت من قبل ( أي من قبل إتيان بعض الآيات فأما التى قد كانت آمنت من قبل مجيء بعض الآيات فإيمانها ينفعها وجملة ) لم تكن آمنت من قبل ( فى محل نصب على أنها صفة نفسا قوله ) أو كسبت في إيمانها خيرا ( معطوف على ) آمنت ( والمعنى أنه لا ينفع نفسا إيمانها عند حضور الآيات متصفة بأنها لم تكن آمنت من قبل أو آمنت من قبل ولكن لم تكسب فى إيمانها خيرا فحصل من هذا أنه لا ينفع إلا الجمع بين الإيمان من قبل مجيء بعض الآيات مع كسب الخير فى الإيمان فمن آمن من قبل فقط ولم يكسب خيرا فى إيمانه أوكسب خيرا ولم يؤمن فإن ذلك غير نافعه وهذا التركيب هو كقولك لا أعطي رجلا اليوم أتاني لم يأتنى بالأمس أو لم يمدحني في إتيانه إلي بالأمس فإن المستفاد من هذا أنه لا يستحق العطاء إلارجل أتاه بالأمس ومدحه في إتيانه إليه بالأمس ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم انتظروا ما تريدون إتياته إنا منتظرون له وهذا تهديد شديد ووعيد عظيم وهو يقوى ما قيل في تفسير ) يوم يأتي بعض آيات ربك ( أنها الآيات التى اقترحوها من إتيان الملائكة وإتيان العذاب لهم من قبل الله كما تقدم بيانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة قال عند الموت ) أو يأتي ربك ( قال يوم القيامه وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتاده في تفسير الآيه مثله وأخرج ابن أبى حاتم عن مقاتل ) أو يأتي ربك ( قال يوم القيامه في ظلل من الغمام وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والترمذى وأبو يعلى وابن أبى حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبى سعيد الخدرى عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) يوم يأتي بعض آيات ربك ( قال طلوع الشمس من مغربها قال الترمذى غريب ورواه ابن أبى شيبة وعبد بن حميد عن أبي سعيد موقوفا وأخرجه الطبراني وابن عدي وابن مردويه من حديث أبي هريرة مرفوعا وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ونعيم بن حماد والطبراني عن ابن مسعود موقوفا فإذا ثبت رفع هذا التفسير النبوي من وجه صحيح لا قادح فيه فهو واجب التقديم له متحتم الأخذ به ويؤيده ما ثبت فى الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها ثم قرأ الآية وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي ذر مرفوعا نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا نحوه أيضا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) أو كسبت في إيمانها خيرا ( يقول كسبت فى تصديقها عملا صالحا هؤلاء أهل القبلة وإن كانت مصدقة لم تعمل قبل ذلك خيرا فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها وإن عملت قبل الآية خيرا ثم عملت بعد الآية خيرا قبل منها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل فى قوله ) أو كسبت في إيمانها خيرا ( قال يعني المسلم الذي لم يعمل فى إيمانه خيرا وكان قبل الآية مقيما على الكبائر والآيات التى هى علامات القيامة قد وردت الأحاديث المتكاثرة فى بيانها وتعدادها وهى مذكورة فى كتب السنة
سورة الأنعام الآية ( 159 160 )


"""""" صفحة رقم 183 """"""
الأنعام : ( 159 ) إن الذين فرقوا . . . . .
قرأ حمزة والكسائي فارقوا دينهم وهى قراءة علي بن أبي طالب أي تركوا دينهم وخرجوا عنه وقرأ الباقون فارقوا بالتشديد إلا النخعي فإنه قرأ بالتخفيف والمعنى أنهم جعلوا دينهم متفرقا فأخذوا ببعضه وتركوا بعضه قيل المراد بهم اليهود والنصارى وقد ورد فى معنى هذا فى اليهود قوله تعالى ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( وقيل المراد بهم المشركين عبد بعضهم الصنم وبعضهم الملائكة وقيل الآية عامة فى جميع الكفار وقل من ابتدع وجاء بما لم يأمر به الله وهذا هو الصواب لأن اللفظ يفيد العموم فيدخل فيه طوائف أهل الكتاب وطوائف المشركين وغيرهم ممن ابتدع من أهل الإسلام ومعنى شيعا فرقا أو أحزابا فتصدق على كل قوم كان أمرهم فى الدين واحدا مجتمعا ثم اتبع كل جماعة منهم رأي كبير من كبرائهم يخالف الصواب ويباين الحق ) لست منهم في شيء ( أي لست من تفرقهم أو من السؤال عن سبب تفرقهم والبحث عن موجب تحزبهم فى شيء من الأشياء فلا يلزمك من ذلك شيء ولا تخاطب به إنما عليك البلاغ وهو مثل قوله ( صلى الله عليه وسلم ) من غشنا فليس منا أي نحن برآء منه وموضع ) في شيء ( نصب على الحال قال الفراء هو على حذف مضاف أي لست من عقابهم فى شيء وإنما عليك الإنذار ثم سلاه الله تعالى بقوله ) إنما أمرهم إلى الله ( فهو مجاز لهم بما تقتضيه مشيئته والحصر بإنما هو فى حكم التعليل لما قبله والتأكيد له ) ثم ( هو يوم القيامة ) ينبئهم ( أي يخبرهم بما ينزله بهم من المجازاة ) بما كانوا يعملون ( ه من الأعمال التي تخالف ما شرعه الله لهم وأوجبه عليهم وهذه الآية من جملة ما هو منسوخ بآية السيف
الأنعام : ( 160 ) من جاء بالحسنة . . . . .
قوله ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( لما توعد سبحانه المخالفين له بما توعد بين عقب ذلك مقدار جزاء العاملين بما أمرهم به الممتثلين لما شرعه لهم بأن من جاء بحسنة واحدة من الحسنات فله من الجزاء عشر حسنات والتقدير فله عشر حسنات أمثالها فأقيمت الصفة مقام الموصوف قال أبو علي الفارسي حسن التأنيث فى عشر أمثالها لما كان الأمثال مضافا إلى مؤنث نحو ذهبت بعض أصابعه وقرأ الحسن وسعيد بن جبير والأعمش ) فله عشر أمثالها ( برفعهما
وقد ثبت هذا التضعيف فى السنة بأحاديث كثيرة وهذا التضعيف هو أقل ما يستحقه عامل الحسنة وقد وردت الزيادة على هذا عموما وخصوصا ففي القرآن كقوله ) كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ( وورد فى بعض الحسنات أن فاعلها يجازى عليها بغير حساب وورد فى السنة المطهرة تضعيف الجزاء إلى ألوف مؤلفة وقد قدمنا تحقيق هذا في موضعين من هذا التفسير فليرجع إليهما ) ومن جاء بالسيئة ( من الأعمال السيئة ) فلا يجزى إلا مثلها ( من دون زيادة عليها على قدرها بالخفة والعظم فالمشرك يجازى على سيئة الشرك بخلوده فى النار وفاعل المعصية من المسلمين يجازى عليها بمثلها مما ورد تقديره من العقوبات كما ورد بذلك كثير من الأحاديث المصرحة بأن من عمل كذا فعليه كذا وما لم يرد لعقوبته تقدير من الذنوب فعلينا أن نقول يجازيه الله بمثله وإن لم نقف على حقيقة ما يجازى به وهذا إن لم يتب أما إذا تاب أو غلبت حسناته سيئاته أو تغمده الله برحمته وتفضل عليه بمغفرته فلا مجازاة وأدلة الكتاب والسنة مصرحة بهذا تصريحا لا يبقى بعده ريب لمرتاب ) وهم ( أي من جاء بالحسنة ومن جاء بالسيئة ) لا يظلمون ( بنقص ثواب حسنات المحسنين ولا بزيادة عقوبات المسيئين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال اختلف اليهود والنصارى قبل أن يبعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فتفرقوا فلما بعث محمد أنزل عليه ) إن الذين فرقوا دينهم ( الآية وأخرج النحاس عنه فى ناسخه ) إن الذين فرقوا دينهم ( قال اليهود والنصارى تركوا الإسلام والدين الذى أمروا به ) وكانوا شيعا ( فرقا أحزابا مختلفة ) لست منهم في شيء ( نزلت بمكة ثم نسخها ) فاقتلوا المشركين ( وأخرج أبو الشيخ عنه ) وكانوا شيعا (


"""""" صفحة رقم 184 """"""
قال مللا شتى وأخرج الفريابي وأبن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة فى قوله ) إن الذين فرقوا دينهم ( الآية قال هم فى هذه الأمة وأخرج الحكيم الترمذي وابن جرير والطبراني والشيرازي فى الألقاب وابن مردويه عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى الآية قال هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة وفي إسناده عبد بن كثير وهو متروك الحديث ولم يرفعه غيره ومن عداه وقفوه على أبي هريرة وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة فى الآية قال هم الحرورية وقد رواه ابن أبي حاتم والنحاس وابن مردويه عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا ولا يصح رفعه وأخرج الحكيم الترمذي وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن شاهين وابن مردويه وأبو نعيم فى الحلية وأبو نصر السجزي في الإبانة والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لعائشة يا عائش إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء وأصحاب الضلالة من هذه الأمة ليست لهم توبة يا عائشة إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليس لهم توبة وهم مني برآء قال ابن كثير هو غريب ولا يصح رفعه وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال لما نزلت ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( قال رجل من المسلمين يا رسول الله لا إله إلا الله حسنه قال نعم أفضل الحسنات وهذا مرسل ولا ندري كيف إسناده إلى سعيد وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود ) من جاء بالحسنة ( قال لا إله إلا الله وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس مثله وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة مثله أيضا وقد قدمنا الإشارة إلى أنها قد ثبتت الأحاديث الصحيحة بمضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها فلا نطيل بذكرها ووردت أحاديث كثيرة في الزيادة على هذا المقدار وفضل الله واسع وعطاؤه جم
سورة الأنعام الآية ( 161 163 )
الأنعام : ( 161 ) قل إنني هداني . . . . .
لما بين سبحانه أن الكفار تفرقوا فرقا وتحزبوا أحزابا أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم ) إنني هداني ربي ( أي أرشدني بما أوحاه إلي ) إلى صراط مستقيم ( وهو ملة إبراهيم عليه السلام و ) دينا ( منتصب على الحال كما قال قطرب أو على أنه مفعول هداني كما قال الأخفش وقيل منتصب بفعل يدل عليه هداني لأن معناه عرفني أي عرفني دينا وقيل إنه بدل من محل إلى صراط لأن معناه هداني صراطا مستقيما كقوله تعالى ) ويهديكم صراطا مستقيما ( وقيل منصوب بإضمار فعل كأنه قيل اتبعوا دينا قوله ) قيما ( قرأه الكوفيون وابن عامر بكسر القاف والتخفيف وفتح الياء وقرأه الباقون بفتح القاف وكسر الياء المشددة وهما لغتان ومعناه الدين المستقيم الذى لا عوج فيه وهو صفة لدينا وصف به مع كونه مصدرا مبالغة وانتصاب ) ملة إبراهيم ( على أنها عطف بيان لدينا ويجوز نصبها بتقدير أعني و ) حنيفا ( منتصب على أنه حال من إبراهيم قاله الزجاج وقال علي بن سليمان هو منصوب بإضمار أعني والحنيف المائل إلى الحق وقد تقدم تحقيقه ) وما كان من المشركين ( فى محل نصب معطوف على حنيفا أو جملة معترضة مقررة لما قبلها
الأنعام : ( 162 ) قل إن صلاتي . . . . .
قوله ) قل إن صلاتي ( أمره الله سبحانه أن


"""""" صفحة رقم 185 """"""
يقول لهم بهذه المقالة عقب أمره بأن يقول لهم بالمقالة السابقة قيل ووجه ذلك أن ما تضمنه القول الأول إشارة إلى أصول الدين وهذا إلى فروعها والمراد بالصلاة جنسها فيدخل فيه جميع أنواعها وقيل المراد بها هنا صلاة الليل وقيل صلاة العيد والنسك جمع نسيكة وهى الذبيحة كذا قال مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغيرهم أي ذبيحتي فى الحج والعمرة وقال الحسن ديني وقال الزجاج عبادتي من قولهم نسك فلان هو ناسك إذا تعبد وبه قال جماعة من أهل العلم ) ومحياي ومماتي ( أي ما أعمله فى حياتي وومماتي من أعمال الخير ومن أعمال الخير في الممات الوصية بالصدقات وأنواع القربات وقيل نفس الحياة ونفس الموت ) لله ( قرأ الحسن نسكي بسكون السين وقرأ الباقون بضمها وقرأ أهل المدينة محياى بسكون الياء وقرا الباقون بفتحها لئلا يجتمع ساكنان قال النحاس لم يجزه أي السكون أحد من النحويين إلا يونس وإنما أجازه لأن المدة التى في الألف تقوم مقام الحركة وقرأ ابن إسحاق وعيسى بن عمرو عاصم الجحدري محيى من غير ألف وهى لغة عليا مضر ومنه قول الشاعر سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم
فتخرموا ولكل جنب مصرع
) لله رب العالمين ( أي خالصا له لا شريك له فيه
الأنعام : ( 163 ) لا شريك له . . . . .
والإشارة ) بذلك ( إلى ما أفاده ) لله رب العالمين لا شريك له ( من الإخلاص في الطاعة وجعلها لله وحده قوله ) وأنا أول المسلمين ( أي أول مسلمي أمته وقيل أول المسلمين أجمعين لأنه وإن كان متأخرا فى الرسالة فهو أولهم فى الخلق ومنه قوله تعالى ) وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ( الآية والأول أولى قال ابن جرير الطبري استدل بهذه الآية الشافعي على مشروعية افتتاح الصلاة بهذا الذكر فإن الله أمر به نبيه وأنزله فى كتابه ثم ذكر حديث علي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا قام إلى الصلاة قال ) وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ( إلى قوله ) وأنا أول المسلمين ( قلت هذا هو فى صحيح مسلم مطولا وهو أحد التوجهات الواردة ولكنه مقيد بصلاة الليل كما فى الروايات الصحيحة وأصح التوجهات الذى كان يلازمه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويرشد إليه هو اللهم باعد بيني وبين خطاياي إلى آخره وقد أوضحنا هذا في شرحنا للمنتقى بما لا يحتاج إلى زيادة عليه هنا
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل فى قوله ) إن صلاتي ( قال يعني المفروضة ) ونسكي ( يعني الحج وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير ) ونسكي ( قال ذبيحتي وأخرجا أيضا عن قتادة ) إن صلاتي ونسكي ( قال حجي وذبيحتي وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) ونسكي ( قال ذبيحتي فى الحج والعمرة وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ? ونكسي ? قال ضحيتي وفي قوله ) وأنا أول المسلمين ( قال من هذه الأمة وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عمران بن حصين قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملته وقولي إن صلاتي إلي وأنا أول المسلمين قلت يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة فأهل ذلك أنتم أم للمسلمين عامة قال لا بل للمسلمين عامة


"""""" صفحة رقم 186 """"""
سورة الأنعام الآية ( 164 165 )
الأنعام : ( 164 ) قل أغير الله . . . . .
الاستفهام في ) أغير الله أبغي ربا ( للإنكار وهو جواب على المشركين لما دعوه إلى عبادة غير الله أي كيف أبغي غير الله ربا مستقلا وأترك عبادة الله أو شريكا لله فأعبدهما معا والحال أنه رب كل شىء والذى تدعونني إلى عبادته هو من جمله من هو مربوب له مخلوق مثلي لا يقدر على نفع ولا ضر وفى هذا الكلام من التقريع والتوبيخ لهم ما لا يقادر قدره وغير منصوب بالفعل الذى بعده وربا تمييز أو مفعول ثان على جعل الفعل ناصبا لمفعولين قوله ) ولا تكسب كل نفس إلا عليها ( أى لايؤاخذ مما أتت من الذنب وارتكبت من المعصية سواها فكل كسبها للشر عليها لا يتعداها إلى غيرها وهو مثل قوله تعالى ) لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ( وقوله ) لتجزى كل نفس بما تسعى ( قوله ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( اصل الوزر الثقل ومنه قوله تعالى ) ووضعنا عنك وزرك ( وهو هنا الذنب ) وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ( قال الأخفش يقال وزر يوزر ووزر يزر وزرا ويجوز إزرا وفيه رد لما كانت عليه الجاهليه من مؤاخذة القريب بذنب قريبه والواحد من القبيله بذنب الآخر وقد قيل إن المراد بهذه الآيه في الآخره وكذلك التى قبلها لقوله تعالى ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( ومثله قول زينب بنت جحش يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث والأولى حمل الآية على ظاهرها أعني العموم وما ورد من المؤاخذة بذنب الغير كالدية التى تحملها العاقلة ونحو ذلك فيكون في حكم المخصص بهذا العموم ويقر في موضعه ولا يعارض هذه الآية قوله تعالى ) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( فإن المراد بالأثقال التى مع أثقالهم هى أثقال الذين يضلونهم كما فى الآية الأخرى ) ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ( ) ثم إلى ربكم مرجعكم ( يوم القيامة ) فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ( فى الدنيا وعند ذلك يظهر حق المحقين وباطل المبطلين
الأنعام : ( 165 ) وهو الذي جعلكم . . . . .
قوله ) وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ( خلائف جمع خليفة أي جعلكم خلفاء الأمم الماضية والقرون السالفة قال الشماخ أصيبهم وتخطئني المنايا
وأخلف فى ربوع عن ربوع
أو المراد أنه يخلف بعضهم بعضا أو أن هذا النوع الإنساني خلفاء الله فى أرضه ) ورفع بعضكم فوق بعض درجات ( فى الخلق والرزق والقوة والفضل والعلم ودرجات منصوب بنزع الخافض أي إلى درجات ) ليبلوكم في ما آتاكم ( أي ليختبركم فيما آتاكم من تلك الأمور أو ليبتلي بعضكم ببعض كقوله تعالى ) وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ( ثم خوفهم فقال ) إن ربك سريع العقاب ( فإنه وإن كان في الآخرة فكل آت قريب كما قال ) وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ( ثم رغب من يستحق الترغيب من المسلمين فقال ) وإنه لغفور رحيم ( أي كثير الغفران والرحمة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ولا تزر وازرة ( قال لا يؤاخذ أحد بذنب غيره وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ( قال أهلك القرون الأولى فاستخلفنا فيها بعدهم ) ورفع بعضكم فوق بعض درجات ( قال في الرزق


"""""" صفحة رقم 187 """"""
S
تفسير
سورة الأعراف
حول السورة
هى مكية إلا ثمان آيات وهى قوله ) واسألهم عن القرية ( إلى قوله ) وإذ نتقنا الجبل فوقهم ( وقد أخرج ابن الضريس والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال سورة الأعراف نزلت بمكة وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة قال آية من الأعراف مدنية وهى ) واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ( إلى آخر الآية وسائرها مكية وقد ثبت أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ بها فى المغرب يفرقها في الركعتين وآياتها مائتان وست آيات
يسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأعراف الآية ( 1 7 )
الأعراف : ( 1 ) المص
قوله ) المص ( قد تقدم في فاتحة سورة البقرة ما يغني عن الإعادة وهو إما مبتدأ وخبره كتاب أي ) المص ( حروف
الأعراف : ( 2 ) كتاب أنزل إليك . . . . .
) كتاب أنزل إليك ( أو هو خبر مبتدإ محذوف تقديره هذا ) المص ( أي المسمى به وأما إذا كانت هذه الفواتح مسرودة على نمط التعديد فلا محل له وكتاب خبر المبتدإ على الوجه الأول أو خبر مبتدأ محذوف على الثاني أي هو كتاب قال الكسائي أي هذا كتاب وأنزل إليك صفة له ) فلا يكن في صدرك حرج منه ( الحرج الضيق أي لا يكن في صدرك ضيق منه من إبلاغه إلى الناس مخافة أن يكذبوك ويؤذوك فإن الله حافظك وناصرك
وقيل المراد لا يضق صدرك حيث لم يؤمنوا به ولم يستجيبوا لك ) فإنما عليك البلاغ ( وقال مجاهد وقتادة الحرج هنا الشك لأن الشاك ضيق الصدر أي لا تشك في أنه منزل من عند الله وعلى هذا يكون النهي له ( صلى الله عليه وسلم ) من باب التعريض والمراد أمته أي لا يشك أحد منهم فى ذلك والضمير فى منه راجع إلى الكتاب فعلى الوجه الأول يكون على تقدير مضاف محذوف أي من إبلاغه وعلى الثاني يكون التقدير من إنزاله والضمير في ) لتنذر به ( راجع إلى الكتاب أي لتنذر الناس بالكتاب الذى أنزلناه إليك وهو متعلق بأنزل أي أنزل إليك لإنذارك للناس به أو متعلق بالنهي لأن انتفاء الشك في كونه منزلا من عند الله أو انتفاء الخوف من قومه يقويه على الإنذار ويشجعه لأن المتيقن يقدم على بصيرة ويباشر بقوة نفس قوله ) وذكرى للمؤمنين ( الذكرى التذكير قال البصريون الذكرى في محل رفع على إضمار مبتدأ وقال الكسائي هى في محل رفع عطفا على


"""""" صفحة رقم 188 """"""
كتاب ويجوز النصب على المصدر أي وذكر به ذكرى قاله البصريون ويجوز الجر حملا على موضع لتنذر أي للإنذار والذكرى وتخصيص الذكرى بالمؤمنين لأنهم الذين ينجع فيهم ذلك وفيه إشارة إلى تخصيص الإنذار بالكافرين
الأعراف : ( 3 ) اتبعوا ما أنزل . . . . .
قوله ) اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ( يعني الكتاب ومثله السنة لقوله ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( ونحوها من الآيات وهو أمر للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولأمته وقيل هو أمر للأمة بعد أمره ( صلى الله عليه وسلم ) بالتبليغ وهو منزل إليهم بواسطة إنزاله إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولا تتبعوا من دونه أولياء ( نهى للأمة عن أن يتبعوا أولياء من دون الله يعبدونهم ويجعلونهم شركاء لله فالضمير على هذا فى ) من دونه ( يرجع إلى رب ويجوز أن يرجع إلى ) ما ( فى ما أنزل إليكم أي لا تتبعوا من دون كتاب الله أولياء تقلدونهم فى دينكم كما كان يفعله أهل الجاهلية من طاعة الرؤساء فيما يحللونه لهم ويحرمونه عليهم قوله ) قليلا ما تذكرون ( انتصاب قليلا على أنه صفة لمصدر محذوف للفعل المتأخر أي تذكرا قليلا وما مزيدة للتوكيد أو هو منتصب على الحال من فاعل لا تتبعوا وما مصدرية أي لا تتبعوا من دونه أولياء قليلا تذكرهم قرئ ) تذكرون ( بالتخفيف بحذف إحدى التاءين وقرئ بالتشديد على الإدغام
الأعراف : ( 4 ) وكم من قرية . . . . .
قوله ) وكم من قرية أهلكناها ( كم هى الخبرية المفيدة للتكثير وهى في موضع رفع على الابتداء و ) أهلكناها ( الخبر ومن قرية تمييز ويجوز أن تكون فى محل نصب بإضمار فعل بعدها لا قبلها لأن لها صدر الكلام ولولا اشتغال أهلكناها بالضمير لجاز انتصاب كم به والقرية موضع اجتماع الناس أي كم من قرية من القرى الكبيرة أهلكناها نفسها بإهلاك أهلها أو أهلكنا أهلها والمراد أردنا إهلاكها قوله ) فجاءها بأسنا ( معطوف على أهلكنا بتقدير الإرادة كما مر لأن ترتيب مجيء البأس على الإهلاك لا يصح إلا بهذا التقدير إذ الإهلاك هو نفس مجيء اليأس وقال الفراء إن الفاء بمعنى الواو فلا يلزم التقدير والمعنى أهلكناها وجاءها بأسنا والواو لمطلق الجمع لا ترتيب فيها وقيل إن الإهلاك واقع لبعض أهل القرية فيكون المعنى وكم من قرية أهلكنا بعض أهلها فجاءها بأسنا فأهلكنا الجميع وقيل المعنى وكم من قرية حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا وقيل أهلكناها بإرسال ملائكة العذاب إليها فجاءها بأسنا والبأس هو العذاب وحكى عن الفراء أنه إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد قدمت أيهما شئت فيكون المعنى وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها مثل دنا فقرب وقرب فدنا ) بياتا ( أي ليلا لأنه يبات فيه يقال بات يبيت بيتا وبياتا وهو مصدر واقع موقع الحال أي بائتين قوله ) أو هم قائلون ( معطوف على بياتا أي بائتين أو قائلين وجاءت الجملة الحالية بدون واو استثقالا لاجتماع الواوين واو العطف وواو الحال هكذا قال الفراء واعترضه الزجاج فقال هذا خطأ بل لا يحتاج إلى الواو تقول جاءني زيد راكبا أو هو ماش لأن في الجملة ضميرا قد عاد إلى الأول وأو فى هذا الموضع للتفصيل لا للشك والقيلولة هى نوم نصف النهار
وقيل هى مجرد الاستراحة فى ذلك الوقت لشدة الحر من دون نوم وخص الوقتين لأنهما وقت السكون والدعة فمجيء العذاب فيهما أشد وأفظع
الأعراف : ( 5 ) فما كان دعواهم . . . . .
قوله ) فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين ( الدعوى الدعاء أي فما كان دعاؤهم ربهم عند نزول العذاب إلا اعترافهم بالظلم على أنفسهم ومثله ) وآخر دعواهم ( أي آخر دعائهم وقيل الدعوى هنا بمعنى والادعاء والمعنى ما كان ما يدعونه لدينهم وينتحلونه إلا اعترافهم ببطلانه وفساده واسم كان ) إلا أن قالوا ( وخبرها ) دعواهم ( ويجوز العكس والمعنى ما كان دعواهم إلا قولهم إنا كنا ظالمين
الأعراف : ( 6 ) فلنسألن الذين أرسل . . . . .
قوله ) فلنسألن الذين أرسل إليهم ( هذا وعيد شديد والسؤال للقوم الذين أرسل الله إليهم الرسل من الأمم السالفة للتقريع والتوبيخ واللام لام القسم أي لنسألنهم عما أجابوا به رسلهم عند دعوتهم


"""""" صفحة رقم 189 """"""
والفاء لترتيب الأحوال الأخروية على الأحوال الدنيوية ) ولنسألن المرسلين ( أي الأنبياء الذين بعثهم الله أي نسألهم عما أجاب به أممهم عليهم ومن أطاع منهم ومن عصى وقيل المعنى فلنسألن الذين أرسل إليهم يعني الأنبياء ولنسألن المرسلين يعني الملائكة ولايعارض هذا قول الله سبحانه ) ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ( لما قدمنا غير مرة أن الآخرة مواطن ففي موطن يسألون وفي موطن لا يسألون وهكذا سائر ما ورد مما ظاهره التعارض بأن أثبت تارة ونفى أخرى بالنسبة إلى يوم القيامة فإنه محمول على تعدد المواقف مع طول ذلك اليوم طولا عظيما
الأعراف : ( 7 ) فلنقصن عليهم بعلم . . . . .
) فلنقصن عليهم بعلم ( أي على الرسل والمرسل إليهم ما وقع بينهم عند الدعوة منهم لهم بعلم لا بجهل أي عالمين بما يسرون وما يعلنون ) وما كنا غائبين ( عنهم فى حال من الأحوال حتى يخفى علينا شيء مما وقع بينهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن النجار في تاريخه عن ابن عباس في قوله ) المص ( قال أنا الله أفصل وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن هذا ونحوه من فواتح السور قسم أقسم الله به وهى من أسماء الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) المص ( قال هو المصور وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي في قوله ) المص ( قال الألف من الله والميم من الرحمن والصاد من الصمد وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال معناه أنا الله الصادق ولا يخفى عليك أن هذا كله قول بالظن وتفسير بالحدس ولا حجة في شيء من ذلك والحق ما قدمنا في فاتحة سورة البقرة وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فلا يكن في صدرك حرج منه ( قال الشك وقال لأعرابي ما الحرج فيكم قال اللبس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال ضيق وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم ثم قرأ ) فما كان دعواهم ( الآية وأخرجه ابن جرير عنه مرفوعا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس ) فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ( قال نسأل الناس عما أجابوا المرسلين ونسأل المرسلين عما بلغوا فلنقصن عليهم بعلم قال بوضع الكتاب يوم القيامة فنتكلم بما كانوا يعملون وأخرج عبد بن حميد عن فرقد فى الآية قال أحدهما الأنبياء وأحدهما الملائكة وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد فى الآية قال نسأل الناس عن قول لا إله إلا الله ونسأل جبريل
سورة الأعراف الآية ( 8 13 )


"""""" صفحة رقم 190 """"""
سورة الأعراف الآية ( 14 18 )
الأعراف : ( 8 ) والوزن يومئذ الحق . . . . .
قوله ) والوزن يومئذ الحق ( الوزن مبتدأ وخبره الحق أي الوزن في هذا اليوم العدل الذى لا جور فيه أو الخبر يومئذ والحق وصف للمبتدأ أي الوزن العدل كائن في هذا اليوم وقيل إن الحق خبر مبتدأ محذوف
واختلف أهل العلم في كيفية هذا الوزن الكائن في هذا اليوم فقيل المراد به وزن صحائف أعمال العباد بالميزان وزنا حقيقيا وهذا هو الصحيح وهو الذى قامت عليه الأدلة وقيل توزن نفس الأعمال وإن كانت أعراضا فإن الله يقلبها يوم القيامة أجساما كما جاء في الخبر الصحيح إن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف وكذلك ثبت في الصحيح أنه يأتي القرآن فى صورة شاب شاحب اللون ونحو ذلك وقيل الميزان الكتاب الذى فيه أعمال الخلق وقيل الوزن والميزان بمعنى العدل والقضاء وذكرهما من باب ضرب المثل كما تقول هذا الكلام فى وزن هذا قال الزجاج هذا سائغ من جهة اللسان والأولى أن نتبع ما جاء فى الأسانيد الصحاح من ذكر الميزان قال القشيري وقد أحسن الزجاج فيما قال إذ لو حمل الصراط على الدين الحق والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد والشياطين والجن على الأخلاق المذمومة والملائكة على القوى المحمودة ثم قال وقد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر وصارت هذه الظواهر نصوصا انتهى والحق هو القول الأول
وأما المستبعدون لحمل هذه الظواهر على حقائقها فما يأتون فى استبعادهم بشيء من الشرع يرجع إليه بل غاية ما تشبثوا به مجرد الاستبعادات العقلية وليس في ذلك حجة على أحد فهذا إذا لم تقبله عقولهم فقد قبلته عقول قوم هى أقوى من عقولهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم حتى جاءت البدع كالليل المظلم وقال كل ما شاء وتركوا الشرع خلف ظهورهم وليتهم جاءوا بأحكام عقلية يتفق العقلاء عليها ويتحد قبولهم لها بل كل فريق يدعى على العقل ما يطابق هواه ويوافق ما يذهب إليه هو أو من هو تابع له فتتناقض عقولهم على حسب ما تناقضت مذاهبهم يعرف هذا كل منصف ومن أنكره فليصف فهمه وعقله عن شوائب التعصب والتمذهب فإنه إن فعل ذلك أسفر الصبح لعينيه
وقد ورد ذكر الوزن والموازين في مواضع من القرآن كقوله ) ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ( وقوله ) فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ( وقوله ) فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ( وقوله ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( وقوله ) فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ( والفاء


"""""" صفحة رقم 191 """"""
في ) فمن ثقلت موازينه ( للتفصيل والموازين جمع ميزان وأصله موزان قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها وثقل الموازين هذا يكون بثقل ما وضع فيها من صحائف الأعمال وقيل إن الموازين جمع موزون أي فمن رجحت أعماله الموزونة والأول أولى وظاهر جمع الموازين المضافة إلى العامل أن لكل واحد من العاملين موازين يوزن بكل واحد منها صنف من أعماله وقيل هو ميزان واحد عبر عنه بلفظ الجمع كما يقال خرج فلان إلى مكة على البغال والإشارة بقوله ) فأولئك ( إلى من والجمع باعتبار معناه كما رجع إليه ضمير ) موازينه ( باعتبار لفظه وهو مبتدأ خبره ) هم المفلحون )
الأعراف : ( 9 ) ومن خفت موازينه . . . . .
والكلام فى قوله ) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ( مثله والباء فى ) بما كانوا بآياتنا يظلمون ( سببية وما مصدرية ومعنى ) يظلمون ( يكذبون
الأعراف : ( 10 ) ولقد مكناكم في . . . . .
قوله ) ولقد مكناكم في الأرض ( أي جعلنا لكم فيها مكانا وهيأنا لكم فيها أسباب المعايش والمعايش جمع معيشة أي ما يتعايش به من المطعوم والمشروب وما تكون به الحياة يقال عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشا قال الزجاج المعيشة ما يتوصلون به إلى العيش والمعيشة عند الأخفش وكثير من النحويين مفعلة وقرأ الأعرج معائش بالهمزة وكذا روى خارجة بن مصعب عن نافع قال النحاس والهمز لحن لا يجوز لأن الواحدة معيشة والياء أصلية كمدينة ومداين وصحيفة وصحايف قوله ) قليلا ما تشكرون ( الكلام فيه كالكلام فيما تقدم قريبا من قوله تعالى ) قليلا ما تذكرون (
الأعراف : ( 11 ) ولقد خلقناكم ثم . . . . .
قوله ) ولقد خلقناكم ثم صورناكم ( هذا ذكر نعمة أخرى من نعم الله على عبيده والمعنى خلقناكم نطفا ثم صورناكم بعد ذلك وقيل المعنى خلقنا آدم من تراب ثم صورناكم في ظهره وقيل ) ولقد خلقناكم ( يعني آدم ذكر بلفظ الجمع لأنه أبو البشر ) ثم صورناكم ( راجع إليه ويدل عليه ) ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ( فإن ترتيب هذا القول على الخلق والتصوير يفيد أن المخلوق المصور آدم عليه السلام وقال الأخفش إن ثم في ) ثم صورناكم ( بمعنى الواو وقيل المعنى خلقناكم من ظهر آدم ثم صورناكم حين أخذنا عليكم الميثاق قال النحاس وهذا أحسن الأقوال وقيل المعنى ولقد خلقنا الأرواح أولا ثم صورنا الأشباح ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم أي أمرناهم بذلك فامتثلوا الأمر وفعلوا السجود بعد الأمر ) إلا إبليس ( قيل الاستثناء متصل بتغليب الملائكة على إبليس لأنه كان منفردا بينهم أو كما قيل لأن من الملائكة جنسا يقال لهم الجن وقيل غير ذلك وقد تقدم تحقيقه في البقرة قوله ) لم يكن من الساجدين ( جملة مبينة لما فهم من معنى الاستثناء ومن جعل الاستثناء منقطعا قال معناه لكن إبليس لم يكن من الساجدين
الأعراف : ( 12 ) قال ما منعك . . . . .
وجملة ) قال ما منعك ألا تسجد ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال له الله و ) لا ( فى ) ألا تسجد ( زائدة للتوكيد بدليل قوله تعالى في سورة ص ) ما منعك أن تسجد ( وقيل إن منع بمعنى قال والتقدير من قال لك أن لا تسجد وقيل منع بمعنى دعا أي ما دعاك إلى أن لا تسجد وقيل فى الكلام حذف والتقدير ما منعك من الطاعة وأحوجك إلى أن لا تسجد ) إذ أمرتك ( أي وقت أمرتك وقد استدل به على أن الأمر للفور والبحث مقرر فى علم الأصول والاستفهام فى ) ما منعك ( للتقريع والتوبيخ وإلا فهو سبحانه عالم بذلك وجملة ) قال أنا خير منه ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فما قال إبليس وإنما قال في الجواب أنا خير منه ولم يقل منعني كذا لأن في هذه الجملة التى جاء بها مستأنفة ما يدل على المانع وهو اعتقاده أنه أفضل منه والفاضل لا يفعل مثل ذلك للمفضول مع ما تفيده هذه الجملة من إنكار أن يؤمر مثله بالسجود لمثله ثم علل ما ادعاه من الخيرية بقوله ) خلقتني من نار وخلقته من طين ( اعتقادا منه أن عنصر النار أفضل من عنصر الطين وقد أخطأ عدو الله فإن عنصر الطين أفضل من عنصر النار من جهة رزانته وسكونه وطول بقائه وهى حقيقة مضطربة سريعة النفاد ومع هذا فهو موجود فى الجنة دونها وهى عذاب دونه وهى مجتاجة إليه لتتحيز فيه وهو مسجد وطهور ولولا سبق شقاوته وصدق


"""""" صفحة رقم 192 """"""
كلمة الله عليه لكان له بالملائكة المطيعين لهذا الأمر أسوة وقدوة فعنصرهم النوري أشرف من عنصره الناري
الأعراف : ( 13 ) قال فاهبط منها . . . . .
وجملة ) قال فاهبط ( استئنافية كالتى قبلها والفاء لترتيب الأمر بالهبوط على مخالفته للأمر أي اهبط من السماء التى هى محل المطيعين من الملائكة الذين لا يعصون الله فيما أمرهم إلى الأرض التى هى مقر من يعصي ويطيع فإن السماء لا تصلح لمن يتكبر ويعصي أمر ربه مثلك ولهذا وقال ) فما يكون لك أن تتكبر فيها ( ومن التفاسير الباطلة ما قيل إن معنى ) فاهبط منها ( أي اخرج من صورتك النارية التى افتخرت بها صورة مظلمة مشوهة وقيل المراد هبوطه من الجنة وقيل من زمرة الملائكة وجملة ) فأخرج ( لتأكيد الأمر بالهبوط وجملة ) إنك من الصاغرين ( تعليل للأمر أي إنك من أهل الصغار والهوان على الله وعلى صالحى عباده وهكذا كل من تردى برداء الاستكبار عوقب بلبس رداء الهوان والصغار ومن لبس رداء التواضع ألبسه الله رداء الترفع
الأعراف : ( 14 ) قال أنظرني إلى . . . . .
وجملة ) قال أنظرني إلى يوم يبعثون ( استئنافية كما تقدم فى الجمل السابقة أي أمهلني إلى يوم البعث وكأنه طلب أن لا يموت لأن يوم البعث لا موت بعده والضمير فى ) يبعثون ( لآدم وذريته
الأعراف : ( 15 ) قال إنك من . . . . .
فأجابه الله بقوله ) إنك من المنظرين ( أي الممهلين إلى ذلك اليوم ثم تعاقب بما قضاه الله لك وأنزله بك فى دركات النار قيل الحكمة فى إنظاره ابتلاء العباد ليعرف من يطيعه ممن يعصيه
الأعراف : ( 16 ) قال فبما أغويتني . . . . .
وجملة ) قال فبما أغويتني ( مستأنفة كالجمل السابقة واردة جوابا لسؤال مقدر والباء فى ) فبما ( للسببية والفاء لترتيب الجملة على ما قبلها وقيل الباء للقسم كقوله ) فبعزتك لأغوينهم أجمعين ( أي فبإغوائك إياي ) لأقعدن لهم صراطك المستقيم ( والإغواء الإيقاع في الغي وقيل الباء بمعنى اللام وقيل بمعنى مع والمعنى فمع إغوائك إياي وقيل ) ما ( فى ) فبما أغويتني ( للاستفهام والمعنى فبأي شيء أغويتني والأول أولى ومراده بهذا الإغواء الذى جعله سببا لما سيفعله مع العباد هو ترك السجود منه وأن ذلك كان بإغواء الله له حتى اختار الضلالة على الهدى وقيل أراد به اللعنة التى لعنه الله أي فبما لعنتني فأهلكتني لأقعدن لهم ومنه ) فسوف يلقون غيا ( أي هلاكا وقال ابن الأعرابي يقال غوى الرجل يغوي غيا إذا فسد عليه أمره أو فسد هو في نفسه ومنه ) وعصى آدم ربه فغوى ( أي فسد عيشه فى الجنة ) لأقعدن لهم ( أي لأجهدن فى إغوائهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسبب تركي السجود لأبيهم والصراط المستقيم هو الطريق الموصل إلى الجنة
وانتصابه على الظرفية أي في صراطك المستقيم كما حكى سيبويه ضرب زيد الظهر والبطن واللام في ) لأقعدن ( لام القسم والباء في ) بما أغويتني ( متعلقة بفعل القسم المحذوف أي فبما أغويتني أقسم لأقعدن
الأعراف : ( 17 ) ثم لآتينهم من . . . . .
قوله ) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ( ذكر الجهات الأربع لأنها هى التى يأتي منها العدو عدوه ولهذا ترك ذكر جهة الفوق والتحت وعدى الفعل إلى الجهتين الأوليين بمن وإلى الآخريين بعن لأن الغالب فيمن يأتي من قدام وخلف أن يكون متوجها إلى ما يأتيه بكلية بدنه والغالب فيمن يأتي من جهة اليمين والشمال أن يكون منحرفا فناسب في الأوليين التعدية بحرف الابتداء وفى الأخريين التعدية بحرف المجاوزة وهو تمثيل لوسوسته وتسويله بمن يأتي حقيقة وقيل المراد ) من بين أيديهم ( من دنياهم ) ومن خلفهم ( من آخرتهم ) وعن أيمانهم ( من جهة حسناتهم ) وعن شمائلهم ( من جهة سيئاتهم واستحسنه النحاس قوله ) ولا تجد أكثرهم شاكرين ( أي وعند أن أفعل ذلك لا تجد أكثرهم شاكرين لتأثير وسوستي فيهم وإغوائي لهم وهذا قاله على الظن ومنه قوله تعالى ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ( وقيل إنه سمع ذلك من الملائكة فقاله وعبر بالشكر عن الطاعة أو هو على حقيقته وأنهم لم يشكروا الله بسبب الإغواء
الأعراف : ( 18 ) قال اخرج منها . . . . .
وجملة ) قال اخرج منها ( استئناف كالجمل التى قبلها أي من السماء أو الجنة أو من بين الملائكة كما تقدم ) مذؤوما ( أي مذموما من ذأمه إذا زمه يقال ذأمته وذممته


"""""" صفحة رقم 193 """"""
بمعنى وقرأ الأعمش ) مذموما ( وقرأ الزهري ? مذوما ? بغير همزة وقيل المذءوم المنفي والمدحور المطرود قوله ) لمن تبعك منهم ( قرأ الجمهور بفتح اللام على أنها لام القسم وجوابه ) لأملأن جهنم منكم أجمعين ( وقيل اللام فى ) لمن تبعك ( للتوكيد وفى ) لأملأن ( لام القسم والأول أولى وجواب القسم سد مسد جواب الشرط لأن من شرطية وفي هذا الجواب من التهديد ما لا يقادر قدره وقرأ عاصم في رواية عنه ) لمن تبعك ( بكسر اللام وأنكره بعض النحويين قال النحاس وتقديره والله أعلم من أجل من اتبعك كما يقال أكرمت فلانا لك وقيل هو علة لا خرج وضمير ) منكم ( له ولمن اتبعه وغلب ضمير الخطاب على ضمير الغيبة والأصل منك ومنهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) والوزن يومئذ الحق ( قال العدل ) فمن ثقلت موازينه ( قال حسناته ) ومن خفت موازينه ( قال حسناته وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي توزن الأعمال وقد ورد فى كيفية الميزان والوزن والموزون أحاديث كثيرة وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيقول أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول لا يارب فيقول أفلك عذر أو حسنة فيهاب الرجل فيقول لا يارب فيقول بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة وقد صححه أيضا الترمذي وإسناد أحمد حسن وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله ) ولقد خلقناكم ثم صورناكم ( قال خلقوا فى أصلاب الرجال وصوروا فى أرحام النساء وأخرج الفريابي عنه أنه قال خلقوا فى ظهر آدم ثم صوروا في الأرحام وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا قال أما خلقناكم فآدم وأما ثم صورناكم فذريته وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال خلق إبليس من نار العزة وقد ثبت فى الصحيح من حديث عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار وخلق آدم مما وصفه لكم وأخرج ابن جرير عن الحسن قال أول من قاس إبليس في قوله ) خلقتني من نار وخلقته من طين ( وإسناده صحيح إلى الحسن وأخرج أبو نعيم فى الحلية والديلمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس قال الله له اسجد لآدم فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال جعفر فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله يوم القيامة بإبليس لأنه اتبعه بالقياس وينبغى أن ينظر في إسناده هذا الحديث فما أظنه يصح رفعه وهو لا يشبه كلام النبوة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ) فبما أغويتني ( أضللتي وأخرج عبد بن حميد عنه في قوله ) لأقعدن لهم صراطك المستقيم ( قال طريق مكة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن مسعود مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) ثم لآتينهم من بين أيديهم ( قال أشككهم في آخرتهم ) ومن خلفهم ( قال أرغبهم فى دنياهم ) وعن أيمانهم ( أشبه عليهم أمر دينهم ) وعن شمائلهم ( قال أسن لهم المعاصي وأحق عليهم الباطل ) ولا تجد أكثرهم شاكرين ( قال موحدين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) ثم لآتينهم من بين أيديهم ( يقول من حيث يبصرون ) ومن خلفهم ( من حيث لا يبصرون ) وعن أيمانهم ( من حيث يبصرون


"""""" صفحة رقم 194 """"""
) وعن شمائلهم ( من حيث لا يبصرون وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه أيضا في الآية قال لم يستطع أن يقول من فوقهم وفي لفظ علم أن الرحمة تنزل من فوقهم وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) مذؤوما ( قال ملوما مدحورا قال مقيتا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) مذؤوما ( قال منفيا ) مدحورا ( قال مطرودا
سورة الأعراف الآية ( 19 25 )
الأعراف : ( 19 ) ويا آدم اسكن . . . . .
قوله ) ويا آدم ( هو على تقدير القول أي وقلنا يا آدم قال له هذا القول بعد إخراج إبليس من الجنة أو من السماء أو من بين الملائكة كما تقدم وقد تقدم معنى الإسكان ومعنى ) ولا تقربا هذه الشجرة ( في البقرة
ومعنى ) من حيث شئتما ( من أي نوع من أنواع الجنة شئتما أكله ومثله ما تقدم من قوله تعالى ) وكلا منها رغدا حيث شئتما ( وحذف النون من ) فتكونا ( لكونه معطوفا على المجزوم أو منصوبا على أنه جواب النهي
الأعراف : ( 20 ) فوسوس لهما الشيطان . . . . .
قوله ) فوسوس لهما الشيطان ( الوسوسة الصوت الخفي والوسوسة حديث النفس يقال وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا بكسر الواو والوسوسة بالفتح الاسم مثل الزلزلة والزلزال ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلى وسواس قال الأعشى تسمع للحلى وسواسا إذا انصرفت
والوسواس اسم الشيطان ومعنى وسوس له وسوس إليه أو فعل الوسوسة لأجله قوله ) ليبدي لهما ( أي ليظر لها واللام للعاقبة كما فى قوله ) ليكون لهم عدوا وحزنا ( وقيل هى لام كي أي فعل ذلك ليتعقبه الإيذاء أو لكي يقع الإيذاء قوله ) ما ووري ( أي ما ستر وغطى ) عنهما من سوآتهما ( سمى الفرج سوءة لأن ظهوره يسوء صاحبه أراد الشيطان أن يسوءهما بظهور ما كان مستورا عنهما من عوراتهما فإنهما كانا لا يريان عورة أنفسهما ولا يراها أحدهما من الآخر وإنما لم تقلب الواو في ) ووري ( همزة لأن الثانية مدة قيل إنما بدت عورتهما لهما لا لغيرهما وكان عليهما نور يمنع من رؤيتها ) وقال ( أي الشيطان لهما ) ما نهاكما ربكما عن ( أكل هذ الشجرة ) إلا أن تكونا ملكين ( أن في


"""""" صفحة رقم 195 """"""
موضع نصب وفي الكلام مضاف محذوف تقديره ولا كراهة أن تكونا ملكين هكذا قال البصريون وقال الكوفيون التقدير لئلا تكونا ملكين ) أو تكونا من الخالدين ( في الجنة أو من الذين لا يموتون قال النحاس فضل الله الملائكة على جميع الخلق في غير موضع في القرآن فمنها هذا ومنها ) ولا أقول إني ملك ( ومنها ) ولا الملائكة المقربون ( قال ابن فورك لا حجة في هذ الآية لأنه يحتمل أن يريد ملكين في أن لا يكون لهما شهوة في الطعام
وقد اختلف الناس في هذه المسألة اختلافا كثيرا وأطالوا الكلام في غير طائل وليست هذه المسألة مما كلفنا الله بعلمه فالكلام فيها لا يعنينا وقرأ ابن عباس ويحيى بن أبي كثير والضحاك ) ملكين ( بكسر اللام وأنكر أبو عمرو بن العلاء هذه القراءة وقال لم يكن قبل آدم ملك فيصيرا ملكين وقد احتج من قرأ بالكسر بقوله تعالى ) هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ( قال أبو عبيد هذه حجة بينة لقراءة الكسر ولكن الناس على تركها فلهذا تركناها قال النحاس هى قراءة شاذة وأنكر على أبي عبيد هذا الكلام وجعله من الخطأ الفاحش قال وهل يجوز أن يتوهم على آدم عليه السلام أن يصل إلى أكثر من ملك الجنة وهى غاية الطالبين وإنما معنى ) وملك لا يبلى ( المقام فى ملك الجنة والخلود فيه
الأعراف : ( 21 ) وقاسمهما إني لكما . . . . .
قوله ) وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ( أي حلف لهما فقال أقسم قساما أي حلف ومنه قول الشاعر وقاسمهما بالله جهدا لأنتما
ألذ من السلوى ما إذا نشورها
وصيغة المفاعلة وإن كانت في الأصل تدل على المشاركة فقد جاءت كثيرا لغير ذلك وقد قدمنا تحقيق هذا في المائدة والمراد بها هنا المبالغة في صدور الأقسام لهما من إبليس وقيل إنهما أقسما له بالقبول كما أقسم لهما على المناصحة
الأعراف : ( 22 ) فدلاهما بغرور فلما . . . . .
قوله ) فدلاهما بغرور ( التدلية والإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى اسفل يقال أدلي دلوه أرسلها والمعنى أنه أهبطهما بذلك من الرتبة العلية إلى الأكل من الشجرة وقيل معناه أوقعهما في الهلاك وقيل خدعهما وأنشد نفطويه إن الكريم إذا تشاء خدعته
وترى اللثيم مجربا لا يخدع
وقيل معنى ? دلاهما ? دللهما من الدالة وهى الجرأة أي جرأهما على المعصية فخرجا من الجنة قوله ) فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما ( أي لما طعماها ظهرت لهما عوراتهما بسبب زوال ما كان ساترا لها وهو تقلص النور الذى كان عليها وقد تقدم فى البقرة قوله ) وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ( طفق يفعل كذا بمعنى شرع بفعل كذا وحكى الأخفش طفق يطفق مثل ضرب يضرب أي شرعا أو جعلا يخصفان عليهما قرأ الحسن ) يخصفان ( بكسر الخاء وتشديد الصاد والأصل يختصفان فأدغم وكسرت الخاء لالتقاء الساكنين وقرأ ابن بريدة ويعقوب بفتح الخاء وقرأ الزهري ) يخصفان ( من أخصف وقرأ الجمهور ) يخصفان ( من خصف
والمعنى أنهما أخذا يقطعان الورق ويلزقانه بعورتهما ليستراها من خصف النعل إذا جعله طبقة فوق طبقة ) وناداهما ربهما ( قائلا لهما ) ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ( التى نهيتكما عن أكلها وهذا عتاب من الله لهما وتوبيخ حيث لم يحذرا ما حذرهما منه ) وأقل لكما ( معطوف على ) أنهكما ( ) إن الشيطان لكما عدو مبين ( أي مظهر للعداوة
الأعراف : ( 23 ) قالا ربنا ظلمنا . . . . .
قوله ) قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ( جملة استئنافية مبنية على تقدير سؤال كأنه قيل فماذا قالا وهذا منهما اعتراف بالذنب وأنهما ظلما أنفسهما مما وقع منهما من المخالفة ثم قالا ) وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )
الأعراف : ( 24 ) قال اهبطوا بعضكم . . . . .
وجملة ) قال اهبطوا ( استئناف كالتى قبلها والخطاب لآدم وحواء وذريتهما أو لهما ولإبليس وجملة ) بعضكم لبعض عدو (


"""""" صفحة رقم 196 """"""
في محل نصب على الحال ) ولكم في الأرض مستقر ( أي موضع استقرار ) ولكم ( متاع تتمتعون به فى الدنيا وتنتفعون به من المطعم والمشرب ونحوهما ) إلى حين ( أي إلى وقت وهو وقت موتكم
الأعراف : ( 25 ) قال فيها تحيون . . . . .
وجملة ) قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ( استئنافية كالتى قبلها أي في الأرض تحيون وفيها يأتيكم الموت ومنها تخرجون إلى دار الآخرة ومثله قوله تعالى ) منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ( واعلم أنه قد سبق شرح هذه القصة مستوفى في البقرة فارجع إليه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن وهب ابن منبه في قوله ) ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ( قال كان على كل واحد منهما نور لا يبصر كل واحد منهما سوءة صاحبه فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أتاهما إبليس فقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكون ملكين مثله يعني مثل الله عز وجل فلم يصدقاه حتى دخل في جوف الحية فكلمهما وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في الآية ) إلا أن تكونا ملكين ( فإن أخطأكما أن تكونا ملكين لم يخطئكما أن تكونا خالدين فلا تموتان فيها أبدا ) وقاسمهما ( قال حلف لهما ) إني لكما لمن الناصحين ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب في قوله ) فدلاهما بغرور ( قال مناهم بغرور وأخرج ابن المنذر وابن أبي شيبة عن عكرمة قال لباس كل دابة منها ولباس الإنسان الظفر فأدركت آدم التوبة عند ظفره وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس قال كان لباس آدم وحواء كالظفر فلما أكلا من الشجرة لم يبق عليهما إلا مثل الظفر ) وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ( قال ينزعان ورق التين فيجعلانه على سوآتهم وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال لما أسكن الله آدم الجنة كساه سربالا من الظفر فلما أصاب الخطيئة سلبه السربال فبقى في أطراف أصابعه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه نحوه من طريق أخرى وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال كان لباس آدم في الجنة الياقوت فلما عصى قلص فصار الظفر وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وطفقا يخصفان ( قال يرقعان كهيئة الثوب وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي ) وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ( قال آدم رب إنه حلف لي بك ولم أكن أعلم أن أحدا من خلقك يحلف بك إلا صادقا وأخرج عبد بن حميد عن الحسن ) قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ( الآية قال هى الكلمات التى تلقى آدم من ربه وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك مثله
سورة الأعراف الآية ( 26 27 )


"""""" صفحة رقم 197 """"""
الأعراف : ( 26 ) يا بني آدم . . . . .
عبر سبحانه بالإنزال عن الخلق أي خلقنا لكم لباسا يواري سوآتكم التى أظهرها إبليس من أبويكم والسوءة العورة كما سلف والكلام في قدرها وما يجب ستره منها مبين في كتب الفروع قوله ) وريشا ( قرأ الحسن وعاصم من رواية المفضل الضبي وأبو عمرو من رواية الحسن بن علي الجعفي ورياشا وقرأ الباقون ) وريشا ( والرياش جمع ريش وهو اللباس قال الفراء ريش ورياش كما يقال لبس ولباس وريش الطائر ما ستره الله به
وقيل المراد بالريش هنا الخصب ورفاهية العيش قال القرطبي والذى عليه أكثر أهل اللغة أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة وهبت له دابة وريشها أي وما عليها من اللباس وقيل المراد بالريش هنا لباس الزينة لذكره بعد قوله ) قد أنزلنا عليكم لباسا ( وعطفه عليه قوله ) ولباس التقوى ( قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي بنصب لباس وقرأ الباقون بالرفع فالنصب على أنه معطوف على لباس الأول والرفع على أنه مبتدأ وجملة ) ذلك خير ( خبره والمراد بلباس التقوى لباس الورع واتقاء معاصى الله وهو الورع نفسه والخشية من الله فذلك خير لباس وأجمل زينة وقيل لباس التقوى الحياء وقيل العمل الصالح وقيل هو لباس الصوف والخشن من الثياب لما فيه من التواضع لله وقيل هو الدرع والمغفر الذي يلبسه من يجاهد فى سبيل الله والأول أولى وهو يصدق على كل ما فيه تقوى لله فيندرج تحته جميع ما ذكر من الأقوال ومثل هذه الاستعارة كثيرة الوقوع فى كلام العرب ومنه إذ المرء لم يلبس ثيابا من التقى
تقلب عريانا وإن كان كاسيا
ومثله تغط بأثواب السخاء فإنني
أرى كل عيب والسخاء غطاؤه
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى لباس التقوى أي هو خير لباس وقرأ الأعمش ) ولباس التقوى ذلك خير ( والإشارة بقوله ) ذلك من آيات الله ( إلى الإنزال المدلول عليه بأنزلنا أي ذلك الإنزال من آيات الله الدالة على أن له خالقا
الأعراف : ( 27 ) يا بني آدم . . . . .
ثم كرر الله سبحانه النداء لبني آدم تحذيرا لهم من الشيطان فقال ) يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان ( أي لا يوقعنكم في الفتنة فالنهي وإن كان للشيطان فهو في الحقيقة لبني آدم بأن لا يفتتنوا بفتنته ويتأثروا لذلك والكاف في ) كما أخرج ( نعت مصدر محذوف أي لا يفتننكم فتنة مثل إخراج أبويكم من الجنة وجملة ) ينزع عنهما لباسهما ( في محل نصب على الحال وقد تقدم تفسيره واللام فى ) ليريهما سوآتهما ( لام كي أي لكي يريهما وقد تقدم تفسيره أيضا قوله ) إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ( هذه الجملة تعليل لما قبلها مع ما تتضمنه من المبالغة في تحذيرهم منه لأن من كان بهذه المثابة يرى بني آدم من حيث لا يرونه كان عظيم الكيد وكان حقيقا بأن يحترس منه أبلغ احتراس ) وقبيله ( أعوانه من الشياطين وجنوده
وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على أن رؤية الشياطين غير ممكنة وليس في الآية ما يدل على ذلك وغاية ما فيها أنه يرانا من حيث لا نراه وليس فيها أنا لا نراه أبدا فإن انتفاء الرؤية منا له في وقت رؤيته لنا لا يستلزم انتفاءها مطلقا ثم أخبر الله سبحانه بأنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون من عباده وهم الكفار
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم ( قال كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة وفى قوله ) وريشا ( قال المال وأخرج ابن جرير عن عروة بن الزبير في قوله ) لباسا يواري سوآتكم ( قال الثياب ) وريشا ( قال المال ) ولباس التقوى ( قال خشية الله وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن علي في قوله ) لباسا يواري سوآتكم (


"""""" صفحة رقم 198 """"""
قال لباس العامة ) وريشا ( قال لباس الزينة ) ولباس التقوى ( قال الإسلام وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله ) وريشا ( قال المال واللباس والعيش والنعيم وفى قوله ) ولباس التقوى ( قال الإيمان والعمل الصالح ) ذلك خير ( قال الإيمان والعمل خير من الريش واللباس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ورياشا يقول المال وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ينزع عنهما لباسهما ( قال التقوى وفى قول ) إنه يراكم هو وقبيله ( قال الجن والشياطين
سورة الأعراف الآية ( 28 30 )
الأعراف : ( 28 ) وإذا فعلوا فاحشة . . . . .
الفاحشة ما تبالغ في فحشه وقبحه من الذنوب قال أكثر المفسرين هى طواف المشركين بالبيت عراة وقيل هى الشرك والظاهر أنها تصدق على ما هو أعم من الأمرين جميعا والمعنى أنهم إذا فعلوا ذنبا قبيحا متباليا في القبح اعتذروا عن ذلك بعذرين الأول أنهم فعلوا ذلك اقتداء بآبائهم لما وجدوهم مستمرين على فعل تلك الفاحشة والثاني أنهم مأمورون بذلك من جهة الله سبحانه وكلا العذرين في غاية البطلان والفساد لأن وجود آبائهم على القبح لا يسوغ لهم فعله والأمر من الله سبحانه لهم لم يكن بالفحشاء بل أمرهم باتباع الأنبياء والعمل بالكتب المنزلة ونهاهم عن مخالفتهما ومما نهاهم عنه فعل الفواحش ولهذا رد الله سبحانه عليهم بأن أمر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم ) إن الله لا يأمر بالفحشاء ( فكيف تدعون ذلك عليه سبحانه أنكر عليهم ما أضافوه إليه فقال ) أتقولون على الله ما لا تعلمون ( وهو من تمام أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يقوله لهم وفيه من التقريع والتوبيخ أمر عظيم فإن القول بالجهل إذا كان قبيحا في كل شيء فكيف إن كان في التقول على الله وإن في هذه الآية الشريفة لأعظم زاجر وأبلغ واعظ للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق فإنهم القائلون ) إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ( والقائلون ) وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ( والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب مع اعتقاده بأنه الذى أمر الله به وأنه الحق لم يبق عليه وهذه الخصلة هى التى بنى بها اليهودي على اليهودية والنصراني على النصرانية والمبتدع على بدعته فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية والنصرانية أو البدعية وأحسنوا الظن بهم بأن ما هم عليه هو الحق الذى أمر الله به ولا ينظروا لأنفسهم ولا طلبوا الحق كما يجب وبحثوا عن دين الله كما ينبغى وهذا هو التقليد البحت والقصور الخالص فيا من نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية أنا لك النذير المبالغ في التحذير من أن تقول هذه


"""""" صفحة رقم 199 """"""
المقالة وتستمر على الضلالة فقد اختلط الشر بالخير والصحيح بالسقيم وفاسد الرأي بصحيح الرواية ولم يبعث الله إلى هذه الأمة إلا نبيا واحدا أمرهم باتباعه ونهى عن مخالفته فقال ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( ولو كان محض رأي أئمة المذاهب وأتباعهم حجة على العباد لكان لهذه الأمة رسل كثيرون متعددون بعدد أهل الرأي المكلفين للناس بما لم يكلفهم الله به وإن من أعجب الغفلة وأعظم الذهول عن الحق اختيار المقلدة لآراء الرجال مع وجود كتاب الله ووجود سنة رسوله ووجود من يأخذونهما عنه ووجود آلة الفهم لديهم وملكة العقل عندهم
الأعراف : ( 29 ) قل أمر ربي . . . . .
قوله ) قل أمر ربي بالقسط ( القسط العدل وفيه أن الله سبحانه يأمر بالعدل لا كما زعموه من أن الله أمرهم بالفحشاء وقيل القسط هنا هو لا إله إلا الله وفى الكلام حذف أي قل أمر ربي بالقسط فأطيعوه
قوله ) وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ( معطوف على المحذوف المقدر أي توجهوا إليه فى صلاتكم إلى القبلة فى أي مسجد كنتم أو فى كل وقت سجود أو فى كل مكان سجود على أن المراد بالسجود الصلاة ) وادعوه مخلصين له الدين ( أي ادعوه أو اعبدوه حال كونكم مخلصين الدعاء أو العبادة له وقيل وحدوه ولا تشركوا به
قوله ) كما بدأكم تعودون ( الكاف نعت مصدر محذوف وقال الزجاج هو متعلق بما قبله والمعنى كما أنشأكم في ابتداء الخلق يعيدكم فيكون المقصود الاحتجاج على منكري البعث فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته وقيل كما أخرجكم من بطون أمهاتكم تعودون إليه كذلك ليس معكم شيء فيكون مثل قوله تعالى ) ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ( وقيل كما بدأكم من تراب تعودون إلى التراب
الأعراف : ( 30 ) فريقا هدى وفريقا . . . . .
) فريقا هدى ( منتصب بفعل يفسره ما بعده وقيل منتصب على الحال من المضمر في تعودون أي تعودون فريقين سعداء وأشقياء ويقويه قراءة أبي ? فريقين فريقا هدى ? والفريق الذى هداه الله هم المؤمنون بالله المتبعون لأنبيائه والفريق الذى حقت عليه الضلالة هم الكفار قوله ) إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ( تعليل لقوله ) وفريقا حق عليهم الضلالة ( أي ذلك بسبب أنهم أطاعوا الشياطين فى معصية الله ومع هذا فإنهم ) يحسبون أنهم يحسنون ( ولم يعترفوا على أنفسهم بالضلالة وهذا أشد في تمردهم وعنادهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( قال كانوا يطوفون بالبيت عراة فنهوا عن ذلك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب نحوه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال والله ما أكرم الله عبدا قط على معصيته ولا رضيها له ولا أمر بها ولكن رضى لكم بطاعته ونهاكم عن معصيته وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) أمر ربي بالقسط ( قال بالعدل ) وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ( قال إلى الكعبة حيث صليتم في كنيسة أو غيرها ) كما بدأكم تعودون ( قال شقي وسعيد وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) كما بدأكم تعودون ( الآية قال إن الله بدأ خلق بني آدم مؤمنا وكافرا كما قال ) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ( ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا وأخرج ابن جرير عن جابر في الآية قال يبعثون على ما كانوا عليه المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه أنه ذكر القدرية فقال قاتلهم الله أليس قد قال الله تعالى ) كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ( وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية يقول كما خلقناكم أول مرة كذلك تعودون


"""""" صفحة رقم 200 """"""
سورة الأعراف الآية ( 31 33 )
الأعراف : ( 31 ) يا بني آدم . . . . .
هذا خطاب لجميع بني آدم وإن كان واردا على سبب خاص فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والزينة ما يتزين به الناس من الملبوس أمروا بالتزين عند الحضور إلى المساجد للصلاة والطواف وقد استدل بالآية على وجوب ستر العورة في الصلاة وإليه ذهب جمهور أهل العلم بل سترها واجب في كل حال من الأحوال وإن كان الرجل خاليا كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة والكلام على العورة وما يجب ستره منها مفصل في كتب الفروع قوله ) وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ( أمر الله سبحانه عباده بالأكل والشرب ونهاهم عن الإسراف فلا زهد في ترك مطعم ولا مشرب وتاركه بالمرة قاتل لنفسه وهو من أهل النار كما صح فى الأحاديث الصحيحة والمقلل منه على وجه يضعف به بدنه ويعجز عن القيام بما يجب عليه القيام به من طاعة أو سعى على نفسه وعلى من يعول مخالفا لما أمر الله به وأرشد إليه والمسرف في إنفاقه على وجه لا يفعله إلا أهل السفه والتبذير مخالف لما شرعه الله لعباده واقع في النهي القرآني وهكذا من حرم حلالا أو حلل حراما فإنه يدخل فى المسرفين ويخرج عن المقتصدين ومن الإسراف الأكل لحاجة وفى وقت شبع
الأعراف : ( 32 ) قل من حرم . . . . .
قوله ) قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ( الزينة ما يتزين به الإنسان من ملبوس أو غيره من الأشياء المباحة كالمعادن التى لم يرد نهي عن التزين بها والجواهر ونحوها وقيل الملبوس خاصة ولا وجه له بل هو من جملة ما تشمله الآية فلا حرج على من لبس الثياب الجيدة الغالية القيمة إذا لم يكن مما حرمه الله ولا حرج على من تزين بشيء من الأشياء التى لها مدخل في الزينة ولم يمنع منها مانع شرعي ومن زعم أن ذلك يخالف الزهد فقد غلط غلطا بينا وقد قدمنا فى هذا ما يكفي وهكذا الطيبات من المطاعم والمشارب ونحوهما مما يأكله الناس فإنه لا زهد في ترك الطيب منها ولهذا جاءت الآية هذه معنونه بالاستفهام المتضمن للإنكار على من حرم ذلك على نفسه أو حرمه على غيره وما أحسن ما قال ابن جرير الطبري ولقد أخطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان مع وجود السبيل إليه من حله ومن أكل البقول والعدس واختاره على خبز البر ومن ترك أكل اللحم خوفا من عارض الشهوة وقد قدمنا نقل مثل هذا عنه مطولا والطيبات المستلذات من الطعام وقيل هو اسم عام لما طاب كسبا ومطعما قوله ) قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ( أي أنها لهم بالأصالة وإن شاركهم الكفار فيها ما داموا في الحياة ) خالصة يوم القيامة ( أي مختصة بهم يوم القيامة لا يشاركهم فيها الكفار وقرأ نافع ) خالصة ( بالرفع وهى قراءة ابن عباس على أنها خبر بعد خبر وقرأ الباقون بالنصب على الحال قال أبو علي الفارسي ولا يجوز الوقف على الدنيا لأن ما بعدها متعلق بقوله ) للذين آمنوا ( حال منه بتقدير قل هى ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها لهم يوم القيامة قوله ) كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ( أي مثل هذا التفصيل نفصل الآيات المشتملة


"""""" صفحة رقم 201 """"""
على التحليل والتحريم
الأعراف : ( 33 ) قل إنما حرم . . . . .
قوله ) قل إنما حرم ربي الفواحش ( جمع فاحشة وقد تقدم تفسيرها ) ما ظهر منها وما بطن ( أي ما أعلن منها وما أسر وقيل هى خاصة بفواحش الزنا ولا وجه لذلك والإثم يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم وقيل هو الخمر خاصة ومنه قول الشاعر شربت الإثم حتى ضل عقلي
كذاك الإثم تذهب بالعقول
ومثله قول الآخر يشرب الإثم بالصواع جهارا
وقد أنكر جماعة من أهل العلم على من جعل الإثم خاصا بالخمر قال النحاس فأما أن يكون الإثم الخمر فلا يعرف ذلك وحقيقته أنه جميع المعاصي كما قال الشاعر
إني وجدت الأمر أرشده تقوى الإله وشره الإثم
قال الفراء الإثم ما دون الحق والاستطالة على الناس انتهى وليس في إطلاق الإثم على الخمر ما يدل على اختصاصه به فهو أحد المعاصي التى يصدق عليها قال في الصحاح وقد يسمى الخمر إثما وأنشد
شربت الإثم
البيت وكذا أنشده الهروي قبله في غريبته قوله ) والبغي بغير الحق ( أي الظلم المجاوز للحد وأفرده بالذكر بعد دخوله فيما قبله لكونه ذنبا عظيما كقوله ) وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ( ) وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ( أي وأن تجعلوا لله شريكا لم ينزل عليكم به حجة والمراد التهكم بالمشركين لأن الله لا ينزل برهانا بأن يكون غيره شريكا له ) وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( بحقيقته وأن الله قاله وهذا مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات والتحريمات التى لم يأذن بها
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وغيرهم عن ابن عباس أن النساء كن يطفن عراة إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة وتقول
اليوم يبدو بعضه أو كله
وما بدا منه فلا أحله
فنزلت ) خذوا زينتكم عند كل مسجد ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال كان الرجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة والزينة اللباس وما يواري السوءة وما سوى ذلك من جيد البر والمتاع وأخرج ابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خذوا زينة الصلاة قالوا وما زينة الصلاة قال البسوا نعالكم فصلوا فيها وأخرج العقيلي وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قول الله ) خذوا زينتكم عند كل مسجد ( قال صلوا في نعالكم والأحاديث في مشروعية الصلاة في النعل كثيرة جدا وأما كون ذلك هو تفسير الآية كما روى في هذين الحديثين فلا أدري كيف إسنادهما وقد ورد النهي عن أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) إنه لا يحب المسرفين ( قال في الطعام والشراب وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا سرف فإن الله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال كانت قريش تطوف بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون فأنزل الله ) قل من حرم زينة الله (


"""""" صفحة رقم 202 """"""
فأمروا بالثياب أن يلبسوها ) قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ( قال ينتفعون بها فى الدنيا لا يتبعهم فيها مأثم يوم القيامة وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك ) قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ( قال المشركون يشاركون المؤمنين في زهرة الدنيا وهى خالصة يوم القيامة للمؤمنين دون المشركين وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) والطيبات من الرزق ( قال الودك واللحم والسمن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال كان أهل الجاهلية يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرهما وهو قول الله ) قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا ( وهذا هذا فأنزل الله ) قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ( يعنى شارك المسلمون الكفار في الطيبات في الحياة الدنيا فأكلوا من طيبات طعامها ولبسوا من جياد ثيابها ونكحوا من صالحي نسائها ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا وليس للمشركين فيها شيء و أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال ما ظهر منها العرية وما بطن الزنا وكانوا يطوفون بالبيت عراة وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال ما ظهر منها طواف الجاهلية عراة وما بطن الزنا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) والإثم ( قال المعصية ) والبغي ( قال أن يبغى على الناس بغير حق
سورة الأعراف الآية ( 34 39 )
الأعراف : ( 34 ) ولكل أمة أجل . . . . .
قوله ) ولكل أمة أجل ( أي وقت معين محدود ينزل فيه عذابهم من الله أو يميتهم فيه ويجوز أن تحمل الآية على ما هو أعم من الأمرين جميعا والضمير في ) أجلهم ( لكل أمة أي إذا جاء أجل كل أمة من الأمم كان ما قدره عليهم واقعا في ذلك الأجل لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون عنه ساعة قال أبو السعود ما معناه إن قوله ) ولا يستقدمون ( عطف على ) يستأخرون ( لكن لا لبيان انتفاء التقدم مع إمكانه في نفسه كالتأخر بل


"""""" صفحة رقم 203 """"""
للمبالغة في انتفاء التأخر بنظمه في سلك المستحيل عقلا وقيل المراد بالمجيء الدنو بحيث يمكن التقدم في الجملة كمجيء اليوم الذى ضرب لهلاكهم ساعة منه وليس بذاك وقرأ ابن سيرين ? آجالهم ? بالجمع وخص الساعة بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات وقد استدل بالآية الجمهور على أن كل ميت يموت بأجله وإن كان موته بالقتل أو التردى أو نحو ذلك والبحث في ذلك طويل جدا ومثل هذه الآية قوله تعالى ) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون )
الأعراف : ( 35 ) يا بني آدم . . . . .
قوله ) يا بني آدم إما يأتينكم ( الآية إن هى الشرطية وما زائدة للتوكيد ولهذا لزمت الفعل النون المؤكدة والقصص قد تقدم معناه والمعنى إن أتاكم رسل كائنون منكم يخبرونكم بأحكامي ويبينونها لكم ) فمن اتقى وأصلح ( أي اتقى معاصى الله وأصلح حال نفسه باتباع الرسل وإجابتهم ) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( وهذه الجملة الشرطية هى الجواب للشرط الأول وقيل جوابه ما دل عليه الكلام أي إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فأطيعوهم والأول أولى وبه قال الزجاج
الأعراف : ( 36 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
) والذين كذبوا بآياتنا ( التى يقصها عليهم رسلنا ) واستكبروا ( عن إجابتها والعمل بما فيها ) فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( لا يخرجون منها بسبب كفرهم بتكذيب الآيات والرسل
الأعراف : ( 37 ) فمن أظلم ممن . . . . .
) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته ( أي لا أحد أظلم منه وقد تقدم تحقيقه والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المكذبين المستكبرين ) ينالهم نصيبهم من الكتاب ( أي مما كتب الله لهم من خير وشر وقيل ينالهم من العذاب بقدر كفرهم وقيل الكتاب هنا القرآن لأن عذاب الكفار مذكور فيه وقيل هو اللوح المحفوظ قوله ) حتى إذا جاءتهم رسلنا ( أي إلى غاية هى هذه وجملة ) يتوفونهم ( في محل نصب على الحال والمراد بالرسل هنا ملك الموت وأعوانه وقيل حتى هنا هى للابتداء ولكن لا يخفى أن كونها لابتداء الكلام بعدها لا ينافي كونها غاية ما قبلها والاستفهام في قوله ) أين ما كنتم تدعون من دون الله ( للتقريع والتوبيخ أي أين الآلهة التى كنتم تدعونها من دون الله وتعبدونها وجملة ) قالوا ضلوا عنا ( استئنافية بتقدير سؤال وقعت هى جوابا عنه أي ذهبوا عنا وغابوا فلا ندري أين هم ) وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ( أي أقروا بالكفر على أنفسهم
الأعراف : ( 38 ) قال ادخلوا في . . . . .
قوله ) قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم ( القائل هو الله عز وجل ) وفي ( بمعنى مع أي مع أمم وقيل هى على بابها والمعنى ادخلوا في جملتهم وقيل هو قول مالك خازن النار والمراد بالأمم التى قد خلت من قبلهم من الجن والإنس هم الكفار من الطائفتين من الأمم الماضية ) كلما دخلت أمة ( من الامم الماضية ) لعنت أختها ( أي الأمة الأخرى التى سبقتها إلى النار وجعلت أختا لها باعتبار الدين أو الضلالة أو الكون في النار ) حتى إذا اداركوا فيها ( أي تداركوا والتدارك التلاحق والتتابع والاجتماع في النار وقرأ الأعمش ? تداركوا ? على الأصل من دون إدغام وقرأ ابن مسعود ? حتى إذا أدركوا ? أي أدرك بعضهم بعضا وروى عن أبي عمرو أنه قرأ بقطع ألف الوصل فكأنه سكت على إذا للتذكر فلما طال سكوته قطع ألف الوصل كالمبتدئ بها وهو مثل قول الشاعر يا نفس صبرا كل حي لاقى
وكل اثنين إلى افتراق
) قالت أخراهم لأولاهم ( أي أخراهم دخولا لأولاهم دخولا وقيل أخراهم أي سفلتهم وأتباعهم ) لأولاهم ( لرؤسائهم وكبارهم وهذا أول كما يدل عليه ) ربنا هؤلاء أضلونا ( فإن المضلين هم الرؤساء ويجوز أن يراد أنهم أضلوهم لأنه تبعوهم واقتدوا بدينهم من بعدهم فيصح الوجه الأول لأن أخراهم تبعت دين أولاهم قوله ) فآتهم عذابا ضعفا من النار ( الضعف الزائد على مثله مرة أو مرات ومثله قوله تعالى ) ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ( وقيل الضعف هنا الأفاعي والحيات وجملة ) قال لكل ضعف ( استئنافية جوابا


"""""" صفحة رقم 204 """"""
لسؤال مقدر والمعنى لكل طائفة منكم ضعف من العذاب أي الطائفة الأولى والطائفة الأخرى ) ولكن لا تعلمون ( بما لكل نوع من العذاب
الأعراف : ( 39 ) وقالت أولاهم لأخراهم . . . . .
) وقالت أولاهم لأخراهم ( أي قال السابقون للاحقين أو المتبوعون للتابعين ) فما كان لكم علينا من فضل ( بل نحن سواء في الكفر بالله واستحقاق عذابه ) فذوقوا ( عذاب النار كما ذقناه ) بما كنتم تكسبون ( من معاصى الله والكفر به
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب وابن النجار عن أبي الدرداء قال تذاكرنا زيادة العمر عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلنا من وصل رحمه أنسئ في أجله فقال إنه ليس بزائد في عمره قال الله تعالى ) فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( ولكن الرجل يكون له الذرية الصالحة فيدعون الله من بعده فيبلغه ذلك فذلك الذى ينسأ في أجله وفى لفظ فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادة العمر وهذا الحديث ينبغى أن يكشف عن إسناده ففيه نكارة وقد جاءت الأحاديث الصحيحة فى الصحيحين وغيرهما بخلافه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي عروبة قال كان الحسن يقول ما أحمق هؤلاء القوم يقولون اللهم أطل عمره والله يقول ) فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق الزهري عن ابن المسيب قال لما طعن عمر قال كعب لو دعا الله لأخر في أجله فقيل له أليس قد قال الله ) فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( فقال كعب وقد قال الله ) وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ( وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ( قال ما قدر لهم من خير وشر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى الآية قال من الأعمال من عمل خيرا جزى به ومن عمل شرا جزى به وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضا قال نصيبهم من الشقاوة والسعادة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال ما سبق من الكتاب وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في الآية قال رزقه وأجله وعمله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح في الآية قال من العذاب وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) قد خلت ( قال قد مضت ) كلما دخلت أمة لعنت أختها ( قال كلما دخلت أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك يلعن المشركون المشركين واليهود اليهود والنصارى النصارى والصابئون الصابئين والمجوس المجوس تلعن الآخرة الأولى ) حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم ( الذين كانوا في آخر الزمان ) لأولاهم ( الذين شرعوا لهم ذلك الدين ) ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ( الأولى والآخرة ) وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل ( وقد ضللتم كما ضللنا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) عذابا ضعفا ( قال مضاعفا ) قال لكل ضعف ( قال مضاعف وفى قوله ) فما كان لكم علينا من فضل ( قال تخفيف من العذاب
سورة الأعراف الآية ( 40 )


"""""" صفحة رقم 205 """"""
سورة الأعراف الآية ( 41 43 )
الأعراف : ( 40 ) إن الذين كذبوا . . . . .
قوله ) لا تفتح لهم أبواب السماء ( قرأ ابن عباس وحمزة والكسائي بفتح التحتية لكون تأنيث الجمع غير حقيقي فجاز تذكيره وقرأ الباقون بالفوقية على التأنيث وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي تفتح بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد والمعنى أنها لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم إذا ماتوا وقد دل على هذا المعنى وأنه المراد من الآية ما جاء في الأحاديث الصحيحة أن الملائكة إذا انتهوا بروح الكافر إلى السماء الدنيا يستفتحون فلا تفتح لهم أبواب السماء وقيل لا تفتح أبواب السماء لأدعيتهم إذا دعوا قاله مجاهد والنخعي وقيل لأعمالهم أي لا تقبل بل ترد عليهم فيضرب بها في وجوههم وقيل المعنى أنها لا تفتح لهم أبواب الجنة يدخلونها لأن الجنة في السماء فيكون على هذا القول العطف لجملة ) ولا يدخلون الجنة ( من عطف التفسير ولا مانع من حمل الآية على ما يعم الأرواح والدعاء والأعمال ولا ينافيه ورود ما ورد من أنها لا تفتح أبواب السماء لواحد من هذه فإن ذلك لا يدل على فتحها لغيره مما يدخل تحت عموم الآية قوله ) ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ( أي أن هؤلاء الكفار المكذبين المستكبرين لا يدخلون الجنة بحال من الأحوال ولهذا علقه بالمستحيل فقال ) حتى يلج الجمل في سم الخياط ( وهو لا يلج أبدا وخص الجمل بالذكر لكونه يضرب به المثل في كبر الذات وخص سم الخياط وهو ثقب الإبرة بالذكر لكونه غاية في الضيق والجمل الذكر من الإبل والجمع جمال وأجمال وجمالات وإنما يسمى جملا إذا أربع وقرأ ابن عباس ) الجمل ( بضم الجيم وفتح الميم مشددة وهو حبل السفينة الذي يقال له القلس وهو حبال مجموعة قاله ثعلب وقيل الحبل الغليظ من القنب وقيل الحبل الذى يصعد به في النخل وقرأ سعيد بن جبير ) الجمل ( بضم الجيم وتخفيف الميم وهو القلس أيضا وقرأ أبو السماك ) الجمل ( بضم الجيم وسكون الميم وقرئ أيضا بضمهما وقرأ عبد الله بن مسعود ? حتى يلج الجمل الأصغر فى سم الخياط ? وقرئ ) في سم ( بالحركات الثلاث والسم كل ثقب لطيف ومنه ثقب الإبرة والخياط ما يخاط به يقال خياط ومخيط ) وكذلك نجزي المجرمين ( أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزى المجرمين أي جنس من أجرم وقد تقدم تحقيقه
الأعراف : ( 41 ) لهم من جهنم . . . . .
والمهاد الفراش والغواش جمع غاشية أي نيران تغشاهم من فوقهم كالأغطية ) وكذلك نجزي الظالمين ( أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزى من اتصف بصفة الظلم
الأعراف : ( 42 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
قوله ) لا نكلف نفسا إلا وسعها ( أي لا نكلف العباد إلا بما يدخل تحت وسعهم ويقدرون عليه ولا نكلفهم ما لا يدخل تحت وسعهم وهذه الجملة معترضة بين المبتدأ والخبر ومثله ) لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ( وقرأ الأعمش تكلف بالفوقية ورفع نفس والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الموصول وخبره ) أصحاب الجنة ( والجملة خبر الموصول وجملة و ) هم فيها خالدون ( في محل نصب على الحال
الأعراف : ( 43 ) ونزعنا ما في . . . . .
قوله ) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( هذا من جملة ما ينعم الله به على أهل الجنة أن ينزع الله


"""""" صفحة رقم 206 """"""
ما فى قلوبهم من الغل على بعضهم بعضا حتى تصفوا قلوبهم ويود بعضهم بعضا فإن الغل لو بقي فى صدورهم كما كان في الدنيا لكان في ذلك تنغيص لنعيم الجنة لأن المتشاحنين لا يطيب لأحدهم عيش مع وجود الآخر والغل الحقد الكامن في الصدور وقيل نزع الغل في الجنة لا يحسد بعضهم بعضا في تفاضل المنازل ) وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا ( أي لهذا الجزاء العظيم وهو الخلود في الجنة ونزع الغل من صدورهم والهداية هذه لهذا هى الهداية لسببه من الإيمان والعمل الصالح في الدنيا ) وما كنا لنهتدي ( قرأ ابن عامر بإسقاط الواو وقرأ الباقون بإثباتها وما كنا نطيق أن نهتدى بهذا الأمر لولا هداية الله لنا والجملة مستأنفة أو حالية وجواب لولا محذوف يدل عليه ما قبله أي لولا هداية الله لنا ما كنا لنهتدى قوله ) لقد جاءت رسل ربنا بالحق ( اللام لام القسم قالوا هذا لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الجزاء العظيم اغتباطا بما صاروا فيه بسبب ما تقدم منهم من تصديق الرسل وظهور صدق ما أخبروهم به في الدنيا من أن جزاء الإيمان والعمل الصالح هو هذا الذى صاروا فيه قوله ) ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ( أي وقع النداء لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقيل لهم تلكم الجنة أورثتموها أي ورثتم منازلها بعملكم قال في الكشاف بسبب أعمالكم لا بالتفضل كما تقوله المبطلة انتهى
أقول يا مسكين هذا قاله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما صح عنه سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته والتصريح بسبب لا يستلزم نفي سبب آخر ولولا التفضل من الله سبحانه وتعالى على العامل باقداره على العمل لم يكن عمل أصلا فلو لم يكن التفضل إلا بهذا الإقدار لكان القائلون به محقة لا مبطلة وفى التنزيل ) ذلك الفضل من الله ( وفيه ) فسيدخلهم في رحمة منه وفضل )
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لا تفتح لهم أبواب السماء ( يعني لا يصعد إلى الله من عملهم شيء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال لا تفتح لهم لعمل ولا لدعاء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضا في الآية قال لا تفتح لأرواحهم وهى تفتح لأرواح المؤمنين وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا ) حتى يلج الجمل ( قال ذو القوائم ) في سم الخياط ( قال في خرت الإبرة وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الكبير وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله ) حتى يلج الجمل ( قال زوج الناقة وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وقال هو الحبل الغليظ أو هو من حبال السفن وأخرج عبد ابن حميد عن ابن عمر أنه سئل عن سم الخياط فقال الجمل في ثقب الإبرة وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال المهاد الفراش والغواش اللحف وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب مثله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال فينا والله أهل بدر نزلت هذه الآية ) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( وأخرج النسائي وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كل أهل النار يرى منزله من الجنة يقول لو هدانا الله فيكون حسرة عليهم وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول لولا أن هدانا الله فهذا شكرهم وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والدارمي ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ( قال نودوا أن صحوا فلا تسقموا وانعموا فلا تبأسوا وشبوا فلا تهرموا واخلدوا فلا تموتوا


"""""" صفحة رقم 207 """"""
سورة الأعراف الآية ( 44 49 )
الأعراف : ( 44 ) ونادى أصحاب الجنة . . . . .
مناداة أصحاب الجنة لأصحاب النار لم تكن لقصد الإخبار لهم بما نادوهم به بل لقصد تبكيتهم وإيقاع الحسرة في قلوبهم و ) أن قد وجدنا ( هو نفس النداء أي إنا قد وصلنا إلى ما وعدنا الله به من النعيم فهل وصلتم إلى ما وعدكم الله به من العذاب الأليم والاستفهام هو للتقريع والتوبيخ وحذف مفعول وعد الثاني لكون الوعد لم يكن لهم بخصوصهم بل لكل الناس كالبعث والحساب والعقاب وقيل حذف لإسقاط الكفار عن رتبة التشريف بالخطاب عند الوعد ) قالوا نعم ( أي وجدنا ما وعدنا ربنا حقا وقرأ الأعمش والكسائي نعم بكسر العين قال مكي من قال نعم بكسر العين فكأنه أراد أن يفرق بين نعم التى جواب وبين نعم التى هى اسم للبقر والغنم والإبل والمؤذن المنادي أي فنادى مناد بينهم أي بين الفريقين قيل هو من الملائكة ) أن لعنة الله على الظالمين ( قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والبزي بتشديد أن وهو الأصل وقرأ الباقون بالتخفيف على أنها المخففة من الثقيلة أو المفسرة وقرأ الأعمش بكسر همزة إن على إضمار القول
الأعراف : ( 45 ) الذين يصدون عن . . . . .
وجملة ) الذين يصدون عن سبيل الله ( صفة للظالمين ويجوز الرفع والنصب على إضمارهم أو أعني والصد المنع أي يمنعون الناس عن سلوك سبيل الحق ) ويبغونها عوجا ( أي يطلبون اعوجاجها أي ينفرون الناس عنها ويقدحون في استقامتها بقولهم إنها غير حق وإن الحق ما هم فيه والعوج بالكسر فى المعاني والأعيان ما لم يكن منتصبا وبالفتح ما كان في المنتصب كالرمح وجملة ) وهم بالآخرة كافرون ( في محل نصب على الحال
الأعراف : ( 46 ) وبينهما حجاب وعلى . . . . .
قوله ) وبينهما حجاب ( أي بين الفريقين أو بين الجنة والنار والحجاب هو السور المذكور في قوله تعالى ) فضرب بينهم بسور ( قوله ) وعلى الأعراف رجال ( الأعراف جمع عرف وهى شرفات السور المضروب بينهم ومنه عرف الفرس وعرف الديك والأعراف في اللغة المكان المرتفع وهذا الكلام خارج مخرج المدح كما في قوله ) رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله (
وقد اختلف العلماء في أصحاب الأعراف من هم فقيل هم الشهداء ذكره القشيري وشرحبيل بن سعد وقيل هم فضلاء المؤمنين فرغوا من شغل أنفسهم وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس ذكره مجاهد وقيل هم قوم أنبياء


"""""" صفحة رقم 208 """"""
ذكره الزجاج وقيل هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم قاله ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وابن عباس والشعبى والضحاك وسعيد بن جبير وقيل هم العباس وحمزة وعلي وجعفر الطيار يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسوادها حكى ذلك عن ابن عباس وقيل هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم وهم في كل أمة واختار هذا القول النحاس وقيل هم أولاد الزنا روى ذلك عن ابن عباس وقيل هم ملائكة موكلون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار ذكره أبو مجلز وجملة ) يعرفون كلا بسيماهم ( صفة لرجال والسيما العلامة أي يعرفون كلا من أهل الجنة والنار بعلاماتهم كبياض الوجوه وسوادها أو مواضع الوضوء من المؤمنين أو علامة يجعلها الله لكل فرق في ذلك الموقف يعرف رجال الأعراف بها السعداء من الأشقياء ) ونادوا أصحاب الجنة ( أي نادى رجال الأعراف أصحاب الجنة حين رأوهم ) أن سلام عليكم ( أي نادوهم بقولهم سلام عليكم تحية لهم وإكراما وتبشيرا أو أخبروهم بسلامتهم من العذاب قوله ) لم يدخلوها وهم يطمعون ( أي لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف والحال أنهم يطمعون في دخولها وقيل معنى ) يطمعون ( يعلمون أنهم يدخلونها وذلك معروف عند أهل اللغة أي طمع بمعنى علم ذكره النحاس وهذا القول أعني كونهم أهل الأعراف مروي عن جماعة منهم ابن عباس وابن مسعود وقال أبو مجلز هم أهل الجنة أي أن أهل الأعراف قالوا لهم سلام عليكم حال كون أهل الجنة لم يدخلوها والحال أنهم يطمعون في دخولها
الأعراف : ( 47 ) وإذا صرفت أبصارهم . . . . .
قوله ) وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار ( أي إذا صرفت أبصار أهل الأعراف تلقاء أصحاب النار أي جهة أصحاب وأصل معنى ) تلقاء ( جهة اللقاء وهى جهة المقابلة ولم يأت مصدر على تفعال بكسر أوله غير مصدرين أحدهما هذا والآخر تبيان وما عداهما بالفتح ) قالوا ( أي قال أهل الأعراف ) ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ( سألوا الله أن لا يجعلهم منهم
الأعراف : ( 48 ) ونادى أصحاب الأعراف . . . . .
) ونادى أصحاب الأعراف رجالا ( من الكفار ) يعرفونهم بسيماهم ( أي بعلاماتهم ) قالوا ( بدل من نادى ) ما أغنى عنكم جمعكم ( الذى كنتم تجمعون للصد عن سبيل الله والاستفهام للتقريع والتوبيخ قوله ) وما كنتم تستكبرون ( ) ما ( مصدرية أي وما أغنى عنكم استكباركم
الأعراف : ( 49 ) أهؤلاء الذين أقسمتم . . . . .
) أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ( هذا من كلام أصحاب الأعراف أي قالوا للكفار مشيرين إلى المسلمين الذين صاروا إلى الجنة هذه المقالة وقد كان الكفار يقسمون في الدنيا عند رؤيتهم لضعفاء المسلمين بهذا القسم وهذا تبكيت للكفار وتحسير لهم قوله ) ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ( هذا تمام كلام أصحاب الأعراف أي قالوا للمسلمين ادخلوا الجنة فقد انتفى عنكم الخوف والحزن بعد الدخول وقرأ طلحة بن مصرف ) ادخلوا ( بكسر الخاء
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن بن عباس في قوله ) أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ( قال من النعيم والكرامة ) فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ( قال من الخزى والهوان والعذاب وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما وقف على قليب بدر تلا هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وبينهما حجاب ( قال هو السور وهو الأعراف وإنما سمى الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن حذيفة قال الأعراف سور بين الجنة والنار وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس قال الأعراف هو الشيء المشرف
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عنه قال الأعراف سور له عرف كعرف الديك وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال الأعراف جبال بين الجنة والنار فهم على أعرافها


"""""" صفحة رقم 209 """"""
يقول على ذراها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنها تل بين الجنة والنار حبس عليه ناس من أهل الذنوب وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال زعموا أنه الصراط وأخرج ابن جرير عن حذيفة قال أصحاب الأعراف قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار وهم آخر من يدخل الجنة قد عرفوا أهل الجنة وأهل النار
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود أنهم من استوت حسناتهم وسيئاتهم يقفون على الصراط وأخرج ابن جرير عن حذيفة نحوه وكذا أخرج نحوه عنه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن جابر بن عبد الله نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أصحاب الأعراف فقال هم آخر من يفصل بينهم من العباد فإذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد قال أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ولم تدخلوا الجنة فأنتم عتقائي فارعوا من الجنة حيث شئتم قال ابن كثير وهذا مرسل حسن وأخرج البيهقي في البعث عن حذيفة أراه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يجمع الناس يوم القيامة فيؤمر بأهل الجنة إلى الجنة ويؤمر بأهل النار إلى النار ثم يقال لأصحاب الأعراف ما تنتظرون قالوا ننتظر أمرك فيقال لهم إن حسناتكم تجاوزت بكم النار أن تدخلوها وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم فادخلوا بمغفرتي ورحمتي وأخرج سعيد بن منصور وابن منيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الرحمن المزني قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أصحاب الأعراف فقال هم قوم قتلوا فى سبيل الله في معصية آبائهم فمنعهم من النار قتلهم في سبيل الله ومنعهم من الجنة معصيتهم آباءهم وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه والبيهقي فى البعث عن أبي هريرة مرفوعا نحوه أيضا وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن مالك الهلالي عن أبيه مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا نحوه وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن رجل من مزينة مرفوعا نحوه وأخرج أبو الشيخ عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار أنه سئل عن قوله ) لم يدخلوها وهم يطمعون ( قال سلمت عليهم الملائكة وهم لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها حين سلمت وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي قال أصحاب الأعراف يعرفون الناس بسيماهم أهل النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياض وجوههم فإذا مروا بزمرة يذهب بهم إلى الجنة قالوا سلام عليكم وإذا مروا بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ونادى أصحاب الأعراف رجالا ( قال في النار ) يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون ( قال الله لأهل التكبر ) أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ( يعني أصحاب الأعراف ) ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون )
سورة الأعراف الآية ( 50 52 )


"""""" صفحة رقم 210 """"""
سورة الأعراف الآية ( 53 54 )
الأعراف : ( 50 ) ونادى أصحاب النار . . . . .
قوله ) أن أفيضوا علينا من الماء ( الإفاضة التوسعة يقال أفاض عليه نعمه طلبوا منهم أن يواسوهم بشيء من الماء أو بشيء مما رزقهم الله من غيره من الأشربة أو الأطعمة فأجابوا بقولهم ) إن الله حرمهما ( أي الماء وما رزقهم الله من غيره ) على الكافرين ( فلا نواسيكم بشيء مما حرمه الله عليكم وقيل إن هذا النداء من أهل النار كان بعد دخول أهل الأعراف الجنة
الأعراف : ( 51 ) الذين اتخذوا دينهم . . . . .
وجملة ) الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا ( في محل جر صفة الكافرين
وقد تقدم تفسير اللهو واللعب والغرر قوله ) فاليوم ننساهم ( أي نتركهم في النار ) كما نسوا لقاء يومهم هذا ( الكاف نعت مصدر محذوف وما مصدرية أي نسيانا كنسيانهم لقاء يومهم هذا قوله ) وما كانوا بآياتنا يجحدون ( معطوف على ما نسوا أي كما نسوا وكما كانوا بآياتنا يجحدون أي ينكرونها
الأعراف : ( 52 ) ولقد جئناهم بكتاب . . . . .
واللام في ) ولقد جئناهم ( جواب القسم والمراد بالكتاب الجنس إن كان الضمير للكفار جميعا وإن كان للمعاصرين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فالمراد بالكتاب القرآن والتفصيل التبيين و ) على علم ( في محل نصب على الحال أي عالمين حال كونه ) هدى ( للمؤمنين ) ورحمة ( لهم قال الكسائي والفراء ويجوز ) هدى ورحمة ( بالخفض على النعت لكتاب
الأعراف : ( 53 ) هل ينظرون إلا . . . . .
قوله ) هل ينظرون إلا تأويله ( بالهمز من آل وأهل المدينة يخفون الهمزة والنظر الانتظار أي هل ينتظرون إلا ما وعدوا به فى الكتاب من العقاب الذي يئول الأمر إليه وقيل تأويله جزاؤه وقيل عاقبته والمعنى متقارب ويوم ظرف ليقول أي يوم يأتي تأويله وهو يوم القيامة ) يقول الذين نسوه من قبل ( أي تركوه من قبل أن يأتي تأويله ) قد جاءت رسل ربنا بالحق ( الذى أرسلهم الله به إلينا ) فهل لنا من شفعاء ( استفهام منهم ومعناه التمني ) فيشفعوا لنا ( منصوب لكونه جوابا للاستفهام قوله ) أو نرد ( قال الفراء المعنى أو هل نرد ) فنعمل غير الذي كنا نعمل ( وقال الزجاج نرد عطف على المعنى أي هل يشفع لنا أحد أو نرد وقرأ ابن أبي إسحاق ) أو نرد فنعمل ( بصبهما كقول امريء القيس فقلت له لا تبك عينك إنما
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وقرأ الحسن برفعهما ومعنى الآية هل لنا شفعاء يخلصونا مما نحن فيه من العذاب أو هل نرد إلى الدنيا فنعمل صالحا غير ما كنا نعمل من المعاصي ) قد خسروا أنفسهم ( أي لم ينتفعوا بها فكانت أنفسهم بلاء عليهم ومحنة لهم فكأنهم خسروها كما يخسر التاجر رأس ماله وقيل خسروا النعيم وحظ الأنفس ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( أي افتراؤهم أو الذى كانوا يفترونه والمعنى أنه بطل كذبهم الذى كانوا يقولونه فى الدنيا أو غاب عنهم ما كانوا يجعلونه شريكا لله فلم ينفعهم ولا حضر معهم
الأعراف : ( 54 ) إن ربكم الله . . . . .
قوله ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ( هذا نوع من بديع صنع الله وجليل قدرته وتفرده بالإيجاد الذى يوجب على العباد توحيده وعبادته


"""""" صفحة رقم 211 """"""
وأصل ستة سدسة أبدلت التاء من أحد السينين وأدغم فيها الدال والدليل على هذا أنك تقول في التصغير سديسة وفى الجمع أسداس وتقول جاء فلان سادسا واليوم من طلوع الشمس إلى غروبها قيل هذه الأيام من أيام الدنيا وقيل من أيام الآخرة وهذه الأيام الست أولها الأحد وآخرها الجمعة وهو سبحانه قادر عل خلقها في لحظة واحدة يقول لها كوني فتكون ولكنه أراد أن يعلم عباده الرفق والتأني في الأمور أو خلقها في ستة أيام لكون لكل شيء عنده أجلا وفى آية أخرى ) ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ( قوله ) ثم استوى على العرش (
وقد اختلف العلماء في معنى هذا على أربعة عشر قولا وأحقها وأولاها بالصواب مذهب السلف الصالح أنه استوى سبحانه عليه بلا كيف بل على الوجه الذى يليق به مع تنزهه عما لا يجوز عليه والاستواء في لغة العرب هو العلو والاستقرار قال الجوهري استوى على ظهر دابته أي استقر واستوى إلى السماء أي صعد واستوى أي استولى وظهر ومنه قول الشاعر قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ودم مهراق
واستوى الرجل أي انتهى شبابه واستوى أي انتسق واعتدل وحكى عن أبي عبيدة أن معنى ) استوى ( هنا علا ومثله قول الشاعر فأورد بهم ماء ثقيفا بقفرة
وقد حلق النجم اليماني فاستوى
أي علا وارتفع والعرش قال الجوهري هو سرير الملك ويطلق العرش على معان أخر منها عرش البيت سقفه وعرش البئر طيها بالخشب وعرش السماك أربعة كواكب صغار ويطلق على الملك والسلطان والعز ومنه قول زهير تداركتما عبسا وقد ثل عرشها
وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل
وقول الآخر إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم
بعتيبة بن الحرث بن شهاب
وقول الآخر رأوا عرشي تثلم جانباه
فلما أن تثلم أفردوني
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة صفة عرش الرحمن وإحاطته بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما وهو المراد هنا قوله ) يغشي الليل النهار ( أي يجعل الليل كالغشاء للنهار فيغطى بظلمته ضياءه وقرأ عاصم وحمزة والكسائي ) يغشى ( بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف وهما لغتان يقال أغشى يغشى وغشى يغشى والتغشية فى الأصل إلباس الشيء الشيء ولم يذكر في هذه الآية يغشى الليل بالنهار اكتفاء بأحد الأمرين عن الآخر كقوله تعالى ) سرابيل تقيكم الحر ( وقرأ حميد بن قيس ) يغشي الليل النهار ( على إسناده الفعل إلى الليل ومحل هذه الجملة النصب على الحال والتقدير استوى على العرش مغشيا الليل النهار وهكذا قوله ) يطلبه حثيثا ( حال من الليل أي حال كون الليل طالبا للنهار طلبا حثيثا لا يفتر عنه بحال وحثيثا صفة مصدر محذوف أي يطلبه طلبا حثيثا أو حال من فاعل يطلب والحث الاستعجال والسرعة يقال ولي حثيثا أي مسرعا قوله ) والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ( قال الأخفش معطوف على السموات وقرأ ابن عامر برفعها كلها على الابتداء والخبر والمعنى على الأول وخلق الشمس والقمر والنجوم حال كونها مسخرات وعلى الثاني الإخبار عن هذه بالتسخير قوله ) ألا له الخلق والأمر ( إخبار منه سبحانه لعباده بأنهما له والخلق المخلوق والأمر كلامه وهو كن فى قوله ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( أو المراد بالأمر ما يأمر به


"""""" صفحة رقم 212 """"""
على التفصيل أو التصرف في مخلوقاته ولما ذكر سبحانه في هذه الآية خلق السموات والأرض في ذلك الأمد اليسير ثم ذكر استواءه على عرشه وتسخير الشمس والقمر والنجوم وأن له الخلق والأمر قال ) تبارك الله رب العالمين ( أي كثرت بركته واتسعت ومه بورك الشيء وبورك فيه كذا قال ابن عرفة وقال الأزهري في ) تبارك ( معناه تعالى وتعاظم وقد تقدم تفسير ) رب العالمين ( في الفاتحة مستكملا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة ( الآية قال ينادي الرجل أخاه فيقول يا أخي أغثني فإني قد احترقت فأفض علي من الماء فيقال أجبه فيقول إن الله حرمهما على الكافرين وأخرج ابن جرير ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ( قال من الطعام وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال يستسقونهم ويستطعمونهم وفى قوله ) إن الله حرمهما على الكافرين ( قال طعام الجنة وشرابها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ) فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ( يقول نتركهم في النار كما تركوا لقاء يومهم هذا
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) فاليوم ننساهم ( قال نؤخرهم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) هل ينظرون إلا تأويله ( قال عاقبته وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال ) يوم يأتي تأويله ( جزاؤه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) يوم يأتي تأويله ( قال يوم القيامة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ما كانوا يفترون ( قال ما كانوا يكذبون في الدنيا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) خلق السماوات والأرض في ستة أيام ( قال كل يوم مقداره ألف سنة وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قال في قوله ) استوى على العرش ( الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به إيمان والجحود كفر وأخرج اللالكائي عن مالك أن رجلا سأله كيف استوى على العرش فقال الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء والخطيب في تاريخه عن الحسن بن علي قال أنا ضامن لمن قرأ هذه العشرين آية في كل ليلة أن يعصمه الله من كل سلطان ظالم ومن كل شيطان مريد ومن كل سبع ضاري ومن كل لص عادى آية الكرسى وثلاث آيات من الأعراف ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض ( وعشرا من أول سورة الصافات وثلاث آيات من الرحمن أولها ) يا معشر الجن والإنس ( وخاتمة الحشر وأخرج أبو الشيخ بن عبيد بن أبي مرزوق قال من قرأ عند نومه ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض ( الآية بسط عليه ملك جناحه حتى يصبح وعوفى من السرق وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن قيس صاحب عمر بن عبد العزيز قال مرض رجل من أهل المدينة فجاءه زمرة من أصحابه يعودونه فقرأ رجل منهم ? إن ربكم الذى خلق السموات والأرض ? الآية كلها وقد أصمت الرجل فتحرك ثم استوى جالسا ثم سجد يومه وليلته حتى كان من الغد من الساعة التى سجد فيها قال له أهله الحمد لله الذى عافاك قال بعث إلى نفسي ملك يتوفاها فلما قرأ صاحبكم الآية التى قرأ سجد الملك وسجدت بسجوده فهذا حين رفع رأسه ثم مال فقضى وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) يغشي الليل النهار ( قال يغشى الليل النهار فيذهب بضوئه ويطلبه سريعا حتى يدركه وأخرج ابن أبي حاتم عن قتاده قال يلبس الليل والنهار وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) حثيثا ( قال سريعا


"""""" صفحة رقم 213 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة في قوله ) ألا له الخلق والأمر ( قال الخلق ما دون العرش والأمر ما فوق ذلك وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال الخلق هو الخلق والأمر هو الكلام
سورة الأعراف الآية ( 55 58 )
الأعراف : ( 55 ) ادعوا ربكم تضرعا . . . . .
أمرهم الله سبحانه بالدعاء وقيد ذلك بكون الداعي متضرعا بدعائه مخفيا له وانتصاب ) تضرعا وخفية ( على الحال أي متضرعين بالدعاء مخفين له أو صفة مصدر محذوف أي ادعوه دعاء تضرع ودعاء خفية
والتضرع من الضراعة وهى الذلة والخشوع والاستكانة والخفية الإسرار به فإن ذلك أقطع لعرق الرياء وأحسم لباب ما يخالف الإخلاص ثم علل ذلك بقوله ) إنه لا يحب المعتدين ( أي المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وفي كل شيء فمن جاوز ما أمره الله به في شئ من الأشياء فقد اعتدى والله لا يحب المعتدين وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولا أوليا ومن الاعتداء في الدعاء أن يسأل الداعى ما ليس له كالخلود في الدنيا أو إدراك ما هو محال في نفسه أو يطلب الوصول إلى منازل الأنبياء في الآخرة أو يرفع صوته بالدعاء صارخا به
الأعراف : ( 56 ) ولا تفسدوا في . . . . .
قوله ) ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ( نهاهم الله سبحانه عن الفساد في الأرض بوجه من الوجوه قليلا كان أو كثيرا ومنه قتل الناس وتخريب منازلهم وقطع أشجارهم وتغوير أنهارهم ومن الفساد فى الأرض الكفر بالله والوقوع في معاصيه ومعنى ) بعد إصلاحها ( بعد أن أصلحها الله بإرسال الرسل وإنزال الكتب وتقرير الشرائع قوله ) وادعوه خوفا وطمعا ( إعرابهما يحتمل الوجهين المتقدمين في ) تضرعا وخفية ( وفيه أنه يشرع للداعى أن يكون عند دعائه خائفا وجلا طامعا في إجابة الله لدعائه فإنه إذا كان عند الدعاء جامعا بين الخوف والرجاء ظفر بمطلوبه والخوف الانزعاج من المضار التى لا يؤمن من وقوعها والطمع توقع حصول الأمور المحبوبة قوله ) إن رحمة الله قريب من المحسنين ( هذا إخبار من الله سبحانه بأن رحمته قريبة من عباده المحسنين بأي نوع من الأنواع كان إحسانهم وفى هذا ترغيب للعباد إلى الخير وتنشيط لهم فإن قرب هذه الرحمة التى يكون بها الفوز بكل مطلب مقصود لكل عبد من عبادة الله
وقد اختلف أئمة اللغة والإعراب في وجه تذكير خبر رحمة الله حيث قال قريب ولم يقل قريبة فقال الزجاج إن الرحمة مؤولة بالرحم لكونها بمعنى العفو والغفران ورجح هذا التأويل النحاس وقال النضر بن شميل الرحمة مصدر بمعنى الترحم وحق المصدر التذكير وقال الأخفش سعيد أراد بالرحمة هنا المطر وتذكير بعض المؤنث جائز وأنشد


"""""" صفحة رقم 214 """"""
فلا مزنة ودقت ودقها
ولا أرض أبقل أبقالها
وقال أبو عبيدة تذكير قريب على تذكير المكان أي مكان قريب قال علي بن سليمان الأخفش وهذا خطأ ولو كان كما قال لكان قريب منصوبا كما تقول إن زيدا قريبا منك وقال الفراء إن القريب إذا كان بمعنى المسافة فيذكر ويؤنث وإن كان بمعنى النسب فيؤنث بلا اختلاف بينهم وروى عن الفراء أنه قال يقال في النسب قريبة فلان وفى غير النسب يجوز التذكير والتأنيث فيقال دارك عنا قريب وفلانه منا قريب قال الله تعالى ) وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ( ومنه قول امرئ القيس لك الويل أن أمسى ولا أم هاشم
قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
وروى عن الزجاج أنه خطأ الفراء فيما قاله وقال إن سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما وقيل إنه لما كان تأنيث الرحمة غير حقيقي جاز في خبرها التذكير ذكر معناه الجوهري
الأعراف : ( 57 ) وهو الذي يرسل . . . . .
قوله ) وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ( عطف على قوله ) يغشي الليل النهار ( يتضمن ذكر نعمة من النعم التى أنعم بها على عباده مع ما في ذلك من الدلالة على وحدانيته وثبوت إلاهيته ورياح جمع ريح وأصل زيح روح وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو ) نشرا ( بضم النون والشين جمع ناشر على معنى النسب أي ذات نشر وقرأ الحسن وقتادة وابن عامر ) نشرا ( بضم النون وإسكان الشين من نشر وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي ) نشرا ( بفتح النون وإسكان الشين على المصدر ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ومعنى هذه القراءات يرجع إلى النشر الذى هو خلاف الطي فكأن الريح مع سكونها كانت مطوية ثم ترسل من طيها فتصير كالمنفتحة وقال أبو عبيدة معناه متفرقة فى وجوهها على معنى ننشرها هاهنا وهاهنا وقرأ عاصم ) بشرا ( بالباء الموحدة وإسكان الشين جمع بشير أي الرياح تبشر بالمطر ومثله قوله تعالى ) وهو الذي يرسل الرياح بشرا ( قوله ) بين يدي رحمته ( أراد بالرحمة هنا المطر أي قدام رحمته والمعنى أنه سبحانه يرسل الرياح ناشرات أو مبشرات بين يدى المطر قوله ) حتى إذا أقلت سحابا ثقالا ( أقل فلان الشيء حمله ورفعه والسحاب يذكر ويؤنث والمعنى حتى إذا حملت الرياح سحابا ثقالا بالماء الذى صارت تحمله ) سقناه ( أي السحاب ) لبلد ميت ( أي مجدب ليس فيه نبات يقال سقته لبلد كذا وإلى بلد كذا وقيل اللام هنا لام العلة أي لأجل بلد ميت والبلد هو الموضع العامر من الأرض ) فأنزلنا به الماء ( بالبلد الذى سقناه لأجله أو بالسحاب أي أنزلنا بالسحاب الماء الذى تحمله أو بالريح أي فأنزلنا بالريح المرسلة بين يدى المطر الماء وقيل إن الباء هنا بمعنى من أي فأنزلنا منه الماء ) فأخرجنا به ( أي بالماء ) من كل الثمرات ( أي من جميع أنواعها قوله ) كذلك نخرج الموتى ( أي مثل ذلك الإخراج وهو إخراج الثمرات نخرج الموتى من القبور يوم حشرهم ) لعلكم تذكرون ( أي تتذكرون فتعلمون بعظيم قدرة الله وبديع صنعته وإنه قادر على بعثكم كما قدر على إخراج الثمرات التى تشاهدونها
الأعراف : ( 58 ) والبلد الطيب يخرج . . . . .
قوله ) والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ( أي التربة الطيبة يخرج نباتها بإذن الله وتيسيره إخراجا حسنا تاما وافيا ) والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ( أي والتربة الخبيثة لا يخرج نباتها إلا نكدا أي لا خير فيه وقرأ طلحة بن مصرف ) نكدا ( بسكون الكاف وقرأ ابن القعقاع ) نكدا ( بفتح الكاف أي ذا نكد وقرأ الباقون ) نكدا ( بفتح النون وكسر الكاف وقرئ ) يخرج ( أي يخرجه البلد قيل ومعنى الآية التشبيه شبه تعالى السريع الفهم بالبلد الطيب والبليد بالبلد الخبيث ذكره النحاس وقيل هذا مثل للقلوب فشبه القلب القابل للوعظ بالبلد الطيب والنائي عنه بالبلد الخبيث قاله الحسن وقيل هو مثل لقلب المؤمن والمنافق قاله قتادة وقيل هو مثل للطيب والخبيث من بني آدم قاله مجاهد ) كذلك نصرف الآيات ( أي مثل ذلك التصريف ) لقوم يشكرون ( الله ويتعترفون بنعمته


"""""" صفحة رقم 215 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس ) ادعوا ربكم تضرعا وخفية ( قال السر ) إنه لا يحب المعتدين ( في الدعاء ولا في غيره وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال التضرع علانية والخفية سر وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) ادعوا ربكم تضرعا وخفية ( يعنى مستكينا وخفية يعنى في خفض وسكون في حاجاتكم من أمر الدنيا والآخرة ) إنه لا يحب المعتدين ( يقول لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشر اللهم اخزه والعنه ونحو ذلك فإن ذلك عدوان وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي مجلز فى قوله ) إنه لا يحب المعتدين ( قال لا تسألوا منازل الأنبياء وأخرج ابن المبارك وابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن قال لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم وذلك أن الله يقول ) ادعوا ربكم تضرعا وخفية ( وذلك أن الله ذكر عبدا صالحا فرضى قوله فقال ) إذ نادى ربه نداء خفيا ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن صالح في قوله ) ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ( قال بعد ما أصلحها الأنبياء وأصحابهم وأخرج أبو الشيخ عن أبي سنان في الآية قال أحللت حلالي وحرمت حرامي وحددت حدودي فلا تفسدوها وأخرج أبو الشيخ عن أبي عباس في قوله ) وادعوه خوفا وطمعا ( قال خوفا منه وطمعا لما عنده ) إن رحمة الله قريب من المحسنين ( يعني المؤمنين ومن لم يؤمن بالله فهو من المفسدين وأخرج ابن جريج وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وهو الذي يرسل الرياح ( قال إن الله يرسل الريح فيأتي بالسحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان فيخرجه من ثم ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) بشرا بين يدي رحمته ( قال يستبشر بها الناس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) بين يدي رحمته ( قال هو المطر وفى قوله ) كذلك نخرج الموتى ( قال كذلك تخرجون وكذلك النشور كما يخرج الزرع بالماء وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) كذلك نخرج الموتى ( قال إذا أراد الله أن يخرج الموتى أمطر السماء حتى يشقق عنهم الأرض ثم يرسل الأرواح فيهوى كل روح إلى جسده فكذلك يحيى الله الموتى بالمطر كإحيائه الأرض
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) والبلد الطيب ( الآية قال هو مثل ضربه الله للمؤمن يقول هو طيب وعمله طيب كما أن البلد الطيب ثمرها طيب ) والذي خبث ( ضرب مثلا للكافر كالبلد السبخة المالحة التى لا تخرج منها البركة فالكافر هو الخبيث وعمله خبيث وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين
سورة الأعراف الآية ( 59 62 )


"""""" صفحة رقم 216 """"""
سورة الأعراف الآية ( 63 64 )
الأعراف : ( 59 ) لقد أرسلنا نوحا . . . . .
لما بين سبحانه كمال قدرته وبديع صنعته في الآيات السابقة ذكر هنا أقاصيص الأمم وما فيها من تحذير الكفار ووعيدهم لتنبيه هذه الأمة على الصواب وأن لا يقتدوا بمن خالف الحق من الأمم السالفة واللام جواب قسم محذوف وهو أول الرسل إلى أهل الأرض بعد آدم وقد تقدم ذكر نوح في آل عمران فأغنى عن الإعادة هنا وما قيل من أن إدريس قبل نوح فقال ابن العربي إنه وهم قال المازري فإن صح ما ذكره المؤرخون كان محمولا على أن إدريس كان نبيا غير مرسل وجملة ) فقال يا قوم اعبدوا الله ( استئنافية جواب سؤال مقدر قوله ) ما لكم من إله غيره ( هذه الجملة في حكم العلة لقوله ) اعبدوا ( أي اعبدوه لأنه لم يكن لكم إله غيره حتى يستحق منكم أن يكون معبودا قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة وابن كثير وابن عامر برفع غيره على أنه نعت لإله على الموضع وقرأ الكسائي بالخفض في جميع القرآن على أنه نعت على اللفظ وأجاز الفراء والكسائي النصب على الاستثناء يعني ما لكم من إله إلا إياه وقال أبو عمرو ما أعرف الجر ولا النصب ويرده أن بعض بني أسد ينصبون ) غير ( في جميع الأحوال ومنه قول الشاعر لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت
حمامة في غصون ذات أرقال
وجملة ) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( جملة متضمنة لتعليل الأمر بالعبادة أي إن لم تعبدوه فإني أخاف عليكم عذاب يوم القيامة أو عذاب يوم الطوفان
الأعراف : ( 60 ) قال الملأ من . . . . .
قوله ) قال الملأ من قومه ( جملة استئنافية جواب سؤال مقدر والملأ أشراف القوم ورؤساؤهم وقيل هم الرجال وقد تقدم بيانه في البقرة والضلال العدول عن طريق الحق والذهاب عنه أي إنا لنراك في دعائك إلى عبادة الله وحده في ضلال عن طريق الحق
الأعراف : ( 61 ) قال يا قوم . . . . .
وجملة ) قال يا قوم ( استئنافية أيضا جواب سؤال مقدر ) ليس بي ضلالة ( كما تزعمون ) ولكني رسول من رب العالمين ( أرسلني إليكم لسوق الخبر إليكم ودفع الشر عنكم نفى عن نفسه الضلالة وأثبت لها ما هو أعلى منصبا وأشرف رفعة وهو أنه رسول الله إليهم
الأعراف : ( 62 ) أبلغكم رسالات ربي . . . . .
وجملة ) أبلغكم رسالات ربي ( في محل رفع على أنها صفة لرسول أو هى مستأنفة مبينة لحال الرسول والرسالات ما أرسله الله به إليهم مما أوحاه إليه ) وأنصح لكم ( عطف على ) أبلغكم ( يقال نصحته ونصحت له وفى زيادة اللام دلالة على المبالغة في إمحاض النصح قال الأصمعي الناصح الخالص من الغل وكل شيء خلص فقد نصح فمعنى أنصح هنا أخلص النية لكم عن شوائب الفساد والاسم النصيحة وجملة ) وأعلم من الله ما لا تعلمون ( معطوفة على الجملة التى قبلها مقررة لرسالته ومبينة لمزيد علمه وأنه يختص بعلم الأشياء التى لا يعلمونها بإخبار الله له بذلك
الأعراف : ( 63 ) أوعجبتم أن جاءكم . . . . .
قوله ) أوعجبتم ( فتحت الواو لكونها العاطفة ودخلت عليها همزة الاستفهام للإنكار عليهم والمعطوف عليه مقدر كأنه قيل استبعدتم وعجبتم أو أكذبتم وعجبتم أو أنكرتم وعجبتم ) أن جاءكم ذكر من ربكم ( أي وحي وموعظة ) على رجل منكم ( أي على لسان رجل منكم تعرفونه ولم يكن ذلك على لسان من لا تعرفونه أو لا تعرفون لغته وقيل على بمعنى مع أي مع رجل منكم لأجل ينذركم به ) ولتتقوا ( ما يخالفه ) ولعلكم ترحمون ( بسبب ما يفيده الإنذار لكم والتقوى منكم من التعرض لرحمة الله سبحانه لكم ورضوانه عنكم
الأعراف : ( 64 ) فكذبوه فأنجيناه والذين . . . . .
) فكذبوه ( أي فبعد ذلك كذبوه ولم يعملوا بما جاء به من الإنذار ) فأنجيناه والذين معه ( من المؤمنين به


"""""" صفحة رقم 217 """"""
المستقرين معه ) في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ( واستمروا على ذلك ولم يرجعوا إلى التوبة وجملة ) إنهم كانوا قوما عمين ( علة لقوله ) وأغرقنا ( أي أغرقنا المكذبين لكونهم عمى القلوب لا تنجع فيهم الموعظة ولا يفيدهم التذكير
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال أول نبي أرسل نوح وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم وابن عساكر عن يزيد الرقاشي قال إنما سمى نوح عليه السلام نوحا لطول ما ناح على نفسه وأخرج ابن المنذر عن عكرمة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال الملأ يعني الأشراف من قومه وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) أن جاءكم ذكر من ربكم ( يقول بيان من ربكم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إنهم كانوا قوما عمين ( قال كفارا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) إنهم كانوا قوما عمين ( قال عن الحق
سورة الأعراف الآية ( 65 72 )
الأعراف : ( 65 ) وإلى عاد أخاهم . . . . .
قوله ) وإلى عاد أخاهم هودا ( أي وأرسلنا إلى قوم عاد أخاهم أي واحدا من قبيلتهم أو صاحبهم أو سماه أخا لكونه ابن آدم مثلهم وعاد من هو ولد سام بن نوح قيل هو عاد بن عوص بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ابن نوح وهود هو ابن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عوص بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح و ) هودا ( عطف بيان ) قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره )
الأعراف : ( 66 ) قال الملأ الذين . . . . .
وقد تقدم تفسير هذا قريبا والاستفهام في ) أفلا تتقون ( للإنكار وقد تقدم أيضا تفسير الملأ والسفاهة الخفة والحمق وقد تقدم بيان ذلك في البقرة


"""""" صفحة رقم 218 """"""
نسبوه إلى الخفة والطيش ولم يكتفوا بذلك حتى قالوا ) وإنا لنظنك من الكاذبين ( مؤكدين لظنهم كذبه فيما ادعاه من الرسالة
الأعراف : ( 67 ) قال يا قوم . . . . .
ثم أجاب عليهم بنفي السفاهة عنه واستدرك من ذلك بأنه رسول الله رب العالمين وقد تقدم بيان معنى هذا قريبا
الأعراف : ( 68 ) أبلغكم رسالات ربي . . . . .
وكذلك سبق تفسير ) أبلغكم رسالات ربي ( وتقدم معنى الناصح والأمين المعروف بالأمانة
الأعراف : ( 69 ) أوعجبتم أن جاءكم . . . . .
وسبق أيضا تفسير ) أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ( في قصة نوح التى قبل هذه القصة
قوله ) واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ( أذكرهم نعمة من نعم الله عليهم وهى أنه جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح أي جعلهم سكان الأرض التى كانوا فيها أو جعلهم ملوكا وإذ منصوب باذكر وجعل الذكر للوقت والمراد ما كان فيه من الاستخلاف على الأرض لقصد المبالغة لأن الشيء إذا كان وقته مستحقا للذكر فهو مستحق له بالأولى ) وزادكم في الخلق بسطة ( أي طولا في الخلق وعظم جسم زيادة على ما كان عليه آباؤهم فى الأبدان وقد ورد عن السلف حكايات عن عظم أجرام قوم عاد قوله ) فاذكروا آلاء الله ( الآلاء جمع إلى ومن جملتها نعمة الاستخلاف في الأرض والبسطة في الخلق وغير ذلك مما أنعم به عليهم وكرر التذكير لزيادة التقرير والآلاء النعم ) لعلكم تفلحون ( إن تذكرتم ذلك لأن الذكر للنعمة بسبب باعث على شكرها ومن شكر فقد أفلح
الأعراف : ( 70 ) قالوا أجئتنا لنعبد . . . . .
قوله ) قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ( هذا استنكار منهم لدعائه إلى عبادة الله وحده دون معبوداتهم التى جعلوها شركاء لله وإنما كان هذا مستنكرا عندهم لأنهم وجدوا آباءهم على خلاف ما دعاهم إليه ) ونذر ما كان يعبد آباؤنا ( أي نترك الذى كانوا يعبدونه وهذا داخل في جملة ما استنكروه قوله ) فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ( هذا استعجال منهم للعذاب الذى كان هود يعدهم به لشدة تمردهم على الله ونكوصهم عن طريق الحق وبعدهم عن اتباع الصواب
الأعراف : ( 71 ) قال قد وقع . . . . .
فأجابهم بقوله ) قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب ( جعل ما هو متوقع كالواقع تنبيها على تحقق وقوعه كما ذكره أئمة المعاني والبيان وقيل معنى وقع وجب والرجس العذاب وقيل هو هنا الرين على القلب بزيادة الكفر ثم استنكر عليهم ما وقع منهم من المجادلة فقال ) أتجادلونني في أسماء ( يعني أسماء الأصنام التى كانوا يعبدونها جعلها أسماء لأن مسمياتها لا حقيقة لها بل تسميتها بالآلهة باطلة فكأنها معدومة لم توجد بل الموجود أسماؤها فقط ) سميتموها أنتم وآباؤكم ( أي سميتم بها معبوداتكم من جهة أنفسكم أنتم وآباؤكم ولا حقيقة لذلك ) ما نزل الله بها من سلطان ( أي من حجة تحتجون بها على ما تدعونه لها من الدعاوي الباطلة ثم توعدهم بأشد وعيد فقال ) فانتظروا إني معكم من المنتظرين ( أي فانتظروا ما طلبتموه من العذاب فإني معكم من المنتظرين له وهو واقع بكم لا محالة ونازل عليكم بلا شك
الأعراف : ( 72 ) فأنجيناه والذين معه . . . . .
ثم أخبر الله سبحانه أنه نجى هودا ومن معه من المؤمنين به من العذاب النازل بمن كفر به ولم تقبل رسالته وأنه قطع دابر القوم المكذبين أي استأصلهم جميعا وقد تقدم تحقيق معناه وجملة ) وما كانوا مؤمنين ( معطوفة على كذبوا أي استأصلنا هؤلاء القوم الجامعين بين التكذيب بآياتنا وعدم الإيمان
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وإلى عاد أخاهم هودا ( قال ليس بأخيهم في الدين ولكنه أخوهم في النسب لأنه منهم فلذلك جعل أخاهم وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن خيثم قال كانت عاد ما بين اليمن إلى الشأم مثل الذر وأخرج ابن عساكر عن وهب قال كان الرجل من عاد ستين ذراعا بذراعهم وكان هامة الرجل مثل القبة العظيمة وكان عين الرجل لتفرخ فيها السباع وكذلك مناخرهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال ذكر لنا أنهم كانوا اثنى عشر ذراعا طولا وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس قال كان الرجل منهم ثمانين باعا وكانت البرة فيهم ككلية البقرة والرمانة الواحدة يقعد في قشرها عشرة نفر


"""""" صفحة رقم 219 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه ) وزادكم في الخلق بسطة ( قال شدة وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراع من الحجارة لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلوه وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) آلاء الله ( قال نعم الله وفى قوله ) رجس ( قال سخط وأخرج ابن عساكر قال لما أرسل الله الريح على عاد اعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلتذ به الأنفس وإنها لتمر بالعادي فتحمله بين السماء والأرض وتدمغه بالحجارة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) وقطعنا دابر الذين كذبوا ( قال استأصلناهم وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن عساكر عن علي بن أبي طالب قال قبر هود بحضرموت في كثيب أحمر عند رأسه سدرة وأخرج ابن عساكر عن عثمان بن أبي العاتكة قال قبلة مسجد دمشق قبر هود وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال كان عمر هود أربعمائة سنة واثنتين وسبعين سنة
سورة الأعراف الآية ( 73 79 )
قوله ) وإلى ثمود أخاهم صالحا ( معطوف على ما تقدم أي وأرسلنا إلى ثمود أخاهم وثمود قبيلة سموا باسم أبيهم وهو ثمود بن عاد بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح وصالح عطف بيان وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود وامتناع ثمود من الصرف لأنه جعل اسما للقبيلة وقال أبو حاتم لم ينصرف لأنه أعجمي قال النحاس وهو غلط لأنه من الثمد وهو الماء القليل وقد قرأ القراء ? ألا إن ثمودا كفروا ربهم ? على أنه اسم للحي وكانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى
الأعراف : ( 73 ) وإلى ثمود أخاهم . . . . .
قوله ) قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( قد تقدم تفسيره في قصة نوح ) قد جاءتكم بينة من ربكم ( أي


"""""" صفحة رقم 220 """"""
معجزة ظاهرة وهى إخراج الناقة من الحجر الصلد وجملة ) هذه ناقة الله لكم آية ( مشتملة على بيان البينة المذكورة وانتصاب آية على الحال والعامل فيها معنى الإشارة وفى إضافة الناقة إلى الله تشريف لها وتكريم قوله ) فذروها تأكل في أرض الله ( أي دعوها تأكل في أرض الله فهي ناقة الله والأرض أرضه فلا تمنعوها مما ليس لكم ولا تملكونه ) ولا تمسوها ( بشيء من السوء أي لا تتعرضوا لها بوجه من الوجوه التى تسوءها قوله ) فيأخذكم عذاب أليم ( هو جواب النهي أي إذا لم تتركوا مسها بشيء من السوء أخذكم عذاب أليم أي شديد الألم
الأعراف : ( 74 ) واذكروا إذ جعلكم . . . . .
قوله ) واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد ( أي استخلفكم في الأرض أو جعلكم ملوكا فيها كما تقدم في قصة هود ) وبوأكم في الأرض ( أي جعل لكم فيها مباءة وهى المنزل الذى تسكنونه ) تتخذون من سهولها قصورا ( أي تتخذون من سهولة الأرض قصورا أو هذه الجملة مبينة لجملة ) وبوأكم في الأرض ( وسهول الأرض ترابها يتخذون منه اللبن والآجر ونحو ذلك فيبنون به القصور ) وتنحتون الجبال بيوتا ( أي تتخذون في الجبال التى هى صخور بيوتا تسكنون فيها وقد كانوا لقوتهم وصلابة أبدانهم ينحتون الجبال فيتخذون فيها كهوفا يسكنون فيها لأن الأبنية والسقوف كانت تفنى قبل فناء أعمارهم وانتصاب بيوتا على أنها حال مقدرة أو على أنها مفعول ثان لتنحتون على تضمينه معنى تتخذون قوله ) فاذكروا آلاء الله ( تقدم تفسيره في القصة التى قبل هذه
قوله ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( العثى والعثو لغتان وقد تقدم تحقيقه في البقرة بما يغني عن الإعادة
الأعراف : ( 75 ) قال الملأ الذين . . . . .
) قال الملأ الذين استكبروا من قومه ( أي قال الرؤساء المستكبرون من قوم صالح للمستضعفين الذين استضعفهم المستكبرون و ) لمن آمن منهم ( بدل من الذين استضعفوا بإعادة حرف الجر بدل البعض من الكل لأن في المستضعفين من ليس بمؤمن هذا على عود ضمير ) منهم ( إلى الذين استضعفوا فإن عاد إلى قومه كان بدل كل من المستضعفين ومقول القول ) أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه ( قالوا هذا على طريق الاستهزاء والسخرية قوله ) قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون ( أجابوهم بأنهم مؤمنون برسالته مع كون سؤال المستكبرين لهم إنما هو عن العلم منهم هل تعلمون برسالته أم لا مسارعة إلى إظهار ما لهم من الإيمان وتنبيها على أن كونه مرسلا أمر واضح مكشوف لا يحتاج إلى السؤال عنه
الأعراف : ( 76 ) قال الذين استكبروا . . . . .
فأجابوا تمردا وعنادا بقولهم ) إنا بالذي آمنتم به كافرون ( وهذه الجمل المعنوية يقال مستأنفة لأنها جوابات عن سؤالات مقدرة كما سبق بيانه
الأعراف : ( 77 ) فعقروا الناقة وعتوا . . . . .
قوله ) فعقروا الناقة ( العقر الجرح وقيل قطع عضو يؤثر في تلف النفس يقال عقرت الفرس إذا ضربت قوائمه بالسيف وقيل أصل العقر كسر عرقوب البعير ثم قيل للنحر عقر لأن العقر سبب النحر في الغالب وأسند العقر إلى الجميع مع كون العاقر واحدا منهم لأنهم راضون بذلك موافقون عليه وقد اختلف في عاقر الناقة ما كان اسمه فقيل قدار بن سالف وقيل غير ذلك ) وعتوا عن أمر ربهم ( أي استكبروا يقال عتا يعتو عتوا استكبر وتعتى فلان إذا لم يطع والليل العاتي الشديد الظلمة ) وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ( من العذاب ) إن كنت من المرسلين ( هذا استعجال منهم للنقمة وطلب منهم لنزول العذاب وحلول البلية بهم
الأعراف : ( 78 ) فأخذتهم الرجفة فأصبحوا . . . . .
) فأخذتهم الرجفة ( أي الزلزلة يقال رجف الشيء يرجف رجفانا وأصله حركة مع صوت ومنه ) يوم ترجف الراجفة ( وقيل كانت صيحة شديدة خلعت قلوبهم ) فأصبحوا في دارهم ( أي بلدهم ) جاثمين ( لاصقين بالأرض على ركبهم ووجوههم كما يجثم الطائر وأصل الجثوم للأرنب وشبهها وقيل للناس والطير والمراد أنهم أصبحوا في دورهم ميتين لا حراك بهم
الأعراف : ( 79 ) فتولى عنهم وقال . . . . .
) فتولى عنهم ( صالح عند اليأس من إجابتهم ) وقال ( لهم هذه المقالة ) لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ( ويحتمل أنه قال لهم هذه المقالة بعد موتهم على طريق الحكاية لحالهم الماضية كما وقع من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من


"""""" صفحة رقم 221 """"""
التكليم لأهل قليب بدر بعد موتهم أو قالها لهم عند نزول العذاب بهم وكأنه كان مشاهدا لذلك فتحسر على ما فاتهم من الإيمان والسلامة من العذاب ثم أبان عن نفسه أنه لم يأل جهدا في إبلاغهم الرسالة ومحض النصح لكن أبوا ذلك فلم يقبلوا منه فحق عليهم العذاب ونزل بهم ما كذبوا به واستعجلوه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي الطفيل قال قالت ثمود لصالح ائتنا بآية إن كنت من الصادقين قال اخرجوا فخرجوا إلى هضبة من الأرض فإذا هى تمخض كما تمخض الحامل ثم إنها انفرجت فخرجت الناقة من وسطها فقال لهم صالح هذه ناقة الله لكم آية فلما ملوها عقروها ) فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ( وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة أن صالحا قال لهم حين عقروا الناقة تمتعوا ثلاثة أيام ثم قال لهم آية هلاككم أن تصبح وجوهكم غدا مصفرة وتصبح اليوم الثاني محمرة ثم تصبح اليوم الثالث مسودة فأصبحت كذلك فلما كان اليوم الثالث أيقنوا بالهلاك فتكفنوا وتحنطوا ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم وقال عاقر الناقة لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون أترضين فتقول نعم والصبي حتى رضوا أجمعون فعقرها وأخرج أحمد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما نزل الحجر قام فخطب فقال يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم عن الآيات فإن قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث إليهم آية فبعث الله لهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحتلبون من لبنها مثل الذى كانوا يأخذون من مائها يوم غبها وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام وكان وعد من الله غير مكذوب ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان منهم تحت مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلا كان في حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله فقيل يا رسول الله من هو فقال أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه قال ابن كثير هذا الحديث على شرط مسلم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من حديث أبي الطفيل مرفوعا مثله وأخرج أحمد من حديث ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بالحجر لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم وأصل الحديث في الصحيحين من غير وجه وفى لفظ لأحمد من هذا الحديث قال ما نزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود وأخرج أحمد وابن المنذر نحوه مرفوعا من حديث أبي كبشة الأنماري وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) ولا تمسوها بسوء ( قال لا تعقروها وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وتنحتون من الجبال بيوتا ( قال كانوا ينقبون في الجبال البيوت وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) وعتوا عن أمر ربهم ( قال غلوا في الباطل ) فأخذتهم الرجفة ( قال الصيحة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد ) فأصبحوا في دارهم جاثمين ( قال ميتين وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله
سورة الأعراف الآية ( 80 81 )


"""""" صفحة رقم 222 """"""
سورة الأعراف الآية ( 82 84 )
الأعراف : ( 80 ) ولوطا إذ قال . . . . .
قوله ) ولوطا ( معطوف على ما سبق أي وأرسلنا لوطا أو منصوب بفعل مقدر أي واذكر لوطا وقت قال لقومه قال الفراء لوط مشتق من قولهم هذا أليط بقلبي أي ألصق قال الزجاج زعم بعض النحويين أن لوطا يجوز أن يكون مشتقا من لطت الحوض إذا ملسته بالطين وهذا غلط لأن الأسماء الأعجمية لا تشتق
وقال سيبويه نوح ولوط أسماء أعجمية إلا أنها خفيفة فلذلك صرفت ولوط هو ابن هاران بن تارخ فهو ابن أخي إبراهيم بعثه الله إلى أمة تسمى سدوم ) أتأتون الفاحشة ( أي الخصلة الفاحشة المتمادية في الفحش والقبح قال ذلك إنكارا عليهم وتوبيخا لهم ) ما سبقكم بها من أحد من العالمين ( أي لم يفعلها أحد قبلكم فإن اللواط لم يكن في أمة من الأمم قبل هذه الأمة و ) من ( مزيدة للتوكيد للعموم في النفي وإنه مستغرق لما دخل عليه والجملة مسوقة لتأكيد النكير عليهم والتوبيخ لهم
الأعراف : ( 81 ) إنكم لتأتون الرجال . . . . .
قوله ) إنكم لتأتون الرجال شهوة ( قرأ نافع وحفص على الخبر بهمزة واحدة مكسورة وقرأ الباقون بهمزتين على الاستفهام المقتضى للتوبيخ والتقريع واختار القراءة الأولى أبو عبيد والكسائي وغيرهما واختار الخليل وسيبويه القراءة الثانية فعلى القراءة الأولى تكون هذه الجملة مبينة لقوله ) أتأتون الفاحشة ( وكذلك على القراءة الثانية مع مزيد الاستفهام وتكريره المفيد للمبالغة في التقريع والتوبيخ وانتصاب شهوة على المصدرية أي تشتهونهم شهوة ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال أي مشتهين ويجوز أن يكون مفعولا له أي لأجل الشهوة وفيه أنه لا غرض لهم بإتيان هذه الفاحشة إلا مجرد قضاء الشهوة من غير أن يكون لهم في ذلك غرض يوافق العقل فهم في هذا كالبهائم التى ينزو بعضها على بعض لما يتقاضاها من الشهوة ) من دون النساء ( أي متجاوزين في فعلكم هذا للنساء اللاتى هن محل لقضاء الشهوة وموضع لطلب اللذة ثم أضرب عن الإنكار المتقدم إلى الإخبار بما هم عليه من الإسراف الذى تسبب عنه إتيان هذه الفاحشة الفظيعة
الأعراف : ( 82 ) وما كان جواب . . . . .
قوله ) وما كان جواب قومه ( الواقعين في هذه الفاحشة على ما أنكره عليهم منها ) إلا أن قالوا أخرجوهم ( أي لوطا وأتباعه ) من قريتكم ( أي ما كان لهم جواب إلا هذا القول المباين للإنصاف المخالف لما طلبه منهم وأنكره عليهم وجملة ) إنهم أناس يتطهرون ( تعليل لما أمروا به من الإخراج ووصفهم بالتطهر يمكن أن يكون على حقيقته وأنهم أرادوا أن هؤلاء يتنزهون عن الوقوع في هذه الفاحشة فلا يساكنونا في قريتنا ويحتمل أنهم قالوا ذلك على طريق السخرية والاستهزاء
الأعراف : ( 83 ) فأنجيناه وأهله إلا . . . . .
ثم أخبر الله سبحانه أنه أنجى لوطا وأهله المؤمنين به واستثنى امرأته من الأهل لكونها لم تؤمن به ومعنى ) كانت من الغابرين ( أنها كانت من الباقين في عذاب الله يقال غير الشيء إذا مضى وغبر إذا بقى فهو من الأضداد وحكى ابن فارس في المجمل عن قوم أنهم قالوا الماضي عابر بالعين المهملة والباقي غابر بالمعجمة وقال الزجاج ) من الغابرين ( أي من الغائبين عن النجاة وقال أبو عبيد المعنى ) من الغابرين ( أي من المعمرين وكانت قد هرمت وأكثر أهل اللغة على أن الغابر الباقي
الأعراف : ( 84 ) وأمطرنا عليهم مطرا . . . . .
قوله ) وأمطرنا عليهم مطرا ( قيل أمطر بمعنى إرسال المطر وقال أبو عبيدة مطر في الرحمة وأمطر في العذاب والمعنى هنا أن الله أمطر عليهم مطرا غير ما يعتادونه وهو رميهم بالحجارة كما في قوله ) وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ( ) فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ( هذا خطاب لكل من يصلح له أو لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وسيأتي في هود قصة لوط بأبين مما هنا


"""""" صفحة رقم 223 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن ابن عباس في قوله ) أتأتون الفاحشة ( قال أدبار الرجال وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال إنما كان بدء عمل قوم لوط أن إبليس جاءهم في هيئة صبي أجمل صبى رآه الناس فدعاهم إلى نفسه فنكحوه ثم جسروا على ذلك
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عنه في قوله ) إنهم أناس يتطهرون ( قال من أدبار الرجال ومن أدبار النساء وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) إلا امرأته كانت من الغابرين ( قال من الباقين في عذاب الله وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن أبي عروبة قال كان قوم لوط أربعة آلاف ألف
سورة الأعراف الآية ( 85 93 )
الأعراف : ( 85 ) وإلى مدين أخاهم . . . . .
قوله ) وإلى مدين أخاهم شعيبا ( معطوف على ما تقدم أي وأرسلنا ومدين اسم قبيلة وقيل اسم بلد والأول أولى وسميت القبيلة باسم أبيهم وهو مدين بن إبراهيم كما يقال بكر وتميم قوله ) أخاهم شعيبا ( شعيب


"""""" صفحة رقم 224 """"""
عطف بيان وهو شعيب بن ميكائيل بن يشجب بن مدين بن إبراهيم قاله عطاء وابن إسحاق وغيرهما وقال الشرفي بن القطامي إنه شعيب بن عيفاء بن ثويب بن مدين بن إبراهيم وزعم ابن سمعان أنه شعيب بن حرة بن يشجب بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وقال قتادة هو شعيب بن صفوان بن عيفاء بن ثابت بن مدين بن إبراهيم قوله ) قال يا قوم ( إلى قوله ) بينة من ربكم ( قد سبق شرحه في قصة نوح قوله ) فأوفوا الكيل والميزان ( أمرهم بإيفاء الكيل والميزان لأنهم كانوا أهل معاملة بالكيل والوزن وكانوا لا يوفونهما وذكر الكيل الذى هو المصدر وعطف عليه الميزان الذى هو اسم للآلة
واختلف في توجيه ذلك فقيل المراد بالكيل المكيال فتناسب عطف الميزان عليه وقيل المراد بالميزان الوزن فيناسب الكيل والفاء في ) فأوفوا ( للعطف على اعبدوا قوله ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( البخس النقص وهو يكون بالتعييب للسلعة أو التزهيد فيها أو المخادعة لصاحبها والاحتيال عليه وكل ذلك من أكل أموال الناس بالباطل وظاهر قوله ) أشياءهم ( أنهم كانوا يبخسون الناس في كل الأشياء وقيل كانوا مكاسين يمكسون كل ما دخل إلى أسواقهم ومنه قول زهير أفي كل أسواق العراق إتاوة
وفى كل ما باع امرؤ مكس درهم
قوله ) ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ( قد تقدم تفسيره قريبا ويدخل تحته قليل الفساد وكثيره ودقيقه وجليله والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى العمل بما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه والمراد بالخيرية هنا الزيادة المطلقة لأنه لا خير في عدم إيفاء الكيل والوزن وفى بخس الناس وفي الفساد في الأرض أصلا
الأعراف : ( 86 ) ولا تقعدوا بكل . . . . .
قوله ) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ( الصراط الطريق أي لا تقعدوا بكل طريق توعدون الناس بالعذاب قيل كانوا يقعدون في الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويقولون إنه كذاب فلا تذهب إليه كما كانت قريش تفعله مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وغيرهم وقيل المراد القعود على طرق الدين ومنع من أراد سلوكها وليس المراد به القعود على الطرق حقيقة ويؤيده ) وتصدون عن سبيل الله من آمن به ( وقيل المراد بالآية النهي عن قطع الطريق وأخذ السلب وكان ذلك في فعلهم وقيل إنهم كانوا عشارين يأخذون الجباية في الطرق من أموال الناس فنهوا عن ذلك والقول الأول أقربها إلى الصواب مع أنه لا مانع من حمل النهي على جميع هذه الأقوال المذكورة وجملة ) توعدون ( في محل نصب على الحال وكذلك ما عطف عليها أي لا تقعدوا بكل طريق موعدين لأهله صادين عن سبيل الله باغين لها عوجا والمراد بالصد عن سبيل الله صد الناس عن الطريق الذى قعدوا عليه ومنعهم من الوصول إلى شعيب فإن سلوك الناس في ذلك السبيل للوصول إلى نبي الله هو سلوك سبيل الله و ) من آمن به ( مفعول تصدون والضمير في آمن به يرجع إلى الله أو إلى سبيل الله أو إلى كل صراط أو إلى شعيب ) وتبغونها عوجا ( أي تطلبون سبيل الله أن تكون معوجة غير مستقيمة وقد سبق الكلام على العوج قال الزجاج كسر العين في المعاني وفتحها في الإحرام ) واذكروا إذ كنتم ( أي وقت كنتم ) قليلا ( عددكم ) فكثركم ( بالنسل وقيل كنتم فقراء فأغناكم ) وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ( من الأمم الماضية فإن الله أهلكهم وأنزل بهم من العقوبات ما ذهب بهم ومحا أثرهم
الأعراف : ( 87 ) وإن كان طائفة . . . . .
) وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به ( إليكم من الأحكام التى شرعها الله لكم ) وطائفة ( منكم ) لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ( هذا من باب التهديد والوعيد الشديد لهم وليس هو من باب الأمر بالصبر على الكفر وحكم الله بين الفريقين هو نصر المحقين على المبطلين ومثله قوله تعالى ) فتربصوا إنا معكم متربصون (


"""""" صفحة رقم 225 """"""
أو هو أمر للمؤمنين بالصبر على ما يحل بهم من أذى الكفار حتى ينصرهم الله عليهم
الأعراف : ( 88 ) قال الملأ الذين . . . . .
) قال الملأ الذين استكبروا من قومه ( أي قال الأشراف المستكبرون ) لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك ( لم يكتفوا بترك الإيمان والتمرد عن الإجابة إلى ما دعاهم إليه بل جاوزوا ذلك بغيا وبطرا وأشرا إلى توعد نبيهم ومن آمن به بالإخراج من قريتهم أو عوده هو ومن معه في ملتهم الكفرية أي لا بد من أحد الأمرين إما الإخراج أو العود قال الزجاج يجوز أن يكون العود بمعنى الإبتداء يقال عاد إلى من فلان مكروه أي صار وإن لم يكن سبقه مكروه قبل ذلك فلا يرد ما يقال كيف يكون شعيب على ملتهم الكفرية من قبل أن يبعثه الله رسولا ويحتاج إلى الجواب بتغليب قومه المتبعين له عليه في الخطاب بالعود إلى ملتهم وجملة ) قال أولو كنا كارهين ( مستأنفة جواب عن سؤال مقدر والهمزة لإنكار وقوع ما طلبوه من الإخراج أو العود والواو للحال أي أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا للعود إليها أو أتخرجوننا من قريتكم في حال كراهتنا للخروج منها أو في حال كراهتنا للأمرين جميعا والمعنى إنه ليس لكم أن تكرهونا على أحد الأمرين ولا يصح لكم ذلك فإن المكره لا اختيار له ولا تعد موافقته مكروها موافقة ولا عوده إلى ملتكم مكرها عودا وبهذا التقرير يندفع ما استشكله كثير من المفسرين في هذا المقام حتى تسبب عن ذلك تطويل ذيول الكلام
الأعراف : ( 89 ) قد افترينا على . . . . .
) قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم ( التى هى الشرك ) بعد إذ نجانا الله منها ( بالإيمان فلا يكون منا عود إليها أصلا ) وما يكون لنا ( أي ما يصح لنا ولا يستقيم ) أن نعود فيها ( بحال من الأحوال ) إلا أن يشاء الله ( أي إلا حال مشيئته سبحانه فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن قال الزجاج أي إلا بمشيئة الله عز وجل قال وهذا قول أهل السنة والمعنى أنه لا يكون منا العود إلى الكفر إلا أن يشاء الله ذلك فالاستثناء منقطع وقيل إن الاستثناء هنا على جهة التسليم لله عز وجل كما في قوله ) وما توفيقي إلا بالله ( وقيل هو كقولهم لا أكلمك حتى يبيض الغراب وحتى يلج الجمل في سم الخياط والغراب لا يبيض والجمل لا يلج فهو من باب التعليق بالمحال ) وسع ربنا كل شيء علما ( أي أحاط علمه بكل المعلومات فلا يخرج عنه منها شيء وعلما منصوب على التمييز وقيل المعنى ) وما يكون لنا أن نعود فيها ( أي القرية بعد أن كرهتم مجاورتنا لهم ) إلا أن يشاء الله ( عودنا إليها ) على الله توكلنا ( أي عليه اعتمدنا في أن يثبتنا على الإيمان ويحول بيننا وبين الكفر وأهله ويتم علينا نعمته ويعصمنا من نقمته قوله ) ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ( الفتاحة الحكومة أي احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين دعوا الله سبحانه أن يحكم بينهم ولا يكون حكمه سبحانه إلا بنصر المحقين على المبطلين كما أخبرنا به في غير موضع من كتابه فكأنهم طلبوا نزول العذاب بالكافرين وحلول نقمة الله بهم
الأعراف : ( 90 ) وقال الملأ الذين . . . . .
) وقال الملأ الذين كفروا من قومه ( معطوف على ) قال الملأ الذين استكبروا ( يحتمل أن يكون هؤلاء هم أولئك ويحتمل أن يكونوا غيرهم من طوائف الكفار الذين أرسل إليهم شعيب واللام في ) لئن اتبعتم شعيبا ( موطئة لجواب قسم محذوف أي دخلتم في دينه وتركتم دينكم ) إنكم إذا لخاسرون ( جواب القسم ساد مسد جواب الشرط وخسرانهم هلاكهم أو ما يخسرونه بسبب إيفاء الكيل والوزن وترك التطفيف الذى كانوا يعاملون الناس به
الأعراف : ( 91 ) فأخذتهم الرجفة فأصبحوا . . . . .
) فأخذتهم الرجفة ( أي الزلزلة وقيل الصيحة كما في قوله ) وأخذت الذين ظلموا الصيحة ( ) فأصبحوا في دارهم جاثمين ( قد تقدم تفسيره في قصة صالح
الأعراف : ( 92 ) الذين كذبوا شعيبا . . . . .
قوله ) الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها ( هذه الجملة مستأنفة مبينة لما حل بهم من النعمة والموصول مبتدأ وكأن لم يغنوا خبره يقال غنيت بالمكان إذا أقمت به وغنى القوم في دارهم أي طال مقامهم فيها والمغنى المنزل والجمع المغاني قال حاتم الطائي


"""""" صفحة رقم 226 """"""
غنينا زمانا بالتصعلك والغنى
وكلا سقاناه بكاسيهما الدهر
فما زادنا بغيا على ذى قرابة
غنانا ولا أزرى باحساننا الفقر
ومعنى الآية الذين كذبوا شعيبا كأن لم يقيموا في دارهم لأن الله سبحانه استأصلهم بالعذاب والموصول في الذين كذبوا شعيبا مبتدأ خبره ) كانوا هم الخاسرين ( وهذه الجملة مستأنفة كالأولى متضمنة لبيان خسران القوم المكذبين
الأعراف : ( 93 ) فتولى عنهم وقال . . . . .
) فتولى عنهم ( أي شعيب لما شاهد نزول العذاب بهم ) وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ( التى أرسلني بها إليكم ) ونصحت لكم ( ببيان ما فيه سلامة دينكم ودنياكم ) فكيف آسى ( أي أحزن ) على قوم كافرين ( بالله مصرين على كفرهم متمردين عن الإجابة أو الأسى شدة الحزن آسى على ذلك فهو آس قال شعيب هذه المقالة تحسرا على عدم إيمان قومه ثم سلا نفسه بأنه كيف يقع منه الأسى على قوم ليس بأهل للحزن عليهم لكفرهم بالله وعدم قبولهم لما جاء به رسوله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن عساكر عن عكرمة والسدي قالا ما بعث الله نبيا مرتين إلا شعيبا مرة إلى مدين فأخذتهم الصيحة ومرة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظلة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( قال لا تظلموا الناس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( قال لا تظلموهم ) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ( قال كانوا يوعدون من أتى شعيبا وغشيه وأراد الإسلام وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ( قال كانوا يجلسون في الطريق فيخبرون من أتى عليهم أن شعيبا كذاب فلا يفتننكم عن دينكم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) بكل صراط توعدون ( قال بكل سبيل حق ) وتصدون عن سبيل الله ( قال تصدون أهلها ) وتبغونها عوجا ( قال تلتمسون لها الزيغ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي ) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ( قال هو العاشر ) وتصدون عن سبيل الله ( قال تصدون عن الإسلام ) وتبغونها عوجا ( قال هلاكا وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال هم العشار وأخرج ابن جرير عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره شك أبو العالية قال أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة أسرى به على خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته قال ما هذا يا جبريل قال هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه ثم تلا ) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدى في قوله ) وما يكون لنا أن نعود فيها ( قال ما ينبغى لنا أن نعود في شرككم بعد إذ نجانا الله ) إلا أن يشاء الله ربنا ( والله لا يشاء الشرك ولكن يقول إلا أن يكون الله قد علم شيئا فإنه قد وسع كل شيء علما وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس قال ما كنت أدري ما قوله ) ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ( حتى سمعت ابنته ذى يزن تقول تعال أفاتحك تعني أقاضيك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) ربنا افتح ( يقول اقض وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى قال الفتح القضاء لغة يمانية إذا قال أحدهم تعال أقاضيك القضاء قال تعال أفاتحك وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) لم يغنوا فيها ( قال لم يعيشوا فيها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فكيف آسى ( قال أحزن وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما قبر إسماعيل وقبر شعيب فقبر إسماعيل


"""""" صفحة رقم 227 """"""
في الحجر وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه أن شعيبا مات بمكة ومن معه من المؤمنين فقبورهم في غربى الكعبة بين دار الندوة وبين باب بنى سهم وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم عن ابن إسحاق قال ذكر لي يعقوب بن أبي مسلمة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا ذكر شعيبا قال ذاك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه فيما يريدهم به فلما كذبوه وتوعدوه بالرجم والنفي من بلادهم وعتوا على الله أخذهم عذاب يوم الظلة
سورة الأعراف الآية ( 94 100 )
الأعراف : ( 94 ) وما أرسلنا في . . . . .
قوله ) وما أرسلنا في قرية من نبي ( لما فصل الله سبحانه أحوال بعض الأنبياء مع أممهم وهم المذكورون سابقا أجمل حال سائر الأمم المرسل إليها أي وما أرسلنا في قرية من القرى من نبي من الأنبياء وفى الكلام محذوف أي فكذب أهلها إلا أخذناهم والاستثناء مفرغ أي ما أرسلنا في حال من الأحوال إلا في حال أخذنا أهلها فمحل أخذنا النصب والبأساء البؤس والفقر والضراء الضر وقد تقدم تحقيق معنى البأساء والضراء ) لعلهم يضرعون ( أي لكي يتضرعوا ويتذللوا فيدعوا ما هم عليه من الاستكبار وتكذيب الأنبياء
الأعراف : ( 95 ) ثم بدلنا مكان . . . . .
قوله ) ثم بدلنا ( معطوف على أخذنا أي ثم بعد الأخذ لأهل القرى بدلناهم ) مكان السيئة ( التى أصبناهم بها من البلاء والامتحان ) الحسنة ( أي الخصلة الحسنة فصاروا في خير وسعة وأمن ) حتى عفوا ( يقال عفا كثر وعفا درس فهو من أسماء الأضداد والمراد هنا إنهم كثروا في أنفسهم وفى أموالهم أي أعطيناهم الحسنة مكان السيئة حتى كثروا ) وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء ( أي قالوا هذه المقالة عند أن صاروا في الحسنة بعد السيئة أي أن هذا الذى مسنا من البأساء والضراء ثم من الرخاء والخصب من بعد هو أمر وقع لآبائنا قبلنا مثله فمسهم من البأساء والضراء ما مسنا ومن النعمة والخير ما نلناه ومعناهم أن هذه العادة الجارية في السلف والخلف وأن ذلك ليس من الله سبحانه ابتلاء لهم واختبارا لما عندهم وفى هذا من شدة عنادهم وقوة تمردهم وعتوهم ما لا يخفى ولهذا عاجلهم الله بالعقوبة ولم يمهلهم فقال ) فأخذناهم بغتة ( أي فجأة عقب أن قالوا هذه المقالة من دون تراخ ولا إمهال و الحال أن ) وهم لا يشعرون ( بذلك ولا يترقبونه
الأعراف : ( 96 ) ولو أن أهل . . . . .
واللام في ) القرى ( للعهد أي ) ولو أن أهل القرى (


"""""" صفحة رقم 228 """"""
التى أرسلنا إليها رسلنا ) آمنوا ( بالرسل المرسلين إليهم ) واتقوا ( ما صمموا عليه من الكفر ولم يصروا على ما فعلوا من القبائح ) لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ( أي يسرنا لهم خير السماء والأرض كما يحصل التيسير للأبواب المغلقة بفتح أبوابها قيل المراد بخير السماء المطر وخير الأرض النبات والأولى حمل ما فى الآية على ما هو أعم من ذلك ويجوز أن تكون اللام في القرى للجنس والمراد لو أن أهل القرى أين كانوا وفى أي بلاد سكنوا آمنوا واتقوا إلى آخر الآية ) ولكن كذبوا ( بالآيات والأنبياء ولم يؤمنوا ولا اتقوا ) فأخذناهم ( بالعذاب ب سبب ) ما كانوا يكسبون ( من الذنوب الموجبة لعذابهم
الأعراف : ( 97 ) أفأمن أهل القرى . . . . .
والاستفهام في ) أفأمن أهل القرى ( للتقريع والتوبيخ وأهل القرى هم أهل القرى المذكورة قبله والفاء للعطف وهو مثل ) أفحكم الجاهلية يبغون ( وقيل المراد بالقرى مكة وما حولها لتكذيبهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والحمل على العموم أولى قوله ) أن يأتيهم بأسنا بياتا ( أي وقت بيات وهو الليل على أنه منصوب على الظرفية ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى تبيتا أو مصدرا في موضع الحال أي مبيتين وجملة ) وهم نائمون ( في محل نصب على الحال
الأعراف : ( 98 ) أو أمن أهل . . . . .
والاستفهام فى ) أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ( كالاستفهام الذي قبله والضحى ضحوة النهار وهو فى الأصل اسم لضوء الشمس إذا أشرقت وارتفعت قرأ ابن عامر والحرميان ) أو أمن ( بإسكان الواو وقرأ الباقون بفتحها وجملة ) وهم يلعبون ( فى محل نصب على الحال أي يشتغلون بما لا يعود عليهم بفائدة
الأعراف : ( 99 ) أفأمنوا مكر الله . . . . .
والاستفهام فى ) أفأمنوا مكر الله ( للتقريع والتوبيخ وإنكار ما هم عليه من أمان مالا يؤمن من مكر الله بهم وعقوبته لهم وفى تكرير هذا الاستفهام زيادة تقرير لإنكار ما أنكره عليهم ثم بين حال من أمن مكر الله فقال ) فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ( أي الذين أفرطوا في الخسران ووقعوا في وعيده الشديد وقيل مكر الله هنا هو استدراجه بالنعمة والصحة والأولى حمله على ما هو أعم من ذلك
الأعراف : ( 100 ) أولم يهد للذين . . . . .
قوله ) أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها ( قرئ نهد بالنون وبالتحتية فعلى القراءة بالنون يكون فاعل الفعل هو الله سبحانه ومفعول الفعل ) أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ( أي أن الشأن هو هذا وعلى القراءة بالتحتية يكون فاعل يهد هو ) أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ( أي أخذناهم بكفرهم وتكذيبهم والهداية هنا بمعنى التبيين ولهذا عديت باللام قوله ) ونطبع على قلوبهم ( أي ونحن نطبع على قلوبهم على الاستبيان ولا يصح عطفه على أصبنا لأنهم ممن طبع الله على قلبه لعدم قبولهم للإيمان وقيل هو معطوف على فعل مقدر دل عليه الكلام كأنه قيل يغفلون عن الهداية ونطبع وقيل معطوف على يرثون قوله ) فهم لا يسمعون ( جواب لو أي صاروا بسبب إصابتنا لهم بذنوبهم والطبع على قلوبهم لا يسمعون ما يتلوه عليهم من أرسله الله إليهم من الوعظ والإعذار والإنذار
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة ( قال مكان الشدة الرخاء ) حتى عفوا ( قال كثروا وكثرت أموالهم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) حتى عفوا ( قال جموا وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) قد مس آباءنا الضراء والسراء ( قال قالوا قد أتى على آبائنا مثل هذا فلم يكن شيئا ) فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ( وأخرج عبد ابن حميد وابن أبي حاتم عنه في قوله ) ولو أن أهل القرى آمنوا ( قال بما أنزل الله ) واتقوا ( قال ما حرمه الله ) لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ( يقول أعطتهم السماء بركتها والأرض نباتها وأخرج ابن أبي حاتم من طريق معاذ بن رفاعة عن موسى الطائفي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أكرموا الخبز فإن الله


"""""" صفحة رقم 229 """"""
أنزله من بركات السماء وأخرجه من بركات الأرض واخرج البزار والطبراني قال السيوطي بسند ضعيف عن عبد الله ابن أم حرام قال صليت القبلتين مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء وسخر له بركات الأرض ومن تتبع ما يسقط من السفرة غفر له وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال كان أهل قرية أوسع الله عليهم حتى كانوا يستنجون بالخبر فبعث الله عليهم الجوع وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ? أو لم نهد ? قال أو لم نبين
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) للذين يرثون الأرض من بعد أهلها ( قال المشركون
سورة الأعراف الآية ( 101 102 )
الأعراف : ( 101 ) تلك القرى نقص . . . . .
قوله ) تلك القرى ( أي التى أهلكناها وهى قرى قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب المتقدم ذكرها ) نقص عليك ( أي نتلو عليك ) من أنبائها ( أي من أخبارها وهذه تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين ونقص إما في محل نصب على أنه حال و ) تلك القرى ( مبتدأ وخبر أو يكون في محل رفع على أنه الخبر و ) القرى ( صفة لتلك ومن في ) من أنبائها ( للتبعيض أي نقص عليك بعض أنبائها واللام في ) ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات ( جواب القسم والمعنى أن من أخبارهم أنها جاءتهم رسل الله ببيناته كما سبق بيانه في قصص الأنبياء المذكورين قبل هذا ) فما كانوا ليؤمنوا ( عند مجئ الرسل ) بما كذبوا ( به ) من قبل ( مجيئهم أو فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل في حال من الأحوال ولا في وقت من الأوقات بما كذبوا به قبل مجيئهم بل هم مستمرون على الكفر متشبثون بأذيال الطغيان دائما ولم ينجع فيهم مجئ الرسل ولا ظهر له أثر بل حالهم عند مجيئهم كحالهم قبله وقيل المعنى فما كانوا ليؤمنوا بعد هلاكهم بما كذبوا به لو أحييناهم كقوله ) ولو ردوا لعادوا ( وقيل سألوا المعجزات فلما رأوها لم يؤمنوا بما كذبوا به من قبل رؤيتها والأول أولى ومعنى تكذيبهم قبل مجئ الرسل أنهم كانوا في الجاهلية يكذبون بكل ما سمعوا به من إرسال الرسل وإنزال الكتب قوله ) كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين ( أي مثل ذلك الطبع الشديد يطبع الله على قلوب الكافرين فلا ينجع فيهم بعد ذلك وعظ ولا تذكير ولا ترغيب ولا ترهيب
الأعراف : ( 102 ) وما وجدنا لأكثرهم . . . . .
قوله ) وما وجدنا لأكثرهم من عهد ( الضمير يرجع إلى أهل القرى المذكورين سابقا أي ما وجدنا لأكثر أهل هذه القرى من عهد أي عهد يحافظون عليه ويتمسكون به بل دأبهم نقض العهود في كل حال وقيل الضمير يرجع إلى الناس على العموم أي ما وجدنا لأكثر الناس من عهد وقيل المراد بالعهد هو المأخوذ عليهم في عالم الذر وقيل الضمير يرجع إلى الكفار على العموم من غير تقييد بأهل القرى أي الأكثر منهم لا عهد ولا وفاء والقليل منهم قد بفى بعهده ويحافظ عليه وإن في ) وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ( هى المخففة من الثقيلة وضمير الشأن محذوف أي أن الشأن وجدنا أكثرهم لفاسقين أو هى النافية واللام في ) لفاسقين ( بمعنى إلا أي إلا فاسقين خارجين عن الطاعة خروجا شديدا


"""""" صفحة رقم 230 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بن كعب فى قوله ) فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ( قال كان في علم الله يوم أقروا له بالميثاق من يكذب به ممن يصدق به وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ( قال مثل قوله ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) وما وجدنا لأكثرهم من عهد ( قال الوفاء وأخرج ابن أبي حاتم في الآية قال هو ذاك العهد يوم أخذ الميثاق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ( قال ذاك أن الله إنما أهلك القرى لأنهم لم يكونوا حفظوا ما وصاهم به
سورة الأعراف الآية ( 103 122 )
الأعراف : ( 103 ) ثم بعثنا من . . . . .
قوله ) ثم بعثنا من بعدهم موسى ( أي من بعد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب أي ثم أرسلنا موسى به رسالنا لهؤلاء الرسل وقيل الضمير في ) من بعدهم ( راجع إلى الأمم السابقة أي من بعد إهلاكهم ) إلى فرعون وملئه ( فرعون هو لقب لكل من يملك أرض مصر بعد العمالقة وملأ فرعون أشراف قومه وتخصيصهم لذكر مع عموم الرسالة لهم ولغيرهم لأن من عداهم كالأتباع لهم قوله ) فظلموا بها ( أي كفروا بها واطلعوا


"""""" صفحة رقم 231 """"""
الظلم على الكفر لكون كفرهم بالآيات التى جاء بها موسى كان كفرا متبالغا لوجود ما يوجب الإيمان من المعجزات العظيمة التى جاءهم بها والمراد بالآيات هنا هى الآيات التسع أو معنى ) فظلموا بها ( ظلموا الناس بسببها لما صدوهم عن الإيمان بها أو ظلموا أنفسهم بسببها ) فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ( أي المكذبين بالآيات الكافرين بها وجعلهم مفسدين لأن تكذيبهم وكفرهم من أقبح أنواع الفساد
الأعراف : ( 104 ) وقال موسى يا . . . . .
قوله ) وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين ( أخبره بأنه مرسل من الله إليه وجعل ذلك عنوانا لكلامه معه لأن من كان مرسلا من جهة من هو رب العالمين أجمعين فهو حقيق بالقبول لما جاء به كما يقول من أرسله الملك في حاجة إلى رعيته أنا رسول الملك إليكم ثم يحكى ما أرسل به فإن في ذلك من تربية المهابة وإدخال الروعة ما لا يقادر قدره
الأعراف : ( 105 ) حقيق على أن . . . . .
قوله ) حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق ( قرئ حقيق على أن لا أقول أي واجب علي ولازم لي أن لا أقول فيما أبلغكم عن الله إلا القول الحق وقرئ ) حقيق على أن لا أقول ( بدون ضمير في على قيل في توجيهه أن على معنى الباء أي حقيق بأن لا أقول ويؤيده قراءة أبي والأعمش فإنهما قرآ ؟ حقيق على أن لا أقول ؟ وقيل إن ) حقيق ( مضمن معنى حريص وقيل إنه لما كان لازما للحق كان الحق لازما له فقول الحق حقيق عليه وهو حقيق على قول الحق وقيل إنه أغرق في وصف نفسه في ذلك المقام حتى جعل نفسه حقيقة على قول الحق كأنه وجب على الحق أن يكون موسى هو قائله وقرأ عبد الله بن مسعود ? حقيق أن لا أقول ? بإسقاط على ومعناها واضح ثم قال بعد هذا ) قد جئتكم ببينة من ربكم ( أي بما يتبين به صدقي وأني رسول من رب العالمين وقد طوى هنا ذكر ما دار بينهما من المحاورة كما فى موضع آخر أنه قال فرعون ) فمن ربكما يا موسى ( ثم قال بعد جواب موسى ) وما رب العالمين ( الآيات الحاكية لما دار بينهما قوله ) فأرسل معي بني إسرائيل ( أمره بأن يدع بني إسرائيل يذهبون معه ويرجعون إلى أوطانهم وهى الأرض المقدسة وقد كانوا باقين لديه مستعبدين ممنوعين من الرجوع إلى وطنهم والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فلما قال ذلك
الأعراف : ( 106 ) قال إن كنت . . . . .
) قال ( له فرعون ) إن كنت جئت بآية ( من عند الله كما تزعم ) فأت بها ( حتى نشاهدها وننظر فيها ) إن كنت من الصادقين ( في هذه الدعوى التى جئت بها
الأعراف : ( 107 ) فألقى عصاه فإذا . . . . .
قوله ) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ( أي وضعها على الأرض فانقلبت ثعبانا أي حية عظيمة من ذكور الحيات ومعنى ) مبين ( أن كونها حية في تلك الحال أمر ظاهر واضح لا لبس فيه
الأعراف : ( 108 ) ونزع يده فإذا . . . . .
) ونزع يده ( أي أخرجها وأظهرها من جيبه أو من تحت إبطه وفى التنزيل ) وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ( قوله ) فإذا هي بيضاء للناظرين ( أي فإذا يده التى أخرجها بيضاء تتلألأ نورا يظهر لكل مبصر
الأعراف : ( 109 ) قال الملأ من . . . . .
) قال الملأ ( أي الأشراف ) من قوم فرعون ( لما شاهدوا انقلاب العصى حية ومصير يده بيضاء من غير سوء ) إن هذا ( أي موسى ) لساحر عليم ( أي كثير العلم بالسحر ولا تنافى بين نسبة هذا القول إلى الملأ هنا وإلى فرعون في سورة الشعراء فكلهم قد قالوه فكان ذلك مصححا لنسبته إليهم تارة وإليه أخرى
الأعراف : ( 110 ) يريد أن يخرجكم . . . . .
وجملة ) يريد أن يخرجكم من أرضكم ( وصف لساحر والأرض المنسوبة إليهم هى أرض مصر وهذا من كلام الملأ وأما ) فماذا تأمرون ( فقيل هو من كلام فرعون قال للملإ لما قالوا بما تقدم أي بأي شئ تأمرونني وقيل هو من كلام الملإ أي قالوا لفرعون فبأي شئ تأمرنا وخاطبوه بما تخاطب به الجماعة تعظيما له كما يخاطب الرؤساء أتباعهم وما في موضع نصب بالفعل الذى بعدها ويجوز أن تكون ذا بمعنى الذى كما ذكره النحاة في ماذا صنعت وكون هذا من كلام فرعون هو الأولى بدليل ما بعده وهو
الأعراف : ( 111 ) قالوا أرجه وأخاه . . . . .
) قالوا أرجه وأخاه ( قال الملأ جوابا لكلام فرعون حيث استشارهم وطلب ما عندهم من الرأي أرجه أي أخره وأخاه يقال أرجأته وأرجيته أخرته قرأ عاصم والكسائي وحمزة وأهل المدينة ارجه بغير همز وقرأ الباقون بالهمز


"""""" صفحة رقم 232 """"""
وقرأ أهل الكوفة إلا الكسائي أرجه بسكون الهاء قال الفراء هى لغة للعرب يقفون على الهاء في الوصل وأنكر ذلك البصريون وقيل معنى أرجه احبسه وقيل هو من رجا يرجو أي أطمعه ودعه يرجوك حكاه النحاس عن محمد بن يزيد بن المبرد ) وأرسل في المدائن حاشرين ( أي أرسل جماعة حاشرين في المدائن التى فيها السحرة وحاشرين مفعول أرسل وقيل هو منصوب على الحال
الأعراف : ( 112 ) يأتوك بكل ساحر . . . . .
و ) يأتوك ( جواب الأمر أي يأتوك هؤلاء الذين أرسلتهم ) بكل سحار عليم ( أي بكل ماهر في السحر كثير العلم بصناعته قرأ أهل الكوفة إلى عاصم ) سحار ( وقرأ من عداهم ساحر
الأعراف : ( 113 ) وجاء السحرة فرعون . . . . .
قوله ) وجاء السحرة فرعون ( في الكلام طي أي فبعث في المدائن حاشرين وجاء السحرة فرعون قوله ) قالوا إن لنا لأجرا ( أي فلما جاءوا فرعون قالوا له إن لنا لأجرا والجملة استئنافية جواب سؤال مقدر كأنه قيل أي شئ قالوا له لما جاءوه والأجر الجائزة والجعل ألزموا فرعون أن يجعل لهم جعلا إن غلبوا موسى بسحرهم قرأ نافع وابن كثير ) أن لنا ( على الإخبار وقرأ الباقون ) أئن لنا ( على الاستفهام استفهموا فرعون عن الجعل الذى سيجعله لهم على الغلبة ومعنى الاستفهام التقرير وأما على القراءة الأولى فكأنهم قاطعون بالجعل وأنه لا بد لهم منه
الأعراف : ( 114 ) قال نعم وإنكم . . . . .
فأجابهم فرعون بقوله ) نعم وإنكم لمن المقربين ( أي إن لكم لأجرا وإنكم مع هذا الأجر المطلوب منكم لمن المقربين لدينا
الأعراف : ( 115 ) قالوا يا موسى . . . . .
قوله ) قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ( هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فما قالوا لموسى بعد أن قال لهم فرعون نعم وإنكم لمن المقربين والمعنى أنهم خيروا موسى بين أن يبتدئ بإلقاء ما يلقيه عليهم أو يبتدئوه هم بذلك تأدبا معه وثقة من أنفسهم بأنهم غالبون وإن تأخروا وأن في موضع نصب قاله الكسائي والفراء أي إما أن تفعل الإلقاء أو نفعله نحن
الأعراف : ( 116 ) قال ألقوا فلما . . . . .
فأجابهم موسى بقوله ) ألقوا ( اختار أن يكونوا المتقدمين عليه بإلقاء ما يلقونه غير مبال بهم ولا هائب لما جاءوا به قال الفراء في الكلام حذف المعنى قال لهم موسى إنكم لن تغلبوا ربكم ولن تبطلوا آياته وقيل هو تهديد أي ابتدئوا بالالقاء فستنظرون ما يحل بكم من الافتضاح والموجب لهذين التأويلين عند من قال بهما أنه لا يجوز على موسى أن يأمرهم بالسحر ) فلما ألقوا ( أي حبالهم وعصيهم ) سحروا أعين الناس ( أي قلبوها وغيروها عن صحة إدراكها بما جاءوا به من التمويه والتخييل الذى يفعله المشعوذون وأهل الخفة ) واسترهبوهم ( أي أدخلوا الرهبة فى قلوبهم إدخالا شديدا ) وجاؤوا بسحر عظيم ( في أعين الناظرين لما جاءوا به وإن كان لا حقيقة له في الواقع
الأعراف : ( 117 ) وأوحينا إلى موسى . . . . .
قوله ) وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك ( أمره الله سبحانه عند أن جاء السحرة بما جاءوا به من السحر أن يلقى عصاه ) فإذا هي ( أي العصا ) تلقف ما يأفكون ( قرأ حفص ) تلقف ( بإسكان اللام وتخفيف القاف من لقف يلقف
وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد القاف من تلقف يتلقف يقال لقفت الشيء وتلقفته إذا أخذته أو بلغته قال أبو حاتم وبلغني في بعض القراءات تلقم بالميم والتشديد قال الشاعر أنت عصا موسى التي لم تزل
تلقم ما يأفكه الساحر
و ) ما ( في ) ما يأفكون ( مصدرية أو موصولة أي إفكهم أو ما يأفكونه سماه إفكا لأنه لا حقيقة له في الواقع بل هو كذب وزور وتمويه وشعوذة
الأعراف : ( 118 ) فوقع الحق وبطل . . . . .
) فوقع الحق ( أي ظهر وتبين لما جاء به موسى ) وبطل ما كانوا يعملون ( من سحرهم أي تبين بطلانه
الأعراف : ( 119 ) فغلبوا هنالك وانقلبوا . . . . .
) فغلبوا ( أي السحرة ) هنالك ( أي في الموقف الذى أظهروا فيه سحرهم ) وانقلبوا ( من ذلك الموقف ) صاغرين ( أذلاء مقهورين
الأعراف : ( 120 ) وألقي السحرة ساجدين
) وألقي السحرة ساجدين ( أي خروا ساجدين كأنما ألقاهم ملق على هيئة السجود أو لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا أنفسهم
الأعراف : ( 121 - 122 ) قالوا آمنا برب . . . . .
وجملة ) قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ماذا قالوا عند سجودهم أو في سجودهم وإنما قالوا هذه المقالة وصرحوا


"""""" صفحة رقم 233 """"""
بأنهم آمنوا برب العالمين ثم لم يكتفوا بذلك حتى قالوا رب موسى وهارون لئلا يتوهم متوهم من قوم فرعون المقرين بإلهيته أن السجود له
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ثم بعثنا من بعدهم موسى ( قال إنما سمى موسى لأنه ألقى بين ماء وشجر فالماء بالقبطية مو والشجر سي وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن فرعون كان فارسيا من أهل إصطخر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج أيضا عن ابن لهيعة أنه كان من أبناء مصر وأخرج أيضا وأبو الشيخ عن محمد بن المنكدر قال عاش فرعون ثلثمائة سنة وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة أن فرعون كان قبطيا ولد زنا طوله سبعة أشبار
وأخرج أيضا عن الحسن قال كان علجا من همذان وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم بن مقسم الهذلي قال مكث فرعون أربعمائة سنة لم يصدع له رأس وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) فألقى عصاه ( قال ذكر لنا أن تلك العصا عصا آدم أعطاه إياها ملك حين توجه إلى مدين فكانت تضيء بالليل ويضرب بها الأرض بالنهار فتخرج له رزقه ويهش بها على غنمه ) فإذا هي ثعبان مبين ( قال حية تكاد تساوره وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لقد دخل موسى على فرعون وعليه زرمانقة من صوف ما تجاوز مرفقيه فاستأذن على فرعون فقال أدخلوه فدخل فقال إن إلهى أرسلني إليك فقال للقوم حوله ما علمت لكم من إله غيري خذوه قال إني قد جئتك بآية قال فائت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فصارت ثعبانا بين لحييه ما بين السقف إلى الأرض وأدخل يده في جيبه فأخرجها مثل البرق تلتمع الأبصار فخروا على وجوههم وأخذ موسى عصاه ثم خرج ليس أحد من الناس إلا نفر منه فلما أفاق وذهب عن فرعون الروع قال للملأ حوله ماذا تأمروني ) قالوا أرجه وأخاه ( ولا تأتنا به ولا يقربنا ) وأرسل في المدائن حاشرين ( وكانت السحرة يخشون من فرعون فلما أرسل إليهم قالوا قد احتاج إليكم إلهكم قال إن هذا فعل كذا وكذا قالوا إن هذا ساحر سحر ) إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين ( وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال عصى موسى اسمها ماشا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عنه في قوله ) فإذا هي ثعبان مبين ( قال الحية الذكر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) فإذا هي ثعبان مبين ( قال الذكر من الحيات فاتحة فمها واضعة لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجهت نحو فرعون لتأخذه فلما رآها ذعر منها ووثب فأحدث ولم يكن يحدث قبل ذلك فصاح يا موسى خذها وأنا أومن بربك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذها موسى فصارت عصا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) أرجه ( قال أخره وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال احبسه وأخاه
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس من طرق في قوله ) وأرسل في المدائن حاشرين ( قال الشرط وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله ) وجاء السحرة ( قال كانوا سبعين رجلا أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء
وقد اختلف كلمة السلف في عددهم فقيل كانوا سبعين كما قال ابن عباس وقيل كانوا اثنى عشر وقيل خمسة عشر ألفا وقيل سبع عشر ألفا وقيل تسعة عشر ألفا وقيل ثلاثين ألفا وقيل سبعين ألفا وقيل ثمانين ألفا وقيل ثلثمائة ألف وقيل تسعمائة ألف وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) إن لنا لأجرا ( أي عطاء وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فلما ألقوا ( قال ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا فأقبلت يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال ألقى موسى


"""""" صفحة رقم 234 """"""
عصاه فأكلت كل حية لهم فلما رأوا ذلك سجدوا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) تلقف ما يأفكون ( قال ما يكذبون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله ) تلقف ما يأفكون ( قال تسترط حبالهم وعصيهم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال التقى موسى وأمير السحرة فقال له موسى أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي وتشهد أن ما جئت به حق فقال الساحر لآتين غدا بسحر لا يغلبه سحر فوالله لئن غلبتني لأومنن بك ولأشهدن أنه حق وفرعون ينظر إليهما وهو قول فرعون ) إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ( وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي قال لما خر السحرة سجدا رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها
سورة الأعراف الآية ( 123 129 )
الأعراف : ( 123 ) قال فرعون آمنتم . . . . .
قوله ) آمنتم به ( قرئ بحذف الهمزة على الإخبار وبإثباتها أنكر على السحرة فرعون إيمانهم بموسى قبل أن يأذن لهم بذلك ثم قال بعد الإنكار عليهم مبينا لما هو الحامل لهم على ذلك فى زعمه ) إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ( أي حيلة احتلتموها أنتم وموسى عن مواطأة بينكم سابقة ) لتخرجوا ( من مدينة مصر ) أهلها ( من القبط وتستولوا عليها وتسكنوا فيها أنتم وبنو إسرائيل ومعنى ) في المدينة ( أن هذه الحيلة والمواطأة كانت بينكم وأنتم بالمدينة مدينة مصر قبل أن تبرزوا أنتم وموسى إلى هذه الصحراء ثم هددهم بقوله ) فسوف تعلمون ( عاقبة صنعكم هذا وسوء مغبته
الأعراف : ( 124 ) لأقطعن أيديكم وأرجلكم . . . . .
ثم لم يكتف بهذا الوعيد المجمل بل فصله فقال ) لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ( أي الرجل اليمنى واليد اليسرى أو الرجل اليسرى واليد اليمنى ثم لم يكتف عدو الله بهذا بل جاوزه إلى غيره فقال ) ثم لأصلبنكم ( في جذوع النخل أي أجعلكم عليها مصلوبين زيادة تنكيل بهم وإفراطا في تعذيبهم
الأعراف : ( 125 ) قالوا إنا إلى . . . . .
وجملة ) قالوا إنا إلى ربنا منقلبون ( استئنافية جواب سؤال كما تقدم ومعناه إنك وإن فعلت بنا هذا الفعل فتعده يوم الجزاء سيجازيك


"""""" صفحة رقم 235 """"""
الله بصنعك ويحسن إلينا بما أصابنا في ذاته فتوعدوه بعذاب الله في الآخرة لما توعدهم بعذاب الدنيا ويحتمل أن يكون المعنى ) إنا إلى ربنا منقلبون ( بالموت أي لا بد من الموت ولا يضرنا كونه بسبب منك
الأعراف : ( 126 ) وما تنقم منا . . . . .
قوله ) وما تنقم منا ( قرأ الحسن بفتح القاف قال الأخفش هى لغة وقرأ الباقون بكسرها يقال نقمت الأمر أنكرته أي لست تعيب علينا وتنكر منا ) إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ( مع أن هذا هو الشرف العظيم والخير الكامل ومثله لا يكون موضعا للعيب ومكانا للإنكار بل هو حقيق بالثناء الحسن والاستحسان البالغ ثم تركوا خطابه وقطعوا الكلام معه والتفتوا إلى خطاب الجناب العلى مفوضين الأمر إليه طالبين منه عز وجل أن يثبتهم على هذه المحنة بالصبر قائلين ) ربنا أفرغ علينا صبرا ( الإفراغ الصب أي اصببه علينا حتى يفيض ويغمرنا طلبوا أبلغ أنواع الصبر استعدادا منهم لما سينزل بهم من العذاب من عدو الله وتوطينا لأنفسهم على التصلب في الحق وثبوت القدم على الإيمان ثم قالوا ) وتوفنا مسلمين ( أي توفنا إليك حال ثبوتنا على الإسلام غير محرفين ولا مبدلين ولا مفتونين ولقد كان ما هم عليه من السحر والمهارة في علمه مع كونه شرا محضا سببا للفوز بالسعادة لأنهم علموا أن هذا الذى جاء به موسى خارج عن طوق البشر وأنه من فعل الله سبحانه فوصلوا بالشر إلى الخير ولم يحصل من غيرهم ممن لا يعرف هذا العلم من أتباع فرعون ما حصل منهم من الإذعان والاعتراف والإيمان وإذا كانت المهارة فى علم الشر قد تأتي بمثل هذه الفائدة فما بالك بالمهارة فى علم الخير اللهم انفعنا بما علمتنا وثبت أقدامنا على الحق وأفرغ علينا سجال الصبر وتوفنا مسلمين
الأعراف : ( 127 ) وقال الملأ من . . . . .
قوله ) وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ( هذا الاستفهام منهم للإنكار عليه أي أتتركه وقومه ليفسدوا في الأرض بإيقاع الفرقة وتشتيت الشمل والمراد بالأرض هنا أرض مصر قوله ) ويذرك وآلهتك ( قرأ نعيم بن ميسرة ) ويذرك ( بالرفع على تقدير المبتدأ أي وهو يذرك أو على العطف على ) أتذر موسى ( أي أتذره ويذرك وقرأ الأشهب العقيلي ) ويذرك ( بالجزم إما على التخفيف للسكون بثقل الضمة أو على ما قيل فيه ) وأكن من الصالحين ( في توجيه الجزم وقرأ أنس بن مالك ? ونذرك ? بالنون والرفع ومعناه أنهم أخبروا عن أنفسهم بأنهم سيذرونه وآلهته وقرأ الباقون ) ويذرك ( بالنصب بأن مقدرة على أنه جواب الاستفهام والواو نائبة عن الفاء أو عطفا على ? يفسدوا ? أي ليفسدوا وليذرك لأنهم على الفساد في زعمهم وهو يؤدي إلى ترك فرعون وآلهته
واختلف المفسرون في معنى ) وآلهتك ( لكون فرعون كان يدعى الربوبية كما في قوله ) ما علمت لكم من إله غيري ( وقوله ) أنا ربكم ( فقيل معنى وآلهتك وطاعتك وقيل معناه وعبادتك ويؤيده قراءة علي وابن عباس والضحاك ) وآلهتك ( وفى حرف أبى ? أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وقد تركوك أن يعبدوك ? وقيل إنه كان يعبد بقرة وقيل كان يعبد النجوم وقيل كان له أصنام يعبدها قومه تقربا إليه فنسبت إليه ولهذا قال ) أنا ربكم الأعلى ( قاله الزجاج وقيل كان يعبد الشمس فقال فرعون مجيبا لهم ومثبتا لقلوبهم على الكفر ) سنقتل أبناءهم ( قرأ نافع وابن كثير ) سنقتل ( بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد أي سنقتل الأبناء ونستحي النساء أي نتركهن فى الحياة ولم يقل سنقتل موسى لأنه يعلم أنه لا يقدر عليه ) وإنا فوقهم قاهرون ( أي مستعلون عليهم بالقهر والغلبة أو هم تحت قهرنا وبين أيدينا ما شئنا أن نفعله بهم فعلناه
الأعراف : ( 128 ) قال موسى لقومه . . . . .
وجملة ) قال موسى لقومه ( مستأنفة جواب سؤال مقدر لما بلغ موسى ما قاله فرعون أمر قومه بالاستعانة بالله والصبر على المحنة ثم أخبرهم ) إن الأرض ( يعني أرض مصر ) لله يورثها من يشاء من عباده ( أو جنس الأرض وهو وعد من موسى لقومه بالنصر على فرعون وقومه وأن الله سيورثهم أرضهم وديارهم ثم بشرهم بأن العاقبة للمتقين أي العاقبة المحمودة


"""""" صفحة رقم 236 """"""
في الدنيا والآخرة للمتقين من عباده وهم موسى ومن معه وعاقبة كل شيء آخره وقرئ ) والعاقبة ( بالنصب عطفا على الأرض
الأعراف : ( 129 ) قالوا أوذينا من . . . . .
وجملة ) قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كالتى قبلها أي أوذينا من قبل أن تأتينا رسولا وذلك بقتل فرعون أبناءنا عند مولدك لما أخبر بأنه سيولد مولود يكون زوال ملكه على يده ) ومن بعد ما جئتنا ( رسولا بقتل ابنائنا الآن وقيل المعنى أوذينا من قبل أن تأتينا باستعمالنا في الأعمال الشاقة بغير جعل ) ومن بعد ما جئتنا ( بما صرنا فيه الآن من الخوف على أنفسنا وأولادنا وأهلنا وقيل إن الأذى من قبل ومن بعد واحد وهو قبض الجزية منهم وجملة ) قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ( مستأنفة كالتى قبلها وعدهم بإهلاك الله لعدوهم وهو فرعون وقومه قوله ) ويستخلفكم في الأرض ( هو تصريح بما رمز إليه سابقا من أن الأرض لله وقد حقق الله رجاءه وملكوا مصر في زمان داود وسليمان وفتحوا بيت المقدس مع يوشع بن نون وأهلك فرعون وقومه بالغرق وأنجاهم ) فينظر كيف تعملون ( من الأعمال بعد أن يمن عليكم بإهلاك عدوكم ) ويستخلفكم في الأرض ( فيجازيكم بما عملتم فيه من خير وشر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ( إذا التقيتما لتظاهرا فتخرجا منها أهلها ) لأقطعن أيديكم ( الآية قال فقتلهم وقطعهم كما قال وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان أول من صلب فرعون وهو أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) من خلاف ( قال يدا من هاهنا ورجلا من هاهنا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ( قال من قبل إرسال الله إياك ومن بعده وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في الآية قال قالت بنو إسرائيل لموسى كان فرعون يكلفنا اللبن قبل أن تأتينا فلما جئت كلفنا اللبن مع التين أيضا فقال موسى أي رب أهلك فرعون حتى متى تبقيه فأوحى الله إليه إنهم لم يعملوا الذنب الذى أهلكهم به وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال حزا لعدو الله حاز أنه يولد في العام غلام يسلب ملكك قال فتتبع أولادهم في ذلك العام بذبح الذكر منهم ثم ذبحهم أيضا بعد ما جاءهم موسى وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إن بنا أهل البيت يفتح ويختم ولا بد أن تقع دولة لنبي هاشم فانظروا فيمن تكون من بني هاشم وفيهم نزلت ) عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ( وينبغى أن ينظر في صحة هذا عن ابن عباس
فالآية نازلة في بني إسرائيل لا فى بني هاشم واقعة في هذه القصة الحاكية لما جرى بين موسى وفرعون
سورة الأعراف الآية ( 130 133 )


"""""" صفحة رقم 237 """"""
سورة الأعراف الآية ( 134 136 )
الأعراف : ( 130 ) ولقد أخذنا آل . . . . .
المراد بآل فرعون هنا قومه والمراد بالسنين الجدب وهذا معروف عند أهل اللغة يقولون أصابتهم سنة أي جدب سنة وفى الحديث اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف وأكثر العرب يعربون السنين إعراب جمع المذكر السالم ومن العرب من يعربه إعراب المفرد ويجرى الحركات على النون وأنشد الفراء أرى مر السنين أخذن منى
كما أخذ السرار من الهلال
بكسر النون من السنين قال النحاس وأنشد سيبويه هذا البيت بفتح النون
أقول قد ورد ما لا احتمال فيه وهو قول الشاعر وماذا تزدرى الأقوام مني
وقد جاوزت حد الأربعين
وبعده أخو الخمسين مجتمع أشدى
وتجذبنى مداورة السنين
فإن الأبيات قبله وبعده مكسورة وأول هذه الأبيات أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني
وحكى الفراء عن بني عامر أنهم يقولون أقمت عنده سنينا مصروفا قال وبنو تميم لا يصرفونه ويقال أسنت القوم أي أجدبوا ومنه قول ابن الزبعري ورجال مكة مسنتون عجاف
) ونقص من الثمرات ( بسبب عدم نزول المطر وكثرة العاهات ) لعلهم يذكرون ( فيتعظون ويرجعون عن غوايتهم
الأعراف : ( 131 ) فإذا جاءتهم الحسنة . . . . .
قوله ) فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه ( أي الخصلة الحسنة من الخصب بكثرة المطر وصلاح الثمرات ورخاء الأسعار ) قالوا لنا هذه ( أي أعطيناها باستحقاق وهى مختصة بنا ) وإن تصبهم سيئة ( أي خصلة سيئة من الجدب والقحط وكثرة الأمراض ونحوها من البلاء ) يطيروا بموسى ومن معه ( أي تشاءموا بموسى ومن معه من المؤمنين به والأصل يتطيروا أدغمت التاء في الطاء وقرأ طلحة ? تطيروا ? على أنه فعل ماض وقد كانت العرب تتطير بأشياء من الطيور والحيوانات ثم استعمل بعد ذلك في كل من تشاءم بشيء ومثل هذا قوله تعالى ) وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ( قل ووجه تعريف الحسنة أنها كثيرة الوقوع ووجه تنكير السيئة ندرة وقوعها قوله ) ألا إنما طائرهم عند الله ( أي سبب خيرهم وشرهم بجميع ما ينالهم من خصب وقحط وهو من عند الله ليس بسبب موسى ومن معه وكان هذا الجواب على نمط ما يعتقدونه وبما يفهمونه ولهذا عبر بالطائر عن الخير والشر الذي يجرى بقدر الله وحكمته ومشيئته ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( بهذا بل ينسبون الخير والشر إلى غير الله جهلا منهم وقرأ الحسن ? طيرهم ?
الأعراف : ( 132 ) وقالوا مهما تأتنا . . . . .
قوله ) وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ( قال الخليل أصل مهما ما الشرطية زيدت عليه ما التى للتوكيد كما تزاد في سائر الحروف مثل حيثما وأينما وكيفما ومتى ما ولكنهم كرهوا


"""""" صفحة رقم 238 """"""
اجتماع المثلين فأبدلوا ألف الأولى هاء وقال الكسائي أصله مه أي اكفف ما تأتينا به من آية وزيدت عليها ما الشرطية وقيل هى كلمة مفردة يجازى بها ومحل مهما الرفع على الابتداء أو النصب بفعل يفسره ما بعدها ومن آية لبيان مهما وسموها آية استهزاء بموسى كما يفيده ما بعده وهو ) لتسحرنا بها ( أي لتصرفنا عما نحن عليه كما يفعله السحرة بسحرهم والضمير فى به عائد إلى مهما والضمير في بها عائد إلى آية وقيل إنهما جميعا عائدان إلى مهما وتذكير الأول باعتبار اللفظ وتأنيث الثاني باعتبار المعنى ) فما نحن لك بمؤمنين ( جواب الشرط أي فما نحن لك بمصدقين اخبروا عن أنفسهم أنهم لا يؤمنون بشيء مما يجئ به من الآيات التى هى في زعمهم من السحر
الأعراف : ( 133 ) فأرسلنا عليهم الطوفان . . . . .
فعند ذلك نزلت بهم العقوبة من الله عز وجل المبينة بقوله ) فأرسلنا عليهم الطوفان ( وهو المطر الشديد
قال الأخفش واحدة طوفانة وقيل هو مصدر كالرجحان والنقصان فلا واحد له وقيل الطوفان الموت
وقال النحاس الطوفان في اللغة ما كان مهلكا من موت أو سيل أي ما يطيف بهم فيهلكهم ) والجراد ( هو الحيوان المعروف أرسله الله لأكل زروعهم فأكلها ) والقمل ( قيل هى الدباء والدباء الجراد قبل أن تطير وقيل هى السوس وقيل البراغيث وقيل دواب سود صغار وقيل ضرب من القردان وقيل الجعلان قال النحاس يجوز أن تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم وقرأ الحسن ? القمل ? بفتح القاف وإسكان الميم وقرأ الباقون بضم القاف وفتح الميم مشددة وقد فسر عطاء الخراساني ? القمل ? بالقمل ) والضفادع ( جمع ضفدع وهو الحيوان المعروف الذى يكون في الماء ) والدم ( روى أنه سال النيل عليهم دما وقيل هو الرعاف قوله ) آيات مفصلات ( أي مبينات قال الزجاج هو منصوب على الحال والمعنى أرسلنا عليهم هذه الأشياء حال كونها آيات بينات ظاهرات ) فاستكبروا ( أي ترفعوا عن الإيمان بالله ) وكانوا قوما مجرمين ( لا يهتدون إلى حق ولا ينزعون عن باطل
الأعراف : ( 134 ) ولما وقع عليهم . . . . .
قوله ) ولما وقع عليهم الرجز ( أي العذاب بهذه الأمور التى أرسلها الله عليهم وقرئ بضم الراء وهما لغتان وقيل كان هذا الرجز طاعونا مات به من القبط في يوم واحد سبعون ألفا ) قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ( أي بما استودعك من العلم أو بما اختصك به من النبوة أو بما عهد إليك أن تدعو به فيجيبك والباء متعلقة بادع على معنى أسعفنا إلى ما نطلب من الدعاء بحق ما عندك من عهد الله أو ادع لنا متوسلا إليه بعهده عندك وقيل إن الباء للقسم وجوابه لنؤمنن أي أقسمنا بعهد الله عندك ) لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ( على أن جواب الشرط سد مسد جواب القسم وعلى أن الباء ليست للقسم تكون اللام في ) لئن كشفت عنا الرجز ( جواب قسم محذوف و ) لنؤمنن ( جواب الشرط ساد مسد جواب القسم ) ولنرسلن معك بني إسرائيل ( معطوف على لنؤمنن وقد كانوا حابسين لبني إسرائيل عندهم يمتهنونهم في الأعمال فوعدوه بإرسالهم معه
الأعراف : ( 135 ) فلما كشفنا عنهم . . . . .
) فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه ( أي رفعنا عنهم العذاب عند أن رجعوا إلى موسى وسألوه بما سألوه لكن لا رفعا مطلقا بل رفعا مقيدا بغاية هى الأجل المضروب لإهلاكهم بالغرق وجواب لما ) إذا هم ينكثون ( أي ينقضون ما عقدوه على أنفسهم وإذا هى الفجائية أي فاجئوا النكث وبادروه
الأعراف : ( 136 ) فانتقمنا منهم فأغرقناهم . . . . .
) فانتقمنا منهم ( أي أردنا الانتقام منهم لما نكثوا بسبب ما تقدم لهم من الذنوب المتعددة ) فأغرقناهم في اليم ( أي في البحر قيل هو الذى لا يدرك قعره وقل هو لجته وأوسطه وجملة ) بأنهم كذبوا بآياتنا ( تعليل للإغراق ) وكانوا عنها غافلين ( معطوف على كذبوا أي كانوا غافلين عن النقمة المدلول عليها بانتقمنا أو عن الآيات التى لم يؤمنوا بها بل كذبوا بها وكانوا في تكذيبهم بمنزلة الغافلين عنها والثاني أولى لأن الجملتين تعليل للإغراق
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود ) ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين (


"""""" صفحة رقم 239 """"""
قال السنين الجوع وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال السنين الجوائح ) ونقص من الثمرات ( دون ذلك وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما أخذ الله آل فرعون بالسنين يبس كل شيء لهم وذهبت مواشيهم حتى يبس نيل مصر واجتمعوا إلى فرعون فقالوا إن كنت كما تزعم فائتنا في نيل مصر بماء قال غدوة يصبحكم الماء فلما خرجوا من عنده قال أي شئ صنعت إن لم أقدر على أن أجري في نيل مصر ماء غدوة كذبوني فلما كان جوف الليل قام فاغتسل وليس مدرعة صوف ثم خرج حافيا حتى أتى نيل مصر فقال اللهم إنك تعلم أني أعلم أنك تقدر على أن تملأ نيل مصر ماء فأملأه ماء فما علم إلا بجزر الماء يقبل فخرج وأقبل النيل يزخ بالماء لما أراد الله بهم من الهلكة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فإذا جاءتهم الحسنة ( قال العافية والرخاء ) قالوا لنا هذه ( نحن أحق بها ) وإن تصبهم سيئة ( قال بلاء وعقوبة ) يطيروا بموسى ( قال يتشاءموا به وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) ألا إنما طائرهم عند الله ( قال الأمر من قبل الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
الطوفان الموت قال ابن كثير هو حديث غريب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال الطوفان الغرق وأخرج هؤلاء عن مجاهد قال الطوفان الموت على كل حال وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال الطوفان مطروا دائما بالليل والنهار ثمانية أيام والقمل الجراد الذى له أجنحة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال الطوفان أمر من أمر ربك ثم قرأ ) فطاف عليها طائف من ربك ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال الطوفان الماء والطاعون والجراد قال يأكل مسامير أرتجهم يعني أبوابهم وثيابهم والقمل الدباء والضفادع تسقط على فرشهم وفى أطعمتهم والدم يكون في ثيابهم ومائهم وطعامهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال القمل الدباء واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال كانت الضفادع برية فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف نفسها في القدر وهى تغلى وفى التنانير وهى تفور
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال سال النيل دما فكان الإسرائيلي يستقى ماء طيبا ويستقى الفرعوني دما ويشتركان في إناء واحد فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء طيبا وما يلي الفرعوني دما وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله ) والدم ( قال سلط الله عليهم الرعاف وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة أربعين سنة يريهم الآيات والجراد والقمل والضفادع وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) آيات مفصلات ( قال كانت آيات مفصلات يتبع بعضها بعضا ليكون لله الحجة عليهم وأخرج ابن المنذر عنه قال يتبع بعضها بعضا تمكث فيهم سبتا إلى سبت ثم ترفع عنهم شهرا وأخرج ابن مردويه عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الرجز العذاب وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال الرجز الطاعون وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إلى أجل هم بالغوه ( قال الغرق وأخرج ابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال اليم البحر وأخرج أيضا عن السدي مثله


"""""" صفحة رقم 240 """"""
سورة الأعراف الآية ( 137 141 )
الأعراف : ( 137 ) وأورثنا القوم الذين . . . . .
قوله ) وأورثنا القوم ( يعنى بني إسرائيل ) الذين كانوا يستضعفون ( أي يذلون ويمتهون بالخدمه لفرعون وقومه ) مشارق الأرض ومغاربها ( منصوبان بأورثنا وقال الكسائى والفراء إن الأصل فى مشارق الأرض ومغاربها ثم حذفت ) في ( فنصبا والأول أظهر لأنه يقال أورثته المال والأرض هى مصر الشام ومشارقها جهات مشرقها ومغاربها جهات مغاربها وهى التى كانت لفرعون وقومه من القبط وقيل المراد جميع الأرض لأن داود وسليمان من بني إسرائيل وقد ملكا الأرض قوله ) التي باركنا فيها ( صفة للمشارق والمغارب وقيل صفة الأرض والمباركة فيها إخراج الزرع والثمار منها على أتم ما يكون وأنفع ما ينفق قوله ) وتمت كلمة ربك الحسنى ( أي مضت واستمرت على التمام والكلمة هى ) ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ( وهذا وعد من الله سبحانه بالنصر والظفر بالأعداء والاستيلاء على أملاكهم والحسنى صفة للكلمة وهى تأنيث الأحسن وتمام هذه الكلمة ) على بني إسرائيل ( بسبب صبرهم على ما أصيبوا به من فرعون وقومه قوله ) ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه ( التدمير الإهلاك أي أهلكنا بالخراب ما كانوا يصنعونه من العمارات ) وما كانوا يعرشون ( قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ) يعرشون ( بضم الراء قال الكسائي هى لغة تميم وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة ) يعرشون ( بتشديد الراء وضم حرف المضارعة وقرأ الباقون بكسر الراء مخففة أي ما كانوا يعرشونه من الجنات ومنه قوله تعالى ) وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات ( وقيل معنى يعرشون يبنون يقال عرش يعرش أي بنى يبنى
الأعراف : ( 138 ) وجاوزنا ببني إسرائيل . . . . .
قوله ) وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ( هذا شروع فى بيان ما فعله بنو إسرائيل بعد الفراغ مما فعله فرعون وقومه ومعنى جاوزنا ببني إسرائيل البحر جزناه بهم وقطعناه وقرئ جوزنا بالتشديد وهو بمعنى قراءة الجمهور ) فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ( قرأ حمزة والكسائي ) يعكفون ( بكسر الكاف وقرأ الباقون بضمها يقال عكف يعكف ويعكف بمعنى أقام على الشئ ولزمه والمصدر منهما عكوف قيل هؤلاء القوم الذين أتاهم بنو إسرائيل هم من لخم كانوا نازلين بالرقة كانت أصنامهم تماثيل بقر وقيل كانوا من الكنعانيين ) قالوا ( أي بنو إسرائيل عند مشاهدتهم لتلك التماثيل ) يا موسى اجعل لنا إلها ( أي صنما نعبده كائنا كالذى لهؤلاء القوم فالكاف متعلق بمحذوف وقع صفة لإلها فأجاب عليهم موسى و ) قال إنكم قوم تجهلون ( وصفهم بالجهل لأنهم قد شاهدوا من آيات الله ما يزجر من له أدنى علم عن طلب عبادة غير الله ولكن هؤلاء القوم أعني بنى إسرائيل أشد خلق الله عنادا وجهلا وتلونا وقد سلف في سورة البقرة بيان


"""""" صفحة رقم 241 """"""
ما جرى منهم من ذلك
الأعراف : ( 139 ) إن هؤلاء متبر . . . . .
ثم قال لهم موسى ) إن هؤلاء ( يعني القوم العاكفين على الأصنام ) متبر ما هم فيه ( التبار الهلاك وكل إناء منكسر فهو متبر أي أن هؤلاء هالك ما هم فيه مدمر مكسر والذى هم فيه هو عبادة الأصنام أخبرهم بأن هذا الدين الذى هؤلاء القوم عليه هالك مدمر لا يتم منه شيء قوله ) وباطل ما كانوا يعملون ( أي ذاهب مضمحل جميع ما كانوا يعملونه من الأعمال مع عبادتهم للأصنام قال في الكشاف وفى إيقاع هؤلاء اسما لإن وتقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبرا لها وسم لعبدة الأصنام بأنهم هم المعرضون للتيار وأنه لا يعدوهم ألبتة وأنه لهم ضربه لازب ليحذرهم عاقبة ما طلبوا وتبغض إليهم ما أحبوا
الأعراف : ( 140 ) قال أغير الله . . . . .
قوله ) أغير الله أبغيكم إلها ( الاستفهام للإنكار والتوبيخ أي كيف أطلب لكم غير الله إلها تعبدونه وقد شاهدتم من آياته العظام ما يكفى البعض منه والمعنى أن هذا الذى طلبتم لا يكون أبدا وإدخال الهمزة على غير للإشعار بأن المنكر هو كون المبتغى غيره سبحانه إلها وغير مفعول للفعل الذى بعده وإلها تمييز أو حال وجملة ) وهو فضلكم على العالمين ( في محل نصب على الحال أي والحال أنه فضلكم على العالمين من أهل عصركم بما أنعم به عليكم من إهلاك عدوكم واستخلافكم في الأرض وإخراجكم من الذل والهوان إلى العز والرفعة فكيف تقابلون هذه النعم بطلب عبادة غيره
الأعراف : ( 141 ) وإذ أنجيناكم من . . . . .
قوله ) وإذ أنجيناكم من آل فرعون ( أي واذكروا وقت إنجائنا لكم من آل فرعون بعد أن كانوا مالكين لكم يستعبدونكم فيما يريدونه منكم ويمتهنونكم بأنواع الامتهانات هذا على أن هذا الكلام محكى عن موسى وأما إذا كان في حكم الخطاب لليهود الموجودين في عصر محمد فهو بمعنى اذكروا إذ أنجينا أسلافكم من آل فرعون وجملة ) يسومونكم سوء العذاب ( فى محل نصب على الحال أي أنجيناكم من آل فرعون حال كونهم ) يسومونكم سوء العذاب ( ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان ما كانوا فيه مما أنجاهم منه وجملة ) يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم ( مفسرة للجملة التى قبلها أو بدل منها وقد سبق بيان ذلك والإشارة بقوله ) وفي ذلكم ( إلى العذاب أي في هذا العذاب الذى كنتم فيه ) بلاء ( عليكم ) من ربكم عظيم ( وقيل الإشارة إلى الإنجاء والبلاء النعمة والأول أولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله ) مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ( قال الشام وأخرج هؤلاء عن قتادة مثله وأخرج ابن عساكر عن زيد بن أسلم نحوه وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن شوذب قال هى فلسطين وقد روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في فضل الشام أحاديث ليس هذا موضع ذكرها وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) وتمت كلمة ربك الحسنى ( قال ظهور قوم موسى على فرعون وتمكين الله لهم في الأرض وما ورثهم منها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وما كانوا يعرشون ( قال يبنون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ( قال لخم وجذام وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي عمران الجوني مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال تماثيل بقر من نحاس فلما كان عجل السامري شبه لهم أنه من تلك البقر فذلك كان أول شأن العجل ليكون لله عليهم الحجة فينتقم منهم بعد ذلك وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي واقد الليثي قال خرجنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبل حنين فمررنا بسدرة فقلت يا رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها


"""""" صفحة رقم 242 """"""
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم وأخرج نحوه ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا وكثير ضعيف جدا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) متبر ( قال خسران وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال هلاك
سورة الأعراف الآية ( 142 )
الأعراف : ( 142 ) وواعدنا موسى ثلاثين . . . . .
هذا من جملة ما كرم الله به موسى عليه السلام وشرفه والثلاثين هى ذو القعدة والعشر هى عشر ذي الحجة ضرب الله هذه المدة موعدا لمناجاة موسى ومكالمته قيل وكان التكليم في يوم النحر والفائدة فى ) فتم ميقات ربه أربعين ليلة ( مع العلم بأن الثلاثين والعشر أربعون ليلا يتوهم وأن المراد أتممنا الثلاثين بعشر منها فبين أن العشر غير الثلاثين وأربعين ليلة منصوب على الحال أي فتم حال كونه بالغا أربعين ليلة قوله ) وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي ( أي كن خليفتي فيهم قال موسى هذا لما أراد المضي إلى المناجاة ) وأصلح ( أمر بني إسرائيل بحسن سياستهم والرفق بهم وتفقد أحوالهم ) ولا تتبع سبيل المفسدين ( أي لا تسلك سبيل العاصين ولا تكن عونا للظالمين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله ) وواعدنا موسى ( الآية قال ذو القعدة وعشر من ذي الحجة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد مثله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال إن موسى قال لقومه إن ربي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه وأخلف هارون فيكم فلما فصل موسى إلى ربه زاده الله عشرا فكانت فتنتهم في العشر التى زاده الله فلما مضى ثلاثون ليلة كان السامري قد أبصر جبريل فأخذ من أثر الفرس قبضة من تراب ثم ذكر قصة السامري
سورة الأعراف الآية ( 143 145 )


"""""" صفحة رقم 243 """"""
سورة الأعراف الآية ( 146 147 )
الأعراف : ( 143 ) ولما جاء موسى . . . . .
اللام في ) لميقاتنا ( للاختصاص أي كان مجيئه مختصا بالميقات المذكور بمعنى أنه جاء في الوقت الموعود ) وكلمه ربه ( أي أسمعه كلامه من غير واسطة قوله ) أرني أنظر إليك ( أي أرني نفسك أنظر إليك أي سأله النظر إليه اشتياقا إلى رؤيته لما أسمعه كلامه وسؤال موسى للرؤية يدل على أنها جائزة عنده في الجملة ولو كانت مستحيلة عنده لما سألها والجواب بقوله ) لن تراني ( يفيد أنه لا يراه هذا الوقت الذى طلب رؤيته فيه أو أنه لا يرى ما دام الرائي حيا في دار الدنيا وأما رؤيته في الآخرة فقد ثبتت بالأحاديث المتواترة تواترا لا يخفى على من يعرف السنة المطهرة والجدال في مثل هذا والمراوغة لا تأتي بفائدة ومنهج الحق واضح ولكن الإعتقاد لمذهب نشأ الإنسان عليه وأدرك عليه آباءه وأهل بلده مع عدم التنبه لما هو المطلوب من العباد من هذه الشريعة المطهرة يوقع في التعصب والمتعصب وإن كان بصره صحيحا فبصيرته عمياء وأذنه عن سماع الحق صماء يدفع الحق وهو يظن أنه ما دفع غير الباطل ويحسب أن ما نشأ عليه هو الحق غفلة منه وجهلا بما أوجبه الله عليه من النظر الصحيح وتلقى ما جاء به الكتاب والسنة بالإذعان والتسليم وما أقل المنصفين بعد ظهوره هذه المذاهب في الأصول والفروع فإنه صار بها باب الحق مرتجا وطريق الإنصاف مستوعرة والأمر لله سبحانه والهداية منه يأبى الفتى إلا اتباع الهوى
ومنهج الحق له واضح
وجملة ) قال لن تراني ( مستأنفة لكونها جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل فما قال الله له والاستدراك بقوله ) ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ( معناه أنك لا تثبت لرؤيتي ولا يثبت لها ما هو أعظم منك جرما وصلابة وقوة وهو الجبل فانظر إليه ) فإن استقر مكانه ( ولم يتزلزل عنه رؤيتي له ) فسوف تراني ( وإن ضعف عن ذلك فأنت منه أضعف فهذا الكلام بمنزلة ضرب المثل لموسى عليه السلام بالجبل وقيل هو من باب التعليق بالمحال وعلى تسليم هذا فهو في الرؤية في الدنيا لما قدمنا
وقد تمسك بهذه الآية كلا طائفتي المعتزلة والأشعرية فالمعتزلة استدلوا بقوله ) لن تراني ( وبأمره بأن ينظر إلى الجبل والأشعرية قالوا إن تعليق الرؤية باستقرار الجبل يدل على أنها جائزة غير ممتنعة ولا يخفاك أن الرؤية الأخروية هى بمعزل عن هذا كله والخلاف بينهم هو فيها لا فى الرؤية في الدنيا فقد كان الخلاف فيها في زمن الصحابة وكلامهم فيها معروف قوله ) فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ( تجلى معناه ظهر من قولك جلوت العروس أي أبرزتها وجلوت السيف أخلصته من الصدأ وتجلى الشيء انكشف والمعنى فلما ظهر ربه للجبل جعله دكا وقيل المتجلى هو أمره وقدرته قاله قطرب وغيره والدك مصدر بمعنى المفعول أي جعله مدكوكا مدقوقا فصار ترابا هذا على قراءة من قرأ دكا بالمصدر وهم أهل المدينة وأهل البصرة وأما على قراءة أهل الكوفة ) جعله دكاء ( على التأنيث والجمع دكاوات كحمراء وحمراوات وهى اسم للرابية الناشزة من الأرض أو للأرض المستوية فالمعنى أن الجبل صار صغيرا كالرابية أو أرضا مستوية قال الكسائي الدك الجبال العراض واحدها أدك والدكاوات جمع دكاء وهى رواب من طين ليست بالغلاظ والدكادك ما التبد من الأرض


"""""" صفحة رقم 244 """"""
فلم يرتفع وناقة دكاء لا سنام لها ) وخر موسى صعقا ( أي مغشيا عليه مأخوذا من الصاعقة والمعنى أنه صار حاله لما غشى عليه كحال من يغشى عليه عند إصابة الصاعقة له يقال صعق الرجل فهو صعق ومصعوق إذا أصابته الصاعقة ) فلما أفاق ( من غشيته ) قال سبحانك ( أي أنزهك تنزيها من أن أسأل شيئا لم تأذن لي به ) تبت إليك ( عن العود إلى مثل هذا السؤال قال القرطبي وأجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية فإن الأنبياء معصومون وقيل هى توبة من قتله للقبطي ذكره القشيري ولا وجه له فى مثل هذا المقام ) وأنا أول المؤمنين ( بل قبل قومي الموجودين في هذا العصر المعترفين بعظمتك وجلالك
الأعراف : ( 144 ) قال يا موسى . . . . .
وجملة ) قال يا موسى ( مستأنفة كالتى قبلها متضمنة لإكرام موسى واختصاصه بما اختصه الله به والاصطفاء الاجتباء والاختيار أي اخترتك على الناس المعاصرين لك برسالتي كذا قرأ نافع وابن كثير بالإفراد وقرأ الباقون بالجمع والرسالة مصدر والأصل فيه الإفراد ومن جمع فكأنه نظر إلى أن الرسالة هى على ضروب فجمع لاختلاف الأنواع والمراد بالكلام هنا التكليم امتن الله سبحانه عليه بهذين النوعين العظيمين من أنواع الإكرام وهما الرسالة والتكليم من غير واسطة ثم أمره بأن يأخذ ما آتاه أي أعطاه من هذا الشرف الكريم وأمره بأن يكون من الشاكرين على هذا العطاء العظيم والإكرام الجليل
الأعراف : ( 145 ) وكتبنا له في . . . . .
قوله ) وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء ( من كل شئ أي من كل ما يحتاج إليه بنو إسرائيل في دينهم ودنياهم وهذه الألواح هى التوراة قيل كانت من زمردة خضراء وقيل من ياقوته حمراء وقيل من زبرجد وقيل من صخرة صماء وقد اختلف في عدد الألواح وفى مقدار طولها وعرضها والألواح جمع لوح وسمى لوحا لكونه تلوح فيه المعاني وأسند الله سبحانه الكتابة إلى نفسه تشريفا للمكتوب في الألواح وهى مكتوبة بأمره سبحانه وقيل هى كتابه خلقها الله في الألواح و ) من كل شيء ( في محل نصب على أنه مفعول ) كتبنا ( و ) موعظة وتفصيلا ( بدل من محل كل شئ أي موعظة لمن يتعظ بها من بنى إسرائيل وغيرهم وتفصيلا للأحكام المحتاجة إلى التفصيل ) فخذها بقوة ( أي خذ الألواح بقوة أي بجد ونشاط وقيل الضمير عائد إلى الرسالات أو إلى كل شئ أو إلى التوراة قيل وهذا الأمر على إضمار القول أي فقلنا له خذها وقيل إن ) فخذها ( بدل من قوله ) فخذ ما آتيتك ( ) وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ( أي بأحسن ما فيها بما أجره أكثر من غيره وهو مثل قوله تعالى ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ( وقوله ) فيتبعون أحسنه ( ومن الأحسن الصبر على الغير والعفو عنه والعمل بالعزيمة دون الرخصة وبالفريضة دون النافلة وفعل المأمور به وترك المنهي عنه قوله ) سأريكم دار الفاسقين ( قيل هى أرض مصر التى كانت لفرعون وقومه وقيل منازل عاد ثمود وقيل هى جهنم وقيل منازل الكفار من الجبابرة والعمالقة ليعتبروا بها وقيل الدار الهلاك والمعنى سأريكم هلاك الفاسقين وقد تقدم تحقيق معنى الفسق
الأعراف : ( 146 ) سأصرف عن آياتي . . . . .
قوله ) سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ( قيل معنى ) سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون ( سأمنعهم فهم كتابي وقيل سأصرفهم عن الإيمان بها وقيل سأصرفهم عن نفعها مجازاة على تكبرهم كما في قوله ) فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ( وقيل سأطبع على قلوبهم حتى لا يتفكروا فيها ولا يعتبروا بها
واختلف فى تفسير الآيات فقيل هى المعجزات وقيل الكتب المنزلة وقيل هى خلق السموات والأرض وصرفهم عنها أن لا يعتبروا بها ولا مانع من حمل الآيات على جميع ذلك حمل الصرف على جميع المعاني المذكورة و ) بغير الحق ( إما متعلق بقوله ) يتكبرون ( أي يتكبرون بما ليس بحق أو بمحذوف وقع حالا أي يتكبرون متلبسين بغير الحق قوله ) وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ( معطوف على ) يتكبرون ( منتظم معه في حكم الصلة والمعنى


"""""" صفحة رقم 245 """"""
سأصرف عن آياتي المتكبرين التاركين للإيمان بما يرونه من الآيات ويدخل تحت كل آية الآيات المنزلة والآيات التكوينية والمعجزات أي لا يؤمنون بآية من الآيات كائنة ما كانت وقرأ مالك بن دينار ) يروا ( بضم الياء في الموضعين وجملة ) وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ( معطوفة على ما قبلها داخلة في حكمها وكذلك جملة ) وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ( والمعنى أنهم إذا وجدوا سبيلا من سبل الرشد تركوه وتجنبوه وإن رأوا سبيلا من سبل الغي سلكوه واختاروه لأنفسهم قرأ أهل المدينة وأهل البصرة ) الرشد ( بضم الراء وإسكان الشين وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما بفتح الراء والشين قال أبو عبيدة فرق أبو عمرو بين الرشد والرشد فقال الرشد الصلاح والرشد في الدين قال النحاس سيبويه يذهب إلى أن الرشد والرشد كالسخط والسخط قال الكسائي والصحيح عن أبي عمرو وغيره ما قال أبو عبيدة وأصل الرشد في اللغة أن يظفر الإنسان بما يريد وهو ضد الخيبة والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الصرف أي ذلك الصرف بسبب تكذيبهم أو الإشارة إلى التكبر وعدم الإيمان بالآيات وتجنب سبيل الرشد وسلوك سبيل الغي واسم الإشارة مبتدأ وخبره جملة ) بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ( أي بسبب تكذيبهم بالآيات وغفلتهم عنها
الأعراف : ( 147 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
والموصول في ) والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة ( مبتدأ وخبره ) حبطت أعمالهم ( والمراد بلقاء الآخرة لقاء الدار الآخرة أي لقائهم لها أو لقائهم ما وعدوا به فيها على أن الإضافة إلى الظرف وحباط الأعمال بطلانها أي بطلان ما عملوه مما صورته صورة الطاعة كالصدقة والصلة وإن كانوا في حال كفرهم لا طاعات لهم ويحتمل أن يراد أنها تبطل بعد ما كانت مرجوة النفع على تقدير إسلامهم لما في الحديث الصحيح أسلمت على ما أسلفت من خير ) هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ( من الكفر بالله والتكذيب بآياته وتنكب سبيل الحق وسلوك سبيل الغي
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن كعب قال لما كلم الله موسى قال يارب أهكذا كلامك قال يا موسى إنما أكلمك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها ولو كلمتك بكنه كلامي لم تك شيئا
وأخرج البزار وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات من حديث جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما كان الله موسى يوم الطور كلمه بغير الكلام الذى كلمه به يوم ناداه فقال له موسى يارب أهذا كلامك الذى كلمتني به قال يا موسى إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها وأقوى من ذلك فلما رجع موسى إلى بنى إسرائيل قالوا يا موسى صف لنا كلام الرحمن فقال لا تستطيعونه ألم تروا إلى أصوات الصواعق التى تقتل في أحلا حلاوة سمعتموه فذاك قريب منه وليس به
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال إنما كلم الله موسى بقدر ما يطيق من كلامه ولو تكلم بكلامه كله لم يطقه شئ فمكث موسى أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات من نور رب العالمين وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) قال رب أرني أنظر إليك ( يقول أعطني أنظر إليك وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية قال لما سمع الكلام طمع في الرؤية
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال حين قال موسى لربه تبارك وتعالى ) رب أرني أنظر إليك ( قال الله يا موسى إنك لن تراني قال يقول ليس تراني ولا يكون ذلك أبدا يا موسى إنه لن يراني أحد فيحيا قال موسى رب أني أراك ثم أموت أحب إلي من أن لا أراك ثم أحيا فقال الله لموسى يا موسى انظر إلى الجبل العظيم الطويل الشديد ) فإن استقر مكانه ( يقول فإن ثبت مكانه لم يتضعضع ولم ينهد لبعض ما يرى من عظمتي ) فسوف تراني ( أنت لضعفك وذلتك وإن الجبل انهد بقوته وشدته وعظمته فأنت أضعف وأذل وأخرج أحمد وعبد


"""""" صفحة رقم 246 """"""
ابن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ هذه الآية ) فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ( قال هكذا وأشار بأصبعيه ووضع إبهاميه على أنملة الخنصر وفى لفظ على المفصل الأعلى من الخنصر فساخ الجبل ) وخر موسى صعقا ( وفى لفظ فساخ الجبل في الأرض فهو يهوى فيها إلى يوم القيامة وهذا الحديث حديث صحيح على شرط مسلم وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال الجبل الذى أمره الله أن ينظر إليه الطور وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن ابن عباس ) فلما تجلى ربه للجبل ( قال ما تجلى منه إلا قدر الخنصر ) جعله دكا ( قال ترابا ) وخر موسى صعقا ( قال مغشيا عليه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والديلمي عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة بالمدينة أحد وورقان ورضوى وبمكة حراء وثبير وثور وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما تجلى الله لموسى تطايرت سبعة أجبل ففي الحجاز خمسة منها وفى اليمن اثنان في الحجاز أحد وثبير وحراء وثور وورقان وفى اليمن حضور وصبر وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس أن موسى لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه فسأله فقال ) لن تراني ولكن انظر إلى الجبل ( قال فحف حول الجبل الملائكة وحف حول الملائكة بنار وحف حول النار بملائكة وحف حولهم بنار ثم تجلى ربه للجبل تجلى منه مثل الخنصر فجعل الحبل دكا وخر موسى صعقا فلم يزل صعقا ما شاء الله ثم أفاق فقال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين من بنى إسرائيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن علي ابن أبي طالب قال كتب الله الألواح لموسى وهو يسمع صريف الأقلام في لوح وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الألواح التى أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة كان طول اللوح اثنى عشر ذراعا وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير قال كانوا يقولون كانت الألواح من ياقوتة وأنا أقول إنما كانت من زمرد وكتابها الذهب كتبها الله بيده فسمع أهل السموات صريف الأقلام
أقول رحم الله سعيدا ما كان أغناه عن هذا الذى قاله من جهة نفسه فمثله لا يقال بالرأي ولا بالحدس والذى يغلب به الظن أن كثيرا من السلف رحمهم الله كانوا يسألون اليهود عن هذه الأمور فلهذا اختلف واضطربت فهذا يقول من خشب وهذا يقول من ياقوت وهذا يقول من زمرد وهذا يقول من زبرجد وهذا يقول من برد وهذا يقول من حجر وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) وكتبنا له في الألواح من كل شيء ( كل شئ أمروا به ونهوا عنه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله وقد اختلف السلف في المكتوب في الألواح اختلافا كثيرا ولا مانع من حمل المكتوب على جميع ذلك لعدم التنافي وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) فخذها بقوة ( قال بجد وحزم ) سأريكم دار الفاسقين ( قال دار الكفار وأخرج ابن جرير عنه ) وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ( قال أمر موسى أن يأخذها بأشد مما أمر به قومه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس ) فخذها بقوة ( قال بطاعة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) فخذها بقوة ( يعني بجد واجتهاد ) وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ( قال بأحسن ما يجدون منها وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) سأريكم دار الفاسقين ( قال


"""""" صفحة رقم 247 """"""
مصيرهم في الآخرة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة قال منازلهم في الدنيا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال جهنم وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال مصر وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) سأصرف عن آياتي ( قال عن أن يتفكروا في آياتي وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج ) عن آياتي ( قال عن خلق السموات والأرض والآيات التى فيها سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها أو يعتبروا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سفيان بن عيينة في الآية قال أنزع عنهم فهم القرآن
سورة الأعراف الآية ( 148 151 )
الأعراف : ( 148 ) واتخذ قوم موسى . . . . .
قوله ) واتخذ قوم موسى من بعده ( أي من بعد خروجه إلى الطور ) من حليهم ( متعلق باتخذ أو بمحذوف وقع حالا ومن للتبعيض أو للابتداء أو للبيان والحلى جمع حلى وقرأ أهل المدينة وأهل البصرة ) من حليهم ( بضم الحاء وتشديد الياء وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما بكسر الحاء وقرأ يعقوب بفتح الحاء وتخفيف الياء قال النحاس جمع حلي وحلى وحلى مثل ثدى وثدى وثدى والأصل حلوى أدغمت الواو في الياء فانكسرت اللام لمجاورتها الياء وتكسر الحاء لكسرة اللام وضمها على الأصل وأضيفت الحلى إليهم وإن كانت لغيرهم لأن الإضافة تجوز لأدنى ملابسة و ) عجلا ( مفعول اتخذ وقيل هو بمعنى التصيير فيتعدى إلى مفعولين ثانيهما محذوف أي اتخذوا عجلا إلها و ) جسدا ( بدل من عجلا وقيل وصف له والخوار الصياح يقال خار يخور خورا إذا صاح وكذلك خار يخار خوارا ونسب اتخاذ العجل إلى القوم جميعا مع أنه اتخذه السامري وحده لكونه واحدا منهم وهم راضون بفعله روى أنه لما وعد موسى قومه ثلاثين ليلة فأبطأ عليهم في العشر المزيدة قال السامري لبني إسرائيل وكان مطاعا فيهم إن معكم حليا من حلى آل فرعون الذى استعرتموه منهم لتتزينوا به في العيد وخرجتم وهو معكم وقد أغرق الله أهله من القبط فهاتوها فدفعوها إليه فاتخذ منها العجل المذكور قوله ) ألم يروا أنه لا يكلمهم ( الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي ألم يعتبروا بأن هذا الذى اتخذوه إلها لا يقدر على تكليمهم فضلا عن أن يقدر على جلب نفع لهم أو دفع ضر منهم ) ولا يهديهم سبيلا ( أي طريقا واضحة يسلكونها ) اتخذوه وكانوا ظالمين ( أي اتخذوه إلها ) وكانوا ظالمين ( لأنفسهم في اتخاذه أو في كل شئ ومن جملة ذلك هذا الاتخاذ


"""""" صفحة رقم 248 """"""
الأعراف : ( 149 ) ولما سقط في . . . . .
قوله ) ولما سقط في أيديهم ( أي ندموا وتحيروا بعد عود موسى من الميقات يقال للنادم المتحير قد سقط فى يده قال الأخفش يقال سقط في يده وأسقط ومن قال سقط في أيديهم على البناء للفاعل فالمعنى عنده سقط الندم وأصله أن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها لأن فاه قد وقع فيها وقال الأزهري والزجاج والنحاس وغيرهم معنى سقط في أيديهم أي في قلوبهم وأنفسهم كما يقال حصل في يده مكروه وإن كان محالا أن يكون في اليد تشبيها لما يحصل في القلب والنفس بما يحصل في اليد لأن مباشرة الأشياء في الغالب باليد قال الله تعالى ) ذلك بما قدمت يداك ( وأيضا الندم وإن حل القلب فأثره يظهر في البدن لأن النادم يعض يده ويضرب إحدى يديه على الأخرى قال الله تعالى ) فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها ( ومنه ) ويوم يعض الظالم على يديه ( أي من الندم وأيضا النادم يضع ذقنه في يده ) ورأوا أنهم قد ضلوا ( معطوف على سقط أي تبينوا أنهم قد ضلوا باتخاذهم العجل وأنهم قد ابتلوا بمعصية الله سبحانه ) قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ( قرأ حمزة والكسائي بالفوقية في الفعلين جميعا وقرأ الباقون بالتحتية واللام للقسم وجوابه ) لنكونن من الخاسرين ( وفى هذا الكلام منهم ما يفيد الاستغاثة بالله والتضرع والابتهال في السؤال وسيأتي في سورة طه إن شاء الله ما يدل على أن هذا الكلام المحكى عنهم هنا وقع بعد رجوع موسى وإنما قدم هنا على رجوعه لقصد حكاية ما صدر عنهم من القول والفعل في موضع واحد
الأعراف : ( 150 ) ولما رجع موسى . . . . .
قوله ) ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ( هذا بيان لما وقع من موسى بعد رجوعه وانتصاب غضبان وأسفا على الحال والأسف شديد الغضب قيل هو منزلة وراء الغضب أشد منه وهو أسف وأسيف وأسفان وأسوف قال ابن جرير الطبري أخبره الله قبل رجوعه بأنهم قد فتنوا فلذلك رجع وهو غضبان أسفا ) قال بئسما خلفتموني من بعدي ( هذا ذم من موسى لقومه أي بئس العمل ما عملتموه من بعدي أي من بعد غيبتي عنكم يقال خلفه بخير وخلفه بشر استنكر عليهم ما فعلوه وذمهم لكونهم قد شاهدوا من الآيات ما يوجب بعضه الانزجار والإيمان بالله وحده ولكن هذا شأن بني إسرائيل في تلون حالهم واضطراب أفعالهم ثم قال منكرا عليهم ) أعجلتم أمر ربكم ( والعجلة التقدم بالشيء قبل وقته يقال عجلت الشيء سبقته وأعجلت الرجل حملته على العجلة والمعنى أعجلتم عن انتظار أمر ربكم أي ميعاده الذى وعدنيه وهو الأربعون ففعلتم ما فعلتم وقيل معناه تعجلتم سخط ربكم وقيل معناه أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم ) وألقى الألواح ( أي طرحها لما اعتراه من شدة الغضب والأسف حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل قوله ) وأخذ برأس أخيه يجره إليه ( أي أخذ برأس أخيه هارون أو بشعر رأسه حال كونه يجره إليه فعل به ذلك لكونه لم ينكر على السامري ولا غيره ما رآه من عبادة بنى إسرائيل للعجل فقال هارون معتذرا منه ) ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ( أي إني لم أطق تغيير ما فعلوه لهذين الأمرين استضعافهم لي ومقاربتهم لقتلي وإنما قال ابن أم مع كونه أخاه من أبيه وأمه لأنها كلمة لين وعطف ولأنها كانت كما قيل مؤمنة وقال الزجاج قيل كان هارون أخا موسى لأمه لا لأبيه قرئ ) ابن أم ( بفتح الميم تشبيها له بخمسة عشر فصار كقولك يا خمسة عشر أقبلوا وقال الكسائي والفراء وأبو عبيد إن الفتح على تقدير يابن أما وقال البصريون هذا القول خطأ لأن الألف خفيفة لا تحذف ولكن جعل الاسمين اسما واحدا كخمسة عشر واختاره الزجاج والنحاس وأما من قرأ بكسر الميم فهو على تقدير ابن أمي ثم حذفت الياء وأبقيت الكسرة لتدل عليها وقال الأخفش وأبو حاتم ابن أم بالكسر كما تقول يا غلام أقبل وهى لغة شاذة والقراءة بها بعيده وإنما


"""""" صفحة رقم 249 """"""
هذا فيما يكون مضافا إليك وقرئ ? ابن أمى ? بإثبات الياء قوله ) فلا تشمت بي الأعداء ( الشماتة السرور من الأعداء بما يصيب من يعادونه مع المصائب ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم أني أعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وجهد البلاء وشماتة الأعداء وهو في الصحيح ومنه قول الشاعر إذا ما الدهر جر على أناس
كلا كله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا
والمعنى لا تفعل بي ما يكون سببا للشماتة منهم وقرأ مجاهد ومالك بن دينار ) فلا تشمت بي الأعداء ( بفتح حرف المضارعة وفتح الميم ورفع الأعداء على أن الفعل مسند إليهم أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله بي وروى عن مجاهد أنه قرأ ) تشمت ( كما تقدم عنه مع نصب الأعداء قال ابن جنى والمعنى فلا تشمت بي أنت يارب وجاز هذا كما فى قوله ) الله يستهزئ بهم ( ونحوه ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلا نصب به الأعداء كأنه قال ولا تشمت يارب بي الأعداء وما أبعد هذه القراءة عن الصواب وأبعد تأويلها عن وجوه الإعراب قوله ) ولا تجعلني مع القوم الظالمين ( أي لا تجعلني بغضبك علي فى عداد القوم الظالمين يعني الذين عبدوا العجل أو لا تعتقد أني منهم
الأعراف : ( 151 ) قال رب اغفر . . . . .
قوله ) قال رب اغفر لي ولأخي ( هذا كلام مستأنف جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال موسى بعد كلام هارون هذا فقيل ) قال رب اغفر لي ولأخي ( طلب المغفرة له أولا ولأخيه ثانيا ليزيل عن أخيه ما خافه من الشماتة فكأنه تذمم مما فعله بأخيه وأظهر أنه لا وجه له وطلب المغفرة من الله مما فرط منه فى جانبه ثم طلب المغفرة لأخيه إن كان قد وقع منه تقصير فيما يجب عليهم من الإنكار عليهم وتغيير ما وقع منهم ثم طلب إدخاله وإدخال أخيه في رحمة الله التى وسعت كل شيء فهو ) أرحم الراحمين )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شبيهة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) واتخذ قوم موسى ( الآية قال حين دفنوها ألقى عليها السامري قبضة من تراب أثر فرس جبريل عليه السلام وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال استعاروا حليا من آل فرعون فجمعه السامري فصاغ منه ) عجلا ( فجعله ) جسدا ( لحما ودما ) له خوار ( وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) خوار ( قال الصوت وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال خار العجل خورة لم يئن ألم تر أن الله قال ) ألم يروا أنه لا يكلمهم ( وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) سقط في أيديهم ( قال ندموا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس ) أسفا ( قال حزينا وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء قال الأسف منزلة وراء الغضب أشد من ذلك وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب قال الأسف الغضب الشديد وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال لما ألقى موسى الألواح تكسرت فرفعت إلا سدسها وأخرج أبو الشيخ عنه قال رفع الله منها ستة أسباعها وبقى سبع وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد أو سعيد بن جبير قال لما ألقاها موسى ذهب التفصيل وبقى الهدى وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال كانت تسعة رفع منها لوحان وبقى سبعة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) ولا تجعلني مع القوم الظالمين ( قال مع أصحاب العجل


"""""" صفحة رقم 250 """"""
سورة الأعراف الآية ( 152 154 )
الأعراف : ( 152 ) إن الذين اتخذوا . . . . .
الغضب ما نزل بهم من العقوبة في الدنيا بقتل أنفسهم وما سينزل بهم في الآخرة من العذاب والذلة هى التى ضربها الله عليهم بقوله ) ضربت عليهم الذلة ( وقيل هى إخراجهم من ديارهم وقيل هى الجزية وفيه نظر لأنها لم تؤخذ منهم وإنما أخذت من ذراريهم والأولى أن يقيد الغضب والذلة بالدنيا لقوله ) في الحياة الدنيا ( وإن ذلك مختص بالمتخذين للعجل إلها لا لمن بعدهم من ذراريهم ومجرد ما أمروا به من قتل أنفسهم هو غضب من الله عليهم وبه يصيرون أذلاء وكذلك خروجهم من ديارهم هو من غضب الله عليهم وبه يصبرون أذلاء وأما ما نال ذراريهم من الذلة فلا يصح تفسير ما في الآية به إلا إذا تعذر حمل الآية على المعنى الحقيقي وهو لم يتعذر هنا ) وكذلك نجزي المفترين ( أي مثل ما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين والافتراء الكذب فمن افترى على الله سيناله من الله غضب وذلة في الحياة الدنيا وإن لم يكن بنفس ما عوقب به هؤلاء بل المراد ما يصدق عليه أنه من غضب الله سبحانه وأن فيه ذلة بأي نوع كان
الأعراف : ( 153 ) والذين عملوا السيئات . . . . .
) والذين عملوا السيئات ( أي سيئة كانت ) ثم تابوا ( عنها ) من بعد ( عمل ها وآمنوا ) بالله ( إن ربك من بعدها أي من بعد هذه التوبة أو من بعد عمل هذه السيئات التي قد تاب عنها فاعلها وآمن بالله ) لغفور رحيم ( أي كثير الغفران لذنوب عباده وكثير الرحمة لهم
الأعراف : ( 154 ) ولما سكت عن . . . . .
قوله ) ولما سكت عن موسى الغضب ( أصل السكوت السكون والإمساك يقال جرى الوادي ثلاثا ثم سكن أي أمسك عن الجري قيل هذا مثل كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له قل لقومك كذا وألق الألواح وجر برأس أخيك فترك الاغراء وسكت وقيل هذا الكلام فيه قلب والأصل سكت موسى عن الغضب كقولهم أدخلت الأصبع الخاتم والخانم الأصبع وأدخلت القلنسوة رأسي ورأسي القلنسوة وقرأ معاوية بن قرة ? ولما سكن عن موسى الغضب ? وقرئ سكت وأسكت ) أخذ الألواح ( التي ألقاها عند غضبه ) وفي نسختها هدى ورحمة ( النسخ نقل ما فى كتاب إلى كتاب آخر ويقال للأصل الذى كان النقل منه نسخة وللمنقول نسخة أيضا قال القشيري والمعنى ) وفي نسختها ( أي فيما نسخ من الألواح المتكسرة ونقل إلى الألواح الجديدة ) هدى ورحمة ( وقيل المعنى وفيما نسخ له منها أي من اللوح المحفوظ وقيل المعنى وفيما كتب له فيها هدى ورحمة فلا يحتاج إلى أصل ينقل عنه وهذا كما يقال أنسخ ما يقول فلان أي أثبته فى كتابك والنسخة فعلة بمعنى مفعولة كالخطبة
والهدى ما يهتدون به من الأحكام والرحمة ما يحصل لهم من الله عند عملهم بما فيها من الرحمة الواسعة واللام في ) للذين هم ( متعلقة بمحذوف أي كائنة لهم أو لأجلهم واللام في ) لربهم يرهبون ( للتقوية للفعل لما كان مفعوله متقدما عليه فإنه يضعف بذلك بعض الضعف وقد صرح الكسائي بأنها زائدة وقال الأخفش هى لام الأجل أي لأجل ربهم يرهبون وقال محمد بن يزيد المبرد هى متعلقة بمصدر الفعل المذكور والتقدير للذين هم رهبتهم لربهم يرهبون
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أيوب قال تلا أبو قلابة هذه الآية ) إن الذين اتخذوا العجل ( إلى قوله ) وكذلك نجزي المفترين ( قال هو جزاء كل مفتر يكون إلى يوم القيامة أن يذله الله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أعطى موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد


"""""" صفحة رقم 251 """"""
فيها تبيان لكل شيء وموعظة ولما جاء فرأى بني إسرائيل عكوفا على العجل رمى التوراة من يده فتحطمت وأقبل على هارون فأخذ برأسه فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع فلما ذهب عن موسى الغضب أخذ الألواح وفى نسختها هدى ورحمة قال فيما بقى منها وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أو سعيد بن جبير قال كانت الألواح من زمرد فلما ألقاها موسى ذهب التفصيل وبقي الهدى والرحمة وقرأ ? وكتبنا له في الألواح موعظة وتفصيلا لكل شئ ? وقرأ ) ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة ( قال ولم يذكر التفصيل هاهنا
سورة الأعراف الآية ( 155 157 )
الأعراف : ( 155 ) واختار موسى قومه . . . . .
قوله ) واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ( هذا شروع في بيان ما كان من موسى ومن القوم الذين اختارهم وسبعين مفعول اختار وقومه منصوب بنزع الخافض أي من قومه على الحذف والإيصال ومثله قول الراعي اخترتك الناس إذ رثت خلائقهم
واعتل من كان يرجى عنده السول
يريد اخترتك من الناس ومعنى ) لميقاتنا ( للوقت الذى وقتناه له بعد أن وقع من قومه ما وقع والميقات الكلام الذى تقدم ذكره لأن الله أمره أن يأتي إلى الطور في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه سبحانه من عبادة العجل كذا قيل والرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة قيل إنهم زلزلوا حتى ماتوا فلما رأى موسى أخذ الرجفة لهم ) قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي ( قال عليه السلام تحسرا وتلهفا لأن سبب أخذ الرجفة لهم ما حكى الله عنهم من قولهم ) وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة ( على ما تقدم في البقرة وقيل هؤلاء السبعون غير من قالوا ) أرنا الله جهرة ( بل أخذتهم الرجفة بسبب عدم انتهائهم عن عبادة العجل وقيل إنهم قوم لم يرضوا بعبادة العجل ولا نهوا السامري ومن معه عن عبادته فأخذتهم الرجفة بسبب سكوتهم والمعنى لو شئت إهلاكنا لأهلكتنا بذنوبنا قيل هذا الوقت اعترافا منه عليه السلام بالذنب وتلهفا على ما فرط من قومه


"""""" صفحة رقم 252 """"""
والاستفهام في قوله ) أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ( للجحد أي ليست ممن يفعل ذلك قاله ثقة منه برحمة الله والمقصود منه الاستعطاف والتضرع وقيل معناه الدعاء والطلب أي لا تهلكنا قال المبرد المراد بالاستفهام استفهام الإعظام كأنه يقول وقد علم موسى أنه لا يهلك أحد بذنب غيره ولكنه كقول عيسى ) إن تعذبهم فإنهم عبادك ( وقيل المراد بالسفهاء السبعون والمعنى أتهلك بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء في قولهم ) أرنا الله جهرة ( وقيل المراد بهم السامري وأصحابه قوله ) إن هي إلا فتنتك ( أي ما الفتنة التى وقع فيها هؤلاء السفهاء إلا فتنتك التى تختبر بها من شئت وتمتحن بها من أردت ولعله عليه السلام استفاد هذا من قوله سبحانه ) فإنا قد فتنا قومك من بعدك ( ) تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ( أي تضل بهذه الفتنة من تشاء من عبادك وتهدى بها من تشاء منهم ومثله ) ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( ثم رجع إلا الاستعطاف والدعاء فقال ) أنت ولينا ( أي المتولي لأمورنا ) فاغفر لنا ( ما أذنبناه ) وارحمنا ( برحمتك التى وسعت كل شيء ) وأنت خير الغافرين ( للذنوب
الأعراف : ( 156 ) واكتب لنا في . . . . .
) واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة ( بتوفيقنا للأعمال الصالحة أو تفضل علينا بإفاضة النعم في هذه الدنيا من العافية وسعة الرزق ) وفي الآخرة ( أي واكتب لنا في الآخرة الجنة بما تجازينا به أو بما تتفضل به علينا من النعيم في الآخرة وجملة ) إنا هدنا إليك ( تعليل لما قبلها من سؤال المغفرة والرحمة والحسنة في الدنيا وفى الآخرة أي إنا تبنا إليك ورجعنا عن الغواية التى وقعت من بني إسرائيل والهود التوبة وقد تقدم في البقرة وجملة ) قال عذابي أصيب به من أشاء ( مستأنفة كنظائرها فيما تقدم قيل المراد بالعذاب هنا الرجفة وقيل أمره سبحانه لهم بأن يقتلوا أنفسهم أي ليس هذا إليك يا موسى بل ما شئت كان وما لم أيثأ لم يكن والظاهر أن العذاب هنا يندرج تحته كل عذاب ويدخل فيه عذاب هؤلاء دخولا أوليا وقيل المراد من أشاء من المستحقين للعذاب أو من أشاء أن أضله وأسلبه التوفيق ) ورحمتي وسعت كل شيء ( من الأشياء من المكلفين وغيرهم ثم أخبر سبحانه أنه سيكتب هذه الرحمة الواسعة ) للذين يتقون ( الذنوب ) ويؤتون الزكاة ( المفروضة عليهم ) والذين هم بآياتنا يؤمنون ( أي يصدقون بها ويذعنون لها
الأعراف : ( 157 ) الذين يتبعون الرسول . . . . .
ثم بين سبحانه هؤلاء الذين كتب لهم هذه الرحمة ببيان أوضح مما قبله وأصرح فقال ) الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ( وهو محمد عليه الصلاة والسلام فخرجت اليهود والنصارى وسائر الملل والأمي إما نسبة إلى الأمة الأمية التى لا تكتب ولا تحسب وهم العرب أو نسبة إلى الأم والمعنى أنه باق على حالته التى ولد عليها لا يكتب ولا يقرأ المكتوب وقيل نسبة إلى أم القرى وهى مكة ) الذي يجدونه ( يعني اليهود والنصارى أي يجدون نعته ) مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ( وهما مرجعهم في الدين وهذا الكلام منه سبحانه مع موسى هو قبل نزول الإنجيل فهو من باب الإخبار بما سيكون ثم وصف هذا النبي الذى يجدونه كذلك بأنه يأمر بالمعروف أي بكل ما تعرفه القلوب ولا تنكره من الأشياء التى هى من مكارم الأخلاق ) وينهاهم عن المنكر ( أ ي ما تنكره القلوب ولا تعرفه وهو ما كان من مساوى الأخلاق قيل إن قوله ) يأمرهم بالمعروف ( إلى قوله ) أولئك هم المفلحون ( كلام يتضمن تفصيل أحكام الرحمة التى وعد بها ذكر معناه الزجاج وقيل هو في محل نصب على الحال من النبي صلى وقيل هو مفسر لقوله ) مكتوبا ( قوله ) ويحل لهم الطيبات ( أي المستلذات وقيل يحل لهم ما حرم عليهم من الأشياء التى حرمت عليهم بسبب ذنوبهم ) ويحرم عليهم الخبائث ( أي المستخبئات كالحشرات والخنازير ) ويضع عنهم إصرهم ( الإصر الثقل أي يضع عنهم التكاليف الشاقة الثقيلة وقد تقدم بيانه في البقرة ) والأغلال التي كانت عليهم ( أي ويضع عنهم الأغلال التى كانت عليهم الأغلال مستعارة للتكاليف الشاقة التى كانوا قد كلفوها ) فالذين آمنوا به ( أي بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) واتبعوه ( فيما


"""""" صفحة رقم 253 """"""
جاء به من الشرائع ) وعزروه ( أي عظموه ووقروه قاله الأخفش وقيل معناه منعوه من عدوه وأصل العزر المنع وقرأ الجحدري ) وعزروه ( بالتخفيف ) ونصروه ( أي قاموا بنصره على من يعاديه ) واتبعوا النور الذي أنزل معه ( أي اتبعوا القرآن الذى أنزل عليه مع نبوته وقيل المعنى واتبعوا القرآن المنزل إليه مع اتباعه بالعمل بسنته مما يأمر به وينهى عنه أو اتبعوا القرآن مصاحبين له في اتباعه والإشارة ) أولئك ( إلى المتصفين بهذه الأوصاف ) هم المفلحون ( الفائزون بالخير والفلاح لا غيرهم من الأمم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) واختار موسى قومه ( الآية قال كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلا فاختار سبعين رجلا فبرز بهم ليدعوا ربهم فكان فيما دعوا الله أن قالوا اللهم أعطنا ما لم تعط أحدا من قبلنا ولا تعطه أحدا بعدنا فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة ) قال ( موسى ) رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك ( يقول إن هى إلا عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عمن تشاء وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) لميقاتنا ( قال لتمام الموعد وفى قوله ) فلما أخذتهم الرجفة ( قال ماتوا ثم أحياهم وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن أبي العالية في قوله ) إن هي إلا فتنتك ( قال بليتك وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) إن هي إلا فتنتك ( قال مشيئتك وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن ابن عباس قال إن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم يرضوا بالعمل ولم ينهوا عنه وأخرج سعيد بن منصور عنه في قوله ) واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ( فلم يعطها موسى ) قال عذابي أصيب به من أشاء ( إلى قوله ) المفلحون ( وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة فى قوله ) واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ( قال فكتب الرحمة يومئذ لهذه الامة
وأخرج عبد بن حميد وابن وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله ) إنا هدنا إليك ( قال تبنا إليك وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وجزة السعدي وكان من أعلم الناس بالعربية قال لا والله ما أعلمها في كلام العرب هدنا قيل فكيف قال هدنا بكسر الهاء يقول ملنا وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن وقتادة في قوله ) ورحمتي وسعت كل شيء ( قال وسعت رحمته في الدنيا البر والفاجر وهى يوم القيامة للذين اتقوا خاصة وأخرج مسلم وغيره عن سلمان عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن لله مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الوحوش على أولادها وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة وأخرج نحوه أحمد وأبو داود والطبراني والحاكم والضياء المقدسي من حديث جندب بن عبد الله العجلي وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال لما نزلت ) ورحمتي وسعت كل شيء ( قال إبليس وأنا من الشئ فنسخها الله فنزلت ) فسأكتبها للذين يتقون ( إلى آخر الآية وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال لما نزلت ) ورحمتي وسعت كل شيء ( قال إبليس أنا من الشئ قال الله تعالى ) فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة ( قالت اليهود فنحن نتقى ونؤتي الزكاة قال الله ) الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ( فعزلها الله عن إبليس وعن اليهود وجعلها لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج البزار فى مسنده وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال سأل موسى ربه مسئلة فأعطاها محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) واختار موسى قومه ( إلى قوله ) فسأكتبها للذين يتقون ( فأعطى محمدا كل شئ سأل موسى ربه في هذه الآية وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه فى قوله


"""""" صفحة رقم 254 """"""
) فسأكتبها للذين يتقون ( قال كتبها الله لهذه الأمة وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال يتقون الشرك وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن النخعي فى قوله ) النبي الأمي ( قال كان لا يقرأ ولا يكتب وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال هو نبيكم ( صلى الله عليه وسلم ) كان أميا لا يكتب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) الذي يجدونه مكتوبا عندهم ( قال يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوبا عندهم وأخرج ابن سعد والبخاري وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت له أخبرني عن صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يأيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدى ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا تجزى بالسيئة السيئة ولكن تعفو وتصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وأخرج ابن سعيد والدارمي في مسنده والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الله بن سلام مثله وقد روى نحو هذا مع اختلاف فى بعض الألفاظ وزيادة فى بعض ونقص فى بعض عن جماعة وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) ويحل لهم الطيبات ( قال الحلال ) ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ( قال التثقيل الذى كان في دينهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه عن ابن عباس فى قوله ) ويحرم عليهم الخبائث ( قال كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التى حرمها الله وفى قوله ) ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ( قال هو ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) ويضع عنهم إصرهم ( قال ما غلظ على بني إسرائيل من قرض البول من جلودهم إذا أصابهم ونحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وعزروه ( يعني عظموه ووقروه
سورة الأعراف الآية ( 158 )
الأعراف : ( 158 ) قل يا أيها . . . . .
لما تقدم ذكر أوصاف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المكتوبة في التوراة والإنجيل أمره سبحانه أن يقول هذا القول المقتضى لعموم رسالته إلى الناس جميعا لا كما كان غيره من الرسل عليهم السلام فإنهم كانوا يبعثون إلى قومهم خاصة وجميعا منصوب على الحال أي حال كونكم جميعا و ) الذي له ملك السماوات والأرض ( إما في محل جر على الصفة للاسم الشريف أو منصوب على المدح أو مرفوع على أنه خبر مبتدإ محذوف وجملة ) لا إله إلا هو ( بدل من الصلة مقرر لمضمونها مبين لها لأن من ملك السموات والأرض وما فيهما هو الإله على الحقيقة وهكذا ما كان يحيى ويميت هو المستحق لتفرده بالربوبية ونفى الشركاء عنه والأمر بالإيمان بالله وبرسوله متفرع على ما قبله وقد تقدم تفسير النبي الأمي وهما وصفان لرسوله وكذلك ) الذي يؤمن بالله وكلماته ( وصف له والمراد بالكلمات ما أنزل الله عليه وعلى الأنبياء من قبله أو القرآن فقط وجملة ) واتبعوه ( مقررة لجملة ) فآمنوا بالله ( و ) لعلكم تهتدون ( علة للأمر بالإيمان والاتباع


"""""" صفحة رقم 255 """"""
وقد أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال بعث الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الأحمر والأسود فقال ) يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ( والأحاديث الصحيحة الكثيرة في هذا المعنى مشهورة فلا نطيل بذكرها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) يؤمن بالله وكلماته ( قال آياته وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) وكلماته ( قال عيسى
سورة الأعراف الآية ( 159 166 )
الأعراف : ( 159 ) ومن قوم موسى . . . . .
قوله ) ومن قوم موسى ( لما قص الله علينا ما وقع من السامري وأصحابه وما حصل من بني إسرائيل من التزلزل في الدين قص علينا سبحانه أن من قوم موسى أمة مخالفة لأولئك الذين تقدم ذكرهم ووصفهم بأنهم ) يهدون بالحق ( أي يدعون الناس إلى الهداية حال كونهم متلبسين بالحق ) وبه ( أي بالحق ) يعدلون ( بين الناس فى الحكم وقيل هم الذين آمنوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) منهم
الأعراف : ( 160 ) وقطعناهم اثنتي عشرة . . . . .
قوله ) وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا ( الضمير يرجع إلى قوم موسى المتقدم ذكرهم لا إلى هؤلاء الأمة منهم الذين يهدون بالحق وبه يعدلون والمعنى صيرناهم قطعا متفرقة وميزنا بعضهم من بعض وهذا من جملة ما قصه الله علينا من النعم التى أنعم بها على بني إسرائيل والمعنى أنه ميز بعضهم من بعض حتى صاروا أسباطا كل سبط معروف على انفراده لكل سبط نقيب كما


"""""" صفحة رقم 256 """"""
فى قوله تعالى ) وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ( وقد تقدم وقوله ) اثنتي عشرة ( هو ثاني مفعولي قطعنا لتضمنه معنى التصيير وأسباطا تمييز له أو بدل منه و ) أمما ( نعت للأسباط أو بدل منه والأسباط جمع سبط وهو ولد الولد صاروا اثنتى عشرة أمة من اثنى عشر ولدا وأراد بالأسباط القبائل ولهذا أنث العدد كما فى قول الشاعر وإن قريشا كلها عشر أبطن
وأنت برئ من قبائلها العشر
أراد بالبطن القبيلة وقد تقدم تحقيق معنى الأسباط فى البقرة وروى المفضل عن عاصم أنه قرأ ? قطعناهم ? مخففا وسماهم أمما لأن كل سبط كان جماعة كثيرة العدد وكانوا مختلفي الآراء يؤم بعضهم غير ما يؤمه الآخر ) وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن ( أي وقت استسقائهم له لما أصابهم العطش فى التيه ) أن اضرب بعصاك الحجر ( تفسير لفعل الإيحاء ) فانبجست ( عطف على مقدر يدل على السياق أي فضرب فانبجست والانبجاس الانفجار أي فانفجرت ) منه اثنتا عشرة عينا ( بعدد الأسباط لكل سبط عين يشربون منها ) قد علم كل أناس مشربهم ( أي كل سبط منهم العين المختصة به التى يشرب منها وقد تقدم في البقرة ما فيه كفاية مغنية عن الإعادة ) وظللنا عليهم الغمام ( أي جعلناه ظللا عليهم في التيه يسير بسيرهم ويقيم بإقامتهم ) وأنزلنا عليهم المن والسلوى ( أي الترنجبين والسماني كما تقدم تحقيقه في البقرة ) كلوا من طيبات ما رزقناكم ( أي وقلنا لهم كلوا من المستلذات التى رزقناكم ) وما ظلمونا ( بما وقع منهم من المخالفة وكفران النعم وعدم تقديرها حق قدرها ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( أي كان ظلمهم مختصا بهم مقصورا عليهم ولا يجاوزهم إلى غيرهم
الأعراف : ( 161 ) وإذ قيل لهم . . . . .
) وإذ قيل لهم ( أي واذكر وقت قيل لهم هذا القول وهو ) اسكنوا هذه القرية ( أي بيت المقدس أو أريحاء وقيل غير ذلك مما تقدم بيانه ) وكلوا منها ( أي من المأكولات الموجودة فيها ) حيث شئتم ( أي في أي مكان شئتم من أمكنتها لا مانع لكم من الأكل فيه ) وقولوا حطة ( قد تقدم تفسيرها فى البقرة ) وادخلوا الباب ( أي باب القرية المتقدمة حال كونكم ) سجدا ( أمروا بأن يجمعوا بين قولهم حطة وبين الدخول ساجدين فلا يقال كيف قدم الأمر بالقول هنا على الدخول وأخره فى البقرة وقد تقدم بيان معنى السجود الذى أمروا به ) نغفر لكم خطيئاتكم ( جواب الأمر وقرئ ? خطيتكم ? ثم وعدهم بقوله ) سنزيد المحسنين ( أي سنزيدهم على المغفرة للخطايا بما يتفضل به عليهم من النعم والجملة استئنافية جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا لهم بعد المغفرة
الأعراف : ( 162 ) فبدل الذين ظلموا . . . . .
) فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم ( قد تقدم بيان ذلك في البقرة ) فأرسلنا عليهم رجزا من السماء ( أي عذابا كائنا منها ) بما كانوا يظلمون ( أي بسبب ظلمهم
الأعراف : ( 163 ) واسألهم عن القرية . . . . .
قوله ) واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ( معطوف على عامل إذ المقدر أي اذكر إذ قيل لهم واسألهم وهذا سؤال تقريع وتوبيخ والمراد من سؤال القرية سؤال أهلها أي اسألهم عن هذا الحادث الذى حدث لهم فيها المخالف لما أمرهم الله به وفى ضمن هذا السؤال فائدة جليلة وهى تعريف اليهود بأن ذلك مما يعلمه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأن اطلاعه لا يكون إلا بإخبار له من الله سبحانه فيكون دليلا على صدقه
واختلف أهل التفسير فى هذه القرية أي قرية هى فقيل أيلة وقيل طبرية وقيل مدين وقيل إيليا وقيل قرية من قرى ساحل الشام التى كانت حاضرة البحر أي التى كانت بقرب البحر يقال كنت بحضرة الدار أي بقربها والمعنى سل يا محمد هؤلاء اليهود الموجودين عن قصة أهل القرية المذكورة وقرئ ) واسألهم ( وقرئ سلهم ) إذ يعدون ( أي وقت يعدون وهو ظرف لمحذوف دل عليه الكلام لأن السؤال هو عن حالهم وقصتهم وقت يعدون وقيل إنه ظرف لكانت أو لحاضرة وقرئ ) يعدون ( بضم الياء وكسر العين وتشديد الدال من الإعداد للآلة وقرأ الجمهور ) يعدون ( بفتح الياء وسكون العين وضم الدال مخففة أي يتجاوزون


"""""" صفحة رقم 257 """"""
حدود الله بالصيد يوم السبت الذى نهوا عن الاصطياد فيه وقرئ ) يعدون ( بفتح الياء والعين وضم الدال مشددة بمعنى يعتدون أدغمت التاء في الدال والسبت هو اليوم المعروف وأصله السكون يقال سبت إذا سكن وسبت اليهود تركوا العمل في سبتهم والجمع أسبت وسبوت وأسبات وقرأ ابن السمفع فى الأسبات على الجمع ) إذ تأتيهم حيتانهم ( ظرف ليعدون والحيتان جمع حوت وأضيف إليهم لمزيد اختصاص لهم بما كان منها على هذه الصفة من الإتيان يوم السبت دون ما عداه و ) يوم سبتهم ( ظرف لتأتيهم وقرئ يوم أسباتهم و ) شرعا ( حال وهو جمع شارع أي ظاهرة على الماء وقيل رافعة رءوسها وقيل إنها كانت تشرع على أبوابهم كالكباش البيض قال في الكشاف يقال شرع علينا فلان إذا دنى منا وأشرف علينا وشرعت على فلان فى بيته فرأيته يفعل كذا انتهى ) ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ( أي لا يفعلون السبت وذلك عند خروج يوم السبت لا تأتيهم الحيتان كما كانت تأتيهم فى يوم السبت ) كذلك نبلوهم ( أي مثل ذلك البلاء العظيم نبلوهم بسبب فسقهم والابتلاء الامتحان والاختبار
الأعراف : ( 164 ) وإذ قالت أمة . . . . .
) وإذ قالت أمة ( معطوف على إذ يعدون معمول لعامله داخل في حكمه والأمة الجماعة أي قالت جماعة من صلحاء أهل القرية لآخرين ممن كان يجتهد فى وعظ المتعدين فى السبت حين أيسوا من قبولهم للموعظة وإقلاعهم عن المعصية ) لم تعظون قوما الله مهلكهم ( أي مستأمل لهم بالعقوبة ) أو معذبهم عذابا شديدا ( بما انتهكوا من الحرمة وفعلوا من المعصية وقيل إن الجماعة القائلة لم تعظون قوما هم العصاة الفاعلون للصيد فى يوم السبت قالوا ذلك للواعظين لهم حين وعظوهم والمعنى إذا علمتم أن الله مهلكنا كما تزعمون فلم تعظوننا ) قالوا معذرة إلى ربكم ( أي قال الواعظون للجماعة القائلين لهم لم تعظون وهم طائفة من صلحاء القرية على الوجه الأول أو الفاعلين على الوجه الثاني ) معذرة إلى ربكم ( قرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف ) معذرة ( بالنصب وهى قراءة حفص عن عاصم وقرأ الباقون بالرفع قال الكسائي ونصبه على وجهين أحدهما على المصدر والثاني على تقدير فعلنا ذلك معذرة أي لأجل المعذرة والرفع على تقدير مبتدأ أي موعظتنا معذرة إلى الله حتى لا يؤاخذنا بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين أوجبهما علينا ولرجاء أن يتعظوا فيتقوا ويقلعوا عما هم فيه من المعصية
قال جمهور المفسرين إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق فرقة عصت وصادت وكانت نحو سبعين ألفا وفرقة اعتزلت فلم تنه ولم تعص وفرقة اعتزلت ونهت ولم تعص فقالت الطائفة التى لم تنه ولم تعص للفرقة الناهية ) لم تعظون قوما ( يريدون الفرقة العاصية ) الله مهلكهم أو معذبهم ( قالوا ذلك على غلبة الظن لما جرت به عادة الله من إهلاك العصاة أو تعذيبهم من دون استئصال بالهلاك فقالت الناهية موعظتنا معذرة إلى الله ولعلهم يتقون ولو كانوا فرقتين فقط ناهية غير عاصية وعاصية لقال لعلكم تتقون
الأعراف : ( 165 ) فلما نسوا ما . . . . .
قوله ) فلما نسوا ما ذكروا به ( أي لما ترك العصاة من أهل القرية ما ذكرهم به الصالحون الناهون عن المنكر وترك الناسى للشئ المعرض عنه كلية الإعراض ) أنجينا الذين ينهون عن السوء ( أي الذين فعوا النهي ولم يتركوه ) وأخذنا الذين ظلموا ( وهم العصاة المعتدون فى السبت ) بعذاب بئيس ( أي شديد من بؤس الشئ يبؤس بأسا إذا اشتد وفيه إحدى عشرة قراءة للسبعة وغيرهم ) بما كانوا يفسقون ( أي بسبب فسقهم والجار والمجرور متعلق بأخذنا ) فلما عتوا عن ما نهوا عنه ( أي تجاوزوا الحد في معصية الله سبحانه تمردا وتكبرا ) قلنا لهم كونوا قردة ( أي أمرناهم أمرا كونيا لا أمرا قوليا أي مسخناهم قردة قيل إنه سبحانه عذبهم أولا بسبب المعصية فلما يقلعوا مسخهم قردة وقيل إنه قوله ) فلما عتوا عن ما نهوا عنه ( تكرير لقوله ) فلما نسوا ما ذكروا به ( للتأكيد والتقرير وأن المسخ هو العذاب البيس والخاسيء الصاغر الذليل أو المباعد المطرود يقال خسأته فخسيء أي باعدته فتباعد واعلم أن ظاهر النظم القرآني هو أنه لم ينج من العذاب


"""""" صفحة رقم 258 """"""
إلا الفرقة الناهية التى لم تعص لقوله ) أنجينا الذين ينهون عن السوء ( وأنه لم يعذب بالمسخ إلا الطائفة العاصية لقوله
الأعراف : ( 166 ) فلما عتوا عن . . . . .
) فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ( فإن كانت الطوائف منهم ثلاثا كما تقدم فالطائفة التى لم تنه ولم تعص يحتمل أنها ممسوخة مع الطائفة العاصية لأنها قد ظلمت نفسها بالسكوت عن النهي وعتت عما نهاها الله عنه من ترك النهي عن المنكر ويحتمل أنها لم تمسخ لأنها وإن كانت ظالمة لنفسها عاتية عن أمر ربها ونهيه لكنها لم تظلم نفسها بهذه المعصية الخاصة وهى صيد الحوت في يوم السبت ولا عتت عن نهيه لها عن الصيد وأما إذا كانت الطائفة الثالثة ناهية كالطائفة الثانية وإنما جعلت طائفة مستقلة لكونها قد جرت المقاولة بينها وبين الطائفة الأخرى من الناهين المعتزلين فهما فى الحقيقة طائفة واحدة لاجتماعهما فى النهي والاعتزال والنجاة من المسخ
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال موسى يارب أجد أمة أناجيلهم فى قلوبهم قال تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد قال يارب أجد أمة يصلون الخمس تكون كفارات لما بينهن قال تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد قال يارب أجد أمة يعطون صدقات أموالهم ثم ترجع فيهم فيأكلون قال تلك بعدك أمة أحمد قال يارب اجعلني من أمة أحمد فأنزل الله كهيئة المرضاة لموسى ) ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج فى قوله ) ومن قوم موسى أمة ( الآية قال بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثنى عشر سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ففتح الله لهم نفقا فى الأرض فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين فهم هنالك حنفاء مسلمين يستقبلون قبلتنا قال ابن جريج قال ابن عباس فذلك قوله ) وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ( ووعد الآخرة عيسى ابن مريم قال ابن عباس ساروا فى السرب ستة ونصفا
أقول ومثل هذا الخبر العجيب والنبأ الغريب محتاج إلى تصحيح النقل
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال افترقت بنو إسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة كلها فى النار إلا فرقة وافترقت النصارى بعد عيسى على اثنتين وسبعين فرقة كلها فى النار إلا فرقة ولتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار إلا فرقة فأما اليهود فإن الله يقول ) ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ( فهذه التى تنجو وأما النصارى فإن الله يقول ) منهم أمة مقتصدة ( فهذه التى تنجو وأما نحن فيقول ) وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ( فهذه التى تنجو من هذه الأمة وقد قدمنا أن زيادة كلها فى النار لم تصح لا مرفوعة ولا موقوفة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) فانبجست ( قال فانفجرت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال دخلت على ابن عباس وهو يقرأ هذه الآية ) واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ( قال يا عكرمة هل تدري أي قرية هذه قلت لا قال هى أيلة وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال هى طبرية وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) إذ يعدون في السبت ( قال يظلمون وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) شرعا ( يقول من كل مكان وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال ظاهرة على الماء وأخرج ابن المنذر عنه قال واردة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى الآية قال هى قرية على شاطئ البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم فكانت تأتيهم يوم سبتهم شرعا فى ساحل البحر فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها فمكثوا كذلك ما شاء الله ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم


"""""" صفحة رقم 259 """"""
فنهتهم طائفة فلم يزدادوا إلا غيا فقالت طائفة من النهاة يعلمون أن هؤلاء قوم حق عليهم العذاب ) لم تعظون قوما الله مهلكهم ( وكانوا أشد غضبا من الطائفة الأخرى وكل قد كانوا ينهون فلما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالوا ) لم تعظون ( والذين قالوا ) معذرة إلى ربكم ( وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أنهم ثلاث فرق فرقة العصاة وفرقة الناهون وفرقة القائلون لم تعظون فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم فأصبح الذين نهوا ذات غداة فى مجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم وقد باتوا من ليلتهم وغلقوا عليهم دورهم فجعلوا يقولون إن للناس لشأنا فانظروا ما شأنهم فاطلعوا فى دورهم فإذا القوم قد مسخوا يعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد والمرأة بعينها وإنها لقردة وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه عن عكرمة عن ابن عباس فذكر القصة وفى آخرها أنه قال فأرى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى الآخرين ذكروا ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها قال عكرمة فقلت جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا ) لم تعظون قوما الله مهلكهم ( قال فأمر بي فكسيت ثوبين غليظين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس أيضا قال نجا الناهون وهلك الفاعلون ولا أدري ما صنع بالساكتين وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عنه قال والله لأن أكون علمت أن القوم الذين قالوا ) لم تعظون قوما ( نجوا مع الذين نهوا عن السوء أحب إلي مما عدل به وفى لفظ من حمر النعم ولكن أخاف أن تكون العقوبة نزلت بهم جميعا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال قال ابن عباس ما أدري أنجا الذين قالوا ) لم تعظون قوما الله مهلكهم ( أم لا قال فما زلت أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا فكساني حلة وأخرج عبد بن حميد عن ليث بن أبي سليم قال مسخوا حجارة الذين قالوا ) لم تعظون قوما الله مهلكهم ( وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) بعذاب بئيس ( قال أليم وجيع
سورة الأعراف الآية ( 167 170 )
الأعراف : ( 167 ) وإذ تأذن ربك . . . . .
قوله ) وإذ تأذن ربك ( معطوف على ما قبله أي واسألهم وقت تأذن ربك وتأذن تفعل من الإيذان وهو الإعلام قال أبو علي الفارسي آذن بالمد أعلم وأذن بالتشديد نادى وقال قوم كلاهما بمعنى أعلم كما يقال أيقن وتيقن والمعنى في الآية واسألهم وقت أن وقع الإعلام لهم من ربك ) ليبعثن عليهم ( قيل وفى هذا الفعل


"""""" صفحة رقم 260 """"""
معنى القسم كعلم الله وشهد الله ولذلك أجيب بما يجاب به القسم حيث قال ) ليبعثن عليهم ( أي ليرسلن عليهم ويسلطن كقوله ) بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ( ) إلى يوم القيامة ( غاية لسومهم سوء العذاب ممن يبعثه الله عليهم وقد كانوا أقماهم الله هكذا أذلاء مستضعفين معذبين بأيدى أهل الملل وهكذا هم في هذه الملة الإسلامية فى كل قطر من أقطار الأرض فى الذلة المضروبة عليهم والعذاب والصغار يسلمون الجزية بحقن دمائهم ويمتهنهم المسلمون فيما فيه ذلة من الأعمال التى يتنزه عنها غيرهم من طوائف الكفار ومعنى ) يسومهم ( يذيقهم وقد تقدم بيان أصل معناه ثم علل ذلك بقوله ) إن ربك لسريع العقاب ( يعاجل به فى الدنيا كما وقع لهؤلاء ) وإنه لغفور رحيم ( أي كثير الغفران والرحمة
الأعراف : ( 168 ) وقطعناهم في الأرض . . . . .
) وقطعناهم في الأرض ( أي فرقناهم في جوانبها أو شتتا أمرهم فلم تجتمع لهم كلمة و ) أمما ( منتصب على الحال أو مفعول ثان لقطعنا على تضمينه معنى صيرنا وجملة ) منهم الصالحون ( بدل من ) أمما ( قيل هم الذين آمنوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ومن مات قبل البعثة المحمدية غير مبدل وقيل هم الذين سكنوا وراء الصين كما تقدم بيانه قبل هذا ) ومنهم دون ذلك ( أي دون هذا الوصف الذى اتصفت به الطائفة الأولى وهو الصلاح ومحل ) دون ذلك ( الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير ومنهم أناس دون ذلك والمراد بهؤلاء من لم يؤمن بل انهمك فى المخالفة لما أمره الله به قال النحاس ) دون ( منصوب على الظرف ولا نعلم أحدا رفعه ) وبلوناهم بالحسنات والسيئات ( أي امتحناهم بالخير والشر رجاء أن يرجعوا مما هم من الكفر والمعاصى
الأعراف : ( 169 ) فخلف من بعدهم . . . . .
) فخلف من بعدهم خلف ( المراد بهم أولاد الذين قطعهم الله في الأرض قال أبو حاتم الخلف بسكون اللام الأولاد الواحد والجمع سواء والخلف بفتح اللام البدل ولدا كان أو غيره وقال ابن الأعرابي الخلف بالفتح الصالح وبالسكون الطالح قال لبيد ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقيت فى خلف كجلد الأجرب
ومنه قيل للردئ من الكلام خلف بالسكون وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر ومنه قول حسان ابن ثابت لنا القدم الأولى إليك وخلفنا
لأولنا فى طاعة الله تابع
) ورثوا الكتاب ( أي التوراة من أسلافهم يقرءونها ولا يعملون بها ) يأخذون عرض هذا الأدنى ( أخبر الله عنهم بأنهم يأخذون ما يعرض لهم من متاع الدنيا لشدة حرصهم وقوة نهمتهم والأدنى مأخوذ من الدنو وهو القرب أي يأخذون عرض هذا الشيء الأدنى وهو الدنيا يتعجلون مصالحها بالرشاء وما هو مجعول لهم من السحت فى مقابلة تحريفهم لكلمات الله وتهوينهم للعمل بأحكام التوراة وكتمهم لما يكتمونه منها وقيل إن الأدنى مأخوذ من الدناءة والسقوط أي إنهم يأخذون عرض الشئ الدنيء الساقط ) ويقولون سيغفر لنا ( أي يعللون أنفسهم بالمغفرة مع تماديهم فى الضلالة وعدم رجوعهم إلى الحق وجملة ) يأخذون ( يحتمل أن تكون مستأنفة لبيان حالهم أو فى محل نصب على الحال وجملة ) يقولون ( معطوفة عليها والمراد بهذا الكلام التقريع والتوبيخ لهم وجملة ) وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ( في محل نصب على الحال أي يتعللون بالمغفرة والحال أنهم إذا أتاهم عرض مثل العرض الذى كانوا يأخذونه أخذوه غير مبالين بالعقوبة ولا خائفين من التبعة وقيل الضمير فى ) يأتهم ( ليهود المدينة أي وإن يأت هؤلاء اليهود الذين هم في عصر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عرض مثل العرض الذى كان يأخذه أسلافهم أخذوه كما أخذه أسلافهم ) ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ( أي التوراة ) أن لا يقولوا على الله إلا الحق ( والاستفهام للتقريع والتوبيخ وجملة ) ودرسوا ما فيه ( معطوفة على ) يؤخذ ( على


"""""" صفحة رقم 261 """"""
المعنى وقيل على ) ورثوا الكتاب ( والأولى أن تكون فى محل نصب على الحال بتقدير قد والمعنى أنهم تركوا العمل بالميثاق المأخوذ عليهم فى الكتاب والحال أن قد درسوا ما فى الكتاب وعلموه فكان الترك منهم عن علم لا عن جهل وذلك أشد ذنبا وأعظم جرما وقيل معنى ) درسوا ما فيه ( أي محوه بترك العمل به والفهم له من قولهم درست الريح الآثار إذا محتها ) والدار الآخرة خير ( من ذلك العرض الذى أخذوه وآثروه عليها ) للذين يتقون ( الله ويجتنبون معاصيه ) أفلا تعقلون ( فتعلمون بهذا وتفهمونه وفى هذا من التوبيخ والتقريع ما لا يقادر قدره
الأعراف : ( 170 ) والذين يمسكون بالكتاب . . . . .
قوله ) والذين يمسكون بالكتاب ( قرأ الجهور ) يمسكون ( بالتشديد من مسك وتمسك أي استمسك بالكتاب وهو التوراة وقرأ أبو العالية وعاصم فى رواية أبي بكر بالتخفيف من أمسك يمسك وروى عن أبي بن كعب أنه قرأ ? مسكوا ? والمعنى أن طائفة من أهل الكتاب لا يتمسكون بالكتاب ولا ويعملون بما فيه مع كونهم قد درسوه وعرفوه وهم من تقدم ذكره وطائفة يتمسكون بالكتاب أي التوراة ويعملون بما فيه ويرجعون إليه فى أمر دينهم فهم المحسنون الذين لا يضيع أجرهم عند الله والموصول مبتدأ و ) إنا لا نضيع أجر المصلحين ( خبره أي لا نضيع أجر المصلحين منهم وإنما وقع التنصيص على الصلاة مع كونها داخلة فى سائر العبادات التى يفعلها المتمسكون بالتوراة لأنها رأس العبادات وأعظمها فكان ذلك وجها لتخصيصها بالذكر وقيل لأنها تقام فى أوقات مخصوصة والتمسك بالكتاب مستمر فذكرت لهذا وفيه نظر فإن كل عبادة فى الغالب تختص بوقت معين ويجوز أن يكون الموصول معطوفا على الموصول الذى قبله وهو للذين يتقون ولكون ) أفلا تعقلون ( جملة معترضة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) يسومهم سوء العذاب ( قال محمد وأمته إلى يوم القيامة وسوء العذاب الجزية وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال ) سوء العذاب ( الخراج وفي قوله ) وقطعناهم ( قال هم اليهود بسطهم الله فى الأرض فليس منها بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ فى قوله ) ليبعثن عليهم ( قال على اليهود والنصارى ) إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ( فبعث الله عليهم أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يأخذون منهم الجزية وهم صاغرون ) وقطعناهم في الأرض أمما ( قال يهود ) منهم الصالحون ( وهم مسلمة أهل الكتاب ) ومنهم دون ذلك ( قال اليهود ) وبلوناهم بالحسنات ( قال الرخاء والعافية ) والسيئات ( قال البلاء والعقوبة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) وبلوناهم بالحسنات والسيئات ( بالخصب والجدب وأخرج أبو الشيخ عنه أنه سئل عن هذه الآية ) فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ( قال أقوام يقبلون على الدنيا فيأكلونها ويتبعون رخص القرآن ) ويقولون سيغفر لنا ( ولا يعرض لهم شئ من الدنيا إلا أخذوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) فخلف من بعدهم خلف ( قال النصارى ) يأخذون عرض هذا الأدنى ( قال ما أشرف لهم من شئ من الدنيا حلالا أو حراما يشتهونه أخذوه ويتمنون المغفرة وإن يجدوا الغد مثله يأخذوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) فخلف من بعدهم خلف ( الآية يقول يأخذون ما أصابوا ويتركون ما شاءوا من حلال أو حرام ) ويقولون سيغفر لنا ( وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ( فيما يوجبون على الله من غفران ذنوبهم التى لا يزالون يعودون إليها ولا يتوبون منها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي زيد فى قوله ) ودرسوا ما فيه ( قال علموا ما فى الكتاب لم يأتوه بجهالة وأخرج ابن أبي حاتم


"""""" صفحة رقم 262 """"""
وأبو الشيخ عن الحسن فى قوله ) والذين يمسكون بالكتاب ( قال هى لأهل الإيمان منهم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) والذين يمسكون بالكتاب ( قال من اليهود والنصارى
سورة الأعراف الآية ( 171 )
الأعراف : ( 171 ) وإذ نتقنا الجبل . . . . .
قوله ) وإذ ( منصوب بفعل مقدر معطوف على ما قبله أي واسألهم إذ نتقنا الجبل أي رفعنا الجبل ) فوقهم ( و ) كأنه ظلة ( أي كأنه لارتفاعه سحابة تظلهم والظلة اسم لكل ما أظل وقرئ طلة بالطاء من أطل عليه إذا أشرف ) وظنوا أنه واقع بهم ( أي ساقط عليهم قيل الظن هنا بمعنى العلم وقيل هو على بابه ) خذوا ما آتيناكم بقوة ( هو على تقدير القول أي وقلنا لهم خذوا والقوة الجد والعزيمة أي أخذا كائنا بقوة ) واذكروا ما فيه ( من الأحكام التى شرعها الله لكم ولا تنسوه ) لعلكم تتقون ( رجاء أن تتقوا ما نهيتهم عنه وتعملوا بما أمرتم به وقد تقدم تفسير ما هنا فى البقرة مستوفى فلا نعده
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وإذ نتقنا الجبل ( يقول رفعناه وهو قوله ) ورفعنا فوقهم الطور ( فقال ) خذوا ما آتيناكم بقوة ( وإلا أرسلته عليكم وأخرج ابن أبي حاتم عنه فى الآية قال رفعته الملائكة فوق رءوسهم فقيل لهم ) خذوا ما آتيناكم بقوة ( فكانوا إذا نظروا إلى الجبل قالوا سمعنا وأطعنا وإذا نظروا إلى الكتاب قالوا سمعنا وعصينا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضا قال إنى لأعلم لم تسجد اليهود على حرف قال الله ) وإذ نتقنا الجبل فوقهم ( قال لتأخذن أمري أو لأرمينكم به فسجدوا وهم ينظرون إليه مخافة أن يسقط عليهم وكانت سجدة رضيها الله سبحانه فاتخذوها سنة وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) وإذ نتقنا الجبل ( قال انتزعه الله من أصله ثم جعله فوق رءوسهم ثم قال لتأخذن أمري أو لأرمينكم به
سورة الأعراف الآية ( 172 174 )
الأعراف : ( 172 ) وإذ أخذ ربك . . . . .
قوله ) وإذ ( منصوب بفعل مقدر معطوف على ما قبله كما تقدم قوله ) من بني آدم ( استدل بهذا على أن المراد بالمأخوذين هنا هم ذرية بنى آدم أخرجهم الله من أصلابهم نسلا بعد نسل
وقد ذهب إلى هذا جماعة من المفسرين قالوا ومعنى ) وأشهدهم على أنفسهم ( دلهم بخلقه على أنه خالقهم فقامت هذه الدلالة مقام الإشهاد فتكون هذه الآية من باب التمثيل كما فى قوله تعالى ) فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ( وقيل المعنى أن الله سبحانه أخرج الأزواج قبل خلق الأجساد وأنه جعل


"""""" صفحة رقم 263 """"""
فيها من المعرفة ما فهمت به خطابه سبحانه وقيل المراد ببنى آدم هنا آدم نفسه كما وقع فى غير هذا الموضع والمعنى أن الله سبحانه لما خلق آدم مسح ظهره فاستخرج منه ذريته وأخذ عليهم العهد وهؤلاء هم عالم الذر وهذا هو الحق الذى لا ينبغى العدول عنه ولا المصير إلى غيره لثبوته مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وموقوفا على غيره من الصحابة ولا ملجئ للمصير إلى المجاز وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل وسنذكر آخر هذا البحث إن شاء الله بعض ما ورد فى ذلك قوله ) من ظهورهم ( هو بدل من بنى آدم بدل بعض من كل وقيل بدل اشتمال قوله ? ذرياتهم ? قرأ الكوفيون وابن كثير ) ذريتهم ( بالتوحيد وهى تقع على الواحد والجمع وقرأ الباقون ? ذرياتهم ? بالجمع ) وأشهدهم على أنفسهم ( أي أشهد كل واحد منهم ) ألست بربكم ( أي قائلا ألست بربكم فهو على إرادة القول ) قالوا بلى شهدنا ( أي على أنفسنا بأنك ربنا قوله ) أن تقولوا ( قرأ أبو عمرو بالياء التحتية فى هذا وفي قوله ? أو يقولوا ? على الغيبة كما كان فيما قبله على الغيبة وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب والمعنى كراهة أن يقولوا أو لئلا يقولوا أي فعلنا ذلك الأخذ والإشهاد كراهة أن يقولوا ) يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ( أي عن كون الله ربنا وحده لا شريك له
الأعراف : ( 173 ) أو تقولوا إنما . . . . .
قوله ) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل ( معطوف على ) تقولوا ( الأول أي فعلنا ذلك كراهة أن تعتذروا بالغفلة أو تنسبوا الشرك إلى آبائكم دونكم و ) أو ( لمنع الخلو دون الجمع فقد يعتذرون بمجموع الأمرين ) من قبل ( أي من قبل زماننا ) وكنا ذرية من بعدهم ( لا نهتدى إلى الحق ولا نعرف الصواب ) أفتهلكنا بما فعل المبطلون ( من آبائنا ولا ذنب لنا لجهلنا وعجزنا عن النظر واقتفائنا آثار سلفنا بين الله سبحانه فى هذه الحكمة التى لأجلها أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم على أنفسهم وأنه فعل ذلك بهم لئلا يقولوا هذه المقالة يوم القيامة ويعتلوا بهذه العلة الباطلة ويعتذروا بهذه المعذرة الساقطة
الأعراف : ( 174 ) وكذلك نفصل الآيات . . . . .
) وكذلك ( أي ومثل ذلك التفصيل ) نفصل الآيات ولعلهم يرجعون ( إلى الحق ويتركون ما هم عليه من الباطل
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج مالك فى الموطأ وأحمد فى المسند وعبد بن حميد والبخاري فى تاريخه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان فى صحيحه وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي فى الأسماء والصفات والضياء فى المختارة أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية ) وإذ أخذ ربك ( الآية فقال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسأل عنها فقال إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل فقال إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله النار وأخرج أحمد والنسائي وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى الأسماء والصفات عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذراها فنشرها بين يديه ثم كلمهم فقال ) ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ( إلى قوله ) المبطلون ( وإسناده لا مطعن فيه وقد أخرجه ابن أبي حاتم موقوفا على ابن عباس وأخرج ابن جرير وابن منده فى كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم وذرياتهم قال أخذهم من ظهره كما يؤخذ المشط من الرأس فقال لهم ألست بربكم قالوا بلى قالت الملائكة شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين وفي إسناده أحمد بن أبي ظبية أبو محمد الجرجاني قاضي قومس كان أحد الزهاد


"""""" صفحة رقم 264 """"""
وأخرج له النسائي فى سننه وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه وقال ابن عدي حدث بأحاديث كثيرة غرائب وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمر وهؤلاء أئمة ثقات وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي فى نوادر الأصول والطبراني وأبو الشيخ فى العظمة وابن مردويه عن أبي أمامة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما خلق الله الخلق وقضى القضية وأخذ ميثاق النبيين وعرشه على الماء فأخذ أهل اليمين بيمينه وأخذ أهل الشمال بيده الأخرى وكلتا يدي الرحمن يمين فقال يا أصحاب اليمين فاستجابوا له فقالوا لبيك ربنا وسعديك قال ألست بربكم قالوا بلى الحديث والأحاديث فى هذا الباب كثيرة بعضها مقيد بتفسير هذه الآية وبعضها مطلق يشتمل على ذكر إخراج ذرية آدم من ظهره وأخذ العهد عليهم كما في حديث أنس مرفوعا فى الصحيحين وغيرهما وأما المروى عن الصحابة فى تفسير هذه الآية بإخراج ذرية آدم من صلبه فى عالم الذر وأخذ العهد عليهم وإشهادهم على أنفسهم فهي كثيرة منها عن ابن عباس عند عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ فى قوله ) وإذ أخذ ربك من بني آدم ( الآية قال خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه وكتب أجله ورزقه ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة الذر فأخذ مواثيقهم أنه ربهم وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصيباتهم وأخرج نحوه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم وأخرج نحوه عنه أيضا ابن جرير وابن المنذر وأخرج نحوه عنه عبد الرزاق وابن المنذر وأخرج نحوه عنه عبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن منده وهذا المعنى مروى عنه من طرق كثيرة غير هذه موقوفة عليه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمر فى قوله ) وإذ أخذ ربك من بني آدم ( الآية قال أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس وأخرج ابن عبد البر فى التمهيد عن ابن مسعود وناس من الصحابة فى تفسير الآية نحوه وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد بن حنبل فى رواية المسند وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن منده وابن مردويه والبيهقي فى الأسماء والصفات والضياء فى المختارة وابن عساكر فى تاريخه عن أبي بن كعب فى قوله ) وإذ أخذ ربك من بني آدم ( الآية قال جمعهم جميعا فجعلهم أرواحا فى صورهم ثم استنطقهم فتكلموا ثم أخذ عليهم العهد والميثاق ثم أشهدهم على أنفسهم
وقد روى عن جماعة ممن بعد الصحابة تفسير هذه الآية بإخراج ذرية آدم من ظهره وفيما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى تفسيرها مما قدمنا ذكره ما يغنى عن التطويل
سورة الأعراف الآية ( 175 178 )


"""""" صفحة رقم 265 """"""
الأعراف : ( 175 ) واتل عليهم نبأ . . . . .
قوله ) واتل ( معطوف على الأفعال المقدرة فى القصص السابقة وإيراد هذه القصة منه سبحانه وتذكير أهل الكتاب بها لأنها كانت مذكورة عندهم فى التوراة وقد اختلف فى هذا الذى أوتى الآيات ) فانسلخ منها ( فقيل هو بلعم بن باعوراء وكان قد حفظ بعض الكتب المنزلة وقيل كان قد أوتى النبوة وكان مجاب الدعوة بعثه الله إلى مدين يدعوهم إلى الإيمان فأعطوه الأغطية الواسعة فاتبع دينهم وترك ما بعث به فلما أقبل موسى فى بنى إسرائيل لقتال الجبارين سأل الجبارون بلعم بن باعوراء أن يدعو على موسى فقام ليدعو عليه فتحول لسانه بالدعاء على أصحابه فقيل له في ذلك فقال لا أقدر على أكثر مما تسمعون واندلع لسانه على صدره فقال قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة وسأمكر لكم وإني أرى أن تخرجوا إليهم فتياتكم فإن الله يبغض الزنا فإن وقعوا فيه هلكوا فوقع بنو إسرائيل فى الزنا فأرسل الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفا وقيل إن هذا الرجل اسمه باعم وهو من بنى إسرائيل وقيل المراد به أمية بن الصلت الثقفي وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولا فى ذلك فلما أرسل الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) حسده وكفر به وقيل هو أبو عامر بن صيفى وكان يلبس المسوح فى الجاهلية فكفر بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل نزلت فى قريش آتاهم الله آياته التى أنزلها على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فكفروا بها وقيل نزلت فى اليهود والنصارى انتظروا خروج محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فكفروا به قوله ) فانسلخ منها ( أي من هذه الآيات التى أوتيها كما تنسلخ الشاة عن جلدها فلم يبق له بها اتصال ) فأتبعه الشيطان ( عند انسلاخه عن الآيات أي لحقه فأدركه وصار قرينا له أو فأتبعه خطواته وقرئ ) فأتبعه ( بالتشديد بمعنى تبعه ) فكان من الغاوين ( المتمكنين فى الغواية وهم الكفار
الأعراف : ( 176 ) ولو شئنا لرفعناه . . . . .
قوله ) ولو شئنا لرفعناه بها ( الضمير يعود إلى الذي أوتى الآيات والمعنى لو شئنا رفعه بما آتيناه من الآيات لرفعناه بها أي بسببها ولكن لم نشأ ذلك لانسلاخه عنها وتركه للعمل بها وقيل المعنى ولو شئنا لأمتناه قبل أن يعصى فرفعناه إلى الجنة بها أي بالعمل بها ) ولكنه أخلد إلى الأرض ( أصل الإخلاد اللزوم يقال أخلد فلان بالمكان إذا أقام به ولزمه والمعنى هنا أنه مال إلى الدنيا ورغب فيها وآثرها على الآخرة ) واتبع هواه ( أي اتبع ما يهواه وترك العمل بما يقتضيه العلم الذى علمه الله وهو حطام الدنيا وقيل كان هواه مع الكفار وقيل اتبع رضا زوجته وكانت هى التى حملته على الانسلاخ من آيات الله قوله ) فمثله كمثل الكلب ( أي فصار لما انسلخ عن الآيات ولم يعمل بها منحطا إلى أسفل رتبة مشابها لأخس الحيوانات فى الدناءة ممائلا له فى أقبح أوصافه وهو أنه يلهث فى كلا حالتي قصد الإنسان له وتركه فهو لاهث سواء زجر أو ترك طرد أو لم يطرد شد عليه أو لم يشد عليه وليس بعد هذا فى الخسة والدناءة شئ وجملة ) إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ( فى محل نصب على الحال أي مثله كمثل الكلب حال كونه متصفا بهذه الصفة والمعنى أن هذا المنسلخ عن الآيات لا يرعوى عن المعصية فى جميع أحواله سواء وعظه الواعظ وذكره المذكر وزجره الزاجر أو لم يقع شيء من ذلك قال القتيبي كل شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال وحال الراحة وحال المرض وحال الصحة وحال الرى وحال العطش فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته فقال إن وعظته ضل وإن تركته ضل فهو كالكلب إن تركته لهث وإن طردته لهث كقوله تعالى ) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ( واللهث إخراج اللسان لتعب أو عطش أو غير ذلك قال الجوهري لهث الكلب بالفتح يلهث لهثا ولهاثا بالضم إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش وكذلك الرجل إذا أعيا قيل معنى الآية أنك إذا حملت على الكلب نبح وولى هاربا وإن تركته شد عليك


"""""" صفحة رقم 266 """"""
ونبح فيتعب نفسه مقبلا عليك ومديرا عنك فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إخراج اللسان والإشارة بقوله ذلك إلى ما تقدم من التمثيل بتلك الحالة الخسيسة وهو مبتدأ وخبره ) مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا ( أي ذلك المثل الخسيس مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا من اليهود بعد أن علموا بها وعرفوها فحرفوا وبدلوا وكتموا صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكذبوا بها ) فاقصص القصص ( أي فاقصص عليهم هذا القصص الذى هو صفة الرجل المنسلخ عن الآيات فإن مثله المذكور كمثل هؤلاء القوم المكذبين من اليهود الذين تقص عليهم ) لعلهم يتفكرون ( فى ذلك ويعملون فيه أفهامهم فينزجرون عن الضلال ويقبلون على الصواب
الأعراف : ( 177 ) ساء مثلا القوم . . . . .
قوله ) ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا ( هذه الجملة متضمنة لبيان حال هؤلاء القوم البالغة فى القبح إلى الغاية يقال ساء الشئ قبح فهو لازم وساءه يسوؤه مساءة فهو متعد وهو من أفعال الذم كبئس وفاعله ضمير مستتر فيه ومثلا تمييز مفسر له والمخصوص بالذم هو الذين كذبوا بآياتنا ولا بد من تقدير مضاف محذوف لأجل المطابقة أي ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا وقال الأخفش جعل المثل القوم مجازا والقوم مرفوع بالابتداء أو على إضمار مبتدأ التقدير ساء المثل مثلا هو مثل القوم كذا قال وقدره أبو علي الفارسي ساء مثلا مثل القوم كما قدمنا وقرأ الجحدري والأعمش ? ساء مثل القوم ? قوله ) وأنفسهم كانوا يظلمون ( أي ما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم لا يتعداها ظلمهم إلى غيرها ولا يتجاوزها والجملة معطوفة على التى قبلها على معنى أنهم جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم
الأعراف : ( 178 ) من يهد الله . . . . .
) من يهد الله فهو المهتدي ( لما أمر به وشرعه لعباده ) ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ( الكاملون فى الخسران من هداه فلا مضل له ومن أضله فلا هادى له ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود فى قوله ) واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا ( قال هو رجل من بنى إسرائيل يقال له بلعم بن آبز وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال هو بلعم بن باعوراء وفي لفظ بلعام بن باعر الذى أوتى الاسم كان فى بنى إسرائيل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا ( قال هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم تعلم اسم الله الأكبر فلما نزل بهم موسة أتاه بنو عمه وقومه فقالوا إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة وإنه إن يظهر علينا يهلكنا فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه قال إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه مضت دنياي وآخرتي فلم يزالوا به حتى دعا الله فسلخ ما كان فيه وفي قوله ) إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ( قال إن حمل الحكمة لم يحملها وإن ترك لم يهتد لخير كالكلب إن كان رابضا لهث وإن يطرد لهث وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى الآية قال هو رجل أعطى ثلاث دعوات يستجاب له فيهن وكانت له امرأة له منها ولد فقالت اجعل لي منها واحدة قال فلك واحدة فما الذى تريدين قالت ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة فى بنى إسرائيل فدعا الله فجعلها أجمل امرأة فى بنى إسرائيل فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئا آخر فدعا الله أن يجعلها كلبة فصارت كلبة فذهبت دعوتان فجاء بنوها فقالوا ليس بنا على هذا قرار قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها فادع الله أن يردها إلى الحال التى كانت عليه فدعا الله فعادت كما كانت فذهبت الدعوات الثلاث وسميت البسوس وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو فى الآية قال هو أمية بن أبي الصلت الثقفي وفي لفظ نزلت فى صاحبكم أمية بن أبي الصلت وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن


"""""" صفحة رقم 267 """"""
مردويه وابن عساكر عنه نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الشعبي فى هذه الآية قال قال ابن عباس هو رجل من بنى إسرائيل يقال له بلعام بن باعوراء وكانت الأنصار تقول هو ابن الراهب الذى بني له مسجد الشقاق وكانت ثقيف تقول هو أمية بن أبي الصلت وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال هو صيفى بن الراهب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى قوله ) فانسلخ منها ( قال نزع منه العلم
وفي قوله ) ولو شئنا لرفعناه بها ( قال رفعه الله بعلمه وأخرح مسلم والنسائي وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي فى الأسماء والصفات عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في خطبته يحمد الله ويثنى عليه بما هو أهله ثم يقول من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وشر الأمور محدثاتها وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار ثم يقول بعثت أنا والساعة كهاتين
سورة الأعراف الآية ( 179 )
الأعراف : ( 179 ) ولقد ذرأنا لجهنم . . . . .
) ولقد ذرأنا ( أي خلقنا وقد تقدم بيان أصل معناه مستوفى وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها ) لجهنم ( أي للتعذيب بها ) كثيرا ( أي خلقا كثيرا ) من الجن والإنس ( أي من طائفتي الجن والإنس جعلهم سبحانه للنار بعد له وبعمل أهلها يعملون وقد علم ما هم عاملون قبل كونهم كما ثبت فى الأحاديث الصحيحة ثم وصف هؤلاء فقال ) لهم قلوب لا يفقهون بها ( كما يفقه غيرهم بعقولهم وجملة ) لا يفقهون بها ( في محل رفع على أنها صفة لقلوب وجملة ) لهم قلوب ( فى محل نصب صفة لكثيرا جعل سبحانه قلوبهم لما كانت غير فاقهة لما فيه نفعهم وإرشادهم غير فاقهة مطلقا وإن كانت تفقه فى غير ما فيه النفع والرشاد فهو كالعدم وهكذا معنى ) ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ( فإن الذى انتفى من الأعين هو إبصار ما فيه الهداية بالتفكر والاعتبار وإن كانت مبصرة فى غير ذلك والذى انتقى من الآذان هو سماع المواعظ النافعة والشرائع التى اشتملت عليها الكتب المنزلة وما جاءت به رسل الله وإن كانوا يسمعون غير ذلك والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى هؤلاء المتصفين بهذه الأوصاف كالأنعام فى انتفاء انتفاعهم بهذه المشاعر ثم حكم عليهم بأنهم أضل منها لأنها تدرك بهذه الأمور ما ينفعها ويضرها فتنتفع بما ينفع وتجتنب ما يضر وهؤلاء لا يميزون بين ما ينفع وما يضر باعتبار ما طلبه الله منهم وكلفهم به ثم حكم عليهم بالغفلة الكاملة لما هم عليه من عدم التمييز الذى هو من شأن من له عقل وبصر وسمع
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ولقد ذرأنا ( قال خلقنا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن فى الآية قال خلقنا لجهنم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن النجار عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله لما ذرأ لجهنم من ذرأ كان ولد الزنا ممن ذرأ لجهنم وأخرج ابن جرير عن مجاهد فى قوله ) ولقد ذرأنا لجهنم ( قال لقد خلقنا لجهنم ) لهم قلوب لا يفقهون بها ( قال لا يفقهون شيئا من أمور الآخرة ) ولهم أعين لا يبصرون بها ( الهدى ) ولهم آذان لا يسمعون بها (


"""""" صفحة رقم 268 """"""
الحق ثم جعلهم كالأنعام ثم جعلهم شرا من الأنعام فقال ) بل هم أضل ( ثم أخبر أنهم الغافلون
سورة الأعراف الآية ( 180 )
الأعراف : ( 180 ) ولله الأسماء الحسنى . . . . .
هذه الآية مشتملة على الإخبار من الله سبحانه بما له من الأسماء على الجملة دون التفصيل والحسنى تأنيث الأحسن أي التى هى أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول ثم أمرهم بأن يدعوه بها عند الحاجة فإنه إذا دعى بأحسن أسمائه كان ذلك من أسباب الإجابة وقد ثبت فى الصحيح إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة وسيأتي ويأتي أيضا بيان عددها آخر البحث إن شاء الله قوله ) وذروا الذين يلحدون في أسمائه ( الإلحاد الميل وترك القصد يقال لحد الرجل في الدين وألحد إذا مال ومنه اللحد فى القبر لأنه فى ناحية وقرئ ) يلحدون ( وهما لغتان والإلحاد فى أسمائه سبحانه يكون على ثلاثة أوجه إما بالتغيير كما فعله المشركون فإنهم أخذوا اسم اللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان أو بالزيادة عليها بأن يخترعوا أسماء من عندهم لم يأذن الله بها أو بالنقصان منها بأن يدعوه ببعضها دون بعض ومعنى ) وذروا الذين يلحدون ( أتركوهم ولا تحاجوهم ولا تعرضوا لهم وعلى هذا المعنى فالآية منسوخة بآيات القتال وقيل معناه الوعيد كقوله تعالى ) ذرني ومن خلقت وحيدا ( وقوله ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ( وهذا أولى لقوله ) سيجزون ما كانوا يعملون ( فإنه وعيد لهم بنزول العقوبة وتحذير للمسلمين أن يفعلوا كفعلهم وقد ذكر مقاتل وغيره من المفسرين أن هذه الآية نزلت في رجل من المسلمين كان يقول فى صلاته يا رحمن يا رحيم فقال رجل من المشركين أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا يدعو ربين اثنين حكى ذلك القرطبي
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو عوانة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر وفي لفظ ابن مردويه وأبي نعيم من دعى بها استجاب الله دعاءه وزاد الترمذي فى سننه بعد قوله يحب الوتر هو الله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوى المتين الولي الحميد المحصى المبدئ المعيد المحيى المميت الحي القيوم الواجد الماجد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرءوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادى البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور


"""""" صفحة رقم 269 """"""
هكذا أخرج الترمذي هذه الزيادة عن الجوزجاني عن صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد الأعرج عن أبي هريرة مرفوعة وقال هذا حديث غريب وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة ولا يعلم في كثير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث ورواه ابن حبان فى صحيحه وابن خزيمة والحاكم من طريق صفوان بإسناده السابق ورواه ابن ماجه فى سننه من طريق أخرى عن موسى ابن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا فسرد الأسماء المتقدمة بزيادة ونقصان قال ابن كثير فى تفسيره والذى عول جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء فى هذا الحديث مدرج فيه وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك أي أنهم جمعوها من القرآن كما روى عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي قال ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة فى التسعة والتسعين بدليل ما رواه الإمام أحمد فى مسنده عن يزيد بن هارون عن فضيل ابن مرزوق عن أبي سلمة الجهنى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك ابن عبدك وأمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل فى قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها فقال بلى ينبغى لمن سمعها أن يتعلمها وقد أخرجه الإمام أبو حاتم بن حبان فى صحيحه بمثله انتهى وأخرجه البيهقي أيضا فى الأسماء والصفات قال ابن حزم جاءت فى إحصائها يعني الأسماء الحسنى أحاديث مضطربة لا يصح منها شيء أصلا وقد أخرجها بهذا العدد الذى أخرجه الترمذي ابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس وابن عمر قالا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكراه ولا أدرى كيف إسناده وأخرج ابن أبي الدنيا والطبراني كلاهما فى الدعاء وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة أسأل الله الرحمن الرحيم الإله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير الحنان المنان البديع الغفور الودود الشكور المجيد المبدئ المعيد النور البارئ وفي لفظ القائم الأول الآخر الظاهر الباطن العفو الغفار الوهاب الفرد وفي لفظ القادر الأحد الصمد الوكيل الكافي الباقي المغيث الدائم المتعالى ذا الجلال والإكرام المولى البصير الحق المتين الوارث المنير الباعث القدير وفي لفظ المجيب المحيى المميت الحميد وفي لفظ الجميل الصادق الحفيظ المحيط الكبير القريب الرقيب الفتاح التواب القديم الوتر الفاطر الرزاق العلام العلي العظيم الغني الملك المقتدر الأكرم الرءوف المدبر المالك القاهر الهادي الشاكر الكريم الرفيع الشهيد الواحد ذا الطول ذا المعارج ذا الفضل الخلاق الكفيل الجليل
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن جعفر قال سألت أبي جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء التسعة والتسعين التى من أحصاها دخل الجنة فقال هى فى القرآن ففي الفاتحة خمسة أسماء يا ألله يا رب يا رحمن يا رحيم يا ملك وفي البقرة ثلاثة وثلاثون اسما يا محيط يا قدير يا عليم يا حكيم يا علي يا عظيم يا تواب يا بصير يا ولي يا واسع يا كافي يا رءوف يا بديع يا شاكر يا واحد يا سميع يا قابض يا باسط يا حي


"""""" صفحة رقم 270 """"""
ياقيوم ياغني ياحميد ياغفور ياحليم ياإله ياقريب يامجيب ياعزيز يانصير ياقوي ياشديد ياسريع ياخبير وفى آل عمران ياوهاب ياقائم ياصادق ياباعث يامنعم يامتفضل وفي النساء يارقيب ياحسيب ياشهيد يامقيت ياوكيل ياعلي ياكبير فى الأنعام يافاطر ياقاهر يالطيف يابرهان وفي الأعراف يامحيى يامميت وفي الأنفال يا نعم المولى ويا نعم النصير وفي هود ياحفيظ يامجيد ياودود يافعال لما تريد وفي الرعد ياكبير يامتعالى وفى إبراهيم يامنان ياوارث وفي الحجر ياخلاق وفي مريم يافرد وفي طه ياغفار وفي قد أفلح ياكريم وفي النور ياحق يامبين وفي الفرقان ياهادي وفي سبأ يافتاح وفي الزمر ياعالم وفي غافر ياقابل التوب ياذا الطول يارفيع وفي الذاريات يارزاق ياذا القوة يامتين وفي الطور يابر وفي اقتربت يامقتدر يامليك وفي الرحمن ياذا الجلال والإكرام يارب المشرقين يارب المغربين يا باقي يامعين وفي الحديد ياأول ياآخر ياظاهر ياباطن وفي الحشر ياملك ياقدوس ياسلام يامؤمن يا مهيمن ياعزيز ياجبار يامتكبر ياخالق يابارئ يامصور وفي البروج يامبدئ يامعيد وفي الفجر ياوتر وفي الإخلاص ياأحد ياصمد انتهى
وقد ذكر ابن حجر فى التلخيص أنه تتبعها من الكتاب العزيز إلى أن حرر هنا منه تسعة وتسعين ثم سردها فابحثه ويؤيد هذا ما أخرجه أبو نعيم عن ابن عباس وابن عمر قالا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة وهى في القرآن وأخرج البيهقي عن عائشة أنها قالت يا رسول الله علمني اسم الله الذى إذا دعى به أجاب قال لها قومي فتوضيء وادخلي المسجد فصلى ركعتين ثم ادعى حتى أسمع ففعلت فلما جلست للدعاء قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم وفقها فقالت اللهم إني أسألك بجميع أسمائك الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم وأسألك باسمك العظيم الأعظم الكبير الأكبر الذى من دعاك به أجبته ومن سألك به أعطيته قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصبتيه أصبتيه
وقد أطال أهل العلم الكلام على الأسماء الحسنى حتى أن ابن العربي فى شرح الترمذي حكى عن بعض أهل العلم أنه جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله ألف اسم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وذروا الذين يلحدون في أسمائه ( قال الإلحاد أن يدعو اللات والعزى فى أسماء الله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال الإلحاد التكذيب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج فى الآية قال اشتقوا العزى من العزيز واشتقوا اللات من الله وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء فى الآية قال الإلحاد المضاهاة وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش أنه قرأ ) يلحدون ( من لحد وقال تفسيرها يدخلون فيها ما ليس منها وأخرج عبد الرزاق بن حميد وابن جرير عن قتادة فى الآية قال يشركون
سورة الأعراف الآية ( 181 184 )


"""""" صفحة رقم 271 """"""
سورة الأعراف الآية ( 185 186 )
الأعراف : ( 181 ) وممن خلقنا أمة . . . . .
قوله ) وممن خلقنا ( خبر مقدم و ) أمة ( مبتدأ مؤخر و ) يهدون ( وما بعده صفة له ويجوز أن يكون ) وممن خلقنا ( هو المبتدأ كما تقدم فى قوله ) ومن الناس من يقول ( والمعنى أن من جملة من خلقه الله أمة يهدون الناس متلبسين بالحق أو يهدونهم بما عرفوه من الحق و بالحق ) يعدلون ( بينهم قيل هم من هذه الأمة وإنهم الفرقة الذين لا يزالون على الحق ظاهرين كما ورد فى الحديث الصحيح
الأعراف : ( 182 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
ثم لما بين حال هذه الأمة الصالحة بين حال من يخالفهم فقال ) والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ( والاستدراج هو الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة والدرج كف الشئ يقال أدرجته ودرجته ومنه إدراج الميت فى أكفانه وقيل هو من الدرجة فالاستدراج أن يخطو درجة بعد درجة إلى المقصود ومنه درج الصبي إذا قارب بين خطاه وأدرج الكتاب طواه شيئا بعد شئ ودرج القوم مات بعضهم فى أثر بعض والمعنى سنسندينهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم وذلك بإدرار النعم عليهم وإنسائهم شكرها فينهمكون فى الغواية ويتنكبون طرق الهداية لاغترارهم بذلك وأنه لم يحصل لهم إلا بما لهم عند الله من المنزلة والزلفة
الأعراف : ( 183 ) وأملي لهم إن . . . . .
قوله ) وأملي لهم ( معطوف على سنستدرجهم أي أطيل لهم المدة وأمهلهم وأؤخر عنهم العقوبة وجملة ) إن كيدي متين ( مقررة لما قبلها من الاستدراج والإملاء ومؤكدة له والكيد المكر والمتين الشديد القوي وأصله من المتن وهو اللحم الغليظ الذى على جانب الصلب
قال فى الكشاف سماء كيدا لأنه شبيه بالكيد من حيث إنه فى الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان
الأعراف : ( 184 ) أولم يتفكروا ما . . . . .
والاستفهام فى ) أو لم يتفكروا ( للإنكار عليهم حيث لم يتفكروا فى شأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفيما جاء به و ) ما ( فى ) ما بصاحبهم ( للاستفهام الإنكاري وهى فى محل رفع بالابتداء والخبر بصاحبهم والجنة مصدر أي وقع منهم التكذيب ولم يتفكروا أي شئ من جنون كائن بصاحبهم كما يزعمون فإنهم لو تفكروا لوجدوا زعمهم باطلا وقولهم زورا وبهتا وقيل إن ) ما ( نافية واسمها ) من جنة ( وخبرها بصاحبهم أي ليس بصاحبهم شئ مما يدعونه من الجنون فيكون هذا ردا لقولهم ) يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ( ويكون الكلام قد تم عند قوله ) أو لم يتفكروا ( والوقف عليه من الأوقاف الحسنة وجملة ) إن هو إلا نذير مبين ( مقررة لمضمون ما قبلها ومبينة لحقيقة حال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
الأعراف : ( 185 ) أولم ينظروا في . . . . .
والاستفهام فى ) أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ( للإنكار والتقريع والتوبيخ ولقصد التعجيب من إعراضهم عن النظر فى الآيات البينة الدالة على كمال قدرته وتفرده بالإلهية والملكوت من أبنية المبالغة ومعناه الملك العظيم وقد تقدم بيانه والمعنى إن هؤلاء لم يتفكروا حتى ينتفعوا بالتفكر ولا نظروا فى مخلوقات الله حتى يهتدوا بذلك إلى الإيمان به بل هم سادرون فى ضلالتهم خائضون فى غوايتهم لا يعملون فكرا ولا يمعنون نظرا قوله ) وما خلق الله من شيء ( أي لم ينظروا فى ملكوت السموات والأرض ولا فيما خلق الله من شئ من الأشياء كائنا ما كان فإن في كل مخلوقاته عبرة للمعتبرين وموعظة للمتفكرين سواء كانت من جلائل مصنوعاته كملكوت السموات والأرض أو من دقائقها من سائر مخلوقاته قوله ) وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ( معطوف على ملكوت وأن هى المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وخبرها عسى وما بعدها أي أو لم ينظروا فى أن الشأن والحديث عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فيموتون عن قريب والمعنى إنهم إذا كانوا يجوزون قرب آجالهم فما لهم لا ينظرون فيما يهتدون


"""""" صفحة رقم 272 """"""
به وينتفعون بالتفكر فيه والاعتبار به ) فبأي حديث بعده يؤمنون ( الضمير يرجع إلى ما تقدم من التفكر والنظر فى الأمور المذكورة أي فبأي حديث بعد هذا الحديث المتقدم بيانه يؤمنون وفي هذا الاستفهام من التقريع والتوبيخ ما لا يقادر قدره وقيل الضمير للقرآن وقيل لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل للأجل المذكور قبله
الأعراف : ( 186 ) من يضلل الله . . . . .
وجملة ) من يضلل الله فلا هادي له ( مقررة لما قبلها أي إن هذه الغفلة منهم عن هذه الأمور الواضحة البينة ليس إلا لكونهم ممن أضله الله ومن يضلله فلا هادى له أي فلا يوجد من يهديه إلى الحق وينزعه عن الضلالة ألبتة ) ويذرهم في طغيانهم يعمهون ( قرئ بالرفع على الاستئناف وبالجزم عطفا على محل الجزاء وقرئ بالنون ومعنى يعمهون يتحيرون وقيل يترددون وهو فى محل نصب على الحال
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج فى قوله ) وممن خلقنا أمة يهدون بالحق ( قال ذكر لنا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال هذه أمتى بالحق يحكمون ويقضون ويأخذون ويعطون وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى الآية قال بلغنا أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول إذا قرأها هذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع فى الآية قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم متى نزل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ( يقول سنأخذهم من حيث لا يعلمون قال عذاب بدر وأخرج أبو الشيخ عن يحيى بن المثنى فى الآية قال كلما أحدثوا ذنبا جددنا لهم نعمة تنسيهم الاستغفار وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ والبيهقي فى الأسماء والصفات عن سفيان فى الآية قال نسبغ عليهم النعمة ونمنعهم شكرها وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ثابت البناني أنه سئل عن الاستدراج فقال ذلك مكر الله بالعباد المضيعين وأخرج أبو الشيخ فى قوله ) وأملي لهم ( يقول أكف عنهم ) إن كيدي متين ( إن مكري شديد ثم نسخها الله فأنزل ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كيد الله العذاب والنقمة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال ذكر لنا أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) قام على الصفا فدعا قريشا فخذا فخذا يا بني فلان يا بني فلان يحذرهم بأس الله ووقائع الله إلى الصباح حتى قال قائل إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوت حتى أصبح فأنزل الله ) أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين )
سورة الأعراف الآية ( 187 188 )


"""""" صفحة رقم 273 """"""
سورة الأعراف الآية ( 189 192 )
الأعراف : ( 187 ) يسألونك عن الساعة . . . . .
قوله ) يسألونك عن الساعة ( السائلون هم اليهود وقيل قريش والساعة القيامة وهى من الأسماء الغالبة وإطلاقها على القيامة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها وأيان ظرف زمان مبني على الفتح قال الزاجر أيان تقضى حاجتي أيانا
أما ترى لنجحها أوانا
ومعناه معنى متى واشتقاقه من أي وقيل من أين وقرأ السلمي ) أيان ( بكسر الهمزة وهو فى موضع رفع على الخبر و ) مرساها ( المبتدأ عند سيبويه ومرساها بضم الميم أي وقت إرسائها من أرساها الله أي أثبها وبفتح الميم من رست أي ثبتت ومنه ) وقدور راسيات ( ومنه رسا الجبل والمعنى متى يرسيها الله أي يثبتها ويوقعها وظاهر ) يسألونك عن الساعة ( أن السؤال عن نفس الساعة وظاهر ) أيان مرساها ( أن السؤال عن وقتها فحصل من الجميع أن السؤال المذكور هو عن الساعة باعتبار وقوعها في الوقت المعين لذلك ثم أمره الله سبحانه بأن يجيب عنهم بقوله ) قل إنما علمها عند ربي ( أي علمها باعتبار وقوعها عند الله لا يعلمها غيره ولا يهتدى إليها سواه ) لا يجليها لوقتها إلا هو ( أي لا يظهرها لوقتها ولا يكشف عنها إلا الله سبحانه والتجلية إظهار الشئ يقال جلى لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه وفي استئثار الله سبحانه بعلم الساعة حكمة عظيمة وتدبير بليغ كسائر الأشياء التى أخفاها الله واستأثر بعلمها وهذه الجملة مقررة لمضمون التى قبلها قوله ) ثقلت في السماوات والأرض ( قيل معنى ذلك أنه لما خفى علمها على أهل السموات والأرض كانت ثقيلة لأن كل ما خفى علمه ثقيل على القلوب وقيل المعنى لا تطيقها السموات والأرض لعظمها لأن السماء تنشق والنجوم تتناثر والبحار تنضب وقيل عظم وصفها عليهم وقيل ثقلت المسئلة عنها وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها أيضا ) لا تأتيكم إلا بغتة ( إلا فجأة على غفلة والبغتة مصدر فى موضع الحال وهذه الجملة كالتى قبلها فى التقرير قوله ) يسألونك كأنك حفي عنها ( قال ابن فارس الحفي العالم بالشيء والحفي المستقصى فى السؤال ومنه قول الاعشى فإن تسألي عني فيارب سائل
حفي عن الأعشى به حيث أصعدا
أ
يقال أحفى فى المسئلة وفي الطلب فهو محف وحفي على التكثير مثل مخصب وخصيب والمعنى يسألونك عن الساعة كأنك عالم بها أو كأنه مستقص للسؤال عنها ومستكثر منه والجملة التشبيهية فى محل نصب على الحال أي يسألونك مشبها حالك حال من هو حفي عنها وقيل المعنى يسألونك عنها كأنك حفي بهم أي حفي ببرهم وفرح بسؤالهم والأول هو معنى النظم القرآني على مقتضى المسلك العربي قوله ) قل إنما علمها عند ربي ( أمره الله سبحانه بأن يكرر ما أجاب به عليهم سابقا لتقرير الحكم وتأكيده وقيل ليس بتكرير بل أحدهما معناه الاستئثار بوقوعها والآخر الاستئثار بكنهها نفسها ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( باستئثار الله بهذا وعدم علم خلقه به لم يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل
الأعراف : ( 188 ) قل لا أملك . . . . .
قوله ) قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ( هذه الجملة متضمنة لتأكيد ما تقدم من عدم علمه بالساعة أيان تكون ومتى تقع لأنه إذا كان لا يقدر على جلب نفع له أو دفع


"""""" صفحة رقم 274 """"""
ضر عنه إلا ما شاء الله سبحانه من النفع له والدفع عنه فبالأولى أن لا يقدر على علم ما استأثر الله بعلمه وفي هذا من إظهار العبودية والإقرار بالعجز عن الأمور التى ليست من شأن العبيد والاعتراف بالضعف عن انتحال ما ليس له ( صلى الله عليه وسلم ) ما فيه أعظم زاجر وأبلغ واعظ لمن يدعى لنفسه ما ليس من شأنها وينتحل علم الغيب بالنجامة أو الرمل أو الطرق بالحصا أو الزجر ثم أكد هذا وقرره بقوله ) ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ( أي لو كنت أعلم جنس الغيب لتعرضت لما فيه الخير فجلبته إلى نفسي وتوقيت ما فيه السوء حتى لا يمسني ولكني عبد لا أدري ما عند ربي ولا ما قضاه في وقدره لي فكيف أدري غير ذلك وأتكلف علمه وقيل المعنى لو كنت أعلم ما يريد الله عز وجل مني من قبل أن يعرفنيه لفعلته وقيل لو كنت أعلم متى يكون لي النصر فى الحرب لقاتلت فلم أغلب وقيل لو كنت أعلم الغيب لأجبت عن كل ما أسأل عنه والأولى حمل الآية على العموم فتندرج هذه الأمور وغيرها تحتها وقد قيل إن ) وما مسني السوء ( كلام مستأنف أي ليس بي ما تزعمون من الجنون والأولى أنه متصل بما قبله والمعنى لو علمت الغيب ما مسني السوء ولحذرت عنه كما قدمنا ذلك قوله ) إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ( أي ما أنا إلا مبلغ عن الله لأحكامه أنذر بها قوما وأبشر بها آخرين ولست أعلم بغيب الله سبحانه واللام فى ) لقوم ( متعلق بكلا الصفتين أي بشير لقوم ونذير لقوم وقيل هو متعلق ببشير والمتعلق بنذير محذوف أي نذير لقوم يكفرون وبشير لقوم يؤمنون
الأعراف : ( 189 ) هو الذي خلقكم . . . . .
قوله ) هو الذي خلقكم من نفس واحدة ( هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر نعم الله على عباده وعدم مكافأتهم لها مما يجب من الشكر والاعتراف بالعبودية وأنه المنفرد بالإلهية قال جمهور المفسرين المراد بالنفس الواحدة آدم وقوله ) وجعل منها زوجها ( معطوف على ) خلقكم ( أي هو الذى خلقكم من نفس آدم وجعل من هذه النفس زوجها وهى حواء خلقها من ضلع من أضلاعه وقيل المعنى ) جعل منها ( من جنسها كما فى قوله ) جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( والأول أولى ) ليسكن إليها ( علة للجعل أي جعله منها لأجل يسكن إليها يأنس إليها ويطمئن بها فإن الجنس بجنسه أسكن وإليه آنس وكان هذا فى الجنة كما وردت بذلك الأخبار ثم ابتدأ سبحانه بحالة أخرى كانت بينهما فى الدنيا بعد هبوطهما فقال ) فلما تغشاها ( والتغشى كناية عن الوقاع أي فلما جامعها ) حملت حملا خفيفا ( علقت به بعد الجماع ووصفه بالخفة لأنه عند إلقاء النطفة أخف منه عند كونه علقة وعند كونه علقة أخف منه عند كونه مضغة وعند كونه مضغة أخف مما بعده وقيل إنه خف عليها هذا الحمل من ابتدائه إلى انتهائه ولم تجد منه ثقلا كما تجده الحوامل من النساء لقوله ) فمرت به ( أي استمرت بذلك الحمل تقوم وتقعد وتمضى فى حوائجها لا تجد به ثقلا والوجه الأول أولى لقوله ) فلما أثقلت ( فإن معناه فلما صارت ذات ثقل لكبر الولد فى بطنها وقرئ ) فمرت به ( بالتخفيف أي فجزعت لذلك وقرئ ? فمارت به ? من المور وهو المجئ والذهاب وقيل المعنى فاستمرت به وقد رويت قراءة التخفيف عن ابن عباس ويحيى بن يعمر ورويت قراءة ? فمارت ? عن عبد الله بن عمر وروى عن ابن عباس أنه قرأ ? فاستمرت به ? قوله ) دعوا الله ربهما ( جواب لما أي دعا آدم وحواء ربهما ومالك أمرهما ) لئن آتيتنا صالحا ( أي ولدا صالحا واللام جواب قسم محذوف و ) لنكونن من الشاكرين ( جواب القسم ساد مسد جواب الشرط أي من الشاكرين لك على هذه النعمة وفي هذا الدعاء دليل على أنهما قد علما أن ما حدث فى بطن حواء من أثر ذلك الجماع هو من جنسهما وعلما بثبوت النسل المتأثر عن ذلك السبب
الأعراف : ( 190 ) فلما آتاهما صالحا . . . . .
) فلما آتاهما ( ما طلباه من الولد الصالح وأجاب دعاءهما ) جعلا له شركاء فيما آتاهما ( قال كثير من المفسرين إنه جاء إبليس إلى حواء وقال لها إن ولدت ولدا فسميه باسمى فقالت وما اسمك قال الحرث


"""""" صفحة رقم 275 """"""
ولو سمى لها نفسه لعرفته فسمته عبد الحرث فكان هذا شركا فى التسمية ولم يكن شركا فى العبادة وإنما قصدا أن الحرث كان سبب نجاة الولد كما يسمى الرجل نفسه عبد ضيفه كما قال حاتم الطائي وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا
وما في إلا تلك من شيمة العبد
وقال جماعة من المفسرين إن الجاعل شركا فيما آتاهما هم جنس بني آدم كما وقع من المشركين منهم ولم يكن ذلك من آدم وحواء ويدل على هذا جمع الضمير فى قوله ) فتعالى الله عما يشركون ( وذهب جماعة من المفسرين إلى أن معنى ) من نفس واحدة ( من هيئة واحدة وشكل واحد ) وجعل منها زوجها ( أي من جنسها ) فلما تغشاها ( يعني جنس الذكر جنس الأنثى وعلى هذا لا يكون لآدم وحواء ذكر فى الآية وتكون ضمائر التثنية راجعة إلى الجنسين وقد قدمنا الإشارة إلى نحو هذا وذكرنا أنه خلاف الأولى لأمور منها ) وجعل منها زوجها ( بأن هذا إنما هو لحواء ومنها ) دعوا الله ربهما ( فإن كل مولولد يولد بين الجنسين لا يكون منهما عند مقاربة وضعه هذا الدعاء وقد قرأ أهل المدينة وعاصم ? شركا ? على التوحيد وقرأ أبو عمرو وسائر أهل الكوفة بالجمع وأنكر الأخفش سعيد القراءة الأولى وأجيب عنه بأنها صحيحة على حذف المضاف أي جعلا له ذا شرك أو ذوي شرك
الأعراف : ( 191 ) أيشركون ما لا . . . . .
والاستفهام فى ) أيشركون ما لا يخلق شيئا ( للتقريع والتوبيخ أي كيف يجعلون لله شريكا لا يخلق شيئا ولا يقدر على نفع لهم ولا دفع عنهم قوله ) وهم يخلقون ( عطف على ) ما لا يخلق ( والضمير راجع إلى الشركاء الذين لا يخلقون شيئا أي وهؤلاء الذين جعلوهم شركاء من الأصنام أو الشياطين مخلوقون وجمعهم جمع العقلاء لاعتقاد من جعلهم شركاء أنهم كذلك
الأعراف : ( 192 ) ولا يستطيعون لهم . . . . .
) ولا يستطيعون لهم ( أي لمن جعلهم شركاء ) نصرا ( إن طلبه منهم ) ولا أنفسهم ينصرون ( إن حصل عليهم شئ من جهة غيرهم ومن عجز عن نصر نفسه فهو عن نصر غيره أعجز
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال قال حمل بن أبي قيس وشمول بن زيد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا كما تقول فإنا نعلم ما هى فأنزل الله ) يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي ( إلى قوله ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ) أيان مرساها ( أي متى قيامها ) قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ( قال قالت قريش يا محمد أسر إلينا الساعة لما بيننا وبينك من القرابة قال ) يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ( وذكر لنا أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول تهيج الساعة بالناس والرجل يسقى على ماشيته والرجل يصلح حوضه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه والرجل يقيم سلعته فى السوق قضاء الله لا تأتيكم إلا بغتة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أيان مرساها ( قال منتهاها وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) لا يجليها لوقتها إلا هو ( يقول لا يأتي بها إلا الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال هو يجليها لوقتها لا يعلم ذلك إلا الله وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) ثقلت في السماوات والأرض ( قال ليس شئ من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) ثقلت في السماوات والأرض ( قال ثقل علمها على أهل السموات والأرض يقول كبرت عليهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج فى قوله ) ثقلت في السماوات والأرض ( قال إذا جاءت انشقت السماء وانتثرت النجوم وكورت الشمس وسيرت الجبال وما يصيب الأرض وكان ما قال الله سبحانه فذلك ثقلها فيهما وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) لا تأتيكم إلا بغتة ( فجأة آمنين وأخرج ابن أبي شيبة


"""""" صفحة رقم 276 """"""
وعبد بن حميد وابن المنذر ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي فى البعث عن مجاهد فى قوله ) كأنك حفي عنها ( قال استحفيت عنها السؤال حتى علمتها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) كأنك حفي عنها ( يقول كأنك عالم بها أي لست تعلمها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عنه ) كأنك حفي عنها ( قال لطيف بها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عنه أيضا ) كأنك حفي عنها ( يقول كأن بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم قال لما سأل الناس محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدا حفي بهم فأوحى الله إليه ) إنما علمها عند الله ( استأثر بعلمها فلم يطلع ملكا ولا رسولا وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن دينار قال كان ابن عباس يقرأ كأنك حفى بها وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج ) قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ( قال الهدى والضلالة ) ولو كنت أعلم الغيب ( متى أموت ) لاستكثرت من الخير ( قال العمل الصالح وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ( قال لعلمت إذا اشتريت شيئا ما أربح فيه فلا أبيع شيئا لا ربح فيه ) وما مسني السوء ( قال ولا يصيبني الفقر وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد فى قوله ) وما مسني السوء ( قال لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن سمرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحرث فإنه يعيش فسمته عبد الحرث فعاش فكان ذلك من وحى الشيطان وأمره وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سمرة فى قوله ) فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء ( قال سمياه عبد الحرث وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي بن كعب نحو حديث سمرة المرفوع موقوفا عليه وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال حملت حواء فأتاها إبليس فقال إني صاحبكما الذى أخرجتكما من الجنة لتطيعنني أو لأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ولأفعلن يخوفهما سمياه عبد الحرث فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما ايضا فقال مثل ذلك فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما فذكر لهما فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحرث فذلك قوله ) جعلا له شركاء فيما آتاهما ( وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن فى الآية قال كان هذا فى بعض أهل الملل وليس بآدم وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن سمرة فى قوله ) حملت حملا خفيفا ( لم يستبن ) فمرت به ( لما استبان حملها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فمرت به ( قال فشكت أحملت أم لا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن أيوب قال سئل الحسن عن قوله ) فمرت به ( قال لو كنت عربيا لعرفتها إنما هى استمرت بالحمل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) حملت حملا خفيفا ( قال هى النطفة ) فمرت به ( يقول استمرت به وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) فمرت به ( قال فاستمرت به وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران ) فمرت به ( يقول استخفته وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح فى قوله ) لئن آتيتنا صالحا ( فقال أشفقا أن يكون بهيمة فقالا لئن آتيتنا بشرا سويا وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال غلاما سويا
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس فى قوله ) جعلا له شركاء ( قال كان شريكا فى طاعة ولم يكن شريكا فى عبادة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال ما أشرك آدم إن أولها شكر وآخرها مثل ضربه لمن بعده


"""""" صفحة رقم 277 """"""
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) فتعالى الله عما يشركون ( هذا فصل من آية آدم خاصة فى آلهة العرب وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك نحوه وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الحسن فى الآية قال هذا فى الكفار يدعون الله فإذا آتاهما صالحا هودا أو نصرا ثم قال ) أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ( يقول يطيعون ما لا يخلق شيئا وهى الشياطين لا تخلق شيئا وهى تخلق ) ولا يستطيعون لهم نصرا ( يقول لمن يدعوهم
سورة الأعراف الآية ( 193 198 )
الأعراف : ( 193 ) وإن تدعوهم إلى . . . . .
قوله ) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم ( هذا خطاب للمشركين أي إن وتدعوا هؤلاء الشركاء إلى الهدى والرشاد بأن تطلبوا منهم أن يهدوكم ويرشدوكم لا يتبعوكم ولا يجيبوكم إلى ذلك وهو دون ما تطلبونه منهم من جلب النفع ودفع الضر والنصر على الأعداء قال الأخفش معناه وإن تدعوهم أي الأصنام إلى الهدى لا يتبعوكم وقيل المراد من سبق فى علم الله أنه لا يؤمن وقرئ ) لا يتبعوكم ( مشددا ومخففا وهما لغتان وقال بعض أهل اللغة أتبعه مخففا إذا مضى خلفه ولم يدركه واتبعه مشددا إذا مضى خلفه فأدركه وجملة ) سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ( مقررة لمضمون ما قبلها أي دعاؤكم لهم عند الشدائد وعدمه سواء لا فرق بينهما لأنهم لا ينفعون ولا يضرون ولا يسمعون ولا يجيبون وقال ) أم أنتم صامتون ( مكان أصمتم لما فى الجلمة الإسمية من المبالغة
وقال محمد بن يحيى إنما جاء بالجملة الإسمية لكونها رأس آية يعني لمطابقة ) ولا أنفسهم ينصرون ( وما قبله
الأعراف : ( 194 ) إن الذين تدعون . . . . .
قوله ) إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم ( أخبرهم سبحانه بأن هؤلاء الذين جعلتموهم آلهة هم عباد لله كما أنتم عباد له مع أنكم أكمل منهم لأنكم أحياء تنطقون وتمشون وتسمعون وتبصرون وهذه الأصنام ليست كذلك ولكنها مثلكم فى كونها مملوكة لله مسخرة لأمره وفي هذا تقريع لهم بالغ وتوبيخ لهم عظيم وجملة ) فادعوهم فليستجيبوا لكم ( مقررة لمضمون ما قبلها من أنهم إن دعوهم إلى الهدى لا يتبعوهم وأنهم لا يستطيعون شيئا أي ادعوا هؤلاء الشركاء فإن كانوا كما تزعمون ) فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ( فيما تدعونه لهم من قدرتهم على النفع والضر
الأعراف : ( 195 ) ألهم أرجل يمشون . . . . .
والاستفهام فى قوله ) ألهم أرجل ( وما بعده للتقريع والتوبيخ أي هؤلاء الذين جعلتموهم شركاء ليس لهم شيء من الآلات التى هى ثابتة لكم فضلا عن أن يكونوا قادرين على ما تطلبونه منهم فإنهم كما ترون هذه الأصنام التى تعكفون على عبادتها ليست لهم ) أرجل يمشون بها ( فى نفع أنفسهم فضلا عن أن يمشوا فى نفعكم وليس ) لهم أيد يبطشون بها ( كما يبطش غيرهم من الأحياء وليس ) لهم أعين يبصرون بها ( كما تبصرون وليس


"""""" صفحة رقم 278 """"""
) لهم آذان يسمعون بها ( كما تسمعون فكيف تدعون من هم على هذه الصفة من سلب الأدوات وبهذه المنزلة من العجز وأم فى هذه المواضع هى المنقطقة التى بمعنى بل والهمزة كما ذكر أئمة النحو وقرأ سعيد بن جبير ) إن الذين تدعون ( بتخفيف إن ونصب عبادا أي ما الذين تدعون ) من دون الله عباد أمثالكم ( على إعمال إن النافية عمل ما الحجازية وقد ضعفت هذه القراءة بأنها خلاف ما رجحه سيبويه وغيره من اختيار الرفع فى خبرها وبأن الكسائي قال إنها لا تكاد تأتي فى كلام العرب بمعنى ) ما ( إلا أن يكون بعدها إيجاب كما فى قوله ) إن الكافرون إلا في غرور ( والبطش الأخذ بقوة وقرأ أبو جعفر ) يبطشون ( بضم الطاء وهى لغة ثم لما بين لهم حال هذه الأصنام وتعاور وجوه النقص والعجز لها من كل باب أمره الله بأن يقول لهم ادعوا شركاءكم الذين تزعمون أن لهم قدرة على النفع والضر ) ثم كيدون ( أنتم وهم جميعا بما شئتم من وجوه الكيد ) فلا تنظرون ( أي فلا تمهلوني ولا تؤخرون إنزال الضرر بي من جهتها والكيد المكر وليس بعد هذا التحدي لهم والتعجيز لأصنامهم شيء
الأعراف : ( 196 ) إن وليي الله . . . . .
ثم قال لهم ) إن وليي الله الذي نزل الكتاب ( أي كيف أخاف هذه الأصنام التى هذه صفتها ولى ولي ألجأ إليه وأستنصر به وهو الله عز وجل ) الذي نزل الكتاب ( وهذه الجملة تعليل لعدم المبالاة بها وولي الشيء هو الذى يحفظه ويقوم بنصرته ويمنع منه الضرر ) وهو يتولى الصالحين ( أي يحفظهم وينصرهم ويحول ما بينهم وبين أعدائهم قال الأخفش وقرئ ? إن ولي الله الذى نزل الكتاب ? يعني جبرائيل قال النحاس هى قراءة عاصم الجحدري والقراءة الأولى أبين لقوله ) وهو يتولى الصالحين )
الأعراف : ( 197 ) والذين تدعون من . . . . .
قوله ) والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ( كرر سبحانه هذا لمزيد التأكيد والتقرير ولما فى تكرار التوبيخ والتقريع من الإهانة للمشركين والتنقص بهم وإظهار سخف عقولهم وركاكة أحلامهم
الأعراف : ( 198 ) وإن تدعوهم إلى . . . . .
) وتراهم ينظرون إليك ( جملة مبتدأة لبيان عجزهم أو حالية أي والحال أنك تراهم ينظرون إليك حال كونهم لا يبصرون والمراد الأصنام إنهم يشبهون الناظرين ولا أعين لهم يبصرون بها قيل كانوا يجعلون للأصنام أعينا من جواهر مصنوعة فكانوا بذلك فى هيئة الناظرين ولا يبصرون وقيل المراد بذلك المشركون أخبر الله عنهم بأنهم لا يبصرون حين لم ينتفعوا بأبصارهم وإن أبصروا بها غير ما فيه نفعهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال يجاء بالشمس والقمر حتى يلقيا بن يدي الله تعالى ويجاء بمن كان يعبدهما فيقال ) فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) وتراهم ينظرون إليك ( قال هؤلاء المشركون وأخرج هؤلاء أيضا عن مجاهد فى قوله ) وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ( ما يدعوهم إليه من الهدى
سورة الأعراف الآية ( 199 203 )


"""""" صفحة رقم 279 """"""
سورة الأعراف الآية ( 204 206 )
الأعراف : ( 199 ) خذ العفو وأمر . . . . .
قوله ) خذ العفو ( لما عدد الله ما عدده من أحوال المشركين وتسفيه رأيهم وضلال سعيهم أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يأخذ العفو من أخلاقهم يقال أخذت حقي عفوا أي سهلا وهذا نوع من التيسير الذى كان يأمر به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما ثبت فى الصحيح أنه كان يقول يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا والمراد بالعفو هنا ضد الجهد وقيل المراد خذ العفو من صدقاتهم ولا تشدد عليهم فيها وتأخذ ما يشق عليهم وكان هذا قبل نزول فريضة الزكاة ) وأمر بالعرف ( أي بالمعروف وقرأ عيسى بن عمر بالعرف بضمتين وهما لغتان والعرف والمعروف والعارفة كل خصلة حسنة ترتضيها العقول وتطمئن إليها النفوس ومنه قول الشاعر من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
) وأعرض عن الجاهلين ( أي إذا أقمت الحجة فى أمرهم بالمعروف فلم يفعلوا فأعرض عنهم ولا تمارهم ولا تسافههم مكافأة لما يصدر منهم من المراء والسفاهة قيل وهذه الآية هى من جملة ما نسخ بآية السيف قاله عبد الرحمن بن زيد وعطاء وقيل هى محكمة قاله مجاهد وقتادة
الأعراف : ( 200 ) وإما ينزغنك من . . . . .
قوله ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ( النزغ الوسوسة وكذا النغز والنخس قال الزجاج النزغ أدنى حركة تكون ومن الشيطان أدنى وسوسة وأصل النزغ الفساد يقال نزغ بيننا أي أفسد وقيل النزغ الإغواء والمعنى متقارب أمر الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أدرك شيئا من وسوسة الشيطان أن يستعيذ بالله وقيل إنه لما نزل قوله ) خذ العفو ( قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كيف يارب بالغضب فنزلت وجملة ) إنه سميع عليم ( علة لأمره بالاستعاذة أي استعذ به والتجيء إليه فإنه يسمع ذلك منك ويعلم به
الأعراف : ( 201 ) إن الذين اتقوا . . . . .
وجملة ) إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا ( مقررة لمضمون ما قبلها أي إن شأن الذين يتقون الله وحالهم هو التذكر لما أمر الله به من الاستعاذة به والالتجاء إليه عند أن يمسهم طائف من الشيطان وإن كان يسيرا قرأ أهل البصرة ? طيف ? وكذا أهل مكة وقرأ أهل المدينة والكوفة ) طائف ( وقرأ سعيد بن جبير ? طيف ? بالتشديد قال النحاس كلام العرب فى مثل هذا طيف بالتخفيف على أنه مصدر من طاف يطيف قال الكسائي هو مخفف مثل ميت وميت قال النحاس ومعناه فى اللغة ما يتخيل فى القلب أو يرى فى النوم وكذا معنى طائف قال أبو حاتم سألت الأصمعي عن طيف فقال ليس فى المصادر فيعل قال النحاس ليس هو مصدرا ولكن يكون بمعنى طائف وقيل الطيف والطائف معنيان مختلفان فالأول التخيل والثاني الشيطان نفسه فالأول من طاف الخيال يطوف طيفا ولم يقولوا من هذا طائف قال السهيلي لأنه تخيل لا حقيقة له فأما قوله ) فطاف عليها طائف من ربك ( فلا يقال فيه طيف لأنه اسم فاعل حقيقة قال الزجاج طفت عليهم أطوف فطاف الخيال يطيف قال حسان فدع هذا ولكن من لطيف
يؤرقني إذا ذهب العشاء
وسميت الوسوسة طيفا لأنها لمة من الشيطان تشبه لمة الخيال ) فإذا هم مبصرون ( بسبب التذكر أي منتبهون


"""""" صفحة رقم 280 """"""
وقيل على بصيرة وقرأ سعيد بن جبير ) تذكروا ( بتشديد الذال قال النحاس ولا وجه له فى الغريبة
الأعراف : ( 202 ) وإخوانهم يمدونهم في . . . . .
قوله ) وإخوانهم يمدونهم في الغي ( قيل المعنى وإخوان الشياطين وهم الفجار من ضلال الإنس على أن الضمير فى إخوانهم يعود إلى الشيطان المذكور سابقا والمراد به الجنس فجاز إرجاع ضمير الجمع إليه ) يمدونهم في الغي ( أي تمدهم الشياطين فى الغي وتكون مددا لهم وسميت الفجار من الإنس إخوان الشياطين لأنه يقبلون منهم ويقتدون بهم وقيل إن المراد بالإخوان الشياطين وبالضمير الفجار من الإنس فيكون الخبر جاريا على من هوله وقال الزجاج فى الكلام تقديم وتأخير والمعنى والذين تدعون من دونه لا يستطيعون لكم نصرا ولا أنفسهم ينصرون ) وإخوانهم يمدونهم في الغي ( لأن الكفار إخوان الشياطين ) ثم لا يقصرون ( الاقصار الانتهاء عن الشيء أي لا تقصر الشياطين فى مد الكفار فى الغي قيل إن فى الغي متصلا بقوله ) يمدونهم ( وقيل بالإخوان والغي الجهل قرأ نافع ) يمدونهم ( بضم حرف المضارعة وكسر الميم وقرأ الباقون بفتح حرف المضارعة وضم الميم وهما لغتان يقال مد وأمد قال مكي ومد أكثر وقال أبو عبيد وجماعة من أهل اللغة فإنه يقال إذا كثر شيء شيئا بنفسه مده وإذا كثره بغيره قيل أمده نحو ) يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة ( وقيل يقال مددت فى الشر وأمددت فى الخير وقرأ عاصم الجحدري ? يمادونهم فى الغى ? وقرأ عيسى بن عمر ) ثم لا يقصرون ( بفتح الياء وضم الصاد وتخفيف القاف
الأعراف : ( 203 ) وإذا لم تأتهم . . . . .
قوله ) وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها ( اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه أي جمعه أي هلا اجتمعتها افتعالا لها من عند نفسك وقيل المعنى اختلقتها يقال اجتبيت الكلام انتحلته واختلقته واخترعته إذا جئت به من عند نفسك كانوا يقولون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا تراخى الوحي هذه المقالة فأمره الله بأن يجيب عليهم بقوله ) إنما أتبع ما يوحى إلي ( أي لست ممن يأتي بالآيات من قبل نفسه كما تزعمون ) إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ( فما أوحاه إلي وأنزله علي أبلغته إليكم وبصائر جمع بصيرة أي هذا القرآن المنزل علي هو ) بصائر من ربكم ( يتبصر بها من قبلها وقيل البصائر الحجج والبراهين وقال الزجاج البصائر الطرق ) وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ( معطوف على بصائر أي هذا القرآن هو بصائر وهدى يهتدى به المؤمنون ورحمة لهم
الأعراف : ( 204 ) وإذا قرئ القرآن . . . . .
قوله ) وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ( أمرهم الله سبحانه بالاستماع للقرآن والإنصات له عند قراءته لينتفعوا به ويتدبروا ما فيه من الحكم والمصالح قيل هذا الأمر خاص بوقت الصلاة عند قراءة الإمام ولا يخفاك أن اللفظ أوسع من هذا والعام لا يقصر على سببه فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن فى كل حالة وعلى أي صفة مما يجب على السامع وقيل هذا خاص بقراءة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للقرآن دون غيره ولا وجه لذلك ) لعلكم ترحمون ( أي تنالون الرحمة وتفوزون بها بامتثال أمر الله سبحانه ثم أمره الله سبحانه أن يذكره فى نفسه فإن الإخفاء أدخل فى الإخلاص وأدعى للقبول قيل المراد بالذكر هنا ما هو أعم من القرآن وغيره من الأذكار التى يذكر الله بها وقال النحاس لم يختلف فى معنى
الأعراف : ( 205 ) واذكر ربك في . . . . .
) واذكر ربك في نفسك ( أنه الدعاء وقيل هو خاص بالقرآن أي اقرأ القرآن بتأمل وتدبرا و ) تضرعا وخيفة ( منتصبان على الحال أي متضرعا وخائفا والخيفة الخوف وأصلها خوفة قلبت الواو باء لانكسار ما قبلها وحكى الفراء أنه يقال فى جمع خيفة خيف قال الجوهري والخيفة الخوف والجمع خيف وأصله الواو أي خوف ) ودون الجهر من القول ( أي دون المجهور به من القول وهو معطوف على ما قبله أي متضرعا وخائفا ومتكلما بكلام هو دون الجهر من القول و ) بالغدو والآصال ( متعلق باذكر أي أوقات الغدوات وأوقات الأصائل والغدو جمع غدوة والآصال جمع أصيل قاله الزجاج والأخفش مثل


"""""" صفحة رقم 281 """"""
يمين وأيمان وقيل الآصال جمع أصل والأصل جمع أصيل فهو على هذا جمع الجمع قاله الفراء قال الجوهري الأصيل الوقت من بعد العصر إلى المغرب وجمعه أصل وآصال وأصائل كأنه جمع أصيلة قال الشاعر لعمري لأنت البيت أكرم أهله
وأقعد فى أفنائه بالأصائل
ويجمع أيضا على أصلان مثل بعير وبعران وقرأ أبو مجلز والإيصال وهو مصدر وخص هذين الوقتين لشرفهما والمراد دوام الذكر لله ) ولا تكن من الغافلين ( أي عن ذكر الله
الأعراف : ( 206 ) إن الذين عند . . . . .
) إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ( المراد بهم الملائكة قال القرطبي بالإجماع قال الزجاج وقال عند ربك والله عز وجل بكل مكان لأنهم قريبون من رحمته وكل قريب من رحمة الله عز وجل فهو عنده وقال غيره لأنهم فى موضع لا ينفذ فيه إلا حكم الله وقيل إنهم رسل الله كما يقال عند الخليفة جيش كثير وقيل هذا على جهة التشريف والتكريم لهم ومعنى ) ويسبحونه ( يعظمونه وينزهونه عن كل شين ) وله يسجدون ( أي يخصونه بعبادة السجود التى هى أشرف عبادة وقيل المراد بالسجود الخضوع والذلة وفي ذكر الملأ الأعلى تعريض لبني آدم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والنسائي والنحاس فى ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن عبد الله بن الزبير فى قوله ) خذ العفو ( الآية قال ما نزلت هذه الآية إلا في اختلاف الناس وفي لفظ أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأخذ العفو من أخلاق الناس وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني فى الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عمر فى قوله ) خذ العفو ( قال أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي قال لما أنزل الله ) خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما هذا يا جبريل قال لا أدري حتى أسأل العالم فذهب ثم رجع فقال إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطى من حرمك وتصل من قطعك وأخرج ابن مردويه عن جابر نحوه وأخرج ابن مردويه عن قيس بن سعد بن عبادة قال لما نظر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى حمزة بن عبد المطلب قال والله لأمثلن بسبعين منهم فجاه جبريل بهذه الآية وأخرج ابن مردويه عن عائشة فى قوله ) خذ العفو ( قال ما عفا لك من مكارم الأخلاق وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) خذ العفو ( قال خذ ما عفا من أموالهم ما أتوك به من شيء فخذه وهذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصدقة وتفصيلها وأخرج ابن جرير والنحاس فى ناسخه عن السدي في الآية قال الفضل من المال نسخته والزكاة وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال لما نزل ) خذ العفو ( الآية قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كيف بالغضب يارب فنزل ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إن الذين اتقوا ( قال هم المؤمنون وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إذا مسهم طائف من الشيطان ( قال الغضب وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الطيف الغضب وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) تذكروا ( قال إذا زلوا تابوا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال الطائف اللمة من الشيطان ) تذكروا فإذا هم مبصرون ( يقول فإذا هم منتهون عن المعصية آخذون بأمر الله عاصون للشيطان ) وإخوانهم ( قال إخوان الشياطين ) يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ( قال لا الإنس يمسكون عما يعملون من السيئات ولا الشياطين تمسك عنهم و ) وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها ( يقول


"""""" صفحة رقم 282 """"""
لولا أحدثتها لولا تلقيتها فأنشأتها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه ) وإخوانهم يمدونهم في الغي ( قال هم الجن يوحون إلى أوليائهم من الإنس ) ثم لا يقصرون ( يقول لا يسأمون ) وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها ( يقول هلا افتعلتها من تلقاء نفسك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة فى قوله ) وإذا قرئ القرآن ( الآية قال نزلت فى رفع الأصوات وهم خلف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى الصلاة وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس فى الآية قال يعني فى الصلاة المفروضة وأخرج ابن مردويه والبيهقي عنه قال صلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقرأ خلفه قوم فخلطوا فنزلت ) وإذا قرئ القرآن ( الآية فهذه فى المكتوبة قال وإن كنا لم نستمع لمن يقرأ بالأخفى من الجهر وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والبيهقي عن محمد بن كعب القرظي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن عبد الله بن مغفل نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن ابن مسعود نحوه أيضا وقد روى نحو هذا عن جماعة من السلف وصرحوا بأن هذه الآية نزلت فى قراءة الصلاة من الإمام
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن فى الآية قال عند الصلاة المكتوبة وعند الذكر وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى الآية قال فى الصلاة وحين ينزل الوحي وأخرج البيهقي عنه فى الآية أنه قال هذا فى الصلاة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) واذكر ربك في نفسك ( الآية قال أمره الله أن يذكره ونهاه عن الغفلة أما بالغدو فصلاة الصبح والآصال بالعشى وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر قال الآصال ما بين الظهر والعصر وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد فى الآية قال لا تجهر بذاك ) بالغدو والآصال ( بالبكر والعشى وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ) بالغدو ( قال آخر الفجر صلاة الصبح والآصال آخر العشى صلاة العصر والأحاديث والآثار عن الصحابة فى سجود التلاوة وعدد المواضع التى يسجد فيها وكيفية السجود وما يقال فيه مستوفاة فى كتب الحديث والفقه فلا نطول بإيراد ذلك هاهنا
S8
تفسير
سورة الأنفال
حول السورة
صرح كثير من المفسرين بأنها مدنية ولم يستثنوا منها شيئا وبه قال الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء
وقد روى مثل هذا عن ابن عباس أخرجه النحاس فى ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه عنه قال سورة الأنفال نزلت بالمدينة وأخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير وأخرجه ابن مردويه أيضا عن زيد بن ثابت
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال نزلت فى بدر
وفي لفظ تلك سورة بدر قال القرطبي قال ابن عباس هى مدنية إلا سبع آيات من قوله ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( إلى آخر سبع آيات وجملة آيات هذه السورة ست وسبعون آية وقد كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ بها في صلاة المغرب كما أخرجه الطبراني بسند صحيح عن أبي أيوب وأخرج أيضا عن زيد بن ثابت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه كان يقرأ فى الركعتين من المغرب بسورة الأنفال


"""""" صفحة رقم 283 """"""
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنفال الآية ( 1 )
الأنفال : ( 1 ) يسألونك عن الأنفال . . . . .
الأنفال جمع نفل محركا وهو الغنيمة ومنه قول عنترة إنا إذا احمر الوغى نروى القنا
ونعف عند مقاسم الأنفال
أي الغنائم وأصل النفل الزيادة وسميت الغنيمة به لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأمة مما كان محرما على غيرهم أو لأنها زيادة على ما يحصل للمجاهد من أجر الجهاد ويطلق النفل على معان أخر منها اليمين والابتغاء ونبت معروف والنافلة التطوع لكونها زائدة على الواجب والنافلة ولد الولد لأنه زيادة على الولد وكان سبب نزول الآية اختلاف الصحابة رضى الله عنهم فى يوم بدر كما سيأتي بيانه فنزع الله ما غنموه من أيديهم وجعله لله والرسول فقال ) قل الأنفال لله والرسول ( أي حكمها مختص بهما يقسمها بينكم رسول الله عن أمر الله سبحانه وليس لكم حكم فى ذلك
وقد ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة ليس لأحد فيها شيء حتى نزل قوله تعالى ) واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ( ثم أمرهم بالتقوى وإصلاح ذات البين وطاعة الله والرسول بالتسليم لأمرهما وترك الاختلاف الذى وقع بينهم ثم قال ) إن كنتم مؤمنين ( أي امتثلوا هذه الأوامر الثلاثة إن كنتم مؤمنين بالله وفيه من التهييج والإلهاب ما لا يخفى مع كونهم فى تلك الحال على الإيمان فكأنه قال إن كنتم مستمرين على الإيمان بالله لأن هذه الثلاثة الأمور التى هى تقوى الله وإصلاح ذات البين وطاعة الله والرسول لا يكمل الإيمان بدونها بل لا يثبت أصلا لمن لم يمتثلها فإن من ليس بمتق وليس بمطيع لله ورسوله ليس بمؤمن
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي فى سننه عن أبي أمامة قال سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا فى النفل وساءت فيه أخلاقنا فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فقسمه رسول الله بين المسلمين عن بواء يقول عن سواء وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي فى سننه عن عبادة بن الصامت قال خرجنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله العدو فانطلقت طائفة فى آثارهم يهزمون ويقتلون وأكبت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه وأحدقت طائفة برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب وقال الذين خرجوا فى طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنه العدو وهزمناهم وقال الذين أحدقوا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وخفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت ) يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ( قسمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين المسلمين وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أغار فى أرض


"""""" صفحة رقم 284 """"""
العدو نفل الربع وإذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث وكان يكره الأنفال ويقول ليرد قوى المسلمين على ضعيفهم وأخرج إسحاق بن راهويه فى مسنده وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سرية فنصرها الله وفتح عليها فكان من آتاه بشيء نفله من الخمس فرجع رجال كانوا يستقدمون ويقتلونه ويأسرون وتركوا الغنائم خلفهم فلم ينالوا من الغنائم شيئا فقالوا يا رسول الله ما بال رجال منا يستقدمون ويأسرون وتخلف رجال لم يصلوا بالقتال فنفلتهم بالغنيمة فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونزل ) يسألونك عن الأنفال ( الآية فدعاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ردوا ما أخذتم واقتسموا بالعدل والسوية فإن الله يأمركم بذلك فقالوا قد أنفقنا وأكلنا فقال احتسبوا ذلك وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم فى الحلية والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى سننه عن سعد بن أبي وقاص قال قلت يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين فهب لي هذا السيف فقال إن هذا السيف لا لك ولا لي ضعفه فوضعته ثم رجعت قلت عسى يعطي هذا السيف اليوم من لا يبلى بلائي إذا رجل يدعوني من ورائي قلت قد أنزل الله فى شيئا قال كنت سألتني هذا السيف وليس هو لي وإنه قد وهب لي فهو لك وأنزل الله هذه الآية ) يسألونك عن الأنفال ( وفي لفظ لأحمد أن سعدا قال لما قتل أخي يوم بدر وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكنيفة فأتيت به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم ذكر نحو ما تقدم وقد روى هذا الحديث عن سعد من وجوه أخر وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الناس سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الغنائم يوم بدر فنزلت ) يسألونك عن الأنفال ( وأخرج ابن مردويه عنه قال لم ينفل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد إذ نزلت عليه ) يسألونك عن الأنفال ( إلا من الخمس فإنه نفل يوم خيبر من الخمس وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس قال لما كان يوم بدر قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قتل قتيلا فله كذا وكذا ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم فقالت المشيخة للشبان أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردءا ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا فاختصموا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) يسألونك عن الأنفال ( الآية فقسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الغنائم بينهم بالسوية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي فى سننه عن ابن عباس فى قوله ) يسألونك عن الأنفال ( قال الأنفال المغانم كانت لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خالصة ليس لأحد منها شيء ما أصاب من سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول فسألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يعطيهم منها شيئا فأنزل الله ) يسألونك عن الأنفال قل الأنفال ( لي جعلتها لرسولي ليس لكم فيها شيء ) فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ( إلى قوله ) إن كنتم مؤمنين ( ثم أنزل الله ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( الآية ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولذي القربى واليتامى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله وجعل أربعة أخماس الناس فيه سواء للفرس سهمان ولصاحبه سهم وللراجل سهم وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) يسألونك عن الأنفال ( قال هى الغنائم ثم نسخها ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( الآية وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن القسم بن محمد قال سمعت رجلا


"""""" صفحة رقم 285 """"""
يسأل ابن عباس عن الأنفال فقال الفرس من النفل والسلب من النفل فأعاد المسئلة فقال ابن عباس هذا مثل ضبيع الذى ضربه عمر وفي لفظ فقال ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بضبيع العراقي وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على عقبيه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال الأنفال المغانم أمروا أن يصلحوا ذات بينهم فيها فيرد القوي على الضعيف وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ عن عطاء فى قوله ) يسألونك عن الأنفال ( قال هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو دابة أو متاع فذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصنع به ما شاء وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن عمرو قال أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن الأنفال فقال تسألوني عن الأنفال وإنه لا نفل بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد الرزاق عن سعيد أيضا قال ما كانوا ينفلون إلا من الخمس وروي عبد الرزاق عنه أنه قال لا نفل فى غنائم المسلمين إلا فى خمس الخمس وأخرج عبد الرزاق عن أنس أن أميرا من الأمراء أراد أن ينفله قبل أن يخمسه فأبى أنس أن يقبله حتى يخمسه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الشعبي فى قوله ) يسألونك عن الأنفال ( قال ما أصابت السرايا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والنحاس فى ناسخه عن مجاهد وعكرمة قال كانت الأنفال لله والرسول حتى نسخها آية الخمس ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري فى الأدب المفرد وابن مردويه والبيهقي فى شعب الإيمان عن ابن عباس فى قوله ) وأصلحوا ذات بينكم ( قال هذا تخريج من الله على المؤمنين أن يتقوا الله وأن يصلحوا ذات بينهم حيث اختلفوا فى الأنفال وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال كان صلاح ذات بينهم أن ردت الغنائم فقسمت بين من ثبت عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبين من قاتل وغنم وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء فى قوله ) وأطيعوا الله ورسوله ( قال طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة
سورة الأنفال الآية ( 2 4 )
الأنفال : ( 2 ) إنما المؤمنون الذين . . . . .
الوجل الخوف والفزع والمراد أن حصول الخوف من الله والفزع منه عند ذكره هو شأن المؤمنين الكاملي الإيمان والمخلصين لله فالحصر باعتبار كمال الإيمان لا باعتبار أصل الإيمان قال جماعة من المفسرين هذه الآية متضمنة للتحريض على طاعة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما أمر به من قسمة الغنائم ولا يخفاك أن هذا وإن صح إدراجه تحت معنى الآية من جهة أن وجل القلوب عند الذكر وزيادة الإيمان عند تلاوة آيات الله يستلزمان امتثال ما أمر به سبحانه من كون الأنفال لله والرسول ولكن الظاهر أن مقصود الآية هو إثبات هذه المزية لمن كمل إيمانه من غير تقييد بحال دون حال ولا بوقت دون وقت ولا بواقعة دون واقعة والمراد من تلاوة آياته تلاوة الآيات المنزلة أو التعبير عن بديع صنعته وكمال قدرته فى آياته التكوينية بذكر خلقها البديع وعجائبها التى يخشع عند ذكرها المؤمنون قيل والمراد بزيادة الإيمان هو زيادة انشراح الصدر وطمأنينة القلب وانثلاج الخاطر عند تلاوة الآيات وقيل المراد بزيادة الإيمان زيادة العمل لأن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص والآيات المتكاثرة والأحاديث المتواترة ترد ذلك وتدفعه ) وعلى ربهم يتوكلون ( لا على غيره والتوكل


"""""" صفحة رقم 286 """"""
على الله تفويض الأمر إليه فى جميع الأمور
الأنفال : ( 3 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . .
والموصول فى قوله ) الذين يقيمون الصلاة ( فى محل رفع على أنه وصف للموصول الذى قبله أو بدل منه أو بيان له أو فى محل نصب على المدح وخص إقامة الصلاة والصدقة لكونهما أصل الخير وأساسه و من فى ) مما ( للتبعيض
الأنفال : ( 4 ) أولئك هم المؤمنون . . . . .
والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المتصفين بالأوصاف المتقدمة وهو مبتدأ وخبره ) هم المؤمنون ( أي أن هؤلاء هم الكاملون الإيمان البالغون فيه إلى أعلا درجاته وأقصى غاياته و ) حقا ( مصدر مؤكد لمضمون جملة هم المؤمنون أي حق ذلك حقا أو صفة مصدر محذوف أي هم المؤمنون إيمانا حقا ثم ذكر ما أعد لمن كان جامعا بين هذه الأوصاف من الكرامة فقال ) لهم درجات ( أي منازل خير وكرامة وشرف فى الجنة كائنة عند ربهم وفي كونها عنده سبحانه زيادة تشريف لهم وتكريم وتعظيم وتفخيم وجملة ) لهم درجات عند ربهم ( خبر كان ل ) أولئك ( أو مستأنفة جوابا لسؤال مقدر و ) مغفرة ( معطوف على درجات أي مغفرة لذنوبهم ) ورزق كريم ( يكرمهم الله به من واسع فضله وفائض جوده
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وجلت قلوبهم ( قال فرقت قلوبهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا فى الآية قال المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ولا يتوكلون على الله ولا يصلون إذا غابوا ولا يؤدون زكاة أموالهم فأخبر الله أنهم ليسوا بمؤمنين ثم وصف المؤمنين فقال ) إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( فأدوا فرائضه وأخرج الحكيم الترمذي وابن جرير وأبو الشيخ من طريق شهر بن حوشب عن أم الدرداء قالت إنما الوجل في القلب كاحتراق السعفة يا شهر بن حوشب أما تجد قشعريرة قلت بلى قالت فادع عندها فإن الدعاء يستجاب عند ذلك
وأخرج الحكيم الترمذي عن ثابت البناني قال قال فلان إني لأعلم متى يستجاب لي قالوا ومن أين لك قال إذا اقشعر جلدي ووجل قلبي وفاضت عيناي فذلك حين يستجاب لي وأخرج أيضا عن عائشة قالت ما الوجل فى قلب المؤمن إلا كضرمة السعفة فإذا وجل أحدكم فليدع عند ذلك وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى الآية قال هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية فيقال له اتق الله فييجل قلبه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) زادتهم إيمانا ( قال تصديقا وأخرج هؤلاء عن الربيع بن أنس فى قوله ) زادتهم إيمانا ( قال خشية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وعلى ربهم يتوكلون ( يقول لا يرجون غيره وأخرجا عنه فى قوله ) أولئك هم المؤمنون حقا ( قال برئوا من الكفر وأخرج أبو الشيخ عنه ) حقا ( قال خالصا وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) لهم درجات ( يعني فضائل ورحمة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) لهم درجات ( قال أعمال رفيعة وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك فى قوله ) لهم درجات ( قال أهل الجنة بعضهم فوق بعض فيرى الذى هو فوق فضله على الذى هو أسفل منه
ولا يرى الذى هو أسفل أنه فضل عليه أحد وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) ومغفرة ( قال بترك الذنوب ) ورزق كريم ( قال الأعمال الصالحة وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال إذا سمعتم الله يقول ) ورزق كريم ( فهي الجنة
سورة الأنفال الآية ( 5 6 ) وإذا


"""""" صفحة رقم 287 """"""
سورة الأنفال الآية ( 7 8 )
الأنفال : ( 5 ) كما أخرجك ربك . . . . .
قوله ) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( قال الزجاج الكاف فى موضع نصب أي الأنفال ثابتة لك كما أخرجك ربك من بيتك بالحق أي مثل إخراج ربك والمعنى امض لأمرك فى الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا لأن بعض الصحابة قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين جعل لكل من أتى بأسير شيئا قال بقى أكثر الناس بغير شيء فموضع الكاف نصب كما ذكرنا وبه قال الفراء وقال أبو عبيدة هو قسم أي والذى أخرجك فالكاف بمعنى الواو وما بمعنى الذى وقال الأخفش سعيد بن مسعدة المعنى أولئك هم المؤمنون حقا كما أخرجك ربك وقال عكرمة المعنى أطيعوا الله ورسوله كما أخرجك ربك وقيل كما أخرجك متعلق بقوله ) لهم درجات ( أي هذا الوعد للمؤمنين حق فى الآخرة ) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( الواجب له فأنجر وعدك وظفرك بعدوك وأوفى لك ذكره النحاس واختاره وقيل الكاف فى ) كما ( كاف التشبيه على سبيل المجازاة كقول القائل لعبده كما وجهتك إلى أعدائي فاستضعفوك وسألت مددا فأمددتك وقويتك وأزحت علتك فخذهم الآن فعاقبهم وقيل إن الكاف فى محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه الحال كحال إخراجك يعني أن حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة مثل حالهم فى كراهة خروجك للحرب ذكره صاحب الكشاف وبالحق متعلق بمحذوف والتقدير إخراجا متلبسا بالحق الذى لا شبهة فيه وجملة ) وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( في محل نصب على الحال أي كما أخرجك فى حال كراهتهم لذلك لأنه لما وعدهم الله إحدى الطائفتين إما العير أو النفير رغبوا فى العير لما فيها من الغنيمة والسلامة من القتال كما سيأتي بيانه
الأنفال : ( 6 ) يجادلونك في الحق . . . . .
وجملة ) يجادلونك في الحق بعد ما تبين ( إما فى محل نصب على أنها حال بعد حال أو مستأنفة جواب سؤال مقدر ومجادلتهم لما ندبهم إلى إحدى الطائفتين وفات العير وأمرهم بقتال النفير ولم يكن معهم كثير أهبة لذلك شق عليهم وقالوا لو أخبرتنا بالقتال لأخذنا العدة وأكلمنا الأهبة ومعنى ) في الحق ( أي فى القتال بعد ما تبين لهم أنك لا تأمر بالشيء إلا بإذن الله أو بعد ما تبين لهم أن الله وعدهم بالظفر بإحدى الطائفتين وأن العير إذا فاتت ظفروا بالنفير و ) بعد ( ظرف ليجادلونك وما مصدرية أي يجادلونك بعد ما تبين الحق لهم قوله ) كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ( الكاف فى محل نصب على الحال من الضمير فى ) لكارهون ( أي حال كونهم فى شدة فزعهم من القتال يشبهون حال من يساق ليقتل وهو مشاهد لأسباب قتله ناظر إليها لا يشك فيها
الأنفال : ( 7 ) وإذ يعدكم الله . . . . .
قوله ) وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ( الظرف منصوب بفعل مقدر أي واذكروا وقت وعد الله إياكم إحدى الطائفتين وأمرهم بتذكير الوقت مع أن المقصود ذكر ما فيه من الحوادث لقصد المبالغة والطائفتان هما العير والنفير وإحدى هو ثاني مفعولي يعد و ) أنها لكم ( بدل منه بدل اشتمال ومعناه أنها مسخرة لكم وأنكم تغلبونها وتغنمون منها وتصنعون بها ما شئتم من قتل أو أسر وغنيمة لا يطيقون لكم دفعا ولا يملكون لأنفسهم منكم ضرا ولا نفعا وفي هذه الجملة تذكير لهم بنعمة من النعم التى أنعم الله بها عليهم قوله ) وتودون ( معطوف على ) بعدكم ( من جملة الحوادث التى أمروا بذكر وقتها ) أن غير ذات الشوكة ( من الطائفتين وهى طائفة العير ) تكون لكم ( دون


"""""" صفحة رقم 288 """"""
ذات الشوكة وهى طائفة النفير قال أبو عبيدة أي غير ذات الحد والشوكة السلاح والشوكة النبت الذى له حد ومنه رجل شائك السلاح أي حديد السلاح ثم يقلب فيقال شاكي السلاح فالشوكة مستعارة من واحدة الشوك والمعنى وتودون أن تظفروا بالطائفة التى ليس معها سلاح وهى طائفة الغير لأنها غنيمة صافية عن كدر القتال إذ لم يكن معها من يقوم بالدفع عنها قوله ) ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ( معطوف على ) وتودون ( وهو من جملة ما أمروا بذكر وقته أي ويريد الله غير ما تريدون وهو أن يحق الحق بإظهاره لما قضاه من ظفركم بذات الشوكة وقتلكم لصناديدهم وأسر كثير منهم واغتنام ما غنمتم من أموالهم التى أجلبوا بها عليكم وراموا دفعكم بها والمراد بالكلمات الآيات التى أنزلها فى محاربة ذات الشوكة ووعدكم منه بالظفر بها ) ويقطع دابر الكافرين ( الدابر الآخر وقطعه عبارة عن الاستئصال والمعنى ويستأصلهم جميعا
الأنفال : ( 8 ) ليحق الحق ويبطل . . . . .
قوله ) ليحق الحق ويبطل الباطل ( هذه الجملة علة لما يريده الله أي أراد ذلك أو يريد ذلك ليظهر الحق ويرفعه ) ويبطل الباطل ( ويضعه أو اللام متعلقة بمحذوف أي فعل ذلك ليحق الحق وقيل متعلق بيقطع وليس فى هذه الجملة تكرير لما قبلها لأن الأولى لبيان التفاوت فيما بين الإرادتين وهذه لبيان الحكمة الداعية إلى ذلك والعلة المقتضية له والمصلحة المترتبة عليه وإحقاق الحق إظهاره وإبطال الباطل إعدامه ) بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ( ومفعول ) ولو كره المجرمون ( محذوف أي ولو كرهوا أن يحق الحق ويبطل الباطل والمجرمون هم المشركون من قريش أو جميع طوائف الكفار
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن أبي أيوب الأنصاري قال قال لنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن نتعاد ففعلنا فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر فأخبرنا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعدتنا فسر بذلك وحمد الله وقال عدة أصحاب طالوت فقال ما ترون فى قتال القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم فقلنا يا رسول الله لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم إنما خرجنا للعير ثم قال ما ترون فى قتال القوم فقلنا مثل ذلك فقال المقداد لا تقولوا كما قال قوم موسى لموسى ) فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ( فأنزل الله ) كما أخرجك ربك ( إلى قوله ) وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ( فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين إما القوم وإما العير طابت أنفسنا ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم إني أنشدك وعدك فقال ابن رواحة يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أفضل من أن يشير عليه إن الله أجل وأعظم من أن تنشده وعده فقال يا ابن رواحة لأنشدن الله وعده فإن الله لا يخلف الميعاد فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى وجوه القوم فانهزموا فأنزل الله ) وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( فقلنا وأسرنا فقال عمر يا رسول الله ما أرى أن يكون لك أسرى فإنما نحن داعون مؤلفون فقلنا يا معشر الأنصار إنما يحمل عمر على ما قال حسد لنا فنام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم استيقظ فقال ادعوا لي عمر فدعى له فقال إن الله قد أنزل علي ) ما كان لنبي أن يكون له أسرى ( الآية وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف وأخرج ابن أبي شيبة فى المصنف وابن مردويه عن محمد بن عمرو ابن علقمة بن وقاص الليثي عن أبيه عن جده قال خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال كيف ترون فقال أبو بكر يا رسول الله بلغنا أنهم كذا وكذا ثم خطب


"""""" صفحة رقم 289 """"""
الناس فقال كيف ترون فقال عمر مثل قول أبي بكر ثم خطب الناس فقال كيف ترون فقال سعد بن معاذ يا رسول الله إيانا تريد فوالذى أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك ولا نكونن كالذين قالوا لموسى ) فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ( ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره فانظر الذى أحدث الله إليك فامض له فصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وعاد من شئت وسالم من شئت وخذ من أموالنا ما شئت فنزل القرآن على قول سعد ) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( إلى قوله ) ويقطع دابر الكافرين ( وإنما كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يريد الغنيمة مع أبي سفيان فأحدث الله إليه القتال وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( قال كذلك يجادلونك فى خروج القتال وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( قال خروج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى بدر ) وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( قال لطلب المشركين ) يجادلونك في الحق بعد ما تبين ( أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله به وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك فى قوله ) وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ( قال هى عير أبي سفيان ود أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن العير كانت لهم وأن القتال صرف عنهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ) ويقطع دابر الكافرين ( أي شأفتهم ووقعة بدر قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير والتاريخ مستوفاة فلا نطيل بذكرها
سورة الأنفال الآية ( 9 10 )
الأنفال : ( 9 ) إذ تستغيثون ربكم . . . . .
قوله ) إذ تستغيثون ( الظرف متعلق بمحذوف أي واذكروا وقت استغاثتكم وقيل بدل من ) وإذ يعدكم الله ( معمول لعامله وقيل متعلق بقوله ) ليحق الحق ( والاستغاثة طلب الغوث يقال استغاثني فلان فأغثته والاسم الغياث والمعنى أن المسلمين لما علموا أنه لا بد من قتال الطائفة ذات الشوكة وهم النفير كما أمرهم الله بذلك وأراده منهم ورأوا كثرة عدد النفير وقلة عددهم استغاثوا بالله سبحانه وقد ثبت فى صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عدد المشركين يوم بدر ألف وعدد المسلمين ثلثمائة وسبعة عشر رجلا وأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما رأى ذلك استقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك فهذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد فى الأرض الحديث ) فاستجاب لكم ( عطف على تستغيثون داخل معه فى التذكير وهو وإن كان مستقبلا فهو بمعنى الماضى ولهذا عطف عليه استجاب قوله ) أني ممدكم بألف من الملائكة ( أي بأني ممدكم فحذف حرف الجر وأوصل الفعل إلى المفعول وقرئ بكسر الهمزة على إرادة القول أو على أن في استجاب معنى القول قوله ) مردفين ( قرأ نافع بفتح الدال اسم مفعول وقرأ الباقون بكسرها اسم فاعل وانتصابه على الحال والمعنى على القراءة الأولى أنه جعل بعضهم تابعا لبعض وعلى القراءة الثانية أنهم جعلوا بعضهم تابعا لبعض وقيل إن مردفين على القراءتين نعت لألف وقيل إنه على القراءة الأولى حال من الضمير المنصوب فى ممدكم أي ممدكم فى حال إردافكم بألف من الملائكة


"""""" صفحة رقم 290 """"""
وقد قيل إن ردف وأردف بمعنى واحد وأنكره أبو عبيدة قال لقوله تعالى ) تتبعها الرادفة ( ولم يقل المردفة قال سيبويه وفى الآية قراءة ثالثة وهى مردفين بضم الراء وكسر الدال مشددة وقراءة رابعة بفتح الراء وتشديد الدال وقرأ جعفر بن محمد وعاصم الجحدري بآلاف جمع ألف وهو الموافق لما تقدم في آل عمران
الأنفال : ( 10 ) وما جعله الله . . . . .
والضمير فى ) وما جعله الله ( راجع إلى الإمداد المدلول عليه بقوله ) أني ممدكم ( ) إلا بشرى ( أي إلا بشارة لكم بنصره وهواستثناء مفرغ أي ما جعل إمدادكم لشيء من الأشياء إلا للبشرى لكم بالنصر ) ولتطمئن به ( أي بالإمداد قلوبكم وفي هذا إشعار بأن الملائكة لم يقاتلوا بل أمد الله المسلمين بهم للبشرى لهم وتطمين قلوبهم وتثبيتها واللام فى لتطمئن متعلقة بفعل محذوف يقدر متأخرا أي ولتطمئن قلوبكم فعل ذلك لا لشيء آخر ) وما النصر إلا من عند الله ( لا من عند غيره ليس للملائكة فى ذلك أثر فهو الناصر على الحقيقة وليسوا إلا سببا من أسباب النصر التى سببها الله لكم وأمدكم بها ) أن الله عزيز ( لا يغالب ) حكيم ( فى كل أفعاله
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال نزل جبريل فى ألف من الملائكة عن ميمنة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفيها أبو بكر ونزل ميكائيل فى ألف من الملائكة عن ميسرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا فى الميسرة وأخرج سنيد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال ما أمد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأكثر من هذه الألف التى ذكر الله فى الأنفال وما ذكر الثلاثة الآلاف والخمسة الآلاف إلا بشرى وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) مردفين ( قال متتابعين وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) مردفين ( يقول المدد وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عنه أيضا فى الآية قال وراء كل ملك ملك وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال كان ألف مردفين وثلاثة آلاف منزلين فكانوا أربعة آلاف وهم مدد المسلمين فى ثغورهم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) مردفين ( قال مجدين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال متتابعين أمدهم الله بألف ثم بثلاثة ثم أكملهم خمسة آلاف ) وما جعله الله إلا بشرى ( لكم ) ولتطمئن به قلوبكم ( قال يعني نزول الملائكة قال وذكر لنا أن عمر قال أما يوم بدر فلا نشك أن الملائكة كانوا معنا وأما بعد ذلك فالله أعلم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد ) مردفين ( قال بعضهم على أثر بعض
سورة الأنفال الآية ( 11 14 )
الأنفال : ( 11 ) إذ يغشيكم النعاس . . . . .
قوله ) إذ يشغيكم ( الظرف منصوب بفعل مقدر كالذى قبله أو بدل ثان من إذ يعدكم أو منصوب بالنصر المذكور قبله وقيل غير ذلك مما لا وجه له و ) يغشيكم ( هى قراءة نافع وأهل المدينة على أن الفاعل هو الله سبحانه وهذه القراءة هى المطابقة لما قبلها أعني قوله ) وما النصر إلا من عند الله ( ولما بعدها أعني ) وينزل عليكم (


"""""" صفحة رقم 291 """"""
فيتشاكل الكلام ويتناسب وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ? يغشاكم ? على أن الفاعل النعاس وقرأ الباقون ) يغشيكم ( يفتح الغين وتشديد الشين وهى كقراءة نافع وأهل المدينة فى إسناد الفعل إلى الله ونصب النعاس قال مكي والاختيار ضم الياء والتشديد ونصب النعاس لأن بعده ) أمنة منه ( والهاء فى منه لله فهو الذى يغشيهم النعاس ولأن الأكثر عليه وعلى القراءة الأولى والثالثة يكون انتصاب أمنة على أنها مفعول له ولا يحتاج فى ذلك إلى تأويل وتكلف لأن فاعل الفعل المعلل والعلة واحد بخلاف انتصابها على العلة باعتبار القراءة الثانية
فإنه يحتاج إلى تكلف وأما على جعل الأمنة مصدرا فلا إشكال يقال أمن أمنة وأمنا وأمانا وهذه الآية تتضمن ذكر نعمة أنعم الله بها عليهم وهى أنهم مع خوفهم من لقاء العدو والمهابة لجانبه سكن الله قلوبهم وأمنها حتى ناموا آمنين غير خائفين وكان هذا النوم فى اللية التى كان القتال فى غدها قيل وفي امتنان الله عليهم بالنوم فى هذه الليلة وجهان أحدهما أنه قواهم بالاستراحة على القتال من الغد الثاني أنه أمنهم بزوال الرعب من قلوبهم وقيل إن النوم غشيهم فى حال التقاء الصفين وقد مضى فى يوم أحد نحو من هذا فى سورة آل عمران قوله ) وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ( هذا المطر كان بعد النعاس وقيل قبل النعاس وحكى الزجاج أن الكفار يوم بدر سبقوا المؤمنين إلى ماء بدر فنزلوا عليه وبقى المؤمنون لا ماء لهم فأنزل الله المطر ليلة بدر والذى فى سيرة ابن إسحاق وغيره أن المؤمنين هم الذين سبقوا إلى ماء بدر وأنه منع قريشا من السبق إلى الماء مطر عظيم ولم يصب المسلمين منه إلا ما شد لهم دهس الوادي وأعانهم على المسير ومعنى ) ليطهركم به ( ليرفع عنكم الأحداث ) ويذهب عنكم رجز الشيطان ( أي وسوسته لكم بما كان قد سبق إلى قلوبهم من الخواطر التى هى منه من الخوف والفشل حتى كانت حالهم حال من يساق إلى الموت ) وليربط على قلوبكم ( فيجعلها صابرة قوية ثابتة فى مواطن الحرب والضمير فى ) به ( من قوله ) ويثبت به الأقدام ( راجع إلى الماء الذى أنزله الله أي يثبت بهذا الماء الذى أنزله عليكم عند الحاجة إليه أقدامكم فى مواطن القتال وقيل الضمير راجع إلى الربط المدلول عليه بالفعل
الأنفال : ( 11 ) إذ يغشيكم النعاس . . . . .
قوله ) إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم ( الظرف منصوب بفعل محذوف خاص بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه لا يقف على ذلك سواه أي واذكر يا محمد وقت إيحاء ربك إلى الملائكة وقيل هو بدل من ) وإذ يعدكم ( كما تقدم ولكنه يأبى ذلك أن هذا لا يقف عليه المسلمون فلا يكون من جملة النعم التى عددها الله عليهم وقيل العامل فيه يثبت فيكون المعنى يثبت الأقدام وقت الوحى وليس لهذا التقييد معنى وقيل العامل فيه ) وليربط ( ولا وجه لتقييد الربط على القلوب بوقت الإيحاء ومعنى الآية أني معكم بالنصر والمعونة فعلى قراءة الفتح للهمزة هو مفعول ) يوحى ( وعلى قراءة الكسر يكون بتقدير القول ومعنى ) فثبتوا الذين آمنوا ( بشروهم بالنصر أو ثبتوهم على القتال بالحضور معهم وتكثير سوادهم وهذا أمر منه سبحانه للملائكة الذين أوحى إليهم بأنه معهم والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها قوله ) سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ( قد تقدم بيان معنى إلقاء الرعب فى آل عمران قيل هذه الجملة تفسير لقوله ) إني معكم ( قوله ) فاضربوا فوق الأعناق ( قيل المراد الأعناق أنفسها و ) فوق ( زائدة قاله الأخفش وغيره وقال محمد بن يزيد هذا خطأ لأن فوق يفيد معنى فلا يجوز زيادتها ولكن المعنى أنه أبيح لهم ضرب الوجوه وما قرب منها وقيل المراد بما فوق الأعناق الرؤوس وقيل المراد بفوق الأعناق أعاليها لأنها المفاصل الذى يكون الضرب فيها أسرع إلى القطع قيل وهذا أمر للملائكة وقيل للمؤمنين وعلى الأول قيل هو تفسير لقوله ) فثبتوا الذين آمنوا ( قوله ) واضربوا منهم كل بنان ( قال الزجاج واحد البنان بنانة وهى هنا الأصابع وغيرها من الأعضاء والبنان مشتق من قولهم أبن الرجل بالمكان


"""""" صفحة رقم 292 """"""
إذا أقام به لأنه يعمل بها ما يكون للإقامة والحياة وقيل المراد بالبنان هنا أطراف الأصابع من اليدين والرجلين وهو عبارة عن الثبات في الحرب فإذا ضربت البنان تعطل من المضروب القتال بخلاف سائر الأعضاء قال عنترة وقد كان في الهيجاء يحمى ذمارها
ويضرب عند الكرب كل بنان
وقال عنترة أيضا وإن الموت طوع يدى إذا ما
وطئت بنانها بالهندوانى
قال ابن فارس البنان الأصابع ويقال الأطراف
الأنفال : ( 13 ) ذلك بأنهم شاقوا . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما وقع عليهم من القتل ودخل في قلوبهم من الرعب وهو مبتدأ و ) بأنهم شاقوا الله ورسوله ( خبره أى ذلك بسبب مشاقتهم والشقاق أصله أن يصير كل واحد من الخصمين فى شق وقد تقدم تحقيق ذلك ) ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ( له يعاقبه بسبب ما وقع منه من الشقاق
الأنفال : ( 14 ) ذلكم فذوقوه وأن . . . . .
قوله ) ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار ( الإشارة إلى ما تقدم من العقاب أو الخطاب هنا للكافرين كما أن الخطاب فى قوله ) ذلكم ( للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح للخطاب قال الزجاج ذلكم رفع بإضمار الأمر أو القصة أي الأمر أو القصة ذلكم فذوقوه
قال ويجوز أن يضمر واعلموا قال فى الكشاف ويجوز أن يكون نصبا على عليكم ذلكم فذوقوه كقولك زيدا فاضربه قال أبو حيان لا يجوز تقدير عليكم لأنه اسم فعل وأسماء الأفعال لا تضمر وتشبيهه بزيدا فاضربه غير صحيح لأنه لم يقدر فيه عليك بل هو من باب الاشتغال وجملة ) وأن للكافرين عذاب النار ( معطوفة على ما قبلها فتكون الإشارة على هذا إلى العقاب العاجل الذي أصيبوا به ويكون ) وأن للكافرين عذاب النار ( إشارة إلى العقاب الآجل
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو يعلى والبيهقي فى الدلائل عن علي قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلى تحت شجرة حتى أصبح وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب فى الآية قال بلغنا أن هذه الآية أنزلت فى المؤمنين يوم بدر فيما أغشاهم الله من النعاس أمنة منه وأخرج ابن أبي شبية وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) أمنة منه ( قال أمنا من الله
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) أمنة منه ( قال رحمة منه أمنة من العدو وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال النعاس فى الرأس والنوم فى القلب وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا قال كان النعاس أمنة من الله وكان النعاس نعاسين ونعاس يوم بدر ونعاس يوم أحد وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب فى قوله ) وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ( قال طش كان يوم بدر وأخرج هؤلاء عن مجاهد فى الآية قال المطر أنزله الله عليهم قبل النعاس فأطفأ بالمطر الغبار والتبدت به الأرض وطابت به أنفسهم وثبتت به أقدامهم وأخرج ابن أبي حاتم وابن إسحاق عن عروة بن الزبير قال بعث الله السماء وكان الوادي دهسا وأصاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ما لبد الأرض ولم يمنعهم المسير وأصاب قريشا ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس قال إن المشركين غلبوا المسلمين فى أول أمرهم على الماء فضحى المسلمون وصلوا مجنبين محدثين فألقى الشيطان فى قلوبهم الحزن وقال أتزعمون أن فيكم نبيا أو أنكم أولياء الله وتصلون مجنبين محدثين فأنزل الله من السماء ماء فسال عليهم الوادي ماء فشرب المسلمون وتطهروا وثبتت أقدامهم وذهبت وسوسته وقد


"""""" صفحة رقم 293 """"""
قدمنا أن المشهور فى كتب السير المعتمدة أن المشركين لم يغلبوا المؤمنين على الماء بل المؤمنون هم الذين غلبوا عليه من الابتداء وهذا المروى عن ابن عباس فى إسناده العوفي وهو ضعيف جدا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) رجز الشيطان ( قال وسوسته وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وليربط على قلوبكم ( قال بالصبر ) ويثبت به الأقدام ( قال كان بطن الوادي دهاسا فلما مطروا اشتدت الرملة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) ويثبت به الأقدام ( قال حتى تشتد على الرمل وهو كهيئة الأرض وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلى تلك الليلة ويقول اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد وأصابهم تلك الليلة مطر شديد فذلك قوله ) ويثبت به الأقدام ( وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال قال لي أبى يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع ابن أنس قال كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب على الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد احترق به وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة فى قوله ) فاضربوا فوق الأعناق ( يقول الرؤوس
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطية ) فاضربوا فوق الأعناق ( قال اضربوا الأعناق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك ) فاضربوا فوق الأعناق ( يقول اضربوا الرقاب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) واضربوا منهم كل بنان ( قال يعني بالبنان الأطراف وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطية ) واضربوا منهم كل بنان ( قال كل مفصل
سورة الأنفال الآية ( 15 18 )
الأنفال : ( 15 ) يا أيها الذين . . . . .
الزحف الدنو قليلا قليلا وأصله الاندفاع على الإلية ثم سمى كل ماش فى الحرب إلى آخر زاحفا والتزاحف التداني والتقارب تقول زحف إلى العدو زحفا وازدحف القوم أي مشى بعضهم إلى بعض وانتصاب زحفا إما على أنه مصدر لفعل محذوف أي تزحفون زحفا أو على أنه حال من المؤمنين أي حال كونكم زاحفين إلى الكفار أو حال من الذين كفروا أي حال كون الكفار زاحفين إليكم أو حال من الفريقين أي متزاحفين ) فلا تولوهم الأدبار ( نهى الله المؤمنين أن ينهزموا عن الكفار إذا لقوهم وقد دب بعضهم إلى بعض للقتال فظاهر هذه الآية العموم لكل المؤمنين فى كل زمن وعلى كل حال إلا حالة التحرف والتحيز وقد روى عن عمر وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي نضرة وعكرمة ونافع والحسن وقتادة وز


"""""" صفحة رقم 294 """"""
ابن أبي حبيب والضحاك أن تحريم الفرار من الزحف فى هذه الآية مختص بيوم بدر وأن أهل بدر لم يكن لهم أن ينحازوا ولو انحازوا لا نحازوا إلى المشركين إذ لم يكن فى الأرض يومئذ مسلمون غيرهم ولهم فئة إلا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأما بعد ذلك فإن بعضهم فئة لبعض وبه قال أبو حنيفة قالوا ويؤيده قوله ) ومن يولهم يومئذ دبره ( فإنه إشارة إلى يوم بدر وقيل إن هذه الآية منسوخة بآية الضعف وذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية محكمة عامة غير خاصة وأن الفرار من الزحف محرم ويؤيد هذا أن هذه الآية نزلت بعد انقضاء العرب فى بوم بدر وأجيب عن قول الأولين بأن الإشارة فى ) يومئذ ( إلى يوم بدر بأن الإشارة إلى يوم الزحف كما يفيده السياق ولا منافاة بين هذه الآية وآية الضعف بل هذه الآية مقيدة بها فيكون الفرار من الزحف محرما بشرط ما بينه الله فى آية الضعف ولا وجه لما ذكروه من أنه لم يكن فى الأرض يوم بدر مسلمون غير من حضرها فقد كان فى المدينة إذ ذاك خلق كثير لم يأمرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالخروج لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) ومن خرج معه لم يكونوا يرون فى الابتداء أنه سيكون قتال ويؤيد هذا ورود الأحاديث الصحيحة المصرحة بأن الفرار من الزحف من جملة الكبائر كما فى حديث اجتنبوا السبع الموبقات وفيه والتولي يوم الزحف ونحوه من الأحاديث وهذا البحث تطول ذيوله وتتشعب طرقه وهو مبين فى مواطنه
الأنفال : ( 16 ) ومن يولهم يومئذ . . . . .
قال ابن عطية والأدبار جمع دبر والعبارة بالدبر فى هذه الآية متمكنة فى الفصاحة لما فى ذلك من الشناعة على الفار والذم له قوله ) إلا متحرفا لقتال ( التحرف الزوال عن جهة الاستواء والمراد به هنا التحرف من جانب إلى جانب فى المعركة طلبا لمكائد الحرب وخدعا للعدو وكمن يوهم أنه منهزم ليتبعه العدو فيكر عليه ويتمكن منه ونحو ذلك من مكائد الحرب فإن الحرب خدعة قوله ) أو متحيزا إلى فئة ( أي إلى جماعة من المسلمين غير الجماعة المقابلة للعدو وانتصاب متحرفا ومتحيزا على الاستثناء من المولين أي ومن يولهم دبره إلا رجلا منهم متحرفا أو متحيزا ويجوز انتصابهما على الحال ويكون حرف الاستثناء لغوا لا عمل له وجملة ) فقد باء بغضب من الله ( جزاء للشرط
والمعنى من ينهزم ويفر من الزحف فقد رجع بغضب كائن من الله إلا المتحرف والمتحيز ) ومأواه جهنم ( أي المكان الذى يأوى إليه هو النار فقراره أوقعه إلى ما هو أشد بلاء مما فر منه وأعظم عقوبة والمأوى ما يأوى إليه الإنسان ) وبئس المصير ( ما صار إليه من عذاب النار وقد اشتملت هذه الآية على هذا الوعيد الشديد لمن يفر عن الزحف وفي ذلك دلالة على أنه من الكبائر الموبقة
الأنفال : ( 17 ) فلم تقتلوهم ولكن . . . . .
قوله ) فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ( الفاء جواب شرط مقدر أي إذا عرفتم ما قصه الله عليكم من إمداده لكم بالملائكة وإيقاع الرعب فى قلوبهم فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم بما يسره لكم من الأسباب الموجبة للنصر قوله ) وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( اختلف المفسرون فى هذا الرمي على أقوال فروى عن مالك أن المراد به ما كان منه ( صلى الله عليه وسلم ) فى يوم حنين فإنه رمى المشركين بقبضة من حصباء الوادي فأصابت كل واحد منهم وقيل المراد به الرمية التى رمى رسول الله صلى الله عليه وآله وآله وسلم أبي بن خلف بالحربة فى عنقه فانهزم ومات منها وقيل المراد به السهم الذى رمى به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى حصن خيبر فسار فى الهوى حتى أصاب ابن أبي الحقيق وهو على فراشه وهذه الأقوال ضعيفة فإن الآية نزلت عقب وقعة بدر وأيضا المشهور فى كتب السير والحديث فى قتل ابن أبي الحقيق أنه وقع على صورة غير هذه الصورة والصحيح كما قال ابن إسحاق وغيره أن المراد بالرمي المذكور فى هذه الآية هو ما كان منه ( صلى الله عليه وسلم ) فى يوم بدر فإنه أخذ قبضة من تراب فرمى بها فى وجوه المشركين فأصابت كل واحد منهم ودخلت فى عينيه ومنخريه وأنفه قال ثعلب المعنى ) وما رميت ( الفزع والرعب فى قلوبهم


"""""" صفحة رقم 295 """"""
) إذ رميت ( بالحصباء فانهزموا ) ولكن الله رمى ( أي أعانك وأظفرك والعرب تقول رمى الله لك أي أعانك وأظفرك وصنع لك وقد حكى مثل هذا أبو عبيدة فى كتاب المجاز وقال محمد بن يزيد المبرد المعنى ) وما رميت ( بقوتك ) إذ رميت ( ولكنك بقوة الله رميت وقيل المعنى إن تلك الرمية بالقبضة من التراب التى رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها ما بلغ أثرها إلا ما يبلغه رمى البشر ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم فأثبت الرمية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأن صورتها وجدت منه ونفاها عنه لأن أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل الله عز وجل فكأن الله فاعل الرمية على الحقيقة وكأنها لم توجد من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أصلا هكذا فى الكشاف قوله ) وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا ( البلاء ها هنا النعمة والمعنى ولينعم على المؤمنين إنعاما جميلا واللام متعلقة بمحذوف أي وللإنعام عليهم بنعمه الجميلة فعل ذلك لا لغيره أو الواو عاطفة لما بعدها على علة مقدرة قبلها أي ولكن الله رمى ليمحق الكافرين وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا ) إن الله سميع عليم ( لدعائهم عليم بأحوالهم
الأنفال : ( 18 ) ذلكم وأن الله . . . . .
والإشارة بقوله ذلكم إلى البلاء الحسن وهو فى محل رفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي الغرض ) ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين ( أي إن الغرض منه سبحانه بما وقع مما حكته الآيات السابقة إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وقيل المشار إليه القتل والرمي وقد قرئ بتشديد الهاء وتخفيفها مع التنوين وقرأ الحسن بتخفيف الهاء مع الإضافة والكيد المكر وقد تقدم بيانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري فى تاريخه والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن نافع أنه سأل ابن عمر قال إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا ولا ندرى من الفئة أمامنا أو عسكرنا فقال لي الفئة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت إن الله يقول ) إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ( قال إنما نزلت هذه الآية فى أهل بدر لا قبلها ولا بعدها وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس فى ناسخه وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري فى قوله ) ومن يولهم يومئذ دبره ( الآية قال إنها كانت لأهل بدر خاصة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال لا تغرنكم هذه الآية فإنما كانت يوم بدر وأنا فئة لكل مسلم وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال نزلت فى أهل بدر خاصة ما كان لهم أن ينهزموا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويتركوه وقد روى اختصاص هذه الآية بأهل بدر عن جماعة من التابعين ومن بعدهم وقد قدمنا الإشارة إلى ذلك وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير فى قوله ) إلا متحرفا لقتال ( يعني مستطردا يريد الكرة على المشركين ) أو متحيزا إلى فئة ( يعني أو ينجاز إلى أصحابه من غير هزيمة ) فقد باء بغضب من الله ( يقول استوجبوا سخطا من الله ) ومأواه جهنم وبئس المصير ( فهذا يوم بدر خاصة كان شديدا على المسلمين يومئذ ليقطع دابر الكافرين وهو أول قتال قاتل المشركين من أهل مكة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك قال المتحرف المتقدم من أصحابه أن يرى عورة من العدو فيصيبها والمتحيز الفار إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكذلك من فر اليوم إلى أميره وأصحابه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح فى قوله ) ومن يولهم يومئذ دبره ( قال هذه الآية منسوخة بالآية التى فى الأنفال ) الآن خفف الله عنكم ( الآية
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري فى الأدب المفرد واللفظ له وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي فى شعب الإيمان عن ابن عمر قال كنا فى غزاة فحاص الناس حيصة قلنا كيف نلقى رسول الله صلى الله عليه


"""""" صفحة رقم 296 """"""
وآله وسلم وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب فأتينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبل صلاة الفجر فخرج فقال من القوم فقلنا نحن الفرارون فقال لا بل أنتم العكارون فقبلنا يده فقال أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين ثم قرأ ) إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ( وقد روى فى تحريم الفرار من الزحف وإنه من الكبائر أحاديث وورد عن جماعة من الصحابة أنه من الكبائر كما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر وأخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) فلم تقتلوهم ( قال لأصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حين قال هذا قتلت وهذا قتلت ) وما رميت إذ رميت ( قال لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) حين حصب الكفار وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) وما رميت إذ رميت ( قال رماهم بوم بدر بالحصباء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن حكيم ابن حزام قال لما كان يوم بدر سمعنا صوتا من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت فى طست ورمى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بتلك الحصباء وقال شاهت الوجوه فانهزمنا فذلك قوله تعالى ) وما رميت إذ رميت ( الآية وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن جابر قال سمعت صوت حصيات وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن فى طست فلما اصطف الناس أخذهن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فرمى بهن فى وجوه المشركين فانهزموا فذلك قوله ) وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) وما رميت إذ رميت ( قال قال رسول الله لعلي ناولني قبضة من حصباء فناوله فرمى بها فى وجوه القوم فما بقى أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء فنزلت هذه الآية ) وما رميت إذ رميت ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال لما كان يوم أحد أخذ أبي بن خلف يركض فرسه حتى دنا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واعترض رجال من المسلمين لأبي بن خلف ليقتلوه فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استأخروا فاستأخروا فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حربته فى يده فرمى بها أبي بن خلف وكسر ضلعا من أضلاعه فرجع أبي بن خلف إلى أصحابه ثقيلا فاحتملوه حين ولوا قافلين فطفقوا يقولون لا بأس فقال أبي حين قالوا له ذلك والله لو كانت بالناس لقتلتهم ألم يقل إني أقتلك إن شاء الله فانطلق به أصحابه ينعشونه حتى مات ببعض الطريق فدفنوه قال ابن المسيب وفي ذلك أنزل الله ) وما رميت إذ رميت ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب والزهري نحوه وإسناده صحيح إليهما وقد أخرجه الحاكم فى المستدرك قال ابن كثير وهذا القول هذين الإمامين غريب جدا ولعلهما أرادا أن الآية تتناولهما بعمومها وهكذا قال فيما قاله عبد الرحمن بن جبير كما سيأتي
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يؤم ابن أبي الحقيق دعا بقوس فرمى بها الحصن فأقبل السهم حتى قتل ابن أبي الحقيق فى فراشه فأنزل الله ) وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير فى قوله ) ولكن الله رمى ( أي لم يكن ذلك برميتك لولا الذى جعل الله من نصرك وما ألقى فى صدور عدوك حتى هزمهم ) وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا ( أي ليعرف المؤمنين من نعمته عليهم فى إظهارهم على عدوهم مع كثرة عدوهم وقلة عددهم ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته


"""""" صفحة رقم 297 """"""
سورة الأنفال الآية ( 19 )
الأنفال : ( 19 ) إن تستفتحوا فقد . . . . .
الاستفتاح طلب النصر وقد اختلف فى المخاطبين بالآية من هم فقيل إنها خطاب للكفار تهكما بهم والمعنى إن تستنصروا الله على محمد فقد جاءكم النصر وقد كانوا عند خروجهم من مكة سألوا الله أن ينصر أحق الطائفتين بالنصر فتهكم الله بهم وسمى ما حل بهم من الهلاك نصرا ومعنى بقية الآية على هذا القول ) وإن تنتهوا ( عما كنتم عليه من الكفر والعداوة لرسول الله ) فهو ( أي الانتهاء ) خير لكم وإن تعودوا ( إلى ما كنتم عليه من الكفر والعداوة ) نعد ( بتسليط المؤمنين عليكم ونصرهم كما سلطناهم ونصرناهم فى يوم بدر ) ولن تغني عنكم فئتكم ( أي جماعتكم ) شيئا ولو كثرت ( أي لا تغني عنكم فى حال من الأحوال ولو فى حال كثرتها ثم قال ) وأن الله مع المؤمنين ( ومن كان الله معه فهو المنصور ومن كان الله عليه فهو المخذول قرئ بكسر إن وفتحها فالكسر على الاستئناف والفتح على تقدير ولأن الله مع المؤمنين فعل ذلك وقيل إن الآية خطاب للمؤمنين والمعنى إن تستنصروا الله فقد جاءكم النصر فى يوم بدر وإن تنتهوا عن مثل ما فعلتموه من أخذ الغنائم وفداء الأسرى قبل الإذن لكم بذلك فهو خير لكم وإن تعودوا إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم كما فى قوله ) لولا كتاب من الله سبق ( الآية ولا يخفى أنه يأبى هذا القول معنى ) ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ( ويأباه أيضا ) وأن الله مع المؤمنين ( وتوجيه ذلك لا يمكن إلا بتكلف وتعسف وقيل إن الخطاب فى ) إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ( للمؤمنين وما بعده للكافرين ولا يخفى ما فى هذا من تفكيك النظم وعود الضمائر الجارية فى الكلام على نمط واحد إلى طائفتين مختلفتين
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن منده والحاكم وصححه والبيهقي فى الدلائل عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير أن أبا جهل قال حين التقى القوم اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة فكان ذلك استفتاحا منه فنزلت ) إن تستفتحوا ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية قال قال أبو جهل يوم بدر اللهم انصر أهدى الفئتين وأفضل الفئتين وخير الفئتين فنزلت الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) إن تستفتحوا ( يعني المشركين أي إن تستنصروا فقد جاءكم المدد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ) إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ( قال كفار قريش فى قولهم ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه ففتح بينهم يوم بدر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة فى قوله ) إن تستفتحوا ( قال إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء فى يوم بدر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) وإن تنتهوا ( قال عن قتال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) وإن تعودوا نعد ( قال إن تستفتحوا الثانية أفتح لمحمد ) وأن الله مع المؤمنين ( قال مع محمد وأصحابه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ) وإن تعودوا نعد ( يقول نعد لكم بالأسر والقتل


"""""" صفحة رقم 298 """"""
سورة الأنفال الآية ( 20 23 )
الأنفال : ( 20 ) يا أيها الذين . . . . .
أمر الله سبحانه المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله ونهاهم عن التولي عن رسوله فالضمير فى ) عنه ( عائد إلى الرسول لأن طاعة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هى من طاعة الله و ) من يطع الرسول فقد أطاع الله ( ويحتمل أن يكون هذا الضمير راجعا إلى الله وإلى رسوله كما فى قوله ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( وقيل الضمير راجع إلى الأمر الذى دل عليه أطيعوا وأصل تولوا تتولوا فطرحت إحدى التاءين هذا تفسير الآية على ظاهر الخطاب للمؤمنين وبه قال الجمهور وقيل إنه خطاب للمنافقين والمعنى يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم فقط قال ابن عطية وهذا وإن كان محتملا على بعد فهو ضعيف جدا لأن الله وصف من خاطبه فى هذه الآية بالإيمان وهو التصديق والمنافقون لا يتصفون من التصديق بشئ وأبعد من هذا من قال الخطاب لبني إسرائيل فإنه أجنبي من الآية وجملة ) وأنتم تسمعون ( فى محل نصب على الحال والمعنى وأنتم تسمعون ما يتلى عليكم من الحجج والبراهين وتصدقون بها ولستم كالصم البكم
الأنفال : ( 21 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
) ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا ( وهم المشركون أو المنافقون أو اليهود أو الجميع من هؤلاء فإنه يسمعون بآذانهم من غير فهم ولا عمل فهم كالذى لم يسمع أصلا لأنه لم ينتفع بما سمعه
الأنفال : ( 22 ) إن شر الدواب . . . . .
ثم أخبر سبحانه ب ) إن شر الدواب ( أي ما دب على الأرض ) عند الله ( أي في حكمه ) الصم البكم ( أي الذين لا يسمعون ولا ينطقون وصفوا بذلك مع كونهم ممن يسمع وينطق لعدم انتفاعهم بالسمع والنطق ) الذين لا يعقلون ( ما فيه النفع لهم فيأتونه وما فيه الضرر عليهم فيجتنبونه فهم شر الدواب عند الله لأنها تميز بعض تمييز وتفرق بين ما ينفعها ويضرها
الأنفال : ( 23 ) ولو علم الله . . . . .
) ولو علم الله فيهم ( أي في هؤلاء الصم البكم ) خيرا لأسمعهم ( سماعا ينتفعون به ويتعقلون عنده الحجج والبراهين قال الزجاج ) لأسمعهم ( جواب كل ما سألوا عنه وقيل ) لأسمعهم ( كلام الموتى الذين طلبوا إحياءهم لأنهم طلبوا إحياء قصي بن كلاب وغيره ليشهدوا بنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ( لأنه قد سبق في علمه أنهم لا يؤمنون وجملة ) وهم معرضون ( في محل نصب على الحال
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) وهم لا يسمعون ( قال غاضبون وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب فى قوله ) إن شر الدواب عند الله ( الآية قال إن هذه الآية نزلت فى فلان وأصحاب له وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) إن شر الدواب عند الله ( قال هم نفر من قريش من بني عبد الدار وأخرج ابن أبي حاتم عنه فى قوله ) الصم البكم الذين لا يعقلون ( قال لا يتبعون الحق وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال نزلت هذه الآية فى النضر بن الحرث وقومه ولعله المكني عنه بفلان فيما تقدم من قول علي رضي الله عنه وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير فى قوله ) ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ( أي لأنفذ لهم قولهم الذى قالوا بألسنتهم ولكن القلوب خالفت ذلك منهم
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة فى الآية قال قالوا نحن صم عما يدعونا إليه محمد لا نسمعه بكم لا نجيبه فيه بتصديق قتلوا جميعا بأحد وكانوا أصحاب اللواء يوم أحد


"""""" صفحة رقم 299 """"""
سورة الأنفال الآية ( 24 25 )
الأنفال : ( 24 ) يا أيها الذين . . . . .
الأمر هنا بالاستجابة مؤكد لما سبق من الأمر بالطاعة ووحد الضمير هنا حيث قال ) إذا دعاكم ( كما وحده فى قوله ) ولا تولوا عنه ( وقد قدمنا الكلام فى وجه ذلك والاستجابة الطاعة قال أبو عبيدة معنى استجيبوا أجيبوا وإن كان استجاب يتعدى باللام وأجاب بنفسه كما فى قوله ) يا قومنا أجيبوا داعي الله ( وقد يتعدى استجاب بنفسه كما فى قول الشاعر وداع دعا يا من يجيب إلى الندى
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
) إذا دعاكم لما يحييكم ( اللام متعلقة بقوله ) استجيبوا ( أي استجيبوا لما يحييكم إذا دعاكم ولا مانع من أن تكون متعلقة بدعا أي إذا دعاكم إلى ما فيه حياتكم من علوم الشريعة فإن العلم حياة كما أن الجهل موت فالحياة هنا مستعارة للعلم قال الجمهور من المفسرين المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي ففيه الحياة الأبدية والنعمة السرمدية وقيل المراد بقوله ) لما يحييكم ( الجهاد فإنه سبب الحياة فى الظاهر لأن العدو إذا لم يغز غزا ويستدل بهذا الأمر بالإستجابة على أنه يجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله أو قول رسوله فى حكم من الأحكام الشرعية أن يبادر إلى العمل به كائنا ما كان ويدع ما خالفه من الرأي وأقوال الرجال وفي هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بنصوص الأدلة وترك التقيد بالمذاهب وعدم الاعتداد بما يخالف ما فى الكتاب والسنة كائنا ما كان قوله ) واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ( قيل معناه بادروا إلى الإستجابة قبل أن لا تتمكنوا منها بزوال القلوب التى تعقلون بها بالموت الذى كتبه الله عليكم وقيل معناه إنه خاف المسلمون يوم بدر كثرة العدو فأعلمهم الله أن يحول بين المرء وقلبه بأن يبدلهم بعد الخوف أمنا ويبدل عدوهم من الأمن خوفا وقيل هو من باب التمثيل لقربه سبحانه من العبد كقوله ) ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( ومعناه أنه مطلع على ضمائر القلوب لا تخفى عليه منها خافية واحتار ابن جرير أن هذا من باب الإخبار من الله عز وجل بأنه أملك لقلوب عباده منهم وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئا إلا بمشيئته عز وجل ولا يخفاك أنه لا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني ) وأنه إليه تحشرون ( معطوف على ) أن الله يحول بين المرء وقلبه ( وأنكم محشورون إليه وهو مجازيكم بالخير خيرا وبالشر شرا قال الفراء ولو استأنفت فكسرت همزة ) أنه ( لكان صوابا ولعل مراده أن مثل هذا جائز فى العربية
الأنفال : ( 25 ) واتقوا فتنة لا . . . . .
قوله ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( أي اتقوا فتنة تتعدى الظالم فتصيب الصالح والطالح ولا تختص إصابتها بمن يباشر الظلم منكم
وقد اختلف النحاة فى دخول هذه النون المؤكدة فى ) تصيبن ( فقال الفراء هو بمنزلة قولك انزل عن الدابة لا تطرحنك فهو جواب الأمر بلفظ النهي أي إن تنزل عنها لا تطرحنك ومثله قوله تعالى ) ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده ( أي إن تدخلوا لايحطمنكم فدخلت النون لما فيه من معنى الجزاء وقال المبرد إنه نهى بعد أمر والمعنى النهي للظالمين أي لا يقربن الظلم ومثله ما روى عن سيبويه لا أرينك هاهنا فإن


"""""" صفحة رقم 300 """"""
معناه لا تكن ها هنا فإن من كان ها هنا رأيته وقال الجرجاني إن لا تصيبن نهى فى موضع وصف لقتنة وقرأ علي وزيد بن ثابت وأبي وابن مسعود ? لتصيبن ? على أن اللام جواب لقسم محذوف والتقدير اتقوا فتنة والله لتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة فيكون معنى هذه القراءة مخالفا لمعنى قراءة الجماعة لأنها تفيد أن الفتنة تصيب الظالم خاصة بخلاف قراءة الجماعة ) واعلموا أن الله شديد العقاب ( ومن شدة عقابه أنه يصيب بالعذاب من لم يباشر أسبابه وقد وردت الآيات القرآنية بأنه لا يصاب أحد إلا بذنبه ولا يعذب إلا بجنايته فيمكن حمل ما فى هذه الآية على العقوبات التى تكون بتسليط العباد بعضهم على بعض ويمكن أن تكون هذه الآية خاصة بالعقوبات العامة والله أعلم ويمكن أن يقال إن الذين لم يظلموا قد تسببوا للعقوبة بأسباب كترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتكون الإصابة المتعديه للظالم إلى غيره مختصة بمن ترك ما يجب عليه عند ظهور الظلم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إذا دعاكم لما يحييكم ( قال للحق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى الآية قال هو هذا القرآن فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة فى الدنيا والآخرة وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير فى قوله ) إذا دعاكم لما يحييكم ( أي للحرب التى أعزكم الله بها بعد الذل وقواكم بها بعد الضعف ومنعكم بها من العذاب بعد القهر منهم لكم وقد ثبت فى الصحيح من حديث أبي سعيد بن المعلى قال كنت أصلي فى المسجد فدعاني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال ألم يقل الله تعالى استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم الحديث وفيه دليل على ما ذكرنا من أن الآية تعم كل دعاء من الله أو من رسوله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس فى قوله ) واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ( قال يحول بين المؤمن وبين الكفر ومعاصى الله ويحول بين الكافر وبين الإيمان وطاعة الله وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس فى الآية قال علمه يحول بين المرء وقلبه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى الآية قال يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل وأخرج عبد بن حميد عن الحسن فى الآية قال فى القرب منه وأخرج أحمد والبزار وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر عن مطرف قال قلت للزبير يا أبا عبد الله ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه قال الزبير إنا قرأنا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبي بكر وعمر وعثمان ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( ولم نكن تحسب أنا أهلها حتى وقعت فينا حيث وقعت وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال قرأ الزبير ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( قال البلاء والأمر الذى هو كائن وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن فى الآية قال نزلت في علي وعثمان وطلحة والزبير وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال نزلت في أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي قال نزلت فى أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا فكان من المقتولين طلحة والزبير وهما من أهل بدر وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى الآية قال تصيب الظالم والصالح عامة وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد مثله وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد فى الآية قال هى مثل ) يحول بين المرء وقلبه ( حتى يتركه لا يعقل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى الآية قال أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب وقد ردت الأحاديث الصحيحة الكثيرة بأن هذه الأمة إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر عمهم الله بعذاب من عنده


"""""" صفحة رقم 301 """"""
سورة الأنفال الآية ( 26 28 )
الأنفال : ( 26 ) واذكروا إذ أنتم . . . . .
الخطاب بقوله ) واذكروا إذ أنتم قليل ( للمهاجرين أي اذكروا وقت قلتكم و ) مستضعفون ( خبر ثان للمبتدأ والأرض هى أرض مكة والخطف الأخذ بسرعة والمراد بالناس مشركو قريش وقيل فارس والروم ) فآواكم ( يقال آوى إليه بالمد وبالقصر بمعنى انضم إليه فالمعنى ضمكم الله إلى المدينة أو إلى الأنصار ) وأيدكم بنصره ( أي قواكم بالنصر فى مواطن الحرب التى منها يوم بدر أو قواكم بالملائكة يوم بدر ) ورزقكم من الطيبات ( التى من جملتها الغنائم ) لعلكم تشكرون ( أي إرادة أن تشكروا هذه النعم التى أنعم بها عليكم
الأنفال : ( 27 ) يا أيها الذين . . . . .
والخون أصله كما فى الكشاف النقص كما أن الوفاء التمام ثم استعمل فى ضد الأمانة الوفاء لأنك إذا خنت الرجل فى شيء فقد أدخلت عليه النقصان وقيل معناه الغدر وإخفاء الشيء ومنه قوله تعالى ) يعلم خائنة الأعين ( نهاهم الله عن أن يخونوه بترك شيء مما افترضه عليهم أو يخونوا رسوله بترك شيء مما أمنهم عليه أو بترك شيء مما سنه لهم أو يخونوا شيئا من الأمانات التى اؤتمنوا عليها وسميت أمانات لأنه يؤمن معها من منع الحق مأخوذة من الأمن وجملة ) وأنتم تعلمون ( فى محل نصب على الحال أي وأنتم تعلمون أن ذلك الفعل خيانة فتفعلون الخيانة عن عمد أو وأنتم من أهل العلم لا من أهل الجهل
الأنفال : ( 28 ) واعلموا أنما أموالكم . . . . .
ثم قال ) واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( لأنهم سبب الوقوع فى كثير من الذنوب فصاروا من هذه الحيثية محنة يختبر الله بها عباده وإن كانوا من حيثية أخرى زينة الحياة الدنيا كما فى الآية الأخرى ) وأن الله عنده أجر عظيم ( فآثروا حقه على أموالكم وأولادكم ليحصل لكم ما عنده من الأجر المذكور
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) واذكروا إذ أنتم قليل ( قال كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا وأشقاه عيشا وأجوعه بطونا وأعراه جلودا وأبينه ضلالة من عاش عاش شقيا ومن مات منهم ردى في النار يؤكلون ولا يأكلون لا والله ما نعلم قبيلا من حاضري الأرض يومئذ كان أشر منزلا منهم حتى جاء الله بالإسلام فمكن به في البلاد ووسع به في الرزق وجعلهم به ملوكا على رقاب الناس وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم فاشكروا لله نعمه فإن ربكم منعم يحب الشكر وأهل الشكر في مزيد من الله عز وجل وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) يتخطفكم الناس ( قال في الجاهلية بمكة ) فآواكم ( إلى الإسلام وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب في قوله ) يتخطفكم الناس ( قال الناس إذ ذاك فارس والروم وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس ( قيل يا رسول الله ومن الناس قال أهل فارس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) فآواكم ( قال إلى الأنصار بالمدينة ) وأيدكم بنصره ( قال يوم بدر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله أن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن


"""""" صفحة رقم 302 """"""
أبا سفيان بمكان كذا وكذا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان إن محمدا يريدكم فخذوا حذركم فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ( الآية وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن أبي قتادة قال نزلت هذه الآية ) لا تخونوا الله والرسول ( في أبي لبابة بن عبد المنذر سألوه يوم قريظة ما هذا الأمر فأشار إلى حلقه أنه الذبح فنزلت قال أبو لبابة مازالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله وأخرج سنيد وابن جرير عن الزهري نحوه بأطول منه وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث أبا لبابة إلى قريظة وكان حليفا لهم فأومأ بيده أنه الذبح فنزلت وأخرج أبو الشيخ عن السدي في هذه الآية أنها نزلت في أبي لبابة ونسختها الآية التى في براءة ) وآخرون اعترفوا بذنوبهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لا تخونوا الله ( قال بترك فرائضه ) والرسول ( بترك سننه وارتكاب معصيته ) وتخونوا أماناتكم ( يقول لا تنقصوها والأمانة الأعمال التى ائتمن الله عليها العباد وأخرج ابن جرير عن المغيرة بن شعبة قال نزلت هذه الآية في قتل عثمان ولعل مراده أن من جملة ما يدخل تحت عمومها قتل عثمان وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن أبي حبيب في الآية قال هو الإخلال بالسلاح في المغازي ولعل مراده أن هذا مما يندرج تحت عمومها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال ما منكم من أحد إلا وهو يشتمل على فتنة لأن الله يقول ) أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مضلات الفتن وأخرج هؤلاء عن ابن زيد في الآية قال فتنة الإختبار اختبرهم وقرأ ) ونبلوكم بالشر والخير فتنة )
سورة الأنفال الآية ( 29 )
الأنفال : ( 29 ) يا أيها الذين . . . . .
جعل سبحانه التقوى شرطا في الجعل المذكور مع سبق علمه بأنهم يتقون أو لا يتقون جريا على ما يخاطب به الناس بعضهم بعضا والتقوى اتقاء مخالفة أوامره والوقوع في مناهيه والفرقان ما يفرق به بين الحق والباطل والمعنى أنه يجعل لهم من ثبات القلوب وثقوب البصائر وحسن الهداية ما يفرقون به بينهما عند الالتباس وقيل الفرقان المخرج من الشبهات والنجاة من كل ما يخافونه ومنه قول الشاعر مالك من طول الأسى فرقان بعد قطين رحلوا وبانوا
ومنه قول الآخر
وكيف أرجى الخلد والموت طالبي وما لي من كأس المنية فرقان
وقال الفراء المراد بالفرقان الفتح والنصر قال ابن إسحاق الفرقان الفصل بين الحق والباطل وبمثله قال ابن زيد وقال السدي الفرقان النجاة ويؤيد تفسير الفرقان بالمخرج والنجاة قوله تعالى ) ومن يتق الله يجعل له مخرجا ( وبه قال مجاهد ومالك بن أنس ) ويكفر عنكم سيئاتكم ( أي يسترها حتى تكون غير ظاهرة ) ويغفر لكم ( ما اقترفتم من الذنوب وقد قيل إن المراد بالسيئات الصغائر وبالذنوب التى تغفر الكبائر وقيل المعنى أنه يغفر


"""""" صفحة رقم 303 """"""
لهم ما تقدم من الذنوب وما تأخر ) والله ذو الفضل العظيم ( فهو المتفضل على عباده بتكفير السيئات ومغفرة للذنوب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) يجعل لكم فرقانا ( قال هو المخرج
وأخرج ابن جرير عنه قال هو النجاة وأخرج ابن جرير عن عكرمة مثله وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال هو النصر
سورة الأنفال الآية ( 30 33 )
الأنفال : ( 30 ) وإذ يمكر بك . . . . .
قوله ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( الظرف معمول لفعل محذوف أي واذكر يا محمد وقت مكر الكافرين بك أو معطوف على ما تقدم من قوله ) واذكروا ( ذكر الله رسوله هذه النعمة العظمى التى أنعم بها عليه وهى نجاته من مكر الكافرين وكيدهم كما سيأتي بيانه ) ليثبتوك ( أي يثبتوك بالجراحات كما قال ثعلب وأبو حاتم وغيرهما
وعنه قول الشاعر فقلت ويحكم ما في صحيفتكم
قالوا الخليفة أمسى مثبتا وجعا
وقيل المعنى ليحبسوك يقال أثبته إذا حبسه وقيل ليوثقوك ومنه ) فشدوا الوثاق ( وقرأ الشعبي ? ليبيتوك ? من البيات وقرئ ) ليثبتوك ( بالتشديد ) أو يخرجوك ( معطوف على ما قبله أي يخرجوك من مكة التى هى بلدك وبلد أهلك وجملة ) ويمكرون ويمكر الله ( مستأنفة والمكر التدبير في الأمر في خفية والمعنى أنهم يخفون ما يعدونه لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من المكايد فيجازيهم الله على ذلك ويرد كيدهم في نحورهم وسمى ما يقع منه تعالى مكرا مشاكلة كما في نظائره ) والله خير الماكرين ( أي المجازين لمكر الماكرين بمثل فعلهم فهو يعذبهم على مكرهم من حيث لا يشعرون فيكون ذلك أشد ضررا عليهم وأعظم بلاء من مكرهم
الأنفال : ( 31 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
قوله ) وإذا تتلى عليهم آياتنا ( أي التى تأتيهم بها وتتلوها عليهم ) قالوا ( تعنتا وتمردا وبعدا عن الحق ) قد سمعنا ( ما تتلوه علينا ) لو نشاء لقلنا مثل هذا ( الذى تلوته علينا قيل إنهم قالوا هذا توهما منهم أنهم يقدرون على ذلك فلما راموا أن يقولوا مثله عجزوا عنه ثم قال عنادا وتمردا ) إن هذا إلا أساطير الأولين ( أي ما يستطره الوراقون من أخبار الأولين وقد تقدم بيانه مستوفى
الأنفال : ( 32 ) وإذ قالوا اللهم . . . . .
) وإذ قالوا ( أي واذكر إذ قالوا ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ( بنصب الحق على أنه خبر كان والضمير للفصل ويجوز الرفع قال الزجاج ولا أعلم أحدا قرأ بها ولا اختلاف بين النحويين في إجازتها ولكن القراءة سنة والمعنى إن كان القرآن الذى جاءنا به محمد هو الحق ) فأمطر علينا ( قالوا هذه المقالة مبالغة في الجحود والإنكار قال أبو عبيدة يقال أمطر في العذاب ومطر


"""""" صفحة رقم 304 """"""
في الرحمة وقال في الكشاف قد كثر الإمطار في معنى العذاب ) أو ائتنا بعذاب أليم ( سألوا أن يعذبوا بالرجم بالحجارة من السماء أو بغيرها من أنواع العذاب الشديد
الأنفال : ( 33 ) وما كان الله . . . . .
فأجاب الله عليهم بقوله ) وما كان الله ليعذبهم وأنت ( يا محمد ) فيهم ( موجود فإنك مادمت فيهم فهم في مهلة من العذاب الذى هو الاستئصال ) وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( روى أنهم كانوا يقولون في الطواف غفرانك أي وما كان الله معذبهم في حال كونهم يستغفرونه وقيل المعنى لو كانوا ممن يؤمن بالله ويستغفره لم يعذبهم وقيل إن الاستغفار راجع إلى المسلمين الذين هم بين أظهرهم أي وما كان الله ليعذبهم وفيهم من يستغفر من المسلمين فلما خرجوا من بين أظهرهم عذبهم بيوم بدر وما بعده وقيل المعنى وما كان الله معذبهم وفي أصلابهم من يستغفر الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والخطيب عن ابن عباس في قوله ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( قال تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال بعضهم بل اقتلوه وقال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى لحق بالغار فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوه عليا رد الله مكرهم فقالوا أين صاحبك هذا فقال لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس فذكر القصة بأطول مما هنا وفيها ذكر الشيخ النجدي أي إبليس ومشورته عليهم عند اجتماعهم في دار الندوة للمشاورة في أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأن أبا جهل أشار بأن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش غلاما ويعطوا كل واحد منهم سيفا ثم يضربونه ضربة رجل واحد فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل فقال الشيخ النجدي هذا والله هو الرأي فتفرقوا على ذلك وأخرج سعيد ابن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال لما ائتمروا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب هل تدري ما ائتمروا بك قال يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني قال من حدثك بهذا قال ربي قال نعم الرب ربك استوص به خيرا قال أنا استوصى به بل هو يستوصى بي وأخرجه ابن جرير من طريق أخرى عنه وهذا لا يصح فقد كان أبو طالب مات قبل وقت الهجرة بسنين وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( قال قال عكرمة هى مكية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء في قوله ) ليثبتوك ( يعني ليوثقوك وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال قتل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وكان المقداد أسر النضر فلما أمر بقتله قال المقداد يا رسول الله أسيري فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول قال وفيه أنزلت هذه الآية ) وإذا تتلى عليهم آياتنا ( وهذا مرسل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في النضر بن الحارث وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أنس بن مالك قال قال أبو جهل بن هشام ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ( الآية فنزلت ) وما كان الله ليعذبهم ( الآية وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنها نزلت في أبي جهل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية أنها نزلت في النضر بن الحارث وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ


"""""" صفحة رقم 305 """"""
عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير عن عطاء نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون لبيك اللهم لبيك
لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ويقولون غفرانك غفرانك فأنزل الله ) وما كان الله ليعذبهم ( الآية قال ابن عباس كان فيهم أمانان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والاستغفار فذهب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبقي الاستغفار وأخرج الترمذي وضعفه عن أبي موسى الأشعري قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنزل الله علي أمانين لأمتي ) وما كان الله ليعذبهم ( الآية فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار
وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال كان فيكم أمانان مضى أحدهما وبقي الآخر قال ) وما كان الله ليعذبهم ( الآية وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والحاكم وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري نحوه أيضا والأحاديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مطلق الاستغفار كثيرة جدا معروفة في كتب الحديث
سورة الأنفال الآية ( 34 37 )
الأنفال : ( 34 ) وما لهم ألا . . . . .
قوله ) وما لهم ألا يعذبهم الله ( لما بين سبحانه أن المانع من تعذيبهم هو الأمران المتقدمان وجود رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين ظهورهم ووقوع الاستغفار ذكر بعد ذلك أن هؤلاء الكفار أعني كفار مكة مستحقون لعذاب الله لما ارتكبوا من القبائح والمعنى أي شئ لهم يمنع من تعذيبهم قال الأخفش إن ) إن ( زائدة قال النحاس لو كان كما قال لرفع يعذبهم وجملة ) وهم يصدون عن المسجد الحرام ( في محل نصب على الحال أي وما يمنع من تعذيبهم والحال أنهم يصدون الناس عن المسجد الحرام كما وقع منهم عام الحديبية من منع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه من البيت وجملة ) وما كانوا أولياءه ( في محل نصب على أنها حال من فاعل ) يصدون ( وهذا كالرد لما كانوا يقولونه من أنهم ولاة البيت وأن أمره مفوض إليهم ثم قال مبينا لمن له ذلك ) إن أولياؤه إلا المتقون ( أي ما أولياؤه إلا من كان في عداد المتقين للشرك والمعاصي ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( ذلك والحكم على الأكثرين بالجهل يفيد أن الأقلين يعلمون ولكنهم يعاندون
الأنفال : ( 35 ) وما كان صلاتهم . . . . .
قوله ) وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ( المكاء الصفير من مكا يمكو مكاء ومنه قول عنترة وخليل غانية تركت مجندلا
تمكو فريصته كشدق الأعلم


"""""" صفحة رقم 306 """"""
أي تصوت ومنه مكت است الدابة إذا نفخت بالريح قيل المكاء هو الصفير على لحن طائر أبيض بالحجاز يقال له المكاء قال الشاعر إذا غرد المكاء في غير دوحة
فويل لأهل الشاء والحمرات
والتصدية التصفيق يقال صدى يصدى تصدية إذا صفق ومنه قول عمر بن الاطنابة وظلوا جميعا لهم ضجة
مكاء لدى البيت بالتصدية
أي بالتصفيق وقيل المكاء الضرب بالأيدي والتصدية الصياح وقيل المكاء إدخالهم أصابعهم في أفواههم والتصدية الصفير وقيل التصدية صدهم عن البيت قيل والأصل على هذا تصددة فأبدل من إحدى الدالين ياء ومعنى الآية أن المشركين كانوا يصفرون ويصفقون عند البيت الذى هو موضع للصلاة والعبادة فوضعوا ذلك موضع الصلاة قاصدين به أن يشغلوا المصلين من المسلمين عن الصلاة وقرئ بنصب صلاتهم على أنها خبر كان وما بعده اسمها قوله ) فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ( هذا التفات إلى مخاطبة الكفار تهديدا لهم ومبالغة في إدخال الروعة في قلوبهم والمراد به عذاب الدنيا كيوم بدر وعذاب الآخرة
الأنفال : ( 36 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله ) إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ( لما فرغ سبحانه من شرح أحوال هؤلاء الكفرة في الطاعات البدنية أتبعها شرح أحوالهم في الطاعات المالية والمعنى أن غرض هؤلاء الكفار في إنفاق أموالهم هو الصد عن سبيل الحق بمحاربة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجمع الجيوش لذلك وإنفاق أموالهم عليها وذلك كما وقع من كفار قريش يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب فإن الرؤساء كانوا ينفقون أموالهم على الجيش ثم أخبر الله سبحانه عن الغيب على وجه الإعجاز فقال فيسنفقونها أي سيقع منهم هذا الإنفاق ) ثم تكون ( عاقبة ذلك أن يكون إنفاقهم حسرة عليهم وكأن ذات الأموال تنقلب حسرة تصير ندما ) ثم ( آخر الأمر ) يغلبون ( كما وعد الله به في مثل قوله ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( ومعنى ) ثم ( في الموضعين إما التراخي في الزمان لما بين الإنفاق المذكور وبين ظهور دولة الإسلام من الامتداد وإما التراخي في الرتبة لما بين بذل المال وعدم حصول المقصود من المباينة ثم قال ) والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ( أي استمروا على الكفر لأن من هؤلاء الكفار المذكورين سابقا من أسلم وحسن إسلامه أي يساقون إليها لا إلى غيرها
الأنفال : ( 37 ) ليميز الله الخبيث . . . . .
ثم بين العلة التى لأجلها فعل بهم ما فعله فقال ) ليميز الله الخبيث ( أي الفريق الخبيث من الكفار ) من ( الفريق ) الطيب ( وهم المؤمنون ) ويجعل الخبيث بعضه على بعض ( أي يجعل فريق الكفار الخبيث بعضه على بعض ) فيركمه جميعا ( عبارة عن الجمع والضم أي يجمع بعضهم إلى بعض ويضم بعضهم إلى بعض حتى يتراكموا لفرط ازدحامهم يقال ركم الشئ يركمه إذا جمعه وألقى بعضه على بعض والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الفريق الخبيث ) هم الخاسرون ( أي الكاملون في الخسران وقيل الخبيث والطيب صفة للمال والتقدير يميز المال الخبيث الذى أنفقه المشركون من المال الطيب الذى أنفقه المسلمون فيضم تلك الأموال الخبيثة بعضها إلى بعض فيلقيه في جهنم ويعذبهم بها كما في قوله تعالى ) فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ( قال في الكشاف واللام على هذا متعلقة بقوله ) ثم تكون عليهم حسرة ( وعلى الأول بيحشرون و ) أولئك ( إشارة إلى الذين كفروا انتهى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( ثم استثنى أهل الشرك فقال ) وما لهم ألا يعذبهم الله ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله ) وما لهم ألا يعذبهم الله ( قال عذابهم فتح مكة وأخرج ابن إسحاق وأبو حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير ) وما لهم ألا يعذبهم الله (


"""""" صفحة رقم 307 """"""
وهم يجحدون بآيات الله ويكذبون رسله وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير في قوله ) وهم يصدون عن المسجد الحرام ( أي من آمن بالله وعبده أنت ومن اتبعك ) وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ( الذين يخرجون منه ويقيمون الصلاة عنده أي أنت ومن آمن بك وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) إن أولياؤه إلا المتقون ( قال من كانوا حيث كانوا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال كانت قريش يعارضون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الطواف ويستهزئون ويصفرون ويصفقون فنزلت ) وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء عن ابن عباس قال كانت قريش يطوفون بالكعبة عراة تصفر وتصفق فأنزل الله ) وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ( قال والمكاء الصفير إنما شبهوا بصفير الطير وتصدية التصفيق وأنز ل الله فيهم ) قل من حرم زينة الله ( الآية وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس نحوه وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه نحوه أيضا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر قال المكاء الصفير والتصدية التصفيق وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال المكاء إدخال أصابعهم في أفواههم والتصدية الصفير يخلطون بذلك كله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) صلاته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال المكاء الصفير على نحو طير أبيض يقال له المكاء يكون بأرض الحجاز والتصدية التصفيق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد ابن جبير في قوله ) إلا مكاء ( قال كانوا يشبكون أصابعهم ويصفرون فيهن ) وتصدية ( قال صدهم الناس
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال كان المشركون يطوفون بالبيت على الشمال وهو قوله ) وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ( فالمكاء مثل نفخ البوق والتصدية طوافهم على الشمال وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ( قال يعني أهل بدر عذبهم الله بالقتل والأسر وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل كلهم من طريقه قال حدثني الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحسين بن عبد الرحمن بن عمرو قالوا لما أصيبت قريش يوم بدر ورجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا يامعشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينوا بهذا المال على حربه فلعلنا أن ندرك منه ثارا ففعلوا ففيهم كما ذكر ابن عباس أنزل الله ) إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ( إلى ) والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه وأخرج هؤلاء وغيرهم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحكم بن عتيبة في الآية قال نزلت في أبي سفيان أنفق على مشركي قريش يوم أحد أربعين أوقية من ذهب وكانت الوقية يومئذ اثنين وأربعين مثقالا من ذهب وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن شمر بن عطية في قوله ) ليميز الله الخبيث من الطيب ( قال يميز يوم القيامة ما كان من عمل صالح في الدنيا ثم تؤخذ الدنيا بأسرها فتلقى في جهنم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) فيركمه جميعا ( قال يجمعه جميعا


"""""" صفحة رقم 308 """"""
سورة الأنفال الآية ( 38 40 )
الأنفال : ( 38 ) قل للذين كفروا . . . . .
أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول للكفار هذا المعنى وسواء قاله بهذه العبارة أو غيرها قال ابن عطية ولو كان كما قال الكسائي إنه في مصحف عبد الله بن مسعود ) ( يعني بالتاء المثناة من فوق لما تأدت الرسالة إلا بتلك الألفاظ بعينها وقال في الكشاف أي قل لأجلهم هذا القول وهو ) إن ينتهوا ( ولو كان بمعنى خاطبهم لقيل إن تنتهوا يغفر لكم وهى قراءة ابن مسعود ونحوه ) وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ( خاطبوا به غيرهم لأجلهم ليسمعوه أي إن ينتهوا عما هم عليه من عداوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقتاله بالدخول في الإسلام ) يغفر لهم ما قد سلف ( لهم من العداوة انتهى وقيل معناه إن ينتهوا عن الكفر قال ابن عطية والحامل على ذلك جواب الشرط بيغفر لهم ما قد سلف ومغفرة ما قد سلف لا تكون إلا لمنته عن الكفر وفي هذه الآية دليل على أن الإسلام يجب ما قبله ) وإن يعودوا ( إلى القتال والعداوة أو إلى الكفر الذى هم عليه ويكون العود بمعنى الاستمرار ) فقد مضت سنة الأولين ( هذه العبارة مشتملة على الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله أي قد مضت سنة الله فيمن فعل مثل فعل هؤلاء من الأولين من الأمم أن يصيبه بعذاب فليتوقعوا مثل ذلك
الأنفال : ( 39 ) وقاتلوهم حتى لا . . . . .
) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( أي كفر وقد تقدم تفسير هذا في البقرة مستوفى ) فإن انتهوا ( عما ذكر ) فإن الله بما يعملون بصير ( لا يخفى عليه ما وقع منهم من الانتهاء
الأنفال : ( 40 ) وإن تولوا فاعلموا . . . . .
) وإن تولوا ( عما أمروا به من الانتهاء ) فاعلموا ( أيها المؤمنون ) أن الله مولاكم ( أي ناصركم عليهم ) نعم المولى ونعم النصير ( فمن والاه فاز ومن نصره غلب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فقد مضت سنة الأولين ( قال في قريش وغيرها يوم بدر والأمم قبل ذلك وأخرج أحمد ومسلم عن عمرو بن العاص قال لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت ابسط يدك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدي قال مالك قلت أردت أن أشترط قال تشترط ماذا قال قلت أن تستغفر لي قال أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها وقد فسر كثير من السلف قوله تعالى ) فقد مضت سنة الأولين ( بما مضى في الأمم المتقدمة من عذاب من قاتل الأنبياء وصمم على الكفر وقال السدي ومحمد بن إسحاق المراد بالآية يوم بدر وفسر جمهور السلف الفتنة المذكورة هنا بالكفر وقال محمد بن إسحاق بلغني عن الزهري عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا ) حتى لا تكون فتنة ( حتى لا يفتن مسلم عن دينه


"""""" صفحة رقم 309 """"""
سورة الأنفال الآية ( 41 42 )
الأنفال : ( 41 ) واعلموا أنما غنمتم . . . . .
لما أمر الله سبحانه بالقتال بقوله ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( وكان المقاتلة مظنة حصول الغنيمة ذكر حكم الغنيمة والغنيمة قد قدمنا أن أصلها إصابة الغنم من العدو ثم استعملت في كل ما يصاب منهم وقد تستعمل في كل ما ينال بسعى ومنه قول الشاعر وقد طوفت في الآفاق حتى
رضيت من الغنيمة بالإياب
ومثله قول الآخر ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه
أني توجه والمحروم محروم
وأما معنى الغنيمة في الشرع فحكى القرطبي الاتفاق على أن المراد بقوله تعالى ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( مال الكفار إذا ظفر بهم المسلمون على وجه الغلبة والقهر قال ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن هذه الآية بعد قوله ) يسألونك عن الأنفال ( وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين وأن قوله ) يسألونك عن الأنفال ( نزلت حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر على ما تقدم أول السورة وقيل إنها أعنى قوله ) يسألونك عن الأنفال ( محكمة غير منسوخة وأن الغنيمة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وليست مقسومة بين الغانمين وكذلك لمن بعده من الأئمة حكاه الماوردي عن كثير من المالكية قالوا وللإمام أن يخرجها عنهم واحتجوا بفتح مكة وقصة حنين وكان أبو عبيدة يقول افتتح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مكة عنوة ومن على أهلها فردها عليهم ولم يقسمها ولم يجعلها فيئا وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وممن حكى ذلك ابن المنذر وابن عبد البر والداودي والمازري والقاضي عياض وابن العربي والأحاديث الواردة في قسمة الغنيمة بين الغانمين وكيفيتها كثيرة جدا قال القرطبي ولم يقل أحد فيما أعلم أن قوله تعالى ) يسألونك عن الأنفال ( الآية ناسخ لقوله ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( الآية بل قال الجمهور إن قوله ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( ناسخ وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا التبديل لكتاب الله وأما قصة فتح مكة فلا حجة فيها لاختلاف العلماء في فتحها قال وأما قصة حنين فقد عوض الأنصار لما قالوا تعطي الغنائم قريشا وتتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم نفسه فقال لهم أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى بيوتكم كما في مسلم وغيره وليس لغيره أن يقول هذا القول بل ذلك خاص به قوله ) أنما غنمتم من شيء ( يشمل كل شيء يصدق عليه اسم الغنيمة و ) من شيء ( بيان لما الموصولة وقد خصص الإجماع من عموم الآية


"""""" صفحة رقم 310 """"""
الأسارى فإن الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف وكذلك سلب المقتول إذا نادى به الإمام وقيل كذلك الأرض المغنومة ورد بأنه لا إجماع على الأرض قوله ) فأن لله خمسه ( قرأ النخعي ) فإن لله ( بكسر إن وقرأ الباقون بفتحها على أن أن وما بعدها مبتدأ وخبره محذوف والتقدير فحق أو فواجب أن لله خمسه
وقد اختلف العلماء في كيفية قسمة الخمس على أقوال ستة الأول قالت طائفة يقسم الخمس على ستة فيجعل السدس للكعبة وهو الذى لله والثاني لرسول الله والثالث لذوي القربى والرابع لليتامى والخامس للمساكين والسادس لابن السبيل والقول الثاني قاله أبو العالية والربيع إنها تقسم الغنيمة على خمسة فيعزل منها سهم واحد ويقسم أربعة على الغانمين ثم يضرب يده في السهم الذى عزله فما قبضه من شئ جعله للكعبة
ثم يقسم بقية السهم الذى عزله على خمسة للرسول ومن بعده الآية القول الثالث روى عن زين العابدين علي بن الحسين أنه قال إن الخمس لنا فقيل له إن الله يقول ) واليتامى والمساكين وابن السبيل ( فقال يتامانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا القول الرابع قول الشافعي إن الخمس يقسم على خمسة وإن سهم الله وسهم رسوله واحد يصرف في مصالح المؤمنين والأربعة الأخماس على الأربعة الأصناف المذكورة في الآية القول الخامس قول أبي حنيفة إنه يقسم الخمس على ثلاثة اليتامى والمساكين وابن السبيل وقد ارتفع حكم قرابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بموته كما ارتفع حكم سهمه قال ويبدأ من الخمس بإصلاح القناطر وبناء المساجد وأرزاق القضاة والجند وروى نحو هذا عن الشافعي القول السادس قول مالك إنه موكول إلى نظر الإمام واجتهاده فيأخذ منه بغير تقدير ويعطي منه الغزاة باجتهاد ويصرف الباقي في مصالح المسلمين قال القرطبي
وبه قال الخلفاء الأربعة وبه عملوا وعليه يدل قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس
والخمس مردود عليكم فإنه لم يقسمه أخماسا ولا أثلاثا وإنما ذكر ما في الآية من ذكره على وجه التنبيه عليهم
لأنهم من أهم من يدفع إليه قال الزجاج محتجا لهذا القول قال الله تعالى ) يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ( وجائز الإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك قوله ) ولذي القربى ( قيل إعادة اللام في ذي القربى دون من بعدهم لدفع توهم اشتراكهم في سهم النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وقد اختلف العلماء في القربى على أقوال الأول أنهم قريش كلها روى ذلك عن بعض السلف واستدل بما روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه لما صعد الصفا جعل يهتف ببطون قريش كلها قائلا يا بني فلان يا بني فلان وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ومجاهد وقتادة وابن جريج ومسلم بن خالد هم بنو هاشم وبنو المطلب لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه وهو في الصحيح وقيل هم بنو هاشم خاصة وبه قال مالك والثوري والأوزاعي وغيرهم وهو مروى عن علي بن الحسين ومجاهد
قوله ) إن كنتم آمنتم بالله ( قال الزجاج عن فرقة إن المعنى فاعلموا أن الله مولاكم إن كنتم آمنتم بالله وقالت فرقة أخرى إن ) إن ( متعلقة بقوله ) واعلموا أنما غنمتم ( قال ابن عطية وهذا هو الصحيح لأن قوله ) واعلموا ( يتضمن الأمر بالانقياد والتسليم لأمر الله في الغنائم فعلق إن بقوله ) واعلموا ( على هذا المعنى أي إن كنتم مؤمنين بالله فانقادوا وسلموا لأمر الله فيما أعلمكم به من حال قسمة الغنيمة وقال في الكشاف إنه متعلق بمحذوف يدل عليه ) واعلموا ( بمعنى إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به فاقطعوا عنه أطمامكم واقتنعوا بالأخماس الأربعة وليس المراد بالعلم المجرد ولكن العلم المضمن بالعمل والطاعة لأمر


"""""" صفحة رقم 311 """"""
الله لأن العلم المجرد يستوي فيه المؤمن والكافر انتهى قوله ) وما أنزلنا على عبدنا ( معطوف على الاسم الجليل أي إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزلنا و ) يوم الفرقان ( يوم بدر لأنه فرق بين أهل الحق وأهل الباطل ) الجمعان ( الفريقان من المسلمين والكافرين ) والله على كل شيء قدير ( ومن قدرته العظيمة نصر الفريق الأقل على الفريق الأكثر
الأنفال : ( 42 ) إذ أنتم بالعدوة . . . . .
قوله ) إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى ( قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بكسر العين في العدوة في الموضعين وقرأ الباقون بالضم فيهما و ) إذ ( بدل من يوم الفرقان ويجوز أن يكون العامل محذوفا أي واذكروا إذ أنتم والعدوة جانب الوادي والدنيا تأنيث الأدنى والقصوى تأنيث الأقصى من دنا يدنو وقصا يقصو ويقال القصيا والأصل الواو وهى لغة أهل الحجاز والعدوة الدنيا كانت مما يلي المدينة والقصوى كانت مما يلي مكة والمعنى وقت نزولكم بالجانب الأدنى من الوادي إلى جهة المدينة وعدوكم بالجانب الأقصى منه مما يلي مكة وجملة ) والركب أسفل منكم ( في محل نصب على الحال وانتصاب ) أسفل ( على الظرف ومحله الرفع على الخبرية أي والحال أن الركب في مكان أسفل من المكان الذى أنتم فيه وأجاز الأخفش والكسائي والفراء رفع أسفل على معنى أشد سفلا منكم والركب جمع راكب ولا تقول العرب ركب إلا للجماعة الراكبى الإبل ولا يقال لمن كان على فرس وغيرها ركب وكذا قال ابن فارس
وحكاه ابن السكيت عن أكثر أهل اللغة والمراد بالركب هاهنا ركب أبي سفيان وهى المراد بالعير فإنهم كانوا في موضع أسفل منهم مما يلي ساحل البحر قيل وفائدة ذكر هذه الحالة التى كانوا عليها من كونهم بالعدوة الدنيا وعدوهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منهم الدلالة على قوة شأن العدو وشوكته وذلك لأن العدوة القصوى التى أناخ بها المشركون كان فيها الماء وكانت أرضا لا يابس بها وأما العدوة الدنيا فكانت رخوة تسوخ فيها الأقدام ولا ماء بها وكانت العير وراء ظهر العدو مع كثرة عددهم فامتن الله على المسلمين بنصرتهم عليهم والحال هذه قوله ) ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ( أي لو تواعدتم أنتم والمشركون من أهل مكة على أن تلتقوا في هذا الموضع للقتال لخالف بعضكم بعضا فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبطهم ما في قلوبهم من المهابة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولكن ( جمع الله بينكم في هذا الموطن ) ليقضي الله أمرا كان مفعولا ( أي حقيقا بأن يفعل من نصر أوليائه وخذلان أعدائه وإعزاز دينه وإذلال الكفر فأخرج المسلمين لأخذ العير وغنيمتها عند أنفسهم وأخرج الكافرين للمدافعة عنها ولم يكن في حساب الطائفتين أن يقع هذا الاتفاق على هذه الصفة واللام في ) ليقضى ( متعلقة بمحذوف والتقدير جمعهم ليقضى وجملة ) ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي ( بدل من الجملة التى قبلها أي ليموت من يموت عن بينة ويعيش عن بينة لئلا يبقى لأحد على الله حجة وقيل الهلاك والحياة مستعاران للكفر والإسلام أي ليصدر إسلام من أسلم عن وضوح بينة ويقين بأنه دين الحق ويصدر كفر من كفر عن وضوح بينة لا عن مخالجة شبهة قرأ نافع وخلف وسهل ويعقوب والبزي وأبو بكر ? من حيى ? بياءين على الأصل وقرأ الباقون بياء واحدة على الإدغام وهى اختيار أبي عبيد لأنها كذلك وقعت في المصحف ) وإن الله لسميع عليم ( أي سميع بكفر الكافرين عليم به وسميع بإيمان المؤمنين عليم به
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال ثم وضع مقاسم الفيء فقال ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( بعد الذى كان مضى من بدر ) فأن لله خمسه ( إلى آخر الآية وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم عن قيس بن مسلم الجدلي قال سألت الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية عن قول الله ) واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ( قال


"""""" صفحة رقم 312 """"""
هذا مفتاح كلام لله الدنيا والآخرة ) وللرسول ولذي القربى ( فاختلفوا بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في هذين السهمين قال قائل منهم سهم ذي القربى لقرابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال قائل منهم سهم ذي القربى لقرابة الخليفة وقال قائل منهم سهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الخليفة من بعده واجتمع رأي أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله فكان ذلك فى خلافة أبي بكر وعمر وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة فضرب ذلك في خمسه ثم قرأ ) واعلموا أنما غنمتم ( الآية قال قوله ) فأن لله خمسه ( مفتاح كلام لله ما في السموات وما في الأرض فجعل الله سهم الله والرسول واحدا ) ولذي القربى ( فعجل هذين السهمين قوة في الخيل والسلاح وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعطيه غيرهم وجعل الأربعة الأسهم الباقية للفرس سهما ولراكبه سهما وللراجل سهما
وأخرج ابن جرير وأبو المنذر وابن أبي حاتم عنه قال كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس فأربعة منها بين من قاتل عليها وخمس واحد يقسم على أربعة أخماس فربع لله وللرسول ولذي القربى يعني قرابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يأخذ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الخمس شيئا والربع الثاني لليتامى والربع الثالث للمساكين والربع الرابع لابن السبيل وهو الضيف الفقير الذى ينزل بالمسلمين وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( الآية قال كان يجاء بالغنيمة فتوضع فيقسمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على خمسة أسهم فيعزل سهما منها ويقسم أربعة أسهم بين الناس يعني لمن شهد الوقعة ثم يضرب بيده في جميع السهم الذى عزله فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة فهو الذى سمى الله لا تجعلوا لله نصيبا فأن لله الدنيا والآخرة ثم يعمد إلى بقية السهم فيقسمه على خمسة أسهم سهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يجعل سهم الله في السلاح والكراع وفي سبيل الله وفي كسوة الكعبة وطيبها وما تحتاج إليه الكعبة ويجعل سهم الرسول في الكراع والسلاح ونفقة أهله وسهم ذي القربى لقرابته يضعه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيهم مع سهمهم مع الناس ولليتامى والمساكين وابن السبيل ثلاثة أسهم يضعها رسول الله فيمن شاء حيث شاء ليس لبني عبد المطلب في هذه الثلاثة الأسهم ولرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سهم مع سهام الناس
وأخرج ابن أبي حاتم عن حسين المعلم قال سألت عبد الله بن بريدة عن قوله ) فأن لله خمسه وللرسول ( فقال الذي لله لنبيه والذى للرسول لأزواجه وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أن نجدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى الذين ذكر الله فكتب إليه إنا كنا نرى أنا هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا قريش كلها ذوو قربى وزيادة قوله وقالوا قريش كلها تفرد بها أبو معشر وفيه ضعف وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس أن نجدة الحروري أرسل إليه يسأله عن سهم ذي القربى ويقول لمن تراه فقال ابن عباس هو لقربى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قسمه لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رأيناه دون حقنا فرددناه عليهم وأبينا أن نقبله وكان عرض عليهم أن يعين ناكحهم وأن يقضى عن غارمهم وأن يعطي فقيرهم وأبي أن يزيدهم على ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال رغبت لكم عن


"""""" صفحة رقم 313 """"""
غسالة الأيدي لأن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم رواه ابن أبي حاتم عن إبراهيم بن مهدي المصيصي حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عنه مرفوعا قال ابن كثير هذا حديث حسن الإسناد وإبراهيم بن مهدي هذا وثقه أبو حاتم وقال يحيى بن معين يأتي بمناكير وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر عن جبير بن مطعم أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قسم سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب قال فمشيت أنا وعثمان بن عفان حتى دخلنا عليه فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخوانك من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك منهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم دوننا فإنما نحن وهم بمنزلة واحدة في النسب فقال إنهم لم يفارقونا في الجاهلية والإسلام وقد أخرجه مسلم في صحيحه وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم قال آل محمد الذين أعطوا الخمس آل علي وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال كان للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) شيء واحد من المغنم يصطفيه لنفسه إما خادم وإما فرس ثم يصيب بعد ذلك من الخمس وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن علي قال قلت يا رسول الله ألا وليتني ما خصنا الله به من الخمس فولانيه وأخرج الحاكم وصححه عنه قال ولاني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبي بكر وعمر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) يوم الفرقان ( يقال هو يوم بدر وبدر ما بين مكة والمدينة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) يوم الفرقان ( قال هو يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال كانت ليلة الفرقان ليلة التقى الجمعان في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان وأخرجه عنه ابن جرير أيضا وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إذ أنتم بالعدوة الدنيا ( قال العدوة الدنيا شاطيء الوادي ) والركب أسفل منكم ( قال أبو سفيان وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال العدوة الدنيا شفير الوادي الأدنى والعدوة القصوى شفير الوادي الأقصى
سورة الأنفال الآية ( 43 44 )
الأنفال : ( 43 ) إذ يريكهم الله . . . . .
إذ منصوب بفعل مقدر أي اذكر أو هو بدل ثان من يوم الفرقان والمعنى أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رآهم في منامه قليلا فقص ذلك على أصحابه فكان ذلك سببا لثباتهم ولو رآهم في منامه كثيرا لفشلوا وجبنوا عن قتالهم وتنازعوا في الأمر هل يلاقونهم أم لا ) ولكن الله سلم ( أي سلمهم وعصمهم من الفشل والتنازع فقللهم في عين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في المنام وقيل عنى بالمنام محل النوم وهو العين أي في موضع منامك وهو عينك روى ذلك عن الحسن قال الزجاج هذا مذهب حسن ولكن الأول أسوغ في العربية لقوله ) وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ( فدل بهذا على أن هذه رؤية الالتقاء وأن تلك رؤية النوم
الأنفال : ( 44 ) وإذ يريكموهم إذ . . . . .
قوله ) وإذ يريكموهم ( الظرف منصوب بمضمر معطوف على الأول أي واذكروا وقت


"""""" صفحة رقم 314 """"""
إراءتكم إياهم حال كونهم قليلا حتى قال القائل من المسلمين لآخر أتراهم سبعين قال هم نحو المائة وقلل المسلمين في أعين المشركين حتى قال قائلهم إنما هم أكلة جزور وكان هذا قبل القتال فلما شرعوا فيه كثر الله المسلمين في أعين المشركين كما قال في آل عمران ) يرونهم مثليهم رأي العين ( ووجه تقليل المسلمين في أعين المشركين هو أنهم إذا رأوهم قليلا أقدموا على القتال غير خائفين ثم يرونهم كثيرا فيفشلون وتكون الدائرة عليهم ويحل بهم عذاب الله وسوط عقابه واللام في ) ليقضي الله أمرا كان مفعولا ( متعلقة بمحذوف كما سبق مثله قريبا وإنما كرره لاختلاف المعلل به ) وإلى الله ترجع الأمور ( كلها يفعل فيها ما يريد ويقضى في شأنها ما يشاء
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) إذ يريكهم الله في منامك قليلا ( قال أراه الله إياهم في منامه قليلا فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه بذلك فكان ذلك تثبيتا لهم
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ( يقول لجبنتم ) ولتنازعتم في الأمر ( قال لاختلفتم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولكن الله سلم ( أي أتم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) ولكن الله سلم ( يقول سلم لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله ) وإذ يريكموهم ( الآية قال لقد قلوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي تراهم سبعين قال لا بل هم مائة حتى أخذنا رجلا منهم فسألناه قال كنا أنفا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال حضض بعضهم على بعض قال ابن كثير إسناده صحيح وأخرج ابن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير في قوله ) ليقضي الله أمرا كان مفعولا ( أي ليلف بينهم الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه والإنعام على من أراد النعمة عليه من أهل ولايته
سورة الأنفال الآية ( 45 49 )
الأنفال : ( 45 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) إذا لقيتم فئة ( اللقاء الحرب والفئة الجماعة أي إذا حاربتم جماعة من المشركين ) فاثبتوا ( لهم ولا تجبنوا عنهم وهذا لا ينافي الرخصة المتقدمة في قوله ) إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ( فإن الأمر بالثبات هو في حال السعة والرخصة هى في حال الضرورة وقد لا يحصل الثبات إلا بالتحرف والتحيز ) واذكروا الله ( أي اذكروا الله عند جزع قلوبكم فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد وقيل المعنى اثبتوا بقلوبكم واذكروا


"""""" صفحة رقم 315 """"""
بألسنتكم فإن القلب قد يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان فأمرهم بالذكر حتى يجتمع ثبات القلب واللسان قيل وينبغي أن يكون الذكر في هذه الحالة بما قاله أصحاب طالوت ) ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ( وفي الآية دليل على مشروعية الذكر في جميع الأحوال حتى في هذه الحالة التى ترجف فيها القلوب وتزيغ عندها البصائر
الأنفال : ( 46 ) وأطيعوا الله ورسوله . . . . .
ثم أمرهم بطاعة الله فيما يأمرهم به وطاعة رسوله فيما يرشدهم إليه ونهاهم عن التنازع وهو الاختلاف في الرأي فإن ذلك يتسبب عنه الفشل وهو الجبن في الحرب الفاء جواب النهي والفعل منصوب بإضمار أن ويجوز أن يكون الفعل معطوفا على تنازعوا مجزوما بجازمه قوله ) وتذهب ريحكم ( قريء بنصب الفعل وجزمه عطفا على تفشلوا على الوجهين والريح القوة والنصر كما يقال الريح لفلان إذا كان غالبا في الأمر وقيل الريح الدولة شبهت في نفوذ أمرها بالريح في هبوبها ومنه قول الشاعر إذا هبت رياحك فاغتنمها
فعقبى كل خافقة سكون
وقيل المراد بالريح ريح الصبا لأن بها كان ينصر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أمرهم بالصبر على شدائد الحرب وأخبرهم بأنه مع الصابرين في كل أمر ينبغي الصبر فيه ويا حبذا هذه المعية التى لا يغلب من رزقها غالب
ولا يؤتى صاحبها من جهة من الجهات وإن كانت كثيرة
الأنفال : ( 47 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
ثم نهاهم عن أن تكون حالتهم كحالة هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس وهم قريش فإنهم خرجوا يوم بدر ليحفظوا العير التى مع أبي سفيان ومعهم القيان والمعازف فلما بلغوا الجحفة بلغهم أن العير قد نجت وسلمت فلم يرجعوا بل قالوا لابد لهم من الوصول إلى بدر ليشربوا الخمر وتغنى لهم القيان وتسمع العرب بمخرجهم فكان ذلك منهم بطرا وأشرا وطلبا للثناء من الناس وللتمدح إليهم والفخر عندهم وهو الرياء قيل والبطر في اللغة التقوى بنعم الله على معاصيه وهو مصدر في موضع الحال أي خرجوا بطرين مرائين وقيل هو مفعول له وكذا رياء أي خرجوا للبطر والرياء قوله ) ويصدون ( معطوف على بطرا والمعنى كما تقدم أي خرجوا بطرين مرائين صادين عن سبيل الله أو للصد عن سبيل الله
والصد إضلال الناس والحيلولة بينهم وبين طرق الهداية ويجوز أن يكون ويصدون معطوفا على يخرجون والمعنى يجمعون بين الخروج على تلك الصفة والصد ) والله بما يعملون محيط ( لا تخفى عليه من أعمالهم خافية فهو مجازيهم عليها
الأنفال : ( 48 ) وإذ زين لهم . . . . .
قوله ) وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ( الظرف متعلق بمحذوف أي واذكر يا محمد وقت تزيين الشيطان لهم أعمالهم والتزيين التحسين وقد روى أن الشيطان تمثل لهم وقال لهم تلك المقالة وهى ) لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ( أي مجير لكم من كل عدو أو من بني كنانة ومعنى الجار هنا الدافع عن صاحبه أنواع الضرر كما يدفع الجار عن الجار وكان في صورة سراقة بن مالك بن جشعم وهو من بني بكر بن كنانة وكانت قريش تخاف من بني بكر أن يأتوهم من ورائهم وقيل المعنى إنه ألقى فى روعهم هذه المقالة وخيل إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون ) فلما تراءت الفئتان ( أي فئة المسلمين والمشركين ) نكص على عقبيه ( أي رجع القهقري ومنه قول الشاعر ليس النكوص على الأعقاب مكرمة
إن المكارم إقدام على الأمل
وقول آخر وما نفع المستأخرين نكوصهم
ولا ضر أهل السابقات التقدم
وقيل معنى نكص هاهنا بطل كيده وذهب ما خيله ) وقال إني بريء منكم ( أي تبرأ منهم لما رأى أمارات النصر مع المسلمين بإمداد الله لهم بالملائكة ثم علل ذلك بقوله ) إني أرى ما لا ترون ( يعني الملائكة ثم علل بعلة


"""""" صفحة رقم 316 """"""
أخرى فقال ) إني أخاف الله ( قيل خاف أن يصاب بمكروه من الملائكة الذين حضروا الوقعة وقيل إن دعوى الخوف كذب منه ولكنه رأى أنه لا قوة له ولا للمشركين فاعتل بذلك وجملة ) والله شديد العقاب ( يحتمل أن تكون من تمام كلام إبليس ويحتمل أن تكون كلاما مستأنفا من جهة الله سبحانه
الأنفال : ( 49 ) إذ يقول المنافقون . . . . .
قوله ) إذ يقول المنافقون ( الظرف معمول لفعل محذوف هو اذكر ويجوز أن يتعلق بنكص أو بزين أو بشديد العقاب قيل المنافقون هم الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ) والذين في قلوبهم مرض ( هم الشاكون من غير نفاق بل لكونهم حديثي عهد بالإسلام فوافقوا المنافقين في قولهم بهذه المقالة أعني ) غر هؤلاء ( أي المسلمين ) دينهم ( حتى تكلفوا ما لا طاقة لهم به من قتال قريش وقيل الذين في قلوبهم مرض هم المشركون ولا يبعد أن يراد بهم اليهود الساكنون في المدينة وما حولها وأنهم هم والمنافقون من أهل المدينة قالوا هذه المقالة عند خروج المسلمين إلى بدر لما رأوهم في قلة من العدد وضعف من العدد فأجاب الله عليهم بقوله ) ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز ( لا يغلبه غالب ولا يذل من توكل عليه ) حكيم ( له الحكمة البالغة التى تقصر عندها العقول
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) واذكروا الله ( قال افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف وأخرج الحاكم وصححه عن سهل بن سعد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثنتان لا يردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا وأخرج الحاكم وصححه عن أبي موسى أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يكره الصوت عند القتال وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ( يقول لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وتذهب ريحكم ( قال نصركم وقد ذهب ريح أصحاب محمد حين نازعوه يوم أحد وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم ( الآية يعني المشركين الذي قاتلوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال لما خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقيان والدفوف فأنزل الله هذه الآية وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال أبو جهل وأصحابه يوم بدر وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال كان مشركو قريش الذين قاتلوا نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر خرجوا ولهم بغى وفخر وقد قيل لهم يومئذ ارجعوا فقد انطلقت عيركم وقد ظفرتم فقالوا لا والله حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا وذكر لنا أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال يومئذ اللهم إن قريشا قد أقبلت بفخرها وخيلائها لتجادل رسولك وذكر لنا أنه قال يومئذ جاءت من مكة أفلاذها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال جاء إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من بني مدلج والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال الشيطان ) لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ( وأقبل جبريل على إبليس فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده وولى مدبرا وشيعته فقال الرجل يا سراقة إنك جار لنا فقال ) إني أرى ما لا ترون ( وذلك حين رأى الملائكة ) إني أخاف الله والله شديد العقاب ( قال ولما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين وقلل المشركين في أعين المسلمين فقال المشركون وما هؤلاء غر هؤلاء دينهم وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم وظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك فقال الله ) ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم (


"""""" صفحة رقم 317 """"""
وأخرج الطبراني وأبو نعيم عن رفاعة بن رافع الأنصاري قال لما رأى إبليس ما تفعل الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفق أن يخلص القتل إليه فتشيث به الحارث بن هشام وهو يظن أنه سراقة بن مالك فوكز في صدر الحارث فألقاه ثم خرج هاربا حتى ألقى نفسه في البحر ورفع يديه فقال اللهم إني أسألك نظرتك إياي وأخرج الواقدي وابن مردويه عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) إني أرى ما لا ترون ( قال ذكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة وقال ) إني أخاف الله ( وكذب عدو الله ما به مخافة الله ولكن علم أنه لا قوة له به ولا منعة له وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن معمر قال ذكروا أنهم أقبلوا على سراقة بن مالك بعد ذلك فأنكر أن يكون قال شيئا من ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إذ يقول المنافقون ( قال وهم يومئذ في المسلمين وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) والذين في قلوبهم مرض ( قال هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي في قوله ) والذين في قلوبهم مرض ( قال هم قوم كانوا أقروا بالإسلام وهم بمكة ثم خرجوا مع المشركين يوم بدر فلما رأوا المسلمين قالوا ) غر هؤلاء دينهم (
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن الشعبي نحوه
سورة الأنفال الآية ( 50 54 )
الأنفال : ( 50 ) ولو ترى إذ . . . . .
قوله ) ولو ترى ( الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له كما تقدم تحقيقه في غير موضع والمعنى ولو رأيت لأن لو تقلب المضارع ماضيا و ) إذ ( ظرف لترى والمفعول محذوف أي ولو ترى الكافرين وقت توفى الملائكة لهم قيل أراد بالذين كفروا من لم يقتل يوم بدر وقيل هى فيمن قتل ببدر وجواب لو محذوف تقديره لرأيت أمرا عظيما وجملة ) يضربون وجوههم ( في محل نصب على الحال والمراد بأدبارهم أستاههم كنى عنها بالأدبار وقيل ظهورهم قيل هذا الضرب يكون عند الموت كما يفيده ذكر التوفى وقيل هو يوم القيامة حين يسيرون بهم إلى النار قوله ) وذوقوا عذاب الحريق ( قاله الفراء المعنى ويقولون ذوقوا عذاب الحريق والجملة معطوفة على يضربون وقيل إنه يقول لهم هذه المقالة خزنة جهنم والذوق قد يكون محسوسا وقد يوضع موضع الابتلاء والاختبار وأصله من الذوق بالفم
الأنفال : ( 51 ) ذلك بما قدمت . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من الضرب والعذاب والباء في ) بما قدمت أيديكم ( سببية أي ذلك واقع بسبب ما كسبتم من المعاصي واقترفتم من الذنوب وجملة ) وأن الله ليس بظلام للعبيد ( في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي


"""""" صفحة رقم 318 """"""
والأمر أنه لا يظلمهم ويجوز أن تكون معطوفة على الجملة الواقعة خبرا لقوله ) ذلك ( وهى ) بما قدمت أيديكم ( أي ذلك العذاب بسبب المعاصي وبسبب ) وأن الله ليس بظلام للعبيد ( لأنه سبحانه قد أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وأوضح لهم السبيل وهداهم النجدين كما قال سبحانه ) وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )
الأنفال : ( 52 ) كدأب آل فرعون . . . . .
قوله ) كدأب آل فرعون ( لما ذكر الله سبحانه ما أنزله بأهل بدر أتبعه بما يدل على أن هذه سنته في فرق الكافرين والدأب العادة والكاف في محل الرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف أي دأب هؤلاء مثل دآب آل فرعون ) والذين من قبلهم ( والمعنى أنه جوزى هؤلاء كما جوزي أولئك فكانت العادة في عذاب هؤلاء كالعادة الماضية لله في تعذيب طوائف الكفر وجملة قوله ) كفروا بآيات الله ( مفسرة لدأب آل فرعون أي دأبهم هذا هو أنهم كفروا بآيات الله فتسبب عن كفرهم أخذ الله سبحانه لهم والمراد بذنوبهم معاصيهم المترتبة على كفرهم فيكون الباء في ) بذنوبهم ( للملابسة أي فأخذهم متلبسين بذنوبهم غير تائبين عنها وجملة ) إن الله قوي شديد العقاب ( معترضة مقررة لمضمون ما قبلها
الأنفال : ( 53 ) ذلك بأن الله . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى العقاب الذى أنزله الله بهم وهو مبتدأ وخبره ما بعده
والجملة جارية مجرى التعليل لما حل بهم من عذاب الله والمعنى أن ذلك العقاب بسبب أن عادة الله في عباده عدم تغيير نعمه التى ينعم بها عليهم ) حتى يغيروا ما بأنفسهم ( من الأحوال والأخلاق بكفران نعم الله وغمط إحسانه وإهمال أوامره ونواهيه وذلك كما كان من آل فرعون ومن قبلهم ومن قريش ومن يماثلهم من المشركين فإن الله فتح لهم أبواب الخيرات في الدنيا ومن عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب فقابلوا هذه النعم بالكفر فاستحقوا تغيير النعم كما غيروا ما كان يجب عليهم سلوكه والعمل به من شركها وقبولها وجملة ) وأن الله سميع عليم ( معطوفة على ) بأن الله لم يك مغيرا نعمة ( داخلة معها في التعليل أي ذلك بسبب أن الله لم يك مغيرا الخ وبسبب أن الله سميع عليم يسمع ما يقولونه ويعلم ما يفعلونه وقريء بكسر الهمزة على الاستئناف
الأنفال : ( 54 ) كدأب آل فرعون . . . . .
ثم كرر ما تقدم فقال ) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم ( لقصد التأكيد مع زيادة أنه كالبيان للأخذ بالذنوب بأنه كان بالإغراق وقيل إن الأول باعتبار ما فعله آل فرعون ومن شبه بهم والثاني باعتبار ما فعل بهم وقيل المراد بالأول كفرهم بالله وبالثاني تكذيبهم الأنبياء وقيل غير ذلك مما لا يخلو عن تعسف والكلام في ) فأهلكناهم بذنوبهم ( كالكلام المتقدم في فأخذهم الله بذنوبهم ) وأغرقنا آل فرعون ( معطوف على أهلكناهم عطف الخاص على العام لفظاعته وكونه أشد أنواع الإهلاك ثم حكم على كلا الطائفتين من آل فرعون والذين من قبلهم ومن كفار قريش بالظلم لأنفسهم بما تسببوا به لعذاب الله من الكفر بالله وآياته ورسله بالظلم لغيرهم كما كان يجرى منهم في معاملاتهم للناس بأنواع الظلم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ) ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ( قال الذين قتلهم الله ببدر من المشركين وأخرج ابن جرير عن الحسن قال قال رجل يا رسول الله إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشوك قال ذلك ضرب الملائكة وهذا مرسل وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وأدبارهم ( قال وأستاههم ولكن الله كريم يكنى وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ( قال نعمة الله محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنعم الله به على قريش فكفروا فنقله الله إلى الأنصار


"""""" صفحة رقم 319 """"""
سورة الأنفال الآية ( 55 59 )
الأنفال : ( 55 ) إن شر الدواب . . . . .
قوله ) إن شر الدواب ( أي شر ما يدب على وجه الأرض ) عند الله ( أي في حكمه ) الذين كفروا ( أي المصرون على الكفر المتمادون في الضلال ولهذا قال ) فهم لا يؤمنون ( أي إن هذا شأنهم لا يؤمنون أبدا ولا يرجعون عن الغواية أصلا وجعلهم شر الدواب لا شر الناس إيماء إلى انسلاخهم عن الإنسانية ودخولهم في جنس غير الناس من أنواع الحيوان لعدم تعقلهم لما فيه رشادهم
الأنفال : ( 56 ) الذين عاهدت منهم . . . . .
قوله ) الذين عاهدت منهم ( بدل من الذين كفروا أو عطف بيان أو في محل نصب على الذم والمعنى أن هؤلاء الكافرين الذين هم شر الدواب عند الله هم هؤلاء الذين عاهدت منهم أي أخذت منهم عهدهم ) ثم ( هم ) ينقضون عهدهم ( الذى عاهدتهم ) في كل مرة ( من مرات المعاهدة و الحال أن ) هم ( لا يتقون النقض ولا يخافون عاقبته ولا يتجنبون أسبابه وقيل إن من في قوله ) منهم ( للتبعيض ومفعول عاهدت محذوف أي الذين عاهدتهم وهم بعض أولئك الكفرة يعني الأشراف منهم وعطف المستقبل وهو ثم ينقضون على الماضي وهو عاهدت للدلالة على استمرار النقض منهم وهؤلاء هم قريظة عاهدهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن لا يعينوا الكفار فلم يفوا بذلك كما سيأتي
الأنفال : ( 57 ) فإما تثقفنهم في . . . . .
ثم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالشدة والغلظة عليهم فقال ) فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم ( أي فإما تصادفنهم في ثقاف وتلقاهم في حالة تقدر عليهم فيها وتتمكن من غلبهم ) فشرد بهم من خلفهم ( أي ففرق بقتلهم والتنكيل بهم من خلفهم من المحاربين لك من أهل الشرك حتى يهابوا جانبك ويكفوا عن حربك مخافة أن ينزل بهم ما نزل بهؤلاء والثقاف في أصل اللغة ما يشد به القناة أو نحوها ومنه قول النابغة تدعو قعيبا وقد غص الحديد بها
غص الثقاف على ضم الأنابيب
يقال ثقفته وجدته وفلان ثقف سريع الوجود لما يحاوله والتشريد التفريق مع الاضطراب وقال أبو عبيدة ) فشرد بهم ( سمع بهم وقال الزجاج افعل بهم فعلا من القتل تفرق به من خلفهم يقال شردت بني فلان قلعتهم عن مواضعهم وطردتهم عنها حتى فارقوها قال الشاعر أطوف في الأباطح كل يوم
مخافة أن يشردني حكيم
ومنه شرد البعير إذا فارق صاحبه وروى عن ابن مسعود أنه قرأ ) فشرد بهم ( بالذال المعجمة قال قطرب التشريذ بالذال المعجمة هو التنكيل وبالمهملة هو التفريق وقال المهدوي الذال المعجمة لا وجه لها إلا أن تكون بدلا من الدال المهملة لتقاربهما قال ولا يعرف فشرذ في اللغة وقرئ ) من خلفهم ( بكسر الميم


"""""" صفحة رقم 320 """"""
والفاء
الأنفال : ( 58 ) وإما تخافن من . . . . .
قوله ) وإما تخافن من قوم خيانة ( أي غشا ونقضا للعهد من القوم المعاهدين ) فانبذ إليهم ( أي فاطرح إليهم العهد الذى بينك وبينهم ) على سواء ( على طريق مستوية والمعنى أنه يخبرهم إخبارا ظاهرا مكشوفا بالنقض ولا يناجزهم الحرب بغتة وقيل معنى ) على سواء ( على وجه يستوي في العلم بالنقض أقصاهم وأدناهم أو تستوي أنت وهم فيه قال الكسائي السواء العدل وقد يكون بمعنى الوسط ومنه قوله ) في سواء الجحيم ( ومنه قول حسان يا ويح أنصار النبي ورهطه
بعد المغيب في سواء الملحد
ومن الأول قول الشاعر فاضرب وجوه الغدر الأعداء
حتى يجيبوك إلى سواء
وقيل معنى ) فانبذ إليهم على سواء ( على جهر لا على سر والظاهر أن هذه الآية عامة في كل معاهد يخاف من وقوع النقض منه قال ابن عطية والذي يظهر من ألفاظ القرآن أن أمر بني قريظة انقضى عند قوله ) فشرد بهم من خلفهم ( ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية يأمره بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة وجملة ) إن الله لا يحب الخائنين ( تعليل لما قبلها يحتمل أن تكون تحذيرا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن المناجزة قبل أن ينبذ إليهم على سواء ويحتمل أن تكون عائدة إلى القوم الذين تخاف منهم الخيانة
الأنفال : ( 59 ) ولا يحسبن الذين . . . . .
قوله ) ولا تحسبن ( قرأ ابن عامر ويزيد وحمزة وحفص بالياء التحتية وقرأ الباقون بالمثناة من فوق فعلى القراءة الأولى يكون الذين كفروا فاعل الحسبان ويكون مفعوله الأول محذوفا أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم ومفعوله الثاني سبقوا معناه فآتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم وعلى القراءة الثانية يكون الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومفعوله الأول الذين كفروا والثاني سبقوا وقرئ ? إنهم سبقوا ? وقرئ ) يحسبن ( بكسر الياء وجملة ) إنهم لا يعجزون ( تعليل لما قبلها أي إنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم وقرأ ابن عامر أنهم بفتح الهمزة والباقون بكسرها وكلا القراءتين مفيدة لكون الجملة تعليلية وقيل المراد بهذه الآية من أفلت من وقعة بدر من المشركين والمعنى أنهم إن أفلتوا من هذه الوقعة ونجوا فإنهم لا يعجزون بل هم واقعون في عذاب الله في الدنيا أو في الآخرة وقد زعم جماعة من النحويين منهم أبو حاتم أن قراءة من قرأ يحسبن بالتحتية لحن لا تحل القراءة بها لأنه لم يأت ليحسبن بمفعول وهو يحتاج إلى مفعولين قال النحاس وهذا تحامل شديد
ومعنى هذه القراءة ولا يحسبن من خلفهم الذين كفروا سبقوا فيكون الضمير يعود على ما تقدم إلا أن القراءة بالتاء أبين وقال المهدوي يحوز على هذه القراءة أن يكون الذين كفروا فاعلا والمفعول الأول محذوف والمعنى ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا قال مكي ويجوز أن يضمر مع سبقوا ) إن ( فتسد مسد المفعولين والتقدير ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا فهو مثل ) أحسب الناس أن يتركوا ( في سد أن مسد المفعولين
الأنفال : ( 60 ) وأعدوا لهم ما . . . . .
ثم أمر سبحانه بإعداد القوة للأعداء والقوة كل ما يتقوى به في الحرب ومن ذلك السلاح والقسي وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو على المنبر يقول ) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ( ألا إن القوة الرمي قالها ثلاث مرات وقيل هى الحصون والمصير إلى التفسير الثابت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) متعين قوله ) ومن رباط الخيل ( قرأ الحسن وعمرو بن دينار وأبو حيوة ومن ربط الخيل بضم الراء والباء ككتب جمع كتاب قال أبو حاتم الرباط من الخيل الخمس فما فوقها وهى الخيل التى ترتبط بإزاء العدو ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 321 """"""
أمر الإله بربطها لعدوه
في الحرب إن الله خير موفق
قال في الكشاف والرباط اسم للخيل التى تربط في سبيل الله ويجوز أن يسمى بالرباط الذى هو بمعنى المرابطة ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال انتهى ومن فسر القوة بكل ما يتقوى به في الحرب جعل عطف الخيل من عطف الخاص على العام وجملة ) ترهبون به عدو الله وعدوكم ( في محل نصب على الحال الترهيب التخويف والضمير في به عائد إلى ) ما ( في ) ما استطعتم ( أو إلى المصدر المفهوم من ) وأعدوا ( وهو الإعداد والمراد بعدو الله وعدوهم هم المشركون من أهل مكة وغيرهم من مشركي العرب قوله ) وآخرين من دونهم ( معطوف على عدو الله وعدوكم ومعنى من دونهم من غيرهم قيل هم اليهود وقيل فارس والروم وقيل الجن ورجحه ابن جرير وقيل المراد بالآخرين من غيرهم كل من لا تعرف عداوته قاله السهيلي وقيل هم بنو قريظة خاصة وقيل غير ذلك والأولى الوقف في تعيينهم لقوله ) لا تعلمونهم الله يعلمهم ( قوله ) وما تنفقوا من شيء في سبيل الله ( أي في الجهاد وإن كان يسيرا حقيرا ) يوف إليكم ( جزاؤه في الآخرة فالحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة كما قررناه سابقا ) وأنتم لا تظلمون ( في شيء من هذه النفقة التى تنفقونها في سبيل الله أي من ثوابها بل يصير ذلك إليكم وافيا وافرا كاملا ) وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ( ) أني لا أضيع عمل عامل منكم )
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال نزلت ) إن شر الدواب عند الله ( الآية في ستة رهط من اليهود فيهم ابن تابوت وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم ( قال قريظة يوم الخندق مالئوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعداءه
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فشرد بهم من خلفهم ( قال نكل بهم من بعدهم وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال نكل بهم من وراءهم وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في الآية قال أنذر بهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال عظ بهم من سواهم من الناس وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال أخفهم بهم وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) لعلهم يذكرون ( يقول لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك وأخرج أبو الشيخ عن ابن شهاب قال دخل جبريل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال قد وضعت السلاح وما زلنا في طلب القوم فاخرج فإن الله قد أذن لك في قريظة وأنزل فيهم ) وإما تخافن من قوم خيانة ( الآية
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إنهم لا يعجزون ( قال لا يفوتونا
سورة الأنفال الآية ( 60 )
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ( قال الرمي والسيوف والسلاح وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير في قوله ) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ( قال أمرهم بإعداد الخيل وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن عكرمة في الآية قال القوة ذكور الخيل والرباط الإناث وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في الآية قال القوة الفرس إلى السهم فما دونه وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال القوة الحصون و ) ومن رباط الخيل ( قال الإناث وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ترهبون به عدو الله وعدوكم ( قال تخزون به عدو الله وعدوكم وقد ورد في استحباب الرمي وما فيه من الأجر أحاديث كثيرة وكذلك ورد في استحباب اتخاذ الخيل وإعدادها وكثرة ثواب صاحبها أحاديث لا يتسع المقام لبسطها وقد أفرد ذلك جماعة من العلماء بمصنفات


"""""" صفحة رقم 322 """"""
سورة الأنفال الآية ( 61 63 )
الأنفال : ( 61 ) وإن جنحوا للسلم . . . . .
الجنوح الميل يقال جنح الرجل إلى الرجل مال إليه ومنه قيل للأضالع جوانح لأنها مالت إلى الحنوة وجنحت الإبل إذا مالت أعناقها في السير ومنه قول ذي الرمة إذا مات فوق الرحل أحييت روحه
بذكراك والعيس المراسيل جنح
ومثله قول عنترة
جوانح قد أيقن أن قبيله
إذا ما التقى الجمعان أول غالب
يعني الطير والسلم الصالح قرأ الأعمش وأبو بكر وابن محيصن والمفضل بكسر السين وقرأ الباقون بفتحها وقرأ العقيلي ) فاجنح ( بضم النون وقرأ الباقون بفتحها والأولى لغة قيس والثانية لغة تميم قال ابن جنى ولغة قيس هى القياس والسلم تؤنث كما تؤنث الحرب أو هى مؤولة بالخصلة أو الفعلة
وقد اختلف أهل العلم هل هذه الآية منسوخة أم محكمة فقيل هى منسوخة بقوله ) فاقتلوا المشركين ( وقيل ليست بمنسوخة لأن المراد بها قبول الجزية وقد قبلها منهم الصحابة فمن بعدهم فتكون خاصة بأهل الكتاب وقيل إن المشركين إن دعوا إلى الصلح جاز أن يجابوا إليه وتمسك المانعون من مصالحة المشركين بقوله تعالى ) فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ( وقيدوا عدم الجواز بما إذا كان المسلمون في عزة وقوة لا إذا لم يكونوا كذلك فهو جائز كما وقع منه ( صلى الله عليه وسلم ) من مهادنة قريش وما زالت الخلفاء والصحابة على ذلك وكلام أهل العلم في هذه المسئلة معروف مقرر في مواطنه ) وتوكل على الله ( في جنوحك للسلم ولا تخف من مكرمهم ف ) أنه ( سبحانه ) هو السميع ( لما يقولون ) العليم ( بما يفعلون
الأنفال : ( 62 ) وإن يريدوا أن . . . . .
) وإن يريدوا أن يخدعوك ( بالصلح وهم مضمرون الغدر والخدع ) فإن حسبك الله ( أي كافيك ما تخافه من شرورهم بالنكث والغدر وجملة ) هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ( تعليلة أي لا تخف من خدعهم ومكرهم فإن الله الذى قواك عليهم بالنصر فيما مضى وهو يوم بدر هو الذى سينصرك ويقويك عليهم عند حدوث الخدع والنكث والمراد بالمؤمنين المهاجرون والأنصار
الأنفال : ( 63 ) وألف بين قلوبهم . . . . .
ثم بين كيف كان تأييده بالمؤمنين فقال ) وألف بين قلوبهم ( وظاهره العموم وأن ائتلاف قلوب المؤمنين هو من أسباب النصر التى أيد الله بها رسوله وقال جمهور المفسرين المراد الأوس والخزرج فقد كان بينهم عصبية شديدة وحروب عظيمة فألف الله بين قلوبهم بالإيمان برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل أراد التأليف بين المهاجرين والأنصار والحمل على العموم أولى فقد كانت العرب قبل البعثة المحمدية يأكل بعضهم بعضا ولا يحترم ماله ولا دمه حتى جاء الإسلام فصاروا يدا واحدة وذهب ما كان بينهم من العصبية وجملة ) لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ( مقررة لمضمون ما قبلها والمعنى أن ما كان بينهم من العصبية والعداوة قد بلغ إلى حد لا يمكن دفعه بحال من الأحوال ولو أنفق الطالب له جميع ما في الأرض لم يتم له ما طلبه من التأليف لأن أمرهم في ذلك قد تفاقم جدا ) ولكن الله ألف بينهم ( بعظيم قدرته


"""""" صفحة رقم 323 """"""
وبديع صنعه ) إنه عزيز ( لا يغالبه مغالب ولا يستعصى عليه أمر من الأمور ) حكيم ( في تدبيره ونفوذ نهيه وأمره
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وإن جنحوا للسلم ( قال قريظة وأخرج أبو الشيخ عن السدي في الآية قال نزلت في بني قريظة نسختها ) فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ( إلى آخر الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال السلم الطاعة وأخرج أبو الشيخ عنه في الآية قال إن رضوا فارض وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال إن أرادوا الصلح فأرده وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال نسختها هذه الآية ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ( إلى قوله ) وهم صاغرون ( وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن قتادة قال ثم نسخ ذلك ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وإن يريدوا أن يخدعوك ( قال قريظة وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وبالمؤمنين ( قال بالأنصار
وأخرج ابن مردويه عن النعمان بن بشير نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس نحوه أيضا وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال مكتوب على العرش لا إله إلا الله أنا الله وحدي لا شريك لي ومحمد عبدي ورسولي أيدته بعلمي وذلك قوله ) هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ( وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والنسائي والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أن هذه الآية نزلت في المتحابين في الله ) لو أنفقت ما في الأرض جميعا ( الآية وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان واللفظ له عن ابن عباس قال قرابة الرحم تقطع ومنة المنعم تكفر ولم نر مثل تقارب القلوب يقول الله ) لو أنفقت ما في الأرض جميعا ( الآية وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي عنه نحوه وليس في هذا عن ابن عباس ما يدل على أنه سبب النزول ولكن الشأن في قول ابن مسعود رضي الله عنه إن هذه الآية نزلت في المتحابين في الله مع أن الواقع قبلها ) هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ( والواقع بعدها ) يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( ومع كون الضمير في قوله ) ما ألفت بين قلوبهم ( يرجع إلى المؤمنين المذكورين قبله بلا شك ولا شبهة وكذلك الضمير في قوله ) ولكن الله ألف بينهم ( فإن هذا يدل على أن التأليف المذكور هو بين المؤمنين الذين أيد الله بهم رسوله ( صلى الله عليه وسلم )
سورة الأنفال الآية ( 64 66 )
الأنفال : ( 64 ) يا أيها النبي . . . . .
قوله ) يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( ليس هذا تكريرا لما قبله فإن الأول مقيد بإرادة


"""""" صفحة رقم 324 """"""
الخدع ) وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله ( فهذه كفاية خاصة وفي قوله ) يا أيها النبي حسبك الله ( كفاية عامة غير مقيدة أي حسبك الله في كل حال والواو في قوله ) ومن اتبعك ( يحتمل أن تكون للعطف على الاسم الشريف والمعنى حسبك الله وحسبك المؤمنون أي كافيك الله وكافيك المؤمنون ويحتمل أن تكون بمعنى مع كما تقول حسبك وزيدا درهم والمعنى كافيك وكافي المؤمنين الله لأن عطف الظاهر على المضمر في مثل هذه الصورة ممتنع كما تقرر في علم النحو وأجازه الكوفيون قال الفراء ليس بكثير في كلامهم أن تقول حسبك وأخيك بل المستعمل أن يقال حسبك وحسب أخيك بإعادة الجار فلو كان قوله ) ومن اتبعك ( مجرورا لقيل حسبك الله وحسب من اتبعك واختار النصب على المفعول معه النحاس وقيل يجوز أن يكون المعنى ومن اتبعك من المؤمنين حسبهم الله فحذف الخبر
الأنفال : ( 65 ) يا أيها النبي . . . . .
قوله ) حرض المؤمنين على القتال ( أي حثهم وحضهم والتحريض في اللغة المبالغة في الحث وهو كالتخضيض مأخوذ من الحرض وهو أن ينهكه المرض ويتبالغ فيه حتى يشفى على الموت كأنه ينسبه إلى الهلاك لو تخلف عن المأمور به ثم بشرهم تثبيتا لقلوبهم وتسكينا لخواطرهم بأن الصابرين منهم في القتال يغلبون عشرة أمثالهم من الكفار فقال ) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ( ثم زاد هذا إيضاحا مفيدا لعدم اختصاص هذه البشارة بهذا العدد بل هى جارية فى كل عدد فقال ) وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا ( وفي هذا دلالة على أن الجماعة من المؤمنين قليلا كانوا أو كثيرا لا يغلبهم عشرة أمثالهم من الكفار بحال من الأحوال وقد وجد في الخارج ما يخالف ذلك فكم من طائفة من طوائف الكفار يغلبون من هو مثل عشرهم من المسلمين بل مثل نصفهم بل مثلهم وأجيب عن ذلك بأن وجود هذا في الخارج لا يخالف ما في الآية لاحتمال أن لا تكون الطائفة من المؤمنين متصفة بصفة الصبر وقيل إن هذا الخبر الواقع في الآية هو في معنى الأمر كقوله تعالى ) والوالدات يرضعن ( ) والمطلقات يتربصن ( فالمؤمنون كانوا مأمورين من جهة الله سبحانه بأن تثبت الجماعة منهم لعشرة أمثالهم
الأنفال : ( 66 ) الآن خفف الله . . . . .
ثم لما شق ذلك عليهم واستعظموه خفف عنهم ورخص لهم لما علمه سبحانه من وجود الضعف فيهم فقال ) فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ( إلى آخر الآية فأوجب على الواحد أن يثبت لاثنين من الكفار وقرأ حمزة وحفص عن عاصم ضعفا بفتح الضاد وقوله ) بأنهم قوم لا يفقهون ( متعلق بقوله ) يغلبوا ( أي إن هذا الغلب بسبب جهلهم وعدم فقههم وأنهم يقاتلون على غير بصيرة
ومن كان هكذا فهو مغلوب في الغالب وقد قيل في نكتة التنصيص على غلب العشرين للمائتين والمائة للألف أن سراياه التى كان يبعثها ( صلى الله عليه وسلم ) كان لا ينقص عددها عن العشرين ولا يجاوز المائة وقيل في التنصيص فيما بعد ذلك على غلب المائة للمائتين والألف للألفين على أنه بشارة للمسلمين بأن عساكر الإسلام سيجاوز عددها العشرات والمئات إلى الألوف ثم أخبرهم بأن هذا الغلب هو بإذن الله وتسهيله وتيسيره لا بقوتهم وجلادتهم ثم بشرهم بأنه مع الصابرين وفيه الترغيب إلى الصبر والتأكيد عليهم بلزومه والتوصية به وأنه من أعظم أسباب النجاح والفلاح والنصر والظفر لأن من كان الله معه لم يستقم لأحد أن يغلبه وقد اختلف أهل العلم هل هذا التخفيف نسخ أم لا ولا يتعلق بذلك كثير فائدة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البزار عن ابن عباس قال لما أسلم عمر قال المشركون قد انتصف القوم منا اليوم وأنزل الله ) يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال لما أسلم مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تسعة وثلاثون رجلا وامرأة ثم إن عمر أسلم صاروا أربعين فنزل ) يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال لما أسلم مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة وثلاثون وست نسوة ثم أسلم عمر نزلت ) يا أيها النبي حسبك الله (


"""""" صفحة رقم 325 """"""
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن الزهري في الآية قال نزلت في الأنصار وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي في قوله ) يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( قال حسبك الله وحسب من اتبعك وأخرج البخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال لما نزلت ) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ( فكتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة وأن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت ) الآن خفف الله عنكم ( الآية فكتب أن لا يفر مائة من مائتين قال سفيان وقال ابن شبرمة وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا إن كانا رجلين أمرهما وإن كانوا ثلاثة فهو في سعة من تركهم وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال لما نزلت ) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ( شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف ) الآن خفف الله عنكم ( الآية قال فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم
سورة الأنفال الآية ( 67 69 )
الأنفال : ( 67 ) ما كان لنبي . . . . .
هذا حكم آخر من أحكام الجهاد ومعنى ) ما كان لنبي ( ما صح له وما استقام قرأ أبو عمرو وسهيل ويعقوب ويزيد والمفضل أن تكون بالفوقية وقرأ الباقون بالتحتية وقرأ أيضا يزيد والمفضل أسارى وقرأ الباقون ) أسرى ( والأسرى جمع أسير مثل قتلى وقتيل وجرحى وجريح ويقال في جمع أسير أيضا أسارى بضم الهمزة وبفتحها وهو مأخوذ من الأسر وهو القد لأنهم كانوا يشدون به الأسير فسمى كل أخيذ وإن لم يشد بالقد أسيرا قال الأعشى وقيدني الشعر في بيته
كما قيدت الأسرات الحمارا
وقال أبو عمرو بن العلاء الأسرى هم غير الموثقين عندما يؤخذون والأسارى هم الموثقون ربطا والإثخان كثرة القتل والمبالغة فيه تقول العرب أثخن فلان في هذا الأمر أي بالغ فيه فالمعنى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يبالغ في قتل الكافرين ويستكثر من ذلك وقيل معنى الإثخان التمكن وقيل هو القوة أخبر الله سبحانه أن قتل المشركين يوم بدر كان أولى من أسرهم وفدائهم ثم لما كثر المسلمون رخص الله في ذلك فقال ) فإما منا بعد وإما فداء ( كما يأتي في سورة القتال إن شاء الله قوله ) تريدون عرض ( الحياة ) الدنيا ( أي نفعها ومتاعها بما قبضتم من الفداء وسمى عرضا لأنه سريع الزوال كما تزول الأعراض التى هى مقابل الجواهر ) والله يريد الآخرة ( أي يريد لكم الدار الآخرة بما يحصل لكم من الثواب في الإثخان بالقتل وقرئ ) يريد الآخرة ( بالجر على تقدير مضاف وهو المذكور قبله أي والله يريد عرض الآخرة ) والله عزيز ( لا يغالب ) حكيم ( في كل أفعاله
الأنفال : ( 68 ) لولا كتاب من . . . . .
قوله ) لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ( اختلف المفسرون في هذا الكتاب الذى سبق ما هو على أقوال الأول ما سبق في علم الله من أنه سيحل لهذه الأمة الغنائم بعد أن كانت محرمة على سائر الأمم


"""""" صفحة رقم 326 """"""
والثاني أنه مغفرة الله لأهل بدر ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر كما في الحديث الصحيح إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم القول الثالث هو أنه لا يعذبهم ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيهم كما قال سبحانه ) وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ( القول الرابع أنه لا يعذب أحدا بذنب فعله جاهلا لكونه ذنبا القول الخامس أنه ما قضاه الله من محو الصغائر باجتناب الكبائر القول السادس أنه لا يعذب أحدا إلا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهي ولم يتقدم نهي عن ذلك وذهب ابن جرير الطبرني إلى أن هذه المعاني كلها داخلة تحت اللفظ وأنه يعمها ) لمسكم ( أي لحل بكم ) فيما أخذتم ( أي لأجل ما أخذتم من الفداء ) عذاب عظيم )
الأنفال : ( 69 ) فكلوا مما غنمتم . . . . .
والفاء في ) فكلوا مما غنمتم ( لترتيب ما بعدها على سبب محذوف أي قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم ويجوز أن تكون عاطفة على مقدر محذوف أي اتركوا الفداء فكلوا مما غنمتم من غيره وقيل إن ) ما ( عبارة عن الفداء أي كلوا من الفداء الذى غنمتم فإنه من جملة الغنائم التى أحلها الله لكم و ) حلالا طيبا ( منتصبان على الحال أو صفة المصدر المحذوف أي أكلا حلالا طيبا ) واتقوا الله ( فيما يستقبل فلا تقدموا على شيء لم يأذن الله لكم به ) إن الله غفور ( لما فرط منكم ) رحيم ( بكم فلذلك رخص لكم في أخذ الفداء في مستقبل الزمان
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد عن أنس قال استشار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الناس في الأسارى يوم بدر فقال إن الله قد أمكنكم منهم فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم عاد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم عاد فقال مثل ذلك فقام أبو بكر الصديق فقال يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء فعفا عنهم وقبل منهم الفداء فأنزل الله ) لولا كتاب من الله سبق ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال لما كان يوم بدر جيء بالأسارى وفيهم العباس فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك فاستبقهم لعل الله أن يتوب عليهم وقال عمر يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا فقال العباس وهو يسمع قطعت رحمك فدخل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يرد عليهم شيئا فقال أناس يأخذ بقول أبي بكر وقال أناس يأخذ بقول عمر وقال قوم يأخذ بقول عبد الله بن رواحة فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام قال ) فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى عليه السلام إذ قال ) إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ( ومثلك يا عمر نوح عليه السلام إذ إذ قال ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( ومثلك يا عمر مثل موسى عليه السلام إذ قال ) ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ( أنتم عالة فلا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق فقال عبد الله يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع علي الحجارة من السماء من ذلك اليوم حتى قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا سهيل بن بيضاء فأنزل الله ) ما كان لنبي أن يكون له أسرى ( الآية


"""""" صفحة رقم 327 """"""
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الأسارى يوم بدر إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتم واستمتعتم بالفداء واستشهد منكم بعدتهم فكان آخر السبعين ثابت بن قيس استشهد باليمامة وأخرج عبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة عن عبيدة نحوه وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عمر قال لما أسر الأسارى يوم بدر أسر العباس فيمن أسره أسره رجل من الأنصار وقد وعدته الأنصار أن يقتلوه فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه فقال له عمر فآتيهم قال نعم فأتى عمر الأنصار فقال أرسلوا العباس فقالوا لا والله لا نرسله فقال لهم عمر فإن كان لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رضا قالوا فإن كان لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رضا فخذه فأخذه عمر فلما صار في يده قال له يا عباس أسلم فوالله إن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعجبه إسلامك قال فاستشار رسول الله أبا بكر فقال أبو بكر عشيرتك فأرسلهم فاستشار عمر فقال اقتلهم ففاداهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) ما كان لنبي أن يكون له أسرى ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) حتى يثخن في الأرض ( يقول حتى يظهروا على الأرض وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال الإثخان هو القتل
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد أيضا في الآية قال ثم نزلت الرخصة بعد إن شئت فمن وإن شئت ففاد وأخرج ابن المنذر عن قتادة ) تريدون عرض الدنيا ( قال أراد أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر الفداء ففادوهم بأربعة آلاف أربعة آلاف وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ) تريدون عرض الدنيا ( قال الخراج وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) لولا كتاب من الله سبق ( قال سبق لهم المغفرة
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال ما سبق لأهل بدر من السعادة وأخرج النسائي وابن مردويه وأبو الشيخ عن ابن عباس قال سبقت لهم من الله الرحمة قبل أن يعملوا بالمعصية وأخرج أبو حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال سبق أن لا يعذب أحدا حتى يبين له ويتقدم إليه
سورة الأنفال الآية ( 70 71 )
الأنفال : ( 70 ) يا أيها النبي . . . . .
اختلاف القراء في أسرى والأسارى هو هنا كما سبق في الآية قبل هذه خاطب الله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بهذا أي قل لهؤلاء الأسرى الذين هم في أيديكم أسرتموهم يوم بدر وأخذتم منهم الفداء ) إن يعلم الله في قلوبكم خيرا ( من حسن إيمان وصلاح نية وخلوص طوية ) يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ( من الفداء أي يعوضكم في هذه الدنيا رزقا خيرا منه وأنفع لكم أو في الآخرة بما يكتبه لكم من المثوبة بالأعمال الصالحة ) ويغفر لكم ( ذنوبكم ) والله غفور رحيم ( شأنه المغفرة لعباده والرحمة لهم
الأنفال : ( 71 ) وإن يريدوا خيانتك . . . . .
ولما ذكر ما ذكره من العوض لمن علم في قلبه


"""""" صفحة رقم 328 """"""
خيرا ذكر من هو على ضد ذلك منهم فقال ) وإن يريدوا خيانتك ( بما قالوه لك بألسنتهم من أنهم قد آمنوا بك وصدقوك ولم يكن ذلك منهم عن عزيمة صحيحة ونية خالصة بل هو مماكرة ومخادعة فليس ذلك بمستبعد منهم فإنهم قد فعلوا ما هو أعظم منه وهو أنهم خانوا الله من قبل أن تظفر بهم فكفروا به وقاتلوا رسوله ) فأمكن منهم ( بأن نصرك عليهم في يوم بدر فقتلت منهم من قتلت وأسرت من أسرت ) والله عليم ( بما في ضمائرهم ) حكيم ( في أفعاله بهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة قالت لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في فداء أبي العاص وبعثت فيه بقلادة فملا رآها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رق رقة شديدة وقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وقال العباس إني كنت مسلما يا رسول الله قال الله أعلم بإسلامك فإن تكن كما تقول فالله يجزيك فافد نفسك وابنى أخويك نوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب وحليفك عتبة بن عمرو قال ما ذاك عندي يا رسول الله قال فأين المال الذى دفنت أنت وأم الفضل فقلت لها إن أصبت فهذا المال لبني فقال والله يا رسول الله إن هذا لشيء ما علمه غيري وغيرها فاحسب لي ما أصبتم مني عشرون أوقية من مال كان معي قال لا أفعل ففدى نفسه وابنى أخويه وحيلفه ونزلت ) قل لمن في أيديكم من الأسرى ( الآية فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله وأخرج ابن سعد والحاكم وصححه عن أبي موسى أن العلاء بن الحضرمي بعث إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمال من البحرين ثمانين ألفا فما أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مال أكثر منه فنشر على حصير وجاء الناس فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعطيهم وما كان يومئذ عدد ولا وزن فجاء العباس فقال يا رسول الله إني أعطيت فدائي وفداء عقيل يوم بدر أعطني من هذا المال فقال خذ فحثا في خميصته ثم ذهب ينصرف فلم يستطع فرفع رأسه وقال يا رسول الله ارفع علي فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذهب وهو يقول أما أحد للذين وعد الله فقد أنجزنا وما ندرى ما يصنع في الأخرى ) قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم ( فهذا خير مما أخذ مني ولا أدرى ما يصنع في المغفرة والروايات في هذا الباب كثيرة
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس في الآية قال نزلت في الأسارى يوم بدر منهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عنه في قوله ) وإن يريدوا خيانتك ( إن كان قولهم كذبا ) فقد خانوا الله من قبل ( فقد كفروا وقاتلوك ) فأمكن ( ك الله ) منهم )
سورة الأنفال الآية ( 72 73 )


"""""" صفحة رقم 329 """"""
سورة الأنفال الآية ( 74 75 )
الأنفال : ( 72 ) إن الذين آمنوا . . . . .
ختم الله سبحانه هذه السورة بذكر الموالاة ليعلم كل فريق وليه الذى يستعين به وسمى سبحانه المهاجرين إلى المدينة بهذا الاسم لأنهم هجروا أوطانهم وفارقوها طلبا لما عند الله وإجابة لداعيه ) والذين آووا ونصروا ( هم الأنصار والإشارة بقوله ) أولئك ( إشارة إلى الموصول الأول والآخر وهو مبتدأ وخبره الجملة المذكورة بعده ويجوز أن يكون ) بعضهم ( بدلا من اسم الإشارة والخبر ) أولياء بعض ( أي بعضهم أولياء بعض في النصرة والمعونة وقيل المعنى إن بعضهم أولياء بعض في الميراث وقد كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( قوله ) والذين آمنوا ( مبتدأ وخبره ) ما لكم من ولايتهم من شيء ( قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ) من ولايتهم ( بكسر الواو وقرأ الباقون بفتحها أي ما لكم من نصرتهم وإعانتهم أو من ميراثهم ولو كانوا من قراباتكم لعدم وقوع الهجرة منهم ) حتى يهاجروا ( فيكون لهم ما كان للطائفة الأولى الجامعين بين الإيمان والهجرة ) وإن استنصروكم ( أي هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا إذا طلبوا منكم النصرة لهم على المشركين ) فعليكم النصر ( أي فواجب عليكم النصر ) إلا ( أن يستنصروكم ) على قوم بينكم وبينهم ميثاق ( فلا تنصروهم ولا تنقضوا العهد الذى بينكم وبين أولئك القوم حتى تنقضى مدته قال الزجاج ويجوز فعليكم النصر بالنصب على الإغراء
الأنفال : ( 73 ) والذين كفروا بعضهم . . . . .
قوله ) والذين كفروا ( مبتدأ خبره ) بعضهم أولياء بعض ( أي بعضهم ينصر بعضا ويتولاه في أموره أو يرثه إذا مات وفيه تعريض للمسلمين بأنهم لا يناصرون الكفار ولا يتولونهم قوله ) إلا تفعلوه ( الضمير يرجع إلى ما أمروا به قبل هذا من موالاه المؤمنين ومناصرتهم على التفصيل المذكور وترك موالاة الكافرين ) تكن فتنة في الأرض ( أي تقع فتنة إن لم تفعلوا ذلك ) وفساد كبير ( أي مفسدة كبيرة في الدين والدنيا
الأنفال : ( 74 ) والذين آمنوا وهاجروا . . . . .
ثم بين سبحانه حكما آخر يتعلق بالمؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله والمؤمنين الذين آووا من هاجر إليهم ونصروهم وهم الأنصار فقال ) أولئك هم المؤمنون حقا ( أي الكاملون في الإيمان وليس في هذا تكرير لما قبله فإنه وارد في الثناء على هؤلاء والأول وارد في إيجاب الموالاة والنصرة ثم أخبر سبحانه أن ) لهم ( منه ) مغفرة ( لذنوبهم في الآخرة و لهم في الدنيا ) ورزق كريم ( خالص عن الكدر طيب مستلذ
الأنفال : ( 75 ) والذين آمنوا من . . . . .
ثم أخبر سبحانه بأن من هاجر بعد هجرتهم وجاهد مع المهاجرين الأولين والأنصار فهو من جملتهم أي من جملة المهاجرين الأولين والأنصار في استحقاق ما استحقوه من الموالاة والمناصرة وكمال الإيمان والمغفرة والرزق الكريم ثم بين سبحانه بأن أولى الأرحام بعضهم أولى ببعض من غيرهم ممن لم يكن بينه وبينهم رحم في الميراث والمراد بهم القرابات فيتناول كل قرابة وقيل المراد بهم هنا العصبات قالوا ومنه قول العرب وصلتك رحم فإنهم لا يريدون قرابة الأم قالوا ومنه قول قتيلة ظلت سيوف بني أبية تنوشه
لله أرحام هناك تشقق
ولا يخفاك أنه ليس في هذا ما يمنع من إطلاقه على غير العصبات وقد استدل بهذه الآية من أثبت ميراث ذوي الأرحام وهم من ليس بعصبة ولا ذي سهم على حسب اصطلاح أهل علم المواريث والخلاف في ذلك معروف مقرر في مواطنه وقد قيل إن هذه الآية ناسخة للميراث بالموالاة والنصرة عند من فسرها تقدم من قوله


"""""" صفحة رقم 330 """"""
) بعضهم أولياء بعض ( وما بعده بالتوارث وأما من فسرها بالنصرة والمعونة فيجعل هذه الآية إخبارا منه سبحانه وتعالى بأن القرابات ) بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ( أي في حكمه أو في اللوح المحفوظ أو في القرآن ويدخل في هذه الأولوية الميراث دخولا أوليا لوجود سببه أعني القرابة ) أن الله بكل شيء عليم ( لا يخفى عليه شيء من الأشياء كائنا ما كان ومن جملة ذلك ما تضمنته هذه الآيات
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) إن الذين آمنوا وهاجروا ( الآية قال إن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ثلاث منازل منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه وفي قوله ) والذين آووا ونصروا ( قال آووا ونصروا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة وشهروا السيوف على من كذب وجحد فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض وفي قوله ) والذين آمنوا ولم يهاجروا ( قال كانوا يتوارثون بينهم إذا توفى المؤمن المهاجر بالولاية في الدين وكان الذى آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر فبرأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم وهى الولاية التى قال ) ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ( كان حقا على المؤمنين الذى آووا ونصروا إذ استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قوتلوا إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ميثاق فلا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذى لا ميثاق لهم ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين آمنوا ) والذين آمنوا ولم يهاجروا ( فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيبا مفروضا لقوله ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( الآية وفي رواية لابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) أولئك بعضهم أولياء بعض ( قال يعني في الميراث جعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام ) والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء ( ما لكم من ميراثهم من شئ ) حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين ( يعنى إن استنصر الأعراب المسلمون المهاجرين والأنصار على عدو لهم فعليهم أن ينصروهم إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق فكانوا يعملون على ذلك حتى أنزل الله هذه الآية ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( فنسخت الآية التى قبلها وصارت المواريث لذوي الأرحام وأخرج أبو عبيد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في هذه الآيات قال كان المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن ولا يرث الأعرابي المهاجر فنسختها هذه الآية ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه أيضا قال قال رجل من المسلمين لنورثن ذوي القربى منا من المشركين فنزلت ) والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ( وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جرير بن عبد الله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المهاجرون بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن أسامة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لا يتوارث أهل ملتين ولا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما ثم قرأ ) والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ( الآية وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن الزبير بن العوام قال أنزل الله فينا خاصة معشر قريش ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ( وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فواخيناهم ووارثناهم فآخونا فآخى أبو بكر خارجة بن زيد وآخى عمر فلانا وآخى عثمان بن عفان رجلا من بني زريق بن أسعد الزرقي قال الزبير وآخيت أنا كعب بن مالك ووارثونا ووارثناهم فلما


"""""" صفحة رقم 331 """"""
كان يوم أحد قيل لي قد قتل أخوك كعب بن مالك فجئته فانتقلته فوجدت السلاح قد ثقلته فيما يرى فوالله يا بني لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار فرجعنا إلى مواريثنا وأخرج أبو داود الطيالسي والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال آخى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين أصحابه وورث بعضهم من بعض حتى نزلت هذه الآية ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب
S9
تفسير
سورة براءة
حول السورة
هى مائة وثلاثون آية وقيل مائة وسبع وعشرون آية ولها أسماء منها سورة التوبة لأن فيها التوبة على المؤمنين وتسمى الفاضحة لأنه ما زال ينزل فيها ومنهم ومنهم حتى كادت أن لا تدع أحدا وتسمى البحوث لأنها تبحث عن أسرار المنافقين وتسمى المبعثرة والبعثرة البحث وتسمى أيضا بأسماء أخر كالمقشقشة لكونها تقشقش من النفاق أي تبرئ منه والمخزية لكونها أخزت المنافقين والمثيرة لكونها تثير أسرارهم والحافرة لكونها تحفر عنها والمنكلة لما فيها من التنكيل لهم والمدمدمة لأنها تدمدم عليهم
وهى مدنية قال القرطبي باتفاق وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال نزلت براءة بعد فتح مكة وأخرج ابن مردويه عنه قال نزلت سورة التوبة بالمدينة وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير نحوه وأخرج ابن المنذر عن قتادة نحوه أيضا وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن الضريس وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء قال آخر آية نزلت ) يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( وآخر سورة نزلت تامة براءة
سبب سقوط البسملة من أول سورة
وقد اختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أولها على أقوال الأول عن المبرد وغيره أنه كان من شأن العرب إذا كان بينهم وبين قوم عهد فإذا أرادوا نقضه كتبوا إليهم كتابا ولم يكتبوا فيه بسملة فلما نزلت براءة بنقض العهد الذى كان بين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمشركين بعث بها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علي ابن أبي طالب فقرأها عليهم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادة العرب وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال سألت علي بن أبي طالب لم لا تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم قال لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان وبراءة نزلت بالسيف وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال قلت لعثمان بن عفان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهى من المثاني وإلى براءة وهى من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطول ما حملكم على ذلك فقال عثمان كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشئ دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التى يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها وقبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطول وأخرج أبو الشيخ عن


"""""" صفحة رقم 332 """"""
أبي رجاء قال سألت الحسن عن الأنفال وبراءة أسورتان أو سورة قال سورتان وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة قال يسمون هذه السورة سورة التوبة وهى سورة العذاب وأخرج هؤلاء عن ابن عباس قال في هذه السورة هى الفاضحة ما زالت تنزل ومنهم حتى ظننا أنه لا يبقى منا أحد إلا ذكر فيها وأخرج أبو الشيخ عن عمر نحوه وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن زيد بن أسلم أن رجلا قال لعبد الله بن عمر سورة التوبة فقال ابن عمر وأيتهن سورة التوبة ثم قال وهل فعل بالناس الأفاعيل إلا هى ما كنا ندعوها إلا المقشقشة وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال يسمونها سورة التوبة وإنها لسورة عذاب وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحاق قال كانت براءة تسمى في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبعده المبعثرة لما كشفت من سرائر الناس وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبيد بن عمير قال كانت براءة تسمى المنقرة نقرت عما في قلوب المشركين وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن أبي عطية الهمداني قال كتب عمر بن الخطاب تعلموا سورة براءة وعلموا نساءكم سورة النور ومن جملة الأقوال حذف البسملة أنها كانت تعدل سورة البقرة أو قريبا منها وأنه لما سقط أولها سقطت البسملة روى هذا عن مالك بن أنس وابن عجلان ومن جملة الأقوال في سقوط البسملة أنهم لما كتبوا المصحف فى خلافة عثمان اختلف الصحابة فقال بعضهم براءة والأنفال سورة واحدة وقال بعضهم هما سورتان فتركت بينهما فرجة لقول من قال هما سورتان وتركت بسم الله الرحمن الرحيم لقول من قال هما سورة واحدة فرضى الفريقان قاله خارجة وأبو عصمة وغيرهما وقول من جعلهما سورة واحدة أظهر لأنهما جميعا في القتال وتعدان جميعا سابعة السبع الطوال
سورة براءة الآية ( 1 3 )
التوبة : ( 1 ) براءة من الله . . . . .
قوله ) براءة من الله ورسوله ( برئت من الشيء أبرأ براءة وأنا منه بريء إذا أزلته عن نفسك وقطعت سبب ما بينك وبينه وبراءة مرتفعة على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هذه براءة ويجوز أن ترتفع على الابتداء لأنها نكرة موصوفة والخبر ) إلى الذين عاهدتم ( وقرأ عيسى بن عمر ) براءة ( بالنصب على تقدير اسمعوا براءة أو على تقدير التزموا براءة لأن فيها معنى الإغراء و ) من ( في قوله ) من الله ( لابتداء الغاية متعلق بمحذوف وقع صفة أي واصلة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم وقرأ روح وزيد بنصب رسوله وقرأ الباقون بالرفع والعهد العقد الموثق باليمين والخطاب في عاهدتم للمسلمين وقد كانوا عاهدوا مشركى مكة وغيرهم بإذن من الله ومن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى الإخبار للمسلمين بأن الله ورسوله قد برئا من تلك المعاهدة بسبب


"""""" صفحة رقم 333 """"""
ما وقع من الكفار من النقض فصار النبذ إليهم بعهدهم واجبا على المعاهدين من المسلمين ومعنى براءة الله سبحانه وقوع الإذن منه سبحانه بالنبذ من المسلمين لعهد المشركين بعد وقوع النقض منهم وفي ذلك التفخيم لشأن البراءة والتهويل لها والتسجيل على المشركين بالذل والهوان ما لا يخفى
التوبة : ( 2 ) فسيحوا في الأرض . . . . .
قوله ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ( هذا أمر منه سبحانه بالسياحة بعد الإخبار بتلك البراءة والسياحة السير يقال ساح فلان في الأرض يسيح سياحة وسيوحا وسيحانا ومنه سيح الماء في الأرض وسيح الخيل ومنه قول طرفة بن العبد لو خفت هذا منك ما نلتني
حتى ترى خيلا أمامي تسيح
ومعنى الآية أن الله سبحانه بعد أن أذن بالنبذ إلى المشركين بعهدهم أباح للمشركين الضرب في الأرض والذهاب إلى حيث يريدون والاستعداد للحرب هذه الأربعة الأشهر وليس المراد من الأمر بالسياحة تكليفهم بها قال محمد بن إسحاق وغيره إن المشركين صنفان صنف كانت مدة عهده أقل من أربعة أشهر فأمهل تمام أربعة أشهر والآخر كانت أكثر من ذلك فقصر على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه وهو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين يقتل حيث يوجد وابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر فأما من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم وذلك خمسون يوما عشرون من ذي الحجة وشهر محرم وقال الكلبي إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عهد دون أربعة أشهر
ومن كان عهده أكثر من ذلك فهو الذى أمر الله أن يتم له عهده بقوله ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( ورجح هذا ابن جرير وغيره وسيأتي في آخر البحث من الرواية ما يتضح به معنى الآية ) واعلموا أنكم غير معجزي الله ( أي اعلموا أن هذا الإمهال ليس لعجز ولكن لمصلحة ليتوب من تاب وفي ذلك ضرب من التهديد كأنه قيل افعلوا في هذه المدة كل ما أمكنكم من إعداد الآلات والأدوات فإنكم لا تفوتون الله وهو مخزيكم أي مذلكم ومهينكم في الدنيا بالقتل والأسر وفي الآخرة بالعذاب وفي وضع الظاهر موضع المضمر إشارة إلى أن سبب هذا الإخزاء هو الكفر ويجوز أن يكون المراد جنس الكافرين فيدخل فيه المخاطبون دخولا أوليا
التوبة : ( 3 ) وأذان من الله . . . . .
قوله ) وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ( ارتفاع أذان على أنه خبر مبتدأ محذوف أو على أنه مبتدأ خبره ما بعده على ما تقدم في ارتفاع براءة والجملة هذه معطوفة على جملة ) براءة من الله ورسوله ( وقال الزجاج إن قوله ) وأذان ( معطوف على قوله براءة واعترض عليه بأن الأمر لو كان كذلك لكن أذان مخبر عنه بالخبر الأول وهو ) إلى الذين عاهدتم من المشركين ( وليس ذلك بصحيح بل الخبر عنه هو ) إلى الناس ( والأذان بمعنى الإيذان وهو الإعلام كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء ومعنى قوله ) إلى الناس ( التعميم في هذا أي أنه إيذان من الله إلى كافة الناس غير مختص بقوم دون قوم فهذه الجملة متضمنة للإخبار بوجوب الإعلام لجميع الناس والجملة الأولى متضمنة للإخبار بالبراءة إلى المعاهدين خاصة و ) يوم الحج ( ظرف لقوله وأذان ووصفه بالأكبر لأنه يجتمع فيه الناس أو لكون معظم أفعال الحج فيه
وقد اختلف العلماء في تعيين هذا اليوم المذكور في الآية فذهب جمع منهم علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن أبي أوفى والمغيرة بن شعبة ومجاهد أنه يوم النحر ورجحه ابن جرير وذهب آخرون منهم عمر وابن عباس وطاوس أنه يوم عرفة والأول أرجح لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر من بعثه لإبلاغ هذا إلى المشركين أن يبلغهم يوم النحر قوله ) أن الله بريء من المشركين ورسوله ( قريء بفتح أن على تقدير بأن الله بريء من المشركين فحذفت الباء تخفيفا وقريء بكسرها لأن في الإيذان معنى القول وارتفاع رسوله على أنه معطوف


"""""" صفحة رقم 334 """"""
على موضع اسم أن أو على الضمير في بريء أو على أنه مبتدأ وخبره محذوف والتقدير ورسوله بريء منهم وقرأ الحسن وغيره ) ورسوله ( بالنصب عطفا على لفظ اسم أن وقريء ) ورسوله ( بالجر على أن الواو للقسم روى ذلك عن الحسن وهى قراءة ضعيفة جدا إذ لا معنى للقسم برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ها هنا مع ما ثبت من النهي عن الحلف بغير الله وقيل إنه مجرور على الجوار قوله ) فإن تبتم ( أي من الكفر وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب قيل وفائدة هذا الالتفات زيادة التهديد والضمير في قوله ) فهو ( راجع إلى التوبة المفهومة من تبتم ) خير لكم ( مما أنتم فيه من الكفر ) وإن توليتم ( أي أعرضتم عن التوبة وبقيتم على الكفر ) فاعلموا أنكم غير معجزي الله ( أي غير فائتين عليه بل هو مدرككم فمجازيكم بأعمالكم قوله ) وبشر الذين كفروا بعذاب أليم ( هذا تهكم بهم وفيه من التهديد ما لا يخفى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ( إلى أهل العهد خزاعة ومدلج ومن كان له عهد قبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من تبوك حين فرغ منها فأراد الحج ثم قال إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك فأرسل أبا بكر وعليا فطافا في الناس بذي المجاز وبأمكنتهم التى كانوا يبيعون بها أو بالموسم كله فآذنوا أصحاب العهد أن يأمنوا أربعة أشهر وهى الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر تخلو من ربيع الآخر ثم لا عهد لهم وآذن الناس كلهم بالقتال إلى أن يموتوا وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي قال لما نزلت عشر آيات من براءة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعا أبا بكر ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال لي أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه فاقرأه على أهل مكة فلحقته فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر وقال يا رسول الله نزل في شيء قال لا ولكن جبريل جاءني فقال أن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وأبو الشيخ وابن مردويه من حديث أنس نحوه وأخرج ابن مردويه من حديث سعد بن أبي وقاص نحوه أيضا
وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة قال كنت مع علي حين بعثه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أهل مكة ببراءة فكنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عهد فإن أجله وأمده إلى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة أشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ثم أردف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة فأذن علي في يوم النحر ببراءة أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وأخرج الترمذي وحسنه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ثم أتبعه عليا وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات فانطلقا فحجا فقام علي في أيام التشريق فنادى إن الله بريء من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن فكان علي ينادي فإذا أعيا قام أبو بكر ينادي بها وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن المنذر والنحاس والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن زيد بن تبيع قال سألت عليا بأي شيء بعثت مع أبي بكر في


"""""" صفحة رقم 335 """"""
الحج قال بعثت بأربع لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مؤمن وكافر بالمسجد الحرام بعد عامهم هذا ومن كان بينه وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) براءة من الله ورسوله ( الآية قال حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاءوا وحد أجل من ليس له عهد انسلاخ الأربعة الأشهر الحرم من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم خمسين ليلة فإذا انسلخ الأشهر الحرم أمره أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام ونقض ما سمى لهم من العهد والميثاق وأذهب الشرط الأول ) إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ( يعني أهل مكة وأخرج النحاس عنه نحو هذا وقال لم يعاهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد هذا أحدا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس عن الزهري ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ( قال نزلت في شوال فهي الأربعة أشهر شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) وأذان من الله ورسوله ( قال هو إعلام من الله ورسوله
وأخرج الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم ابن مردويه عن علي قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن يوم الحج الأكبر فقال يوم النحر وأخرجه ابن أبي شيبة والترمذي وأبو الشيخ عنه من قوله وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن عبد الله بن قرط قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر وأخرج ابن مردويه عن ابن أبي أوفى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال يوم الأضحى هذا يوم الحج الأكبر وأخرج البخاري تعليقا وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التى حج فقال أي يوم هذا قالوا يوم النحر قال هذا يوم الحج الأكبر وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن أبي هريرة قال بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر والحج الأكبر الحج وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع التى حج فيها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مشرك وأنزل الله في العام الذى نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين ) يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ( الآية وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال زمن الفتح إن هذا عام الحج الأكبر قال اجتمع حج المسلمين وحج المشركين في ثلاثة أيام متتابعات واجتمع النصارى واليهود في ثلاثة أيام متتابعات فاجتمع حج المسلمين والمشركين والنصارى واليهود في ستة أيام متتابعات ولم يجتمع منذ خلق السموات والأرض كذلك قبل العام ولا يجتمع بعد العام حتى تقوم الساعة وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن يوم الحج الأكبر فقال ما لكم وللحج الأكبر ذاك عام حج فيه أبو بكر استخلفه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فحج بالناس واجتمع فيه المسلمون والمشركون فلذلك سمى الحج الأكبر ووافق عيد اليهود والنصارى
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال الحج الأكبر اليوم الثاني من يوم النحر ألم تر أن الإمام يخطب فيه وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن المسور بن مخرمة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال يوم عرفة هذا يوم الحج الأكبر وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال الحج الأكبر يوم عرفة وأخرج ابن جرير عن أبي الصهباء البكري قال سألت علي بن أبي طالب


"""""" صفحة رقم 336 """"""
عن يوم الحج الأكبر فقال يوم عرفة وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال إن يوم عرفة يوم الحج الأكبر وأخرج ابن جرير عن الزبير نحوه
ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة في كون يوم النحر هو يوم الحج الأكبر هى ثابتة في الصحيحين وغيرهم من طرق فلا تقوى لمعارضتها هذه الروايات المصرحة بأنه يوم عرفة وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي أنه سئل هذا الحج الأكبر فما الحج الأصغر قال عمرة في رمضان وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن إسحاق قال سألت عبد الله بن شداد عن الحج الأكبر فقال الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن مسعود قال سئل سفيان بن عيينة عن البشارة تكون في المكروه فقال ألم تسمع قوله ) وبشر الذين كفروا بعذاب أليم )
سورة براءة الآية ( 4 6 )
التوبة : ( 4 ) إلا الذين عاهدتم . . . . .
الاستثناء بقوله ) إلا الذين عاهدتم ( قال الزجاج إنه يعود إلى قوله ) براءة ( والتقدير براءة من الله ورسوله إلى المعاهدين من المشركين إلا الذين لم ينقضوا العهد منهم وقال في الكشاف إنه مستثنى من قوله ) فسيحوا ( والتقدير فقولوا لهم فسيحوا إلا الذين عاهدتم ثم لم ينقصوكم فأتموا إليهم عهدهم قال والاستثناء بمعنى الاستدراك كأنه قيل بعد أن أمروا في الناكثين ولكن الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم ولا تجروهم مجراهم وقد اعترض عليه بأنه قد تخلل الفاصل بين المستثنى والمستثنى منه وهو ) وأذان من الله ( الخ وأجيب بأن ذلك لا يضر لأنه ليس بأجنبي وقيل إن الاستثناء من المشركين المذكورين قبله فيكون متصلا وهو ضعيف
قوله ) ثم لم ينقصوكم شيئا ( أي لم يقع منهم أي نقص وإن كان يسيرا وقرأ عكرمة وعطاء بن يسار ينقضوكم بالضاد المعجمة أي لم ينقضوا عهدكم وفيه دليل على أنه كان من أهل العهد من خاس بعهده ومنهم من ثبت عليه فأذن الله سبحانه لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بنقض عهد من نقض وبالوفاء لمن لم ينقض إلى مدته ) ولم يظاهروا عليكم أحدا ( المظاهرة المعاونة أي لم يعاونوا عليكم أحدا من أعدائكم ) فأتموا إليهم عهدهم ( أي أدوا إليهم عهدهم تاما غير ناقص ) إلى مدتهم ( التى عاهدتموهم إليها وإن كانت أكبر من أربعة أشهر ولا تعاملوهم معاملة الناكثين من القتال بعد مضي المدة المذكورة سابقا وهى أربعة أشهر أو خمسون يوما على الخلاف السابق
التوبة : ( 5 ) فإذا انسلخ الأشهر . . . . .
قوله ) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( انسلاخ الشهر تكامله جزءا فجزءا إلى أن ينقضى كانسلاخ الجلد عما يحويه شبه خروج المتزمن عن زمانه بانفصال المتمكن عن مكانه


"""""" صفحة رقم 337 """"""
وأصله الانسلاخ الواقع بين الحيوان وجلده فاستعير لانقضاء الأشهر يقال سلخت الشهر تسلخه سلخا وسلوخا بمعنى خرجت منه ومنه قول الشاعر إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله
كفى قاتلا سلخى الشهور وإهلالي
ويقال سلخت المرأة درعها نزعته وفي التنزيل ) وآية لهم الليل نسلخ منه النهار (
واختلف العلماء في تعيين الأشهر الحرم المذكورة هاهنا فقيل هى الأشهر الحرم المعروفة التى هى ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب ثلاثة سرد وواحد فرد ومعنى الآية على هذا وجوب الإمساك عن قتال من لا عهد له من المشركين في هذه الأشهر الحرم وقد وقع النداء والنبذ إلى المشركين بعهدهم يوم النحر فكان الباقي من الأشهر الحرم التى هى الثلاثة المسرودة خمسين يوما تنقضى بانقضاء شهر المحرم فأمرهم الله بقتل المشركين حيث يوجدون وبه قال جماعة من أهل العلم منهم الضحاك والباقر وروى عن ابن عباس واختاره ابن جرير وقيل المراد بها شهور العهد المشار إليها بقوله ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( وسميت حرما لأن الله سبحانه حرم على المسلمين فيها دماء المشركين والتعرض لهم وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم منهم مجاهد وابن إسحاق وابن زيد وعمرو بن شعيب وقيل هى الأشهر المذكورة في قوله ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ( وقد روى ذلك عن ابن عباس وجماعة ورجحه ابن كثير وحكاه عن مجاهد وعمرو بن شعيب ومحمد بن إسحاق وقتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وسيأتي بيان حكم القتال في الأشهر الحرم الدائرة في كل سنة في هذه السورة إن شاء الله ومعنى ) حيث وجدتموهم ( في أي مكان وجدتموهم من حل أو حرم ومعنى ) وخذهم ( الأسر فإن الأخيذ هو الأسير ومعنى الحصر منعهم من التصرف في بلاد المسلمين إلا بإذن منهم والمرصد الموضع الذى يرقب فيه العدو يقال رصدت فلانا أرصده أي رقبته أي اقعدوا لهم في المواضع التى ترتقبونهم فيها قال عامر ابن الطفيل ولقد علمت وما إخالك عالما
أن المنية للفتى بالمرصد
وقال النابغة أعاذل إن الجهل من لذة الفتى
وإن المنايا للنفوس بمرصد
وكل في ) كل مرصد ( منتصب على الظرفية وهو اختيار الزجاج وقيل هو منتصب بنزع الخافض أي في كل مرصد وخطأ أبو علي الفارسي الزجاج في جعله ظرفا وهذه الآية المتضمنة للأمر بقتل المشركين عند انسلاخ الأشهر الحرم عامة لكل مشرك لا يخرج عنها إلا من خصته السنة وهو المرأة والصبي والعاجز الذى لا يقاتل وكذلك يخصص منها أهل الكتاب الذين يعطون الجزية على فرض تناول لفظ المشركين لهم وهذه الآية نسخت كل آية فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على أذاهم وقال الضحاك وعطاء والسدي هى منسوخة بقوله ) فإما منا بعد وإما فداء ( وأن الأسير لا يقتل صبرا بل يمن عليه أو يفادى وقال مجاهد وقتادة بل هي ناسخة لقوله فإما منا بعد وإما فداء وأنه لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل وقال ابن زيد الآيتان محكمتان قال القرطبي وهو الصحيح لأن المن والقتل والفداء لم تزل من حكم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيهم من أول حرب جاء بهم وهو يوم بدر قوله ) فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ( أي تابوا عن الشرك الذى هو سبب القتل وحققوا التوبة بفعل ما هو من أعظم أركان الإسلام وهو إقامة الصلاة وهذا الركن اكتفى به عن ذكر ما يتعلق بالأبدان من العبادات لكونه رأسها واكتفى بالركن الآخر المالي وهو إيتاء الزكاة عن كل ما يتعلق بالأموال من العبادات لأنه أعظمها ) فخلوا سبيلهم ( أي اتركوهم وشأنهم فلا تأسروهم ولا


"""""" صفحة رقم 338 """"""
تحصروهم ولا تقتلوهم ) إن الله غفور ( لهم ) رحيم ( بهم
التوبة : ( 6 ) وإن أحد من . . . . .
قوله ) وإن أحد من المشركين استجارك فأجره ( يقال استجرت فلانا أي طلبت أن يكون جارا أي محاميا ومحافظا من أن يظلمني ظالم أو يتعرض لي معترض وأحد مرتفع بفعل مقدر يفسره المذكور بعده أي وإن استجارك أحد استجارك وكرهوا الجمع بين المفسر والمفسر والمعنى وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم فأجره أي كن جارا له مؤمنا محاميا ) حتى يسمع كلام الله ( منك ويتدبره حق تدبره ويقف على حقيقة ما تدعو إليه ) ثم أبلغه مأمنه ( أي إلى الدار التى يأمن فيها بعد أن يسمع كلام الله إن لم يسلم ثم بعد أن تبلغه مأمنه قاتله فقد خرج من جوارك ورجع إلى ما كان عليه من إباحة دمه ووجوب قتله حيث يوجد والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من الأمر بالإجارة وما بعده ) بأنهم قوم لا يعلمون ( أي بسبب فقدانهم للعلم النافع المميز بين الخير والشر في الحال والمآل
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إلا الذين عاهدتم ( قال هم قريش وأخرج أيضا عن قتادة قال هم مشركو قريش الذين عاهدهم نبي الله زمن الحديبية وكان بقى من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر فأمر نبيه أن يوفي بعهدهم هذا إلى مدتهم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن عباد ابن جعفر في قوله ) إلا الذين عاهدتم ( قال هم بنو جذيمة بن عامر من بني بكر بن كنانة وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( قال كان بقى لبني مذحج وخزاعة عهد فهو الذى قال الله ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) إلا الذين عاهدتم من المشركين ( قال هؤلاء بنو ضمرة وبنو مدلج من بنى كنانة كانوا حلفاء للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة العسيرة من بطن ينبع ) ثم لم ينقصوكم شيئا ( ثم لم ينقصوا عهدكم بغدر ) ولم يظاهروا عليكم أحدا ( قال لم يظاهروا عدوكم عليكم ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( يقول أجلهم الذى شرطتم لهم ) إن الله يحب المتقين ( يقول الذين يتقون الله فيما حرم عليهم فيوفون بالعهد قال فلم يعاهد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد هؤلاء الآيات أحدا
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) فإذا انسلخ الأشهر الحرم ( قال هى الأربعة عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من ربيع الآخر قلت مراد السدي أن هذه الأشهر تسمى حرما لكون تأمين المعاهدين فيها يستلزم تحريم القتال لا أنها الأشهر الحرم المعروفة وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال هى عشر من ذي القعدة وذو الحجة والمحرم سبعون ليلة وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال هى الأربعة الأشهر التى قال ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ( وأخرج ابن المنذر عن قتادة نحو قول السدي السابق وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله ) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( ثم نسخ واستثنى فقال ) فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ( وقال ) وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وإن أحد من المشركين استجارك فأجره ( يقول من جاءك واستمع ما تقول واستمع ما أنزل إليك فهو آمن حين يأتيك فيسمع كلام الله حتى يبلغ مأمنه من حيث جاء وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) ثم أبلغه مأمنه ( قال إن لم يوافقه ما يقص عليه ويخبر به فأبلغه مأمنه وهذا ليس بمنسوخ وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله ) حتى يسمع كلام الله ( أي كتاب الله وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن أبي عروبة قال كان الرجل يجيء إذا سمع كتاب الله وأقر به وأسلم فذاك الذى دعى إليه وإن أنكر ولم يقر به رد مأمنه ثم نسخ ذلك فقال ) وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة (


"""""" صفحة رقم 339 """"""
سورة براءة الآية ( 7 11 )
التوبة : ( 7 ) كيف يكون للمشركين . . . . .
قوله ) كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ( الاستفهام هنا للتعجب المتضمن للإنكار وعهد اسم يكون وفي خبره ثلاثة أوجه الأول أنه كيف وقدم للاستفهام والثاني للمشركين وعند على هذين ظرف للعهد أو ليكون أو صفة للعهد والثالث أن الخبر عند الله وفي الآية إضمار والمعنى كيف يكون للمشركين عهد عند الله يأمنون به من عذابه وقيل معنى الآية محال أن يثبت لهؤلاء عهد وهم أضداد لكم مضمرون للغدر فلا يطمعوا في ذلك ولا يحدثوا به أنفسهم ثم استدرك فقال ) إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ( أي لكن الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ولم ينقضوا ولم ينكثوا فلا تقاتلوهم فما داموا مستقيمين لكم على العهد الذى بينكم وبينهم ) فاستقيموا لهم ( قيل هم بنو بكر وقيل بنو كنانة وبنو ضمرة وفي ) ما ( وجهان أحدهما أنها مصدرية زمانية والثاني أنه شرطية وفي قوله ) إن الله يحب المتقين ( إشارة إلى أن الوفاء بالعهد والاستقامة عليه من أعمال المتقين فيكون تعليلا للأمر بالاستقامة
التوبة : ( 8 ) كيف وإن يظهروا . . . . .
قوله ) كيف وإن يظهروا عليكم ( أعاد الاستفهام التعجيبي للتأكيد والتقرير والتقدير كيف يكون لهم عهد عند الله وعند رسوله والحال أنهم إن يظهروا عليكم بالغلبة لكم ) لا يرقبوا ( أي لا يراعوا فيكم ) إلا ( أي عهدا ) ولا ذمة ( قال في الصحاح الإل العهد والقرابة ومنه قول حسان لعمرك أن إلك من قريش
كإل السقب من رئل النعام
قال الزجاج الإل عندي على ما توجبه اللغة يدور على معنى الحدة ومنه الإلة للحربة ومنه أذن مؤللة أي محددة ومنه قوله طرفة بن العبد يصف أذني ناقته بالحدة والانتصاب مؤللتان يعرف العنق منهما
كسامعتي شاة بحومل مفرد
قال أبو عبيدة الإل العهد والذمة والنديم وقال الأزهري هو اسم لله بالعبرانية وأصله من الأليل وهو البريق يقال أل لونه يول إلا أي صفا ولمع والذمة العهد وجمعها ذمم فمن فسر الإل بالعهد كان التكرير للتأكيد مع اختلاف اللفظين وقال أبو عبيدة الذمة التذمم وقال أبو عبيدة الذمة الأمان كما في قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ويسعى بذمتهم أدناهم وروى عن أبي عبيدة أيضا أن الذمة ما يتذمم به أي ما يجتنب فيه الذم قوله ) يرضونكم بأفواههم ( أي يقولون بألسنتهم ما فيه مجاملة ومحاسنة لكم طلبا لمرضاتهم وتطييب قلوبكم


"""""" صفحة رقم 340 """"""
وقلوبهم تأبى ذلك وتخالفه وتود ما فيه مساءتكم ومضرتكم كما يفعله أهل النفاق وذوو الوجهين ثم حكم عليهم بالفسق وهو التمرد والتجري والخروج عن الحق لنقضهم العهود وعدم مراعاتهم للعقود
التوبة : ( 9 ) اشتروا بآيات الله . . . . .
ثم وصفهم بقوله ) اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ( أي استبدلوا بآيات القرآن التى من جملتها ما فيه الأمر بالوفاء بالعهود ثمنا قليلا حقيرا وهو ما آثروه من حطام الدنيا ) فصدوا عن سبيله ( أي فعدلوا وأعرضوا عن سبيل الحق أو صرفوا غيرهم عنه
التوبة : ( 10 ) لا يرقبون في . . . . .
قوله ) لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ( قال النحاس ليس هذا تكريرا ولكن الأول لجميع المشركين والثاني لليهود خاصة والدليل على هذا ) اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ( يعني اليهود وقيل هذا فيه مراعاة حقوق المؤمنين على الإطلاق وفي الأول المراعاة لحقوق طائفة من المؤمنين خاصة ) وأولئك هم المعتدون ( أي المجاوزون للحلال إلى الحرام بنقض العهد أو البالغون في الشر والتمرد إلى الغاية القصوى
التوبة : ( 11 ) فإن تابوا وأقاموا . . . . .
) فإن تابوا ( عن الشرك والتزموا أحكام الإسلام ) فإخوانكم ( أي فهم إخوانكم ) في الدين ( أي في دين الإسلام ) ونفصل الآيات ( أي نبينها ونوضحها ) لقوم يعلمون ( بما فيها من الأحكام ويفهمونه وخص أهل العلم لأنهم المنتفعون بها والمراد بالآيات ما مر من الآيات المتعلقة بأحوال المشركين على اختلاف أنواعهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ( قال قريش وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عاهد أناسا من بني ضمرة بني بكر وكنانة خاصة عاهدهم عند المسجد الحرام وجعل مدتهم أربعة أشهر وهم الذين ذكر الله ) إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ( يقول ما وفو لكم بالعهد ففوا لهم وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال هم بنو جذيمة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ( قال هو يوم الحديبية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إلا ولا ذمة ( قال الإل القرابة والذمة العهد وأخرج الفريابي وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال الإل الله عز وجل وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة مثله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ( قال أبو سفيان بن حرب أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) فإن تابوا ( الآية يقول إن تركوا اللات والعزى وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإخوانكم في الدين وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال حرمت هذه الآية قتال أو دماء أهل الصلاة
سورة براءة الآية ( 12 14 )


"""""" صفحة رقم 341 """"""
سورة براءة الآية ( 15 16 )
التوبة : ( 12 ) وإن نكثوا أيمانهم . . . . .
قوله ) وإن نكثوا ( معطوف على ) فإن تابوا ( والنكث النقض وأصله نقض الخيط بعد إبرامه ثم استعمل في كل نقض ومنه نقض الأيمان والعهود على طريق الاستعارة ومعنى ) من بعد عهدهم ( أي من بعد أن عاهدوكم والمعنى أن الكفار إن نكثوا العهود التى عاهدوا بها المسلمين ووثقوا لهم بها وضموا إلى ذلك الطعن في دين الإسلام والقدح فيه فقد وجب على المسلمين قتالهم وأئمة الكفر جمع إمام والمراد صناديد المشركين
وأهل الرئاسة فيهم على العموم وقرأ حمزة أإمة وأكثر النحويين يذهب إلى أن هذا لحن لأن فيه الجمع بين همزتين في كلمة واحدة وقرأ الجمهور بجعل الهمزة الثانية بين بين أي بين مخرج الهمزة والياء وقريء بإخلاص الياء وهو لحن كما قال الزمخشري قوله ) إنهم لا أيمان لهم ( هذه الجملة تعليل لما قبلها والأيمان جمع يمين في قراءة الجمهور وقرأ ابن عامر ) لا أيمان لهم ( بكسر الهمزة والمعنى على قراءة الجمهور أن أيمان الكافرين وإن كانت في الصورة يمينا فهي في الحقيقة ليست بيمين وعلى القراءة الثانية أن هؤلاء الناكثين للأيمان الطاعنين في الدين ليسوا من أهل الإيمان بالله حتى يستحقوا العصمة لدمائهم وأموالهم فقتالهم واجب على المسلمين قوله ) لعلهم ينتهون ( أي عن كفرهم ونكثهم وطعنهم في دين الإسلام والمعنى أن قتالهم يكون إلى الغاية هى الانتهاء عن ذلك
وقد استدل بهذه الآية على أن الذمي إذا طعن في الدين لا يقتل حتى ينكث العهد كما قال أبو حنيفة لأن الله إنما أمر بقتلهم بشرطين أحدهما نقض العهد والثاني الطعن في الدين وذهب مالك والشافعي وغيرهما إلى أنه إذا طعن في الدين قتل لأنه ينتقض عهده بذلك قالوا وكذلك إذا حصل من الذمي مجرد النكث فقط من دون طعن في الدين فإنه يقتل
التوبة : ( 13 ) ألا تقاتلون قوما . . . . .
قوله ) ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ( الهمزة الداخلة على حرف النفي للاستفهام التوبيخي مع ما يستفاد منها من التخضيض على القتال والمبالغة في تحققه والمعنى أن من كان حاله كحال هؤلاء من نقض العهد وإخراج الرسول من مكة والبداءة بالقتال فهو حقيق بأن لا يترك قتاله وأن يوبخ من فرط في ذلك ثم زاد في التوبيخ فقال ) أتخشونهم ( فإن هذا الاستفهام للتوبيخ والتقريع أي تخشون أن ينالكم منهم مكروه فتتركون قتالهم لهذه الخشية ثم بين ما يجب أن يكون الأمر عليه فقال ) فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ( أي هو أحق بالخشية منكم فإنه الضار النافع بالحقيقة ومن خشيتكم له أن تقاتلوا من أمركم بقتاله فإن قضية الإيمان توجب ذلك عليكم
التوبة : ( 14 ) قاتلوهم يعذبهم الله . . . . .
ثم زاد في تأكيد الأمر بالقتال فقال ) قاتلوهم ( ورتب على هذا الأمر فوائد الأولى تعذيب الله للكفار بأيدي المؤمنين بالقتل والأسر والثانية إخزاؤهم قيل بالأسر وقيل بما نزل بهم من الذل والهوان والثانية نصر المسلمين عليهم وغلبتهم لهم والرابعة أن الله يشفى بالقتال صدور قوم مؤمنين ممن لم يشهد القتال ولا حضره
التوبة : ( 15 ) ويذهب غيظ قلوبهم . . . . .
والخامسة أنه سبحانه يذهب بالقتال غيظ قلوب المؤمنين الذى نالهم بسبب ما وقع من الكفار من الأمور الجالبة للغيظ وحرج الصدر فإن قيل شفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب كلاهما بمعنى فيكون


"""""" صفحة رقم 342 """"""
تكرارا قيل في الجواب إن القلب أخص من الصدر وقيل إن شفاء الصدور إشارة إلى الوعد بالفتح ولا ريب أن الانتظار لنجاز الوعد مع الثقة به فيهما شفاء للصدر وأن إذهاب غيظ القلوب إشارة إلى وقوع الفتح وقد وقعت للمؤمنين ولله الحمد هذه الأمور كلها ثم قال ) ويتوب الله على من يشاء ( وهو ابتداء كلام يتضمن الإخبار بما سيكون وهو أن بعض الكافرين يتوب عن كفره كما وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح فإنهم أسلموا وحسن إسلامهم وهذا على قراءة الرفع في يتوب وهى قراءة الجمهور وقريء بنصب يتوب بإضمار أن ودخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى قرأ بذلك ابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي والأعرج
فإن قيل كيف تقع التوبة جزاء للمقاتلة وأجيب بأن القتال قد يكون سببا لها إذا كانت من جهة الكفار وأما إذا كانت من جهة المسلمين فوجهه أن النصر والظفر من جهة الله يكون سببا لخلوص النية والتوبة عن الذنوب
التوبة : ( 16 ) أم حسبتم أن . . . . .
قوله ) أم حسبتم أن تتركوا ( أم هذه هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة والاستفهام للتوبيخ وحرف الإضراب للدلالة على الانتقال من كلام إلى آخر والمعنى كيف يقع الحسبان منكم بأن تتركوا على ما أنتم عليه وقوله ) أن تتركوا ( في موضع مفعولي الحسبان عند سيبويه وقال المبرد إنه حذف الثاني والتقدير أم حسبتم أن تتركوا من غير أن تبتلوا بما يظهر به المؤمن والمنافق الظهور الذى يستحق به الثواب والعقاب وجملة ) ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ( في محل نصب على الحال والمراد من نفي العلم نفي المعلوم والمعنى كيف تحسبون أنكم تتركون ولما يتبين المخلص منكم في جهاده من غير المخلص وجملة ) ولم يتخذوا ( معطوفة على جاهدوا داخلة
معه في حكم النفي واقعة في حيز الصلة والوليجة من الولوج وهو الدخول ولج يلج ولوجا إذا دخل
فالوليجة الدخيلة قال أبو عبيدة كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة قال أبان بن ثعلب فبئس الوليجة للهاربين
والمعتدين وأهل الريب
وقال الفراء الوليجة البطانة من المشركين والمعنى واحد أي كيف تتخذون دخيلة أو بطانة من المشركين تفشون إليهم بأسراركم وتعلمونهم أموركم من دون الله ) والله خبير بما تعملون ( أي بجميع أعمالكم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) وإن نكثوا أيمانهم ( قال عهدهم وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال يقول الله لنبيه وإن نكثوا العهد الذى بينك وبينهم فقاتلهم إنهم أئمة الكفر وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله أئمة الكفر قال أبو سفيان بن حرب وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وسهيل بن عمرو وهم الذين نكثوا عهد الله وهموا بإخراج الرسول من مكة وأخرج ابن عساكر عن مالك بن أنس مثله وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) فقاتلوا أئمة الكفر ( قال رءوس قريش وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر قال أبو سفيان بن حرب منهم وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أنهم الديلم وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة أنهم ذكروا عنده هذه الآية فقال ما قوتل أهل هذه الآية بعد
وأخرج ابن مردويه عن علي نحوه وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن مردويه عن حذيفة قال ما بقي من أهل هذه الآية إلا ثلاثة ولا من المنافقين إلا أربعة فقال أعرابي إنكم أصحاب محمد تخبروننا لا ندري فما بال هؤلاء الذين ينقرون بيوتنا ويسترقون أعلاقنا قال أولئك الفساق أجل لم يبق منهم إلا أربعة أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده والأولى أن الآية عامة في كل رؤساء الكفار من غير تقييد بزمن معين أو بطائفة معينة اعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ومما يفيد ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير بن


"""""" صفحة رقم 343 """"""
نفير أنه كان في عهد أبي بكر الصديق إلى الناس حين وجههم إلى الشام قال إنكم ستجدون قوما مجوفة رءوسهم
فاضربوا مقاعد الشيطان منهم بالسيوف فوالله لأن أقتل رجلا منهم أحب إلي من أن أقتل سبعين من غيرهم وذلك بأن الله يقول ) فقاتلوا أئمة الكفر ( وأخرج أبو الشيخ عن حذيفة لا أيمان لهم قال لا عهود لهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمار مثله وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ( قال قتال قريش حلفاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهمهم بإخراج الرسول زعموا أن ذلك عام عمرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في العام التابع للحديبية نكثت قريش العهد عهد الحديبية وجعلوا في أنفسهم إذا دخلوا مكة أن يخرجوا منها فذلك همهم بإخراجه فلم تتابعهم خزاعة على ذلك فلما خرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من مكة قالت قريش لخزاعة عميتمونا عن إخراجه فقاتلوهم فقتلوا منهم رجالا
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال نزلت في خزاعة ) قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم ( الآية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي نحوه وأخرج أبو الشيخ عن قتادة نحوه أيضا وقد ساق القصة ابن إسحاق في سيرته وأورد فيها النظم الذى أرسلته خزاعة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأوله يارب إني ناشد محمدا
حلف أبينا وأبيه الأتلدا
وأخرج القصة البيهقي في الدلائل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال الوليجة البطانة من غير دينهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال وليجة أي خيانة
سورة براءة الآية ( 17 22 )
التوبة : ( 17 ) ما كان للمشركين . . . . .
قرأ الجمهور ) يعمروا ( بفتح حرف المضارعة وضم الميم من عمر يعمر وقرأ ابن السميفع بضم حرف المضارعة من أعمر يعمر أي يجعلون لها من يعمرها وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن وسهم ويعقوب ? مسجد الله ? بالإفراد وقرأ الباقون مساجد بالجمع واختارها


"""""" صفحة رقم 344 """"""
أبو عبيدة قال النحاس لأنها أعم والخاص يدخل تحت العام وقد يحتمل أن يراد بالجمع المسجد الحرام خاصة وهذا جائز فيما كان من أسماء الأجناس كما يقال فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسا قال وقد أجمعوا على الجمع في قوله ) إنما يعمر مساجد الله ( وروى عن الحسن البصري أنه تعالى إنما قال ) مساجد ( والمراد المسجد الحرام لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها فعامره كعامر جميع المساجد قال الفراء العرب قد تضع الواحد مكان الجمع كقولهم فلان كثير الدرهم وبالعكس كقولهم فلان يجالس الملوك ولعله لم يجالس إلا ملكا واحدا والمراد بالعمارة إما المعنى الحقيقي أو المعنى المجازي وهو ملازمته والتعبد فيه وكلاهما ليس للمشركين أما الأول فلأنه يستلزم المنة على المسلمين بعمارة مساجدهم وأما الثاني فلكون الكفار لا عبادة لهم مع نهيهم عن قربان المسجد الحرام ومعنى ) ما كان للمشركين ( ما صح لهم وما استقام أن يفعلوا ذلك و ) شاهدين على أنفسهم بالكفر ( حال أي ما كان لهم ذلك حال كونهم شاهدين على أنفسهم بالكفر بإظهار ما هو كفر من نصب الأوثان والعبادة لها وجعلها آلهة فإن هذا شهادة منهم على أنفسهم بالكفر وإن أبوا ذلك بألسنتهم فيكف يجمعون بين أمرين متنافيين عمارة المساجد التى هى من شأن المؤمنين والشهادة على أنفسهم بالكفر التى ليست من شأن من يتقرب إلى الله بعمارة مساجده وقيل المراد بهذه الشهادة قولهم في طوافهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك وقيل شهادتهم على أنفسهم بالكفر إن اليهودي يقول هو يهودي والنصراني يقول هو نصراني والصابيء يقول هو صابيء والمشرك يقول هو مشرك ) أولئك حبطت أعمالهم ( التى يفتخرون بها ويظنون أنها من أعمال الخير أي بطلت ولم يبق لها أثر ) وفي النار هم خالدون ( وفي هذه الجملة الاسمية مع تقديم الظرف المتعلق بالخبر تأكيد لمضمونها
التوبة : ( 18 ) إنما يعمر مساجد . . . . .
ثم بين سبحانه من هو حقيق بعمارة المساجد فقال ) إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ( وفعل ما هو من لوازم الإيمان من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ) ولم يخش ( أحدا ) إلا الله ( فمن كان جامعا بين هذه الأوصاف فهو الحقيق بعمارة المساجد لا من كان خاليا منها أو من بعضها واقتصر على ذكر الصلاة والزكاة والخشية تنبيها بما هو من أعظم أمور الدين على ما عداه مما افترضه الله على عباده لأن كل ذلك من لوازم الإيمان وقد تقدم الكلام في وجه جمع المساجد وفي بيان ماهية العمارة ومن جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز حمل العمارة هنا عليهما وفي قوله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين حسم لأطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم فإن الموصوفين بتلك الصفات إذا كان اهتداؤهم مرجوا فقط فكيف بالكفار الذين لم يتصفوا بشيء من تلك الصفات وقيل عسى من الله واجبة وقيل هى بمعنى خليق أي فخليق أن يكونوا من المهتدين وقيل إن الرجاء راجع إلى العباد
التوبة : ( 19 ) أجعلتم سقاية الحاج . . . . .
والاستفهام في ) أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ( للإنكار والسقاية والعمارة مصدران كالسعاية والحماية وفي الكلام حذف والتقدير أجعلتم أصحاب سقاية الحاج وعمارة المسجد أو أهلهما ) كمن آمن ( حتى يتفق الموضوع والمحمول أو يكون التقدير في الخبر أي جعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كعمل من آمن أو كإيمان من آمن وقرأ ابن أبي وجرة السعدي وابن الزبير وسعيد بن جبير أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام جمع ساق وعامر وعلى هذه القراءة لا يحتاج إلى تقدير محذوف والمعنى أن الله أنكر عليهم التسوية بين ما كان تعمله الجاهلية من الأعمال التى صورتها صورة الخير وإن لم ينتفعوا بها وبين إيمان المؤمنين وجهادهم في سبيل الله وقد كان المشركون يفتخرون بالسقاية والعمارة ويفضلونهما على عمل المسلمين فأنكر الله عليهم ذلك ثم صرح سبحانه بالمفاضلة بين الفريقين وتفاوتهم وعدم استوائهم فقال ) لا يستوون عند الله ( أي لا تساوى تلك الطائفة الكافرة الساقية للحجيج العامرة للمسجد الحرام هذه الطائفة المؤمنة بالله واليوم الآخر المجاهدة في سبيله ودل سبحانه بنفي الاستواء على نفي الفضيلة التى يدعيها المشركون أي


"""""" صفحة رقم 345 """"""
إذا لم تبلغ أعمال الكفار إلى أن تكون مساوية لأعمال المسلمين فكيف تكون فاضلة عليها كما يزعمون ثم حكم عليهم بالظلم وأنهم مع ظلمهم بما هم فيه من الشرك لا يستحقون الهداية من الله سبحانه وفي هذا إشارة إلى الفريق المفضول
التوبة : ( 20 ) الذين آمنوا وهاجروا . . . . .
ثم صرح بالفريق الفاضل فقال ) الذين آمنوا ( إلى آخره أي الجامعون بين الإيمان والهجرة والجهاد بالأموال والأنفس ) أعظم درجة عند الله ( وأحق بما لديه من الخير من تلك الطائفة المشركة المفتخرة بأعمالها المحيطة الباطلة وفي قوله ) عند الله ( تشريف عظيم للمؤمنين والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المتصفين بالصفات المذكورة ) هم الفائزون ( أي المختصون بالفوز عند الله
التوبة : ( 21 ) يبشرهم ربهم برحمة . . . . .
ثم فسر الفوز بقوله ) يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ( والتنكير في الرحمة والرضوان والجنات للتعظيم والمعنى أنها فوق وصف الواصفين وتصور المتصورين
والنعيم المقيم الدائم المستمر الذى لا يفارق صاحبه
التوبة : ( 22 ) خالدين فيها أبدا . . . . .
وذكر الأبد بعد الخلود تأكيد له وجملة ) إن الله عنده أجر عظيم ( مؤكدة لما قبلها مع تضمنها للتعليل أي أعطاهم الله سبحانه هذه الأجور العظيمة لكون الأجر الذى عنده عظيم يهب منه ما يشاء لمن يشاء وهو ذو الفضل العظيم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ( وقال ) إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ( فنفى المشركين من المسجد ) من آمن بالله ( يقول من وحد الله وآمن بما أنزل الله ) وأقام الصلاة ( يعني الصلوات الخمس ) ولم يخش إلا الله ( يقول لم يعبد إلا الله ) فعسى أولئك ( يقول أولئك هم المهتدون كقوله لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( يقول إن ربك سيبعثك مقاما محمودا وهى الشفاعة وكل عسى في القرآن فهي واجبة
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمي والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن المنذر والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان قال الله تعالى ) إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ( وقد وردت أحاديث كثيرة في استحباب ملازمة المساجد وعمارتها والتردد إليها للطاعات وأخرج مسلم وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في نفر من أصحابه فقال رجل منه ما أبالي أن لا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقى الحاج وقال آخر بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر بل جهاد في سبيل الله خير ما قلتم فزجرهم عمر وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأستفتيه فيما اختلفتم فيه فأنزل الله ) أجعلتم سقاية الحاج ( إلى قوله ) لا يهدي القوم الظالمين ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) أجعلتم سقاية الحاج ( الآية وذلك أن المشركين قالوا عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد فكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره فذكر الله سبحانه استكبارهم وإعراضهم فقال لأهل الحرم من المشركين ) قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون ( ) مستكبرين به سامرا تهجرون ( يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم وقال به سامرا كانوا به يسمرون ويهجرون بالقرآن والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فخير الإيمان بالله والجهاد مع نبي الله على عمران المشركين البيت وقيامهم على السعاية ولم يكن لينفعهم عند الله مع الشرك به وإن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه قال الله ) لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ( يعني الذين زعموا أنهم أهل العمارة فسماهم ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئا وفي إسناده العوفي وهو ضعيف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن


"""""" صفحة رقم 346 """"""
أبي حاتم عن ابن عباس قال قال العباس حين أسر يوم بدر إن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقى الحاج ونفك العاني فأنزل الله ) أجعلتم سقاية الحاج ( الآية يعني أن ذلك كان في الشرك فلا أقبل ما كان في الشرك وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في الآية قال نزلت في علي بن أبي طالب والعباس وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي قال تفاخر علي والعباس وشيبة في السقاية والحجابة فأنزل الله ) أجعلتم سقاية الحاج ( الآية وقد روى معنى هذا من طرق
سورة براءة الآية ( 23 24
التوبة : ( 23 ) يا أيها الذين . . . . .
الخطاب للمؤمنين كافة وهو حكم باق إلى يوم القيامة يدل على قطع الولاية بين المؤمنين والكافرين
وقالت طائفة من أهل العلم إنها نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفر فيكون الخطاب لمن كان من المؤمنين بمكة وغيرها من بلاد العرب نهوا بأن يوالوا الآباء والإخوة فيكونون له تبعا في سكنى البلاد الكفر إن استحبوا أي أحبوا كما يقال استجاب بمعنى أجاب وهو في الأصل طلب المحبة وقد تقدم تحقيق المقام في سورة المائدة في قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ( ثم حكم على من يتولى من استحب الكفر على الإيمان من الآباء والإخوان بالظلم فدل ذلك على أن تولى من كان كذلك من أعظم الذنوب وأشدها
التوبة : ( 24 ) قل إن كان . . . . .
ثم أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يقول لهم ) إن كان آباؤكم ( إلى آخره والعشيرة الجماعة التى ترجع إلى عقد واحد وعشيرة الرجل قرابته الأدنون وهم الذين يعاشرونه وهى اسم جمع وقرأ أبو بكر وحماد ? عشيراتكم ? بالجمع قال الأخفش لا تكاد العرب تجمع عشيرة على عشيرات وإنما يجمعونها على عشائر وقرأ الحسن ? عشائركم ? وقرأ الباقون ? عشيرتكم ? والاقتراف الاكتساب وأصله اقتطاع الشيء من مكانه والتركيب يدور على الدنو والكاسب يدنى الشيء من نفسه ويدخله تحت ملكه والتجارة الأمتعة التى يشترونها ليربحوا فيها والكساد عدم النفاق لفوات وقت بيعها بالهجرة ومفارقة الأوطان ومن غرائب التفسير ما روى عن ابن المبارك أنه قال إن المراد بالتجارة في هذه الآية البنات والأخوات إذا كسدن في البيت لا يجدن لهن خاطبا واستشهد لذلك بقول الشاعر كسدن من الفقر في قومهن
وقد زادهن مقامي كسادا
وهذا البيت وإن كان فيه إطلاق الكساد على عدم وجود الخطاب لهن فليس فيه جواز إطلاق اسم التجارة عليهن والمراد بالمساكن التى يرضونها المنازل التى تعجبهم وتميل إليها أنفسهم ويرون الإقامة فيها أحب إليهم من


"""""" صفحة رقم 347 """"""
المهاجرة إلى الله ورسوله وأحب خبر كان أي كانت هذه الأشياء المذكورة في الآية أحب إليكم من الله ورسوله ومن الجهاد في سبيل الله ) فتربصوا ( أي انتظروا ) حتى يأتي الله بأمره ( فيكم وما تقتضيه مشيئته من عقوبتكم وقيل المراد بأمر الله سبحانه القتال وقيل فتح مكة وفيه بعد فقد روى أن هذه السورة نزلت بعد الفتح وفي هذا وعيد شديد ويؤكده إبهام الأمر وعدم التصريح به لتذهب أنفسهم كل مذهب وتتردد بين أنواع العقوبات ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( أي الخارجين عن طاعته النافرين عن امتثال أوامره ونواهيه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال أمروا بالهجرة فقال العباس ابن عبد المطلب أنا أسقى الحاج وقال طلحة أخو بني عبد الدار أنا أحجب الكعبة فلا نهاجر فأنزلت ) لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في هذه الآية قال هى الهجرة وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) اقترفتموها ( قال أصبتموها وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) حتى يأتي الله بأمره ( قال بالفتح في أمره بالهجرة هذا كله قبل فتح مكة وأخرج البيهقي من حديث عبد الله بن شوذب قال جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت له الآلهة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر الجراح قصده ابنه أبو عبيدة فقتله فأنزل الله ) لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر ( وهى تؤكد معنى هذه الآية وقد تقدم بيان حكم الهجرة في سورة النساء
سورة براءة الآية ( 25 27 )
التوبة : ( 25 ) لقد نصركم الله . . . . .
المواطن جمع موطن ومواطن الحرب مقاماتها والمواطن التى نصر الله المسلمين فيها هى يوم بدر وما بعد من المواطن التى نصر الله المسلمين على الكفار فيها قبل يوم حنين ) ويوم حنين ( معطوف على مواطن بتقدير مضاف إما في الأول وتقديره في أيام مواطن أو في الثاني وتقديره ومواطن يوم حنين لئلا يعطف الزمان على المكان ورد بأنه لا استبعاد في عطف الزمان على المكان فلا يحتاج إلى تقدير وقيل إن يوم حنين منصوب بفعل مقدر معطوف على ) نصركم ( أي ونصركم يوم حنين ورجح هذا صاحب الكشاف قال وموجب ذلك أن قوله ) إذ أعجبتكم ( بدل من يوم حنين فلو جعلت ناصبة هذا الظاهر لم يصح لأن كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن ولم يكونوا كثيرا في جميعها ورد بأن العطف لا يجب فيه تشارك المتعاطفين في جميع ما ثبت للمعطوف كما تقول جاءني زيد وعمرو مع قومه أو في ثيابه أو على فرسه وقيل إن ) إذ أعجبتكم كثرتكم ( ليس ببدل من يوم حنين بل منصوب بفعل مقدر أي اذكروا إذ أعجبتكم كثرتكم وحنين واد بين مكة والطائف وانصرف على أنه اسم للمكان ومن العرب من يمنعه على أنه اسم للبقعة ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 348 """"""
نصروا نبيهم وشدوا أزره
بحنين يوم تواكل الأبطال
وإنما أعجب من أعجب من المسلمين بكثرتهم لأنهم كانوا اثنى عشر ألفا وقيل أحد عشر ألفا وقيل ستة عشر ألفا فقال بعضهم لن نغلب اليوم من قلة فوكلوا إلى هذه الكلمة فلم تغن الكثرة شيئا عنهم بل انهزموا وثبت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وثبت معه طائفة يسيرة منهم عمه العباس وأبو سفيان بن الحارث ثم تراجع المسلمون فكان النصر والظفر والإغناء إعطاء ما يدفع الحاجة أي لم تعطكم الكثرة شيئا يدفع حاجتكم ولم تفدكم قوله ) بما رحبت ( الرحب بضم الراء السعة والرحب بفتح الراء المكان الواسع والباء بمعنى مع وما مصدرية ومحل الجار والمجرور النصب على الحال والمعنى أن الأرض مع كونها واسعة الأطراف ضاقت عليهم بسبب ما حل بهم من الخوف والوجل وقيل إن الباء بمعنى على أي على رحبها ) ثم وليتم مدبرين ( أي انهزمتم حال كونكم مدبرين أي مولين أدباركم جاعلين لها إلى جهة عدوكم
التوبة : ( 26 ) ثم أنزل الله . . . . .
قوله ) ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ( أي أنزل ما يسكنهم فيذهب خوفهم حتى وقع منهم الاجتراء على قتال المشركين بعد أن ولوا مدبرين
والمراد بالمؤمنين هم الذين لم ينهزموا وقيل الذين انهزموا والظاهر جميع من حضر منهم لأنهم ثبتوا بعد ذلك وقاتلوا وانتصروا قوله ) وأنزل جنودا لم تروها ( هم الملائكة
وقد اختلف في عددهم على أقوال قيل خمسة آلاف وقيل ثمانية آلاف وقيل ستة عشر ألفا وقيل غير ذلك وهذا لا يعرف إلا من طريق النبوة واختلفوا أيضا هل قاتلت الملائكة في هذا اليوم أم لا وقد تقدم أن الملائكة لم تقاتل إلا يوم بدر وأنهم إنما حضروا في غير يوم بدر لتقوية قلوب المؤمنين وإدخال الرعب في قلوب المشركين ) وعذب الذين كفروا ( بما وقع عليهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبى الذرية والإشارة بقوله ) وذلك ( إلى التعذيب المفهوم من عذب وسمى ما حل بهم من العذاب في هذا اليوم جزاء مع أنه غير كاف بل لا بد من عذاب الآخرة مبالغة في وصف ما وقع عليهم وتعظيما له
التوبة : ( 27 ) ثم يتوب الله . . . . .
) ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ( أي من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام ) والله غفور ( يغفر لمن أذنب فتاب ) رحيم ( بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال حنين ما بين مكة والطائف قاتل نبي الله هوازن وثقيف وعلى هوازن مالك بن عوف وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال لما اجتمع أهل مكة وأهل المدينة قالوا الآن نقاتل حين اجتمعنا فكره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم فالتقوا فهزموا حتى ما يقوم أحد منهم على أحد حتى جعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ينادي أحياء العرب إلي إلي فوالله ما يعرج عليه أحد حتى أعرى موضعه فالتفت إلى الأنصار وهم ناحية فناداهم يا أنصار الله وأنصار رسوله إلي عباد الله أنا رسول الله فجثوا يبكون وقالوا يا رسول الله ورب الكعبة إليك والله فنكسوا رءوسهم يبكون وقدموا أسيافهم يضربون بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى فتح الله عليهم وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع أن رجلا قال يوم حنين لن نغلب من قلة فشق ذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ( قال الربيع وكانوا اثنى عشر ألفا منهم ألفان من أهل مكة وأخرج الطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال كنت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم حنين فولى عنه الناس وبقيت


"""""" صفحة رقم 349 """"""
معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار فكنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على بغلته البيضاء يمضي قدما فقال ناولني كفا من تراب فناولته فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا وولى المشركون أدبارهم ووقعة حنين مذكورة في كتب السير والحديث بطولها وتفاصيلها فلان نطول بذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وأنزل جنودا لم تروها ( قال هم الملائكة ) وعذب الذين كفروا ( قال قتلهم السيف وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير قال عن يوم حنين أمد الله رسوله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ويومئذ سمى الله الأنصار مؤمنين قال فأنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في جبير بن مطعم قال رأيت يقبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل النجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي لم أشك أنها الملائكة ولم تكن إلا هزيمة القوم
سورة براءة الآية ( 28 29 )
التوبة : ( 28 ) يا أيها الذين . . . . .
النجس مصدر لا يثنى ولا يجمع يقال رجل نجس وامرأة نجس ورجلان نجس وامرأتان نجس ورجال نجس ونساء نجس ويقال نجس ونجس بكسر الجيم وضمها ويقال نجس بكسر النون وسكون الجيم وهو تخفيف من المحرك قيل لا تستعمل إلا إذا قيل معه رجس وقيل ذلك أكثري لا كلي والمشركون مبتدأ وخبره المصدر مبالغة في وصفهم بذلك حتى كأنهم عين النجاسة أو على تقدير مضاف أي ذوو نجس لأن معهم الشرك وهو بمنزلة النجس وقال قتادة ومعمر وغيرهما إنهم وصفوا بذلك لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يتجنبون النجاسات
وقد استدل بالآية من قال بأن المشرك نجس الذات كما ذهب إليه بعض الظاهرية والزيدية وروى عن الحسن البصري وهو محكى عن ابن عباس وذهب الجمهور من السلف والخلف ومنهم أهل المذاهب الأربعة إلى أن الكافر ليس بنجس الذات لأن الله سبحانه أحل طعامهم وثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في ذلك من فعله وقوله ما يفيد عدم نجاسة ذواتهم فأكل في آنيتهم وشرب منها وتوضأ فيها وأنزلهم في مسجده قوله ) فلا يقربوا المسجد الحرام ( الفاء للتفريع فعدم قربانهم للمسجد الحرام متفرع على نجاستهم والمراد بالمسجد الحرام جميع الحرم روى ذلك عن عطاء فيمنعون عنده من جميع الحرم وذهب غيره من أهل العلم إلى أن المراد المسجد الحرام نفسه فلا يمنع المشرك من دخول سائر الحرم
وقد اختلف أهل العلم في دخول المشرك غير المسجد الحرام من المساجد فذهب أهل المدينة إلى منع كل مشرك عن كل مسجد وقال الشافعي الآية عامة في سائر المشركين خاصة في المسجد الحرام فلا يمنعون من دخول غيره من المساجد قال ابن العربي وهذا جمود منه على الظاهر لأن قوله تعالى ) إنما المشركون نجس (


"""""" صفحة رقم 350 """"""
تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة ويجاب عنه بأن هذا القياس مردود بربطه ( صلى الله عليه وسلم ) لثمامة بن أثال في مسجده وإنزال وفد ثقيف فيه وروى عن أبي حنيفة مثل قول الشافعي وزاد أنه يجوز دخول الذمي سائر المساجد من غير حاجة وقيده الشافعي بالحاجة وقال قتادة إنه يجوز ذلك للذمي دون المشرك وروى عن أبي حنيفة أيضا أنه يجوز لهم دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد ونهى المشركين عن أن يقربوا المسجد الحرام هو نهى للمسلمين عن أن يمكنوهم من ذلك فهو من باب قولهم لا أرينك هاهنا قوله ) بعد عامهم هذا ( فيه قولان أحدهما أنه سنة تسع وهى التى حج فيها أبو بكر على الموسم الثاني أنه سنة عشر قاله قتادة قال ابن العربي وهو الصحيح الذى يعطيه مقتضى اللفظ ومن العجب أن يقال إنه سنة تسع وهو العام الذى وقع فيه الأذان ولو دخل غلام رجل داره يوما فقال له مولاه لا تدخل هذه الدار بعد يومك لم يكن المراد اليوم الذى دخل في انتهى ويجاب عنه بأن الذى يعطيه مقتضى اللفظ هو خلاف ما زعمه فإن الإشارة بقوله ) بعد عامهم هذا ( إلى العام المذكور قبل اسم الإشارة وهو عام النداء وهكذا في المثال الذى ذكره المراد النهي عن دخولها بعد يوم الدخول الذى وقع فيه الخطاب والأمر ظاهر لا يخفى ولعله أراد تفسير ما بعد المضاف إلى عامهم ولا شك أنه عام عشر وأما تفسير العام المشار إليه بهذا فلا شك ولا ريب أنه عام تسع وعلى هذا يحمل قول قتادة وقد استدل من قال بأنه يجوز للمشركين دخول المسجد الحرام وغيره من المساجد بهذا القيد أعني قوله ) بعد عامهم هذا ( قائلا إن النهي مختص بوقت الحج والعمرة فهم ممنوعون عن الحج والعمرة فقط لا عن مطلق الدخول ويجاب عنه بأن ظاهر النهي عن القربان بعد هذا العام يفيد المنع من القربان في كل وقت من الأوقات الكائنة بعده وتخصيص بعضها بالجواز يحتاج إلى مخصص قوله ) وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ( العيلة الفقر يقال عال الرجل يعيل إذا افتقر قال الشاعر وما يدري الفقير متى غناه
وما يدري الغني متى يعيل
وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود عايلة وهو مصدر كالقايلة والعافية والعاقبة وقيل معناه خصلة شاقة يقال عالني الأمر يعولني أي شق علي واشتد وحكى ابن جرير الطبري أنه يقال عال يعول إذا افتقر وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم وهم كانوا يجلبون إليه الأطعمة والتجارات قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر وقالوا من أين نعيش فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله قال الضحاك ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل الذمة بقوله ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ( الآية وقال عكرمة أغناهم بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض وأسلمت العرب فحملوا إلى مكة ما أغناهم الله به وقيل أغناهم بالفيء وفائدة التقييد بالمشيئة التعلم للعباد بأن يقولوا ذلك في كل ما يتكلمون به مما له تعلق بالزمن المستقبل ولئلا يفتروا عن الدعاء والتضرع ) إن الله عليم ( بأحوالكم ) حكيم ( في إعطائه ومنعه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن
التوبة : ( 29 ) قاتلوا الذين لا . . . . .
قوله ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ( الآية فيه الأمر بقتال من جمع بين هذه الأوصاف قال أبو الوفاء بن عقيل إن قوله ) قاتلوا ( أمر بالعقوبة ثم قال ) الذين لا يؤمنون بالله ( فبين الذنب الذى توجبه العقوبة ثم قال ) ولا باليوم الآخر ( فأكد الذنب في جانب الإعتقاد ثم قال ) ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ( فيه زيادة للذنب في مخالفة الأعمال ثم قال ) ولا يدينون دين الحق ( فيه إشارة إلى تأكيد المعصية بالانحراف والمعاندة والأنفة عن الاستسلام ثم قال ) من الذين أوتوا الكتاب ( تأكيد للحجة عليهم لأنهم كانوا يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل
ثم قال ) حتى يعطوا الجزية ( فبين الغاية التى تمتد إليها العقوبة انتهى قوله ) من الذين أوتوا الكتاب ( بيان


"""""" صفحة رقم 351 """"""
للموصول مع ما في حيزه وهم أهل التوراة والإنجيل قوله ) حتى يعطوا الجزية عن يد ( الجزية وزنها فعلة من جزى يجزى إذا كافأ عما أسدى إليه فكأنهم أعطوها جزاء عما منحوا من الأمن وقيل سميت جزية لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه أي يقضوه وهى في الشرع ما يعطيه المعاهد على عهده و ) عن يد ( في محل نصب على الحال والمعنى عن يد مواتية غير ممتنعة وقيل معناه يعطونها بأيديهم غير مستنيبين فيها أحدا وقيل معناه نقد غير نسيئة وقيل عن قهر وقيل معناه عن إنعام منكم عليهم لأن أخذها منهم نوع من أنواع الإنعام عليهم وقيل معناه مذمومون وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه والثوري وأبو ثور إلى أنها لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب وقال الأوزاعي ومالك إن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الكفرة كائنا من كان ويدخل في أهل الكتاب على القول الأول المجوس قال ابن المنذر لا أعلم خلافا في أن الجزية تؤخذ منهم
واختلف أهل العلم في مقدار الجزية فقال عطاء لا مقدار لها وإنما تؤخذ على ما صولحوا عليه وبه قال يحيى بن آدم وأبو عبيدة وابن جرير إلا أنه قال أقلها دينار وأكثرها لاحد له وقال الشافعي دينار على الغني والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شيء وبه قال أبو ثور قال الشافعي وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز وإذا زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم وقال مالك إنها أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق الغني والفقير سواء ولو كان مجوسيا لا يزيد ولا ينقص وقال أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل اثنا عشر وأربعة وعشرون وثمانية وأربعون والكلام في الجزية مقرر في مواطنه والحق من هذه الأقوال قد قررناه في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا قوله ) وهم صاغرون ( في محل نصب على الحال والصغار الذل والمعنى إن الذمي يعطى الجزية حال كونه صاغرا قيل وهو أن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب ويسلمها وهو قائم والمتسلم قاعد وبالجملة ينبغي للقابض للجزية أن يجعل المسلم لها حال قبضها صاغرا ذليلا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله في قوله ) إنما المشركون نجس ( الآية قال إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الذمة وقد روى مرفوعا من وجه آخر أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمكم قال ابن كثير تفرد به أحمد مرفوعا والموقوف أصح وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان المشركون يجيئون إلى البيت ويجيئون معهم بالطعام يتجرون به فلما نهوا عن أن يأتوا البيت قال المسلمون فمن أين لنا الطعام فأنزل الله ) وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ( قال فأنزل الله عليهم المطر وكثر خيرهم حين ذهب المشركون عنهم وأخرج ابن مردويه عنه قال فأغناهم الله من فضله وأمرهم بقتال أهل الكتاب وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) وإن خفتم عيلة ( قال الفاقة وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) فسوف يغنيكم الله من فضله ( قال بالجزية وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الضحاك مثله وأخرج نحوه عبد الرزاق عن قتادة وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله ) إنما المشركون نجس ( قال قذر وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا قال من صافحهم فليتوضأ وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من صافح مشركا فليتوضأ أو ليغسل كفيه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم


"""""" صفحة رقم 352 """"""
وأبو الشيخ والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ( قال نزلت هذه الآية حين أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه بغزوة تبوك وأخرج ابن المنذر عن ابن شهاب قال نزلت في كفار قريش والعرب ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( وأنزلت في أهل الكتاب ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ( الآية إلى قوله ) حتى يعطوا الجزية ( فكان أول من أعطى الجزية أهل نجران وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ( يعني الذين لا يصدقون بتوحيد الله ) ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ( يعني الخمر والحرير ) ولا يدينون دين الحق ( يعني دين الإسلام ) من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ( يعني مذللون وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) عن يد ( قال عن قهر
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة في قوله ) عن يد ( قال من يده ولا يبعث بها غيره وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي سنان في قوله ) عن يد ( قال عن قدرة وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وهم صاغرون ( قال يمشون بها متلتلين وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال يلكزون وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سلمان في الآية قال غير محمودين
سورة براءة الآية ( 30 33 )
التوبة : ( 30 ) وقالت اليهود عزير . . . . .
قوله ) وقالت اليهود عزير ابن الله ( كلام مبتدأ لبيان شرك أهل الكتابين وعزير مبتدأ وابن الله خبره وقد قرأ عاصم والكسائي ) عزير ( بالتنوين وقرأ الباقون بترك التنوين لاجتماع العجمة والعلمية فيه ومن قرأ بالتنوين فقد جعله عربيا وقيل إن سقوط التنوين ليس لكونه ممتنعا بل لاجتماع الساكنين ومنه قراءة من قرأ ) قل هو الله أحد الله الصمد ( قال أبو علي الفارسي وهو كثير في الشعر وأنشد ابن جرير الطبري لتجديني بالأمير برا
وبالقناة لامرا مكرا
إذا غطيت السلمي فرا
وظاهر قوله ) وقالت اليهود ( إن هذه المقالة لجميعهم وقيل هو لفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص لأنه لم يقل ذلك إلا البعض منهم وقال النقاش لم يبق يهودي يقولها بل قد انقرضوا وقيل إنه قال ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) جماعة منهم فنزلت الآية متضمنة لحكاية ذلك عن اليهود لأن قول بعضهم لازم لجميعهم
قوله ) وقالت النصارى المسيح ابن الله ( قالوا هذا لما رأوا من إحيائه الموتى مع كونه من غير أب فكان ذلك سببا لهذه المقالة والأولى أن يقال إنهم قالوا هذه المقالة لكون في الإنجيل وصفه تارة بابن الله وتارة بابن الإنسان كما رأينا ذلك في مواضع متعددة من الإنجيل ولم يفهموا أن ذلك لقصد التشريف والتكريم أو لم


"""""" صفحة رقم 353 """"""
يظهر لهم أن ذلك من تحريف سلفهم لغرض من الأغراض الفاسدة قيل وهذه المقالة إنما هى لبعض النصارى لا لكلهم قوله ) ذلك قولهم بأفواههم ( الإشارة إلى ما صدر عنهم من هذه المقالة الباطلة ووجه قوله بأفواههم مع العلم بأن القول لا يكون إلا الفم بأن هذا القول لما كان ساذجا ليس فيه بيان ولا عضده برهان كان مجرد دعوى لا معنى تحتها فارغة صادرة عنهم صدور المهملات التى ليس فيها إلا كونها خارجة من الأفواه غير مفيدة لفائدة يعتد بها وقيل إن ذكر الأفواه لقصد التأكيد كما في كتبت بيدي ومشيت برجلي ومنه قوله تعالى ) يكتبون الكتاب بأيديهم ( وقوله ) ولا طائر يطير بجناحيه ( وقال بعض أهل العلم إن الله سبحانه لم يذكر قولا مقرونا بذكر الأفواه والألسن إلا وكان قولا زورا كقوله ) يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ( وقوله ) كبرت كلمة تخرج من أفواههم ( وقوله ) يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ( قوله ) يضاهئون قول الذين كفروا ( المضاهاة المشابهة قيل ومنه قول العرب امرأة ضهياء وهى التى لا تحيض لأنها شابهت الرجال قال أبو علي الفارسي من قال ) يضاهئون ( مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء فقوله خطأ لأن الهمزة في ضاهأ أصلية وفي ضهياء زائدة كحمراء وأصله يضاهئون وامرأة ضهياء ومعنى مضاهاتهم لقول الذين كفروا فيه أقوال لأهل العلم الأول أنهم شابهوا بهذه المقالة عبدة الأوثان في قولهم واللات والعزى ومناة بنات الله القول الثاني أنهم شابهوا قول من يقول من الكافرين إن الملائكة بنات الله الثالث أنهم شابهوا أسلافهم القائلين بأن عزير ابن الله وأن المسيح ابن الله قوله ) قاتلهم الله ( دعاء عليهم بالهلاك لأن من قاتله الله هلك وقيل هو تعجب من شناعة قولهم وقيل معنى قاتلهم الله لعنهم الله ومنه قول أبان بن ثعلب قاتلها الله تلحاني وقد علمت
أني لنفسي إفسادي وإصلاحي
وحكى النقاش أن أصل قاتل الله الدعاء ثم كثر في استعمالهم حتى قالوه على التعجب في الخير والشر وهم لا يريدون الدعاء وأنشد الأصمعي يا قاتل الله ليلى كيف تعجبني
وأخبر الناس أني لا أباليها
) أنى يؤفكون ( أي كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل
التوبة : ( 31 ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم . . . . .
قوله ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( الأحبار جمع حبر وهو الذى يحسن القول ومنه ثوب محبر وقيل جمع حبر بكسر الحاء قال يونس لم أسمعه إلا بكسر الحاء وقال الفراء الفتح والكسر لغتان وقال ابن السكيت الحبر بالكسر العالم والحبر بالفتح العالم والرهبان جمع راهب مأخوذ من الرهبة وهم علماء النصارى كما أن الأحبار علماء اليهود ومعنى الآية أنهم لما أطاعوهم فيما يأمرونهم به وينهونهم عنه كانوا بمنزلة المتخذين لهم أربابا لأنهم أطاعوهم كما تطاع الأرباب قوله ) والمسيح ابن مريم ( معطوف على رهبانهم أي اتخذه النصارى ربا معبودا وفيه إشارة إلى أن اليهود لم يتخذوا عزير ربا معبودا وفى هذه الآية ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عن التقليد في دين الله وتأثير ما يقوله الأسلاف على ما في الكتاب العزيز والسنة المطهرة فإن طاعة المتمذهب لمن يقتدى بقوله ويستن بسنته من علماء هذه الأمة مع مخالفته لما جاءت به النصوص وقامت به حجج الله وبراهينه ونطقت به كتبه وأنبياؤه هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أربابا من دون الله للقطع بأنهم لم يعبدوهم بل أطاعوهم وحرموا ما حرموا وحللوا ما حللوا وهذا هو صنيع المقلدين من هذه الأمة وهو أشبه به من شبه البيضة بالبيضة
والتمرة بالتمرة والماء بالماء فيا عباد الله ويا أتباع محمد بن عبد الله ما بالكم تركتم الكتاب والسنة جانبا وعمدتم إلى رجال هم مثلكم في تعبد الله لهم بهما وطلبه منهم للعمل بما دلا عليه وأفاده فعلتم بما جاءوا به من الآراء التى لم تعمد


"""""" صفحة رقم 354 """"""
بعماد الحق ولم تعضد بعضد الدين ونصوص الكتاب والسنة تنادى بأبلغ نداء وتصوت بأعلى صوت بما يخالف ذلك ويباينه فأعرتموهما آذانا صما وقلوبا غلفا وأفهاما مريضة وعقولا مهيضة وأذهانا كليلة وخواطر عليلة وأنشدتم بلسان الحال وما أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد
فدعوا أرشدكم الله وإياي كتبا كتبها لكم الأموات من أسلافكم واستبدلوا بها كتاب الله خالقهم وخالقكم ومتعبدهم ومتعبدكم ومعبودهم ومعبودكم واستبدلوا بأقوال من تدعونهم بأئمتكم وما جاءوكم به من الرأي بأقوال إمامكم وإمامهم وقدوتكم وقدوتهم وهو الإمام الأول محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعوا كل قول عند قول محمد
فما آبن في دينه كمخاطر
اللهم هادي الضال مرشد التائه موضح السبيل اهدنا إلى الحق وأرشدنا إلى الصواب وأوضح لنا منهج الهداية قوله ) وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا ( هذه الجملة في محل نصب على الحال أي اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا والحال أنهم ما أمروا إلا بعبادة الله وحده أو وما أمر الذين اتخذوهم أربابا من الأحبار والرهبان إلا بذلك فكيف يصلحون لما أهلوهم له من اتخاذهم أربابا قوله ) لا إله إلا هو ( صفة ثانية لقوله إلها ) سبحانه عما يشركون ( أي تنزيها له عن الإشراك في طاعته وعبادته
التوبة : ( 32 ) يريدون أن يطفئوا . . . . .
قوله ) يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ( هذا كلام يتضمن ذكر نوع آخر من أنواع ضلالهم وبعدهم عن الحق وهو ما رموه من إبطال الحق بأقاويلهم الباطلة التى هى مجرد كلمات ساذجة ومجادلات زائفة وهذا تمثيل لحالهم في محاولة إبطال دين الحق ونبوة نبي الصدق بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم قد أنارت به الدنيا وانقشعت به الظلمة ليطفئه ويذهب أضواءه ) ويأبى الله إلا أن يتم نوره ( أي دينه القويم وقد قيل كيف دخلت إلا الاستثنائية على يأبى ولا يجوز كرهت أو بغضت إلا زيدا قال الفراء إنما دخلت لأن في الكلام طرفا من الجحد وقال الزجاج إن العرب تحذف مع أبى والتقدير ويأبى الله كل شيء إلا أن يتم نوره وقال علي بن سليمان إنما جاز هذا في أبى لأنها منع أو امتناع فضارعت النفي قال النحاس وهذا أحسن كما قال الشاعر وهل لي أم غيرها إن تركتها
أبى الله إلا أن أكون لها ابنا
وقال صاحب الكشاف إن أبر قد أجرى مجرى لم يرد أي ولا يريد إلا أن يتم نوره قوله ) ولو كره الكافرون ( معطوف على جملة قبله مقدرة أي أبى الله إلا أن يتم نوره ولو لم يكره الكافرون ذلك ولو كرهوا
التوبة : ( 33 ) هو الذي أرسل . . . . .
ثم أكد هذا بقوله ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ( أي بما يهدي به الناس من البراهين والمعجزات والأحكام التى شرعها الله لعباده ) ودين الحق ( وهو الإسلام ) ليظهره ( أي ليظهر رسوله أو دين الحق بما اشتمل عليه من الحجج والبراهين وقد وقع ذلك ولله الحمد ) ولو كره المشركون ( الكلام فيه كالكلام في ) ولو كره الكافرون ( كما قدمنا ذلك
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وأبو أنس وشاس بن قيس ومالك بن الصيف فقالوا كيف نتبعك وقت تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزير ابن الله فأنزل الله ) وقالت اليهود عزير ابن الله ( الآية
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عنه قال كن نساء بني إسرائيل يجتمعن بالليل فيصلين ويعتزلن ويذكرن ما فضل الله به بني إسرائيل وما أعطاهم ثم سلط عليهم شر خلقه بختنصر فحرق التوراة وخرب بيت المقدس وعزير


"""""" صفحة رقم 355 """"""
يومئذ غلام فقال عزير أو كان هذا فلحق بالجبال والوحش فجعل يتعبد فيها وجعل لا يخالط الناس فإذا هو ذات يوم بامرأة عند قبر وهى تبكي فقال يا أمه اتقى الله واحتسبي واصبري أما تعلمين أن سبيل الناس إلى الموت فقالت يا عزير أتنهاني أن أبكي وأنت قد خلفت بني إسرائيل ولحقت بالجبال والوحش ثم قالت إني لست بامرأة ولكني الدنيا وإنه سينبع في مصلاك عين وتنبت شجرة فاشرب من ماء العين وكل من ثمر الشجرة فإنه سيأتيك ملكان فاتركهما يصنعان ما أرادا فلما كان من الغد نبعت العين ونبتت الشجرة فشرب من ماء العين وأكل من ثمرة الشجرة وجاء ملكان ومعهما قارورة فيها نور فأوجراه ما فيها فألهمه الله التوراة فجاء فأملاه على الناس فعند ذلك قالوا عزير ابن الله تعالى الله عن ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا فذكر قصة وفيها أن عزير سأل الله بعد ما أنسى بني إسرائيل التوراة ونسخها من صدورهم أن يرد الذى نسخ من صدره
فبينما هو يصلي نزل نور من الله عز وجل فدخل جوفه فعاد إليه الذى كان ذهب من جوفه من التوراة فأذن في قومه فقال يا قوم قد آتاني الله التوراة وردها إلي وأخرج أبو الشيخ عن كعب قال دعا عزير ربه أن يلقى التوراة كما أنزل على موسى في قلبه فأنزلها الله عليه فبعد ذلك قالوا عزير ابن الله وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال ثلاث أشك فيهن فلا أدري عزير كان نبيا أم لا ولا أدري ألعن تبع أم لا قال ونسيت الثالثة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) يضاهئون ( قال يشبهون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله ) قاتلهم الله ( قال لعنهم الله وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عدي بن حاتم قال أتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يقرأ في سورة براءة ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( فقال أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه وأخرجه أيضا أحمد وابن جرير وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في سننه عن أبي البحتري قال سأل رجل حذيفة فقال أرأيت قوله ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( أكانوا يعبدونهم قال لا ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك قال أحبارهم قراؤهم
ورهبانهم علماؤهم وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي مثله وأخرج أيضا عن الفضيل بن عياض قال الأحبار العلماء والرهبان العباد
وأخرج أيضا عن السدي في قوله ) يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ( قال يريدون أن يطفئوا الإسلام بأقوالهم وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ) يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ( يقول يريدون أن يهلك محمد وأصحابه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية قال هم اليهود والنصارى وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ( يعني بالتوحيد والإسلام والقرآن
سورة براءة الآية ( 34 35 )


"""""" صفحة رقم 356 """"""
التوبة : ( 34 ) يا أيها الذين . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر حال أتباع الأحبار والرهبان المتخذين لهم أربابا ذكر حال المتبوعين فقال ) إن كثيرا من الأحبار ( إلى آخره ومعنى أكلهم لأموال الناس بالباطل أنهم يأخذونها بالوجوه الباطلة كالرشوة وأثبت هذا للكثير منهم لأن فيهم من لم يتلبس بذلك بل بقي على ما يوجبه دينه من غير تحريف ولا تبديل ولا ميل إلى حطام الدنيا ولقد اقتدى بهؤلاء الأحبار والرهبان من علماء الإسلام من لا يأتي عليه الحصر في كل زمان فالله المستعان قوله ) ويصدون عن سبيل الله ( أي عن الطريق إليه وهو دين الإسلام أو عن ما كان حقا في شريعتهم قبل نسخها بسبب أكلهم لأموال الناس بالباطل قوله ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( قيل هم المتقدم ذكرهم من الأحبار والرهبان وإنهم كانوا يصنعون هذا الصنع وقيل هم من يفعل ذلك من المسلمين والأولى حمل الآية على عموم اللفظ فهو أوسع من ذلك وأصل الكنز في اللغة الضم والجمع ولا يختص بالذهب والفضة
قال ابن جرير الكنز كل شيء مجموع بعضه إلى بعض في بطن الأرض كان أو على ظهرها انتهى ومنه ناقة كناز أي مكتنزة اللحم واكتنز الشئ اجتمع
واختلف أهل العلم في المال الذى أديت زكاته هل يسمى كنزا أم لا فقال قوم هو كنز وقال آخرون ليس بكنز ومن القائلين بالقول الأول أبو ذر وقيده بما فضل عن الحاجة ومن القائلين بالقول الثاني عمر بن الخطاب وابن عمر وابن عباس وجابر وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وغيرهم وهو الحق لما سيأتي من الأدلة المصرحة بأن ما أديت زكاته فليس بكنز قوله ) ولا ينفقونها في سبيل الله ( اختلف في وجه إفراد الضمير مع كون المذكور قبله شيئين هما الذهب والفضة فقال ابن الأنباري إنه قصد إلى الأعم الأغلب وهو الفضة قال ومثله قوله تعالى ) واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة ( رد الكناية إلى الصلاة لأنها أعم ومثله قوله ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( أعاد الضمير إلى التجارة لأنها الأهم وقيل إن الضمير راجع إلى الذهب والفضة معطوفة عليه والعرب تؤنث الذهب وتذكره وقيل إن الضمير راجع إلى الكنوز المدلول عليها بقوله ) يكنزون ( وقيل إلى الأموال وقيل للزكاة وقيل إنه اكتفى بضمير أحدهما عن ضمير الآخر مع فهم المعنى وهو كثير في كلام العرب وأنشد سيبويه نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
ولم يقل راضون ومثله قول الآخر رماني بأمر كنت منه ووالدي
بريا ومن أجل الطوى رماني
ولم يقل بريين ومثله قول حسان إن شرخ الشباب والشعر الأسود
ما لم يعاض كان جنونا
ولم يقل يعاضا وقيل إن إفراد الضمير من باب الذهاب إلى المعنى دون اللفظ لأن كل واحد من الذهب والفضة جملة وافية وعدة كثيرة ودنانير ودراهم فهو كقوله ) وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( وإنما خص الذهب والفضة بالذكر دون سائر الأموال لكونهما أثمان الأشياء وغالب ما يكنز وإن كان غيرهما له حكمهما في تحريم الكنز قوله ) فبشرهم بعذاب أليم ( هو خبر الموصول وهو من باب التهكم بهم كما في قوله تحية بينهم ضرب وجيع
وقيل إن البشارة هى الخبر الذى يتغير له لون البشرة لتأثيره في القلب سواء كان من الفرح أو من الغم
التوبة : ( 35 ) يوم يحمى عليها . . . . .
ومعنى ) يوم يحمى عليها في نار جهنم ( أن النار توقد عليها وهى ذات حمى وحر شديد


"""""" صفحة رقم 357 """"""
ولو قال يوم تحمى أي الكنوز لم يعط هذا المعنى فجعل الإحماء للنار مبالغة ثم حذف النار وأسند الفعل إلى الجار كما تقول رفعت القصة إلى الأمير فإن لم تذكر القصة قلت رفع إلى الأمير وقرأ ابن عامر ? تحمى ? بالمثناة الفوقية وقرأ أبو حيوة فيكوى بالتحتية وخص الجباه والجنوب والظهور لكون التألم بكيها أشد لما في داخلها من الأعضاء الشريفة وقيل ليكون الكي في الجهات الأربع من قدام وخلف وعن يمين وعن يسار وقيل لأن الجمال في الوجه والقوة في الظهر والجنبين والإنسان إنما يطلب المال للجمال والقوة وقيل غير ذلك مما لا يخلو عن تكلف قوله ) هذا ما كنزتم لأنفسكم ( أي يقال لهم هذا ما كنزتم لأنفسكم أي كنزتموه لتنتفعوا به فهذا نفعه على طريقة التهكم والتوبيخ ) فذوقوا ما كنتم تكنزون ( ما مصدرية أو موصولة أي ذوقوا وباله
وسوء عاقبته وقبح مغبته وشؤم فائدته
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) إن كثيرا من الأحبار والرهبان ( يعني علماء اليهود والنصارى ) ليأكلون أموال الناس بالباطل ( والباطل كتب كتبوها لم ينزلها الله فأكلوا بها أموال الناس وذلك قول الله تعالى ) فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ( وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( قال هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة من أموالهم وكل مال لا تؤدى زكاته كان على ظهر الأرض أو في بطنها فهو كنز وكل مال أديت زكاته فليس بكنز كان على ظهر الأرض أو في بطنها وأخرجه عنه ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ من وجه آخر وأخرج مالك وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر نحوه وأخرج ابن مردويه عنه نحوه مرفوعا وأخرج ابن عدي والخطيب عن جابر نحوه مرفوعا أيضا وأخرجه ابن أبي شيبة عنه موقوفا وأخرج أحمد في الزهد والبخاري وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر في الآية قال إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة جعلها الله طهرة للأموال ثم قال ما أبالي لو كان عندي مثل أحد ذهبا أعلم عدده وأزكيه وأعمل فيه بطاعات الله وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال ليس بكنز ما أدى زكاته وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أم سلمة مرفوعا نحوه وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده وأبو داود وأبو يعلي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( كبر ذلك على المسلمين وقالوا ما يستطيع أحد منا لولده مالا يبقى بعده فقال عمر أنا أفرج عنكم فانطلق عمر واتبعه ثوبان فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا نبي الله إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية فقال إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم فكبر عمر ثم قال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء المرأة الصالحة التى إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته وقد أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه عن سالم بن أبى الجعد من غير وجه عن ثوبان وحكى البخاري أن سالما لم يسمعه من ثوبان وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( قال هم أهل الكتاب وقال هى خاصة وعامة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال أربعة آلاف فما دونها نفقة وما فوقها كنز وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة قال حلية السيوف من الكنوز ما أحدثكم إلا ما سمعت وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عراك بن مالك وعمر بن عبد العزيز أنهما قالا في قوله ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( إنها نسختها الآية الأخرى ) خذ من أموالهم صدقة ( الآية وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال


"""""" صفحة رقم 358 """"""
ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى زكاتها إلا جعل لها يوم القيامة صفائح ثم أحمى عليها في نار جهنم ثم يكوى بها جنباه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن زيد بن وهب قال مررت على أبي ذر بالزبدة فقلت ما أنزلك بهذه الأرض فقال كنا بالشأم فقرأت ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( الآية فقال معاوية ما هذه فينا ما هذه إلا في أهل الكتاب قلت إنها لفينا وفيهم
سورة براءة الآية ( 36 37 )
التوبة : ( 36 ) إن عدة الشهور . . . . .
قوله ) إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ( هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر نوع آخر من قبائح الكفار وذلك أن الله سبحانه لما حكم في كل وقت بحكم خاص غيروا تلك الأوقات بالنسيء والكبيسة فأخبرنا الله بما هو حكمه فقال ) إن عدة الشهور ( أي عدد شهور السنة عند الله في حكمه وقضائه وحكمته اثنا عشر شهرا قوله ) في كتاب الله ( أي فيما أثبته في كتابه قال أبو علي الفارسي لا يجوز أن يتعلق في كتاب الله بقوله عدة الشهور للفصل بالأجنبي وهو الخبر أعني اثنا عشر شهرا فقوله في كتاب الله وقوله يوم خلق بدل من قوله من عند الله والتقدير إن عدة الشهور عند الله في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض وفائدة الإبدالين تقرير الكلام في الأذهان لأنه يعلم منه أن ذلك العدد واجب عند الله في كتاب الله وثابت في علمه في أول ما خلق الله العالم ويجوز أن يكون في كتاب الله صفة اثنا عشر أي اثنا عشر مثبتة في كتاب الله وهو اللوح المحفوظ وفي هذه الآية بيان أن الله سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف يوم خلق السموات والأرض وأن هذا هو الذى جاءت به الأنبياء ونزلت به الكتب وأنه لا اعتبار بما عند العجم والروم والقبط من الشهور التى يصطلحون عليها ويجعلون بعضها ثلاثين يوما وبعضها أكثر وبعضها أقل قوله ) منها أربعة حرم ( هى ذي القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ثلاثة سرد وواحد فرد كما ورد بيان ذلك في السنة المطهرة قوله ) ذلك الدين القيم ( أي كون هذه الشهور كذلك ومنها أربعة حرم هو الدين المستقيم والحساب الصحيح والعدد المستوفى قوله ) فلا تظلموا فيهن أنفسكم ( أي في هذه الأشهر الحرم بإيقاع القتال فيها والهتك لحرمتها وقيل إن الضمير يرجع إلى الشهور كلها الحرم وغيرها وإن الله نهى عن الظلم فيها والأول أولى وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم ثابت محكم لم ينسخ لهذه الآية ولقوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ( ولقوله ) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ( الآية
وقد ذهب جماعة آخرون إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ بآية السيف ويجاب عنه بأن الأمر


"""""" صفحة رقم 359 """"""
بقتل المشركين ومقاتلتهم مقيد بانسلاخ الأشهر الحرم كما في الآية المذكورة فتكون سائر الآيات المتضمنة للأمر بالقتال مقيدة بما ورد في تحريم القتال في الأشهر الحرم كما هى مقيدة بتحريم القتال في الحرم للأدلة الواردة في تحريم القتال فيه وأما ما استدلوا به من أنه ( صلى الله عليه وسلم ) حاصر أهل الطائف في شهر حرام وهو ذو القعدة كما ثبت في الصحيحين وغيرهما فقد أجيب عنه أنه لم يبتد محاصرتهم في ذي القعدة بل في شوال والمحرم إنما هو ابتداء القتال في الأشهر الحرم لا إتمامه وبهذا يحصل الجمع قوله ) وقاتلوا المشركين كافة ( أي جميعا وهو مصدر في موضع الحال قال الزجاج مثل هذا من المصادر كعامة وخاصة ولا يثنى ولا يجمع ) كما يقاتلونكم كافة ( أي جميعا وفيه دليل على وجوب قتال المشركين وأنه فرض على الأعيان إن لم يقم به البعض ) واعلموا أن الله مع المتقين ( أي ينصرهم ويثبتهم ومن كان الله معه فهو الغالب وله العاقبة والغلبة
التوبة : ( 37 ) إنما النسيء زيادة . . . . .
قوله ) إنما النسيء زيادة في الكفر ( قرأ نافع في رواية ورش عنه النسى بياء مشددة بدون همز وقرأ الباقون بياء بعدها همزة قال النحاس ولم يرو أحد عن نافع هذه القراءة إلا ورش وحده وهو مشتق من نسأه وأنسأه إذا أخره حكى ذلك الكسائي قال الجوهري النسيء فعيل بمعنى مفعول من قولك نسأت الشيء فهو منسوء إذا أخرته ثم تحول منسوء إلى نسيء كما تحول مقتول إلى قتيل قال ابن جرير في النسيء بالهمزة معنى الزيادة يقال نسأ ينسأ إذا زاد قال ولا يكون بترك الهمزة إلا من النسيان كما قال تعالى ) نسوا الله فنسيهم ( ورد على نافع قراءته
وكانت العرب تحرم القتال في الأشهر الحرم المذكورة فإذا احتاجوا إلى القتال فيها قاتلوا فيها وحرموا غيرها فإذا قاتلوا في المحرم حرموا بدله شهر صفر وهكذا في غيره وكان الذى يحملهم على هذا أن كثيرا منهم إنما كانوا يعيشون بالغارة على بعضهم البعض ونهب ما يمكنهم نهبه من أموال من يغيرون عليه ويقع بينهم بسبب ذلك القتال وكانت الأشهر الثلاثة المسرودة يضر بهم تواليها وتشتد حاجتهم وتعظم فاقتهم فيحللون بعضها ويحرمون مكانه بقدره من غير الأشهر الحرم فهذا هو معنى النسيء الذى كانوا يفعلونه وقد وقع الخلاف في أول من فعل ذلك فقيل هو رجل من بني كنانة يقال له حذيفة بن عتيد ويلقب القلمس وإليه يشير الكميت بقوله ألسنا الناسئين على معد
شهور الحل نجعلها حراما
وفيه يقول قائلهم ومنا ناسئ الشهر القلمس
وقيل هو عمرو بن لحي وقيل هو نعيم بن ثعلبة من بني كنانة وسمى الله سبحانه النسيء زيادة في الكفر لأنه نوع من أنواع كفرهم ومعصية من معاصيهم المنضمة إلى كفرهم بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر قوله ) يضل به الذين كفروا ( قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو وابن عامر ) يضل ( على البناء للمعلوم وقرأ الكوفيون على البناء للمجهول ومعنى القراءة الأولى أن الكفار يضلون بما يفعلونه من النسيء ومعنى القراءة الثانية أن الذى سن لهم ذلك يجعلهم ضالين بهذه السنة السيئة وقد اختار القراءة الأولى أبو حاتم واختار القراءة الثانية أبو عبيد وقرأ الحسن وأبو رجاء ويعقوب ) يضل ( بضم الياء وكسر الضاد على أنه فاعله الموصول ومفعوله محذوف ويجوز أن يكون فاعله هو الله سبحانه ومفعوله الموصول وقرئ بفتح الياء والضاد من ضل يضل وقرئ نضل بالنون قوله ) يحلونه عاما ويحرمونه عاما ( الضمير راجع إلى النسيء أي يحلون النسيء عاما ويحرمونه عاما أو إلى الشهر الذى يؤخرونه ويقاتلون فيه أي يحلونه عاما بإبداله بشهر آخر من شهور الحل ويحرمون عاما أي يحافظون عليه فلا يحلون فيه القتال بل يبقونه على حرمته قوله ) ليواطئوا عدة ما حرم الله ( أي لكي يواطئوا والمواطأة الموافقة يقال تواطأ القوم على كذا أي توافقوا عليه واجتمعوا والمعنى إنهم لم يحلوا شهرا إلا حرموا شهرا لتبقى الأشهر الحرم أربعة


"""""" صفحة رقم 360 """"""
قال قطرب معناه عمدوا إلى صفر فزادوه في الأشهر الحرم وقرنوه بالمحرم في التحريم وكذا قال الطبري قوله ) فيحلوا ما حرم الله ( أي من الأشهر الحرم التى أبدلوها بغيرها ) زين لهم سوء أعمالهم ( أي زين لهم الشيطان الأعمال السيئة التى يعملونها ومن جملتها النسيء وقريء على البناء للفاعل ) والله لا يهدي القوم الكافرين ( أي المصرين على كفرهم المستمرين عليه فلا يهديهم هداية توصلهم إلى المطلوب وأما الهداية بمعنى الدلالة على الحق والإرشاد إليه فقد نصبها الله سبحانه لجميع عباده
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي بكر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خطب في حجته فقال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم
ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان وأخرج نحوه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من حديث ابن عمر وأخرج نحوه ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من حديث ابن عباس وأخرج نحوه أيضا البزار وابن جرير وابن مردويه من حديث أبي هريرة وأخرجه أحمد وابن مردويه من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه مرفوعا مطولا وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن ابن عباس ) منها أربعة حرم ( قال المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال إنما سمين حرما لئلا يكون فيهن حرب وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله ) إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله ( ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرما
وعظم حرماتهن وجعل الدين فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم ) فلا تظلموا فيهن أنفسكم ( قال في كلهن ) وقاتلوا المشركين كافة ( يقول جميعا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله ) وقاتلوا المشركين كافة ( قال نسخت هذه الآية كل آية فيها رخصة وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت العرب يحلون عاما شهرا وعاما شهرين ولا يصيبون الحج إلا في كل سنة وعشرين سنة مرة وهى النسيء الذى ذكره الله في كتابه فلما كان عام حج أبو بكر بالناس وافق ذلك العام فسماه الله الحج الأكبر ثم حج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من العام المقبل واستقبل الناس الأهلة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر قال وقف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالعقبة فقال إنما النسيء من الشيطان زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما فكانوا يحرمون المحرم عاما ويستحلون صفر ويحرمون صفر عاما ويستحلون المحرم وهى النسيء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال كان جنادة بن عوف الكناني يوافي الموسم كل عام وكان يكنى أبا ثمامة فينادى ألا إن أبا ثمامة لا يخاب ولا يعاب ألا وإن صفر الأول العام حلال فيحله للناس فيحرم صفر عاما ويحرم المحرم عاما فذلك قوله تعالى ) إنما النسيء زيادة في الكفر ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال المحرم كانوا يسمونه صفر وصفر يقولون صفران الأول والآخر يحل لهم مرة الأول ومرة الآخر وأخرج ابن مردويه عنه قال كانت النساءة حي من بني مالك من كنانة من بني فقيم فكان آخرهم رجلا يقال له القلمس وهو الذى أنسأ المحرم


"""""" صفحة رقم 361 """"""
سورة براءة الآية ( 38 42 )
التوبة : ( 38 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا ( لما شرح معايب أولئك الكفار عاد إلى ترغيب المؤمنين في قتالهم والاستفهام في ) ما لكم ( للإنكار والتوبيخ أي أي شئ يمنعكم عن ذلك ولاخلاف أن هذه الآية نزلت عتابا لمن تخلف عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة تبوك وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام والنفر هو الانتقال بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث قوله ) اثاقلتم إلى الأرض ( أصله تثاقلتم أدغمت التاء في الثاء لقربها منها وجيء بألف الوصل ليتوصل بها إلى النطق بالساكن ومثله اداركوا واطيرتم واطيروا
وأنشد الكسائي توالى الضجيع إذا ما اشتاقها حضرا
عذب المذاق إذا ما اتابع القبل
وقرأ الأعمش ? تثاقلتم ? على الأصل ومعناه تباطأتم وعدى بإلى لتضمنه معنى الميل والإخلاد وقيل معناه ملتم إلى الإقامة بأرضكم والبقاءا فيها وقرىء ) اثاقلتم ( على الاستفهام ومعناه التوبيخ والعامل في الظرف ما في ) ما لكم ( من معنى الفعل كأنه قيل ما يمنعكم أو ما تصنعون إذا قيل لكم و ) إلى الأرض ( متعلق باثاقلتم وكما مر قوله ) أرضيتم بالحياة الدنيا ( أي بنعيمها بدلا من الآخرة كقوله تعالى ) ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ( أي بدلا منكم ومثله قول الشاعر قلبت لنا من ماء زمزم شربة
مبردة باتت على طهيان
أي بدلا من ماء زمزم والطهيان عود ينصب في ناحية الدار للهواء يعلق عليه الماء ليبرد ومعنى ) في الآخرة ( أي في جنب الآخرة وفي مقابلها ) إلا قليل ( أي إلا متاع حقير لا يعبأ به ويجوز أن يراد بالقليل العدم إذ


"""""" صفحة رقم 362 """"""
لا نسبة للمتناهى الزائل إلى غير المتناهي الباقي والظاهر أن هذا التثاقل لم يصدر من الكل إذ من البعيد أن يطبقو جميعا على التباطىء والتثاقل وإنما هو من باب نسبة ما يقع من البعض إلى الكل وهو كثير شائع
التوبة : ( 39 ) إلا تنفروا يعذبكم . . . . .
قوله ) إلا تنفروا يعذبكم ( هذا تهديد شديد ووعيد موكد لمن ترك النفير مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) يعذبكم عذابا أليما ( أي يهلككم بعذاب شديد مؤلم قيل في الدنيا فقط وقيل هو أعم من ذلك قوله ) ويستبدل قوما غيركم ( أي يجعل لرسله بدلا منكم ممن لا يتباطأ عند حاجتهم إليهم
واختلف في هؤلاء القوم من هم فقيل أهل اليمن وقيل أهل فارس ولا وجه للتعيين بدون دليل قوله ) ولا تضروه شيئا ( معطوف على ) يستبدل ( والضمير قيل لله وقيل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي ولا تضروا الله بترك امتثال أمره بالنفير شيئا أو لا تضروا رسول الله بترك نصره والنفير معه شيئا ) والله على كل شيء قدير ( ومن جملة مقدوراته تعذيبكم والاستبدال بكم
التوبة : ( 40 ) إلا تنصروه فقد . . . . .
قوله ) إلا تنصروه فقد نصره الله ( أي إن تركتم نصره فالله متكفل به فقد نصره في مواطن القلة وأظهره على عدوه بالغلبة والقهر أو فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد وقت إخراج الذين كفروا له حال كونه ) ثاني اثنين ( أي أحد اثنين وهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وقرئ بسكون الياء قال ابن جنى حكاها أبو عمرو بن العلاء ووجهها أن تسكن الياء تشبيها لها بالألف قال ابن عطية فهي كقراءة الحسن ما بقى من الربا وكقول جرير هو الخليفة فارضوا ما رضيه لكم
ماضي العزيمة ما في حكمه جنف
قوله ) إذ هما في الغار ( بدل من ) إذ أخرجه ( بدل بعض والغار ثقب في الجبل المسمى ثورا وهو المشهور بغار ثور وهو جبل قريب من مكة وقصة خروجه ( صلى الله عليه وسلم ) من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر ودخولهما الغار مشهورة مذكورة في كتب السير والحديث قوله ) إذ يقول لصاحبه ( بدل ثان أي وقت قوله لأبي بكر ) لا تحزن إن الله معنا ( أي دع الحزن فإن الله بنصره وعونه وتأييده معنا ومن كان الله معه فلن يغلب ومن لا يغلب فيحق له أن لا يحزن قوله ) فأنزل الله سكينته عليه ( السكينة تسكين جأشه وتأمينه حتى ذهب روعه وحصل له الأمن على أن الضمير في ) عليه ( لأبي بكر وقيل هو للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويكون المراد بالسكينة النازلة عليه عصمته عن حصول سبب من أسباب الخوف له ويؤيد كون الضمير في ) عليه ( للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) الضمير في ) وأيده بجنود لم تروها ( فإنه للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه المؤيد بهذه الجنود التى هى الملائكة كما كان في يوم بدر وقيل إنه لا محذور في رجوع الضمير من ) عليه ( إلى أبي بكر ومن ) وأيده ( إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإن ذلك كثير في القرآن وفي كلام العرب ) وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ( أي كلمة الشرك وهى دعوتهم إليه ونداؤهم للأصنام ) وكلمة الله هي العليا ( قرأ الأعمش ويعقوب بنصب كلمة حملا على جعل وقرأ الباقون برفعها على الاستئناف وقد ضعف قراءة النصب الفراء وأبو حاتم وفي ضمير الفصل أعني ) هي ( تأكيد لفضل كلمته في العلو وأنها المختصة به دون غيرها وكلمة الله هى كلمة التوحيد والدعوة إلى الإسلام ) والله عزيز حكيم ( أي غالب قاهر لا يفعل إلا ما فيه حكمة وصواب
التوبة : ( 41 ) انفروا خفافا وثقالا . . . . .
ثم لما توعد من لم ينفر مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وضرب له من الأمثال ما ذكره عقبة بالأمر الجزم فقال ) انفروا خفافا وثقالا ( أي حال كونكم خفافا وثقالا قيل المراد منفردين أو مجتمعين وقيل نشاطا وغير نشاط وقيل فقراء وأغنياء وقيل شبابا وشيوخا وقيل رجالا وفرسانا وقيل من لا عيال له ومن له


"""""" صفحة رقم 363 """"""
عيال وقيل من يسبق إلى الحرب كالطلائع ومن يتأخر كالجيش وقيل غير ذلك ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني لأن معنى الآية انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت قيل وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى ) ليس على الضعفاء ولا على المرضى ( وقيل الناسخ لها قوله ) فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ( الآية
وقيل هى محكمة وليست بمنسوخة ويكون إخراج الأعمى والأعرج بقوله ) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ( وإخراج الضعيف والمريض بقوله ) ليس على الضعفاء ولا على المرضى ( من باب التخصيص
لا من باب النسخ على فرض دخول هؤلاء تحت قوله ) خفافا وثقالا ( والظاهر عدم دخولهم تحت العموم قوله ) وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ( فيه الأمر بالجهاد بالأنفس والأموال وإيجابه على العباد فالفقراء يجاهدون بأنفسهم والأغنياء بأموالهم وأنفسهم والجهاد من آكد الفرائض وأعظمها وهو فرض كفاية مهما كان البعض يقوم بجهاد العدو ويدفعه فإن كان لا يقوم بالعدو إلا جميع المسلمين في قطر من الأرض أو أقطار وجب عليهم ذلك وجوب عين والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى ما تقدم من الأمر بالنفير والأمر بالجهاد ) خير لكم ( أي خير عظيم في نفسه وخير من السكون والدعة ) إن كنتم تعلمون ( ذلك وتعرفون الأشياء الفاضلة وتميزونها عن المفضولة
التوبة : ( 42 ) لو كان عرضا . . . . .
قوله ) لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ( قال الزجاج لو كان المدعو إليه فحذف لدلالة ما تقدم عليه والعرض ما يعرض من منافع الدنيا والمعنى غنيمة قريبة غير بعيدة ) وسفرا قاصدا ( عطف على ما قبله أي سفرا متوسطا بين القرب والبعد وكل متوسط بين الإفراط والتفريط فهو قاصد ) ولكن بعدت عليهم الشقة ( قال أبو عبيدة وغيره إن الشقة السفر إلى أرض بعيدة يقال منه شقة شاقة قال الجوهري الشقة بالضم من الثياب والشقة أيضا السفر البعيد وربما قالوه بالكسر والمراد بهذا غزوه تبوك فإنها كانت سفرة بعيده شاقة وقرأ عيسى بن عمر بعدت عليهم الشقة بكسر العين والشين ) وسيحلفون بالله ( أي المتخلفون عن عزوة تبوك حال كونكم قائلين ) لو استطعنا لخرجنا معكم ( أي لو قدرنا على الخروج ووجدنا ما نحتاج إليه فيه مما لا بد منه ) لخرجنا معكم ( هذه الجملة سادة مسد جواب القسم والشرط قوله ) يهلكون أنفسهم ( هو بدل من قوله ) سيحلفون ( لأن من حلف كاذبا فقد أهلك نفسه أو يكون حالا أي مهلكين أنفسهم موقعين لها موقع الهلاك ) والله يعلم إنهم لكاذبون ( في حلفهم الذى سيحلفون به لكم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا ( الآية قال هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح وحين أمرهم بالنفير فى الصيف وحين خرفت النخل وطابت الثمار واشتهوا الظلال وشق عليهم المخرج فأنزل الله ) انفروا خفافا وثقالا ( وأخرج أبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ( قال إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استنفر حيا من أحياء العرب فتثاقلوا عنه فأنزل الله هذه الآية فأمسك عنهم المطر فكان ذلك عذابهم وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال لما نزلت ) إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ( وقد كان تخلف عنه أناس في البدو يفقهون قومهم فقال المؤمنون قد بقى ناس في البوادي وقالوا هلك أصحاب البوادي فنزلت ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) إلا تنفروا ( الآية قال نسختها ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) إلا تنصروه فقد نصره الله ( قال ذكر ما كان من أول شأنه حين بعث يقول فأنا فاعل


"""""" صفحة رقم 364 """"""
ذلك به وناصره كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين وأخرج أبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وعروة أنهم ركبوا في كل وجه يعني المشركين يطلبون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم ويجعلون لهم الحمل العظيم وأتوا على ثور الجبل الذى فيه الغار والذي فيه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى طلعوا فوقه وسمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبو بكر أصواتهم فأشفق أبو بكر وأقبل عليه الهم والخوف فعند ذلك يقول له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لا تحزن إن الله معنا ( ودعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت عليه السكينة من الله فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين الآية وأخرج ابن شاهين وابن مردويه وابن عساكر عن حبشى بن جنادة قال قال أبو بكر يا رسول الله لو أن أحدا من المشركين رفع قدمه لأبصرنا فقال يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري في قوله ) إذ هما في الغار ( قال هو الغار الذى في الجبل الذى يسمى ثورا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس في قوله ) فأنزل الله سكينته عليه ( قال على أبي بكر لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم تزل معه السكينة وأخرج ابن مردويه عن أنس قال دخل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأبو بكر غار حراء فقال أبو بكر للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لو أن أحدهم يبصر موضع قدمه لأبصرني وإياك فقال ( صلى الله عليه وسلم ) ما ظنك باثنين الله ثالثهما يا أبا بكر إن الله أنزل سكينته عليك وأيدني بجنود لم يروها وأخرج الخطيب في تاريخه عن حبيب بن أبي ثابت ) فأنزل الله سكينته عليه ( قال على أبي بكر فأما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقد كانت عليه السكينة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ( قال هى الشرك بالله ) وكلمة الله هي العليا ( قال لا إله إلا الله وأخرج الفريابي وأبو الشيخ عن أبي الضحى قال أول ما أنزل من براءة ) انفروا خفافا وثقالا ( ثم نزل أولها وآخرها وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي مالك نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) خفافا وثقالا ( قال نشاطا وغير نشاط وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم في الآية قال مشاغيل وغير مشاغيل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال في العسر واليسر وأخرج ابن المنذر عن زيد بن أسلم قال فتيانا وكهولا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عكرمة قال شبابا وشيوخا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال قالوا إن فينا الثقيل وذا الحاجة والضيعة والشغل فأنزل الله ) انفروا خفافا وثقالا ( وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافا وثقالا وعلى ما كان منهم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال جاء رجل زعموا أنه المقداد وكان عظيما سمينا فشكا إليه وسأله أن يأذن له فأبى فنزلت ) انفروا خفافا وثقالا ( فلما نزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله فقال ) ليس على الضعفاء ولا على المرضى ( الآية وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قيل له ألا تغزو بني الأصفر لعلك أن تصيب ابنة عظيم الروم فقال رجلان قد علمت يا رسول الله أن النساء فتنة فلا تفتنا بهن فأذن لنا فأذن لهما فلما انطلقنا قال أحدهما إن هو إلا شحمة لأول آكل فسار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم ينزل عليه شيء في ذلك فلما كان ببعض الطريق نزل عليه وهو على بعض المناة ) لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ( ونزل عليه ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( ونزل عليه ) إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ( ونزل عليه ) إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) لو كان عرضا قريبا ( قال غنيمة قريبة ) ولكن بعدت عليهم الشقة (


"""""" صفحة رقم 365 """"""
قال المسير وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله ) والله يعلم إنهم لكاذبون ( قال لقد كانوا يستطيعون الخروج ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم وزهادة في الجهاد
سورة براءة الآية ( 43 49 )
التوبة : ( 43 ) عفا الله عنك . . . . .
الاستفهام في ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( للإنكار من الله تعالى على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث وقع منه الإذن لما استأذنه في القعود قبل أن يتبين من هو صادق منهم في عذره الذى أبداه ومن هو كاذب فيه
وفي ذكر العفو عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ما يدل على أن هذا الإذن الصادر منه كان خلاف الأولى وفي هذا عتاب لطيف من الله سبحانه وقيل إن هذا عتاب له ( صلى الله عليه وسلم ) في إذنه للمنافقين بالخروج معه لا في إذنه لهم بالقعود عن الخروج والأول أولى وقد رخص له سبحانه في سورة النور بقوله ) فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم ( ويمكن أن يجمع بين الآيتين بأن العتاب هنا متوجه إلى الإذن قبل الاستثبات حتى يتبين الصادق من الكاذب والإذن هنالك متوجه إلى الإذن بعد الاستثبات والله أعلم وقيل إن قوله ) عفا الله عنك ( هى افتتاح كلام كما تقول أصلحك الله وأعزك ورحمك كيف فعلت كذا وكذا حكاه مكي والنحاس والمهدوي وعلى هذا التأويل يحسن الوقف على عفا الله عنك وعلى التأويل الأول لا يحسن ولا يخفاك أن التفسير الأول هو المطابق لما يقتضيه اللفظ على حسب اللغة العربية ولا وجه لإخراجه عن معناه العربي
وفي الآية دليل على جواز الاجتهاد منه ( صلى الله عليه وسلم ) والمسألة مدونة في الأصول وفيها أيضا دلالة على مشروعية الاحتراز عن العجلة والاغترار بظواهر الأمور و ) حتى ( في ) حتى يتبين لك الذين صدقوا ( للغاية كأنه قيل لم سارعت إلى الإذن لهم وهلا تأنيث حتى يتبين لك صدق من هو صادق منهم في العذر الذى أبداه وكذب من هو كاذب منهم في ذلك
التوبة : ( 44 ) لا يستأذنك الذين . . . . .
ثم ذكر سبحانه أنه ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في القعود عن الجهاد بل كان من عادتهم أنه ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أذن لواحد منهم بالقعود شق عليه ذلك فقال ) لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا ( وهذا على أن معنى الآية


"""""" صفحة رقم 366 """"""
أن لا يجاهدوا على حذف حرف النفي وقيل المعنى لا يستأذنك المؤمنون في التخلف كراهة الجهاد وقيل إن معنى الاستئذان في الشيء الكراهة له وأما على ما يقتضيه ظاهر اللفظ فالمعنى لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد بل دأبهم أن يبادروا إليه من غير توقف ولا ارتقاب منهم لوقوع الإذن منك فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف
قال الزجاج أن يجاهدوا في موضع نصب بإضمار في أي في أن يجاهدوا ) والله عليم بالمتقين ( وهم هؤلاء الذين لم يستأذنوا
التوبة : ( 45 ) إنما يستأذنك الذين . . . . .
) إنما يستأذنك ( في القعود عن الجهاد والتخلف عنه ) الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ( وهم المنافقون وذكر الإيمان بالله أولا ثم باليوم الآخر ثانيا في الموضعين لأنهما الباعثان على الجهاد في سبيل الله
قوله ) وارتابت قلوبهم ( عطف على قوله ) الذين لا يؤمنون ( وجاء بالماضي للدلالة على تحقق الريب في قلوبهم وهو الشك قوله ) فهم في ريبهم يترددون ( أي في شكهم الذى حل بقلوبهم يتحيرون والتردد التحير
والمعنى فهؤلاء الذين يستأذنونك ليسوا بمؤمنين بل مرتابين حائرين لا يهتدون إلى طريق الصواب ولا يعرفون الحق
التوبة : ( 46 ) ولو أرادوا الخروج . . . . .
قوله ) ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ( أي لو كانوا صادقين فيما يدعونه ويخبرونك به من أنهم يريدون الجهاد معك ولكن لم يكن معهم من العدة للجهاد ما يحتاج إليه لما تركوا إعداد العدة وتحصيلها قبل وقت الجهاد كما يستعد لذلك المؤمنون فمعنى هذا الكلام أنهم لم يريدوا الخروج أصلا ولا استعدوا للغزو
والعدة ما يحتاج إليه المجاهد من الزاد والراحلة والسلاح قوله ) ولكن كره الله انبعاثهم ( أي ولكن كره الله خروجهم فتثبطوا عن الخروج فيكون المعنى ما خرجوا ولكن تثبطوا لأن كراهة الله انبعاثهم تستلزم تثبطهم عن الخروج والانبعاث الخروج أي حبسهم الله عن الخروج معك وخذلهم لأنهم قالوا إن لم يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرضنا على المؤمنين وقيل المعنى لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن ما أرادوه لكراهة الله له قوله ) وقيل اقعدوا مع القاعدين ( قيل القائل لهم هو الشيطان بما يلقيه إليهم من الوسوسة وقيل قاله بعضهم لبعض وقيل قاله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غضبا عليهم وقيل هو عبارة عن الخذلان أي أوقع الله في قلوبهم القعود خذلانا لهم ومعنى ) مع القاعدين ( أي مع أولى الضرر من العميان والمرضى والنساء والصبيان وفيه من الذم لهم والإزراء عليهم والتنقص بهم ما لا يخفى
التوبة : ( 47 ) لو خرجوا فيكم . . . . .
قوله ) لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ( هذه تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين عن تخلف المنافقين والخبال الفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف قيل هذا الاستثناء منقطع أي ما زادوكم قوة ولكن طلبوا الخبال وقيل المعنى لا يزيدونكم فيما ترددون فيه من الرأي إلا خبالا فيكون متصلا وقيل هو استثناء من أعم العام أي ما زادوكم شيئا إلا خبالا فيكون الاستثناء من قسم المتصل لأن الخبال من جملة ما يصدق عليه الشئ قوله ) ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة ( الإيضاع سرعة السير ومنه قوله ورقة بن نوفل يا ليتني فيها جذع
أخب فيها وأضع
يقال أوضع البعير إذا أسرع السير وقيل الإيضاع سير الخبب والخلل الفرجة بين الشيئين والجمع الخلال أي الفرج التى تكون بين الصفوف والمعنى لسعوا بينكم بالإفساد بما يختلقونه من الأكاذيب المشتملة على الإرجاف والنمائم الموجبة لفساد ذات البين قوله ) يبغونكم الفتنة ( يقال بغيته كذا طلبته له وأبغيته كذا أعنته على طلبه والمعنى يطلبون لكم الفتنة في ذات بينكم بما يصنعونه من التحريش والإفساد وقيل الفتنة هنا الشرك وجملة ) وفيكم سماعون لهم ( في محل نصب على الحال أي والحال أن فيكم من يستمع ما يقولونه من الكذب فينقله إليكم فيتأثر من ذلك الاختلاف بينكم والفساد لإخوانكم ) والله عليم بالظالمين ( وبما يحدث منهم لو خرجوا معكم فلذلك اقتضت حكمته البالغة أن لا يخرجوا معكم وكره انبعاثهم معكم ولا ينافي حالهم هذا


"""""" صفحة رقم 367 """"""
لو خرجوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما تقدم من عتابه على الإذن لهم في التخلف لأنه سارع إلى الإذن لهم ولم يكن قد علم من أحوالهم لو خرجوا أنهم يفعلون هذه الأفاعيل فعوتب ( صلى الله عليه وسلم ) على تسرعه إلى الإذن لهم قبل أن يتبين له الصادق منهم في عذره من الكاذب ولهذا قال الله سبحانه فيما يأتي في هذه السورة ) فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ( الآية وقال في سورة الفتح ) سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم ( إلى قوله ) قل لن تتبعونا )
التوبة : ( 48 ) لقد ابتغوا الفتنة . . . . .
قوله ) لقد ابتغوا الفتنة من قبل ( أي لقد طلبوا الإفساد والخبال وتفريق كلمة المؤمنين وتشتيت شملهم من قبل هذه الغزوة التى تخلفوا عنك فيها كما وقع من عبد الله بن أبي وغيره ) ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ( قوله ) وقلبوا لك الأمور ( أي صرفوها من أمر إلى أمر ودبروا لك الحيل والمكائد ومنه قول العرب حول قلب إذا كان دائرا حول المكائد والحيل يدير الرأي فيها ويتدبره وقرئ ) وقلبوا ( بالتخفيف ) حتى جاء الحق ( أي إلى غاية هى مجيء الحق وهو النصر لك والتأييد ) وظهر أمر الله ( بإعزاز دينه وإعلاء شرعه وقهر أعدائه وقيل الحق القرآن ) وهم كارهون ( أي والحال أنهم كارهون لمجيء الحق وظهور أمر الله ولكن كان ذلك على رغم منهم
التوبة : ( 49 ) ومنهم من يقول . . . . .
) ومنهم ( أي من المنافقين ) من يقول ( لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ائذن لي ( في التخلف عن الجهاد ) ولا تفتني ( أي لا توقعني في الفتنة أي الإثم إذا لم تأذن لي فتخلفت بغير إذنك وقيل معناه لا توقعني في الهلكة بالخروج ) ألا في الفتنة سقطوا ( أي في نفس الفتنة سقطوا وهى فتنة التخلف عن الجهاد والاعتذار الباطل والمعنى أنهم ظنوا أنهم بالخروج أو بترك الإذن لهم يقعون في الفتنة وهم بهذا التخلف سقطوا في الفتنة العظيمة وفى التعبير بالسقوط ما يشعر بأنهم وقعوا فيها وقوع من يهوى من أعلى إلى أسفل وذلك أشد من مجرد الدخول في الفتنة ثم توعدهم على ذلك فقال ) وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ( أي مشتملة عليهم من جميع الجوانب لا يجدون عنها مخلصا ولا يتمكنون من الخروج منها بحال من الأحوال
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير عن عمرو بن ميمون قال اثنتان فعلهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يؤمر فيهما بشيء إذنه للمنافقين وأخذه من الأسارى فأنزل الله ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عون بن عبد الله قال سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) عفا الله عنك ( الآية قال ناس قالوا استأذنوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( الثلاث الآيات قال نسخها ) فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عنه في قوله ) لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله ( الآية قال هذا تعيير للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد بغير عذر وعذر الله المؤمنين فقال ) فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم ( وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عنه أيضا في قوله ) لا يستأذنك ( الآيتين قال نسختها الآية التى في سورة النور ) إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ( إلى ) إن الله غفور رحيم ( فجعل الله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأعلى النظرين في ذلك من غزا غزا في فضيلة ومن قعد قعد في غير حرج إن شاء الله وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) ولكن كره الله انبعاثهم ( قال خروجهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فثبطهم ( قال حبسهم وأخرج


"""""" صفحة رقم 368 """"""
ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ( قال هؤلاء المنافقون في غزوة تبوك وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ولأوضعوا خلالكم ( قال لأسرعوا بينكم واخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ولا أو ضعوا خلالكم قال لأرفضوا ) يبغونكم الفتنة ( يبطئونكم عبد الله بن نبتل وعبد الله بن أبي بن سلول ورفاعة بن تابوت وأوس بن قيظي ) وفيكم سماعون لهم ( محدثون لهم بأحاديثكم غير منافقين وهم عيون للمنافقين وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن ابن عباس قال لما أراد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخرج إلى غزوة تبوك قال لجد بن قيس يا جد بن قيس ما تقول في مجاهدة بني الأصفر فقال يا رسول الله إني امرؤ صاحب نساء ومتى أرى نساء بني الأصفر أفتتن فأذن لي ولا تفتني فأنزل الله ) ومنهم من يقول ائذن لي ( الآية وأخرج وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله نحوه وأخرج ابن مردويه عن عائشة نحوه أيضا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تفتني ( قال لا تخرجني ) ألا في الفتنة سقطوا ( يعني في الخروج وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ولا تفتني ( قال لا تؤثمني ) ألا في الفتنة ( قال ألا في الإثم وقصة تبوك مذكورة في كتب الحديث والسير فلا نطول بذكرها
سورة براءة الآية ( 50 57 )
التوبة : ( 50 ) إن تصبك حسنة . . . . .
قوله ) إن تصبك حسنة ( أي حسنة كانت بأي سبب اتفق كما يفيده وقوعها في حيز الشرط وكذلك القول في المصيبة وتدخل الحسنة والمصيبة الكائنة في القتال كما يفيده السياق دخولا أوليا فمن جملة ما تصدق عليه الحسنة الغنيمة والظفر ومن جملة ما تصدق عليه المصيبة الخيبة والانهزام وهذا ذكر نوع آخر من خبث ضمائر


"""""" صفحة رقم 369 """"""
المنافقين وسوء أفعالهم والإخبار بعظيم عداوتهم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين فإن المساءة بالحسنة والفرح بالمصيبة من أعظم ما يدل على أنهم في العداوة قد بلغوا إلى الغاية ومعنى ) تولوا ( رجعوا إلى أهلهم عن مقامات الاجتماع ومواطن التحدث حال كونهم فرحين بالمصيبة التى أصابت المؤمنين ومعنى قولهم ) قد أخذنا أمرنا من قبل ( أي احتطنا لأنفسنا وأخذنا بالحزم فلم نخرج إلى القتال كما خرج المؤمنون حتى نالهم ما نالهم من المصيبة
التوبة : ( 51 ) قل لن يصيبنا . . . . .
ثم لما قالوا هذا القول أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يجيب عليهم بقوله ) لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ( أي في اللوح المحفوظ أو في كتابه المنزل علينا وفائدة هذا الجواب أن الإنسان إذا علم أن ما قدره الله كائن وأن كل ما ناله من خير أو شر إنما هو بقدر الله وقضائه هانت عليه المصائب ولم يجد مرارة شماتة الأعداء وتشفي الحسدة ) هو مولانا ( أي ناصرنا وجاعل العاقبة لنا ومظهر دينه على جميع الأديان والتوكل على الله تفويض الأمور إليه والمعنى أن من حق المؤمنين أن يجعلوا توكلهم مختصا بالله سبحانه لا يتوكلون على غيره وقرأ طلحة بن مصرف ) يصيبنا ( بتشديد الياء وقرأ أعين قاضى الرى ) يصيبنا ( بنون مشددة وهو لحن لأن الخبر لا يؤكد ورد بمثل قوله تعالى ) هل يذهبن كيده ما يغيظ ( وقال الزجاج معناه لايصيبنا إلا ما اختصنا الله من النصرة عليكم أو الشهادة وعلى هذا القول يكون قوله ) قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ( تكريرا لغرض التأكيد والأول أولى حتى يكون كل واحد من الجوابين اللذين أمر الله سبحانه رسوله بأن يجيب عليهم بهما مفيدا لفائدة غير فائدة الآخر والتأسيس خير من التأكيد
التوبة : ( 52 ) قل هل تربصون . . . . .
ومعنى ) هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ( هل تنتظرون بنا إلا إحدى الخصلتين الحسنيين إما النصرة أو الشهادة وكلاهما مما يحسن لدينا والحسنى تأنيث الأحسن ومعنى الاستفهام التقريع والتوبيخ ) ونحن نتربص بكم ( إحدى المساءتين لكم إما ) أن يصيبكم الله بعذاب من عنده ( أي قارعة نازلة من السماء فيسحتكم بعذابه ) أو ( بعذاب لكم ) بأيدينا ( أي بإظهار الله لنا عليكم بالقتل والأسر والنهب والسبي والفاء في فتربصوا فصيحة والأمر للتهديد كما في قوله ) ذق إنك أنت العزيز الكريم ( أي تربصوا بنا ما ذكرنا من عاقبتنا فنحن معكم متربصون ما هو عاقبتكم فستنظرون عند ذلك ما يسرنا ويسوؤكم وقرأ البزى وابن فليح ) هل تربصون ( بإظهار اللام وتشديد التاء وقرأ الكوفيون بإدغام اللام في التاء وقرأ الباقون بإظهار اللام وتخفيف التاء
التوبة : ( 53 ) قل أنفقوا طوعا . . . . .
قوله ) قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ( هذا الأمر معناه الشرط والجزاء لأن الله سبحانه لا يأمرهم بما لا يتقبله منهم والتقدير إن أنفقتم طائعين أو مكرهين فلن يتقبل منكم وقيل هو أمر في معنى الخبر أي أنفقتم طوعا أو كرها لن يتقبل منكم فهو كقوله ) استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ( وفيه الإشعار بتساوي الأمرين في عدم القبول وانتصاب طوعا أو كرها على الحال فهما مصدران في موقع المشتقين أي أنفقوا طائعين من غير أمر من الله ورسوله أو مكرهين بأمر منهما وسمى الأمر منهما إكراها لأنهم منافقون لا يأتمرون بالأمر فكانوا بأمرهم الذى لا يأتمرون به كالمكرهين على الإنفاق أو طائعين من غير إكراه من رؤسائكم أو مكرهين منهم وجملة ) إنكم كنتم قوما فاسقين ( تعليل لعدم قبول إنفاقهم والفسق التمرد والعتو وقد سبق بيانه لغة وشرعا
التوبة : ( 54 ) وما منعهم أن . . . . .
ثم بين سبحانه السبب المانع من قبول نفقاتهم فقال ) وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ( أي كفرهم بالله وبرسوله جعل المانع من القبول ثلاثة أمور الأول الكفر الثاني أنهم لا يصلون في حال من الأحوال إلا في حال الكسل والتثاقل لأنهم لا يرجون ثوابا ولا يخافون عقابا فصلاتهم ليست إلا رياء للناس وتظهرا بالإسلام الذى يبطنون خلافه والثالث أنهم لا ينفقون أموالهم إلا وهم كارهون ولا ينفقونها طوعا لأنهم يعدون إنفاقها وضعا لها في مضيعة لعدم إيمانهم بما وعد الله ورسوله
التوبة : ( 55 ) فلا تعجبك أموالهم . . . . .
قوله ) فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ( الإعجاب بالشيء أن يسر به سرورا راض به


"""""" صفحة رقم 370 """"""
متعجب من حسنه قيل مع نوع من الافتخار واعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه والمعنى لا تستحسن ما معهم من الأموال والأولاد ) إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ( بما يحصل معهم من الغم والحزن عند أن يغنمها المسلمون ويأخذوها قسرا من أيديهم مع كونها زينة حياتهم وقرة أعينهم وكذا في الآخرة يعذبهم بعذاب النار بسبب عدم الشكر لربهم الذى أعطاهم ذلك وترك ما يجب عليهم من الزكاة فيها والتصدق بما يحق التصدق به وقيل في الكلام تقديم وتأخير والمعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة لأنهم منافقون فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون قوله ) وتزهق أنفسهم وهم كافرون ( الزهوق الخروج بصعوبة والمعنى أن الله يريد أن تزهق أنفسهم وتخرج أرواحهم حال كفرهم لعدم قبولهم لما جاءت به الأنبياء وأرسلت به الرسل وتصميمهم على الكفر وتماديهم في الضلالة
التوبة : ( 56 ) ويحلفون بالله إنهم . . . . .
ثم ذكر الله سبحانه نوعا آخر من قبائح المنافقين فقال ) ويحلفون بالله إنهم لمنكم ( أي من جملتكم في دين الإسلام والانقياد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولكتاب الله سبحانه ) وما هم منكم ( في ذلك إلا بمجرد ظواهرهم دون بواطنهم ) ولكنهم قوم يفرقون ( أي يخافون أن ينزل بهم ما نزل بالمشركين من القتل والسبي فيظهرون لكم الإسلام تقية منهم لا عن حقيقة
التوبة : ( 57 ) لو يجدون ملجأ . . . . .
) لو يجدون ملجأ ( يلتجئون إليه ويحفظون نفوسهم فيه منكم من حصن أو غيره ) أو مغارات ( جمع مغارة من غار يغير قال الأخفش ويجوز أن يكون من أغار يغير والمغارات الغيران والسراديب وهى المواضع التى يستتر فيها ومنه غار الماء وغارت العين والمعنى لو وجدوا أمكنة يغيبون فيها أشخاصهم هربا منكم ) أو مدخلا ( من الدخول أي مكانا يدخلون فيه من الأمكنة التى ليست مغارات قال النحاس الأصل فيه متدخل قلبت التاء دالا وقيل أصله مدتخل وقرأ أبي متدخلا وروى عنه أنه قرأ مندخلا بالنون وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محيصن ) أو مدخلا ( بفتح الميم وإسكان الدال قال الزجاج ويقرأ ) أو مدخلا ( بضم الميم وإسكان الدال وقرأ الباقون بتشديد الدال مع ضم الميم ) لولوا إليه ( أي لالتجئوا إليه وأدخلوا أنفسهم فيه و الحال أن ) وهم يجمحون ( أي يسرعون إسراعا لا يردهم شيء من جمح الفرس إذا لم يرده اللجام ومنه قول الشاعر سبوح جموح وإحضارها
كمعمعة السعف الموقد
والمعنى لو وجدوا شيئا من هذه الأشياء المذكورة لولوا إليه مسرعين هربا من المسلمين
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أخبار السوء يقولون إن محمدا وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبي وأصحابه فساءهم ذلك فأنزل الله ) إن تصبك حسنة تسؤهم ( الآية وأخرج سنيد وابن جرير عن ابن عباس ) إن تصبك حسنة تسؤهم ( يقول إن يصبك في سفرك هذه الغزوة تبوك حسنة تسؤهم قال الجد وأصحابه يعني الجد بن قيس وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ( قال إلا ما قضى الله لنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ) هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ( قال فتح أو شهادة وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) أو بأيدينا ( قال القتل بالسيوف وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال الجد بن قيس إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن ولكن أعينك بمالي قال ففيه نزلت ) قل أنفقوا طوعا أو كرها ( الآية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) فلا تعجبك أموالهم ( قال هذه من تقاديم الكلام يقول لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال إنما يريد الله ليعذبهم بها


"""""" صفحة رقم 371 """"""
فى الآخرة وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وتزهق أنفسهم وهم كافرون ( قال تزهق أنفسهم في الحياة الدنيا ) وهم كافرون ( قال هذه آية فيها تقديم وتأخير وأخرج أبو حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) فلا تعجبك ( يقول لا يغررك ) وتزهق ( قال تخرج أنفسهم قال في الدنيا وهم كافرون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) لو يجدون ملجأ ( الآية قال الملجأ الحرز في الجبال والمغارات الغيران والمدخل السرب وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي ) وهم يجمحون ( قال يسرعون
سورة براءة الآية ( 58 60 )
التوبة : ( 58 ) ومنهم من يلمزك . . . . .
قوله ) ومنهم من يلمزك ( هذا ذكر نوع آخر قبائحهم يقال لمزه يلمزه إذا عابه قال الجوهري اللمز العيب وأصله الإشارة بالعين ونحوها وقد لمزه يلمزه ويلمزه ورجل لماز ولمزة أي عياب قال الزجاج لمزت الرجل ألمزه وألمزه بكسر الميم وضمها إذا عبته وكذا همزته ومعنى الآية ومن المنافقين من يعيبك في الصدقات أي في تفريقها وقسمتها وروى عن مجاهد أنه قال معنى ) يلمزك ( يرزؤك ويسألك والقول عند أهل اللغة هو الأول كما قال النحاس وقريء يلمزك بضم الميم ويلمزك بكسرها مع التشديد وقرأ الجمهور بكسرها مخففة ) فإن أعطوا منها ( أي من الصدقات بقدر ما يريدون ) رضوا ( بما وقع من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يعيبوه وذلك لأنه لا مقصد لهم إلا حطام الدنيا وليسوا من الدين في شيء ) وإن لم يعطوا منها ( أي من الصدقات ما يريدونه ويطلبونه ) إذا هم يسخطون ( أي وإن لم يعطوا فاجئوا السخط وفائدة إذا الفجائية أن الشرط مفاجيء للجزاء وهاجم عليه وقد نابت إذا الفجائية مناب فاء الجزاء
التوبة : ( 59 ) ولو أنهم رضوا . . . . .
) ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله ( أي ما فرضه الله لهم وما أعطاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الصدقات وجواب لو محذوف أي لكان خيرا لهم فإن فيما أعطاهم الخير العاجل والآجل ) وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله ( أي قالوا هذه المقالة عند أن أعطاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما هو لهم أي كفانا الله سيعطينا من فضله ويعطينا رسوله بعد هذا ما نرجوه ونؤمله ) إنا إلى الله راغبون ( في أن يعطينا من فضله ما نرجوه
التوبة : ( 60 ) إنما الصدقات للفقراء . . . . .
قوله ) إنما الصدقات للفقراء ( لما لمز المنافقون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قسمة الصدقات بين الله لهم مصرفها دفعا لطعنهم وقطعا لشغبهم و ) إنما ( من صيغ القصر وتعريف الصدقات للجنس أي جنس هذه الصدقات مقصور على هذه الأصناف المذكورة لا يتجاوزها بل هى لهم لا لغيرهم
وقد اختلف أهل العلم هل يجب تقسيط الصدقات على هذه الأصناف الثمانية أو يجوز صرفها إلى البعض


"""""" صفحة رقم 372 """"""
دون البعض على حسب ما يراه الإمام أو صاحب الصدقة فذهب إلى الأول الشافعي وجماعة من أهل العلم وذهب إلى الثاني مالك وأبو حنيفة وبه قال عمر وحذيفة وابن عباس وأبو العالية وسعيد بن جبير وميمون بن مهران قال ابن جرير وهو قول عامة أهل العلم احتج الأولون بما في الآية من القصر وبحديث زياد بن الحرث الصدائي عند أبي داود والدارقطني قال أتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فبايعته فأتى رجل فقال أعطني من الصدقة فقال له إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أصناف فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك وأجاب الآخرون بأن ما في الآية من القصر إنما هو لبيان الصرف والمصرف لا لوجوب استيعاب الأصناف وبأن في إسناد الحديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف
ومما يؤيد ما ذهب إليه الآخرون قوله تعالى ) إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ( والصدقة تطلق على الواجبة كما تطلق على المندوبة وصح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم وقد ادعى مالك الإجماع على القول الآخر قال ابن عبد البر يريد إجماع الصحابة فإنه لا يعلم له مخالفا منهم قوله ) للفقراء ( قدمهم لأنهم أحوج من البقية على المشهور لشدة فاقتهم وحاجتهم
وقد اختلف أهل العلم في الفرق بين الفقير والمسكين على أقوال فقال يعقوب بن السكيت والقتيبي ويونس ابن حبيب إن الفقير أحسن حالا من المسكين قالوا لأن الفقير هو الذى له بعض ما يكفيه ويقيمه والمسكين الذى لا شيء له وذهب إلى هذا قوم من أهل الفقه منهم أبو حنيفة وقال آخرون بالعكس فجعلوا المسكين أحسن حالا من الفقير واحتجوا بقوله تعالى ) أما السفينة فكانت لمساكين ( فأخبر أن لهم سفينة من سفن البحر وربما ساوت جملة من المال ويؤيده تعوذ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الفقر مع قوله اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا وإلى هذا ذهب الأصمعي وغيره من أهل اللغة وحكاه الطحاوي عن الكوفيين وهو أحد قولي الشافعي وأكثر أصحابه وقال قوم إن الفقير والمسكين سواء لا فرق بينهما وهو أحد قولي الشافعي وإليه ذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك وبه قال أبو يوسف وقال قوم الفقير المحتاج المتعفف والمسكين السائل قاله الأزهري واختاره ابن شعبان وهو مروي عن ابن عباس وقد قيل غير هذه الأقوال مما لا يأتي الاستكثار منه بفائدة يعتد بها والأولى في بيان ماهية المسكين ما ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان قالوا فما المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئا قوله ) والعاملين عليها ( أي السعاة والجباة الذين يبعثهم الإمام لتحصيل الزكاة فإنهم يستحقون منها قسطا
وقد اختلف في القدر الذى يأخذونه منها فقيل الثمن روى ذلك عن مجاهد والشافعي وقيل على قدر أعمالهم من الأجرة روى ذلك عن أبي حنيفة وأصحابه وقيل يعطون من بيت المال قدر أجرتهم روى ذلك عن مالك ولا وجه لهذا فإن الله قد أخبر بأن لهم نصيبا من الصدقة فكيف يمنعون منها ويعطون من غيرها واختلفوا هل يجوز أن يكون العامل هاشميا أم لا فمنعه قوم وأجازه آخرون قالوا ويعطى من غير الصدقة قوله ) والمؤلفة قلوبهم ( هم قوم كانوا في صدر الإسلام فقيل هم الكفار الذين كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتألفهم ليسلموا وكانوا لا يدخلون في الإسلام بالقهر والسيف بل بالعطاء وقيل هم قوم أسلموا في الظاهر


"""""" صفحة رقم 373 """"""
ولم يحسن إسلامهم فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتألفهم بالعطاء وقيل هم من أسلم من اليهود والنصارى وقيل هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع أعطاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليتألفوا أتباعهم على الإسلام وقد أعطى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جماعة ممن أسلم ظاهرا كأبي سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى أعطى كل واحد منهم مائة من الإبل تألفهم بذلك وأعطى آخرين دونهم
وقد اختلف العلماء هل سهم المؤلفة قلوبهم باق بعد ظهور الإسلام أم لا فقال عمر والحسن والشعبي قد انقطع هذا الصنف بعزة الإسلام وظهوره وهذا مشهور من مذهب مالك وأصحاب الرأي وقد ادعى بعض الحنفية أن الصحابة أجمعت على ذلك وقال جماعة من العلماء سهمهم باق لان الإمام ربما احتاج أن يتألف على الإسلام وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين قال يونس سألت الزهري عنهم فقال لا أعلم نسخ ذلك وعلى القول الأول يرجع سهمهم لسائر الأصناف قوله ) وفي الرقاب ( أي في فك الرقاب بأن يشترى رقابا ثم يعتقها روى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وبه قال مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وقال الحسن البصري ومقاتل بن حيان وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير والنخعي والزهري وابن زيد إنهم المكاتبون يعانون من الصدقة على مال الكتابة وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي ورواية عن مالك والأولى حمل ما في الآية على القولين جميعا لصدق الرقاب على شراء العبد وإعتاقه وعلى إعانة المكاتب على مال الكتابة قوله ) والغارمين ( هم الذين ركبتهم الذنوب ولا وفاء عندهم بها ولا خلاف في ذلك إلا من لزمه دين في سفاهة فإنه لا يعطى منها ولا من غيرها إلا أن يتوب وقد أعان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الصدقة من تحمل حمالة وأرشد إلى إعانته منها
قوله ) وفي سبيل الله ( هم الغزاة والمرابطون يعطون من الصدقة ما ينفقون في غزوهم ومرابطتهم وإن كانوا أغنياء وهذا قول أكثر العلماء وقال ابن عمر هم الحجاج والعمار وروى عن أحمد وإسحاق أنهما جعلا الحج من سبيل الله وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيرا منقطعا به قوله ) وابن السبيل ( هو المسافر والسبيل الطريق ونسب إليها المسافر لملازمته إياها والمراد الذى انقطعت به الأسباب في سفره عن بلده ومستقره فإنه يعطى منها وإن كان غنيا في بلده وإن وجد من يسلفه وقال مالك إذا وجد من يسلفه فلا يعطى قوله ) فريضة من الله ( مصدر مؤكد لأن قوله ) إنما الصدقات للفقراء ( معناه فرض الله الصدقات لهم
والمعنى أن كون الصدقات مقصورة على هذه الأصناف هو حكم لازم فرضه الله على عباده ونهاهم عن مجاوزته ) والله عليم ( بأحوال عباده ) حكيم ( في أفعاله وقيل إن ) فريضة ( منتصبة بفعل مقدر أي فرض الله ذلك فريضة قال في الكشاف فإن قلت لم عدل عن اللام إلى ) في ( في الأربعة الآخرة قلت للإيذان بأنها أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره وقيل النكتة في العدول أن الأصناف الأربعة الأول يصرف المال إليهم حتى ينصرفوا به كما شاءوا وفي الأربعة الأخيرة لا يصرف المال إليهم بل يصرف إلى جهات الحاجات المعتبرة في الصفات التى لأجلها استحقوا سهم الزكاة كذا قيل
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال بينما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التيمي فقال اعدل يا رسول الله فقال ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل فقال عمر بن الخطاب ائذن لي فأضرب عنقه فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من


"""""" صفحة رقم 374 """"""
الدين كما يمرق السهم من الرمية الحديث حتى قال وفيهم نزلت ) ومنهم من يلمزك في الصدقات ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ومنهم من يلمزك ( قال يرزوك يسألك وأخرج ابن المنذري عن قتادة قال يطعن عليك وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال لما قسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) غنائم حنين سمعت رجلا يقول إن هذه لقسمة ما أريد بها الله فأتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وذكرت ذلك له فقال رحمة الله على موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ونزل ) ومنهم من يلمزك في الصدقات ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نسخت هذه الآية كل صدقة في القرآن ) إنما الصدقات للفقراء ( الآية
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ عن حذيفة في قوله ) إنما الصدقات للفقراء ( الآية قال إن شئت جعلتها في صنف واحد من الأصناف الثمانية التى سمى الله أو صنفين أو ثلاثة وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي العالية والحسن وعطاء وإبراهيم وسعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن المنذر والنحاس عن ابن عباس قال الفقراء فقراء المسلمين والمساكين الطوافون وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ عن قتادة قال الفقير الذى به زمانه والمسكين المحتاج الذى ليس به زمانة
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر في قوله ) إنما الصدقات للفقراء ( قال هم زمني أهل الكتاب وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) والعاملين عليها ( قال السعاة أصحاب الصدقة وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) والمؤلفة قلوبهم ( قال هم قوم كانوا يأتون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد أسلموا وكان يرضخ لهم من الصدقات فإذا أعطاهم من الصدقة فأصابوا منها خيرا قالوا هذا دين صالح وإن كان غير ذلك عابوه وتركوه وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد قال بعث علي بن أبي طالب من اليمن إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذهيبة فيها تربتها فقسمها بين أربعة من المؤلفة الأقرع بن حابس الحنظلي وعلقمة بن علاثة العامري وعيينة بن بدر الفزاري وزيد الخيل الطائي فقالت قريش والأنصار يقسم بين صناديد أهل نجد ويدعنا فقال النبي صلى الله عليه وآله و سلم إنما أتألفهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الزهري أنه سئل عن المؤلفة قلوبهم قال من أسلم من يهودي أو نصراني قلت وإن كان موسرا قال وإن كان موسرا وأخرج هؤلاء عن أبي جعفر قال ليس اليوم مؤلفة قلوبهم وأخرج هؤلاء أيضا عن الشعبي مثله واخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله وفي الرقاب قال هم المكاتبون وأخرج ابن المنذر عن النخعي نحوه وأخرج أيضا عن عمر بن عبد الله قال سهم الرقاب نصفان نصف لكل مكاتب ممن يدعى الإسلام والنصف الآخر يشترى به رقاب ممن صلى وصام وقدم إسلامه من ذكر وأنثى يعتقون لله
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يعطى الرجل من زكاته في الحج وأن يعتق منها رقبة وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري أنه سئل عن الغارمين قال أصحاب الدين وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي جعفر في قوله ) والغارمين ( قال هو الذى يسأل في دم أو جائحة تصيبه ) وفي سبيل الله ( قال هم المجاهدون ) وابن السبيل ( قال المنقطع به يعطى قدر ما يبلغه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ابن السبيل هو الضيف الفقير الذى ينزل بالمسلمين وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة العامل عليها أو الرجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل الله أو مسكين تصدق عليه فأهدى منها لغني وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر عن


"""""" صفحة رقم 375 """"""
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي وأخرج أحمد عن رجل من بني بني هلال قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر مثله وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عدي بن الجيار قال أخبرني رجلان أنهما أتيا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع فينا البصر وخفضه قرآنا جلدين فقال إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوى مكتسب
سورة براءة الآية ( 61 66 )
التوبة : ( 61 ) ومنهم الذين يؤذون . . . . .
قوله ) ومنهم ( هذا نوع آخر بما حكاه الله من فضائح المنافقين وقبائحهم وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) على وجه الطعن والذم هو أذن قال الجوهري يقال رجل أذن إذا كان يسمع مقال كل أحد يستوى فيه الواحد والجمع ومرادهم أقمأهم الله أنهم إذا آذوا النبي وبسطوا فيه ألسنهم وبلغه ذلك اعتذروا به وقبل ذلك منهم لأنه يسمع كل ما يقال له فيصدقه وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدقه أنه أذن مبالغة لأنهم سموه بالجارحة التى هى آلة السماع حتى كأن جملته أذن سامعة ونظيره قولهم للربيئة عين وإيذاؤهم له هو قوله ) هو أذن ( لأنهم نسبوه إلى أنه يصدق كل ما يقال له ولا يفرق بين الصحيح والباطل اغترارا منهم بحلمه عنهم وصفحه عن جناياتهم كرما وحلما وتغاضيا ثم أجاب الله عن قولهم هذا فقال ) قل أذن خير لكم ( بالإضافة على قراءة الجمهور وقرأ الحسن بالتنوين وكذا قرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه كأنه قيل نعم هو أذن ولكن نعم الأذن هو لكونه أذن خير لكم وليس بأذن في غير ذلك كقولهم رجل صدق يريدون الجودة والصلاح والمعنى أنه يسمع الخير ولا يسمع الشر وقريء ) آذن ( بسكون الذال وضمها ثم فسر كونه أذن خير بقوله ) يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ( أي يصدق بالله ويصدق المؤمنين لما علم فيهم من خلوص الإيمان فتكون اللام في ) للمؤمنين ( للتقوية كما قال الكوفيون أو متعلقة بمصدر محذوف كما قال المبرد وقرأ الجمهور ) ورحمة ( بالرفع عطف على أذن وقرأ حمزة بالخفض عطفا على خير والمعنى على القراءة


"""""" صفحة رقم 376 """"""
الأولى هو أنه أذن خير وأنه هو رحمة للمؤمنين وعلى القراءة الثانية أنه أذن خير وأذن رحمة قال النحاس
وهذا عند أهل العربية بعيد يعني قراءة الجر لأنه قد تباعد بين الاسمين وهذا يقبح في المخفوض والمعنى أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أذن خير للمنافقين ) ورحمة ( لهم حيث لم يكشف أسرارهم ولافضحهم فكأنه قال هو أذن كما قلتم لكنه أذن خير لكم لا أذن سوء فسلم لهم قولهم فيه إلا أنه فسره بما هو مدح له وثناء عليه وإن كانوا قصدوا به المذمة والتقصير بفطنته ومعنى ) للذين آمنوا منكم ( أي الذين أظهروا الإيمان وإن لم يكونوا مؤمنين حقيقة ) والذين يؤذون رسول الله ( ( صلى الله عليه وسلم ) بما تقدم من قولهم هو أذن ونحو ذلك مما يصدق عليه أنه أذية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لهم عذاب أليم ( أي شديد الألم وقرأ ابن أبي عبلة ) ورحمة للمؤمنين ( بالنصب على أنها علة لمعلل محذوف أي ورحمة لكم يأذن لكم
التوبة : ( 62 ) يحلفون بالله لكم . . . . .
ثم ذكر أن من قبائح المنافقين إقدامهم على الإيمان الكاذبة فقال ) يحلفون بالله لكم ليرضوكم ( والخطاب للمؤمنين وذلك أن المنافقين كانوا في خلواتهم يطعنون على المؤمنين وعلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا بلغ ذلك إلى رسول الله وإلى المؤمنين جاء المنافقون فحلفوا على أنهم لم يقولوا ما بلغ عنهم قاصدين بهذه الأيمان الكاذبة أن يرضوا رسول الله ومن معه من المؤمنين فنعى الله ذلك عليهم وقال ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( أي هما أحق بذلك من إرضاء المؤمنين بالأيمان الكاذبة فإنهم لو اتقوا الله وآمنوا به وتركوا النفاق لكان ذلك أولى لهم وإفراد الضمير في يرضوه إما للتعظيم للجناب الإلهي بإفراده بالذكر أو لكونه لا فرق بين إرضاء الله وإرضاء رسوله فإرضاء الله إرضاء لرسوله أو المراد الله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك كما قال سيبويه ورجحه النحاس أو لأن الضمير موضوع موضع اسم الإشارة فإنه يشار به إلى الواحد المتعدد أو الضمير راجع إلى المذكور وهو يصدق عليهما وقال الفراء المعنى ورسوله أحق أن يرضوه والله افتتاح كلام كما تقول ما شاء الله وهذه الجملة أعنى ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( في محل نصب على الحال وجواب ) إن كانوا مؤمنين ( محذوف أي إن كانوا مؤمنين فليرضوا الله ورسوله
التوبة : ( 63 ) ألم يعلموا أنه . . . . .
قوله ) ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم ( قرأ الحسن وابن هرمز ألم تعلموا بالفوقية وقرأ الباقون بالتحتية والمحاددة وقوع هذا في حد وذلك في حد كالمشاققة يقال حاد فلان فلانا أي صار في حد غير حده ) فأن له نار جهنم ( قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنه خبر مبتدأ محذوف أي فحق أن له نار جهنم وقال الخليل وسيبويه إن ) إن ( الثانية مبدلة من الأولى وزعم المبرد أن هذا القول مردود وأن الصحيح ما قال الجرمي أن الثانية مكررة للتوكيد لما طال الكلام وقال الأخفش المعنى فوجوب النار له وأنكره المبرد وقال هذا خطأ من أجل أن ) إن ( المفتوحة المشددة لا يبتدأ بها ويضمر الخبر وقرئ بكسر الهمزة قال سيبويه وهى قراءة جيدة وأنشد وإني إذا ملت ركابي مناخها
فإني على حظى من الأمر جامح
وانتصاب خالدا على الحال والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما ذكر من العذاب وهو مبتدأ وخبره ) الخزي العظيم ( أي الخزي البالغ إلى الغاية التى لا يبلغ إليها غيره وهو الذل والهوان
التوبة : ( 64 ) يحذر المنافقون أن . . . . .
قوله ) يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة ( قيل هو خبر وليس بأمر وقال الزجاج معناه ليحذر فالمعنى على القول الأول أن المنافقين كانوا يحذرون نزول القرآن فيهم وعلى الثاني الأمر لهم بأن يحذروا ذلك وأن ) تنزل ( في موضع نصب أي من أن تنزل ويجوز على قول سيبويه أن يكون في موضع خفض على تقدير من وإعمالها ويجوز أن يكون النصب على المفعولية وقد أجاز سيبويه حذرت زيدا وأنشد


"""""" صفحة رقم 377 """"""
حذر أمورا لاتضير وآمن
ما ليس ينجيه من الأقدار
ومنع من النصب على المفعولية المبرد ومعنى ) عليهم ( أي على المؤمنين في شأن المنافقين على أن الضمير للمؤمنين والأولى أن يكون الضمير للمنافقين أي في شأنهم ) تنبئهم ( أي المنافقين ) بما في قلوبهم ( مما يسرونه فضلا عما يظهرونه وهم وإن كانوا عالمين بما في قلوبهم فالمراد من إنباء السورة لهم إطلاعهم على أن المؤمنين قد علموا بما في قلوبهم ثم أمر الله رسوله بأن يجيب عليهم فقال ) قل استهزؤوا إن الله مخرج ما تحذرون ( هو أمر تهديد أي افعلوا الاستهزاء إن الله مخرج ما تحذرون من ظهوره حتى يطلع عليه المؤمنون إما بإنزال سورة أو بإخبار رسوله بذلك أو نحو ذلك
التوبة : ( 65 ) ولئن سألتهم ليقولن . . . . .
قوله ) ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ( أي ولئن سألتهم عما قالوه من الطعن في الدين وثلب المؤمنين بعد أن يبلغ إليك ذلك ويطلعك الله عليه ليقولن إنما كنا نخوض ونعلب ولم نكن في شيء من أمرك ولا أمر المؤمنين ثم أمره الله أن يجيب عنهم فقال ) قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون ( والاستفهام للتقريع والتوبيخ وأثبت وقوع ذلك منهم ولم يعبأ بإنكارهم لأنهم كانوا كاذبين في الإنكار بل جعلهم كالمعترفين بوقوع ذلك منهم حيث جعل المستهزأ به والباء لحرف النفي فإن ذلك إنما يكون بعد وقوع الاستهزاء وثبوته
التوبة : ( 66 ) لا تعتذروا قد . . . . .
ثم قال ) لا تعتذروا ( نهيا لهم عن الاشتغال بالاعتذارات الباطنة فإن ذلك غير مقبول منهم وقد نقل الواحدي عن أئمة اللغة أن معنى الاعتذار محو أثر الذنب وقطعه من قولهم اعتذر المنزل إذا درس واعتذرت المياه إذا انقطعت ) قد كفرتم ( أي أظهرتم الكفر بما وقع منكم من الاستهزاء المذكور ) بعد إيمانكم ( أي بعد إظهاركم الإيمان مع كونكم تبطنون الكفر ) إن نعف عن طائفة منكم ( وهم من أخلص الإيمان وترك النفاق وتاب عنه قال الزجاج الطائفة في اللغة الجماعة قال ابن الأنباري ويطلق لفظ الجمع على الواحد عند العرب ) نعذب طائفة ( سبب ) إنهم كانوا مجرمين ( مصرين على النفاق لم يتوبوا منه قريء نعذب بالنون وبالتاء الفوقية على البناء للمفعول وبالتحتية على البناء للفاعل وهو الله سبحانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان نبتل بن الحارث يأتي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيجلس إليه فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين وهو الذى قال لهم إنما محمد أذن
من حدثه بشيء صدقه فأنزل الله فيه ) ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال اجتمع ناس من المنافقين فيهم خلاس بن سويد بن صامت ومخشى بن حمير ووديعة بن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنهى بعضهم بعضا وقالوا إنا نخاف أن يبلغ محمدا فيقع بكم فقال بعضهم إنما محمد أذن نحلف له فيصدقنا فنزل ) ومنهم الذين يؤذون النبي ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) هو أذن ( يعني أنه يسمع من كل أحد قال الله تعالى ) أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ( يعني يصدق بالله ويصدق المؤمنين وأخرج الطبراني وابن عساكر وابن مردويه عن عمير بن سعد قال في أنزلت هذه الآية ) ويقولون هو أذن ( وذلك أن عمير بن سعد كان يسمع أحاديث أهل المدينة فيأتي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيساره حتى كانوا يتأذون بعمير بن سعد وكرهوا مجالسته وقال ) هو أذن ( فأنزلت فيه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا ولئن كان ما يقول محمد حقا لهم شر من الحمير فسمعها رجل من المسلمين فقال والله إن ما يقول محمد لحق ولأنت شر من الحمار فسعى بها الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه


"""""" صفحة رقم 378 """"""
وآله وسلم فأخبره فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال ما حملك على الذى قلت فجعل يلتعن ويحلف بالله ما قال ذلك وجعل الرجل المسلم يقول اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب فأنزل الله في ذلك ) يحلفون بالله لكم ليرضوكم ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي مثله وسمى الرجل المسلم عامر بن قيس من الأنصار وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك ) ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله ( يقول يعادي الله ورسوله وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) يحذر المنافقون ( الآية قال يقولون القول فيما بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا هذا وأخرج أبو نعيم في الحلية عن شريح بن عبيد أن رجلا قال لأبي الدرداء يا معشر القراء ما بالكم أجبن منا وأبخل إذا سئلتم وأعظم لقما إذا أكلتم فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يرد عليه بشيء فأخبر بذلك عمر بن الخطاب فانطلق عمر إلى الرجل الذى قال ذلك فقال بثوبه وخنقه وقاده إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال الرجل إنما كنا نخوض ونلعب فأوحى الله إلى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله ابن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونزل القرآن قال عبد الله فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والحجارة تنكبه وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ) أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون ( وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب في رواية مالك عن ابن عمر فقال رأيت عبد الله بن أبي وهو يشتد قدام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والأحجار تنكبه وهو يقول يا محمد إنما كنا نخوض ونلعب والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ) أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال بينما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة إلى تبوك وبين يديه أناس من المنافقين فقالوا أيرجو هذا الرجل أن تفتح له قصور الشام وحصونها هيهات هيهات فأطلع الله نبيه على ذلك فقال نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) احبسوا علي هؤلاء الركب فأتاهم فقال قلتم كذا قالوا يا نبي الله إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله فيهم ما تسمعون وقد روى نحو هذا من طرق عن جماعة من الصحابة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن نعف عن طائفة ( قال الطائفة الرجل والنفر
سورة براءة الآية ( 67 68 )


"""""" صفحة رقم 379 """"""
سورة براءة الآية ( 69 70 )
التوبة : ( 67 ) المنافقون والمنافقات بعضهم . . . . .
قوله ) المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ( ذكر هاهنا جملة أحوال المنافقين وأن ذكورهم في ذلك كإناثهم وأنهم متناهون في النفاق والبعد عن الإيمان وفيه إشارة إلى نفي أن يكونوا من المؤمنين ورد لقولهم ) ويحلفون بالله إنهم لمنكم ( ثم فصل ذلك المجمل ببيان مضادة حالهم لحال المنافقين فقال ) يأمرون بالمنكر ( وهو كل قبيح عقلا أو شرعا ) وينهون عن المعروف ( وهو كل حسن عقلا أو شرعا قال الزجاج هذا متصل بقوله ) ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ( أي ليسوا من المؤمنين ولكن بعضهم من بعض أي متشابهون في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ) ويقبضون أيديهم ( أي يشحون فيما ينبغى إخراجه من المال في الصدقة والصلة والجهاد فالقبض كناية عن الشح كما أن البسط كناية عن الكرم والنسيان الترك أي تركوا ما أمرهم به فتركهم من رحمته وفضله لأن النسيان الحقيقي لا يصح إطلاقه على الله سبحانه وإنما أطلق عليه هنا من باب المشاكلة المعروفة في علم البيان ثم حكم عليهم بالفسق أي الخروج عن طاعة الله إلى معاصيه وهذا التركيب يفيد أنهم هم الكاملون في الفسق
التوبة : ( 68 ) وعد الله المنافقين . . . . .
ثم بين مآل حال أهل النفاق والكفر بأنه ) نار جهنم ( و ) خالدين فيها ( حال مقدرة أي مقدرين الخلود وفي هذه الآية دليل على أن وعد يقال في الشر كما يقال في الخير ) هي حسبهم ( أي كافيتهم لا يحتاجون إلى زيادة على عذابها و مع ذلك فقد ) لعنهم الله ( أي طردهم وأبعدهم من رحمته ) ولهم عذاب مقيم ( أي نوع آخر من العذاب دائم لا ينفك عنهم
التوبة : ( 69 ) كالذين من قبلكم . . . . .
قوله ) كالذين من قبلكم ( شبه حال المنافقين بالكفار الذين كانوا من قبلهم ملتفتا من الغيبة إلى الخطاب والكاف محلها رفع على خبرية مبتدأ محذوف أي أنتم مثل الذين من قبلكم أو محلها نصب أي فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم من الأمم وقال الزجاج التقدير وعد الله الكفار نار جهنم وعدا كما وعد الذين من قبلكم وقيل المعنى فعلتم كأفعال الذين من قبلكم في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحذف المضاف ثم وصف حال أولئك الكفار الذين من قبلهم وبين وجه تشبيههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم بأنهم كانوا أشد من هؤلاء المنافقين والكفار المعاصرين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا ( أي تمتعوا ) بخلاقهم ( أي نصيبهم الذى قدره الله لهم من ملاذ الدنيا ) فاستمتعتم ( أنتم ) بخلاقكم ( أ ي نصيبكم الذى قدره الله لكم ) كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم ( أي انتفعتم به كما انتفعوا به والغرض من هذا التمثيل ذم هؤلاء المنافقين والكفار بسبب مشابهتهم لمن قبلهم من الكفار في الاستمتاع بما رزقهم الله وقد قيل ما فائدة ذكر الاستمتاع بالخلاق في حق الأولين مرة ثم في حق المنافقين ثانيا ثم تكريره في حق الأولين ثالثا وأجيب بأنه تعالى ذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا وحرمانهم عن سعادة الآخرة بسبب استغراقهم في تلك الحظوظ فلما قرر تعالى هذا عاد فشبه حال المنافقين بحالهم فيكون ذلك نهاية في المبالغة قوله ) وخضتم كالذي خاضوا ( معطوف على ما قبله أي كالفوج الذى خاضوا أو كالخوض الذى خاضوا وقيل أصله كالذين فحذفت النون والأولى أن يقال إن الذى اسم موصول مثل من


"""""" صفحة رقم 380 """"""
وما يعبر به عن الواحد والجمع يقال خضت الماء أخوضه خوضا وخياضا والموضع مخاضة وهو ما جاز الناس فيه مشاة وركبانا وجمعها المخاض والمخاوض ويقال منه خاض القوم في الحديث وتخاوضوا فيه أي تفاوضوا فيه والمعنى خضتم في أسباب الدنيا واللهو واللعب وقيل في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالتكذيب أي دخلتم في ذلك والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المتصفين بهذه الأوصاف من المشبهين والمشبه بهم ) حبطت أعمالهم ( أي بطلت والمراد بالأعمال ما عملوه مما هو في صورة طاعة لا هذه الأعمال المذكورة هنا فإنها من المعاصي ومعنى ) في الدنيا والآخرة ( أنها باطلة على كل حال أما بطلانها في الدنيا فلأن ما يترتب على أعمالهم فيها لا يحصل لهم بل يصير ما يرجونه من الغني فقرا ومن العز ذلا ومن القوة ضعفا وأما في الآخرة فلأنهم يصيرون إلى عذاب النار ولا ينتفعون بشيء مما عملوه من الأعمال التى يظنونها طاعة وقربة ) وأولئك هم الخاسرون ( أي المتمكنون في الخسران الكاملون فيه في الدنيا والآخرة
التوبة : ( 70 ) ألم يأتهم نبأ . . . . .
) ألم يأتهم ( أي المنافقين ) نبأ الذين من قبلهم ( أي خبرهم الذى له شأن وهو ما فعلوه وما فعل بهم ولما شبه حالهم بحالهم فيما سلف على الإجمال في المشبه بهم ذكر منهم ههنا ست طوائف قد سمع العرب أخبارهم لأن بلادهم وهى الشام قريبة من بلاد العرب فالاستفهام للتقرير وأولهم قوم نوح وقد أهلكوا بالإغراق وثانيهم قوم عاد وقد أهلكوا بالريح العقيم وثالثهم قوم ثمود وقد أخذوا بالصيحة ورابعهم قوم إبراهيم وقد سلط الله عليهم البعوض وخامسهم أصحاب مدين وهم قوم شعيب وقد أخذتهم الرجفة
وسادسهم أصحاب المؤتفكات وهى قرى قوم لوط وقد أهلكهم الله بما أمطر عليهم من الحجارة وسميت مؤتفكات لأنها انقلبت بهم حتى صار عاليها سافلها والائتفاك الانقلاب ) أتتهم رسلهم بالبينات ( أي رسل هذه الطوائف الست وقيل رسل أصحاب المؤتفكات لأن رسولهم لوط وقد بعث إلى كل قرية من قراهم رسولا والفاء في ) فما كان الله ليظلمهم ( للعطف على مقدر يدل عليه الكلام أي فكذبوهم فأهلكهم الله فما ظلمهم بذلك لأنه قد بعث إليهم رسله فأنذروهم وحذروهم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( بسبب ما فعلوه من الكفر بالله وعدم الانقياد لأنبيائه وهذا التركيب يدل على أن ظلمهم لأنفسهم كان مستمرا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) يأمرون بالمنكر ( قال هو التكذيب قال وهو أنكر المنكر ) وينهون عن المعروف ( شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما أنزل الله وهو أعظم المعروف وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ويقبضون أيديهم ( قال لا يبسطونها بنفقة في حق وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) نسوا الله فنسيهم ( قال تركوا الله فتركهم من كرامته وثوابه وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) كالذين من قبلكم ( قال صنيع الكفار كالكفار
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال ما أشبه الليلة بالبارحة ) كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة ( إلى قوله ) وخضتم كالذي خاضوا ( هؤلاء بنو إسرائيل أشبهناهم والذى نفسي بيده لنتبعنهم حتى لو دخل رجل جحر ضب لدخلتموه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله ) بخلاقهم ( قال بدينهم وأخرجا أيضا عن أبي هريرة قال الخلاق الدين وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) فاستمتعوا بخلاقهم ( قال بنصيبهم في الدنيا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وخضتم كالذي خاضوا ( قال لعبتم كالذى لعبوا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) والمؤتفكات ( قال قوم لوط ائتفكت بهم أرضهم فجعل عاليها سافلها


"""""" صفحة رقم 381 """"""
سورة براءة الآية ( 71 72 )
التوبة : ( 71 ) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم . . . . .
قوله ) بعضهم أولياء بعض ( أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحبابب والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله ثم ببين أوصافهم الحميدة كما بين أوصاف من قبلهم من المنافقين ) يأمرون بالمعروف ( أي بما هو معروف في الشرع غير منكر ومن ذلك توحيد الله سبحانه وترك عبادة غيره ) وينهون عن المنكر ( أي عما هو منكر في الدين غير معروف وخصص إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكر من جملة العبادات لكونهما الركنين العظيمين فيما يتعلق بالأبدان والأموال وقد تقدم معنى هذا ) ويطيعون الله ( في صنع ما أمرهم بفعله أو نهاهم عن تركه والإشارة ب ) أولئك ( إلى المؤمنين والمؤمنات المتصفين بهذه الأوصاف والسين في ) سيرحمهم الله ( للمبالغة في إنجاز الوعد ) أن الله عزيز ( لا يغالب ) حكيم ( في أقواله وأفعاله
التوبة : ( 72 ) وعد الله المؤمنين . . . . .
ثم ذكر تفصيل ما يدخل تحت الرحمة إجمالا باعتبار الرحمة في الدار الآخرة فقال ) وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار ( والإظهار في موضع الإضمار لزيادة التقرير ومعنى جرى الأنهار من تحت الجنات أنها تجرى تحت أشجارها وغرفها وقد تقدم تحقيقه في البقرة ) ومساكن طيبة ( أي منازل يسكنون فيها من الدر والياقوت و ) جنات عدن ( يقال عدن بالمكان إذا أقام به ومنه المعدن قيل هى أعلى الجنة وقيل أوسطها وقيل قصور من ذهب لا يدخلها إلا نبي أو صديق أو شهيد وصف الجنة بأوصاف الأول جرى الأنهار من تحتها والثاني أنهم فيها خالدون والثالث طيب مساكنها والرابع أنها دار عدن أي إقامة غير منقطعة هذا على ما هو معنى عدن لغة وقيل هو علم والتنكير في رضوان للتحقير أي ) ورضوان ( حقير يستر ) من ( رضوان ) الله أكبر ( من ذلك كله الذى أعطاهم الله إياه وفيه دليل على أنه لا شيء من النعم وإن جلت وعظمت يماثل رضوان الله سبحانه وأن أدنى رضوان منه لا يساويه شيء من اللذات الجسمانية وإن كانت على غاية ليس وراءها غاية اللهم ارض عنا رضا لا يشوبه سخط ولا يكدره نكد يا من بيده الخير كله دقه وجله والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم مما وعد الله به المؤمنين والمؤمنات ) هو الفوز العظيم ( دون كل فوز مما يعده الناس فوزا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) يأمرون بالمعروف ( قال يدعون إلى الإيمان بالله ورسوله والنفقات في سبيل الله وما كان من طاعة الله ) وينهون عن المنكر ( عن الشرك والكفر قال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من فرائض الله كتبها الله على المؤمنين وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) بعضهم أولياء بعض ( قال إخاؤهم في الله يتحابون بحلال الله والولاية لله وقد ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأحاديث ما هو معروف وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن قال سألت عمران بن حصين وأبا هريرة عن تفسير قوله تعالى ) ومساكن طيبة في جنات عدن ( قالا على الخبير


"""""" صفحة رقم 382 """"""
سقطت سألنا عنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال قصر من لؤلؤة في الجنة في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء في كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش امرأة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة في كل مائدة سبعون لونا من كل طعام في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة فيعطى المؤمن من القوة في كل غداة ما يأتي على ذلك كله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) جنات عدن ( قال معدن الرجل الذى يكون فيه وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال معدنهم فيها أبدا وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله ) ورضوان من الله أكبر ( يعني إذا أخبروا أن الله عنهم راض فهو أكبر عندهم من التحف والتسنيم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا يا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك قال أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا
سورة براءة الآية ( 73 74 )
التوبة : ( 73 ) يا أيها النبي . . . . .
الأمر للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بهذا الجهاد أمر لأمته من بعده وجهاد الكفار يكون بمقاتلتهم حتى تسلموا وجهاد المنافقين يكون بإقامة الحجة عليهم حتى يخرجوا عنه ويؤمنوا بالله وقال الحسن إن جهاد المنافقين بإقامة الحدود عليهم واختاره قتادة قيل في توجيهه إن المنافقين كانوا أكثر من يفعل موجبات الحدود
قال ابن العربي إن هذه دعوى لا برهان عليها وليس العاصي بمنافق إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق دائما لا بما تتلبس به الجوارح ظاهرا وأخبار المحدودين تشهد بسياقتها أنهم لم يكونوا منافقين قوله ) واغلظ عليهم ( الغلظ نقيض الرأفة وهو شدة القلب وخشونة الجانب قيل وهذه الآية نسخت كل شيء من العفو والصلح والصفح
التوبة : ( 74 ) يحلفون بالله ما . . . . .
ثم ذكر من خصال المنافقين أنهم يحلفون الأيمان الكاذبة فقال ) يحلفون بالله ما قالوا )
سبب نزول الآية
وقد اختلف أئمة التفسير في سبب نزول هذه الآية فقيل نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت ووديعة بن ثابت وذلك أنه لما كثر نزول القرآن في غزوة تبوك في شأن المنافقين وذمهم فقالا لئن كان محمد صادقا على إخواننا الذين هم ساداتنا وخيارنا لنحن شر من الحمير فقال له عامر بن قيس أجل والله إن محمدا لصادق مصدق وإنك لشر من الحمار وأخبر عامر بذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وجاء الجلاس فحلف بالله إن عامرا لكاذب وحلف عامر لقد قال وقال اللهم أنزل على نبيك شيئا فنزلت وقيل إن الذى سمع ذلك


"""""" صفحة رقم 383 """"""
عاصم بن عدي وقيل حذيفة وقيل بل سمعه ولد امرأته أي امرأة الجلاس واسمه عمير بن سعد فهم الجلاس بقتله لئلا يخبر بخبره وقيل إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبي رأس المنافقين لما قال ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكك و ) لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ( فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فجاء عبد الله بن أبي فحلف أنه لم يقله وقيل إنه قول جميع المنافقين وأن الآية نزلت فيهم وعلى تقدير أن القائل واحد أو اثنان فنسبة القول إلى جميعهم هى باعتبار موافقة من لم يقل ولم يحلف من المنافقين لمن قد قال وحلف ثم رد الله على المنافقين وكذبهم وبين أنهم حلفوا كذبا فقال ) ولقد قالوا كلمة الكفر ( وهى ما تقدم بيانه على اختلاف الأقوال السابقة ) وكفروا بعد إسلامهم ( أي كفروا بهذه الكلمة بعد إظهارهم للإسلام وإن كانوا كفارا في الباطن والمعنى أنهم فعلوا ما يوجب كفرهم على تقدير صحة إسلامهم قوله ) وهموا بما لم ينالوا ( قيل هو همهم بقتل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة العقبة في غزوة تبوك وقيل هموا بعقد التاج على رأس عبد الله بن أبي وقيل هو هم الجلاس بقتل من سمعه يقول تلك المقالة فأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ( أي وما عابوا وأنكروا إلا ما هو حقيق بالمدح والثناء وهو إغناء الله لهم من فضله والاستثناء مفرغ من أعم العام وهو من باب قول النابغة ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب
ومن باب قول الشاعر ما نقموا من بني أمية إلا
أنهم يحلمون إن غضبوا
فهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم وقد كان هؤلاء المنافقون في ضيق من العيش فلما قدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة اتسعت معيشتهم وكثرت أموالهم قوله ) فإن يتوبوا يك خيرا لهم ( أي فإن تحصل منهم التوبة والرجوع إلى الحق يكن ذلك الذى فعلوه من التوبة خير لهم في الدين والدنيا وقد تاب الجلاس بن سويد وحسن إسلامه وفى ذلك دليل على قبول التوبة من المنافق والكافر
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد اختلف العلماء في قبولها من الزنديق فمنع من قبولها مالك وأتباعه لأنه لا يعلم صحة توبته إذ هو في كل حين يظهر التوبة والإسلام ) وإن يتولوا ( أي يعرضوا عن التوبة والإيمان ) يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا ( بالقتل والأسر ونهب الأموال و في الآخرة بعذاب النار ) وما لهم في الأرض من ولي ( يواليهم ) ولا نصير ( ينصرهم
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس والله لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير فسمعها عمير بن سعد فقال والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي أثرا وأعزهم على أن يدخل عليه شيء يكرهه ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن سكت عنها لتهلكني ولإحداهما أشد علي من الأخرى فمشى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر له ما قال الجلاس فحلف بالله ما قال ولكن كذب علي عمير فأنزل الله ) يحلفون بالله ما قالوا ( الآية
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك قال سمع زيد بن أرقم رجلا من المنافقين يقول والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يخطب إن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير قال زيد هو والله صادق وأنت شر من الحمار فرفع ذلك إلى النبي صلى الله


"""""" صفحة رقم 384 """"""
عليه وآله وسلم فجحد القائل فأنزل الله ) يحلفون بالله ما قالوا ( الآية وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جالسا في ظل شجرة فقال إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان فإذا جاءكم فلا تكلموه فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق فدعاه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال علام تشتمني أنت وأصحابك فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم وأنزل الله ) يحلفون بالله ما قالوا ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال ذكر لنا أن رجلين اقتتلا أحدهما من جهينة والآخر من غفار وكانت جهينة حلفاء الأنصار فظهر الغفاري على الجهنى فقال عبد الله بن أبي للأوس انصروا أخاكم والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك والله ) لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ( فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله فأنزل الله ) يحلفون بالله ( الآية وفي الباب أحاديث مختلفة في سبب نزول هذه الآية وفيما ذكرناه كفاية وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وهموا بما لم ينالوا ( قال هم رجل يقال له الأسود بقتل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وهموا بما لم ينالوا ( قال أرادوا أن يتوجوا عبد الله بن أبي بتاج وأخرج ابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال قتل رجل على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجعل ديته اثنى عشر ألفا وذلك قوله ) وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ( قال بأخذهم الدية
سورة براءة الآية ( 75 79 )
التوبة : ( 75 ) ومنهم من عاهد . . . . .
اللام الأولى هى ) لئن آتانا ( الله ) من فضله ( لام القسم واللام الثانية وهى ) لنصدقن ( لام الجواب للقسم والشرط ومعنى ) لنصدقن ( لنخرج الصدقة وهى أعم من المفروضة وغيرها ) ولنكونن من الصالحين ( أي من جملة أهل الصلاح من المؤمنين القائمين بواجبات الدين التاركين لمحرماته
التوبة : ( 76 ) فلما آتاهم من . . . . .
) فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ( أي لما أعطاهم ما طلبوا من الرزق بخلوا به أي بما آتاهم من فضله فلم يتصدقوا بشيء منه كما حلفوا به ) وتولوا ( أي أعرضوا عن طاعة الله وإخراج صدقات ما أعطاهم الله من فضله و الحال أن ) وهم معرضون ( في جميع الأوقات قبل أن يعطييهم الله ما أعطاهم من الرزق وبعده
التوبة : ( 77 ) فأعقبهم نفاقا في . . . . .
قوله ) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه (


"""""" صفحة رقم 385 """"""
الفاعل هو الله سبحانه أي فأعقبهم الله بسبب البخل الذى وقع منهم والإعراض نفاقا كائنا في قلوبهم متمكنا منها مستمرا فيها ) إلى يوم يلقونه ( الله عز وجل وقيل إن الضمير يرجع إلى البخل أي فأعقبهم البخل بما عاهدوا الله عليه نفاقا كائنا في قلوبهم إلى يوم يلقون بخلهم أي جزاء بخلهم ومعنى ) فأعقبهم ( أن الله سبحانه جعل النفاق المتمكن في قلوبهم إلى تلك الغاية عاقبة ما وقع منهم من البخل والباء في ) بما أخلفوا الله ما وعدوه ( للسببية أي بسبب إخلافهم لما وعدوه من التصدق والصلاح وكذلك الباء في ) وبما كانوا يكذبون ( أي وبسبب تكذيبهم بما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
التوبة : ( 78 ) ألم يعلموا أن . . . . .
ثم أنكر عليهم فقال ) ألم يعلموا ( أي المنافقون وقريء بالفوقية خطايا للمؤمنين ) أن الله يعلم سرهم ونجواهم ( أي جميع ما يسرونه من النفاق وجميع ما يتناجون به فيما بينهم من الطعن على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى أصحابه وعلى دين الإسلام ) وأن الله علام الغيوب ( فلا يخفى عليه شيء من الأشياء المغيبة كائنا ما كان ومن جملة ذلك ما يصدر عن المنافقين
التوبة : ( 79 ) الذين يلمزون المطوعين . . . . .
قوله ) الذين يلمزون المطوعين ( الموصول محله النصب أو الرفع على الذم أو الجر بدلا من الضمير في سرهم ونجواهم ومعنى ) يلمزون ( يعيبون وقد تقدم تحقيقه والمطوعين أي المتطوعين والتطوع التبرع والمعنى أن المنافقين كانوا يعيبون المسلمين إذا تطوعوا بشيء من أموالهم وأخرجوه للصدقة فكانوا يقولون ما أغنى الله عن هذا ويقولون ما فعلوا هذا إلا رياء ولم يكن لله خالصا و ) في الصدقات ( متعلق بيلمزون أي يعيبونهم في شأنها قوله ) والذين لا يجدون إلا جهدهم ( معطوف على المطوعين أي يلمزون المتطوعين ويلمزون الذين لا يجدون إلا جهدهم وقيل معطوف على المؤمنين أي يلمزون المتطوعين من المؤمنين ومن الذين لا يجدون إلا جهدهم وقريء ) جهدهم ( بفتح الجيم والجهد بالضم الطاقة وبالفتح المشقة وقيل هما لغتان ومعناهما واحد وقد تقدم بيان ذلك والمعنى أن المنافقين كانوا يعيبون فقراء المؤمنين الذين كانوا يتصدقون بما فضل عن كفايتهم قوله ) فيسخرون منهم ( معطوف على يلمزون أي يستهزءون بهم لحقارة ما يخرجونه فى الصدقة مع كون ذلك جهد المقل وغاية ما يقدر عليه ويتمكن منه قوله ) سخر الله منهم ( أي جازاهم على ما فعلوه من السخرية بالمؤمنين بمثل ذلك فسخر الله منهم بأن أهانهم وأذلهم وعذبهم والتعبير بذلك من باب المشاكلة كما في غيره وقيل هو دعاء عليهم بأن يسخر الله بهم كما سخروا بالمسلمين ) ولهم عذاب أليم ( أي ثابت مستمر شديد الألم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والعسكري في الأمثال والطبراني وابن منده والبارودي وأبو نعيم وابن مردويه وابن عساكر أبي أمامة الباهلي قال جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا قال ويلك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه قال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا قال ويحك يا ثعلبة أما تحب أن تكون مثلي فلو شئت أن يسير ربي هذه الجبال معي ذهبا لسارت فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فوالذى بعثك بالحق إن آتاني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه قال ويحك يا ثعلبة قليل تطيق شكره خير من كثير لا تطيقه قال يا رسول الله ادع الله تعالى فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم ارزقه مالا قال فاتخذ غنما فنمت كما تنمو الدود حتى ضاقت بها المدينة فتنحى بها فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا يشهدها بالليل ثم نمت كما تنمو الدود فتنحى بها فكان لا يشهد الصلاة بالليل ولا بالنهار إلا من جمعة إلى جمعة مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم نمت كما تنمو الدود فضاق بها مكانه فتنحى بها فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجعل يتلقى الركبان ويسألهم عن الأخبار


"""""" صفحة رقم 386 """"""
وفقده رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسأل عنه فأخبروه أنه اشترى غنما وأن المدينة ضاقت به وأخبروه خبره فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويح ثعلبة بن حاطب ويح ثعلبه بن حاطب ثم إن الله تعالى أمر رسوله أن يأخذ الصدقات وأنزل ) خذ من أموالهم صدقة ( الآية فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رجلين رجلا من جهينة ورجلا من بني سلمة يأخذان الصدقات وكتب لهما أسنان الإبل والغنم كيف يأخذانها وجوهها وأمرهما أن يمرا على ثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سليم فخرجا فمرا بثعلبة فسألا الصدقة فقال أرياني كتابكما فنظر فيه فقال ما هذه إلا جزية انطلقا حتى تفرغا ثم مرا إلي فانطلقا وسمع بهما السلمي فاستقبلهما بخيار إبله فقالا إنما عليك دون هذا فقال ما كنت أتقرب إلى الله إلا بخير مالي فقبلا فلما فرغا مرا بثعلبة فقال أرياني كتابكما فنظر فيه فقال ما هذه إلا جزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى قدما المدينة فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال قبل أن يكلمهما ويح ثعلبه بن حاطب ودعا للسلمي بالبركة وأنزل الله ) ومنهم من عاهد الله ( الثلاث الآيات قال فسمع بعض أقارب ثعلبه فأتى ثعلبه فقال ويحك يا ثعلبة أنزل فيك كذا وكذا قال فقدم ثعلبه على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله هذه صدقة مالي فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله قد منعني أن أقبل منك فجعل يبكي ويحثى التراب على رأسه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذا عملك بنفسك أمرتك فلم تطعني فلم يقبل منه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى مضى ثم أتى أبا بكر فقال يا أبا بكر اقبل مني صدقتي فقد عرفت منزلتي من الأنصار فقال أبو بكر لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وأقبلها فلم يقبلها أبو بكر ثم ولى عمر بن الخطاب فأتاه فقال يا أبا حفص يا أمير المؤمنين اقبل منى صدقتى قال ويثقل عليه بالمهاجرين والأنصار وأزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال عمر لم يقبلها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا أبو بكر أقبلها أنا فأبى أن يقبلها ثم ولى عثمان فسأله أن يقبل صدقته فقال لم يقبلها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها منك فلم يقبلها منه فهلك فى خلافة عثمان وفيه نزلت ) الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ( قال وذلك في الصدقة وهذا الحديث هو مروي من حديث معاذ بن رفاعة عن علي بن زيد عن أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن مولى عبد الله بن يزيد ابن معاوية عن أبي أمامة الباهلي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) ومنهم من عاهد الله ( الآية وذلك أن رجلا كان يقال له ثعلبة من الأنصار أتى مجلسا فأشهدهم فقال لئن آتاني الله من فضله آتيت كل ذي حق حقه وتصدقت منه وجعلت منه للقرابة فابتلاه الله فآتاه من فضله فأخلف ما وعده فأغضب الله بما أخلفه ما وعده فقص الله شأنه في القرآن وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رجلا من الأنصار هو الذى قال هذا فمات ابن عم له فورث منه مالا فبخل به ولم يف بما عاهد الله عليه فأعقبه بذلك نفاقا في قلبه إلى أن يلقاه قال ذلك ) بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ( وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال لما نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا مراء وجاء أبو عقيل بنصف صاع فقال المنافقون إن الله لغني عن صدقة هذا فنزلت ) الذين يلمزون المطوعين ( الآية وفي الباب روايات كثيرة وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله ) الذين يلمزون المطوعين ( أي يطعنون على المطوعين


"""""" صفحة رقم 387 """"""
سورة براءة الآية ( 80 83 )
التوبة : ( 80 ) استغفر لهم أو . . . . .
أخبر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن صدور الاستغفار منه للمنافقين وعدمه سواء وذلك لأنهم ليسوا بأهل لاستغفاره ( صلى الله عليه وسلم ) ولا للمغفرة من الله سبحانه لهم فهو كقوله تعالى ) قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ( ثم قال ) إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( وفيه بيان لعدم المغفرة من الله سبحانه للمنافقين وإن أكثر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الاستغفار لهم وليس المراد من هذا أنه لو زاد على السبعين لكان ذلك مقبولا كما في سائر مفاهيم الأعداد بل المراد بهذا المبالغة في عدم القبول فقد كانت العرب تجرى ذلك مجرى المثل في كلامها عند إرادة التكثير والمعنى أنه لن يغفر الله لهم وإن استغفرت لهم استغفارا بالغا في الكثرة غاية المبالغ وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن التقييد بهذا العدد المخصوص يفيد قبول الزيادة عليه ويدل لذلك ما سيأتي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال لأزيدن على السبعين وذكر بعضهم لتخصيص السبعين وجها فقال إن السبعة عدد شريف لأنها عدد السموات والأرضين والبحار والأقاليم والنجوم السيارة والأعضاء وأيام الأسبوع فصير كل واحد من السبعة إلى عشرة لأن الحسنة بعشر أمثالها
وقيل خصت السبعون بالذكر لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) كبر على عمه الحمزة سبعين تكبيرة فكأنه قال إن تستغفر لهم سبعين مرة بإذاء تكبيراتك على حمزة وانتصاب سبعين على المصدر كقولهم ضربته عشرين ضربة
ثم علل عدم المغفرة لهم بقوله ) ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله ( أي ذلك الامتناع بسبب كفرهم بالله ورسوله ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( أي المتمردين الخارجين عن الطاعة المتجاوزين لحدودها والمراد هنا الهداية الموصلة إلى المطلوب لا الهداية التى بمعنى الدلالة وإراءة الطريق
التوبة : ( 81 ) فرح المخلفون بمقعدهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه نوعا آخر من قبائح المنافقين فقال ) فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ( المخلفون المتروكون وهم الذين استأذنوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من المنافقين فأذن لهم وخلفهم بالمدينة في غزوة تبوك أو الذين خلفهم الله وثبطهم أو الشيطان أو كسلهم أو المؤمنون ومعنى ) بمقعدهم ( أي بقعودهم يقال قعد قعودا ومقعدا أي جلس وأقعده غيره ذكر معناه الجوهري فهو متعلق بفرح أي فرح المخلفون بقعودهم وخلاف رسول الله منتصب على أنه ظرف لمقعدهم
قال الأخفش ويونس الخلاف بمعنى الخلف أي بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك أن جهة


"""""" صفحة رقم 388 """"""
الإمام التى يقصدها الإنسان تخالفها جهة الخلف وقال قطرب والزجاج معنى خلاف رسول الله مخالفة الرسول حين سار وأقاموا فانتصابه على أنه مفعول له أي قعدوا لأجل المخالفة أو على الحال مثل وأرسلها العراك أي مخالفين له ويؤيد ما قاله الأخفش ويونس قراءة أبي حيوة خلف رسول الله قوله ) وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ( سبب ذلك الشح بالأموال والأنفس وعدم وجود باعث الإيمان وداعي الإخلاص ووجود الصارف عن ذلك وهو ما هم فيه من النفاق وفيه تعريض بالمؤمنين الباذلين لأموالهم وأنفسهم في سبيل الله لوجود الداعي معهم وانتفاء الصارف عنهم ) وقالوا لا تنفروا في الحر ( أي قال المنافقون لإخوانهم هذه المقالة تثبيطا لهم وكسرا لنشاطهم وتواصيا بينهم بالمخالفة لأمر الله ورسوله ثم أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم ) نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ( والمعنى أنكم أيها المنافقون كيف تفرون من هذا الحر اليسير ونار جهنم التى ستدخلونها خالدين فيها أبدا أشد حرا مما فررتم منه فإنكم إنما قررتم من حر يسير في زمن قصير ووقعتم في حر كثير من زمن كبير بل غير متناه أبد الآبدين ودهر الداهرين فكنت كالساعي إلى مثعب
موائلا من سبل الراعد
وجواب لو في ) لو كانوا يفقهون ( مقدر أي لو كانوا يفقهون أنها كذلك لما فعلوا ما فعلوا
التوبة : ( 82 ) فليضحكوا قليلا وليبكوا . . . . .
قوله ) فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ( هذان الأمران معناهما الخير والمعنى فسيضحكون قليلا ويبكون كثيرا وإنما جيء بهما على لفظ الأمر للدلالة على أن ذلك أمر محتوم لا يكون غيره وقليلا وكثيرا منصوبان على المصدرية أو الظرفية أي ضحكا قليلا وبكاء كثيرا أو زمانا قليلا وزمانا كثيرا ) جزاء بما كانوا يكسبون ( أي جزاء بسبب ما كانوا يكسبونه من المعاصي وانتصاب جزاء على المصدرية أي يجزون جزاء
التوبة : ( 83 ) فإن رجعك الله . . . . .
) فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ( الرجع متعد كالرد والرجوع لازم والفاء لتفريع ما بعدها على ما قبلها وإنما قال ) إلى طائفة ( لأن جميع من أقام بالمدينة لم يكونوا منافقين بل كان فيهم غيرهم من المؤمنين لهم أعذار صحيحة وفيهم من المؤمنين من لا عذر له ثم عفا عنهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتاب الله عليهم كالثلاثة الذين خلفوا وسيأتي بيان ذلك وقيل إنما قال إلى طائفة لأن منهم من تاب عن النفاق وندم على التخلف ) فاستأذنوك للخروج ( معك في غزوة أخرى بعد غزوتك هذه ) فقل ( لهم ) لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ( أي قل لهم ذلك عقوبة لهم ولما في استصحابهم من المفاسد كما تقدم في قوله ) لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ( وقريء بفتح الياء من معي في الموضعين وقريء بسكونها فيهما وجملة ) إنكم رضيتم بالقعود أول مرة ( للتعليل أي لن تخرجوا معي ولن تقاتلوا لأنكم رضيتم بالقعود والتخلف أول مرة وهى غزوة تبوك والفاء في ) فاقعدوا مع الخالفين ( لتفريع ما بعدها على ما قبلها والخالفين جمع خالف كأنهم خلفوا الخارجين والمراد بهم من تخلف عن الخروج وقيل المعنى فاقعدوا مع الفاسدين من قولهم فلان خالف أهل بيته إذا كان فاسدا فيهم من قولك خلف اللبن أي فسد بطول المكث في السقاء ذكر معناه الأصمعي وقرئ ? فاقعدوا مع الخلفين ? وقال الفراء معناه المخالفين
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عروة أن عبد الله بن أبي قال لولا أنكم تنفقون على محمد وأصحابه لانفضوا من حوله وهو القائل ) ليخرجن الأعز منها الأذل ( فأنزل الله ) استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ( فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأزيدن على السبعين فأنزل الله ) سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم (


"""""" صفحة رقم 389 """"""
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم والنحاس وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال سمعت عمر يقول لما توفى عبد الله بن أبي دعى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للصلاة عليه فقام عليه فلما وقف قلت أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل كذا وكذا والقائل كذا وكذا أعدد أيامه ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتبسم حتى إذا أكثرت قال يا عمر أخر عني إني قد خيرت قد قيل لي ) استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها ثم صلى عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والله ورسوله أعلم فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان ) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ( فما صلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على منافق بعد حتى قبضه الله عز وجل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) فرح المخلفون ( الآية قال عن غزوة تبوك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمر الناس أن ينبعثوا معه وذلك في الصيف فقال رجال يا رسول الله الحر شديد ولا نستطيع الخروج فلا تنفروا في الحر فقال الله ) قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ( فأمره بالخروج وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ( قال هم المنافقون والكفار الذين اتخذوا دينهم هزوا ولعبا يقول الله فليضحكوا قليلا في الدنيا وليبكوا كثيرا في الآخرة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ( قال ذكر لنا أنهم كانوا اثنى عشر رجلا من المنافقين وفيهم قيل ما قيل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فاقعدوا مع الخالفين ( قال هم الرجال الذين تخلفوا عن الغزو
سورة براءة الآية ( 84 87 )
التوبة : ( 84 ) ولا تصل على . . . . .
قوله ) مات ( صفة لأحد و ) أبدا ( ظرف لتأبيد النفي قال الزجاج معنى قوله ) ولا تقم على قبره ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له فمنع هاهنا منه وقيل معناه لا تقم بمهمات إصلاح قبره وجملة ) أنهم كفروا ( تعليل للنهي وإنما وصفهم بالفسق بعد وصفهم بالكفر لأن الكافر قد يكون عدلا في دينه والكذب والنفاق والخداع والجبن والخبث مستقبحة في كل دين
التوبة : ( 85 ) ولا تعجبك أموالهم . . . . .
ثم نهى رسوله عن أن تعجبه أموالهم وأولادهم وهو تكرير لما سبق في هذه السورة وتقرير لمضمونه وقيل إن الآية المتقدمة


"""""" صفحة رقم 390 """"""
في قوم وهذه في آخرين وقيل هذه في اليهود والأولى في المنافقين وقيل غير ذلك وقد تقدم في الآية الأولى جميع ما يحتاج إليه في تفسير هذه الآية
التوبة : ( 86 ) وإذا أنزلت سورة . . . . .
ثم عاد الله سبحانه إلى توبيخ المنافقين فقال ) وإذا أنزلت سورة ( أي من القرآن ويجوز أن يراد بعض السورة وأن يراد تمامها وقيل هى هذه السورة أي سورة براءة و ) إن ( في ) أن آمنوا بالله ( مفسرة لما في الإنزال من معنى القول أو مصدرية حذف منها الجار أي بأن آمنوا وإنما قدم الأمر بالإيمان لأن الاشتغال بالجهاد لا يفيد إلا بعد الإيمان ) استأذنك أولوا الطول منهم ( أي ذوو الفضل والسعة من طال عليه طولا كذا قال ابن عباس والحسن وقال الأصم الرؤساء والكبراء المنظور إليهم وخصهم بالذكر لأن الذم لهم ألزم إذ لا عذر لهم في القعود ) وقالوا ذرنا ( أي اتركنا ) نكن مع القاعدين ( أي المتخلفين عن الغزو من المعذورين كالضعفاء والزمنى
التوبة : ( 87 ) رضوا بأن يكونوا . . . . .
والخوالف النساء اللاتي يخلفن الرجال في القعود في البيوت جمع خالفة وجوز بعضهم أن يكون جمع خالف وهو من لا خير فيه ) وطبع على قلوبهم ( هو كقوله ) ختم الله على قلوبهم ( وقد مر تفسيره ) فهم لا يفقهون ( شيئا مما فيه نفعهم وضرهم بل هم كالأنعام
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال لما توفى عبد الله بن أبي ابن سلول أتى ابنه عبد الله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال عمر فأخذ ثوبه فقال يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال إن ربي خيرني وقال ) استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( وسأزيد على السبعين فقال إنه منافق فصلى عليه فأنزل الله ) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ( الآية فترك الصلاة عليهم وأخرج ابن ماجه والبزار وابن جرير وابن مردويه عن جابر قال مات رأس المنافقين بالمدينة فأوصى أن يصلي عليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأن يكفنه في قميصه فجاء ابنه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن أبي أوصى أن يكفن في قميصك فصلى عليه وألبسه قميصه وقام على قبره فأنزل الله ) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) أولوا الطول ( قال أهل الغنى وأخرج هؤلاء عن ابن عباس في قوله ) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ( قال مع النساء وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال رضوا بأن يقعدوا كما قعدت النساء وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال الخوالف النساء
سورة براءة الآية ( 88 89 )
التوبة : ( 88 ) لكن الرسول والذين . . . . .
المقصود من الاستدراك بقوله ) لكن الرسول ( إلى آخره الإشعار بأن تخلف هؤلاء عير ضائر فإنه قد قام بفريضة الجهاد من هو خير منهم وأخلص نية كما في قوله ) فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ( وقد تقدم بيان الجهاد بالأموال والأنفس ثم ذكر منافع الجهاد فقال ) وأولئك لهم الخيرات ( وهى جمع خير فيشمل منافع الدنيا والدين وقيل المراد به النساء الحسان كقوله تعالى ) فيهن خيرات حسان ( ومفرده


"""""" صفحة رقم 391 """"""
خيرة بالتشديد ثم خففت مثل هينة وهينة وقد تقدم معنى الفلاح والمراد به هنا الفائزون بالمطلوب وتكرير اسم الإشارة لتفخيم شأنهم وتعظيم أمرهم
التوبة : ( 89 ) أعد الله لهم . . . . .
والجنات البساتين وقد تقدم بيان جرى الأنهار من تحتها وبيان الخلود والفوز والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من الخيرات والفلاح وإعداد الجنات الموصوفة بتلك الصفة ووصف الفوز بكونه عظيما يدل على أنه الفرد الكامل من أنواع الفوز وقد أخرج القرطبي في تفسيره عن الحسن أنه قال الخيرات هن النساء الحسان
سورة براءة الآية ( 90 )
التوبة : ( 90 ) وجاء المعذرون من . . . . .
قرأ الأعرج والضحاك ) المعذرون ( بالتخفيف من أعذر ورواها أبو كريب عن أبي بكر عن عاصم ورواها أصحاب القراءات عن ابن عباس قال في الصحاح وكان ابن عباس يقرأ ) وجاء المعذرون ( مخففة من أعذر ويقول والله هكذا أنزلت قال النحاس إلا أن مدارها على الكلبي وهى من أعذر إذا بالغ في العذر ومنه من أنذر فقد أعذر أي بالغ في العذر وقرأ الجمهور المعذرون بالتشديد ففيه وجهان أحدهما أن يكون أصله المعتذرون فأدغمت التاء في الذال وهم الذين لهم عذر ومنه قول لبيد إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
فالمعذرون على هذا هم المحقون في اعتذارهم وقد روى هذا عن الفراء والزجاج وابن الأنباري وقيل هو من عذر وهو الذى يعتذر ولا عذر له يقال عذر في الأمر إذا قصر واعتذر بما ليس بعذر ذكره الجوهري وصاحب الكشاف فالمعذرون على هذا هم المبطلون لأنهم اعتذروا بأعذار باطلة لا أصل لها وروى عن الأخفش والفراء وأبي حاتم وأبي عبيد أنه يجوز كسر العين لالتقاء الساكنين وضمها للاتباع والمعنى أنه جاء هؤلاء من الأعراب بما جاءوا به من الأعذار بحق أو بباطل على كلا التفسيرين لأجل أن يأذن لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالتخلف عن الغزو وطائفة أخرى لم يعتذروا بل قعدوا عن الغزو لغير عذر وهم منافقو الأعراب الذين كذبوا الله ورسوله ولم يؤمنوا ولا صدقوا ثم توعدهم الله سبحانه فقال ) سيصيب الذين كفروا منهم ( أي من الأعراب وهم الذين اعتذروا بالأعذار الباطلة والذين لم يعتذروا بل كذبوا بالله ورسوله ) عذاب أليم ( أي كثير الألم فيصدق على عذاب الدنيا وعذاب الآخرة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وجاء المعذرون من الأعراب ( أي أهل العذر منهم وروى ابن أبي حاتم عنه نحو ذلك وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عنه أيضا أنه كان يقول لعن الله المعذرين ويقرأ بالتشديد كأن الأمر عنده أن المعذر بالتشديد هو المظهر للعذر اعتلالا من غير حقيقة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن إسحاق في قوله ) وجاء المعذرون من الأعراب ( قال ذكر لي أنهم نفر من بني غفار جاءوا فاعتذروا منهم خفاف بن إيماء وقيل لهم رهط عامر بن الطفيل قالوا إن غزونا معك أغارت أعراب طبيء على أهالينا ومواشينا


"""""" صفحة رقم 392 """"""
سورة براءة الآية ( 91 93 )
التوبة : ( 91 ) ليس على الضعفاء . . . . .
لما ذكر سبحانه المعذرون ذكر بعدهم أهل الأعذار الصحيحة المسقطة للغزو وبدأ بالعذر في أصل الخلقة فقال ) ليس على الضعفاء ( وهم أرباب الزمانة والهرم والعمى والعرج ونحو ذلك ثم ذكر العذر العارض فقال ) ولا على المرضى ( والمراد بالمرض كل ما يصدق عليه اسم المرض لغة أو شرعا وقيل إنه يدخل في المرضى الأعمى والأعرج ونحوهما ثم ذكر العذر الراجع إلى المال لا إلى البدن فقال ) ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون ( أي ليست لهم أموال ينفقونها فيما يحتاجون إليه من التجهز للجهاد فنفى سبحانه عن هؤلاء الحرج وأبان أن الجهاد مع هذه الأعذار ساقط عنهم غير واجب عليهم مقيدا بقوله ) إذا نصحوا لله ورسوله ( وأصل النصح إخلاص العمل من الغش ومنه التوبة النصوح قال نفطويه نصح الشيء إذا خلص ونصح له القول أي أخلصه له والنصح لله الإيمان به والعمل بشريعته وترك ما يخالفها كائنا ما كان ويدخل تحته دخولا أوليا نصح عباده ومحبة المجاهدين في سبيله وبذل النصيحة لهم في أمر الجهاد وترك المعاونة لأعدائهم بوجه من الوجوه ونصيحة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) التصديق بنبوته وبما جاء به وطاعته في كل ما يأمر به أو ينهى عنه وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه ومحبته وتعظيم سنته وإحياؤها بعد موته بما تبلغ إليه القدرة وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الدين النصيحة ثلاثا قالوا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وجملة ) ما على المحسنين من سبيل ( مقررة لمضمون ما سبق أي ليس على المعذورين الناصحين من سبيل أي طريق عقاب ومؤاخذة ومن مزيدة للتأكيد وعلى هذا فيكون لفظ ) المحسنين ( موضوعا في موضع الضمير الراجع إلى المذكورين سابقا أو يكون المراد ما على جنس المحسنين من سبيل وهؤلاء المذكورون سابقا من جملتهم فتكون الجملة تعليلية وجملة ) والله غفور رحيم ( تذييلية وفي معنى هذه الآية قوله تعالى ) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ( وقوله ) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ( وإسقاط التكليف عن هؤلاء المعذورين لا يستلزم عدم ثبوت ثواب الغزو لهم الذى عذرهم الله عنه مع رغبتهم إليه لولا حبسهم العذر عنه ومنه حديث أنس عند أبي داود وأحمد وأصله في الصحيحين أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لقد تركتم بعدكم قوما ما سرتم من مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم فيه قالوا يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة فقال حبسهم العذر وأخرجه أحمد ومسلم من حديث جابر
التوبة : ( 92 ) ولا على الذين . . . . .
ثم ذكر الله سبحانه من جملة المعذورين من تضمنه قوله ) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه ( والعطف على جملة ) ما على المحسنين ( أي ولا على الذين إذا ما أتوك إلى آخره


"""""" صفحة رقم 393 """"""
من سبيل ويجوز أن تكون عطفا على الضعفاء أي ولا على إذا ما أتوك إلى آخره حرج والمعنى أن من جملة المعذورين هؤلاء الذين أتوك لتحملهم على ما يركبون عليه في الغزو فلم تجد ذلك الذى طلبوه منك قيل وجملة ) لا أجد ما أحملكم عليه ( في محل نصب على الحال من الكاف في أتوك بإضمار قد أي إذا ما أتوك قائلا لا أجد وقيل هى بدل من أتوك وقيل جملة معترضة بين الشرط والجزاء والأول أولى وقوله ) تولوا ( جواب إذا وجملة ) وأعينهم تفيض من الدمع ( في محل نصب على الحال أي تولوا عنك لما قلت لهم لا أجد ما أحملكم عليه حال كونهم باكين و ) حزنا ( منصوب على المصدرية أو على العلية أو الحالية و ) ألا يجدوا ( مفعول له وناصبه ) حزنا ( وقال الفراء أن لا بمعنى ليس أي حزنا أن ليس يجدوا وقيل المعنى حزنا على أن لا يجدوا وقيل المعنى حزنا أنهم لا يجدون ما ينفقون لا عند أنفسهم ولا عندك
التوبة : ( 93 ) إنما السبيل على . . . . .
ثم ذكر الله سبحانه من عليه السبيل من المتخلفين فقال ) إنما السبيل ( أي طريق العقوبة والمؤاخذة ) على الذين يستأذنونك ( في التخلف عن الغزو و الحال أن ) وهم أغنياء ( أي يجدون ما يحملهم وما يتجهزون به وجملة ) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ( مستأنفة كأنه قيل ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء وقد تقدم تفسير الخوالف قريبا وجملة ) وطبع الله على قلوبهم ( معطوفة على ) رضوا ( أي سبب الاستئذان مع الغنى أمران أحدهما الرضا بالصفقة الخاسرة وهى أن يكونوا مع الخوالف والثاني الطبع من الله على قلوبهم ) فهم ( بسبب هذا الطبع ) لا يعلمون ( ما فيه الربح لهم حتى يختاروه على ما فيه الخسر
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم والدارقطني في الإفراد وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال كنت أكتب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت براءة فكنت أكتب ما أنزل عليه فإني لواضع القلم عن أذني إذ أمرنا بالقتال فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ينظر إلى ما ينزل عليه إذ جاء أعمى فقال كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى فنزلت ) ليس على الضعفاء ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال أنزلت هذه الآية في عابد بن عمر المزني وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال نزل من عند قوله ) عفا الله عنك ( إلى قوله ) ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ( في المنافقين وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) ما على المحسنين من سبيل ( قال ما على هؤلاء من سبيل بأنهم نصحوا لله ورسوله ولم يطيقوا الجهاد فعذرهم الله وجعل لهم من الأجر ما جعل للمجاهدين ألم تسمع أن الله يقول ) لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ( فجعل الله للذين عذر من الضعفاء وأولى الضرر والذين لا يجدون ما ينفقون من الأجر مثل ما جعل للمجاهدين وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ما على المحسنين من سبيل ( قال والله لأهل الإساءة ) غفور رحيم ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) ولا على الذين إذا ما أتوك ( الآية قال أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن ينبعثوا غازين معه فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل المزني فقالوا يا رسول الله احملنا فقال والله ما أجد ما أحملكم عليه فتولوا ولهم بكاء وعزيز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملا فأنزل الله عذرهم ) ولا على الذين إذا ما أتوك ( الآية وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبد الله بن مغفل قال إني لا أجد الرهط الذين ذكر الله ) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ( الآية وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب قال هم سبعة نفر من بني عمر بن عوف سالم بن عمير ومن بني واقف حرمي بن عمرو ومن بني مازن بن النجار عبد الرحمن بن كعب يكنى أبا ليلى ومن بني المعلى سلمان بن صخر ومن بني حارثة عبد الرحمن بن زيد أبو عبلة ومن بني سلمة عمرو بن غنمة وعبد الله بن عمرو


"""""" صفحة رقم 394 """"""
المزني وقد اتفق الرواة على بعض هؤلاء السبعة واختلفوا في البعض ولا يأتي التطويل في ذلك بكثير فائدة
وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وأبو الشيخ عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم أن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم البكاءون وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم ثم ذكروا أسماءهم وفيه فاستحملوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكانوا أهل حاجة
قال ) لا أجد ما أحملكم عليه ( وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن الحسن قال كان معقل بن يسار من البكائين الذين قال الله ) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك في قوله ) لا أجد ما أحملكم عليه ( قال الماء والزاد وأخرج ابن المنذر عن علي بن صالح قال حدثني مشيخة من جهينة قالوا أدركنا الذين سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الحملان فقالوا ما سألناه إلا الحملان على النعال وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم بن أدهم عمن حدثه في قوله ) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ( قال ما سألوه الدواب ما سألوه إلا النعال وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن صالح في الآية قال استحملوه النعال وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) إنما السبيل على الذين يستأذنونك ( قال هى وما بعدها إلى قوله ) فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ( في المنافقين
سورة براءة الآية ( 94 99 )
التوبة : ( 94 ) يعتذرون إليكم إذا . . . . .
قوله ) يعتذرون إليكم ( إخبار من الله سبحانه عن المنافقين المعتذرين بالباطل بأنهم يعتذرون إلى المؤمنين إذا رجعوا من الغزو وهذا كلام مستأنف وإنما قال ) إليهم ( أي إلى المعتذرين بالباطل ولم يقل إلى المدينة لأن مدار الاعتذار هو الرجوع إليهم لا الرجوع إلى المدينة وربما يقع الاعتذار عند الملاقاة قبل الوصول إليها ثم أخبر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بما يجيب به عليهم فقال ) قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم ( فنهاهم أولا عن الاعتذار بالباطل ثم علله بقوله ) لن نؤمن لكم ( أي لن نصدقكم كأنهم ادعوا أنهم صادقون


"""""" صفحة رقم 395 """"""
فى اعتذارهم لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به فإذا عرف أنه لا يصدق ترك الاعتذار وجملة ) قد نبأنا الله من أخباركم ( تعليلية للتى قبلها أي لا يقع منا تصديق لكم لأن الله قد أعلمنا بالوحي ما هو مناف لصدق اعتذاركم وإنما خص الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بالجواب عليهم فقال ) قل لا تعتذروا ( مع أن الاعتذار منهم كائن إلى جميع المؤمنين لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) رأسهم والمتولي لما يرد عليهم من جهة الغير ويحتمل أن يكون المراد بالضمير في قوله ) إليكم ( هو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على التأويل المشهور في مثل هذا قوله ) وسيرى الله عملكم ( أي ما ستفعلونه من الأعمال فيما بعد هل تقلعون عما أنتم عليه الآن من الشر أم تبقون عليه
وقوله ) ورسوله ( معطوف على الاسم الشريف ووسط مفعول الرؤية إيذانا بأن رؤية الله سبحانه لما سيفعلونه من خير أو شر هى التى يدور عليها الإثابة أو العقوبة وفي جملة ) ثم تردون إلى عالم الغيب ( إلى آخرها تخويف شديد لما هى مشتملة عليه من التهديد ولا سيما ما اشتملت عليه من وضع الظاهر موضع المضمر لإشعار ذلك بإحاطته بكل شيء يقع منهم مما يكتمونه ويتظاهرون به وإخباره لهم به ومجازاتهم عليه
التوبة : ( 95 ) سيحلفون بالله لكم . . . . .
ثم ذكر أن هؤلاء المعتذرين بالباطل سيؤكدون ما جاءوا به من الأعذار الباطلة بالحلف عند رجوع المؤمنين إليهم من الغزو وغرضهم من هذا التأكيد هو أن يعرض المؤمنون عنهم فلا يوبخونهم ولا يؤاخذونهم بالتخلف ويظهرون الرضا عنهم كما يفيده ذكر الرضا من بعد وحذف المحلوف عليه لكون الكلام يدل عليه وهو اعتذارهم الباطل وأمر المؤمنين بالإعراض عنهم المراد به تركهم والمهاجرة لهم لا الرضا عنهم والصفح عن ذنوبهم كما تفيده جملة ) إنهم رجس ( الواقعة علة للأمر بالإعراض والمعنى أنهم في أنفسهم رجس لكون جميع أعمالهم نجسة فكأنها قد صيرت ذواتهم رجسا أو أنهم ذوو رجس أي ذوو أعمال قبيحة ومثله ) إنما المشركون نجس ( وهؤلاء لما كانوا هكذا كانوا غير متأهلين لقبول الإرشاد إلى الخير والتحذير من الشر فليس لهم إلا الترك وقوله ) ومأواهم جهنم ( من تمام التعليل فإن من كان من أهل النار لا يجدى فيه الدعاء إلى الخير والمأوى كل مكان يأوى إليه الشيء ليلا أو نهارا وقد أوى فلان إلى منزله يأوى أويا وإيواء و ) جزاء ( منصوب على المصدرية أو على العلية والباء في ) بما كانوا يكسبون ( للسببية
التوبة : ( 96 ) يحلفون لكم لترضوا . . . . .
وجملة ) يحلفون لكم ( بدل مما تقدم وحذف هنا المحلوف به لكونه معلوما مما سبق والمحلوف عليه لمثل ما تقدم وبين سبحانه أن مقصدهم بهذا الحلف هو رضا المؤمنين عنهم ثم ذكر ما يفيد أنه لا يجوز الرضا عن هؤلاء المعتذرين بالباطل فقال ) فإن ترضوا عنهم ( كما هو مطلوبهم مساعدة لهم ) فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ( وإذا كان هذا هو ما يريده الله سبحانه من عدم الرضا على هؤلاء الفسقة العصاة فينبغى لكم أيها المؤمنون أن لا تفعلوا خلاف ذلك بل واجب عليكم أن لا ترضوا عنهم على أن رضاكم عنهم لو وقع لكان غير معتد به ولا مفيد لهم والمقصود من إخبار الله سبحانه بعدم رضاه عنهم نهى المؤمنين عن ذلك لأن الرضا على من لا يرضى الله عليه مما لا يفعله مؤمن
التوبة : ( 97 ) الأعراب أشد كفرا . . . . .
قوله ) الأعراب أشد كفرا ونفاقا ( لما ذكر الله سبحانه أحوال المنافقين بالمدينة ذكر حال من كان خارجا عنها من الأعراب وبين أن كفرهم ونفاقهم أشد من كفر غيرهم ومن نفاق غيرهم لأنهم أقسى قلبا وأغلظ طبعا وأجفى قولا وأبعد عن سماع كتب الله وما جاءت به رسله والأعراب هم من سكن البوادي بخلاف العرب فإنه عام لهذا النوع من بني آدم سواء سكنوا البوادي أو القرى هكذا قال أهل اللغة ولهذا قال سيبويه إن الأعراب صيغة جمع وليست بصيغة جمع العرب
قال النيسابوري قال أهل اللغة رجل عربي إذا كان نسبه إلى العرب ثابتا وجمعه عرب كالمجوسي والمجوس واليهودي واليهود فالأعرابي إذا قيل له يا عربي فرح وإذا قيل للعربي يا أعرابي غضب وذلك أن من استوطن


"""""" صفحة رقم 396 """"""
القرى العربية فهو عربي ومن نزل البادية فهو أعرابي ولهذا لا يجوز أن يقال للمهاجرين والأنصار أعراب وإنما هم عرب قال قيل إنما سمى العرب عربا لأن أولاد إسماعيل عليه السلام نشئوا بالعرب وهى من تهامة فنسبوا إلى بلدهم وكل من يسكن جزيرة العرب وينطق بلسانهم فهو منهم وقيل لأن ألسنهم معربة عما في ضمائرهم ولما في لسانهم من الفصاحة والبلاغة انتهى ) وأجدر ( معطوف على أشد ومعناه أخلق يقال فلان جدير بكذا أي خليق به وأنت جدير أن تفعل كذا والجمع جدر أو جديرون وأصله من جدر الحائط وهو رفعه بالبناء والمعنى أنهم أحق وأخلق ب ) ألا يعلموا حدود ما أنزل الله ( من الشرائع والأحكام لبعدهم عن مواطن الأنبياء وديار التنزيل ) والله عليم ( بأحوال مخلوقاته على العموم وهؤلاء منهم ) حكيم ( فيما يجازيهم به من خير وشر
التوبة : ( 98 ) ومن الأعراب من . . . . .
قوله ) ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ( هذا تنويع لجنس إلى نوعين الأول هؤلاء والثاني ) ومن الأعراب من يؤمن بالله ( والمغرم الغرامة والخسران وهو ثاني مفعولي يتخذ لأنه بمعنى الجعل والمعنى اعتقد أن الذى ينفقه في سبيل الله غرامة وخسران وأصل الغرم والغرامة ما ينفقه الرجل وليس بلازم له في اعتقاده ولكنه ينفقه للرياء والتقية وقيل أصل الغرم اللزوم كأنه اعتقد أنه يلزمه لأمر خارج لا تنبعث له النفس و ) الدوائر ( جمع دائرة وهى الحالة المنقلبه عن النعمة إلى البلية وأصلها ما يحيط بالشيء ودوائر الزمان نوبه وتصاريفه ودوله وكأنها لا تستعمل إلا في المكروه ثم دعا سبحانه عليهم قوله ) عليهم دائرة السوء ( وجعل ما دعا به عليهم مماثلا لما أرادوه بالمسلمين والسوء بالفتح عند جمهور القراء مصدر أضيفت إليه الدائرة للملابسة كقولك رجل صدق وقرأ أبو عمرو وابن كثير بضم السين وهو المكروه قال الأخفش أي عليهم دائرة الهزيمة والشر وقال الفراء ) عليهم دائرة السوء ( العذاب والبلاء قال والسوء بالفتح مصدر سؤته سوءا ومساءة وبالضم اسم لا مصدر وهو كقولك دائرة البلاء والمكروه ) والله سميع ( لما يقولونه ) عليم ( بما يضمرونه
التوبة : ( 99 ) ومن الأعراب من . . . . .
قوله ) ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ( هذا النوع الثاني من أنواع الأعراب كما تقدم أي يصدق بهما ) ويتخذ ما ينفق ( أي يجعل ما ينفقه في سبيل الله ) قربات ( وهى جمع قربة وهى ما يتقرب به إلى الله سبحانه تقول منه قربت لله قربانا والجمع قرب وقربات والمعنى أنه يجعل ما ينفقه سببا لحصول القربات ) عند الله ( سببا ل ) وصلوات الرسول ( أي لدعوات الرسول لهم لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يدعو للمتصدقين ومنه قوله ) وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ( ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم صل على آل أبى أوفى ثم إنه سبحانه بين بأن ما ينفقه هذا النوع من الأعراب تقربا إلى الله مقبول واقع على الوجه الذى أرادوه فقال ) ألا إنها قربة لهم ( فأخبر سبحانه بقبولها خبرا مؤكدا باسمية الجملة وحرفي التنبيه والتحقيق وفي هذا من التطبيب لخواطرهم والتطمين لقلوبهم ما لا يقادر قدره مع ما يتضمنه من النعي على من يتخذ ما ينفق مغرما والتوبيخ له بأبلغ وجه والضمير في إنها راجع إلى ) ما ( في ما ينفق وتأنيثه باعتبار الخبر وقرأ نافع في رواية عنه ) قربة ( بضم الراء وقرأ الباقون بسكونها تخفيفا ثم فسر سبحانه القربة بقوله ) سيدخلهم الله في رحمته ( والسين لتحقيق الوعد
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) قد نبأنا الله من أخباركم ( قال أخبرنا أنكم لو خرجتم ما زدتمونا إلا خبالا وفي قوله ) فأعرضوا عنهم ( قال لما رجع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال للمؤمنين لا تكلموهم ولا تجالسوهم فأعرضوا عنهم كما أمر الله وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) لتعرضوا عنهم ( قال لتجاوزوا عنهم وأخرج أبو الشيخ عنه في قوله ) الأعراب أشد كفرا ونفاقا ( قال من منافقي


"""""" صفحة رقم 397 """"""
المدينة ) وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ( يعني الفرائض وما أمر به من الجهاد وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أسد وغطفان وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن وإسناد أحمد هكذا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن أبي موسى عن وهب بن منبه عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره قال في التقريب وأبو موسى عن وهب بن منبه مجهول من السادسة ووهم من قال إن إسرائيل بن موسى وقال الترمذي بعد إخراجه حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الثوري وأخرج أبو داود والبيهقي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى أبواب السلطان افتتن وما ازداد أحد من سلطانه قربا إلا ازداد من الله بعدا وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ( قال يعني بالمغرم أنه لا يرجو له ثوابا عند الله ولا مجازاة وإنما يعطى من يعطى من الصدقات كرها ) ويتربص بكم الدوائر ( الهلكات وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال هؤلاء المنافقون من الأعراب الذين إنما ينفقون رياء اتقاء على أن يغزوا ويحاربوا ويقاتلوا ويرون نفقاتهم مغرما وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ومن الأعراب من يؤمن بالله ( قال هم بنو مقرن من مزينة وهم الذين قال الله ) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ( الآية وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن معقل قال كنا عشرة ولد مقرن فنزلت فينا ) ومن الأعراب من يؤمن بالله ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وصلوات الرسول ( يعني استغفار النبي ( صلى الله عليه وسلم )
سورة براءة الآية ( 100 106 )


"""""" صفحة رقم 398 """"""
التوبة : ( 100 ) والسابقون الأولون من . . . . .
لما ذكر سبحانه أصناف الأعراب ذكر المهاجرين والأنصار وبين أن منهم السابقين إلى الهجرة وأن منهم التابعين لهم وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ ) والأنصار ( بالرفع عطفا على ) والسابقون ( وقرأ سائر القراء من الصحابة فمن بعدهم بالجر قال الأخفش الخفض في الأنصار الوجه لأن السابقين منهم يدخلون في قوله ) والسابقون ( وفي الآية تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم الذين صلوا القبلتين في قول سعيد بن المسيب وطائفة أو الذين شهدوا بيعة الرضوان وهى بيعة الحديبية في قول الشعبي أو أهل بدر في قول محمد بن كعب وعطاء بن يسار ولا مانع من حمل الآية على هذه الأصناف كلها قال أبو منصور البغدادي أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ثم الستة الباقون ثم البدريون ثم أصحاب أحد ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية قوله ) والذين اتبعوهم بإحسان ( قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ? الذين اتبعوهم ? محذوف الواو وصفا للأنصار على قراءته برفع الأنصار فراجعه في ذلك زيد بن ثابت فسأل أبي بن كعب فصدق زيدا فرجع عمر عن القراءة المذكورة كما رواه أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ومعنى الذين اتبعوهم بإحسان الذين اتبعوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم المتأخرون عنهم من الصحابة فمن بعدهم إلى يوم القيامة وليس المراد بهم التابعين اصطلاحا وهم كل من أدرك الصحابة ولم يدرك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بل هم من جملة من يدخل تحت الآية فتكون ) من ( في قوله ) من المهاجرين ( على هذا للتبعيض وقيل إنها للبيان فيتناول المدح جميع الصحابة ويكون المراد بالتابعين من بعدهم من الأمة إلى يوم القيامة
وقوله ) بإحسان ( قيد للتابعين أي والذين اتبعوهم متلبسين بإحسان في الأفعال والأقوال اقتداء منهم بالسابقين الأولين قوله ) رضي الله عنهم ( خبر للمبتدإ وما عطف عليه ومعنى رضاه سبحانه عنهم أنه قبل طاعاتهم وتجاوز عنهم ولم يسخط عليهم ) ورضوا عنه ( بما أعطاهم من فضله ومع رضاه عنهم فقد ) أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ( في الدار الآخرة وقرأ ابن كثير ) تجري من تحتها الأنهار ( بزيادة من وقرأ الباقون بحذفها والنصب على الظرفية وقد تقدم تفسير جرى الأنهار من تحت الجنات وتفسير الخلود والفوز
التوبة : ( 101 ) وممن حولكم من . . . . .
قوله ) وممن حولكم من الأعراب منافقون ( هذا عود إلى شرح أحوال المنافقين من أهل المدينة ومن يقرب منها من الأعراب وممن حولكم خبر مقدم ومن الأعراب بيان وهو في محل نصب على الحال ومنافقون هو المبتدأ قيل وهؤلاء الذين هم حول المدينة من المنافقين هم جهينة ومزينة وأشجع وغفار وجملة ) ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ( معطوفة على الجملة الأولى عطف جملة على جملة وقيل إن من أهل المدينة عطف على الخبر في الجملة الأولى فعلى الأول يكون المبتدأ مقدرا أي ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق وعلى الثاني يكون التقدير وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة منافقون مردوا ولكون جملة مردوا على النفاق مستأنفة لا محل لها وأصل مرد و تمرد اللين والملاسة والتجرد فكأنهم تجردوا للنفاق ومنه غصن أمرد لا ورق عليه وفرس أمرد لا شعر فيه وغلام أمرد لا شعر بوجهه وأرض مرداء لا نبات فيها وصرح ممرد مجرد فالمعنى أنهم أقاموا على النفاق وثبتوا عليه ولم ينثنوا عنه قال ابن زيد معناه لجوا فيه وأتوا غيره وجملة ) لا تعلمهم ( مبينة للجملة الأولى وهى مردوا على النفاق أي ثبتوا عليه ثبوتا شديدا ومهروا فيه حتى خفى أمرهم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكيف سائر المؤمنين والمراد عدم علمه ( صلى الله عليه وسلم ) بأعيانهم لا من حيث الجملة فإن للنفاق دلائل لا تخفى عليه ( صلى الله عليه وسلم ) وجملة ) نحن نعلمهم ( مقررة لما قبلها لما فيها من الدلالة على مهارتهم في النفاق ورسوخهم فيه على وجه يخفى على البشر ولا يظهر لغير الله سبحانه لعلمه بما يخفى وما تجنه الضمائر وتنطوي عليه السرائر ثم توعدهم سبحانه فقال ) سنعذبهم مرتين ( قيل المراد بالمرتين عذاب الدنيا بالقتل والسبي وعذاب


"""""" صفحة رقم 399 """"""
الآخرة وقيل الفضيحة بانكشاف نفاقهم والعذاب في الآخرة وقيل المصائب في أموالهم وأولادهم وعذاب القبر وقيل غير ذلك مما يطول ذكره مع عدم الدليل على أنه المراد بعينه والظاهر أن هذا العذاب المكرر هو في الدنيا بما يصدق عليه اسم العذاب وأنهم يعذبون مرة بعد مرة ثم يردون بعد ذلك إلى عذاب الآخرة وهو المراد بقوله ) ثم يردون إلى عذاب عظيم ( ومن قال إن العذاب في المرة الثانية هو عذاب الآخرة قال معنى قوله ) ثم يردون إلى عذاب عظيم ( أنهم يردون بعد عذابهم في النار كسائر الكفار إلى الدرك الأسفل منها أو أنهم يعذبون في النار عذابا خاصا بهم دون سائر الكفار ثم يردون بعد ذلك إلى العذاب الشامل لهم ولسائر الكفار
التوبة : ( 102 ) وآخرون اعترفوا بذنوبهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه حال طائفة من المسلمين وهم المخلطون في دينهم فقال ) وآخرون اعترفوا بذنوبهم ( وهو معطوف على قوله منافقون أي وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة قوم آخرون ويجوز أن يكون آخرون مبتدأ واعترفوا بذنوبهم صفته وخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا خبره والمعنى أن هؤلاء الجماعة تخلفوا عن الغزو لغير عذر مسوغ للتخلف ثم ندموا على ذلك ولم يعتذروا بالأعذار الكاذبة كما اعتذر المنافقون بل تابوا واعترفوا بالذنب ورجوا أن يتوب الله عليهم والمراد بالعمل الصالح ما تقدم من إسلامهم وقيامهم بشرائع الإسلام وخروجهم إلى الجهاد في سائر المواطن والمراد بالعمل السيئ هو تخلفهم عن هذه الغزوة وقد أتبعوا هذا العمل السيئ عملا صالحا وهو الاعتراف به والتوبة عنه وأصل الاعتراف الإقرار بالشيء ومجرد الإقرار لا يكون توبة إلا إذا اقترن به الندم على الماضي والعزم على تركه في الحال والاستقبال وقد وقع منهم ما يفيد هذا كما سيأتي بيانه إن شاء الله ومعنى الخلط أنهم خلطوا كل واحد منهما بالآخر كقولك خلطت الماء باللبن واللبن بالماء
ويجوز أن تكون الواو بمعنى الباء كقولك بعت الشاة شاة وردهما أي بدرهم وفي قوله ) عسى الله أن يتوب عليهم ( دليل على أنه قد وقع منهم مع الاعتراف ما يفيد التوبة أو أن مقدمة التوبة وهى الاعتراف قامت مقام التوبة وحرف الترجي وهو عسى في كلام الله سبحانه يفيد تحقق الوقوع لأن الإطماع من الله سبحانه إيجاب لكونه أكرم الأكرمين ) إن الله غفور رحيم ( أي يغفر الذنوب ويتفضل على عباده
التوبة : ( 103 ) خذ من أموالهم . . . . .
قوله ) خذ من أموالهم صدقة ( اختلف أهل العلم في هذه الصدقة المأمور بها فقيل هى صدقة الفرض وقيل هى مخصوصة بهذه الطائفة المعترفة بذنوبها لأنهم بعد التوبة عليهم عرضوا أموالهم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت هذه الآية و ) من ( للتبعيض على التفسيرين والآية مطلقة مبينة بالسنة المطهرة والصدقة مأخوذة من الصدق إذ هى دليل على صدق مخرجها في إيمانه قوله ) تطهرهم وتزكيهم بها ( الضمير في الفعلين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي تطهرهم وتزكيهم يا محمد بما تأخذه من الصدقة منهم وقيل الضمير في تطهرهم للصدقة أي تطهرهم هذه الصدقة المأخوذة منهم والضمير في تزكيهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي تزكيهم يا محمد بالصدقة المأخوذة والأول أولى لما في الثاني من الاختلاف في الضميرين في الفعلين المتعاطفين وعلى الأول فالفعلان منتصبان على الحال وعلى الثاني فالفعل الأول صفة لصدقة والثاني حال منه ( صلى الله عليه وسلم ) ومعنى التطهير إذهاب ما يتعلق بهم من أثر الذنوب ومعنى التزكية المبالغة في التطهير قال الزجاج والأجود أن تكون المخاطبة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي فإنك يا محمد تطهرهم وتزكيهم بها على القطع والاستئناف ويجوز الجزم على جواب الأمر والمعنى أن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وقد قرأ الحسن بجزم تطهرهم وعلى هذه القراءة فيكون ) وتزكيهم ( على تقدير مبتدأ أي وأنت تزكيهم بها قوله ) وصل عليهم ( أي ادع لهم بعد أخذك لتلك الصدقة من أموالهم قال النحاس وحكى أهل اللغة جميعا فيما علمناه أن الصلاة في كلام العرب الدعاء ثم علل سبحانه أمره لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بالصلاة على من يأخذ منه الصدقة فقال ) إن صلاتك سكن لهم (


"""""" صفحة رقم 400 """"""
قرأ حفص وحمزة والكسائي صلاتك بالتوحيد وقرأ الباقون بالجمع والسكن ما تسكن إليه النفس وتطمئن به
التوبة : ( 104 ) ألم يعلموا أن . . . . .
قوله ) ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ( لما تاب الله سبحانه على هؤلاء المذكورين سابقا قال الله ) ألم يعلموا ( أي غير التائبين أو التائبون قبل أن يتوب الله عليهم ويقبل صدقاتهم ) أن الله هو يقبل التوبة ( لاستغنائه عن طاعة المطيعين وعدم مبالاته بمعصية العاصين وقرئ ) ألم تعلموا ( بالفوقية وهو إما خطاب للتائبين أو لجماعة من المؤمنين ومعنى ) ويأخذ الصدقات ( أي يتقبلها منهم وفي إسناد الأخذ إليه سبحانه بعد أمره لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأخذها تشريف عظيم لهذه الطاعة ولمن فعلها وقوله ) وأن الله هو التواب الرحيم ( معطوف على قوله ) أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ( مع تضمنه لتأكيد ما اشتمل عليه المعطوف عليه أي أن هذا شأنه سبحانه وفي صيغة المبالغة في التواب وفي الرحيم مع توسيط ضمير الفصل والتأكيد من التبشير لعباده والترغيب لهم ما لا يخفى
التوبة : ( 105 ) وقل اعملوا فسيرى . . . . .
قوله ) وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ( فيه تخويف وتهديد أي إن عملكم لا يخفى على الله ولا على رسوله ولا على المؤمنين فسارعوا إلى أعمال الخير وأخلصوا أعمالكم لله عز وجل وفيه أيضا ترغيب وتنشيط فإن من علم أن عمله لا يخفى سواء كان خير أو شرا رغب إلى أعمال الخير وتجنب أعمال الشر وما أحسن قول زهير ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
والمراد بالرؤية هنا العلم بما يصدر منهم من الأعمال ثم جاء سبحانه بوعيد شديد فقال ) وستردون إلى عالم الغيب والشهادة ( أي وستردون بعد الموت إلى الله سبحانه الذى يعلم ما تسرونه وما تعلنونه وما تخفونه وما تبدونه وفي تقديم الغيب على الشهادة إشعار بسعة علمه عز وجل وأنه لا يخفى عليه شيء ويستوي عنده كل معلوم
ثم ذكر سبحانه ما سيكون عقب ردهم إليه فقال ) فينبئكم ( أي يخبركم ) بما كنتم تعملون ( في الدنيا فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ويتفضل على من يشاء من عباده
التوبة : ( 106 ) وآخرون مرجون لأمر . . . . .
قوله ) وآخرون مرجون لأمر الله ( ذكر سبحانه ثلاثة أقسام في المتخلفين الأول المنافقون الذين مردوا على النفاق والثاني التائبون المعترفون بذنوبهم الثالث الذين بقي أمرهم موقوفا في تلك الحال وهم المرجون لأمر الله من أرجيته وأرجأته إذا أخرته قرأ حمزة والكسائي ونافع وحفص ) مرجون ( بالواو من غير همز وقرأ الباقون بالهمزة المضمومة بعد الجيم والمعنى أنهم مؤخرون في تلك الحال لا يقطع لهم بالتوبة ولا بعدمها بل هم على ما يتبين من أمر الله سبحانه في شأنهم ) إما يعذبهم ( إن بقوا على ما هم عليه ولم يتوبوا ) وإما يتوب عليهم ( إن تابوا توبة صحيحة وأخلصوا إخلاصا تاما والجملة في محل نصب على الحال والتقدير ) وآخرون مرجون لأمر الله ( حال كونهم إما معذبين وإما متوبا عليهم ) والله عليم ( بأحوالهم ) حكيم ( فيما يفعله بهم من خير أو شر
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم في المعرفة عن أبي موسى أنه سئل عن قوله ) والسابقون الأولون ( فقال هم الذين صلوا القبلتين جميعا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم عن سعيد بن المسيب مثله وأخرج ابن المنذر وأبو نعيم عن الحسن ومحمد بن سيرين مثله أيضا
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال هم أبو بكر وعمر وعلي وسلمان وعمار بن ياسر وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن الشعبي قال هم من أدرك بيعة الرضوان وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) والذين اتبعوهم بإحسان ( قال التابعون وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال هم من بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن أبي صخر حميد بن


"""""" صفحة رقم 401 """"""
زياد قال قلت لمحمد بن كعب القرظي أخبرني عن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإنما أريد الفتن قال إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم قلت له وفي أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه قال ألا تقرءون قوله تعالى ) والسابقون الأولون ( الآية أوجب لجميع أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الجنة والرضوان وشرط على التابعين شرطا لم يشرطه فيهم قلت وما اشترط عليهم قال اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان يقول يقتدون بهم في أعمالهم الحسنة ولا يقتدون بهم في غير ذلك قال أبو صخر فوالله لكأني لم أقرأها قبل ذلك وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي بن كعب وأخرج ابن مردويه من طريق الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير والقسم ومكحول وعبدة بن أبي لبابة وحسان بن عطية أنهم سمعوا جماعة من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقولون لما أنزلت هذه الآية ) والسابقون الأولون ( إلى قوله ) ورضوا عنه ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذا لأمتي كلهم وليس بعد الرضا سخط وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وممن حولكم من الأعراب ( الآية قال قام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم جمعة خطيبا فقال قم يا فلان فاخرج فإنك منافق اخرج يا فلان فإنك منافق فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم ولم يكن عمر بن الخطاب يشهد تلك الجمعة لحاجة كانت له فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم استحياء أنه لم يشهد الجمعة وظن الناس قد انصرفوا وختبئوا هم من عمر وظنوا أنه قد علم بأمرهم فدخل عمر المسجد فإذا الناس لم ينصرفوا فقال له رجل أبشر يا عمر فقد فضح الله المنافقين اليوم فهو العذاب الأول والعذاب الثاني عذاب القبر وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله ) وممن حولكم من الأعراب ( قال جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) مردوا على النفاق ( قال أقاموا عليه ولم يتوبوا كما تاب آخرون وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال ماتوا عليه عبد الله بن أبي وأبو عامر الراهب والجد بن قيس وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) سنعذبهم مرتين ( قال بالجوع والقتل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك قال بالجوع وعذاب القبر
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن قتادة قال عذاب في القبر وعذاب في النار وقد روى عن جماعة من السلف نحو هذا في تعيين العذابين والظاهر ما قدمنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا ( قال كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة تبوك فلما حضر رجوع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد وكان ممر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا رجع عليهم فلما رآهم قال من هؤلاء الموثقون أنفسهم قالوا هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله حتى تطلقهم وتعذرهم قال وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذى يطلقهم ورغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين فلما بلغهم ذلك قالوا ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذى يطلقنا فنزلت ) عسى الله أن يتوب عليهم ( وعسى من الله واجب فلما نزلت أرسل إليهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأطلقهم وعذرهم فجاءوا بأموالهم فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا قال ما أمرت أن آخذ أموالكم فأنزل الله عز وجل ) خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ( يقول استغفر لهم ) إن صلاتك سكن لهم ( يقول رحمة لهم فأخذ منهم الصدقة واستغفر لهم وكانوا ثلاثة نفر لم يوثقوا أنفسهم


"""""" صفحة رقم 402 """"""
بالسواري فأرجئوا سنة لا يدرون أيعذبون أو يتاب عليهم فأنزل الله عز وجل ) لقد تاب الله على النبي ( إلى قوله ) وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( إلى قوله ) ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ( يعني إن استقاموا وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك مثله سواء وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله ) اعترفوا بذنوبهم ( قال هو أبو لبابة إذ قال لقريظة ما قال وأشار إلى حلقه بأن محمدا يذبحكم إن نزلتم على حكمه والقصة مذكورة في كتب السير وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) خلطوا عملا صالحا ( قال غزوهم مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وآخر سيئا ( قال تخلفهم عنه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وصل عليهم ( قال استغفر لهم من ذنوبهم التى كانوا أصابوها ) إن صلاتك سكن لهم ( قال رحمة لهم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن أبي أوفى قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أتى بصدقة قال اللهم صل على آل فلان فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صل على آل أبي أوفى
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله ( قال هذا وعيد من الله عز وجل وأخرج أحمد وأبو يعلي وابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب وابن أبي الدنيا والضياء في المختارة عن أبي سعيد عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج الله عمله للناس كائنا ما كان وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله ) وآخرون مرجون لأمر الله ( قال هم الثلاثة الذين خلفوا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال هم هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك من الأوس والخزرج وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) إما يعذبهم ( يقول يميتهم على معصية ) وإما يتوب عليهم ( فأرجأ أمرهم ثم نسخها فقال ) وعلى الثلاثة الذين خلفوا )
سورة براءة الآية ( 107 110 )
التوبة : ( 107 ) والذين اتخذوا مسجدا . . . . .
لما ذكر الله أصناف المنافقين وبين طرائقهم المختلفة عطف على ما سبق هذه الطائفة منهم وهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا فيكون التقدير ومنهم الذين اتخذوا على أن الذين مبتدأ وخبره منهم المحذوف والجملة معطوفة على ما تقدمها ويجوز أن يكون الموصول في محل نصب على الذم وقرأ المدنيون وابن عامر ) الذين اتخذوا ( بغير واو فتكون قصة مستقلة الموصول مبتدأ وخبره ) لا تقم ( قاله الكسائي وقال النحاس إن الخبر هو ) لا يزال بنيانهم الذي بنوا ( وقيل الخبر محذوف والتقدير يعذبون وسيأتي بيان هؤلاء البانين لمسجد الضرار


"""""" صفحة رقم 403 """"""
و ) ضرارا ( منصوب على المصدرية أو على العلية ) وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا ( معطوفة على ) ضرارا ( فقد أخبر الله سبحانه أن الباعث لهم على بناء هذا المسجد أمور أربعة الأول الضرار لغيرهم وهو المضارره الثاني الكفر بالله والمباهاة لأهل الإسلام لأنهم أرادوا ببنائه تقوية أهل النفاق الثالث التفريق بين المؤمنين لأنهم أرادوا أن لا يحضروا مسجد قباء فتقل جماعة المسلمين وفي ذلك من اختلاف الكلمة وبطلان الألفة ما لا يخفى الرابع الإرصاد لمن حارب الله ورسوله أي الإعداد لأجل من حارب الله ورسوله قال الزجاج الإرصاد الانتظار
وقال ابن قتيبة الإرصاد الانتظار مع العداوة وقال الأكثرون هو الإعداد والمعنى متقارب يقال أرصدت لكذا إذا أعددته مرتقبا له به وقال أبو زيد يقال رصدته وأرصدته في الخير وأرصدت له في الشر وقال ابن الأعرابي لا يقال إلا أرصدت ومعناه ارتقبت والمراد بمن حارب الله ورسوله المنافقون ومنهم أبو عامر الراهب أي أعدوه لهؤلاء وارتقبوا به وصولهم وانتظروهم ليصلوا فيه حتى يباهوا بهم المؤمنين وقوله ) من قبل ( متعلق باتخذوا أي اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء ويبنوا مسجد الضرار أو متعلق بحارب أي لمن وقع منه الحرب لله ولرسوله من قبل بناء مسجد الضرار قوله ) وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى ( أي ما أردنا إلا الخصلة الحسنى وهى الرفق بالمسلمين فرد الله عليهم بقوله ) والله يشهد إنهم لكاذبون ( فيما حلفوا عليه
التوبة : ( 108 ) لا تقم فيه . . . . .
ثم نهى الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الصلاة في مسجد الضرار فقال ) لا تقم فيه أبدا ( أي في وقت من الأوقات والنهي عن القيام فيه يستلزم النهي عن الصلاة فيه وقد يعبر عن الصلاة بالقيام يقال فلان يقوم الليل أي يصلي ومنه الحديث الصحيح من قام رمضان إيمانا به واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
ثم ذكر الله سبحانه علة النهي عن القيام فيه بقوله ) لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ( واللام في ) لمسجد ( لام القسم وقيل لام الابتداء وفي ذلك تأكيد لمضمون الجملة وتأسيس البناء تثبيته ورفعه ومعنى تأسيسه على التقوى تأسيسه على الخصال التى تتقي بها العقوبة
واختلف العلماء في المسجد الذى أسس على التقوى فقالت طائفة هو مسجد قباء كما روى عن ابن عباس والضحاك والحسن والشعبي وغيرهم وذهب آخرون إلى أنه مسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والأول أرجح لما سيأتي قريبا إن شاء الله و ) من أول يوم ( متعلق بأسس أي أسس على التقوى من أول يوم من أيام تأسيسه قال بعض النحاة إن ) من ( هنا بمعنى منذ أي منذ أول يوم ابتدئ ببنائه وقوله ) أحق أن تقوم فيه ( خبر المبتدأ
والمعنى لو كان القيام في غيره جائزا لكان هذا أولى بقيامك فيه للصلاة ولذكر الله لكونه أسس على التقوى من أول يوم ولكون ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( وهذه الجملة مستأنفة لبيان أحقية قيامه ( صلى الله عليه وسلم ) فيه أي كما أن هذا المسجد أولى من جهة المحل فهو أولى من جهة الحال فيه ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال أي حال كون فيه رجال يحبون أن يتطهروا ويجوز أن تكون صفة أخرى لمسجد ومعنى محبتهم للتطهر أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه عند عروض موجبه وقيل معناه يحبون التطهر من الذنوب بالتوبة والاستغفار والأول أولى وقيل يحبون أن يتطهروا بالحمى المطهرة من الذنوب فحموا جميعا وهذا ضعيف جدا ومعنى محبة الله لهم الرضا عنهم والإحسان إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه
التوبة : ( 109 ) أفمن أسس بنيانه . . . . .
ثم بين سبحانه أن بين الفريقين بونا بعيدا فقال ) أفمن أسس بنيانه ( والهمزة للإنكار التقريري والبنيان مصدر كالعمران وأريد به المبنى والجملة مستأنفة والمعنى أن من أسس بناء دينه على قاعدة قوية محكمة وهى تقوى الله ورضوانه خير ممن أسس دينه على ضد ذلك وهو الباطل والنفاق والموصول مبتدأ وخبره خير وقرئ ) أسس بنيانه ( على


"""""" صفحة رقم 404 """"""
بناء الفعل للفاعل ونصب بنيانه واختار هذه القراءة أبو عبيدة وقرئ على البناء للمجهول وقرئ أساس بنيانه بإضافة أساس إلى بنيانه وقرئ أس بنيانه والمراد أصول البناء وحكى أبو حاتم قراءة أخرى وهى آساس بنيانه على الجمع ومنه أصبح الملك ثابت الآساس
بالبهاليل من بني العباس
والشفا الشفير والجرف ما يتجرف بالسيول وهى الجوانب التى تنجرف بالماء والاجتراف اقتلاع الشيء من أصله وقرئ بضم الراء من جرف وبإسكانها والهار الساقط يقال هار البناء إذا سقط وأصله هائر كما قالوا شاك السلاح وشائك كذا قال الزجاج وقال أبو حاتم إن أصله هاور قال في شمس العلوم الجرف ما جرف السيل أصله وأشرف أعلاه فإن الصدع أعلاه فهو الهار اه جعل الله سبحانه هذا مثلا لما بنوا عليه دينهم الباطل المضمحل بسرعة ثم قال ) فانهار به في نار جهنم ( وفاعل فانهار ضمير يعود إلى الجرف أي فانهار الجرف بالبنيان في النار ويجوز أن يكون الضمير في ) به ( يعود إلى من وهو الباني والمعنى أنه طاح الباطل بالبناء أو الباني في نار جهنم وجاء بالانهيار الذى هو للجرف ترشيحا للمجاز وسبحان الله ما أبلغ هذا الكلام وأقوى تراكيبه وأوقع معناه وأفصح مبناه
التوبة : ( 110 ) لا يزال بنيانهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه أن بنيانهم هذا موجب لمزيد ريبهم واستمرار ترددهم وشكهم فقال ) لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ( أي شكا في قلوبهم ونفاقا ومنه قول النابغة حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وليس وراء الله للمرء مذهب
وقيل معنى الريبة الحسرة والندامة لأنهم ندموا على بنيانه وقال المبرد أي حرارة وغيظا وقد كان هؤلاء الذين بنوا مسجد الضرار منافقين شاكين في دينهم ولكنهم ازدادوا بهدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نفاقا وتصميما على الكفر ومقتا للإسلام لما أصابهم من الغيظ الشديد والغضب العظيم بهدمه ثم ذكر سبحانه ما يدل على استمرار هذه الريبة ودوامها وهو قوله ) إلا أن تقطع قلوبهم ( أي لا يزال هذا إلا أن تتقطع قلوبهم قطعا وتتفرق أجزاء إما بالموت أو بالسيف والمقصود أن هذه الريبة دائمة لهم ما داموا أحياء ويجوز أن يكون ذكر التقطع تصويرا لحال زوال الريبة وقيل معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ويعقوب وأبو جعفر بفتح حرف المضارعة وقرأ الجمهور بضمها
وروى عن يعقوب أنه قرأ ) تقطع ( بالتخفيف والخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي إلا أن تقطع يا محمد قلوبهم وقرأ أصحاب عبد الله بن مسعود ? ولو تقطعت قلوبهم ? وقرأ الحسن ويعقوب وأبو حاتم إلى أن تقطع على الغاية أي لا يزالون كذلك إلى أن يموتوا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) والذين اتخذوا مسجدا ضرارا ( قال هم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدا فقال لهم أبو عامر الراهب ابنوا مسجدكم واستمدوا بما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتى بجند من الروم فأخرج محمدا وأصحابه فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا قد فرغنا من بناء مسجدنا فيجب أن تصلي فيه وتدعو بالبركة فأنزل الله ) لا تقم فيه أبدا ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه قال لما بنى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مسجد قباء خرج رجال من الأنصار منهم بجدح جد عبد الله بن حنيف ووديعة بن حزام ومجمع بن جارية الأنصاري فبنوا مسجد النفاق فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لبجدح ويلك يا بجدح ما أردت إلى ما رأى فقال يا رسول الله والله ما أردت إلا الحسنى وهو كاذب فصدقه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأراد أن يعذره فأنزل الله تعالى ) والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله (


"""""" صفحة رقم 405 """"""
يعني رجلا يقال له أبو عامر كان محاربا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكان قد انطلق إلى هرقل وكانوا يرصدون إذا قدم أبو عامر أن يصلي فيه وكان قد خرج من المدينة محاربا لله ولرسوله وأخرج ابن إسحاق وابن مردويه عنه أيضا قال دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مالك بن الدخشم فقال مالك لعاصم أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي فدخل على أهله فأخذ سعفات من نار ثم خرجوا يشتدون حتى دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وخرج أهله فتفرقوا عنه فأنزل الله هذه الآية ولعل في هذه الرواية حذفا بين قوله ( صلى الله عليه وسلم ) دعا رسول الله مالك بن الدخشم وبين قوله فقال مالك لعاصم ويبين ذلك ما أخرج ابن إسحاق وابن مردويه عن أبي رهم كلثوم بن الحصين الغفاري وكان من الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة قال أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى نزل بذي أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا يا رسول الله إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة الشاتية والليلة المطيرة وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه قال إني على جناح سفر ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي وأخاه عاصم بن عدي أحد بني العجلان فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال مالك لمعن أنظرني حتى أخرج إليك فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه ونزل فيهم من القرآن ما نزل ) والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ( إلى آخر القصة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم إن الذين بنوا مسجد الضرار كانوا اثنى عشر رجلا وذكر أسماءهم وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري قال اختلف رجلان رجل من بني خدرة وفي لفظ تماريت أنا ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذى أسس على التقوى قال الخدري هو مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال العمري هو مسجد قباء فأتيا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسألاه عن ذلك فقال هو هذا المسجد لمسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال في ذلك خير كثير يعني مسجد قباء وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والزبير بن بكار في أخبار المدينة وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والحاكم في الكنى وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدى نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب والضياء في المختارة عن أبي بن كعب قال سألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن المسجد الذى أسس على التقوى قال هو مسجدي هذا وأخرج الطبراني والضياء المقدسي في المختارة عن زيد بن ثابت مرفوعا مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه والطبراني من طريق عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت قال المسجد الذى أسس على التقوى من أول يوم مسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال عروة مسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خير منه إنما أنزلت في مسجد قباء وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عمر قال المسجد الذى أسس على التقوى مسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج المذكوران عن أبي سعيد الخدري مثله وقد روى عن جماعة غير هؤلاء مثل قولهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أنه مسجد قباء وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك مثله ولا يخفاك أن النبي صلى


"""""" صفحة رقم 406 """"""
الله عليه وآله وسلم قد عين هذا المسجد الذى أسس على التقوى وجزم بأنه مسجده ( صلى الله عليه وسلم ) كما قدمنا من الأحاديث الصحيحة فلا يقاوم ذلك قول فرد من الصحابة ولا جماعة منهم ولا غيرهم ولا يصح لإيراده في مقابلة ما قد صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا فائدة في إيراد ما ورد في فضل الصلاة في مسجد قباء فإن ذلك لا يستلزم كونه المسجد الذى أسس على التقوى على أن ما ورد في فضائل مسجده ( صلى الله عليه وسلم ) أكثر مما ورد في فضل مسجد قباء بلا شك ولا شبهة تعم وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال نزلت هذه الآية في أهل قباء ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( قال وكانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية وفي إسناده يونس بن الحارث وهو ضعيف وأخرج الطبراني وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى عويم بن ساعدة فقال ما هذا الطهور الذى أثنى الله عليكم فقالوا يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه أو قال مقعدته فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو هذا وأخرج أحمد وابن خزيمة والطبراني والحاكم وابن مردويه عن عويم بن ساعدة الأنصاري أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أتاهم في مسجد قباء فقال إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذى تتطهرون به فقالوا والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا رواه أحمد عن حسن بن محمد حدثنا أبو أويس حدثنا شرحبيل عن عويم بن ساعدة فذكره وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وأخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الجارود في المنتقى والدارقطني والحاكم وابن مردويه وابن عساكر عن طلحة بن نافع قال حدثني أبو أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك أن هذه الآية لما نزلت ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا معشر الأنصار إن الله قد اثنى عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم هذا قالوا نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة قال فهل مع ذلك غيره قالوا لا غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي بالماء قال هو ذاك فعليكموه وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه وابن جرير والبغوى في معجمه والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن محمد بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال لما أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المسجد الذى أسس على التقوى مسجد قباء فقال إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني يعني قوله تعالى ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ( فقالوا يا رسول الله إنا لنجده مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء ونحن نفعله اليوم وإسناد أحمد في هذا الحديث هكذا حدثنا يحيى بن آدم حدثني مالك يعني ابن مغول سمعت سيارا أبا الحكم عن شهر بن حوشب عن محمد بن عبد الله بن سلام وقد روى عن جماعة من التابعين في ذكر سبب نزول الآية نحو هذا ولا يخفاك أن بعض هذه الأحاديث ليس فيه تعيين مسجد قباء وأهله وبعضها ضعيف وبعضها لا تصريح فيه بأن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجد قباء وعلى كل حال لا تقاوم تلك الأحاديث المصرحة بأن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في صحتها وصراحتها وأخرج بن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله فانهار بهم في نار جهنم قال يعني قواعده في نار جهنم وأخرج مسدد في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال لقد رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حيث أنهار على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 407 """"""
في قوله ) لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ( قال يعني الشك ) إلا أن تقطع قلوبهم ( يعني الموت وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حبيب بن أبي ثابت في قوله ) ريبة في قلوبهم ( قال غيظا في قلوبهم ) إلا أن تقطع قلوبهم ( قال إلى أن يموتوا وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله ) إلا أن تقطع قلوبهم ( قال إلا أن يتوبوا
سورة براءة الآية ( 111 112 )
التوبة : ( 111 ) إن الله اشترى . . . . .
لما شرح فضائح المنافقين وقبائحهم بسبب تخلفهم عن غزوة تبوك وذكر أقسامهم وفرع على كل قسم منها ما هو لائق به عاد على بيان فضيلة الجهاد والترغيب فيه وذكر الشراء تمثيل كما في قوله ) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ( مثل سبحانه إثابة المجاهدين بالجنة على بذلهم أنفسهم وأموالهم في سبيل الله بالشراء وأصل الشراء بين العباد هو إخراج الشيء عن الملك بشيء آخر مثله أو دونه أو أنفع منه فهؤلاء المجاهدون باعوا أنفسهم من الله بالجنة التى أعدها للمؤمنين أي بأن يكونوا من جملة أهل الجنة وممن يسكنها فقد جادوا بأنفسهم وهى أنفس الاعلاق والجود بها غاية الجود يجود بالنفس إن ضن الجبان بها
والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وجاد الله عليهم بالجنة وهى أعظم ما يطلبه العباد ويتوسلون إليه بالأعمال والمراد بالأنفس هنا أنفس المجاهدين وبالأموال ما ينفقونه في الجهاد قوله ) يقاتلون في سبيل الله ( بيان للبيع الذى يقتضيه الإشتراء المذكور كأنه قيل كيف يبيعون أنفسهم وأموالهم بالجنة فقيل يقاتلون في سبيل الله ثم بين هذه المقاتلة في سبيل الله بقوله ) فيقتلون ويقتلون ( والمراد أنهم يقدمون على قتل الكفار في الحرب ويبذلون أنفسهم في ذلك فإن فعلوا فقد استحقوا الجنة وإن لم يقع القتل عليهم بعد الإبلاء في الجهاد والتعرض للموت بالإقدام على الكفار قرأ الأعمش والنخعي وحمزة والكسائي ? وخلف ? بتقديم المبني للمفعول على المبني للفاعل وقرأ الباقون بتقديم المبني للفاعل على المبني للمفعول وقوله ) وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ( إخبار من الله سبحانه أن فريضة الجهاد واستحقاق الجنة بها قد ثبت الوعد بها من الله في التوراة والإنجيل كما وقع في القرآن وانتصاب وعدا وحقا على المصدرية أو الثاني نعت للأول وفي التوراة متعلق بمحذوف أي وعدا ثابتا فيها قوله ) ومن أوفى بعهده من الله ( في هذا من تأكيد الترغيب للمجاهدين في الجهاد والتنشيط لهم على بذل الأنفس والأموال ما لا يخفى فإنه أولا أخبر بأنه قد اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وجاء بهذه العبارة الفخيمة وهى كون الجنة قد صارت ملكا لهم ثم أخبر ثانيا بأنه قد وعد بذلك في كتبه المنزلة ثم أخبر بأنه بعد هذا الوعد الصادق لا بد من حصول الموعود به فإنه لا أحد أوفى بعهده من الله سبحانه وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد ثم زادهم سرورا وحبورا فقال


"""""" صفحة رقم 408 """"""
) فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ( أي أظهروا السرور بذلك والبشارة هى إظهار السرور وظهوره يكون في بشرة الوجه ولذا يقال أسارير الوجه أي التى يظهر فيها السرور وقد تقدم إيضاح هذا والفاء لترتيب الاستبشار على ما قبله والمعنى أظهروا السرور بهذا البيع الذى بايعتم به الله عز وجل فقد ربحتم فيه ربحا لم يربحه أحد من الناس إلا من فعل مثل فعلكم والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الجنة أو إلى نفس البيع الذى ربحوا فيه الجنة ووصف الفوز وهو الظفر بالمطلوب بالعظم يدل على أنه فوز لا فوز مثله
التوبة : ( 112 ) التائبون العابدون الحامدون . . . . .
قوله ) التائبون ( خبر مبتدأ محذوف أي هم التائبون يعني المؤمنون والتائب الراجع أي هم الراجعون إلى طاعة الله عن الحالة المخالفة للطاعة وقال الزجاج الذى عندي أن قوله ) التائبون العابدون ( رفع بالابتداء وخبره مضمر أي التائبون ومن بعدهم إلى آخر الآية لهم الجنة أيضا وإن لم يجاهدوا قال وهذا أحسن إذ لو كانت هذه أوصافا للمؤمنين المذكورين في قوله ) اشترى من المؤمنين ( لكان الوعد خاصا بمجاهدين وقد ذهب إلى ما ذهب إليه الزجاج من أن هذا الكلام منفصل عما قبله طائفة من المفسرين وذهب آخرون إلى أن هذه الأوصاف راجعة إلى المؤمنين في الآية الأولى وأنها على جهة الشرط أي لا يستحق الجنة بتلك المبايعة إلا من كان من المؤمنين على هذه الأوصاف
وفي مصحف عبد الله بن مسعود ? التائبين العابدين ? إلى آخرها وفيه وجهان أحدهما أنها أوصاف المؤمنين
الثاني أن النصب على المدح وقيل إن ارتفاع هذه الأوصاف على البدل من ضمير يقاتلون وجوز صاحب الكشاف أن يكون التائبون مبتدأ وخبره العابدون وما بعده أخبار كذلك أي التائبون من الكفر على الحقيقة الجامعون لهذه الخصال وفيه من البعد ما لا يخفى والعابدون القائمون بما أمروا به من عبادة الله مع الإخلاص
) الحامدون ( الذين يحمدون الله سبحانه على السراء والضراء و ) السائحون ( قيل هم الصائمون وإليه ذهب جمهور المفسرين ومنه قوله تعالى ) عابدات سائحات ( وإنما قيل للصائم سائح لأنه يترك اللذات كما يتركها السائح في الأرض ومنه قول أبي طالب بن عبد المطلب وبالسائحين لا يذوقون فطرة
لربهم والراكدات العوامل
وقال آخر تراه يصلي ليله ونهاره
يظل كثير الذكر لله سائحا
قال الزجاج ومذهب الحسن أن السائحين هاهنا هم الذين يصومون الفرض وقيل إنهم الذين يديمون الصيام
وقال عطاء السائحون المجاهدون وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم السائحون المهاجرون وقال عكرمة هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم وقيل هم الجائلون بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته وما خلق من العبر
والسياحة في اللغة أصلها الذهاب على وجه الأرض كما يسيح الماء وهى مما يعين العبد على الطاعة لانقطاعه عن الخلق ولما يحصل له من الاعتبار بالتفكر في مخلوقات الله سبحانه و ) الراكعون الساجدون ( معناه المصلون و ) الآمرون بالمعروف ( القائمون بأمر الناس بما هو معروف في الشريعة ) والناهون عن المنكر ( القائمون بالإنكار على من فعل منكرا أي شيئا ينكره الشرع ) والحافظون لحدود الله ( القائمون بحفظ شرائعه التى أنزلها في كتبه وعلى لسان رسله وإنما أدخل الواو في الوصفين الآخرين وهما ) والناهون عن المنكر والحافظون ( الخ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنزلة خصلة واحدة ثم عطف عليه الحافظون بالواو لقربه وقيل إن العطف في الصفات يجيء بالواو وبغيرها كقوله ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ( وقيل إن الواو زائدة وقيل هى واو الثمانية المعروفة عند النحاة كما في قوله تعالى ) ثيبات وأبكارا ( وقوله ) وفتحت أبوابها ( وقوله


"""""" صفحة رقم 409 """"""
) سبعة وثامنهم كلبهم ( وقد أنكروا والثمانية أبو علي الفارسي وناظره في ذلك ابن خالويه ) وبشر المؤمنين ( الموصوفين بالصفات السابقة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا قال عبد الله بن رواحة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اشترط لربك ولنفسك ما شئت قال أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا قال الجنة قال ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال أنزلت هذه الآية على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو في المسجد ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ( فكبر الناس في المسجد فأقبل رجل من الأنصار ثانيا طرفي ردائه على عاتقه فقال يا رسول الله أنزلت هذه الآية قال نعم فقال الأنصاري بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل وقد أخرج ابن سعد عن عبادة بن الصامت أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اشترط في بيعة العقبة على من بايعه من الأنصار أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة والسمع والطاعة ولا ينازعوا في الأمر أهله
ويمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم قالوا نعم قال قائل الأنصار نعم هذا لك يا رسول الله فما لنا قال الجنة وأخرجه ابن سعد أيضا من وجه آخر وليس في قصة العقبة ما يدل على أنها سبب نزول الآية
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال من مات على هذه التسع فهو في سبيل الله ) التائبون العابدون ( إلى آخر الآية وأخرج بن جرير وأبو الشيخ وابن المنذر عن ابن عباس قال الشهيد من كان فيه التسع الخصال المذكورة في هذه الآية وأخرج أبو الشيخ عنه قال العابدون الذين يقيمون الصلاة وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عنه أيضا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء وأخرج ابن جرير عن عبيد بن عمير قال سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن السائحين فقال هم الصائمون وأخرج الفريابي وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عبيد بن عمير عن أبي هريرة مرفوعا مثله وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه وابن النجار من طريق أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا مثله وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعا مثله وقد روى عن أبي هريرة موقوفا وهو أصح من المرفوع من طريقه وحديث عبيد بن عمير مرسل وقد أسنده من طريق أبي هريرة في الرواية الثانية وقد روى من قول جماعة من الصحابة مثل هذا منهم عائشة عند ابن جرير وابن المنذر ومنهم ابن عباس عند ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبي الشيخ ومنهم ابن مسعود عند هؤلاء المذكورين قبله وروى نحو ذلك عن جماعة من التابعين وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي أمامة أن رجلا استأذن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في السياحة فقال إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله وصححه عبد الحق وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في هذه الآية قال هذه أعمال قال فيها أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله قضى على نفسه في التوراة والإنجيل والقرآن لهذه الأمة أن من قتل منهم على هذه الأعمال كان عند الله شهيدا ومن مات منهم عليها فقد وجب أجره على الله وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح عن أبي هريرة قال الشهيد من لو مات على فراشه دخل الجنة قال وقال ابن عباس من مات وفيه تسع فهو شهيد وقرأ هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في


"""""" صفحة رقم 410 """"""
قوله ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ( يعني بالجنة ثم قال ) التائبون ( إلى قوله ) والحافظون لحدود الله ( يعني القائمين على طاعة الله وهو شرط اشترطه الله على أهل الجهاد وإذا وفوا لله بشرطه وفي لهم بشرطهم
سورة براءة الآية ( 113 114 )
التوبة : ( 113 ) ما كان للنبي . . . . .
لما بين الله سبحانه في أول السورة وما بعده أن البراءة من المشركين والمنافقين واجبة بين سبحانه هنا ما يزيد ذلك تأكيدا وصرح بأن ذلك متحتم ولو كانوا أولى قربى وأن القرابة في مثل هذا الحكم لا تأثير لها وقد ذكر أهل التفسير أن ) ما كان ( في القرآن يأتي على وجهين الأول على النفي نحو ) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ( والآخر على معنى النهي نحو ) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ( و ) ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ( وهذه الآية متضمنة لقطع الموالاة للكفار وتحريم الاستغفار لهم والدعاء بما لا يجوز لمن كان كافرا ولا ينافي هذه ما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) في الصحيح أنه قال يوم أحد حين كسر المشركون رباعيته وشجوا وجهه اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون لأنه يمكن أن يكون ذلك قبل أن يبلغه تحريم الاستغفار للمشركين وعلى فرض أنه قد كان بلغه كما يفيده سبب النزول فإنه قبل يوم أحد بمدة طويلة وسيأتي فصدور هذا الاستغفار منه لقومه إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من الأنبياء كما في صحيح مسلم عن عبد الله قال كأني أنظر إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وفي البخاري أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذكر نبيا قبله شجه قومه فجعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يخبر عنه بأنه قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون قوله ) من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ( هذه الجملة تتضمن التعليل للنهي عن الاستغفار والمعنى أن هذا التبين موجب لقطع الموالاة لمن كان هكذا وعدم الاعتداء بالقرابة لأنهم ماتوا على الشرك وقد قال سبحانه ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( فطلب المغفرة لهم في حكم المخالفة لوعد الله ووعيده
التوبة : ( 114 ) وما كان استغفار . . . . .
قوله ) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه ( الآية ذكر الله سبحانه السبب في استغفار إبراهيم لأبيه أنه كان لأجل وعد تقدم من إبراهيم لأبيه بالاستغفار له ولكنه ترك ذلك وتبرأ منه لما تبين له أنه عدو لله وأنه غير مستحق للاستغفار وهذا يدل على أنه إنما وعده قبل أن يتبين له أنه من أهل النار ومن أعداء الله فلا حاجة إلى السؤال الذى يورده كثير من المفسرين أنه كيف خفى ذلك على إبراهيم فإنه لم يخف عليه تحريم الاستغفار لمن أصر على الكفر ومات عليه وهو لم يعلم ذلك إلا بإخبار الله سبحانه له بأنه عدو الله فإن ثبوت هذه العداوة تدل على الكفر وكذلك لم يعلم نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) بتحريم ذلك إلا بعد أن أخبره الله بهذه الآية وهذا حكم إنما يثبت بالسمع لا بالعقل وقيل المراد من استغفار إبراهيم لأبيه دعاؤه إلى الإسلام وهو ضعيف جدا وقيل المراد بالاستغفار في هذه الآية النهي عن الصلاة على جنائز الكفار فهو كقوله ) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ( ولا حاجة إلى تفسير الاستغفار بالصلاة ولا ملجيء إلى ذلك ثم ختم الله سبحانه هذه الآية بالثناء العظيم على إبراهيم فقال ) إن إبراهيم لأواه ( وهو كثير التأوه كما تدل على ذلك صيغة المبالغة


"""""" صفحة رقم 411 """"""
وقد اختلف أهل العلم في معنى الأواه فقال ابن مسعود وعبيد بن عمير إنه الذى يكثر الدعاء وقال الحسن وقتادة إنه الرحيم بعباد الله وروى عن ابن عباس أنه المؤمن بلغة الحبشة وقال الكلبي إنه الذى يذكر الله في الأرض القفر وروى مثله عن ابن المسيب وقيل الذى يكثر الذكر لله من غير تقييد روى ذلك عن عقبة بن عامر وقيل هو الذى يكثر التلاوة حكى ذلك عن ابن عباس وقيل أنه الفقيه قاله مجاهد والنخعي وقيل المتضرع الخاضع روى ذلك عن عبد الله بن شداد بن الهاد وقيل هو الذى إذا ذكر خطاياه استغفر لها روى ذلك عن أبي أيوب وقيل هو الشفيق قاله عبد العزيز بن يحيى وقيل إنه المعلم للخير وقيل إنه الراجع عن كل ما يكرهه الله قاله عطاء والمطابق لمعنى الأواه لغة أن يقال إنه الذى يكثر التأوه من ذنوبه فيقول مثلا آه من ذنوبي آه مما أعاقب به بسببها ونحو ذلك وبه قال الفراء وهو مروى عن أبي ذر ومعنى التأوه هو أن يسمع للصدر صوت من تنفس الصعداء قال في الصحاح وقد أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال أوه والاسم منه آهة بالمد قال إذا ما قمت أرحلها بليل
تأوه آهة الرجل الحزين
و ) الحليم ( الكثير الحلم كما تفيده صيغة المبالغة وهو الذى يصفح عن الذنوب ويصبر على الأذى وقيل الذى لا يعاقب أحدا قط إلا لله
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخارى ومسلم وغيرها عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت الوفاة أبا طالب دخل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده أبو جهل وعبد الله بن أميه فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعرضها عليه وأبو جهل وعبد الله يعاندانه بتلك المقالة فقال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت ) ما كان للنبي ( الآية وأنزل الله في أبي طالب ) إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ( وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي والنسائي وأبو يعلي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة عن علي قال سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت تستغفر لأبويك وهما مشركان فقال أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه فذكرت ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) ما كان للنبي ( الآية وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن علي قال أخبرت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بموت أبي طالب فبكى فقال اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه ففعلت وجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يستغفر له أياما ولا يخرج منه من بيته حتى نزل عليه ) ما كان للنبي ( الآية وقد روى كون سبب نزول الآية استغفار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأبي طالب من طرق كثيرة منها عن محمد بن كعب عند ابن أبي حاتم وأبي الشيخ وهو مرسل ومنها عن عمرو بن دينار عند ابن جرير وهو مرسل أيضا ومنها عن سعيد بن المسيب عند ابن جرير وهو مرسل أيضا ومنها عن عمر بن الخطاب عند ابن سعد وأبي الشيخ وابن عساكر ومنها عن الحسن البصري عند ابن عساكر وهو مرسل
وروى أنها نزلت بسبب زيارة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لقبر أمه واستغفاره لها من طريق ابن عباس عند الطبراني وابن مردويه ومن طريق ابن مسعود عند ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وعن بريدة عند ابن مردويه وما في الصحيحين مقدم على ما لم يكن فيهما على فرض أنه صحيح فكيف هو ضعيف


"""""" صفحة رقم 412 """"""
غالبه وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ( إلى قوله ) كما ربياني صغيرا ( قال ثم استثنى فقال ) ما كان للنبي ( إلى قوله ) إلا عن موعدة وعدها إياه ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) فلما تبين له أنه عدو لله ( قال تبين له حين مات وعلم أن التوبة قد انقطعت منه وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو بكر الشافعي في فوائده والضياء في المختارة عن ابن عباس قال لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات تبين له أنه عدو لله فتبرأ منه وأخرج ابن مردويه عن جابر أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل لو أن هذا خفض صوته فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعه فإنه أواه واخرج الطبراني وابن مردويه عن عقبة بن عامر ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لرجل يقال له ذو النجادين إنه أواه وذلك أنه كان يكثر ذكر الله بالقرآن والدعاء وأخرجه أيضا أحمد قال حدثنا موسى بن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر فذكره
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال قال رجل يا رسول الله ما الأواه قال الخاشع المتضرع الدعاء وهذا إن ثبت وجب المصير إليه وتقديمه على ما ذكره أهل اللغة في معنى الأواه وإسناده عند ابن جرير هكذا حدثني المثنى حدثني الحجاج بن منهال حدثنا عبد الحميد بن بهرام حدثنا شهر بن حوشب عن عبد الله بن شداد فذكره وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن إبراهيم لأواه حليم ( قال كان من حلمه أنه كان إذا أذاه الرجل من قومه قال له هداك الله
سورة براءة الآية ( 115 119 )
التوبة : ( 115 ) وما كان الله . . . . .
لما نزلت الآية المتقدمة في النهي عن الاستغفار للمشركين خاف جماعة ممن كان يستغفر لهم العقوبة من الله بسبب ذلك الاستغفار فأنزل الله سبحانه ) وما كان الله ليضل قوما ( الخ أي أن الله سبحانه لا يوقع الضلال على قوم ولا يسميهم ضلالا بعد أن هداهم إلى الإسلام والقيام بشرائعه ما لم يقدموا على شئ من المحرمات بعد أن يتبين لهم أنه محرم وأما قبل أن يتبين لهم ذلك فلا إثم عليهم ولا يؤاخذون به ومعنى ) حتى يبين لهم ما يتقون ( حتى يتبين لهم ما يجب عليهم اتقاؤه من محرمات الشرع ) أن الله بكل شيء عليم ( مما يحل لعباده ويحرم عليهم ومن سائر الأشياء التى خلقها
التوبة : ( 116 ) إن الله له . . . . .
ثم بين لهم أن له سبحانه ملك السموات والأرض لا يشاركه في ذلك مشارك ولا ينازعه


"""""" صفحة رقم 413 """"""
منازع يتصرف في ملكه بما شاء من التصرفات التى من جملتها أنه يحيى من قضت مشيئته بإحيائه ويميت من قضت مشيئته بإماتته وما لعباده من دونه من ولي يواليهم ولا نصير ينصرهم فلا يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى فإن القرابة لا تنفع شيئا ولا تؤثر أثرا بل التصرف في جميع الأشياء لله وحده
التوبة : ( 117 ) لقد تاب الله . . . . .
قوله ) لقد تاب الله على النبي ( فيما وقع منه ( صلى الله عليه وسلم ) من الإذن في التخلف أو فيما وقع منه من الاستغفار للمشركين وليس من لازم التوبة أن يسبق الذنب ممن وقعت منه أوله لأن كل العباد محتاج إلى التوبة والاستغفار وقد تكون التوبة منه تعالى على النبي من باب أنه ترك ما هو الأولى والأليق كما في قوله ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( ويجوز أن يكون ذكر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأجل التعريض للمذنبين بأن يتجنبوا الذنوب ويتوبوا عما قد لابسوه منها وكذلك تاب الله سبحانه على المهاجرين والأنصار فيما قد اقترفوه من الذنوب ومن هذا القبيل ما صح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ثم وصف سبحانه المهاجرين والأنصار بأنهم الذين اتبعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يتخلفوا عنه وساعة العسرة هى غزوة تبوك فإنهم كانوا في عسرة شديدة فالمراد بالساعة جميع أوقات تلك الغزوة ولم يرد ساعة بعينها والعسرة صعوبة الأمر قوله ) من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ( في كاد ضمير الشأن وقلوب مرفوع بتزيغ عند سيبويه وقيل هى مرفوعة بكاد ويكون التقدير من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ وقرأ الأعمش وحمزة وحفص يزيغ بالتحتية قال أبو حاتم من قرأ بالياء التحتية فلا يجوز له أن يرفع القلوب بكاد قال النحاس والذى لم يجزه جائز عند غيره على تذكير الجمع ومعنى ? تزيغ ? تتلف بالجهد والمشقة والشدة وقيل معناه تميل عن الحق وتترك المناصرة والممانعة وقيل معناه تهم بالتخلف عن الغزو لما هم فيه من الشدة العظيمة وفي قراءة ابن مسعود ? من بعد ما زاغت ? وهم المتخلفون على هذه القراءة وفي تكرير التوبة عليهم بقوله ) ثم تاب عليهم ليتوبوا ( تأكيد ظاهر واعتناء بشأنها هذا إن كان الضمير راجعا إلى من تقدم ذكر التوبة عنهم وإن كان الضمير إلى الفريق فلا تكرار
التوبة : ( 118 ) وعلى الثلاثة الذين . . . . .
قوله ) وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( أي وتاب على الثلاثة الذين خلفوا أي أخروا ولم تقبل توبتهم في الحال كما قبلت توبة أولئك المتخلفين المتقدم ذكرهم قال ابن جرير معنى خلفوا تركوا يقال خلفت فلانا فارقته وقرأ عكرمة بن خالد ) خلفوا ( بالتخفيف أي أقاموا بعد نهوض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين إلى الغزو وقرأ جعفر بن محمد خالفوا وهؤلاء الثلاثة هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع أو ابن ربيعة العامري وهلال بن أمية الواقفي وكلهم من الأنصار لم يقبل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) توبتهم حتى نزل القرآن بأن الله قد تاب عليهم وقيل معنى خلفوا فسدوا مأخوذ من خلوف الفم
قوله ) حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ( معناه أنهم أخروا عن قبول التوبة إلى هذه الغاية وهى وقت أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وما مصدرية أي برحبها لإعراض الناس عنهم وعدم مكالمتهم من كل أحد لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نهى الناس أن يكالموهم والرحب الواسع يقال منزل رحب ورحيب ورحاب وفي هذه الآية دليل على جواز هجران أهل المعاصي تأديبا لهم لينزجروا عن المعاصي ومعنى ضيق أنفسهم عليهم أنها ضاقت صدورهم بما نالهم من الوحشة وبما حصل لهم من الجفوة وعبر بالظن في قوله ) وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ( عن العلم أي علموا أن لا ملجأ يلجئون إليه قط إلا إلى الله سبحانه بالتوبة والاستغفار قوله ) ثم تاب عليهم ليتوبوا ( أي رجع عليهم بالقبول والرحمة وأنزل في القرآن التوبة عليهم ليستقيموا أو وفقهم للتوبة فيما يستقبل من الزمان إن فرطت منهم خطيئة ليتوبوا عنها ويرجعوا إلى الله فيها ويندموا على ما وقع


"""""" صفحة رقم 414 """"""
منهم ) إن الله هو التواب ( أي الكثير القبول لتوبة التائبين ) الرحيم ( أي الكثير الرحمة لمن طلبها من عباده
التوبة : ( 119 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) وكونوا مع الصادقين ( هذا الأمر بالكون مع الصادقين بعد قصة الثلاثة فيه الإشارة إلى أن هؤلاء الثلاثة حصل لهم بالصدق ما حصل من توبة الله وظاهر الآية الأمر للعباد على العموم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم ( قال نزلت حين أخذوا الفداء من المشركين يوم الأسارى قال لم يكن لكم أن تأخذوه حتى يؤذن لكم ولكن ما كان الله ليعذب قوما بذنب أذنبوه ) حتى يبين لهم ما يتقون ( قال حتى ينهاهم قبل ذلك وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال بيان الله للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة وفي بيانه طاعته ومعصيته غامض ما فعلوا أو تركوا وأخرج ابن جرير وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي والضياء في المختارة عن ابن عباس أنه قال لعمر بن الخطاب حدثنا من شأن ساعة العسرة فقال خرجنا مع رسول الله إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا فأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقى على كبده فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع لنا فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأهطلت ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر وقد وقع الاتفاق بين الرواة أن ساعة العسرة هى غزوة تبوك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن منده وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن جابر بن عبد الله في قوله ) وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( قال كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكلهم من الأنصار وأخرج ابن منده وابن عساكر عن ابن عباس مثله وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن كعب بن مالك قال لم أتخلف عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها إنما خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة العقبة حين توافقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر منها في الناس وأشهر ثم ذكر القصة الطويلة المشهورة في كتب الحديث والسير وهى معلومة عند أهل العلم فلا نطول بذكرها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( قال يعني خلفوا عن التوبة لم يتب عليهم حين تاب الله على أبي لبابة وأصحابه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن عساكر عن عكرمة نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن نافع في قوله ) وكونوا مع الصادقين ( قال نزلت في الثلاثة الذين خلفوا قيل لهم كونوا مع محمد وأصحابه وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله ) وكونوا مع الصادقين ( قال مع أبي بكر وعمر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عساكر عن الضحاك في الآية قال مع أبي بكر وعمر وأصحابهما وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال مع علي بن أبي طالب وأخرج ابن عساكر عن أبي جعفر قال مع الثلاثة الذين خلفوا


"""""" صفحة رقم 415 """"""
سورة براءة الآية ( 120 121 )
التوبة : ( 120 ) ما كان لأهل . . . . .
في قوله ) ما كان لأهل المدينة ( الخ زيادة تأكيد لوجوب الغزو مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتحريم التخلف عنه أي ما صح وما استقام لأهل المدينة ) ومن حولهم من الأعراب ( كمزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار ) أن يتخلفوا عن رسول الله ( ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة تبوك وإنما خصهم الله سبحانه لأنهم قد استنفروا فلم ينفروا بخلاف غيرهم من العرب فإنهم لم يستنفروا مع كون هؤلاء لقربهم وجوارهم أحق بالنصرة والمتابعة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ( أي وما كان لهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه فيشحون بها ويصونونها ولا يشحون بنفس رسول الله ويصونونها كما شحوا بأنفسهم وصانوها يقال رغبت عن كذا أي ترفعت عنه بل واجب عليهم أن يكابدوا معه المشاق ويجاهدوا بين يديه أهل الشقاق
ويبذلوا أنفسهم دون نفسه وفي هذا الإخبار معنى الأمر لهم مع ما يفيده إيراده على هذه الصيغة من التوبيخ لهم والتقريع الشديد والتهييج لهم والإزراء عليهم والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما يفيده السياق من وجوب المتابعة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي ذلك الوجوب عليهم بسبب أنهم مثابون على أنواع المتاعب وأصناف الشدائد والظمأ العطش والنصب التعب والمخمصة المجاعة الشديدة التى يظهر عندها ضمور البطن وقرأ عبيد بن عمير ظماء بالمد وقرأ غيره بالقصر وهما لغتان مثل خطأ وخطاء و ) لا ( في هذه المواضع زائدة للتأكيد ومعنى ) في سبيل الله ( في طاعة الله قوله ) ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ( أي لا يدوسون مكانا من أمكنة الكفار بأقدامهم أو بحوافر خيولهم أو بأخفاف رواحلهم فيحصل بسبب ذلك الغيظ للكفار
والموطيء اسم مكان ويجوز أن يكون مصدرا ) ولا ينالون من عدو نيلا ( أي يصيبون من عدوهم قتلا أو أسرا أو هزيمة أو غنيمة وأصله من نلت الشيء أنال أي أصيب قال الكسائي هو من قولهم أمر منيل منه
وليس هو من التناول إنما التناول من نلته بالعطية قال غيره نلت أنول من العطية ونلته أناله أدركته
والضمير في ) به ( يعود إلى كل واحد من الأمور المذكورة والعمل الصالح الحسنة المقبولة أي إلا كتبه الله لهم حسنة مقبولة يجازيهم بها وجملة ) إن الله لا يضيع أجر المحسنين ( في حكم التعليل لما سبق مع كونه يشمل كل محسن ويصدق على المذكورين هنا صدقا أوليا
التوبة : ( 121 ) ولا ينفقون نفقة . . . . .
قوله ) ولا ينفقون نفقة ( معطوف على ما قبله أي ولا يقع منهم الإنفاق في الحرب وإن كان شيئا صغيرا يسيرا ) ولا يقطعون واديا ( وهو في الأصل كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذا للسيل والعرب تقول واد وأودية على غير قياس قال النحاس ولا يعرف فيما علمت فاعل وأفعله ) إلا كتب لهم ( أي كتب لهم ذلك الذى عملوه من النفقة والسفر في الجهاد ) ليجزيهم الله ( به ) أحسن ما كانوا يعملون ( أي أحسن جزاء ما كانوا يعملون من الأعمال ويجوز أن يكون في قوله ) إلا كتب لهم ( ضمير يرجع إلى عمل صالح وقد ذهب جماعة إلى أن هذه الآية منسوخة بالآية المذكورة بعدها وهى قوله ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( فإنها تدل على جواز التخلف من البعض مع القيام بالجهاد من البعض وسيأتي
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق عمر بن مالك عن بعض الصحابة قال لما نزلت ) ما كان لأهل المدينة (


"""""" صفحة رقم 416 """"""
الآية قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والذى بعثني بالحق لولا ضعفاء الناس ما كانت سرية إلا كنت فيها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) ما كان لأهل المدينة ( قال هذا حين كان الإسلام قليلا لم يكن لأحد أن يتخلف عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلما كثر الإسلام وفشا قال الله ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وإبراهيم بن محمد القزارى وعيسى بن يونس السبيعي أنهم قالوا في قوله تعالى ) ولا ينالون من عدو نيلا ( قالوا هذه الآية للمسلمين إلى أن تقوم الساعة
سورة براءة الآية ( 122 123 )
التوبة : ( 122 ) وما كان المؤمنون . . . . .
اختلف المفسرون في معنى ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( فذهب جماعة إلى أنه من بقية أحكام الجهاد لأنه سبحانه لما بالغ في الأمر بالجهاد والانتداب إلى الغزو كان المسلمون إذا بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سرية من الكفار ينفرون جميعا ويتركون المدينة خالية فأخبرهم الله سبحانه بأنه ما كان لهم ذلك أي ما صح لهم ولا استقام أن ينفروا جميعا بل ينفر من كل فرقة منهم طائفة من تلك الفرقة ويبقى من عدا هذه الطائفة النافرة
قالوا ويكون الضمير في قوله ) ليتفقهوا ( عائدا إلى الفرقة الباقية والمعنى أن الطائفة من هذه الفرقة تخرج إلى الغزو ومن بقى من الفرقة يقفون لطلب العلم ويعلمون الغزاة إذا رجعوا إليهم من الغزو أو يذهبون في طلبه إلى المكان الذى يجدون فيه من يتعلمون منه ليأخذوا عنه الفقه في الدين وينذروا قومهم وقت رجوعهم إليهم وذهب آخرون إلى أن هذه الآية ليست من بقية أحكام الجهاد وهى حكم مستقل بنفسه في مشروعية الخروج لطلب العلم والتفقه في الدين جعله الله سبحانه متصلا بما دل على إيجاب الخروج إلى الجهاد فيكون السفر نوعين الأول سفر الجهاد والثاني السفر لطلب العلم ولا شك أن وجوب الخروج لطلب العلم إنما يكون إذا لم يجد الطالب من يتعلم منه في الحضر من غير سفر والفقه هو العلم بالأحكام الشرعية وبما يتوصل به إلى العلم بها من لغة ونحو وصرف وبيان وأصول ومعنى ) فلولا نفر ( فهلا نفر والطائفة في اللغة الجماعة وقد جعل الله سبحانه الغرض من هذا هو التفقه في الدين وإنذار من لم يتفقه فجمع بين المقصدين الصالحين والمطلبين الصحيحين وهما تعلم العلم وتعليمه فمن كان غرضه بطلب العلم غير هذين فهو طالب لغرض دنيوي لا لغرض ديني فهو كما قلت وطالب الدنيا بعلم الدين أي بائس
كمن غدا لنعله يمسح بالقلانس
ومعنى ) لعلهم يحذرون ( الترجي لوقوع الحذر منهم عن التفريط فيما يجب فعله فيترك أو فيما يجب تركه فيفعل
التوبة : ( 123 ) يا أيها الذين . . . . .
ثم أمر سبحانه المؤمنين بأن يجتهدوا في مقاتلة من يليهم من الكفار وأن يأخذوا في حربهم بالغلظة والشدة والجهاد واجب لكل الكفار وإن كان الابتداء بمن يلي المجاهدين منهم أهم وأقدم ثم الأقرب فالأقرب ثم أخبرهم الله بما يقوي عزائمهم ويثبت أقدامهم فقال ) واعلموا أن الله مع المتقين ( أي بالنصرة لهم وتأييدهم على عدوهم ومن كان الله معه لم يقم له شيء


"""""" صفحة رقم 417 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال نسخ هؤلاء الآيات ) انفروا خفافا وثقالا ( و ) إلا تنفروا يعذبكم ( قوله ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( يقول لتنفر طائفة وتمكث طائفة مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فالماكثون مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون إخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو ولعلهم يحذرون ما نزل من بعدهم من قضاء الله في كتابه وحدوده وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عنه نحوه من طريق أخرى بسياق أتم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في هذه الآية قال ليست هذه الآية في الجهاد ولكن لما دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على مضر بالسنين أجدبت بلادهم فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يخلوا بالمدينة من الجهد ويقبلوا بالإسلام وهم كاذبون فضيقوا على أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأجهدوهم فأنزل الله يخبر رسوله أنهم ليسوا بمؤمنين فردهم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم فذلك قوله ) ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ( وفي الباب روايات عن جماعة من التابعين
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ( قال الأدنى فالأدنى وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك مثله وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أنه سئل عن غزو الديلم فقال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ) قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ( قال الروم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وليجدوا فيكم غلظة ( قال شدة
سورة براءة الآية ( 124 129 )
التوبة : ( 124 ) وإذا ما أنزلت . . . . .
قوله ) وإذا ما أنزلت سورة ( حكاية منه سبحانه لبقية فضائح المنافقين أي إذا ما أنزل الله على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) سورة من كتابه العزيز فمن المنافقين ) من يقول ( لإخوانه منهم ) أيكم زادته هذه ( السورة النازلة ) إيمانا ( يقولون هذا استهزاء بالمؤمنين ويجوز أن يقولوه لجماعة من المسلمين قاصدين بذلك صرفهم عن


"""""" صفحة رقم 418 """"""
الإسلام وتزهيدهم فيه وأيكم مرفوع بالابتداء وخبره زادته وقد تقدم بيان معنى السورة ثم حكى الله سبحانه بعد مقالتهم هذه أن المؤمنين زادتهم إيمانا إلى إيمانهم والحال أنهم يستبشرون مع هذه الزيادة بنزول الوحي وما يشتمل عليه من المنافع الدينية والدنيوية
التوبة : ( 125 ) وأما الذين في . . . . .
) وأما الذين في قلوبهم مرض ( وهم المنافقون ) فزادتهم ( السورة المنزلة ) رجسا إلى رجسهم ( أي خبثا إلى خبثهم الذين هم عليه من الكفر وفساد الإعتقاد وإظهار غير ما يضمرونه وثبتوا على ذلك واستمروا عليه إلى أن ماتوا كفارا منافقين والمراد بالمرض هنا الشك والنفاق وقيل المعنى زادتهم إثما إلى إثمهم
التوبة : ( 126 ) أو لا يرون . . . . .
قوله ) أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ( قرأ الجمهور ) يرون ( بالتحتية وقرأ حمزة ويعقوب بالفوقية خطابا للمؤمنين وقرأ الأعمش ) أو لم يروا ( وقرأ طلحة بن مصرف ? أو لا ترى ? خطابا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهى قراءة ابن مسعود ومعنى ) يفتنون ( يختبرون قاله ابن جرير وغيره أو يبتليهم الله سبحانه بالقحط والشدة قاله مجاهد وقال ابن عطية بالأمراض والأوجاع وقال قتادة والحسن بالغزو والجهاد مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويرون ما وعد الله من النصر ) ثم لا يتوبون ( بسبب ذلك ) ولا هم يذكرون ( وثم لعطف ما بعدها على يرون والهمزة في أو لا يرون للإنكار والتوبيخ والواو للعطف على مقدر أي لا ينظرون ولا يرون وهذا تعجيب من الله سبحانه للمؤمنين من حال المنافقين وتصلبهم في النفاق وإهمالهم للنظر والاعتبار
التوبة : ( 127 ) وإذا ما أنزلت . . . . .
ثم ذكر الله سبحانه ما كانوا يفعلونه عند نزول السورة بعد ذكره لما كانوا يقولونه فقال ) وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض ( أي نظر بعض المنافقين إلى البعض الآخر قائلين ) هل يراكم من أحد ( من المؤمنين لننصرف عن المقام الذى ينزل فيه الوحي فإنه لا صبر لنا على استماعه ولنتكلم بما نريد من الطعن والسخرية والضحك وقيل المعنى وإذا أنزلت سورة ذكر الله فيها فضائح المنافقين ومخازيهم قال بعض من يحضر مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للبعض الآخر منهم هل يراكم من أحد ثم انصرفوا إلى منازلهم
وحكى ابن جرير عن بعض أهل العلم أنه قال ) نظر ( في هذه الآية موضوع موضع قال أي قال بعضهم لبعض هل يراكم من أحد قوله ) ثم انصرفوا ( أي على ذلك المجلس إلى منازلهم أو عن ما يقتضى الهداية والإيمان إلى ما يقتضى الكفر والنفاق ثم دعا الله سبحانه عليهم فقال ) صرف الله قلوبهم ( أي صرفها عن الخير وما فيه الرشد لهم والهداية وهو سبحانه مصرف القلوب ومقلبها وقيل المعنى أنه خذلهم عن قبول الهداية وقيل هو دعاء لا يراد به وقوع مضمونه كقولهم قاتله الله ثم ذكر سبحانه السبب الذى لأجله انصرفوا عن مواطن الهداية أو السبب الذى لأجله استحقوا الدعاء عليهم بقوله ) صرف الله قلوبهم ( فقال ) بأنهم قوم لا يفقهون ( ما يسمعونه لعدم تدبرهم وإنصافهم
التوبة : ( 128 ) لقد جاءكم رسول . . . . .
ثم ختم الله سبحانه هذه السورة بما يهون عنده بعض ما اشتملت عليه من التكاليف الشاقة فقال ) لقد جاءكم ( يا معشر العرب ) رسول ( أرسله الله إليكم له شأن عظيم ) من أنفسكم ( من جنسكم في كونه عربيا وإلى كون هذه الآية خطابا للعرب ذهب جمهور المفسرين وقال الزجاج هى خطاب لجميع العالم
والمعنى ) لقد جاءكم رسول من ( جنسكم في البشرية ) عزيز عليه ما عنتم ( ما مصدرية والمعنى شاق عليه عنتكم لكونه من جنسكم ومبعوثا لهدايتكم والعنت التعب لهم والمشقة عليهم بعذاب الدنيا بالسيف ونحوه أو بعذاب الآخرة بالنار أو بمجموعهما ) حريص عليكم ( أي شحيح عليكم بأن تدخلوا النار أو حريص على إيمانكم
والأول أولى وبه قال الفراء والرءوف الرحيم قد تقدم بيان معناهما أي هذا الرسول ) بالمؤمنين ( منكم


"""""" صفحة رقم 419 """"""
أيها العرب أو الناس ) رؤوف رحيم )
التوبة : ( 129 ) فإن تولوا فقل . . . . .
ثم قال مخاطبا لرسوله ومسليا له ومرشدا له إلى ما يقوله عند أن يعصى ) فإن تولوا ( أي أعرضوا عنك ولم يعملوا بما جئت به ولا قبلوه ) فقل ( يا محمد ) حسبي الله ( أي كافي الله سبحانه المنفرد بالألوهية ) عليه توكلت ( أي فوضت جميع أموري ) وهو رب العرش العظيم ( وصفة بالعظم لأنه أعظم المخلوقات
وقد قرأ الجمهور بالجر على أنه صفة لعرش وقرأ ابن محيصن بالرفع صفة لرب وقد رويت هذه القراءة عن ابن كثير
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وأبن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا ( قال كان إذا نزلت سورة آمنوا بها فزادهم الله إيمانا وتصديقا وكانوا بها يستبشرون وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) رجسا إلى رجسهم ( قال شكا إلى شكهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أو لا يرون أنهم يفتنون ( قال يقتلون وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه وقال بالسنة والجوع وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال بالعدو وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال بالغزو في سبيل الله وأخرج أبو الشيخ عن بكار بن مالك قال يمرضون في كل عام مرة أو مرتين وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال كانت لهم في كل عام كذبة أو كذبتان
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفه قال كنا نسمع في كل عام كذبه أو كذبتين فيضل بها فئام من الناس كثير وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) نظر بعضهم إلى بعض ( قال هم المنافقون وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال لا تقولوا انصرفنا من الصلاة فإن قوما انصرفوا صرف الله قلوبهم ولكن قولوا قضينا الصلاة وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر نحوه وأقول الانصراف يكون عن الخير كما يكون عن الشر وليس في إطلاقه هنا على رجوع المنافقين عن مجلس الخير ما يدل على أنه لا يطلق إلا على نحو ذلك وإلا لزم أن كل لفظ يستعمل في لغة العرب في الأمور المتعددة إذا استعمل في القرآن في حكاية ما وقع من الكفار لا يجوز استعماله في حكاية ما وقع عن أهل الخير كالرجوع والذهاب والدخول والخروج والقيام والقعود
واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله ووجه الملازمة ظاهر لا يخفى وأخرج عبد بن حميد والحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في دلائل النبوة وابن عساكر عن ابن عباس في قوله ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( قال ليس من العرب قبيلة إلا وقد ولدت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مضريها وربيعها ويمانيها وأخرج ابن سعد عنه في قوله ) من أنفسكم ( قال قد ولدتموه يا معشر العرب وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه وأبو الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( قال لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح وهذا فيه انقطاع ولكنه قد وصله الحافظ الرامهرمزي في كتابه الفاصل بين الراوي والواعي فقال حدثنا أبو أحمد يوسف بن هرون بن زياد حدثنا ابن أبي عمر حدثنا محمد بن جعفر بن محمد قال أشهد على أبي يحدثني عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول


"""""" صفحة رقم 420 """"""
الله ( صلى الله عليه وسلم ) خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي وأخرج ابن مردويه عن أنس قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( فقال علي بن أبي طالب يا رسول الله ما معنى من أنفسكم قال نسبا وصهرا وحسبا ليس في ولا في آبائي من لدن آدم سفاح كلنا نكاح وأخرج الحاكم عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( يعني من أعظمكم قدرا وأخرج ابن سعد عنه نحو حديث علي الأول وأخرج الطبراني عنه أيضا نحوه وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن عائشة نحوه وفي الباب أحاديث بمعناه ويؤيد ما في صحيح مسلم وغيره من حديث واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن العباس بن عبد المطلب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله حين خلق الخلق جعلني من خير خلقه ثم حين فرقهم جعلني في خير الفريقين ثم حين خلق القبائل جعلني من خيرهم قبيلة وحين خلق الأنفس جعلني من خير أنفسهم ثم حين خلق البيوت جعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم بيتا وخيرهم نفسا وفي الباب أحاديث
وأخرج ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال آخر آية أنزلت على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفي لفظ آخر ما أنزل من القرآن ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( إلى آخر الآية وروى عنه نحوه من طريق أخرى أخرجها عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن الضريس في فضائله وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والخطيب في تلخيص المتشابه والضياء في المختارة وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال لما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة جاءته جهينة فقالوا له إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا نأمنك وتأمنا قال ولم سألتم هذا قالوا نطلب الأمن فأنزل الله هذه الآية ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) فإن تولوا فقل حسبي الله ( يعني الكفار تولوا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال إنما سمى العرش عرشا لارتفاعه وقد رويت أحاديث كثيرة في صفة العرش وماهيته وقدره
وإلى هنا انتهى الثلث الأول من التفسير المسمى فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير بقلم مؤلفه محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما وكان تمام هذا الثلث في نهار الثلاثاء لعله يوم عشرين من شهر محرم سنة 1227 ه
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين
الحمد له انتهى سماعا على مؤلفه أطال الله مدته في شهر جمادي الأولى من عام سنة 1235 ه
يحيى بن علي الشوكاني غفر الله لهما آمين


"""""" صفحة رقم 421 """"""
S10
تفسير
سورة يونس
حول السورة
هى مكية إلا ثلاث آيات من قوله ) فإن كنت في شك ( إلى آخرهن هكذا روى القرطبي في تفسيره عن ابن عباس وحكى عن مقاتل أنها مكية إلا آيتين وهى قوله ) فإن كنت في شك ( فإنها نزلت في المدينة وحكى عن الكلبي أنها مكية إلا قوله ) ومنهم من لا يؤمن به ( فإنها نزلت بالمدينة وحكى عن الحسن وعكرمة وعطاء وجابر أنها مكية من غير استثناء وأخرج النحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة يونس بمكة وأخرج أبو الشيخ عن ابن سيرين قال كانت سورة يونس بعد السابعة وأخرج ابن مردويه عن أنس قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن الله أعطاني الرائيات إلى الطواسين مكان الإنجيل وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن الأحنف قال صليت خلف عمر غداة فقرأ يونس وهود وغيرهما
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يونس الآية ( 1 4 )
يونس : ( 1 ) الر تلك آيات . . . . .
قوله ) الر ( قد تقدم الكلام مستوفى على هذه الحروف الواقعة في أوائل السورة في أول سورة البقرة فلا نعيده ففيه ما يغني عن الإعادة وقد قرأ بالإمالة أبو عمرو وحمزة وخلف وغيرهم وقرأ جماعة من غير إمالة وقد قيل إن معنى ) الر ( أنا الله أرى قال النحاس ورأيت أبا إسحاق يميل إلى هذا القول لأن سيبويه قد حكى مثله عن العرب وأنشد بالخير خيرات وإن شرافا
أي وإن شرا فشر وقال الحسن وعكرمة ) الر ( قسم وقال سعيد عن قتادة ) الر ( اسم للسورة وقيل غير ذلك مما فيه تكلف لعلم ما استأثر الله بعلمه وقد اتفق القراء على أن ) الر ( ليس بآية وعلى أن طه آية وفي مقنع أبي عمرو الداني أن العاديين لطه آية هم الكوفيون فقط قيل ولعل الفرق أن ) الر ( لا يشاكل مقاطع الآى التى بعده والإشارة بقوله ) تلك ( إلى ما تضمنته السورة من الآيات والتبعيد للتعظيم واسم الإشارة مبتدأ وخبره ما بعده وقال مجاهد وقتادة أراد التوراة والإنجيل وسائر الكتب


"""""" صفحة رقم 422 """"""
المتقدمة فإن تلك إشارة إلى غائب مؤنث وقيل ) تلك ( بمعنى هذه أي هذه آيات الكتاب الحكيم وهو القرآن ويؤيد كون الإشارة إلى القرآن أنه لم يجر للكتب المتقدمة ذكر وأن الحكيم من صفات القرآن لا من صفات غيره و ) الحكيم ( المحكم بالحلال والحرام والحدود والأحكام قاله أبو عبيدة وغيره وقيل الحكيم معناه الحاكم فهو فعيل بمعنى فاعل كقوله ) وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ( وقيل الحكيم بمعنى المحكوم فيه فهو فعيل بمعنى مفعول أي حكم الله فيه بالعدل والإحسان قاله الحسن وغيره وقيل الحكيم ذو الحكمة لاشتماله عليها
يونس : ( 2 ) أكان للناس عجبا . . . . .
والاستفهام في قوله ) أكان للناس عجبا ( لإنكار العجب مع ما يفيده من التقريع والتوبيخ واسم كان ) أن أوحينا ( وخبرها ) عجبا ( أي أكان إيحاؤنا عجبا للناس وقرأ ابن مسعود عجب على أنه اسم كان على أن كان تامة و ) أن أوحينا ( بدل من عجب وقرئ بإسكان الجيم من ) رجل ( في قوله ) إلى رجل منهم ( أي من جنسهم وليس في هذا الإيحاء إلى رجل من جنسهم ما يقتضى العجب فإنه لا يلابس الجنس ويرشده ويخبره عن الله سبحانه إلا من كان من جنسه ولو كان من غير جنسهم لكان من الملائكة أو من الجن ويتعذر المقصود حينئذ من الإرسال لأنهم لا يأنسون إليه ولا يشاهدونه ولو فرضنا تشكله لهم وظهوره فإما أن يظهر في غير شكل النوع الإنساني وذلك أوحش لقلوبهم وأبعد من أنسهم أو في الشكل الإنساني فلا بد من إنكارهم لكونه في الأصل غير إنسان هذا إن كان العجب منهم لكونه من جنسهم وإن كان لكونه يتيما أو فقيرا فذلك لا يمنع من أن يكون من كان كذلك جامعا من خصال الخير والشرف ما لا يجمعه غيره وبالغا في كمال الصفات إلى حد يقصر عنه من كان غنيا أو كان غير يتيم وقد كان لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبل أن يصطفيه الله بإرساله من خصال الكمال عند قريش ما هو أشهر من الشمس وأظهر من النهار حتى كانوا يسمونه الأمين
قوله ) أن أنذر الناس ( في موضع نصب بنزع الخافض أي بأن أنذر الناس وقيل هى المفسرة لأن في الإيحاء معنى القول وقيل هى المخففة من الثقيلة قوله ) قدم صدق ( أي منزل صدق وقال الزجاج درجة عالية
ومنه قول ذي الرمة لكم قدم لا ينكر الناس أنها
مع الحسب العالي طمت على البحر
وقال ابن الأعرابي القدم المتقدم في الشرف وقال أبو عبيدة والكسائي كل سابق من خير أو شر فهو عند العرب قد يقال لفلان قدم في الإسلام وله عندي قدم صدق وقدم خير وقدم شر ومنه قول العجاج زل بنو العوام عند آل الحكم
وتركوا الملك لملك ذي قدم
وقال ثعلب القدم كل ما قدمت من خير وقال ابن الأنباري القدم كناية عن العمل الذى لا يقع فيه تأخير ولا إبطاء وقال قتادة سلف صدق وقال الربيع ثواب صدق وقال الحسن هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقال الحكيم الترمذي قدمه ( صلى الله عليه وسلم ) في المقام المحمود وقال مقاتل أعمالا قدموها واختاره ابن جرير ومنه قول الوضاح صل لذي العرش واتخذ قدما
ينجيك يوم الحصام والزلل
وقيل غير ما تقدم مما لا حاجة إلى التطويل بإيراده قوله ) قال الكافرون إن هذا لساحر مبين ( قرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش وابن محيصن لساحر على أنهم أرادوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) باسم الإشارة وقرأ الباقون ) لسحر ( على أنهم أرادوا القرآن وقد تقدم معنى السحر في البقرة وجملة ) قال الكافرون ( مستأنفة كأنه قيل ماذا صنعوا بعد التعجب وقال القفال فيه إضمار والتقدير فلما أنذرهم قال


"""""" صفحة رقم 423 """"""
الكافرون ذلك
يونس : ( 3 ) إن ربكم الله . . . . .
ثم إن الله سبحانه جاء بكلام يبطل به العجب الذى حصل للكفار من الإيحاء إلى رجل منهم فقال ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ( أي من كان له هذا الاقتدار العظيم الذى تضيق العقول عن تصوره كيف يكون إرساله لرسول إلى الناس من جنسهم محلا للتعجب مع كون الكفار يعترفون بذلك فيكف لا يعترفون بصحة هذه الرسالة بهذا الرسول وقد تقدم تفسير هذه الآية في الأعراف في قوله ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ( فلا نعيده هنا ثم ذكر ما يدل على مزيد قدرته وعظيم شأنه فقال ) يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ( وترك العاطف لأن جملة يدبر كالتفسير والتفصيل لما قبلها وقيل هى في محل نصب على الحال من ضمير استوى وقيل مستأنفة جواب سؤال مقدر وأصل التدبير النظر في أدبار الأمور وعواقبها لتقع على الوجه المقبول وقال مجاهد يقضيه ويقدره وحده وقيل يبعث الأمر وقيل ينزل الأمر وقيل يأمر به ويمضيه والمعنى متقارب واشتقاقه من الدبر والأمر الشأن وهو أحوال ملكوت السموات والأرض والعرش وسائر الخلق قال الزجاج إن الكفار الذين خوطبوا بهذه الآية كانوا يقولون إن الأصنام شفعاؤنا عند الله فرد الله عليهم بأنه ليس لأحد أن يشفع إليه في شيء إلا بعد إذنه لأنه أعلم بموضع الحكمة والصواب وقد تقدم معنى الشفاعة في البقرة وفي هذا بيان لاستبداده بالأمور في كل شيء سبحانه وتعالى والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى فاعل هذه الأشياء من الخلق والتدبير أي الذى فعل هذه الأشياء العظيمة ) الله ربكم ( واسم الإشارة مبتدأ وخبره الاسم الشريف وربكم بدل منه أو بيان له أو خبر ثان وفي هذه الجملة زيادة تأكيد لقوله ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض ( ثم أمرهم سبحانه بعبادته بعد أن بين لهم أنه الحقيق بها دون غيره لبديع صنعه وعظيم اقتداره فكيف يعبدون الجمادات التى لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر والاستفهام في قوله ) أفلا تذكرون ( للإنكار والتوبيخ والتقريع لأن من له أدنى تذكر وأقل اعتبار يعلم بهذا ولا يخفى عليه
يونس : ( 4 ) إليه مرجعكم جميعا . . . . .
ثم بين لهم ما يكون آخر أمرهم بعد الحياة الدنيا فقال ) إليه مرجعكم جميعا ( وفي هذا من التهديد والتخويف ما لا يخفى وانتصاب ) وعد الله ( على المصدر لأن في قوله ) إليه مرجعكم جميعا ( معنى الوعد أو هو منصوب بفعل مقدر والمراد بالمرجع الرجوع إليه سبحانه إما بالموت أو بالبعث أو بكل واحد منهما ثم أكد ذلك الوعد بقوله ) حقا ( فهو تأكيد لتأكيد فيكون في الكلام من الوكادة ما هو الغاية في ذلك وقرأ ابن أبي عبلة ) وعد الله حق ( على الاستئناف ثم علل سبحانه ما تقدم بقوله ) إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ( أي إن هذا شأنه يبتديء خلقه من التراب ثم يعيده إلى التراب أو معنى الإعادة الجزاء يوم القيامة قال مجاهد ينشئه ثم يميته ثم يحييه للبعث وقيل ينشئه من الماء ثم يعيده من حال إلى حال وقرأ يزيد بن القعقاع أنه يبدأ الخلق بفتح الهمزة فتكون الجملة في موضع نصب بما نصب به وعد الله أي وعدكم أنه يبدأ الخلق ثم يعيده ويجوز أن يكون التقدير لأنه يبدأ الخلق وأجاز الفراء أن تكون ) إن ( في موضع رفع فتكون اسما قال أحمد بن يحيى بن ثعلب يكون التقدير حقا إبداؤه الخلق ثم ذكر غاية ما يترتب على الإعادة فقال ) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ( أي بالعدل الذى لا جور فيه ) والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ( يحتمل أن يكون الموصول الآخر معطوفا على الموصول الأول أي ليجزى الذين آمنوا ويجزى الذين كفروا وتكون جملة ) لهم شراب من حميم ( في محل نصب على الحال هى وما عطف عليها أي وعذاب أليم ويكون التقدير هكذا ويجزى الذين كفروا حال كون لهم هذا الشراب وهذا العذاب ولكن يشكل على ذلك أن هذا الشراب وهذا العذاب الأليم هما من الجزاء ويمكن أن يقال إن الموصول في ) والذين كفروا ( مبتدأ وما بعده خبره فلا يكون معطوفا


"""""" صفحة رقم 424 """"""
على الموصول الأول والباء في ) بما كانوا يكفرون ( للسببية أي بسبب كفرهم والحميم الماء الحار وكل مسخن عند العرب فهو حميم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) الر ( قال فواتح أسماء من أسماء الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات وابن النجار في تاريخه عنه قال في قوله ) الر ( أنا الله أرى وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك مثله أيضا
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) تلك آيات الكتاب ( قال يعني هذه وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) تلك آيات الكتاب ( قال الكتب التى خلت قبل القرآن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال لما بعث الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم فقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد فأنزل الله ) أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ( الآية ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ( الآية فلما كرر الله سبحانه عليهم الحج قالوا وإذا كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة ) لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( يقول أشرف من محمد يعنون الوليد بن المغيرة من مكة ومسعود بن عمرو الثقفي من الطائف فأنزل الله ردا عليهم ) أهم يقسمون رحمة ربك ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله ) وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ( قال ما سبق لهم من السعادة في الذكر الأول وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود قال القدم هو العمل الذى قدموا قال الله سبحانه ) ونكتب ما قدموا وآثارهم ( والآثار ممشاهم قال مشى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين أسطوانتين من مسجدهم ثم قال هذا أثر مكتوب وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري في قوله ) قدم صدق ( قال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يشفع لهم وأخرج ابن مردويه عن علي بن ابن أبي طالب مثله وأخرج الحاكم وصححه عن أبي بن كعب قال سلف صدق والروايات عن التابعين وغيرهم في هذا كثيرة وقد قدمنا أكثرها وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) يدبر الأمر ( قال يقضيه وحده وفي قوله ) إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ( قال يحييه ثم يميته ثم يحييه
سورة يونس الآية ( 5 6 )
يونس : ( 5 ) هو الذي جعل . . . . .
ذكر هاهنا بعض نعمه على المكلفين وهى مما يستدل به على وجوده ووحدته وقدرته وعلمه وحكمته بإتقان صنعه في هذين المتعاقبين على الدوام ما ذكر قبل هذا إبداعه للسموات والأرض واستواءه على العرش وغير ذلك والضياء قيل جمع ضوء كالسياط والحياض وقرأ قنبل عن ابن كثير ضئاء بجعل الياء همزة مع الهمزة ولا وجه له لأن ياءه كانت واوا مفتوحة وأصله ضواء فقلبت ياء لكسر ما قبلها قال المهدوي


"""""" صفحة رقم 425 """"""
ومن قرأ ضئاء بالهمزة فهو مقلوب قدمت الهمزة التى بعد الألف فصارت قبل الألف ثم قلبت الياء همزة والأولى أن يكون ضياء مصدرا لا جمعا مثل قام يقوم قياما وصام يصوم صياما ولا بد من تقدير مضاف أي جعل الشمس ذات ضياء والقمر ذا نور إلا أنه يحمل على المبالغة وكأنهما جعلا نفس الضياء والنور قيل الضياء أقوى من النور وقيل الضياء هو ما كان بالذات والنور ما كان بالعرض ومن هنا قال الحكماء إن نور القمر مستفاد من ضوء الشمس قوله ) وقدره منازل ( أي قدر مسيره في منازل أو قدره ذا منازل والضمير راجع إلى القمر ومنازل القمر هى المسافة التى يقطعها في يوم وليلة بحركته الخاصة به وجملتها ثمانية وعشرون وهى معروفة ينزل القمر في كل ليلة منها منزل لا يتخطاه فيبدو صغيرا في أول منازله ثم يكبر قليلا قليلا حتى يبدو كاملا وإذا كان في آخر منازله رق واستقوس ثم يستتر ليلتين إذا كان الشهر كاملا أو ليلة إذا كان ناقصا والكلام في هذا يطول وقد جمعنا فيه رساله مستقلة جوابا عن سؤال أو رده علينا بعض الأعلام وقيل إن الضمير راجع إلى كل واحد من الشمس والقمر كما قيل في قوله تعالى ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( وفي قول الشاعر نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
وقد قدمنا تحقيق هذا فيما سبق من هذا التفسير والأولى رجوع الضمير إلى القمر وحده كما في قوله تعالى ) والقمر قدرناه منازل ( ثم ذكر بعض المنافع المتعلقة بهذا التقدير فقال ) لتعلموا عدد السنين والحساب ( فإن فى العلم بعدد السنين من المصالح الدينية والدنيوية ما لا يحصى وفى العلم بحساب الأشهر والأيام والليالي من ذلك ما لا يخفى ولولا هذا التقدير الذى قدره الله سبحانه لم يعلم الناس بذلك ولا عرفوا ما يتعلق به كثير من مصالحهم والسنة تتحصل من اثنى عشر شهرا والشهر يتحصل من ثلاثين يوما إن كان كاملا واليوم يتحصل من ساعات معلومة هى أربع وعشرين ساعة لليل والنهار قد يكون لكل واحد منهما اثنتا عشرة ساعة فى أيام الاستواء ويزيد أحدهما على الآخر فى أيام الزيادة وأيام النقصان والاختلاف بين السنة الشمسية والقمرية معروف ثم بين سبحانه أنه ما خلق الشمس والقمر واختلاف تلك الأحوال إلا بالحق والصواب دون الباطل والعبث فالإشارة بقوله ذلك إلى المذكور قبله والإستثناء مفرغ من أعم الأحوال ومعنى تفصيل الآيات تبيينها والمراد بالآيات التكوينية أو التنزيلية أو مجموعهما وتدخل هذه الآيات التكوينية المذكورة هنا دخولا أوليا فى ذلك قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب يفصل بالتحتية وقرأ ابن السميفع تفصل بالفوقية على البناء للمفعول وقرأ الباقون بالنون واختار أبو عبيد وأبو حاتم القراءة الأولى ولعل وجه هذا الإختيار أن قبل هذا الفعل ) ما خلق الله ذلك إلا بالحق ( وبعده وما خلق الله فى السموات والأرض
يونس : ( 6 ) إن في اختلاف . . . . .
ثم ذكر سبحانه المنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار وما خلق فى السموات والأرض من تلك المخلوقات فقال ) إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ( أي الذين يتقون الله سبحانه ويجتنبون معاصيه وخصهم بهذه الآيات لأنهم الذين يمعنون النظر والتفكير فى مخلوقات الله سبحانه حذر منهم عن الوقوع فى شيء مما يخالف مراد الله سبحانه ونظرا لعاقبة أمرهم وما يصلحهم فى معادهم قال القفال من تدبر فى هذه الأحوال علم أن الدينا مخلوقة لبقاء الناس فيها وأن خالقها وخالقهم ما أهملهم بل جعلها لهم دار عمل وإذا كان كذلك فلا بد من أمر ونهي


"""""" صفحة رقم 426 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله تعالى ) جعل الشمس ضياء والقمر نورا ( قال لم يجعل الشمس كهيئة القمر لكي يعرف الليل من النهار وهو قوله ) فمحونا آية الليل ( الآية وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال وجوههما إلى السموات وأقفيتهما إلى الأرض وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو مثله وأخرج أبو الشيخ عن خليفة العبدي قال لو أن الله تبارك وتعالى لم يعبد إلا عن رؤية ما عبده أحد ولكن المؤمنون تفكروا فى مجيء هذا الليل إذا جاء فملأ كل شيء وغطى كل شيء وفى مجيء سلطان النهار إذا جاء فمحا سلطان الليل وفى انسحاب المسخر بين السماء والأرض وفى النجوم وفى الشتاء والصيف فوالله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق ربهم تبارك وتعالى حتى أيقنت قلوبهم بربهم
سورة يونس الآية ( 7 10 )
يونس : ( 7 ) إن الذين لا . . . . .
شرع الله سبحانه فى شرح أحوال من لا يؤمن بالمعاد ومن يؤمن به وقدم الطائفة التى لم تؤمن لأن الكلام فى هذه السورة مع الكفار الذين يعجبون مما لا عجب فيه ويهملون النظر والتفكر فيما لا ينبغي إهماله مما هو مشاهد لكل حي طول حياته فيتسبب عن إهمال النظر والتفكر الصادق عدم الإيمان بالمعاد ومعنى الرجاء هنا الخوف ومنه قول الشاعر إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
وخالفها فى بيت نوب عواسل
وقيل يرجون يطمعون ومنه قول الشاعر أترجو بني مروان سمعي وطاعتي
وقومي تميم والفلاة ورائيا
فالمعنى على الأول لا يخافون عقابا وعلى الثاني لا يطمعون في ثواب إذا لم يكن المراد باللقاء حقيقته فإن كان المراد به حقيقته كان المعنى لا يخافون رؤيتنا أو لا يطمعون في رؤيتنا وقيل المراد بالرجاء هنا التوقع فيدخل تحته الخوف والطمع فيكون المعنى ) لا يرجون لقاءنا ( لا يتوقعون لقاءنا فهم لا يخافونه ولا يطمعون فيه ) ورضوا بالحياة الدنيا ( أي رضوا بها عرضا عن الآخرة فعملوا لها ) واطمأنوا بها ( أي سكنت أنفسهم إليها وفرحوا بها ) والذين هم عن آياتنا غافلون ( لا يعتبرون بها ولا يتفكرون فيها
يونس : ( 8 ) أولئك مأواهم النار . . . . .
) أولئك مأواهم ( أي مثواهم ومكان إقامتهم النار والإشارة إلى المتصفين بالصفات السابقة من عدم الرجاء وحصول الرضا والاطمئنان والغفلة ) بما كانوا يكسبون ( أي بسبب ما كانوا يكسبون من الكفر والتكذيب بالمعاد فهذا حال الذين لا يؤمنون بالمعاد
يونس : ( 9 ) إن الذين آمنوا . . . . .
وأما حال الذين يؤمنون به فقد بينه سبحانه بقوله ) إن الذين آمنوا ( أي فعلوا الإيمان الذى طلبه الله منهم بسبب ما وقع منهم


"""""" صفحة رقم 427 """"""
من التفكر والاعتبار فيما تقدم ذكره من الآيات ) وعملوا الصالحات ( التى يقتضيها الإيمان وهى ما شرعه الله لعباده المؤمنين ) يهديهم ربهم بإيمانهم ( أي يرزقهم الهداية بسبب هذا الإيمان المضموم إليه العمل الصالح فيصلون بذلك إلى الجنة وجملة ) تجري من تحتهم الأنهار ( مستأنفة أو خبر ثان أو في محل نصب على الحال ومعنى من تحتهم من تحت بساتينهم أو من بين أيديهم لأنهم على سرر مرفوعة وقوله ) في جنات النعيم ( متعلق بتجري أو بيهديهم أو خبر آخر أو حال من الأنهار
يونس : ( 10 ) دعواهم فيها سبحانك . . . . .
قوله ) دعواهم ( أي دعاؤهم ونداؤهم وقيل الدعاء العبادة كقوله تعالى ) وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ( وقيل معنى دعواهم هنا الإدعاء الكائن بين المتخاصمين والمعنى أن أهل الجنة يدعون في الدنيا والآخرة تنزيه الله سبحانه من المعايب والإقرار له بالإلهية قال القفال أصله من الدعاء لأن الخصم يدعو خصمه إلى من يحكم بينهما وقيل معناه طريقتهم وسيرتهم وذلك أن المدعي للشيء مواظب عليه فيمكن أن تجعل الدعوى كناية عن الملازمة وإن لم يكن في قوله ) سبحانك اللهم ( دعوى ولا دعاء وقيل معناه تمنيهم كقوله ) ولهم ما يدعون ( وكأن تمنيهم في الجنة ليس إلا تسبيح الله وتقديسه وهو مبتدأ وخبره سبحانك اللهم و ) فيها ( أي في الجنة والمعنى على القول الأول أن دعاءهم الذى يدعون به في الجنة هو تسبيح الله وتقديسه والمعنى نسبحك يا الله تسبيحا قوله ) وتحيتهم فيها سلام ( أي تحية بعضهم للبعض فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل أو تحية الله أو الملائكة لهم فيكون من إضافة المصدر إلى المفعول وقد مضى تفسير هذا في سورة النساء قوله ) وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ( أي وخاتمة دعائهم الذى هو التسبيح أن يقولوا الحمد لله رب العالمين قال النحاس مذهب الخليل أن ) إن ( هذه مخففة من الثقيلة والمعنى أنه الحمد لله
وقال محمد بن يزيد المبرد ويجوز أن تعملها خفيفة عملها ثقيلة والرفع أقيس ولم يحك أبو عبيد إلا التخفيف
وقرأ ابن محيصن بتشديد أن ونصب الحمد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) ورضوا بالحياة الدنيا ( قال مثل قوله ) من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ( الآية واخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أيضا في قوله ) يهديهم ربهم بإيمانهم ( قال يكون لهم نور يمشون به وأخرج أبو الشيخ عن قتادة مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) يهديهم ربهم بإيمانهم ( قال حدثنا الحسن قال بلغنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة وريح طيبة فيقول له ما أنت فوالله إني لأراك عين امريء صدق فيقول له أنا عملك فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة وأما الكافر فإذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيقول له ما أنت فوالله إني لأراك عين امريء سوء فيقول له أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قالوا سبحانك اللهم أتاهم ما اشتهوا من الجنة من ربهم وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي الهذيل قال الحمد أول الكلام وآخر الكلام ثم تلا ) وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين (


"""""" صفحة رقم 428 """"""
سورة يونس الآية ( 11 16 )
يونس : ( 11 ) ولو يعجل الله . . . . .
لما ذكر الله سبحانه الوعيد على عدم الإيمان بالمعاد ذكر أن هذا العذاب من حقه أن يتأخر عن هذه الحياة الدنيا قال القفال لما وصفهم بالغفلة أكد ذلك بأن من غاية غفلتهم أن الرسول متى أنذرهم استعجلوا العذاب فبين الله سبحانه أنه لا مصلحة في إيصال الشر إليهم فلعلهم يتوبون ويخرج من أصلابهم من يؤمن قيل معنى ) ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ( لو عجل الله للناس للعقوبة كما يتعجلون بالثواب والخير ) لقضي إليهم أجلهم ( أي ماتوا وقيل المعنى لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم وقيل الآية خاصة بالكفار الذين أنكروا البعث وما يترتب عليه قال في الكشاف وضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعارا بسرعة إجابته وإسعافه بطلبتهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل له والمراد أهل مكة وقولهم ) فأمطر علينا حجارة من السماء ( الآية قيل والتقدير ولو يعجل الله لهم الشر عند استعجالهم به تعجيلا مثل تعجيله لهم الخير عند استعجالهم به فحذف ما حذف لدلالة الباقي عليه قال أبو علي الفارسي في الكلام حذف والتقدير ) ولو يعجل الله للناس الشر ( تعجيلا مثل ) استعجالهم بالخير ( ثم حذف تعجيلا وأقام صفته مقامه ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه قال هذا مذهب الخليل وسيبويه وهو قول الأخفش والفراء قالوا وأصله كاستعجالهم ثم حذف الكاف ونصب قال الفراء كما تقول ضربت زيدا ضربك أي كضربك ومعنى ) لقضي إليهم أجلهم ( لأهلكوا ولكنه سبحانه لم يعجل لهم الشر فأمهلوا
وقيل معناه أميتوا وقرأ ابن عامر ) لقضي ( على البناء للفاعل وهى قراءة حسنة لمناسبة ذلك لقوله ) ولو يعجل الله ( قوله ) فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون ( الفاء للعطف على مقدر يدل عليه الكلام لأن قوله ) ولو يعجل الله ( يتضمن نفي التعجيل فكأنه قيل لكن لا يعجل لهم الشر ولا يقضى إليهم أجلهم فنذرهم الخ أي فنتركهم ونمهلهم والطغيان التطاول وهو العلو والارتفاع ومعنى ) يعمهون ( يتحيرون أي


"""""" صفحة رقم 429 """"""
تركهم يتحيرون في تطاولهم وتكبرهم وعدم قبولهم للحق استدراجا لهم منه سبحانه وخذلانا
يونس : ( 12 ) وإذا مس الإنسان . . . . .
ثم بين الله سبحانه أنهم كاذبون في استعجال الشر ولو أصابهم ما طلبوه لأظهروا العجز والجزع فقال ) وإذا مس الإنسان الضر ( أي هذا الجنس الصادق على كل ما يحصل التضرر به ) دعانا لجنبه ( اللام للوقت كقوله جئته لشهر كذا أو في محل نصب على الحال بدلالة عطف قاعدا أو قائما عليه وتكون اللام بمعنى على أي دعانا مضطجعا ) أو قاعدا أو قائما ( وكأنه قال دعانا في جميع الأحوال المذكورة وغيرها وخص المذكورة بالذكر لأنها الغالب على الإنسان وما عداها نادر كالركوع والسجود ويجوز أن يراد أنه يدعو الله حال كونه مضطجعا غير قادر على القعود وقاعدا غير قادر على القيام وقائما غير قادر على المشي والأول أولى قال الزجاج إن تعديل أحوال الدعاء أبلغ من تعديد أحوال المضرة لأنه إذا كان داعيا على الدوام ثم نسى في وقت الرخاء كان أعجب قوله ) فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ( أي فلما كشفنا عنه ضره الذى مسه كما تفيده الفاء مضى على طريقته التى كان عليها قبل أن يمسه الضر ونسى حالة الجهد والبلاء أو مضى عن موقف الدعاء والتضرع لا يرجع إليه كأنه لا عهد له به كأنه لم يدعنا عند أن مسه الضر إلى كشف ذلك الضر الذى مسه وقيل معنى ) مر ( استمر على كفره ولم يشكر ولم يتعظ قال الأخفش ) إن ( في ) كأن لم يدعنا ( هى المخففة من الثقيلة والمعنى كأنه انتهى والجملة التشبيهية في محل نصب على الحال وهذه الحالة التى ذكرها الله سبحانه للداعي لا تختص بأهل الكفر بل تتفق لكثير من المسلمين تلين ألسنهم بالدعاء وقلوبهم بالخشوع والتذلل عند نزول ما يكرهون بهم فإذا كشفه الله عنهم غفلوا عن الدعاء والتضرع وذهلوا عما يجب عليهم من شكر النعمة التى أنعم الله بها عليهم من إجابة دعائهم ورفع ما نزل بهم من الضر ودفع ما أصابهم من المكروه وهذا مما يدل على أن الآية تعم المسلم والكافر كما يشعر به لفظ الناس ولفظ الإنسان اللهم أوزعنا شكر نعمك وأذكرنا الأحوال التى مننت علينا فيها بإجابة الدعاء حتى نستكثر من الشكر الذى لا نطيق سواه ولا نقدر على غيره وما أغناك عنه وأحوجنا إليه و ) لئن شكرتم لأزيدنكم ( والإشارة بقوله ) كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ( إلى مصدر الفعل المذكور بعده كما مر غير مرة أي مثل ذلك التزيين العجيب زين للمسرفين عملهم والمسرف في اللغة هو الذى ينفق المال الكثير لأجل الغرض الخسيس ومحل كذلك النصب على المصدرية والتزيين هو إما من جهة الله تعالى على طريقة التحلية وعدم اللطف بهم أو من طريق الشيطان بالوسوسة أو من طريق النفس الأمارة بالسوء والمعنى أنه زين لهم الإعراض عن الدعاء والغفلة عن الشكر والاشتغال بالشهوات
يونس : ( 13 ) ولقد أهلكنا القرون . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما يجرى مجرى الردع والزجر عما صنعه هؤلاء فقال ) ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا ( يعني الأمم الماضية من قبل هؤلاء الكفار المعاصرين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي أهلكناهم من قبل زمانكم وقيل الخطاب لأهل مكة على طريق الالتفات للمبالغة في الزجر و ) لما ( ظرف لأهلكنا أي أهلكناهم حين فعلوا الظلم بالتكذيب والتجاري على الرسل والتطاول في المعاصي من غير تأخير لإهلاكهم كما أخرنا إهلاككم والواو في ) وجاءتهم رسلهم بالبينات ( للحال بإضمار قد أي وقد جاءتهم رسلهم الذين أرسلناهم إليهم بالبينات أي بالآيات البينات الواضحات للدلالة على صدق الرسل وقيل الواو للعطف على ) ظلموا ( والأول أولى وقيل المراد بالظلم هنا هو الشرك والواو في ) وما كانوا ليؤمنوا ( للعطف على ظلموا أو الجملة اعتراضية واللام لتأكيد النفي أي وما صح لهم وما استقام أن يؤمنوا لعدم استعدادهم لذلك وسلب الألطاف عنهم ) كذلك نجزي القوم المجرمين ( أي مثل ذلك الجزاء نجزى القوم المجرمين وهو الاستئصال الكلي لكل مجرم وهذا وعيد شديد لمن كان في عصره من الكفار


"""""" صفحة رقم 430 """"""
أو لكفار مكة على الخصوص
يونس : ( 14 ) ثم جعلناكم خلائف . . . . .
ثم خاطب سبحانه الذين بعث إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) ثم جعلناكم خلائف ( أي استخلفناكم في الأرض بعد تلك القرون التى تسمعون أخبارها وتنظرون آثارها والخلائف جمع خليفة وقد تقدم الكلام عليه في آخر سورة الأنعام واللام في ) لننظر كيف تعملون ( لام كي أي لكي ننظر كيف تعملون من أعمال الخير أو الشر و ) كيف ( في محل نصب بالفعل الذى بعده أي لننظر أي عمل تعملونه أو في محل نصب على الحالية أي على أي حالة تعملون الأعمال اللائقة بالاستخلاف
يونس : ( 15 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
ثم حكى الله سبحانه نوعا ثالثا من تعنتهم وتلاعبهم بآيات الله فقال ) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ( وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عنهم والمراد بالآيات الآيات التى في الكتاب العزيز أي وإذا تلا التالي عليهم آياتنا الدالة على إثبات التوحيد وإبطال الشرك حال كونها بينات أي واضحات الدلالة على المطلوب ) قال الذين لا يرجون لقاءنا ( وهم المنكرون للمعاد وقد تقدم تفسيره قريبا أي قالوا لمن يتلوها عليهم وهو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ائت بقرآن غير هذا أو بدله ( طلبوا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما سمعوا ما غاظهم فيما تلاه عليهم من القرآن من ذم عبادة الأوثان والوعيد الشديد لمن عبدها أحد أمرين إما الإتيان بقرآن غير هذا القرآن مع بقاء هذا القرآن على حاله وإما تبديل هذا القرآن بنسخ بعض آياته أو كلها ووضع أخرى مكانها مما يطابق إرادتهم ويلائم غرضهم فأمره الله أن يقول في جوابهم ) ما يكون لي ( أي ما ينبغى لي ولا يحل لي أن أبدله من تلقاء نفسي فنفى عن نفسه أحد القسمين وهو التبديل لأنه الذى يمكنه لو كان ذلك جائزا بخلاف القسم الآخر وهو الإتيان بقرآن آخر فإن ذلك ليس في وسعه ولا يقدر عليه وقيل إنه ( صلى الله عليه وسلم ) نفى عن نفسه أسهل القسمين ليكون دليلا على نفي أصعبهما بالطريق الأولى وهذا منه ( صلى الله عليه وسلم ) من باب مجاراة السفهاء إذ لا يصدر مثل هذا الاقتراح عن العقلاء بعد أن أمره الله سبحانه بذلك وهو أعلم بمصالح عباده وبما يدفع الكفار عن هذه الطلبات الساقطة والسؤالات الباردة و ) تلقاء ( مصدر استعمل ظرفا من قبل نفسي
قال الزجاج سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور وقيل سألوه أن يسقط ما فيه من عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم وقيل سألوه أن يحول الوعد وعيدا والحرام حلالا والحلال حراما ثم أمره أن يؤكد ما أجاب به عليهم من أنه ما صح له ولا استقام أن يبدله من تلقاء نفسه بقوله ) إن أتبع إلا ما يوحى إلي ( أي ما أتبع شيئا من الأشياء إلا ما يوحى إلي من عند الله سبحانه من غير تبديل ولا تحويل ولا تحريف ولا تصحيف فقصر حاله ( صلى الله عليه وسلم ) على اتباع ما يوحى إليه وربما كان مقصد الكفار بهذا السؤال التعريض للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأن القرآن كلامه وأنه يقدر على الإتيان بغيره والتبديل له ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم تكميلا للجواب عليهم ) إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ( فإن هذه الجملة كالتعليل لما قدمه من الجواب قبلها
واليوم العظيم هو يوم القيامة أي ) إني أخاف إن عصيت ربي ( بفعل ما تطلبون على تقدير إمكانه عذاب يوم القيامة
يونس : ( 16 ) قل لو شاء . . . . .
ثم أكد سبحانه كون هذا القرآن من عند الله وأنه ( صلى الله عليه وسلم ) إنما يبلغ إليهم منه ما أمره الله بتبليغه لا يقدر على غير ذلك فقال ) قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ( أي أن هذا القرآن المتلو عليكم هو بمشيئة الله وإرادته ولو شاء الله أن لا أتلوه عليكم ولا أبلغكم إياه ما تلوته فالأمر كله منوط بمشيئة الله ليس لي في ذلك شيء قوله ) ولا أدراكم به ( معطوف على ما تلوته ولو شاء الله ما أدراكم بالقرآن أي ما أعلمكم به على لساني يقال دريت الشيء وأدراني الله به هكذا قرأ الجمهور بالألف من أدراه يدريه أعلمه يعلمه وقرأ ابن كثير ? ولأدراكم به ? بغير ألف بين اللام والهمزة والمعنى ولو شاء الله لأعلمكم به من غير أن أتلوه عليكم فتكون اللام لام


"""""" صفحة رقم 431 """"""
التأكيد دخلت على ألف أفعل وقد قريء أدرؤكم بالهمزة فقيل هى منقلبة عن الألف لكونهما من واد واحد ويحتمل أن يكون من درأته إذا دفعته وأدرأته إذا جعلته داريا والمعنى لأجعلكم بتلاوته خصماء تدرءونني بالجدال وتكذبونني وقرأ ابن عباس والحسن ? ولا أدراتكم به ? قال أبو حاتم أصله ولا أدريتكم به فأبدل من الياء ألفا قال النحاس وهذا غلط والرواية عن الحسن ولا أدرأتكم بالهمزة قوله ) فقد لبثت فيكم عمرا من قبله ( تعليل لكون ذلك بمشيئة الله ولم يكن من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلا التبليغ أي قد أقمت فيما بينكم عمرا من قبله أي زمانا طويلا وهو أربعون سنة من قبل القرآن تعرفونني بالصدق والأمانة لست ممن يقرأ ولا ممن يكتب ) أفلا تعقلون ( الهمزة للتقريع والتوبيخ أي أفلا تجرون على ما يقتضيه العقل من عدم تكذيبي لما عرفتم من العادة المستمرة إلى المدة الطويلة بالصدق والأمانة وعدم قراءتي للكتب المنزلة على الرسل وتعلمي لما عند أهلها من العلم ولا طلبي لشيء من هذا الشأن ولا حرصي عليه ثم جئتكم بهذا الكتاب الذى عجزتم عن الإتيان بسورة منه وقصرتم عن معارضته وأنتم العرب المشهود لهم بكمال الفصاحة المعترف لهم بأنهم البالغون فيها إلى مبلغ لا يتعلق به غيركم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ولو يعجل الله للناس الشر ( الآية قال هو قولي الإنسان لولده وماله إذا غضب عليهم اللهم لا تبارك فيه والعنه ) لقضي إليهم أجلهم ( قال لأهلك من دعا عليه وأماته وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في الآية قال قول الرجل للرجل اللهم العنه اللهم اخزه وهو يحب أن يستجاب له وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له وحكى القرطبي في تفسيره عن ابن إسحاق ومقاتل في الآية قالا هو قول النضر بن الحارث ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ( فلو عجل لهم هذا لهلكوا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن جريج في قوله ) دعانا لجنبه ( قال مضطجعا وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله ) دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ( قال على كل حال وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء قال ادع الله يوم سرائك يستجاب لك يوم ضرائك
وأقول أنا أكثر من شكر الله على السراء يدفع عنك الضراء فإن وعده للشاكرين بزيادة النعم مؤذن بدفعه عنهم النقم لذهاب حلاوة النعمة عند وجود مرارة النقمة اللهم اجمع لنا بين جلب النعم وسلب النقم فإنا نشكرك عدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان ونحمدك عدد ما حمدك الحامدون بكل لسان في كل زمان
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ثم جعلناكم خلائف في الأرض ( الآية قال ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية فقال صدق ربنا ما جعلنا خلائف في الأرض إلا لينظر إلى أعمالنا فأروا الله خير أعمالكم بالليل والنهار والسر والعلانية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال ) خلائف في الأرض ( لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ائت بقرآن غير هذا أو بدله ( قال هذا قول مشركي أهل مكة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ولا أدراكم به ( أعلمكم به وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال ) ولا أدراكم به ( ولا أشعركم به وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن ابن عباس أنه كان يقرأ ? ولا أنذرتكم به ? وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) فقد لبثت فيكم عمرا من قبله ( قال لم أتل عليكم ولم أذكر وأخرجا عنه قال لبث أربعين سنة قبل أن يوحى إليه


"""""" صفحة رقم 432 """"""
ورأى الرؤيا سنتين وأوحى الله إليه عشر سنين بمكة وعشرا بالمدينة وتوفى وهو ابن اثنتين وستين سنة
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والترمذي عن ابن عباس قال بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاثة عشر يوحى إليه ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة
سورة يونس الآية ( 17 19 )
يونس : ( 17 ) فمن أظلم ممن . . . . .
قوله ) فمن أظلم ( استفهام فيه معنى الجحد أي لا أحد أظلم ) ممن افترى على الله ( الكذب وزيادة ) كذبا ( مع أن الافتراء لا يكون إلا كذبا لبيان أن هذا مع كونه افتراء على الله هو كذب في نفسه فربما يكون الافتراء كذبا في الإسناد فقط كما إذا أسند ذنب زيد إلى عمرو ذكر معنى هذا أبو السعود في تفسيره قيل وهذا من جملة رده ( صلى الله عليه وسلم ) على المشركين لما طلبوا منه أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن أو يبدله فبين لهم أنه لو فعل ذلك لكان من الافتراء على الله ولا ظلم يماثل ذلك وقيل المفترى على الله الكذب هم المشركون والمكذب بآيات الله هم أهل الكتاب ) إنه لا يفلح المجرمون ( تعليل لكونه لا أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أي لا يظفرون بمطلوب ولا يفوزون بخير والضمير في ) أنه ( للشأن أي إن الشأن هذا
يونس : ( 18 ) ويعبدون من دون . . . . .
ثم نعى الله سبحانه عليهم عبادة الأصنام وبين أنها لا تنفع من عبدها ولا تضر من لا يعبدها فقال ) ويعبدون من دون الله ( أي متجاوزين الله سبحانه إلى عبادة غيره لا بمعنى ترك عبادته بالكلية ) ما لا يضرهم ولا ينفعهم ( أي ما ليس من شأنه الضرر ولا النفع ومن حق المعبود أن يكون مثيبا لمن أطاعه معاقبا لمن عصاه والواو لعطف هذه الجملة على جملة ) وإذا تتلى عليهم آياتنا ( و ) ما ( في ) ما لا يضرهم ( موصولة أو موصوفة والواو في ) ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ( للعطف على ) ويعبدون ( زعموا أنهم يشفعون لهم عند الله فلا يعذبهم بذنوبهم وهذا غاية الجهالة منهم حيث ينتظرون الشفاعة في المآل ممن لا يوجد منه نفع ولا ضر في الحال وقيل أرادوا بهذه الشفاعة إصلاح أحوال دنياهم ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يجيب عنهم فقال ) قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض ( قرأ أبو السمال العدوي ? تنبئون ? بالتخفيف من أنبأ ينبيء وقرأ من عداه بالتشديد من نبأ ينبيء والمعنى أتخبرون الله أن له شركاء في ملكه يعبدون كما يعبد أو أتخبرونه أن لكم شفعاء بغير إذنه والله سبحانه لا يعلم لنفسه شريكا ولا شفيعا بغير إذنه من جميع مخلوقاته الذين هم في سمواته وفي أرضه وهذا الكلام حاصله عدم وجود من هو كذلك أصلا وفي هذا من التهكم بالكفار ما لا يخفى ثم نزه الله سبحانه نفسه عن إشراكهم وهو يحتمل أن يكون ابتداء كلام غير داخل في الكلام الذى أمر الله سبحانه رسوله بأن يجيب به عليهم ويحتمل أن يكون من تمام ما أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقوله لهم جوابا عليهم قرأ حمزة والكسائي


"""""" صفحة رقم 433 """"""
) عما يشركون ( بالتحتية وقرأ الباقون بالفوقية واختار القراءة الأولى أبو عبيد
يونس : ( 19 ) وما كان الناس . . . . .
قوله ) وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ( قد تقدم تفسيره في البقرة والمعنى أن الناس ما كانوا جميعا إلا أمة واحدة موحدة لله سبحانه مؤمنة به فصار البعض كافرا وبقي البعض الآخر مؤمنا فخالف بعضهم بعضا وقال الزجاج هم العرب كانوا على الشرك وقال كل مولود يولد على الفطرة فاختلفوا عند البلوغ والأول أظهر وليس المراد أن كل طائفة أحدثت ملة من ملل الكفر مخالفة للأخرى بل المراد كفر البعض وبقي البعض على التوحيد كما قدمنا ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( وهى أنه سبحانه لا يقضى بينهم فيما اختلفوا فيه إلا يوم القيامة ) لقضي بينهم ( في الدنيا ) فيما ( هم ) فيه يختلفون ( لكنه قد امتنع ذلك بالكلمة التى لا تتخلف وقيل معنى ) لقضي بينهم ( بإقامة الساعة عليهم وقيل لفرغ من هلاكهم وقيل الكلمة إن الله أمهل هذه الأمة فلا يهلكهم بالعذاب في الدنيا وقيل الكلمة أنه لا يأخذ أحدا إلا بحجة وهى إرسال الرسل كما قال تعالى ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( وقيل الكلمة قوله سبقت رحمتي غضبي وقرأ عيسى بن عمر ) لقضي ( بالبناء للفاعل وقرأ من عداه بالبناء للمفعول
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال قال النضر إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى فأنزل الله ) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ( الآية وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ( قال ابن مسعود كانوا على هدى وروى أنه قرأ هكذا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وما كان الناس إلا أمة واحدة ( قال آدم وحده ) فاختلفوا ( قال حين قتل أحد ابني آدم أخاه وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال كان الناس أهل دين واحد على دين آدم فكفروا فلولا أن ربك أجلهم إلى يوم القيامة لقضى بينهم
سورة يونس الآية ( 20 23 )


"""""" صفحة رقم 434 """"""
يونس : ( 20 ) ويقولون لولا أنزل . . . . .
قوله ) ويقولون ( ذكر سبحانه هاهنا نوعا رابعا من مخازيهم وهو معطوف على قوله ) ويعبدون ( وجاء بالمضارع لاستحضار صورة ما قالوه قيل والقائلون هم أهل مكة كأنهم لم يعتدوا بما قد نزل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الآيات الباهرة والمعجزات القاهرة التى لو لم يكن منها إلا القرآن لكفى به دليلا بينا ومصدقا قاطعا أي هلا أنزلت عليه آية من الآيات التى نقترحها عليه ونطلبها منه كإحياء الأموات وجعل الجبال ذهبا ونحو ذلك ثم أمره سبحانه أن يجيب عنهم فقال ) فقل إنما الغيب لله ( أي أن نزول الآية غيب والله هو المختص بعلمه المستأثر به لا علم لي ولا لكم ولا لسائر مخلوقاته ) فانتظروا ( نزول ما اقترحتموه من الآيات ) إني معكم من المنتظرين ( لنزولها وقيل المعنى انتظروا وقضاء الله بيني وبينكم بإظهار الحق على الباطل
يونس : ( 21 ) وإذا أذقنا الناس . . . . .
قوله ) وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا ( لما بين سبحانه في الآية المتقدمة أنهم طلبوا آية عنادا ومكرا ولجاجا وأكد ذلك بما ذكره هنا من أنه سبحانه إذا أذاقهم رحمة منه من بعد أن مستهم الضراء فعلوا مقابل هذه النعمة العظيمة المكر منهم في آيات الله والمراد بإذاقهم رحمته سبحانه أنه واسع عليهم في الأرزاق وأدر عليهم النعم بالمطر وصلاح الثمار بعد أن مستهم الضراء بالجدب وضيق المعايش فما شكروا نعمته ولا قدروها حق قدرها بل أضافوها إلى أصنامهم التى لا تنفع ولا تضر وطعنوا في آيات الله واحتالوا في دفعها بكل حيلة وهو معنى المكر فيها وإذا الأولى شرطية وجوابها إذا لهم مكر وهى فجائية ذكر معنى ذلك الخليل وسيبويه
ثم أمر سبحانه رسوله أن يجيب عنهم فقال ) قل الله أسرع مكرا ( أي أعجل عقوبة وقد دل أفعل التفضيل على أن مكرهم كان سريعا ولكن مكر الله أسرع منه وإذا الفجائية يستفاد منها السرعة لأن المعنى أنهم فاجئوا المكر أي أوقعوه على جهة الفجاءة والسرعة وتسمية عقوبة الله سحبانه مكرا من باب المشاكلة كما قرر في مواطن من عبارات الكتاب العزيز ) إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ( قرأ يعقوب في رواية وأبو عمرو في رواية ) يمكرون ( بالتحتية وقرأ الباقون بالفوقية والمعنى أن رسل الله وهم الملائكة يكتبون مكر الكفار لا يخفى ذلك على الملائكة الذين هم الحفظة فكيف يخفى على العليم الخبير وفي هذا وعيد لهم شديد وهذه الجملة تعليلية للجملة التى قبلها فإن مكرهم إذا كان ظاهرا لا يخفى فعقوبة الله كائنة لا محالة ومعنى هذه الآية قريب من معنى الآية المتقدمة وهى ) وإذا مس الإنسان الضر ( وفي هذه زيادة وهى أنهم لا يقتصرون على مجرد الإعراض بل يطلبون الغوائل لآيات الله بما يدبرونه من المكر
يونس : ( 22 ) هو الذي يسيركم . . . . .
) هو الذي يسيركم في البر والبحر ( ضرب سبحانه لهؤلاء مثلا حتى ينكشف المراد انكشافا تاما ومعنى تسييرهم في البر أنهم يمشون على أقدامهم التى خلقها لهم لينتفعوا بها ويركبون ما خلقه الله لركوبهم من الدواب ومعنى تسييرهم في البحر أنه ألهمهم لعمل السفائن التى يركبون فيها في لجج البحر ويسر ذلك لهم ودفع عنهم أسباب الهلاك وقد قرأ ابن عامر ? وهو الذى ينشركم في البحر ? بالنون والشين المعجمة من النشر كما في قوله ) فانتشروا في الأرض ( أي ينشرهم سبحانه في البحر فينجي من يشاء ويغرق من يشاء ) حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ( الفلك يقع على الواحد والجمع ويذكر ويؤنث وقد تقدم تحقيقه ) وجرين ( أي السفن بهم أي بالراكبين عليها وحتى لانتهاء الغاية والغاية مضمون الجملة الشرطية بكمالها فالقيود المعتبرة في الشرط ثلاثة أولها الكون في الفلك والثاني جريها بهم بالريح الطيبة التى ليست بعاصفة وثالثها فرحهم والقيود المعتبرة في الجزاء ثلاثة الأول ) جاءتها ( أي جاءت الفلك ريح عاصف أو جاءت الريح الطيبة أي تلقتها ريح عاصف والعصوف شدة هبوب الريح والثاني ) وجاءهم الموج من كل مكان ( أي من جميع الجوانب للفلك والمراد جاء الراكبين فيها والموج ما ارتفع من الماء فوق البحر والثالث ) وظنوا أنهم أحيط بهم (


"""""" صفحة رقم 435 """"""
أي غلب على ظنونهم الهلاك وأصله من إحاطة العدو بقوم أو ببلد فجعل هذه الإحاطة مثلا في الهلاك وإن كان بغير العدو كما هنا وجواب إذا في قوله ) إذا كنتم في الفلك ( قوله ) جاءتها ( إلى آخره ويكون قوله ) دعوا الله ( بدلا من ظنوا لكون هذا الدعاء الواقع منهم إنما كان عند ظن الهلاك وهو الباعث عليه فكان بدلا منه بدل اشتمال لاشتماله عليه ويمكن أن يكون جملة دعوا مستأنفة كأنه قيل ماذا صنعوا فقيل دعوا الله وفي قوله ) وجرين بهم ( التفات من الخطاب إلى الغيبة جعل الفائدة فيه صاحب الكشاف المبالغة وقال الرازي الانتقال من مقام الخطاب إلى مقام الغيبة في هذا المقام دليل المقت والتبعيد كما أن عكس ذلك في قوله ) إياك نعبد ( دليل الرضا والتقريب وانتصاب مخلصين على الحال أي لم يشوبوا دعاءهم بشئ من الشوائب كما جرت عادتهم في غير هذا الموطن أنهم يشركون أصنامهم في الدعاء وليس هذا لأجل الإيمان بالله وحده بل لأجل أن ينجيهم مما شارفوه من الهلاك لعلمهم أنه لا ينجيهم سوى الله سبحانه وفي هذا دليل على أن الخلق جبلوا على الرجوع إلى الله في الشدائد وأن المضطر يجاب دعاؤه وإن كان كافرا وفى هذه الآية بيان أن هؤلاء المشركين كانوا لا يلتفتون إلى أصنامهم في هذه الحالة وما يشابهها فيا عجبا لما حدث في الإسلام من طوائف يعتقدون في الأموات فإذا عرضت لهم في البحر مثل هذه الحالة دعوا الأموات ولم يخلصوا الدعاء لله كما فعله المشركون كما تواتر ذلك إلينا تواترا يحصل به القطع فانظر هداك الله ما فعلت هذه الاعتقادات الشيطانية وأين وصل بها أهلها وإلى أين رمى بهم الشيطان وكيف اقتادهم وتسلط عليهم حتى انقادوا له انقيادا ما كان يطمع في مثله ولا في بعضه من عباد الأوثان فإنا لله وإنا إليه راجعون واللام في ) لئن أنجيتنا من هذه ( هى اللام الموطئة للقسم أي قائلين ذلك والإشارة بقوله ) من هذه ( إلى ما وقعوا فيه من مشارفة الهلاك في البحر واللام في ) لنكونن ( جواب القسم أي لنكونن في كل حال ممن يشكر نعمك التى أنعمت بها علينا منها هذه النعمة التى نحن بصدد سؤالك أن تفرجها عنا وتنجينا منها وقيل إن هذه الجملة مفعول دعوا
يونس : ( 23 ) فلما أنجاهم إذا . . . . .
) فلما نجاهم ( الله من هذه المحنة التى وقعوا فيها وأجاب دعاءهم لم يفوا بما وعدوا من أنفسهم بل فعلوا فعل الجاحدين لا فعل الشاكرين وجعلوا البغي في الأرض بغير الحق مكان الشكر وإذا في ) إذا هم يبغون ( هى الفجائية أي فاجئوا البغي في الأرض بغير الحق والبغي هو الفساد من قولهم بغى الجرح إذا ترامى في الفساد وزيادة في الأرض للدلالة على أن فسادهم هذا شامل لأقطار الأرض والبغي وإن كان ينافي أن يكون بحق بل لا يكون إلا بالباطل لكن زيادة بغير الحق إشارة إلى أنهم فعلوا ذلك بغير شبهة عندهم بل تمردا وعنادا لأنهم قد يفعلون ذلك لشبهة يعتقدونها مع كونها باطلة قوله ) يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ( لما ذكر سبحانه أن هؤلاء المتقدم ذكرهم يبغون في الأرض بغير الحق ذكر عاقبة البغي وسوء مغبته قرأ ابن إسحاق وحفص والمفضل بنصب متاع وقرأ الباقون بالرفع فمن قرأ بالنصب جعل ما قبله جملة تامة أي بغيكم وبال على أنفسكم فيكون بغيكم مبتدأ وعلى أنفسكم خبره ويكون متاع في موضوع المصدر المؤكد كأنه قيل تتمتعون متاع الحياة الدنيا ويكون المصدر مع الفعل المقدر استئنافا وقيل إن متاع على قراءة النصب ظرف زمان نحو مقدم الحاج أي زمن متاع الحياة الدنيا وقيل هو مفعول له أي لأجل متاع الحياة الدنيا وقيل منصوب بنزع الخافض أي كمتاع وقيل على الحال على أنه مصدر بمعنى المفعول أي ممتعين وقد نوقش غالب هذه الأقوال في توجيه النصب وأما من قرأ برفع متاع فجعله خبر المبتدأ أي بغيكم متاع الحياة الدنيا ويكون على أنفسكم متعلق بالمصدر والتقدير إنما بغيكم على


"""""" صفحة رقم 436 """"""
أمثالكم والذين جنسهم جنسكم متاع الحياة الدنيا ومنفعتها التى لا بقاء لها فيكون المراد بأنفسكم على هذا الوجه أبناء جنسهم وعبر عنهم بالأنفس لما يدركه الجنس على جنسه من الشفقة وقيل ارتفاع متاع على أنه خبر ثان وقيل على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو متاع قال النحاس على قراءة الرفع يكون بغيكم مرتفعا بالابتداء وخبره متاع الحياة الدنيا وعلى أنفسكم مفعول البغي ويجوز أن يكون خبره على أنفسكم ويضمر مبتدأ أي ذلك متاع الحياة الدنيا أو هو متاع الحياة الدنيا انتهى وقد نوقش أيضا بعض هذه الوجوه المذكورة في توجيه الرفع بما يطول به البحث في غير طائل والحاصل أنه إذا جعل خبر المتبدإ على أنفسكم فالمعنى أن ما يقع من البغي على الغير هو بغي على نفس الباغي باعتبار ما يؤول إليه الأمر من الانتقام منه مجازاة على بغيه وإن جعل الخبر متاع فالمراد أن بغى هذا الجنس الإنساني على بعضه بعضا هو سريع الزوال قريب الاضمحلال كسائر أمتعة الحياة الدنيا فإنها ذاهبة عن قرب متلاشية بسرعة ليس لذلك كثير فائدة ولا عظيم جدوى ثم ذكر سبحانه ما يكون على ذلك البغي من المجازاة يوم القيامة مع وعيد شديد فقال ) ثم إلينا مرجعكم ( وتقديم الخبر للدلالة على القصر والمعنى أنكم بعد هذه الحياة الدنيا ومتاعها ترجعون إلى الله فيجازى المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه ) فننبئكم بما كنتم تعملون ( في الدنيا أي فنخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من خير وشر والمراد بذلك المجازاة كما تقول لمن أساء سأخبرك بما صنعت وفيه أشد وعيد وأفظع تهديد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ) فانتظروا إني معكم من المنتظرين ( قال خوفهم عذابه وعقوبته وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا ( قال استهزاء وتكذيب وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) وظنوا أنهم أحيط بهم ( قال هلكوا وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص ما حاصله أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما أهدر يوم الفتح دم جماعة منهم عكرمة بن أبي جهل هرب من مكة وركب البحر فأصابهم عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا فقال عكرمة لئن لم ينجني في البحر الإخلاص ما ينجيني في البر غيره اللهم إن لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتى محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما فجاء فأسلم وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم والخطيب في تاريخه والديلمي في مسند الفردوس عنه أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاث هن رواجع على أهلها المكر والنكث والبغي ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ( ) ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ( ) فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ( وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بكرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تبغ ولا تكن باغيا فإن الله يقول إنما بغيكم على أنفسكم وأخرج أبو الشيخ عن مكحول قال ثلاث من كن فيه كن عليه المكر والبغي والنكث قال الله سبحانه ) إنما بغيكم على أنفسكم (
أقول أنا وينبغى أن يلحق بهذه الثلاث التى دل القرآن على أنها تعود على فاعلها الخدع فإن الله يقول ) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما وأخرج ابن مردويه من حديث ابن عمر مثله


"""""" صفحة رقم 437 """"""
سورة يونس الآية ( 24 30 )
يونس : ( 24 ) إنما مثل الحياة . . . . .
لما ذكر الله سبحانه ما تقدم من متاع الدنيا جاء بكلام مستأنف يضمن بيان حالها وسرعة تقضيها وأنها تعود بعد أن تملأ الأعين برونقها وتجتلب النفوس ببهجتها وتحمل أهلها على أن يسفكوا دماء بعضهم بعضا ويهتكوا حرمهم حبالها وعشقا لجمالها الظاهري وتكالبا على التمتع بها وتهافتا على نيل ما تشتهي الأنفس منها بضرب من التشبيه المركب فقال ) إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء ( إلى آخر الآية والمعنى أن مثلها في سرعة الذهاب والاتصاف بوصف يضاد ما كانت عليه ويباينه مثل ما على الأرض من أنواع النبات في زوال رونقه وذهاب بهجته وسرعة تقضيه بعد أن كان غضا مخضرا طريا قد تعانقت أغصانه المتمايلة وزهت أوراقه المتصافحة وتلألأت أنوار نوره وحاكت الزهر أنواع زهره وليس المشبه به هو ما دخله الكاف في قوله ) كماء أنزلناه من السماء ( بل ما يفهم من الكلام والباء في ) فاختلط به نبات الأرض ( للسببية أي فاختلط بسببه نبات الأرض بأن اشتبك بعضه ببعض حتى بلغ إلى حد الكمال ويحتمل أن يراد أن النبات كان في أول بروزه ومبدأ حدوثه غير مهتز ولا مترعرع فإذا نزل الماء عليه اهتز وربا حتى اختلط بعض الأنواع ببعض ) مما يأكل الناس والأنعام ( من الحبوب والثمار والكلأ والتبن وأخذت الأرض زخرفها قال في الصحاح الزخرف الذهب ثم يشبه به كل مموه مزور انتهى والمعنى أن الأرض أخذت لونها الحسن المشابه بعضه للون الذهب وبعضه للون الفضة وبعضه للون الياقوت وبعضه للون الزمرذ وأصل ازينت تزينت أدغمت التاء في الزاي وجيء بألف الوصل لأن الحرف المدغم مقام حرفين أولهما ساكن والساكن لا يمكن الابتداء به وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وتزينت على الأصل وقرأ الحسن والأعرج وأبو العالية ) وازينت ( على وزن أفعلت أي أزينت بالزينة التى عليها شبهها بالعروس التى تلبس الثياب الجيدة المتلونة ألوانا كثيرة وقال عوف بن أبي جميلة قرأ أشياخنا وازيانت


"""""" صفحة رقم 438 """"""
على وزن اسوادت وفي رواية المقدمي وازانت والأصل فيه تزاينت على وزن تفاعلت وقرأ الشعبي وقتادة ? أزينت ? ومعنى هذه القراءات كلها هو ما ذكرنا ) وظن أهلها أنهم قادرون عليها ( أي غلب على ظنونهم أو تيقنوا أنهم قادرون على حصادها والانتفاع بها والضمير في عليها للأرض والمراد النبات الذى هو عليها ) أتاها أمرنا ( جواب إذا أي جاءها أمرنا بإهلاكها واستئصالها وضربها ببعض العاهات ) فجعلناها حصيدا ( أي جعلنا زرعها شبيها بالمحصود في قطعه من أصوله قال أبو عبيدة الحصيد المستأصل ) كأن لم تغن بالأمس ( أي كأن لم يكن زرعها موجودا فيها بالأمس مخضرا طريا من غنى بالمكان بالكسر يغني بالفتح إذا أقام به والمراد بالأمس الوقت القريب والمغاني في اللغة المنازل وقال قتادة كأن لم تنعم قال لبيد غنيت سنينا قبل مجرى داحس
لو كان للنفس اللجوج خلود
وقرأ قتادة ? كأن لم يغن ? بالتحتية بإرجاع الضمير إلى الزخرف وقرأ من عداه ) تغن ( بالفوقية بإرجاع الضمير إلى الأرض ) كذلك ( أي مثل ذلك التفصيل البديع ) نفصل الآيات ( القرآنية التى من جملتها هذه الآية ) لعلهم يتفكرون ( فيما اشتملت عليه ويجوز أن يراد الآيات التكوينية
يونس : ( 25 ) والله يدعو إلى . . . . .
قوله ) والله يدعو إلى دار السلام ( لما نفر عباده عن الميل إلى الدنيا بما ضربه لهم من المثل السابق رغبهم في الدار الآخرة بإخبارهم بهذه الدعوة منه عز وجل إلى دار السلام قال الحسن وقتادة السلام هو الله تعالى وداره الجنة وقال الزجاج المعنى والله يدعو إلى دار السلامة ومعنى السلام والسلامة واحد كالرضاع والرضاعة ومنه قول الشاعر تحيى بالسلامة أم بكر
وهل لك بعد قومك من سلام
وقيل أراد دار السلام الذى هو التحية لأن أهلها ينالون من الله السلام بمعنى التحية كما في قوله ) تحيتهم فيها سلام ( وقيل السلام اسم لأحد الجنان السبع أحدها دار السلام والثانية دار الجلال والثالثة جنة عدن والرابعة جنة المأوى والخامسة جنة الخلد والسادسة جنة الفردوس والسابعة جنة النعيم وقيل المراد دار السلام الواقع من المؤمنين بعضهم على بعض في الجنة قد اتفقوا على أن دار السلام هى الجنة وإنما اختلفوا في سبب التسمية بدار السلام ) ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( جعل سبحانه الدعوة إلى دار السلام عامة والهداية خاصة بمن يشاء أن يهديه تكميلا للحجة وإظهار للاستغناء عن خلقه
يونس : ( 26 ) للذين أحسنوا الحسنى . . . . .
ثم قسم سبحانه أهل الدعوة إلى قسمين وبين حال كل طائفة فقال ) للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ( أي الذين أحسنوا بالقيام بما أوجبه الله عليهم من الأعمال والكف عما نهاهم عنه من المعاصي والمراد بالحسنى المثوبة الحسنى قال ابن الأنباري العرب توقع هذه اللفظة على الخصلة المحبوبة المرغوب فيها ولذلك ترك موصوفها وقيل المراد بالحسنى الجنة وأما الزيادة فقيل المراد بها ما يزيد على المثوبة من التفضل كقوله ) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ( وقيل الزيادة النظر إلى وجهه الكريم وقيل الزيادة هى مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها وقيل الزيادة غرفة من لؤلؤ وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان وقيل هى أنه سبحانه يعطيهم في الدنيا من فضله ما لا يحاسبهم عليه وقيل غير ذلك مما لا فائدة في ذكره وسيأتي بيان ما هو الحق في آخر البحث ) ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة ( معنى يرهق يلحق ومنه قيل غلام مراهق إذا لحق بالرجال وقيل يعلو وقيل يغشى والمعنى متقارب والقتر الغبار ومنه قول الفرزدق متوج برداء الملك يتبعه
موج ترى فوقه الرايات والقترا
وقرأ الحسن ) قتر ( بإسكان المثناة والمعنى واحد قاله النحاس وواحد القتر قترة والذلة ما يظهر على


"""""" صفحة رقم 439 """"""
الوجه من الخضوع والانكسار والهوان والمعنى أنه لا يعلو وجوههم غبرة ولا يظهر فيها هوان وقيل القتر الكآبة وقيل سواد الوجوه وقيل هو دخان النار ) أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( الإشارة إلى المتصفين بالصفات السابقة هم أصحاب الجنة الخالدون فيها المتنعمون بأنواع نعيمها
يونس : ( 27 ) والذين كسبوا السيئات . . . . .
) والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ( هذا الفريق الثاني من أهل الدعوة وهو معطوف على ) للذين أحسنوا ( كأنه قيل وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها أو يقدر وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها أي يجازي سيئة واحدة بسيئة واحدة لا يزاد عليها وهذا أولى من الأول لكونه من باب العطف على معمولي عاملين مختلفين والمراد بالسيئة إما الشرك أو المعاصي التى ليست بشرك وهى ما يتلبس به العصاة من المعاصي قال ابن كيسان الباء زائدة والمعنى جزاء سيئة مثلها وقيل الباء مع ما بعدها الخبر وهى متعلقة بمحذوف قامت مقامه والمعنى جزاء سيئة كائن بمثلها كقولك إنما أنا بك ويجوز أن يتعلق بجزاء والتقدير جزاء سيئة بمثلها كائن فحذف خبر المبتدأ ويجوز أن يكون ) جزاء ( مرفوعا على تقدير فلهم جزاء سيئة فيكون مثل قوله ) فعدة من أيام أخر ( أي فعليه عدة والباء على هذا التقدير متعلقة بمحذوف كأنه قال لهم جزاء سيئة ثابت بمثلها أو تكون مؤكدة أو زائدة قوله ) ترهقهم ذلة ( أي يغشاهم هوان وخزي وقريء ? يرهقهم ? بالتحتية ) ما لهم من الله من عاصم ( أي لا يعصمهم أحد كائنا من كان من سخط الله وعذابه أو ما لهم من جهة الله ومن عنده من يعصمهم كما يكون للمؤمنين والأول أولى والجملة في محل نصب على الحالية أو مستأنفة ) كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ( قطعا جمع قطعة وعلى هذا يكون مظلما منتصبا على الحال من الليل أي أغشيت وجوههم قطعا من الليل في حالة ظلمته وقد قرأ بالجمع جمهور القراء وقرأ الكسائي وابن كثير ) قطعا ( بإسكان الطاء فيكون مظلما على هذا صفة لقطعا ويجوز أن يكون حالا من الليل قال ابن السكيت القطع طائفة من الليل ) أولئك ( أي الموصوفون بهذه الصفات الذميمة ) أصحاب النار هم فيها خالدون ( وإطلاق الخلود هنا مقيد بما تواتر في السنة من خروج عصاة الموحدين
يونس : ( 28 ) ويوم نحشرهم جميعا . . . . .
قوله ) ويوم نحشرهم جميعا ( الحشر الجمع وجميعا منتصب على الحال ) ويوم ( منصوب بمضمر أي أنذرهم يوم نحشرهم والجملة مستأنفة لبيان بعض أحوالهم القبيحة والمعنى أن الله سبحانه يحشر العابد والمعبود لسؤالهم ) ثم نقول للذين أشركوا ( في حالة الحشر ووقت الجمع تقريعا لهم على رءوس الأشهاد وتوبيخا لهم مع حضور من يشاركهم في العبادة وحضور معبوداتهم ) مكانكم ( أي الزموا مكانكم واثبتوا فيه وقفوا في موضعكم ) أنتم وشركاؤكم ( هذا الضمير تأكيد للضمير الذى في مكانكم لسده مسد الزموا وشركاؤكم معطوف عليه وقريء بنصب شركاؤكم على أن الواو مع قوله ) فزيلنا بينهم ( أي فرقنا وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا يقال زينته فتزيل أي فرقته فتفرق والمزايلة المفارقة يقال زايله مزايلة وزيالا إذا فارقه والتزايل التباين قال الفراء وقرأ بعضهم ? فزايلنا ? والمراد بالشركاء هنا الملائكة وقيل الشياطين وقيل الأصنام وإن الله سبحانه ينطقها في هذا الوقت وقيل المسيح وعزير والظاهر أنه كل معبود للمشركين كائنا ما كان وجملة ) وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ( في محل نصب على الحال بتقدير قد والمعنى وقد قال شركاؤهم الذين عبدوهم وجعلوهم شركاء لله سبحانه ما كنتم إيانا تعبدون وإنما عبدتم هواكم وضلالكم وشياطينكم الذين أغووكم وإنما أضاف الشركاء إليهم من أنهم جعلوهم شركاء لله سبحانه لكونهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم فهم شركاؤهم في أموالهم من هذه الحيثية وقيل لكونهم شركاؤهم في هذا الخطاب وهذا الجحد من الشركاء وإن كان مخالفا لما قد وقع من المشركين من عبادتهم فمعناه إنكار عبادتهم إياهم عن أمرهم لهم بالعبادة
يونس : ( 29 ) فكفى بالله شهيدا . . . . .
) فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم (


"""""" صفحة رقم 440 """"""
إن كنا أمرناكم بعبادتنا أو رضينا ذلك منكم ) إن كنا عن عبادتكم لغافلين ( إن هى المخففة من الثقيلة واللام هى الفارقة بينها وبين النافية والقائل لهذا الكلام هم المعبودون قالوا لمن عبدهم من المشركين إنا كنا عن عبادتكم لنا لغافلين والمراد بالغفلة هنا عدم الرضا بما فعله المشركون من العبادة لهم وفي هذا دليل على أن هؤلاء المعبودين غير الشياطين لأنهم يرضون بما فعله المشركون من عبادتهم ويمكن أن يكونوا من الشياطين ويحمل هذا الجحد منهم على أنهم لم يجبروهم على عبادتهم ولا أكرهوهم عليها
يونس : ( 30 ) هنالك تبلو كل . . . . .
) هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ( أي في ذلك المكان وفي ذلك الموقف أو في ذلك الوقت على استعارة اسم الزمان للمكان تذوق كل نفس وتختبر جزاء ما أسلفت من العمل فمعنى ) تبلو ( تذوق وتختبر وقيل تعلم وقيل تتبع وهذا على قراءة من قرأ ) تبلو ( بالمثناة الفوقية بإسناد الفعل إلى كل نفس وأما على قراءة من قرأ نبلو بالنون فالمعنى أن الله يبتلى كل نفس ويختبرها ويكون ما أسلفت بدلا من كل نفس والمعنى أنه يعاملها معاملة من يختبرها ويتفقد أحوالها قوله ) وردوا إلى الله مولاهم الحق ( معطوف على ? زيلنا ? والضمير في ردوا عائد إلى الذين أشركوا أي ردوا إلى جزائه وما أعد لهم من عقابه ومولاهم ربهم والحق صفة له أي الصادق الربوبية دون ما اتخذوه من المعبودات الباطلة وقريء ) الحق ( بالنصب على المدح كقولهم الحمد لله أهل الحمد ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( أي ضاع وبطل ما كانوا يفترون من أن الآلهة التى لهم حقيقة بالعبادة لتشفع لهم إلى الله وتقربهم إليه
والحاصل أن هؤلاء المشركين يرجعون في ذلك المقام إلى الحق ويعترفون به ويقرون ببطلان ما كانوا يعبدونه ويجعلونه إلها ولكن حين لا ينفعهم ذلك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) فاختلط به نبات الأرض ( قال اختلط فنبت بالماء كل لون ) مما يأكل الناس ( كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض والبقول والثمار وما تأكله الأنعام والبهائم من الحشيش والمراعي وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) وازينت ( قال أنبتت وحسنت وفي قوله ) كأن لم تغن بالأمس ( قال كأن لم تعش كأن لم تنعم
وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب وابن عباس ومروان بن الحكم أنهم كانوا يقرءون بعد قوله ) وظن أهلها أنهم قادرون عليها ( وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه كان يقرأ وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها ) كذلك نفصل الآيات ( وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال كان مكتوب في سورة يونس إلى حيث هذه الآية ) حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ( إلى ) يتفكرون ( ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمني واديا ثالثا ولا يشبع نفس ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب فمحيت وأخرج أبو نعيم والدمياطي في معجمه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله ) والله يدعو إلى دار السلام ( يقول يدعو إلى عمل الجنة والله السلام والجنة داره وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) ويهدي من يشاء ( قال يهديهم للمخرج من الشبهات والفتن والضلالات وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما من يوم طلعت شمسه إلا وكل بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا آبت شمسه إلا وكل بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين اللهم أعط اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا ) والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى (


"""""" صفحة رقم 441 """"""
إلى قوله ) للعسرى ( وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن أبي هلال سمعت أبا جعفر محمد بن علي وتلا ) والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( فقال حدثني جابر قال خرج علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوما فقال إني سمعت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه اضرب له مثلا فقال اسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك مثل ملك اتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا ثم جعل فيها مأدبة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من ترك فالله هو الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد رسول فمن أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل منها
وقد روى معنى هذا من طرق وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) والله يدعو إلى دار السلام ( قال ذكر لنا أن في التوراة مكتوبا يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر اتقه وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أنه كان إذا قرأ ) والله يدعو إلى دار السلام ( قال لبيك ربنا وسعديك وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وغيرهم عن صهيب أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تلا هذه الآية ) للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ( قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار قال فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني في الرؤية وابن مردويه عن أبي موسى عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي بصوت يسمعه أولهم وآخرهم إن الله وعدكم الحسنى وزيادة فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الرؤية عن كعب عن عجرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ( قال الزيادة النظر إلى وجه الرحمن وأخرج هؤلاء والدارقطني وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله سلم عن قوله ) للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ( قال الذين أحسنوا أهل التوحيد والحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعا نحوه وأخرج أبو الشيخ والدارقطني وابن مردويه والخطيب وابن النجار عن أنس مرفوعا نحوه وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن خزيمة وابن المنذر وأبو الشيخ والدارقطني وابن مردويه والبيهقي عن أبي بكر الصديق في الآية قال الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله وأخرج ابن مردويه من طريق الحرث عن علي بن أبي طالب في الآية مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والدارقطني والبيهقي عن حذيفة في الآية قال الزيادة النظر إلى وجه الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والدارقطني والبيهقي عن أبي موسى نحوه وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي حاتم واللالكائي عن ابن مسعود نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن علي قال الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب غرفها وأبوابها من لؤلؤة واحدة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وزيادة ( قال هو مثل قوله ) ولدينا مزيد ( يقول يخزيهم بعملهم ويزيدهم من فضله
وقال ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( وقد روى عن التابعين ومن بعدهم روايات في تفسير الزيادة غالبها


"""""" صفحة رقم 442 """"""
أنها النظر إلى وجه الله سبحانه وقد ثبت التفسير بذلك من قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يبق حينئذ لقائل مقال ولا التفات إلى المجادلات الواقعة بين المتمذهبة الذين لا يعرفون من السنة المطهرة ما ينتفعون به فإنهم لو عرفوا ذلك لكفوا عن كثير من هذيانهم والله المستعان وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا يرهق وجوههم ( قال لا يغشاهم ) قتر ( قال سواد الوجوه وأخرج أبو الشيخ عن عطاء في الآية قال القتر سواد الوجه وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال خزي وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن صهيب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة ( قال بعد نظرهم إليه عز وجل وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) والذين كسبوا السيئات ( قال الذين عملوا الكبائر ) جزاء سيئة بمثلها ( قال النار ) كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ( القطع السواد نسختها الآية في البقرة ) بلى من كسب سيئة ( الآية وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وترهقهم ذلة ( قال تغشاهم ذلة وشدة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله ) ما لهم من الله من عاصم ( يقول من مانع وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ويوم نحشرهم ( قال الحشر الموت وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) فزيلنا بينهم ( قال فرقنا بينهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال تنصب الآلهة التى كانوا يعبدونها من دون الله فيقول هؤلاء الذين كنتم تعبدون من دون الله فيقولون نعم هؤلاء الذين كنا نعبد فتقول لهم الآلهة والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنكم كنتم تعبدوننا فيقولون بلى والله لإياكم كنا نعبد فتقول لهم الآلهة ) فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ( وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يمثل لهم يوم القيامة ما كانوا يعبدون من دون الله فيتبعونهم حتى يؤدوهم النار ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ( وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) هنالك تبلو ( يقول تتبع وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال ) تبلو ( تختبر وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد ) تبلو ( قال تعاين ) كل نفس ما أسلفت ( ما عملت ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( ما كانوا يدعون معه من الأنداد وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) وردوا إلى الله مولاهم الحق ( قال نسخها قوله ) الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم )
سورة يونس الآية ( 31 34 )


"""""" صفحة رقم 443 """"""
سورة يونس الآية ( 35 41 )
يونس : ( 31 ) قل من يرزقكم . . . . .
لما بين فضائح المشركين أتبعها بإيراد الحجج الدامغة من أحوال الرزق والحواس والموت والحياة والابتداء والإعادة والإرشاد والهدى وبنى سبحانه الحجج على الاستفهام وتفويض الجواب إلى المسئولين ليكون أبلغ في إلزام الحجة وأوقع في النفوس فقال ) قل ( يا محمد للمشركين احتجاجا لحقية التوحيد وبطلان ما هم عليه من الشرك ) من يرزقكم من السماء والأرض ( من السماء بالمطر ومن الأرض بالنبات والمعادن فإن اعترفوا حصل المطلوب وإن لم يعترفوا فلا بد أن يعترفوا بأن الله هو الذى خلقهما ) أم من يملك السمع والأبصار ( أم هى المنقطعة وفي هذا انتقال من سؤال إلى سؤال وخص السمع والبصر بالذكر لما فيهما من الصنعة العجيبة والقدرة الباهرة العظيمة أي من يستطيع ملكهما وتسويتهما على هذه الصفة العجيبة والخلقة الغريبة حنى ينتفعوا بهما هذا الانتفاع العظيم ويحصلون بهما من الفوائد ما لا يدخل تحت حصر الحاصرين ثم انتقل إلى حجة ثالثة فقال ) ومن يخرج الحي من الميت ( الإنسان من النطفة والطير من البيضة والنبات من الحبة أو المؤمن من الكافر ) ويخرج الميت من الحي ( أي النطفة من الإنسان أو الكافر من المؤمن والمراد من هذا الاستفهام عمن يحيى ويميت ثم انتقل إلى حجة رابعة فقال ) ومن يدبر الأمر ( أي يقدره ويقضيه وهذا من عطف العام على الخاص لأنه قد عم ما تقدم وغيره ) فسيقولون الله ( أي سيكون قولهم في جواب هذه الاستفهامات إن الفاعل لهذه الأمور هو الله سبحانه إن أنصفوا وعملوا على ما يوجبه الفكر الصحيح والعقل السليم وارتفاع الاسم الشريف على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي الله يفعل ذلك ثم أمره الله سبحانه بعد أن يجيبوا بهذا الجواب أن يقول لهم ) أفلا تتقون ( والاستفهام للإنكار والفاء للعطف على مقدر أي تعلمون ذلك أفلا تتقون وتفعلون ما يوجبه هذا العلم من تقوى الله الذى يفعل هذه الأفعال
يونس : ( 32 ) فذلكم الله ربكم . . . . .
) فذلكم الله ربكم الحق ( أي فذلكم الذى يفعل هذه الأفعال هو ربكم المتصف بأنه الحق لا ما جعلتموهم شركاء له والاستفهام في قوله ) فماذا بعد الحق إلا الضلال ( للتقريع والتوبيخ إن كانت ما استفهامية لا إن كانت نافية كما يحتمله الكلام والمعنى أي شيء بعد الحق إلا الضلال فإن ثبوت ربوبية الرب سبحانه حق بإقرارهم فكان غيره باطلا لأن واجب الوجود يجب أن يكون واحدا في ذاته


"""""" صفحة رقم 444 """"""
وصفاته ) فأنى تصرفون ( أي كيف تستجيزون العدول عن الحق الظاهر وتقعون في الضلال إذ لا واسطة بينهما فمن تخطى أحدهما وقع في الآخر والاستفهام للإنكار والاستبعاد والتعجب
يونس : ( 33 ) كذلك حقت كلمة . . . . .
) كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون ( أي كما حق وثبت أن الحق بعده الضلال أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق كذلك حقت كلمة ربك أي حكمه وقضاؤه على الذين فسقوا أي خرجوا من الحق إلى الباطل وتمردوا في كفرهم عنادا ومكابرة وجملة ) أنهم لا يؤمنون ( بدل من الكلمة قاله الزجاج أي حقت عليهم هذه الكلمة وهى عدم إيمانهم ويجوز أن تكون الجملة تعليلية لما قبلها بتقدير اللام أي لأنهم لا يؤمنون وقال الفراء إنه يجوز إنهم لا يؤمنون بالكسر على الاستئناف وقد قرأ نافع وابن عامر ? كلمات ربك ? بالجمع وقرأ الباقون بالإفراد
يونس : ( 34 ) قل هل من . . . . .
قوله ? قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده ? أورد سبحانه في هذا حجة خامسة على المشركين أمر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقولها لهم وهم وإن كانوا لا يعترفون بالمعاد لكنه لما كان أمرا ظاهرا بينا وقد أقام الأدلة عليه في السورة على صورة لا يمكن دفعها عند من أنصف ولم يكابر كان كالمسلم عندهم الذى لا جحد له ولا إنكار فيه ثم أمره سبحانه أن يقول لهم ) قل الله يبدا الخلق ثم يعيده فأنى يؤفكون ( أي هو الذى يفعل ذلك لا غيره وهذا القول الذى قاله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن أمر الله سبحانه له هو نيابة عن المشركين في الجواب إما على طريق التلقين لهم وتعريفهم كيف يجيبون وإرشادهم إلى ما يقولون وإما لكون هذا المعنى قد بلغ في الوضوح إلى غاية لا يحتاج معها إلى إقرار الخصم ومعرفة ما لديه وإما لكون المشركين لا ينطقون بما هو الصواب في هذا الجواب فرارا منهم عن أن تلزمهم الحجة أو يسجل عليهم بالعناد والمكابرة إن حادوا عن الحق ومعنى ) فأنى تؤفكون ( فكيف تؤفكون أي تصرفون عن الحق وتنقلبون منه إلى غيره
يونس : ( 35 ) قل هل من . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يورد عليهم حجة سادسة فقال ) قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ( والاستفهام هاهنا كالاستفهامات السابقه والاستدلال بالهداية بعد الاستدلال بالخلق وقع كثيرا في القرآن كقوله ) الذي خلقني فهو يهدين ( وقوله ) الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ( وقوله ) الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ( وفعل الهداية يجيء متعديا باللام وإلى وهما بمعنى واحد روى ذلك عن الزجاج والمعنى قل لهم يا محمد هل من شركائكم من يرشد إلى دين الإسلام ويدعو الناس إلى الحق فإذا قالوا لا فقل لهم الله يهدي للحق دون غيره ودليل ذلك ما تقدم من الأدلة الدالة على اختصاصه سبحانه بهذا وهداية الله سبحانه لعباده إلى الحق هى بما نصبه لهم من الآيات في المخلوقات وإرساله للرسل وإنزاله للكتب وخلقه لما يتوصل به العباد إلى ذلك من العقول والأفهام والأسماع والأبصار والاستفهام في قوله ) أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى ( للتقرير وإلزام الحجة
وقد اختلف القراء في ) لا يهدي ( فقرأ أهل المدينة إلا نافعا ) يهدي ( بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال فجمعوا في قراءتهم هذه بين ساكنين قال النحاس والجمع بين ساكنين لا يقدر أحد أن ينطق به قال محمد بن يزيد لا بد لمن رام مثل هذا أن يحرك حركه خفيفة إلى الكسر وسيبويه يسمى هذا اختلاسا وقرأ أبو عمرو وقالون في رواية بين الفتح والإسكان وقرأ ابن عامر وابن كثير وورش وابن محيصن بفتح الياء والهاء وتشديد الدال قال النحاس هذه القراءة بينة في العربية والأصل فيها يهتدى أدغمت التاء في الدال وقلبت حركتها إلى الهاء وقرأ حفص ويعقوب والأعمش مثل قراءة ابن كثير إلا أنهم كسروا الهاء قالوا لأن الكسر هو الأصل عند التقاء الساكنين
وقرأ أبو بكر عن عاصم ) يهدي ( بكسر الياء والهاء وتشديد الدال وذلك للاتباع وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويحيى بن وثاب ) يهدي ( بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال من هدى يهدى قال النحاس وهذه القراءة لها


"""""" صفحة رقم 445 """"""
وجهان في العربية وإن كانت بعيدة الأول أن الكسائي والفراء قالا إن يهدي بمعنى يهتدى الثاني أن أبا العباس قال إن التقدير أم من لا يهدي غيره ثم تم الكلام وقال بعد ذلك ) إلا أن يهدى ( أي لكنه يحتاج أن يهدى فهو استثناء منقطع كما تقول فلان لا يسمع غيره إلا أن يسمع أي لكنه يحتاج أن يسمع والمعنى على القراءات المتقدمة أفمن يهدى الناس إلى الحق وهو الله سبحانه أحق أن يتبع ويقتدى به أم الأحق بأن يتبع ويقتدى به من لا يهتدى بنفسه إلا أن يهديه غيره فضلا عن أن يهدى غيره والاستثناء على هذا استثناء مفرغ من أعم الأحوال
قوله ) فما لكم كيف تحكمون ( هذا تعجيب من حالهم باستفهامين متواليين أي أي شيء لكم كيف تحكمون باتخاذ هؤلاء شركاء لله وكلا الاستفهامين للتقريع والتوبيخ وكيف في محل نصب بتحكمون
يونس : ( 36 ) وما يتبع أكثرهم . . . . .
ثم بين سبحانه ما هؤلاء عليه في أمر دينهم وعلى أي شيء بنوه وبأي شيء اتبعوا هذا الدين الباطل وهو الشرك فقال ) وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا ( وهذا كلام مبتدأ غير داخل في الأوامر السابقة والمعنى ما يتبع هؤلاء المشركون في إشراكهم بالله وجعلهم له أندادا إلا مجرد الظن والتخمين والحدس ولم يكن ذلك عن بصيرة بل ظن من ظن من سلفهم أن هذه المعبودات تقربهم إلى الله وأنها تشفع لهم ولم يكن ظنه هذا لمستند قط بل مجرد خيال مختل وحدس باطل ولعل تنكير الظن هنا للتحقير أي إلا ظنا ضعيفا لا يستند إلى ما تستند إليه سائر الظنون وقيل المراد بالآية إنه ما يتبع أكثرهم في الإيمان بالله والإقرار به إلا ظنا والأول أولى ثم أخبرنا الله سبحانه بأن مجرد الظن لا يغني من الحق شيئا لأن أمر الدين إنما يبنى على العلم وبه يتضح الحق من الباطل والظن لا يقوم مقام العلم ولا يدرك به الحق ولا يغني عن الحق في شيء من الأشياء ويجوز انتصاب شيئا على المصدرية أو على أنه مفعول به ومن الحق حال منه والجملة مستأنفة لبيان شأن الظن وبطلانه ) إن الله عليم بما يفعلون ( من الأفعال القبيحة الصادرة لا عن برهان
يونس : ( 37 ) وما كان هذا . . . . .
قوله ) وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ( لما فرغ سبحانه من دلائل التوحيد وحججه شرع في تثبيت أمر النبوة أي وما صح وما استقام أن يكون هذا القرآن المشتمل على الحجج البينة والبراهين الواضحة يفترى من الخلق من دون الله وإنما هو من عند الله عز وجل وكيف يصح أن يكون مفترى وقد عجز عن الإتيان بسورة منه القوم الذين هم أفصح العرب لسانا وأدقهم أذهانا ) ولكن ( كان هذا القرآن ) تصديق الذي بين يديه ( من الكتب المنزلة على الأنبياء ونفس هذا التصديق معجزة مستقلة لأن أقاصيصه موافقة لما في الكتب المتقدمة مع أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يطلع على ذلك ولا تعلمه ولا سأل عنه ولا اتصل بمن له علم بذلك وانتصاب تصديق على أنه خبر لكان المقدرة بعد لكن ويجوز أن يكون انتصابه على العلية لفعل محذوف أي لكن أنزله الله تصديق الذى بين يديه قال الفراء ومعنى الآية وما ينبغى لهذا القرآن أن يفترى كقوله ) وما كان لنبي أن يغل ( ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( وقيل إن ) إن ( بمعنى للام أي وما كان هذا القرآن ليفترى وقيل بمعنى لا أي لا يفترى قال الكسائي والفراء إن التقدير في قوله ) ولكن تصديق ( ولكن كان تصديق ويجوز عندهما الرفع أي ولكن هو تصديق وقيل المعنى ولكن القرآن تصديق ) الذي بين يديه ( من الكتب أي أنها قد بشرت به قبل نزوله فجاء مصدقا لها وقيل المعنى ولكن تصديق النبي الذى بين يدي القرآن وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لأنهم شاهدوه قبل أن يسمعوا منه القرآن قوله ) وتفصيل الكتاب ( عطف على قوله ) ولكن تصديق الذي بين يديه ( فيجيء فيه الرفع والنصب على الوجهين المذكورين في تصديق والتفصيل التبيين أي يبين ما في كتب الله المتقدمة والكتاب للجنس وقيل أراد ما بين في القرآن من الأحكام فيكون المراد بالكتاب القرآن قوله ) لا ريب فيه ( الضمير عائد إلى القرآن وهو


"""""" صفحة رقم 446 """"""
داخل في حكم الاستدراك خبر ثالث ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال من الكتاب ويجوز أن تكون الجملة استئنافية لا محل لها و ) من رب العالمين ( خبر رابع أي كائن من رب العالمين ويجوز أن يكون حالا من الكتاب أو من ضمير القرآن في قوله ) لا ريب فيه ( أي كائنا من رب العالمين ويجوز أن يكون متعلقا بتصديق وتفصيل وجملة ) لا ريب فيه ( معترضة
يونس : ( 38 ) أم يقولون افتراه . . . . .
قوله ) أم يقولون افتراه ( الاستفهام للإنكار عليهم مع تقرير ثبوت الحجة وأم هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة أي بل أيقولون افتراه واختلقه وقال أبو عبيدة أم بمعنى الواو أي ويقولون افتراه وقيل الميم زائدة والتقدير أيقولون افتراه والاستفهام للتقريع والتوبيخ
ثم أمره الله سبحانه أن يتحداهم حتى يظهر عجزهم ويتبين ضعفهم فقال ) قل فأتوا بسورة مثله ( أي إن كان الأمر كما تزعمون من أن محمدا افتراه فأتوا أنتم على جهة الافتراء بسورة مثله في البلاغة وجودة الصناعة فأنتم مثله في معرفة لغة العرب وفصاحة الألسن وبلاغة الكلام ) وادعوا ( بمظاهريكم ومعاونيكم ) من استطعتم ( دعاءه والاستعانة به من قبائل العرب ومن آلهتكم التى تجعلونهم شركاء لله وقوله ) من دون الله ( متعلق بادعوا أي ادعوا من سوى الله من خلقه ) إن كنتم صادقين ( في دعواكم أن هذا القرآن مفترى
وسبحان الله العظيم ما أقوى هذه الحجة وأوضحها وأظهرها للعقول فإنهم لما نسبوا الافتراء إلى واحد منهم في البشرية والعربية قال لهم هذا الذى نسبتموه إلي وأنا واحد منكم ليس عليكم إلا أن تأتوا وأنتم الجمع الجم بسورة مماثلة لسورة من سوره واستعينوا بمن شئتم من أهل هذه اللسان العربية على كثرتهم وتباين مساكنهم أو من غيرهم من بني آدم أو من الجن أو من الأصنام فإن فعلتم هذا بعد اللتيا والتى فأنتم صادقون فيما نسبتموه إلي وألصقتموه بي فلم يأتوا عند سماع هذا الكلام المنصف والتنزل البالغ بكلمة ولا نطقوا ببنت شفة بل كاعوا عن الجواب وتشبثوا بأذيال العناد البارد والمكابرة المجردة عن الحجة وذلك مما لا يعجز عنه مبطل ولهذا قال سبحانه عقب هذا التحدي البالغ
يونس : ( 39 ) بل كذبوا بما . . . . .
) بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ( فأضرب عن الكلام الأول وانتقل إلى بيان أنهم سارعوا إلى تكذيب القرآن قبل أن يتدبروه ويفهموا معانيه وما اشتمل عليه وهكذا صنع من تصلب في التقليد ولم يبال بما جاء به من دعا إلى الحق وتمسك بذيول الإنصاف بل يرده بمجرد كونه لم يوافق هواه ولا جاء على طبق دعواه قبل أن يعرف معناه ويعلم مبناه كما تراه عيانا وتعلمه وجدانا والحاصل أن من كذب بالحجة النيرة والبرهان الواضح قبل أن يحيط بعلمه فهو لم يتمسك بشيء في هذا التكذيب إلا مجرد كونه جاهلا لما كذب به غير عالم به فكان بهذا التكذيب مناديا على نفسه بالجهل بأعلى صوت ومسجلا بقصوره عن تعقل الحجج بأبلغ تسجيل وليس على الحجة ولا على من جاء بها من تكذيبه شيء ما يبلغ الأعداء من جاهل
ما يبلغ الجاهل من نفسه
قوله ) ولما يأتهم تأويله ( معطوف على ) لم يحيطوا بعلمه ( أي بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه وبما لم يأتهم تأويله أو هذه الجملة في محل نصب على الحال أي كذبوا به حال كونهم لم يفهموا تأويل ما كذبوا به ولا بلغته عقولهم
والمعنى أن التكذيب منهم وقع قبل الإحاطة بعلمه وقبل أن يعرفوا ما يئول إليه من صدق ما اشتمل عليه من حكاية ما سلف من أخبار الرسل المتقدمين والأمم السابقين ومن حكايات من سيحدث من الأمور المستقبلة التى أخبر عنها قبل كونها أو قبل أن يفهموه حق الفهم وتتعقله عقولهم فإنهم لو تدبروه كلية التدبر لفهموه كما ينبغى وعرفوا ما اشتمل عليه من الأمور الدالة أبلغ دلالة على أنه كلام الله وعلى هذا فمعنى تأويله ما يئول إليه


"""""" صفحة رقم 447 """"""
لمن تدبره من المعاني الرشيقة واللطائف الأنيقة وكلمة التوقع أظهر في المعنى الأول ) كذلك كذب الذين من قبلهم ( أي مثل ذلك التكذيب كذب الذين من قبلهم من الأمم عند أن جاءتهم الرسل بحجج الله وبراهينه فإنهم كذبوا به قبل أن يحيطوا بعلمه وقبل أن يأتيهم تأويله ) فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ( من الأمم السالفة من سوء العاقبة بالخسف والمسخ ونحو ذلك من العقوبات التى حلت بهم كما حكى ذلك القرآن عنهم واشتملت عليه كتب الله المنزلة عليهم
يونس : ( 40 ) ومنهم من يؤمن . . . . .
قوله ) ومنهم من يؤمن به ( أي ومن هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن من يؤمن به في نفسه ويعلم أنه صدق وحق ولكنه كذب به مكابرة وعنادا وقيل المراد ومنهم من يؤمن به في المستقبل وإن كذب به في الحال والموصول مبتدأ وخبره منهم ) ومنهم من لا يؤمن به ( ولا يصدقه في نفسه بل كذب به جهلا كما مر تحقيقه أو لا يؤمن به في المستقبل بل يبقى على جحوده وإصراره وقيل الضمير في الموضعين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد قيل إن هذا التقسيم خاص بأهل مكة وقل عام في جميع الكفار ) وربك أعلم بالمفسدين ( فيجازيهم بأعمالهم والمراد بهم المصرون المعاندون أو بكلا الطائفتين وهم الذين يؤمنون به في أنفسهم ويكذبون به في الظاهر والذين يكذبون به جهلا أو الذين يؤمنون به في المستقبل والذين لا يؤمنون به
يونس : ( 41 ) وإن كذبوك فقل . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يقول لهم إن أصروا على تكذيبه واستمروا عليه ) لي عملي ولكم عملكم ( أي لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم فقد أبلغت إليكم ما أمرت بإبلاغه وليس علي غير ذلك ثم أكد هذا بقوله ) أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ( أي لا تؤاخذون بعملي ولا أؤاخذ بعملكم وقد قيل إن هذا منسوخ بآية السيف كما ذهب إليه جماعة من المفسرين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) كذلك حقت كلمة ربك ( يقول سبقت كلمة ربك وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال صدقت وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) أم من لا يهدي إلا أن يهدى ( قال الأوثان وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) وإن كذبوك فقل لي عملي ( الآية قال أمره بهذا ثم نسخه فأمره بجهادهم
سورة يونس الآية ( 42 49 )


"""""" صفحة رقم 448 """"""
يونس : ( 42 ) ومنهم من يستمعون . . . . .
قوله ) ومنهم من يستمعون ( الخ بين الله سبحانه في هذا أن في أولئك الكفار من بلغت حاله في النفرة والعداوة إلى هذا الحد وهى أنهم يستمعون إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرأ القرآن وعلم الشرائع في الظاهر ولكنهم لا يسمعون في الحقيقة لعدم حصول أثر السماع وهو حصول القبول والعمل بما يسمعونه ولهذا قال ) أفأنت تسمع الصم ( يعني أن هؤلاء وإن استمعوا في الظاهر فهم صم والصمم مانع من سماعهم فيكف تطمع منهم بذلك مع حصول المانع وهو الصمم فكيف إذا انضم إلى ذلك أنهم لا يعقلون فإن من كان أصم غير عاقل لا يفهم شيئا ولا يسمع ما يقال له وجمع الضمير في يستمعون حملا على معنى من وأفرده في ) ومنهم من ينظر ( حملا على لفظه قيل والنكتة كثرة المستمعين بالنسبة إلى الناظرين لأن الاستماع لا يتوقف على ما يتوقف عليه النظر من المقابلة وانتفاء الحائل وانفصال الشعاع والنور الموافق لنور البصر والتقدير في قوله ) ومنهم من يستمعون ( ) ومنهم من ينظر ( ومنهم ناس يستمعون ومنهم بعض ينظر والهمزتان في ) أفأنت تسمع ( ) أفأنت تهدي ( للإنكار والفاء في الموضعين للعطف على مقدر كأنه قيل أيستمعون إليك فأنت تسمعهم أينظرون إليك فأنت تهديهم
يونس : ( 43 ) ومنهم من ينظر . . . . .
والكلام في ) ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ( كالكلام في ) ومنهم من يستمعون ( الخ لأن العمى مانع فكيف يطمع من صاحبه في النظر وقد انضم إلى فقد البصر فقد البصيرة لأن الأعمى الذى له في قلبه بصيرة قد يكون له من الحدس الصحيح ما يفهم به في بعض الأحوال فهما يقوم مقام النظر وكذلك الأصم العاقل قد يتحدس تحدسا يفيده بعض فائدة بخلاف من جمع له بين عمى البصر والبصيرة فقد تعذر عليه الإدراك وكذا من جمع له بين الصمم وذهاب العقل فقد انسد عليه باب الهدى وجواب لو في الموضعين محذوف دل عليهما ما قبلهما والمقصود من هذا الكلام تسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن الطبيب إذا رأى مريضا لا يقبل العلاج أصلا أعرض عنه واستراح من الاشتغال به
يونس : ( 44 ) إن الله لا . . . . .
قوله ) إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ( ذكر هذا عقب ما تقدم من عدم الاهتداء بالأسماع والأبصار لبيان أن ذلك لم يكن لأجل نقص فيما خلقه الله لهم من السمع والعقل والبصر والبصيرة بل لأجل ما صار في طبائعهم من التعصب والمكابرة للحق والمجادلة بالباطل والإصرار على الكفر فهم الذين ظلموا أنفسهم بذلك ولم يظلمهم الله شيئا من الأشياء بل خلقهم وجعل لهم من المشاعر ما يدركون به أكمل إدراك وركب فيهم من الحواس ما يصلون به إلى ما يريدون ووفر مصالحهم الدنيوية عليهم وخلى بينهم وبين مصالحهم الدينية فعلى نفسها براقش نجنى وقرأ حمزة والكسائي ? ولكن النسا ? بتخفيف النون ورفع الناس وقرأ الباقون بتشديدها ونصب الناس قال النحاس زعم جماعة من النحويين منهم الفراء أن العرب إذا قالت ) ولكن ( بالواو شددوا النون وإذا حذفوا الواو خففوها قيل والنكتة في وضع الظاهر موضع المضمر زيادة التعيين والتقرير وتقديم المفعول على الفعل لإفادة القصر أو لمجرد الاهتمام مع مراعاة الفاصلة
يونس : ( 45 ) ويوم يحشرهم كأن . . . . .
قوله ) ويوم نحشرهم ( الظرف منصوب بمضمر أي واذكر يوم نحشرهم ) كأن لم يلبثوا ( أي كأنهم لم يلبثوا والجملة في محل نصب على الحال أي مشبهين من لم يلبث ) إلا ساعة من النهار ( أي شيئا قليلا منه والمراد باللبث هو اللبث في الدنيا وقيل في القبور استقلوا المدة الطويلة إما لأنهم ضيعوا أعمارهم في الدنيا فجعلوا وجودها كالعدم أو استقصروها للدهش والحيرة أو لطول وقوفهم في المحشر أو لشدة ما هم فيه من العذاب نسوا لذات الدنيا وكأنها لم تكن ومثل هذا قولهم ) لبثنا يوما أو بعض يوم ( وجملة ) يتعارفون بينهم ( في محل نصب على الحال أو مستأنفة والمعنى يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا الا قليلا وذلك عند خروجهم من القبور ثم تنقطع التعاريف بينهم لما بين أيديهم من الأمور المدهشة


"""""" صفحة رقم 449 """"""
للعقول المذهلة للأفهام وقيل إن هذا التعارف هو تعارف التوبيخ والتقريع يقول بعضهم لبعض أنت أضللتني وأغويتني لا تعارف شفقة ورأفة كما قال تعالى ) ولا يسأل حميم حميما ( وقوله ) فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ( فيجمع بأن المراد بالتعارف هو تعارف التوبيخ وعليه يحمل قوله ) ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول ( وقد جمع بين الآيات المختلفة في مثل هذا وغيره بأن المواقف يوم القيامة مختلفة فقد يكون في بعض المواقف ما لا يكون في الآخر ) قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ( هذا تسجيل من الله سبحانه عليهم بالخسران والجملة في محل نصب على الحال والمراد بلقاء الله يوم القيامة عند الحساب والجزاء ونفى عنهم أن يكونوا من جنس المهتدين لجهلهم وعدم طلبهم لما ينجيهم وينفعهم
يونس : ( 46 ) وإما نرينك بعض . . . . .
قوله ) وإما نرينك بعض الذي نعدهم ( أصله إن نرك وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط وزيدت نون التأكيد والمعنى إن حصلت منا الإراءة لك بعض الذى وعدناهم من إظهار دينك في حياتك بقتلهم وأسرهم وجواب الشرط محذوف والتقدير فتراه أو فذلك وجملة ) أو نتوفينك ( معطوفة على ما قبلها والمعنى أو لا نرينك ذلك في حياتك بل نتوفينك قبل ذلك ) فإلينا مرجعهم ( فعند ذلك نعذبهم في الآخرة فنريك عذابهم فيها وجواب ) أو نتوفينك ( محذوف أيضا والتقدير أو نتوفينك قبل الإراءة فنحن نريك ذلك في الآخرة وقيل إن جواب ) أو نتوفينك ( هو قوله ) فإلينا مرجعهم ( لدلالته على ما هو المراد من إراءة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تعذيبهم في الآخرة وقيل العدول إلى صيغة المستقبل في الموضعين لاستحضار الصورة والأصل أريناك أو توفيناك وفيه نظر فإن إراءته ( صلى الله عليه وسلم ) لبعض ما وعد الله المشركين من العذاب لم تكن قد وقعت كالوفاة
وحاصل معنى هذه الآية إن لم ننتقم منهم عاجلا انتقمنا منهم آجلا وقد أراه الله سبحانه قتلهم وأسرهم وذلهم وذهاب عزهم وانكسار سورة كبرهم بما أصابهم به في يوم بدر وما بعده من المواطن فلله الحمد قوله ) ثم الله شهيد على ما يفعلون ( جاء بثم الدالة على التبعيد مع كون الله سبحانه شهيدا على ما يفعلونه في الدارين للدلالة على أن المراد بهذه الأفعال ما يترتب عليها من الجزاء أو ما يحصل من إنطاق الجوارح بالشهادة عليهم يوم القيامة فجعل ذلك بمنزلة شهادة الله عليهم كما ذكره النيسابوري
يونس : ( 47 ) ولكل أمة رسول . . . . .
) ولكل أمة ( من الأمم الخالية في وقت من الأوقات ) رسول ( يرسله الله إليهم ويبين لهم ما شرعه الله لهم من الأحكام على حسب ما تقتضيه المصلحة ) فإذا جاء رسولهم ( إليهم وبلغهم ما أرسله الله به فكذبوه جميعا ) قضي بينهم ( أي بين الأمة ورسولها ) بالقسط ( أي العدل فنجا الرسول وهلك المكذبون له كما قال سبحانه ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( ويجوز أن يراد بالضمير في بينهم الأمة على تقدير أنه كذبه بعضهم وصدقه البعض الآخر فيهلك المكذبون وينجو المصدقون ) وهم لا يظلمون ( في ذلك القضاء فلا يعذبون بغير ذنب ولا يؤاخذون بغير حجة ومنه قوله تعالى ) وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم ( وقوله ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ( والمراد المبالغة في إظهار العدل والنصفة بين العباد
يونس : ( 48 ) ويقولون متى هذا . . . . .
ثم ذكر سبحانه شبهة أخرى من شبه الكفار وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان كلما هددهم بنزول العذاب كانوا ) ويقولون متى هذا الوعد ( والاستفهام منهم للإنكار والاستبعاد وللقدح في النبوة ) إن كنتم صادقين ( خطابا منهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله ويحتمل أن يراد بالقائلين هذه المقالة جميع الأمم الذين لم يسلموا لرسلهم الذين أرسلهم الله إليهم
يونس : ( 49 ) قل لا أملك . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يجيب عليهم بما يحسم مادة الشبهة ويقطع اللجاج فقال ) قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا ( أي لا أقدر على جلب نفع لها ولا دفع ضر عنها فكيف أقدر على أن أملك ذلك لغيري وقدم الضر لأن السياق لإظهار العجز


"""""" صفحة رقم 450 """"""
عن حضور الوعد الذى استعجلوه واستبعدوه والاستثناء في قوله ) إلا ما شاء الله ( منقطع كما ذكره أئمة التفسير أي ولكن ما شاء الله من ذلك كان فكيف أقدر على أن أملك لنفسي ضرا أو نفعا وفي هذه أعظم واعظ وأبلغ زاجر لمن صار ديدنه وهجيراه المناداة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والاستغاثة به عند نزول النوازل التى لا يقدر على دفعها إلا الله سبحانه وكذلك من صار يطلب من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه فإن هذا مقام رب العالمين الذى خلق الأنبياء والصالحين وجميع المخلوقين ورزقهم وأحياهم ويميتهم فكيف يطلب من نبي من الأنبياء أو ملك من الملائكة أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه غير قادر عليه ويترك الطلب لرب الأرباب القادر على كل شئ الخالق الرازق المعطي المانع وحسبك بما في هذه الآية موعظة فإن هذا سيد ولد آدم وخاتم الرسل يأمره الله بأن يقول لعباده لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا فكيف يملكه لغيره وكيف يملكه غيره ممن رتبته دون رتبته ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته لنفسه فضلا عن أن يملكه لغيره فيا عجبا لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى ويطلبون منهم من الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل كيف لا يتيقظون لما وقعوا فيه من الشرك ولا يتنبهون لما حل بهم من المخالفة لمعنى لا إله إلا الله ومدلول ) قل هو الله أحد ( وأعجب من هذا اطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء ولا ينكرون عليهم ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى بل إلى ما هو أشد منها فإن أولئك يعترفون بأن الله سبحانه هو الخالق الرازق المحيى المميت الضار النافع وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله ومقربين لهم إليه وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضر والنفع وينادونهم تارة على الاستقلال وتارة مع ذي الجلال وكفاك من شر سماعه والله ناصر دينه ومطهر شريعته من أوضار الشرك وأدناس الكفر ولقد توسل الشيطان أخزاه الله بهذه الذريعة إلى ما تقربه عينه وينثلج به صدره من كفر كثير من هذه الأمة المباركة ) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( ) إنا لله وإنا إليه راجعون ( ثم بين سبحانه أن لكل طائفة حدا محدودا لا يتجاوزونه فلا وجه لاستعجال العذاب فقال ) لكل أمة أجل ( فإذا جاء ذلك الوقت أنجز وعده وجازى كلا بما يستحقه والمعنى أن لكل أمة ممن قضى بينهم وبين رسولهم أو بين بعضهم البعض أجلا معينا ووقتا خاصا يحل بهم ما يريده الله سبحانه لهم عند حلوله ) إذا جاء أجلهم ( أي ذلك الوقت المعين والضمير راجع إلى كل أمة ) فلا يستأخرون ( عن ذلك الأجل المعين ) ساعة ( أي شيئا قليلا من الزمان ) ولا يستقدمون ( عليه وجملة لا يستقدمون معطوفة على جملة لا يستأخرون ومثله قوله تعالى ) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ( والكلام على هذه الآية المذكورة هنا قد تقدم في تفسير الآية التى في أول الأعراف فل نعيده
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله ) يتعارفون بينهم ( قال يعرف الرجل صاحبه إلى جنبه لا يستطيع أن يكلمه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وإما نرينك ( الآية قال سوء العذاب في حياتك ) أو نتوفينك ( قبل ) فإلينا مرجعهم ( وفي قوله ) ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم ( قال يوم القيامة
سورة يونس الآية ( 50 51 )


"""""" صفحة رقم 451 """"""
سورة يونس الآية ( 52 58 )
يونس : ( 50 ) قل أرأيتم إن . . . . .
قوله ) قل أرأيتم إن أتاكم عذابه ( هذا منه سبحانه تزييف لرأي الكفار في استعجال العذاب بعد التزييف الأول أي أخبروني إن أتاكم عذاب الله ) بياتا ( أي وقت بيات والمراد به الوقت الذى يبيتون فيه وينامون ويغفلون عن التحرز والبيات بمعنى التبييت اسم مصدر كالسلام بمعنى التسليم وهو منتصب على الظرفية وكذلك نهارا أي وقت الاشتغال بطلب المعاش والكسب والضمير في منه راجع إلى العذاب وقيل راجع إلى الله والاستفهام في ) ماذا يستعجل منه المجرمون ( للإنكار المتضمن للنهي كما في قوله ) أتى أمر الله فلا تستعجلوه ( ووجه الإنكار عليهم في استعجالهم أن العذاب مكروه تنفر منه القلوب وتأباه الطبائع فما المقتضى لاستعجالهم له والجملة المصدرة بالاستفهام جواب الشرط بحذف الفاء وقيل إن الجواب محذوف والمعنى تندموا على الاستعجال أو تعرفوا الخطأ منكم فيه وقيل إن الجواب قوله ) أثم إذا ما وقع ( وتكون جملة ) ماذا يستعجل منه المجرمون ( اعتراضا والمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان والأول أولى وإنما قال يستعجل منه المجرمون ولم يقل يستعجلون منه للدلالة على ما يوجب ترك الاستعجال وهو الإجرام لأن من حق المجرم أن يخاف من العذاب بسبب إجرامه فكيف يستعجله كما يقال لمن يستوخم أمرا إذا طلبه ماذا تجني على نفسك وحكى النحاس عن الزجاج أن الضمير في ) منه ( إن عاد إلى العذاب كان لك في ) ماذا ( تقديران أحدهما أن تكون ما في موضع رفع بالابتداء وذا بمعنى الذى وهو خبر ما والعائد محذوف والتقدير الآخر أن يكون ) ماذا ( اسما واحدا في موضع رفع الابتداء والخبر ما بعده وإن جعل الضمير في ) منه ( عائدا إلى الله تعالى كان ) ماذا ( شيئا واحدا في موضع نصب بيستعجل والمعنى أي شيء يستعجل منه المجرمون أي من الله عز وجل
يونس : ( 51 ) أثم إذا ما . . . . .
ودخول الهمزة الاستفهامية في ) أثم إذا ما وقع آمنتم به ( على ثم كدخولها على الواو والفاء وهى لأنكار إيمانهم حيث لا ينفع الإيمان وذلك بعد نزول العذاب وهو يتضمن معنى التهويل عليهم وتفظيع ما فعلوه في غير وقته مع تركهم له في وقته الذى يحصل به النفع والدفع وهذه الجملة داخلة تحت القول المأمور به وجيء بكلمة ثم التى للتراخي دلالة على الاستبعاد وجيء بإذا مع زيادة ما للتأكيد دلالة على تحقق وقوع الإيمان منهم في غير وقته ليكون في ذلك زيادة استجهال لهم والمعنى أبعد ما وقع عذاب الله عليكم وحل بكم سخطه


"""""" صفحة رقم 452 """"""
وانتقامه آمنتم حين لا ينفعكم هذا الإيمان شيئا ولا يدفع عنكم ضرا وقيل إن هذه الجملة ليست داخلة تحت القول المأمور به وأنها من قول الملائكة استهزاء بهم وإزراء عليهم والأول أولى وقيل إن ثم ها هنا هى بفتح الثاء فتكون ظرفية بمعنى هناك والأول أولى قوله ) آلآن وقد كنتم به تستعجلون ( قل هو استئناف بتقدير القول غير داخل تحت القول الذى أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم أي قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب آلآن آمنتم به وقد كنتم به تستعجلون أي بالعذاب تكذيبا منكم واستهزاء لأن استعجالهم كان على جهة التكذيب والاستهزاء ويكون المقصود بأمره ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم هذا القول التوبيخ لهم والاستهزاء بهم والإزراء عليهم وجملة ) وقد كنتم به تستعجلون ( في محل نصب على الحال وقريء آلان بحذف الهمزة التى بعد اللام وإلقاء حركتها على اللام
يونس : ( 52 ) ثم قيل للذين . . . . .
قوله ) ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد ( معطوف على الفعل المقدر قيل آلآن والمراد منه التقريع والتوبيخ لهم أي قيل للذين ظلموا أنفسهم بالكفر وعدم الإيمان إن هذا الذى تطلبونه ضرر محض عار عن النفع من كل وجه والعاقل لا يطلب ذلك ويقال لهم على سبيل الإهانة لهم ذوقوا عذاب الخلد أي العذاب الدائم الذى لا ينقطع والقائل لهم هذه المقالة والتى قبلها قيل هم الملائكة الذين هم خزنة جهنم ولا يبعد أن يكون القائل لذلك هم الأنبياء على الخصوص أو المؤمنون على العموم ) هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ( في الحياة من الكفر والمعاصي والاستفهام للتقرير وكأنه يقال لهم هذا القول عن استغاثتهم من العذاب وحلول التقمة
يونس : ( 53 ) ويستنبئونك أحق هو . . . . .
م حكى الله سبحانه عنهم بعد هذه البيانات البالغة والجوابات عن أقوالهم الباطلة أنهم استفهموا تارة أخرى عن تحقق العذاب فقال ) ويستنبئونك أحق هو ( أي يستخبرونك عن جهة الاستهزاء منهم والإنكار أحق ما تعدنا به من العذاب في العاجل والآجل وهذا السؤال منهم جهل محض وظلمات بعضها فوق بعض فقد تقدم ذكره عنهم مع الجواب عليه فصنيعهم في هذا التكرير صنيع من لا يعقل ما يقول ولا ما يقال له وقيل المراد بهذا الاستخبار منهم هو عن حقية القرآن وارتفاع حق على انه خبر مقدم والمبتدأ هو الضمير الذى بعده وتقديم الخبر للاهتمام أو هو مبتدأ والضمير مرتفع به ساد مسد الخبر والجملة في موضع نصب بيستنبئونك وقرئ آلحق هو على أن اللام للجنس فكأنه قيل أهو الحق لا الباطل
قوله ) قل إي وربي إنه لحق ( أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم هذه المقالة جوابا عن استفهامهم الخارج مخرج الاستهزاء أي قل لهم يا محمد غير ملتفت إلى ما هو مقصودهم من الاستهزاء أى وربي إنه لحق أي نعم وربي إن ما أعدكم به من العذاب لحق ثابت كائن لا محالة وفي هذا الجواب تأكيد من وجوه الأول القسم مع دخول الحرف الخاص بالقسم الواقع موقع نعم الثاني دخول إن المؤكدة الثالث اللام في لحق الرابع إسمية الجملة وذلك يدل على أنهم قد بلغوا في الإنكار والتمرد إلى الغاية التى ليس وراءها غاية ثم توعدهم بأشد توعد ورهبهم بأعظم ترهيب فقال ) وما أنتم بمعجزين ( أي فائتين العذاب بالهرب والتحيل الذى لا ينفع والمكابرة التى لا تدفع من قضاء الله شيئا وهذه الجملة إما معطوفة على جملة جواب القسم أو مستأنفة لبيان عدم خلوصهم من عذاب الله بوجه من الوجوه
يونس : ( 54 ) ولو أن لكل . . . . .
ثم زاد في التأكيد فقال ) ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به ( أي ولو أن لكل نفس من الأنفس المتصفة بأنها ظلمت نفسها بالكفر بالله وعدم الإيمان به ما في الأرض من كل شيء من الأشياء التى تشتمل عليها من الأموال النفيسة والذخائر الفائقة لافتدت به أي جعلته فدية لها من العذاب ومثله قوله تعالى ) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ( وقد تقدم قوله ) وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ( الضمير راجع إلى الكفار الذين سياق الكلام معهم


"""""" صفحة رقم 453 """"""
وقيل راجع إلى الأنفس المدلول عليها بكل نفس ومعنى أسروا أخفوا أي لم يظهروا الندامة بل أخفوها لما قد شاهدوه في ذلك الموطن مما سلب عقولهم وذهب بتجلدهم ويمكن أنه بقي فيهم وهم على تلك الحالة عرق ينزعهم إلى العصبية التى كانوا عليها في الدنيا فأسروا الندامة لئلا يشمت بهم المؤمنون وقيل أسرها الرؤساء فيما بينهم دون أتباعهم خوفا من توبيخهم لهم لكونهم هم الذين أضلوهم وحالوا بينهم وبين الإسلام ووقوع هذا منهم كان عند رؤية العذاب وأما بعد الدخول فيه فهم الذين ) قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا ( وقيل معنى أسروا أظهروا وقيل وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم لأن الندامة لا يمكن إظهارها ومنه قول كثير فأسررت الندامة يوم نادى
برد جمال عاضرة المنادى
وذكر المبرد في ذلك وجهين الأول أنها بدت في وجوههم أسرة الندامة وهى الانكسار واحدها سرار وجمعها أسارير والثاني ما تقدم وقيل معنى ) وأسروا الندامة ( أخلصوها لأن إخفاءها إخلاصها و ) لما ( في قوله ) لما رأوا العذاب ( ظرف بمعنى حين منصوب بأسروا أو حرف شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه ) وقضي بينهم بالقسط ( أي قضى الله بين المؤمنين وبين الكافرين أو بين الرؤساء والأتباع أو بين الظالمين من الكفار والمظلومين وقيل معنى القضاء بينهم إنزال العقوبة عليهم القسط العدل وجملة ) وهم لا يظلمون ( في محل نصب على الحال أي لا يظلمهم الله فيما فعله بهم من العذاب الذى حل بهم فإنه بسبب ما كسبوا
يونس : ( 55 ) ألا إن لله . . . . .
وجملة ) ألا إن لله ما في السماوات والأرض ( مسوقة لتقرير كمال قدرته لأن من ملك ما في السموات والأرض تصرف به كيف يشاء وغلب غير العقلاء لكونهم أكثر المخلوقات قيل لما ذكر سبحانه افتداء الكفار بما في الأرض لو كان لهم ذلك بين أن الأشياء كلها لله وليس لهم شيء يتمكنون من الافتداء به وقيل لما أقسم على حقية ما جاء به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أراد أن يصحب ذلك بدليل البرهان البين بأن ما في العالم على اختلاف أنواعه ملكه يتصرف به كيف يشاء وفي تصدير الجملة بحرف التنبيه تنبيه للغافلين وإيقاظ للذاهلين ثم أكد ما سبق بقوله ) ألا إن وعد الله حق ( أي كائن لا محالة وهو عام يندرج فيه ما استعجلوه من العذاب اندراجا أوليا وتصدير الجملة بحرف التنبيه كما قلنا في التى قبلها مع الدلالة على تحقق مضمون الجملتين ) ولكن أكثر الناس ( أي الكفار ) لا يعلمون ( ما فيه صلاحهم فيعملون به وما فيه فسادهم فيجتنبونه
يونس : ( 56 ) هو يحيي ويميت . . . . .
) هو يحيي ويميت ( يهب الحياة ويسلبها ) وإليه ترجعون ( في الدار الآخرة فيجازى كلا بما يستحقه ويتفضل على من يشاء من عباده
يونس : ( 57 ) يا أيها الناس . . . . .
قوله ) يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم ( يعني القرآن فيه ما يتعظ به من قرأه وعرف معناه والواعظ في الأصل هو التذكير بالعواقب سواء كان بالترغيب أو الترهيب والوعظ هو كالطبيب ينهى المريض عما يضره ومن في ) من ربكم ( متعلقة بالفعل وهو جاءتكم فتكون ابتدائية أو متعلقة بمحذوف فتكون تبعيضية ) وشفاء لما في الصدور ( من الشكوك التى تعترى بعض المرتابين لوجود ما يستفاد منه فيه من العقائد الحقة واشتماله على تزييف العقائد الباطلة والهدى الإرشاد لمن اتبع القرآن وتفكر فيه وتدبر معانيه إلى الطريق الموصلة إلى الجنة والرحمة هى ما يوجد في الكتاب العزيز من الأمور التى يرحم الله بها عباده فيطلبها من أراد ذلك حتى ينالها فالقرآن العظيم مشتمل على هذه الأمور
يونس : ( 58 ) قل بفضل الله . . . . .
ثم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجعل الخطاب معه بعد خطابه للناس على العموم فقال ) قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ( المراد بالفضل من الله سبحانه هو تفضله على عباده في الآجل والعاجل بما لا يحيط به الحصر والرحمة رحمته لهم وروى عن ابن عباس أنه قال فضل الله القرآن ورحمته الإسلام وروى عن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة أن فضل الله الإيمان ورحمته القرآن


"""""" صفحة رقم 454 """"""
والأولى حمل الفضل والرحمة على العموم ويدخل في ذلك ما في القرآن منهما دخولا أوليا وأصل الكلام قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا ثم حذف هذا الفعل لدلالة الثاني في قوله ) فبذلك فليفرحوا ( عليه قيل والفاء في هذا الفعل المحذوف داخله في جواب شرط مقدر كأنه قيل إن فرحوا بشيء فليخصوا فضل الله ورحمته بالفرح
وتكرير الباء في برحمته للدلالة على أن كل واحد من الفضل والرحمة سبب مستقل في الفرح والفرح هو اللذة في القلب بسبب إدراك المطلوب وقد ذم الله سبحانه الفرح في مواطن كقوله ) لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ( وجوزه في قوله ) فرحين بما آتاهم الله من فضله ( وكما في هذه الآية ويجوز أن تتعلق الباء في ) بفضل الله وبرحمته ( بقوله ) جاءتكم ( والتقدير جاءتكم موعظة بفضل الله وبرحمته فبذلك أي فبمجيئها فليفرحوا وقرا يزيد بن القعقاع ويعقوب فلتفرحوا بالفوقية وقرأ الجمهور بالتحتية والضمير في ) هو خير ( راجع إلى المذكور من الفضل والرحمة أو إلى المجيء على الوجه الثاني أو إلى اسم الإشارة في قوله ) فبذلك ( والمعنى أن هذا خير لهم مما يجمعونه من حطام الدنيا وقد قريء بالتاء الفوقية في ) يجمعون ( مطابقة للقراءة بها في ? فلتفرحوا ? وقد تقرر في العربية أن لام الأمر تحذف مع الخطاب إلا في لغة قليلة جاءت هذه القراءة عليها وقرأ الجمهور بالمثناة التحتية في يجمعون كما قرءوا في فليفرحوا وروى عن ابن عامر أنه قرأ بالفوقية في يجمعون والتحتية في فلتفرحوا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الطبراني وأبو الشيخ عن أبي الأحوص قال جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال إن أخي يشتكي بطنه فوصف له الخمر فقال سبحان الله ما جعل الله في رجس شفاء إنما الشفاء في شيء من القرآن والعسل فهما شفاء لما في الصدور وشفاء للناس وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال إن الله جعل القرآن شفاء لما في الصدور ولم يجعله شفاء لأمراضكم وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إني أشتكي صدري فقال اقرأ القرآن يقول الله ) وشفاء لما في الصدور ( وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن واثلة بن الأسقع أن رجلا شكا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وجع حلقه قال عليك بقراءة القرآن والعسل فالقرآن شفاء لما في الصدور والعسل شفاء من كل داء وأخرج أبو داود والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي قال أقرأني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالتاء يعني الفوقية وقد روى نحو هذا من غير هذه الطريق وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) قل بفضل الله وبرحمته ( قال بفضل الله القرآن وبرحمته أن جعلكم من أهله وأخرج الطبراني في الأوسط عن البراء مثله من قوله وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس في الآية قال بكتاب الله وبالإسلام وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال فضله الإسلام ورحمته القرآن وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عنه أيضا قال بفضل الله القرآن وبرحمته حين جعلهم من أهله وقد روى عن جماعة من التابعين نحو هذه الروايات المتقدمة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس هو خير مما يجمعون من الأموال والحرث والأنعام


"""""" صفحة رقم 455 """"""
سورة يونس الآية ( 59 64 )
يونس : ( 59 ) قل أرأيتم ما . . . . .
أشار سبحانه بقوله ) قل أرأيتم ما أنزل الله ( الخ إلى طريق أخرى غير ما تقدم في إثبات النبوة وتقرير ذلك ما حاصله أنكم تحكمون بتحليل البعض وتحريم البعض فإن كان بمجرد التشهي والهوى فهو مهجور باتفاق العقلاء مسلمهم وكافرهم وإن كان لاعتقادكم أنه حكم الله فيكم وفيما رزقكم فلا تعرفون ذلك إلا بطريق موصلة إلى الله ولا طريق يتبين بها الحلال من الحرام إلا من جهة الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده ومعنى أرأيتم أخبروني و ) ما ( في محل نصب بأرأيتم المتضمن لمعنى أخبروني وقيل إن ) ما ( في محل الرفع بالابتداء وخبرها ) آلله أذن لكم ( و ) قل ( في قوله ) قل آلله أذن لكم ( تكرير للتأكيد والرابط محذوف ومجموع المبتدأ والخبر في محل نصب بأرأيتم والمعنى أخبروني الذي أنزل الله إليكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا آلله أذن لكم في تحليله وتحريمه ) أم على الله تفترون ( وعلى الوجهين فمن في منه حراما للتبعيض والتقدير فجعلتم بعضه حراما وجعلتم بعضه حلالا وذلك كما كانوا يفعلونه في الأنعام حسبما سبق حكاية ذلك عنهم في الكتاب العزيز ومعنى إنزال الرزق كون المطر ينزل من جهة العلو وكذلك يقضى الأمر في أرزاق العباد في السماء على ما قد ثبت في اللوح المحفوظ من ذكره سبحانه وتعالى لكل شئ فيه وروى عن الزجاج أن ) ما ( في موضع نصب بأنزل وأنزل بمعنى خلق كما قال ) وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ( ) وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ( وعلى هذا القول والقول الأول يكون قوله ) قل آلله أذن لكم ( مستأنفا قيل ويجوز أن تكون الهمزة في ) آلله أذن لكم ( للإنكار وأم منقطعة بمعنى بل أتفترون على الله وإظهار الإسم الشريف وتقديمه على الفعل للدلالة على كمال الافتراء وفي هذه الآية الشريفة ما يصك مسامع المتصدرين للإفتاء لعباد الله في شريعته بالتحليل والتحريم والجواز وعدمه مع كونهم من المقلدين الذين لا يعقلون حجج الله ولا يفهمونها ولا يدرون ما هى ومبلغهم من العلم الحكاية لقول قائل من هذه الأمة قد قلدوه في دينهم وجعلوه شارعا مستقلا ما عمل به من الكتاب والسنة فهو المعمول به عندهم وما لم يبلغه أو بلغه ولم يفهمه حق فهمه أو فهمه وأخطأ الصواب في اجتهاده وترجيحه فهو في حكم المنسوخ عندهم المرفوع حكمه عن العباد مع كون من قلدوه متعبدا بهذه الشريعة كما هم متعبدون بها ومحكوما عليه بأحكامها كما هو محكوم عليهم بها وقد اجتهد رأيه وأدى ما عليه وفاز بأجرين مع الإصابة وأجر مع الخطأ إنما الشأن في جعلهم لرأيه الذى أخطأ فيه شريعة مستقلة ودليلا معمولا به وقد أخطئوا في هذا خطأ بينا وغلطوا غلطا فاحشا فإن الترخيص للمجتهد في اجتهاد رأيه يخصه وحده ولا قائل من أهل الإسلام المعتد بأقوالهم أنه يجوز لغيره أن يعمل به تقليدا له واقتداء به وما جاء تقوم هذا الباطل فهو من الجهل العاطل اللهم كما


"""""" صفحة رقم 456 """"""
رزقتنا من العلم ما نميز به بين الحق والباطل فارزقنا من الإنصاف ما نظفر عنده بما هو الحق عندك يا واهب الخير
يونس : ( 60 ) وما ظن الذين . . . . .
ثم قال ) وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة ( أي أي شئ ظنهم في هذا اليوم وما يصنع بهم فيه وهذه الجملة الاستفهامية المتضمنة لتعظيم الوعيد لهم غير داخلة تحت القول الذى أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقوله لهم بل مبتدأة مسوقة لبيان ما سيحل بهم من عذاب الله و ) يوم القيامة ( منصوب بالظن وذكر الكذب بعد الافتراء مع أن الافتراء لا يكون إلا كذبا لزيادة التأكيد وقرأ عيسى بن عمر ) وما ظن ( على أنه فعل ) إن الله لذو فضل على الناس ( يتفضل عليهم بأنواع النعم في الدنيا والآخرة ) ولكن أكثرهم لا يشكرون ( الله على نعمه الواصلة إليهم منه سبحانه في كل وقت من الأوقات وطرفة من الطرفات
يونس : ( 61 ) وما تكون في . . . . .
قوله ) وما تكون في شأن ( الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وما نافية والشأن الأمر بمعنى القصد وأصله الهمز وجمعه شؤون قال الأخفش تقول العرب ما شأنت شأنه أي ما عملت عمله ) وما تتلو منه من قرآن ( قال الفراء والزجاج الضمير في منه يعود على الشأن والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف أي تلاوة كائنة منه إذ التلاوة للقرآن من أعظم شؤونه ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى أنه يتلو من أجل الشأن الذى حدث القرآن فيعلم كيف حكمه أو يتلو القرآن الذى ينزل في ذلك الشأن وقال ابن جرير الطبري الضمير عائد في منه إلى الكتاب أي ما يكون من كتاب الله من قرآن وأعاده تفخيما له كقوله ) إني أنا الله ( والخطاب في ) ولا تعملون من عمل ( لرسول الله وللأمة وقيل الخطاب لكفار قريش ) إلا كنا عليكم شهودا ( استثناء مفرغ من أعم الأحوال للمخاطبين أي شهودا عليكم بعمله منكم والضمير في فيه من قوله ) تفيضون فيه ( عائد على العمل يقال أفاض فلان في الحديث والعمل إذا اندفع فيه وقال الضحاك الضمير في فيه عائد على القرآن والمعنى إذ تشيعون في القرآن الكذب قوله ) وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ( قرأ الكسائي ) يعزب ( بكسر الزاي وقرأ الباقون بالضم وهما لغتان فصيحتان ومعنى يعزب يغيب وقيل يبعد
وقال ابن كيسان يذهب وهذه المعاني متقاربة ومن في ) من مثقال ( زائدة للتأكيد أي وما يغيب عن ربك وزن ذرة أي نملة حمراء وعبر بالأرض والسماء مع أنه سبحانه لا يغيب عنه شيء لا فيهما ولا فيما هو خارج عنهما لأن الناس لا يشاهدون سواهما وسوى ما فيهما من المخلوقات وقدم الأرض على السماء لأنها محل استقرار العالم فهم يشاهدون ما فيها من قرب والواو في ) ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ( للعطف على لفظ مثقال وانتصبا لكونهما ممتنعين ويجوز أن يكون العطف على ذرة وقيل انتصابهما بلا التى لنفي الجنس والواو للاستئناف وليس من متعلقات وما يعزب وخبر لا ) إلا في كتاب ( والمعنى ولا أصغر من مثقال الذرة ولا أكبر منه إلا وهو في كتاب مبين فكيف يغيب عنه وقرأ يعقوب وحمزة برفع أصغر وأكبر ووجه ذلك أنه معطوف على محل من مثقال ومحله الرفع وقد أورد على توجيه النصب والرفع على العطف على لفظ مثقال ومحله أو على لفظ ذرة إشكال وهو أنه يصير تقدير الآية لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء إلا في كتاب ويلزم منه أن يكون ذلك الشيء الذى في الكتاب خارجا عن علم الله وهو محال وقد أجيب عن هذا الإشكال بأن الأشياء المخلوقة قسمان قسم أوجده الله ابتداء من غير واسطة كخلق الملائكة والسموات والأرض وقسم آخر أوجده بواسطة القسم الأول من حوادث عالم الكون والفساد ولا شك أن هذا القسم الثاني متباعد في سلسلة العلية عن مرتبة الأول فالمراد من الآية أنه لا يبعد عن مرتبة وجوده سبحانه شيء في الأرض ولا في السماء إلا وهو في كتاب مبين أثبت فيه صورة تلك المعلومات والغرض الرد على من يزعم أنه غير عالم بالجزئيات وأجيب أيضا بأن


"""""" صفحة رقم 457 """"""
الاستثناء منقطع أي لكن هو في كتاب مبين وذكر أبو على الجرجاني أن إلا بمعنى الواو على أن الكلام قد تم عند قوله ) ولا أكبر ( ثم وقع الابتداء بقوله ) إلا في كتاب مبين ( أي وهو أيضا في كتاب مبين والعرب قد تضع إلا موضع الواو ومنه قوله تعالى ) إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ( يعنى ومن ظلم وقوله ) لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا ( أي والذين ظلموا وقدر هو بعد الواو التى جاءت إلا بمعناها كما في قوله ) وقولوا حطة ( أي هى حطة ومثله ) ولا تقولوا ثلاثة ( ) وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ( وقال الزجاج إن الرفع على الابتداء في قراءة من قرأ بالرفع وخبره ) إلا في كتاب ( واختاره صاحب الكشاف واختار في قراءة النصب التى قرأ بها الجمهور أنهما منصوبان بلا التى لنفي الجنس واستشكل العطف بنحو ما قدمنا
يونس : ( 62 ) ألا إن أولياء . . . . .
ثم لما بين سبحانه إحاطته بجميع الأشياء وكان في ذلك تقوية لقلوب المطيعين وكسر لقلوب العاصين ذكر حال المطيعين فقال ) ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( الولي في اللغة القريب والمراد بأولياء الله خلص المؤمنين كأنهم قربوا من الله سبحانه بطاعته واجتناب معصيته
يونس : ( 63 ) الذين آمنوا وكانوا . . . . .
وقد فسر سبحانه هؤلاء الأولياء بقوله ) الذين آمنوا وكانوا يتقون ( أي يؤمنون يما يجب الإيمان به ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من معاصي الله سبحانه والمراد بنفي الخوف عنهم أنهم لا يخافون أبدا كما يخاف غيرهم لأنهم قد قاموا بما أوجب الله عليهم وانتهوا عن المعاصي التى نهاهم عنها فهم على ثقة من أنفسهم وحسن ظن بربهم وكذلك لا يحزنون على فوت مطلب من المطالب لأنهم يعلمون أن لك بقضاء الله وقدره فيسلمون للقضاء والقدر ويريحون قلوبهم عن الهم والكدر فصدورهم منشرحة وجوارحهم نشطة وقلوبهم مسرورة ومحل الموصول النصب على أنه بدل من أولياء أو الرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف أو هو مبتدأ وخبره لهم البشرى فيكون غير متصل بما قبله أو النصب أيضا على المدح أو على أنه وصف لأولياء
يونس : ( 64 ) لهم البشرى في . . . . .
قوله ) لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ( تفسير لمعنى كونهم أولياء الله أي لهم البشرى من الله ما داموا في الحياة بما يوحيه إلي أنبيائه وينزله في كتبه من كون حال المؤمنين عنده هو إدخالهم الجنة ورضوانه عنهم كما وقع كثير من البشارات للمؤمنين في القرآن الكريم وكذلك ما يحصل لهم من الرؤيا الصالحة وما يتفضل الله به عليهم من إجابة دعائهم وما يشاهدونه من التبشير لهم عند حضور آجالهم بتنزل الملائكة عليهم قائلين لهم لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة وأما البشرى في الآخرة فتلقى الملائكة لهم مبشرين بالفوز بالنعيم والسلامة من العذاب
والبشرى مصدر أريد به المبشر به والظرفان في محل نصب على الحال أي حال كونهم في الدنيا وحال كونهم في الآخرة ومعنى ) لا تبديل لكلمات الله ( لا تغيير لأقواله على العموم فيدخل فيها ما وعد به عباده الصالحين دخولا أوليا والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى المذكور قبله من كونهم مبشرين بالبشارتين في الدارين ) هو الفوز العظيم ( الذى لا يقادر قدره ولا يماثله غيره والجملتان أعني ) لا تبديل لكلمات الله ( و ) ذلك هو الفوز العظيم ( اعتراض في آخر الكلام عند من يجوزه وفائدتهما تحقيق المبشر به وتعظيم شأنه أو الأولى اعتراضية والثانية تذييلية
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق ( قال هم أهل الشرك كانوا يحلون من الأنعام والحرث ما شاءوا ويحرمون ما شاءوا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) إذ تفيضون فيه ( قال إذ تفعلون وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وما يعزب عن ربك ( قال لا يغيب عنه


"""""" صفحة رقم 458 """"""
وزن ذرة ) ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ( قال هو الكتاب الذى عند الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) ألا إن أولياء الله ( قيل من هم يارب قال هم الذين آمنوا وكانوا يتقون وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال هم الذين إذا رؤوا ذكر الله وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا قال هم الذين إذا رؤوا يذكر الله لرؤيتهم
وأخرج عنه ابن المبارك والحكيم والترمذي في نوادر الأصول والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه مرفوعا مثله وأخرجه ابن المبارك وابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعيد بن جبير مرفوعا وهو مرسل وروى نحوه من طرق أخرى مرفوعا وموقوفا وأخرج أحمد والحكيم الترمذي عن عمرو بن الجموح أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول لا يحق العبد حق صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله فإذا أحب لله وأبغض لله فقد استحق الولاء من الله وإن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله وشرار عباده المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون البرآء العنت وأخرج الحكيم الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خياركم من ذكركم الله رؤيته وزاد في علمكم منطقه ورغبكم في الآخرة عمله وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس مرفوعا نحوه وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر مرفوعا إن لله عبادا ليسوا بالأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء يوم القيامة بقربهم ومجلسهم منه فجثا أعرابي على ركبتيه فقال يا رسول الله صفهم لنا حلهم لنا قال قوم من أفناء الناس من نزاع القبائل تصافوا في الله وتحابوا في الله يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم يخاف الناس ولا يخافون هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأخرج أبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحوه قال ابن كثير وإسناده جيد وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي مالك الأشعري مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن قول الله ) ألا إن أولياء الله ( الآية فقال الذين يتحابون في الله وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعا مثله وقد ورد في فضل المتحابين في الله أحاديث ليس فيها أنهم المرادون بالآية وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والحكيم في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر قال سألت أبا الدرداء عن معنى قوله ) لهم البشرى في الحياة الدنيا ( فقال ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت علي هى الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له فهي بشراه في الحياة الدنيا وبشراه في الآخرة الجنة وفي إسناده هذا الرجل المجهول وأخرج أبو داود الطيالسي وأحمد والدارمي والترمذي وابن ماجه والحكيم والترمذي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قوله ) لهم البشرى في الحياة الدنيا ( قال هى الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له وأخرج أحمد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 459 """"""
في قوله ) لهم البشرى في الحياة الدنيا ( قال الرؤيا الصالحة يبشر بها المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة فمن رأى ذلك فليخبر بها الحديث وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الآية قال هى في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو ترى له وفي الآخرة الجنة
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ وابن مردويه وابن منده من طريق أبي جعفر عن جابر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسر البشرى في الحياة الدنيا بالرؤيا الحبيبة وفي الآخرة ببشارة المؤمن عند الموت إن الله قد غفر لك ولمن حملك إلى قبرك وأخرج ابن مردويه عنه مرفوعا مثل حديث جابر وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعا الشطر الأول من حديث جابر وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عباس مثله وقد وردت أحاديث صحيحة بأن الرؤيا الصالحة من المبشرات وأنها جزء من أجزاء النبوة ولكنها لم تقيد بتفسير هذه الآية وقد روى أن المراد بالبشرى في الآية هى قوله ) وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ( أخرج ذلك ابن جرير وابن المنذر من طريق علي بين أبي طلحة عن ابن عباس وأخرج ابن المنذر عنه من طريق مقسم أنها قوله ) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ( وأخرج ابن جرير والحاكم والبيهقي عن نافع قال خطب الحجاج فقال إن ابن الزبير بدل كتاب الله فقال ابن عمر لا تستطيع ذلك أنت ولا ابن الزبير لا تبديل لكلمات الله
سورة يونس الآية ( 65 70 )
يونس : ( 65 ) ولا يحزنك قولهم . . . . .
قوله ) ولا يحزنك قولهم ( نهى للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الحزن من قول الكفار المتضمن للطعن عليه وتكذيبه والقدح في دينه والمقصود التسلية له والتبشير ثم استأنف سبحانه الكلام مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) معللا لما ذكره من النهي لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) إن العزة لله جميعا ( أي الغلبة والقهر له في مملكته وسلطانه ليست لأحد من عباده وإذا كان ذلك كله له فكيف يقدرون عليك حتى تحزن لأقوالهم الكاذبة وهم لا يملكون من الغلبة شيئا وقرئ ) يحزنك ( من أحزنه وقرئ ) إن العزة ( بفتح الهمزة على معنى لأن العزة لله ولا ينافي ما في هذه الآية من جعل العزة جميعها لله تعالى قوله سبحانه ) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( لأن كل عزة بالله فهي كلها لله ومنه قوله ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( ) إنا لننصر رسلنا )
يونس : ( 66 ) ألا إن لله . . . . .
) ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض ( ومن جملتهم هؤلاء المشركون المعاصرون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وإذا كانوا


"""""" صفحة رقم 460 """"""
في ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء فكيف يستطيعون أن يؤذوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بما لا يأذن الله به وغلب العقلاء على غيرهم لكونهم أشرف وفي الآية نعي على عباد الشر والملائكة والجمادات لأنهم عبدوا المملوك وتركوا المالك وذلك مخالف لما يوجبه العقل ولهذا عقبه بقوله ) وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ( والمعنى أنهم وإن سموا معبوداتهم شركاء لله فليست شركاء له على الحقيقة لأن ذلك محال ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( وما في وما يتبع نافية وشركاء مفعول يتبع وعلى هذا يكون مفعول يدعون محذوفا والأصل وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء في الحقيقة إنما هى أسماء لا مسميات لها فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه ويجوز أن يكون المذكور مفعول يدعون وحذف مفعول يتبع لدلالة المذكور عليه ويجوز أن تكون استفهامية بمعنى أي شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ويكون على هذا الوجه شركاء منصوبا بيدعون والكلام خارج مخرج التوبيخ لهم والإزراء عليهم ويجوز أن تكون ما موصولة معطوفة على من في السموات أي لله من في السموات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء والمعنى أن الله مالك لمعبوداتهم لكونها من جملة من في السموات ومن في والأرض ثم زاد سبحانه في تأكيد الرد عليهم والدفع لأقوالهم فقال ) إن يتبعون إلا الظن ( أي ما يتبعون يقينا إنما يتبعون ظنا والظن لا يغني من الحق شيئا ) إن هم إلا يخرصون ( أي يقدرون أنهم شركاء تقديرا باطلا وكذبا بحتا وقد تقدمت هذه الآية في الأنعام
يونس : ( 67 ) هو الذي جعل . . . . .
ثم ذكر سبحانه طرفا من آثار قدرته مع الامتنان على عباده ببعض نعمه فقال ) هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ( أي جعل لعباده الزمان منقسما إلى قسمين أحدهما مظلم وهو الليل لأجل يسكن العباد فيه عن الحركة والتعب ويريحون أنفسهم عن الكد والكسب والآخر مبصر لأجل يسعون فيه بما يعود على نفعهم وتوفير معايشهم ويحصلون ما يحتاجون إليه في وقت مضيء منير لا يخفى عليهم فيه كبير ولا حقير وجعله سبحانه للنهار مبصرا مجاز والمعنى أنه مبصر صاحبه كقولهم نهاره صائم والإشارة بقوله ) إن في ذلك ( إلى الجعل المذكور ) لآيات ( عجيبة كثيرة ) لقوم يسمعون ( أي يسمعون ما يتلى عليهم من الآيات التنزيلية المنبهة على الآيات التكوينية مما ذكره الله سبحانه هاهنا منها ومن غيرها مما لم يذكره فعند السماع منهم لذلك يتفكرون ويعتبرون
فيكون ذلك من أعظم أسباب الإيمان
يونس : ( 68 ) قالوا اتخذ الله . . . . .
قوله ) قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني ( هذا نوع آخر من أباطيل المشركين التى كانوا يتكلمون فيها وهو زعمهم بأن الله سبحانه اتخذ ولدا فرد ذلك عليهم بقوله ) سبحانه هو الغني ( فنزه جل وعلا عما نسبوه إليه من هذا الباطل البين وبين أنه غني عن ذلك وأن الولد إنما يطلب للحاجة
والغني المطلق لا حاجة له حتى يكون له ولد يقضيها وإذا انتفت الحاجة انتفى الولد وأيضا إنما يحتاج إلى الولد من يكون بصدد الانقراض ليقوم الولد مقامه والأزلي القديم لا يفتقر إلى ذلك وقد تقدم تفسير الآية في البقرة
ثم بالغ في الرد عليهم بما هو كالبرهان فقال ) له ما في السماوات وما في الأرض ( وإذا كان الكل له وفي ملكه فلا يصح أن يكون شيء مما فيهما ولدا له للمنافاة بين الملك والبنوة والأبوة ثم زيف دعواهم الباطلة وبين أنها بلا دليل فقال ) إن عندكم من سلطان بهذا ( أي ما عندكم من حجة وبرهان بهذا القول الذى تم لونه و ) من ( في ) من سلطان ( زائدة للتأكيد والجار والمجرور في ) بهذا ( متعلق إما بسلطان لأنه بمعنى الحجة والبرهان أو متعلق بما عندكم لما فيه من معنى الاستقرار ثم وبخهم على هذا القول العاطل على الدليل الباطل عند العقلاء فقال ) أتقولون على الله ما لا تعلمون ( ويستفاد من هذا أن كل قول لا دليل عليه ليس هو من العلم من شيء بل من الجهل المحض
يونس : ( 69 ) قل إن الذين . . . . .
ثم أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم قولا يدل على أن ما قالوه كذب وأن من كذب على الله


"""""" صفحة رقم 461 """"""
لا يفلح فقال ) قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ( أي كل مفتر هذا شأنه ويدخل فيه هؤلاء دخولا أوليا وذكر الكذب مع الافتراء للتأكيد كما سبق في مواضع من الكتاب العزيز والمعنى أن هؤلاء الذين يكذبون على ربهم لا يفوزون بمطلب من المطالب
يونس : ( 70 ) متاع في الدنيا . . . . .
ثم بين سبحانه أن هذا الافتراء وإن فاز صاحبه بشيء من المطالب العاجلة فهو متاع قليل في الدنيا ثم يتعقبه الموت والرجوع إلى الله فيعذب المفتري عذابا مؤبدا فيكون متاع خبر مبتدأ محذوف والجملة مستأنفة لبيان أن ما يحصل للمفتري بافترائه ليس بفائدة يعتد بها بل هو متاع يسير في الدنيا يتعقبه العذاب الشديد بسبب الكفر الحاصل بأسباب من جملتها الكذب على الله وقال الأخفش إن التقدير لهم متاع في الدنيا فيكون المحذوف على هذا هو الخبر وقال الكسائي التقدير ذلك متاع أو هو متاع فيكون المحذوف على هذا المبتدأ
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال في قوله تعالى ) ولا يحزنك ( لما لم ينتفعوا بما جاءهم من الله وأقاموا على كفرهم كبر ذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجاءه من الله فيما يعاتبه ) ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم ( يسمع ما يقولون ويعلمه فلو شاء بعزته لانتصر منهم وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) والنهار مبصرا ( قال منيرا وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله ) إن عندكم من سلطان بهذا ( يقول ما عندكم من سلطان بهذا
سورة يونس الآية ( 71 74 )
يونس : ( 71 ) واتل عليهم نبأ . . . . .
لما بلغ سبحانه في تقرير البراهين الواضحة ودفع الشبهة المنهارة شرع في ذكر قصص الأنبياء لما في ذلك من التسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) واتل عليهم ( أي على الكفار المعاصرين لك المعارضين لما جئت به بأقوالهم الباطلة ) نبأ نوح ( أي خبره والنبأ هو الخبر الذى له خطر وشأن والمراد ما جرى له مع قومه الذين كفروا بما جاء به كما فعله كفار قريش وأمثالهم ) إذ قال لقومه ( أي وقت قال لقومه والظرف منصوب بنبأ أو بدل منه بدل اشتمال واللام في ) لقومه ( لام التبليغ ) يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي ( أي عظم وثقل والمقام بفتح الميم الموضع الذى يقام فيه وبالضم الإقامة وقد اتفق القراء على الفتح وكنى بالمقام عن نفسه كما يقال فعلته لمكان فلان أي لأجله ومنه ) ولمن خاف مقام ربه ( أي خاف ربه ويجوز أن يراد بالمقام المكث


"""""" صفحة رقم 462 """"""
أي شق عليكم مكثي بين أظهركم ويجوز أن يراد بالمقام القيام لأن الواعظ يقوم حال وعظه والمعنى ان كان كبر عليكم قيامي بالوعظ في مواطن اجتماعكم وكبر عليكم تذكيري لكم ) بآيات الله ( التكوينية والتنزيلية ) فعلى الله توكلت ( هذه الجملة جواب الشرط والمعنى إني لا أقابل ذلك منكم إلا بالتوكل على الله فإن ذلك دأبي الذى أنا عليه قديما وحديثا ويجوز أن يريد إحداث مرتبة مخصوصة عن مراتب التوكل ويجوز أن يكون جواب الشرط ) فأجمعوا ( وجملة ) فعلى الله توكلت ( اعتراض كقولك إن كنت أنكرت علي شيئا فالله حسبي
ومعنى ) فأجمعوا أمركم ( اعتزموا عليه من أجمع الأمر إذا نواه وعزم عليه قاله الفراء وروى عن الفراء أنه قال أجمع الشيء أعده وقال مؤرج السدوسي أجمع الأمر أفصح من أجمع عليه وأنشد يا ليت شعري والمنى لا تنفع
هل أغدون يوما وأمري مجمع
وقال أبو الهيثم أجمع أمره جعله جميعا بعد ما كان متفرقا وتفرقه أن تقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا فلما عزم على أمر واحد فقد جمعه أي جعله جميعا فهذا هو الأصل في الإجماع ثم صار بمعنى العزم
وقد اتفق جمهور القراء على نصب ) شركاءكم ( وقطع الهمزة من أجمعوا وقرأ يعقوب وعاصم الجحدري بهمزة وصل في أجمعوا على أنه من جمع يجمع جمعا وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق ويعقوب ) وشركاؤكم ( بالرفع قال النحاس وفي نصب الشركاء على قراءة الجمهور ثلاثة أوجه الأول بمعنى وادعوا شركاءكم قاله الكسائي والفراء أي ادعوهم لنصرتكم فهو على هذا منصوب بفعل مضمر وقال محمد بن يزيد المبرد هو معطوف على المعنى كما قال الشاعر يا ليت زوجك في الوغى
متقلدا سيفا ورمحا
والرمح لا يتقلد به لكنه محمول كالسيف وقال الزجاج المعنى مع شركائكم فالواو على هذا واو مع
وأما على قراءة اجمعوا بهمزة وصل فالعطف ظاهر أي اجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم وأما توجيه قراءة الرفع فعلى عطف الشركاء على الضمير المرفوع في أجمعوا وحسن هذا العطف مع عدم التأكيد بمنفصل كما هو المعتبر في ذلك أن الكلام قد طال قال النحاس وغيره وهذه القراءة بعيده لأنه لو كان شركاءكم مرفوعا لرسم في المصحف بالواو وليس ذلك موجودا فيه قال المهدوي ويجوز أن يرتفع الشركاء بالابتداء والخبر محذوف أي وشركاؤكم ليجمعوا أمرهم ونسبة ذلك إلى الشركاء مع كون الأصنام لا تعقل لقصد التوبيخ والتقريع لمن عبدها وروى عن أبي أنه قرأ وادعوا شركاءكم بإظهار الفعل قوله ) ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ( الغمة التغطية من قولهم غم الهلال إذا استتر أي ليكن أمركم ظاهرا منكشفا قال طرفة لعمرك ما أمري علي بغمة
نهاري ولا ليلى علي بسرمد
هكذا قال الزجاج وقال الهيثم معناه لا يكن أمركم عليكم مبهما وقيل إن الغمة ضيق الأمر كذا روى عن أبي عبيدة والمعنى لا يكن أمركم عليكم بمصاحبتي والمجاملة لي ضيقا شديدا بل ادفعوا هذا الضيق والشدة بما شئتم وقدرتم عليه وعلى الوجهين الأولين يكون المراد بالأمر الثاني هو الأمر الأول وعلى الثالث يكون المراد به غيره قوله ) ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ( أي ذلك الأمر الذى تريدونه بي وأصل اقضوا من القضاء وهو الإحكام والمعنى أحكموا ذلك الأمر قال الأخفش والكسائي هو مثل ) وقضينا إليه ذلك الأمر ( أي أنهيناه إليه وأبلغناه إياه ثم لا تنظرون أي لا تمهلون بل عجلوا أمركم واصنعوا ما بدا لكم وقيل معناه ثم امضوا


"""""" صفحة رقم 463 """"""
إلي ولا تؤخرون قال النحاس هذا قول صحيح في اللغة ومنه قضى الميت مضى وحكى الفراء عن بعض القراء أنه قرأ ثم ? أفضوا ? بالفاء وقطع الهمزة أي توجهوا وفي هذا الكلام من نوح عليه السلام ما يدل على وثوقه بنصر ربه وعدم مبالاته بما يتوعده به قومه
يونس : ( 72 ) فإن توليتم فما . . . . .
ثم بين لهم أن كل ما أتى به إليهم من الإعذار والإنذار وتبليغ الشريعة عن الله ليس هو لطمع دنيوي ولا لغرض خسيس فقال ) فإن توليتم فما سألتكم من أجر ( أي إن أعرضتم عن العمل بنصحي لكم وتذكيري إياكم فما سألتكم في مقابلة ذلك من أجر تؤدونه إلي حتى تتهموني فيما جئت به والفاء في ) فإن توليتم ( لترتيب ما بعدها على ما قبلها والفاء في ) فما سألتكم ( جزائية ) إن أجري إلا على الله ( أي ما ثوابي في النصح والتذكير إلا عليه سبحانه فهو يثيبني آمنتم أو توليتم قرأ أهل المدينة وأبو عمر وابن عامر وحفص بتحريك الياء من أجري وقرأ الباقون بالسكون ) وأمرت أن أكون من المسلمين ( المنقادين لحكم الله الذين يجعلون أعمالهم خالصة لله سبحانه لا يأخذون عليها أجرا ولا يطمعون في عاجل
يونس : ( 73 ) فكذبوه فنجيناه ومن . . . . .
قوله ) فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك ( أي استمروا على تكذيبه وأصروا على ذلك وليس المراد أنهم أحدثوا تكذيبه بعد أن لم يكن والمراد بمن معه من قد أجابه وصار على دينه والخلائف جمع خليفة والمعنى أنه سبحانه جعلهم خلفاء يسكنون الأرض التى كانت للمهلكين بالغرق ويخلفونهم فيها ) وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ( من الكفار المعاندين لنوح الذين لم يؤمنوا به أغرقهم الله بالطوفان ) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ( فيه تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتهديد للمشركين وتهويل عليهم
يونس : ( 74 ) ثم بعثنا من . . . . .
) ثم بعثنا من بعده ( أي من بعد نوح ) رسلا ( كهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب ) فجاؤوهم بالبينات ( أي بالمعجزات وبما أرسلهم الله به من الشرائع التى شرعها الله لقوم كل نبي ) فما كانوا ليؤمنوا ( أي فما أحدثوا الإيمان بل استمروا على الكفر وأصروا عليه والمعنى أنه ما صح ولا استقام لقوم من أولئك الأقوام الذين أرسل الله إليهم رسله أن يؤمنوا في وقت من الأوقات ) بما كذبوا به من قبل ( أي من قبل تكذيبهم الواقع منهم عند مجيء الرسل إليهم والمعنى أن كل قوم من العالم لم يؤمنوا عند أن أرسل الله إليهم الرسول المبعوث إليهم على الخصوص بما كانوا مكذبين به من قبل مجيئه إليهم لأنهم كانوا غير مؤمنين بل مكذبين بالدين ولو كانوا مؤمنين لم يبعث إليهم رسولا وهذا مبني على أن الضمير في ) فما كانوا ليؤمنوا ( وفي ) بما كذبوا ( راجع إلى القوم المذكورين في قوله ) إلى قومهم ( وقيل ضمير كذبوا راجع إلى قوم نوح أي فما كان قوم الرسل ليؤمنوا بما كذب به قوم نوح من قبل أن يأتي هؤلاء الأقوام الذين جاءوا من بعدهم ) وجاءتهم رسلهم بالبينات ( وقيل إن الباء في بما كذبوا به من قبل للسببية أي فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بسبب ما اعتادوه من تكذيب الحق من قبل مجيئهم وفيه نظر وفيل المعنى بما كذبوا به من قبل أي في عالم الذر فإن فيهم من كذب بقلبه وإن آمنوا ظاهرا قال النحاس ومن أحسن ما قيل إنه لقوم بأعيانهم ) كذلك نطبع على قلوب المعتدين ( أي مثل ذلك الطبع العظيم نطبع على قلوب المتجاوزين للحد المعهود في الكفر وقد تقدم تفسير هذا في غير موضع
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الأعرج في قوله ) فأجمعوا أمركم وشركاءكم ( يقول فأحكموا أمركم وادعوا شركاءكم وأخرج أيضا عن الحسن في الآية أي فليجمعوا أمرهم معكم وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ( قال لا يكبر عليكم أمركم ) ثم اقضوا ( ما أنتم قاضون وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ثم اقضوا ( قال انهضوا ) إلي ولا تنظرون ( يقول ولا تؤخرون


"""""" صفحة رقم 464 """"""
سورة يونس الآية ( 75 87 )
يونس : ( 75 ) ثم بعثنا من . . . . .
قوله ) ثم بعثنا من بعدهم ( معطوف على قوله ) ثم بعثنا من بعده رسلا ( والضمير في من بعدهم راجع إلى الرسل المتقدم ذكرهم وخص موسى وهارون بالذكر مع دخولهما تحت الرسل لمزيد شرفهما وخطر شأن ما جرى بينهما وبين فرعون والمراد بالملأ الأشراف والمراد بالآيات المعجزات وهى التسع المذكورة في الكتاب العزيز ) فاستكبروا ( عن قبولها ولم يتواضعوا لها ويذعنوا لما اشتملت عليه من المعجزات الموجبة لتصديق ما جاء بها ) وكانوا قوما مجرمين ( أي كانوا ذوى إجرام عظام وآثام كبيرة فبسبب ذلك اجترءوا على ردها لأن الذنوب تحول بين صاحبها وبين إدراك الحق وإبصار الصواب قيل وهذه الجملة معترضة مقررة لمضمون ما قبلها
يونس : ( 76 ) فلما جاءهم الحق . . . . .
قوله ) فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين ( أي فلما جاء فرعون وملأه الحق من عند الله وهو المعجزات لم يؤمنوا بها بل حملوها على السحر مكابرة منهم
يونس : ( 77 ) قال موسى أتقولون . . . . .
فرد عليهم موسى قائلا ) أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ( قيل في الكلام حذف والتقدير أتقولون للحق سحر فلا تقولوا ذلك ثم استأنف إنكارا آخر من جهة نفسه فقال ) أسحر هذا ( فحذف قولهم الأول اكتفاء بالثاني والمجيء إلى هذا أنهم لم يستفهموه عن السحر حتى يحكى ما قالوه بقوله ) أسحر هذا ( بل هم قاطعون بأنه سحر لأنهم قالوا ) إن هذا لسحر مبين ( فحينئذ لا يكون قوله


"""""" صفحة رقم 465 """"""
) أسحر هذا ( من قولهم وقال الأخفش هو من قولهم وفيه نظر لما قدمنا وقيل معنى ) أتقولون ( أتعيبون الحق وتطعنون فيه وكان عليكم أن تذعنوا له ثم قال أسحر هذا منكرا لما قالوه وقيل إن مفعول ) أتقولون ( محذوف وهو ما دل عليه قولهم ) إن هذا لسحر ( والتقدير أتقولون ما تقولون يعني قولهم إن هذا لسحر مبين ثم قيل أسحر هذا وعلى هذا التقدير والتقدير الأول فتكون جملة ) أسحر هذا ( مستأنفة من جهة موسى عليه السلام والاستفهام للتقريع والتوبيخ بعد الجملة الأولى المستأنفة الواقعة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ماذا قال لهم موسى لما قالوا إن هذا لسحر مبين فقيل قال أتقولون للحق لما جاءكم على طريقة الاستفهام الإنكاري والمعنى أتقولون للحق لما جاءكم إن هذا لسحر مبين وهو أبعد شئ من السحر ثم أنكر عليهم وقرعهم ووبخهم فقال ) أسحر هذا ( فجاء موسى عليه السلام بإنكار بعد إنكار وتوبيخ بعد توبيخ وتجهيل بعد تجهيل وجملة ) ولا يفلح الساحرون ( في محل نصب على الحال أي أتقولون للحق إنه سحر والحال أنه لا يفلح الساحرون فلا يظفرون بمطلوب ولا يفوزون بخير ولا ينجون من مكروه فكيف يقع في هذا من هو مرسل من عند الله وقد أيده بالمعجزات والبراهين الواضحة
يونس : ( 78 ) قالوا أجئتنا لتلفتنا . . . . .
وجملة ) قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالوا بعد أن قال لهم موسى ما قال وفي هذا ما يدل على أنهم انقطعوا عن الدليل وعجزوا عن إبراز الحجة ولم يجحدوا ما يجيبون به عما أورده عليهم بل لجئوا إلى ما يلجأ إليه أهل الجهل والبلادة وهو الاحتجاج بما كان عليه آباؤهم من الكفر وضموا إلى ذلك ما هو غرضهم وغاية مطلبهم وسبب مكابرتهم للحق وجحودهم للآيات البينة وهو الرياسة الدنيوية التى خافوا عليها وظنوا أنها ستذهب عنهم إن آمنوا وكم بقى على الباطل وهو يعلم أنه باطل بهذه الذريعة من طوائف هذا العالم في سابق الدهر ولاحقه فمنهم من حبسه ذلك عن الخروج من الكفر ومنهم من حبسه عن الخروج إلى السنة من البدعة وإلى الرواية الصحيحة من الرأي البحث يقال لفته لفتا إذا صرفه عن الشيء ولواه عنه ومنه قول الشاعر تلفت نحو الحي حتى رأيتني
وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا
أي تريد أن تصرفنا عن الشيء الذى وجدنا عليه آباءنا وهو عبادة الأصنام والمراد بالكبرياء الملك قال الزجاج سمى الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا وقيل سمى بذلك لأن الملك يتكبر
والحاصل أنهم عللوا عدم قبولهم دعوة موسى بأمرين التمسك بالتقليد للآباء والحرص على الرياسة الدنيوية لأنهم إذا أجابوا النبي وصدقوه صارت مقاليد أمر أمته إليه ولم يبق للملك رئاسة تامة لأن التدبير للناس بالدين يرفع تدبير الملوك لهم بالسياسات والعادات ثم قالوا ) وما نحن لكما بمؤمنين ( تصريحا منهم بالتكذيب وقطعا للطمع في إيمانهم وقد أفرد الخطاب لموسى في قولهم أجئتنا لتلفتنا ثم جمعوا بينه وبين هارون في الخطاب في قولهم ) وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين ( ووجه ذلك أنهم أسندوا المجيء والصرف عن طريق آبائهم إلى موسى لكونه المقصود بالرسالة المبلغ عن الله ما شرعه لهم وجمعوا بينهما في الضميرين الآخرين لأن الكبرياء شامل لهما في زعمهم ولكون ترك الإيمان بموسى يستلزم ترك الإيمان بهارون وقد مرت القصة في الأعراف
يونس : ( 79 ) وقال فرعون ائتوني . . . . .
قوله ) وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ( قال هكذا لما رأى اليد البيضاء والعصا لأنه اعتقد أنهما من السحر فأمر قومه بأن يأتوه بكل ساحر عليم هكذا قرأ حمزة والكسائي وابن وثاب والأعمش سحار وقرأ الباقون ساحر وقد تقدم الكلام على هذا في الأعراف والسحار صيغة مبالغة أي كثير السحر كثير العلم بعمله وأنواعه
يونس : ( 80 ) فلما جاء السحرة . . . . .
) فلما جاء السحرة (


"""""" صفحة رقم 466 """"""
في الكلام حذف والتقدير هكذا وقال فرعون ائتوني بكل سحار عليم فأتوا بهم إليه فلما جاء السحرة فتكون الفاء للعطف على المقدر المحذوف قوله ) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ( أي قال لهم هذه المقالة بعد أن قالوا له إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقون أي اطرحوا على الأرض ما معكم من حبالكم وعصيكم
يونس : ( 81 ) فلما ألقوا قال . . . . .
) فلما ألقوا ( ما ألقوه من ذلك ) قال ( لهم ) موسى ما جئتم به السحر ( أي الذى جئتم به السحر على أن ما موصولة مبتدأ والخبر السحر والمعنى أنه سحر لا أنه آية من آيات الله وأجاز الفراء نصب السحر بجئتم وتكون ما شرطية والشرط جئتم والجزاء ) إن الله سيبطله ( على تقدير الفاء أي فإن الله سيبطله وقيل إن السحر منتصب على المصدر أي ما جئتم به سحرا ثم دخلت الألف واللام فلا يحتاج على هذا إلى حذف الفاء واختاره النحاس وقال حذف الفاء في المجازاة لا يجيزه كثير من الحويين إلا في ضرورة الشعر وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر آلسحر على أن الهمزة للاستفهام والتقدير أهو السحر فتكون ما على هذه القراءة استفهامية وقرأ أبي ? ما أتيتم به سحر إن الله سيبطله ? أي سيمحقه فيصير باطلا بما يظهره على يدي من الآيات المعجزة ) إن الله لا يصلح عمل المفسدين ( أي عمل هذا الجنس فيشمل كل من يصدق عليه أنه مفسد ويدخل فيه السحر والسحرة دخولا أوليا
يونس : ( 82 ) ويحق الله الحق . . . . .
والواو في ) ويحق الله الحق ( للعطف على سيبطله أي يبينه ويوضحه ) بكلماته ( التى أنزلها في كتبه على أنبيائه لاشتمالها على الحجج والبراهين ) ولو كره المجرمون ( من آل فرعون أو المجرمون على العموم ويدخل تحتهم آل فرعون دخولا أوليا والإجرام الآثام
يونس : ( 83 ) فما آمن لموسى . . . . .
قوله ) فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه ( الضمير يرجع إلى موسى أي من قوم موسى وهم طائفة من ذراري بني إسرائيل وقيل المراد طائفة من ذراري فرعون فيكون الضمير عائدا على فرعون قيل ومنهم مؤمن آل فرعون وامرأته وماشطة ابنته وامرأة خازنه وقيل هم قوم آباؤهم من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل روى هذا عن الفراء ) على خوف من فرعون وملئهم ( الضمير لفرعون وجمع لأنه لما كان جبارا جمعوا ضميره تعظيما له وقيل إن قوم فرعون سموا بفرعون مثل ثمود فرجع الضمير إليهم بهذا الاعتبار وقيل إنه عائد على مضاف محذوف والتقدير على خوف من آل فرعون وروى هذا عن الفراء ومنع ذلك الخليل وسيبويه فلا يجوز عندهما قامت هند وأنت تريد غلامها وروى عن الأخفش أن الضمير يعود على الذرية وقواه النحاس ) أن يفتنهم ( أي يصرفهم عن دينهم بالعذاب الذى كان ينزله بهم وهو بدل اشتمال ويجوز أن يكون في موضع نصب بالمصدر ) وإن فرعون لعال في الأرض ( أي عات متكبر متغلب على أرض مصر ) وإنه لمن المسرفين ( المجاوزين للحد في الكفر وما يفعله من القتل والصلب وتنويع العقوبات
يونس : ( 84 ) وقال موسى يا . . . . .
قوله ) وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ( قيل إن هذا من باب التكرير للشرط فشرط في التوكل على الله الإيمان به والإسلام أي الاستسلام لقضائه وقدره وقيل إن هذا ليس من تعليق الحكم بشرطين بل المعلق بالإيمان هو وجوب التوكل والمشروط بالإسلام وجوده والمعنى أن يسلموا أنفسهم لله أي يجعلوها له سالمة خالصة لا حظ للشيطان فيها لأن التوكل لا يكون مع التخليط قال في الكشاف ونظيره في الكلام إن ضربك زيد فاضربه إن كانت لك به قوة
يونس : ( 85 ) فقالوا على الله . . . . .
) فقالوا ( أي قوم موسى مجيبين له ) على الله توكلنا ( ثم دعوا الله مخلصين فقالوا ) ربنا لا تجعلنا فتنة ( أي موضع فتنة ) للقوم الظالمين ( والمعنى لا تسلطهم علينا فيعذبونا حتى يفتنونا عن ديننا ولا تجعلنا فتنة لهم يفتنون بنا غيرنا فيقولون لهم لو كان هؤلاء على حق لما سلطنا عليهم وعذبناهم وعلى المعنى الأول تكون الفتنة بمعنى المفتون
يونس : ( 86 ) ونجنا برحمتك من . . . . .
ولما قدموا التضرع إلى الله سبحانه في أن يصون دينهم عن الفساد أتبعوه بسؤال عصمة أنفسهم فقالوا ) ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ( وفي هذا دليل على أنه كان لهم اهتمام بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة


"""""" صفحة رقم 467 """"""
أنفسهم
يونس : ( 87 ) وأوحينا إلى موسى . . . . .
قوله ) وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا ( أن هى المفسرة لأن في الإيحاء معنى القول أن تبوآ أي اتخذا لقومكما بمصر بيوتا يقال بوأت زيدا مكانا وبوأت لزيد مكانا والمبوأ المنزل الملزوم ومنه بوأه الله منزلا أي ألزمه إياه وأسكنه فيه ومنه الحديث من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومنه قول الراجز نحن بنو عدنان ليس شك
تبوأ المجد بنا والملك
قيل ومصر في هذه الآية هى الإسكندرية وقيل هى مصر المعروفة لا الإسكندرية ) واجعلوا بيوتكم قبلة ( أي متوجهة إلى جهة القبلة قيل المراد بالبيوت هنا المساجد وإليه ذهب جماعة من السلف وقيل المراد بالبيوت التى يسكنون فيها أمروا بأن يجعلوها منا قبلة والمراد بالقبلة على القول الأول هى جهة بيت المقدس وهو قبلة اليهود إلى اليوم وقيل جهة الكعبة وأنها كانت قبلة موسى ومن معه وقيل المراد أنهم يجعلون بيوتهم مستقبلة للقبلة ليصلوا فيها سرا لئلا يصيبهم من الكفار معرة بسبب الصلاة ومما يؤيد هذا قوله ) وأقيموا الصلاة ( أي التى أمركم الله بإقامتها فإنه يفيد أن القبلة هى قبلة الصلاة إما في المساجد أو في البيوت لا جعل البيوت متقابلة وإنما جعل الخطاب في أول الكلام مع موسى وهارون ثم جعله لهما ولقومهما في قوله ) واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة ( ثم أفرد موسى بالخطاب بعد ذلك فقال ) وبشر المؤمنين ( لأن اختيار المكان مفوض إلى الأنبياء ثم جعل عاما في استقبال القبلة وإقامة الصلاة لأن ذلك واجب على الجميع لا يختص بالأنبياء ثم جعل خاصا بموسى لأنه الأصل في الرسالة وهارون تابع له فكان ذلك تعظيما للبشارة وللمبشر بها وقيل إن الخطاب في وبشر المؤمنين لنبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على طريقة الالتفات والاعتراض والأول أولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) لتلفتنا ( قال لتلوينا
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال لتصدنا عن آلهتنا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وتكون لكما الكبرياء في الأرض ( قال العظمة والملك والسلطان
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) فما آمن لموسى إلا ذرية ( قال الذرية القليل
وأخرج هؤلاء عنه في قوله ) ذرية من قومه ( قال من بني إسرائيل وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد قال هم أولاد الذين أرسل إليهم موسى من طول الزمان ومات آباؤهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كانت الذرية التى آمنت لموسى من أناس غير بني إسرائيل من قوم فرعون منهم امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون وخازن فرعون وامرأة خازنه وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ونعيم بن حماد في الفتن وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ( قال لا تسلطهم علينا فيفتنونا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال في تفسير الآية لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون ولا بعذاب من عندك فيقول قوم فرعون لو كانوا على الحق ما عذبوا ولا سلطنا عليهم فيفتنون بنا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي قلابة في الآية قال سأل ربه أن لا يظهر علينا عدونا فيحسبون أنهم أولى بالعدل فيفتنون بذلك
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مجلز نحوه وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله ) وأوحينا إلى موسى وأخيه ( الآية قال ذلك حين منعهم فرعون الصلاة فأمروا أن يجعلوا مساجدهم في بيوتهم وأن يوجهوها نحو القبلة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) أن تبوآ لقومكما بمصر (


"""""" صفحة رقم 468 """"""
قال مصر الإسكندرية وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال كانوا لا يصلون إلا في البيع حتى خافوا من آل فرعون فأمروا أن يصلوا في بيوتهم وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال أمروا أن يتخذوا في بيوتهم مساجد وأخرج أبو الشيخ عن أبي سنان قال القبلة الكعبة وذكر أن آدم فمن بعده كانوا يصلون قبل الكعبة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) واجعلوا بيوتكم قبلة ( قال يقابل بعضها بعضا
سورة يونس الآية ( 88 92 )
يونس : ( 88 ) وقال موسى ربنا . . . . .
لما بلغ موسى عليه السلام في إظهار المعجزات وإقامة الحجج البينات ولم يكن لذلك تأثير في من أرسل إليهم دعا عليهم بعد أن بين سبب إصرارهم على الكفر وتمسكهم بالجحود والعناد فقال مبينا للسبب أولا ) ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ( قد تقدم أن الملأ هم الأشراف والزينة اسم لكل ما يتزين به من ملبوس ومركوب وحلية وفراش وسلاح غير ذلك ثم كررا النداء للتأكيد فقال ) ربنا ليضلوا عن سبيلك (
وقد اختلف في هذه اللام الداخلة على الفعل فقال الخليل وسيبويه إنها لام العاقبة والصيرورة والمعنى أنه لما كان عاقبة أمرهم الضلال صار كأنه سبحانه أعطاهم ما أعطاهم من النعم ليضلوا فتكون اللام على هذا متعلقة بآتيت وقيل إنها لام كي أي أعطيتهم لكي يضلوا وقال قوم إن المعنى أعطيتهم ذلك لئلا يضلوا فحذفت لا كما قال سبحانه ) يبين الله لكم أن تضلوا ( قال النحاس ظاهر هذا الجواب حسن إلا أن العرب لا تحذف لا إلا مع أن فموه صاحب هذا التأويل بالاستدلال بقوله ) يبين الله لكم أن تضلوا ( وقيل اللام للدعاء عليهم والمعنى ابتلهم بالهلاك عن سبيلك واستدل هذا القائل بقوله سبحانه بعد هذا اطمس واشدد وقد أطال صاحب الكشاف في تقرير هذا بما لا طائل تحته والقول الأول هو الأولى وقرأ الكوفيون ) ليضلوا ( بضم حرف المضارعة أي يوقعوا الإضلال على غيرهم وقرأ الباقون بالفتح أي يضلون في أنفسهم ) ربنا اطمس على أموالهم ( قال الزجاج طمس الشيء إذهابه عن صورته والمعنى الدعاء عليهم بأن يمحق الله أموالهم ويهلكها وقرئ بضم الميم من اطمس ) واشدد على قلوبهم ( أي اجعلها قاسية مطبوعة لا تقبل الحق ولا تنشرح للإيمان


"""""" صفحة رقم 469 """"""
قوله ) فلا يؤمنوا ( قال المبرد والزجاج هو معطوف على ليضلوا والمعنى آتيتهم النعم ليضلوا ولا يؤمنوا ويكون ما بين المعطوف والمعطوف عليه اعتراضا وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة هو دعاء بلفظ النهي والتقدير اللهم فلا يؤمنوا ومنه قول الأعشى فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى
ولا تلقني إلا وأنفك راغم
وقال الأخفش إنه جواب الأمر أي اطمس واشدد فلا يؤمنوا فيكون منصوبا وروى هذا عن الفراء أيضا ومنه يا ناق سيري عنقا فسيحا
إلى سليمان فنستريحا
) حتى يروا العذاب الأليم ( أي لا يحصل منهم الإيمان إلا مع المعاينة لما يعذبهم الله به وعند ذلك لا ينفع إيمانهم وقد استشكل بعض أهل العلم ما في هذه الآية من الدعاء على هؤلاء وقال إن الرسل إنما تطلب هداية قومهم وإيمانهم وأجيب بأنه لا يجوز لنبي أن يدعو على قومه إلا بإذن الله سبحانه وإنما يأذن الله بذلك لعلمه بأنه ليس فيهم من يؤمن ولهذا لما أعلم الله نوحا عليه السلام بأنه لا يؤمن من قومه إلا من قد آمن قال ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا )
يونس : ( 89 ) قال قد أجيبت . . . . .
) قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ( جعل الدعوة هاهنا مضافة إلى موسى وهارون وفيما تقدم أضافها إلى موسى وحده فقيل إن هارون كان يؤمن على دعاء موسى فسمى هاهنا داعيا وإن كان الداعي موسى وحده ففي أول الكلام أضاف الدعاء إلى موسى لكونه الداعي وهاهنا أضافه إليهما تنزيلا للمؤمنين منزلة الداعي ويجوز أن يكونا جميعا داعيين ولكن أضاف الدعاء إلى موسى في أول الكلام لأصالته في الرسالة قال النحاس سمعت علي بن سليمان يقول الدليل على أن الدعاء لهما قول موسى ربنا ولم يقل رب وقرأ علي والسلمي دعاؤكما وقرأ ابن السميفع دعواكما والاستقامة الثبات على ما هما عليه من الدعاء إلى الله قال الفراء وغيره أمرا بالاستقامة على أمرهما والثبات عليه على دعاء فرعون وقومه إلى الإيمان إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة أربعين سنة ثم أهلكوا وقيل معنى الاستقامة ترك الاستعجال ولزوم السكينة والرضا والتسليم لما يقضى به الله سبحانه قوله ) ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ( بتشديد النون للتأكيد وحركت بالكسر لكونه الأصل ولكونهما أشبهت نون التثنية وقرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على النفي لا على النهي
وقرئ بتخفيف الفوقية الثانية من تتبعان والمعنى النهي لهما عن سلوك طريقة من لا يعلم بعادة الله سبحانه في إجراء الأمور على ما تقتضيه المصالح تعجيلا وتأجيلا
يونس : ( 90 ) وجاوزنا ببني إسرائيل . . . . .
قوله ) وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ( هو من جاوز المكان إذا خلفه وتخطاه والباء للتعدية أي جعلناهم مجاوزين البحر حتى بلغوا الشط لأن الله سبحانه جعل البحر يبسا فمروا فيه حتى خرجوا منه إلى البر وقد تقدم تفسير هذا في سورة البقرة في قوله سبحانه ) وإذ فرقنا بكم البحر ( وقرأ الحسن ? وجوزنا ? وهم لغتان ) فأتبعهم فرعون وجنوده ( يقال تبع وأتبع بمعنى واحد إذا لحقه وقال الأصمعي يقال أتبعه بقطع الألف إذا لحقه وأدركه واتبعه بوصل الألف إذا اتبع أثره أدركه أو لم يدركه
وكذا قال أبو زيد وقال أبو عمرو إن اتبعه بالوصل اقتدى به وانتصاب بغيا وعدوا على الحال والبغي الظلم والعدو الاعتداء ويجوز أن يكون انتصابهما على العلة أي للبغي والعدو وقرأ الحسن ) وعدوا ( بضم العين والدال وتشديد الواو مثل علا يعلو علوا وقيل إن البغي طلب الاستعلاء في القول بغير حق والعدو في الفعل ) حتى إذا أدركه الغرق ( أي ناله ووصله وألجمه وذلك أن موسى خرج ببني إسرائيل على حين غفلة من


"""""" صفحة رقم 470 """"""
فرعون فلما سمع فرعون بذلك لحقهم بجنوده ففرق الله البحر لموسى وبنى إسرائيل فمشوا فيه حتى خرجوا من الجانب الآخر وتبعهم فرعون والبحر باق على الحالة التي كان عليها عند مضى موسى ومن معه فلما تكامل دخول جنود فرعون وكادوا أن يخرجوا من الجانب الآخر انطبق عليهم فغرقوا كما حكى الله سبحانه ذلك قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل أي صدقت أنه بفتح الهمزة على أن الأصل بأنه فحذفت الباء والضمير للشأن وقرىء بكسر إن على الاستئناف وزعم أبو حاتم أن القول محذوف أي آمنت فقلت إنه ولم ينفعه هذا الإيمان أنه وقع منه بعد إدراك الغرق كله كما تقدم في النساء ولم يقل للعين آمنت بالله أو برب العالمين بل قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل لأنه بقي فيه عرق من دعوى الإلهية قوله وأنا من المسلمين أي المستسلمين لأمر الله المنقادين له الذين يوحدونه وينفون ما سواه وهذه الجملة إما في محل نصب على الحال أو معطوفة على آمنت
يونس : ( 91 ) آلآن وقد عصيت . . . . .
قوله آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين هو مقول قول مقدر معطوف على قال آمنت أي فقيل له أتؤمن الآن
وقد اختلف من القائل لفرعون بهذه المقالة فقيل هي من قول الله سبحانه وقيل من قول جبريل وقيل من قول ميكائيل وقيل من قول فرعون قال ذلك في نفسه لنفسه وجملة وقد عصيت قبل في محل نصب على الحال من فاعل الفعل المقدر بعد القول المقدر وهو أتؤمن الآن والمعنى إنكار الإيمان منه عند أن ألجمه الغرق والحال أنه قد عصى الله من قبل والمقصود التقريع والتوبيخ له وجملة وكنت من المفسدين معطوفة على عصيت داخلة في الحال أي كنت من المفسدين الأرض بضلالك عن الحق وإضلالك لغيرك
يونس : ( 92 ) فاليوم ننجيك ببدنك . . . . .
قوله فاليوم ننجيك ببدنك قرىء ننجيك بالتخفيف الجمهور على التثقيل وقرأ اليزيدي ننحيك بالحاء المملهة من التنحية وحكاها علقمة عن ابن مسعود ومعنى ننجيك بالجيم نلقيك على نجوة من الأرض وذلك أن بني إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون غرق وقالوا هو أعظم شأنا من ذاك فألقاه الله على نجوة من الأرض أي مكان مرتفع من الأرض حتى شاهدوه وقيل المعنى نخرجك مما وقع فيه قومك من الرسوب في قعر البحر ونجعلك طافيا ليشاهدوك ميتا بالغرق ومعنى ننحيك بالمهملة نطرحك على ناحية من الأرض وروي عن ابن مسعود أنه قرأ بأبدانك وقد اختلف المفسرون في معنى ببدنك فقيل معناه بجسدك بعد سلب الروح منه وقيل معناه بدرعك والدرع يسمى بدنا ومنه قول كعب بن مالك ترى الأبدان فيها مسبغات
على الأبطال واليلب الحصينا
أراد بالأبدان الدروع وقال عمرو بن معدي كرب ومضى نساؤهم بكل مضاضة
جدلاء سابغة وبالأبدان
أي بدروع سابغة ودروع قصيرة وهي التي يقال لها أبدان كما قال أبو عبيدة وقال الأخفش وأما قول من قال بدرعك فليس بشيء ورجح أن البدن المراد به هنا الجسد قوله لتكون لمن خلفك آية هذا تعليل لننجيه ببدنه وفي ذلك دليل علو أنه لم يطهر جسده دون قومه إلا لهذه العلة لا سوى والمراد بالآية العلامة أي لتكون لمن خلفك من الناس علامة يعرفون بها هلاكك وأنك لست كما تدعي ويندفع عنهم الشك في كونك قد صرت


"""""" صفحة رقم 471 """"""
ميتا بالغرق وقيل المراد ليكون طرحك على الساحل وحدك دون المغرقين من قومك آية من آيات الله يعتبر بها الناس أو يعتبر بها من سيأتي من الأمم إذا سمعوا ذلك حتى يحذروا من التكبر والتجبر والتمرد على الله سبحانه فإن هذا الذي بلغ إلى ما بلغ إليه من دعوى الإلهية واستمر على ذلك دهرا طويلا كانت له هذه العاقبة القبيحة وقرىء لمن خلفك على صيغة الفعل الماضي أي لمن يأتي بعدك من القرون أو من خلفك في الرياسة أو في السكون في المسكن الذي كنت تسكنه وإن كثيرا من الناس عن آياتنا التي توجب الاعتبار والتغكر وتوقظ من سنة الغفلة لغافلون عما توجه الآيات وهذه الجملة تذييلية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ربنا اطمس على أموالهم يقول دمر على أموالهم وأهلكها واشدد على قلوبهم قال اطبع فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم وهو الغرق وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال سألني عمر بن عبد العزيز عن قوله ربنا اطمس على أموالهم فأخبرته أن الله طمس على أموال فرعون وآل فرعون حتى صارت حجارة فقال عمر كما أنت حتى آتيك فدعا بكيس مختوم ففكه فإذا فيه الفضة مقطوعة كأنها الحجارة والدنانير والدراهم وأشباه ذلك من الأموال حجارة كلها وقد روى أن أموالهم تحولت حجارة من طريق جماعة من السلف وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قد أجيبت دعوتكما قال فاستجاب له وحال بين فرعون وبين الإيمان وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال كان موسى إذا دعا أمن هارون على دعائه يقول آمين قال أبو هريرة وهو اسم من أسماء الله فذلك قوله قد أجيبت دعوتكما وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة نحوه وأخرج سعيد بن منصور عن محمد بن كعب القرضي نحوه أيضا وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال يزعمون أن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة وأخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله وأخرج الحكيم الترمذي عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فاستقيما فامضيا لأمري وهي الاستقامة وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال العدو والعتو والعلو في كتاب الله التجبر وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما خرج آخر أصحاب موسى ودخل آخر أصحاب فرعون أوحى الله إلى البحر أن انطبق عليهم فخرجت أصبع فرعون بلا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل قال جبريل فعرفت أن الرب رحيم وخفت أن تدركه الرحمع فرمسته بجناحي وقلت آلان وقد عصيت قبل فلما خرج موسى وأصحابه قال من تخلف من قوم فرعون ما غرق فرعون ولا أصحابه ولكنهم في جزائر البحر يتصيدون فأوحى الله إلى البحر أن الفظ فرعون عريانا فلفظه عريانا أصلع أخينس قصيرا فهو قوله فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية لمن قال إن فرعون لم يغرق وكأن نجاة غيره لم تكن نجاة عافية ثم أوحى الله إلى البحر أن الفظ ما فيك فلفظهم على الساحل وكان البحر لا يلفظ غريقا في بطنه حتى يأكله السمك فليس يقبل البحر غريقا إلى يوم القيامة وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أغرق الله فرعون فقال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت بنو اسرائيل قال لي جبريل يا محمد لو رأيتنى وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة وقد روى هذا الحديث الترمذي من غير وجه وقال حسن صحيح غريب وصححه أيضا الحاكم وروى عن ابن عباس مرفوعا من طرق أخرى وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال قال لي جبريل ما كان على الأرض شيء أبغض إلي من فرعون فلما آمن جعلت أحشو فاه حمأة وأنا أغطه


"""""" صفحة رقم 472 """"""
خشية أن تدركه الرحمة وأخرج ابن جرير والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعا نحوه أيضا وأخرج أبو الشيخ عن أبي أمامة مرفوعا نحوه أيضا في إسناد حديث أبي هريرة رجل مجهول وباقي رجاله ثقات والعجب كل العجب ممن لا علم له بفن الرواية من المفسرين ولا يكاد يميز بين أصح الصحيح من الحديث وأكذب الكذب منه كيف يتجارى على الكلام في أحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والحكم ببطلان ما صح منها ويرسل لسانه وقلمه بالجهل البحت والقصور الفاضح الذى يضحك منه كل من له أدنى ممارسة لفن الحديث فيا مسكين مالك ولهذا الشأن الذى لست منه في شيء ألا تستر نفسك وتربع على ضلعك وتعرف بأنك بهذا العلم من أجهل الجاهلين وتشتغل بما هو علمك الذى لا تجاوزه وحاصلك الذي ليس لك غيره وهو علم اللغة وتوابعه من العلوم الآلية ولقد صار صاحب الكشاف رحمه الله بسبب ما يتعرض له في تفسيره من علم الحديث الذي ليس هو منه في ورد ولا صدر سخرة للساخرين وعبرة للمعتبرين فتارة يروي في كتابه الموضوعات وهو لا يدري أنها موضوعات وتارة يتعرض لرد ما صح ويجزم بأنه من الكذب على رسول الله والبهت عليه وقد يكون في الصحيحين وغيرهما مما يلتحق بهما من رواية جماعة من الصحابة بأسانيد كلها أئمة ثقات أثبات حجج وأدنى نصيب من عقل يحجر صاحبه عن التكلم في علم لا يعلمه ولا يدري به أقل دراية وإن كان ذلك العلم من علوم الاصطلاح التى يتواضع عليها طائفة من الناس ويصطلحون على أمور فيما بينهم فما بالك بعلم السنة الذى هو قسيم كتاب الله وقائله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وراوية عنه خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وكل حرف من حروفه وكلمة من كلماته يثبت بها شرع عام لجميع أهل الإسلام وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فاليوم ننجيك ببدنك ( قال أنجى الله فرعون لبني إسرائيل من البحر فنظروا إليه بعد ما غرق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال بجسدك قال كذب بعض بني إسرائيل بموت فرعون فألقى على ساحل البحر حتى يراه بنو إسرائيل أحمر قصيرا كأنه ثور وأخرج ابن الأنباري عن محمد بن كعب في قوله ) فاليوم ننجيك ببدنك ( قال بدرعك وكان درعه من لؤلؤة يلاقي فيها الحروب
سورة يونس الآية ( 93 98 )


"""""" صفحة رقم 473 """"""
سورة يونس الآية ( 99 100 )
يونس : ( 93 ) ولقد بوأنا بني . . . . .
قوله ) ولقد بوأنا ( هذا من جملة ما عدده الله سبحانه من النعم التى أنعم بها على بني إسرائيل ومعنى بوأنا أسكنا يقال بوأت زيدا منزلا أسكنته فيه والمبوأ اسم مكان أو مصدر وإضافته إلى الصدق على ما جرت عليه قاعدة العرب فإنهم كانوا إذا مدحوا شيئا أضافوه إلى الصدق والمراد به هنا المنزل المحمود المختار قيل هو أرض مصر وقيل الأردن وفلسطين وقيل الشام ) ورزقناهم من الطيبات ( أي المستلذات من الرزق ) فما اختلفوا ( في أمر دينهم وتشعبوا فيه شعبا بعد ما كانوا على طريقة واحدة غير مختلفة ) حتى جاءهم العلم ( أي لم يقع منهم الاختلاف في الدين إلا بعد ما جاءهم العلم بقراءتهم التوراة وعلمهم بأحكامها وما اشتملت عليه من الأخبار بنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المعنى أنه لم يختلفوا حتى جاءهم العلم وهو القرآن النازل على نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) فاختلفوا في نعته وصفته وآمن به من آمن منهم وكفر به من كفر فيكون المراد بالمختلفين على القول الأول هم اليهود بعد أن أنزلت عليهم التوراة وعلموا بها وعلى القول الثاني هم اليهود المعاصرين لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته والمحق بعمله بالحق والمبطل بعمله بالباطل
يونس : ( 94 ) فإن كنت في . . . . .
) فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ( الشك في أصل اللغة ضم الشيء بعضه إلى بعض ومنه شك الجوهر في العقد والشاك كأنه يضم إلى ما يتوهمه شيئا آخر خلافه فيتردد ويتحير والخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد غيره كما ورد في القرآن في غير موضع قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد سمعت الإمامين ثعلبا والمبرد يقولان معنى ) فإن كنت في شك ( أي قل يا محمد للكافر فإن كنت في شك ) فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ( يعني مسلمي أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأمثاله وقد كان عبدة الأوثان يعترفون لليهود بالعلم ويقرون بأنهم أعلم منهم فأمر الله سبحانه نبيه أن يرشد الشاكين فيما أنزله الله إليه من القرآن أن يسألوا أهل الكتاب الذين قد أسلموا فإنهم سيخبرونهم بأنه كتاب الله حقا وأن هذا رسوله وأن التوراة شاهدة بذلك ناطقة به وفي هذا الوجه مع حسنه مخالفة للظاهر
وقال القتيبي المراد بهذه الآية من كان من الكفار غير قاطع بتكذيب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا بتصديقه بل كان في شك وقيل المراد بالخطاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا غيره والمعنى لو كنت ممن يلحقه الشك فيا أخبرناك به فسألت أهل الكتاب لأزالوا عنك الشك وقيل الشك هو ضيق الصدر أي إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء فاصبر واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك يخبروك بصر من قبلك من الأنبياء على أذى قومهم
وقيل معنى الآية الفرض والتقدير كأنه قال له فإن وقع لك شك مثلا وخيل لك الشيطان خيالا منه تقديرا فاسأل الذين يقرءون الكتاب فإنهم سيخبرونك عن نبوتك وما نزل عليك ويعترفون بذلك لأنهم يجدونه مكتوبا عندهم وقد زال فيمن أسلم منهم ما كان مقتضيا للكتم عندهم قوله ) لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ( في هذا بيان ما يقلع الشك من أصله ويذهب به بجملته وهو شهادة الله سبحانه بأن هذا الذى وقع


"""""" صفحة رقم 474 """"""
الشك فيه على اختلاف التفاسير في الشاك هو الحق الذى لا يخالطه باطل ولا تشوبه شبهة ثم عقبه بالنهي للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الامتراء فيما أنزل الله عليه بل يستمر على ما هو عليه من اليقين وانتفاء الشك ويمكن أن يكون هذا النهي له تعريضا لغيره كما في مواطن من الكتاب العزيز
يونس : ( 95 ) ولا تكونن من . . . . .
وهكذا القول في نهيه ( صلى الله عليه وسلم ) عن التكذيب بآيات الله فإن الظاهر فيه التعريض ولا سيما بعد تعقيبه لقوله ) فتكون من الخاسرين ( وفى هذا التعريض من الزجر للممترين والمكذبين ما هو أبلغ وأوقع من النهي لهم أنفسهم لأنه إذا كان بحيث ينهى عنه من لا يتصور صدوره عنه فكيف بمن يمكن منه ذلك
يونس : ( 96 ) إن الذين حقت . . . . .
قوله ) إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ( قد تقدم مثله في هذه السورة والمعنى أنه حق عليهم قضاء الله وقدره بأنهم يصرون على الكفر ويموتون عليه لا يقع منهم الإيمان بحال من الأحوال وإن وقع منهم ما صورته صورة الإيمان كمن يؤمن منهم عند معاينة العذاب فهو في حكم العدم
يونس : ( 97 ) ولو جاءتهم كل . . . . .
) ولو جاءتهم كل آية ( من الآيات التكوينية والتنزيلية فإن ذلك لا ينفعهم لأن الله سبحانه قد طبع على قلوبهم وحق منه القول عليهم ) حتى يروا العذاب الأليم ( فيقع منهم ما صورته صورة الإيمان وليس بإيمان ولا يترتب عليه شيء من أحكامه
يونس : ( 98 ) فلولا كانت قرية . . . . .
قوله ) فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها ( لولا هذه هى التحضيضية التى بمعنى هلا كما قال الأخفش والكسائي وغيرهما ويدل على ذلك ما في مصحف أبي وابن مسعود ? فهلا قرية ? والمعنى فهلا قرية واحدة من هذه القرى التى أهلكناها آمنت إيمانا معتدا به وذلك بأن يكون خالصا لله قبل معاينة عذابه ولم يؤخره كما أخره فرعون والاستثناء بقوله ) إلا قوم يونس ( منقطع وهو استثناء من القرى لأن المراد أهلها والمعنى لكن قوم يونس ) لما آمنوا ( إيمانا معتدا به قبل معاينة العذاب أو عند أول المعاينة قبل حلوله بهم ) كشفنا عنهم عذاب الخزي ( وقد قال بأن هذا الاستثناء منقطع جماعة من الأئمة منهم الكسائي والأخفش والفراء وقيل يجوز أن يكون متصلا والجملة فى معنى النفي كأنه قيل ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس انتصابه على أصل الاستثناء وقرئ بالرفع على البدل وقال الزجاج في توجيه الرفع يكون المعنى غير قوم يونس ولكن حملت إلا عليها وتعذر جعل الإعراب عليها فأعرب الاسم الذى بعدها بإعراب غير
قال ابن جرير خص قوم يونس من بين الأمم بأن تيب عليهم من بعد معاينة العذاب وحكى ذلك عن جماعة من المفسرين وقال الزجاج إنه لم يقع العذاب وإنما رأوا العلامة التى تدل على العذاب ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان وهذا أولى من قول ابن جرير والمراد بعذاب الخزي الذى كشفة الله عنهم وهو العذاب الذى كان قد وعدهم يونس أنه سينزل عليهم ولم يروه أو الذى قد رأوا علاماته دون عينه ) ومتعناهم إلى حين ( أي بعد كشف العذاب عنهم متعهم الله في الدنيا إلى حين معلوم قدره لهم
يونس : ( 99 ) ولو شاء ربك . . . . .
ثم بين سبحانه أن الإيمان وضده كلاهما بمشيئة الله وتقديره فقال ) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم ( بحيث لا يخرج عنهم أحد ) جميعا ( مجتمعين على الإيمان لا يتفرقون فيه ويختلفون ولكنه لم يشأ ذلك لكونه مخالفا للمصلحة التى أرادها الله سبحانه وانتصاب جميعا على الحال كما قال سيبويه قال الأخفش جاء بقوله جميعا بعد كلهم للتأكيد كقوله ) لا تتخذوا إلهين اثنين ( ولما كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حريصا على إيمان جميع الناس أخبره الله بأن ذلك لا يكون لأن مشيئته الجارية على الحكمة البالغة والمصالح الراجحة لا تقتضى ذلك فقال ) أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ( فإن ذلك ليس في وسعك يا محمد ولا داخل تحت قدرتك وفي هذا تسلية له ( صلى الله عليه وسلم ) ودفع لما يضيق به صدره من طلب صلاح الكل الذى لو كان لم يكن صلاحا محققا بل يكون إلى الفساد أقرب ولله الحكمة البالغة
يونس : ( 100 ) وما كان لنفس . . . . .
ثم بين سبحانه ما تقدم بقوله ) وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ( أي ما صح وما استقام لنفس


"""""" صفحة رقم 475 """"""
من الأنفس أن تؤمن بالله إلا بإذنه أي بتسهيله وتيسيره ومشيئته لذلك فلا يقع غير ما يشاؤه كائنا ما كان ) ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ( أي العذاب أو الكفر أو الخذلان الذى هو سبب العذاب وقرأ الحسن وأبو بكر والمفضل ونجعل بالنون وفي الرجس لغتان ضم الراء وكسرها والمراد بالذين لا يعقلون هم الكفار الذين لا يتعقلون حجج الله ولا يتفكرون في آياته ولا يتدبرون فيما نصبه لهم من الأدلة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن قتادة في قوله ) ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ( قال بوأهم الله الشام وبيت المقدس وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال منازل صدق مصر والشام وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ( قال العلم كتاب الله الذى أنزله وأمره الذى أمرهم به وقد ورد في الحديث أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة وهو في السنن والمسانيد والكلام فيه يطول وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله ) فإن كنت في شك ( الآية قال لم يشك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يسأل وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لا أشك ولا أسأل وهو مرسل وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ( قال التوراة والإنجيل الذين أدركوا محمدا من أهل الكتاب وآمنوا به يقول سلهم إن كنت في شك بأنك مكتوب عندهم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ( قال حق عليهم سخط الله بما عصوه
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) فلولا كانت قرية آمنت ( يقول فما كانت قرية آمنت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال لم يكن هذا في الأمم قبل قوم يونس لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين عاينت العذاب إلا قوم يونس فاستثنى الله قوم يونس قال وذكر لنا أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل فلما فقدوا نبيهم قذف الله في قلوبهم التوبة فلبسوا المسوح وأخرجوا المواشي وفرقوا بين كل بهيمة وولدها فعجوا إلى الله أربعين صباحا فلما عرف الله الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف عنهم العذاب بعد ما تدلي عليهم لم يكن بينهم وبين العذاب إلا ميل وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن يونس دعا قومه فلما أبوا أن يجيبوه وعدهم العذاب فقال إنه يأتيكم يوم كذا وكذا ثم خرج عنهم وكانت الأنبياء إذا وعدت قومها العذاب خرجت فلما أظلهم العذاب خرجوا ففرقوا بين المرأة وولدها وبين السخلة وولدها وخرجوا يعجون إلى الله وعلم الله منهم الصدق فتاب عليهم وصرف عنهم العذاب وقعد يونس في الطريق يسأل عن الخبر فمر به رجل فقال ما فعل قوم يونس فحدثه بما صنعوا فقال لا أرجع إلى قوم قد كذبتهم وانطلق مغاضبا يعني مراغما وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال غشى قوم يونس العذاب كما يغشى القبر بالثوب إذا دخل فيه صاحبه ومطرت السماء دما وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن ابن عباس أن العذاب كان هبط على قوم يونس لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل فلما دعوا كشفه الله عنهم وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي الجلد قال لما غشى قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا له ما ترى قال قولوا يا حي حين لا حي ويا حي محيى


"""""" صفحة رقم 476 """"""
الموتى ويا حي لا إله إلا أنت فقالوا فكشف عنهم العذاب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ويجعل الرجس ( قال السخط وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال الرجس الشيطان والرجس العذاب
سورة يونس الآية ( 101 109 )
يونس : ( 101 ) قل انظروا ماذا . . . . .
قوله ) قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ( لما بين سبحانه أن الإيمان لا يحصل إلا بمشيئه الله أمر بالنظر والاستدلال بالدلائل السماوية والأرضية والمراد بالنظر التفكر والاعتبار أي قل يا محمد للكفار تفكروا واعتبروا بما في السموات والأرض من المصنوعات الدالة على الصانع ووحدته وكمال قدرته وماذا مبتدأ وخبره في السموات والأرض أو المبتدأ ما وذا بمعنى الذى وفي السموات والأرض صلته والموصول وصلته خبر المبتدأ أي أي شيء الذى في السموات والأرض وعلى التقديرين فالجملة في محل نصب بالفعل الذى قبلها ثم ذكر سبحانه أن التفكر والتدبر في هذه الدلائل لا ينفع في حق من استحكمت شقاوته فقال ) وما تغني الآيات والنذر ( أي ما تنفع على أن ما نافية ويجوز أن تكون استفهامية أي أي شئ ينفع والآيات هى التى عبر عنها بقوله ) ماذا في السماوات والأرض ( والنذر جمع نذير وهم الرسل أو جمع إنذار وهو المصدر ) عن قوم لا يؤمنون ( في علم الله سبحانه والمعنى أن من كان هكذا لا يجدى فيه شيء ولا يدفعه عن الكفر دافع
يونس : ( 102 ) فهل ينتظرون إلا . . . . .
قوله ) فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ( أي فهل ينتظر هؤلاء الكفار المعاصرون لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلا مثل وقائع الله سبحانه بالكفار الذين خلوا من قبل هؤلاء فقد كان الأنبياء المتقدمون


"""""" صفحة رقم 477 """"""
يتوعدون كفار زمانهم بأيام مشتملة على أنواع العذاب وهم يكذبونهم ويصممون على الكفر حتى ينزل الله عليهم عذابه ويحل بهم انتقامه ثم قال ) قل ( يا محمد لهؤلاء الكفار المعاصرين لك ) فانتظروا ( أي تربصوا لوعد ربكم إني معكم من المتربصين لوعد ربي وفي هذا تهديد شديد ووعيد بالغ بأنه سينزل بهؤلاء ما نزل بأولئك من الإهلاك
يونس : ( 103 ) ثم ننجي رسلنا . . . . .
وثم في قوله ) ثم ننجي رسلنا ( للعطف على مقدر يدل عليه ما قبله كأنه قيل أهلكنا الأمم ثم نجينا رسلنا المرسلين إليهم وقرأ يعقوب ثم ) ننجي ( مخففا وقرأ كذلك أيضا في ) حقا علينا ننج المؤمنين ( وروى كذلك عن الكسائي وحفص في الثانية وقرأ الباقون بالتشديد وهما لغتان فصيحتان أنجى ينجى إنجاء ونجى ينجى تنجية بمعنى واحد ) والذين آمنوا ( معطوف على رسلنا أي نجيناهم ونجينا الذين آمنوا والتعبير بلفظ الفعل المستقبل لاستحضار صورة الحال الماضية تهويلا لأمرها ) كذلك حقا علينا ( أي حق ذلك علينا حقا أو إنجاء مثل ذلك الانجاء حقا ) ننج المؤمنين ( من عذابنا للكفار والمراد بالمؤمنين الجنس فيدخل في ذلك الرسل وأتباعهم أو يكون خاصا بالمؤمنين وهم أتباع الرسل لأن الرسل داخلون في ذلك بالأولى
يونس : ( 104 ) قل يا أيها . . . . .
قوله ) قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني ( أمر سبحانه رسوله بأن يظهر التباين بين طريقته وطريقة المشركين مخاطبا لجميع الناس أو للكفار منهم أو لأهل مكة على الخصوص بقوله إن كنتم في شك من ديني الذى أنا عليه وهو عبادة الله وحده لا شريك له ولم تعلموا بحقيقته ولا عرفتم صحته وأنه الدين الحق الذى لا دين غيره فاعلموا أني بريء من أديانكم التى أنتم عليها ) فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ( في حال من الأحوال ) ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ( أي أخصه بالعبادة لا أعبد غيره من معبوداتكم من الأصنام وغيرها وخص صفة المتوفى من بين الصفات لما في ذلك من التهديد لهم أي أعبد الله الذى يتوفاكم فيفعل بكم ما يفعل من العذاب الشديد ولكونه يدل على الخلق أولا وعلى الإعادة ثانيا ولكونه أشد الأحوال مهابة في القلوب ولكونه قد تقدم ذكر الإهلاك والوقائع النازلة بالكفار من الأمم السابقة فكأنه قال أعبد الله الذى وعدني بإهلاككم ولما ذكر أنه لا يعبد إلا الله بين أنه مأمور بالإيمان فقال ) وأمرت أن أكون من المؤمنين ( أي بأن أكون من جنس من آمن بالله وأخلص له الدين
يونس : ( 105 ) وأن أقم وجهك . . . . .
وجملة ) وأن أقم وجهك للدين ( معطوفة على جملة ) أن أكون من المؤمنين ( ولا يمنع من ذلك كون المعطوف بصيغة الأمر لأن المقصود من ) إن ( الدلالة على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والإنشائية أو يكون المعطوف عليه في معنى الإنشاء كأنه قيل كن مؤمنا ثم أقم والمعنى أن الله سبحانه أمره بالاستقامة في الدين والثبات فيه وعدم التزلزل عنه بحال من الأحوال وخص الوجه لأنه أشرف الأعضاء أو أمره باستقبال القبلة في الصلاة وعدم التحول عنها وحنيفا حال من الدين أو من الوجه أي مائلا عن كل دين من الأديان إلى دين الإسلام ثم أكد الأمر المتقدم للنهي عن ضده فقال ) ولا تكونن من المشركين ( وهو معطوف على أقم وهو من باب التعريض لغيره ( صلى الله عليه وسلم )
يونس : ( 106 ) ولا تدع من . . . . .
قوله ) ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ( معطوف على ) قل يا أيها الناس ( غير داخل تحت الأمر وقيل معطوف على ) ولا تكونن ( أي لا تدع من دون الله على حال من الأحوال ما لا ينفعك ولا يضرك بشئ من النفع والضر إن دعوته ودعاء من كان هكذا لا يجلب نفعا ولا يقدر على ضر ضائع لا يفعله عاقل على تقدير أنه لا يوجد من يقدر على النفع والضر غيره فيكف إذا كان موجودا فإن العدول عن دعاء القادر إلى دعاء غير القادر أقبح وأقبح ) فإن فعلت ( أي فإن دعوت ولكنه كنى عن القول بالفعل ) فإنك إذا من الظالمين ( هذا جزاء الشرط أي فإن دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإنك في عداد الظالمين لأنفسهم والمقصود من هذا الخطاب التعريض بغيره ( صلى الله عليه وسلم )
يونس : ( 107 ) وإن يمسسك الله . . . . .
وجملة ) وإن يمسسك الله بضر (


"""""" صفحة رقم 478 """"""
إلى آخرها مقررة لمضمون ما قبلها والمعنى أن الله سبحانه هو الضار النافع فإن أنزل بعبده ضرا لم يستطع أحد أن يكشفه كائنا من كان بل هو المختص بكشفه كما اختص بإنزاله ) وإن يردك بخير ( أي خير كان لم يستطع أحد أن يدفعه عنك ويحول بينك وبينه كائنا من كان وعبر بالفضل مكان الخير للإرشاد إلى أنه يتفضل على عباده بما لا يستحقونه بأعمالهم قال الواحدي إن قوله ) وإن يردك بخير ( هو من القلب وأصله وإن يرد بك الخير ولكن لما تعلق كل واحد منهما بالآخر جاز أن يكون كل واحد منهما مكان الآخر قال النيسابوري وفي تخصيص الإرادة بجانب الخير والمس بجانب الشر دليل على أن الخير يصدر عنه سبحانه بالذات والشر بالعرض قلت وفي هذا نظر فإن المس هو أمر وراء الإرادة فهو مستلزم لها والضمير في يصيب به راجع إلى فضله أي يصيب بفضله من يشاء من عباده وجملة ) وهو الغفور الرحيم ( تذييلية
يونس : ( 108 ) قل يا أيها . . . . .
ثم ختم هذه السورة بما يستدل به على قضائه وقدره فقال ) قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم ( أي القرآن ) فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ( أي منفعة اهتدائه مختصة به وضرر كفره مقصور عليه لا يتعداه
وليس لله حاجة في شيء من ذلك ولا غرض يعود إليه ) وما أنا عليكم بوكيل ( أي بحفيظ يحفظ أموركم وتوكل إليه إنما أنا بشير ونذير
يونس : ( 109 ) واتبع ما يوحى . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يتبع ما أوحاه إليه من الأوامر والنواهي التى يشرعها الله له ولأمته ثم أمره بالصبر على أذى الكفار وما يلاقيه من مشاق التبليغ وما يعانيه من تلون أخلاق المشركين وتعجرفهم
وجعل ذلك الصبر ممتدا إلى غاية هى قوله ) حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ( أي يحكم الله بينه وبينهم في الدنيا بالنصر له عليهم وفي الآخرة بعذابهم بالنار وهم يشاهدونه ( صلى الله عليه وسلم ) هو وأمته المتبعون له المؤمنون به العاملون بما يأمرهم به المنتهون عما ينهاهم عنه يتقلبون في نعيم الجنة الذى لا ينفد ولا يمكن وصفه ولا يوقف على أدنى مزاياه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) وما تغني الآيات والنذر عن قوم ( عند قوم ) لا يؤمنون ( نسخت قوله ) حكمة بالغة فما تغن النذر ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ( قال وقائع الله في الذين خلوا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع في الآية قال خوفهم عذابه ونقمته وعقوبته ثم أخبرهم أنه إذا وقع من ذلك أمر نجى الله رسله والذين آمنوا فقال ) ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا ( الآية وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) وإن يردك بخير ( يقول بعافية وأخرج البيهقي في الشعب عن عامر بن قيس قال ثلاث آيات في كتاب الله اكتفيت بهن عن جميع الخلائق أولهن ) وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله ( والثانية ) ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له ( والثالثة ) وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ( وأخرج أبو الشيخ عن الحسن نحوه وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فلا راد لفضله ( قال هو الحق المذكور في قوله ) قد جاءكم الحق من ربكم ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله ) واصبر حتى يحكم الله ( قال هذا منسوخ أمره بجهادهم والغلظة عليهم


"""""" صفحة رقم 479 """"""
S11
تفسير
سورة هود
حول السورة
هى مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر قال ابن عباس وقتادة إلا آية وهى قوله ) وأقم الصلاة طرفي النهار ( وأخرج النحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال نزلت سورة هود بمكة وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله وأخرج الدارمي وأبو داود في مراسيله وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر والبيهقي في الشعب عن كعب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اقرءوا هود يوم الجمعة وأخرج ابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر من طريق مسروق عن أبي بكر الصديق قال قلت يا رسول الله لقد أسرع إليك الشيب فقال شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت وأخرج البزار وابن مردويه من طريق أنس عنه مرفوعا بلفظ قلت يا رسول الله عجل إليك الشيب قال شيبتني هود وأخواتها والواقعة والحاقة وعم يتساءلون وهل أتاك حديث الغاشية وأخرجه سعيد بن منصور وابن مردويه عن أنس قال قال أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقد عجل إليك الشيب فقال شيبتني هود وأخواتها من المفصل وأخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور من طريق عكرمة عن ابن عباس قال قال أبو بكر يا رسول الله قد شبت قال شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت وأخرج ابن عساكر من طريق عطاء عنه أن الصحابة قالوا يا رسول الله لقد أسرع إليك الشيب قال أجل شيبتني هود وأخواتها قال عطاء أخواتها اقتربت الساعة والمرسلات وإذا الشمس كروت وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري قال قال عمر بن الخطاب يا رسول الله أسرع إليك الشيب قال شيبتني هود وأخواتها الواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت وأخرج الطبراني وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شيبتني هود وأخواتها الواقعة والحاقة وإذا الشمس كورت وأخرجا أيضا عن ابن مسعود أن أبا بكر قال يا رسول الله ما شيبك قال هود والواقعة وفي إسناده عمرو بن ثابت وهو متروك وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن عقبة بن عامر أن رجلا قال يا رسول الله قد شبت قال شيبتني هود وإذا الشمس كورت وأخواتها وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبو يعلي والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أبي جحيفة قال قالوا يا رسول الله نراك قد شبت قال شيبتي هود وأخواتها وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عمران بن حصين أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال له أصحابه قد أسرع إليك الشيب قال شيبتني هود وأخواتها من المفصل وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال شيبتني هود وأخواتها وما فعل بالأمم قبل
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة هود الآية ( 1 2 )


"""""" صفحة رقم 480 """"""
سورة هود الآية ( 3 8 )
هود : ( 1 ) الر كتاب أحكمت . . . . .
قوله ) الر ( إن كان مسرودا على سبيل التعديد كما في سائر فواتح السور فلا محل له وإن كان اسما للسورة فهو في محل رفع على أنه مبتدأ خبره ما بعده أو خبر مبتدأ محذوف و ) كتاب ( يكون على هذا الوجه خبرا لمبتدأ محذوف أي هذا كتاب وكذا على تقدير أن ) الر ( لا محل له ويجوز أن يكون ) الر ( في محل نصب بتقدير فعل يناسب المقام نحو اذكر أو اقرأ فيكون كتاب على هذا الوجه خبر مبتدأ محذوف والإشارة في المبتدأ المقدر إما إلى بعض القرآن أو إلى مجموع القرآن ومعنى ) أحكمت آياته ( صارت محكمة متقنة لا نقص فيها ولا نقض لها كالبناء المحكم وقيل معناه إنها لم تنسخ بخلاف التوراة والإنجيل وعلى هذا فيكون هذا الوصف للكتاب باعتبار الغالب وهو المحكم الذى لم ينسخ وقيل معناه أحكمت آياته بالأمر والنهي ثم فصلت بالوعد والوعيد والثواب والعقاب وقيل أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بالحلال والحرام وقيل أحكمت جملته ثم فصلت آياته وقيل جمعت في اللوح المحفوظ ثم فصلت بالوحي وقيل أيدت بالحجج القاطعة الدالة على كونها من عند الله وقيل معنى إحكامها أن لا فساد فيها أخذا من قولهم أحكمت الدابة إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح و ) ثم فصلت ( معطوف على أحكمت ومعناه ما تقدم والتراخي المستفاد من ثم إما زماني إن فسر التفصيل بالتنجيم على حسب المصالح وإما رتبي إن فسر بغيره مما تقدم والجمل في محل رفع على أنها صفة لكتاب أو خبر آخر للمبتدإ أو خبر لمبتدإ محذوف وفي قوله ) من لدن حكيم خبير ( لف ونشر لأن المعنى أحكمها حكيم وفصلها خبير عالم بمواقع الأمور
هود : ( 2 ) ألا تعبدوا إلا . . . . .
قوله ) ألا تعبدوا إلا الله ( مفعول له حذف منه اللام كذا في الكشاف وفيه أنه ليس بفعل لفاعل المعلل وقيل أن هى المفسرة لما في التفصيل من معنى القول وقيل هو كلام مبتدأ منقطع عما قبله محكيا على لسان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الكسائي والفراء التقدير أحكمت بأن لا تعبدوا إلا الله وقال الزجاج أحكمت ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا الله ثم أخبرهم رسول الله


"""""" صفحة رقم 481 """"""
( صلى الله عليه وسلم ) بأنه نذير وبشير فقال ) إنني لكم منه نذير وبشير ( أي ينذرهم ويخوفهم من عذابه لمن عصاه ويبشرهم بالجنة والرضوان لمن أطاعه والضمير في منه راجع إلى الله سبحانه أي إنني لكم نذير وبشير من جهة الله سبحانه وقيل هو من كلام الله سبحانه كقوله ) ويحذركم الله نفسه )
هود : ( 3 ) وأن استغفروا ربكم . . . . .
قوله ) وأن استغفروا ربكم ( معطوف على ألا تعبدوا والكلام في أن هذه كالكلام في التى قبلها وقوله ) ثم توبوا إليه ( معطوف على استغفروا وقدم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة لكونه وسيلة إليها وقيل إن التوبة من متممات الاستغفار وقيل معنى استغفروا توبوا ومعنى توبوا أخلصوا التوبة واستقيموا عليها وقيل استغفروا من سالف الذنوب ثم توبوا من لاحقها وقيل استغفروا من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة قال الفراء ثم هاهنا بمعنى الواو أي وتوبوا إليه لأن الاستغفار هو التوبة والتوبة هى الاستغفار وقيل إنما قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هى الغرض المطلوب والتوبة هى السبب إليها وما كان آخرا في الحصول كان أولا في الطلب وقيل استغفروا في الصغائر وتوبوا إليه في الكبائر ثم رتب على ما تقدم أمرين الأول ) يمتعكم متاعا حسنا ( أصل الإمتاع الإطالة ومنه أمتع الله بك فمعنى الآية بطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية من سعة الرزق ورغد العيش ) إلى أجل مسمى ( إلى وقت مقدر عند الله وهو الموت وقيل القيامة وقيل دخول الجنة والأول أولى والأمر الثاني قوله ) ويؤت كل ذي فضل فضله ( أي يعط كل ذي فضل في الطاعة والعمل فضله أي جزاء فضله إما في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما جميعا والضمير في فضله راجع إلى كل ذي فضل وقيل راجع إلى الله سبحانه على معنى أن الله يعطي كل من فضلت حسناته فضله الذى يتفضل به على عباده ثم توعدهم على مخالفة الأمر فقال ) وإن تولوا ( أي تتولوا وتعرضوا عن الإخلاص في العبادة والاستغفار والتوبة ) فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ( وهو يوم القيامة ووصفه بالكبر لما فيه من الأهوال وقيل اليوم الكبير يوم بدر
هود : ( 4 ) إلى الله مرجعكم . . . . .
ثم بين سبحانه عذاب اليوم الكبير بقوله ) إلى الله مرجعكم ( أي رجوعكم إليه بالموت ثم البعث ثم الجزاء لا إلى غيره ) وهو على كل شيء قدير ( ومن جملة ذلك عذابكم على عدم الامتثال وهذه الجملة مقررة لما قبلها
هود : ( 5 ) ألا إنهم يثنون . . . . .
ثم أخبر الله سبحانه بأن هذا الإنذار والتحذير والتوعد لم ينجع فيهم ولا لانت له قلوبهم بل هم مصرون على العناد مصممون على الكفر فقال مصدرا لهذا الإخبار بكلمة التنبيه الدالة على التعجب من حالهم وأنه أمر ينبغي أن يتنبه له العقلاء ويفهموه ) ألا إنهم يثنون صدورهم ( يقال ثنى صدره عن الشيء إذا ازور عنه وانحرف منه فيكون في الكلام كناية عن الإعراض لأن من أعرض عن الشيء ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه وقيل معناه يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق فيكون في الكلام كناية عن الإخفاء لما يعتقدونه من الكفر كما كان دأب المنافقين والوجه الثاني أولى ويؤيده قوله ) ليستخفوا منه ( أي ليستخفوا من الله فلا يطلع عليه رسوله والمؤمنين أو ليستخفوا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم كرر كلمة التنبيه مبينا للوقت الذى يثنون فيه صدورهم فقال ) ألا حين يستغشون ثيابهم ( أي يستخفون في وقت استغشاء الثياب وهو التغطي بها وقد كانوا يقولون إذا أغلقنا أبوابنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد فمن يعلم بنا وقيل معنى حين يستغشون حين يأوون إلى فراشهم ويتدثرون بثيابهم وقيل إنه حقيقة وذلك أن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه لئلا يسمع كلام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجملة ) يعلم ما يسرون وما يعلنون ( مستأنفة لبيان أنه لا فائدة لهم في الاستخفاء لأن الله سبحانه يعلم ما يسرونه في أنفسهم أو في ذات بينهم وما يظهرونه فالظاهر والباطن عنده سواء والسر والجهر سيان وجملة ) إنه عليم بذات الصدور ( تعليل لما قبلها وتقرير له


"""""" صفحة رقم 482 """"""
وذات الصدور هى الضمائر التى تشتمل عليها الصدور وقيل هى القلوب
هود : ( 6 ) وما من دابة . . . . .
والمعنى إنه عليم بجميع الضمائر أو عليم بالقلوب وأحوالها في الإسرار والإظهار فلا يخفى عليه شئ من ذلك ثم أكد كونه عالما بكل المعلومات بما فيه غاية الامتنان ونهاية الإحسان فقال ) وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ( أي الرزق الذى تحتاج إليه من الغذاء اللائق بالحيوان على اختلاف أنواعه تفضلا منه وإحسانا وإنما جيء به على طريق الوجوب كما تشعر به كلمة ) على ( اعتبارا بسبق الوعد به منه ومن زائدة للتأكيد ووجه اتصال هذا الكلام بما قبله أن الله سبحانه لما كان لا يغفل عن كل حيوان باعتبار ما قسمه له من الرزق فكيف يغفل عن أحواله وأقواله وأفعاله والدابة كل حيوان يدب ) ويعلم مستقرها ( أي محل استقرارها في الأرض أو محل قرارها في الأصلاب ) ومستودعها ( موضعها في الأرحام وما يجري مجراها كالبيضة ونحوها وقال الفراء مستقرها حيث تأوى إليه ليلا ونهارا ومستودعها موضعها الذى تموت فيه وقد مر تمام الأقوال في سورة الأنعام ووجه تقدم المستقر على المستودع على قول الفراء ظاهر وأما على القول الأول فلعل وجه ذلك أن المستقر أنسب باعتبار ما هى عليه حال كونها دابة والمعنى وما من دابة في الأرض إلا يرزقها الله حيث كانت من أماكنها بعد كونها دابة وقبل كونها دابة وذلك حيث تكون في الرحم ونحوه ثم ختم الآية بقوله ) كل في كتاب مبين ( أي كل من ما تقدم ذكره من الدواب ومستقرها ومستودعها ورزقها في كتاب مبين وهو اللوح المحفوظ أي مثبت فيه
هود : ( 7 ) وهو الذي خلق . . . . .
ثم أكد دلائل قدرته بالتعرض لذكر خلق السموات والأرض وكيف كان الحال قبل خلقها فقال ) وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ( قد تقدم بيان هذا في الأعراف قيل والمراد بالأيام الأوقات أي في ستة أوقات كما في قوله ) ومن يولهم يومئذ دبره ( وقيل مقدار ستة أيام ولا يستقيم أن يكون المراد بالأيام هنا الأيام هنا الأيام المعروفة وهى المقابلة لليالي لأنه لم يكن حينئذ لا أرض ولا سماء وليس اليوم إلا عبارة عن مدة كون الشمس فوق الأرض وكان خلق السموات في يومين والأرضين في يومين وما عليهما من أنواع الحيوان والنبات والجماد في يومين كما سيأتي في حم السجدة قوله ) وكان عرشه على الماء ( أي كان قبل خلقهما عرشه على الماء وفيه بيان تقدم خلق العرش والماء على السموات والأرضين قوله ) ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( اللام متعلقة بخلق أي خلق هذه المخلوقات ليبتلي عباده بالاعتبار والتفكر والاستدلال على كمال قدرته وعلى البعث والجزاء أيهم أحسن عملا فيما أمر به ونهى عنه فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ويوفر الجزاء لمن كان أحسن عملا من غيره ويدخل في العمل الإعتقاد لأنه من أعمال القلب وقيل المراد بالأحسن عملا الأتم عقلا وقيل الأزهد في الدنيا وقيل الأكثر شكرا وقيل الأتقى لله قوله ) ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ( ثم لما كان الابتلاء يتضمن حديث البعث أتبع ذلك بذكره والمعنى لئن قلت لهم يا محمد على ما توجبه قضية الابتلاء إنكم مبعوثون من بعد الموت فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ليقولن الذين كفروا من الناس إن هذا الذى تقوله يا محمد إلا باطل كبطلان السحر وخدع كخدعه ويجوز أن تكون الإشارة بهذا إلى القرآن لأنه المشتمل على الإخبار بالبعث وقرأ حمزة والكسائي ? إن هذا إلا ساحر ? يعنون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكسرت إن من قوله ) إنكم ( لأنها بعد القول وحكى سيبويه الفتح على تضمين قلت معنى ذكرت أو على أن بمعنى عل أي ولئن قلت لعلكم مبعوثون على أن الرجاء باعتبار حال المخاطبين أي توقعوا ذلك ولا تبتوا القول بإنكاره
هود : ( 8 ) ولئن أخرنا عنهم . . . . .
) ولئن أخرنا عنهم العذاب ( أي الذى تقدم ذكره في قوله ) عذاب يوم كبير ( وقيل عذاب يوم القيامة وما بعده وقيل يوم بدر ) إلى أمة معدودة ( أي إلى طائفة من الأيام قليلة لأن ما يحصره العد قليل


"""""" صفحة رقم 483 """"""
والأمة اشتقاقها من الأم وهو القصد وأراد بها الوقت المقصود لإيقاع العذاب وقيل هى في الأصل الجماعة من الناس وقد يسمى الحين باسم ما يحصل فيه كقولك كنت عند فلان صلاة العصر أي في ذلك الحين فالمراد على هذا إلى حين تنقضي أمة معدودة من الناس ) ليقولن ما يحبسه ( أي أي شيء يمنعه من النزول استعجالا له على جهة الاستهزاء والتكذيب فأجابهم الله بقوله ) ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم ( أي ليس محبوسا عنهم بل واقع بهم لا محالة ويوم منصوب بمصروفا ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( أي أحاط بهم العذاب الذى كانوا يستعجلونه استهزاء منهم ووضع يستهزءون مكان يستعجلون لأن استعجالهم كان استهزاء منهم وعبر بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه فكأنه قد حاق بهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قرأ ) الر كتاب أحكمت آياته ( قال هى كلها محكمة يعني سورة هود ) ثم فصلت ( قال ثم ذكر محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) فحكم فيها بينه وبين من خالفه وقرأ مثل الفريقين الآية كلها ثم ذكر قوم نوح ثم هود فكان هذا تفصيل ذلك وكان أوله محكما قال وكان أبي يقول ذلك يعني زيد بن أسلم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله ) كتاب أحكمت آياته ( قال أحكمت بالأمر والنهي وفصلت بالوعد والوعيد وأخرج هؤلاء عن مجاهد ) فصلت ( قال فسرت وأخرج هؤلاء أيضا عن قتادة في الآية قال أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بعلمه فبين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته وفي قوله ) من لدن حكيم ( يعني من عند حكيم وفي قوله ) يمتعكم متاعا حسنا ( قال فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة الله ومعرفة حقه فإن الله منعم يحب الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من الله وذلك قضاؤه الذى قضاء وفي قوله ) إلى أجل مسمى ( يعني الموت وفي قوله ) ويؤت كل ذي فضل فضله ( أي في الآخرة وأخرج هؤلاء أيضا عن مجاهد في قوله يؤت كل ذي فضل فضله أي في الآخرة وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال يؤت كل ذي فضل في الإسلام فضل الدرجات في الآخرة وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ) ويؤت كل ذي فضل فضله ( قال من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات فإن عوقب بالسيئة التى عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات ثم يقول هلك من غلب آحاده أعشاره وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله ) ألا إنهم يثنون صدورهم ( الآية قال كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم قال البخاري وعن ابن عباس ) يستغشون ( يغطون رءوسهم وروى البخاري أيضا عن ابن عباس في تفسير هذه الآية يعني به الشك في الله وعمل السيئات وكذا روى عن مجاهد والحسن وغيرهما أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئا أو عملوه فيظنون أنهم يستخفون من الله بذلك فأعلمهم سبحانه أنه حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل ) يعلم ما يسرون ( من القول ) وما يعلنون ( وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن شداد بن الهاد في قوله ) ألا إنهم يثنون صدورهم ( قال كان المنافقون إذا مر أحدهم بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثنى صدره وتغشى ثوبه لكيلا يراه فنزلت وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله ) ألا حين يستغشون ثيابهم ( قال في ظلمة الليل في أجواف بيوتهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي رزين في الآية قال كان أحدهم يحني ظهره ويستغشى بثوبه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال كانوا يخبون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله قال تعالى ) ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون (


"""""" صفحة رقم 484 """"""
وذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا أحنى ظهره واستغشى بثوبه وأضمر همه في نفسه فإن الله لا يخفى عليه ذلك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال في الآية يكتمون ما في قلوبهم ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما عملوا بالليل والنهار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وما من دابة ( الآية قال يعني كل دابة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وما من دابة ( الآية قال يعني ما جاءها من رزق فمن الله وربما لم يرزقها حتى تموت جوعا ولكن ما كان لها من رزق لها فمن الله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ويعلم مستقرها ( قال حيث تأوي ومستودعها قال حيث تموت وأخرج ابن أبي حاتم عنه ) ويعلم مستقرها ( قال يأتيها رزقها حيث كانت وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال مستقرها في الأرحام ومستودعها حيث تموت ويؤيد هذا التفسير الذى ذكره ابن مسعود ما أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إذا كان أجل أحدكم بأرض أتيحت له إليها حاجة حتى إذا بلغ أقصى أثره منها فيقبض فتقول الأرض يوم القيامة هذا ما استودعتني وأخرج عبد الرزاق في المصنف والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه سئل عن قوله ) وكان عرشه على الماء ( على أي شيء كان الماء قال على متن الريح وقد وردت أحاديث كثيرة في صفة العرش وفي كيفية خلق السموات والأرض ليس هذا موضع ذكرها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ وابن مردويه عن ابن عمر قال تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ) ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( فقال ما معنى ذلك يا رسول الله قال ليبلوكم أيكم أحسن عقلا ثم قال وأحسنكم عقلا أورعكم عن محارم الله وأعملكم بطاعة الله وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال إنكم أتم عقلا وأخرج أيضا عن سفيان قال أزهدكم في الدنيا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال لما نزلت ) اقترب للناس حسابهم ( قال ناس إن الساعة قد اقتربت فتناهوا فتناهى القوم قليلا ثم عادوا إلى أعمالهم أعمال السوء فأنزل الله ) أتى أمر الله فلا تستعجلوه ( فقال ناس من أهل الضلال هذا أمر الله قد أتى فتناهى القوم ثم عادوا إلى مكرهم مكر السوء فأنزل الله هذه الآية ) ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) إلى أمة معدودة ( قال إلى أجل معدود وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) ليقولن ما يحبسه ( يعني أهل النفاق وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( يقول وقع بهم العذاب الذى استهزءوا به
سورة هود الآية ( 9 11 )


"""""" صفحة رقم 485 """"""
سورة هود الآية ( 12 17 )
هود : ( 9 ) ولئن أذقنا الإنسان . . . . .
اللام في ) ولئن أذقنا الإنسان ( هى الموطئة للقسم والإنسان الجنس فيشمل المؤمن والكافر ويدل على ذلك الاستثناء بقوله ) إلا الذين صبروا ( وقيل المراد جنس الكفار ويؤيده أن اليأس والكفران والفرح والفخر هى أوصاف أهل الكفر لا أهل الإسلام في الغالب وقيل المراد بالإنسان الوليد بن المغيرة وقيل عبد الله بن أمية المخزومي والمراد بالرحمة هنا النعمة من توفير الرزق والصحة والسلامة من المحن ) ثم نزعناها منه ( أن سلبناه إياها ) إنه ليؤوس ( أي آيس من الرحمة شديد القنوط من عودها وأمثالها والكفور عظيم الكفران وهو الجحود بها قاله ابن الأعرابي وفي إيراد صيغتي المبالغة في ) ليؤوس كفور ( ما يدل على أن الإنسان كثير اليأس وكثير الجحد عند أن يسلبه الله بعض نعمه فلا يرجو عودها ولا يشكر ما قد سلف له منها وفي التعبير بالذوق ما يدل على أنه يكون منه ذلك عند سلب أدنى نعمة ينعم الله بها عليه لأن الإذاقة والذوق أقل ما يوجد به الطعم
هود : ( 10 ) ولئن أذقناه نعماء . . . . .
والنعماء إنعام يظهر أثره على صاحبه والضراء ظهور أثر الإضرار على من أصيب به والمعنى أنه إن أذاق الله سبحانه العبد نعماءه من الصحة والسلامة والغني بعد أن كان في ضر من فقر أو مرض أو خوف لم يقابل ذلك بما يليق به من الشكر لله سبحانه بل يقول ذهب السيئات أي المصائب التى ساءته من الضر والفقر والخوف والمرض عنه وزال أثرها غير شاكر لله ولا مثن عليه بنعمه ) إنه لفرح فخور ( أي كثير الفرح بطرا وأشرا كثير الفخر على الناس والتطاول عليهم بما يتفضل الله به عليه من النعم وفي التعبير عن ملابسة الضر له بالمس مناسبة للتعبير في جانب النعماء بالإذاقة فإن كلاهما لأدنى ما يطلق عليه اسم الملاقاة كما تقدم
هود : ( 11 ) إلا الذين صبروا . . . . .
) إلا الذين صبروا ( فإن عادتهم الصبر عند نزول المحن والشكر عند حصول المنن قال الأخفش هو استثناء ليس من الأول أي ولكن الذين صبروا وعملوا الصالحات في حالتي النعمة والمحنة وقال الفراء هو استثناء من لئن أذقناه أي من الإنسان فإن الإنسان بمعنى الناس والناس يشمل الكافر والمؤمن فهو استثناء متصل والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الموصول باعتبار اتصافه بالصبر وعمل الصالحات ) لهم مغفرة ( لذنوبهم ) وأجر ( يؤجرون به لأعمالهم الحسنة ) كبير ( متناه في الكبر
هود : ( 12 ) فلعلك تارك بعض . . . . .
ثم سلى الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك (


"""""" صفحة رقم 486 """"""
أي فلعلك لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب واقتراح الآيات التى يقترحونها عليه على حسب هواهم وتعنتهم تارك بعض ما يوحى إليك مما أنزله الله عليك وأمرك بتبليغه مما يشق عليهم سماعه أو يستشقون العمل به كسب آلهتهم وأمرهم بالإيمان بالله وحده قيل وهذا الكلام خارج مخرج الاستفهام أي هل أنت تارك وقيل هو في معنى النفي مع الاستبعاد أي لا يكون منك ذلك بل تبلغهم جميع ما أنزل الله عليك أحبوا ذلك أم كرهوه شاءوا أم أبوا ) وضائق به صدرك ( معطوف على تارك والضمير في به راجع إلى ما أو إلى بعض وعبر بضائق دون ضيق لأن اسم الفاعل فيه معنى الحدوث والعروض والصفة المشبهة فيها معنى اللزوم ) أن يقولوا ( أي كراهة أن يقولوا أو مخافة أن يقولوا أو لئلا يقولوا ) لولا أنزل عليه كنز ( أي هلا أنزل عليه كنز أي مال مكنوز مخزون ينتفع به ) أو جاء معه ملك ( يصدقه ويبين لنا صحة رسالته ثم بين سبحانه أن حاله ( صلى الله عليه وسلم ) مقصور على النذارة فقال ) إنما أنت نذير ( ليس عليك إلا الإنذار بما أوحى إليك وليس عليك حصول مطلوبهم وإيجاد مقترحاتهم ) والله على كل شيء وكيل ( يحفظ ما يقولون وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل
هود : ( 13 ) أم يقولون افتراه . . . . .
قوله ) أم يقولون افتراه ( أم هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة وأضرب عما تقدم من تهاونهم بالوحي وعدم قنوعهم بما جاء به من المعجزات الظاهرة وشرع في ذكر ارتكابهم لما هو أشد من ذلك وهو افتراؤهم عليه بأنه افتراه والاستفهام للتوبيخ والتقريع والضمير المستتر في افتراه للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والبارز إلى ما يوحى ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بما يقطعهم ويبين كذبهم ويظهر به عجزهم فقال ) قل فأتوا بعشر سور مثله ( أي مماثلة له في البلاغة وحسن النظم وجزالة اللفظ وفخامة المعاني ووصف السور بما يوصف به المفرد فقال مثله ولم يقل أمثاله لأن المراد مماثلة كل واحد من السور أو لقصد الإيماء إلى وجه الشبه ومداره المماثلة في شيء واحد وهو البلاغة البالغة إلى حد الإعجاز وهذا إنما هو على القول بأن المطابقة في الجمع والتثنية والإفراد شرط ثم وصف السور بصفة أخرى فقال ) مفتريات وادعوا ( للاستظهار على المعارضة بالعشر السور ) من استطعتم ( دعاءه وقدرتم على الاستعانة به من هذا النوع الإنساني وممن تعبدونه وتجعلونه شريكا لله سبحانه قوله ) من دون الله ( متعلق بادعوا أي ادعوا من استطعتم متجاوزين الله تعالى ) إن كنتم صادقين ( فيما تزعمون من افترائي له
هود : ( 14 ) فإن لم يستجيبوا . . . . .
) فإن لم يستجيبوا لكم ( أي فإن لم يفعلوا ما طلبته منهم وتحديتهم به من الإتيان بعشر سور مثله ولا استجابوا إلى المعارضة المطلوبة منهم ويكون الضمير في لكم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين أو للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده وجمع تعظيما وتفخيما ) فاعلموا ( أمر لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين أو للرسول وحده على التأويل الذى سلف قريبا ومعنى أمرهم بالعلم أمرهم بالثبات عليه لأنهم عالمون بذلك من قبل عجز الكفار عن الإتيان بعشر سور مثله أو المراد بالأمر بالعلم الأمر بالازدياد منه إلى حد لا يشوبه شك ولا تخالطه شبهة وهو علم اليقين والأول أولى ومعنى ) أنما أنزل بعلم الله ( أنه أنزل متلبسا بعلم الله المختص به الذى لا تطلع على كنهه العقول ولا تستوضح معناه الأفهام لما اشتمل عليه من الإعجاز الخارج عن طوق البشر ) وأن لا إله إلا هو ( أي واعلموا أن الله هو المتفرد بالألوهية لا شريك له ولا يقدر غيره على ما يقدر عليه ثم ختم الآية بقوله ) فهل أنتم مسلمون ( أي ثابتون على الإسلام مخلصون له مزدادون من الطاعات لأنه قد حصل لكم بعجز الكفار عن الإتيان بمثل عشر سور من هذا الكتاب طمأنينة فوق ما كنتم عليه وبصيرة زائدة وإن كنتم مسلمين من قبل هذا فإن الثبوت عليه وزيادة البصيرة فيه والطمأنينة به مطلوب منكم وقيل إن الضمير في ) فإن لم يستجيبوا ( للموصول في من استطعتم وضمير لكم للكفار الذين تحداهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكذلك ضمير فاعلموا والمعنى فإن


"""""" صفحة رقم 487 """"""
لم يستجب لكم من دعوتموهم للمعاضدة والمناصرة على الإتيان بعشر سور من سائر الكفار ومن يعبدونهم ويزعمون أنهم يضرون وينفعون فاعلموا أن هذا القرآن الذى أنزله الله على هذا الرسول خارج عن قدرة غيره سبحانه وتعالى لما اشتمل عليه من الإعجاز الذى تتقاصر دونه قوة المخلوقين وأنه أنزل بعلم الله الذى لا تحيط به العقول ولا تبلغه الأفهام واعلموا أنه المنفرد بالألوهية لا شريك له فهل أنتم بعد هذا مسلمون أي داخلون في الإسلام متبعون لأحكامه مقتدون بشرائعه وهذا الوجه أقوى من الوجه الأول من جهة وأضعف منه من جهة فأما جهة قوته فلا نتساق الضمائر وتناسبها وعدم احتياج بعضها إلى تأويل وأما ضعفه فلما في ترتيب الأمر بالعلم على عدم الاستجابة ممن دعوهم واستعانوا بهم من الخفاء واحتياجه إلى تكلف وهو أن يقال إن عدم استجابة من دعوهم واستعانوا بهم من الكفار والآلهة مع حرصهم على نصرهم ومعاضدتهم ومبالغتهم في عدم إيمانهم واستمرارهم على الكفر يقيد حصول العلم لهؤلاء الكفار بأن هذا القرآن من عند الله وأن الله سبحانه هو الإله وحده لا شريك له وذلك يوجب دخولهم في الإسلام واعلم أنه قد اختلف التجدي للكفار بمعارضة القرآن فتارة وقع بمجموع القرآن كقوله ) قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ( وبعشر سور كما في هذه الآية وذلك لأن العشرة أول عقد من العقود وبسورة منه كما تقدم وذلك لأن السورة أقل طائفة منه
هود : ( 15 ) من كان يريد . . . . .
ثم إن الله سبحانه توعد من كان مقصور الهمة على الدنيا لا يطلب غيرها ولا يريد سواها فقال ) من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ( قال الفراء إن كان هذه زائدة ولهذا جزم الجواب وقال الزجاج ) من كان ( في موضع جزم بالشرط وجوابه نوف إليهم أي من يكن يريد
واختلف أهل التفسير في هذه الآية فقال الضحاك نزلت في الكفار واختاره النحاس بدليل الآية التى بعدها ) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ( وقيل الآية واردة في الناس على العموم كافرهم ومسلمهم
والمعنى أن من كان يريد بعمله حظ الدنيا يكافأ بذلك والمراد بزينتها ما يزينها ويحسنها من الصحة والأمن والسعة في الرزق وارتفاع الحظ ونفاذ القول ونحو ذلك وإدخال ) كان ( في الآية يفيد أنهم مستمرون على إرادة الدنيا بأعمالهم لا يكادون يريدون الآخرة ولهذا قيل إنهم مع إعطائهم حظوظ الدنيا يعذبون في الآخرة لأنهم جردوا قصدهم إلى الدنيا ولم يعملوا للآخرة وظاهر قوله ) نوف إليهم أعمالهم فيها ( أن من أراد بعمله الدنيا حصل له الجزاء الدنيوي ولا محالة ولكن الواقع في الخارج يخالف ذلك فليس كل متمن ينال من الدنيا أمنيته وإن عمل لها وأرادها فلا بد من تقييد ذلك بمشيئة الله سبحانه قال القرظي ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة وكذلك الآية التى في الشورى ) من كان يريد حرث الآخرة نزد له ( وكذلك ) ومن كان يريدحرث الدنيا ( قيدتها وفسرتها التى في سبحان ) من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ( قوله ) وهم فيها لا يبخسون ( أي وهؤلاء المريدون بأعمالهم الدنيا هم فيها أي في الدنيا لا يبخسون أي لا ينقصون من جزائهم فيها بحسب أعمالهم لها وذلك في الغالب وليس بمطرد بل إن قضت به مشيئته سبحانه ورجحته حكمته البالغة وقال القاضي معنى الآية من كان يريد بعمل الخير الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما ينالون من الصحة والكفاف وسائر اللذات والمنافع فخص الجزاء بمثل ما ذكره وهو حاصل لكل عامل للدنيا ولو كان قليلا يسيرا
هود : ( 16 ) أولئك الذين ليس . . . . .
قوله ) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ( الإشارة إلى المريدين المذكورين ولا بد من تقييد هذا بأنهم لم يريدوا الآخرة بشئ من الأعمال المعتد بها الموجبة للجزاء الحسن في الدار الآخرة أو تكون الآية خاصة بالكفار كما تقدم ) وحبط ما صنعوا ( أي ظهر في الدار الآخرة


"""""" صفحة رقم 488 """"""
حبوط ما صنعوه من الأعمال التى كانت صورتها صورة الطاعات الموجبة للجزاء الأخروي لولا أنهم أفسدوها بفساد مقاصدهم وعدم الخلوص وإرادة ما عند الله في دار الجزاء بل قصروا ذلك على الدنيا وزينتها ثم حكم سبحانه ببطلان عملهم فقال ) وباطل ما كانوا يعملون ( أي أنه كان عملهم في نفسه باطلا غير معتد به لأنه لم يعمل لوجه صحيح يوجب الجزاء ويترتب عليه ما يترتب على العمل الصحيح
هود : ( 17 ) أفمن كان على . . . . .
قوله ) أفمن كان على بينة من ربه ( بين سبحانه أن بين من كان طالبا للدنيا فقط ومن كان طالبا للآخرة تفاوتا عظيما وتباينا بعيدا والمعنى أفمن كان على بينة من ربه في اتباع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والإيمان بالله كغيره ممن يريد الحياة الدنيا وزينتها وقيل المراد بمن كان على بينة من ربه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي أفمن كان معه بيان من الله ومعجزة كالقرآن ومعه شاهد كجبريل وقد بشرت به الكتب السالفة كمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ومعنى البينة البرهان الذى يدل على الحق والضمير في قوله ) ويتلوه شاهد ( راجع إلى البينة باعتبار تأويلها بالبرهان والضمير في منه راجع إلى القرآن لأن قد تقدم ذكره في قوله ) أم يقولون افتراه ( أو راجع إلى الله تعالى والمعنى ويتلو البرهان الذى هو البينة شاهد يشهد بصحته من القرآن أو من الله سبحانه والشاهد هو الإعجاز الكائن في القرآن أو المعجزات التى ظهرت لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن ذلك من الشواهد التابعة للقرآن وقال الفراء قال بعضهم ويتلوه شاهد منه الإنجيل وإن كان قبله فهو يتلو القرآن في التصديق والهاء في منه لله عز وجل وقيل المراد بمن كان على بينة من ربه هم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه قوله ) ومن قبله كتاب موسى ( معطوف على شاهد والتقدير ويتلو الشاهد شاهد آخر من قبله هو كتاب موسى فهو وإن كان متقدما في النزول فهو يتلو الشاهد في الشهادة وإنما قدم الشاهد على كتاب موسى مع كونه متأخرا في الوجود لكونه وصفا لازما غير مفارق فكان أغرق في الوصفية من كتاب موسى ومعنى شهادة كتاب موسى وهو التوراة أنه بشر بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخبر بأنه رسول من الله قال الزجاج والمعنى ويتلوه من قبله كتاب موسى لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) موصوف في كتاب موسى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وحكى أبو حاتم عن بعضهم أنه قرأ ) ومن قبله كتاب موسى ( بالنصب وحكاه المهدوي عن الكلبي فيكون معطوفا على الهاء في يتلوه والمعنى ويتلو كتاب موسى جبريل وانتصاب إماما ورحمة على الحال
والإمام هو الذى يؤتم به في الدين ويقتدى به والرحمة النعمة العظيمة التى أنعم الله بها على من أنزله عليهم وعلى من بعدهم باعتبار ما اشتمل عليه من الأحكام الشرعية الموافقة لحكم القرآن والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المتصفين بتلك الصفة الفاضلة وهو الكون على البينة من الله واسم الإشارة مبتدأ وخبره ) يؤمنون به ( أي يصدقون بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو بالقرآن ) ومن يكفر به من الأحزاب ( أي بالنبي أو بالقرآن والأحزاب المتحزبون على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل مكة وغيرهم أو المتحزبون من أهل الأديان كلها ) فالنار موعده ( أي هو من أهل النار لا محالة وفي جعل النار موعدا إشعار بأن فيها ما لا يحيط به الوصف من أفانين العذاب ومثله قول حسان أوردتموها حياض الموت صاحية
فالنار موعدها والموت لاقيها
) فلا تك في مرية منه ( أي لا تك في شك من القرآن وفيه تعريض بغيره ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه معصوم عن الشك في القرآن أو من الموعد ) إنه الحق من ربك ( فلا مدخل للشك فيه بحال من الأحوال ) ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (


"""""" صفحة رقم 489 """"""
بذلك مع وجوب الإيمان به وظهور الدلائل الموجبة له ولكنهم يعاندون مع علمهم بكونه حقا أو قد طبع على قلوبهم فلا يفهمون أنه الحق أصلا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فهل أنتم مسلمون ( قال لأصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس في قوله ) من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ( قال نزلت في اليهود والنصارى وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن معبد قال قام رجل إلى علي فقال أخبرنا عن هذه الآية ) من كان يريد الحياة الدنيا ( إلى قوله ) وباطل ما كانوا يعملون ( قال ويحك ذاك من كان يريد الدنيا لا يريد الآخرة وأخرج النحاس عن ابن عباس ) من كان يريد الحياة الدنيا ( أي ثوابها ) وزينتها ( مالها ) نوف إليهم ( نوفر لهم بالصحة والسرور في الأهل والمال والولد ) وهم فيها لا يبخسون ( لا ينقصون ثم نسخها ) من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء ( الآية وأخرج أبو الشيخ عن السدي مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال من عمل صالحا التماس الدنيا صوما أو صلاة أو تهجدا بالليل لا يعمله إلا التماس الدنيا يقول الله أو فيه الذى التمس في الدنيا وحبط عمله الذى كان يعمل وهو في الآخرة من الخاسرين وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال نزلت هذه الآية في أهل الشرك وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله ) نوف إليهم أعمالهم ( قال طيباتهم وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج نحوه وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) وحبط ما صنعوا فيها ( قال حبط ما عملوا من خير وبطل في الآخرة ليس لهم فيها جزاء وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال هم أهل الرياء وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن علي بن أبي طالب قال ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن فقال له رجل ما نزل فيك قال أما تقرأ سورة هود ) أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ( رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بينة من ربه وأنا شاهد منه وأخرج ابن عساكر وابن مردويه من وجه آخر عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أفمن كان على بينة من ربه أنا ويتلوه شاهد منه علي وأخرج أبو الشيخ عن أبي العالية في قوله ) أفمن كان على بينة من ربه ( قال ذاك محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم نحوه
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ عن محمد بن علي بن أبي طالب قال قلت لأبي إن الناس يزعمون في قوله الله سبحانه ) ويتلوه شاهد منه ( أنك أنت التالي قال وددت أني أنا هو ولكنه لسان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة عن ابن عباس أن الشاهد جبريل ووافقه سعيد بن جبير وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال جبريل هو شاهد من الله بالذى يتلوه من كتاب الله الذى أنزل على محمد ) ومن قبله كتاب موسى ( قال ومن قبله التوراة على لسان موسى كما تلا القرآن على لسان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن الحسن بن علي في قوله ) ويتلوه شاهد منه ( قال محمد هو الشاهد من الله وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم ) ومن قبله كتاب موسى ( قال ومن قبله جاء الكتاب إلى موسى وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن قتادة ) ومن يكفر به من الأحزاب ( قال الكفار أحزاب كلهم على الكفر وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال ) ومن يكفر به من الأحزاب ( قال من اليهود والنصارى


"""""" صفحة رقم 490 """"""
سورة هود الآية ( 18 24 )
هود : ( 18 ) ومن أظلم ممن . . . . .
قوله ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( أي لا أحد أظلم منهم لأنفسهم لأنهم افتروا على الله كذبا بقوله لأصنامهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله وقولهم الملائكة بنات الله وأضافوا كلامه سبحانه إلى غيره واللفظ وإن كان لا يقتضى إلا نفي وجود من هو أظلم منهم كما يفيده الاستفهام الإنكاري فالمقام يفيد نفي المساوي لهم في الظلم فالمعنى على هذا لا أحد مثلهم في الظلم فضلا عن أن يوجد من هو أظلم منهم والإشارة بقوله أولئك إلى الموصوفين بالظلم المتبالغ وهو مبتدأ وخبره يعرضون على ربهم فيحاسبهم على أعمالهم أو المراد بعرضهم عرض أعمالهم ) ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ( الأشهاد هم الملائكة الحفظة وقيل المرسلون وقيل الملائكة والمرسلون والعلماء الذى بلغوا ما أمرهم الله بإبلاغه وقيل جميع الخلائق والمعنى أنه يقول هؤلاء الأشهاد عند العرض هؤلاء المعرضون أو المعروضة أعمالهم الذين كذبوا على ربهم بما نسبوه إليه ولم يصرحوا بما كذبوا به كأنه كان أمرا معلوما عند أهل ذلك الموقف قوله ) ألا لعنة الله على الظالمين ( هذا من تمام كلام الأشهاد أي يقولون هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ويقولون ألا لعنة الله على الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالافتراء ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه قاله بعد ما قال الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم والأشهاد جمع شهيد ورجحه أبو علي بكثرة ورود شهيد في القرآن كقوله ) ويكون الرسول عليكم شهيدا ( ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ( وقيل هو جمع شاهد كأصحاب وصاحب والفائدة في قول الأشهاد بهذه المقالة المبالغة في فضيحة الكفار والتقريع لهم على رءوس الأشهاد
هود : ( 19 ) الذين يصدون عن . . . . .
ثم وصف هؤلاء الظالمين الذين لعنوا بأنهم ) الذين يصدون عن سبيل الله ( أي يمنعون من قدروا على منعه عن دين الله والدخول فيه ) ويبغونها عوجا ( أي يصفونها بالاعوجاج تنفيرا للناس عنها أو يبغون أهلها أن يكونوا معوجين بالخروج عنها إلى الكفر يقال بغيتك شرا أي طلبته لك و الحال أن ) وهم بالآخرة كافرون ( أي يصفونها بالعوج والحال أنهم بالآخرة غير مصدقين فكيف يصدون الناس عن طريق الحق وهم على الباطل البحت وتكرير الضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به حتى كأن كفر غيرهم غير معتد به بالنسبة إلى عظيم كفرهم
هود : ( 20 ) أولئك لم يكونوا . . . . .
) أولئك ( الموصوفون بتلك الصفات ) لم يكونوا معجزين في الأرض ( أي ما كانوا يعجزون الله في الدنيا إن أراد عقوبتهم ) وما كان لهم من دون الله من أولياء (


"""""" صفحة رقم 491 """"""
يدفعون عنهم ما يريده الله سبحانه من عقوبتهم وإنزال بأسه بهم وجملة ) يضاعف لهم العذاب ( مستأنفة لبيان أن تأخير العذاب والتراخي عن تعجيله لهم ليكون عذابا مضاعفا وقرأ ابن كثير وابن عامر ويزيد ويعقوب يضعف مشددا ) ما كانوا يستطيعون السمع ( أي أفرطوا في إعراضهم عن الحق وبعضهم له حتى كأنهم لا يقدرون على السمع ولا يقدرون على الإبصار لفرط تعاميهم عن الصواب ويجوز أن يراد بقوله ) وما كان لهم من دون الله من أولياء ( أنهم جعلوا آلهتهم أولياء من دون الله ولا ينفعهم ذلك فما كان هؤلاء الأولياء يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون فكيف ينفعونهم فيجلبون لهم نفعا أو يدفعون عنهم ضررا ويجوز أن تكون ) ما ( هى المدية والمعنى أنه يضاعف لهم العذاب مدة استطاعتهم السمع والبصر قال الفراء ما كانوا يستطيعون السمع لأن الله أضلهم في اللوح المحفوظ وقال الزجاج لبغضهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعدواتهم له لا يستطيعون أن يسمعوا منه ولا يفهموا عنه قال النحاس هذا معروف في كلام العرب يقال فلان لا يستطيع أن ينظر إلى فلان إذا كان ثقيلا عليه
هود : ( 21 ) أولئك الذين خسروا . . . . .
) أولئك ( المتصفون بتلك الصفات ) الذين خسروا أنفسهم ( بعبادة غير الله والمعنى اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله فكان خسرانهم في تجارتهم أعظم خسران ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( أي ذهب وضاع ما كانوا يفترون من الآلهة التى يدعون أنها تشفع لهم ولم يبق بأيديهم إلا الخسران
هود : ( 22 ) لا جرم أنهم . . . . .
قوله ) لا جرم ( قال الخليل وسيبويه ) لا جرم ( بمعنى حق فهي عندهما بمنزلة كلمة واحدة وبه قال الفراء
وروى عن الخليل والفراء أنها بمنزلة قولك لا بد ولا محالة ثم كثر استعمالها حتى صارت بمنزلة حقا وقال الزجاج إن جرم بمعنى كسب أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران وفاعل كسب مضمر وأن منصوبة بجرم قال الأزهري وهذا من أحسن ما نقل في هذه اللغة وقال الكسائي معنى لا جرم لا صد ولا منع عن أنهم في الآخرة هم الأخسرون وقال جماعة من النحويين إن معنى لا جرم لا قطع قاطع ) أنهم في الآخرة هم الأخسرون ( قالوا والجرم القطع وقد جرم النخل واجترمه أي قطعه وفي هذه الآية بيان أنهم في الخسران قد بلغوا إلى حد يتقاصر عنه غيرهم ولا يبلغ إليه وهذه الآيات مقررة لما سبق من نفي المماثلة بين من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها وبين من كان على بينة من ربه
هود : ( 23 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا ( أي صدقوا بكل ما يجب التصديق به من كون القرآن من عند الله وغير ذلك من خصال الإيمان ) وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم ( أي أنابوا إليه وقيل خشعوا وقيل خضعوا قيل وأصل الإخبات الاستواء في الخبث وهو الأرض المستوية الواسعة فيناسب معنى الخشوع والاطمئنان قال الفراء إلى ربهم ولربهم واحد ) أولئك ( الموصوفون بتلك الصفات الصالحة ) أصحاب الجنة هم فيها خالدون )
هود : ( 24 ) مثل الفريقين كالأعمى . . . . .
قوله ) مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ( ضرب للفريقين مثلا وهو تشبيه فريق الكافرين بالأعمى والأصم وتشبيه فريق المؤمنين بالبصير والسميع على أن كل فريق شبه بشيئين أو شبه بمن جمع بين الشيئين فالكافر شبه بمن جمع بين العمى والصمم والمؤمن شبه بمن جمع بن السمع والبصر وعلى هذا تكون الواو في ) والأصم ( وفي ) والسميع ( لعطف الصفة على الصفة كما في قول الشاعر إلى الملك القرم وابن الهمام
والاستفهام في قوله ) هل يستويان ( للإنكار يعني الفريقين وهذه الجملة مقررة لما تقدم من قوله ) أفمن كان على بينة من ربه ( وانتصاب مثلا على التمييز من فاعل يستويان أي هل يستويان حالا وصفة ) أفلا تذكرون ( في عدم استوائهما وفيما بينهما من التفاوت الظاهر الذى لا يخفى على من له تذكر وعنده تفكر وتأمل والهمزة لإنكار عدم التذكر واستبعاد صدوره عن المخاطبين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) ومن أظلم ( قال الكافر والمنافق ) أولئك يعرضون على ربهم (


"""""" صفحة رقم 492 """"""
فيسألهم عن أعمالهم ) ويقول الأشهاد ( الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا ) هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ( شهدوا به عليهم يوم القيامة وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال الأشهاد الملائكة وأخرج أبو الشيخ عن قتادة نحوه وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن الله يدني المؤمن حتى يضع كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول رب أعرف حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطي كتاب حسناته وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) الذين يصدون عن سبيل الله ( قال هو محمد يعني سبيل الله صدت قريش عنه الناس وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) ويبغونها عوجا ( يعني يرجون بمكة غير الإسلام دينا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض ( الآية قال أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فإنه قال ) ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ( وأما في الآخرة فإنه قال ) فلا يستطيعون خاشعة ( وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ما كانوا يستطيعون السمع ( قال ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خيرا فينتفعوا به ولا يبصروا خيرا فيأخذوا به وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وأخبتوا ( قال خافوا وأخرج ابن جرير عنه قال الإخبات الإنابة
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ قال الإخبات الخشوع والتواضع وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال اطمأنوا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) مثل الفريقين كالأعمى والأصم ( قال الكافر ) والبصير والسميع ( قال المؤمن
سورة هود الآية ( 25 31 )


"""""" صفحة رقم 493 """"""
سورة هود الآية ( 32 34 )
هود : ( 25 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
لما أورد سبحانه على الكفار المعاصرين لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنواع الدلائل التى هى أوضح من الشمس أكد ذلك بذكر القصص على طريقة التفنن في الكلام ونقله من أسلوب إلى أسلوب لتكون الموعظة أظهر والحجة أبين والقبول أتم فقال ) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ( قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح الهمزة على تقدير حرف الجر أي أرسلناه بأني أي أرسلناه متلبسا بذلك الكلام وهو أني لكم نذير مبين وقرأ الباقون بالكسر على إرادة القول أي قائلا إني لكم والواو في ولقد للابتداء واللام هى الموطئة للقسم واقتصر على النذارة دون البشارة لأن دعوته كانت لمجرد الإنذار أو لكونهم لم يعملوا بما بشرهم به
هود : ( 26 ) أن لا تعبدوا . . . . .
وجملة ) أن لا تعبدوا إلا الله ( بدل من إني لكم نذير مبين أي أرسلناه بأن لا تعبدوا إلا الله أو تكون أن مفسرة متعلقة بأرسلنا أو بنذير أو بمبين وجملة ) إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ( تعليلية والمعنى نهيتكم عن عبادة غير الله لأني أخاف عليكم وفيها تحقيق لمعنى الإنذار واليوم الأليم هو يوم القيامة أو يوم الطوفان ووصفه بالأليم من باب الإسناد المجازي مبالغة
هود : ( 27 ) فقال الملأ الذين . . . . .
ثم ذكر ما أجاب به قومه عليه وهذا الجواب يتضمن الطعن منهم في نبوته من ثلاث جهات فقال ) فقال الملأ الذين كفروا من قومه ( والملأ الأشراف كما تقدم غير مرة ووصفهم بالكفر ذما لهم وفي دليل على أن بعض أشراف قومه لم يكونوا كفرة ) ما نراك إلا بشرا مثلنا ( هذه الجهة الأولى من جهات طعنهم في نبوته أي نحن وأنت مشتركون في البشرية فلم يكن لك علينا مزية تستحق بها النبوة دوننا والجهة الثانية ) وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ( ولم يتبعك أحد من الأشراف فليس لك مزية علينا باتباع هؤلاء الأراذل لك والأراذل جمع أرذل وأرذل جمع رذل مثل أكالب وأكلب وكلب وقيل الأراذل جمع الأرذل كالأساود جمع أسود وهم السفلة قال النحاس الأراذل الفقراء والذين لا حسب لهم والحسب الصناعات قال الزجاج نسبوهم إلى الحياكة ولم يعلموا أن الصناعات لا أثر لها في الديانة وقال ثعلب عن ابن الأعرابي السفلة هو الذى يصلح الدنيا بدينه قيل له فمن سفلة السفلة قال الذى يصلح دنيا غيره بفساد دينه والظاهر من كلام أهل اللغة أن السفلة هو الذى يدخل في الحرف الدنية والرؤية في الموضعين إن كانت القلبية فبشرا في الأول واتبعك في الثاني هما المفعول الثاني وإن كانت البصرية فهما منتصبان على الحال وانتصاب بادي الرأي على الظرفية والعامل فيه اتبعك والمعنى في ظاهر الرأي من غير تعمق يقال بدا يبدو إذا ظهر قال الأزهري معناه فيما يبدو لنا من الرأي والوجه الثالث من جهات قدحهم في نبوته ) وما نرى لكم علينا من فضل ( خاطبوه في الوجهين الأولين منفردا وفي هذا الوجه خاطبوه مع متبعيه أي ما نرى لك ولمن اتبعك من الأراذل علينا من فضل يتميزون به وتستحقون ما تدعونه ثم أضربوا عن الثلاثة المطاعن وانتقلوا إلى ظنهم المجرد عن البرهان الذى لا مستند له إلا مجرد العصبية والحسد واستبقاء ما هم فيه من الرياسة الدنيوية فقالوا ) بل نظنكم كاذبين ( فيما تدعونه ويجوز أن يكون هذا خطابا للأراذل وحدهم والأول أولى لأن الكلام مع نوح لا معهم إلا بطريق التبعية له
هود : ( 28 ) قال يا قوم . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما أجاب به نوح عليهم فقال ) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ( أي أخبروني إن كنت على برهان من ربي في النبوة يدل على صحتها ويوجب عليكم قبولها مع كون


"""""" صفحة رقم 494 """"""
ما جعلتموه قادحا ليس بقادح في الحقيقة فإن المساواة في صفة البشرية لا تمنع المفارقة في صفة النبوة واتباع الأراذل كما تزعمون ليس مما يمنع من النبوة فإنهم مثلكم في البشرية والعقل والفهم فاتباعهم لي حجة عليكم لا لكم ويجوز أن يريد بالبينة المعجزة ) وآتاني رحمة من عنده ( هى النبوة وقيل الرحمة المعجزة والبينة النبوة
قيل ويجوز أن تكون الرحمة هى البينة نفسها والأولى تفسير الرحمة بغير ما فسرت به البينة والإفراد في ) فعميت ( على إرادة كل واحدة منهما أو على إرادة البينة لأنها هى التى تظهر لمن تفكر وتخفى على من لم يتفكر ومعنى عميت خفيت وقيل الرحمة هى على الخلق وقيل هى الهداية إلى معرفة البرهان وقيل الإيمان يقال عميت عن كذا وعمى علي كذا إذا لم أفهمه قيل وهو من باب القلب لأن البينة أو الرحمة لا تعمى وإنما يعمى عنها فهو كقولهم أدخلت القلنسوة رأسي وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي وحفص ) فعميت ( بضم العين وتشديد الميم على البناء للمفعول أي فعماها الله عليكم وفي قراءة أبي ? فعماها عليكم ? والاستفهام في ) أنلزمكموها ( للإنكار أي لا يمكنني أن أضطركم إلى المعرفة بها والحال أنكم لها كارهون والمعنى أخبروني إن كنت على حجة ظاهرة الدلالة على صحة نبوتي إلا أنها خافية عليكم أيمكننا أن نضطركم إلى العلم بها والحال أنكم لها كارهون غير متدبرين فيها فإن ذلك لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وحكى الكسائي والفراء إسكان الميم الأولى في أنلزمكموها تخفيفا كما في قول الشاعر فاليوم أشرب غير مستحقب
إثما من الله ولا واغل
فإن إسكان الباء في أشرب للتخفيف وقد قرأ أبو عمرو كذلك
هود : ( 29 ) ويا قوم لا . . . . .
قوله ) ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله ( فيه التصريح منه عليه السلام بأنه لا يطلب على تبليغ الرسالة مالا حتى يكون بذلك محلا للتهمة ويكون لقول الكافرين مجال بأنه إنما ادعى ما ادعى طلبا للدنيا والضمير في عليه راجع إلى ما قاله لهم فيما قبل هذا وقوله ) وما أنا بطارد الذين آمنوا ( كالجواب عما يفهم من قولهم ) وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ( من التلميح منهم إلى إبعاد الأراذل عنه وقيل إنهم سألوه طردهم تصريحا لا تلميحا ثم علل ذلك بقوله ) إنهم ملاقوا ربهم ( أي لا أطردهم فإنهم ملاقون يوم القيامة ربهم فهو يجازيهم على إيمانهم لأنهم طلبوا بإيمانهم ما عنده سبحانه وكأنه قال هذا على وجه الإعظام لهم ويحتمل أنه قاله خوفا من مخاصمتهم له عند ربهم بسبب طرده لهم ثم بين لهم ما هم عليه في هذه المطالب التى طلبوها منه والعلل التى اعتلوا بها عن إجابته فقال ) ولكني أراكم قوما تجهلون ( كل ما ينبغي أن يعلم ومن ذلك استرذالهم للذين اتبعوه وسؤالهم له أن يطردهم
هود : ( 30 ) ويا قوم من . . . . .
ثم أكد عدم جواز طردهم بقوله ) ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم ( أي من يمنعني من عذاب الله وانتقامه إن طردتهم فإن طردهم بسبب سبقهم إلى الإيمان والإجابة إلى الدعوة التى أرسل الله رسوله لأجلها ظلم عظيم لا يقع من أنبياء الله المؤيدين بالعصمة ولو وقع منهم فرضا وتقديرا لكان فيه من الظلم ما لا يكون لو فعله غيرهم من سائر الناس وقوله ) أفلا تذكرون ( معطوف على مقدر كأنه قيل أتستمرون على ما أنتم عليه من الجهل بما ذكر أفلا تذكرون من أحوالهم ما ينبغي تذكره وتتفكرون فيه حتى تعرفوا ما أنتم عليه من الخطأ وما هم عليه من الصواب
هود : ( 31 ) ولا أقول لكم . . . . .
قوله ) ولا أقول لكم عندي خزائن الله ( بين لهم أنه كما لا يطلب منهم شيئا من أموالهم على تبليغ الرسالة كذلك لا يدعى أن عنده خزائن الله حتى يستدلوا بعدمها على كذبه كما قالوا ) وما نرى لكم علينا من فضل ( والمراد بخزائن الله خزائن رزقه ) ولا أعلم الغيب ( أي ولا أدعى أني أعلم بغيب الله بل لم أقل لكم إلا أني نذير مبين إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ) ولا أقول ( لكم ) إني ملك (


"""""" صفحة رقم 495 """"""
حتى تقولوا ما نراك إلا بشرا مثلنا وقد استدل بهذا من قال إن الملائكة أفضل من الأنبياء والأدلة في هذه المسئلة مختلفة وليس لطالب الحق إلى تحقيقها حاجة فليست مما كلفنا الله بعلمه ) ولا أقول للذين تزدري أعينكم ( أي تحتقر والازدراء مأخوذ من أزري عليه إذا عابه وزرى عليه إذا احتقره وأنشد الفراء يباعده الصديق وتزدريه
خليلته وينهره الصغير
والمعنى إني لا أقول لهؤلاء المتبعين لي المؤمنين بالله الذين تعيبونهم وتحتقرونهم ) لن يؤتيهم الله خيرا ( بل قد آتاهم الخير العظيم بالإيمان به واتباع نبيه فهو مجازيهم بالجزاء العظيم في الآخرة ورافعهم في الدنيا إلى أعلى محل ولا يضرهم احتقاركم لهم شيئا ) الله أعلم بما في أنفسهم ( من الإيمان به والإخلاص له فمجازيهم على ذلك ليس لي ولا لكم من أمرهم شئ ) إني إذا لمن الظالمين ( لهم إن فعلت ما تريدونه بهم أو من الظالمين لأنفسهم إن فعلت ذلك بهم
هود : ( 32 ) قالوا يا نوح . . . . .
ثم جاوبوه بغير ما تقدم من كلامهم وكلامه عجزا عن القيام بالحجة وقصورا عن رتبة المناظرة وانقطاعا عن المباراة بقولهم ) يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا ( أي خاصمتنا بأنواع الخصام ودفعتنا بكل حجة لها مدخل في المقام ولم يبق لنا في هذا الباب مجال فقد ضاقت علينا المسالك وانسدت أبواب الحيل ) فأتنا بما تعدنا ( من العذاب الذى تخوفنا منه وتخافه علينا ) إن كنت من الصادقين ( فيما تقوله لنا فأجاب بأن ذلك ليس إليه وإنما هو بمشيئة الله وإرادته
هود : ( 33 ) قال إنما يأتيكم . . . . .
و ) قال إنما يأتيكم به الله إن شاء ( فإن قضت مشيئته وحكمته بتعجيله عجله لكم وإن قضت مشيئته وحكمته بتأخيره أخره ) وما أنتم بمعجزين ( بفائتين عما أراده الله بكم بهرب أو مدافعة
هود : ( 34 ) ولا ينفعكم نصحي . . . . .
) ولا ينفعكم نصحي ( الذى أبذله لكم وأستكثر منه قياما مني بحق النصيحة لله بإبلاغ رسالته ولكم بإيضاح الحق وبيان بطلان ما أنتم عليه ) إن أردت أن أنصح لكم ( وجواب هذا الشرط مخذوف والتقدير إن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي كما يدل عليه ما قبله ) إن كان الله يريد أن يغويكم ( أي إن كان الله يريد إغواءكم فلا ينفعكم النصح مني فكان جواب هذا الشرط محذوفا كالأول وتقديره ما ذكرنا وهذا التقدير إنما هو على مذهب من يمنع من تقدم الجزاء على الشرط وأما على مذهب من يجيزه فجزاء الشرط الأول ولا ينفعكم نصحي وجزاء الشرط الثاني الجملة الشرطية الأولى وجزاؤها قال ابن جرير معنى يغويكم يهلككم بعذابه وظاهر لغة العرب أن الإغواء الإضلال فمعنى الآية لا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يضلكم عن سبيل الرشاد ويخذلكم عن طريق الحق وحكى عن طي أصبح فلان غاويا أو مريضا وليس هذا المعنى هو المراد في الآية وقد ورد الإغواء بمعنى الإهلاك ومنه ) فسوف يلقون غيا ( وهو غير ما في هذه الآية ) هو ربكم ( فإليه الإغواء وإليه الهداية ) وإليه ترجعون ( فيجازيكم بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ( قال فيما ظهر لنا وأخرج أبو الشيخ عن عطاء مثله وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) إن كنت على بينة من ربي ( قال قد عرفتها وعرفت بها أمره وأنه لا إله إلا هو ) وآتاني رحمة من عنده ( قال الإسلام الهدى والإيمان والحكم والنبوة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) أنلزمكموها ( قال أما والله لو استطاع نبي الله لألزمها قومه ولكنه لم يستطع ذلك ولم يمكنه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه كان يقرأ ? أنلزمكموها من شطر أنفسنا وأنتم لها كارهون ? وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال في قراءة أبي ? أنلزمكموها من شطر أنفسنا وأنتم لها كارهون ? وأخرج ابن


"""""" صفحة رقم 496 """"""
جرير وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه قرأ أنلزمكموها من شطر قلوبنا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) وما أنا بطارد الذين آمنوا ( قال قالوا له يا نوح إن أحببت أن نتبعك فاطردهم وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم في الأرض سواء وفي قوله ) إنهم ملاقوا ربهم ( قال فيسألهم عن أعمالهم ) ولا أقول لكم عندي خزائن الله ( التى لا يفنيها شيء فأكون إنما دعوتكم لتتبعوني عليها لا أعطيكم بملكه لي عليها ) ولا أعلم الغيب ( لا أقول اتبعوني على علمي بالغيب ) ولا أقول إني ملك ( نزلت من السماء برسالة ما أنا إلا بشر مثلكم
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد ) ولا أقول للذين تزدري أعينكم ( قال حقرتموهم وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) لن يؤتيهم الله خيرا ( قال يعني إيمانا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) فأتنا بما تعدنا ( قال تكذيبا بالعذاب وأنه باطل
سورة هود الآية ( 35 44 )
هود : ( 35 ) أم يقولون افتراه . . . . .
قوله ) أم يقولون افتراه ( أنكر سبحانه عليهم قولهم إن ما أوحي إلى نوح مفترى فقال ) أم يقولون افتراه ( ثم أمره أن يجيب بكلام متصف فقال ) قل إن افتريته فعلي إجرامي ( بكسر الهمزة على قراءة الجمهور مصدر أجرم إي فعل ما يوجب الإثم وجرم وأجرم بمعنى قاله النحاس والمعنى فعلى إثمي أو جزاء كسبي ومن قرأ بفتح الهمزة قال هو جمع جرم ذكره النحاس أيضا ) وأنا بريء مما تجرمون ( أي من إجرامكم بسبب ما تنسبونه


"""""" صفحة رقم 497 """"""
إلي من الافتراء قيل وفي الكلام حذف والتقدير لكن ما افتريته فالإجرام وعقابه ليس إلا عليكم وأنا بريء منه
وقد اختلف المفسرون في هذه الآية فقيل إنها حكاية عن نوح وما قاله لقومه وقيل هى حكاية عن المحاورة الواقعة بين نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وكفار مكة والأول أولى لأن الكلام قبلها وبعدها مع نوح عليه السلام
هود : ( 36 ) وأوحي إلى نوح . . . . .
قوله ) وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ( أنه لن يؤمن في محل رفع على أنه نائب الفاعل الذى لم يسم ويجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير الباء أي بأنه وفي الكلام تأييس له من إيمانهم وأنهم مستمرون على كفرهم مصممون عليه لا يؤمن أحد منهم إلا من قد سبق إيمانه ) فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ( البؤس الحزن أي فلا تحزن والبائس المستكين فنهاه الله سبحانه عن أن يحزن حزن مستكين لأن الابتئاس حزن فى استكانة ومنه قول الشاعر وكم من خليل أو حميم رزئته
فلم أبتئس والرزء فيه جليل
هود : ( 37 ) واصنع الفلك بأعيننا . . . . .
ثم إن الله سبحانه لما أخبره أنهم لا يؤمنون ألبتة عرفه وجه إهلاكهم وألهمه الأمر الذى يكون به خلاصه وخلاص من آمن معه فقال ) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ( أي اعمل السفينة متلبسا بأعيننا أي بمرأى منا والمراد بحراستنا لك وحفظنا لك وعبر عن ذلك بالأعين لأنها آلة الرؤية والرؤية هى التى تكون بها الحراسة والحفظ في الغالب وجمع الأعين للتعظيم لا للتكثير وقيل المعنى ) بأعيننا ( أي بأعين ملائكتنا الذين جعلناهم عيونا على حفظك وقيل ) بأعيننا ( بعلمنا وقيل بأمرنا ومعنى بوحينا بما أوحينا إليك من كيفية صنعتها ) ولا تخاطبني في الذين ظلموا ( أي لا تطلب إمهالهم فقد حان وقت الانتقام منهم وجملة ) إنهم مغرقون ( للتعليل أي لا تطلب منا إمهالهم فإنه محكوم منا عليهم بالغرق وقد مضى به القضاء فلا سبيل إلى دفعه ولا تأخيره وقيل المعنى ولا تخاطبني في تعجيل عقابهم فإنهم مغرقون في الوقت المضروب لذلك لا يتأخر إغراقهم عنه وقيل المراد بالذين ظلموا امرأته وابنه
هود : ( 38 ) ويصنع الفلك وكلما . . . . .
) ويصنع الفلك ( أي وطفق يصنع الفلك أو وأخذ يصنع الفلك وقيل هو حكاية حال ماضية لاستحضار الصورة وجملة ) وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ( في محل نصب على الحال أي استهزءوا به لعمله السفينة قال الأخفش والكسائي يقال سخرت به ومنه وفي وجه سخريتهم منه قولان أحدهما أنهم كانوا يرونه يعمل السفينة فيقولون يا نوح صرت بعد النبوة نجارا والثاني أنهم لما شاهدوه يعمل السفينة وكانوا لا يعرفونها قبل ذلك قالوا يا نوح ما تصنع بها قال أمشى بها على الماء فعجبوا من قوله وسخروا به
ثم أجاب عليهم بقوله ) إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ( وهذا الكلام مستأنف على تقدير سؤال كأنه قيل فماذا قال لهم والمعنى إن تسخروا منا بسبب عملنا للسفينة اليوم فإنا نسخر منكم غدا عند الغرق
ومعنى السخرية هنا الاستجهال أي إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم كما تستجهلون واستجهاله لهم باعتبار إظهاره لهم ومشافهتهم وإلا فهم عنده جهال قبل هذا وبعده والتشبيه في قوله ) كما تسخرون ( لمجرد التحقق والوقوع أو التجدد والتكرر والمعنى إنا نسخر منكم سخرية متحققة واقعة كما تسخرون منا كذلك أو متجددة متكررة كما تسخرون منا كذلك وقيل معناه نسخر منكم في المستقبل سخرية مثل سخريتكم إذا وقع عليكم الغرق وفيه نظر فإن حالهم إذ ذاك لا تناسبه السخرية إذ هم في شغل شاغل عنها
هود : ( 39 ) فسوف تعلمون من . . . . .
ثم هددهم بقوله ) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ( وهو عذاب الغرق في الدنيا ) ويحل عليه عذاب مقيم ( وهو عذاب النار الدائم ومعنى يحل يجعل المؤجل حالا مأخوذ من حلول الدين المؤجل ومن موصولة في محل نصب ويجوز أن


"""""" صفحة رقم 498 """"""
تكون استفهامية في محل رفع أي أينا يأتيه عذاب يخزيه وقيل في موضع رفع بالابتداء ويأتيه الحبر ويخزيه صفة لعذاب قال الكسائي إن ناسا من أهل الحجاز يقولون سوف تعلمون قال ومن قال ستعلمون أسقط الواو والفاء جميعا وجوز الكوفيون سف تعلمون ومنعه البصريون والمراد بعذاب الخزي العذاب الذى يخزي صاحبه ويحل عليه العار
هود : ( 40 ) حتى إذا جاء . . . . .
قوله ) حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ( حتى هى الابتدائية دخلت على الجملة الشرطية وجعلت غاية لقوله واصنع الفلك بأعيننا
والتنور اختلف في تفسيرها على أقوال الأول أنها وجه الأرض والعرب تسمى وجه الأرض تنورا روى ذلك عن ابن عباس وعكرمة والزهري وابن عيينة الثاني أنه تنور الخبز الذى يخبزونه فيه وبه قال مجاهد وعطية والحسن وروى عن ابن عباس أيضا الثالث أنه موضع اجتماع الماء في السفينة روى عن الحسن الرابع أنه طلوع الفجر من قولهم تنور الفجر روى عن علي بن أبي طالب الخامس أنه مسجد الكوفة روى عن علي أيضا ومجاهد قال مجاهد كان ناحية التنور بالكوفة السادس أنه أعالي الأرض والمواضع المرتفعة قاله قتادة
السابع أنه العين التى بالجزيرة المسماة عين الوردة روى ذلك عن عكرمة الثامن أنه موضع بالهند قال ابن عباس كان تنور آدم بالهند قال النحاس وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأن الله سبحانه قد أخبر بأن الماء قد جاء من السماء والأرض قال ) ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا ( فهذه الأقوال تجتمع في أن ذلك كان علامة هكذا قال وفيه نظر فإن القول الرابع ينافي هذا الجمع ولا يستقيم عليه التفسير بنبع الماء
إلا إذا كان المراد مجرد العلامة كما ذكره آخرا وقد ذكر أهل اللغة أن الفور الغليان والتنور اسم عجمي عربته العرب وقيل معنى فار التنور التمثيل بحضور العذاب كقولهم حمى الوطيس إذا اشتد الحرب ومنه قول الشاعر تركتم قدركم لا شيء فيها
وقدر القوم حامية تفور
يريد الحرب
قوله ) قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين ( أي قلنا يا نوح احمل في السفينة من كل زوجين مما في الأرض من الحيوانات اثنين ذكرا وأنثى وقرأ حفص ) من كل ( بتنوين كل أي من كل شيء زوجين والزوجان للاثنين اللذين لا يستغني أحدهما عن الآخر ويطلق على كل واحد منهما زوج كما يقال للرجل زوج وللمرأة زوج ويطلق على الاثنين إذا استعمل مقابلا للفرد ويطلق الزوج على الضرب والصنف ومثله قوله تعالى ) وأنبتت من كل زوج بهيج ( ومثله قول الأعشى وكل ضرب من الديباج يلبسه
أبو حذافة مخبو بذاك معا
أراد كل صنف من الديباج ) وأهلك ( عطف على زوجين أو على اثنين على قراءة حفص وعلى محل كل زوجين فإنه في محل نصب باحمل أو على اثنين على قراءة الجمهور والمراد امرأته وبنوه ونساؤهم ) إلا من سبق عليه القول ( أي من تقدم الحكم عليه بأنه من المغرقين في قوله ) ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ( على الاختلاف السابق فيهم فمن جعلهم جميع الكفار من أهله وغيرهم كان هذا الاستثناء من جملة ) احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ( ومن قال المراد بهم ولده كنعان وامرأته واعلة أم كنعان جعل الاستثناء من أهلك ويكون متصلا إن أريد بالأهل ما هو أعم من المسلم والكافر منهم ومنقطعا إن أريد بالأهل المسلمون منهم فقط
قوله ) ومن آمن ( معطوف على أهلك أي واحمل في السفينة من آمن من قومك وأفرد الأهل منهم لمزيد العناية


"""""" صفحة رقم 499 """"""
بهم أو للاستثناء منهم على القول الآخر ثم وصف الله سبحانه قلة المؤمنين مع نوح بالنسبة إلى من كفر به فقال ) وما آمن معه إلا قليل ( قيل هم ثمانون إنسانا منهم ثلاثة من بنيه وهو سام وحام ويافث وزوجاتهم ولما خرجوا من السفينة بنوا قرية يقال لها قرية الثمانين وهى موجودة بناحية الموصل وقيل كانوا عشرة وقيل سبعة وقيل كانوا اثنين وسبعين وقيل غير ذلك
هود : ( 41 ) وقال اركبوا فيها . . . . .
قوله ) وقال اركبوا فيها ( القائل نوح وقيل الله سبحانه
والأول أولى لقوله ) إن ربي لغفور رحيم ( والركوب العلو على ظهر الشئ حقيقة نحو ركب الدابة أو مجازا نحو ركبه الدين وفي الكلام حذف أي اركبوا الماء في السفينة فلا يرد أن ركب يتعدى بنفسه وقيل إن الفائدة في زيادة ) في ( أنه أمرهم بأن يكونوا في جوف السفينة لا على ظهرها وقيل إنها زيدت لرعاية جانب المحلية في السفينة كما في قوله ) فإذا ركبوا في الفلك ( وقوله ) حتى إذا ركبا في السفينة ( قيل ولعل نوحا قال هذه المقالة بعد إدخال ما أمر بحمله من الأزواج كأنه قيل فحمل الأزواج وأدخلها في الفلك وقال للمؤمنين ويمكن أن يقال إنه أمر بالركوب كل من أمر بحمله من الأزواج والأهل والمؤمنين ولا يمتنع أن يفهم خطابه من لا يعقل من الحيوانات أو يكون هذا على طريقة التغليب قوله ) بسم الله ( متعلق باركبوا أو حال من فاعله أي مسمين الله أو قائلين ) بسم الله مجراها ومرساها ( قرأ أهل الحرمين وأهل البصرة بضم الميم فيهما إلا من شذ منهم على أنهما اسما زمان وهما في موضع نصب على الظرفية أي وقت مجراها ومرساها ويجوز أن يكونا مصدرين أي وقت إجرائها وإرسائها وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي وحفص ) مجراها ( بفتح الميم ومرساها بضمها وقرأ يحيى بن وثاب بفتحها فيهما وقرأ مجاهد وسليمان بن جندب وعاصم الجحدري وأبو رجاء العطاردي ? مجريها ومرسيها ? على أنهما وصفان لله ويجوز أن يكونا في موضع رفع بإضمار مبتدأ أي هو مجريها ومرسيها ) إن ربي لغفور ( للذنوب ) رحيم ( بعباده ومن رحمته إنجاء هذه الطائفة تفضلا منه لبقاء هذا الجنس الحيواني وعدم استئصاله بالغرق
هود : ( 42 ) وهي تجري بهم . . . . .
قوله ) وهي تجري بهم في موج كالجبال ( هذه الجملة متصلة بجملة محذوفة دل عليها الأمر بالركوب والتقدير فركبوا مسمين وهى تجري بهم والموج جمع موجة وهى ما ارتفع عن جملة الماء الكثير عند اشتداد الريح وشبهها بالجبال المرتفعة على الأرض قوله ) ونادى نوح ابنه ( هو كنعان قيل وكان كافرا واستبعد كون نوح ينادي من كان كافرا مع قوله ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( وأجيب بأنه كان منافقا فظن نوح أنه مؤمن وقيل حملته شفقة الأبوة على ذلك وقيل إنه كان ابن امرأته ولم يكن بابنه ويؤيده ما روى أن عليا قرأ ونادى نوح ابنها وقيل إنه كان لغير رشدة وولد على فراش نوح ورد بأن قوله ) ونادى نوح ابنه ( وقوله ) إن ابني من أهلي ( يدفع ذلك على ما فيه من عدم صيانة منصب النبوة ) وكان في معزل ( أي في مكان عزل فيه نفسه عن قومه وقرابته بحيث لم يبلغه قول نوح اركبوا فيها وقيل في معزل من دين أبيه وقيل من السفينة قيل وكان هذا النداء قبل أن يستيقن الناس الغرق بل كان في أول فور التنور قوله ) يا بني اركب معنا ( قرأ عاصم بفتح الياء والباقون بكسرها فأما الكسر فلجعله بدلا من ياء الإضافة لأن الأصل يا بني وأما الفتح فلقلب ياء الإضافة ألفا لخفة الألف ثم حذف الألف وبقيت الفتحة لتدل عليه قال النحاس وقراءة عاصم مشكلة وقال أبو حاتم أصله يا بنياه ثم تحذف وقد جعل الزجاج للفتح وجهين وللكسر وجهين أما الفتح بالوجه الأول ما ذكرناه والوجه الثاني أن تحذف الألف لالقتاء الساكنين وأما الكسر فالوجه الأول ما ذكرناه والثاني أن تحذف لالتقاء الساكنين كذا حكى عنه النحاس وقرأ أبو عمرو والكسائي وحفص ) اركب معنا ( بإدغام الباء في الميم لتقاربهما في المخرج وقرأ الباقون بعدم الإدغام ) ولا تكن مع الكافرين (


"""""" صفحة رقم 500 """"""
نهاه عن الكون مع الكافرين أي خارج السفينة ويمكن أن يراد بالكون معهم الكون على دينهم
هود : ( 43 ) قال سآوي إلى . . . . .
ثم حكى الله سبحانه ما أجاب به ابن نوح على أبيه فقال ) قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ( أي بمعنى بارتفاعه من وصول الماء إلي فأجاب عنه نوح بقوله ) لا عاصم اليوم من أمر الله ( أي لا مانع فإنه يوم قد حق فيه العذاب وجف القلم بما هو كائن فيه نفى جنس العاصم فيندرج تحته العاصم من الغرق في ذلك اليوم اندراجا أوليا وعبر عن الماء أو عن الغرق بأمر الله سبحانه تفخيما لشأنه وتهويلا لأمره والاستثناء قال الزجاج هو منقطع أي لكن من رحمه الله فهو يعصمه فيكون ) من رحم ( في موضع نصب ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا على أن يكون عاصم بمعنى معصوم أي لا معصوم اليوم من أمر الله إلا من رحمه الله مثل ماء دافق وعيشة راضية ومنه قول الشاعر دع المكارم لا تنهض لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
أي المطعم المكسو واختار هذا الوجه ابن جرير وقيل العاصم بمعنى ذي العصمة كلابن وتامر والتقدير لا عاصم قط إلا مكان من رحم الله وهو السفينة وحينئذ فلا يرد ما يقال إن معنى من رحم من رحمه الله ومن رحمه الله هو معصوم فكيف يصح استثناؤه عن العاصم لأن في كل وجه من هذه الوجوه دفعا للإشكال
وقرئ ) إلا من رحم ( على البناء للمفعول ) وحال بينهما الموج ( أي حال بين نوح وابنه فتعذر خلاصه من الغرق وقيل بين ابن نوح وبين الجبل والأول أولى لأن تفرع ) فكان من المغرقين ( عليه يدل على الأول لا على الثاني لأن الجبل ليس بعاصم
هود : ( 44 ) وقيل يا أرض . . . . .
قوله ) وقيل يا أرض ابلعي ماءك ( يقال بلع الماء يبلعه مثل منع يمنع وبلع يبلع مثل حمد يحمد لغتان حكاهما الكسائي والفراء والبلع الشرب ومنه البالوعة وهى الموضع الذى يشرب الماء والازدراد يقال بلع ما في فمه من الطعام إذا ازدرده واستعير البلع الذى هو من فعل الحيوان للنشف دلالة على أن ذلك ليس كالنشف المعتاد الكائن على سبيل التدريج ) ويا سماء أقلعي ( الإقلاع الإمساك يقال أقلع المطر إذا انقطع والمعنى أمر السماء بإمساك الماء عن الإرسال وقدم نداء الأرض على السماء لكون ابتداء الطوفان منها ) وغيض الماء ( أي نقص يقال غاض الماء وغضته أنا ) وقضي الأمر ( أي أحكم وفرغ منه يعني أهلك الله قوم نوح على تمام وإحكام ) واستوت على الجودي ( أي استقرت السفينة على الجبل المعروف بالجودي وهو جبل بقرب الموصل وقيل إن الجودي اسم لكل جبل ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل سبحانه ثم سبحانا نعوذ به
وقبلنا سبح الجودي والجمد
ويقال إنه من جبال الجنة فلذا استوت عليه ) وقيل بعدا للقوم الظالمين ( القائل هو الله سبحانه ليناسب صدر الآية وقيل هو نوح وأصحابه والمعنى وقيل هلاكا للقوم الظالمين وهو من الكلمات التى تختص بدعاء السوء ووصفهم بالظلم للإشعار بأنه علة الهلاك وللإيماء إلى قوله ) ولا تخاطبني في الذين ظلموا ( وقد أطبق علماء البلاغة على أن هذه الآية الشريفة بالغة من الفصاحة والبلاغة إلى محل يتقاصر عنه الوصف وتضعف عن الإتيان بما يقاربه قدرة القادرين على فنون البلاغة الثابتين الأقدام في علم البيان الراسخين في علم اللغة المطلعين على ما هو مدون من خطب مصاقع خطباء العرب وأشعار بواقع شعرائهم المرتاضين بدقائق علوم العربية وأسرارها وقد تعرض لبيان بعض ما اشتملت عليه من ذلك جماعة منهم فأطالوا وأطابوا رحمنا الله وإياهم برحمته الواسعة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) فعلي إجرامي ( قال عملي ) وأنا بريء مما تجرمون ( أي مما تعملون


"""""" صفحة رقم 501 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ( وذلك حين دعا عليهم نوح قال ) لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وأبو الشيخ عن الحسن قال إن نوحا لم يدع على قومه حتى نزلت الآية هذه فانقطع عند ذلك رجاؤه منهم فدعا عليهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فلا تبتئس ( قال فلا تحزن وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عنه في قوله ) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ( قال بعين الله ووحيه وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال لم يعلم نوح كيف يصنع الفلك فأوحى الله إليه أن يصنعها من جؤجؤ الطائر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم حتى كان آخر زمانه غرس شجرة فعظمت وذهبت كل مذهب ثم قطعها ثم جعل يعملها سفينة ويمرون فيسألونه فيقول أعملها سفينة فيسخرون منه ويقولون يعمل سفينة في البر وكيف تجرى قال سوف تعلمون فلما فرغ منها وفار التنور وكثر الماء في السكك خشيته أم الصبي عليه وكانت تحبه حبا شديدا فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبته رفعته بين يديها حتى ذهب بها الماء فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي وقد ضعفه الذهبي في مستدركه على مستدرك الحاكم وقد روى في صفة السفينة وقدرها أحاديث وآثار ليس في ذكرها هنا كثير فائدة وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) من يأتيه عذاب يخزيه ( قال هو الغرق ) ويحل عليه عذاب مقيم ( قال هو الخلود في النار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عنه قال كان بين دعوة نوح وبين هلاك قومه ثلثمائة سنة وكان فار التنور بالهند وطافت سفينة نوح بالبيت أسبوعا وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال التنور العين التى بالجزيرة عين الوردة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال فار التنور من مسجد الكوفة من قبل أبواب كندة وقد روى عنه نحو هذا من طرق وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال التنور وجه الأرض قيل له إذا رأيت الماء على وجه الأرض فاركب أنت ومن معك والعرب تسمى وجه الأرض تنور الأرض وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن علي ) وفار التنور ( قال طلع الفجر قيل له إذا طلع الفجر فاركب أنت وأصحابك وقد روى في تفسير التنور غير هذا وقد قدمنا الإشارة إلى ذلك
وروى في صفة القصة وما حمله نوح في السفينة وكيف كان الغرق وكم بقيت السفينة على ظهر الماء روايات كثيرة لا مدخل لها في تفسير كلام الله سبحانه وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) بسم الله مجراها ومرساها ( قال حين يركبون ويجرون ويرسون وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان إذا أراد أن ترسي قال بسم الله فأرست وإذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت وأخرج أبو يعلي والطبراني وابن السني وابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه عن الحسن بن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا ) بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ( ) وما قدروا الله حق قدره ( إلى آخر الآية وأخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وأخرجه أيضا أبو الشيخ عنه مرفوعا من طريق أخرى وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال كان اسم ابن نوح الذى غرق كنعان وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال هو ابنه غير أنه خالفه في النية والعمل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله


"""""" صفحة رقم 502 """"""
لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم قال لا ناج إلا أهل السفينة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن القاسم بن أبي برة في قوله ) وحال بينهما الموج ( قال بين ابن نوح والجبل وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله ) يا أرض ابلعي ( قال هو بالحبشية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في ابلعي قال بالحبشية أي ازدرديه وأخرج أبو الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه قال معناه أشربي بلغة الهند
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله أقول وثبوت لفظ البلع وما يشتق منه في لغة العرب ظاهر مكشوف فما لنا وللحبشة والهند
سورة هود الآية ( 45 49 )
هود : ( 45 ) ونادى نوح ربه . . . . .
معنى ) ونادى نوح ربه ( دعاه والمراد أراد دعاءه بدليل الفاء في ) فقال رب إن ابني من أهلي ( وعطف الشيء على نفسه غير سائغ فلا بد من التقدير المذكور ومعنى قوله ) إن ابني من أهلي ( أنه من الأهل الذين وعدتني بتنجيتهم بقولك وأهلك فإن قيل كيف طلب نوح عليه السلام إنجاز ما وعده الله بقوله ) وأهلك ( وهو المستثنى منه وترك ما يفيده الاستثناء وهو ) إلا من سبق عليه القول ( فيجاب بأنه لم يعلم إذ ذاك أنه ممن سبق عليه القول فإنه كان يظنه من المؤمنين ) وإن وعدك الحق ( الذى لا خلف فيه وهذا منه ) وأنت أحكم الحاكمين ( أي أتقن المتقنين لما يكون به الحكم فلا يتطرق إلى حكمك نقض وفيل أراد بأحكم الحاكمين أعلمهم وأعدلهم أي أنت أكثر علما وعدلا من ذوي الحكم وقيل إن الحاكم بمعنى ذي الحكمة كدارع
هود : ( 46 ) قال يا نوح . . . . .
ثم أجاب الله سبحانه عن نوح ببيان أن ابنه غير داخل في عموم الأهل وأنه خارج بقيد الاستثناء ف ) قال يا نوح إنه ليس من أهلك ( الذين آمنوا بك وتابعوك وإن كان من أهلك باعتبار القرابة ثم صرح بالعلة الموجبة لخروجه من عموم الأهل المبينة له بأن المراد بالقرابة قرابة الدين لا قرابة النسب وحده فقال ) إنه عمل غير صالح ( قرأ الجمهور عمل على لفظ المصدر
وقرأ ابن عباس وعكرمة والكسائي ويعقوب عمل على لفظ الفعل ومعنى القراءة الأولى المبالغة في ذمه كأنه جعل نفس العمل وأصله ذو عمل غير صالح ثم حذف المضاف وجعل نفس العمل كذا قال الزجاج وغيره
ومعنى القراءة الثانية ظاهر أي إنه عمل عملا غير صالح وهو كفره وتكره لمتابعة أبيه ثم نهاه عن مثل هذا السؤال فقال ) فلا تسألن ما ليس لك به علم ( لما بين له بطلان ما اعتقده من كونه من أهله فرع على ذلك النهي عن السؤال وهو وإن كان نهيا عاما بحيث يشمل كل سؤال لا يعلم صاحبه أن حصول مطلوبه منه صواب


"""""" صفحة رقم 503 """"""
فهو يدخل تحته سؤاله هذا دخولا أوليا وفيه عدم جواز الدعاء بما لا يعلم الإنسان مطابقته للشرع وسمى دعاءه سؤالا لتضمنه معنى السؤال ) إني أعظك أن تكون من الجاهلين ( أي أحذرك أن تكون من الجاهلين كقوله ) يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ( وقيل المعنى أرفعك أن تكون من الجاهلين قال ابن العربي وهذه زيادة من الله وموعظة يرفع بها نوحا عن مقام الجاهلين ويعليه بها إلى مقام العلماء العاملين
هود : ( 47 ) قال رب إني . . . . .
ثم لما علم نوح بأن سؤاله لم يطابق الواقع وأن دعاءه ناشئ عن وهم كان يتوهمه بادر إلى الاعتراف بالخطأ وطلب المغفرة والرحمة ف ) قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ( أي أعوذ بك أن أطلب منك ما لا علم لي بصحته وجوازه ) وإلا تغفر لي ( ذنب ما دعوت به على غير علم مني ) وترحمني ( برحمتك التى وسعت كل شيء فتقبل توبتي ) أكن من الخاسرين ( في أعمالي فلا أربح فيها
هود : ( 48 ) قيل يا نوح . . . . .
القائل هو الله أو الملائكة ) قيل يا نوح اهبط ( أي انزل من السفينة إلى الأرض أو من الجبل إلى المنخفض من الأرض فقد بلعت الأرض ماءها وجفت ) بسلام منا ( أي بسلامة وأمن وقيل بتحية ) وبركات ( أي نعم ثابتة مشتق من بروك الجمل وهو ثبوته ومنه البركة لثبوت الماء فيها وفي هذا الخطاب له دليل على قبول توبته ومغفرة زلته ) وعلى أمم ممن معك ( أي ناشئة ممن معك وهم المتشعبون من ذرية من كان معه في السفينة وقيل أراد من في السفينة فإنهم أمم مختلفة وأنواع من الحيوانات متباينة قيل أراد الله سبحانه بهؤلاء الأمم الذين كانوا معه من صار مؤمنا من ذريتهم وأراد بقوله ) وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ( من صار كافرا من ذريتهم إلى يوم القيامة وارتفاع أمم في قوله ) وأمم سنمتعهم ( على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ومنهم أمم وقيل على تقدير ويكون أمم وقال الأخفش هو كما تقول كلمت زيدا وعمرو جالس وأجاز الفراء في غير القراءة وأمما سنمتعهم أي ونمتع أمما ومعنى الآية وأمم سنمتعهم في الدنيا بما فيها من المتاع ونعطيهم منها ما يعيشون به ثم يمسهم منا في الآخرة عذاب أليم وقيل يمسهم إما في الدنيا أو في الآخرة
هود : ( 49 ) تلك من أنباء . . . . .
والإشارة بقوله ) تلك ( إلى قصة نوح وهى مبتدأ والجمل بعده أخبار ) من أنباء الغيب ( من جنس أنباء الغيب والأنباء جمع نبأ وهو الخبر أي من أخبار الغيب التى مرت بك في هذه السورة والضمير في ) نوحيها إليك ( راجع إلى القصة والمجيء بالمضارع لاستحضار الصورة ) ما كنت ( يا محمد ) تعلمها أنت ولا ( يعلمها ) قومك ( بل هى مجهولة عندكم من قبل الوحي أو من قبل هذا الوقت ) فاصبر ( على ما تلاقيه من كفار زمانك والفاء لتفريع ما بعدها على ما قبلها ) إن العاقبة ( المحمودة في الدنيا والآخرة ) للمتقين ( لله المؤمنين بما جاءت به رسله وفي هذا تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتبشير له بأن الظفر للمتقين في عاقبة الأمر ولا اعتبار بمباديه
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال نادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإنك قد وعدتني أن تنجي لي أهلي وإن ابني من أهلي وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن ابن عباس قال ما بغت امرأة نبي قط وقوله ) إنه ليس من أهلك ( يقول ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال إن نساء الأنبياء لا يزنين وكان يقرؤها ) إنه عمل غير صالح ( يقول مسألتك إياي يا نوح عمل غير صالح لا أرضاه لك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فلا تسألن ما ليس لك به علم ( قال بين الله لنوح أنه ليس بابنه وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) يا نوح اهبط بسلام منا ( قال أهبطوا والله عنهم راض وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال دخل في ذلك السلام والبركات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ودخل في ذلك العذاب الأليم كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة وأخرج ابن


"""""" صفحة رقم 504 """"""
جرير عن الضحاك ) وعلى أمم ممن معك ( يعني ممن لم يولد أوجب الله لهم البركات لما سبق لهم في علم الله من السعادة ) وأمم سنمتعهم ( يعني متاع الحياة الدنيا ) ثم يمسهم منا عذاب أليم ( لما سبق لهم في علم الله من الشقاوة
وأخرج أبو الشيخ قال ثم رجع إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك ( يعني العرب ) من قبل هذا ( القرآن
سورة هود الآية ( 50 60 )
هود : ( 50 ) وإلى عاد أخاهم . . . . .
قوله ) وإلى عاد أخاهم هودا ( معطوف على وأرسلنا نوحا أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم أي واحدا منهم وهودا عطف بيان وقوم عاد كانوا عبدة أوثان وقد تقدم مثل هذا في الأعراف وقيل هم عاد الأولى وعاد الأخرى فهؤلاء هم عاد الأولى وعاد الأخرى هم شداد ولقمان وقومهما المذكورون في قوله ) إرم ذات العماد ( وأصل عاد اسم رجل ثم صار اسما للقبيلة كتميم وبكر ونحوهما ) ما لكم من إله غيره ( قرئ غيره بالجر على اللفظ وبالرفع على محل من إله وقرئ بالنصب على الاستثناء ) إن أنتم إلا مفترون ( أي ما أنتم باتخاذ إله غير الله إلا كاذبون على الله عز وجل
هود : ( 51 ) يا قوم لا . . . . .
ثم خاطبهم فقال ) يا قوم لا أسألكم عليه أجرا ( أي لا أطلب منكم أجرا على ما أبلغه إليكم وأنصحكم به من الإرشاد إلى عبادة الله وحده وأنه لا إله لكم سواه فالضمير راجع إلى مضمون هذا الكلام وقد تقدم معنى هذا في قصة نوح ) إن أجري إلا على الذي فطرني ( أي ما أجري الذى أطلب إلا من الذى فطرني


"""""" صفحة رقم 505 """"""
أي خلقني فهو الذى يثيبني على ذلك ) أفلا تعقلون ( أن أجر الناصحين إنما هو من رب العالمين قيل إنما قال فيما تقدم في قصة نوح مالا وهنا قال أجرا لذكر الخزائن بعده في قصة نوح ولفظ المال بها أليق
هود : ( 52 ) ويا قوم استغفروا . . . . .
ثم أرشدهم إلى الاستغفار والتوبة والمعنى اطلبوا مغفرته لما سلف من ذنوبكم ثم توسلوا إليه بالتوبة وقد تقدم زيادة بيان لمثل هذا في قصة نوح ثم رغبهم في الإيمان بالخير العاجل فقال ) يرسل السماء ( أي المطر ) عليكم مدرارا ( أي كثير الدرور وهو منصوب على الحال درت السماء تدر وتدر فهي مدرار وكان قوم هود أهل بساتين وزرع وعمارة وكانت مساكنهم الرمال التى بين الشام واليمن ) ويزدكم قوة إلى قوتكم ( معطوف على يرسل أي شدة مضافة إلى شدتكم أو خصبا إلى خصبكم أو عزا إلى عزكم قال الزجاج المعنى يزدكم قوة في النعم ) ولا تتولوا مجرمين ( أي لا تعرضوا عما أدعوكم إليه وتقيموا على الكفر مصرين عليه والإجرام الآثام كما تقدم
هود : ( 53 ) قالوا يا هود . . . . .
ثم أجابه قومه بما يدل على فرط جهالتهم وعظيم غباوتهم ف ) قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ( أي بحجة واضحة نعمل عليها ونؤمن لك بها غير معترفين بما جاءهم به من حجج الله وبراهينه عنادا وبعدا عن الحق ) وما نحن بتاركي آلهتنا ( التى نعبدها من دون الله ومعنى ) عن قولك ( صادرين عن قولك فالظرف في محل نصب على الحال ) وما نحن لك بمؤمنين ( أي بمصدقين في شيء مما جئت به
هود : ( 54 ) إن نقول إلا . . . . .
) إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ( أي ما نقول إلا أنه أصابك بعض آلهتنا التى تعيبها وتسفه رأينا في عبادتها بسوء بجنون حتى نشأ عن جنونك ما تقوله لنا وتكرره علينا من التنفير عنها يقال عراه الأمر واعتراه إذا ألم به فأجابهم بما يدل على عدم مبالاته بهم وعلى وثوقه بربه وتوكله عليه وأنهم لا يقدرون على شيء مما يريده الكفار به بل الله سبحانه هو الضار النافع ف ) قال إني أشهد الله واشهدوا ( أنتم ) إني بريء مما تشركون ( به
هود : ( 55 ) من دونه فكيدوني . . . . .
) من دونه ( أي من إشراككم من دون الله من غير أن ينزل به سلطانا ) فكيدوني جميعا ( أنتم وآلهتكم إن كانت كما تزعمون من أنها تقدر على الإضرار بي وأنها اعترتني بسوء ) ثم لا تنظرون ( أي لا تمهلوني بل عاجلوني واصنعوا ما بدا لكم وفي هذا من إظهار عدم المبالاة بهم وبأصنامهم التى يعبدونها ما يصك مسامعهم ويوضح عجزهم وعدم قدرتهم على شيء
هود : ( 56 ) إني توكلت على . . . . .
) إني توكلت على الله ربي وربكم ( فهو يعصمني من كيدكم وإن بلغتم في تطلب وجوه الإضرار بي كل مبلغ فمن توكل على الله كفاه ثم لما بين لهم توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته وصفه بما يوجب التوكل عليه والتفويض إليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم وأنه مالك للجميع وأن ناصية كل دابة من دواب الأرض بيده وفي قبضته وتحت قهره وهو تمثيل لغاية التسخير ونهاية التذليل وكانوا إذا أسروا الأسير وأرادوا إطلاقه والمن عليه جزوا ناصيته فجعلوا ذلك علامة لقهره فقال الفراء معنى آخذ بناصيتها مالكها والقادر عليها وقال القتيبي قاهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته والناصية قصاص الشعر من مقدم الرأس ثم علل ما تقدم بقوله ) إن ربي على صراط مستقيم ( أي هو على الحق والعدل فلا يكاد يسلطكم علي
هود : ( 57 ) فإن تولوا فقد . . . . .
) فإن تولوا ( أي تتولوا فحذفت إحدى التاءين والمعنى فإن تستمروا على الإعراض عنه الإجابة والتصميم على ما أنتم عليه من الكفر ) فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ( ليس علي إلا ذلك وقد لزمتكم الحجة ) ويستخلف ربي قوما غيركم ( جملة مستأنفة لتقرير الوعيد بالهلاك أي يستخلف في دياركم وأموالكم قوما آخرين ويجوز أن يكون عطفا على فقد أبلغتكم وروى حفص عن عاصم أنه قرأ ) ويستخلف ( بالجزم حملا على موضع فقد أبلغتكم ) ولا تضرونه شيئا ( أي بتوليكم ولا تقدرون على كثير من الضرر ولا حقير ) إن ربي على كل شيء حفيظ ( أي رقيب مهيمن عليه يحفظه من كل شيء قيل وعلى بمعنى اللام فيكون المعنى لكل شيء حفيظ فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء
هود : ( 58 ) ولما جاء أمرنا . . . . .
) ولما جاء أمرنا ( أي عذابنا الذى


"""""" صفحة رقم 506 """"""
هو إهلاك عاد ) نجينا هودا والذين آمنوا معه ( من قومه ) برحمة منا ( أي برحمة عظيمة كائنة منا لأنه لا ينجو أحد إلا برحمة الله وقيل هى الإيمان ) من عذاب غليظ ( أي شديد قيل وهو السموم التى كانت تدخل أنوفهم
هود : ( 59 ) وتلك عاد جحدوا . . . . .
) وتلك عاد ( مبتدأ وخبر وأنت الإشارة اعتبارا بالقبيلة قال الكسائي إن من العرب من لا يصرف عاد ويجعله اسما للقبيلة ) جحدوا بآيات ربهم ( أي كفروا بها وكذبوها وأنكروا المعجزات ) وعصوا رسله ( أي هودا وحده لأنه لم يكن في عصره رسول سواه وإنما جمع هنا لأن من كذب رسولا فقد كذب جميع الرسل وقيل إنهم عصوا هودا ومن كان قبله من الرسل أو كانوا بحيث لو بعث الله إليهم رسلا متعددين لكذبوهم ) واتبعوا أمر كل جبار عنيد ( الجبار المتكبر والعنيد الطاغي الذى لا يقبل الحق ولا يذعن له قال أبو عبيدة العنيد العنود والعاند والمعاند وهو المعارض بالخلاف منه ومنه قيل للعرق الذى يتفجر بالدم عاند قال الراجز إني كبير لا أطيق العندا
هود : ( 60 ) وأتبعوا في هذه . . . . .
) وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ( أي ألحقوها وهى الإبعاد من الرحمة والطرد من الخير والمعنى أنها لازمة لهم لا تفارقهم ما داموا في الدنيا و ) واتبعوا ( يوم القيامة فلعنوا هنالك كما لعنوا في الدنيا ) ألا إن عادا كفروا ربهم ( أي بربهم وقال الفراء كفروا نعمة ربهم يقال كفرته وكفرت به مثل شكرته وشكرت له ) ألا بعدا لعاد قوم هود ( أي لازالوا مبعدين من رحمة الله والبعد الهلاك والبعد التباعد من الخير يقال بعد يبعد بعدا إذا تأخر وتباعد وبعد يبعد بعدا إذا هلك ومنه قول الشاعر
لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر
وقال النابغة
قلا تبعدن إن المنية منهل وكل امريء يوما به الحال زائل
ومنه قول الشاعر
ما كان ينفعني مقال نسائهم وقتلت دون رجالهم لا تبعد
وقد تقدم أن العرب تستعمله في الدعاء بالهلاك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) إلا على الذي فطرني ( أي خلقني وأخرج ابن عساكر عن الضحاك قال أمسك الله عن عاد القطر ثلاث سنين فقال لهم هود ) استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ( فأبوا إلا تماديا وأخرج أبو الشيخ عن هارون التيمي في قوله ) يرسل السماء عليكم مدرارا ( قال المطر وأخرج ابن جرير وابن المنذر ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ويزدكم قوة إلى قوتكم ( قال شدة إلى شدتكم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله ) ويزدكم قوة إلى قوتكم ( قال ولد الولد وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ( قال أصابتك بالجنون وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن سعيد قال ما من أحد يخاف لصا عاديا أو سبعا ضاريا أو شيطانا ماردا فيتلو هذه الآية إلا صرفه الله عنه وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ) إن ربي على صراط مستقيم ( قال الحق وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) عذاب غليظ ( قال شديد وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) كل جبار عنيد ( قال المشرك وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال العنيد المشاق وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة (


"""""" صفحة رقم 507 """"""
قال لم يبعث نبي بعد عاد إلا لعنت على لسانه وأخرج ابن المنذر عن قتادة في الآية قال تتابعت عليهم لعنتان من الله لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة
سورة هود الآية ( 61 68 )
هود : ( 61 ) وإلى ثمود أخاهم . . . . .
قوله ) وإلى ثمود أخاهم صالحا ( معطوف على ما تقدم والتقدير وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا والكلام فيه وفى قوله ) يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( كما تقدم في قصة هود وقرأ الحسن ويحيى بن وثاب ) وإلى ثمود ( بالتنوين في جميع المواضع واختلف سائر القراء فيه فصرفوه في موضع ولم يصرفوه في موضع فالصرف باعتبار التأويل بالحي والمنع باعتبار التأويل بالقبيلة وهكذا سائر ما يصح فيه التأويلان وأنشد سيبويه في التأنيث باعتبار التأويل بالقبيلة غلب المساميح الوليد جماعة
وكفى قريش المعضلات وسادها
) هو أنشأكم من الأرض ( أي ابتدأ خلقكم من الأرض لأن كل بني آدم من صلب آدم وهو مخلوق من الأرض ) واستعمركم فيها ( أي جعلكم عمارها وسكانها من قولهم أعمر فلان فلانا داره فهي له عمرى فيكون استفعل بمعنى أفعل مثل استجاب بمعنى أجاب وقال الضحاك معناه أطال أعماركم وكانت أعمارهم من ثلثمائة إلى ألف وقيل معناه أمركم بعمارتها من بناء المساكن وغرس الأشجار ) فاستغفروه ( أي سلوه المغفرة لكم من عبادة الأصنام ) ثم توبوا إليه ( أي ارجعوا إلى عبادته ) إن ربي قريب مجيب ( أي قريب الإجابة لمن دعاه وقد تقدم القول فيه فى البقرة عند قوله تعالى ) فإني قريب أجيب دعوة الداعى )
هود : ( 62 ) قالوا يا صالح . . . . .
) قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا ( أي كنا نرجو أن تكون فينا سيدا مطاعا ننتفع برأيك ونسعد بسيادتك قبل هذا الذى أظهرته من


"""""" صفحة رقم 508 """"""
ادعائك النبوة ودعوتك إلى التوحيد وقيل كان صالح يعيب آلهتهم وكانوا يرجون رجوعه إلى دينهم فلما دعاهم إلى الله قالوا انقطع رجاؤنا منك والاستفهام في قوله ) أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ( للإنكار أنكروا عليه هذا النهي وأن نعبد في محل نصب بحذف الجار أي بأن نعبد ومعنى ما يعبد آباؤنا ما كان يعبد آباؤنا فهو حكاية حال ماضية لاستحضار الصورة ) وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب ( من أربته فأنا أريبه إذا فعلت به فعلا يوجب له الريبة وهى قلق النفس وانتفاء الطمأنينة أو من أراب الرجل إذا كان ذار ريبة والمعنى إننا لفي شك مما تدعونا إليه من عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان موقع في الريب
هود : ( 63 ) قال يا قوم . . . . .
) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ( أي حجة ظاهرة وبرهان صحيح ) وآتاني منه ( أي من جهته ) رحمة ( أي نبوة وهذه الأمور وإن كانت متحققة الوقوع لكنها صدرت بكلمة الشك اعتبارا بحال المخاطبين لأنهم في شك من ذلك كما وصفوه عن أنفسهم ) فمن ينصرني من الله ( استفهام معناه النفي أي لا ناصر لي يمنعني من عذاب الله ) إن عصيته ( في تبليغ الرسالة وراقبتكم وفترت عما يجب علي من البلاغ ) فما تزيدونني ( بتثبيطكم إياي ) غير تخسير ( بأن تجعلوني خاسرا بإبطال عملي والتعرض لعقوبة الله لي قال الفراء أي تضليل وإبعاد من الخير وقيل المعنى فما تزيدونني باحتياجكم بدين آبائكم غير بصيرة بخسارتكم
هود : ( 64 ) ويا قوم هذه . . . . .
قوله ) ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية ( قد مر تفسير هذه الآية في الأعراف ومعنى لكم آية معجزة ظاهرة وهى منتصبة على الحال ولكم في محل نصب على الحال من آية مقدمة عليها ولو تأخرت لكانت صفة لها وقيل إن ناقة الله بدل من هذه والخبر لكم والأول أولى وإنما قال ) ناقة الله ( لأنه أخرجها لهم من جبل على حسب اقتراحهم وقيل من صخرة صماء ) فذروها تأكل في أرض الله ( أي دعوها تأكل في أرض الله مما فيها من المراعي التى تأكلها الحيوانات قال أبو إسحاق الزجاج ويجوز رفع تأكل على الحال والاستئناف ولعله يعني في الأصل على ما تقتضيه لغة العرب لا في الآية فالمعتمد القراءات المروية على وجه الصحة ) ولا تمسوها بسوء ( قال الفراء بعقر والظاهر أن النهي عما هو أعم من ذلك ) فيأخذكم عذاب قريب ( جواب النهي أي قريب من عقرها وذلك ثلاثة أيام
هود : ( 65 ) فعقروها فقال تمتعوا . . . . .
) فعقروها ( أي فلم يمتثلوا الأمر من صالح ولا النهي بل خالفوا كل ذلك فوقع منهم العقر لها ) فقال ( لهم صالح ) تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ( أي تمتعوا بالعيش في منازلكم ثلاثة أيام فإن العقاب نازل عليكم بعدها قيل إنهم عقروها يوم الأربعاء فأقاموا الخميس والجمعة والسبت وأتاهم العذاب يوم الأحد والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما يدل عليه الأمر بالتمتع ثلاثة أيام ) وعد غير مكذوب ( أي غير مكذوب فيه فحذف الجار اتساعا أو من باب المجاز كأن الوعد إذا وفي به صدق ولم يكذب ويجوز أن يكون مصدرا أي وعد غير كذب
هود : ( 66 ) فلما جاء أمرنا . . . . .
) فلما جاء أمرنا ( أي عذابنا أو أمرنا بوقوع العذاب ) نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ( قد تقدم تفسير هذا في قصة هود ) ومن خزي يومئذ ( أي ونجيناهم من خزى يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة والخزي الذل والمهانة وقيل من عذاب يوم القيامة والأول أولى وقرأ نافع والكسائي بفتح يوم على أنه اكتسب البناء من المضاف إليه وقرأ الباقون بالكسر ) إن ربك هو القوي العزيز ( القدر الغالب الذى لا يعجزه شيء
هود : ( 67 ) وأخذ الذين ظلموا . . . . .
) وأخذ الذين ظلموا الصيحة ( أي في اليوم الرابع من عقر الناقة صيح بهم فماتوا وذكر الفعل لأن الصيحة والصياح واحد مع كون التأنيث غير حقيقي قيل صيحة جبريل وقيل صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم وماتوا وتقدم في الأعراف ) فأخذتهم الرجفة ( قيل ولعلها وقعت عقب الصيحة ) فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( أي ساقطين على وجوههم موتى قد لصقوا بالتراب كالطير إذا جثمت
هود : ( 68 ) كأن لم يغنوا . . . . .
) كأن لم يغنوا فيها ( أي كأنهم لم يقيموا في بلادهم أو ديارهم والجملة


"""""" صفحة رقم 509 """"""
في محل نصب على الحال والتقدير مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم في مقام قط ) ألا إن ثمود كفروا ربهم ( وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة البيان وصرح بكفرهم مع كونه معلوما تعليلا للدعاء عليهم بقوله ) ألا بعدا لثمود ( وقرأ الكسائي بالتنوين وقد تقدم تفسير هذه القصة في الأعراف بما يحتاج إلى مراجعته ليضم ما في إحدى القصتين من الفوائد إلى الأخرى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن السدي ) هو أنشأكم من الأرض ( قال خلقكم من الأرض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) واستعمركم فيها ( قال أعمركم فيها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد ) واستعمركم فيها ( قال استخلفكم فيها وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ) فما تزيدونني غير تخسير ( يقول ما تزدادون أنتم إلا خسارا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء الخراساني نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( قال ميتين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) كأن لم يغنوا فيها ( قال كأن لم يعيشوا فيها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال كأن لم يعمروا فيها وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال كأن لم ينعموا فيها
سورة هود الآية ( 69 76 )
هود : ( 69 ) ولقد جاءت رسلنا . . . . .
هذه قصة لوط عليه السلام وقومه وهو ابن عم إبراهيم عليه السلام وكانت قرى لوط بنواحي الشام وإبراهيم ببلاد فلسطين فلما أنزل الله الملائكة بعذاب قوم لوط مروا بإبراهيم ونزلوا عنده وكان كل من نزل عنده يحسن قراه وكان مرورهم عليه لتبشيره بهذه البشارة المذكورة فظنهم أضيافا وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وقيل كانوا تسعة وقيل أحد عشر والبشرى التى بشروه بها هى بشارته بالولد وقيل بإهلاك قوم لوط والأولى أولى ) قالوا سلاما ( منصوب بفعل مقدر أي سلمنا عليك سلاما ) قال سلام ( ارتفاعه على أنه خبر مبتدإ محذوف أي أمركم سلام أو مرتفع على أنه مبتدأ والخبر محذوف والتقدير عليكم سلام ) فما لبث ( أي إبراهيم ) أن جاء بعجل حنيذ ( قال أكثر النحويين ) إن ( هنا بمعنى حتى أي فما لبث حتى جاء وقيل


"""""" صفحة رقم 510 """"""
إنها في محل نصب بسقوط حرف الجر والتقدير فما لبث عن أن جاء أي ما أبطأ إبراهيم عن مجيئه بعجل وما نافيه قاله سيبويه وقال الفراء فما لبث مجيئه أي ما أبطأ مجيئه وقيل إن ما موصولة وهى مبتدأ والخبر أن جاء بعجل حنيذ والتقدير فالذى لبث إبراهيم هو مجيئه بعجل حنيذ والحنيذ المشوي مطلقا وقيل المشوي بحر الحجارة من غير أن تمسه النار يقال حنذ الشاة يحنذها جعلها فوق حجارة محماة لتنضجها فهي حنيذ وقيل معنى حنيذ سمين وقيل الحنيذ هو السميط وقيل النضيج وهو فعيل بمعنى مفعول وإنما جاءهم بعجل لأن البقر كانت أكثر أمواله
هود : ( 70 ) فلما رأى أيديهم . . . . .
) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه ( أي لا يمدونها إلى العجل كما يمد يده من يريد الأكل ) نكرهم ( يقال نكرته وأنكرته واستنكرته إذا وجدته على غير ما تعهد ومنه قول الشاعر فأنكرتني وما كان الذى نكرت
من الحوادث إلا الشيب والصلعا
فجمع بين اللغتين ومما جمع فيه بين اللغتين قول الشاعر إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها
خرجت مع البازي علي سواد
وقيل يقال أنكرت لما تراه بعينك ونكرت لما تراه بقلبك قيل وإنما استنكر منهم ذلك لأن عادتهم أن الضيف إذا نزل بهم ولم يأكل من طعامهم ظنوا أنه قد جاء بشر ) وأوجس منهم ( أي أحسن في نفسه منهم ) خيفة ( أي خوفا وفزعا وقيل معنى أوجس أضمر في نفسه خيفة والأول ألصق بالمعنى اللغوي ومنه قول الشاعر جاء البريد بقرطاس يحث به
فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
وكأنه ظن أنهم قد نزلوا به لأمر ينكره أو لتعذيب قومه ) قالوا لا تخف ( قالوا له هذه المقالة مع كونه لم يتكلم بما يدل على الخوف بل أوجس ذلك في نفسه فلعلهم استدلوا على خوفه بأمارات كظهور أثره على وجهه أو قالوه له بعد ما قال عقب ما أوجس في نفسه من الخيفة قولا يدل على الخوف كما في قوله في سورة الحجر ) قال إنا منكم وجلون ( ولم يذكر ذلك هاهنا اكتفاء بما هنالك ثم عللوا نهيه عن الخوف بقولهم ) إنا أرسلنا إلى قوم لوط ( أي أرسلنا إليهم خاصة ويمكن أن يكون إبراهيم عليه السلام قد قال قولا يكون هذا جوابا عنه ) قال فما خطبكم أيها المرسلون ( قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين
هود : ( 71 ) وامرأته قائمة فضحكت . . . . .
وجملة ) وامرأته قائمة فضحكت ( في محل نصب على الحال قيل كانت قائمة عند تحاورهم وراء الستر وقيل كانت قائمة تخدم الملائكة وهو جالس والضحك هنا هو الضحك المعروف الذى يكون للتعجب أو للسرور كما قاله الجمهور وقال مجاهد وعكرمة إنه الحيض ومنه قول الشاعر وإني لآتي العرس عند طهورها
وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا
وقال الآخر وصحك الأرانب فوق الصف
كمثل دم الخوف يوم اللقا
والعرب تقول ضحكت الأرنب إذا حاضت وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت ) فبشرناها بإسحاق ( ظاهره أن التبشير كان بعد الضحك وقال الفراء فيه تقديم وتأخير
والمعنى فبشرناها فضحكت سرورا بالولد وقرأ محمد بن زياد من قراء مكة فضحكت بفتح الحاء وأنكره


"""""" صفحة رقم 511 """"""
المهدي ) ومن وراء إسحاق يعقوب ( قرأ حمزة وابن عامر وحفص بنصب يعقوب على أنه مفعول فعل دل عليه فبشرناها كأنه قال ووهبنا لها من رواء إسحاق يعقوب وأجاز الكسائي والأخفش وأبو حاتم أن يكون يعقوب في موضع جر وقال الفراء لا يجوز الجر إلا بإعادة حرفه قال سيبويه ولو قلت مررت بزيد أول من أمس وأمس عمر كان قبيحا خبيثا لأنك فرقت بين المجرور وما يشركه كما يفرق بين الجار والمجرور وقرأ الباقون برفع يعقوب على أنه مبتدأ وخبره الظرف الذى قبله وقيل الرفع بتقدير فعل محذوف أي ويحدث لها أو وثبت لها وقد وقع التبشير هنا لها ووقع لإبراهيم في قوله تعالى ) فبشرناه بغلام حليم ( ) وبشروه بغلام عليم ( لأن كل واحد منهما مستحق للبشارة به لكونه منهما
هود : ( 72 ) قالت يا ويلتى . . . . .
وجملة ) قالت يا ويلتى ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالت قال الزجاج أصلها يا ويلتى فأبدل من الياء ألف لأنها أخف من الياء والكسرة وهى لم ترد الدعاء على نفسها بالويل ولكنها كلمة تقع كثيرا على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يعجبن منه وأصل الويل الخزي ثم شاع في كل أمر فظيع والاستفهام في قولها ) أألد وأنا عجوز ( للتعجب أي كيف ألد وأنا شيخة قد طعنت في السن يقال عجزت تعجز مخففا ومثقلا عجزا وتعجيزا أي طعنت في السن ويقال عجوز وعجوزة وأما عجزت بكسر الجيم فمعناه عظمت عجيزتها قيل كانت بنت تسع وتسعين وقيل بنت تسعين ) وهذا بعلي شيخا ( أي وهذا زوجي إبراهيم شيخا لا تحبل من مثله النساء وشيخا منتصب على الحال والعامل فيه معنى الإشارة قال النحاس وفي قراءة أبي وابن مسعود شيخ بالرفع على أنه خبر المبتدأ أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف وعلى الأول يكون ) بعلي ( بدلا من اسم الإشارة قيل كان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة وقيل ابن مائه وهذه المبشرة هى سارة امرأة إبراهيم وقد كان ولد لإبراهيم من هاجر أمته إسماعيل فتمنت سارة أن يكون لها ابن وأيست منه لكبر سنها فبشرها الله به على لسان ملائكته ) إن هذا لشيء عجيب ( أي ما ذكرته الملائكة من التبشير بحصول الولد مع كونها في هذه السن العالية التى لا يولد لمثلها شيء يقضى منه العجب
هود : ( 73 ) قالوا أتعجبين من . . . . .
وجملة ) قالوا أتعجبين من أمر الله ( مستأنفة جواب سؤال مقدر والاستفهام فيها للإنكار أي كيف تعجبين من قضاء الله وقدره وهو لا يستحيل عليه شيء وإنما أنكروا عليها مع كون ما تعجبت منه من خوارق العادة لأنها من بيت النبوة ولا يخفى على مثلها أن هذا من مقدوراته سبحانه ولهذا قالوا ) رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ( أي الرحمة التى وسعت كل شيء والبركات وهى النمو والزيادة وقيل الرحمة النبوة والبركات الأسباط من بني إسرائيل لما فيهم من الأنبياء وانتصاب أهل البيت على المدح أو الاختصاص وصرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى الجمع لقصد التعميم ) إنه حميد ( أي يفعل موجبات حمده من عباده على سبيل الكثرة ) مجيد ( كثير الإحسان إلى عباده بما يفيضه عليهم من الخيرات والجملة تعليل لقوله ) رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت )
هود : ( 74 ) فلما ذهب عن . . . . .
قوله ) فلما ذهب عن إبراهيم الروع ( أي الخيفة التى أوجسها في نفسه يقال ارتاع من كذا إذا خاف ومنه قول النابغة فارتاع من صوت كلاب فبات له
طوع الشوامت من خوف ومن حذر
) وجاءته البشرى ( أي بالولد أو بقولهم لا تخف قوله ) يجادلنا في قوم لوط ( قال الأخفش والكسائي إن يجادلنا في موضع جادلنا فيكون هو جواب لما لما تقرر من أن جوابها يكون بالماضي لا بالمستقبل قال النحاس جعل المستقبل مكانه كما يجعل الماضي مكان المستقبل في الشرط وقيل إن الجواب محذوف ويجادلنا في موضع نصب على الحال قاله الفراء وتقديره فلما ذهب عنه الروع وجاءته البشرى اجترأ على خطابنا حال


"""""" صفحة رقم 512 """"""
كونه يجادلنا أي يجادل رسلنا وقيل إن المعنى أخذ يجادلنا ومجادلته لهم قيل إنه لما سمع قولهم ) إنا مهلكو أهل هذه القرية ( قال أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المسلمين أتهلكونهم قالوا لا قال فأربعون قالوا لا قال فعشرون قالوا لا ثم قال فعشرة فخمسة قالوا لا قال فواحد قالوا لا ) قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله ( الآية فهذا معنى مجادلته في قوم لوط أي في شأنهم وأمرهم
هود : ( 75 ) إن إبراهيم لحليم . . . . .
ثم أثنوا على إبراهيم أو أثنى الله عليه فقال ) إن إبراهيم لحليم ( أي ليس بعجول في الأمور ولا بموقع لها على غير ما ينبغي والأواه كثير التأوه والمنيب الراجع إلى الله وقد تقدم في براءة الكلام على الأواه
هود : ( 76 ) يا إبراهيم أعرض . . . . .
قوله ) يا إبراهيم أعرض عن هذا ( هذا قول الملائكة له أي أعرض عن هذا الجدال في أمر قد فرغ منه وجف به القلم وحق به القضاء ) إنه قد جاء أمر ربك ( الضمير للشأن ومعنى مجيء أمر الله مجيء عذابه الذى قدره عليهم وسبق به قضاؤه ) وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ( أي لا يرده دعاء ولا جدال بل هو واقع بهم لا محالة ونازل بهم على كل حال ليس بمصروف ولا مدفوع
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم قال كانوا أربعة جبريل وميكائيل وإسرافيل ورافئيل وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) بعجل حنيذ ( قال نضيج وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال مشوي وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا قال سميط وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال الحنيذ الذى أنضج بالحجارة وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي يزيد البصري في قوله ) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه ( قال لم ير لهم أيديا فنكرهم وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) نكرهم ( قال كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير وأنه يحدث نفسه بشر ثم حدثوه عند ذلك بما جاءوا فيه فضحكت امرأته وأخرج ابن المنذر عن المغيرة قال في مصحف ابن مسعود وامرأته قائمة وهو جالس وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد ) وامرأته قائمة ( قال في خدمة أضياف إبراهيم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال لما أوجس إبراهيم في نفسه خيفة حدثوه عند ذلك بما جاءوا فيه فضحكت امرأته تعجبا مما فيه قوم لوط من الغفلة ومما أتاهم من العذاب وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) فضحكت ( قال فحاضت وهى بنت ثمان وتسعين سنة وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) فضحكت ( قال حاضت وكانت ابنة بضع وتسعين سنة وكان إبراهيم ابن مائة سنة وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال حاضت وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ومن وراء إسحاق يعقوب ( قال هو ولد الولد وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء عن حسان بن أبجر قال كنت عند ابن عباس فجاء رجل من هذيل فقال له ابن عباس ما فعل فلان قال مات وترك أربعة من الولد وثلاثة من الوراء فقال ابن عباس ) فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ( قال ولد الولد وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس أنه كان ينهى عن أن يزاد في جواب التحية على قولهم عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ويتلو هذه الآية ) رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ( وأخرج البيهقي عن ابن عمر نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فلما ذهب عن إبراهيم الروع ( قال الفرق ) يجادلنا في قوم لوط ( قال يخاصمنا وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن قتادة في تفسير المجادلة قال إنه قال لهم يومئذ


"""""" صفحة رقم 513 """"""
أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المسلمين قالوا إن كان فيهم خمسون لم نعذبهم قال أربعون قالوا وأربعون قال ثلاثون قالوا وثلاثون حتى بلغوا عشرة قالوا إن كان فيهم عشرة لم نعذبهم قال ما قوم لا يكون فيهم عشرة فيهم خير قال قتادة إنه كان في قرية لوط أربعة آلاف ألف إنسان أو ما شاء الله من ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال لما جاءت الملائكة إلى إبراهيم قالوا لإبراهيم إن كان فيها خمسة يصلون رفع عنهم العذاب وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن ميمون قال الأواه الرحيم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المنيب المقبل إلى طاعة الله وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال المنيب المخلص
سورة هود الآية ( 77 83 )
هود : ( 77 ) ولما جاءت رسلنا . . . . .
لما خرجت الملائكة من عند إبراهيم وكان بين إبراهيم وقرية لوط أربعة فراسخ جاءوا إلى لوط فلما رآهم لوط وكانوا في صورة غلمان حسان مرد ) سيء بهم ( أي ساءه مجيئهم يقال ساءه يسوءه وأصل سيء بهم سويء بهم نقلت حركة الواو إلى السين فقلبت الواو ياء ولما خففت الهمزة ألقيت حركتها على الياء وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو عمرو بإشمام السين الضم ) وضاق بهم ذرعا ( قال الأزهري الذرع يوضع موضع الطاقة وأصله أن البعير يذرع بيده في سيره على قدر سعة خطوه أي يبسطها فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق ذرعه عن ذلك فجعل ضيق الذرع كناية عن قلة الوسع والطاقة وشدة الأمر وقيل هو من ذرعه القيء إذا غلبه وضاق عن حبسه والمعنى أنه ضاق صدره لما رأى الملائكة في تلك الصورة خوفا عليهم من قومه لما يعلم من فسقهم وارتكابهم لفاحشة اللواط ) وقال هذا يوم عصيب ( أي شديد قال الشاعر وإنك إن لم ترض بكر بن وائل
يكن لك يوم بالعراق عصيب
يقال عصيب وعصيصب وعصوصب على التكثير أي يوم مكروه يجتمع فيه الشر ومنه قيل عصبة وعصابة أي مجتمعوا الكلمة ورجل معصوب أي مجتمع الخلق
هود : ( 78 ) وجاءه قومه يهرعون . . . . .
) وجاءه قومه يهرعون إليه ( أي جاءوا لوطا الجملة في محل نصب على الحال ومعنى يهرعون إليه يسرعون إليه قال الكسائي والفراء وغيرهما من أهل اللغة


"""""" صفحة رقم 514 """"""
لا يكون الإهراع إلا إسراء مع رعدة يقال أهرع الرجل إهراعا أي أسرع في رعدة من برد أو غضب أو حمى قال مهلهل فجاءوا يهرعون وهم أسارى
نهودهم على رغم الأنوف
وقيل يهرعون يهرولون وقيل هو مشي بين الهرولة والعدو والمعنى أن قوم لوط لما بلغهم مجيء الملائكة في تلك الصورة أسرعوا إليه كأنما يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من أضيافه ) ومن قبل كانوا يعملون السيئات ( أي ومن قبل مجيء الرسل فى هذا الوقت كانوا يعملون السيئات وقيل ومن قبل لوط كانوا يعملون السيئات أي كانت عادتهم إتيان الرجال فلما جاءوا إلى لوط وقصدوا أضيافه لذلك العمل قام إليهم لوط مدافعا ) قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ( أي تزوجوهن ودعوا ما تطلبونه من الفاحشة بأضيافي وقد كان له ثلاث بنات وقيل اثنتان وكانوا يطلبون منه أن يزوجهم بهن فيمتنع لخبثهم وكان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما بنتيه وقيل أراد بقوله ) هؤلاء بناتي ( النساء جملة لأن نبي القوم أب لهم وقالت طائفة إنما كان هذا القول منه على طريق المدافعة ولم يرد الحقيقة ومعنى ) هن أطهر لكم ( أي أحل وأنزه والتطهر التنزه عما لا يحل وليس في صيغة أطهر دلالة على التفضيل بل هى مثل الله أكبر وقرأ الحسن وعيسى بن عمر بنصب أطهر وقرأ الباقون بالرفع ووجه النصب أن يكون اسم الإشارة مبتدأ وخبره بناتي وهن ضمير فصل وأطهر حال وقد منع الخليل وسيبويه والأخفش مثل هذا لأن ضمير الفصل الذى يسمى عمادا إنما يكون بين كلامين بحيث لا يتم الكلام إلا بما بعدها نحو كان زيد هو أخاك ) فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ( أي اتقوا الله بترك ما تريدون من الفاحشة بهم ولا تذلوني وتجلبوا علي العار في ضيفي والضيف يطلق على الواحد والاثنين والجماعة لأنه في الأصل مصدر ومنه قول الشاعر لا تعدمي الدهر شفار الجازر
للضيف والضيف أحق زائر
ويجوز فيه التثنية والجمع والأول أكثر يقال خزي الرجل خزاية أي استحيا أو ذل أو هان وخزى خزيا إذا افتضح ومعنى في ضيفي في حق ضيفي فخزى الضيف خزي للمضيف ثم وبخهم فقال ) أليس منكم رجل رشيد ( يرشدكم إلى ترك هذا العمل القبيح ويمنعكم منه
هود : ( 79 ) قالوا لقد علمت . . . . .
فأجابوا عليه معرضين عما نصحهم به وأرشدهم إليه بقولهم ) ما لنا في بناتك من حق ( أي ما لنا فيهم من شهوة ولا حاجة لأن من احتاج إلى شيء فكأنه حصل له فيه نوع حق ومعنى ما نسبوه إليه من العلم أنه قد علم منهم المكالبة على إتيان الذكور وشدة الشهوة إليهم فهم من هذه الحيثية كأنهم لا حاجة لهم إلى النساء ويمكن أن يريدوا أنه لا حق لنا في نكاحهن لأنه لا ينكحهن ويتزوج بهن إلا مؤمن ونحن لا نؤمن أبدا وقيل إنهم كانوا قد خطبوا بناته من قبل فردهم وكان من سنتهم أن من خطب فرد فلا تحل المخطوبة أبدا ) وإنك لتعلم ما نريد ( من إتيان الذكور
هود : ( 80 ) قال لو أن . . . . .
ثم إنه لما علم تصميمهم على الفاحشة وأنهم لا يتركون ما قد طلبوه ) قال لو أن لي بكم قوة ( وجواب لو محذوف والتقدير لدافعتكم عنهم ومنعتكم منهم وهذا منه عليه السلام على طريق التمني أي لو وجدت معينا وناصرا فسمى ما يتقوى به قوة ) أو آوي إلى ركن شديد ( عطف على ما بعد لو لما فيه من معنى الفعل والتقدير لو قويت على دفعكم أو آويت إلى ركن شديد وقرئ ) أو آوي ( بالنصب عطفا على قوة كأنه قال لو أن لي بكم قوة أو إيواء إلى ركن شديد ومراده بالركن الشديد العشيرة وما يمتنع به عنهم هو ومن معه وقيل أراد بالقوة


"""""" صفحة رقم 515 """"""
الولد وبالركن الشديد من ينصره من غير ولده وقيل أراد بالقوة قوته في نفسه
هود : ( 81 ) قالوا يا لوط . . . . .
ولما سمعته الملائكة يقول هذه المقالة ووجدوا قومه قد غلبوه وعجز عن مدافعتهم ) قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ( أخبروه أولا أنهم رسل ربه ثم بشروه بقولهم ) لن يصلوا إليك ( وهذه الجملة موضحة لما قبلها لأنهم إذا كانوا مرسلين من عند الله إليه لم يصل عدوه إليه ولم يقدروا عليه ثم أمروه أن يخرج عنهم فقالوا له ) فأسر بأهلك بقطع من الليل ( قرأ نافع وابن كثير بالوصل وقرأ غيرهما بالقطع وهما لغتان فصيحتان قال الله تعالى ) والليل إذا يسر ( وقال ) سبحان الذي أسرى ( وقد جمع الشاعر بين اللغتين فقال حى النضير وربة الخدر
أسرت عليه ولم تكن تسري
وقيل إن أسرى للمسير من أول الليل وسرى للمسير من آخره والقطع من الليل الطائفة منه قال ابن الأعرابي بقطع من الليل بساعة منه وقال الأخفش بجنح من الليل وقيل بظلمة من الليل وقيل بعد هدو من الليل قيل إن السرى لا يكون إلا في الليل فما وجه زيادة بقطع من الليل قيل لو لم يقل بقطع من الليل لجاز أن يكون في أوله قبل اجتماع الظلمة وليس ذلك بمراد ) ولا يلتفت منكم أحد ( أي لا ينظر إلى ما وراءه أو يشتغل بما خلفه من مال أو غيره قيل وجه النهي عن الالتفات أن لا يروا عذاب قومهم وهول ما نزل بهم فيرحموهم ويرقوا لهم أو لئلا ينقطعوا عن السير المطلوب منهم بما يقع من الالتفات فإنه لا بد للملتفت من فترة في سيره ) إلا امرأتك ( بالنصب على قراءة الجمهور وقرأ أبو عمرو ابن كثير بالرفع على البدل فعلى القراءة الأولى امرأته مستثناة من قوله ) فأسر بأهلك ( أي أسر بأهلك جميعا إلا امرأتك فلا تسر بها ف ) إنه مصيبها ما أصابهم ( من العذاب وهو رميهم بالحجارة لكونها كانت كافرة وأنكر قراءة الرفع جماعة منهم أبو عبيد وقال لا يصح ذلك إلا برفع يلتفت ويكون نعتا لأن المعنى يصير إذا أبدلت وجزمت أن المرأة أبيح لها الالتفات وليس المعنى كذلك قال النحاس وهذا العمل من أبي عبيد وغيره على مثل أبي عمرو مع جلالته ومحله من العربية لا يجب أن يكون والرفع على البدل له معنى صحيح وهو أن يكون استثناء من النهي عن الالتفات أي لا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإنها تلتفت وتهلك وقيل إن الرفع على البدل من أحد ويكون الالتفات بمعنى التخلف لا بمعنى النظر إلى الخلف فكأنه قال ولا يتخلف منكم أحد إلا امرأتك فإنها تتخلف والملجئ إلى هذا التأويل البعيد الفرار من تناقض القراءتين والضمير في ) إنه مصيبها ما أصابهم ( للشأن والجملة خبر إن ) إن موعدهم الصبح ( هذه الجملة تقليل لما تقدم من الأمر بالإسراء والنهي عن الالتفات والمعنى أن موعد عذابهم الصبح المسفر عن تلك الليلة والاستفهام في ) أليس الصبح بقريب ( للإنكار التقريري والجملة تأكيد للتعليل وقرأ عيسى بن عمر ) أليس الصبح ( بضم الباء وهى لغة ولعل جعل الصبح ميقاتا لهلاكهم لكون النفوس فيه أسكن والناس فيه مجتمعون لم يتفرقوا إلى أعمالهم
هود : ( 82 ) فلما جاء أمرنا . . . . .
) فلما جاء أمرنا ( أي الوقت المضروب لوقوع العذاب فيه أو المراد بالأمر نفس العذاب ) جعلنا عاليها سافلها ( أي عالي قرى قوم لوط سافلها والمعنى أنه قلبها على هذه الهيئة وهى كون عاليها صار سافلها وسافلها صار عاليها وذلك لأن جبريل أدخل جناحه تحتها فرفعها من تخوم الأرض حتى أدناها من السماء ثم قلبها عليهم ) وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ( قيل إنه يقال أمطرنا في العذاب ومطرنا في الرحمة وقيل هما لغتان يقال مطرت السماء وأمطرت حكى ذلك الهروي والسجيل الطين المتحجر بطبخ أو غيره وقيل هو الشديد الصلب من الحجارة وقيل السجيل الكثير وقيل إن السجيل لفظة غير عربية أصله سج وجيل وهما


"""""" صفحة رقم 516 """"""
بالفارسية حجر وطين عربتهما العرب فجعلتهما اسما واحدا وقيل هو من لغة العرب وذكر الهروي أن السجيل اسم لسماء الدنيا قال ابن عطية وهذا ضعيف يرده وصفه بمنضود وقيل هو بحر معلق في الهواء بين السماء والأرض وقيل هى جبال في السماء وقال الزجاج هو من التسجيل لهم أي ما كتب لهم من العذاب فهو في معني سجين ومنه قوله تعالى ) وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ( وقيل هو من أسجلته إذا أعطيته فكأنه عذاب أعطوه ومنه قول الشاعر من يساجلني يساجل ماجدا
يملأ الدلو إلى عقد الكرب
ومعنى ) منضود ( أنه نضد بعضه فوق بعض وقيل بعضه في أثر بعض يقال نضدت المتاع إذا جعلت بعضه على بعض فهو منضود ونضيد
هود : ( 83 ) مسومة عند ربك . . . . .
والمسومة المعلمة أي التى لها علامة قيل كان عليها أمثال الخواتيم وقيل مكتوب على كل حجر اسم من رمى به وقال الفراء زعموا أنها كانت مخططة بحمرة وسواد في بياض
فذلك تسويمها ومعنى ) عند ربك ( في خزائنه ) وما هي من الظالمين ببعيد ( أي وما هذه الحجارة الموصوفة من الظالمين وهم قوم لوط ببعيد أو ما هى من كل ظالم من الظلمة ومنهم كفار قريش ومن عاضدهم على الكفر بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ببعيد فهم لظلمهم مستحقون لها وقيل ) وما هي ( أي قرى ) من الظالمين ( من كفر بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ببعيد ( فإنها بين الشام والمدينة وفي إمطار الحجارة قولان أحدهما أنها أمطرت على المدن حين رفعها جبريل والثاني أنها أمطرت على من لم يكن في المدن من أهلها وكان خارجا عنها وتذكير البعيد على تأويل الحجارة بالحجر أو إجراء له على موصوف مذكر أي شيء بعيد أو مكان بعيد أو لكونه مصدرا كالزفير والصهيل والمصادر يستوى في الوصف بها المذكر والمؤنث
الآثار الواردة في تفسير الآيات
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا ( قال ساء ظنا بقومه وضاق ذرعا بأضيافه ) وقال هذا يوم عصيب ( يقول شديد
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) يهرعون إليه ( قال يسرعون ) ومن قبل كانوا يعملون السيئات ( قال يأتون الرجال وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضا قال ) يهرعون إليه ( يستمعون إليه وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا في قوله ) هؤلاء بناتي ( قال ما عرض لوط بناته على قومه لا سفاحا ولا نكاحا إنما قال هؤلاء نساؤكم لأن النبي إذا كان بين ظهراني قوم فهو أبوهم قال الله تعالى في القرآن ) وأزواجه أمهاتهم ( وهو أبوهم في قراءة أبي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال لم تكن بناته ولكن كن من أمته وكل نبي أبو أمته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن السدي نحوه قال وفي قراءة عبد الله ? النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم ? وأخرج ابن أبي حاتم عن حذيفة بن اليمان قال عرض عليهم بناته تزويجا وأراد أن يقي أضيافه بتزويج بناته
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) ولا تخزون في ضيفي ( قال لا تفضحوني وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك ) أليس منكم رجل رشيد ( قال رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس ) أليس منكم رجل رشيد ( قال واحد يقول لا إله إلا الله وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ) وإنك لتعلم ما نريد ( قال إنما نريد الرجال ) قال ( لوط ) لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ( يقول إلى جند شديد لمقاتلتكم وأخرج ابن أبي حاتم


"""""" صفحة رقم 517 """"""
عن ابن عباس أو آوى إلى ركن شديد قال عشيرة وقد ثبت في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال يغفر الله للوط إن كان يأوي إلى ركن شديد وهو مروي في غير الصحيح من طريق غيره من الصحابة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس ) بقطع من الليل ( قال جوف الليل وأخرجا عنه قال بسواد الليل وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قال بطائفة من الليل وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا يلتفت منكم أحد ( قال لا يتخلف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) ولا يلتفت منكم أحد ( قال لا ينظر وراءه أحد ) إلا امرأتك ( وأخرج أبو عبيد وابن جرير عن هارون قال في حرف ابن مسعود فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها ( قال لما أصبحوا عدا جبريل على قريتهم فقلعها من أركانها ثم أدخل جناحه ثم حملها على خوافي جناحه بما فيها ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم قلبها فكان أول ما سقط منها سرادقها فلم يصب قوما ما أصابهم ثم إن الله طمس على أعينهم ثم قلبت قريتهم وأمطر عليهم حجارة من سجيل وقد ذكر المفسرون روايات وقصصا في كيفية هلاك قوم لوط طويلة متخالفة وليس في ذكرها فائدة لا سيما وبين من قال بشيء من ذلك وبين هلاك قوم لوط دهر طويل لا يتيسر له في مثله إسناد صحيح وغالب ذلك مأخوذ عن أهل الكتاب وحالهم في الرواية معروف وقد أمرنا بأنا لا نصدقهم ولا نكذبهم فاعرف هذا فهو الوجه في حذفنا لكثير من هذه الروايات الكائنة في قصص الأنبياء وقومهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وما هي من الظالمين ببعيد ( قال يرهب بها قريش أن يصيبهم ما أصاب القوم وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال من ظلمة العرب إن لم يؤمنوا فيعذبوا بها وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن أبي حاتم عن قتادة قال من ظالمي هذه الأمة
سورة هود الآية ( 84 88 )


"""""" صفحة رقم 518 """"""
سورة هود الآية ( 89 95 )
هود : ( 84 ) وإلى مدين أخاهم . . . . .
أي وأرسلنا إلى مدين وهم قوم شعيب أخاهم في النسب شعيبا وسموا مدين باسم أبيهم وهو مدين بن إبراهيم وقيل باسم مدينتهم قال النحاس لا ينصرف مدين لأنه اسم مدينة وقد تقدم الكلام على هذا في الأعراف بأبسط مما هنا وقد تقدم تفسير ) قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( في أول السورة وهذه الجملة مستأنفة كأنه قيل ماذا قال لهم شعيب لما أرسله الله إليهم وقد كان شعيب عليه السلام يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه أمرهم أولا بعبادة الله سبحانه الذى هو الإله وحده لا شريك له ثم نهاهم عن أن ينقصوا المكيال والميزان لأنهم كانوا مع كفرهم أهل تطفيف كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد وكذلك إذا وصل إليهم الموزون أخذوا بوزن زائد وإذا باعوا باعوا بكيل ناقص ووزن ناقص وجملة ) إني أراكم بخير ( تعليل للنهي أي لا تنقصوا المكيال والميزان لأني أراكم بخير أي بثروة وسعة من الرزق فلا تغيروا نعمة الله عليكم بمعصيته والإضرار بعباده ففي هذه النعمة ما يغنيكم عن أخذ أموال الناس بغير حقها ثم ذكر بعد هذه العلة علة أخرى فقال ) وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ( فهذه العلة فيها الإذكار لهم بعذاب الآخرة كما أن العلة الأولى فيها الإنكار لهم بنعيم الدنيا ووصف اليوم بالإحاطة والمراد العذاب لأن العذاب واقع في اليوم ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم أنه لا يشذ منهم أحد عنه ولا يجدون منه ملجأ ولا مهربا واليوم هو يوم القيامة وقيل هو يوم الانتقام منهم في الدنيا بالصيحة
هود : ( 85 ) ويا قوم أوفوا . . . . .
ثم أكد النهي عن نقص الكيل والوزن بقوله ) ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ( والإيفاء هو الإتمام والقسط العدل وهو عدم الزيادة والنقص وإن كان الزيادة على الإيفاء فضل وخير ولكنها فوق ما يفيده اسم العدل والنهي عن النقص وإن كان يستلزم الإيفاء ففي تعاضد الدلالتين مبالغة بليغة وتأكيد حسن ثم زاد ذلك تأكيدا فقال ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( قد مر تفسير هذا في الأعراف وفيه النهي عن البخس على العموم والأشياء أعم مما يكال ويوزن فيدخل البخس بتطفيف الكيل والوزن في هذا دخولا أوليا وقيل البخس المكس خاصة ثم قال ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( قد مر أيضا تفسيره في البقرة والعثي في الأرض يشمل كل ما يقع فيها من الإضرار بالناس فيدخل فيه ما في السياق من نقص المكيال والميزان وقيده بالحال وهو قوله ) مفسدين ( ليخرج ما كان صورته من العثي في الأرض والمقصود به الإصلاح كما وقع من الخضر في السفينة
هود : ( 86 ) بقية الله خير . . . . .
) بقيت الله خير لكم ( أي ما يبقيه لكم من


"""""" صفحة رقم 519 """"""
الحلال بعد إيفاء الحقوق بالقسط أكثر خيرا وبركة مما تبقونه لأنفسكم من التطفيف والبخس والفساد في الأرض ذكر معناه ابن جرير وغيره من المفسرين وقال مجاهد بقية الله طاعته وقال الربيع وصيته وقال الفراء مراقبته وإنما قيد ذلك بقوله ) إن كنتم مؤمنين ( لأن ذلك إنما ينتفع به المؤمن لا الكافر أو المراد بالمؤمنين هنا المصدقون لشعيب ) وما أنا عليكم بحفيظ ( أحفظكم من الوقوع في المعاصي من التطفيف والبخس وغيرهما أو أحفظ عليكم أعمالكم وأحاسبكم بها وأجازيكم عليها
هود : ( 87 ) قالوا يا شعيب . . . . .
وجملة ) قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالوا لشعيب وقرئ ) أصلاتك ( بالإفراد وأن نترك في موضع نصب وقال الكسائي موضعها خفض على إضمار الباء ومرادهم بما يعبد آباؤهم ما كانوا يعبدون من الأوثان والاستفهام للإنكار عليه والاستهزاء به لأن الصلوات عندهم ليست من الخير الذى يقال لفاعله عند إرادة تليين قلبه وتذليل صعوبته كما يقال لمن كان كثير الصدقة إذا فعل ما لا يناسب الصواب أصدقتك أمرتك بهذا وقيل المراد بالصلاة هنا القراءة وقيل المراد بها الدين وقيل المراد بالصلوات أتباعه ومنه المصلى الذى يتلو السابق وهذا منهم جواب لشعيب عن أمره لهم بعبادة الله وحده وقولهم ) أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ( جواب له عن أمرهم بإيفاء الكيل والوزن ونهيهم عن نقصهما وعن بخس الناس وعن العثي في الأرض وهذه الجملة معطوفة على ) ما ( في ما يعبد آباؤنا والمعنى أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا وتأمرك أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء من الأخذ والإعطاء والزيادة والنقص وقرئ ? تفعل ما تشاء ? بالفوقية فيهما قال النحاس فتكون أو على هذه القراءة للعطف على أن الأولى والتقدير ألواتك تأمرك أن تفعل في أموالنا ما تشاء وقريء نفعل بالنون وما تشاء بالفوقية ومعناه أصلواتك تأمرك أن تفعل نحن في أموالنا ما تشاؤه أنت وندع ما نشاؤه نحن وما يجري به التراضي بيننا ثم وصفوه بوصفين عظيمين فقالوا ) إنك لأنت الحليم الرشيد ( على طريقة التهكم به لأنهم يعتقدون أنه على خلافهما أو يريدون إنك لأنت الحليم الرشيد عند نفسك وفي اعتقادك ومعناهم أن هذا الذى نهيتنا عنه وأمرتنا به يخالف ما تعتقده في نفسك من الحلم والرشد وقيل إنهم قالوا ذلك لا على طريقة الاستهزاء بل هو عندهم كذلك وأنكروا عليه الأمر والنهي منه لهم بما يخالف الحلم والرشد في اعتقادهم
قد تقدم تفسير الحلم والرشد
هود : ( 88 ) قال يا قوم . . . . .
وجملة ) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ( مستأنفة كالجمل التى قبلها والمعنى أخبروني إن كنت على حجة واضحة من عند ربي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه ) ورزقني منه ( أي من فضله وخزائن ملكه ) رزقا حسنا ( أي كثيرا واسعا حلالا طيبا وقد كان عليه السلام كثير المال وقيل أراد بالرزق النبوة وقيل الحكمة وقيل العلم وقيل التوفيق وجواب الشرط محذوف يدل عليه سياق الكلام تقديره أترك أمركم ونهيكم أو أتقولون في شأني ما تقولون مما تريدون به السخرية والاستهزاء ) وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ( أي وما أريد بنهي لكم عن التطفيف والبخس أن أخالفكم إلى ما نهيتكم عنه فأفعله دونكم يقال خالفه إلى كذا إذا قصده وهو مول عنه وخالفته عن كذا في عكس ذلك ) إن أريد إلا الإصلاح ( أي ما أريد بالأمر والنهي إلا لإصلاح لكم ودفع الفساد في دينكم ومعاملاتكم ) ما استطعت ( ما بلغت إليه استطاعتي وتمكنت منه طاقتي ) وما توفيقي إلا بالله ( أي ما صرت موفقا هاديا نبيا مرشدا إلا بتأييد الله سبحانه وإقداري عليه ومنحي إياه ) عليه توكلت ( في جميع أموري التى منها أمركم ونهيكم ) وإليه أنيب ( أي أرجع في كل ما نابني من الأمور وأفوض جميع أموري إلى ما يختاره لي من قضائه وقدره وقيل معناه وإليه أرجع في الآخرة وقيل إن الإنابة الدعاء ومعناه وله أدعوا
هود : ( 89 ) ويا قوم لا . . . . .
قوله ) ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي ( قال الزجاج معناه لا يكسبنكم شقاقي إصابة العذاب


"""""" صفحة رقم 520 """"""
إياكم كما أصاب من كان قبلكم وقيل معناه لا يحملنكم شقاقي والشقاق العداوة ومنه قول الأخطل ألا من مبلغ عني رسولا
فكيف وجدتم طعم الشقاق
و ) أن يصيبكم ( في محل نصب على أنه مفعول ثان ليجرمنكم ) مثل ما أصاب قوم نوح ( من الغرق ) أو قوم هود ( من الريح ) أو قوم صالح ( من الصيحة وقد تقدم تفسير يجرمنكم وتفسير الشقاق ) وما قوم لوط منكم ببعيد ( يحتمل أن يريد ليس مكانهم ببعيد من مكانكم أو ليس زمانهم ببعيد من زمانكم أو ليسوا ببعيد منكم في السبب الموجب لعقوبتهم وهو مطلق الكفر وأفرد لفظ ) بعيد ( لمثل ما سبق في ) وما هي من الظالمين ببعيد )
هود : ( 90 ) واستغفروا ربكم ثم . . . . .
ثم بعد ترهيبهم بالعذاب أمرهم بالاستغفار والتوبة فقال ) واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ( وقد تقدم تفسير الاستغفار مع ترتيب التوبة عليه في أول السورة وتقدم تفسير الرحيم والمراد هنا أنه عظيم الرحمة للتائبين والودود المحب قال في الصحاح وددت الرجل أوده ودا إذا أحببته والودود المحب والود والود والود المحبة والمعنى هنا أنه يفعل بعباده ما يفعله من هو بليغ المودة بمن يوده من اللطف به وسوق الخير إليه ودفع الشر عنه وفي هذا تعليل لما قبله من الأمر بالاستغفار والتوبة
هود : ( 91 ) قالوا يا شعيب . . . . .
وجملة ) قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول ( مستأنفة كالجمل السابقة والمعنى أنك تأتينا بما لا عهد لنا به من الإخبار بالأمور الغيبية كالبعث والنشور ولا نفقه ذلك أي نفهمه كما نفهم الأمور الحاضرة المشاهدة فيكون نفي الفقه على هذا حقيقة لا مجازا وقيل قالوا ذلك إعراضا عن سماعه واحتقار الكلام مع كونه مفهوما لديهم معلوما عندهم فلا يكون نفي الفقه حقيقة بل مجازا يقال فقه يفقه إذا فهم فقها وفقها وحكى الكسائي فقهانا ويقال فقه فقها إذا صار فقيها ) وإنا لنراك فينا ضعيفا ( أي لا قوة لك تقدر بها على أن تمنع نفسك منا وتتمكن بها من مخالفتنا وقيل المراد أنه ضعيف في بدنه قاله علي بن عيسى وقيل إنه كان مصابا ببصره قال النحاس وحكى أهل اللغة أن حمير تقول للأعمى ضعيف أي قد ضعف بذهاب بصره كما يقال له ضرير أي قد ضر بذهاب بصره وقيل الضعيف المهين وهو قريب من القول الأول ) ولولا رهطك لرجمناك ( رهط الرجل عشيرته الذين يستند إليهم ويتقوى بهم ومنه الراهط لجحر اليربوع لأنه يتوثق به ويخبأ فيه ولده والرهط يقع على الثلاثة إلى العشرة وإنما جعلوا رهطه مانعا من إنزال الضرر به مع كونهم في قلة والكفار ألوف مؤلفة لأنهم كانوا على دينهم فتركوه احتراما لهم لا خوفا منهم ثم أكدوا ما وصفوه به من الضعف بقولهم ) وما أنت علينا بعزيز ( حتى نكف عنك لأجل عزتك عندنا بل تركنا رجمك لعزة رهطك علينا ومعنى لرجمناك لقتلناك بالرجم وكانوا إذا قتلوا إنسانا رجموه بالحجارة وقيل معنى لرجمناك لشتمناك ومنه قول الجعدي تراجمنا بمر القول حتى
نصير كأننا فرسا رهان
ويطلق الرجم على اللعن ومنه الشيطان الرجيم
هود : ( 92 ) قال يا قوم . . . . .
وجملة ) قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله ( مستأنفة وإنما قال أعز عليكم من الله ولم يقل أعز عليكم مني لأن نفي العزة عنه وإثباتها لقومه كما يدل عليه إيلاء الضمير حرف النفي استهانة به والاستهانة بأنبياء الله استهانة بالله عز وجل فقد تضمن كلامهم أن رهطه أعز عليه من الله فاستنكر ذلك عليهم وتعجب منه وألزمهم ما لا مخلص لهم عنه ولا مخرج لهم منه بصورة الاستفهام وفي هذا من قوة المحاجة ووضوح المجادلة وإلقام الخصم الحجر ما لا يخفى ولأمر ما سمى شعيب خطيب الأنبياء والضمير في ) واتخذتموه ( راجع إلى الله سبحانه والمعنى واتخذتم الله عز وجل بسبب عدم اعتدادكم بنبيه


"""""" صفحة رقم 521 """"""
الذى أرسله إليكم ) وراءكم ظهريا ( أي منبوذا وراء الظهر لا تبالون به وقيل المعنى واتخذتم أمر الله الذى أمرني بإبلاغه إليكم وهو ما جئتكم به وراء ظهوركم يقال جعلت أمره بظهر إذا قصرت فيه و ) ظهريا ( منسوب إلى الظهر والكسر لتغيير النسب ) إن ربي بما تعملون محيط ( لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم
هود : ( 93 ) ويا قوم اعملوا . . . . .
) ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون ( لما رأى إصرارهم على الكفر وتصميمهم على دين آبائهم وعدم تأثير الموعظة فيهم توعدهم بأن يعملوا على غاية تمكنهم ونهاية استطاعتهم يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ تمكن وأخبرهم أنه عامل على حسب ما يمكنه ويقدر الله له ثم بالغ في التهديد والوعيد بقوله ) سوف تعلمون ( أي عاقبة ما أنتم فيه من عبادة غير الله والإضرار بعباده وقد تقدم مثله في الأنعام ) من يأتيه عذاب يخزيه ( من في محل نصب بتعلمون أي سوف تعلمون من هو الذى يأتيه العذاب المخزي الذى يتأثر عنه الذل والفضيحة والعار ) ومن هو كاذب ( معطوف على من يأتيه والمعنى ستعلمون من هو المعذب ومن هو الكاذب وفيه تعريض بكذبهم في قولهم ) ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز ( وقيل إن من مبتدأ وما بعدها صلتها والخبر محذوف والتقدير من هو كاذب فسيعلم كذبه ويذوق وبال أمره قال الفراء إنما جاء بهو في ) من هو كاذب ( لأنهم لا يقولون من قائم إنما يقولون من قام ومن يقوم ومن القائم فزادوا هو ليكون جملة تقوم مقام فعل ويفعل قال النحاس ويدل على خلاف هذا قول الشاعر من رسولي إلى الثريا فإني
ضقت ذرعا بهجرها والكتاب
) وارتقبوا إني معكم رقيب ( أي انتظروا إني معكم منتظر لما يقضي به الله بيننا
هود : ( 94 ) ولما جاء أمرنا . . . . .
) ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه ( أي لما جاء عذابنا أو أمرنا بعذابهم نجينا شعيبا وأتباعه الذين آمنوا به ) برحمة منا ( لهم بسبب إيمانهم أو برحمة منا لهم وهى هدايتهم للإيمان ) وأخذت الذين ظلموا ( غيرهم بما أخذوا من أموالهم بغير وجه وظلموا أنفسهم بالتصميم على الكفر ) الصيحة ( التى صاح بهم جبرائيل حتى خرجت أرواحهم وأجسادهم وفي الأعراف ) فأخذتهم الرجفة ( وكذا في العنكبوت وقد قدمنا أن الرجفة الزلزلة وأنها تكون تابعة للصيحة لتموج الهوى المفضى إليها ) فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( أي ميتين
هود : ( 95 ) كأن لم يغنوا . . . . .
وقد تقدم تفسيره وتفسير ) كأن لم يغنوا فيها ( قريبا وكذا تفسير ) ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ( وحكى الكسائي أن أبا عبد الرحمن السلمي قرأ ) كما بعدت ثمود ( بضم العين قال المهدوي من ضم العين من بعدت فهي لغة يستعمل في الخير والشر وبعدت بالكسر على قراءة الجمهور يستعمل في الشر خاصة وهى هنا بمعنى اللعنة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إني أراكم بخير ( قال رخص السعر ) وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ( قال غلاء السعر وأخرج ابن جرير عنه ) بقية الله ( رزق الله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) بقية الله خير لكم ( يقول حظكم من ربكم خير لكم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال طاعة الله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله ) أصلاتك تأمرك ( قال أقراءتك وأخرج ابن عساكر عن الأحنف أن شعيبا كان أكثر الأنبياء صلاة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ( قال نهاهم عن قطع هذه الدنانير والدراهم فقالوا إنما هى أموالنا نفعل فيها ما نشاء إن شئنا قطعناها وإن شئنا أحرقناها وإن شئنا طرحناها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن محمد بن


"""""" صفحة رقم 522 """"""
كعب نحوه وأخرجا عن زيد بن أسلم نحوه أيضا وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن المنذر وأبو الشيخ وعبد بن حميد عن سعيد بن المسيب نحوه أيضا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إنك لأنت الحليم الرشيد ( قال يقولون إنك لست بحليم ولا رشيد وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال استهزاء به وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ) ورزقني منه رزقا حسنا ( قال الحلال وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ( قال يقول لم أكن لأنهاكم عن أمر وأركبه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وإليه أنيب ( قال إليه أرجع
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي قال قلت يا رسول الله أوصني قال قل الله ربي ثم استقم قلت ربي الله وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب قال ليهنك العلم أبا الحسن لقد شربت العلم شربا ونهلته نهلا وفي إسناده محمد بن يوسف الكديمي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) لا يجرمنكم شقاقي ( لا يحملنكم فراقي وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال شقاقي عداوتي وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال لا تحملنكم عداوتي وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ) وما قوم لوط منكم ببعيد ( قال إنما كانوا حديثي عهد قريب بعد نوح وثمود وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن سعيد بن جبير ) وإنا لنراك فينا ضعيفا ( قال كان أعمى وإنما عمى من بكائه من حب الله عز وجل وأخرج الواحدي وابن عساكر عن شداد بن أوس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بكى شعيب عليه السلام من حب الله حتى عمى وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه والخطيب وابن عساكر من طرق عن ابن عباس في قوله ) وإنا لنراك فينا ضعيفا ( قال كان ضرير البصر وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح مثله وأخرج أبو الشيخ عن سفيان في قوله ) وإنا لنراك فينا ضعيفا ( قال كان أعمى وكان يقال له خطيب الأنبياء وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال معناه إنما أنت واحد وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب أنه خطب فتلا هذه الآية في شعيب ) وإنا لنراك فينا ضعيفا ( قال كان مكفوفا فنسبوه إلى الضعف ) ولولا رهطك لرجمناك ( قال علي فوالله الذى لا إله غيره ما هابوا جلال ربهم ما هابوا إلا العشيرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) واتخذتموه وراءكم ظهريا ( قال نبذتم أمره وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال في الآية لا تخافونه وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال تهاونتم به
سورة هود الآية ( 96 108 )


"""""" صفحة رقم 523 """"""
هود : ( 96 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
المراد بالآيات التوراة والسلطان المبين المعجزات وقيل المراد بالآيات هى التسع المذكورة في غير هذا الموضع والسلطان المبين العصا وهى وإن كانت من التسع لكنها لما كانت أبهرها أفردت بالذكر وقيل المراد بالآيات ما يفيد الظن والسلطان المبين ما يفيد القطع بما جاء به موسى وقيل هما جميعا عبارة عن شيء واحد أي أرسلناه بما يجمع وصف كونه آية وكونه سلطانا مبينا وقيل إن السلطان المبين ما أورده موسى على فرعون في المحاورة بينهما
هود : ( 97 ) إلى فرعون وملئه . . . . .
) إلى فرعون وملئه ( أي أرسلناه بذلك إلى هؤلاء وقد تقدم أن الملأ أشراف القوم وإنما خصهم بالذكر دون سائر القوم لأنهم أتباع لهم في الإصدار والإيراد وخص هؤلاء الملأ دون فرعون بقوله ) فاتبعوا أمر فرعون ( أي أمره لهم بالكفر لأن حال فرعون في الكفر أمر واضح إذ كفر قومه من الأشراف وغيرهم إنما هو مستند إلى كفره ويجوز أن يراد بأمر فرعون شأنه وطريقته فيعم الكفر وغيره ) وما أمر فرعون برشيد ( أي ليس فيه رشد قط بل هو غي وضلال والرشيد بمعنى المرشد والإسناد مجازي أو بمعنى ذي رشد وفيه تعريض بأن الرشد في أمر موسى
هود : ( 98 ) يقدم قومه يوم . . . . .
) يقدم قومه يوم القيامة ( من قدمه بمعنى تقدمه أي يصير متقدما لهم يوم القيامة سابقا لهم إلى عذاب النار كما كان يتقدمهم في الدنيا ) فأوردهم النار ( أي إنه لا يزال متقدما لهم وهم يتبعونه حتى يوردهم النار وعبر بالماضي تنبيها على تحقق وقوعه ثم ذم الورد الذى أوردهم إليه فقال ) وبئس الورد المورود ( لأن الوارد إلى الماء الذى يقول له الورد إنما يرده ليطفيء حر العطش ويذهب ظمأه والنار على ضد ذلك
هود : ( 99 ) وأتبعوا في هذه . . . . .
ثم ذمهم بعد ذم المكان الذى يردونه فقال ) وأتبعوا في هذه لعنة ( أي أتبع قوم فرعون مطلقا أو الملأ خاصة أو هم وفرعون في هذه الدنيا لعنة عظيمة أي طردا وإبعادا ) ويوم القيامة ( أي وأتبعوا لعنة يوم القيامة يلعنهم أهل المحشر جميعا ثم إنه جعل اللعنة رفدا لهم على طريقة التهكم فقال ) بئس الرفد المرفود ( قال الكسائي وأبو عبيدة رفدته أرفده رفدا أمنته وأعطيته واسم العطية الرفد أي بئس العطاء والإعانة ما أعطوهم إياه وأعانوهم به والمخصوص بالذم محذوف أي رفدهم وهو اللعنة التى أتبعوها في الدنيا والآخرة كأنها لعنة بعد لعنة تمد الأخرى الأولى وتؤبدها وذكر الماوردي حكاية عن الأصمعي أن الرفد بالفتح القدح وبالكسر ما فيه من الشراب فكأنه ذم ما يستقونه في النار وهذا أنسب بالمقام وقيل إن الرفد الزيادة أي بئس ما يرفدون به بعد الغرق وهو الزيادة قاله الكلبي
هود : ( 100 ) ذلك من أنباء . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك من أنباء القرى نقصه عليك ( أي ما قصه الله سبحانه في هذه السورة من أخبار الأمم السالفة وما فعلوه مع أنبيائهم أي


"""""" صفحة رقم 524 """"""
هو مقصوص عليك خبر بعد خبر وقد تقدم تحقيق معنى القصص والضمير في منها عائد إلى القرى أي من القرى قائم ومنها حصيد والقائم ما كان قائما على عروشه والحصيد ما لا أثر له وقيل القائم العامر والحصيد الخراب وقيل القائم القرى الخاوية على عروشها والحصيد المستأصل بمعنى محصود شبه القرى بالزرع القائم على ساقه والمقطوع قال الشاعر والناس في قسم المنية بينهم
كالزرع منه قائم وحصيد
هود : ( 101 ) وما ظلمناهم ولكن . . . . .
) وما ظلمناهم ( بما فعلنا بهم من العذاب ) ولكن ظلموا أنفسهم ( بالكفر والمعاصي ) فما أغنت عنهم آلهتهم ( أي فما دفعت عنهم أصنامهم التى يعبدونها من دون الله شيئا من العذاب ) لما جاء أمر ربك ( أي لما جاء عذابه ) وما زادوهم غير تتبيب ( الهلاك والخسران أي ما زادتهم الأصنام التى يعبدونها إلا هلاكا وخسرانا وقد كانوا يعتقدون أنها تعينهم على تحصيل المنافع
هود : ( 102 ) وكذلك أخذ ربك . . . . .
) وكذلك أخذ ربك ( قرأ الجحدري وطلحة بن مصرف ) أخذ ( على أنه فعل وقرأ غيرهما ) أخذ ( على المصدر ) إذا أخذ القرى وهي ظالمة ( أي أهلها وهم ظالمون ) إن أخذه ( أي عقوبته للكافرين ) أليم شديد ( أي موجع غليظ
هود : ( 103 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية ( أي في أخذ الله سبحانه لأهل القرى أو في القصص الذى قصه على رسوله لعبرة وموعظة ) لمن خاف عذاب الآخرة ( لأنهم الذين يعتبرون بالعبر ويتعظون بالمواعظ والإشارة بقوله ) ذلك يوم مجموع له الناس ( إلى يوم القيامة المدلول عليه بذكر الآخرة أن يجمع فيه الناس للمحاسبة والمجازاة ) وذلك ( أي يوم القيامة ) يوم مشهود ( أي يشهده أهل المحشر أو مشهود فيه الخلائق فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول
هود : ( 104 ) وما نؤخره إلا . . . . .
) وما نؤخره إلا لأجل معدود ( أي وما نؤخر ذلك اليوم إلا لانتهاء أجل معدود معلوم بالعدد قد عين الله سبحانه وقوع الجزاء بعده
هود : ( 105 ) يوم يأت لا . . . . .
) يوم يأت ( قرأ أهل المدينة وأبو عمرو والكسائي بإثبات الياء في الدرج حذفها في الوقف وقرأ أبي وابن مسعود بإثباتها وصلا ووقفا وقرأ الأعمش بحذفها فيهما ووجه حذف الياء مع الوقف ما قاله الكسائي أن الفعل السالم يوقف عليه كالمجزوم فحذفت الياء كما تحذف الضمة
ووجه قراءة من قرأ بحذف الياء مع الوصل أنهم رأوا رسم المصحف كذلك وحكى الخليل وسيبويه أن العرب تقول لا أدر فتحذف الياء وتجتزئ بالكسر وأنشد الفراء في حذف الياء كفاك كف ما تليق درهما
جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
قال الزجاج والأجود في النحو إثبات الياء والمعنى حين يأتي يوم القيامة ) لا تكلم نفس ( أي لا تتكلم حذفت إحدى التاءين تخفيفا أي لا تتكلم فيه نفس إلا بما أذن لها من الكلام وقيل لا تكلم بحجة ولا شفاعة ) إلا بإذنه ( سبحانه لها في التكلم بذلك وقد جمع بين هذا وبين قوله ) هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( باختلاف أحوالهم باختلاف مواقف القيامة وقد تكرر مثل هذا الجمع في مواضع ) فمنهم شقي وسعيد ( أي من الأنفس شقي ومنهم سعيد فالشقي من كتبت عليه الشقاوة والسعيد من كتبت له السعادة وتقديم الشقي على السعيد لأن المقام مقام تحذير
هود : ( 106 ) فأما الذين شقوا . . . . .
) فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ( أي فأما الذين سبقت لهم الشقاوة فمستقرون في النار لهم فيها زفير وشهيق قال الزجاج الزفير من شدة الأنين وهو المرتفع جدا قال وزعم أهل اللغة من البصريين والكوفيين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمير والشهيق بمنزلة آخره وقيل الزفير الصوت الشديد والشهيق الصوت الضعيف وقيل الزفير إخراج النفس والشهيق رد النفس وقيل الزفير من الصدر والشهيق من الحلق وقيل الزفير ترديد النفس من شدة الخوف والشهيق النفس الطويل الممتد


"""""" صفحة رقم 525 """"""
والجملة إما مستأنفة كأنه قيل ما حالهم فيها أو في محل نصب على الحال
هود : ( 107 ) خالدين فيها ما . . . . .
) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ( أي مدة دوامهما
وقد اختلف العلماء في بيان معنى هذا التوقيت لأنه قد علم بالأدلة القطعية تأييد عذاب الكفار في النار وعدم انقطاعه عنهم وثبت أيضا أن السموات والأرض تذهب عند انقضاء أيام الدنيا فقالت طائفة إن هذا الإخبار جار على ما كانت العرب تعتاده إذا أرادوا المبالغة في دوام الشيء قالوا هو دائم ما دامت السموات والأرض ومنه قولهم لا آتيك ما جن ليل وما اختلف الليل والنهار وما ناح الحمام ونحو ذلك فيكون معنى الآية أنهم خالدون فيها أبدا لا انقطاع لذلك ولا انتهاء له وقيل إن المراد سموات الآخرة وأرضها فقد ورد ما يدل على أن للآخرة سموات وأرضا غير هذه الموجودة في الدنيا وهى دائمة بدوام دار الآخرة وأيضا لا بد لهم من موضع يقلهم وآخر يظلهم وهما أرض وسماء قوله ) إلا ما شاء ربك ( قد اختلف أهل العلم في معنى هذا الاستثناء على أقوال الأول أنه من قوله ) ففي النار ( كأنه قال إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك روى هذا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري الثاني أن الاستثناء إنما هو للعصاة من الموحدين وأنهم يخرجون بعد مدة من النار وعلى هذا يكون قوله سبحانه ) فأما الذين شقوا ( عاما في الكفرة والعصاة ويكون الاستثناء من خالدين وتكون ما بمعنى من وبهذا قال قتادة والضحاك وأبو سنان وغيرهم وقد ثبت بالأحاديث المتواترة تواترا يفيد العلم الضروري بأنه يخرج من النار أهل التوحيد فكان ذلك مخصصا لكل عموم الثالث أن الاستثناء من الزفير والشهيق أي لهم فيها زفير وشهيق ) إلا ما شاء ربك ( من أنواع العذاب غير الزفير والشهيق قاله ابن الأنباري
الرابع أن معنى الاستثناء أنهم خالدون فيها ما دامت السموات والأرض لا يموتون إلا ما شاء ربك فإنه يأمر النار فتأكلهم حتى يفنوا ثم يجدد الله خلقهم روى ذلك عن ابن مسعود الخامس أن إلا معنى سوى والمعنى ما دامت السموات والأرض سوى ما يتجاوز ذلك من الخلود كأنه ذكر في خلودهم ما ليس عند العرب أطول منه ثم زاد عليه الدوام الذى لا آخر له حكاه الزجاج السادس ما روى عن الفراء وابن الأنباري وابن قتيبة من أن هذا لا ينافي عدم المشيئة كقولك والله لأضربنه إلا أن أرى غير ذلك ونوقش هذا بأن معنى الآية الحكم بخلودهم إلا المدة التى شاء الله فالمشيئة قد حصلت جزما وقد حكى هذا القول الزجاج أيضا السابع أن المعنى خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من مقدار موقفهم في قبوركم وللحساب حكاه الزجاج أيضا والثامن أن المعنى خالدين فيها إلا ما شاء ربك من زيادة النعيم لأهل النعيم وزيادة العذاب لأهل الجحيم حكاه أيضا الزجاج واختاره الحكيم الترمذي التاسع أن إلا بمعنى الواو قاله الفراء والمعنى وما شاء ربك من الزيادة قال مكي وهذا القول بعيد عند البصريين أن تكون إلا بمعنى الواو العاشر أن إلا بمعنى الكاف
والتقدير كما شاء ربك ومنه قوله تعالى ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ( أي كما قد سلف الحادي عشر أن هذا الاستثناء إنما هو على سبيل الاستثناء الذي ندب إليه الشارع فى كل كلام فهو على حد قوله ) لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ( روى نحو هذا عن أبي عبيد وهذه الأقوال هى جملة ما وقفنا عليه من أقوال أهل العلم وقد نوقش بعضها بمناقشات ودفعت بدفوعات وقد أوضحت ذلك في رسالة مستقلة جمعتها في جواب سؤال ورد من بعض الأعلام
هود : ( 108 ) وأما الذين سعدوا . . . . .
) وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ( قرأ الأعمش وحفص وحمزة والكسائي ) سعدوا ( بضم السين وقرأ الباقون بفتح السين
واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم قال سيبويه لا يقال سعد فلان كما لا يقال شقي فلان لكونه مما لا يتعدي


"""""" صفحة رقم 526 """"""
قال النحاس ورأيت علي بن سليمان يتعجب من قراءة الكسائي بضم السين مع علمه بالعربية وهذا لحن لا يجوز ومعنى الآية كما مر في قوله ) فأما الذين شقوا ( قوله ) إلا ما شاء ربك ( قد عرف من الأقوال المتقدمة ما يصلح لحمل هذا الاستثناء عليه ) عطاء غير مجذوذ ( أي يعطيهم الله عطاء غير مجذوذ والمجذوذ المقطوع من جذه يجذه إذا قطعه والمعنى أنه ممتد إلى غير نهاية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) يقدم قومه يوم القيامة ( يقول أضلهم فأوردهم النار وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال فرعون يمضي بين أيدي قومه حتى يهجم بهم على النار وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) فأوردهم النار ( قال الورود الدخول وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) بئس الرفد المرفود ( قال لعنة الدنيا والآخرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) منها قائم وحصيد ( يعني قرى عامرة وقرى خامدة وأخرج أبو الشيخ عن قتادة منها قائم يرى مكانه وحصيد لا يرى له أثر وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج منها قائم خاو على عروشه وحصيد ملصق بالأرض وأخرج أبو الشيخ عن أبي عاصم ) فما أغنت عنهم ( قال ما نفعت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عمر في قوله ) وما زادوهم غير تتبيب ( أي هلكة وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال تخسير وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة معناه وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله سبحانه وتعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ ) وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ( وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله ) إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ( يقول إنا سوف نفي لهم بما وعدناهم في الآخرة كما وفينا للأنبياء أنا ننصرهم وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ( قال يوم القيامة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد مثله وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) يوم يأت ( قال ذلك اليوم وأخرج الترمذي وحسنه وأبو يعلي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال لما نزلت ) فمنهم شقي وسعيد ( قلت يا رسول الله فعلام نعمل على شيء قد فرغ منه أو على شيء لم يفرغ منه قال بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر ولكن كل ميسر لما خلق له وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال هاتان من المخبآت قول الله ) فمنهم شقي وسعيد ( و ) يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا ( أما قوله ) فمنهم شقي وسعيد ( فهم قوم من أهل الكتاب من أهل هذه القبلة يعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم ثم يأذن في الشفاعة لهم فيشفع لهم المؤمنون فيخرجهم من النار فيدخلهم الجنة فسماهم أشقياء حين عذبهم في النار ) فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ( حين أذن في الشفاعة لهم وأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة وهم هم ) وأما الذين سعدوا ( يعني بعد الشقاء الذى كانوا فيه ) ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ( يعني الذين كانوا في النار وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن قتادة أنه تلا هذه الآية ) فأما الذين شقوا ( فقال حدثنا أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال يخرج قوم من النار ولا نقول كما قال أهل حروراء إن من دخلها بقي فيها وأخرج ابن مردويه عن جابر قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فأما الذين شقوا ( إلى قوله ) إلا ما شاء ربك ( قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن شاء الله أن يخرج أناسا من


"""""" صفحة رقم 527 """"""
الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن خالد بن معدان في قوله ) إلا ما شاء ربك ( قال إنها في التوحيد من أهل القبلة وأخرج عبد الرزاق وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله أو عن أبي سعيد الخدري أو رجل من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) إلا ما شاء ربك ( قال هذه الآية قاضية على القرآن كله يقول حيث كان في القرآن خالدين فيها تأتي عليه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن أبي نضرة قال ينتهي القرآن كله إلى هذه الآية ) إن ربك فعال لما يريد ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ما دامت السماوات والأرض ( فقال لكل جنة سماء وأرض وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن نحوه أيضا وأخرج البيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس في قوله ) إلا ما شاء ربك ( قال فقد شاء ربك أن يخلد هؤلاء في النار وان يخلد هؤلاء في الجنة واخرج ابن جرير عنه في قوله الا ما شاء ربك قال استثنى الله من النار أن تأكلهم وأخرج أبو الشيخ عن السدي في الآية قال فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها فأنزل بالمدينة ) إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ( إلى آخر الآية فذهب الرجاء لأهل النار أن يخرجوا منها وأوجب لهم خلود الأبد وقوله ) وأما الذين سعدوا ( الآية قال فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها فأنزل بالمدينة ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات ( إلى قوله ) ظلا ظليلا ( فأوجب لهم خلود الأبد وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال قال عمر لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه وأخرج إسحاق بن راهويه عن أبي هريرة قال سيأتي على جنهم يوم لا يبقى فيها أحد وقرأ ) فأما الذين شقوا ( الآية وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية ) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ( قال وقال ابن مسعود ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) إلا ما شاء ربك ( قال الله أعلم بتثنيته على ما وقعت وقد روى عن جماعة من السلف مثل ما ذكره عمر وأبو هريرة وابن مسعود كابن عباس وعبد الله بن عمر وجابر وأبي سعيد من الصحابة وعن أبي مجلز وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما من التابعين وورد في ذلك حديث في معجم الطبراني الكبير عن أبي أمامة صدى بن عجلان الباهلي وإسناده ضعيف ولقد تكلم صاحب الكشاف في هذا الموضع بما كان له في تركه سعة وفي السكوت عنه غني فقال ولا يخدعنك قول المجبرة إن المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار
فإن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روى لهم بعض الثوابت عن ابن عمرو ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد ثم قال وأقول ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث انتهى
وأقول أما الطعن على من قال بخروج أهل الكبائر من النار فالقائل بذلك يا مسكين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما صح عنه في دواوين الإسلام التى هى دفاتر السنة المطهرة وكما صح عنه في غيرها من طريق جماعة من الصحابة يبلغون عدد التواتر فمالك والطعن على قوم عرفوا ما جهلته وعملوا بما أنت عنه في مسافة بعيدة وأي مانع من حمل الاستثناء على هذا الذى جاءت به الأدلة الصحيحة الكثيرة كما ذهب إلى ذلك وقال به جمهور العلماء من السلف والخلف وأما ما ظنته من أن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم فلا


"""""" صفحة رقم 528 """"""
مناداة ولا مخالفة وأي مانع من حمل الاستثناء في الموضعين على العصاة من هذه الأمة فالاستثناء الأول يحمل على معنى إلا ما شاء ربك من خروج العصاة من هذه الأمة من النار والاستثناء الثاني يحمل على معنى إلا ما شاء ربك من عدم خلودهم في الجنة كما يخلد غيرهم وذلك لتأخر خلودهم إليها مقدار المدة التى لبثوا فيها في النار
وقد قال بهذا من أهل العلم من قدمنا ذكره وبه قال ابن عباس حبر الأمة وأما الطعن على صاحب رسول الله وحافظ سنته وعابد الصحابة عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فإلى أين يا محمود أتدري ما صنعت وفي أي واد وقعت وعلى أي جنب سقطت ومن أنت حتى تصعد إلى هذا المكان وتتناول نجوم السماء بيديك القصيرة ورجلك العرجاء أما كان لك في مكسرى طلبتك من أهل النحو واللغة ما يردك عن الدخول فيما لا تعرف والتكلم بما لا تدري فيا لله العجب ما يفعل القصور في علم الرواية والبعد عن معفرتها إلى أبعد مكان من الفضيحة لمن لم يعرف قدر نفسه ولا أوقفها حيث أوقفها الله سبحانه
سورة هود الآية ( 109 115 )
هود : ( 109 ) فلا تك في . . . . .
لما فرغ الله سبحانه من أقاصيص الكفرة وبيان حال السعداء والأشقياء سلى رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بشرح أحوال الكفرة من قومه في ضمن النهي له عن الامتراء في أن ما يعبدونه غير نافع ولا ضار ولا تأثير له في شئ وحذف النون في ) فلا تك ( لكثرة الاستعمال والمرية الشك والإشارة بهؤلاء إلى كفار عصره ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المعنى لا تك في شك من بطلان ما يعبد هؤلاء وقيل لا تك في شك من سوء عاقبتهم
ولا مانع من الحمل على جميع هذه المعاني وهذا النهي له ( صلى الله عليه وسلم ) هو تعريض لغيره ممن يداخله شيء من الشك فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) لا يشك في ذلك أبدا ثم بين له سبحانه أن معبودات هؤلاء كمعبودات آبائهم أو أن عبادتهم كعبادة آبائهم من قبل وفي هذا استثناء تعليل للنهي عن الشك والمعنى أنهم سواء في الشرك بالله وعبادة غيره فلا يكن في صدرك حرج مما تراه من قومك فهم كمن قبلهم من طوائف الشرك وجاء بالمضارع في كما يعبد آباؤهم لاستحضار الصورة ثم بين له أنه مجازيهم بأعمالهم فقال ) وإنا لموفوهم نصيبهم ( من العذاب كما وفينا آباءهم لا ينقص من ذلك شيء وانتصاب غير الحال والتوفية لا تستلزم عدم


"""""" صفحة رقم 529 """"""
النقص فقد يجوز أن يوفى وهو ناقص كما يجوز أن يوفى وهو كامل وقيل المراد نصيبهم من الرزق وقيل ما هو أعم من الخير والشر
هود : ( 110 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد آتينا موسى الكتاب ( أي التوراة ) فاختلف فيه ( أي في شأنه وتفاصيل أحكامه
فآمن به قوم وكفر به آخرون وعمل بأحكامه قوم وترك العمل ببعضها آخرون فلا يضق صدرك يا محمد بما وقع من هؤلاء في القرآن ) ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ( أي لولا أن الله سبحانه قد حكم بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة لما علم في ذلك من الصلاح لقضي بينهم أي بين قومك أو بين قوم موسى فيما كانوا فيه مختلفين فأئيب المحق وعذب المبطل أو الكلمة هى أن رحمته سبحانه سبقت غضبه فأمهلهم ولم يعاجلهم لذلك وقيل إن الكلمة هى أنهم لا يعذبون بعذاب الاستئصال وهذا من جملة التسلية له ( صلى الله عليه وسلم ) ثم وصفهم بأنهم في شك من الكتاب فقال ) وإنهم لفي شك منه مريب ( أي من القرآن إن حمل على قوم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو من التوراة إن حمل على قوم موسى عليه السلام والمريب الموقع في الريبة
هود : ( 111 ) وإن كلا لما . . . . .
ثم جمع الأولين والآخرين في حكم توفية العذاب لهم أو هو والثواب فقال ) وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم ( قرأ نافع وابن كثير وأبو بكر ) وإن ( بالتخفيف على أنها إن المخففة من الثقيلة وعملت في كلا النصب وقد جوز عملها الخليل وسيبويه وقد جوز البصريون تخفيف إن مع إعمالها وأنكر ذلك الكسائي وقال ما أدري على أي شيء قرئ ) وإن كلا ( وزعم الفراء أن انتصاب كلا بقوله ليوفينهم والتقدير وإن ليوفينهم كلا وأنكر ذلك عليه جميع النحويين وقرأ الباقون بتشديد ) إن ( ونصبوا بها كلا وعلى كلا القراءتين فالتنوين في كلا عوض عن المضاف إليه أي وإن كل المختلفين وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر ) لما ( بالتشديد وخففها الباقون
قال الزجاج لام لما لام إن وما زائدة مؤكدة وقال الفراء ما بمعنى من كقوله ) وإن منكم لمن ليبطئن ( أي وإن كلا لمن ليوفينهم وقيل ليست بزائدة بل هى اسم دخلت عليها لام التوكيد والتقدير وإن كلا لمن خلق
قيل وهى مركبة وأصلها لمن ما فقلبت النون ميما واجتمعت ثلاث ميمات فحذفت الوسطى حكى ذلك النحاس عن النحويين وزيف الزجاج هذا وقال من اسم على حرفين فلا يجوز حذف النون وذهب بعض النحويين إلى أن لما هذه بمعنى إلا ومنه قوله تعالى ) إن كل نفس لما عليها حافظ ( وقال المازني الأصل لما المخففة ثم ثقلت قال الزجاج وهذا خطأ إنما يخفف المثقل ولا يثقل المخفف وقال أبو عبيد القاسم بن سلام يجوز أن يكون التشديد من قولهم لمت الشيء ألمه إذا جمعته ثم بني منه فعلى كما قرئ ) ثم أرسلنا رسلنا تترا ( وأحسن هذه الأقوال أنها بمعنى إلا الاستثنائية وقد روى ذلك عن الخليل وسيبويه وجميع البصريين ورجحه الزجاج ويؤيده أن في حرف أبي ) وإن كلا لما ليوفينهم ( كما حكاه أبو حاتم عنه وقرئ بالتنوين أي جميعا
وقرأ الأعمش ) وإن كل لما ( بتخفيف إن ورفع كل وتشديد لما وتكون إن على هذه القراءة نافية ) إنه بما يعملون ( أيها المختلفون ) خبير ( لا يخفى عليه منه شيء والجملة تعليل لما قبلها
هود : ( 112 ) فاستقم كما أمرت . . . . .
ثم أمر سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بكلمة جامعة لأنواع الطاعة له سبحانه فقال ) فاستقم كما أمرت ( أي كما أمرك الله فيدخل في ذلك جميع ما أمره به وجميع ما نهاه عنه لأنه قد أمره بتجنب ما نهاه عنه كما أمره بفعل ما تعبده بفعله وأمته أسوته في ذلك ولهذا قال ) ومن تاب معك ( أي رجع من الكفر إلى الإسلام وشاركك في الإيمان وهو معطوف على الضمير في فاستقم لأن الفصل بين المعطوف والضمير المرفوع المعطوف عليه يقوم مقام التأكيد أي وليستقم من تاب معك وما أعظم موقع هذه الآية وأشد أمرها فإن الاستقامة كما أمر الله لا تقوم بها إلا الأنفس المطهرة والذوات المقدسة ولهذا يقول المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) شيبتني هود كما تقدم ) ولا تطغوا ( الطغيان


"""""" صفحة رقم 530 """"""
مجاوزة الحد لما أمر الله سبحانه بالاستقامة المذكورة بين أن الغلو في العبادة والإفراط في الطاعة على وجه تخرج به عن الحد الذى حده والمقدار الذى قدره ممنوع منه منهي عنه وذلك كمن يصوم ولا يفطر ويقوم الليل ولا ينام ويترك الحلال الذى أذن الله به ورغب فيه ولهذا يقول الصادق المصدوق فيما صح عنه أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأنكح النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني والخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولأمته تغليبا لحالهم عل حاله أو النهي عن الطغيان خاص بالأمة ) إنه بما تعملون بصير ( يجازيكم على حسب ما تستحقون والجملة تعليل لما قبلها
هود : ( 113 ) ولا تركنوا إلى . . . . .
قوله ) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ( قرأ الجمهور بفتح الكاف وقرأ طلحة بن مصرف وقتادة وغيرهما ) تركنوا ( بضم الكاف قال الفراء وهى لغة تميم وقيس قال أبو عمرو وقراءة الجمهور هى لغة أهل الحجاز قال ولغة تميم بكسر التاء وفتح الكاف وهم يكسرون حرف المضارعة في كل ما كان من باب علم يعلم وقرأ ابن أبي عبلة بضم التاء وفتح الكاف على البناء للمفعول من أركنه قال في الصحاح ركن إليه يركن بالضم وحكى أبو زيد ركن إليه بالكسر يركن ركونا فيهما أي مال إليه وسكن قال الله تعالى ) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ( وأما ما حكى أبو زيد ركن يركن بالفتح فيهما فإنما هو على الجمع بين اللغتين انتهى وقال في شمس العلوم الركون السكون يقال ركن إليه ركونا قال الله تعالى ) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ( انتهى وقال في القاموس ركن إليه كنصر وعلم ومنع ركونا مال وسكن انتهى فهؤلاء الأئمة من رواة اللغة فسروا الركون بمطلق الميل والسكون من غير تقييد بما قيده به صاحب الكشاف حيث قال فإن الركون هو الميل اليسير وهكذا فسره المفسرون بمطلق الميل والسكون من غير تقييد إلا من كان من المتقيدين بما ينقله صاحب الكشاف ومن المفسرين من ذكر في تفسير الركون قيودا لم يذكرها أئمة اللغة قال القرطبي في تفسيره الركون حقيقته الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به ومن أئمة التابعين من فسر الركون بما هو أخص من معناه اللغوي فروى عن قتادة وعكرمة في تفسير الآية أن معناها لا تودوهم ولا تطيعوهم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير الآية الركون هنا الإدهان وذلك أن لا ينكر عليهم كفرهم وقال أبو العالية معناه لا ترضوا أعمالهم
وقد اختلف أيضا الأئمة من المفسرين في هذه الآية هل هى خاصة بالمشركين أو عامة فقيل خاصة وإن معنى الآية النهي عن الركون إلى المشركين وأنهم المرادون بالذين ظلموا وقد روى ذلك عن ابن عباس وقيل إنها عامة في الظلمة من غير فرق بين كافر ومسلم وهذا هو الظاهر من الآية ولو فرضنا أن سبب النزول هم المشركون لكان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإن قلت وقد وردت الأدلة الصحيحة البالغة عدد التواتر الثابتة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثبوتا لا يخفى على من له أدني تمسك بالسنة المطهرة بوجوب طاعة الأئمة والسلاطين والأمراء حتى ورد في بعض ألفاظ الصحيح أطيعوا السلطان وإن كان عبدا حبشيا رأسه كالزبيبة وورد وجوب طاعتهم ما أقاموا الصلاة وما لم يظهروا منهم الكفر البواح وما لم يأمروا بمعصية الله وظاهر ذلك أنهم وإن بلغوا في الظلم إلى أعلى مراتبه وفعلوا أعظم أنواعه مما لم يخرجوا به إلى الكفر البواح فإن طاعتهم واجبة حيث لم يكن ما أمروا به من معصية الله ومن جملة ما يأمرون به تولي الأعمال لهم والدخول في المناصب الدينية التى ليس الدخول فيها من معصية الله ومن جملة ما يأمرون به الجهاد وأخذ الحقوق الواجبة من الرعايا وإقامة الشريعة بين المتخاصمين منهم وإقامة الحدود على من وجبت عليه وبالجملة فطاعتهم واجبة على كل من صار تحت أمرهم ونهيهم في كل ما يأمرون به مما لم يكن من معصية الله ولا بد في مثل


"""""" صفحة رقم 531 """"""
ذلك من المخالطة لهم والدخول عليهم ونحو ذلك مما لا بد منه ولا محيص عن هذا الذى ذكرناه من وجوب طاعتهم بالقيود المذكورة لتواتر الأدلة الواردة به بل قد ورد به الكتاب العزيز ) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي ألامر منكم ( بل ورد أنهم يعطون الذى لهم من الطاعة وإن منعوا ما هو عليهم للرعايا كما في بعض الأحاديث الصحيحة أعطوهم الذى لهم واسألوا الله الذى لكم بل ورد الأمر بطاعة السلطان وبالغ في ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى قال وإن أخذ مالك وضرب ظهرك فإن اعتبرنا مطلق الميل والسكون فمجرد هذه الطاعة المأمور بها مع ما تستلزمه من المخالطة هى ميل وسكون وإن اعتبرنا الميل والسكون ظاهرا وباطنا فلا يتناول النهي في هذه الآية من مال إليهم في الظاهر لأمر يقتضي ذلك شرعا كالطاعة أو للتقية ومخافة الضرر منهم أو لجلب مصلحة عامة أو خاصة أو دفع مفسدة عامة أو خاصة إذا لم يكن له ميل إليهم في الباطن ولا محبة ولا رضا بأفعالهم قلت أما الطاعة على عمومها بجميع أقسامها حيث لم تكن في معصية الله فهي على فرض صدق مسمى الركون عليها مخصصة لعموم النهي عنه بأدلتها التى قدمنا الإشارة إليها ولا شك في هذا ولا ريب فكل من أمروه ابتداء أن يدخل في شئ من الأعمال التى أمرها إليهم مما لم يكن من معصية الله كالمناصب الدينية ونحوها إذا وثق من نفسه بالقيام بما وكل إليه فذلك واجب عليه فضلا عن أن يقال جائز له وأما ما ورد من النهي عن الدخول في الإمارة فذلك مقيد بعدم وقوع الأمر ممن تجب طاعته من الأئمة والسلاطين والأمراء جمعا بين الأدلة أو مع ضعف المأمور عن القيام بما أمر به كما ورد تعليل النهي عن الدخول في الإمارة بذلك في بعض الأحاديث الصحيحة وأما مخالطتهم والدخول عليهم لجلب مصلحة عامة أو خاصة أو دفع مفسدة عامة أو خاصة مع كراهة ما هم عليه من الظلم وعدم ميل النفس إليهم ومحبتها لهم وكراهة المواصلة لهم لولا جلب تلك المصلحة أو دفع تلك المفسدة فعلى فرض صدق مسمى الركون على هذا فهو مخصص بالأدلة الدالة على مشروعية جلب المصالح ودفع المفاسد والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ولا تخفى على الله خافية وبالجملة فمن ابتلى بمخالطة من فيه ظلم فعليه أن يزن أقواله وأفعاله وما يأتي وما يذر بميزان الشرع فإن زاغ عن ذلك فعلى نفسها براقش تجنى ومن قدر على الفرار منهم قبل أن يؤمر من جهتهم بأمر يجب عليه طاعته فهو الأولى له والأليق به
يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اجعلنا من عبادك الصالحين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر الذين لا يخافون فيك لومة لائم وقونا على ذلك ويسره لنا وأعنا عليه قال القرطبي في تفسيره وصحبة الظالم على التقية مستثناة من النهي بحال الاضطرار انتهى وقال النيسابوري في تفسيره قال المحققون الركون المنهي عنه هو الرضا بما عليه الظلمة أو تحسين الطريقة وتزيينها عند غيرهم ومشاركتهم في شيء من تلك الأبواب فأما مداخلتهم لرفع ضرر واجتلاب منفعة عاجلة فغير داخلة في الركون قال وأقول هذا من طريق المعاش والرخصة ومقتضى التقوى هو الاجتناب عنهم بالكلية ) أليس الله بكاف عبده ( انتهى
قوله ) فتمسكم النار ( بسبب الركون إليهم وفيه إشارة إلى أن الظلمة أهل النار أو كالنار ومصاحبة النار توجب لا محالة مس النار وجملة ) وما لكم من دون الله من أولياء ( في محل نصب على الحال من قوله فتمسكم النار والمعنى أنها تمسكم النار حال عدم وجود من ينصركم وينقذكم منها ) ثم لا تنصرون ( من جهة الله سبحانه إذ قد سبق في علمه أنه يعذبكم بسبب الركون الذى نهيتم عنه فلم تنتهوا عنادا وتمردا
هود : ( 114 ) وأقم الصلاة طرفي . . . . .
قوله ) وأقم الصلاة طرفي النهار ( لما ذكر الله سبحانه الاستقامة خص من أنواعها إقامة الصلاة لكونها رأس الإيمان وانتصاب طرفي النهار على الظرفية والمراد صلاة الغداة والعشي وهما الفجر والعصر وقيل الظهر موضع العصر وقيل الطرفان الصبح والمغرب وقيل هما الظهر والعصر ورجح ابن جرير أنهما الصبح والمغرب قال والدليل عليه إجماع


"""""" صفحة رقم 532 """"""
الجميع على أن أحد الطرفين الصبح فدل على أن الطرف الآخر المغرب ) وزلفا من الليل ( أي في زلف من الليل والزلف الساعات القريبة بعضها من بعض ومنه سميت المزدلفة لأنها منزل بعد عرفة بقرب مكة وقرأ ابن القعقاع وأبو إسحاق وغيرهما ? زلفا ? بضم اللام جمع زليف ويجوز أن يكون واحده زلفة وقرأ ابن محيصن بإسكان اللام
وقرأ مجاهد زلفى مثل فعلى قرأ الباقون ? زلفا ? بفتح اللام كغرفة وغرف قال ابن الأعرابي الزلف الساعات واحدتها زلفة وقال قوم الزلفة أول ساعة من الليل بعد مغيب الشمس قال الأخفش معنى زلفا من الليل صلاة الليل ) إن الحسنات يذهبن السيئات ( أي إن الحسنات على العموم ومن جملتها بل عمادها الصلاة يذهبن السيئات على العموم وقيل المراد بالسيئات الصغائر ومعنى يذهبن السيئات يكفرنها حتى كأنها لم تكن والإشارة بقوله ) ذلك ذكرى للذاكرين ( إلى قوله ) فاستقم ( وما بعده وقيل إلى القرآن ذكرى للذاكرين أي موعظة للمتعظين
هود : ( 115 ) واصبر فإن الله . . . . .
) واصبر ( على ما أمرت به من الاستقامة وعدم الطغيان والركون إلى الذين ظلموا وقيل إن المراد الصبر على ما أمر به دون ما نهي عنه لأنه لا مشقة في اجتنابه وفيه نظر فإن المشقة في اجتناب المنهي عنه كائنة وعلى فرض كونها دون مشقة امتثال الأمر فذلك لا يخرجها عن مطلق المشقة ) فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ( أي يوفيهم أجورهم ولا يضيع منها شيئا فلا يهمله ولا يبخسه بنقص
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ( قال ما قدر لهم من خير أو شر وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في الآية قال من العذاب وأخرجا عن أبي العالية قال من الرزق وأخرجا أيضا عن قتادة في قوله ) فاستقم كما أمرت ( قال أمر الله نبيه أن يستقيم على أمره ولا يطغى في نعمته وأخرج أبو الشيخ عن سفيان في الآية قال استقم على القرآن وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال لما نزلت هذه الآية ) فاستقم كما أمرت ( قال شمروا شمروا فما رؤى ضاحكا وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج ) ومن تاب معك ( قال آمن
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن العلاء بن عبد الله بن بدر في قوله ) ولا تطغوا ( قال لم يرد أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنما عنى الذين يجيئون من بعدهم وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) ولا تطغوا ( يقول لا تظلموا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال الطغيان خلاف أمره وارتكاب معصيته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ( قال يعني الركون إلى الشرك وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ) ولا تركنوا ( قال لا تميلوا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال ) ولا تركنوا ( لا تدهنوا وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال أن تطيعوهم أو تودوهم أو تصطنعوهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وأقم الصلاة طرفي النهار ( قال صلاة المغرب والغداة ) وزلفا من الليل ( قال صلاة العتمة وأخرجا عن الحسن قال الفجر والعصر ) وزلفا من الليل ( قال هما زلفتان صلاة المغرب وصلاة العشاء قال وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هما زلفتا الليل وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الطرفين قال صلاة الفجر وصلاتي العشي يعني الظهر والعصر ) وزلفا من الليل ( قال المغرب والعشاء وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وزلفا من الليل ( قال ساعة بعد ساعة يعني صلاة العشاء الآخرة وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه كان يستحب تأخير العشاء ويقرأ زلفا من الليل وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله ) إن الحسنات يذهبن السيئات ( قال الصلوات الخمس


"""""" صفحة رقم 533 """"""
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة ومحمد بن نصر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) إن الحسنات يذهبن السيئات ( قال الصلوات الخمس والباقيات الصالحات الصلوات الخمس وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر ذلك له كأنه يسأل عن كفارتها فأنزلت عليه ) وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ( فقال الرجل يا رسول الله إلى هذه قال هى لمن عمل بها من أمتي
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود وغيرهم عن أبي أمامة أن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله أقم في حد الله مرة أو مرتين فأعرض عنه ثم أقيمت الصلاة فلما فرغ قال أين الرجل قال أناذا قال أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا قال نعم قال فإنك من خطيئتك كيوم ولدتك أمك فلا تعد وأنزل الله حينئذ على رسوله ) وأقم الصلاة طرفي النهار ( وفي الباب أحاديث كثيرة بألفاظ مختلفة ووردت أحاديث أيضا إن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) ذلك ذكرى للذاكرين ( قال هم الذين يذكرون الله في السراء والضراء والشدة والرخاء والعافية والبلاء وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال لما نزع الذى قبل المرأة تذكر فذلك قوله ) ذكرى للذاكرين )
سورة هود الآية ( 116 124 )
هود : ( 116 ) فلولا كان من . . . . .
هذا عود إلى أحوال الأمم الخالية لبيان أن سبب حلول عذاب الاستئصال بهم أنه ما كان فيهم من ينهى عن الفساد ويأمر بالرشاد فقال ) فلولا ( أي فهلا ) كان من القرون ( الكائنة ) من قبلكم أولوا بقية ( من الرأي والعقل والدين ) ينهون ( قومهم ) عن الفساد في الأرض ( ويمنعونهم من ذلك لكونهم ممن جمع الله له بين جودة العقل وقوة الدين وفي هذا من التوبيخ للكفار ما لا يخفى والبقية في الأصل لما يستبقيه الرجل مما يخرجه


"""""" صفحة رقم 534 """"""
وهو لا يستبقى إلا أجوده وأفضله فصار لفظ البقية مثلا في الجودة والاستثناء في ) إلا قليلا ( منقطع أي لكن قليلا ) ممن أنجينا منهم ( ينهون عن الفساد في الأرض وقيل هو متصل لأن في حرف التحضيض معنى النفي فكأنه قال ما كان في القرون أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ومن في ممن أنجينا بيانية لأنه لم ينج إلا الناهون قيل هؤلاء القليل هم قوم يونس لقوله فيما مر ) إلا قوم يونس ( وقيل هم أتباع الأنبياء وأهل الحق من الأمم على العموم ) واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ( معطوف على مقدر يقتضيه الكلام
تقديره إلا قليلا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد والمعنى أنه اتبع الذين ظلموا بسبب مباشرتهم الفساد وتركهم للنهي عنه ما أترفوا فيه والمترف الذى أبطرته النعمة يقال صبي مترف منعم البدن أي صاروا تابعين للنعم التى صاروا بها مترفين من خصب العيش ورفاهية الحال وسعة الرزق وآثروا ذلك على الاشتغال بأعمال الآخرة واستغرقوا أعمارهم في الشهوات النفسانية وقيل المراد بالذين ظلموا تاركو النهي ورد بأنه يستلزم خروج مباشري الفساد عن الذين ظلموا وهم أشد ظلما ممن لم يباشر وكان ذنبه ترك النهي وقرأ أبو عمرو في رواية عنه ) واتبع الذين ظلموا ( على البناء المفعول ومعناه أتبعوا جزاء ما أترفوا فيه وجملة ) وكانوا مجرمين ( متضمنة لبيان سبب إهلاكهم وهى معطوفة على أترفوا أي وكان هؤلاء الذين أتبعوا ما أترفوا فيه مجرمين والإجرام الأثام والمعنى أنهم أهل إجرام بسبب اتباعهم الشهوات واشتغالهم بها عن الأمور التى يحق الاشتغال بها ويجوز أن تكون جملة ) وكانوا مجرمين ( معطوفة على واتبع الذين ظلموا أي اتبعوا شهواتهم وكانوا بذلك الاتباع مجرمين
هود : ( 117 ) وما كان ربك . . . . .
) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ( أي ما صح ولا استقام أن يهلك الله سبحانه أهل القرى بظلم يتلبسون يه وهو الشرك والحال أن أهلها مصلحون فيما بينهم في تعاطي الحقوق لا يظلمون الناس شيئا
والمعنى أنه لا يهلكهم بمجرد الشرك وحده حتى ينضم إليه الفساد في الأرض كما أهلك قوم شعيب بنقص المكيال والميزان وبخس الناس أشياءهم وأهلك قوم لوط بسبب ارتكابهم للفاحشة الشنعاء وقيل إن قوله ) بظلم ( حال من الفاعل والمعنى وما كان الله ليهلك القرى ظالما لهم حال كونهم مصلحين غير مفسدين في الأرض
ويكون المراد بالآية تنزيهه سبحانه وتعالى عن صدور ذلك منه بلا سبب يوجبه على تصوير ذلك بصورة ما يستحيل منه وإلا فكل أفعاله كائنة ما كانت لا ظلم فيها فإنه سبحانه ليس بظلام للعبيد قال الزجاج يجوز أن يكون المعنى وما كان ربك ليهلك أحدا وهو يظلمه وإن كان على نهاية الصلاح لأن تصرفه في ملكه دليله قوله تعالى ) إن الله لا يظلم الناس شيئا ( وقيل المعنى وما كان ليهلكهم بذنوبهم وهم مصلحون أي مخلصون في الإيمان
فالظلم المعاصي على هذا
هود : ( 118 ) ولو شاء ربك . . . . .
) ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ( أي أهل دين واحد إما أهل ضلالة أو أهل هدى وقيل معناه جعلهم مجتمعين على الحق غير مختلفين فيه أو مجتمعين على دين الإسلام دون سائر الأديان ولكنه لم يشأ ذلك فلم يكن ولهذا قال ) ولا يزالون مختلفين ( في ذات بينهم على أديان شتى أو لا يزالون مختلفين في الحق أو دين الإسلام وقيل مختلفين في الرزق فهذا غني وهذا فقير
هود : ( 119 ) إلا من رحم . . . . .
) إلا من رحم ربك ( بالهداية إلى الدين الحق فإنهم لم يختلفوا أو إلا من رحم ربك من المختلفين في الحق أو دين الإسلام بهدايته إلى الصواب الذى هو حكم الله وهو الحق الذى لا حق غيره أو إلا من رحم ربك بالقناعة والأولى تفسير لجعل الناس أمة واحدة بالمجتمعة على الحق حتى يكون معنى الاستثناء في ) إلا من رحم ربك ( واضحا غير محتاج إلى تكلف ) ولذلك ( أي لما ذكر من الاختلاف ) خلقهم ( أو ولرحمته خلقهم وصح تذكير الإشارة إلى الرحمة لكون تأنيثها غير حقيقي والضمير في خلقهم راجع إلى الناس أو إلى من في من رحم ربك وقيل الإشارة بذلك إلى مجموع الاختلاف


"""""" صفحة رقم 535 """"""
والرحمة ولا مانع من الإشارة بها إلى شيئين كما في قوله ) عوان بين ذلك ( ) وابتغ بين ذلك سبيلا ( فبذلك فليفرحوا قوله ) وتمت كلمة ربك ( معنى تمت ثبتت كما قدره في أزله وإذا تمت امتنعت من التغيير والتبديل وقيل الكلمة هى قوله ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( أي ممن يستحقها من الطائفتين
هود : ( 120 ) وكلا نقص عليك . . . . .
والتنوين في ) وكلا ( للتعويض عن المضاف إليه وهو منصوب بنقص والمعنى وكل نبأ من أنباء الرسل مما يحتاج إليه نقص عليكم أي نخبرك به وقال الأخفش ) كلا ( حال مقدمة كقولك كلا ضربت القوم والأنباء الأخبار ) ما نثبت به فؤادك ( أي ما نجعل به فؤادك مثبتا بزيادة يقينه بما قصصناه عليك ووفور طمأنينته لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب وأرسخ في النفس وأقوى للعلم وجملة ) ما نثبت ( بدل من أنباء الرسل وهو بيان لكلا ويجوز أن يكون ) ما نثبت ( مفعولا لنقص ويكون كلا مفعولا مطلقا والتقدير كل أسلوب من أساليب الاقتصاص نقص عليك ما نثبت به فؤادك ) وجاءك في هذه الحق ( أي جاك في هذه السورة أو في هذه الأنباء البراهين القاطعة الدالة على صحة المبدأ والمعاد ) وموعظة ( يتعظ بها الواقف عليها من المؤمنين ) وذكرى ( يتذكر بها من تفكر فيها منهم وخص المؤمنين لكونهم المتأهلين للاتعاظ والتذكر وقيل المعنى وجاءك في هذه الدنيا الحق وهو النبوة وعلى التفسير الأول يكون تخصيص هذه السورة بمجيء الحق فيها مع كونه قد جاء في غيرها من السور لقصد بيان اشتمالها على ذلك لا بيان كونه موجودا فيها دون غيرها
هود : ( 121 ) وقل للذين لا . . . . .
) وقل للذين لا يؤمنون ( بهذا الحق ولا يتعظون ولا يتذكرون ) اعملوا على مكانتكم ( على تمكنكم وحالكم وجهتكم وقد تقدم تحقيقه ) إنا عاملون ( على مكانتنا وحالنا وجهتنا من الإيمان بالحق والاتعاظ والتذكر وفي هذا تشديد للوعيد والتهديد لهم
هود : ( 122 ) وانتظروا إنا منتظرون
وكذلك قوله ) وانتظروا إنا منتظرون ( فيه من الوعيد والتهديد ما لا يخفى والمعنى انتظروا عاقبة أمرنا فإنا منتظرون عاقبة أمركم وما يحل بكم من عذاب الله وعقوبته
هود : ( 123 ) ولله غيب السماوات . . . . .
) ولله غيب السماوات والأرض ( أي علم جميع ما هو غائب عن العباد فيهما وخص الغيب من كونه يعلم بما هو مشهود كما يعلم بما هو مغيب لكونه من العلم الذى لا يشاركه فيه غيره وقيل إن غيب السموات والأرض نزول العذاب من السماء وطلوعه من الأرض والأول أولى وبه قال أبو علي الفارسي وغيره وأضاف الغيب إلى المفعول توسعا ) وإليه يرجع الأمر كله ( أي يوم القيامة فيجازي كلا بعمله
وقرأ نافع وحفص ) يرجع ( على البناء للمفعول وقرأ الباقون على البناء للفاعل ) فاعبده وتوكل عليه ( فإنه كافيك كل ما تكره ومعطيك كل ما تحب والفاء لترتيب الأمر بالعبادة والتوكل على كون مرجع الأمور كلها إلى الله سبحانه ) وما ربك بغافل عما تعملون ( بل عالم بجميع ذلك ومجاز عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشر وقرأ أهل المدينة والشام وحفص ) تعملون ( بالفوقية على الخطاب وقرأ الباقون بالتحتية
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) فلولا ( قال فهلا وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال أقرأني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية وأحلام ينهون عن الفساد في الأرض وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج ) إلا قليلا ممن أنجينا منهم ( يستقلهم الله من كل قوم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ( قال في ملكهم وتجبرهم وتركهم الحق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريج قال قال ابن عباس اترفوا فيه ابطروا فيه وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن جرير قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسئل عن تفسير هذه الآية ) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأهلها ينصف بعضهم بعضا وأخرجه ابن أبي حاتم والخرائطي في مساوى


"""""" صفحة رقم 536 """"""
الأخلاق موقوفا على جرير وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك ) ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ( قال أهل دين واحد أهل ضلالة أو أهل هدى وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ولا يزالون مختلفين ( قال أهل الحق وأهل الباطل ) إلا من رحم ربك ( قال أهل الحق ) ولذلك خلقهم ( قال للرحمة وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عنه ) إلا من رحم ربك ( قال إلا أهل رحمته فإنهم لا يختلفون وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال لا يزالون مختلفين في الأهواء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح ) ولا يزالون مختلفين ( أي اليهود والنصارى والمجوس والحنيفية وهم الذين رحم ربك الحنيفية وأخرج هؤلاء عن الحسن في الآية قال الناس مختلفون على أديان شتى إلا من رحم ربك فمن رحم ربك غير مختلف ) ولذلك خلقهم ( قال للاختلاف وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ) ولا يزالون مختلفين ( قال أهل الباطل ) إلا من رحم ربك ( قال أهل الحق ) ولذلك خلقهم ( قال للرحمة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة نحوه وأخرجا عن الحسن قال لا يزالون مختلفين في الرزق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ولذلك خلقهم قال خلقهم فريقين فريقا يرحم فلا يختلف وفريقا لا يرحم يختلف فذلك قوله ) فمنهم شقي وسعيد ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ( لتعلم يا محمد ما لقيت الرسل قبلك من أممهم وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال ) وجاءك في هذه الحق ( قال في هذه السورة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري مثله واخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد ابن جبير مثله أيضا وأخرج أبو الشيخ عن الحسن مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال في هذه الدنيا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) اعملوا على مكانتكم ( أي منازلكم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج ) وانتظروا إنا منتظرون ( قال يقول انتظروا مواعيد الشيطان إياكم على ما يزين لكم وفي قوله ) وإليه يرجع الأمر كله ( قال فيقضي بينهم بحكم العدل وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن الضريس في فضائل القرآن وابن جرير وأبو الشيخ عن كعب قال فاتحة التوراة فاتحة الأنعام وخاتمة التوراة خاتمة هود ) ولله غيب السماوات والأرض ( إلى آخر الآية
بحمد الله تعالى تم طبع الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث وأوله تفسير
سورة يوسف عليه السلام

=======

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب المعجب في اخبار المغرب

    كتاب المعجب في اخبار المغرب  1 . المعجب في تلخيص أخبار المغرب تأليف : عبد الواحد بن علي المراكشي دراسة وتحقيق : الدكتور صلاح الدين ا...