Translate

الأربعاء، 23 مارس 2022

ج5.فتح القدير للشوكاني تفسير سورة الجاثية وورد

 

"""""" صفحة رقم 3 """"""
ع45
تفسير سورة الجاثية: هي سبع وثلاثون آية وقبل ست وثلاثون
حول السورة
وهي مكية كلها في قول الحسن وجابر وعكرمة وأخرج ابن مردويه عن بن عباس وابن الزبير أنها نزلت بمكة وروي عن ابن عباس وقتادة أنهما قالا إلا آية منها وهي قوله ( للذين آمنوا ) إلى ( أيام الله ) فإنها نزلت بالمدينة في عمر بن الخطاب كما سيأتي
سورة الجاثية من ( 1 15 )


"""""" صفحة رقم 4 """"""
الجاثية : ( 1 ) حم
قوله ( حم ) قد تقدم الكلام في هذه الفاتحة وفي إعرابها في فاتحة سورة غافر وما بعدها فإن جعل اسما للسورة فمحله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وإن جعل حروفا مسرودة على نمط التعديد فلا محل له
الجاثية : ( 2 ) تنزيل الكتاب من . . . . .
وقوله ( تنزيل الكتاب ) على الوجه الأول خبر ثان وعلى الوجه الثاني خبر المبتدأ وعلى الوجه الثالث خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وخبره ( من الله العزيز الحكيم
الجاثية : ( 3 ) إن في السماوات . . . . .
ثم أخبر سبحانه بما يدل على قدرتة الباهرة فقال ( إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين ) أي فيها نفسها فإنها من فنون الآيات أو في خلقها
الجاثية : ( 4 ) وفي خلقكم وما . . . . .
قال الزجاج ويدل على أن المعنى في خلق السموات والأرض قوله ( وفي خلقكم ) أي في خلقكم أنفسكم على أطوار مختلفة قال مقاتل من تراب ثم من نطفة إلى أن يصير إنسانا ( وما يبث من دابة آيات ) أي وفي خلق ما يبث من دابة وارتفاع آيات على إنها مبتدأ مؤخر وخبره الظرف قبله وبالرفع قرأ الجمهور وقرأ حمزة والكسائي آيات بالنصب عطفا على اسم إن والخبر قوله ( وفي خلقكم ) كأنه قبل وإن في خلقكم وما يبث من دابة آيات أو على أنها تأكيد لآيات الأولى وقرأ الجمهور أيضا ( آيات لقوم يعقلون ) بالرفع وقرأ حمزة والكسائى بنصبها مع اتفاقها على الجر في اختلاف
الجاثية : ( 5 ) واختلاف الليل والنهار . . . . .
أما جر اختلاف فهو على تقدير حرف الجر أي ( و ) في ( اختلاف الليل والنهار ) آيات فمن رفع آيات فعلى أنها مبتدأ وخبرها في اختلاف وأما النصب فهو من باب العطف على معمولي عاملين مختلفين قال الفراء الرفع على الأستئناف بعد إن تقول العرب إن لى عليك مالا وعلى أخيك مال ينصبون الثاني ويرفعونه وللنحاة في هذا الموضع كلام طويل والبحث في مسألة العطف على معمولي عاملين مختلفين وحجج المجوزين له وجوابات المانعين له مقرر في علم النحو مبسوط في مطولاته ومعنى ( ما يبث من دابة ) ما يفرقه وينشره ( واختلاف الليل والنهار ) تعاقبهما أو تفاوتهما في الطول والقصر وقوله ( وما أنزل الله من السماء من رزق ) معطوف على اختلاف والرزق المطر لأنه سبب لكل ما يرزق الله العباد به وإحياء الأرض وإخراج نباتها و ( موتها ) خلوها عن النبات ( و ) معنى ( تصريف الرياح ) أنها تهب تارة من جهة وتارة من أخرى وتارة تكون حارة وتارة تكون باردة وتارة نافعة وتارة ضارة
الجاثية : ( 6 ) تلك آيات الله . . . . .
( تلك آيات الله نتلوها عليك ) أي هذه الآيات المذكورة هي حجج الله وبراهينه ومحل نتلوها عليك النصب على الحال ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر اسم الإشارة وآيات الله بيان له أو بدل منه وقوله ( بالحق ) حال من فاعل نتلو أو من مفعوله أي محقين أو ملتبسة


"""""" صفحة رقم 5 """"""
بالحق ويجوز أن تكون الباء للسببية فتتعلق بنفس الفعل ( فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) اي بعد حديث الله وبعد آياته وقيل إن المقصود فبأي حديث بعد آيات الله وذكر الاسم الشريف ليس إلا لقصد تعظيم الآيات فيكون من باب أعجبني زيد وكرمه وقيل المراد بعد حديث الله وهو القرآن كما في قوله الله نزل أحسن الحديث وهو المراد بالآيات والعطف لمجرد التغاير العنواني قرأ الجمهور ( تؤمنون ) بالفوقية وقرأ حمزة والكسائى بالتحية والمعنى يؤمنون بأي حديث وإنما قدم عليه لأن الاستفهام له صدر الكلام
الجاثية : ( 7 ) ويل لكل أفاك . . . . .
( ويل لكل أفاك أثيم ) أي لكل كذاب كثير الأثم مرتكب لما يوجبه والويل واد في جهنم
الجاثية : ( 8 ) يسمع آيات الله . . . . .
ثم وصف هذا الأفاك بصفة أخرى فقال ( يسمع آيات الله تتلى عليه ) وقيل إن يسمع في محل نصب على الحال وقيل استئناف والأول أولى وقوله ( تتلى عليه ) في محل نصب على الحال ( ثم يصر ) على كفره ويقيم على ما كان عليه حال كونه ( مستكبرا ) أي يتمادى على كفره متعظما في نفسه عن الانقياد للحق والإصرار مأخوذ من إصرار الحمار على العانة وهو أن ينحني عليها صارا أذنيه قال مقاتل إذا سمع من آيات القرآن شيئا أتخذها هزوا وجملة ( كأن لم يسمعها ) في محل نصب على الحال أو مستأنفة وإن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن محذوف ( فبشره بعذاب أليم ) هذا من باب التهكم أي فبشره على إصراره واستكباره وعدم استماعه إلى الآيات بعذاب شديد الألم
الجاثية : ( 9 ) وإذا علم من . . . . .
( وإذا علم من آياتنا شيئا ) قرأ الجمهور علم بفتح العين وكسر اللام منخفة على البناء للفاعل وقرأ قتادة ومطر الوراق على البناء للمفعول والمعنى أنه إذا وصل إليه علم شئ من آيات الله ( أتخذها ) أي الآيات ( هزوا ) وقيل الضمير في اتخذها عائد إلى شيئا لأنه عبارة عن الآيات والأول أولى والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى كل أفاك متصف بتلك الصفات ( لهم عذاب مهين ) بسبب ما فعلوا من الإصرار والاستكبار عن سماع آيات الله واتخاذها هزوا والعذاب المهين هو المشتمل على الإذلال والفضيحة
الجاثية : ( 10 ) من ورائهم جهنم . . . . .
( من ورائهم جهنم ) أي من وراء ماهم فيه من التعزز بالدنيا والتكبر عن الحق جهنم فإنها من قدامهم لأنهم متوجهون إليها وعبر بالوراء عن القدام كقوله ( من ورائه جهنم ) وقول الشاعر أليس ورائي إن تراخت منيتي
وقيل باعتبار إعراضهم عنها كأنها خلفهم ( ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ) أي لا يدفع عنهم ما كسبوا من أموالهم وأولادهم شيئا من عذاب الله ولا ينفعهم بوجه من وجوه النفع ( ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ) معطوف على ما كسبوا أي ولا يغني عنهم ما أنخذوا من دون الله أولياء من الأصنام و ( ما ) في الموضعين إما مصدرية أو موصولة وزيادة لا في الجملة الثانية للتأكيد ( ولهم عذاب عظيم ) في جهنم التي هي من ورائهم
الجاثية : ( 11 ) هذا هدى والذين . . . . .
( هذا هدى ) جملة مستأنفة من مبتدأ وخبر يعني هذا القرآن هدى للمهتدين به ( والذين كفروا بآيات ربهم ) القرآنية ( لهم عذاب من رجز أليم ) الرجز أشد العذاب قرأ الجمهور ( أليم ) بالجر صفة للرجز وقرأ ابن كثير وضعف وابن محيصن بالرفع صفة لعذاب
الجاثية : ( 12 ) الله الذي سخر . . . . .
( الله الذي سخر لكم البحر ) أي جعله على صفة تتمكنون بها من الركوب عليه ( لتجري الفلك بأمره ) أي بأذنه وإقداره لكم ( ولتبتغوا من فضله ) بالتجارة تارة والغوص للدر والمعالجة للصيد وغير ذلك ( ولعلكم تشكرون ) أي لكي تشكروا النعم التي تحصل لكم بسبب هذا التسخير للبحر
الجاثية : ( 13 ) وسخر لكم ما . . . . .
( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه ) أي سخر لعباده جميع ما خلقه في سماواته وأرضه مما تتعلق به مصالحهم وتقوم به معايشهم ومما سخره لهم من مخلوقات السموات الشمس والقمر والنجوم النيرات والمطر والسحاب والرياح وانتصاب جميعا على الحال من ما في السموات وما في الأرض أو تأكيد له وقوله منه يجوز أن يتعلق بمحذوف هو صفة لجميعا أي كائنة منه ويجوز أن يتعلق بسخر ويجوز ان يكون حالا من ما في السموات أو خبرأ لمبتدأ محذوف والمعنى أن كل ذلك رحمة منه


"""""" صفحة رقم 6 """"""
لعبادة ( أن في ذلك ) المذكور من التسخير ( لآيات لقوم يتفكرون ) وخص المتفكرين لأنه لا ينتفع بها إلا من تفكر فيها فإنه ينتقل من التفكير إلى الاستدلال بها على التوحيد
الجاثية : ( 14 ) قل للذين آمنوا . . . . .
( قل للذين آمنوا يغفروا ) أي قل لهم أغفروا يغفروا ( للذين لا يرجون آيام الله ) وقيل هو على حذف اللام والتقدير قل لهم ليغفروا والمعنى قل لهم يتجاوزوا عن الذين لايرجون وقائع الله بأعدائه أي لا يتوقعانها ومعنى الرجاء هنا الخوف وقبل هو على معناه الحقيقي والمعنى لا يرجون ثوابه في الأوقات التي وقتها الله لثواب المؤمنين والأول أولى والأيام يعبر بها عن الوقائع كما تقدم في تفسير قوله وذكرهم بأيام الله قال مقاتل لا يخشون مثل عذاب الله للأمم الخالية وذلك أنهم لا يؤمنون به فلا يخافون عقابه وقيل المعنى لا بأملون نصر الله لأوليائه ايقاعه لاعدائه وقيل لا يخافون البعث وقيل والاية منسوخة بآية السيف ( ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائى ( لنجزي ) بالنون أي لنجزي نحن وقرأ باقي السبعة بالتحتية مبنيا للفاعل أي ليجزي الله وقرأ أبو جعفر وشيبة وعاصم بالتحتية مبنيا للمفعول مع نصب قوما فقيل النائب عن الفاعل مصدر الفعل أي ليجزي الجزاء قوما وقيل إن النائب الجار والمجرور كما في قوله الشاعر ولو ولدت فقيرة جرو كلب
لسب بذلك الجرو الكلابا
4 وقد أجاز ذلك الأخفش والكوفيون ومنعه البصريون والجملة لتعليل الأمر بالمغفرة والمراد بالقوم المؤمنون أمروا بالمغفرة ليجزيهم الله يوم القيامة بما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة التي من جملتها الصبر على أذية الكفار والإغضاء عنهم بكظم الغيظ واحتمال المكروه وقيل المعنى ليجزي الكفار بما عملوا من السيئات كأنه قال لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن والأول أولى
الجاثية : ( 15 ) من عمل صالحا . . . . .
ثم ذكر المؤمنين وأعمالهم والمشركين وأعمالهم فقال ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ) والمعنى أن عمل كل طائفة من إحسان أو إساءة لعامله لا يتجاوزه إلى غيره وفيه ترغيب وتهديد ( ثم إلى ربكم ترجعون ) فيجازي كلا بعمله إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابى وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله ( جميعا منه ) قال منه النور والشمس والقمر وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال كل شيء هو من الله وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقى في الأسماء والصفات عن طاووس قال جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله مم خلق الخالق قال من الماء والنور والظلمة والهواء والتراب قال فمم الخلق هؤلاء قال لا أدري ثم أتى الرجل عبد الله بن الزبير فسأله فقال مثل قول عبد الله بن عمرو فأتى ابن عباس فسأله مم خلق الخلق فقال من الماء والنور والظلمة والريح والتراب قال فمم خلق هؤلاء فقرأ ابن عباس ( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه ) فقال الرجل ما كان ليأتى بهذا إلا رجل من اهل بيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ( قل للذين آمنوا يغفروا ) الآية قال كان نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعرض عن المشركين إذا آذوه وكانوا يستهزئون به ويكذبونه فأمره الله أن يقاتل المشركين كافة فكان هذا من المنسوخ


"""""" صفحة رقم 7 """"""
سورة الجاثية ( 16 26 )
الجاثية : ( 16 ) ولقد آتينا بني . . . . .
قوله ( ولقد آتينا موسى الكتاب والحكم والنبوة المراد بالكتاب التوارة وبالحكم الفهم والفقه الذي يكون بهما الحكم بين الناس وفصل خصوماتهم وبالنبوة من بعثه الله لهم من الأنبياء فيهم ( ورزقناهم من الطيبات ) أي المستلذات التي أحلها الله ومن ذلك المن والسلوى ( وفضلناهم على العالمين ) من اهل زمانهم حيث آتيناهم ما لم نؤت من عداهم من فلق البحر ونحوه وقد تقدم بيان هذا في سورة الدخان
الجاثية : ( 17 ) وآتيناهم بينات من . . . . .
( وآتيناهم بينات من الأمر ) اي شرائع واضحات في الحلال والحرام أو معجزات ظاهرات وقيل العلم بمبعث النبي صلى الله عليه وآلة وسلم وشواهد نبوته وتعيين مهاجره ( فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ) أي فما وقع الاختلاف بينهم في ذلك الأمر إلا بعد مجيء العلم إليهم بيانه وايضاح معناه فجعلوا ما يوجب زوال الخلاف موجبا لثبوته وقيل المراد بالعلم يوشع بن نون فإنه آمن به بعضهم وكفر بعضهم وقيل نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فاختلفوا فيها حسدا وبغيا وقيل بغيا من بعضهم على بعض بطلب الرئاسة ( إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) من أمر الدين فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته
الجاثية : ( 18 ) ثم جعلناك على . . . . .
( ثم جعلناك على شريعة من الأمر ) الشريعة في اللغة المذهب والملة والمنهاج ويقال لمشرعه الماء وهي مورد شاربيه شريعة ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد فالمراد بالشريعة هنا ما شرعه الله لعبادة من الدين والجمع شرائع أي جعلناك يا محمد على منهاج واضح من أمر الدين يوصلك إلى الحق ( فأتبعها ) فأعمل بأحكامها في أمتك ( ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) توحيد الله وشرائعه


"""""" صفحة رقم 8 """"""
لعباده وهم كفار قريش ومن وافقهم
الجاثية : ( 19 ) إنهم لن يغنوا . . . . .
( إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ) أي لا يدفعون عنك شيئا مما أراده الله بك أن اتبعت أهوائهم ( وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ) أي أنصار ينصر بعضهم بعض قال ابن زيد إن المنافقين أولياء اليهود ( والله ولي المتقين ) أي ناصرهم والمراد بالمتقين الذين أتقوا الشرك والمعاصي
الجاثية : ( 20 ) هذا بصائر للناس . . . . .
والاشارة بقوله ( هذا ) إلى القرآن أو إلى اتباع الشريعة وهو مبتدأ وخبره ( بصائر للناس ) أي براهين ودلائل لهم فيما يحتاجون إليه من أحكام الدين جعل ذلك بمنزلة البصائر في القلوب وقرئ ( هذه بصائر ) أي هذ الآيات لأن القرآن بمعناها كما قال الشاعر سائل بني أسد ما هذه الصوت
لأن الصوت بمعنى الصيحة ( وهدى ) أي رشد وطريق يؤدي إلى الجنة لمن عمل به ( ورحمه ) من الله في الآخرة ( لقوم يوقنون ) أي من شأنهم الإيقان وعدم الشك والتزلزل بالشبه
الجاثية : ( 21 ) أم حسب الذين . . . . .
( أم حسب الذين اجترحوا السيئات ) أم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة وما فيها من معنى بل للأنتقال من البيان الأول إلى والثاني والهمزة لإنكار الحسبان والاجتراح الاكتساب ومنه الجوارح وقد تقدم في المائدة والجملة مستأنفة لبيان تباين حالي المسيئين والمحسنين وهو معنى قوله ( أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي نسوى بينهم مع اجتراحهم السيئات وبين أهل الحسنات ( سواء محياهم ومماتهم ) في دار الدنيا والآخرة كلا لا يستوون فإن حال أهل السعادة فيهما غير حال أهل الشقاوة وقيل المراد إنكار أن يستودا في الممات كما استودا في الحياة قرأ الجمهور ( سواء ) بالرفع على أنه خبر مقدم والمبتدأ محياهم ومماته والمعنى إنكار حسبانهم أن محياهم ومماتهم سواء وقرأ حمزة والكسائى وحفص ( سواء ) بالنصب على أنه حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور في قوله ( كالذين أمنوا ) أو على أنه مفعول ثان لحسب واختار قراءة النصب أبو عبيد وقال معناه نجعلهم سواء وقرا الأعمش وعيسى بن عمر ( مماتهم ) بالنصب على معنى سواء في محياهم ومماتهم فلما سقط الخافض انتصب أو على البدل من مفعول نجعلهم بدل اشتمال ( ساء ما يحكمون ) أي ساء حكمهم هذا الذي حكموا به
الجاثية : ( 22 ) وخلق الله السماوات . . . . .
( وخلق الله السموات والأرض بالحق ) أي بالحق المقتضى للعدل بين العباد ومحل بالحق النصب على الحال من الفاعل أو من المفعول أو الباء للسببية وقوله ( ولتجزى كل نفس بما كسبت ) يجوز أن يكون على الحق لأن كلا منهما سبب فعطف السبب على السبب ويجوز أن يكون معطوفا على محذوف والتقدير خلق الله السموات والأرض ليدل بهما على قدرته ولتجزى ويجوز أن تكون اللام للصيرورة ( وهم لا يظلمون ) أي النفوس المدلول عليها بكل نفس لا يظلمون بنقص ثواب أو زيادة عقاب
الجاثية : ( 23 ) أفرأيت من اتخذ . . . . .
ثم عجب سبحانه من حال الكفار فقال ( أفرأيت من أتخذ إلهة هواه ) قال الحسن وقتادة ذلك الكافر أتخذ دينه ما يهواه فلا يهوى شيئا إلا ركبه وقال عكرمة يعبد ما يهواه أو يستحسنه فإذا استحسن شيئا وهواه أتخذه إلاها قال سعيد بن جبير كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر ( وأضله الله على علم ) أي على علم قد علمه وقيل المعنى أضله عن الثواب على علم منه بأنه لا يستحقه وقال مقاتل على علم منه أنه ضال لأنه يعلم أن الصنم لا ينفع ولا يضر قال الزجاج على سوء في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه ومحل على علم النصب على الحال من الفاعل أو المفعول ( وختم على سمعه وقلبه ) أي طبع على سمعه حتى لا يسمع الوعظ وطبع على قلبه حتى لا يفقه الهدى ( وجعل على بصره غشاوة ) أي غطاء حتى لا يبصر الرشد قرأ الجمهور ( غشاوة ) بالألف مع كسر الغين وقرأ حمزة والكسائى ( غشوة ) بغير ألف مع فتح الغين ومنه قول الشاعر
لئن كنت ألبستني غشوة لقد كنت أصغيتك الود حينا


"""""" صفحة رقم 9 """"""
وقرأ ابن مسعود والأعمش كقراءة الجمهور مع فتح الغين وهي لغة ربيعة وقرأ الحسن وعكرمة بضمها وهي لغة عكل ( فمن يهديه من بعد الله ) أي من بعد إضللال الله له ( افلا تذكرون ) تذكر أعتبار حتى تعلموا حقيقة الحال
الجاثية : ( 24 ) وقالوا ما هي . . . . .
ثم بين سبحانه بعض جهالاتهم وضلالاتهم فقال ( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا ) أي ما الحياة إلا الحياة التي نحن فيها ( نموت ونحيا ) أي يصيبنا الموت والحياة فيها وليس وراء ذلك حياة وقيل نموت نحن وبحيا فيها أولادنا وقبل نكون نطفا ميتة ثم نصير إحياء وقيل في الآية تقديم وتأخير أي نحيا ونموت وكذا قرأ بن مسعود وعلى كل تقدير فمرادهم بهذه المقالة إنكار البعث وتكذيب الآخرة ( وما يهلكنا إلا الدهر ) أي إلا مرور الإيام والليالي قال مجاهد يعني السنين والأيام وقال قتادة إلا العمر والمعنى واحد وقال قطرب المعنى وما يهلكنا إلا الموت وقال عكرمة وما يهلكنا إلا الله ( وما لهم بذلك من علم ) أي ما قالوا هذه المقالة إلا شاكين غير عالمين بالحقيقة ثم بين كون ذلك صادرا منهم لا عن علم فقال ( إن هم إلا يظنون ) أي ما هم إلا قوم غاية ما عندهم الظن فما يتكلمون إلا به ولا يستندون الا إليه
الجاثية : ( 25 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ) أي إذا تليت آيات القرآن على المشركين حال كونها بينات واضحات ظاهرة المعنى والدلالة على البعث ( ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ) أنا نبعث بعد الموت أي ما كان لهم حجة ولا متمسك إلا هذا القول الباطل الذي ليس من الحجة في شئ وإنما سماه حجة تهكما بهم قرأ الجمهور بنصب حجتهم على أنه خبر كان واسمها ( إلا أن قالوا ) وقرأ زيد بن علي وعمرو بن عبيد وعبيد بن عمرو برفع حجتهم على أنها اسم كان
الجاثية : ( 26 ) قل الله يحييكم . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يرد عليهم فقال ( قل الله يحيكم ) أي في الدنيا ( ثم يميتكم ) عند انقضاء آجالكم ( ثم يجمعكم إلى يوم القيامة ) بالبعث والنشور ( لا ريب فيه ) أي في جمعكم لأن من قدر على أبتداء الخلق قدر على إعادته ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) بذلك فلهذا حصل معهم الشك في البعث وجاءوا في دفعة بما هو أوهن من بيت العنكبوت ولو نظروا حق النظر لحصلوا على العلم اليقين واندفع عنهم الريب وأراحوا أنفسهم من ورطة الشك والحيرة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر ) يقول على هدى من أمر دينه وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ( سواء محياهم ومماتهم ) قال المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن والكافر في الدنيا والآخرة كافر وأخرج ابن جرير وبن المنذر بن وأبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ( أفرأيت من أتخذ إلهة هواه ) قال ذاك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان ( وأضله الله على علم ) يقول اضله في سابق علمه وأخرج النسائي وابن جرير وبن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عنه قال كان الرجل من العرب يعبد الحجر فإذا وجد أحسن منه أخذه وألقى الآخر فأنزل الله ( أفرأيت من أتخذ إلهه هواه ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وبن مردويه عن أبي هريرة قال كان أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار فقال الله في كتابه ( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) قال الله يؤذيني ابن آدم بسبب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر اقلب الليل والنهار سورة الجاثية ( 27 37 )


"""""" صفحة رقم 10 """"""
الجاثية : ( 27 ) ولله ملك السماوات . . . . .
لما ذكر سبحانه ما احتج به المشركون وما أجاب به عليهم ذكر اختصاصه بالملك فقال ( ولله ملك السموات والأرض ) أي هو المتصرف فيهما وحده لا يشاركه أحد من عباده ثم توعد أهل الباطل فقال ( ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون ) أي المكذبون الكافرون المتعلقون بالأباطيل يظهر في ذلك اليوم خسرانهم لأنهم يصيرون إلى النار والعامل في يوم هو يخسر ويومئذ بدل منه والتنوين للعوض عن المضاف إليه المدلول عليه بما أضيف إليه المبدل منه فيكون التقدير ويوم تقوم الساعة يوم تقوم الساعة فيكون بدلا توكيديا والأولى أن يكون العامل في يوم هو ملك أي ولله ملك يوم تقوم الساعة ويكون يومئذ معمولا ليخسر
الجاثية : ( 28 ) وترى كل أمة . . . . .
( وترى كل أمة جاثية ) الخطاب لكل من يصلح له أو للنبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) والأمة الملة ومعنى جاثية مستوفزة والمستوفز الذي لا يصيب الأرض منه إلا ركبتاه وأطراف أنامله وذلك عند الحساب وقيل معنى جاثية مجتمعة قال الفراء المعنى وترى أهل كل ذي دين مجتمعين وقال عكرمة متميزة عن غيرها وقال مؤرخ معناه بلغة قريش خاضعة وقال الحسن باركه على الركب والجثو والجلوس على الركب تقول جثا يجثو ويجثى جثيا وجيثا إذا جلس على ركبتيه والأول أولى ولا ينافيه ورود اللفظ لمعنى آخر في لسان العرب وقد ورد إطلاق الجثوة على الجماعة من كل شئ في لغة العرب ومنه قوله طرفة يصف قبرين ترى جثوتين من تراب عليهما
صفائح صم من صفائح منضد
وظاهر الآية أن هذه الصفة مكون لكل أمة من الأمم من غير فرق بين أهل الأديان المتبعين للرسل وغيرهم من أهل الشرك وقال يحيى بن سلام هو خاص بالكفار والأول أولى ويؤيده قوله ( كل أمة تدعى إلى كتابها ) ولقوله فيما سيأتي فأما الذين أمنوا ومعنى إلى كتابها إلى الكتاب المنزل عليها وقيل إلى صحيفة أعمالها وقيل


"""""" صفحة رقم 11 """"""
إلى حسابها وقيل اللوح المحفوظ والأول أولى قرأ الجمهور ( كل أمة ) بالرفع على الإبتداء وخبره تدعى وقرأ يعقوب الحضرمي بالنصب على البدل من كل أمة ( اليوم تجزون ما كنتم تعملون ) أي يقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون من خير وشر
الجاثية : ( 29 ) هذا كتابنا ينطق . . . . .
( هذا كتابا ينطق عليكم بالحق ) هذا من تمام ما يقال لهم والقائل بهذا هم الملائكة وقيل هو من قول الله سبحانه أي يشهد عليكم وهو استعارة يقال نطق الكتاب بكذا أي بين وقيل أنهم يقرؤونه فيذكرون ما عملوا فكأنه ينطق عليهم بالحق الذي لا زيادة فيه ولا نقصان ومحل ينطق النصب على الحال أو الرفع على أنه خبر آخر لاسم الإشارة وجملة ( إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) تعليل للنطق بالحق أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم أي بكتبها وتثبيتها عليكم قال الواحدي وأكثر المفسرين على آن هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ فإن الملائكة تكتب منه كل عام ما يكون من أعمال بني آدم فيجدون ذلك موافقا لما يعملونه قالوا لأن الاستنساخ لا يكون إلا من أصل وقيل المعنى نأمر الملائكة بنسخ ما كنتم تعملون وقيل أن الملائكة تكتب كل يوم ما يعمله العبد فإذا رجعوا إلى مكانهم نسخوا منه الحسنات والسيئات وتركوا المباحات وقيل إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله سبحانه امر عز وجل أن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب ويسقط منها مالا ثواب فيه ولا عقاب
الجاثية : ( 30 ) فأما الذين آمنوا . . . . .
( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ) أي الجنة وهذا تفصيل لحال الفريقين فالمؤمنون يدخلهم الله برحمته الجنة ( ذلك ) أي الإدخال في رحمته ( هو الفوز المبين ) أي الظاهر الواضح
الجاثية : ( 31 ) وأما الذين كفروا . . . . .
( وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلي عليكم ) أي فيقال لهم ذلك وهو استفهام توبيخ لأن الرسل قد أتتهم وتلت عليهم آيات الله فكذبوها ولم يعملوا بها ( فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ) أي تكبرتم عن قبولها وعن الإيمان بها وكنتم من أهل الإجرام وهي الآثام والاجترام الاكتساب يقال فلان جريمة أهله إذا كان كاسبهم فلمجرم من كسب الآثام بفعل المعاصي
الجاثية : ( 32 ) وإذا قيل إن . . . . .
( وإذا قيل إن وعد الله حق ) أي وعده بالبعث والحساب أو بجميع ما وعد به من الأمور المستقبلة واقع لا محالة ( والساعة ) أي القيامة ( لا ريب فيها ) أي في وقوعها قرأ الجمهور ( والساعة ) بالرفع على الابتداء أو العطف على موضع اسم إن وقرأ حمزة بالنصب عطفا على اسم إن ( قلتم ما ندري ما الساعة ) أي أي شئ هي ( أن نظن إلا ظنا ) أي نحدس حدسا ونتوهم توهما قال المبرد تقديره إن نحن إلا نظن ظنا وقيل التقدير إن نظن إلا أنكم تظنون ظنا وقيل إن نظن مضمن معنى نعتقد أي ما نعتقد إلا ظنا لا علما وقيل إن ظنا له صفة مقدرة أي إلا ظنا بينا وقيل إن الظن يكون بمعنى العلم والشك فكأنهم قالوا ما لنا اعتقاد إلا الشك ( وما نحن بمستيقنين ) أي لم يكن لنا يقين بذلك ولم يكن معنا إلا مجرد الظن أن الساعة آتية
الجاثية : ( 33 ) وبدا لهم سيئات . . . . .
( وبدا لهم سيئات ما عملوا ) أي ظهر لهم سيئات أعمالهم على الصورة التي هي عليها ( وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) أي أحاط بهم ونزل عليهم جزاء أعمالهم بدخولهم النار
الجاثية : ( 34 ) وقيل اليوم ننساكم . . . . .
( وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ) اي نترككم في النار كما تركتم العمل لهذا اليوم وأضاف اللقاء إلى اليوم توسعا لأنه أضاف إلى الشيء ما هو واقع فيه ( ومأواكم النار ) أي مسكنكم ومستقركم الذين تأوون إليه ( وما لكم من ناصرين ) ينصرونكم فيمنعون عنكم العذاب
الجاثية : ( 35 ) ذلكم بأنكم اتخذتم . . . . .
( ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا ) أي ذلكم العذاب بسبب أنكم لااتخذتم القرآن هزوا ولعبا ( وغرتكم الحياة الدنيا ) أي خدعتكم بأرافها وأباطيلها فظننتم أنه لا دار غيرها ولا بعث ولا نشور ( فاليوم لا يخرجون اي من النار ) قرأ الجمهور ( يخرجون ) بضم الياء وفتح الراء مبنيا للمفعول وقرأ حمزة والكسائى بفتح الياء وضم الراء مبنيا للفاعل والالتفات من الخطاب إلى الغيبة لتحقيرهم ( ولا هم يستعتبون ) أي لا يسترضون ويطلب منهم الرجوع إلى طاعة الله لأنه يوم لا تقبل فيه توبة ولا تنفع فيه معذرة


"""""" صفحة رقم 12 """"""
الجاثية : ( 36 ) فلله الحمد رب . . . . .
فلله الحمد رب السموات ورب الأرض ورب العالمين لا ويستحق الحمد سواه قرأ الجمهور ( رب ) في المواضع الثلاثة بالجر على الصفة للاسم الشريف وقرأ مجاهد وحميد وابن محيصن بالرفع في الثلاثة على تقدير مبتدأ أي هو رب السموات الخ
الجاثية : ( 37 ) وله الكبرياء في . . . . .
( وله الكبرياء في السموات والأرض ) أي الجلال والعظمة والسلطان وخص السموات والآرض لظهور ذلك فيهما ( وهو العزيز الحكيم ) أي العزيز في سلطانه فلا يغالب مغالبه الحكيم في كل أفعاله وأقواله وجميع أقضيته
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اخرج سعيد بن منصور وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن عبد الله ابن باباه قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كأني أراكم بالكوم دون جهنم جاثين ثم قرأ سفيان ( ويري كل أمة جاثية ) وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في قوله ( وترى كل أمة جاثية ) قال كل أمة مع نبيها حتى يجئ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على كوم قد علا الخلائق فذلك المقام المحمود وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) قال هو أم الكتاب فيه أعمال بني آدم ( إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) قال هم الملائكة يستنسخون أعمال بني آدم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه بمعناه مطولا فقام رجل فقال يا ابن عباس ما كنا نرى هذا تكتبه الملائكة في كل يوم وليلة فقال ابن عباس إنكم لستم قوما عربا ( إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) هل يستنسخ الشيء إلا من كتاب وأخرج ابن جرير عنه نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب قال إن لله ملائكة ينزلون في كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر نحو ما روى عن ابن عباس وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال يستنسخ الحفظة من أم الكتاب ما يعمل بنو آدم فإنما يعمل الإنسان ما استنسخ الملك من أم الكتاب وأخرج نحوه الحاكم عنه وصححه وأخرج الطبراني عنه أيضا في الآية قال إن الله وكل ملائكتة ينسخون من ذلك العام في رمضان ليلة القدر ما يكون في الأرض من حدث إلى مثلها من السنة المقبلة فيتعارضون به حفظة الله على العباد عشية كل خميس فيجدون ما رفع الحفظة موافقا لما في كتابهم ذلك ليس فيه زيادة ولا نقصان وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ) قال نترككم وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله وآله وسلم ( يقول الله تبارك وتعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار )
ع46
تفسير
سورة الأحقاف
هي أربع وثلاثون آية وقيل خمس وثلاثون
حول السورة
وهي مكية قال القرطبي في قول جميعهم وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير قالا نزلت سورة حم الأحقاف بمكة وأخرج ابن الضريس والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال ( أقرأنى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سورة الأحقاف وأقراها آخر فخالف قراءته فقلت من أقرأكها قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت والله لقد أقرأنى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غير ذا فأتينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت يا رسول الله ألم تقرئني كذا وكذا قال بلى وقال الآخر ألم تقرئني كذا وكذا قال


"""""" صفحة رقم 13 """"""
بلى فتمعر وجه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ليقرأ كل واحد منكما ما سمع فإنما هلك من كان قبلكم بالاختلاف سورة الأحقاف ( 0 9
الأحقاف : ( 1 - 2 ) حم
قوله ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ) قد تقدم الكلام على هذا في سورة غافر وما بعدها مستوفي وذكرنا وجه الأعراب وبيان ما هو الحق من أن فواتح السور من المتشابه الذي يجب أن يوكل علمه إلى من أنزله
الأحقاف : ( 3 ) ما خلقنا السماوات . . . . .
( ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما ) من المخلوقات بأسرها ( إلا بالحق ) هو استثناء مفرغ من اعم الأحوال أي إلا خلقا ملتبسا بالحق الذي تقتضيه المشيئة الإلهية وقوله ( واجل مسمى ) معطوف على الحق أي إلا بالحق وبأجل مسمى على تقدير مضاف محذوف أي وبتقدير أجل مسمى وهذا الأجل هو يوم القيامة فإنها تنتهى فيه السموات والأرض وما بينهما وتبدل الأرض غير الأرض والسموات وقيل المراد بالأجل المسمى هو انتهاء أجل كل فرد من أفراد المخلوقات والأول أولى وهذا إشارة إلى قيام الساعة وانقضاء مدة الدنيا وأن الله لم يخلق خلقه باطلا وعبثا لغير شيء بل خلقه للثواب والعقاب ( والذين كفروا عما أنذروا معرضون 9 أي عما أنذروا وخوفوا به في القرآن من البعث والحساب والجزاء معرضون مولون غير مستعدين له والجملة في محل نصب على الحال أي والحال أنهم معرضون عنه غير مؤمنين به ( و ( ما ) في قوله ( ما أنذروا ) يجوز أن تكون الموصولة ويجوز أن تكون المصدرية
الأحقاف : ( 4 ) قل أرأيتم ما . . . . .
( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله ) أي أخبروني ما تعبدون من دون الله من الأصنام ( أروني ماذا خلقوا من الأرض ) أي أي شيء خلقوا منها وقوله ( أروني ) يحتمل أن يكون


"""""" صفحة رقم 14 """"""
تأكيدا لقوله أرأيتم أي أخبروني أروني والمفعول الثاني لأرأيتم ماذا خلقوا ويحتمل أن لا يكون تأكيدا بل يكون هذا من باب التنازع لأن أرأيتم يطلب مفعولا ثانيا وأروني كذلك ( أم لهم شرك في السموات ) أم هذه هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة والمعنى بل ألهم شركة مع الله فيها والاستفهام للتوبيخ والتقريع ( أئتوني بكتاب من قبل هذا ) هذا تبكيت لهم وإظهار لعجزهم وقصورهم عن الإتيان بذلك والإشارة بقوله هذا إلى القرآن فإنه قد صرح ببطلان الشرك وإن الله واحد لا شريك له وإن الساعة حق لا ريب فيها فهل للمشركين من كتاب يخالف هذا الكتاب أو حجة تنافي هذه الحجة ( أو أثارة من علم ) قال في الصحاح أو أثارة من علم بقينه منه وكذا الأثرة بالتحريك قال ابن قتيبة أي جقين من علم الأولين وقال الفراء والمبرد يعني ما يؤثر عن كتب الأولين قال الواحدى وهو معنى قول المفسرين قال عطاء أو شئ تأثرونه عن نبي كان قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قال مقاتل أو رواية من علم عن الأنبياء وقال الزجاج أو أثارة أي علامة والأثارة مصدر كالسماحة والشجاعة وأصل الكلمة من الأثر وهي الرواية يقال أثرت الحديث آثره أثرة وأثارة وأثرا إذا ذكرته عن غيرك قرأ الجمهور ( إثارة ) على المصدر كالسماحة والغواية وقرأ ابن عباس وزيد ابن علي وعكرمة والسلمي والحسن وأبو رجاء بفتح الهمزة والثاء من غير الف وقرأ الكسائى ( أثره ) بضم الهمزة وسكون الثاء ( إن كنتم صادقين ) في دعواكم التي تدعونها وهي قولكم إن لله شريكا ولم تأتوا بشيء من ذلك فتبين بطلان قولهم لقيام البرهان العقلي والنقلي على خلافه
الأحقاف : ( 5 ) ومن أضل ممن . . . . .
( ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له ) أي لا أحد أضل منه ولا أجهل فإنه دعا من لا يسمع فكيف يطمع في الإجابة فضلا عن جلب نفع أو دفع ضر فتبين بهذا أنه أجهل الجاهلين وأضل الضالين والاستفهام للتقريع والتوبيخ وقوله ( إلى يوم القيامة ) غاية لعدم الاستجابة ( وهم عن دعائهم غافلون ) الضمير الأول للأصنام والثاني لعابديها والمعنى والأصنام التي يدعونها عن دعائهم إياها غافلون عن ذلك لا يسمعون ولا يعقلون لكونهم جمادات والجمع في الضميرين باعتبار معنى من وأجرى على الأصنام ما هو للعقلاء لاعتقاد المشركين فيها انها تعقل
الأحقاف : ( 6 ) وإذا حشر الناس . . . . .
( وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء ) أي إذا حشر الناس العابدين للأصنام كان الأصنام لهم أعداء يتبرأ بعضهم من بعض ويلعن بعضهم بعضا وقد قيل أن الله يخلق الحياة في الأصنام فتكذبهم وقيل المراد أنها تكذبهم وتعاديهم بلسان الحال لا بلسان المقال وأما الملائكة والمسيح وعزير والشياطين فإنهم يتبرؤون ممن عبدهم يوم القيامة كما في قوله تعالى تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون ( وكانوا بعبادتهم كافرين ) أي كان المعبودون بعبادة المشركين إياهم كافرين أي جاحدين مكذبين وقيل الضمير في كانوا للعابدين كما في قوله والله ربنا ما كنا مشركين والأول أولى
الأحقاف : ( 7 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
( وإذا تتلى عليهم آياتنا ) أي آيات القرآن حال كونها ( بينات ) واضحات المعاني ظاهرات الدلالات ( قال الذين كفروا للحق ) أي لأجله وفي شأنه وهو عبارة عن الآيات ( لما جاءهم ) أي وقت أن جاءهم ( هذا سحر مبين ) أي ظاهر السحرية
الأحقاف : ( 8 ) أم يقولون افتراه . . . . .
( أم يقولون افتراه ) أم هي المنقطعة أي بل أيقولون افتراه والاستفهام للإنكار والتعجب من صنمهم وبل للانتقال عن تسميتهم الآيات سحرا إلى قولهم إن رسول الله افترى ما جاء به وفي ذلك من التوبيخ والتقريع ما لا يخفي ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال ( قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا ) أي قل إن افتريته على سبيل الفرض والتقدير كما تدعون فلا تقدرون على أن تردوا عني عقاب الله فكيف افترى على الله لأجلكم وأنتم لا تقدرون على دفع عقابه عني ( هو أعلم بما تفيضون فيه ) أي تخوضون فيه من التكذيب والإفاضة في الشيء الخوض فيه والإندفاع فيه يقال أفاضوا في الحديث أي اندفعوا فيه وأفاض البعير إذا دفع جرته من كرشه


"""""" صفحة رقم 15 """"""
والمعنى الله أعلم بما تقولون في القرآن وتخوضون فيه من التكذيب له والقول بأنه سحر وكهانة ( كفى به شهيدا بيني وبينكم ) فإنه يشهد لي بأن القرآن من عنده وأني قد بلغتكم ويشهد عليكم بالتكذيب والجحود وفي هذا وعيد شديد ( وهو الغفور الرحيم ) لمن تاب وآمن وصدق بالقرآن وعمل بما فيه أي كثير المغفرة والرحمة بليغهما
الأحقاف : ( 9 ) قل ما كنت . . . . .
( قل ما كنت بدعا من الرسل ) البدع من كل شيء المبدأ أي ما أنا بأول رسول قد بعث الله قبلي كثيرا من الرسل قيل البدع بمعنى البديع كالخف والخفيف والبديع ما لم ير له مثل من الابتداع وهو الاختراع وشئ بدع بالكسر أي مبتدع وفلان بدع في هذا الأمر أي بديع كذا قال الأخفش وأنشد قطرب فما أنا بدع من حوادث تعتري
رجالا غدت من بعد موسى وأسعد
وقرأ عكرمة وأبو حيوة وابن أبي عبلة ( بدعا ) بفتح الدال على تقدير حذف المضاف أي ما كنت ذا بدع وقرأ مجاهد بفتح الباء وكسر الدال على الوصف ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) أي ما يفعل بي فيما يستقبل من الزمان هل أبقى في مكة أو أخرج منها وهل أموت أو أقتل وهل تعجل لكم العقوبة أم تمهلون وهذا إنما هو في الدنيا وأما في الآخرة فقد علم أنه وأمته في الجنة وأن الكافرين في النار وقيل إن المعنى ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة وإنها لما نزلت فرح المشركون وقالوا كيف نتبع نبيا لا يدري ما يفعل به ولا بنا وأنه لا فضل له علينا فنزل قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر والأول أولى ( إن اتبع إلا ما يوحي إلي ) قرأ الجمهور ( يوحي ) مبنيا للمفعول أي ما أتبع إلا القرآن ولا أبتدع من عندي شيئا والمعنى قصر أفعاله ( صلى الله عليه وسلم ) على الوحي لاقصر اتباعه على الوحي ( وما أنا إلا نذير مبين ) أي أنذركم عقاب الله وأخوفكم عذابه على وجه الايضاح
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد وابن المنذر وبن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس ( وإثارة من علم ) قال الخط قال سفيان لا اعلم إلا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يعني أن الحديث مرفوع لا موقوف على ابن عباس وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان نبي من الأنبياء يخط فمن صادف مثل خطه علم ومعنى هذا ثابت في الصحيح ولأهل العلم فيه تفاسير مختلفة ومن أين لنا أن هذه الخطوط الرملية موافقة لذلك الخط واين السند الصحيح إلى ذلك النبي أو إلى نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) أن هذا الخط هو على صورة كذا فليس ما يفعله أهل الرمل إلا جهالات وضلالات وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( أو أثارة من علم ) قال حسن الخط وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم من طريق الشعبي عن ابن عباس ( أو أثارة من علم ) قال خط كان يخطه العرب في الأرض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ( أو أثارة من علم ) يقول بينة من الأمر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في قوله 0 قل ما كنت بدعا من الرسل ) يقول لست بأول الرسل ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) فأنزل الله بعد هذا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقوله ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات الآية فأعلم سبحانه نبيه ما يفعل به وبالمؤمنين جميعا وأخرج أبو داود في ناسخه عنه أيضا أن هذه الآية منسوخة بقوله ليغفر لك الله وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أم العلاء قالت ( لما مات عثمان بن معطون قلت رحمك الله أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وما يدريك أن الله أكرمه أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وأني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم قالت أم العلاء فوالله لاأزكي بعده أحد )


"""""" صفحة رقم 16 """"""
سورة الأحقاف ( 10 16
الأحقاف : ( 10 ) قل أرأيتم إن . . . . .
قوله ( قل أرأيتم ) أي أخبروني ( إن كان من عند الله ) يعني ما يوحى إليه من القرآن وقيل المراد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى إن كان مرسلا من عند غير الله وقوله ( وكفرتم به ) في محل نصب على الحال بتقدير قد وكذلك قوله ( وشهد شاهد من بني أسرائيل على مثله ) والمعنى أخبروني إن كان ذلك في الحقيقة من عند الله والحال أنكم قد كفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل العالمين بما انزل الله في التوراة على مثله أي القرآن من المعاني الموجودة في التوراة المطابقة له من إثبات التوحيد والبعث المنشور وغير ذلك وهذه المثلية هي باعتبار تطابق المعاني وإن اختلفت الألفاظ وقال الجرجاني مثل صلة والمعنى وشهد شاهد عليه إنه من عند الله وكذا قال الواحدى 0 فآمن ) الشاهد بالقرآن لما تبين له أنه من كلام الله ومن جنس ما ينزله على رسله وهذا الشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام كما قال الحسن ومجاهد وقتادة وعكرمة وغيرهم وفي هذا نظر فإن السورة مكية بالإجماع وعبدالله بن سلام كان إسلامه بعد الهجرة فيكون المراد بالشاهد رجلا من أهل الكتاب قد آمن بالقرآن في مكة وصدقه واختار هذا ابن جرير وسيأتي في آخر البحث ما يترجح به أنه عبد الله بن سلام وإن هذه الآية مدنية لا مكية وروى عن مسروق أن المراد بالرجل موسى عليه السلام وقوله ( واستكبرتم ) معطوف على شهد آي آمن الشاهد واستكبرتم أنتم عن الإيمان ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) فحرمهم الله سبحانه الهداية لظلمهم لأنفسهم بالكفر بعد قيام الحجة الظاهرة على وجوب الإيمان ومن فقد هداية الله له ضل وقد اختلف في جواب الشرط ماذا هو فقال الزجاج محذوف تقديره أتؤمنون وقيل قوله ( فآمن واستكبرتم ) وقيل محذوف تقديره فقد ظلمتم لدلالة ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) عليه وقيل تقديره فمن


"""""" صفحة رقم 17 """"""
أضل منكم كما في قوله أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل الآية وقال أبو على الفارسي تقديرهأ أتأمنون عقوبة الله وقيل التقدير ألستم ظالمين
الأحقاف : ( 11 ) وقال الذين كفروا . . . . .
ثم ذكر سبحانه نوعا آخر من أقاويلهم الباطلة فقال ( وقال الذين كفروا للذين أمنوا ) أي لأجلهم ويجوز أن تكون هذه اللام هي لام التبليغ ( لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) أي لو كان ما جاء به محمد من القرآن والنبوة خيرا ما سبقونا إليه لأنهم عند أنفسهم المستحقون للسبق إلى كل مكرمة ولم يعلموا أن الله سبحانه يختص برحمته من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويصطفى لدينه من يشاء ( وإذا لم يهتدوا به ) اي بالقرآن وقيل بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل بالإيمان ( فسيقولون هذا إفك قديم ) فنجاوزوا نفي خيرية القرآن إلى دعوى أنه كذب قديم كما قالوا أساطير الأولين والعامل في إذ مقدر أي ظهر عنادهم ولا يجوز أن يعمل فيه فسيقولون لتضاد الزمانين أعنى المضي والاستقبال ولأجل الفاء أيضا وقيل إن العامل فيه فعل مقدر من جنس المذكور أي لم يهتدوا به وإذ لم يهتدوا به فسيقولون
الأحقاف : ( 12 ) ومن قبله كتاب . . . . .
( ومن قبله كتاب موسى ) قرأ الجمهور بكسر الميم من ( من ) على أنها حرف جر وهي مع مجرورها خبرا مقدم وكتاب موسى مبتدأ مؤخر والجملة في محل نصب على الحال أو هى مستأنفة والكلام مسوق لرد قولهم ( هذا أفك قديم ) فإن كونه قد تقدم القرآن كتاب موسى وهو التوارة وتوافقا في أصول الشرائع يدل على أنه حق وأنه من عند الله ويقتضى بطلان قولهم وقرئ بفتح ميم من على أنها موصولة ونصب كتاب أي وآتينا من قبله كتاب موسى ورويت هذه القراءة عن الكلبي ( إماما ورحمة ) أي يفتدي به في الدين ورحمة من الله لمن آمن به وهما منتصبان على الحال قاله الزجاج وغيره وقال الأخفش على القطع وقال أبو عبيدة أي جعلناه إماما ورحمة ( وهذا كتاب مصدق ) يعني القرآن فإنه مصدق لكتاب موسى الذي هو إمام ورحمة ولغيره من كتب الله وقيل مصدق للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وانتصاب ( لسانا عربيا ) على الحال الموطئة وصاحبها الضمير في مصدق العائد إلى كتاب وجوز أبو البقاء أن يكون مفعولا المصدق والأول أولى وقيل هو على حذف مضاف أي ذا لسان عربي وهو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( لينذر الذين ظلموا ) قرأ الجمهور لينذر ) بالتحتية على أن فاعله ضمير يرجع إلى الكتاب أي لينذر الكتاب الذين ظلموا وقيل الضمير راجع إلى الله وقيل إلى الرسول والأول أولى وقرأ نافع وابن عامر والبزى بالفوقية على أن فاعله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد وقوله ( وبشرى للمحسنين ) في محل نصب عطفا على محل لينذر وقال الزجاج الأجود أن يكون في محل رفع أي وهو بشرى وقيل على المصدرية لفعل محذوف أي وتبشر بشرى وقوله ( للمحسنين ) متعلق ببشرى
الأحقاف : ( 13 ) إن الذين قالوا . . . . .
( إن الذين قالوا ربنا الله ثم أستقاموا ) أي جمعوا بين التوحيد والاستقامة على الشريعة وقد تقدم تفسير هذا في سورة السجدة ( فلا خوف عليهم ) الفاء زائدة في خبر الموصول لما فيه من معنى الشرط ( ولا هم يحزنون ) المعنى أنهم لا يخافون من وقوع مكروه بهم ولا يحزنون من فوات محبوب وأن ذلك مستمر دائم
الأحقاف : ( 14 ) أولئك أصحاب الجنة . . . . .
( أولئك أصحاب الجنة ) أبي ألئك الموصوفون بما ذكر أصحاب الجنة التي هي دار المؤمنين حال كونهم ( خالدين فيها ) وفي هذه الآية من الترغيب أمر عظيم فإن نفي الخوف والحزن على الدوام والاستقرار في الجنة على الأبد مما لا تطلب الأنفس سواه ولا تتشوف إلى ما عداه ( جزاء بما كانوا يعملون ) أي يجزون جزاء بسبب أعمالهم التي عملوها من الطاعات لله وترك معاصية
الأحقاف : ( 15 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . .
( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) قرأ الجمهور ( حسنا ) بضم الحاء وسكون السين وقرأ على والسلمي بفتحهما وقرأ ابن عباس والكوفيون ( إحسانا ) وقد تقدم في سورة العنكبوت ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) من غير اختلاف بين القراء وتقدم في سورة الأنعام سورة


"""""" صفحة رقم 18 """"""
بني إسرائيل وبالوالدين إحسانا فلعل هذه هو وجه اختلاف القراء في هذه الاية وعلى جميع هذه القراءات فانتصابه على المصدرية أي وصيناه أن يحسن إليهما حسنا أو إحسانا وقيل على أنه مفعول به بتضمين وصينا معنى ألزمنا وقيل على أنه مفعول له ( حملته أمه كرها ووضعته كرها ) قرأ الجمهور ( كرها ) في الموضعين بضم الكاف وقرأ أبو عمرو وأهل الحجاز بفتحهما قال الكسائى وهما لغتان بمعنى واحد قال أبو حاتم الكره بالفتح لا يحسن لأنه الغضب والغلبة واختار أبو عبيد قراءة الفتح قال لأن لفظ الكره في القرآن كله بالفتح إلا التي في سورة البقرة كتب عليكم القتال وهو كره لكم وقيل أن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه وبالفتح ما حمل على غيره وإنما ذكر سبحانه حمل الأم ووضعها تأكيدا لوجوب الإحسان إليها الذي وصى الله به والمعنى أنها حملته ذات كره ووضعته ذات كره ثم بين سبحانه مدة حمله وفصاله فقال ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) أي مدتها هذه المدة من عند ابتداء حمله إلى أن يفصل من الرضاع أي يفطم عنه وقد استدل بهذ الآية على أن أقل الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع سنتان أي مدة الرضاع الكامل كما قوله حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة فذكر سبحانه في هذه الآية أقل مدة الحمل وأكثر مدة الرضاع وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم آكد من حق الأب لأنها حملته بمشقة ووضعته بمشقة وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب ولم يشاركها الأب في شيء من ذلك قرأ الجمهور وفصاله بالألف وقرأ الحسن ويعقوب وقتادة والجحدرى ( وفصله ) بفتح الفاء وسكون الصاد بغير ألف والفصل والفصال بمعنى كالفطم والفطام والقطف والقطاف ( حتى إذا بلغ أشده ) أي بلغ استحكام قوته وعقله وقد مضى تحقيق الأشد مستوفى ولا بد من تقدير جملة تكون حتى غاية لها أي عاش واستمرت حياته حتى بلغ أشده قيل بلغ عمرة ثماني عشرة سنة وقيل الأشد الحلم قاله الشعبي وابن زيد وقال الحسن هو بلوغ الأربعين والأول أولى لقوله ( وبلغ أربعين سنة ) فإن هذا يفيد أن بلوغ الأربعين هو شيء وراء بلوغ الأشد قال المفسرون لم يبعث الله نبيا قط إلا بعد أربعين سنة ( قال رب أوزعني ) أي ألهمني قال الجوهري استوزعت الله فأوزعني أي أستلهمته فألهمني ( أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ) أي الهمني شكر ما أنعمت به على من الهداية وعلى والدى من التحنن على منهما حين وبياني صغيرا وقيل أنعمت على بالصحة والعافية وعلى والدي بالغنى والثروة والأولى عدم تقييد النعمة عليه وعلى أبويه بنعمه مخصوصة ( وإن أعمل صالحا ترضاه ) أي والهمني أن أعمل عملا صالحا ترضاه منى ( وأصلح لى في ذريتي ) أي اجعل ذريتي صالحين راسخين في الصلاح متمكنين منه وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من هذه الدعوات وقد روى أنها نزلت في أبي بكر كما سيأتي في آخر البحث ( أني تبت إليك ) من ذنوبي ( وإني من المسلمين ) أي المستسلمين لك المنقادين لطاعتك المخلصين لتوحيدك
الأحقاف : ( 16 ) أولئك الذين نتقبل . . . . .
والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى الإنسان المذكور والجمع لأنه يراد به الجنس وهو مبتدأ وخبره ( الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ) من أعمال الخير في الدنيا والمراد بالأحسن الحسن كقوله واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم وقيل إن اسم التفضيل على معناه ويراد به ما يثاب العبد عليه من الأعمال لا ما لا يثاب عليه كالمباح فإنه حسن وليس بأحسن ( ونتجاوز عن سيئاتهم ) فلا نعاقبهم عليها قرأ الجمهور يتقبل ويتجاوز ) على بناء الفعلين للمفعول وقرأ حمزة والكسائي بالنون فيهما على إسنادهما إلى الله سبحانه والتجاوز الغفران وأصله من جزت الشيء إذا لم تقف عليه ومعنى ( في أصحاب الجنة ) أنهم كائنون في عدادهم منتظمون في سلكهم فالجار والمجرور في محل النصب على الحال كقولك أكرمني الأمير في أصحابه أي كائنا في جملتهم وقيل إن في بمعنى مع أي مع أصحاب الجنة وقيل إنهما خبر مبتدا محذوف أي هم في أصحاب الجنة ( وعد الصدق الذي كانوا


"""""" صفحة رقم 19 """"""
يوعدون ) وعد الصدق مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة لأن قوله ( أولئك الذين نتقبل عنهم ) الخ في معنى الوعد بالتقبل والتجاوز ويجوز أن يكون مصدرا لفعل محذوف أي وعدهم الله وعد الصدق الذي كانوا يوعدون به على ألسن الرسل في الدنيا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو يعلي وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه عن عوف بن مالك الأشجعي قال أنطلق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يحط الله تعالى عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه فسكتوا فما أجابه منهم أحد ثم رد عليهم فلم يجبه أحد ثلاثا فقال أبيتم فوالله لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا المقفي آمنتم أو كذبتم ثم أنصرف وأنا معه حتى كدنا أن نخرج فإذا رجل من خلفه فقال كما أنت يا محمد فأقبل فقال ذلك الرجل أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود فقالوا والله ما نعلم فينا رجلا أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدك قال فإنى أشهد بالله أنه النبي الذي تجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل قالوا كذبت ثم ردوا عليه وقالوا شرا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كذبتم لن يقبل منكم قولكم فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا وابن سلام فأنزل الله قل أرأيتم إن كان من عند الله إلى قوله لا يهدي القوم الظالمين وصححه السيوطي وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال ما سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام وفيه نزلت وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله وأخرج الترمذي وابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن سلام قال نزل في آيات من كتاب الله نزلت في وشهد شاهد من بني إسرائيل ونزل في قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ( وشهد شاهد من بني إسرائيل ) قال عبد الله بن سلام وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين وفيه دليل على أن هذه الآية مدنية فيخصص بها عموم قولهم إن سورة الأحقاف كلها مكية وأخرج عبد بن حميد وأبن جرير عن قتادة قال قال ناس من المشركين نحن أعز ونحن ونحن فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان فنزل ( وقال الذين كفروا للذين امنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) وأخرج ابن المنذر عن عون عن أبي شداد قال كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله يقال لها زنيرة وكان عمر يضربها على الإسلام وكان كفار قريش يقولون لو كان خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة فأنزل الله في شأنها ( وقال الذين كفروا ) الآية وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال بنو غفار وأسلم كانوا لكثير من الناس فتنة يقولون لو كان خيرا ما جعلهم الله أول الناس فيه ) وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزل قوله ووصينا الإنسان بوالديه الآية إلى قوله ( وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) في أبي بكر الصديق وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن نافع بن جبير أن ابن عباس أخبره قال إني لصاحب المرأة التي أتى بها عمر وضعت لستة أشهر فأنكر الناس ذلك فقلت لعمر لم تظلم قال كيف قلت أقرأ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين كم الحول قال سنة قلت كم السنة قال اثنا عشر شهرا قلت فأربعة وعشرون شهرا حولان كاملان ويؤخر الله من الحمل ما شاء ويقدم ما شاء فاستراح عمر إلى قولي وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أنه كان يقول إذا ولدت المرأة لتسعة أشهر كفاها من الرضاع


"""""" صفحة رقم 20 """"""
أحد وعشرون شهرا وإذا ولدت لسبعة أشهر كفاها من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا وإذا وضعت لستة أشهر فحولان كافلان لأن الله يقول ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال أنزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق ( حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني ) الآية فاستجاب الله له فأسلم والداه جميعا وإخوته وولده كلهم ونزلت فيه إيضا فأما من أعطى واتقى إلى آخر السورة سورة الأحقاف ( 17 20
الأحقاف : ( 17 ) والذي قال لوالديه . . . . .
لما ذكر سبحانه من شكر نعمة الله سبحانه عليه وعلى والديه ذكر من قال لهما قولا ويدل على التضجر منهما عند دعوتهما له إلى الإيمان فقال ( والذي قال لوالديه أف لكما ) الموصول عبارة عن الجنس القائل ذلك القول ولهذا أخبر عنه بالجمع وأف كلمة تصدر عن قائلها عند التضجر من شئ يرد عليه قرأ نافع الباقون وحفص أف ) بكسر الفاء مع التنوين وقرأ ابن كثير وابن عامر وابن محيصن بفتحها من غير تنوين وقرأ الباقون بكسر من غير تنوين وهي لغات وقد مضى بيان الكلام في هذا في سورة بني إسرائيل واللآم في قوله ( لكما ) لبيان التأفيف أي التأفيف لكما كما في قوله هيت لك قرأ الجمهور ( أتعدانني ) بنونين مخففتين وفتح ياءه أهل المدينة ومكة وأسكنها الباقون وقرأ أبو حيوة والمغيرة وهشام بإدغام إحدى النونين في الآخرى ورويت هذه القراءة عن نافع وقرأ الحسن وتشبيه وأبو جعفر وعبد الوارث عن أبي عمرو وبفتح النون الأولى كأنهم فروا من توالي مثلين مكسورين وقرأ الجمهور ( أن أخرج ) بضم الهمزة وفتح الراء مبنيا للمفعول وقرأ الحسن ونصر وأبو العالية والأعمش وأبو معمر بفتح الهمزة وضم الراء مبنيا للفاعل والمعنى أتعدانني أن ابعث بعث بعد الموت وجملة ( وقد خلت القرون من قبلي ) في محل نصب على الحال اي والحال أن قد مضت القرون من قبلي فماتوا ولم يبعث منهم أحد وهكذا جملة ( وهما يستغيثان الله ) في محل نصب على الحال أي والحال أنهما يستغيثان الله له ويطلبان منه التوفيق إلى الإيمان واستغاث يتعدى بنفسه وبالباء يقال استغاث الله سبحانه به وقال الرازي معناه يستغيثان بالله من كفره فلما حذف الجار وصل الفعل وقيل الاستغاثة الدعاء فلا حاجة إلى الباء قال الفراء يقال أجاب الله دعاءه وغواثه وقوله ( ويلك ) هو بتقدير القول أي لا يقولان له ويلك وليس المراد به الدعاء عليه بل الحث له على الإيمان ولهذا قالا له ( آمن إن وعد الله حق ) أي آمن بالبعث إن وعد الله حق لا خلف فيه فيقول عند ذلك مكذبا لما قالاه ( ما هذا إلا أساطير الأولين ) أي ما هذا الذي تقولانه من البعث إلا


"""""" صفحة رقم 21 """"""
أحاديث الأولين وأباطيلهم التي سطرونها في الكتب قرأ الجمهور إن وعد الله بكسر إن على الاستئناف أو التعليل وقرأ عمر بن فايد والأعرج بفتحها على أنها معمولة لآمن بتقدير الباء أي آمن بأن وعد الله بالبعث حق
الأحقاف : ( 18 ) أولئك الذين حق . . . . .
( اولئك الذين حق عليهم القول ) أي أولئك القائلون هذه المقالات هم الذين حق عليهم القول أي وجب عليهم العذاب بقوله سبحانه لإبليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين كما يفيده قوله ( في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ) وجملة ( إنهم كانوا خاسرين ) تعليل لما قبله وهذا يدفع كون سبب نزول الآية عبد الرحمن ابن أبي بكر وأنه الذي قال لوالديه ما قال فإنه من أفاضل المؤمنين وليس ممن حقت عليه كلمة العذاب وسيأتي بيان سبب النزول في آخر اليبحث ان شاء الله
الأحقاف : ( 19 ) ولكل درجات مما . . . . .
(ولكل درجات مما عملوا ) أي لكل فريق من الفريقين المؤمنين والكافرين من الجن والإنس مراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم قال ابن زيد درجات أهل النار في هذه الآية تذهب سفلا ودرجات أهل الجنة تذهب علوا ( وليوفيهم أعمالهم ) أي جزاء أعمالهم قرأ الجمهور لنوفيهم بالنون وقرأ ابن كثير وابن محيصن وعاصم وأبو عمرو ويعقوب بالياء التحتية واختار أبو عبيد القراءة الأولى واختار الثانية أبو حاتم ( وهم لا يظلمون ) أي لا يزاد مسئ ولا ينقص محسن بل يوفى كل فريق ما يستحقه من خير وشر والجملة في محل نصب على الحال أو مستأنفة مقررة لما قبلها
الأحقاف : ( 20 ) ويوم يعرض الذين . . . . .
( ويوم يعرض الذين كفروا على النار ) الظرف متعلق بمحذوف أي أذكر لهم يا محمد يوم ينكشف الغطاء فينظرون إلى النار ويقربون منها وقيل معنى يعرضون يعذبون من قولهم عرضه على السيف وقيل في الكلام قلب والمعنى تعرض النار عليهم ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) أي يقال لهم ذلك قيل وهذا القدر هو الناصب للظرف والآول أولى قرأ الجمهور ( أذهبتم ) بهمزة واحدة وقرأ الحسن ونصر وابو العالية ويعقوب وابن كثير بهمزتين مخففتين ومعنى الاستفهام التقريع والتوبيخ قال الفراء والزجاج العرب توبخ بالاستفهام وبغيره فالتوبيخ كائن على القراءتين قال الكلبي المراد بالطيبات اللذات وما كانوا فيه من المعايش ( واستمتعتم بها ) أي بالطيبات والمعنى أنهم اتبعوا الشهوات واللذات التي في معاصي الله سبحانه ولم يبالوا بالذنب تكذيبا منهم لما جاءت به الرسل من الوعد بالحساب والعقاب والثواب ( فاليوم تجزون عذاب الهون ) أي العذاب الذي فيه ذل لكم وخزي عليكم قال مجاهد وقتادة الهون الهوان بلغة قريش ( بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ) أي بسبب تكبركم عن عبادة الله والإيمان به وتوحيده ( وبما كنتم تفسقون ) أي تخرجون عن طاعة الله وتعملون بمعاصيه فجعل السبب في عذابهم أمرين التكبر عن اتباع الحق والعمل بمعاصي الله سبحانه وتعالى وهذا شأن الكفرة فإنهم قد جمعوا بينهما
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وسبب النزول
وقد أخرج البخاري عن يوسف بن ماهك قال كان مروان على الحجاز استعمله معاوية بن أبي سفيان فنخطف فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا فقال خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدوا عليه فقال مروان إن هذا أنزل فيه ( والذي قال لوالديه أف لكما ) فقالت عائشة ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه وا بن مردويه عن محمد بن زياد قال لما بايع معاوية لابنه قال مروان سنة أبي بكر وعمر فقال عبد الرحمن سنة هرقل وقيصر فقال مروان هذا الذي قال الله فيه ( والذي قال لوالديه أف لكما ) الاية فبلغ ذلك عائشة فقالت كذب مروان والله ما هو به ولو شئت أن أسمى الذي نزلت فيه لسميته ولكن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لعن أبا مروان في صلبه مروان من لعنه الله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال هذا ابن لأبي بكر وأخرج نحوه أبو حاتم عن السدى ولا يصح هذا كما قدمنا


"""""" صفحة رقم 22 """"""
سورة الاحقاف ( 21 28
الأحقاف : ( 21 ) واذكر أخا عاد . . . . .
قوله واذكر أخا عاد أي واذكر يا محمد لقومك أخا عاد وهو هود بن عبد الله بن رباح كان أخاهم في النسب لافي الدين وقوله إذ أنذر قومه بدل اشمتال منه أي وقت إنذاره إياهم بالأحقاف وهي ديار عاد جمع حقف وهو الرمل العظيم المستطيل المعوج قاله الخليل وغيره وكانوا قهروا أهل الأرض بقوتهم والمعنى أن الله سبحانه أمره أن يذكر لقومه قصتهم ليتعظوا ويخافوا وقيل أمره بأن يتذكر في نفسه قصتهم مع هود ليقتدي به ويهون عليه تكذيب قومه قال عطاء الأحقاف رمال بلاد الشجر وقال مقاتل هي باليمن في حضرموت وقال ابن زيد هي رمال مبسوطة مستطيله كهيئة الجبال ولم تبلغ أن تكون جبالا ( وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ) أي وقد مضت الرسل من قبله ومن بعده كذا قال الفراء وغيره وفي قراءة ابن مسعود من بين يديه ومن بعده والجملة في محل نصب على الحال ويجوز أن تكون معترضة بين إنذار هود وبين قوله لقومه ( إني أخاف عليكم ) والآول أولى والمعنى أعلمهم أن الرسل الذين بعثوا قبله والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره ثم رجع إلى كلام هود لقومه فقال حاكيا عنه ( إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) وقيل إن جعل تلك الجملة اعتراضية أولى بالمقام وأوفق بالمعنى
الأحقاف : ( 22 ) قالوا أجئتنا لتأفكنا . . . . .
( قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا ) أي لتصرفنا عن عبادتها وقيل لتزيلنا وقيل لتمنعنا والمعنى متقارب ومنه قول عروة بن أذينة إن تك عن حسن الصنيعة مأفو
كا ففي آخرين قد أفكو
يقول إن لم توفق للأحسان فأنت في القوم قد صرفوا عن ذلك ( فأتنا بما تعدنا ) من العذاب العظيم ( إن كنت


"""""" صفحة رقم 23 """"""
من الصادقين ) في وعدك لنا به
الأحقاف : ( 23 ) قال إنما العلم . . . . .
( قال إنما العلم عند الله ) أي إنما العلم بوقت مجيئه عند الله لا عندي ( وأبلغكم ما أرسلت به إليكم من ربكم من الإنذار والإعذار فأما العلم بوقت مجئ العذاب فما أوحاه إلى ( ولكني أراكم قوما تجهلون ) حيث بقيتم مصرين على كفركم ولم تهتدوا بما جئتكم به بل أقترحتم على ما ليس من وظائف الرسل
الأحقاف : ( 24 ) فلما رأوه عارضا . . . . .
( فلما رأوه عارضا ) الضمير يرجع إلى ( ما ) في قوله 0 بما تعدنا ) وقال المبرد والزجاج الضمير في ( رأوه ) يعود إلى غير مذكور وبينه قوله ( عارضا ) فالضمير يعود إلى السحاب أي فلما رأوا السحاب عارضا فعارضا نصب على التكرير يعني التفسير وسمى السحاب عارضا لأنه يبدو في عرض السماء قال الجوهري العارض السحاب يعترض في الأفق ومنه قوله هذا عارض ممطرنا وانتصاب عارضا على الحال أو التمييز ( مستقبل أوديتهم ) أي متوجها نحو أوديتهم قال المفسرون كانت عاد قد حبس عنهم المطر أياما فساق الله إليهم سحابة سوداء فخرجت عليهم من واد لهم يقال له المعتب فلما رأوه مستقبل أوديتهم استبشروا و ( قالوا هذا عارض ممطرنا ) أي غيم فيه مطر وقوله 0 مستقبل اوديتهم ) صفة لعارض لأن إضافية لفظية لا معنوية فصح وصف النكرة به وهكذا ممطرنا فلما قالوا ذلك أجاب عليهم هود فقال ( بل هو ما استعجلتم به ) يعني من العذاب حيث قالوا فأمتنا بما تعدنا وقوله ( ريح ) بدل من ما أو خبر مبتدأ محذوف وجملة ( فيها عذاب أليم ) صفة لريح والريح التي عذبوا بها نشأت من ذلك السحاب الذي روأوه
الأحقاف : ( 25 ) تدمر كل شيء . . . . .
( تدمر كل شئ بأمر ربها ) هذه الجملة صفة ثانية لريح أي تهلك كل شئ مرت به من نفوس عاد وأموالها والتدمير الإهلاك وكذا الدمار وقرئ ( يدمر ) بالتحتية مفتوحة وسكون الدال وضم الميم ورفع كل على الفاعلية من دمر دمارا ومعنى ( بأمر ربها ) أن ذلك بقضائه وقدره ( فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم ) أي لا ترى أنت يا محمد أو كل من يصلح للرؤية إلا مساكنهم بعد ذهاب أنفسهم وأموالهم قرأ الجمهور ( لا ترى ) بالفوقية على الخطاب ونصب مساكنهم وقرأ حمزة وعاصم بالتحتية مضمومة مبنيا للمفعول ورفع مساكنهم قال سيبويه معناه لا يرى أشخاصهم إلا مساكنهم واختار أبو عبيد وأبو حاتم القراءة الثانية قال الكسائى والزجاج معناها لا يري شئ إلا مساكنهم فهي محمولة على المعنى كما تقول ما قام إلا هند والمعنى ما قام أحد إلا هند وفي الكلام حذف والتقدير فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ( كذلك نجزي القوم المجرمين ) أي مثل ذلك الجزاء نجزي هؤلاء وقد مر بيان هذه القصية في سورة الأعراف
الأحقاف : ( 26 ) ولقد مكناهم فيما . . . . .
( ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ) قال المبرد ما في قوله فيما ء بمنزلة الذي وأن بمنزلة بمنزلة ما يعني النافية وتقديره ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه من المال وطول العمر وقوة الأبدان وقيل ( إن ) زائدة وتقديره ولقد مكناهم فيما مكناكم فيه وبه قال قال القتيبى ومثله قول الشاعر فما إن طبن جبن ولكن
منايانا ودولة آخرينا
والأول أولى لأنه أبلغ في التوبيخ لكفار قريش وأمثالهم ( وجعلنا لهم سمعا وابصارا وأفئدة ) أي أنهم أعرضوا عن قبول الحجة والتذكر مع ما أعطاهم الله من الحواس التي بها تدرك الأدلة ولهذا قال ( فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ ) أي فما نفعهم ما أعطاهم الله من ذلك حيث لم يتوصلوا به إلى التوحيد وصحة الوعد والوعيد وقد قدمنا من الكلام على وجه الأفراد السمع وجمع البصر ما يغنى عن الإعادة و من في ( من شيء ) زائدة والتقدير فما أغنى عنهم شئ من الأغناء ولا نفعهم بوجه من وجوه النفع ( إذ كانوا يجحدون بآيات الله ) الظرف متعلق بأغنى وفيها معنى التعليل أي لأنهم كانوا يجحدون ( وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) أي أحاط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء حيث قالوا ( فأتنا بما تعدنا
الأحقاف : ( 27 ) ولقد أهلكنا ما . . . . .
( ولقد أهلكنا ما حولكم


"""""" صفحة رقم 24 """"""
من القرى ) الخطاب لأهل مكة والمراد بما حولهم من القرى قرى ثمود وقرى لوط ونحوهما مما كان مجاورا لبلاد الحجاز وكانت أخبارهم متواترة عندهم ( وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون ) أي بينا الحجج ونوعناها لكى يرجعوا عن كفرهم فلم يرجعوا
الأحقاف : ( 28 ) فلولا نصرهم الذين . . . . .
ثم ذكر سبحانه أنه لم ينصرهم من عذاب الله ناصر فقال ( فلولا نصرهم الذين أتخذوا من دون الله قربانا آلهة ) أي فهلا نصرهم آلهتهم التي تقربوا بها بزعمهم إلى الله لتشفع لهم حيث قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم قال الكسائي القربان كل ما يتقرب به إلى الله من طاعة ونسيكة والجمع قرابين كالرهبان والرهابين وأحد مفعولى أتخذوا ضمير راجع إلى الموصول والثاني آلهة وقربانا حال ولا يصح أن يكون قربانا مفعولا ثانيا وآلهة بدلا منه لفساد المعنى وقيل يصح ذلك ولا يفسد المعنى ورجحه ابن عطيه وأبو البقاء وأبو حيان وأنكر أن يكون في المعنى فساد على هذا الوجه ( بل ضلوا عنهم ) أي غابوا عن نصرهم ولم يحضروا عند الحاجة إليهم وقيل بل أهلكوا وقيل الضمير في ضلوا راجع إلى الكفار أي تركوا الأصنام وتبرءوا منها والأول أولى والإشارة بقوله ( وذلك ) إلى ضلال آلهتهم والمعنى ذلك الضلال والضياع أثر ( أفكهم ) الذي هو أتخاذهم إياها آلهة وزعمهم أنها تقربهم إلى الله قرأ كذبهم الجمهور إفكهم بكسر الهمزة وسكون الفاء مصدر أفك يأفك إفكا أي كلبهم وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد بفتح الهمزة والفاء والكاف على إنه فعل أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد وقرأ عكرمة بفتح الهمزة وتشديد الفاء أي صيرهم آفكين قال أبو حاتم يعني قلبهم عما كانوا عليه من النعيم وروى عن ابن عباس أنه قرأ بالمد وكسر الفاء بمعنى صارفهم ( وما كانوا يفترون ) معطوف على إفكهم أي وأثر أفترائهم أو أثر الذي كانوا يفترونه والمعنى وذلك إفكهم أي كذبهم الذي كانوا يقولون إنها تقربهم إلى الله وتشفع لهم ( وما كانوا يفترون ) أي يكذبون أنها ألهة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأحقاف جبل بالشام وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عنه في قوله ( هذا عارض ممطرنا ) قال هو السحاب وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه قلت يا رسول الله الناس إذا رأو الغيم فرحوا أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية قال يا عائشة وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عنها قالت كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا عصفت الريح قال اللهم أني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشرح أرسلت به فإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا مطرت سرى عنه فسألته فقال لا أدري لعله كما قال قوم عاد هذا عارض ممطرنا وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب السحاب وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله ( فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم ) قالو غيم فيه مطر فأول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجا من رجالهم ومواشيهم تطير بين السماء والأرض مثل الريش دخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم فجاءت الريح ففتحت أبوابهم ومالت عليهم بالرمل فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام حسوما مالهم أنين ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمل وطرحتهم في البحر فقه قوله ( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه عن ابن عباس قال ما أرسل الله على عاد من الريح إلا قدر خاتمي هذا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم


"""""" صفحة رقم 25 """"""
عنه في قوله ( ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ) يقول لم نمكنكم واخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال عاد مكنوا في الأرض أفضل مما مكنت فيه هذه الأمة وكانوا أشد قوة اكثر أموالا وأطول أعمارا سورة الأحقاف 29 35
الأحقاف : ( 29 ) وإذ صرفنا إليك . . . . .
لما بين سبحانه أن في الإنس من آمن وفيهم من كفر بين أيضا أن في الجن كذلك فقال ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ) العامل في الظرف مقدر أي وادكر إذ صرفنا أي وجهنا إليك نفرا من الجن وبعثناهم إليك وقوله ( يستمعون القرآن ) في محل نصب صفة ثانية لنفرا أو حال لأن النكرة قد تخصصت بالصفة الأولى ( فلما حضروه ) أي حضروا القرآن عند تلاوته وقيل حضروا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة والأول أولى ( قالوا أنصتوا ) أي قال بعضهم لبعض اسكتوا أمروا بعضهم بعضا بذلك لأجل أن يسمعوا ( فلما قضى ) قرأ الجمهور قضى مبنينا للمفعول أي فرغ من تلاوته وقرأ حبيب بن عبيد الله بن الزبير ولاحق بن حميد وأبو مجلز على البناء للفاعل أي فرع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من تلاوته والقراءة الأولى تؤيد أن الضمير في حضروه للقرآن والقراءة الثانية تؤيد أنه للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ولوا إلى قومهم منذرين ) أي انصرفوا قاصدين إلى من وراءهم من قومهم منذرين لهم عن مخالفة القرآن فيحذرون لهم وانتصاب منذرين على الحال المقدره أي مقدرين الإنذار وهذا يدل على أنهم آمنوا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وسيأتى في آخر البحث بيان ذلك
الأحقاف : ( 30 ) قالوا يا قومنا . . . . .
( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ) يعنون القرآن وفي الكلام حذف والتقدير فوصلوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا قال عطاء كانوا يهودا فأسلموا ( مصدقا لما بين يديه ) أي لما قبله من الكتب المنزلة ( يهدى إلى الحق ) أي إلى الدين الحق ( وإلى طريق مستقيم ) أي إلى طريق الله القويم قال مقاتل لم يبعث الله نبيا إلى الجن والإنس قبل محمد صلى الله عليه


"""""" صفحة رقم 26 """"""
وآله وسلم ( يا قومنا أجيبوا داعي الله وأمنوا به ) يعنون محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) أو القرآن ( يغفر لكم من ذنوبكم
الأحقاف : ( 31 ) يا قومنا أجيبوا . . . . .
أي بعضها وهو ما عدا حق العباد وقيل إن من هنا لابتداء الغاية والمعنى أنه يقع ابتداء الغفران من الذنوب ثم ينتهي إلى غفران ترك ما هو الأولى وقيل هي زائدة ( ويجركم من عذاب أليم ) وهو عذاب النار وفي هذه الآية دليل على إن حكم الجن حكم الإنس في الثواب والعقاب والتعبد بالأوامر والنواهي وقال الحسن ليس لمؤمني الجن ثواب غير نجاتهم من النار وبه قال أبو حنيفة والأول أولى وبه قال مالك والشافعي وابن أبي ليلى وعلى القول الأول فقال القائلون به أنهم بعد نجاتهم من النار يقال لهم كونوا ترابا كما يقال للبهائم والثاني أرجح وقد قال الله سبحانه في مخاطبة الجن والأنس ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان فأمتن سبحانه على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة ولا ينافي هذا الاقتصار ها هنا على ذكر إجارتهم من عذاب أليم ومما يؤيد هذا أن الله سبحانه قد جازى كافرهم بالنار وهو مقام عدل فكيف لا يجازي محسنهم بالجنة وهو مقام فضل ومما يؤيد هذا أيضا ما في القرآن الكريم في غير موضع أن جزاء المؤمنين الجنة وجزاء من عمل الصالحات الجنة وجزاء من قال لاإله إلا الله الجنة وغير ذلك مما هو كثير في الكتاب والسنة وقد اختلف أهل العلم هل أرسل الله إلى الجن رسلا منهم أم لا وظاهر الآيات القرآنية أن الرسل من الإنس فقط كما في قوله وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى وقال وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وقال سبحانه في إبراهيم الخليل وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب فكل نبي بعثه الله بعد إبراهيم فهو من ذريته وأما قوله تعالى في سورة الأنعام يا معشر الجن والأنس ألم يأتكم رسل منكم فقيل المراد من مجموع الجنسين وصدق على إحدهما وهو الإنس كقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أي من أحدهما
الأحقاف : ( 32 ) ومن لا يجب . . . . .
( ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض ) أي لا يفوت الله ولا يسبقه ولا يقدر على الهرب منه لأنه وإن هرب كل مهرب فهو في الأرض لا سبيل له إلى الخروج منها وفي هذا ترهيب وللتشديد ( وليس له من دونه أولياء أي أنصار يمنعونه من عذاب الله بين سبحانه بعد استحالة نجاته بنفسه استحالة نجاته بواسطة غيره والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى من لا يجب داعي الله وأخبر أنهم ( في ضلال مبين ) أي ظاهر واضح
الأحقاف : ( 33 ) أو لم يروا . . . . .
ثم ذكر سبحانه دليلا على البعث فقال ( أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ) الرؤية هنا هي القلبية التي بمعنى العلم والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر أي ألم يتفكروا ولم يعلموا أن الذي خلق هذه الأجرام العظام من السموات والأرض ابتداء ( ولم يعي بخلقهن ) أي لم يعجزه عن ذلك ولا ضعف عنه يقال عى بالأمر وعي إذا لم يهتد لوجهه ومنه قول الشاعر عيوا بأمرهم كما
عيت ببيضتها الحمامة
قرأ الجمهور ولم يعي بسكون العين وفتح الياء مضارع عى وقرأ الحسن بكسر العين وسكون الياء ( بقادر على أن يحيى الموتى ) قال أبو عبيدة والأخفش الباء زائدة للتوكيد كما في قوله وكفى بالله شهيدا قال الكسائى والفراء والزجاج العرب تدخل الباء مع الجحد والاستفهام فنقول ما اظنك بقائم والجار والمجرور في محل رفع على أنهما خبر لأن وقرأ ابن مسعود وعيسى بن عمر والأعرج والجحدري بن أبي إسحاق ويعقوب وزيد بن علي ( يقدر ) على صيغة المضارع واختار أبو عبيد القراءة الأولى واختار أبو حاتم القراءة الثانية قال لأن دخول الباء في خبر أن قبيح ( بلى إنه على كل شئ قدير ) لا يعجزه شئ
الأحقاف : ( 34 ) ويوم يعرض الذين . . . . .
( ويوم يعرض الذين كفروا على النار ) الظرف متعلق بقول مقدر أي يقال ذلك اليوم للذين كفروا ( أليس هذا بالحق ) وهذه الجملة هي المحكة


"""""" صفحة رقم 27 """"""
بالقول أو الأشارة بهذا إلى ما هو مشاهد لهم يوم عرضهم على النار وفي الأكتفاء بمجرد الأشارة من التهويل للمشار إليه والتفخيم لشأنه ما لا يخفي كأنه أمر لا يمكن التعبير عنه بلفظ يدل عليه ( قالوا بلى وربنا ) اعترفوا حين لا ينفعهم الاعتراف وأكدوا هذا الاعتراف بالقسم لأن المشاهدة هي حق اليقين الذي لا يمكن جحده ولا إنكاره ( قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) أي بسبب كفركم بهذا في الدنيا وإنكاركم له وفي هذه الأمر لهم والتوحيد والمعاد أمر رسوله بالصبر فقال بذوق العذاب بتوبيخ بالغ وتهكم عظيم
الأحقاف : ( 35 ) فاصبر كما صبر . . . . .
لما قرر سبحانه الأدلة على النبوة والتوحيد والمعاد أمر رسوله بالصبر فقال والتوحيد والمعاد أمر رسوله بالصبر فقال الرسل ) وإلفاء جواب شرط محذوف أي إذا عرفت ذلك وقامت عليه البراهين ولم ينجع في الكافرين فأصبر كما صبر أولو العزم أي أرباب الثباب والحزم فإنك منهم قال مجاهد أولوا العزم من الرسل خمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وهم أصحاب الشرائع وقال أبو العالية هم نوح وهود وإبراهيم فأمر الله رسوله أن يكون رابعهم وقال السدى هم ستة إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وموسى وقال ابن جريح إن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب وليس منهم يونس وقال الشعبي والكلبي هم الذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفرة وقيل هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر إبرهيم وإسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس ولوط واختار هذا الحسين بن الفضل لقوله بعد ذكرهم أولئك الذين هداهم الله فبهداهم افتد وقيل إن الرسل كلهم أولو عزم وقيل هم أثنا عشر نبيا أرسلوا إلى بني إسرائيل وقال الحسن هم أربعة إبراهيم وموسى وداود وعيسى ( ولا تستعجل لهم ) أي لا تستعجل العذاب يا محمد للكفار لما امره سبحانه بالصبر ونهاه عن استعجال العذاب لقومه رجاء أن يؤمنوا قال ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون ) من العذاب ( لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) أي كأنهم يوم يشاهدونه في الأخرة لم يلبثوا في الدنيا إلا قدر ساعة من ساعات الأيام لما يشاهدونه من الهول العظيم والبلاء المقيم قرأ الجمهور ( بلاغ ) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذا الذي وعظتهم به بلاغ أو تلك الساعة بلاغ أو هذا القرآن بلاغ أو هو مبتدا والخبر لهم الواقع بعد قوله ولا تستعجل أي لهم بلاغ وقرأ الحسن وعيسى بن عمر وزيد بن علي بلاغا بالنصب على المصدر أي بلغ بلاغا وقرأ أبو مجلز ( بلغ ) بصيغة الأمر وقرئ ( بلغ ) بصيغة الماضي ( فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) قرأ الجمهور ( فهل يهلك ) على البناء للمفعول وقرأ ابن محيصن على البناء للفاعل والمعنى أنه لا يهلك بعذاب الله إلا القوم الخارجون عن الطاعة الواقعون في معاصي الله قال قتادة لا يهلك على الله إلا هالك مشرك قيل هذه الآية أقوى آية في الرجاء قال الزجاج تأويله لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن منيع والحاكم وصححه ابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن مسعود قال هبطوا يعنى الجن على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يقرا القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا أنصتوا قالوا صه وكانوا تسعة أحدهم زوبعة فأنزل الله ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ) إلى قوله ( ضلال مبين ) واخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه عن الزبير ( إذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) قال بنخلة ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي العشاء الآخرة كادوا يكونون عليه لبدا وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ) الآية قال كانوا تسعة نفر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رسلا إلى قومهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم عنه


"""""" صفحة رقم 28 """"""
نحوه وقال أتوه ببطن نخلة وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عنه أيضا قال صرفت الجن إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مرتين وكانوا أشراف الجن بنصيبين وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن مسروق قال سألت ابن مسعود من آذن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالجن ليلة استمعوا القرآن قال آذنته بهم شجرة وأخرج عبد بن حميد وأحمد ومسلم والترمذي عن علقمة قال قلت لابن مسعود هل صحب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منكم أحدا ليلة الجن قال ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة فقلنا اغتيل استطير ما فعل فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما كان في وجه الصبح إذا نحن به يجئ من قبل حراء فأخبرناه فقال إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن فانطلق فأرانا أثارهم وآثار نيرانهم وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال كنت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة الجن وقد روى نحو هذا من طرق والجمع بين الروايات بالحمل على قصتين وقعت منه ( صلى الله عليه وسلم ) مع الجن حضر إحداهما ابن مسعود ولم يحضر في الأخرى وقد وردت أحاديث كثيرة أن الجن بعد هذا وفدت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مرة بعد مرة وأخذوا عنه الشرائع وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال ( أولو العزم من الرسل ) النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وأخرج ابن مردويه عنه قال هم الذين أمروا بالقتال حتى مضوا على ذلك نوح وهود وصالح وموسى وداود وسليمان وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال بلغني أن أولى العزم من الرسل كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر وأخرج ابن أبي حاتم والديلمي عن عائشة قالت ظل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صائما حتى طوى ثم ظل صائما ثم طوى ثم ظل صائما قال يا عائشة إن الدين لا ينبغي لمحمد ولا لآل محمد يا عائشة إن الله لم يرض من أولى العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ثم لو لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم فقال ( أصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) وإني والله لأصبرن كما صبروا جهدى ولا قوة إلا بالله
ع4
تفسير
سورة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وتسمى سورة القتال وسورة الذين كفروا وهي تسع وثلاثون آية وقيل ثمان وثلاثون
حول السورة
وهي مدنية قال الماوردي في قول الجميع إلا ابن عباس وقتادة فإنهما قالا إلا آية منها نزلت بعد حجة الوداع حين خرج من مكة وجعل ينظر إلى البيت وهو يبكي حزنا عليه فنزل قوله تعالى ( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك ) وقال الثعلبي إنها مكية وحكاه ابن هبة الله عن الضحاك وسعيد بن جبير وهو غلط من القول فالسورة مدنية كما لا يخفى وقد أخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال نزلت سورة القتال بالمدينة وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه قال نزلت سورة محمد بالمدينة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال نزلت بالمدينة سورة الذين كفروا وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرا بهم في المغرب الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله


"""""" صفحة رقم 29 """"""
سورة محمد ( 1 12
محمد : ( 1 ) الذين كفروا وصدوا . . . . .
قوله ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ) هم كفار قريش كفروا بالله وصدوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل الله وهو دين الإسلام ينهم عن الدخول فيه كذا قال مجاهد والسدي وقال الضحاك معنى عن سبيل الله عن بيت الله بمنع قاصديه وقيل هم أهل الكتاب والموصول مبتدأ وخبره ( أضل أعمالهم ) أي أبطلها وجعلها ضائعة قال الضحاك معنى أضل أعمالهم أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وجعل الدائرة عليهم في كفرهم وقيل أبطل ما عملوه في الكفر مما كانوا يسمونه مكارم أخلاق من صلة الأرحام وفك الأرسارى وقري الأضياف وهذه وإن كانت باطلة من أصلها لكن المعنى أنه سبحانه حكم ببطلانها
محمد : ( 2 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
ولما ذكر فريق الكافرين أتبعهم بذكر فريق المؤمنين فقال ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد ) ظاهر هذا العموم فيدخل تحته كل مؤمن من المؤمنين الذين يعملون الصالحات ولا يمنع من ذلك خصوص سببها فقد قيل إنها نزلت في الأنصار وقيل في ناس من قريش وقيل في مؤمني أهل الكتاب ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وخص سبحانه الإيمان بما أنزل على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالذكر مع إندراجه


"""""" صفحة رقم 30 """"""
تحت مطلق الإيمان المذكور قبله تنبيها على شرفه وعلو مكانه وجملة ( وهو الحق من ربهم ) معترضة بين المبتدأ وهو قوله ( والذين آمنوا ) وبين خبره وهو قوله ( كفر عنهم سيئاتهم ) ومعنى كونه الحق أنه الناسخ لما قبله وقوله من ربهم في محل نصب على الحال ومعنى كفر عنهم سيئاتهم أي السيآت التي عملوها فيما مضى فإنه غفرها لهم بالإيمان والعمل الصالح ( وأصلح بالهم ) أي شأنهم وحالهم قال مجاهد شأنهم وقال قتادة حالهم وقيل أمرهم والمعاني متقاربة قال المبرد البال الحال ها هنا قيل والمعنى أنه عصمهم عن المعاصي في حياتهم وأرشدهم إلى أعمال الخير وليس المراد إصلاح حال دنياهم من إعطائهم المال ونحو ذلك وقال النقاش إن المعنى أصلح نياتهم ومنه قول الشاعر فإن تقبلى بالود أقبل بمثله
وإن تدبري أذهب إلى حال باليا
محمد : ( 3 ) ذلك بأن الذين . . . . .
والإشارة بقوله ذلك إشارة إلى ما مر مما أوعد به الكفار ووعد به المؤمنين وهو مبتدأ خبره ما بعده وقيل إنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك بسبب ( إن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ) فالباطل الشرك والحق التوحيد والإيمان والمعنى أن ذلك الإضلال لأعمال الكافرين بسبب اتباعهم الباطل من الشرك بالله والعمل بمعاصية وذلك التكفير لسيئات المؤمنين وإصلاح بالهم بسبب اتباعهم للحق الذي أمر الله إتباعه من التوحيد والإيمان وعمل الطاعات ( كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ) أي مثل ذلك الضرب يبين للناس أمثالهم أي أحوال الفريقين الجارية مجرى الأمثال في الغرابة قال الزجاج كذلك يضرب يبين الله للناس أمثال حسنات المؤمنين وإضلال أعمال الكافرين يعني أن من كان كافرا أضل الله عمله ومن كان مؤمنا كفر الله سيئاته
محمد : ( 4 ) فإذا لقيتم الذين . . . . .
( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) لما بين سبحانه حال الفريقين أمر بجهاد الكفار والمراد بالذين كفرو المشركين ومن لم يكن صاحب عهد من أهل الكتاب وانتصاب ضرب على أنه مصدر لفعل محذوف وقال الزجاج أي فأضربوا الرقاب ضربا وخص الرقاب بالذكر لأن القتل أكثر ما يكون بقطعها وقيل هو منصوب على الإغراء قال أبو عبيدة هو كقولهم يا نفس صبرا وقيل التقدير أقصدوا ضرب الرقاب وقيل إنما خص ضرب الرقاب لأن في التعبير عنه من الغلظة والشدة ما ليس في نفس القتل وهي حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأحسن أعضائه ( حتى إذا أثخنتموهم ) أي بالغتم في قتلهم وأكثرتم القتل فيهم وهذه غاية للأمر بضرب الرقاب لا لبيان غاية القتل وهو ماخوذ من الشيء الثمين اسم أي الغليظ وقد مضى تحقيق معناه في سورة الأنفال ( فشدوا الوثاق ) الوثاق بالفتح ويجئ بالكسر اسم الشيء الذي يوثق به كالرباط قال الجوهري وأوثقه في الوثاق أي شده قال والوثاق بكسر الواو لغة فيه قرأ الجمهور فشدوا بضم الشين وقرأ السلمى بكسرها وإنما أمر سبحانه بشد الوثاق لئلا ينفلتوا والمعنى إذا بالغتم في قتلهم فأسروهم وأحيطوهم بالوثاق ( فإما منا بعد وأما فداء ) أي فإما أن تمنوا عليهم بعد الأسر منا أو تفدوا فداء والمن الإطلاق بغير عوض والفداء ما يفدي به الأسير نفسه من الأسر ولم يذكر القتل هنا أكتفاء بما تقدم قرأ الجمهور فداء بالمد وقرأ ابن كثير فدى بالقصر وإنما قدم المن على الفداء لأنه من مكارم الأخلاق ولهذا كانت العرب تفتخر به كما قال شاعرهم ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم
إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
ثم ذكر سبحانه الغاية لذلك فقال ( حتى تضع الحرب أوزارها ) أوزار الحرب التي لا تقوم إلا بها من السلاح والكراع أسند الوضع إليها وهو لأهلها على طريق المجاز والمعنى أن المسلمين مخيرون بين تلك الأمور


"""""" صفحة رقم 31 """"""
إلى غاية صي أن لا يكون حرب مع الكفار قال مجاهد المعنى حتى لا يكون دين غير دين الإسلام وبه قال الحسن والكلبي قال الكسائى حتى يسلم الخلق قال الفراء حتى يؤمنوا ويذهب الكفر وقيل المعنى حتى يضع الأعداء المحاربون أوزارهم وهو سلاحهم بالهزيمة أو الموادعة وروى عن الحسن وعطاء أنهما قالا في الآية تقديم وتأخير والمعنى فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها فإذا أثخنتموهم فشد الوثاق وقد اختلف العلماء في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة فقيل إنها منسوخة في أهل الأوثان وأنه لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم والناسخ لها قوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم وقوله قاتلوا المشركين كافة وبهذا قال قتادة والضحاك والسدى وابن جريح وكثير من الكوفيين قالوا والمائدة آخر ما نزل فوجب أن يقتل كل مشرك إلا من قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ومن تؤخذ منه الجزية وهذا هو المشهور من مذهب أبي حنيفة وقيل إن هذه الآية ناسخة لقوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وروى ذلك عطاء وغيره وقال كثير من العلماء إن الآية محكمة والإمام مخير بين القتل والأسر وبعد الأسر مخير بين المن والفداء وبه قال مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأبو عبيد وغيرهم وهذا هو الراجح لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والخلفاء الراشدين من بعده فعلوا ذلك وقال سعيد بن جبير لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الأثخان والقتل بالسيف لقوله ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض فإذا أسر بعد ذلك فللإمام أن يحكم بما رآه من قتل أو غيره ( ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ) محل ذلك الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك وقيل في محل نصب على المفعولية بتقدير فعل أي أفعلو ذلك ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره محذوف يدل عليه ما تقدم أي ذلك حكم الكفار ومعنى لو يشاء الله لانتصر منهم أي قادر على الانتصار منهم بالانتقام منهم وإهلاكهم وتعذيبهم شاء من أنواع العذاب ( ولكن ) أمركم بحربهم ( ليبلوا بعضكم ببعض ) أي ليختبر بعضكم ببعض فيعلم المجاهدين في سبيله والصابرين على إبتلائه ويجزل ثوابهم ويعذب الكفار بأيديهم ( والذين قتلوا في سبيل الله ) قرأ الجمهور قاتلوا مبنيا للفاعل وقرأ أبو عمرو وحفص قتلوا مبنيا للمفعول وقرأ الحسن بالتشديد مبنيا للمفعول أيضا وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وأبو حيوة قتلوا على البناء للفاعل مع التخفيف من غير ألف والمعنى على القراءة الأولى والرابعة أن المجاهدين في سبيل الله ثوابهم غير ضائع وعلى القراءة الثانية والثالثة أن المقتولين في سبيل الله كذلك لا يضيع الله سبحانه أجرهم قال قتادة ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد
محمد : ( 5 ) سيهديهم ويصلح بالهم
ثم ذكر سبحانه ما لهم عنده من جزيل الثواب فقال ( سيهديهم ) اأي سيهديهم الله سبحانه إلى الرشد في الدنيا ويعطيهم الثواب في الأخرة ( ويصلح بالهم ) أي حالهم وشأنهم وأمرهم قال أبو العالية قد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطريق المفضية إليها وقال ابن زياد يهديهم إلى محاجة منكر ونكير
محمد : ( 6 ) ويدخلهم الجنة عرفها . . . . .
( ويدخلهم الجنة عرفها لهم ) أي بينها لهم حتى عرفوها من غير استدلال وذلك أنهم إذا دخلوا الجنة تفرقوا إلى منازلهم قال الواحدي هذا قول عامة المفسرين وقال الحسن وصف الله لهم الجنة في الدنيا فلما دخلوها عرفوها بصفتها وقيل فيه حذف أي عرفوا طرقها ومساكنها بيوتها وقيل هذا التعريف بدليل عليهم يدلهم عليها وهو الملك الموكل بالعبد يسير بين يديه حتى يدخله منزله كذا قال مقاتل وقيل معنى عرفها لهم طيبها بأنواع الملاذ مأخوذ من العرف وهو الرائحة
محمد : ( 7 ) يا أيها الذين . . . . .
ثم وعدهم سبحانه على نصر دينه بقوله ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ) أي إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار ويفتح لكم ومثله قوله ولينصرن الله من ينصره قال قطرب إن تنصروا نبي الله ينصركم ( ويثبت أقدامكم ) أي عند القتال وتثبت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في مواطن الحرب وقيل على الإسلام وقيل على الصراط
محمد : ( 8 ) والذين كفروا فتعسا . . . . .
( والذين كفروا فتعسا لهم ) الموصول في محل رفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف


"""""" صفحة رقم 32 """"""
تقديره فتعسا بدليل ما بعده ودخلت الفاء تشبيها للمبتدأ بالشرط وانتصاب تعسا على المصدر للفعل المقدر خبرا قال الفراء مثل سقيا لهم ورعيا وأصل التعس الانحطاط والعثار قال ابن السكيت التعس أن يجر على وجهه والنكس أن يجر على رأسه قال والتعس أيضا الهلاك قال الجوهري وأصله الكب وهو ضد الانتعاش ومنه قول مجمع بن هلال تقول وقد أفردتها من حليلها
تعست كما أتعستني يا مجمع
قال المبرد أي فمكروها لهم وقال ابن جريج بعدا لهم وقال السدي خزيا لهم وقال ابن زيد شقاء لهم وقال الحسن شتما لهم وقال ثعلب هلاكا لهم وقال الضحاك خيبة لهم وقيل قبحا لهم حكاه النقاش وقال الضحاك رغما لهم وقال ثعلب أيضا شرا لهم وقال أبو العالية شقوة لهم واللام في لهم للبيان كما في قوله هيت لك وقوله ( وأضل أعمالهم ) معطوف على ما قبله داخل معه في خبرية الموصول
محمد : ( 9 ) ذلك بأنهم كرهوا . . . . .
والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما تقدم مما ذكره الله من التعس والأضلال أي الأمر ذلك أو ذلك الأمر ( بأنهم كرهوا ما أنزل الله ) على رسوله من القرآن أوما أنزل على رسله من كتبه لاشتمالها على ما في القرآن من التوحيد والبعث ( فأحبط ) الله ( أعمالهم ) بذلك السبب والمراد بالأعمال ما كانوا عملوا من أعمال الخير في الصورة وإن كانت باطلة من الأصل لأن عمل الكافر لا يقبل قبل إسلامه
محمد : ( 10 ) أفلم يسيروا في . . . . .
ثم خوف سبحانه الكفار وأرشدهم إلى الاعتبار بحال من قبلهم فقال ( أفلم يسيروا في الأرض ) أي ألم يسيروا في أرض عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا ( فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) أي آخر أمر الكافرين قبلهم فإن آثار العذاب في ديارهم باقية ثم بين سبحانه ما صنع بمن قبلهم فقال ( دمر الله عليهم ) والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر والتدمير والإهلاك أي أهلكهم وأستأصلهم يقال دمره ودمر عليه بمعنى ثم توعد مشركي مكة فقال ( وللكافرين أمثالها ) أي لهؤلاء الكافرين أمثال عاقبة من قبلهم من الأمم الكافرة قال الزجاج وابن جرير الضمير في أمثالها يرجع إلى عاقبة الذين من قبلهم وإنما جمع لأن العواقب متعددة بحسب تعدد الأمم المعذبة وقيل أمثال العقوبة وقيل الهلكة وقيل التدميرة والأول أولى لرجوع الضمير إلى ما هو مذكور قبله
محمد : ( 11 ) ذلك بأن الله . . . . .
والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما ذكر من أن للكافرين أمثالها ( بأن الله مولى الذين آمنوا ) أي بسبب أن الله ناصرهم ( وأن الكافرين لا مولى لهم ) أي لا ناصر لهم يدفع عنهم وقرأ ابن مسعود ذلك بأن الله ولي الذين آمنوا قال قتادة نزلت يوم أحد
محمد : ( 12 ) إن الله يدخل . . . . .
( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ) قد تقدم تفسير الآية في غير موضع وتقدم كيفية جرى الأنهار من تحت الجنات والجملة مسوقة لبيان ولاية الله للمؤمنين ( والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ) أي يتمتعون بمتاع الدنيا وينتفعون به كأنهم أنعام ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم ساهون عن العاقبة لاهون بما هم فيه ( والنار مثوى لهم ) أي مقام يقيمون به ومنزل ينزلونه ويستقرون فيه والجملة في محل نصب على الحال أو مستأنفة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ) قال هم أهل مكة قريش نزلت فيهم ( الذين آمنوا وعملو الصالحات ) قال هم أهل المدينة الأنصار ( وأصلح بالهم ) قال أمرهم واخرج ابن المنذر عنه في قوله ( أضل أعمالهم ) قال كانت لهم أعمال فاضلة لا يقبل الله مع الكفر عملا وأخرج النحاس عنه أيضا في قوله ( فأما منا بعد وإما فداء ) قال فجعل الله النبي والمؤمنين بالخيار في الأسارى إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم


"""""" صفحة رقم 33 """"""
وإن شاءوا فادوهم وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا في الآية قال هذا منسوخ نسختها فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن قال أتى الحجاج بأسارى فدفع إلى ابن عمر رجلا يقتله فقال ابن عمر ليس بهذا أمرنا إنما قال الله ( حتى إذا أثخنتوهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ) وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر وابن مردويه عن ليث قال قلت لمجاهد بلغني أن أبن عباس قال لا يحل قتل الأسارى لأن الله قال 0 فإما منا بعد وإما فداء ) فقال مجاهد لا تعبأ بهذا شيئا أدركت أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكلهم ينكر هذا ويقول هذه منسوخة إنما كانت في الهدنه التي كانت بين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبين المشركين فإما اليوم فلا يقول الله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ويقول فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب فإن كان من مشركي العرب لم يقبل شيء منهم إلا الإسلام فإن لم يسلموا فالقتل وأما من سواهم فإنهم إذا أسروا فالمسلمون فيهم بالخيار إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استحيوهم وإن شاءوا فادوهم إذا لم يتحملوا عن دينهم فإن أظهروا الإسلام لم يفادوا ونهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قتل الصغير والمرأة والشيخ الفاني وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى ابن مريم إماما مهديا وحكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير وتوضع الجزية وتضع الحرب أوزارها وأخرج ابن سعد وأحمد والنسائي والبغوي والطبراني وابن مردويه عن سلمة بن نفيل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من حديث قال لا تضع الحرب أوزارها حتى يخرج يأجوج ومأجوج وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس ( وللكافرين أمثالها ) قال لكفار قومك يا محمد مثل ما دمرت به القرى فأهلكوا بالسيف


"""""" صفحة رقم 34 """"""
سورة محمد ( 13 19
محمد : ( 13 ) وكأين من قرية . . . . .
خوف سبحانه الكفار بأنه قد أهلك من هو أشد منهم فقال ( وكأين من قرية هي اشد قوة من أهل قريتك التي أخرجتك أهلكناهم ) قد قدمن أن كأين مركبة من الكاف وأي وأنها بمهنى كم الخبرية أي وكم من قرية وأنشد الأخفش قول الوليد وكأين رأينا من ملوك وسوقه
ومفتاح قيد للأسير المكبل
ومعنى الآية وكم من أهل قرية هم أشد قوة ؤمن قريبتك قريتك التي أخرجوك منها أهلكناهم ( فلا ناصر لهم ) فبالأولى من هو أضعف منهم وهم قريش الذين هم أهل قرية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهي مكة فالكلام على حذف المضاف كما في قوله وأسأل القرية قال مقاتل أي أهلكناهم بالعذاب حين كذبوا رسولهم
محمد : ( 14 ) أفمن كان على . . . . .
ثم ذكر سبحانه الفرق بين حال المؤمن والحال الكافر فقال ) أفمن كان على بينة من ربه ( والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر كنظائره ومن مبتدأ والخبر ( كمن زين له سوء عمله ) وأفرد في هذا باعتبار لفظ من وجمع في قوله ( واتبعوا أهواءهم ) باعتبار معناها والمعنى أنه لا يستوى من كان على يقين من ربه ولا يكون كمن زين له سوء عمله وهو عبادة الأوثان والإشراك بالله والعمل بمعاصي الله واتبعوا أهواءهم في عبادتها وانهمكوا في أنواع الضلالات بلا شبهة توجب الشك فضلا عن حجة نيرة
محمد : ( 15 ) مثل الجنة التي . . . . .
ثم لما بين سبحانه الفرق بين الفريقين في الأهتداء الضلال بين الفرق في مرجعهما ومآ لهما فقال ( مثل الجنة التي وعد المتقون ) والجملة مستأنفة لشرح محاسن الجنة وبيان ما فيها ومعنى مثل الجنة وصفها العجيب الشأن وهو مبتدأ وخبره محذوف قال النضر بن شميل تقديره ما يسمعون وقدره سيبويه فيما يتلى عليكم مثل الجنة قال والمثل هو الوصف ومعناه وصف الجنة وجملة ( فيها إنهار من ماء غير آسن ) الخ مفسرة للمثل وقيل إن مثل زائدة وقيل إن مثل الجنة مبتدأ والخبر فيها إنهار وقيل خبره كمن هو خالد والآسن المتغير يقال أسن الماء يأسن أسونا إذا تغيرت رائحته ومثله الآجن ومنه قول زهير قد أترك القرن مصفرا أنامله
يميد في الرمح ميد المالح الأسن
وقرأ الجمهور آسن بالمد وقرأ حميد وابن كثير بالقصر وهما لغتان كحاذر وحذر وقال الأخفش إن الممدود يراد به الاستقبال والمقصود يراد به الحال ( وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ) أي لم يحمض كما تغير ألبان الدنيا لأنها لم تخرج من ضروع الإبل والغنم والبقر ( وإنهار من خمر لذة للشاربين ) أي لذيذة لهم طيبة الشرب لا يتكرهها الشاربون يقال شراب لذ ولذيذ وفيه لذه بمعنى ومثل هذه الآية قوله بيضاء لذة للشاربين قرأ الجمهور لذة بالجر صفة لخمر وقرئ بالنصب على إنه مصدر أو مفعول له وقرئ بالرفع صفة لأنهار ( وأنهار من عسل مصفى ) أي مصفى مما يخالطه من الشمع والقذى والعكر والكدر ( ولهم فيها من كل الثمرات ) أي لأهل الجنة في الجنة مع ما ذكر من الأشربة من كل الثمرات أي من كل صنف من أصنافها و ( من ) زائدة للتوكيد ( ومغفرة من ربهم ) لذنوبهم وتنكير مغفرة للتعظيم أي ولهم مغفرة عظيمة كائنة من ربهم ( كمن هو خالد في النار ) هو خبر لمبتدأ محذوف والتقدير أم من هو في نعيم الجنة على هذه الصفة خالدا فيها كمن هو خالد في النار أو خبر لقوله مثل الجنة كما تقدم ورجح الأول الفراء فقال أراد أمن كان في هذا النعيم كم هو خالد في النار وقال الزجاج أي أفمن كان على بينة من ربه وأعطى هذه الأشياء كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار فقوله كمن بدل من قوله أفمن زين له سوء عمله وقال ابن كيسان ليس مثل الجنة التي فيها الثمار والأنهار كمثل النار التي فيها الحميم والزقوم وليس مثل أهل الجنة في النعيم كمثل أهل النار في العذاب الأليم


"""""" صفحة رقم 35 """"""
قوله ( وسقوا ماء حميما ) عطف على الصلة عطف جملة فعلية على أسمية لكنه راعى في الأولى لفظ من وفي الثانية معناها والحميم الماء الحار الشديد الغليان فإذا شربوه قطع أمعاءهم وهو معنى قوله ( فقطع أمعاءهم ) لفرط حرارته والأمعاء جمع معى وهي ما في البطون من الحوايا
محمد : ( 16 ) ومنهم من يستمع . . . . .
( ومنهم من يستمع إليك ) أي من هؤلاء الكفار الذين يتمتعون وياكلون كما تأكل الأنعام من يستمع إليك وهم المنافقون أفرد الضمير باعتبار لفظ من وجمع في قوله ( حتى إذا خرجوا من عندك ) باعتبار معناها والمعنى أن المنافقين كانوا يحضرون مواقف وعظ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومواطن خطبة التي يمليها على المسلمين حتى إذا خرجوا من عنده ( قالوا للذين أوتوا العلم ) وهم علماء الصحابة وقيل عبد الله بن عباس وقيل عبد الله بن مسعود وقيل أبو الدرداء والأول أولى أي سألوا أهل العلم فقالوا لهم ( ماذا قال آنفا ) أي ماذا قال النبي الساعة على طريقة الاستهزاء والمعنى أنا لم نلتفت إلى قوله وآنفا يراد به الساعة التي هي أقرب الأوقات ومنه أمر آنف أي مستأنف ورضة أنف أي لم يرعها أحد وانتصابه على الظرفية أي وقتا مؤتنفا أو حال من الضمير في قال قال الزجاج هو من استأنفت الشيء إذا ابتدأته وأصله ماخوذ من انف الشئ لما تقدم منه مستعار من الجارحة ومنه قول الشاعر ويحرم سر جارتهم عليهم
وياكل جارهم أنف القصاع
والإشارة بقوله 0 أولئك ) إلى المذكورين من المنافقين ( الذين طبع الله على قلوبهم ) فلم يؤمنوا ولا توجهت قلوبهم إلى شئ من الخبر ( واتبعوا أهواءهم ) في الكفر والعناد
محمد : ( 17 ) والذين اهتدوا زادهم . . . . .
ثم ذكر حال أضدادهم فقال ( والذين أهتدوا زادهم هدى ) أي والذين اهتدوا إلى طريق الخير فآمنوا بالله وعملوا بما أمرهم به زادهم هدى بالتوفيق وقيل زادهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل زادهم القرآن وقال الفراء زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدى وقيل زادهم نزول الناسخ هدى وعلى كل تقدير فالمراد أنه زادهم إيمانا وعلما وبصيرة في الدين ( وآتاهم تقواهم ) أي ألهمهم إياها وأعانهم عليها والتقوى قال الربيع هي الخشية وقال السدى هي ثواب الآخرة وقال مقاتل هي التوفيق للعمل الذي يرضاه وقيل العمل بالناسخ وترك المنسوخ وقيل ترك الرخص والأخذ بالعزائم
محمد : ( 18 ) فهل ينظرون إلا . . . . .
( فهل ينظرون إلا الساعة ) أي القيامة ( أن تأتيهم بغتة ) أي فجأة وفي هذا وعيد للكفار شديد وقوله ( ان تأتيهم بغتة ) بدل من الساعة بدل اشتمال وقرا أبو جعفر الرواسي إن تأتيهم بان الشرطية ( فقد جاء أشراطها ) أي أماراتها وعلاماتها وكانوا قد قرؤوا في كتبهم أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) آخر الأنبياء فبعثته من أشراطها قاله الحسن والضحاك والاشراط جمع شرط بسكون الراء وفتحها وقيل المراد بأشراطها هنا أسبابها التي هي دون معظمها وقيل أراد بعلامات الساعة انشقاق القمر والدخان كذا قال الحسن وقال الكلبي كثرة المال والتجارة وشهادة الزور وقطع الأرحام وقلة الكرام وكثرة اللئام ومنه قوله وخبره أبي زيد الأسود فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا
فقد جعلت أشراط أوله تبدو
( فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ) ذكراهم مبتدا فأنى لهم أي أنى لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة كقوله يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى وإذا جاءتهم اعتراض بين الميتدأ والخبر
محمد : ( 19 ) فاعلم أنه لا . . . . .
(فأعلم أنه لا إله إلا الله ) أي إذا علمت أن مدار الخير هو التوحيد والطاعة ومدار الشر هو الشرك والعمل بمعاصي الله فأعلم أنه لا إله غيره ولا رب سواه والمعنى اثبت على ذلك واستمر عليه لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) قد كان عالما بأنه لا إله إلا الله قبل هذا وقيل ما علمته استدلالا فاعلمه خبرا يقينا وقيل المعنى فاذكر أنه لا إله إلا الله فعبر عن الذكر


"""""" صفحة رقم 36 """"""
بالعلم ( واستغعر لذنبك ) أي استغفر الله أن يقع منك ذنب أو استغفر الله ليعصمك أو استغفره مما ربما يصدر منك من ترك الأولى وقيل الخطاب له والمراد الأمة ويأتى هذا قوله ( وللمؤمنين والمؤمنات ) فإن المراد به استغفاره لذنوب أمته بالدعاء لهم بالمغفرة عما فرط من ذنوبهم ( والله يعلم متقلبكم ) في أعمالكم ( ومثواكم ) في الدار الآخرة وقيل متقلبكم في أعمالكم نهارا ومثواكم في ليلكم نياما وقيل متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ومثواكم في الأرض أي مقامكم فيها قال ابن كيسان متقلبكم من ظهر إلى بطن في الدنيا ومثواكم في القبور
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عليه وآله وسلم لما خرج من مكه إلى الغار التفت إلى مكة وقال أنت أحب بلاد الله إلى ولولا أن أهلك أخرجوني منك لما أخرج فأعتنى الأعداء من عتا على الله في حرمه أو قتل غير قاتله أو قتل بدخول الجاهلية فأنزل الله ( وكأين من قرية ) الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ( أنهار من ماء غير آسن ) قال غير متغير وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في البعث عن معاوية بن حيدة سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول في الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار منها وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده والبيهقي عن كعب قال لنه النيل نهر العسل في الجنة ونهر دجلة نهر اللبن في الجنة ونهر الفرات نهر الخمر في الجنة ونهر سيحان نهر الماء في الجنة وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله ( حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا ) قال كنت فيمن يسأل وأخرج عبد بن حميد من وجه آخر عنه في الآية قال أنا منهم وفي هذا منقبة لابن عباس جليلة لأنه كان إذ ذاك صبيا غير بالغ فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مات وهو في سن البلوغ فسؤال الناس له عن معاني القرآن في حياة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ووصف الله سبحانه للمسئولين بأنهم الذين أوتوا العلم وهو منهم من أعظم الأدلة على سعة علمه ومزيد فقهه في كتاب الله وسنة رسوله مع كون أترابه وأهل سنه إذ ذاك يلعبون مع الصبيان وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال كانوا يدخلون على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا خرجوا من عنده قالو لابن عباس ماذا قال آنفا فيقول كذا وكذا وكان ابن عباس أصغر القوم فأنزل الله الآية فكان ابن عباس من الذين أوتوا العلم وأخرج ابن أبي شيبة وابن عساكر عن ابن بريدة في الآية قال هو عبد الله بن مسعود وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال هو عبد الله بن مسعود وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) قال لما أنزل القرآن آمنوا به فكان هدى فلما تبين الناسخ من المنسوخ زادهم هدى وأخرج ابن المنذر عنه ( فقد جاء أشراطها ) قال أول الساعات وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالوسطى والسبابه ومثله عند البخاري من حديث سهل بن سعد وفي الباب أحاديث كثيرة فيها بيان أشراط الساعة وبيان ما قد وقع منها ولك يكن قد وقع وهي تأتي في مصنف مستقل فلا نطيل بذكرها وأخرج الطبراني وابن مردويه والديلمي عن عبد الله بن عمرو عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الاستغفار ثم قرأ ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وصححه ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي


"""""" صفحة رقم 37 """"""
في الشعب عن أبي هريرة في قوله ( واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ) قال رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الله بن سرجس قال أتيت النبي صلى الله عليه وأله وسلم فأكلت معه من طعام فقلت غفر الله لك يا رسول الله قال ولك فقيل أتستغفر لك يا رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم قال نعم ولكم وقرأ ( واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ) وقد ورد أحاديث في استغفاره صلى الله عليه وأله وسلم لنفسه ولأمته وترغيبه في الأستغفار وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ( والله يعلم متقلبكم في الدنيا ( ومثواكم ) في الآخرة
سورة محمد ( 20 31
محمد : ( 20 ) ويقول الذين آمنوا . . . . .
سأل المؤمنون ربهم عز وجل أن ينزل على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) سورة يأمرهم فيها بقتال الكفار حرصا منهم على الاجتهاد ونيل ما أعد الله للمجاهدين من جزيل الثواب فحكى الله عنهم ذلك بقوله ( ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة ) أي هلا نزلت ( فإذا أنزلت سورة محكمة ) أي غير منسوخة ( وذكر فيها القتال ) أي فرض الجهاد قال قتادة كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين وفي قراءة بن مسعود فإذا أنزلت سورة محدثة أي محدثة النزول قرأالجمهور فإذا أنزلت وذكر على بناء الفعلين للمفعول وقرأ زيد على وابن عمير للمفعول وقرأ زيد وعلى وابن عمير ( نزلت ) وذكر على بناء الفعلين للفاعل ونصب القتال رأيت الذين


"""""" صفحة رقم 38 """"""
في قلوبهم مرض ) أي شك وهم المنافقون ( ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت ) أي ينظرون إليك من شخص بصره عند الموت لجبنهم عن القتال وميلهم إلى الكفار قال ابن قتيبة والزجاج يريد أنهم يشخصون نحوك بأبصارهم وينظرون إليك نظرا شديدا كما ينظر الشاخص بصره عند الموت ( فأولى لهم ) قال الجوهري وقولهم أولى لك تهديد ووعيد وكذا قال مقاتل والكلبي وقتادة قال الاصمعي معنى قولهم في التهديد أولى لك أي وليك وقاربك ما تكره وانشد قول الشاعر فعادى بين هاذيتين منها
وأولى أن يزيد على الثلاث
أي قارب أن يزيد قال ثعلب ولم يقل في أولى أحسن مما قاله الأصمعى وقال المبرد يقال لمن هم بالغضب ثم أفلت أولى لك أي قاربت الغضب وقال الجرجاني هو مأخوذ من الويل أي فويل لهم وكذا قال في الكشاف قال قتادة أيضا كانه قال العقاب اولى لهم
محمد : ( 21 ) طاعة وقول معروف . . . . .
وقوله ( طاعة وقول معروف ) كلام مستأنف أي أمرهم طاعة أو طاعة وقول معروف خير لكم قال الخليل وسيبويه أن التقدير طاعة وقول معروف أحسن وأمثل لكم من غيرهما وقيل إن طاعة خبر أولى وقيل أن طاعة صفة لسورة وقيل إن لهم خبر مقدم وطاعة مبتدأ مؤخر والأول أولى ( فإذا عزم الأمر ) عزم الأمر جد الأمر أي جد القتال ووجب وفرض وأسند العزم إلى الأمر وهو لأصحابه مجازا وجواب إذا قيل هو فلو صدقوا الله وقيل محذوف تقديره كرهوه قال المفسرون معناه إذا جد الأمر ولزم فرض القتال خالفوا وتخلفوا فلو صدقوا الله في إظهار الإيمان والطاعة ( لكان خيرا لهم ) من المعصية والمخالفة
محمد : ( 22 ) فهل عسيتم إن . . . . .
( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) هذا خطاب للذين في قلوبهم مرض بطريق الالتفات لمزيد التوبيخ والتقريع قال الكلبي أي فهل عسيتم إن توليتم أمر الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم وقال كعب ( إن تفسدوا في الأرض ) أي بقتل بعضكم بعضا وقال قتادة إن توليتم عن طاعة كتاب الله عز وجل أن تفسدوا في الأرض بسفك الدماء وتقطعوا أرحامكم وقال ابن جريج إن توليتم عن الطاعة وقيل أعرضتم عن القتال وفارقتم أحكامه قرأ الجمهور توليتم مبنيا للفاعل وقرأ على بن أبي طالب بضم التاء والواو وكسر اللام مبنيا للمفعول وبها قرأ ابن أبي إسحاق وورش عن يعقوب ومعناها فهل عسيتم أن ولى عليكم ولاة جائرين أن تخرجوا عليهم في الفتنة وتحاربوهم وتقطعوا أرحامكم بالبغي والظلم والقتل وقرأ الجمهور ( وتقطعوا ) بالتشديد على التكثير وقرأ أبو عمرو في رواية عنه وسلام وعيسى ويعقوب بالتخفيف من القطع يقال عسيت أن إفعل كذا وعسيت بالفتح والكسر لغتان ذكره الجوهري وغيره وخبر عسيتم هو أن تفسدوا والجملة الشرطية بينهما اعتراض
محمد : ( 23 ) أولئك الذين لعنهم . . . . .
والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى المخاطبين بما تقدم وهو مبتدأ وخبره ( الذين لعنهم الله ) أي أبعدهم من رحمته وطردهم عنها ( فأصمهم ) عن استماع الحق ( وأعمى أبصارهم ) عن مشاهدة ما يستدلون به على التوحيد والبعث وحقية سائر ما دعاهم إليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
محمد : ( 24 ) أفلا يتدبرون القرآن . . . . .
والاستفهام في قوله ( أفلا يتدبرون القرآن ) للإنكار والمعنى أفلا يتفهمونه فيعلمون بما اشتمل عليه من المواعظ الزاجرة والحجج الظاهرة االبراهين لقاطعة التي تكفي من له فهم وعقل وتزجره عن الكفر بالله والإشراك به والعمل بمعاصيه أم على قلوب أقفالها أم هي المنقطعة أى بل أعلى قلوب أقفالها فهم لايفهمون ولا يعقلون قال المقاتل يعني الطبع على القلوب والأقفال استعارة لانغلاق القلب عن معرفة الحق وإضافة الأقفال إلى القلوب للتنبيه على إن المراد بها ما هو للقلوب بمنزلة الأقفال للأبواب ومعنى الاية أنه لا يدخل في قلوبهم الإيمان ولا يخرج منها الكفر والشرك لأن الله سبحانه قد طبع عليها والمراد بهذه القلوب قلوب هؤلاء المخاطبين قرأ الجمهور أقفالها بالجمع وقرئ إقفالها بكسر الهمزة على إنه مصدر كالأقبال
محمد : ( 25 ) إن الذين ارتدوا . . . . .
( إن الذين ارتدوا


"""""" صفحة رقم 39 """"""
على أدبارهم ) أي رجعوا كفارا كما كانوا قال قتادة هم كفار أهل الكتاب كفروا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد ما عرفوا نعته عندهم وبه قال ابن جرير وقال الضحاك والسدى هم المنافقون قعدوا عن القتال وهذا أولى لأن السياق في المنافقين ( من بعد ما تبين لهم الهدى ) بما جاءهم به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من المعجزات الظاهرة والدلائل الواضحة ( الشيطان سول لهم ) أي زين لهم خطاياهم وسهل لهم الوقوع فيها وهذه الجملة خبر إن ومعنى ( وأملى لهم ) أن الشيطان مد لهم في الأمل ووعدهم طول العمر وقيل إن الذي أملى لهم هو الله عز وجل على معنى أنه لم يعاجلهم بالعقوبة قرأ الجمهور ( أملى ) مبنيا للفاعل وقرأ أبو عمرو وأبن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وأبو جعفر وشيبة على البناء للمفعول قيل وعلى هذه القراءة يكون الفاعل هو الله أو الشيطان كالقراءة الأولى وقد اختار القول بأن الفاعل الله الفراء والمفضل والأولى اختيار أنه الشيطان لتقدم ذكره قريبا والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما تقدم من ارتدادهم وهو مبتدأ وخبره
محمد : ( 26 ) ذلك بأنهم قالوا . . . . .
( بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله ) أي بسبب أن هؤلاء المنافقين الذين ارتدوا على أدبارهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله وهم المشركون ( سنطيعكم في بعض الأمر ) وهذا البعض هو عداوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومخالفة ما جاء به وقيل المعنى إن المنافقين قالوا لليهود سنطيعكم في بعض الأمر وقيل ان القائلين اليهود الذين كرهوا ما أنزل الله المنافقون وقيل أن الأشارة بقوله ذلك إلى الإملاء وقيل إلى التسويل والأول أولى ويؤيد كون القائلين المنافقين والكارهين اليهود قوله تعالى ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم ولما كان قولهم المذكور للذين كرهوا ما أنزل الله بطريقة السر بينهم قال الله سبحانه ( والله يعلم أسرارهم ) قرأ الجمهور بفتح الهمزة جمع سر واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم وقرأ الكوفيون وحمزة والكسائى وحفص عن عاصم وابن وثاب والأعمش بكسر الهمزة على المصدر إي إخفاءهم
محمد : ( 27 ) فكيف إذا توفتهم . . . . .
( فكيف إذا توفتهم الملائكة ) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها وكيف في محل رفع على إنها خبر مقدم والتقدير فكيف علمه بأسرارهم إذا توفتهم الملائكة أو في محل نصب بفعل محذوف أي فكيف يصنعون أو خبر لكان مقدره أي فكيف يكونون والظرف معمول للمقدر قرأ الجمهور توفتهم وقرأ الأعمش توفاهم وجملة ( يضربون وجوههم وأدبارهم ) في محل نصب على الحال من فاعل توفتهم أو من مفعوله أي ضاربين وجوههم وضاربين أدبارهم وفي الكلام تخويف وتشديد والمعنى أنه إذا تاخر عنهم العذاب فسيكون حالهم هذا وهو تصوير لتوفيهم على أقبح حال وأشنعه وقيل ذلك عند القتال نصره من الملائكة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل ذلك يوم القيامة والأول أولى
محمد : ( 28 ) ذلك بأنهم اتبعوا . . . . .
والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى لتوفى المذكور على الصفة المذكورة وهو مبتدأ وخبره ( بأنهم اتبعوا ما أسخط الله ) أي بسبب اتباعهم ما يسخط الله من الكفر والمعاصي وقيل كتمانهم ما في التوراة من نعت نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) والأول أولى لما في الصيغة من العموم ( و كرهوا رضوانه ) أي كرهوا ما يرضاه الله من الإيمان والتوحيد والطاعة ( فأحبط ) الله ( أعمالهم ) بهذا السبب والمراد بأعمالهم الأعمال التي صورتها صورة الطاعة وإلا فلا عمل لكافر أو ما كانوا قد عملوا من الخير قبل الردة
محمد : ( 29 ) أم حسب الذين . . . . .
( أم حسب الذين في قلوبهم مرض ) يعني المنافقين المذكورين سابقا وأم هي المنقطعة أي بل أحسب المنافقون ( أن لن يخرج الله أضغانهم ) الإخراج بمعنى الإظهار والأضغان جمع ضغن وهو ما يضمر من المكروه واختلف في معناه فقيل هو الغش وقيل الحسد وقيل الحقد قال الجوهرى الضغن والضغينة الحقد وقال قطرب هو في الآية العداوة وأن هي المنخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر
محمد : ( 30 ) ولو نشاء لأريناكهم . . . . .
( ولو نشاء لأريناكهم ) أي لأعلمناكم وعرفناكهم بأعيانهم معرفة تقوم مقام الرؤية تقول العرب سأريك ما أصنع أي سأعلمك


"""""" صفحة رقم 40 """"""
( فلعرفتهم بسيماهم ) أي بعلامتهم الخاصة بهم التي يتميزون بها قال الزجاج المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة وهي السيما فلعرفتهم بتلك العلامة والفاء لترتيب المعرفة على الإراءة وما بعدها معطوف على جواب لو وكررت في المعطوف للتأكيد وأما اللام في قوله ( ولتعرفنهم في لحن القول ) فهي جواب قسم محذوف قال المفسرون لحن القول فحواه ومقصده ومغزاه وما يعرضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين وكان بعد هذا لا يتكلم منافق عنده إلا عرفه قال أبو زيد لحنت له اللحن إذا قلت له قولا يفقهه عنك ويخفي على غيره ومنه قول الشاعر منطق صائب وتلحن أحيانا
وخير الكلام ما كان لحنا
أي أحسنه ما كان تعريضا يفهمه المخاطب ولا يفهمه غيره لفطنته وذكائه وأصل اللحن إمالة الكلام إلى نحو من الإنحاء لغرض من الأغراض ( والله يعلم أعمالكم ) لا تخفي عليه منها خافية فيجازيكم بها وفيه وعيد شديد
محمد : ( 31 ) ولنبلونكم حتى نعلم . . . . .
( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) أي لنعاملنكم معاملة المختبر وذلك بأن نأمركم بالجهاد حتى نعلم من امتثل الأمر بالجهاد وصبر على دينه ومشاق ما كلف به قرأ الجمهور الأفعال الثلاثة بالنون وقرأ أبو بكر عن عاصم بالتحتية فيها كلها ومعنى ( ونبلوا أخباركم ) نظهرها ونكشفها امتحانا لكم ليظهر للناس من أطاع ما أمره الله به ومن عصى ومن لم يمتثل وقرأ الجمهور ونبلو بنصب الواو عطفا على قوله حتى نعلم وروى ورش عن يعقوب إسكانها على القطع عما قبله وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم بحقو الرحمن فقال مه قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم أترضى أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذلك لك ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اقرءوا إن شئتم ( فهل عسيتم ) الآية إلى قوله ( أم على قلوب أقفالها ) والأحاديث في صلة الرحم كثيرة جدا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ( إن الذين ارتدوا على أدبارهم ) قال هم أهل النفاق وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ) قال أعمالهم خبثهم والحسد الذي في قلوبهم ثم دل الله تعالى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد على المنافقين فكان يدعو باسم الرجل من أهل النفاق وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري في قوله 0 ولتعرفنهم في لحن القول ) قال ببغضهم علي بن أبي طالب


"""""" صفحة رقم 41 """"""
سورة محمد ( 32 38
محمد : ( 32 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله ( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ) المراد بهؤلاء هم المنافقون وقيل أهل الكتاب وقيل هم المطعمون يوم بدر من المشركين ومعنى صدهم عن سبيل الله منعهم للناس عن الإسلام وإتباع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ( و ) معنى ( شاقوا الرسول ) عادوه وخالفوه ( من بعد ما تبين لهم الهدى ) أي علموا أنه ( صلى الله عليه وسلم ) نبي من عند الله بما شاهدوا من المعجزات الواضحة والحجج القاطعة ( لن يضروا الله شيئا ) بتركهم الإيمان وإصرارهم على الكفر وما ضروا إلا أنفسهم ( وسيحبط أعمالهم ) أي يبطلها والمراد بهذه الأعمال ما صورته صورة أعمال الخير كإطعام الطعام وصلة الأرحام وسائر ما كانوا يفعلونه من الخير وإن كانت باطلة من الأصل لأن الكفر مانع وقيل المراد بالأعمال المكائد التي نصبوها لإبطال دين الله والغوائل التي كانوا يبغونها برسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
محمد : ( 33 ) يا أيها الذين . . . . .
ثم أمر سبحانه عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسول فقال ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا وأطيعوا الله الرسول ) فيما أمرتم به من الشرائع المذكورة في كتاب الله وسنة ورسوله ثم نهاهم عن أن يبطلوا اعمالكم كما أبطلت الكفار أعمالها بالإصرار على الكفر فقال ( ولا تبطلوا أعمالكم ) قال الحسن أي لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي وقال الزهري بالكبائر وقال الكلبي وابن جريج بالرياء والسمعة وقال مقاتل بالمن والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلان الأعمال كائنا ما كان من غير تخصيص بنوع معين
محمد : ( 34 ) إن الذين كفروا . . . . .
ثم بين سبحانه أنه لا يغفر للمصرين على الكفر والصد عن سبيل الله فقال ( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ) فقيد سبحانه عدم المغفرة بالموت على الكفر لأن باب التوبة وطريق المغفرة لا يغلقان على من كان حيا وظاهر الآية العموم وإن كان السبب خاصا
محمد : ( 35 ) فلا تهنوا وتدعوا . . . . .
ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوهن والضعف فقال ( فلا تهنوا ) أي تضعفوا عن القتال والوهن الضعف ( وتدعوا إلى السلم ) أن أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداء منكم فإن ذلك لا يكون إلا عند الضغف قال الزجاج منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا وقرأ أبو عبد الرحمن السلمى ( وتدعوا ) بتشديد الدال من ادعى القوم وتداعوا قال قتادة معنى الآية لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها واختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة فقيل إنها محكمة وإنها ناسخة لقوله وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وقيل منسوخه بهذه الآية ولا يخفاك أنه لا مقتضى للقول بالنسخ فإن الله سبحانه نهى المسلمين في هذه الآية عن أن يدعوا إلى السلم ابتداء ولم ينه عن قبول السلم إذا جنح إليه المشركون فالآيتان محكمتان ولم يتواردا على محل واحد حتى يحتاج إلى دعوى النسخ أو التخصيص وجملة ( وأنتم الأعلون ) في محل نصب على الحال أو مستأنفه مقررة لما قبلها من النهى أي وأنتم الغالبون بالسيف والحجة قال الكلبي أي آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات وكذا جملة قوله ( والله معكم ) في محل نصب على الحال أي معكم بالنصر


"""""" صفحة رقم 42 """"""
والمعونة عليهم ( ولن يتركم أعمالكم ) أي لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم يقال وتيرة وتيرة وترا إذا نقصه حقه وأصله من وترت الرجل إذا قتلت له قريبا أو نهبت له مالا ويقال فلان مأتور إذا قتل له قتيل ولم يؤخذ بدمه قال الجوهرى أي لن ينقصكم في أعمالكم كما تقول دخلت البيت وأنت تريد في البيت قال الفراء هو مشتق من الوتر وهو الدخل وقيل مشتق من الوتر وهو الفرد فكأن المعنى ولن يفردكم بغير ثواب
محمد : ( 36 ) إنما الحياة الدنيا . . . . .
( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ) أي باطل وغرور لا أصل لشيء منها ولا ثبات له ولا اعتداد به ( وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ) أي أن تؤمنوا بالله وتتقوا الكفر والمعاصي يؤتكم جزاء ذلك في الاخرة والأجر الثواب على الطاعة ( ولا يسألكم أموالكم ) أي لا يأمركم بأخراجها جميعها في الزكاة وسائر وجوه الطاعات بل أمركم بأخراج القليل منها وهو الزكاة وقيل المعنى لا يسألكم أموالكم إنما يسألكم أمواله لأنه أملك لها وهو المنعم عليكم بإعطائها وقيل لا يسألكم أموالكم أجرا على تبليغ الرسالة كما في قوله ما أسألكم عليه من أجر والأول أولى
محمد : ( 37 ) إن يسألكموها فيحفكم . . . . .
( إن يسألكموها ) أي أموالكم كلها ( فيحفكم ) قال المفسرون يجهدكم ويلحف عليكم بمسألة جميعها يقال أحفى بالمسألة وألحف وألح بمعنى واحد والمعنى المستقصى في السؤال والإحفاء الاستقصاء في الكلام ومنه إحفاء الشارب أي استئصاله وجواب الشرط قوله ( تبخلوا ) أي إن يأمركم بإخراج جميع أموالكم تبخلوا بها وتمتنعوا من الامتثال ( ويخرج أضغانكم ) معطوف على جواب الشرط ولهذا قرأ الجمهور يخرج بالجزم وروى عن أبي عمرو أنه قرأ بالرفع على الاستئناف وروى عنه أنه قرأ بفتح الياء وضم الراء ورفع أضغانكم وروى عن يعقوب الحضرمي أنه قرا بالنون وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن محيصن وحميد بالفوقية المفتوحة مع ضم الراء وعلى قراءة الجمهور فالفاعل ضمير يعود إلى الله سبحانه أو إلى البخل المدلول عليه بتبخلوا والأضغان الأحقاد والمعنى أنها تظهر عند ذلك قال قتادة قد علم الله أن في سؤال المال خروج
محمد : ( 38 ) ها أنتم هؤلاء . . . . .
( ها أنتم هؤلاء تعون لتنفقوا في سبيل الله ) أي ها أنتم هؤلاء أيها المؤمنون تدعون لتنفقوا في الجهاد وفي طريق الخير ( فمنكم من يبخل ) بما يطلب منه ويدعى إليه من الإنفاق في سبيل الله وإذا كان منكم من يبخل باليسير من المال فكيف لا تبخلون بالكثير وهو جميع الأموال ثم بين سبحانه أن ضرر البخل عائد على النفس فقال ( ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ) أي يمنعها الأجر والثواب ببخله وبخل يتعدى بعلى تارة وبعن أخرى وقيل إن أصله أن يتعدى بعلى ولا يتعدى بعن إلا إذا ضمن معنى الأمساك ( والله الغنى ) المطلق المتنزه عن الحاجة إلى أموالكم ( وأنتم الفقراء ) إلى الله وإلى ما عنده من الخير والرحمة وجملة ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) معطوفة على الشرطية المتقدمة وهي وإن تؤمنوا والمعنى وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى يستبدل قوما آخرين يكونون مكانكم هم أطوع لله منكم ( ثم لا يكونوا أمثالكم ) في التولى عن الإيمان والتقوى قال عكرمة هم فارس والروم وقال الحسن هم العجم وقال شريح ابن عبيد هم أهل اليمن وقيل الأنصار وقيل الملائكة وقيل التابعون وقال مجاهد هم من شاء الله من سائر الناس قال ابن جرير والمعنى ( ثم لا يكونوا أمثالكم ) في البخل بالإنفاق في سبيل الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال كان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ) فخافوا أن يبطل الذنب العمل ولفظ عبد بن حميد فخافوا الكبائر أن تحبط أعمالهم وأخرج ابن نصر وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال كنا معشر أصحاب النبي


"""""" صفحة رقم 43 """"""
( صلى الله عليه وسلم ) نرى أنه ليس شئ من الحسنات إلا مقبول حتى نزلت ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ) فلما نزلت هذه الآية قلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا فقلنا الكبائر الموجبات والفواحش فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا منها قلنا قد هلك حتى نزلت هذه الآية إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك وكنا إذا رأينا أحد أصاب منها شيئا خفنا عليه وإن لم يصب منها شيئا رجوناه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ( يتركم ) قال يظلمكم وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه قال لما نزلت ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) قالوا من هؤلاء وسلمان إلى جانب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال هم الفرس هذا وقومه وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وقد تفرد به وفيه مقال معروف وأخرجه عنه عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) فقالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين أن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا فضرب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على منكب سلمان ثم قال هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس وفي إسناده أيضا مسلم بن خالد الزنجي وأخرج ابن مردويه من حديث جابر نحوه
ع48
تفسير
سورة الفتح
هي تسع وعشرون آية وهي مدنية
حول السورة
قال القرطبي بالإجماع وقد أخرج ابن الضريس والنحاس بن مردوة والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة الفتح بالمدينة وأخرج بن مردويه عن الزبير مثله وأخرج بن إسحاق والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن المسور بن مخرمة ومروان قالا نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبيه من أولها إلى آخرها وهذا لا ينافي الإجماع على كونها مدنية لأن المراد بالسور المدنية النازلة بعد الهجرة من مكة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مغفل قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عام الفتح في مسيرة سورة الفتح على راحلته فرجع فيها وفي الصحيحين عن زيد بن اسلم عن أبيه أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر عن شئ فلم يجبه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه فقال عمر بن الخطاب هلكت أم عمر نزرت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك فقال عمر فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي فقلت لقد خشيت أن يكون قد نزل في قرآن فجئت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسلمت عليه فقال لقد أنزلت على سورة لهى أحب إلى مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) وفي صحيح مسلم عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال لما نزلت ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) الآية إلى قوله ( فوزا عظيما ) مرجعه من الحديبية وهم مخالطهم الحزن والكآبة وقد نحروا الهدى بالحديبية فقال لقد أنزلت على آية هي أحب إلى من الدنيا جميعها )


"""""" صفحة رقم 44 """"""
سورة الفتح ( 1 7
الفتح : ( 1 ) إنا فتحنا لك . . . . .
قوله ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) اختلف في تعيين هذا الفتح فقال الأكثر هو صلح الحديبية والصلح قد يسمى فتحا قال الغراء والفتح قد يكون صلحا ومعنى الفتح في اللغة فتح المنغلق والصلح الذي كان مع المشركين بالحديبية كان مسدودا متعذرا حتى فتحه الله قال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام قال الشعبي لقد أصاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الحديبية ما لم يصب في غزوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبويع بيعة الرضوان وأطعموا نخل خيبر وبلغ الهدى محله وظهرت الروم على فارس ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس وقال قوم إنه فتح مكة وقال آخرون إنه فتح خيبر والأول أرجح ويؤيده ما ذكرناه قبل هذا من أن السورة أنزلت في شأن الحديبية وقيل هو جميع ما فتح الله لرسوله من الفتوح وقيل هو ما فتح له من النبوة والدعوة إلى الإسلام وقيل فتح الروم وقيل المراد بالفتح في هذه الآية الحكم والقضاء كما في قوله افتح بيننا وبين قومنا بالحق فكأنه قال إنا قضينا لك قضاء مبينا أي ظاهرا واضحا مكشوفا
الفتح : ( 2 ) ليغفر لك الله . . . . .
( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) اللام متعلقة بفتحنا وهي لام العلة قال ابن الأنباري سألت أبا العباس يعنى المبرد عن اللام في قوله ( ليغفر لك الله ) فقال هي لام كي معناها إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث واقع حسن معنى كي وغلط من قال ليس الفتح سبب المغفرة وقال صاحب الكشاف إن اللام لم تكن علة للمغفرة ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة وهي المغفرة وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز كأنه قيل يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك لنجمع لك بين عز الدارين وأعراض العاجل والآجل وهذا كلام غير جيد فإن اللام داخلة على المغفرة فهي علة للفتح فكيف يصح أن تكون معللة وقال الرازي في توجيه التعليل إن المراد بقوله ( ليغفر لك الله ) التعريف بالمغفرة


"""""" صفحة رقم 45 """"""
تقديره إنا فتحنا لك لتعرف أنك مغفور لك معصوم وقال ابن عطية المراد أن الله فتح لك لكي يجعل الفتح علامة لغفرانه لك فكأنها لام الصيرورة وقال أبو حاتم هي لام القسم وهو خطأ فإن لام القسم لا تكسر ولا ينصب بها واختلف في معنى قوله ( ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) فقيل ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة وما تأخر بعدها قاله مجاهد وسفيان الثوري وابن جرير والواحدى وغيرهم وقال عطاء ما تقدم من ذنبك يعني ذنب أبويك آدم وحواء وما تأخر من ذنوب أمتك وما أبعد هذا عن معنى القرآن وقيل ما تقدم من ذنب أبيك إبراهيم وما تأخر من ذنوب النبيين من بعده وهذا كالذي قبله وقيل ما تقدم من ذنب يوم بدر ما تأخر من ذنب يوم حنين وهذا كالقولين الأولين في البعد وقيل لو كان ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك وقيل غير ذلك مما لاوجه له والأول أولى ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى وسمى ذنبا في حقه لجلالة قدره وإن لم يكن ذنبا في حق غيره ( ويتم نعمته عليك ) بإظهار دينك على الدين كله وقيل بالجنة وقيل بالنبوة والحكمة وقيل بفتح مكة والطائف وخيبر والأولى أن يكون المعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى صراط مستقيم وهو الإسلام ومعنى يهديك يثبتك على الهدى إلى أن يقبضك إليه
الفتح : ( 3 ) وينصرك الله نصرا . . . . .
( وينصرك الله نصرا عزيزا ) أي غالبا منيعا لا يتبعه ذل
الفتح : ( 4 ) هو الذي أنزل . . . . .
( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ) أي السكون والطمأنينة بما يسره لهم من الفتح لئلا تنزعج نفوسهم لما يرد عليهم ( ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) أي ليزدادوا بسبب تلك السكينة إيمانا منضما إلى إيمانهم الحاصل لهم من قبل قال الكلبي كلما نزلت آية من السماء فصدقوا بها ازدادوا تصديقا إلى تصديقهم وقال الربيع بن أنس خشية مع خشيتهم وقال الضحاك يقينا مع يقينهم ( ولله جنود السموات والأرض ) يعنى الملائكة والإنس والجن والشياطين يدبر أمرهم كيف يشاء ويسلط بعضهم على بعض ويحوط بعضهم ببعض ( وكان الله عليما ) كثير العلم بليغه ( حكيما ) في أفعاله وأقواله
الفتح : ( 5 ) ليدخل المؤمنين والمؤمنات . . . . .
( ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار ) هذه اللام متعلقة بمحذوف يدل عليه ما قبله تقديره يبتلى بتلك الجنود من يشاء فيقبل الخير من أهله والشر ممن قضى له به ليدخل ويعذب وقيل متعلقة بقوله ( إنا فتحنا ) كأنه قال إنا فتحنا لك فتحنا ليدخل ويعذب وقيل متعلقة بينصرك أي نصرك الله بالمؤمنين ليدخل ويعذب وقيل متعلقة بيزدادوا أي يزدادوا ليدخل ويعذب والأول أولى ( ويكفر عنهم سيئاتهم ) أي يسترها ولا يظهرها ولا يعذبهم بها وقدم الإدخال على التكفير مع أن الأمر بالعكس للمسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى والمقصد الأسنى ( وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ) أي وكان ذلك الوعد بإدخالهم الجنة وتكفير سيئاتهم عند الله وفي حكمه فوزا عظيما أي ظفرا بكل مطلوب ونجاة من كل غم وجلبا لكل نفع ودفعا لكل ضر وقوله ( عند الله ) متعلق بمحذوف على أنه حال من فوزا لأنه صفة في الأصل فلما قدم صار حالا أي كائنا عند الله والجملة معترضة بين جزاء المؤمنين وجزاء المنافقين والمشركين
الفتح : ( 6 ) ويعذب المنافقين والمنافقات . . . . .
ثم لما فرغ مما وعد به صالحي عباده ذكر ما يستحقه غيرهم فقال ( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ) وهو معطوف على يدخل أي يعذبهم في الدنيا بما يصل إليهم من الهموم والغموم بسبب مايشاهدونه من ظهور كلمة الإسلام وقهر المخالفين له وبما يصابون به من القهر والقتل والأسر وفي الآخرة بعذاب جهنم وفي تقديم المنافقين على المشركين دلالة على أنهم أشد منهم عذابا وأحق منهم بما وعدهم الله به ثم وصف الفريقين فقال ( الظانين بالله ظن السوء ) وهو ظنهم أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يغلب وأن كلمة الكفر تعلو كلمة الإسلام


"""""" صفحة رقم 46 """"""
ومما ظنوه ما حكاه الله عنهم بقوله بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول المؤمنون إلى أهليهم أبدا ( عليهم دائرة السوء ) أي ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين دائر عليهم حائق بهم والمعنى أن العذاب والهلاك الذي يتوقعونه للمؤمنين واقعان عليهم نازلان بهم قال الخليل وسيبويه السوء هنا الفساد قرأ الجمهور السوء بفتح السين وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضمها ( وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ) لما بين سبحانه أن دائرة السوء عليهم في الدنيا بين ما يستحقونه مع ذلك من الغضب واللعنة وعذاب جهنم
الفتح : ( 7 ) ولله جنود السماوات . . . . .
( ولله جنود السموات والأرض ) من الملائكة والإنس والجن والشياطين ( وكان الله عليما حكيما ) كرر هذه الآية لقصد التأكيد وقيل المراد بالجنود هنا جنود العذاب كما يفيده التعبير بالعزة هنا مكان العلم هنالك
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجمع بن حارثة الأنصاري قال شهدنا الحديبية فلما انصرفنا عنها حتى بلغنا كراع الغميم إذ الناس يوجفون الأباعر فقال الناس بعضهم لبعض ما للناس فقالوا أوحى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فخرجنا مع الناس نوجف فإذا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على راحلته عند كراع الغميم فاجتمع الناس عليه فقرأ عليهم ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) فقال رجل إي رسول الله أو فتح هو قال إي والذي نفس محمد بيده إنه لفتح فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية فقسمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثمانية عشر سهما وكان الجيش ألفا وخمسمائة منهم ثلثمائة فارس فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهما وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال أقبلنا من الحديبية مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي وكان إذا أتاه اشتد عليه فسرى عنه وبه من السرور ما شاء الله فأخبرنا أنه أنزل عليه ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) وأخرج البخاري وغيره عن أنس في قوله ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) قال الحديبية وأخرج البخاري وغيره عن البراء قال تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) قال فتح مكة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي حتى ترم قدماه فقيل له أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا وفي الباب أحاديث وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ) قال السكينة هي الرحمة وفي قوله ( ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) قال إن الله بعث نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بشهادة أن لا إله إلا الله فلما صدق بها المؤمنون زادهم الصلاة فلما صدقوا بها زادهم الصيام فلما صدقوا به زادهم الزكاة فلما صدقوا بها زادهم الحج فلما صدقوا به زادهم الجهاد ثم أكمل لهم دينهم فقال اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا قال ابن عباس فأوثق إيمان أهل السماء وأهل الأرض وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا الله وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ( ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) قال تصديقا مع تصديقهم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال لما أنزل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) مرجعه من الحديبية قال لقد أنزلت على آية هي أحب إلي مما على الأرض ثم قرأها عليهم فقالوا هنيئا مريئا يا رسول الله قد بين الله لك ماذا يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت عليه ( ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار ) حتى بلغ ( فوزا عظيما )


"""""" صفحة رقم 47 """"""
سورة الفتح 8 15
الفتح : ( 8 ) إنا أرسلناك شاهدا . . . . .
قوله ( إنا أرسلناك شاهدا ) أي على أمتك بتبليغ الرسالة إليهم ( ومبشرا ) بالجنة للمطيعين ( ونذيرا ) لأهل المعصية
الفتح : ( 9 ) لتؤمنوا بالله ورسوله . . . . .
( لتؤمنوا بالله ورسوله ) قرأ الجمهور لتؤمنوا بالفوقية وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتحتية فعلى القراءة الأولى الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولأمته وعلى القراءة الثانية المراد المبشرين والمنذرين وانتصاب شاهدا ومبشرا ونذيرا على الحال المقدرة ( وتعزروه وتوقروه وتسبحوه ) الخلاف بين القراء في هذه الثلاثة الأفعال كالخلاف في لتؤمنوا كما سلف ومعنى تعزروه تعظموه وتفخموه قال الحسن والكلبي والتعزير التعظيم والتوقير وقال قتادة تنصروه وتمنعوا منه وقال عكرمة تقاتلون معه بالسيف ومعنى توقروه تعظموه وقال السدى تسودوه قيل والضميران في الفعلين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهنا وقف تام ثم يبتدىء وتسبحوه أي تسبحوا الله عز وجل ( بكرة وأصيلا ) أي غدوة وعشية وقيل الضمائر كلها في الأفعال الثلاثة لله عز وجل فيكون معنى تعزروه وتوقروه تثبتون له التوحيد وتنفون عنه الشركاء وقيل تنصروا دينه وتجاهدوا مع رسوله وفي التسبيح وجهان أحدهما التنزيه له سبحانه من كل قبيح والثاني الصلاة
الفتح : ( 10 ) إن الذين يبايعونك . . . . .
( إن الذين يبايعونك ) يعنى بيعة الرضوان بالحديبية فإنهم بايعوا تحت الشجرة على قتال قريش ( إنما يبايعون الله ) أخبر سبحانه أن هذه البيعة لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) هي بيعة له كما قال ومن يطع الرسول فقد أطاع الله وذلك لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة وجملة ( يد الله فوق أيديهم ) مستأنفة لتقرير ما قبلها على طريق التخييل


"""""" صفحة رقم 48 """"""
في محل نصب على الحال والمعنى أن عقد الميثاق مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كعقده مع الله سبحانه من غير تفاوت وقال الكلبي المعنى إن نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة وقيل يده في الثواب فوق أيديهم في الوفاء وقال بن كيسان قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه أي فمن نقض ما عقد من البيعة فإنما ينقض على نفسه لأن ضرر ذلك راجع إليه لا يجاوزه إلى غيره ومن أوفى بما عاهد عليه الله أي ثبت على الوفاء بما عاهد الله عليه في البيعة لرسوله قرأ الجمهور عليه بكسر الهاء وقرأ حفص والزهري بضمها ( فسيؤتيه أجرا عظيما ) وهو الجنة قرأ الجمهور فسيؤتيه بالتحتية وقرأ نافع وقرأ كثير وابن عامر بالنون واختار القراءة الأولى أبو عبيد وأبو حاتم واختار القراءة الثانية الفراء
الفتح : ( 11 ) سيقول لك المخلفون . . . . .
( سيقول لك المخلفون من الأعراب ) هم الذين خلفهم الله عن صحبة رسوله حين خرج عام الحديبية قال مجاهد وغيره يعنى أعراب غفار ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والدئل وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة وقيل تخلفوا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين سافر إلى مكة عام الفتح بعد أن كان قد استنفرهم ليخرجوا معه والمخلف المتروك ( شغلتنا أموالنا وأهلونا ) أي منعنا عن الخروج معك ما لنا من الأموال والنساء والذراري وليس لنا من يقوم بهم ويخلفنا عليهم ( فاستغفر لنا ) ليغفر الله لنا ما وقع منا من التخلف عنك بهذا السبب ولما كان طلب الاستغفار منهم ليس عن اعتقاد بل على طريقة الاستهزاء وكانت بواطنهم مخالفة لظواهرهم فضحهم الله سبحانه بقوله ) يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ( وهذا هو صنيع المنافقين والجملة مستأنفة لبيان ما تنطوي عليه بواطنهم ويجوز أن تكون بدلا من الجملة الأولى ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجيب عنهم فقال ) قل فمن يملك لكم من الله شيئا ( أي فمن يمنعكم مما أراده الله بكم من خير وشر ثم بين ذلك فقال ) إن أراد بكم ضرا ( أي إنزال ما يضركم من ضياع الأموال وهلاك الأهل قرأ الجمهور ضرا بفتح الضاد وهو مصدر ضررته ضرا وقرأ حمزة والكسائي بضمها وهو اسم ما يضر وقيل هما لغتان ( أو أراد بكم نفعا ) أي نصرا وغنيمة وهذا رد عليهم حين ظنوا أن التخلف عن رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم يدفع عنه الضر ويجلب لهم النفع ثم أضرب سبحانه عن ذلك وقال ( بل كان الله بما تعملون خبيرا ) أي إن تخلفكم ليس لما زعمتم بل كان الله خبيرا بجميع ما تعملونه من الأعمال التي من جملتها تخلفكم وقد علم أن تخلفكم لم يكن لذلك بل للشك والنفاق وما خطر لكم من الظنون الفاسدة الناشئة عن عدم الثقة بالله
الفتح : ( 12 ) بل ظننتم أن . . . . .
ولهذا قال ) بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ( وهذه الجملة مفسرة لقوله ) بل كان الله بما تعملون خبيرا ( لما فيها من الإبهام أي بل ظننتم أن العدو يستأصل المؤمنين بالمرة فلا يرجع منهم أحد إلى أهله فلأجل ذلك تخلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة ) وزين ذلك في قلوبكم ( أي وزين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم فقبلتموه قرأ الجمهور وزين مبنيا للمفعول وقرىء مبنيا للفاعل ) وظننتم ظن السوء ( أن الله سبحانه لا ينصر رسوله وهذا الظن إما هو الظن الأول والتكرير للتأكيد والتوبيخ والمراد به ما هو أعم من الأول فيدخل الظن الأول تحته دخولا أوليا ) وكنتم قوما بورا ( أي هلكى قال الزجاج هالكين عند الله وكذا قال مجاهد قال الجوهري البور الرجل الفاسد الهالك الذي لا خير فيه قال أبو عبيد ( قوما بورا ) هلكى وهو جمع بائر مثل حائل وحول وقد بار فلان أي هلك وأباره الله أهلكه
الفتح : ( 13 ) ومن لم يؤمن . . . . .
( ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا ) هذا الكلام مستأنف من جهة الله سبحانه غير داخل تحت ما أمر الله سبحانه رسوله أن يقوله أي ومن لم يؤمن بهما كما صنع هؤلاء المخلفون فجزاؤهم ما أعده الله لهم من عذاب السعير
الفتح : ( 14 ) ولله ملك السماوات . . . . .
( ولله ملك السموات والأرض ) يتصرف فيه كيف يشاء لا يحتاج إلى أحد من خلقه وإنما


"""""" صفحة رقم 49 """"""
نعبدهم بما تعبدهم ليثيب من أحسن ويعاقب من أساء ولهذا قال ( يغفر لمن يشاء ) أن يغفر له ( ويعذب من يشاء ) أن يعذبه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ( وكان الله غفورا رحيما ) أي كثير المغفرة والرحمة بليغها يخص بمغفرته ورحمته من يشاء من عباده
الفتح : ( 15 ) سيقول المخلفون إذا . . . . .
( سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ) المخلفون هؤلاء المذكورون سابقا والظرف متعلق بقوله سيقول والمعنى سيقولون عند انطلاقكم أيها المسلمون ( إلى مغانم ) يعنى مغانم خيبر ( لتأخذوها ) لتحوزوها ( ذرونا نتبعكم ) أي اتركونا نتبعكم ونشهد معكم غزوة خيبر وأصل القصة أنه لما انصرف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه من المسلمين من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر وخص بغنائمها من شهد الحديبية فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء المخلفون ذرونا نتبعكم فقال الله سبحانه ) يريدون أن يبدلوا كلام الله ( أي يغيروا كلام الله والمراد بهذا الكلام الذي أرادوا أن يبدلوه هو مواعيد الله لأهل الحديبية خاصة بغنيمة خيبر وقال مقاتل يعنى أمر الله لرسوله أن لا يسير معه أحد منهم وقال ابن زيد هو قوله تعالى فإذا استأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا واعترض هذا ابن جرير وغيره بأن غزوة تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكة والأول أولى وبه قال مجاهد وقتادة ورجحه ابن جرير وغيره قرأ الجمهور كلام الله وقرأ حمزة والكسائي كلم الله قال الجوهري الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير والكلم لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمة مثل نبقة ونبق ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يمنعهم من الخروج معه فقال ( قل لن تتبعونا ) هذا النفي هو في معنى النهي والمعنى لا تتبعونا ( كذلكم قال الله من قبل ) أي من قبل رجوعنا من الحديبية أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية خاصة ليس لغيرهم فيها نصيب ( فسيقولون ) يعنى المنافقين عند سماع هذا القول وهو قوله لن تتبعونا ( بل تحسدوننا ) أي بل ما يمنعكم من خروجنا معكم إلا الحسد لئلا نشارككم في الغنيمة وليس ذلك بقول الله كما تزعمون ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله ( بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا ) أي لا يعلمون إلا علما قليلا وهو علمهم بأمر الدنيا وقيل لا يفقهون من أمر الدين إلا فقها قليلا وهو ما يصنعونه نفاقا بظواهر هم دون بواطنهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( وتعزروه ) يعنى الإجلال ( وتوقروه ) يعنى التعظيم يعنى محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والضياء في المختارة عنه في قوله ( وتعزروه ) قال تضربوا بين يديه بالسيف وأخرج ابن عدي وابن مردويه والخطيب وابن عساكر في تاريخه عن جابر بن عبد الله قال لما أنزلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ( وتعزروه ) قال لأصحابه ما ذاك قالوا الله ورسوله أعلم قال لتنصروه وأخرج أحمد وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال بايعنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا فيه لومة لائم وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة فمن وفى وفى الله له ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وفي الصحيحين من حديث جابر أنهم كانوا في بيعة الرضوان خمس عشرة مائة وفيهما عنه أنهم كانوا أربع عشرة مائة وفي البخاري من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب أنه سأله كم كانوا في بيعة الرضوان قال خمس عشرة مائة فقال له إن جابرا قال كانوا أربع عشرة مائة قال رحمه الله وهم هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة


"""""" صفحة رقم 50 """"""
سورة الفتح 16 24
الفتح : ( 16 ) قل للمخلفين من . . . . .
قوله ) قل للمخلفين من الأعراب ( هم المذكورون سابقا ) ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ( قال عطاء بن أبي رباح ومجاهد وابن أبي ليلى وعطاء الخراساني هم فارس وقال كعب والحسن هم الروم وروى عن الحسن أيضا أنه قال هم فارس والروم وقال سعيد بن جبير هم هوازن وثقيف وقال عكرمة هوازن وقال قتادة هوازن وغطفان يوم حنين وقال الزهري ومقاتل هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة وحكى هذا القول الواحدي عن أكثر المفسرين ( تقاتلونهم أو يسلمون ) أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإسلام لا ثالث لهما وهذا حكم الكفار الذين لا تؤخذ منهم الجزية قال الزجاج التقدير أو هم يسلمون وفي قراءة أبي أو يسلموا أي حتى يسلموا ( فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا ) وهو الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة ( وإن تتولوا ) أي تعرضوا ( كما توليتم من قبل ) وذلك عام الحديبية ( يعذبكم عذابا أليما ) بالقتل والأسر والقهر في الدنيا وبعذاب النار في الآخرة لتضاعف جرمكم
الفتح : ( 17 ) ليس على الأعمى . . . . .
( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ) أي ليس على هؤلاء المعذورين بهذه الأعذار حرج في التخلف عن الغزو لعدم استطاعتهم قال مقاتل عذر الله أهل الزمانة الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية والحرج الإثم ) ومن يطع الله ورسوله ( فيما أمرا به ونهياه عنه ) يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ( قرأ الجمهور يدخله بالتحتية واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد وقرأ نافع وابن عامر بالنون ( ومن يتول يعذبه عذابا أليما ) أي ومن يعرض عن الطاعة يعذبه الله


"""""" صفحة رقم 51 """"""
عذابا شديد الألم
الفتح : ( 18 ) لقد رضي الله . . . . .
ثم ذكر سبحانه الذين أخلصوا نياتهم وشهدوا بيعة الرضوان فقال ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) أي رضي الله عنهم وقت تلك البيعة وهي بيعة الرضوان وكانت الحديبية والعامل في تحت إما يبايعونك أو محذوف على إنه حال من المفعول وهذه الشجرة المذكورة هي شجرة كانت بالحديبية وقيل سدرة وكانت البيعة على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا وروى أنه بايعهم على الموت وقد تقدم ذكر عدد أهل هذه البيعة قريبا والقصة مبسوطة في كتب الحديث والسير ( فعلم ما في قلوبهم ) معطوف على يبايعوك قال الفراء أي علم ما في قلوبهم من الصدق والوفاء وقال قتادة وابن جريح من الرضى بأمر البيعة على أن لا يفروا وقال مقاتل من كراهة البيعة على الموت ( فأنزل السكينة عليهم ) معطوف على رضى والسكينة الطمأنينة وسكون النفس كما تقدم وقيل الصبر ( وأثابهم فتحا قريبا ) هو فتح خيبر عند انصرافهم من الحديبية قاله قتادة وابن أبي ليلى وغيرهما وقيل فتح مكة والأول أولى
الفتح : ( 19 ) ومغانم كثيرة يأخذونها . . . . .
( ومغانم كثيرة يأخذونها ) أي وأثابكم مغانم كثيرة أو وآتاكم وهي غنائم خيبر والالتفات لتشريفهم بالخطاب ( وكان الله عزيزا حكيما ) أي غالبا مصدرا أفعاله وأقواله على أسلوب الحكمة
الفتح : ( 20 ) وعدكم الله مغانم . . . . .
( وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ) في هذا وعد منه سبحانه لعبادة المؤمنين بما سيفتحه عليهم من الغنائم إلى يوم القيامة يأخذونها في أوقاتها التي قدر وقوعها فيها ( فعجعل لكم هذه ) أي غنائم خيبر قاله مجاهد وغيره وقيل صلح الحديبية ( وكف أيدي الناس عنكم ) أي وكف أيدي قريش عنكم يوم الحدييبة بالصلح وقيل كف أيدي أهل خيبر وأنصارهم عن قتالكم وقذف في قلوبهم الرعب وقال قتادة كف أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الحديبية وخيبر ورجح هذا ابن جرير قال لأن كف أيدي الناس بالحديبية مذكور في قوله وهو الذي كف أيديهم عنكم قيل وكف أيدي الناس عنكم يعني عيينة بن حصن الفزاري وعوف بن مالك النضري ومن كان معهما إذ جاءوا لينصروا أهل خيبر عند حصار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لهم ( ولتكون آية للمؤمنين ) اللام يجوز أن تتعلق بفعل محذوف يقدر بعده أي فعل ما فعل من التعجيل والكف لتكون آية أو على علة محذوفه تقديرها وعد فعجل وكف لتنتفعوا بذلك ولتكون آية وقيل أن الواو مزيدة واللام لتعليل ما قبله أي وكف لتكون والمعنى ذلك الكف آية يعلم بها صدق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في جميع ما يعدكم به ( ويهديكم صراطا مستقيما ) أي يزيدكم بتلك الآية هدى أو يثبتكم على الهداية لى طريق الحق
الفتح : ( 21 ) وأخرى لم تقدروا . . . . .
( وأخرى لم تقدروا عليها ) معطوف على هذه أي فجعل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى لم تقدروا عليها وهي الفتوح التي فتحها الله على المسلمين من بعد كفارس والروم ونحوهما وكذا قال الحسن ومقاتل وابن أبي ليلى وقال الضحاك وابن زيد وابن أبي إسحاق هي خيبر وعدها الله نبية قبل أن يفتحها ولم يكونوا يرجونها وقال قتادة فتح مكة وقال عكرمة حنين والأول أولى ( قد أحاط الله بها ) صفة ثانية لأخرى قال الفراء أحاط الله بها لكم حتى تفتحوها وتأخذوها والمعنى أنه أعدها لهم وجعلها كالشيء الذي قد أحيط به من جميع جوانبه فهو محصور لا يفوت منه شيء فهم وإن لم يقدروا عليها في الحال فهي محبوسة لهم لا تفوتهم وقيل معنى أحاط علم أنها ستكون لهم ( وكان الله على كل شئ قديرا ) لا يعجزه شئ ولا تختص قدرته ببعض المقدورات دون بعض
الفتح : ( 22 ) ولو قاتلكم الذين . . . . .
( ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ) قال قتادة يعني كفار قريش بالحديبية وقيل أسد وغطفان الذين أرادوا نصر أهل خيبر والأول أولى ( ثم لا يجدون وليا ) يواليهم على قتالكم ( ولا نصيرا ) ينصرهم عليكم
الفتح : ( 23 ) سنة الله التي . . . . .
( سنة الله التي قد خلت من قبل ) أي طريقته وعادته التي قد مضت في الأمم من نصر أوليائه على أعدائه وانتصاب سنة على المصدرية بفعل محذوف أي بين الله سنة الله


"""""" صفحة رقم 52 """"""
أو هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة المتقدمة ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) أي لن تجد لها تغييرا بل هي مستمرة ثابتة
الفتح : ( 24 ) وهو الذي كف . . . . .
( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ) أي كف أيدي المشركين عن المسلمين وأيدي المسلمين عن المشركين لما جاءوا يصدون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه عن البيت عام الحديبية وهي المراد ببطن مكة وقيل إن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قبل جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخذهم المسلمون ثم تركوهم وفي رواية اختلاف سيأتي بيانه آخر البحث إن شاء الله ( وكان الله بما تعملون بصيرا ) لا يخفي عليه من ذلك شئ
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن لأبي حاتم والبيهقى في الدلائل عن أبن عباس في قوله ( أولى بأس شديد ) يقول فارس وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنهم الأكراد وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال فارس والروم وأخرج الفريابي وابن مردويه عنه قال هوازن وبني حنيفة وأخرج الطبراني قال السيوطي بسند حسن عن زيد بن ثابت قال كنت أكتب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإني لواضع القلم على أذني إذأمر بالقتال إذ جاء أعمى فقال كيف لي وأنا ذاهب البصر فنزلت ( ليس على الأعمى حرج ) الآية قال هذا في الجهاد وليس عليهم من جهاد إذا لم يطيقوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع قال بينا نحن قائلون إذ نادى منادى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فثرنا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه فذلك قول الله تعالى ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) فبايع لعثمان إحدى يديه على الأخرى فقال الناس هنيئا لابن عفان يطوف بالبيت ونحن ها هنا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف وأخرج أبن أبي شيبة في المصنف عن نافع قال بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع قال بايعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تحت الشجرة قيل على أي شئ كنتم تبايعون يومئذ قال على الموت وأخرج مسلم وغيره عن جابر قال تبايعونه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة وأخرج مسلم من حديثه مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبن عباس ( فأنزل السكينة عليهم ) قال إنما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء وأخرج أبن جرير وابن مردويه عنه ( فجعل لكم هذه ) يعني الفتح وأخرج ابن مردويه عنه أيضا ( فعجل لكم هذه ) يعني خيبر ( وكف أيدي الناس عنكم ) يعني أهل مكة أن يستحلوا حرم الله ويستحل بكم وأنتم حرم ( ولتكون آية للؤمنين ) قال سنة لمن بعدكم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه أيضا في قوله ( وأخري لم تقدروا عليها ) قال هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا ( وأخرى لم تقدروا عليها ) قال هي خيبر وأخرج أبن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس قال لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح من قبل جبال التنعيم يريدون غرة رسول الله فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم فنزلت هذه الآية ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنها ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ) وفي صحيح مسلم وغيره أنها نزلت في نفر أسرهم سلمة أبن الأكوع يوم الحديبية وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل في سبب نزول الآية


"""""" صفحة رقم 53 """"""
أن ثلاثين شابا من المشركين خرجوا يوم الحديبية على المسلمين في السلاح فثاروا في وجوههم فدعا عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخذ الله بأسماعهم ولفظ الحاكم بأبصارهم فقام إليهم المسلمون فأخذوهم فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هل جئتم في عهد أحد أو هل جعل لكم أحد أمانا فقالوا لا فخلى سبيلهم فنزلت هذه الآية
سورة الفتح ( 25 29
الفتح : ( 25 ) هم الذين كفروا . . . . .
قوله ) هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام ( يعني كفار مكة ومعنى صدهم عن المسجد الحرام أنهم منعوهم أن يطوفوا به ويحلوا عن عمرتهم ( والهدى معكوفا ) قرأ الجمهور بنصب الهدى عطفا على الضمير المنصوب في صدوكم وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بالجر عطفا على المسجد ولا بد من تقدير مضاف أي عن نحر الهدى وقرئ بالرفع على تقدير وصد الهدى وقرأ الجمهور بفتح الهاء من الهدى وسكون الدال وروى عن أبي عمرو وعاصم بكسر الدال وتشديد الياء وانتصاب معكوفا على الحال من الهدى أي محبوسا قال الجوهري عكفه أي حبسه ووقفه ومنه ( ) والهدي معكوفا ( ) ومنه الاعتكاف في المسجد وهو الاحتباس وقال أبو عمرو بن العلاء معكوفا مجموعا وقوله ) أن يبلغ محله ( أي عن أن يبلغ محله أو هو مفعول لأجله


"""""" صفحة رقم 54 """"""
والمعنى صدوا الهدى كراهة أن يبلغ محله أو هو بدل من الهدى بدل اشتمال ومحله منحره وهو حيث يحل نحره من الحرم وكان الهدى سبعين بدنه ورخص الله سبحانه لهم يجعل ذلك الموضع الذي وصلوا إليه وهو الحديبية محلا للنحر وللعلماء في هذا كلام معروف في كتب الفروع ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ) يعني المستضعفين من المؤمنين بمكة ومعنى لم تعلموهم لم تعرفوهم وقيل لم تعلموا أنهم مؤمنين لأن تطئوهم ) يجوز أن يكون بدلا من رجال ونساء ولكنه غلب الذكور وأن يكون بدلا من مفعول تعلموهم والمعنى أن تطئوهم بالقتل والإيقاع بهم يقال وطئت القوم أي أوقعت بهم وذلك أنهم لو كسبوا مكة وأخذوها عنوة بالسيف لم يتميز المؤمنون الذين هم فيها من الكفار وعند ذلك لا يأمنوا أن يقتلوا المؤمنين فتلزمهم الكفارة وتلحقهم سة وهو معنى قوله ( فتصيبكم منهم ) أي من جهتهم ( معرة ) أي مشقة بما يلزمهم في قتلهم من كفارة وعيب وأصل المعرة العيب مأخوذة من العر وهو الحرب وذلك أن المشركين سيقولون إن المسلمين قد قتلوا أهل دينهم قال الزجاج لولا ان تقتلوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات فتصيبكم منهم معرة أي أثم وكذا قال الجوهري به قال ابن زيد وقال الكلبي ومقاتل وغيرهما المعرة كفارة قتل الخطأ كما في قوله فإن كان من قوم عدولكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وقال ابن إسحاق المعرة غرم الدية وقال قطرب المعرة الشدة وقيل الغم و ( بغير علم ) متعلق بأن تطئوهم أي غير عالمين وجواب لولا محذوف والتقدير لأذن الله لكم أو لما كف أيديكم عنهم واللام في ( ليدخل الله في رحمته من يشاء ) متعلقة بما يدل عليه الجواب المقدر أي ولكن لم يأذن لكم أو كف أيديكم ليدخل الله في رحمته بذلك من يشاء من عباده وهم المؤمنون والمؤمنات الذين كانوا في مكة فيتمم لهم أجورهم بأخراجهم من بين ظهراني الكفار ويفك أسرهم ويرفع ما كان ينزل بهم من العذاب وقيل اللام متعلقة بمحذوف غير ما ذكر وتقديره أو قتلتموهم لأدخلهم الله في رحمته والأول أولى وقيل إن من يشاء عباده ممن رغب في الإسلام من المشركين ( لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ) التنزيل التميز أي لو تميز الذين آمنوا من الذين كفروا منهم لعذبنا الذين كفروا وقيل التنزيل التفرق أي لو تفرق هؤلاء من هؤلاء وقيل لو زال المؤمنون من بين أظهرهم والمعاني متقاربة والعذاب الأليم هو القتل والأسر والقهر
الفتح : ( 26 ) إذ جعل الذين . . . . .
والظرف في قوله ( إذ جعل الذين كفروا ) منصوب بفعل مقدر أي أذكر وقت جعل الذين كفروا ( في قلبوهم الحمية حمية الجاهلية ) وقيل متعلق بعذبنا والحمية الأنفة يقال فلان ذو حمية أي ذوأنفة وغضب أي جعلوها ثابتة راسخة في قلوبهم والجعل بمعنى الإلقاء وحمية الجاهلية بدل من الحمية قال مقاتل ابن سليمان ومقاتل بن حيان قال أهل مكة قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ويدخلون علينا في منازلنا فتتحدث العرب أنهم قد دخلوا علينا على رغم أنفنا واللات والعزى لا يدخلونها علينا فهذه الحمية هي حمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم وقال الزهري حميتهم أنفتهم من الإقرار للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالرسالة قرأ الجمهور ( لو تزيلوا ) وقرأ أبن أبي عبلة وأبو حيوة وابن عون لو تزايلوا والتزايل التباين فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) أي أنزل الطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين حيث لم يدخلهم ما دخل أهل الكفر من الحمية وقيل ثبتهم على الرضى والتسليم ( وألزمهم كلمة التقوى ) وهي لا إله إلا الله كذا قال الجمهور وزاد بعضهم محمد رسول الله وزاد بعضهم وحده لا شريك له وقال الزهري هي بسم الله الرحمن الرحيم وذلك أن الكفار لم يقروا بها وامتنعوا من كتابتها في كتاب الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير فخص الله بهذه الكلمة المؤمنين وألزمهم بها والأول أولى لأن كلمة التوحيد


"""""" صفحة رقم 55 """"""
هي التي يتقى بها الشرك بالله وقيل كلمة التقوى هي الوفاء بالعهد والثبات عليه ( وكانوا أحق بها وأهلها ) أي وكان المؤمنون أحق بهذه الكلمة من الكفار والمستأهلين لها دونهم لأن الله سبحانه أهلهم لدينه وصحبة رسوله ( صلى الله عليه وسلم )
الفتح : ( 27 ) لقد صدق الله . . . . .
( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) قال الواحدي قال المفسرون إن الله سبحانه أرى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) في المدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية كأنه هو وأصحابه حلقوا وقصروا فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم سيدخلون مكة عامهم ذلك فلما رجعوا من الحديبية ولم يدخلوا مكة قال المنافقون والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام فأنزل الله هذه الآية وقيل إن الرؤيا كانت الحديبة وقوله بالحق صفة لمصدر محذوف أي صدقنا ملتبسا بالحق وجواب القسم المحذوف المدلول عليه باللام الموطئة هو قوله ( لتدخلن المسجد الحرام ) أي في العام القابل وقوله ( إن شاء الله ) تعليق للعدة بالمشيئة لتعليم العباد لما يجب أن يقولوه كما في قوله ولا تقولن لشئ أني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله قال ثعلب إن الله استثنى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون وقيل كان الله سبحانه علم أنه يموت بعض هؤلاء الذين كانوا معه في الحديبية فوقع الاستثناء لهذا المعنى قاله الحسن بن الفضل وقيل معنى أن شاء الله كما شاء الله وقال أبو عبيدة إن بمعنى إذ يعني إذ شاء الله حيث أرى رسوله ذلك وانتصاب ( آمنين ) على الحال من فاعل لتدخلن وكذا ( محلقين رءوسكم ومقصرين ) أي آمنين من العدو ومحلقا بعضكم ومقصرا بعضكم والحلق والتقصير خاص بالرجال والحلق أفضل من التقصير كما يدل على ذلك الحديث الصحيح في استغفاره ( صلى الله عليه وسلم ) للمحلقين في المرة الأولى والثانية والقائل يقول له وللمقصرين فقال في الثالثة وللمقصرين وقوله ( لا تخافون ) في محل نصب على الحال أو مستأنف وفيه زيادة تأكيد لما قد فهم من قوله ( آمنين ) ( فعلم ما لم تعلموا ) أي ما لم تعلموا من المصلحة في الصلح لما في دخولكم في عام الحديبية من الضرر على المستضعفين من المؤمنين وهو معطوف على صدق أي صدق رسوله الرؤيا فعلم ما لم تعلموا به ( فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) أي فجعل من دون دخولكم مكة كما أرى رسوله فتحا قريبا قال أكثر المفسرين هو صلح الحديبية وقال ابن زيد والضحاك فتح خيبر وقال الزهري لا فتح في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية ولقد دخل في تلك السنتين في الإسلام مثل من كان قد دخل فيه قبل ذلك بل أكثر فإن المسلمين كانوا في سنة ست وهي سنة الحديبية ألفا وأربعمائة وكانوا في سنة ثمان عشرة آلالف
الفتح : ( 28 ) هو الذي أرسل . . . . .
( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ) أي إرسالا ملتبسا بالهدى ( ودين الحق ) وهو الإسلام ( ليظهره على الدين كله ) أي يعليه على كل الأديان كما يفيده تأكيد الجنس وقيل ليظهر رسوله والأول أولى وقد كان ذلك بحمد الله فإن دين الإسلام قد ظهر على جميع الأديان وانقهر له كل أهل الملل ( وكفى بالله شهيدا ) الباء زائدة كما تقدم في غيرموضع أي كفى الله شهيدا على هذا الإظهار الذي وعد المسلمين به وعلى صحة نبوة نبيه ( صلى الله عليه وسلم )
الفتح : ( 29 ) محمد رسول الله . . . . .
( محمد رسول الله ) محمد مبتدأ ورسول الله خبره أو هو خبر مبتدأ محذوف ورسول الله بدل منه وقيل محمد مبتدأ ورسوله الله نعت له ( والذين معهم ) معطوف على المبتدأ وما بعده الخبر والأول أولى والجملة مبينة لما هو من جملة المشهود به والذين معه قيل هم أصحاب الحديبية والأولى الحمل على العموم ( أشداء على الكفار ) أي غلاظ عليهم كما يغلظ الأسد على فريسته وهو جمع شديد ( رحماء بينهم ) أي متوادون متعاطفون وهو جمع رحيم والمعنى أنهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدة والصلابة ولمن وافقه الرحمة والرأفة قرأ الجمهور برفع أشداء و رحماء على أنه خبر للموصول أو خبر لمحمد وما عطف عليه كما تقدم وقرأ الحسن بنصبهما على الحال أو المدح ويكون الخبر على هذه القراءة ( تراهم ركعا سجدا ) أي


"""""" صفحة رقم 56 """"""
تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين وعلى قراءة الجمهور هو خبر آخر أواستئناف أعنى قوله تراهم ( ويبتغون فضلا من الله ورضوانا ) أي يطلبون ثواب الله لهم ورضاه عنهم وهذه الجملة خبر ثالث على قراءة الجمهور أو في محل نصب على الحال من ضمير تراهم وهكذا ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) السيما العلامة وفيها لغتان المد والقصر أي تظهر علامتهم في حباههم من أثر السجود في الصلاة وكثرة التعبد بالليل والنهار وقال الضحاك إذا سهر الرجل أصبح مصفرا فجعل هذا هو السيما وقال الزهري مواضع السجود أشد وجوههم بياضا يوم القيامة وقال مجاهد هو الخشوع والتواضع وبالأول أعنى كونه ما يظهر في الجباه من كثرة السجود قال سعيد بن جبير ومالك وقال ابن جرير هو الوقار وقال الحسن إذا رأيتهم مرضى وما هم بمرضى وقيل هو البهاء في الوجه وظهور الأنوار عليه وبه قال سفيان الثوري والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما تقدم من هذه الصفات الجليلة وهو مبتدأ وخبره قوله ( مثلهم في التوراة ) أي وصفهم الذي وصفوا به في التوراة ووصفهم الذي وصفوا به ( في الإنجيل ) وتكرير ذكر المثل لزيادة تقريره وللتنبيه على غرابته وأنه جار مجرى الأمثال في الغرابة ( كزرع أخرج شطأه ) الخ كلام مستأنف أي هم كزرع الخ وقيل هو تفسير لذلك على أنه إشارة مبهمة لم يرد به ما تقدم من الأوصاف وقيل هو خبر لقوله ( ومثلهم في الإنجيل ) أي ومثلهم في الإنجيل كزرع قال الفراء فيه وجهان إن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل يعني كمثلهم في القرآن فيكون الوقف على الإنجيل وإن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة ثم نبتدئ ومثلهم في الإنجيل كزرع قرأ الجمهور شطأه بسكون الطاء وقرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتحها وقرأ أنس ونصر بن عاصم ويحيى بن وثاب شطأه كعصاه وقرأه الجحدرى وأبن أبي إسحاق شطه بغير همزة وكلها لغات قال الأخفش والكسائي شطأه أي طرفه قال الفراء شطأ الزرع فهو مشطئ إذا خرج قال الزجاج ( أخرج شطأه ) أي نبأته وقال قطرب الشطأ سوى السنبل وروى عن الفراء أيضا أنه قال هو السنبل وقال الجوهري شطأ الزرع والنبات والجمع أشطاء وقد أشطأ الزرع خرج شطؤه ( فآزره ) أي قواه وأعانه وشده قيل المعنى إن الشطأ قوى الزرع وقيل أن الزرع قوى الشطأ ومما يدل على أن الشطأ خروج النبات قول الشاعر أخرج الشطأ على وجه الثرى
ومن الأشجار أفنان الثمر
قرأ الجمهور فآزره بالمد وقرأ أبن ذكوان وأبو حيوة وحميد بن قيس بالقصر وعلى قراءة الجمهور قول امرئ القيس بمحنية قد آزر النضال نبتها
بجر جيوش غانمين وخيب
قال الفراء آزرت فلانا آزره إذا قويته ( فاستغلظ ) أي صار ذلك الزرع غليظا بعد أن كان دقيقا ( فاستوى على سوقه ) اي فاستقام على أعواده والسوق جمع ساق وقرأ قنبل سؤقه بالهمزة الساكنة ( يعجب الزراع ) لأي يعجب هذا الزرع وزراعة لقوته وحسن منظره وهذا مثل ضربه الله سبحانه لأصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأنهم يكونون في الابتداء قليلا ثم يزدادون ويكثرون ويقوون كالزرع فإنه يكون في الابتداء ضعيفا ثم يقوى حالا بعد حال حتى يغلظ ساقه قال قتادة مثل أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في الإنجيل أنه سيخرج من قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ثم ذكر سبحانه علة تكثيره لأصحاب نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وتقويته لهم فقال ( ليغيظ بهم الكفار ) أي كثرهم وقواهم ليكونوا غيظا للكافرين


"""""" صفحة رقم 57 """"""
واللام متعلقة بمحذوف أي فعل ذلك ليغيظ ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ) أي وعد سبحانه هؤلاء الذين مع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن يغفر ذنوبهم ويجزل أجرهم بإدخالهم الجنة التي هي اكبر نعمة وأعظم منة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد اخرج أحمد والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال نحروا يوم الحديبية سبعين بدنة فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها وأخرج الحسن بن سفيان وأبو يعلي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبن قانع والباوردي والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند جيد عن أبي جمعة حنيذ بن سبع قال قابلت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أول النهار كافرا وقابلت معه آخر النهار مسلما وفيما نزلت ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ) وكنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتان وفي رواية عند أبن أبي حاتم كنا ثلاثة رجال وتسع نسوة وأخرج أبن أبي حاتم وابن مردويه عن أبن عباس ( لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ) قال حين ردوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ان تطئوهم ) بقتلكم إياهم ( لو تزيلوا ) يقول لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذابا أليما بقتلكم إياهم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن حنيف أنه قال يوم صفين اتهموأنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية يعني الصلح الذي كان بين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبين المشركين ولو نرى قتالا لقاتلنا فجاء عمر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال بلى قال ففيم نعطى الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم قال يا ابن الخطاب إني رسول الله ولم يضيعني الله أبدا فرجع متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل قال بلى قال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال بلى قال ففيم نعطي الدنية في ديننا قال يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولم يضيعه الله أبدا فنزلت سورة الفتح فأرسل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى عمر فأقرأه إياها قال يا رسول الله افتح هو قال نعم وأخرج الترمذي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير والدارقطنى في الإفراد وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي بن كعب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال لا إله إلا الله وفي إسناده الحسن بن قزعة قال الترمذي بعد إخراجه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه وكذا قال أبو زرعة وأخرج ابن مردويه عن سلمة بن الأكوع مرفوعا مثله وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد بن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه البيهقي في الأسماء والصفات عن علي بن أبي طالب مثله من قوله وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم من قول عمر بن الخطاب نحوه وأخرج ابن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبن عباس نحوه وأخرج أبن أبي حاتم والدارقطني في الإفراد عن المسور بن مخرمة ومروان نحوه وروى عن جماعة من التابعين نحو ذلك وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) قال هو دخول محمد البيت والمؤمنين محلقين ومقصرين وقد ورد في الدعاء للمحلقين والمقصرين في الصحيحين وغيرهما أحاديث منها ما قدمنا الإشارة إليه وهو في الصحيحين من حديث أبن عمر وفيهما من حديث أبي هريرة أيضا وأخرج أبن جرير عن أبن عباس في قوله ( سيماهم في وجوههم ) قال أما إنه ليس الذي يرونه ولكنه سيما الإسلام وسمته وخشوعه وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن أبن عباس في الآية قال هو


"""""" صفحة رقم 58 """"""
السمت الحسن وأخرج الطبرانى في الأوسط والصغير وابن مردويه قال السيوطي بسند حسن عن أبي بن كعب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) قال النور يوم القيامة وأخرج البخاري في تاريخه وابن نصر عن أبن عباس في الآية قال بياض يغشى وجوههم يوم القيامة وأخرج ابن جرير وأبن المنذر وأبن مردويه عن أبن عباس ( ذلك مثلهم في التوراة ) يعني نعتهم مكتوب في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق الله السموات والأرض وأخرج عبد الله بن حميد بن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عن أنس ( كزرع أخرج شطأه ) قال نباته فروخه
ع49
تفسير
سورة الحجرات هي وأني عشرة آية وهي مدنية قال القرطبي بالإجماع وأخرج ابن الضريس والنحاس وأبن مردويه والبيهقي عن بن عباس وبن الزبير أنها نزلت بالمدينة
سورة الحجرات ( 1 8
الحجرات : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله يا ( أيها الذين أمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قرأ الجمهور تقدموا بضم المثناة الفوقية وتشديد الدال مكسورة وفيه وجهان أحدهما أنه متعد وحذف مفعوله لقصد التعميم أو ترك المفعول للقصد إلى نفس


"""""" صفحة رقم 59 """"""
الفعل كقولهم هو يعطي ويمنع والثاني أنه لازم نحو وجه وتوجه ويعضده قراءة أبن عباس والضحاك ويعقوب تقدموا بفتح التاء والقاف والدال قال الواحدي قدم ها هنا بمعنى تقدم وهو لازم قال أبو عبيدة العرب تقول لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب أي لا تعجل بالأمر دونه والنهي لأن المعنى لا تقدموا قبل أمرهما ونهيهما وبين يدي الإمام عبارة عن الإمام لاما بين يدي الإنسان ومعنى الآية لا تقطعوا أمرا دون الله ورسوله ولا تعجلوا به وقيل المراد معنى بين يدي فلان بحضرته لأن ما يحضره الإنسان فهو بين يديه ( واتقوا الله ) في كل أموركم ويدخل تحتها الترك للتقدم بين يدي الله ورسوله دخولا أوليا ثم علل ما أمر به من التقوى بقوله ( إن الله سميع ) لكل مسموع ( عليم ) بكل معلوم
الحجرات : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ( يحتمل أن المراد حقيقة رفع الصوت لأن ذلك يدل على قلة الاحتشام وترك الاحترام لأن خفض الصوت وعدم رفعه من لوازم التعظيم والتوفير ويحتمل أن يكون المراد المنع من كثرة الكلام ومزيد اللفظ والأول أولى والمعنى لا ترفعوا أصواتكم إلى حد يكون فوق ما يبلغه صوت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال المفسرون المراد من الآية تعظيم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتوقيره وأن لا ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا ( ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ) أي لا تجهروا بالقول إذا كلمتموه كما تعتادونه من الجهر بالقول إذا كلم بعضكم بعضا قال الزجاج أمرهم الله بتجليل نبيه وأن يغضوا أصواتهم ويخاطبوه بالسكينة والوقار وقيل المراد بقوله ( ولا تجهروا له بالقول ) لا تقولوا يا محمد ويا أحمد ولكن يا نبي الله ويا رسول الله توقيرا له والكاف في محل نصب على إنها نعت مصدر محذوف أي جهرا مثل جهر بعضكم لبعض وليس المراد برفع الصوت وبالجهر في القول هو ما يقع على طريقة الاستخفاف فإن ذلك كفر وإنما المراد أن يكون الصوت في نفسه غير مناسب لما يقع في مواقف من يجب تعظيمه وتوقيره والحاصل أن النهي هنا وقع عن أمور الأول عن التقدم بين يديه بما لا يأذن به من الكلام والثاني عن رفع الصوت البالغ إلى حد يكون فوق صوته سواء كان في خطابه أو في خطاب غيره والثالث ترك الحفاء في مخاطبته ولزوم الأدب في مجاورته لأن المقاولة المجهورة إنما تكون بين الأكفاء الذين ليس لبعضهم على بعض مزية توجب احترامه وتوقيره ثم علل سبحانه ما ذكره بقوله ( ان تحبط أعمالكم ) قال الزجاج أن تحبط أعمالكم التقدير لأن تحبط أعمالكم أي فتحبط فاللام المقدرة لأم الصيرورة كذا قال وهذه العلة يصح أن تكون للنهي أي نهاكم الله عن الجهر خشية أن تحبط أو كراهة أن تحبط أو علة للمنهي أي لا تفعلوا الجهر فإنه يؤدي إلى الحبوط فكلام الزجاج ينظر إلى الوجه الثاني لا إلى الوجه الأول وجملة ( وأنتم لا تشعرون ) في محل نصب على الحال وفيه تحذير شديد ووعيد عظيم قال الزجاج وليس المراد وأنتم لا تشعرون يوجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم فكما لا يكون الكافر مؤمنا إلا باختياره الإيمان على الكفر كذلك لا يكون الكافر كافرا من حيث لا يعلم
الحجرات : ( 3 ) إن الذين يغضون . . . . .
ثم رغب سبحانه في امتثال ما أمر به فقال ( أن الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله ) أصل الغض النقص من كل شيء ومنه نقص الصوت ( أولئك الذين أمتحن الله قلوبهم للتقوى ) قال الفراء أخلص قلوبهم للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار فيخرج جيده من رديئه ويسقط خبيثه وبه قال مقاتل ومجاهد وقتادة وقال الأخفش أختصها للتقوى وقيل طهرها من كل قبيح وقيل وسعها وسرحها من محنت الأديم إذا وسعته وقال أبو عمرو كل شيء جهدته فقد محنته واللام في التقوى متعلقة بمحذوف أي صالحة للتقوى كقولك انت صالح لكذا أو للتعليل الجاري مجرى بيان السبب كقولك جئتك لأداء الواجب أي ليكون مجيئي سببا لأداء الواجب ( لهم مغفرة وأجر عظيم ) أي أولئك لهم فهو خبر آخر الأسم الإشارة ويجوز أن يكون


"""""" صفحة رقم 60 """"""
مستأنفا لبيان ما أعد الله لهم في الآخرة
الحجرات : ( 4 ) إن الذين ينادونك . . . . .
) إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ( هم جفاة بني تميم كما سيأتي بيانه ووراء الحجرات خارجها وخلفها والحجرات جمع حجرة كالغرفات جمع غرفة والظلمات جمع ظلمة وقيل الحجرات جمع حجرة والحجر جمع حجرة فهو جمع الجمع والحجرة الرقعة من الأرض المحجورة بحائط عليها وهي فعيلة بمعنى مفعوله قرأ الجمهور الحجرات بضم الجيم وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة بفتحها تخفيفا وقرأ أبن أبي عليه بإسكانها وهي لغات و من في من وراء لابتداء الغاية ولا وجه للمنع من جعلها لهذا المعنى ( أكثرهم لا يعقلون ) لغلبة الجهل عليهم وكثرة الجفاء في طباعهم
الحجرات : ( 5 ) ولو أنهم صبروا . . . . .
( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ) أي لو انتظروا خروجك ولم يعجلوا بالمناداة لكان أصلح لهم في دينهم ودنياهم لما في ذلك من رعاية حسن الأدب مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ورعاية جانبه الشريف والعمل بما يستحقه من التعظيم والتجليل وقيل إنهم جاءوا شفعاء في اسارى فأعتق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نصفهم وفادى نصفهم ولو صبروا لأعتق الجميع ذكر معناه مقاتل ) والله غفور رحيم ( كثير المغفرة والرحمة بليغهما لا يؤاخذ مثل هؤلاء فيما فرط منهم من إساءة الأدب
الحجرات : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ( قرأ الجمهور فتبينوا من التبين وقرأ حمزة والكسائى فتثبتوا من التثبيت والمراد من التبين التعرف والتفحص ومن التثبيت الأناة وعدم العجلة والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر قال المفسرون إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط كما سيأتي بيانه إن شاء الله وقوله ( أن تصيبوا قوما بجهالة ) مفعول له أي كراهة أن تصيبوا أو لئلا تصيبوا لأن الخطأ ممن لم يتبين الأمر ولم يتثبت فيه هو الغالب وهو جهالة لأنه لم يصدر عن علم والمعنى ملتبسين بجهالة بحالهم ( فتصبحوا على ما فعلتم ) بهم من إصابتهم بالخطأ ( نادمين ) على ذلك مغتمين له مهتمين به
الحجرات : ( 7 ) واعلموا أن فيكم . . . . .
ثم وعظهم الله سبحانه فقال ( واعلموا أن فيكم رسول الله ) فلا تقولوا قولا باطلا ولا تتسرعوا عند وصول الخبر إليكم من غير تبين وأن وما في حيزها سادة مسد مفعولي أعلموا وجملة ( لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ) في محل نصب على الحال من ضمير فيكم أو مستانفه والمعنى لو يطيعكم في كثير مما تخبرونه به من الأخبار الباطلة وتشيرون به عليه من الآراء التي ليست بصواب لوقعتم في العنت وهو التعب والجهد والإثم والهلاك ولكنه لا يطيعكم في غالب ما تريدون قبل وضوح وجهه له ولا يسارع إلى العمل بما يبلغه قبل النظر فيه ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان ) أي جعله أحب الأشياء إليكم أو محبوبا لديكم فلا يقع منكم إلا ما يوافقه ويقتضيه من الأمور الصالحة وترك التسرع في الأخبار وعدم التثبيت فيها قيل والمراد بهؤلاء من عدا الأولين لبيان براءتهم عن أوصاف الأولين والظاهر أنه تذكير للكل بما يقتضيه الإيمان وتوجيه محبته التي جعلها الله في قلوبهم ( وزينه في قلوبكم ) أي حسنه بتوفيقه حتى جروا على ما يقتضيه في الأقوال والأفعال ( وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ) أي جعل كل ما هو من جنس الفسوق ومن جنس العصيان مكروها عندكم وأصل الفسق الخروج عن الطاعة والعصيان جنس ما يعصى الله به وقيل أراد بذلك الكذب خاصة والأول أولى ( أولئك هم الراشدون ) أي الموصوفون بما ذكرهم الراشدون والرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب من الرشادة وهي الصخرة
الحجرات : ( 8 ) فضلا من الله . . . . .
( فضلا من الله ونعمة ) أي لأجل فضله وإنعامه والمعنى أنه حبب إليكم ما حبب وكره ما كره لأجل فضله وإنعامه أو جعلكم راشدين لأجل ذلك وقيل النصب بتقدير فعل أي تبتغون فضلا ونعمة ( والله عليم ) بكل معلوم ( حكيم ) في كل ما يقضي به بين عباده ويقدره لهم


"""""" صفحة رقم 61 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وغيره عن عبد الله بن الزبير قال قدم ركب من بني تميم على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد وقال عمر بل أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر ما أردت إلا خلافي فقال عمر ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ( حتى انقضت الآية وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم وأبن مردويه عن ابن عباس في قوله ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قال نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه وأخرج ابن مردويه عن عائشة في الآية قالت لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم وأخرج البخاري في تاريخه عنها قالت كان أناس يتقدمون بين يدي رمضان بصيام يعني يوما أو يومين فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ( وأخرج الطبراني وأبن مردويه عنها أيضا أن ناسا كانوا يقدمون الشهر فيصومون قبل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا ( الآية وأخرج البزار وأبن عدي والحاكم وأبن مردويه عن أبي بكر الصديق قال أنزلت هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ( قلت يا رسول الله والله لا أكلمك إلا كأخي السرار وفي إسناده حصين بن عمر وهو ضعيف ولكنه يؤيده ما أخرجه عبد بن حميد والحاكم وصححه من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال لما نزلت ) إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ( قال أبو بكر والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال لما نزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ( إلى قوله ( وأنتم لا تشعرون ) وكان ثابت بن قيس بن شماس رفيع الصوت فقال أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حبط عملي أنا من أهل النار وجلس في بيته حزينا ففقده رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فانطلق بعض القوم إليه فقالوا فقدك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مالك قال أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي وأجهر له بالقول حبط عملي أنا من أهل النار فأتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبروه بذلك فقال لا بل هو من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة قتل وفي الباب أحاديث بمعناه وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله ) لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ( الآية قال نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة في قوله ) أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ( قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهم ثابت بن قيس بن شماس واخرج أحمد وأبن جرير وابو القاسم البغوي والطبراني وأبن مردويه قال السيوطي بسند صحيح من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن الأقرع بن حابس أنه أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد أخرج إلينا فلم يجبه فقال يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين فقال ذاك الله فأنزل الله ) إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ( قال إبن منيع لا أعلم روى الأقرع مسندا غير هذا وأخرج الترمذي وحسنه أبن جرير وإبن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن مردويه عن البراء بن عازب في قوله ) إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ( قال جاء رجل فقال يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذاك الله وأخرج أبن راهويه ومسدد وأبو يعلي وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والطبراني وأبن مردويه قال السيوطي بإسناد حسن عن زيد بن أرقم قال اجتمع ناس من العرب فقالوا انطلقوا إلى هذا الرجل فإن يك نبيا فنحن أسعد الناس به وإن يك ملكا نعش بجناحه فأتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرته بما قالوا فجاءوا إلى حجرته فجعلوا ينادونه يا محمد يا محمد أنزل الله ) إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ( فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 62 """"""
بأذنى وجعل يقول لقد صدق الله قولك يا زيد لقد صدق الله قولك يا زيد وفي الباب أحاديث وأخرج أحمد وأبن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبن مردويه قال السيوطي بسند جيد عن الحارث بن ضرار الخزاعي قال قدمت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت يا رسول الله أرجع إلى قومي فادعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إلى يا رسول الله رسولا لإبان كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يبعث إليه احتبس الرسول فلم يأت فظن الحارث أن قد حدث فيه سخطه من الله ورسوله فدعا سروات قومه فقال لهم إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان وقت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله الخلف ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطه فانطلقوا فنأتي رسول الله وبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع فأتى رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم فقال إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي فضرب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) البعث إلى الحارث فأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا هذا الحارث فلما غشيهم قال لهم إلى من بعثتم قالوا إليك قال ولم قالوا إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله قال لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته أبته ولا أتاني فلما دخل الحارث على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال منعت الزكاة وأردت قتل رسول قال لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا رآني وما أقبلت إلا حين احتبس على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خشيت أن تكون كانت سخطة من الله ورسوله فنزل ) يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ ( إلى قوله ( حكيم ) قال ابن كثير هذا من أحسن ما روى في سبب نزول الآية وقد رويت روايات كثيرة متفقة على أنه سبب نزول الآية وأنه المراد بها وإن اختلفت القصص


"""""" صفحة رقم 63 """"""
سورة الحجرات ( 9 12
الحجرات : ( 9 ) وإن طائفتان من . . . . .
قوله ) وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( قرأ الجمهور اقتتلوا باعتبار كل فرد من أفراد الطائفتين كقوله هذان خصمان اختصموا من الضمير في قوله بينهما عائد إلى الطائفتين باعتبار اللفظ وقرأ أبن أبي عبلة اقتتلتا اعتبار بلفظ طائفتان وقرأ أبن زيد بن علي وعبيد بن عمير اقتتلا وتذكير الفعل في هذه القراءة باعتبار الفريقين أو الرهطين والبغي التعدي بغير حق والامتناع من الصلح الموافق الصواب والفئ الرجوع والمعنى أنه إذا تقاتل فريقان من المسلمين فعلى المسلمين أن يسعوا بالصلح بينهم ويدعوهم إلى حكم الله فإن حصل بعد ذلك التعدي من إحدى الطائفتين على الأخرى ولم تقبل الصلح ولا دخلت فيه كان على المسلمين يقاتلوا هذه الطائفة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله وحكمه فإن رجعت تلك الطائفة الباغية عن بغيها وأجابت الدعوة إلى كتاب الله وحكمه فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله وياخذوا على يد الطائفة الظلمة حتى تخرج من الظلم وتؤدي ما يجب عليها للأخرى ثم أمر سبحانه المسلمين أن يعدلوا في كل أمورهم بعد أمرهم بهذا العدل الخاص بالطائفتين المقتتلتين فقال ) وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ( أي أعدلوا إن الله يحب العادلين ومحبتة لهم تستلزم مجازاتهم بأحسن الجزاء قال الحسن وقتادة والسدي ( فأصلحوا بينهما ) بالدعاء إلى حكم كتاب الله والرضى بما فيه لهما وعليهما ( فإن بغت إحداهما ) وطلبت ما ليس لها ولم ترجع إلى الصلح ( فقاتلوا التي تبغي ) حتى ترجع إلى طاعة الله والصلح الذي أمر الله به
الحجرات : ( 10 ) إنما المؤمنون إخوة . . . . .
وجملة ( إنما المؤمنون أخوة ) مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر بالإصلاح والمعنى أنهم راجعون إلى أصل واحد وهو الإيمان قال الزجاج الدين يجمعهم فهم إخوة إذا كانوا متفقين في دينهم فرجعوا بالاتفاق في الدين إلى أصل النسب لأنهم لآدم وحواء ( فأصلحوا بين أخويكم ) يعني كل مسلمين تخاصما وتقاتلا وتخصيص الاثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوقهما بطريق الأولى قرأ الجمهور بين أخويكم على التثنية وقرأ زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود والحسن وحماد بن سلمة وابن سيرين إخوانكم بالجمع وروى عن أبي عمرو ونصيرين عاصم وأبي العالية والجحدري ويعقوب أنهم قرءوا بين إخوتكم بالفوقية على الجمع أيضا قال أبو علي الفارسي في توجيه قراءة الجمهور أردا بالأخوين الطائفتين لأن اللفظ التثنية قد يرد ويراد به الكثرة وقال أبو عبيدة أي أصلحوا بين كل أخوين ( واتقوا الله ) في كل أموركم ( لعلكم ترحمون ) بسبب التقوى والترجي باعتبار المخاطبين أي راجين أن ترحموا وفي هذه الآية دليل على قتال الفئة الباغية إذا تقرر بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين وعلى فساد قول من قال بعدم الجواز مستدلا بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) قتال المسلم كفر فإن المراد بهذا الحديث وما ورد في معناه قتال المسلم الذي لم يبغ قال ابن جرير لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين فريقين من المسلمين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حق ولا أبطل باطل ولوجد أهل النفاق والفجور سببا إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم بأن يتحزبوا عليهم ولكف المسلمين أيديهم عنهم وذلك مخالف لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) خذوا على أيدي سفهائكم قال أبن العربي هذه الآية أصل في قتال المسلمين وعمدة في حرب المتأولين وعليها عول


"""""" صفحة رقم 64 """"""
الصحابة وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة وإياها عنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله تقتل عمارا الفئة الباغية وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) في شأن الخوارج يخرجون على حين فرقة من الناس تقتلهم أولى الطائفتين بالحق
الحجرات : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . .
( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ) السخرية الاستهزاء وحكى أبو زيد سخرت به وضحكت به وهزأت به وقال الأخفش سخرت منه وسخرت به وضحلت منه وضحكت به وهزأت منه وهزأت به كل ذلك يقال والاسم السخرية والسخرى وقرئ بهما في ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ومعنى الآية النهي للمؤمنين عن أن يستهزئ بعضهم ببعض وعلل هذا النهي بقوله ( عسى أن يكونوا خيرا منهم ) أي أن يكون المسخور بهم عند الله خيرا من الساخرين بهم ولما كان لفظ قوم مختصا بالرجال لأنهم القوم على النساء أفرد النساء بالذكر فقال ( ولا نساء من نساء ) أي ولا يسخر نساء من نساء ( عسى أن يكن ) المسخور بهن ( خيرا منهن ) يعني خيرا من الساخرات منهن وقيل أفرد النساء بالذكر لأن السخرية منهن أكثر ( ولا تلمزوا أنفسكم ) اللمز العيب وقد مضى تحقيقه في سورة براءة عند قوله ومنهم من يلمزك في الصدقات قال ابن جرير اللمز باليد والعين واللسان والإشارة والهمز لا يكون إلا باللسان ومعنى ( لا تلمزوا أنفسكم ) لا يلمز بعضكم بعضا كما في قوله ولا تقتلوا أنفسكم وقوله فسلموا على أنفسكم قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير لا يطعن بعضكم على بعض وقال الضحاك لا يلعن بعضكم بعضا ( ولا تنابزوا بالألقاب ) التنابز التفاعل من النبز بالتسكين وهو المصدر والنبز بالتحريك اللقب والجمع أنباز والالقاب جمع لقب وهو أسم غير الذي سمي به الإنسان والمراد هنا لقب السوء والتنابز بالألقاب أن يلقب بعضهم بعضا قال الواحدي قال المفسرون هو أن يقول لأخيه المسلم يا فاسق يا منافق أو يقول لمن أسلم يا يهودي يا نصراني قال عطاء هو كل شئ أخرجت به أخاك من الإسلام كقولك يا كلب يا حمار يا خنزير قال الحسن ومجاهد كان الرجل يعير بكفره فيقال له يا يهودي يا نصراني فنزلت وبه قال قتادة وأبو العالية وعكرمة ( بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) أي بئس الاسم الذي يذكروا بالفسق بعد دخولهم في الإيمان والاسم هنا بمعنى الذكر قال ابن زيد أي بئس أن يسمى الرجل كافرا أو زانيا بعد إسلامه وتوبته وقيل المعنى أن من فعل ما نهى عنه من السخرية واللمز والنبذ فهو فاسق قال القرطبي إنه يستثني من هذا من غلب عليه الاستعمال كالأعرج والأحدب ولم يكن له سبب يجد في نفسه منه عليه فجوزته الأئمة واتفق على قوله أهل اللغة ( ومن لم يتب ) عما نهى الله عنه ( فأولئك هم الظالمون ) لارتكابهم ما نهى الله عنه وامتناعهم من التوبة فظلموا من لقبوه وظلمهم أنفسهم بما لزمها من الإثم
الحجرات : ( 12 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ( الظن هنا هو مجرد التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم غيره بشيء من الفواحش ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك وأمر سبحانه باجتناب الكثير ليفحص المؤمن عن كل ظن يظنه حتى يعلم وجهه لأن من الظن الذي ما يجب اتباعه فإن أكثر الأحكام الشرعية مبنية على الظن كالقياس وخبر الواحد ودلالة العموم ولكن هذا الظن الذي يجب العمل به قد قوى بوجه من الوجوه الموجبة للعمل به فارتفع عن الشك والتهمة قال الزجاج هو أن يظن بأهل الخير سوءا فأما أهل السوء والفسوق فلنا أن نظن بهم مثل الذي ظهر منهم قال مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان هو أن يظن بأخيه المسلم سوءا ولا بأس به مالم يتكلم به فإن تكلم بذلك الظن وابداه أثم وحكى القرطبي عن أكثر العلماء أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز وأنه لاحرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح وجملة ( إن بعض الظن إثم ) تعليل لما قبلها من الأمر باجتناب كثير من الظن وهذا البعض هو ظن السوء بأهل


"""""" صفحة رقم 65 """"""
الخير والإثم هو ما يستحقه الظان من العقوبة ومما يدل على تقييد هذا الظن المأمور باجتنابه بظن السوء قوله تعالى وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا فلا يدخل في الظن المأمور باجتنابه شئ من الظن المأمور باتباعه في مسائل الدين فإن الدين قد تعبد عباده باتباعه واوجب العمل به جمهور أهل العلم ولم ينكر ذلك إلا بعض طوائف المبتدعة كيادا للدين وشذوذا عن جمهور المسلمين وقد جاء التعبد بالظن في كثير من الشريعة المطهرة بل في أكثرها ثم لما أمرهم الله سبحانه باجتناب كثير من الظن نهاهم عن التجسس فقال ( ولا تجسسوا ) التجسس البحث عما ينكتم عنك من عيوب المسلمين وعوراتهم نهاهم الله سبحانه عن البحث عن معايب الناس ومثاليهم قرأ الجمهور تجسسوا بالجيم ومعناه ما ذكرنا وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن سيرين بالحاء قال الاخفش ليس يبعد أحدهما من الآخر لأن التجسس بالجيم البحث عما يكتم عنك والتجسس بالحاء طلب الأخبار والبحث عنها وقيل إن التجسس بالجيم هو البحث ومنه قيل رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور وبالحاء ما ادركه الإنسان ببعض حواسه وقيل إنه بالحاء فيما يطلبه الإنسان لنفسه وبالجيم أن يكون رسولا لغيره قاله ثعلب ( ولا يغتب بعضكم بعض ) أي لا يتناول بعضكم بعضا بظهر الغيب بما يسوءه والغيبة أن تذكر الرجل بما يكرهه كما في حديث أبي هريرة الثابت في الصحيح أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره فقيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول فقال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ) مثل سبحانه الغيبة بأكل الميتة لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي لا يعلم بغيبة من أغتابه ذكر معناه الزجاج وفيه إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه وأنه كما يحرم أكل لحمه يحرم الاستطالة في عرضه وفي هذا من التنفير عن الغيبة والتوبيخ لها والتووبيخ لفاعلها والتشنيع عليه ما لا يخفي فإن لحم الإنسان مما تنفر عن أكله الطباع الإنسانية وتستكرهه الجبلة البشرية فضلا عن كونه محرما شرعا ( فكرهتموه ) قال الفراء تقديره فقد كرهتموه فلا تفعلوا والمعنى فكما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائبا قال الرازي الفاء في تقدير جواب كلام كأنه قال لا يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه فكرهتموه إذن وقال أبو البقاء هو معطوف على محذوف تقديره عرض عليكم ذلك فكرهتموه ( واتقوا الله ) بترك ما أمركم بإجتنابه ( إن الله تواب رحيم ) لمن اتقاه وتاب عما فرط منه من الذنب ومخالفة الأمر
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال قيل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لو أتيت عبد الله ابن أبي فانطلق إليه وركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة فلما انطلق إليه قال إليك عني فوالله لقد آذاني ريح حمارك فقال رجل من الأنصار والله لحمار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله رجال من قومه فغضب لكل منهما أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فنزلت فيهم ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) الآية وقد روى نحو هذا من وجوه أخر وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر قال ما وجدت في نفسي من شئ ما وجدت من هذه الآية إني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله وأخرج ابن جرير وأبن المنذر وابن مردويه عن أبن عباس في الآية قال إن الله أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين إذا اقتتلت طائفة من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم الله وينصف بعضهم من بعض فإذ أجابوا حكم فيهم يحكم كتاب الله حتى ينصف المظلوم فمن أبى منهم أن يجيب فهو باغ وحق على إمام المؤمنين والمؤمنين أن يقاتلوهم حتى يفيئوا إلى أمر الله ويقروا بحكم الله وأخرج أبن


"""""" صفحة رقم 66 """"""
جرير وابن مردويه عن أبن عباس ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) الآية قال كان قتال بالنعال والعصي فأمرهم أن يصلحوا بينهما وأخرج أبن مردويه والبيهقي عن عائشة قالت ما رأيت مثل ما رغبت عنه هذه الأمة في هذه الآية ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما ) وأخرج أبن أبي حاتم عن مقاتل في
الحجرات : ( 13 ) يا أيها الناس . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ( قال نزلت في قوم بني تميم استهزؤوا من بلال وسلمان وعمار وخباب وصهيب وابن فهيرة وسالم مولى أبي حذيفة وأخرج عبد بن حميد والبخاري في الأدب وأبن أبي الدنيا في ذم الغيبة وأبن جرير وأبن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله ( ولا تلمزوا أنفسكم ) قال لا يطعن بعضكم على بعض وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في الأدب وأهل السنن الأربع وأبو يعلي وابن جرير وأبن المنذر وأبن حبان والشيرازي في الالقاب والطبراني وابن السني في عمل يوم وليلة والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي جبيرة بن الضحاك قال فينا نزلت في بني سلمة ( ولا تنابزوا بالألقاب ) قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة وليس فينا رجل إلا وله أسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا واحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول الله إنه يكرهه فنزلت ( ولا تنابزوا بالألقاب ) وأخرج ابن مردوية عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب منها وراجع الحق فنهى الله أن يعير بما سلف من عمله وأخرج عبد أبن حميد وأبن أبي حاتم عن أبن مسعود في الآية قال إذا كان الرجل يهوديا فأسلم فقال يا يهودي يا نصراني يا مجوسي ويقول للرجل المسلم يا فاسق وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبن عباس في قوله ) يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ( ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عبد الله إخوانا ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه وأخرج بن مردوية عن بن عباس نحوه وأخرج بن جرير عن بن عباس قال التنابز بالألقاب قال نهى الله المؤمن أن يظن بالمؤمن سوءا وأخرج البخاري حتى ينكح أو يترك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله ( ولا تجسسوا ) قال نهى الله المؤمن أن يتبع عورات المؤمن وأخرج عبد الرزاق وأبن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وأبن المنذر وأبن مردويه والبيهقي في الشعب عن زيد أبن وهب قال أتي أبن مسعود فقيل هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال أبن مسعود إنا قد نهينا عن التجسس ولكن أن يظهر لنا شي نأخذه وقد وردت أحاديث في النهي عن تتبع عورات المسلمين والتجسس عن عيوبهم وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبن عباس في قوله ( ولا يغتب بعضكم بعضا ) الآية قال حرم الله أن يغتاب المؤمن بشيء كما حرم الميتة والأحاديث في تحريم الغيبة كثيرة جدا معروفة في كتب الحديث
سورة الحجرات ( 13 18 )


"""""" صفحة رقم 67 """"""
الحجرات : ( 13 ) يا أيها الناس . . . . .
قوله ( ياأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى ) هما آدم وحواء والمقصود أنهم متساوون لاتصالهم بنسب واحد وكونه يجمعهم أب واحد وام واحدة وانه لا موضع للتفاخر بينهم بالأنساب وقيل المعنى ان كل واحد منكم من اب وام فالكل سواء ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) الشعوب جمع شعب بفتح الشين وهو الحي العظيم مثل مضر وربيعة والقبائل دونها كبني بكر من ربيعة وبني تميم من مضر قال الواحدي هذا قول جماعه من المفسرين سموا شعبا لتشعبهم واجتماعهم كشعب اغصان الشجره والشعب من اسماء الأضداد يقال شعبته اذا جمعته وشعبته اذا فرقته ومنه سميت المنيه شعوبا لأنها مفرقه فأما الشعب بالكسر فهو الطريق في الجبل قال الجواهري الشعب ما تشعب من قبائل العرب والعجم والجمع الشعوب وقال مجاهد الشعوب البعيد من النسب والقبائل دون ذلك وقال قتادة الشعوب النسب الأقرب وقيل ان الشعوب عرب اليمن من قحطان والقبائل من ربيعة ومضر وسائر عدنان وقيل الشعوب بطون والقبائل بطون العرب وحكى أبو عبيد ان الشعب اكثر من القبيله ثم القبيله ثم العمارة ثم البطن ثم الفخد ثم الفصيلة ثم العشيرة ومما يؤيد ما قاله الجمهور من ان الشعب اكثر من القبيلة قول الشاعر قبائل من شعوب ليس فيهم
كريم قد يعد ولا نجيب
قرأ الجمهور ( لتتعارفوا ) بتخفيف التاء وأصله لتعارفوا فحذفت إحدى التاءين وقرأ البزي بتشديدها على الإدغام وقرأ الأعمش بتاءين واللام متعلقة بخلقناكم أي خلقناكم كذلك ليعرف بعضكم بعضا وقرأ أبن عباس ( لتعرفوا ) مضارع عرف والفائدة في التعارف أن ينتسب كل واحد منهم إلى نسبه ولا يعتري إلى غيره والمقصود من هذا أن الله سبحانه خلقهم كذلك لهذه الفائدة لا للتفاخر بأنسابهم ودعوى أن هذا الشعب أفضل من هذا الشعب وهذه القبيلة أكرم من هذه القبيلة وهذا البطن أشرف من هذا البطن ثم علل سبحانه ما يدل عليه الكلام من النهي عن التفاخر فقال ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) أي أن التفاضل بينكم إنما هو بالتقوى فمن تلبس بها فهو المستحق لأن يكون أكرم ممن لم يتلبس بها وأشرف وأفضل فدعوا ما أنتم فيه من التفاخر بالأنساب فإن ذلك لا يوجب كرما ولا يثبت شرفا ولا يقتضي فضلا قرأ الجمهور إن أكرمكم بكسر إن وقرأ أبن عباس بفتحها أي لأن أكرمكم ( إن الله عليم ) بكل معلوم ومن ذلك أعمالكم ( خبير ) بما تسرون وما تعلنون لا تخفى عليه من ذلك خافية
الحجرات : ( 14 ) قالت الأعراب آمنا . . . . .
ولما ذكر سبحانه أن أكرم الناس عند الله أتقاهم له وكان أصل التقوى الإيمان ذكر ما كانت تقوله العرب من دعوى الإيمان ليثبت لهم الشرف والفضل فقال ( قالت الأعراب آمنا ) وهو بنو أسد أظهروا الإسلام في سنة مجدبه يريدون الصدقة فأمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يرد عليهم فقال ( قل لم تؤمنوا )


"""""" صفحة رقم 68 """"""
أي لم تصدقوا تصديقا صحيحا عن اعتقاد قلب وخلوص نية وطمأ نينة ( ولكن قولوا أسلمنا ) أي استسلمنا خوف القتل والسبي أو للطمع في الصدقة وهذه صفة المنافقين لأنهم أسلموا في ظاهر الأمر ولم تؤمن قلوبهم ولهذا قال سبحانه ( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) أي لم يكن ما أظهرتموه بألسنتكم عن مواطأة قلوبكم بل مجرد قول باللسان من دون اعتقاد صحيح ولا نية خالصة والجملة إما مستأنفة لتقرير ما قبلها أو في محل نصب على الحال وفي لما معنى التوقع قال الزجاج الإسلام إظهار الخضوع وقبول ما أتى به النبي وبذلك يحقن الدم فإن كان مع ذلك الأظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن وقد أخرج هؤلاء من الإيمان بقوله ( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم أي لم تصدقوا وإنما أسلمتم تعوذا من القتل ( وإن تطيعوا الله ورسوله ) طاعة صحيحة صادرة عن نيات خالصة وقلوب مصدقة غير منافقة ( لا يلنكم من أعمالكم شيئا ) يقال لات يلت إذا نقص ولاته يليته ويلوته إذا نقصه والمعنى لا ينقصكم من أعمالكم شيئا قرأ الجمهور يلتكم من لاته يليته كباع يبيعه وقرأ أبو عمرو لا يألتكم بالهمز من ألته يألته بالفتح في الماضي والكسر في المضارع واختار قراءة أبي عمرو أبو حاتم لقوله وما ألتناهم من عملهم من شئ وعليها قول الشاعر أبلغ بني أسد عني مغلغلة
جهر الرسالة لا ألتا ولا كذبا
واختار أبو عبيدة قراءة الجمهور وعليها قول رؤبة بن العجاج وليلة ذات ندى سريت
ولم يلتنى عن سراها ليت
وهما لغتان فصيحتان ( إن الله غفور ) أي بليغ المغفرة لمن فرط منه ذنب ( رحيم ) بليغ الرحمة لهم
الحجرات : ( 15 ) إنما المؤمنون الذين . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه أن أولئك الذين قالوا آمنا لم يؤمنوا ولا دخل الإيمان في قلوبهم بين المؤمنين المستحقين لإطلاق الإيمان عليهم فقال ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ) يعني إيمانا صحيحا خالصا عن مواطأة القلب واللسان ( ثم لم يرتابوا ) أي لم يدخل قلوبهم شئ من الريب ولا خالطهم شك من الشكوك وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ) أي في طاعته وابتغاء مرضاته ويدخل في الجهاد الأعمال الصالحة التي أمر الله بها فإنها من جميع ما يجاهد المرء به نفسه حتى يقوم به ويؤديه كما أمر الله سبحانه والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى الجامعين بين الأمور المذكورة وهو مبتدأ وخبره قوله ( هم الصادقون ) أي الصادقون في الاتصاف بصفة الإيمان والدخول في عدا أهله لا من عداهم ممن أظهر الإسلام بلسانه وادعى أنه مؤمن ولم يطمئن بالإيمان قلبه ولا وصل إليه معناه ولا عمل بأعمال أهله وهو الأعراب الذين تقدم ذكرهم وسائر أهل النفاق
الحجرات : ( 16 ) قل أتعلمون الله . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يقول لأولئك الأعراب وأمثالهم قولا آخر لما ادعوا أنهم مؤمنون فقال ( قل أتعلمون الله بدينكم ) التعليم ها هنا بمعنى الأعلام ولهذا دخلت الباء في بدينكم أي أتخبرونه بذلك حيث فلتم آمنا ( والله يعلم ما في السموات وما في الأرض ) فكيف يخفي عليه بطلان ما تدعونه من الإيمان والجملة في محل النصب على الحال من مفعول تعلمون ( والله بكل شيء عليم ) لا تخفى عليه من ذلك خافية وقد علم ما تبطنونه من الكفر وتظهرونه من الإسلام لخوف الضراء ورجاء النفع
الحجرات : ( 17 ) يمنون عليك أن . . . . .
ثم أخبر الله سبحانه رسوله بما يقوله لهم عند المن عليه منهم بما يدعونه من الإسا فقال ( يمنون عليك ان أسلموا ) أي يعدون إسلامهم منه عليك حيث قالوا جئناك بالأثقال والعيال ولم نقاتل كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان ( قل لا تمنوا على إسلامكم ) أي لا تعدوه منه على فإن الإسلام هو المنة التي لايطاولها ثوابا لمن أنعم ولذا قال بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان أي أرشدكم إليه وأراكم طريق


"""""" صفحة رقم 69 """"""
سواء وصلتم إلى المطلوب أم لم تصلوا إليه وانتصاب إسلامكم إما على أنه مفعول به على تضمين يمنون معنى يعدون أو ينزع الخافض أي لأن أسلموا وهكذا قوله ( أن هداكم للإيمان ) فإنه يحتمل الوجهين ( إن كنتم صادقين ) فيما تدعونه والجواب محذوف يدل عليه ماقبله أي إن كنتم صادقين فلله المنة عليكم قرأ الجمهور ( أن هداكم بفتح أن وقرأ عاصم بكسرها
الحجرات : ( 18 ) إن الله يعلم . . . . .
( إن الله يعلم غيب السموات والأرض ) أي ما غاب فيهما ( والله بصير بما تعملون ) لا يخفى عليه من ذلك شيء فهو مجازكم بالخير خيرا وبالشر شرا قرأ الجمهور تعملون على الخطاب وقرأ ابن كثير على الغيبة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن أبن أبي مليكة قال لما كان يوم الفتح رقى بلال فأذن على الكعبة فقال بعض الناس أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة وقال بعضهم إن يسخط الله هذا يغيره فنزلت ) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ( وأخرج أبن المنذر عن أبن جريج نحوه وأخرج أبو داود في مراسيله وأبن مردويه والبيهقي في سننه عن الزهري قال أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم فقالوا يا رسول الله أنزوج بناتنا موالينا فنزلت هذه الآية وأخرج أبن مردويه عن عمر بن الخطاب أن هذه الآية ) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ( هي مكية وهي للعرب خاصة الموالي أي قبيلة لهم وأي شعاب وقوله ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) فقال أتقاكم للشرك وأخرج البخاري وأبن جرير عن أبن عباس قال الشعوب القبائل العظام والقبائل البطون وأخرج الفريابي وأبن جرير وأبن أبي حاتم عنه قال الشعوب الجماع والقبائل الأفخاذ التي يتعارفون بها وأخرج عبد بن حميد وأبن جرير عنه أيضا قال القبائل الأفخاذ والشعوب الجمهور مثل مصر وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي الناس أكرم قال أكرمهم عند الله أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي الله أبن نبي الله أبن نبي الله أبن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني قالوا نعم قال خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا وقد وردت أحاديث في الصحيح وغيره أن التقوى هي التي يتفاضل بها العباد وأخرج عبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر عن مجاهد في قوله ( قالت الأعراب أمنا ) قال أعراب بني أسد وخزيمه وفي قوله ( ولكن قولوا أسلمنا ) مخافة القتل والسبي وأخرج أبن جرير عن قتادة أنها نزلت في بني اسد واخرج أبن المنذر والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند حسن عن عبد الله بن أبي أوفى أن ناسا من العرب قالوا يا رسول الله أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان فأنزل الله ( يمنون عليك أن أسلموا ) وأخرج النسائي والبزار وأبن مردويه عن أبن عباس نحوه وذكر أنهم بنو أسد


"""""" صفحة رقم 70 """"""
ع50
تفسير
سورة ق
هي خمس وأربعون آية
حول السورة
وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر وروى عن أبن عباس وقتادة أنها مكية إلا آية وهي قوله ( ) ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ( ) وهي أول المفصل على الصحيح وقيل من الحجرات وأخرج أبن الضريس والنحاس وأبن مردويه والبيهقي عن أبن عباس قال نزلت سورة ق بمكة وأخرج أبن مردويه عن ابن الزبير مثله وقد أخرج مسلم وغيره عن قطبة بن مالك قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقرا في الفجر في الركعة الأولى ق والقرآن المجيد وأخرج أحمد ومسلم وأهل السنن عن أبي واقد الليثي قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ في العيد بقاف وأقتربت وأخرج أبن أبي شيبة وأبو داود وأبن ماجه والبيهقي عن أم هشام أبنة حارثة قالت ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا من في رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ بها في كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس وهو في صحيح مسلم
سورة ق ( 1 15 )


"""""" صفحة رقم 71 """"""
ق : ( 1 ) ق والقرآن المجيد
قوله ( ق والقرآن المجيد ) الكلام في إعراب هذا كالكلام الذي قدمنا في قوله ص والقرآن ذي الذكر وفي قوله حم والكتاب المبين واختلف في معنى ق فقال الواحدى قال المفسرون هو اسم جبل يحيط بالدنيا من زبر جد والسماء مقببة عليه وهو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة قال الفراء كان يجب على هذا أن يظهر الإعراب في ق لأنه اسم وليس بهجاء قال ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كقول القائل قلت لها قفي فقالت قاف أي أنا واقفة وحكى الفراء والزجاج أن قوما قالوا معنى ق قضي الأمر وقضى ما هو كائن كما قيل في حم حم الأمر وقيل هو اسم من أسماء الله أقسم به وقال قتادة هو اسم من أسماء القرآن وقال الشعبي فاتحة السورة وقال أبو بكر الوراق معناه قف عند أمرنا ونهينا ولا تعدهما وقيل غير ذلك مما هو أضعف منه والحق أنه من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه كما حققنا ذلك في فاتحة سورة البقرة ومعني المجيد أنه ذو مجد وشرف على سائر الكتب المنزلة وقال الحسن الكريم وقيل الرفيع القدر وقيل الكبير القدر
ق : ( 2 ) بل عجبوا أن . . . . .
وجواب القسم قال الكوفيون هو قوله ( بل عجبوا ) وقال الأخفش جوابه محذوف كأنه قال ق والقرآن المجيد لتبعثن
ق : ( 3 ) أئذا متنا وكنا . . . . .
يدل عليه ( أئذا متنا وكنا ترابا ) وقال ابن كيسان جوابه ما يلفظ من قول وقيل هو قد علمنا ما تنقص الأرض منهم بتقدير اللام أي لقد علمنا وقيل هو محذوف وتقديره أنزلناه إليك لتنذر كأنه قيل ق والقرآن المجيد أنزلناه إليك لتنذر به الناس قرأ الجمهور قاف بالسكون وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم بكسر الفاء وقرأ عيسى الثقفي بفتح الفاء وقرأ هارون ومحمد بن السميفع بالضم ( بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ) بل للإضراب عن الجواب على اختلاف الأقوال وأن في موضع نصب على تقدير لأن جاءهم والمعنى بل عجب الكفار لأن جاءهم منذر منهم وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يكتفوا بمجرد الشك والرد بل جعلوا ذلك من الأمور العجيبة وقيل هو إضراب عن وصف القرآن بكونه مجيدا وقد تقدم تفسير هذا في سورة ص ثم فسر ما حكاه عنهم من كونهم عجبوا بقوله ( فقال الكافرون هذا شيء عجيب ) وفيه زيادة تصريح وإيضاح قال قتادة عجبهم أن دعوا إلى إله واحد وقيل تعجبهم من البعث فيكون لفظ هذا إشارة إلى مبهم يفسره ما بعده من قوله ( أئذا متنا ) الخ والأول أولى قال الرازي الظاهر أن قولهم هذا إشارة إلى مجيء المنذر ثم قالوا ( أئذا متنا ) وأيضا قد وجد ها هنا بعد الاستبعاد بالاستفهام أمر يؤدي معنى التعجب وهو قولهم ( ذلك رجع بعيد ) فإنه استبعاد وهو كالتعجب فلو كان التعجب بقولهم ( هذا شيء عجيب ) عائدا إلى قولهم أئذا لكان كالتكرار فإن قيل التكرار الصريح يلزم من قولك هذا شيء عجيب أنه يعود إلى مجيء المنذر فإن تعجبهم منه علم من قولهم وعجبوا أن جاءهم فقوله ( هذا شيء عجيب ) يكون تكرارا فنقول ذلك ليس بتكرار بل هو تقرير لأنه لما قال بل عجبوا بصيغة الفعل وجاز أن يتعجب الإنسان مما لا يكون عجبا كقوله أتعجبين من أمر الله ويقال في العرف لا وجه لتعجبك مما ليس بعجب فكأنهم لما عجبوا قيل لهم لا معنى لتعجبكم فقالوا ( هذا شيء عجيب ) فكيف لا نعجب منه ويدل على ذلك قوله هاهنا ( فقال الكافرون ) بالفاء فإنها تدل على أنه مترتب على ما تقدم قرأ الجمهور أئذا متنا بالاستفهام وقرأ بن عامر في رواية عنه وأبو جعفر والأعمش والأعرج بهمزة واحدة فيحتمل الاستفهام كقراءة الجمهور وهمزة الاستفهام مقدرة ويحتمل أن معناه الإخبار والعامل في الظرف مقدر أي أيبعثنا أو أنرجع إذا متنا لدلالة ما بعده عليه هذا على قراءة الجمهور وأما على القراءة الثانية فجواب إذا محذوف أي رجعنا وقيل ذلك رجع والمعنى استنكارهم للبعث بعد موتهم ومصيرهم ترابا ثم جزموا باستبعادهم للبعث فقالوا ( ذلك ) أي البعث ( رجع بعيد ) أي بعيد عن العقول أو الأفهام أو العادة أو الإمكان


"""""" صفحة رقم 72 """"""
يقال رجعته أرجعه رجعا ورجع هو يرجع رجوعا
ق : ( 4 ) قد علمنا ما . . . . .
ثم رد سبحانه ما قالوه فقال ( قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ) أي ما تأكل من أجسادهم فلا يضل عنا شيء من ذلك ومن أحاط علمه بكل شيء حتى انتهى إلى علم ما يذهب من أجساد الموتى في القبور لا يصعب عليه البعث ولا يستبعد منه وقال السدى النقص هنا الموت يقول قد علمنا من يموت منهم ومن يبقى لأن من مات دفن فكأن الأرض تنقص من الأموات وقيل المعنى من يدخل في الإسلام من المشركين والأول أولى ( وعندنا كتاب حفيظ ) أي حافظ لعدتهم وأسمائهم ولكل شيء من الأشياء وهو اللوح المحفوظ وقيل المراد بالكتاب هنا العلم والإحصاء والأول أولى وقيل حفيظ بمعنى محفوظ أي محفوظ من الشياطين أو محفوظ فيه كل شيء
ق : ( 5 ) بل كذبوا بالحق . . . . .
ثم أضرب سبحانه عن كلامهم الأول وانتقل إلى ما هو أشنع منه فقال ( بل كذبوا بالحق ) فإنه تصريح منهم بالتكذيب بعدما تقدم عنهم من الاستبعاد والمراد بالحق هنا القرآن قال الماوردي في قول الجميع وقيل هو الإسلام وقيل محمد وقيل النبوة الثابتة بالمعجزات ( لما جاءهم ) أي وقت مجيئه إليهم من غير تدبر ولا تفكر ولا إمعان نظر قرأ الجمهور بفتح اللام وتشديد الميم وقرأ الجحدري بكسر اللام وتخفيف الميم ( فهم في أمر مريج ) أي مختلط مضطرب يقولون مرة ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن قاله الزجاج وغيره وقال قتادة مختلف وقال الحسن ملتبس والمعنى متقارب وقيل فاسد والمعاني متقاربة ومنه قولهم مرجت أمانات الناس أي فسدت ومرج الدين والأمر اختلط
ق : ( 6 ) أفلم ينظروا إلى . . . . .
( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم ) الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي كيف غفلوا عن النظر إلى السماء فوقهم ( كيف بنيناها ) وجعلناها على هذه الصفة مرفوعة بغير عماد تعتمد عليه ( وزيناها ) بما جعلنا فيها من المصابيح ( وما لها من فروج ) أي فتوق وشقوق وصدوع وهو جمع فرج ومنه قول امرىء القيس يسد به فرجا من دبر قال الكسائي ليس فيه تفاوت ولا اختلاف ولا فتوق
ق : ( 7 ) والأرض مددناها وألقينا . . . . .
( والأرض مددناها ) أي بسطناها ( وألقينا فيها رواسي ) أي جبالا ثوابت وقد تقدم تفسير هذا في سورة الرعد ( وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ) أي من كل صنف حسن وقد تقدم تفسير هذا في سورة الحج
ق : ( 8 ) تبصرة وذكرى لكل . . . . .
( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ) هما علتان لما تقدم منتصبان بالفعل الأخير منها أو بمقدر أي فعلنا ما فعلنا للتبصير والتذكير قاله الزجاج وقال أبو حاتم انتصبا على المصدرية أي جعلنا ذلك تبصرة وذكرى والمنيب الراجع إلى الله بالتوبة المتدبر في بديع صنعه وعجائب مخلوقاته وفي سياق هذه الآيات تذكير لمنكري البعث وإيقاظ لهم عن سنة الغفلة وبيان لإمكان ذلك وعدم امتناعه فإن القادر على مثل هذه الأمور يقدر عليه
ق : ( 9 ) ونزلنا من السماء . . . . .
وهكذا قوله ( ونزلنا من السماء ماء مباركا ) أي نزلنا من السحاب ماء كثير البركة لانتفاع الناس به في غالب أمورهم ( فأنبتنا به جنات ) أي أنبتنا بذلك الماء بساتين كثيرة ( وحب الحصيد ) أي ما يقتات ويحصد من الحبوب والمعنى وحب الزرع الحصيد وخص الحب لأنه المقصود كذا قال البصريون وقال الكوفيون هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه كمسجد الجامع حكاه الفراء قال الضحاك حب الحصيد البر والشعير وقيل كل حب يحصد ويدخر ويقتات
ق : ( 10 ) والنخل باسقات لها . . . . .
( والنخل باسقات لها طلع نضيد ) هو معطوف على جنات أي وأنبتنا به النخل وتخصيصها بالذكر مع دخولها في الجنات للدلالة على فضلها على سائر الأشجار وانتصاب باسقات على الحال وهي حال مقدرة لأنها وقت الإنبات لم تكن باسقة قال مجاهد وعكرمة وقتادة الباسقات الطوال وقال سعيد بن جبير مستويات وقال الحسن وعكرمة والفراء موانير حوامل يقال للشاة إذا بسقت ولدت والأشهر في لغة العرب الأول يقال بسقت النخلة بسوقا إذا طالت ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 73 """"""
لنا خمر وليست خمر كرم
ولكن من نتاج الباسقات كرام في السماء ذهبن طولا
وفات ثمارها أيدي الجنات
وجملة ( لها طلع نضيد ) في محل نصب على الحال من النخل الطلع هو أول ما يخرج من ثمر النخل يقال طلع الطلع طلوعا والنضيد المتراكب الذي نضد بعضه على بعض وذلك قبل أن ينفتح فهو نضيد في أكمامه فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد
ق : ( 11 ) رزقا للعباد وأحيينا . . . . .
( رزقا للعباد ) انتصابه على المصدرية أي رزقناهم رزقا أو على العلة أي أنبتنا هذه الأشياء للرزق ( وأحيينا به بلدة ميتا ) أي أحيينا بذلك الماء بلدة مجدبة لا ثمار فيها ولا زرع وجملة ( كذلك الخروج ) مستأنفة لبيان أن الخروج من القبور عند البعث كمثل هذا الإحياء الذي أحيا الله به الأرض الميتة قرأ الجمهور ميتا على التخفيف وقرأ أبو جعفر وخالد بالتثقيل
ق : ( 12 ) كذبت قبلهم قوم . . . . .
ثم ذكر سبحانه الأمم المكذبة فقال ( كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس ) هم قوم شعيب كما تقدم بيانه وقيل هم الذين جاءهم من أقصى المدينة رجل يسعى وهم من قوم عيسى وقيل هم أصحاب الأخدود والرس إما موضع نسبوا إليه أو فعل وهو حفر البئر يقال رس إذا حفر بئرا ( وثمود
ق : ( 13 ) وعاد وفرعون وإخوان . . . . .
(وعاد وفرعون ) أي فرعون وقومه ( وإخوان لوط ) جعلهم إخوانه لأنهم كانوا أصهاره وقيل هم من قوم إبراهيم وكانوا من معارف لوط
ق : ( 14 ) وأصحاب الأيكة وقوم . . . . .
( وأصحاب الأيكة ) تقدم الكلام على الأيكة واختلاف القراء فيها في سورة الشعراء مستوفى ونبيهم الذي بعثه الله إليهم شعيب ( وقوم تبع ) هو تبع الحميري الذي تقدم ذكره في قوله أهم خير أم قوم تبع واسمه سعد أبو كرب وقيل أسعد قال قتادة ذم الله قوم تبع ولم يذمه ( كل كذب الرسل ) التنوين عوض عن المضاف إليه أي كل واحد من هؤلاء كذب رسوله الذي أرسله الله إليه وكذب ما جاء به من الشرع واللام في الرسل تكون للعهد ويجوز أن تكون للجنس أي كل طائفة من هذه الطوائف كذبت جميع الرسل وإفراد الضمير في كذب باعتبار لفظ كل وفي هذا تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كأنه قيل له لا تحزن ولا تكثر غمك لتكذيب هؤلاء لك فهذا شأن من تقدمك من الأنبياء فإن قومهم كذبوهم ولم يصدقهم إلا القليل منهم ( فحق وعيد ) أي وجب عليهم وعيدي وحقت عليهم كلمة العذاب وحل بهم ما قدره الله عليهم من الخسف والمسخ والإهلاك بالأنواع التي أنزلها الله بهم من عذابه
ق : ( 15 ) أفعيينا بالخلق الأول . . . . .
( أفعيينا بالخلق الأول ) الاستفهام للتقريع والتوبيخ والجملة مستأنفة لتقرير أمر المبعث الذي أنكرته الأمم أي أفعجزنا بالخلق حين خلقناهم أولا ولم يكونوا شيئا فكيف نعجز عن بعثهم يقال عييت بالأمر إذا عجزت عنه ولم أعرف وجهه قرأ الجمهور بكسر الياء الأولى بعدها ياء ساكنة وقرأ ابن أبي عبلة بتشديد الياء من غير إشباع ثم ذكر أنهم في شك من البعث فقال ( بل هم في لبس من خلق جديد ) أي في شك وحيرة واختلاط من خلق مستأنف وهو بعث الأموات ومعنى الإضراب أنهم غير منكرين لقدرة الله على الخلق الأول ( بل هم في لبس من خلق جديد )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( ق ) قال هو اسم من أسماء الله وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال خلق الله من وراء هذه الأرض بحرا محيطا ثم خلق وراء ذلك جبلا يقال له ق السماء الدنيا مرفرفة عليه ثم خلق من وراء ذلك الجبل أرضا مثل تلك الأرض سبع مرات ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطا بها ثم خلق وراء ذلك جبلا يقال له قاف السماء الثانية مرفرفة عليه حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سموات قال وذلك قوله والبحر يمده من بعده سبعة أبحر قال ابن كثير لا يصح سنده عن


"""""" صفحة رقم 74 """"""
ابن عباس وقال أيضا وفيه انقطاع وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عنه أيضا قال هو جبل وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض فإذا أراد الله أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فحرك ذلك العرق الذي يلي تلك القرية فيزلزلها ويحركها فمن ثم يحرك القرية دون القرية وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضا ( والقرآن المجيد ) قال الكريم وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا وقال القرآن المجيد ليس شيء أحسن منه ولا أفضل وأخرج بن المنذر وبن أبي حاتم عنه أيضا ( قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ) قال أجسادهم وما يذهب منها وأخرج ابن جرير عنه أيضا في الآية قال ما تأكل من لحومهم وعظامهم وأشعارهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه أيضا قال المريج الشيء المتغير وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن قطبة قال سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ في الصبح ق فلما أتى على هذه الآية ( والنخل باسقات ) فجعلت أقول ما بسوقها قال طولها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله ( والنخل باسقات ) قال الطول وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ( لها طلع نضيد ) قال متراكم بعضه على بعض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( أفعيينا بالخلق الأول ) يقول لم يعيينا الخلق الأول وفي قوله ( بل هم في لبس من خلق جديد ) في شك من البعث
سورة ق الآية 16 35


"""""" صفحة رقم 75 """"""
ق : ( 16 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . .
قوله ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر بعض القدرة الربانية والمراد بالإنسان الجنس وقيل آدم والوسوسة هي في الأصل الصوت الخفي والمراد بها هنا ما يختلج في سره وقلبه وضميره أي نعلم ما يخفى ويكن في نفسه ومن استعمال الوسوسة في الصوت الخفي قول الأعشى تسمع للحلى وسواسا إذا انصرفت فاستعمل لما خفى من حديث النفس ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) هو حبل العاتق وهو ممتد من ناحية حلقه إلى عاتقه وهما وريدان من عن يمين وشمال وقال الحسن الوريد الوتين وهو عرق معلق بالقلب وهو تمثيل للقرب بقرب ذلك العرق من الإنسان أي نحن أقرب إليه من حبل وريده والإضافة بيانية أي حبل هو الوريد وقيل الحبل هو نفس الوريد فهو من باب مسجد الجامع
ق : ( 17 ) إذ يتلقى المتلقيان . . . . .
ثم ذكر سبحانه أنه مع علمه به وكل به ملكين يكتبان ويحفظان عليه عمله إلزاما للحجة فقال ( إذ يتلقى المتلقيان ) الظرف منتصب بما في أقرب من معنى الفعل ويجوز أن يكون منصوبا بمقدر هو اذكر والمعنى أنه أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى المتلقيان وهما الملكان الموكلان به ما يلفظ به وما يعمل به أي يأخذان ذلك ويثبتانه والتلقي الأخذ أي نحن أعلم بأحواله غير محتاجين إلى الحفظة الموكلين به وإنما جعلنا ذلك إلزاما للحجة وتوكيدا للأمر قال الحسن وقتادة ومجاهد المتلقيان ملكان يتلقيان عملك أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك وقال مجاهد أيضا وكل الله بالإنسان ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله ويكتبان أثره ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) إنما قال قعيد ولم يقل قعيدان وهما اثنان لأن المراد عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كذا قال سيبويه كقول الشاعر نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
وقول الفرزدق وأتى وكان وكنت غير عذور أي وكان غير عذور وكنت غير عذور وقال الأخفش والفراء إن لفظ قعيد يصلح للواحد والاثنين والجمع ولا يحتاج إلى تقدير في الأول قال الجوهري وغيره من أئمة اللغة والنحو فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والقعيد المقاعد كالجليس بمعنى المجالس
ق : ( 18 ) ما يلفظ من . . . . .
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) أي ما يتكلم من كلام فيلفظه ويرميه من فيه إلا لديه أي أن ذلك اللافظ رقيب أي ملك يرقب قوله ويكتبه والرقيب الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر فكاتب الخير هو ملك اليمين وكاتب الشر ملك الشمال والعتيد الحاضر المهيأ قال الجوهري العتيد الحاضر المهيأ يقال عتده تعتيدا وأعتده اعتدادا أي أعده ومنه وأعتدت لهن متكأ والمراد هنا أنه معد للكتابة مهيؤ لها
ق : ( 19 ) وجاءت سكرة الموت . . . . .
( وجاءت سكرة الموت بالحق ) لما بين سبحانه أن جميع أعمالهم محفوظة مكتوبة ذكر بعده ما ينزل بهم من الموت والمراد بسكرة الموت شدته وغمرته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله ومعنى بالحق أنه عند الموت يتضح له الحق ويظهر له صدق ما جاءت به الرسل من الإخبار بالبعث والوعد والوعيد وقيل الحق هو الموت وقيل في الكلام تقديم وتأخير أي وجاءت سكرة الحق بالموت وكذا قرأ أبو بكر الصديق وابن مسعود والسكرة هي الحق فأضيفت إلى نفسها لاختلاف اللفظين وقيل الباء للملابسة كالتي في قوله تنبت بالدهن أي ملتبسة بالحق أي بحقيقة الحال والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى الموت والحيد الميل أي ذلك الموت الذي كنت تميل عنه وتفر منه يقال حاد عن الشيء يحيد حيودا وحيدة وحيدودة مال عنه وعدل ومنه قول طرفة
أبو منذر رمت الوفاء فهبته وحدت كما حاد البعير عن الدحض


"""""" صفحة رقم 76 """"""
وقال الحسن تحيد تهرب
ق : ( 19 ) وجاءت سكرة الموت . . . . .
( ونفخ في الصور ) عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه وهذه هي النفخة الآخرة للبعث ( ذلك يوم الوعيد ) أي ذلك الوقت الذي يكون فيه النفخ في الصور يوم الوعيد الذي أوعد الله به الكفار قال مقاتل يعنى بالوعيد العذاب في الآخرة وخصص الوعيد مع كون اليوم هو يوم الوعد والوعيد جميعا لتهويله
ق : ( 21 ) وجاءت كل نفس . . . . .
( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) أي جاءت كل نفس من النفوس معها من يسوقها ومن يشهد لها أو عليها واختلف في السائق والشهيد فقال الضحاك السائق من الملائكة والشهيد من أنفسهم يعنى الأيدي والأرجل وقال الحسن وقتادة سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها بعملها وقال ابن مسلم السائق قرينها من الشياطين سمى سائقا لأنه يتبعها وإن لم يحثها وقال مجاهد السائق والشهيد ملكان وقيل السائق الملك والشهيد العمل وقيل السائق كاتب السيئات والشهيد كاتب الحسنات ومحل الجملة النصب على الحال
ق : ( 22 ) لقد كنت في . . . . .
( لقد كنت في غفلة من هذا ) أي يقال له لقد كنت في غفلة من هذا والجملة في محل نصب على الحال من نفس أو مستأنفة كأنه قيل ما يقال له قال الضحاك المراد بهذا المشركون لأنهم كانوا في غفلة من عواقب أمورهم وقال ابن زيد الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي لقد كنت يا محمد في غفلة من الرسالة وقال أكثر المفسرين المراد به جميع الخلق برهم وفاجرهم واختار هذا ابن جرير قرأ الجمهور بفتح التاء من كنت وفتح الكاف في غطاءك وبصرك حملا على ما في لفظ كل من التذكير وقرأ الجحدري وطلحة بن مصرف بالكسر في الجميع على أن المراد النفس ( فكشفنا عنك غطاءك ) الذي كان في الدنيا يعنى رفعنا الحجاب الذي كان بينك وبين أمور الآخرة ورفعنا ما كنت فيه من الغفلة عن ذلك ( فبصرك اليوم حديد ) أي نافذ تبصر به ما كان يخفى عليك في الدنيا قال السدى المراد بالغطاء أنه كان في بطن أمه فولد وقيل إنه كان في القبر فنشر والأول أولى والبصر قيل هو بصر القلب وقيل بصر العين وقال مجاهد بصرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك وبه قال الضحاك
ق : ( 23 ) وقال قرينه هذا . . . . .
( وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ) أي قال الملك الموكل به هذا ما عندي من كتاب عملك عتيد حاضر قد هيأته كذا قال الحسن وقتادة والضحاك وقال مجاهد إن الملك يقول للرب سبحانه هذا الذي وكلتني به من بني آدم قد أحضرته وأحضرت ديوان عمله وروى عنه أنه قال إن قرينه من الشياطين يقول ذلك أي هذا ما قد هيأته لك بإغوائي وإضلالي وقال ابن زيد إن المراد هنا قرينه من الإنس وعتيد مرفوع على أنه صفة لما إن كانت موصوفة وإن كانت موصولة فهو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف
ق : ( 24 ) ألقيا في جهنم . . . . .
( ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ) هذا خطاب من الله عز وجل للشائق والشهيد قال الزجاج هذا أمر للملكين الموكلين به وهما السائق والشاهد كل كفار للنعم عنيد مجانب للإيمان
ق : ( 25 ) مناع للخير معتد . . . . .
( مناع للخير ) لا يبذل خيرا ( معتد ) ظالم لا يقر بتوحيد الله ( مريب ) شاك في الحق من قولهم أراب الرجل إذا صار ذا ريب وقيل هو خطاب للملكين من خزنة النار وقيل هو خطاب لواحد على تنزيل تثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل وتكريره قال الخليل والأخفش هذا كلام العرب الصحيح أن يخاطب الواحد بلفظ الاثنين يقولون ارحلاها وازجراها وخذاه وأطلقاه للواحد قال الفراء العرب تقول للواحد قوما عنا وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه ورفقته في سفره اثنان فجرى كلام الرجل للواحد على ذلك ومنه قولهم للواحد في الشعر خليلي كما قال امرؤ القيس خليلي مرا بي على أم جندب
نقض لبانات الفؤاد المعذب


"""""" صفحة رقم 77 """"""
وقوله قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل وقول الآخر
فإن تزجراني يابن عفان أنزجر وإن تدعواني أحم عرضا ممنعا
قال المازني قوله ( ألقيا ) يدل على ألق ألق قال المبرد هي تثنية على التوكيد فناب ألقيا مناب ألق ألق قال مجاهد وعكرمة العنيد المعاند للحق وقيل المعرض عن الحق يقال عند يعند بالكسر عنودا إذا خالف الحق
ق : ( 26 ) الذي جعل مع . . . . .
( الذي جعل مع الله إلها آخر ) يجوز أن يكون بدلا من كل أو منصوبا على الذم أو بدلا من كفار أو مرفوعا بالابتداء أو الخبر ( فألقياه في العذاب الشديد ) تأكيد للأمر الأول أو بدل منه
ق : ( 27 ) قال قرينه ربنا . . . . .
( قال قرينه ربنا ما أطغيته ) هذه الجملة مستأنفة لبيان ما يقوله القرين والمراد بالقرين هنا الشيطان الذي قيض لهذا الكافر أنكر أن يكون أطغاه ثم قال ( ولكن كان في ضلال بعيد ) أي عن الحق فدعوته فاستجاب لي ولو كان من عبادك المخلصين لم أقدر عليه وقيل إن قرينه الملك الذي كان يكتب سيئاته وإن الكافر يقول رب إنه أعجلني فيجيبه بهذا كذا قال مقاتل وسعيد بن جبير والأول أولى وبه قال الجمهور ( قال لا تختصموا لدي ) هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال الله فقيل
ق : ( 28 ) قال لا تختصموا . . . . .
( قال لا تختصموا لدي ) يعنى الكافرين وقرناءهم نهاهم سبحانه عن الاختصام في موقف الحساب وجملة ( وقد قدمت إليكم بالوعيد ) في محل نصب على الحال أي والحال أن قد قدمت إليكم بالوعيد بإرسال الرسل وإنزال الكتب والباء في بالوعيد مزيدة للتأكيد أو على تضمين قدم معنى تقدم
ق : ( 29 ) ما يبدل القول . . . . .
( ما يبدل القول لدي ) أي لا خلف لوعدي بل هو كائن لا محالة وقد قضيت عليكم بالعذاب فلا تبديل له وقيل هذا القول هو قوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وقيل هو قوله لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وقال الفراء وابن قتيبة معنى الآية أنه ما يكذب عندي بزيادة في القول ولا بنقص منه لعلمي بالغيب وهو قول الكلبي واختاره الواحدي لأنه قال لدي ولم يقل وما يبدل قولي والأول أولى وقيل إن مفعول قدمت إليكم هو ما يبدل أي وقد قدمت إليكم هذا القول ملتبسا بالوعيد وهذا بعيد جدا ( وما أنا بظلام للعبيد ) أي لا أعذبهم ظلما بغير جرم اجترموه ولا ذنب أذنبوه ولما كان نفي الظلام لا يستلزم نفي مجرد الظلم قيل إنه هنا بمعنى الظالم كالثمار بمعنى التامر وقيل إن صيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم وقيل صيغة المبالغة لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده وقيل غير ذلك وقد تقدم الكلام على هذا في سورة آل عمران وفي سورة الحج
ق : ( 30 ) يوم نقول لجهنم . . . . .
( يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ) قرأ الجمهور نقول بالنون وقرأ نافع وأبو بكر بالياء وقرأ الحسن أقول وقرأ الأعمش يقال والعامل في الظرف ما يبدل القول لدي أو محذوف أي اذكر أو أنذرهم وهذا الكلام على طريقة التمثيل والتخييل ولا سؤال ولا جواب كذا قيل والأولى أنه على طريقة التحقيق ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع قال الواحدي قال المفسرون أراها الله تصديق قوله لأملأن جهنم فلما امتلأت قال لها ( هل امتلأت وتقول هل من مزيد ) أي قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلىء وبهذا قال عطاء ومجاهد ومقاتل بن سليمان وقيل إن هذا الاستفهام بمعنى الاستزادة أي إنها تطلب الزيادة على من قد صار فيها وقيل إن المعنى أنها طلبت أن يزاد في سعتها لتضايقها بأهلها والمزيد إما مصدر كالمحيد أو اسم مفعول كالمنيع فالأول بمعنى هل من زيادة والثاني بمعنى هل من شيء تزيدونيه
ق : ( 31 ) وأزلفت الجنة للمتقين . . . . .
ثم لما فرغ من بيان حال الكافرين شرع في بيان حال المؤمنين فقال ( وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ) أي قربت للمتقين تقريبا غير بعيد أو مكان غير بعيد منهم بحيث يشاهدونها في الموقف وينظرون ما فيها مما لا عين رأت ولا أذن


"""""" صفحة رقم 78 """"""
سمعت ولا خطر على قلب بشر ويجوز أن يكون انتصاب غير بعيد على الحال وقيل المعنى أنها زينت قلوبهم في الدنيا بالترغيب والترهيب فصارت قريبه من قلوبهم والأول أولى
ق : ( 32 ) هذا ما توعدون . . . . .
والإشارة بقوله ( هذا ما توعدون ) إلى الجنة التي أزلفت لهم على معنى هذا الذي ترونه من فنون نعيمها ما توعدون والجملة بتقدير القول أي ويقال لهم هذا ما توعدون قرأ الجمهور توعدون بالفوقية وقرأ أبن كثير بالتحتية ( لكل أواب حفيظ ) هو بدل من للمتقين بإعادة الخافض أو متعلق بقول محذوف هو حال أي مقولا لهم لكل أواب والأواب الرجاع إلى الله تعالى بالتوبة عن المعصية وقيل هو المسبح وقيل هو الذاكر لله في الخلوة قال الشعبي ومجاهد هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة فيستغفر الله منها وقال عبيد بن عمير هو الذي لا يجلس مجلسا حتى يستغفر الله فيه والحفيظ هو الحافظ لذنوبه حتى يتوب منها وقال قتادة هو الحافظ لما استودعه الله من حقه ونعمته قاله مجاهد وقيل هو الحافظ الأمر لله وقال الضحاك هو الحافظ لوصية الله له بالقبول
ق : ( 33 ) من خشي الرحمن . . . . .
( من خشى الرحمن بالغيب ) الموصول في محل جر بدلا أو بيانا لكل أواب وقيل يجوز أن يكون بدلا بعد بدل من المتقين وفيه نظر لأنه لا يتكرر البدل والمبدل منه واحد ويجوز أن يكون في محل رفع على الأستئناف والخبر أدخلوها بتقدير يقال لهم ادخلوها والخشية بالغيب أن يخاف الله ولم يكن رآه وقال الضحاك والسدي يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد قال الحسن إذا أرخى الستر وأغلق الباب وبالغيب متعلق بمحذوف هو حال أو صفة لمصدر خشى ( وجاء بقلب منيب ) أي راجع إلى الله مخلص لطاعته وقيل المنيب المقبل على الطاعة وقيل السليم
ق : ( 34 ) ادخلوها بسلام ذلك . . . . .
( ادخلوها ) هو بتقدير القول أي يقال لهم ادخلوها والجمع اعتبار معنى من اي ادخلوا الجنة بسلام أي بسلامة من العذاب وقيل بسلام من الله وملائكته وقيل بسلامة من زوال النعم وهو متعلق بمحذوف هو حال أي ملتبسين بسلام والإشارة بقوله ذلك إلى زمن ذلك اليوم كما قال أبو البقاء وخبره ( يوم الخلود ) وسماه يوم الخلود لأنه لا انتهاء له بل هو دائم أبدا
ق : ( 35 ) لهم ما يشاؤون . . . . .
( لهم ما يشاؤون فيها ) أي في الجنة ما تشتهى أنفسهم وتلذ أعينهم من فنون النعم وأنواع الخير ( ولدنيا مزيد ) من النعم التي لم تخطر على بال ولا مرت لهم في خيال
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن مردويه عن أبي سعيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال نزل الله من أبن آدم أربع منازل هو أقرب إليه من حبل الوريد وهو يحول بين المرء وقلبه وهو آخذ بناصية كل دابة وهو معهم أينما كانوا وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( من حبل الوريد ) قال عروق العنق وأخرج أبن المنذر عنه قال هو نياط القلب وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) قال يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله أكلت وشربت ذهبت جئت رأيت حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان من خير أو شر وألقى سائره فذلك قوله يمحو الله ما يشاء ويثبت وأخرج أبن أبي شيبة وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبن مردويه من طريق عكرمة عن أبن عباس في الآية قال إنما يكتب الخير والشر لا يكتب يا غلام اسرج الفرس يا غلام أسقني الماء وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال إن الله غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم وأخرج أبن أبي شيبة وأحمد في الزهد والحكيم الترمذي وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن عمرو بن ذر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله عند لسان كل قائل فليتق الله عبد ولينظر ما يقول وأخرج الحكيم والترمذي عن أبن عباس مرفوعا مثله وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم في الكنى وأبن مردويه والبيهقي في البعث


"""""" صفحة رقم 79 """"""
وأبن عساكر عن عثمان بن عفان أنه قرأ ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) قال سائق يسوقها إلى أمر الله وشهيد يشهد عليها بما عملت وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم في والكنى وأبن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة في الآية قال السائق الملك والشهيد العمل وأخرج أبن جرير عن أبن عباس في الآية قال السائق من الملائكة والشهيد شاهد عليه من نفسه وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه ( لقد كنت في غفلة من هذا ) قال هو الكافر وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عنه أيضا ( فكشفنا عنك غطاءك ) قال الحياة بعد الموت وأخرج أبن جرير عنه أيضا و ( قال قرينه ) قال شيطانه وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم في قوله ( لا تختصموا لدي ) قال إنهم اعتذروا بغير عذر فأبطل الله حجتهم ورد عليهم قولهم أخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( وما أنا بظلام للعبيد ) قال ما أنا بمعذب من لم يجترم وأخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( يوم نقول لجهنم هل أمتلأت ونقول هل من مزيد ) قال وهل في مكان يزاد في وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوى بعضها إلى بعض وتقول قط قط وعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا آخر فيسكنهم في فضول الجنة ) وأخرجنا أيضا من حديث أبي هريرة نحوه وفي الباب أحاديث وأخرج أبن جرير والبيهقي في الشعب عن أبن عباس في قوله ( لكل أواب حفيظ ) قال حفظ ذنوبه حتى رجع عنها وأخرج البزار وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أنس في قوله ( ولدينا مزيد ) قال يتجلى لهم الرب تبارك وتعالى في كل جمعة وأخرج البيهقي في الرؤية والديلمي عن على في الآية قال يتجلى لهم الرب عز وجل في الباب أحاديث
سورة ق ( 36 45
ق : ( 36 ) وكم أهلكنا قبلهم . . . . .
خوف سبحانه أهل مكة بما اتفق للقرون الماضية ( قبلهم ) أي قبل قريش ومن وافقهم ( من قرن ) أي من أمة ( هم أشد منهم بطشا ) أي قوة كعاد وثمود وغيرهما ( فنقبوا في البلاد ) أي ساروا وتقلبوا فيها وطافوا بقاعها


"""""" صفحة رقم 80 """"""
وأصله من النقب وهو الطريق قال مجاهد ضربوا وطافوا وقال النضر بن شميل دوروا وقال المؤرخ تباعدوا والأول أولى ومنه قول امرؤ القيس وقد نقبت في الآفاق حتى
رضيت من الغنيمة بالإياب
ومثله قول الحارث بن حلزة نقبوا في البلاد من حذر المو
ت وجالوا في الأرض كل مجال
وقرأ أبن عباس والحسن وأبو العالية وأبو عمرو في رواية ( نقبوا ) بفتح القاف مخففة والنقب هو الخرق والطريق في الجبل وكذا المنقب والمنقبة كذا قال أبن السكيت وجمع النقب نقوب وقرأ السلمي ويحيى بن يعمر بكسر القاف مشددة على الأمر للتهديد أي طوفوا فيها وسيروا في جوانبها وقرأ الباقون بفتح القاف مشددة على الماضي ( هل من محيص ) أي هل من مهرب يهربون إليه أو مخلص يتخلصون به من العذاب قال الزجاج لم يروا محيصا من الموت والمحيص مصدر حاص عنه يحيص حيصا وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا أي عدل وحاد والجملة مستأنفة لبيان أنه لا مهرب لهم وفي هذا أنذار لأهل مكة أنهم مثل من قبلهم من القرون لا يجدون من الموت والعذاب مفر
ق : ( 37 ) إن في ذلك . . . . .
( إن في ذلك لذكرى ) أي فيما ذكر من قصتهم تذكرة وموعظة ( لمن كان له قلب ) أي عقل قال الفراء وهذا جائز في العربية تقول ما لك قلب وما قلبك معك أي مالك عقل وما عقلك معك وقيل المراد القلب نفسه لأنه إذا كان سليما أدرك الحقائق وتفكر كما ينبغي وقيل لمن كان له حياة ونفس مميزة فعبر عن ذلك بالقلب لأنه وطنها ومعدن حياتها ومنه قول امرؤ القيس أغرك مني أن حبك قاتلي
وأنك مهما تأمري النفس تفعل
( أو ألقى السمع ) أي استمع ما يقال له يقال ألق سمعك إلى أي استمع منى والمعنى إنه ألقى السمع إلى ما يتلى عليه من الوحي الحاكي لما جرى عن تلك الأمم قرأ الجمهور ألقى مبنيا للفاعل وقرأ السلمي وطلحة والسدي على البناء للمفعول ورفع السمع ( وهو شهيد ) أي حاضر الفهم أو حاضر القلب لأن من لا يفهم في حكم الغائب وإن حضر بجسمه فهو لم يحضر بفهمه قال الزجاج أي وقلبه حاضر فيما يسمع قال سفيان أي لا يكون حاضرا وقلبه غائب قال مجاهد وقتادة هذه الآية في أهل الكتاب كذا قال الحسن وقال محمد بن كعب وأبو صالح إنها في أهل القرآن خاصة
ق : ( 38 ) ولقد خلقنا السماوات . . . . .
( ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ) قد تقدم تفسير هذه الآية في سورة الأعراف وغيرها ( وما مسنا من لغوب ) اللغوب التعب والإعياء تقول لغب يلغب بالضم لغوبا قال الواحدي قال جماعة المفسرين إن اليهود قالوا خلق الله السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام أولها الأحد وآخرها الجمعة واستراح السبت فأكذبهم الله تعالى بقوله ( وما مسنا من لغوب
ق : ( 39 ) فاصبر على ما . . . . .
(فاصبر على ما يقولون ) هذه تسلية للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأمر لهم بالصبر على ما يقوله المشركون أي هون عليك ولا تحزن لقولهم وتلق ما يرد عليك منه بالصبر ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) أي نزه الله عما لا يليق بجنابة العالي ملتبسا بحمده وقت الفجر ووقت العصر وقيل المراد صلاة الفجر وصلاة العصر وقيل الصلوات الخمس وقيل صل ركعتين قبل طلوع الشمس وركعتين قبل غروبها والأول أولى
ق : ( 40 ) ومن الليل فسبحه . . . . .
( ومن الليل فسبحه ) من للتبعيض أي سبحه بعض الليل وقيل هي صلاة الليل وقيل ركعتا الفجر وقيل صلاة العشاء والأول أولى ( وإدبار السجود ) أي وسبحه أعقاب الصلوات قرأ الجمهور أدبار بفتح الهمزة جمع دبر وقرأ


"""""" صفحة رقم 81 """"""
نافع وأبن كثير وهمزة بكسرها على المصدر من أدبر الشيء إدبارا إذا ولى وقال جماعة من الصحابة والتابعين إدبار السجود الركعتان بعد المغرب وإدبار النجوم الركعتان قبل الفجر وقد اتفق القراء السبعة في إدبار النجوم أنه بكسر الهمزة كما سيأتي
ق : ( 41 ) واستمع يوم يناد . . . . .
( واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب ) أي استمع ما يوحي إليك من أحوال القيامة يوم ينادي المناد وهو إسرافيل أو جبريل وقيل استمع النداء أو الصوت أو الصيحة وهي صيحة القيامة أعنى النفخة الثانية في الصور من إسرافيل وقيل ينفخ وجبريل ينادي أهل المحشر ويقول هلموا للحساب فالنداء على هذا في المحشر قال مقاتل هو إسرافيل ينادي بالحشر فيقول يا أيها الناس هلموا للحساب ( من مكان قريب ) بحيث يصل النداء إلى كل فرد من أفراد أهل المحشر قال قتادة كنا نحدث أنه ينادي من صخرة بيت المقدس قال الكلبي وهي أقرب الأرض إلى السماء بأثنى عشر ميلا وقال كعب بثمانية عشر ميلا
ق : ( 42 ) يوم يسمعون الصيحة . . . . .
( يوم يسمعون الصيحة بالحق ) هو بدل من يوم ينادي يعني صيحة البعث وبالحق متعلق بالصيحة ( ذلك يوم الخروج ) أي يوم الخروج من القبور قال الكلبي معنى بالحق بالبعث وقال مقاتل يعني أنها كائنة حقا
ق : ( 43 ) إنا نحن نحيي . . . . .
( إنا نحن نحيى ونميت ) أي نحيى في الآخرة ونميت في الدنيا لا يشاركنا في ذلك مشارك والجملة مستأنفة لتقرير أمر البعث ( وإلينا المصير ) فنجازى كل عامل بعمله
ق : ( 44 ) يوم تشقق الأرض . . . . .
( يوم تشقق الأرض عنهم ) قرأ الجمهور بإدغام التاء في الشين وقرأ الكوفيون بتخفيف الشين على حذف إحدى التاءين تخفيفا وقرأ زيد بن علي تتشقق بإثبات التاءين على الأصل وقرئ على البناء للمفعول وانتصاب ( سراعا ) على أنه حال من الضمير في عنهم والعامل في الحال تشقق وقيل العامل في الحال هو العامل في يوم أي مسرعين إلى المنادي الذي ناداهم ( ذلك حشر ) أي بعث وجمع 0 علينا يسير ) هين
ق : ( 45 ) نحن أعلم بما . . . . .
ثم عزى الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ( نحن أعلم بما يقولون ) يعني من تكذيبك فيما جئت به ومن إنكار البعث والتوحيد ( وما أنت عليهم بجبار ) أي بمسلط يجبرهم ويقهرهم على الإيمان والآية منسوخة بآية السيف فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) أي من يخاف وعيدي لعصاني بالعذاب وأما من عداهم فلا تشتغل بهم ثم أمره الله سبحانه بعد ذلك بالقتال
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير عن أبن عباس ( وما مسنا من لغوب ) قال من نصب وأخرج الطبراني في الأوسط وأبن عساكر عن جرير بن عبد الله عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ) صلاة الصبح ( وقبل الغروب ) صلاة العصر وأخرج الترمذي وأبن جرير وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبن عباس قال بت عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فصلى ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر ثم خرج إلى الصلاة فقال يابن عباس ركعتان قبل صلاة الفجر ادبار النجوم وركعتان بعد المغرب إدبار السجود ) وأخرج مسدد في مسنده وأبن المنذر وأبن مردويه عن علي بن أبي طالب قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن إدبار النجوم وإدبار السجود فقال إدبار السجود ركعتان بعد المغرب وإدبار النجوم الركعتان قبل الغداة واخرج محمد بن نصر في الصلاة وأبن المنذر عن عمر بن الخطاب إدبار السجود ركعتان بعد المغرب وإدبار النجوم ركعتان قبل الفجر وأخرج سعيد بن منصور وأبن أبي شيبة وأبن نصر وأبن جرير وأبن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن علي بن أبي طالب مثله وأخرج أبن أبي شيبة وأبن نصر وأبن جرير وأبن المنذر وبن مزدوية عن أبي هريرة مثله وأخرج البخاري وغيره عن مجاهد قال قال ابن عباس أمره أن يسبح في أدبار الصلوات كلها وأخرج أبن جرير عنه ( واستمع يوم يناد المناد ) قال هي الصيحة واخرج الواسطي عنه أيضا ( من مكان قريب ) قال من صخرة بيت المقدس وأخرج أبن أبي حاتم وأبن


"""""" صفحة رقم 82 """"""
المنذر عنه أيضا ( ذلك يوم الخروج ) قال يوم يخرجون إلى البعث من القبور واخرج أبن جرير عنه أيضا قال قالوا يا رسول الله لو خوفتنا فنزلت ( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد )
ع51
تفسير
سورة الذاريات هي ستون آية وهي مكية قال القرطبي في قول الجميع وأخرج أبن الضريس والنحاس وأبن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبن عباس قال نزلت سورة الذاريات بمكة وأخرج أبن مردويه عن ابن الزبير مثله
سورة الذاريات ( 1 24
الذاريات : ( 1 ) والذاريات ذروا
قوله ( والذاريات ذروا ) يقال ذرت ذات الريح التراب تذروه ذروا وأذرته تذرية ذريا أقسم سبحانه بالرياح التي تذري التراب وانتصار ذروا على المصدرية والعامل فيها اسم الفاعل والمفعول محذوف قرأ أبو عمرو وحمزة بإدغام تاء الذاريات في ذال ذروا وقرأ الباقون بدون إدغام وقيل المقسم به مقدر وهو رب الذاريات وما بعدها والأول أولى
الذاريات : ( 2 ) فالحاملات وقرا
( فالحاملات وقرا ) هي السحاب تحمل الماء كما تحمل ذوات الأربع الوقر وانتصاب وقرا على أنه مفعول به كما يقال حمل فلان عدلا ثقيلا وقرأ الجمهور بكسر الواو اسم ما يوقر أي يحمل وقرئ بفتحها على أنه مصدر والعامل فيه أسم الفاعل أو على تسمية المحمول بالمصدر مبالغة
الذاريات : ( 3 ) فالجاريات يسرا
( فالجاريات يسرا ) هي السفن الجارية في البحر بالرياح جريا سهلا وانتصاب يسرا على المصدرية أو صفة لمصدر محذوف أو على الحال أي جريا ذا يسر وقيل هي الرياح وقيل السحاب والأول أولى واليسر السهل في كل شئ


"""""" صفحة رقم 83 """"""
الذاريات : ( 4 ) فالمقسمات أمرا
( فالمقسمات أمرا ) هي الملائكة التي تقسم الأمور قال الفراء تأتي بأمر مختلف جبريل بالغلظة وميكائيل صاحب الرحمة وملك الموت يأتي بالموت وقيل تأتي بأمر مختلف من الجدب والخصب والمطر والموت والحوادث وقيل هي السحب التي يقسم الله بها أمر العباد وقيل إن المراد بالذاريات والحاملات والجاريات والمقسمات الرياح فإنها توصف بجميع ذلك لأنها تذرو التراب وتحمل السحاب وتجري في الهواء وتقسم الأمطار وهو ضعيف جدا وانتصاب أمرا على المفعول به وقيل على الحال أي مأمورة والأول أولى
الذاريات : ( 5 - 6 ) إنما توعدون لصادق
( إنما توعدون لصادق ) هذا جواب القسم أي إنما توعدون من الثواب والعقاب لكائن لا محالة و ( ما ) يجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف وأن تكون مصدرية ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها كونها أمورا بديعة مخالفة لمقتضى العادة فمن قدر عليها فهو قادر على البعث الموعود به
الذاريات : ( 7 ) والسماء ذات الحبك
( والسماء ذات الحبك ) قرأ الجمهور الحبك بضم الحاء والباء وقرئ بضم الحاء وسكون والباء وبكسر الحاء وفتح الباء وبكسر الحاء وضم الباء قال أبن عطية هي لغات والمراد بالسماء هنا هي المعروفة وقيل المراد بها السحاب والأول أولى واختلف المفسرون في تفسير الحبك فقال مجاهد وقتادة والربيع وغيرهم المعنى ذات الخلق المستوى الحسن قال أبن الأعرابي كل شئ أحكمته وأحسنت عمله فقد حبكته وامتبكة وقال الحسن وسعيد بن جبير ذات الزينة وروى عن الحسن أيضا أنه قال ذات النجوم وقال الضحاك ذات الطرائق وبه قال الفراء يقال لما تراه من الماء والرمل إذا أصابته الريح حبك قال الفراء الحبك بكسر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة والماء إذا مرت به الريح ويقال لدرع الحديد حبك ومنه قول الشاعر كأنما جللها الحواك
طنفسة في وشيها حباك
أي طرق وقيل الحبك الشدة والمعنى والسماء ذات الشدة والمحبوك الشديد الخلق من فرس أو غيره ومنه قول الشاعر قد غدا يحملني في أنفه
لاحق الأطلين محبوك ممر
وقول الآخر مرج الدين فأعددت له
مشرف الحارك محبوك الكتد
قال الواحدي بعد حكاية القول الأول هذا قول الأكثرين
الذاريات : ( 8 ) إنكم لفي قول . . . . .
( إنكم لفى قول مختلف ) هذا جواب القسم بالسماء ذات الحبك أي أنكم يا أهل مكة لفى قول مختلف متناقض في محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بعضكم يقول إنه شاعر وبعضكم يقول إنه ساحر وبعضكم يقول إنه مجنون ووجه تخصيص القسم بالسماء المتصفة بتلك الصفة تشبيه أقوالهم في اختلافها بالختلاف طرائق السماء واستعمال الحبك في الطرائق هو الذي عليه أهل اللغة وإن كان الأكثر من المفسرين على خلافه على إنه يمكن أن ترجع تلك الأقوال في تفسير الحبك إلى هذا وذلك بأن يقال إن ما في السماء من الطرائق يصح أن يكون سببا لمزيد حسنها واستواء خلقها وحصول الزينة فيها ومزيد القوة لها وقيل إن المراد بكونهم في قول مختلف أن بعضهم ينفى الحشر وبعضهم يشك فيه وقيل كونهم يقرون أن الله خالقهم ويعبدون الأصنام
الذاريات : ( 9 ) يؤفك عنه من . . . . .
( يؤفك عنه من أفك ) أي يصرف عن الإيمان برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبما جاء به أو عن الحق وهو البعث والتوحيد من صرف وقيل يصرف عن ذلك الاختلاف من صرفه الله عنه بالعصمة والتوفيق يقال افكه يأفكه إفكا أي قلبه عن الشيء وصرفه عنه ومنه قوله تعالى قالوا أجئتنا لتأفكنا وقال مجاهد يؤمن عنه من أفن والأفن فساد العقل وقيل يحرمه من حرم وقال قطرب يجدع عنه من جدع وقال اليزيدي يدفع عنه من دفع
الذاريات : ( 10 ) قتل الخراصون
( قتل الخراصون ) هذا دعاء عليهم وحكى الواحدي عن


"""""" صفحة رقم 84 """"""
المفسرين جميعا أن المعنى لعن الكذابون قال ابن الأنباري والقتل إذا أخبر به عن الله كان بمعنى اللعن لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك قال الفراء معنى قتل لعن والخراصون الكذابون الذين يتخرصون فيما لا يعلمون فيقولون إن محمدا مجنون كذاب شاعر ساحر قال الزجاج الخراصون هم الكذابون والخرص حزر ما على النخل من الرطب تمرا والخراص الذي يخرصها وليس هو المراد هنا
الذاريات : ( 11 ) الذين هم في . . . . .
ثم قال ( الذين هم في غمرة ساهون ) أي في غفلة وعمى جهالة عن أمور الآخرة ومعنى ساهون لاهون غافلون والسهو الغفلة عن الشيء وذهابه عن القلب وأصل الغمرة ما ستر الشيء وغطاه ومنها غمرات الموت
الذاريات : ( 12 ) يسألون أيان يوم . . . . .
( يسألون أيان يوم الدين ) أي يقولون متى يوم الجزاء تكذيبا منهم واستهزاء
الذاريات : ( 13 ) يوم هم على . . . . .
ثم أخبر سبحانه عن ذلك اليوم فقال ( يوم هم على النار يفتنون ) أي يحرقون ويعذبون يقال فتنت الذهب إذا أحرقته لتختبره وأصل الفتنة الاختبار قال عكرمة ألم تر أن الذهب إذا أدخل النار قيل فتن وانتصاب يوم بمضمر أي الجزاء يوم هم على النار ويجوز أن يكون بدلا من يوم الدين والفتح للبناء لكونه مضافا إلى الجملة وقيل هو منصوب بتقدير أعنى وقرأ ابن أبي عبلة برفع يوم على البدل من يوم الدين
الذاريات : ( 14 ) ذوقوا فتنتكم هذا . . . . .
وجملة ( ذوقوا فتنتكم ) هي بتقدير القول أي يقال لهم ذوقوا عذابكم قاله ابن زيد وقال مجاهد حريقكم ورجح الأول الفراء وجملة ( هذا الذي كنتم به تستعجلون ) من جملة ما هو محكي بالقول أي هذا ما كنتم تطلبون تعجيله استهزاء منكم وقيل هي بدل من فتنتكم
الذاريات : ( 15 ) إن المتقين في . . . . .
( إن المتقين في جنات وعيون ) لما ذكر سبحانه حال أهل النار ذكر حال أهل الجنة أي هم في بساتين فيها عيون جارية لا يبلغ وصفها الواصفون
الذاريات : ( 16 ) آخذين ما آتاهم . . . . .
( آخذين ما آتاهم ربهم ) أي قابلين ما أعطاهم ربهم من الخير والكرامة وجملة ( إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ) تعليل لما قبلها أي لأنهم كانوا في الدنيا محسنين في أعمالهم الصالحة من فعل ما أمروا به وترك ما نهوا عنه
الذاريات : ( 17 ) كانوا قليلا من . . . . .
ثم بين إحسانهم الذي وصفهم به فقال ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) الهجوع النوم بالليل دون النهار والمعنى كانوا قليلا ما ينامون من الليل وما زائدة ويجوز أن تكون مصدرية أو موصولة أي كانوا قليلا من الليل هجوعهم أو ما يهجعون فيه ومن ذلك قول أبي قيس بن الأسلت قد حصت البيضة رأسي
فما أطعم نوما غير تهجاع
والتهجاع القليل من النوم ومن ذلك قول عمرو بن معدي كرب
أمن ريحانة الداعي السميع يهيجني وأصحابي هجوع
وقيل ما نافية أي ما كانوا ينامون قليلا من الليل فكيف بالكثير منه وهذا ضعيف جدا وهذا قول من قال إن المعنى كان عددهم قليلا ثم ابتدأ فقال ( ما يهجعون ) وبه قال ابن الأنباري وهو أضعف مما قبله وقال قتادة في تفسير هذه الآية كانوا يصلون بين العشاءين وبه قال أبو العالية وابن وهب
الذاريات : ( 18 ) وبالأسحار هم يستغفرون
( وبالأسحار هم يستغفرون ) أي يطلبون في أوقات السحر من الله سبحانه أن يغفر ذنوبهم قال الحسن مدوا الصلاة إلى الأسحار ثم أخذوا بالأسحار الاستغفار وقال الكلبي ومقاتل ومجاهد هم بالأسحار يصلون وذلك أن صلاتهم طلب منهم للمغفرة وقال الضحاك هي صلاة الفجر
الذاريات : ( 19 ) وفي أموالهم حق . . . . .
ثم ذكر سبحانه صدقاتهم فقال ( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) أي يجعلون في أموالهم على أنفسهم حقا للسائل والمحروم تقربا إلى الله عز وجل وقال محمد بن سيرين وقتادة الحق هنا الزكاة المفروضة والأول أولى فيحمل على صدقة النفل وصلة الرحم وقرى الضيف لأن السورة مكية والزكاة لا تفرض إلا بالمدينة وسيأتي في سورة سأل سائل وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم بزيادة معلوم والسائل هو الذي يسأل الناس لفاقته


"""""" صفحة رقم 85 """"""
واختلف في تفسير المحروم فقيل هو الذي يتعفف عن السؤال حتى يحسبه الناس غنيا فلا يتصدقون عليه وبه قال قتادة والزهري وقال الحسن ومحمد أبن الحنفية هو الذي لا سهم له في الغنيمة ولا يجري عليه من الفيء شئ وقال زيد بن أسلم هو الذي أصيب ثمره أو زرعه أو ماشيته قال القرطبي هو الذي أصابته الجائحة وقيل الذي لا يكتسب وقيل هو الذي لا يجد غني يغنيه وقيل هو الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه وقيل هو المملوك وقيل الكلب وقيل غير ذلك قال الشعبي لي اليوم سبعون سنة منذ احتلمت أسأل عن المحروم فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذ والذي ينبغي التعويل عليه ما يدل عليه المعنى اللغوي والمحروم في اللغة الممنوع من الحرمان وهو المنع فيدخل تحته من حرم الرزق من الأصل ومن أصيب ماله بجائحة أذهبته ومن حرم العطاء ومن حرم الصدقة لتعففه
الذاريات : ( 20 ) وفي الأرض آيات . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما نصبه من الدلائل الدالة على توحيده وصدق وعده ووعيده فقال ( وفي الأرض آيات للموقنين ) أي دلائل واضحة وعلامات ظاهرة من الجبال والبر والبحر والأشجار والأنهار والثمار وفيها آثار الهلاك للأمم الكافرة المكذبة لما جاءت به رسل الله ودعتهم إليه وخص الموقنين بالله لأنهم الذين يعترفون بذلك ويتدبرون فيه فينتفعون به
الذاريات : ( 21 ) وفي أنفسكم أفلا . . . . .
( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) أي وفي أنفسكم آيات تدل على توحيد الله وصدق ما جاءت به الرسل فإنه خلقهم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما إلى أن ينفخ فيه الروح ثم تختلف بعد ذلك صورهم وألوانهم وطبائعهم وألسنتهم ثم نفس خلقهم على هذه الصفة العجيبة الشأن من لحم ودم وعظم وأعضاء وحواس ومجاري ومنافس ومعنى ( أفلا تبصرون ) أفلا تنظرون بعين البصيرة فتستدلون بذلك على الخالق الرازق المتفرد بالألوهية وأنه لا شريك له ولا ضد ولا ند وأن وعده الحق وقوله الحق وأن ما جاءت إليكم به رسله هو الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة تعتريه وقيل المراد بالأنفس الأرواح أي وفي نفوسكم التي بها حياتكم آيات
الذاريات : ( 22 ) وفي السماء رزقكم . . . . .
( وفي السماء رزقكم ) أي سبب رزقكم وهو المطر فإنه سبب الأرزاق قال سعيد أبن جبير والضحاك الرزق هنا ما ينزل من السماء من مطر وثلج وقيل المراد بالسماء السحاب أي وفي السحاب رزقكم وقيل المراد بالسماء المطر وسماه سماء لأنه ينزل من جهتها ومنه قول الشاعر إذا نزل السماء بأرض قوم
رعيناه وإن كانوا غضابا
وقال أبن كيسان يعني وعلى رب السماء رزقكم قال ونظيره وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وهو بعيد وقال سفيان الثوري أي عند الله في السماء رزقكم وقيل المعنى وفي السماء تقدير رزقكم قرا الجمهور رزقكم بالأفراد وقرأ يعقوب وأبن محيصن ومجاهد أرزاقكم بالجمع ( وما توعدون ) من الجنة والنار قاله مجاهد قال عطاء من الثواب العقاب وقال الكلبي من الخير والشر قال أبن سيرين ما توعدون من أمر الساعة وبه قال الربيع والأولى الحمل على ما هو أعم من هذه الأقوال فإن جزاء الأعمال مكتوب في السماء والقضاء والقدر ينزل منها والجنة والنار فيها
الذاريات : ( 23 ) فورب السماء والأرض . . . . .
ثم أقسم سبحانه بنفسه فقال ( فورب السماء والأرض إنه الحق ) أي ما أخبركم به في هذه الآيات قال الزجاج هو ما ذكر من أمر الرزق والآيات قال الكلبي يعني ما قص في الكتاب وقال مقاتل يعني من أمر الساعة وقيل إن ما في قوله ( وما توعدون ) مبتدأ وخبره فورب السماء والأرض إنه لحق فيكون الضمير لما ثم قال سبحانه ( مثل ما أنكم تنطقون ) قرأ الجمهور بنصب مثل على تقدير كمثل نطقكم وما زائدة كذا قال بعض الكوفيون إنه منصوب بنزع الخافض وقال الزجاج والفراء يجوز أن ينتصب على التوكيد أي لحق حقا مثل نطقكم وقال المازنى إن


"""""" صفحة رقم 86 """"""
مثل مع ما بمنزلة شئ واحد فبني على الفتح وقال سيبويه هو مبني لإضافته إلى غير متمكن واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر والأعمش مثل بالرفع على إنه صفة لحق لأن مثل نكره وإن أضيفت فهي لا تتعرف بالإضافة كغير ورجح قول المازنى أبو على الفارسي قال ومثله قول حميد وويحا لمن لم يدر ما هن ويحما فبنى ويح مع ما ولم يلحقه التنوين ومعنى الآية تشبيه تحقيق ما أخبر الله عنه بتحقيق نطق الآدمي ووجوه وهذا كما تقول إنه لحق كما أنك ها هنا وإنه لحق كما أنك تتكلم والمعنى أنه في صدقة ووجوده كالذي تعرفه ضرورة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وإبن الأنباري والدارقطني في الأفراد والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من طرق عن علي بن أبي طالب في قوله ( والذاريات ذروا ) قال الرياح ( فالحاملات وقرا ) قال السحاب ( فالجاريات يسرا ) قال السفن ( فالمقسمات أمرا ) قال الملائكة واخرج البزار والدارقطني في الإفراد وأبن مردويه وأبن عساكر عن عمر بن الخطاب مثله ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وفي إسناده أبو بكر بن سبرة وهو لين الحديث وسعيد بن سلام وليس من صحاب الحديث كذا قال البزار قال أبن كثير فهذا الحديث ضعيف رفعه وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر وأخرج الفريابي وأبن مردويه عن أبن عباس مثل قول على وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن أبن عباس ( والسماء ذات الحبك ) قال حسنها واستواؤها وأخرج أبن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عنه في الآية قال ذات البهاء والجمال وإن بنيانها كالبرد المسلسل وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه قال ذات الخلق الحسن وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبن عمر مثله واخرج أبن منيع عن علي قال هي السماء السابعة واخرج أبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( يؤفك عنه من أفك ) قال يضل عنه من ضل وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا ( قتل الخراصون ) قال لعن المرتابون وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عنه أيضا قال هم الكهنة ( الذين هم في غمرة ساهون ) قال في غفلة لاهون وأخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا قال الغمرة الكفر والشك وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه قال في ضلالتهم يتمادون وفي قوله ( يوم هم على النار يفتنون ) قال يعذبون وأخرج هؤلاء عنه أيضا في قوله ( آخذين ما أتاهم ربهم ) قال الفرائض ( إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ) قال قبل أن تنزل الفرائض يعملون وأخرج هؤلاء أيضا والحاكم وصححه أبن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضا ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) قال ما تأتي عليهم ليلة ينامون حتى يصبحوا إلا يصلون فيها واخرج أبن نصر وأبن جرير وابن المنذر عنه أيضا في الآية يقول قليلا ما كانوا ينامون وأخرج أبو داود وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس في الآية قال كانوا يصلون بين المغرب والعشاء واخرج عبد الرزاق وأبن أبي شيبة وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن مردويه عن أبن عمر ( وبالأسحار هم يستغفرون ) قال يصلون وأخرج أبن أبي حاتم عن أبن عباس ( في أموالهم حق ) قال سوى الزكاة يصل بها رحما أو يقري بها ضيفا أو يعين بها محروما وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه قال السائل الذي يسأل الناس والمحروم الذي ليس له سهم من فئ المسلمين واخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا قال المحروم هو المحارف الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه ولا يسأل الناس فامر الله المؤمنين برفده واخرج أبن أبي حاتم عن عائشة في الآية قالت المحارف الذي لا يكاد


"""""" صفحة رقم 87 """"""
يتيسر له مكسبه وأخرج الترمذي والبيهقي في سننه عن فاطمة بنت قيس أنها سألت النبي صلى الله عليه وإله وسلم عن هذه الآية قال إن في المال حقا سوى الزكاة وتلا هذه الآية ليس البر أن تولوا وجوهكم إلى قوله وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة واخرج الفريابي وسعيد بن منصور وأبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن الزبير في قوله ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) قال سبيل الغائط والبول
سورة الذاريات ( 24 37
الذاريات : ( 24 ) هل أتاك حديث . . . . .
قوله ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ) ذكر سبحانه قصة إبراهيم ليبين أنه أهلك بسبب التكذيب من أهلك وفي الأستفهام تنبيه على أن هذا الحديث ليس مما قد علم به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنه إنما علمه بطريق الوحي وقيل إن هل بمعنى قد كما في قوله هل أتى على الإنسان حين من الدهر والضيف مصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة وقد تقدم الكلام على قصة ضيف إبراهيم في سورة هود وسورة الحجر والمراد بكونهم مكرمين إنهم مكرمون عند الله سبحانه لأنهم ملائكة جاؤوا إليه في صورة بني آدم كما قال تعالى في وصفهم في آية أخرى بل عباد مكرمون وقيل هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وقال مقاتل ومجاهد أكرمهم إبراهيم وأحسن إليهم وقام على رؤوسهم وكان لا يقوم على رؤوس الضيف وأمر أمرأته أن تخدمهم وقال الكلبي أكرمهم بالعجل
الذاريات : ( 25 ) إذ دخلوا عليه . . . . .
( إذ دخلوا عليه ) العامل في الظرف حديث أي هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه أو العامل فيه ضيف لأنه مصدر أو العامل فيه المكرمين أو العامل فيه فعل مضمر أي أذكر ( فقالوا سلاما ) أي نسلم عليك سلاما ( قال سلام 9 أي قال إبراهيم سلام قرأ الجمهور بنصب سلاما الأول ورفع الثاني فنصب الأول على المصدرية بتقدير الفعل كما ذكرنا والمراد به التحية ويحتمل أن يكون المعنى فقالوا كلاما حسنا لأنه كلام سلم به المتكلم من أن يلغو فيكون على هذا مفعولا به وأما الثاني فرفعه على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي عليكم سلام وعدل به إلى الرفع لقصد إفادة الجملة الأسمية للدوام والثبات بخلاف الفعلية فإنها لمجرد التجدد والحدوث ولهذا قال أهل المعاني إن سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة وقرئ بالرفع في الموضعين وقرئ بالنصب فيهما وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما بكسر السين وقرئ سلم فيها قوم


"""""" صفحة رقم 88 """"""
منكرون ) ارتفاع قوم على أنه خبر مبتدأ محذوف أي أنتم منكرون قيل إنه قال هذا في نفسه ولم يخاطبهم به لأن ذلك يخالف الإكرام قيل إنه أنكرهم لكونهم ابتدؤوا بالسلام ولم يكن ذلك معهودا عند قومه وقيل لأنه رأى فيهم ما يخالف بعض الصور البشرية وقيل لأنه رآهم على غير صورة الملائكة الذين يعرفهم وقيل غير ذلك
الذاريات : ( 26 ) فراغ إلى أهله . . . . .
( فراغ إلى أهله ) قال الزجاج أي عدل إلى أهله وقيل ذهب إليهم في خفية من ضيوفه والمعنى متقارب وقد تقدم تفسيره في سورة الصافات يقال راغ وارتاغ بمعنى طلب وماذا يريغ أي يريد ويطلب وأراغ إلى كذا مال إليه سرا وحاد ( فجاء بعجل سمين ) أي فجاء حنيفه بعجل قد شواه لهم كما في سورة هود بعجل حنيد وفي الكلام حذف تدل عليه الفاء الفصيحة أي فذبح عجلا فحنذه فجاء به
الذاريات : ( 27 ) فقربه إليهم قال . . . . .
( فقربه إليهم ) أي قرب العجل إليهم ووضعه بين أيديهم فقال ( ألا تأكلون ) الاستفهام للإنكار وذلك أنه لما قربه إليهم لم يأكلوا منه قال في الصحاح العجل ولد البقر والعجول مثله والجمع العجاجيل والأنثى عجلة وقيل العجل في بعض اللغات الشاة
الذاريات : ( 28 ) فأوجس منهم خيفة . . . . .
( فأوجس منهم خيفة ) أي أحس في نفسه خوفا منهم لما لم يأكلوا مما قربه إليهم وقيل معنى أوجس أضمر وإنما وقع له ذلك لما لم يتحرموا بطعامه ومن أخلاق الناس أن من أكل من طعام إنسان صار آمنا منه فظن إبراهيم أنهم جاءوا للشر ولم يأتوا للخير وقيل إنه وقع في قلبه أنهم ملائكة فلما رأوا ما ظهر عليه من أمارات الخوف ( قالوا لا تخف ) وأعلموه أنهم ملائكة مرسلون إليه من جهة الله سبحانه ( وبشروه بغلام عليم ) أي بشروه بغلام يولد له كثير العلم عند أن يبلغ مبالغ الرجال والمبشر به عند الجمهور هو إسحاق وقال مجاهد وحده إنه إسماعيل وهو مردود بقوله وبشرناه بإسحاق وقد قدمنا تحقيق هذا المقام بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره
الذاريات : ( 29 ) فأقبلت امرأته في . . . . .
( فأقبلت امرأته في صرة ) لم يكن هذا الإقبال من مكان إلى مكان وإنما هو كقولك أقبل يشتمني أي أخذ في شتمي كذا قال الفراء وغيره والصرة الصيحة والضجة وقبل الجماعة من الناس قال الجوهري الصرة الضجة والصيحة والصرة الجماعة والصرة الشدة من كرب أو غيره والمعنى أنها أقبلت في صيحة أو في ضجة أو في جماعة من الناس يستمعون كلام الملائكة ومن هذا قول امرؤ القيس فالحقه بالهاديات ودونه
جراجرها في صرة لم تزيل
وقوله ( في صرة ) في محل نصب على الحال ( فصكت وجهها ) أي ضربت بيدها على وجهها كما جرت بذلك عادة النساء عند التعجب قال مقاتل الكلبي جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبا ومعنى الصك ضرب الشيء بالشيء العريض يقال صكه أي ضربه ( وقالت عجوز عقيم ) أي كيف الد وأنا عجوز عقيم استبعدت ذلك لكبر سنها ولكونها عقيما لا تلد
الذاريات : ( 30 ) قالوا كذلك قال . . . . .
( قالو كذلك قال ربك ) أي كما قلنا لك وأخبرناك قال ربك فلا تشكي في ذلك ولا تعجبي منه فإن ما إرادة الله كائن لا محالة ولم نقل ذلك من جهة أنفسنا وقد كانت إذ ذاك بنت تسع وتسعين سنة وإبراهيم أبن مائة سنة وقد سبق بيان هذا مستوفي وجملة ( إنه هو الحكيم العليم ) تعليل لما قبلها أي حكيم في أفعاله وأقواله عليم بكل شيء
الذاريات : ( 31 ) قال فما خطبكم . . . . .
وجملة ( قال فما خطبكم أيها المرسلون ) مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال إبراهيم بعد هذا القول من الملائكة والخطب الشأن والقصة والمعنى فما شأنكم وما قصتكم أيها المرسلون من جهة الله وما ذاك الأمر الذي لأجله أرسلكم سوى هذه البشارة
الذاريات : ( 32 ) قالوا إنا أرسلنا . . . . .
( قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ) يريدون قوم لوط
الذاريات : ( 33 ) لنرسل عليهم حجارة . . . . .
( لنرسل عليهم حجارة من طين ) أي لنرجمهم بحجارة من طين متحجر
الذاريات : ( 34 ) مسومة عند ربك . . . . .
وانتصاب ( مسومة ) على الصفة لحجارة أو على الحال في الضمير والمسكنن في الجار والمجرور أو من الحجارة لكونها قد وصفت بالجار والمجرور ومعنى ( مسومة ) معلمة بعلامات تعرف بها قيل كانت


"""""" صفحة رقم 89 """"""
مخططة بسواد وبياض وقيل بسواد وحمرة وقيل معروفة بأنها حجارة العذاب وقيل مكتوب على كل حجر من يهلك بها وقوله ( عند ربك ) ظرف لمسومة أي معلمة عنده ( للمسرفين ) المتمادين في الضلالة المجاوزين الحد في الفجور وقال مقاتل للمشركين والشرك أسرف الذنوب وأعظمها
الذاريات : ( 35 ) فأخرجنا من كان . . . . .
( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ) هذا كلام من جهة الله سبحانه أي لما أردنا إهلاك قوم لوط أخرجنا من كان في قرى قوم لوط من قومه المؤمنين به
الذاريات : ( 36 ) فما وجدنا فيها . . . . .
( فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) أي غير اهل بيت يقال بيت شريف ويراد به أهله قيل وهم أهل بيت لوط والإسلام الانقياد والاستسلام لأمر الله سبحانه فكل مؤمن مسلم ومن ذلك قوله قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا وقد أوضح الفرق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين الأسلام والإيمان في الحديث في الصحيحين وغيرهما الثابت من طرق أنه سئل عن الإسلام فقال أن تشهد أن لا إله إلا الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتصوم رمضان وسئل عن الإيمان فقال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره فالمرجع في الفرق بينهما هو هذا الذي قاله الصادق المصدوق ولا التفات إلى غيره مما قاله أهل العلم في رسم كل واحد منهما برسوم مضطربة مختلفة مختلة متناقضة وأما ما في الكتاب العزيز من اختلاف مواضع استعمال الإسلام والإيمان فذلك باعتبار المعاني اللغوية والاستعمالات العربية والواجب تقديم الحقيقة الشرعية على اللغوية والحقيقة الشرعية هي هذه التي اخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأجاب سؤال السائل له عن ذلك بها
الذاريات : ( 37 ) وتركنا فيها آية . . . . .
( وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم ) أي وتركنا في تلك القرى علامة ودلالة تدل على ما أصابهم من العذاب كل من يخاف عذاب الله ويخشاه من أهل ذلك الزمان ومن بعدهم وهذه الآية هي آثار العذاب في تلك القرى فإنها ظاهرة بينة وقيل هي الحجارة التي رجموا بها وإنما خص الذين يخافون العذاب الأليم لأنهم الذين يتعظون بالمواعظ ويتفكرون في الآيات دون غيرهم ممن لا يخاف ذلك وهم المشركون المكذبون بالبعث والوعد والوعيد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن عباس في قوله ( في صرة ) قال في صيحة ( فصكت وجهها ) قال لطمت وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ( فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) قال لوط وابنتيه وأخرج أبن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال كانوا ثلاثة عشر


"""""" صفحة رقم 90 """"""
سورة الذاريات ( 38 60
الذاريات : ( 38 ) وفي موسى إذ . . . . .
قوله ( وفي موسى ) معطوف على قوله فيها بإعادة الخافض والتقدير وتركنا في قصة موسى آية أو معطوف على وفي الأرض والتقدير وفي الأرض وفي موسى آيات قاله الفراء وأبن عطية والزمخشري قال أبو حيان وهو بعيد جدا ينزه القرآن عن مثله ويجوز أن يكون متعلقا بجعلنا مقدرا لدلالة وتركنا عليه قيل ويجوز أن يعطف على تركنا على طريقة قول القائل علفتها تبنا وماء باردا والتقدير وتركنا فيها آية وجعلنا في موسى آية قال أبو حيان ولا حاجة إلى إضمار وجعلنا لأنه قد أمكن أن يكون العامل في المجرور وتركنا والوجه الأول هو الأولى وما عداه متكلف متعسف لم تلجئ إليه حاجة ولا دعت إليه ضرورة ( إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين ) الظرف متعلق بمحذوف هو نعت لآية أي كائنة وقت أرسلناه أو بآية نفسها والأول أولى والسلطان المبين الحجة الظاهرة الواضحة وهي العصى وما معها من الآيات
الذاريات : ( 39 ) فتولى بركنه وقال . . . . .
( فتولى بركنه ) التولي الإعراض والركن الجانب قاله الأخفش والمعنى أعرض بجانبه كما في قوله أعرض ونأى بجانبه قال الجوهري ركن الشيء جانبه الأقوى وهو ياوى إلى ركن شديد أي عز ومنعه وقال أبن زيد ومجاهد وغيرهما الركن جمعة جنوده الذين كان يتقوى بهم ومنه قوله تعالى أو آوى إلى ركن شديد أي عشيرة ومنعة وقيل الركن نفس القوة وبه قال قتادة وغيره ومنه قول عنترة فما أوهى مراس الحرب ركني
ولكن ما تقادم من زماني
وقال ساحر أو مجنون ) أي قال فرعون في حق موسى هو ساحر أو مجنون فردد فيما رآه من أحوال موسى بين كونه ساحرا أو مجنونا وهذا من اللعين مغالطة وإيهام لقومه فإنه يعلم أن ما رآه من الخوارق لا يتيسر على يد ساحر ولا يفعله من به جنون وقيل بإن أو بمعنى الواو لأنه قد قال ذلك جميعا ولم يتردد قاله المؤرخ والفراء كقوله ولا تطع منهم آثما أو كفورا
الذاريات : ( 40 ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم . . . . .
( فأخذناه وجنود فنبذناهم في اليم ) أي طرحناهم في البحر وجملة ( وهو مليم ) في محل نصب على الحال أي آت بما يلام عليه حين ادعى الربوبية وكفر بالله وطغى في عصيانه
الذاريات : ( 41 ) وفي عاد إذ . . . . .
( وفي عاد ) أي وتركنا في قصة عاد آية ( إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ) وهي التي لا خير فيها ولا بركة ولا تلقح شجرا ولا


"""""" صفحة رقم 91 """"""
تحمل مطرا إنما هي ريح الإهلاك والعذاب
الذاريات : ( 42 ) ما تذر من . . . . .
ثم وصف سبحانه هذه الريح فقال ( ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ) أي ما تذر من شيء مرت عليه من أنفسهم وأنعامهم وأموالهم إلا جعلته كالشيء الهالك الهالك البالي قال الشاعر تركتني حين كف الدهر من بصري
وإذ بقيت كعظم الرمة البالي
وقال قتادة إنه الذي ديس من يابس النبات وقال السدي وأبو العالية إنه التراب المدقوق وقال قطرب إنه الرماد وأصل الكلمة من رم العظم إذا بلى فهو رميم والرمة العظام البالية
الذاريات : ( 43 ) وفي ثمود إذ . . . . .
( وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ) ( أي وتركنا في قصة ثمود آية وقت قلنا لهم عيشوا متمتعين بالدنيا إلى حين وقت الهلاك وهو ثلاثة أيام كما في قوله تمتعوا في داركم ثلاثة أيام
الذاريات : ( 44 ) فعتوا عن أمر . . . . .
( فعتوا عن أمر ربهم ) أي تكبروا عن امتثال أمر الله ( فأخذتهم الصاعقة ) وهي كل عذاب مهلك قرأ الجمهور الصاعقة وقرأ عمر بن الخطاب وحميد وأبن محيصن ومجاهد والكسائي الصعقة وقد مر الكلام على الصاعقة في البقرة وفي مواضع ( وهم ينظرون ) أي يرونها عيانا والجملة في محل نصب على الحال وقيل إن المعنى ينتظرون ما وعدوه من العذاب والأول أولى
الذاريات : ( 45 ) فما استطاعوا من . . . . .
( فما استطاعوا من قيام ) أي لم يقدروا على القيام قال قتادة من نهوض يعني لم ينهضوا من تلك الصرعة والمعنى أنهم عجزوا عن القيام فضلا عن الهرب ومثله قوله فأصبحوا في دارهم جاثمين ( وما كانوا منتصرين ) أي ممتنعين من عذاب الله بغيرهم
الذاريات : ( 46 ) وقوم نوح من . . . . .
( وقوم نوح من قبل ) أي من قبل هؤلاء المهلكين فإن زمانهم متقدم على زمن فرعون وعاد وثمود ( إنهم كانوا قوما فاسقين ) أي خارجين عن طاعة الله قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وبخفض قوم أي وفي قوم نوح آية وقرأ الباقون بالنصب أي وأهلكنا قوم نوح أو هو معطوف على مفعول أخذتهم الصاعقة أو على مفعول نبذناهم أي نبذناهم ونبذنا قوم نوح أو يكون العامل فيه اذكر
الذاريات : ( 47 ) والسماء بنيناها بأيد . . . . .
( والسماء بنيناها بأيد ) أي بقوة وقدرة قرأ الجمهور بنصب السماء على الأشتغال والتقدير وبنينا السماء بنيناها وقرأ أبو السماك وأبن مقسم برفعها على الإبتداء ( وإنا لموسعون ) الموسع ذو الوسع والسعة والمعنى إنا لذو سعة بخلقها وخلق غيرها لا نعجز عن ذلك وقيل لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة والقدرة وقيل إنا لموسعون الرزق بالمطر قال الجوهري وأوسع الرجل صار ذا سعة وغنى
الذاريات : ( 48 ) والأرض فرشناها فنعم . . . . .
( والأرض فرشناها ) قرأ الجمهور بنصب الأرض على الأشتغال وقرأ أبو السماك وأبن مقسم برفعها كما نقدم في قوله ( والسماء بنيناها ) ومعنى فرشناها بسطناها كالفراش ( فنعم الماهدون ) أي نحن يقال مهدت الفراش بسطته ووطأته وتمهيد الأمور تسويتها وإصلاحها
الذاريات : ( 49 ) ومن كل شيء . . . . .
( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) أي صنفين ونوعين من ذكر وأنثى وبر وبحر وشمس وقمر وحلو ومر وسماء وأرض وليل ونهار ونور وظلمة وجن وإنس وخير وشر ( لعلكم تذكرون ) أي خلقنا ذلك هكذا لتتذكروا فتعرفوا أنه خالق كل شيء وتستدلوا بذلك على توحيده وصدق وعده ووعيده
الذاريات : ( 50 ) ففروا إلى الله . . . . .
( ففروا إلى الله أني لكم منه نذير مبين ) أي قل لهم يا محمد ففروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم عن الكفر والمعاصي وجملة ( إني لكم منه نذير مبين ) تعليل للأمر بالفرار وقيل معنى ( ففروا إلى الله ) أخرجوا من مكة وقال الحسين بن الفضل احترزوا من كل شيء غير الله فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه وقيل فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن وقيل فروا من الجهل إلى العلم ومعنى ( إني لكم منه ) أي من جهته منذر بين الإنذار
الذاريات : ( 51 ) ولا تجعلوا مع . . . . .
( ولا تجعلوا مع الله إلها آخر ) نهاهم عن الشرك بالله بعد أمرهم بالفرار إلى الله وجملة ( إني لكم منه نذير مبين ) تعليل للنهي ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر أو مجنون ) في هذا تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ببيان أن هذا شأن الأمم المتقدمة


"""""" صفحة رقم 92 """"""
وأن ما وقع من العرب من التكذيب لرسول الله ووصفه بالسحر والجنون قد كان ممن قبلهم لرسلهم
الذاريات : ( 52 ) كذلك ما أتى . . . . .
و ( كذلك في محل رفع على إنه خبر مبتدأ محذوف ) أي الأمر كذلك ثم فسر ما أجمله بقوله ( ما أتى ) الخ أو في محل نصب نعتا لمصدر محذوف أي أنذركم كإنذار من تقدمني من الرسل الذين أنذروا قومهم والأول أولى
الذاريات : ( 53 ) أتواصوا به بل . . . . .
( أتواصوا به ) الاستفهام للتقريع والتوبيخ والتعجيب من حالهم أي هل أوصي أولهم آخرهم بالتكذيب وتواطئوا عليه ( بل هم قوم طاغون ) إضراب عن التواصي إلى ما جمعهم من الطغيان أي لم يتواصوا بذلك بل جمعهم الطغيان وهو مجاوزة الحد في الكفر
الذاريات : ( 54 ) فتول عنهم فما . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وإله وسلم بالإعراض عنهم فقال ( فتولى عنهم ) أي أعرض عنهم وكف عن جدالهم ودعائهم إلى الحق فقد فعلت ما أمرك الله به وبلغت رسالته ( فما أنت بملوم ) عند الله بعد هذا لأنك قد أديت ما عليك وهذا منسوخ بآية السيف
الذاريات : ( 55 ) وذكر فإن الذكرى . . . . .
ثم لما أمره بالإعراض عنهم أمره بأن لا يترك التذكير والموعظة بالتي هي أحسن فقال ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) قال الكلبي المعنى عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم وقال مقاتل عظ كفار مكة فإن الذكرى تنفع من كان في علم الله أنه يؤمن وقيل ذكرهم بالعقوبة وأيام الله وخص المؤمنين بالتذكير لأنهم المنتفعون به
الذاريات : ( 56 ) وما خلقت الجن . . . . .
وجملة ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) مستأنفة مقررة لما قبلها لأن كون خلقهم لمجرد العبادة مما ينشط رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم للتذكير وينشطهم للإجابة قيل هذا خاص في من سبق في علم الله سبحانه أنه يعبده فهو عموم مراد به الخصوص قال الواحدي قال المفسرون هذا خاص لأهل طاعته يعني من أهل من الفريقين قال وهذا قول الكلبي والضحاك واختيار الفراء وابن قتيبة قال القشيري والآية دخلها التخصيص بالقطع لأن المجانين لم يؤمروا بالعبادة ولا أرادها منهم وقد قال ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ومن خلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة فالآية محموله على المؤمنين منهم ويدل عليه قراءة أبن مسعود وأبي بن كعب وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون وقال مجاهد إن المعنى إلا ليعرفوني قال الثعلبي وهذا قول حسن لأنه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده وروى عن مجاهد إنه قال المعنى إلا لآمرهم وأنهاهم ويدل عليه قوله وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون واختار هذا الزجاج وقال زيد بن أسلم هو ما جبلوا عليه من السعادة والشقاوة فخلق السعداء من الجن والإنس للعبادة وخلق الأشقياء للمعصية وقال الكلبي المعنى إلا ليوحدون فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء وأما الكافر فيوحده في الشدة دون النعمة كما في قوله وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين وقال جماعة إلا ليخضعوا لي ويتذللوا ومعنى العبادة في اللغة الذل والخضوع والانقياد وكل مخلوق من الإنس والجن خاضع لقضاء الله متذلل لمشيئته منقاد لما قدره عليه خلقهم على ما أراد ورزقهم كما قضى لا يملك أحد منهم لنفسه نفعا ولا ضرا ووجه تقديم الجن على الإنس ها هنا تقديم وجودهم
الذاريات : ( 57 ) ما أريد منهم . . . . .
( ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ) هذه الجملة فيها بيان استغنائه سبحانه عن عباده وأنه لا يريد منهم منفعة كما تريده السادة من عبيدهم بل هو الغنى المطلق الرزاق المعطي وقيل المعنى ما أريد منهم أن يرزقوا أحدا من خلقى ولا أن يرزقوا أنفسهم ولا يطعموا أحدا من خلقي ولا يطعموا أنفسهم وأنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق عيال الله فمن أطعم عيال الله فهو كمن أطعمه وهذا كما ورد في قوله صلى الله عليه وإله وسلم يقول الله عبدي استطعمتك فلم تطعمني أي لم تطعم عبادي ومن في قوله ( من رزق ) زائد لتأكيد العموم ثم بين سبحانه أنه هو الرزاق لا غيره
الذاريات : ( 58 ) إن الله هو . . . . .
فقال ( إن الله هو الرزاق )


"""""" صفحة رقم 93 """"""
فلا يشتغلوا بغير ما خلقوا له من العبادة ( ذو القوة المتين ) ارتفاع المتين على إنه وصف للرزاق أو لذو أو خبر مبتدأ محذوف أو خبر بعد خبر قرأ الجمهور الرزاق وقرأ أبن محيصن الرازق وقرأ الجمهور المتين بالرفع وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش بالجر صفة للقوة والتذكير لكون تأنيثها غير حقيقي قال الفراء كان حقه المتينه فذكرها لأنه ذهب بها إلى الشيء المبرم المحكم الفتل يقال حبل متين أي محكم الفتل ومعنى المتين الشديد القوة هنا
الذاريات : ( 59 ) فإن للذين ظلموا . . . . .
( فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ) أي ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فإن لهم ذنوبا أي نصيبا من العذاب مثل نصيب الكفار من الأمم السابقة قال أبن الأعرابي يقال يوم ذنوب أي طويل الشر لا ينقضي وأصل الذنوب في اللغة الدلو العظيمة ومن استعمال الذنوب في النصيب من الشيء قول الشاعر لعمرك والمنايا طارقات
لكل بني أب منها ذنوب
وما في الآية مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلو الكبير فهو تمثيل جعل الذنوب مكان الحظ والنصيب قاله أبن قتيبة ( فلا يستعجلون ) أي لا يطلبوا مني أن أعجل لهم العذاب كما في قولهم أئتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين
الذاريات : ( 60 ) فويل للذين كفروا . . . . .
( فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون ) قيل هو يوم القيامة وقيل يوم بدر والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير وأبن المنذر في قوله ( فتولى بركنه ) عن أبن عباس قال بقومه وأخرج الفريابي وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه في قوله ( الريح العقيم ) قال الشديدة التي لا تلقح شيئا وأخرج أبن جرير عنه أيضا قال لا تلقح الشجر ولا تثير السحاب وفي قوله ( إلا جعلته كالرميم ) قال كالشيء الهالك وأخرج الفريابي وأبن المنذر عن علي بن أبي طالب قال الريح العقيم النكباء وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبن عباس في قوله ( والسماء بنيناها بأيد ) قال بقوة وأخرج أبو داود في ناسخه وأبن المنذر عنه في قوله ( فتول عنهم فما أنت بملوم ) قال أمره الله أن يتولى عنهم ليعذبهم وعذر محمدا صلى الله عليه وإله وسلم ثم قال ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) فنسخها وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عنه في قوله ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) قال ليقروا بالعبودية طوعا أو كرها واخرج أبن المنذر عنه في الآية قال على ما خلقتهم عليه من طاعتي ومعصيتي وشقوتي وسعادتي وأخرج أبن أبي جرير وأبن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضا في قوله ( المتين ) يقول الشديد وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( ذنوبا ) قال دلوا
ع52
تفسير
سورة الطور
هي تسع وأربعون آية وقيل ثمان وأربعون
حول السورة
وهي مكية قال القرطبي في قول الجميع وأخرج أبن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن أبن عباس قال نزلت الطور بمكة واخرج أبن مردويه عن أبن الزبير مثله واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جبير بن مطعم قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ في المغرب بالطور وأخرج البخاري وغيره عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي إلى جنب البيت بالطور وكتاب مسطور


"""""" صفحة رقم 94 """"""
سورة الطور
( 1 20
الطور : ( 1 ) والطور
قوله والطور قال الجوهري هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى قال مجاهد والسدي الطور بالسريانية الجبل والمراد به طور سيناء قال مقاتل بن حيان هما طوران يقال لأحدهما طور سيناء وللآخر طور زيتا لأنهما ينبتان التين والزيتون وقيل هو جبل مدين وقيل إن الطور كل جبل ينبت وما لا ينبت فليس بطور أقسم الله سبحانه بهذا الجبل تشريفا له وتكريما
الطور : ( 2 ) وكتاب مسطور
( وكتاب مسطور ) المسطور المكتوب والمراد بالكتاب القرآن وقيل هو اللوح المحفوظ وقيل جميع الكتب المنزلة وقيل ألواح موسى وقيل ما تكتبه الحفظة قاله الفراء وغيره ومثله ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا وقوله وإذا الصحف نشرت
الطور : ( 3 ) في رق منشور
( في رق منشور ) متعلق بمسطور أي مكتوب في رق قرأ الجمهور في رق بفتح الراء وقرأ أبو السماك بكسرها قال الجوهري الرق بالفتح ما يكتب فيه وهو جلد رقيق ومنه قوله تعالى ( في رق منشور ) قال المبرد الرق ما رق من الجلد ليكتب فيه والمنشور المبسوط قال أبو عبيدة وجمعه رقوق ومن هذه قول الملتمس فكأنما هي من تقادم عهدها
رق أتيح كتابها مسطور
وأما الرق بالكسر فهو المملوك يقال عبد رق وعبد مرقوق
الطور : ( 4 ) والبيت المعمور
( والبيت المعمور ) في السماء السابعة وقيل في سماء الدنيا وقيل هو الكعبة فعلى القولين الأولين يكون وصفه بالعمارة باعتبار من يدخل إليه من الملائكة ويعبد الله فيه وعلى القول الثالث يكون وصفه بالعمارة حقيقة أو مجازا باعتبار كثرة من يتعبد فيه من بني آدم
الطور : ( 5 ) والسقف المرفوع
( والسقف المرفوع ) يعني السماء سماها سقفا لكونها كالسقف للأرض ومنه قوله وجعلنا السماء سقفا محفوظا وقيل هو العرش
الطور : ( 6 ) والبحر المسجور
( والبحر المسجور ) أي الموقد من السجر وهو إيقاد النار في التنور ومنه قوله وإذا البحار سجرت وقد روى أن البحار تسجر يوم القيامة فتكون نارا وقيل المسجور المملوء قيل إنه من أسماء الأضداد يقال بحر مسجور أي مملوء وبحر مسجور أي فارغ وقيل المسجور الممسوك ومنه ساجور الكلب لأنه


"""""" صفحة رقم 95 """"""
يمسكه وقال أبو العالية المسجور الذي ذهب ماؤه وقيل المسجور المفجور ومنه وإذا البحار فجرت وقال الربيع بن أنس هو الذي يختلط فيه العذب بالمالح والأول أولى وبه قال مجاهد والضحاك ومحمد بن كعب والأخفش وغيرهم
الطور : ( 7 ) إن عذاب ربك . . . . .
( إن عذاب ربك لواقع ) هذا جواب القسم أي كائن لا محالة لمن يستحقه
الطور : ( 8 ) ما له من . . . . .
( ماله من دافع ) يدفعه ويرده عن أهل النار وهذه الجملة خبر ثان لإن أو صفة لواقع ومن مزيده للتأكيد ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها أنها عظيمة دالة على كمال القدرة الربانية
الطور : ( 9 ) يوم تمور السماء . . . . .
( يوم تمور السماء مورا ) العامل في الظرف لواقع أي إنه لواقع في هذا اليوم ويجوز أن يكون العامل فيه دافع والمور الآضطراب والحركة قال أهل اللغة مار الشيء يمور مورا إذا تحرك وجاء وذهب قاله الأخفش وأبو عبيدة وأنشدا بيت الأعشى كأن مشيتها من بيت جارتها
مشى السحابة لا ريث ولا عجل
وليس في البيت ما يدل على ما قالاه إلا إذا كانت هذه المشيئة المذكورة في البيت يطلق المور عليها لغة وقال الضحاك يموج بعضها في بعض وقال مجاهد تدور دورا وقيل تجري جريا ومنه قول الشاعر وما زالت القتلى تمور دماؤها
بدجلة حتى ماء دجلة أشكل
ويطلق المور على الموج ومنه ناقة موارة اليد أي سريعة تموج في مشيها موجا ومعنى الآية أن العذاب يقع بالعصاة ولا يدفعه عنهم دافع في هذا اليوم الذي تكون فيه السماء هكذا وهو يوم القيامة وقيل إن السماء ها هنا الفلك وموره اضطراب نظمه واختلاف سيره
الطور : ( 10 ) وتسير الجبال سيرا
( وتسير الجبال سيرا ) أي نزول عن أماكنها وتسير عن مواضعها كسير السحاب وتكون هباء منبثا قيل ووجه تأكيد الفعلين بالمصدر الدالة على غرابتها وخروجهما عن المعهود وقد تقدم تفسير مثل هذا في سورة الكهف
الطور : ( 11 ) فويل يومئذ للمكذبين
( فويل يومئذ للمكذبين ) ويل كلمة تقال للهالك واسم واد في جهنم وإنما دخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة أي إذا وقع ما ذكر من مور السماء وسير الجبال فويل لهم
الطور : ( 12 ) الذين هم في . . . . .
ثم وصف المكذبين بقوله ( الذين هم في خوض يلعبون ) أي في تردد في الباطل واندفاع فيه يلهون لا يذكرون حسابا ولا يخافون عقابا والمعنى أنهم يخوضون في أمر محمد صلى الله عليه وإله وسلم بالتكذيب والاستهزاء وقيل يخوضون في أسباب الدنيا ويعرضون عن الآخرة
الطور : ( 13 ) يوم يدعون إلى . . . . .
( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) الدع الدفع بعنف وجفوة يقال دععته أدعه دعا أي دفعته والمعنى أنهم يدفعون إلى النار دفعا عنيفا شديدا قال مقاتل تغل أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعون إلى جهنم دفعا على وجوههم قرأ الجمهور بفتح الدال وتشديد العين وقرأ على والسلمي وأبو رجاء وزيد بن علي وأبن السميفع بسكون الدال وتخفيف العين مفتوحة أي يدعون إلى النار من الدعاء ويوم إما بدل من يوم تمور أو متعلق بالقول المقدور في الجملة التي بعد هذه
الطور : ( 14 ) هذه النار التي . . . . .
وهي ( هذه النار التي كنتم بها تكذبون ) أي يقال لهم ذلك يوم يدعون إلى نار جهنم دعا أي هذه النار التي تشاهدونها هي النار التي كنتم تكذبون بها في الدنيا والقائل لهم بهذه المقالة هم خزنة النار
الطور : ( 15 ) أفسحر هذا أم . . . . .
ثم وبخهم سبحانه أو أمر ملائكته بتوبيخهم فقال ( أفسحر هذا ) الذي ترون وتشاهدون كما كنتم تقولون لرسل الله المرسله ولكتبه المنزلة وقدم الخبر هنا على المبتدأ لأنه الذي وقع الاستفهام عنه وتوجه التوبيخ إليه ( أم أنتم لا تبصرون ) أي أم أنتم عمي عن هذا كما كنتم عميا عن الحق في الدنيا
الطور : ( 16 ) اصلوها فاصبروا أو . . . . .
( أصلوها فاصبروا أو لا تصبروا ) أي إذا لم يمكنكم إنكارها وتحققتم أن ذلك ليس بسحر ولم يكن في إبصاركم خلل فالآن ادخلوها وقاسوا شدتها فاصبروا على العذاب أو لا تصبروا وافعلوا ما شئتم فالأمران ( سواء عليكم ) في عدم النفع فبل أيضا تقول لهم الملائكة هذا القول وسواء خبر مبتدأ محذوف أي الأمران سواء ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف أي سواء عليكم


"""""" صفحة رقم 96 """"""
الصبر وعدمه وجملة ( إنما تجزون ماكنتم تعملون ) تعليل للاستواء فان الجزاء بالعمل اذا كان واقعا حتما كان الصبر وعدمه سواء
الطور : ( 17 ) إن المتقين في . . . . .
( إن المتقين في جنات ونعيم ) لما فرغ سبحانه من ذكر حال المجرمين ذكر حال المتقين وهذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفه ويجوز أن تكون من جملة ما يقال للكفار زيادة في غمهم وحسرتهم والتنوين ( في جنات ونعيم ) للتفخيم
الطور : ( 18 ) فاكهين بما آتاهم . . . . .
( فاكهين بما آتاهم ربهم ) يقال رجل فاكه اي ذو فاكهة كما قيل لابن وتامر والمعنى أنهم ذوو فاكهة من فواكه الجنة وقيل ذوو نعمة وتلذذ بما صاروا فيه مما اعطاهم الله عز وجل مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقد تقدم بيان معنى هذا قرأ الجمهور فاكهين بالألف والنصب على الحال وقرأ خالد فاكهون بالرفع على انه خبر بعد خبر وقرأ ابن عباس فكهين بغير ألف والفكه طيب النفس كما تقدم في الدخان ويقال للأشر والبطر ولا يناسب التفسير به هنا ( ووقاهم ربهم عذاب الجحيم ) معطوف على آتاهم أو على خبر ان أو الجملة في محل نصب على الحال باضمار قد
الطور : ( 19 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . .
( كلوا واشربوا هنيئا ) أي يقال لهم ذلك والهنىء ما لا تنغيص فيه ولا نكد ولا كدر قال الزجاج أي ليهنئكم ما صرتم اليه هناء والمعنى كلوا طعاما هنيئا واشربوا شرابا هنيئا وقد تقدم تفسير هنيئا في سورة النساء وقيل معنى هنيئا أنكم لا تموتون
الطور : ( 20 ) متكئين على سرر . . . . .
( متكئين على سرر مصفوفه ) انتصابه على الحال من فاعل كلوا أو من مفعول وقاهم أو من الضمير المستكن في الظرف أو من الضمير في فاكهين قرأ الجمهور ( على سرر ) بضم الراء الأولى وقرأ أبو السماك بفتحها والسرر جمع سرير والمصفوفة المتصل بعضها ببعض حتى تصير صفا ( وزوجناهم بحور عين ) أي قرناهم بها قال يونس بن حبيب تقول العرب زوجته امرأة وتزوجت بامرأة وليس من كلام العرب زوجته بامرأة قال وقول الله تعالى ( وزوجناهم بحور عين ) أي قرناهم بهن وقال الفراء زوجته بامرأة لغة أزد شنوءة وقد تقدم تفسير الحور العين في سورة الدخان قرأ الجمهور بحور عين من غير إضافة وقرأ عكرمة بإضافة الحور إلى العين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس ( والطور ) قال جبل وأخرج ابن مردويه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الطور جبل من جبال الجنة وكثير ضعيف جدا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ( في رق منشور ) قال في الكتاب وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة وفي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال في حديث الإسراء بعد مجاوزته إلى السماء السابعة ثم رفع إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن أبي الطفيل أن ابن الكواء سأل عليا عن البيت المعمور فقال ذلك الضراح بيت فوق سبع سموات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه أبدا إلى يوم القيامة وأخرج ابن جرير نحوه عن ابن عباس وأخرج ابن مردويه عن عبد الله ابن عمرو رفعه قال إن البيت المعمور لبحيال الكعبة لو سقط منه شيء لسقط عليها يصلى فيه كل يوم سبعون ألفا ثم لا يعودون إليه وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس نحوه وضعف إسناده السيوطي


"""""" صفحة رقم 97 """"""
وأخرج ابن راهويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب في قوله ( والسقف المرفوع ) قال السماء وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله ( والبحر المسجور ) قال بحر في السماء تحت العرش وأخرج ابن جرير عن ابن عمر مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المسجور المحبوس وأخرج ابن المنذر عنه قال المسجور المرسل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ( يوم تمور السماء مورا ) قال تحرك وفي قوله ( يوم يدعون ) قال يدفعون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا يوم يدعون ( إلى نار جهنم دعا ) قال يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( كلوا واشربوا هنيئا ) أي لا تموتون فيها فعندها قالوا أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين
سورة الطور 21 34
الطور : ( 21 ) والذين آمنوا واتبعتهم . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة على العموم ذكر حال طائفة منهم على الخصوص فقال ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم ) والموصول مبتدأ وخبره ألحقنا بهم ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مقدر أي وأكرمنا الذين آمنوا ويكون ألحقنا مفسرا لهذا الفعل المقدر قرأ الجمهور واتبعتهم بإسناد الفعل إلى الذرية وقرأ أبو عمرو أتبعناهم بإسناد الفعل إلى المتكلم كقوله ألحقنا وقرأ الجمهور ذريتهم بالإفراد وقرأ ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بالجمع إلا أن أبا عمرو قرأ بالنصب على المفعولية لكونه قرأ وأتبعناهم ورويت قراءة الجمع هذه عن نافع والمشهور عنه كقراءة الجمهور وقرأ الجمهور ألحقنا بهم ذريتهم بالإفراد وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب على الجمع وجملة ( واتبعتهم ذريتهم ) معطوف على آمنوا أو معترضة وبإيمان متعلق بالاتباع ومعنى هذه الآية أن الله سبحانه يرفع ذرية المؤمن إليه وإن كانوا


"""""" صفحة رقم 98 """"""
دونه في العمل لتقر عينه وتطيب نفسه بشرط أن يكونوا مؤمنين فيختص ذلك بمن يتصف بالإيمان من الذرية وهم البالغون دون الصغار فإنهم وإن كانوا لاحقين بآبائهم فبدليل آخر غير هذه الآية وقيل إن الذرية تطلق على الكبار والصغار كما هو المعنى اللغوي فيلحق بالآباء المؤمنين صغار ذريتهم وكبارهم ويكون قوله بإيمان في محل نصب على الحال أي بإيمان من الآباء وقيل إن الضمير في بهم راجع إلى الذرية المذكورة أولا أي ألحقنا بالذرية المتبعة لآبائهم بإيمان ذريتهم وقيل المراد بالذين آمنوا المهاجرون والأنصار فقط وظاهر الآية العموم ولا يوجب تخصيصها بالمهاجرين والأنصار كونهم السبب في نزولها إن صح ذلك فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) قرأ الجمهور بفتح اللام من ألتنا وقرأ ابن كثير بكسرها أي وما تقصنا الآباء بإلحاق ذريتهم بهم من ثواب أعمالهم شيئا فضمير المفعول عائد إلى الذين آمنوا وقيل المعنى وما نقصنا الذرية من اعمالهم شيئا لقصر أعمارهم والأول أولى وقد قدمنا تحقيق معنى لاته وألاته في سورة الحجرات وقرأ ابن هرمز آلتناهم بالمد وهو لغة قال في الصحاح يقال ما آلته من عمله شيئا أي ما نقصه ( كل امرىء بما كسب رهين ) رهين بمعنى مرهون والظاهر أنه عام وأن كل إنسان مرتهن بعمله فإن قام به على الوجه الذي أمره الله به فكه وإلا أهلكه وقيل هو بمعنى راهن والمعنى كل امرىء بما كسب دائم ثابت وقيل هذا خاص بالكفار لقوله كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين
الطور : ( 22 ) وأمددناهم بفاكهة ولحم . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما أمدهم به من الخير فقال ( وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون ) أي زدناهم على ما كان لهم من النعيم بفاكهة متنوعة ولحم من أنواع اللحمان مما تشتهيه أنفسهم ويستطيبونه
الطور : ( 23 ) يتنازعون فيها كأسا . . . . .
( يتنازعون فيها كأسا ) أي يتعاطون ويتناولون كأسا والكأس إناء الخمر ويطلق على كل إناء مملوء من خمر أو غيره فإذا فرغ لم يسم كأسا ( لا لغو فيها ولا تأثيم ) قال الزجاج لا يجرى بينهم ما يلغى ولا ما فيه إثم كما يجرى بين من يشرب الخمر في الدنيا والتأثيم تفعيل من الإثم والضمير في فيها راجع إلى الكأس وقيل لا لغو فيها أي في الجنة ولا يجري فيها ما فيه إثم والأول أولى قال ابن قتيبة لا تذهب بعقولهم فيلغوا كما يكون من خمر الدنيا ولا يكون منهم ما يؤثمهم وقال الضحاك لا تأثيم أي لا كذب قرأ الجمهور لا لغو فيها ولا تأثيم بالرفع والتنوين فيهما وقرأ ابن كثير وابن محيصن بفتحهما من غير تنوين قال قتادة اللغو الباطل وقال مقاتل بن حيان لا فضول فيها وقال سعيد بن المسيب لا رفث فيها وقال ابن زيد لا سباب ولا تخاصم فيها والجملة في محل نصب على الحال صفة لكأسا
الطور : ( 24 ) ويطوف عليهم غلمان . . . . .
( ويطوف عليهم غلمان لهم ) أي يطوف عليهم بالكأس والفواكه والطعام وغير ذلك مماليك لهم وقيل أولادهم ( كأنهم ) في الحسن والبهاء ( لؤلؤ مكنون ) أي مستور مصون في الصدف لم تمسه الأيدي قال الكسائي كننت الشيء سترته وصنته من الشمس وأكننته جعلته في الكن ومنه كننت الجارية وأكننتها فهي مكنونة
الطور : ( 25 ) وأقبل بعضهم على . . . . .
( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) أي يسأل بعضهم بعضا في الجنة عن حاله وما كان فيه من تعب الدنيا وخوف العاقبة فيحمدون الله الذي أذهب عنهم الحزن والخوف والهم وما كانوا فيه من الكد والنكد بطلب المعاش وتحصيل ما لا بد منه من الرزق وقيل يقول بعضهم لبعض بم صرتم في هذه المنزلة الرفيعة وقيل إن التساؤل بينهم عند البعث من القبور والأول أولى لدلالة السياق على أنهم قد صاروا في الجنة
الطور : ( 26 ) قالوا إنا كنا . . . . .
وجملة ( قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ) مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ماذا قال بعضهم لبعض عند التساؤل فقيل قالوا إنا كنا قبل أي قبل الآخرة وذلك في الدنيا في أهلنا خائفين وجلين من عذاب الله أو كنا خائفين من عصيان الله
الطور : ( 27 ) فمن الله علينا . . . . .
( فمن الله علينا ) بالمغفرة والرحمة أو بالتوفيق لطاعته ( ووقانا عذاب السموم ) يعنى عذاب جهنم والسموم من أسماء جهنم كذا قال الحسن ومقاتل وقال الكلبي وأبو عبيدة هو عذاب النار


"""""" صفحة رقم 99 """"""
وقال الزجاج سموم جهنم ما يوجد من حرها قال أبو عبيدة السموم بالنهار وقد يكون بالليل والحرور بالليل وقد يكون بالنهار وقد يستعمل السموم في لفح البرد وفي لفح الشمس والحر أكثر ومنه قول الشاعر اليوم يوم بارد سمومه
من جزع اليوم فلا ألومه
وقيل سميت الريح سموما لأنها تدخل المسام
الطور : ( 28 ) إنا كنا من . . . . .
( إنا كنا من قبل ندعوه ) أي نوحد الله ونعبده أو نسأله أن يمن علينا بالمغفرة والرحمة ( أنه هو البر الرحيم ) قرأ الجمهور بكسر الهمزة على الاستئناف وقرأ نافع والكسائي بفتحها أي لأنه والبر كثير الإحسان وقيل اللطيف والرحيم كثير الرحمة لعباده
الطور : ( 29 ) فذكر فما أنت . . . . .
( فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون ) أي أثبت على ما أنت عليه من الوعظ والتذكير والباء متعلقة بمحذوف هو حال أي ما أنت متلبسا بنعمة ربك التي أنعم بها عليك من رجاحة العقل والنبوة بكاهن ولا مجنون وقيل متعلقة بمحذوف يدل عليه الكلام أي ما أنت في حال إذ كارك بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون وقيل الباء سببية متعلقة بمضمون الجملة المنفية والمعنى انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله عليك كما تقول ما أنا بمعسر بحمد الله وقيل الباء للقسم متوسطة بين اسم ما وخبرها والتقدير ما أنت ونعمة الله بكاهن ولا مجنون والكاهن هو الذي يوهم أنه يعلم الغيب من دون وحي أي ليس ما تقوله كهانة فإنك إنما تنطق بالوحي الذي أمرك الله بإبلاغه والمقصود من الآية رد ما كان يقوله المشركون إنه كاهن أو مجنون
الطور : ( 30 ) أم يقولون شاعر . . . . .
( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) أم هي المنقطعة وقد تقدم الخلاف هل هي مقدرة ببل والهمزة أو ببل وحدها قال الخليل هي هنا للاستفهام قال سيبويه خوطب العباد بما جرى في كلامهم قال النحاس يريد سيبويه أن أم في كلام العرب للخروج من حديث إلى حديث ونتربص في محل رفع صفة لشاعر وريب المنون صروف الدهر والمعنى ننتظر به حوادث الأيام فيموت كما مات غيره أو يهلك كما هلك من قبله والمنون يكون بمعنى الدهر ويكون بمعنى المنية قال الأخفش المعنى نتربص إلى ريب المنون فحذف حرف الجر كما تقول قصدت زيدا وقصدت إلى زيد ومن هذا قول الشاعر
تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوما أو يموت خليلها
وقول أبي ذؤيب الهذلي
أمن المنون وريبها تتوجع
والدهر ليس بمعتب من يجزع
قال الأصمعي المنون واحد لا جمع له قال الفراء يكون واحدا وجمعا وقال الأخفش هو جمع واحد له
الطور : ( 31 ) قل تربصوا فإني . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال ( قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ) أي انتظروا موتي أو هلاكي فإني معكم من المتربصين لموتكم أو هلالكم قرأ الجمهور نتربص بإسناد الفعل إلى جماعة المتكلمين قرأ زيد بن علي على البناء للمفعول
الطور : ( 32 ) أم تأمرهم أحلامهم . . . . .
( أم تأمرهم أحلامهم بهذا ) أي بل أتأمرهم عقولهم بهذا الكلام المتناقض إن الكاهن هو المفرط في الفطنة والذكاء والمجنون هو ذاهب العقل فضلا عن أن يكون له فطنة وذكاء قال الواحدى قال المفسرون كانت عظماء قريش توصف بالأحلام والعقول فأزرأ الله بحلومهم حين لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل ( أم هم قوم طاغون ) أي بل أطغوا وجاوزوا الحد في العناد فقالوا ما قالوا وهذه الإضرابات من شيء إلى شيء مع الاستفهام كما هو مدلول أم المنقطعة تدل على أن ما تعقبها أشنع مما تقدمها وأكثر جرأة وعنادا
الطور : ( 33 ) أم يقولون تقوله . . . . .
( أم يقولون تقوله ) أي اختلق القرآن من جهة نفسه وافتعله والتقول لا يستعمل إلا في الكذب في الغالب وإن كان أصله تكلف القول ومنه اقتال عليه ويقال اقتال عليه بمعنى تحكم عليه ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 100 """"""
ومنزلة في دار صدق وغبطة
وما اقتال في حكم علي طبيب
ثم أضرب سبحانه عن قولهم ( تقوله ) وانتقل إلى ما هو أشد شناعة عليهم فقال ( بل لا يؤمنون ) أي سبب صدور هذه الأقوال المتناقضة عنهم كونهم كفارا لا يؤمنون بالله ولا يصدقون ما جاء به رسوله ( صلى الله عليه وسلم )
الطور : ( 34 ) فليأتوا بحديث مثله . . . . .
ثم تحداهم سبحانه وألزمهم الحجة فقال ( فليأتوا بحديث مثله ) أي مثل القرآن في نظمه وحسن بيانه وبديع أسلوبه ( إن كانوا صادقين ) فيما زعموا من قولهم إن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) تقوله وجاء به من جهة نفسه مع أنه كلام عربي وهم رؤوس العرب وفصحاؤهم والممارسون لجميع الأوضاع العربية من نظم ونثر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وسبب النزول
وقد أخرج سعيد بن منصور وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقر به عينه ثم قرأ ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم ) الآية وأخرجه البزار وابن مردويه عنه مرفوعا وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك فيقول يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به وقرأ ابن عباس ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم ) الآية وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن المؤمنين وأولادهم في الجنة وإن المشركين وأولادهم في النار ثم قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( والذين آمنوا ) الآية وإسناده هكذا قال عبد الله بن أحمد حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي بن أبي طالب قال سألت خديجة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن ولدين ماتا لها في الجاهلية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هما في النار فلما رأى الكراهة في وجهها قال لو رأيت مكانهما لأبغضتهما قالت يا رسول الله فولدي منك قال في الجنة قال ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن المؤمنين وأولادهم في الجنة وإن المشركين وأولادهم في النار ثم قرأ ( والذين آمنوا ) الآية وقال الإمام أحمد في المسند حدثنا يزيد حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول يا رب من أين لي هذا فيقول باستغفار ولدك لك وإسناده صحيح وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم عن ابن عباس ( وما ألتناهم ) قال ما نقصناهم وأخرج ابن أبي حاتم عنه ( لا لغو فيها ) يقول باطل ( ولا تأثيم ) يقول كذب وأخرج البزار عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الإخوان فيجيء سرير هذا حتى يحاذي سرير هذا فيتحدثان فيتكىء ذا ويتكىء ذا فيتحدثان بما كانوا في الدنيا فيقول أحدهما يا فلان تدري أي يوم غفر الله لنا يوم كنا في موضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا وأخرج ابن المنذر عن عائشة قالت لو فتح الله على أهل الأرض من عذاب السموم قدر الأنملة لأحرقت الأرض ومن عليها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( إنه هو البر ) قال اللطيف وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عنه أن قريشا لما اجتمعوا إلى دار الندوة في أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال قائل منهم احبسوه في وثاق وتربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة إنما هو كأحدهم فأنزل الله في ذلك ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( ريب المنون ) قال الموت


"""""" صفحة رقم 101 """"""
سورة الطور 35 49
الطور : ( 35 ) أم خلقوا من . . . . .
قوله ( أم خلقوا من غير شيء ) أم هذه هي المنقطعة كما تقدم فيما قبلها وكما سيأتي فيما بعدها أي بل أخلقوا على هذه الكيفية البديعة والصنعة العجيبة من غير خالق لهم قال الزجاج أي أخلقوا باطلا لغير شيء لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون وجعل من بمعنى اللام قال ابن كيسان أم خلقوا عبثا وتركوا سدى لا يؤمرون ولا ينهون وقيل المعنى أم خلقوا من غير أب ولا أم فهم كالجماد لا يفهمون ولا تقوم عليهم حجة ( أم هم الخالقون ) أي بل أيقولون هم الخالقون لأنفسهم فلا يؤمرون ولا ينهون مع أنهم يقرون أن الله خالقهم وإذا أقروا لزمتهم الحجة
الطور : ( 36 ) أم خلقوا السماوات . . . . .
( أم خلقوا السموات والأرض ) وهم لا يدعون ذلك فلزمتهم الحجة ولهذا أضرب عن هذا وقال ( بل لا يوقنون ) أي ليسوا على يقين من الأمر بل يخبطون في ظلمات الشك في وعد الله ووعيده
الطور : ( 37 ) أم عندهم خزائن . . . . .
( أم عندهم خزائن ربك ) أي خزائن أرزاق العباد وقيل مفاتيح الرحمة قال مقاتل يقول أبأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاءوا وكذا قال عكرمة وقال الكلبي خزائن المطر والرزق ( أم هم المصيطرون ) أي المسلطون الجبارون قال في الصحاح المسيطر المسلط على الشيء ليشرف عليه ويتعهد أحواله ويكتب عمله وأصله من السطر لأن الكتاب يسطر وقال أبو عبيدة سطرت علي اتخذتني خولا لك قرأ الجمهور المصيطرون بالصاد الخالصة وقرأ ابن محيصن وحميد ومجاهد وقنبل وهشام بالسين الخالصة ورويت هذه القراءة عن حفص وقرأ خلاد بصاد مشمة زايا
الطور : ( 38 ) أم لهم سلم . . . . .
( أم لهم سلم يستمعون فيه ) أي بل أيقولون إن لهم سلما منصوبا إلى السماء يصعدون به ويستمعون فيه كلام الملائكة وما يوحى إليهم ويصلون به إلى علم الغيب كما يصل إليه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بطريق الوحي وقوله فيه صفة لسلم وهي للظرفية على بابها وقيل هي بمعنى على أي يستمعون عليه كقوله ولأصلبنكم في جذوع النخل قال الأخفش وقال أبو عبيدة يستمعون به وقال الزجاج المعنى أنهم كجبريل الذي يأتي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالوحي وقيل هي في محل نصب على الحال أي صاعدين فيه ( فليأت مستمعهم ) إن ادعى ذلك ( بسلطان مبين ) أي بحجة واضحة ظاهرة
الطور : ( 39 ) أم له البنات . . . . .
( أم له


"""""" صفحة رقم 102 """"""
البنات ولكم البنون ) أي بل أتقولون لله البنات ولكم البنون سفه سبحانه أحلامهم وضلل عقولهم ووبخهم أي أيضيفون إلى الله البنات وهي أضعف الصنفين ويجعلون لأنفسهم البنين وهم أعلاهما وفيه إشعار بأن من كان هذا رأيه فهو بمحل سافل في الفهم والعقل فلا يستبعد منه إنكار البعث وجحد التوحيد
الطور : ( 40 ) أم تسألهم أجرا . . . . .
ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ( أم تسألهم أجرا ) أي بل أتسألهم أجرا يدفعونه إليك على تبليغ الرسالة ( فهم من مغرم مثقلون ) أي من التزام غرامة تطلبها منهم مثقلون أي مجهودون بحملهم ذلك المغرم الثقيل قال قتادة يقول هل سألت هؤلاء القوم أجرا فجهدهم فلا يستطيعون الإسلام
الطور : ( 41 ) أم عندهم الغيب . . . . .
( أم عندهم الغيب فهم يكتبون ) أي بل أيدعون أن عندهم علم الغيب وهو ما في اللوح المحفوظ فهم يكتبون للناس ما أرادوا من علم الغيب قال قتادة هذا جواب لقولهم نتربص به ريب المنون يقول الله أم عندهم الغيب حتى علموا أن محمدا يموت قبلهم فهم يكتبون قال ابن قتيبة معنى يكتبون يحكمون بما يقولون
الطور : ( 42 ) أم يريدون كيدا . . . . .
( أم يريدون كيدا ) أي مكرا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيهلكونه بذلك المكر ( فالذين كفروا هم المكيدون ) أي الممكور بهم المجزيون بكيدهم فضرر كيدهم يعود عليهم ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله وقد قتلهم الله في يوم بدر وأذلهم في غير موطن ومكر سبحانه بهم ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين
الطور : ( 43 ) أم لهم إله . . . . .
( أم لهم إله غير الله ) أي بل أيدعون أن لهم إلها غير الله يحفظهم ويرزقهم وينصرهم ثم نزه سبحانه نفسه عن هذه المقالة الشنعاء فقال ( سبحان الله عما يشركون ) أي عن شركهم به أو عن الذين يجعلونهم شركاء له
الطور : ( 44 ) وإن يروا كسفا . . . . .
ثم ذكر سبحانه بعض جهالاتهم فقال ( وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ) الكسف جمع كسفة وهي القطعة من الشيء وانتصاب ساقطا على الحال أو على انه المفعول الثاني والمركوم المجعول بعضه على بعض والمعنى أنهم إن يروا كسفا من السماء ساقطا عليهم لعذابهم لم ينتهوا عن كفرهم بل يقولون هو سحاب متراكم بعضه على بعض وقد تقدم اختلاف القراء في كسفا قال الأخفش من قرأ كسفا يعنى بكسر الكاف وسكون السين جعله واحدا ومن قرأ كسفا يعنى بكسر الكاف وفتح السين جعله جمعا
الطور : ( 45 ) فذرهم حتى يلاقوا . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يتركهم فقال ( فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ) أي أتركهم وخل عنهم حتى يلاقوا يوم موتهم أو يوم قتلهم ببدر أو يوم القيامة قرأ الجمهور يلاقوا وقرأ أبو حيوة يلقوا وقرأ الجمهور يصعقون على البناء للفاعل وقرأ ابن عامر وعاصم على البناء للمفعول والصعقة الهلاك على ما تقدم بيانه
الطور : ( 46 ) يوم لا يغني . . . . .
( يوم لا يغنى عنهم كيدهم شيئا ) هو بدل من يومهم أي لا ينفعهم في ذلك اليوم كيدهم الذي كادوا به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الدنيا ( ولا هم ينصرون ) أي ولا يمنع عنهم العذاب النازل بهم مانع بل هو واقع بهم لا محالة
الطور : ( 47 ) وإن للذين ظلموا . . . . .
( وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ) أي لهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي عذابا في الدنيا دون عذاب يوم القيامة أي قبله وهو قتلهم يوم بدر وقال ابن زيد هو مصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام والبلايا وذهاب الأموال والأولاد وقال مجاهد هو الجوع والجهد سبع سنين وقيل عذاب القبر وقيل المراد بالعذاب هو القحط وبالعذاب الذي يأتي بعده هو قتلهم يوم بدر ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) ما يصيرون إليه من عذاب الله وما أعده لهم في الدنيا والآخرة
الطور : ( 48 ) واصبر لحكم ربك . . . . .
( واصبر لحكم ربك ) إلى أن يقع لهم العذاب الذي وعدناهم به ( فإنك بأعيننا ) أي بمرأى ومنظر منا وفي حفظنا وحمايتنا فلا تبال بهم قال الزجاج إنك بحيث نراك ونحفظك ونرعاك فلا يصلون إليك ( وسبح بحمد ربك حين تقوم ) أي نزه ربك عما لا يليق به متلبسا بحمد ربك على إنعامه عليك حين تقوم من مجلسك قال عطاء وسعيد بن جبير وسفيان الثوري وأبو الأحوص يسبح الله حين يقوم من مجلسه فيقول سبحان الله وبحمده


"""""" صفحة رقم 103 """"""
أو سبحانك اللهم وبحمدك عند قيامه من كل مجلس يجلسه وقال محمد بن كعب والضحاك والربيع بن أنس حين تقوم إلى الصلاة قال الضحاك يقول الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وفيه نظر لأن التكبير يكون بعد القيام لا حال القيام ويكون التسبيح بعد التكبير وهذا غير معنى الآية فالأول أولى وقيل المعنى صل الله حين تقوم من منامك وبه قال أبو الجوزاء وحسان بن عطية وقال الكلبي واذكر الله باللسان حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل الصلاة وهي صلاة الفجر
الطور : ( 49 ) ومن الليل فسبحه . . . . .
( ومن الليل فسبحه ) أمره الله سبحانه ان يسحبه في بعض الليل قال مقاتل أي صل المغرب والعشاء وقيل ركعتي الفجر ( وإدبار النجوم ) أي وقت إدبارها من آخر الليل وقيل صلاة الفجر واختار أبن جرير وقيل هو التسبيح في إدبار الصلوات قرأ الجمهور إدبار بكسر الهمزة على إنه مصدر وقرأ سالم بن أبي الجعد ومحمد بن السميفع ويعقوب والمنهال بن عمر بفتحها على الجمع أي أعقاب النجوم وإدبارها إذا غربت ودبر الأمر آخره وقد تقدم الكلام على هذا في سورة ق
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( أم هم المصيطرون ) قال المسلطون وأخرج أبن جرير وأبن المنذر عنه قال أم هم المنزلون وأخرجا عنه أيضا ( عذابا دون ذلك ) قال عذاب القبر قبل يوم القيامة وأخرج أبن أبي شيبة وأبو داود والنسائي والحاكم وأبن مردويه عن أبي برزة الأسلمي قال كان رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم بآخره إذا قام من المجلس يقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ى إله إلا انت أستغفرك وأتوب إليك فقال رجل يا رسول الله إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى قال كفارة لما يكون في المجلس وأخرجه النسائي والحاكم من حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية عن رافع أبن خديج عن النبي صلى الله عليه وإله وسلم وأخرج الترمذي وأبن جرير عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال في مجلس فكثر فيه لفظه فقال قبل أن يقوم من مجلسه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك قال الترمذي حسن صحيح وفي الباب أحاديث مسندة ومرسلة وأخرج أبن مردويه عن أبن عباس في قوله ( وسبح بحمد ربك حين تقوم ) قال حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة وأخرج أبن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وإله وسلم في قوله ( ومن الليل فسبحه ) قال الركعتان قبل صلاة الصبح وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عن أبن عباس ( وإدبار النجوم ) قال ركعتي الفجر
ع53
تفسير
سورة النجم
هي إحدى وستون آية وقيل ثنتان وستون آية
حول السورة
وهي مكية جميعها في قول الجمهور وروى عن أبن عباس وعكرمة أنها مكية إلا آية منها وهي قوله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ) الآية وأخرج أبن مردويه عن أبن عباس قال نزلت سورة النجم بمكة أخرج ايضا عن أبن الزبير مثله واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبن مسعود قال أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم فسجد رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وسجد الناس كلهم إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافرا وهو أمية بن خلف واخرج أبن مردويه عن أبن مسعود قال


"""""" صفحة رقم 104 """"""
أول سورة استعلن بها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقرؤها والنجم وأخرج أبن مردويه والبيهقي في سننه عن أبن عمر قال صلى بنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقرأ النجم فسجد بنا فأطال السجود وأخرج أبن مردويه عن عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ النجم فلما بلغ السجدة سجد فيها وأخرج الطيالسي وأبن أبي شيبه وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والطبراني والنسائي وأبن مردويه عن زيد بن ثابت قال قرأت النجم عند النبي صلى الله عليه وإله وسلم فلم يسجد فيها وأخرج أبن مردويه عن أبن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يسجد في النجم بمكة فلما هاجر إلى المدينة تركها وأخرج أيضا عنه أن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة
سورة النجم ( 1 26
النجم : ( 1 ) والنجم إذا هوى
( قوله والنجم إذا هوى ) التعريف للجنس والمراد به جنس النجوم وبه قال جماعة من المفسرين ومنه قول عمر بن أبي ربيعة أحسن النجم في السماء الثريا
والثريا في الأرض زين النساء
وقيل المراد به الثريا وهو أسم غلب فيها تقول العرب النجم وتريد به الثريا وبه قال مجاهد وغيره وقال السدى النجم هنا هو الزهرة لأن قوما من العرب كانوا يعبدونها وقيل النجم هنا النبت الذي لا ساق له


"""""" صفحة رقم 105 """"""
كما في قوله والنجم والشجر يسجدان قاله الأخفش وقيل النجم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل النجم القرآن وسمى نجما لكونه نزل منجما مفرقا والعرب تسمى التفريق تنجيما والمفرق المنجم وبه قال مجاهد والفراء وغيرهما والأول أولى قال الحسن المراد بالنجم النجوم إذا سقطت يوم القيامة وقيل المراد بها النجوم التي ترجم بها الشياطين ومعنى هويه سقوطه من علو يقال هوى النجم يهوي هويا إذا سقط من علو إلى سفل وقيل غروبه وقيل طلوعه والأول أولى وبه قال الأصمعي وغيره ومنه قول زهير تسيح بها الأباعر وهي تهوي
هوى الدلو أسلمها الرشا
ويقال هوى في السير إذا مضى ومنه قول الشاعر بينما نحن بالبلاكث فالقا
ع سراعا والعيس تهوى هويا
خطرت خطرة على القلب من ذك راك وهنا فما استعطت مضيا
ومعنى الهوى على قول من فسر النجم بالقرآن أنه نزل من أعلا إلى أسفل وأما على قول من قال إنه الشجر الذي لا ساق له أو أنه محمد صلى الله عليه وإله وسلم فلا يظهر للهوي معنى صحيح والعامل في الظرف فعل القسم المقدر
النجم : ( 2 ) ما ضل صاحبكم . . . . .
وجواب القسم قوله ( ما ضل صاحبكم وما غوى ) أي ما ضل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عن الحق والهدى ولا عدل عنه والغي ضد الرشد أي ما صار غاويا ولا تكلم بالباطل وفيل ما خاب فيما طلب والغي الخيبة ومنه قول الشاعر
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
وفي قوله ( صاحبكم ) إشارة بأنهم المطلعون على حقيقة حاله والخطاب لقريش
النجم : ( 3 ) وما ينطق عن . . . . .
( وما ينطق عن الهوى ) أي ما يصدر نطقه عن الهوى لا بالقرآن ولا بغيره فعن على بابها وقال أبو عبيدة إن عن بمعنى الباء أي بالهوي قال قتادة أي ما ينطق بالقراءة عن هواه
النجم : ( 4 ) إن هو إلا . . . . .
( إن هو إلا وحي يوحى ) أي ما هو الذي ينطق به إلا وحي من الله يوحيه إليه وقوله ( يوحي ) صفة لوحي تفيد الاستمرار التجددي وتفيد نفي المجاز أي هو وحي حقيقة لا لمجرد التسمية
النجم : ( 5 ) علمه شديد القوى
( علمه شديد القوى ) القوى جمع قوة والمعنى أنه علمه جبريل الذي هو شديد قواه هكذا قال أكثر المفسرين إن المراد جبريل وقال الحسن هو الله عز وجل والأول أولى وهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف
النجم : ( 6 ) ذو مرة فاستوى
( ذو مرة فاستوى ) المرة القوة والشدة في الخلق وقيل ذو صحة جسم وسلامة من الآفات ومنه قول النبي صلى الله عليه وإله وسلم لاتحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى ) وقيل ذو حصافة عقل ومتانة رأى قال قطرب العرب لكل من هو جزل الراي حصيف العقل ذو مرة ومنه قول الشاعر
قد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانه
والتفسير للمرة بهذا أولى لأن القوة والشدة قد أفادها قوله ( شديد القوى ) قال الجوهري المرة إحدى الطبائع الأربع والمرة القوة وشدة العقل والفاء في قوله ( فاستوى ) للعطف على علمه يعني جبريل أي ارتفع وعاد إلى مكانه في السماء بعد أن علم محمد صلى الله عليه وإله وسلم قاله سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وقيل معنى استوى قام في صورته التي خلقه الله عليها لأنه كان يأتي النبي صلى الله عليه وإله وسلم في صورة الآدميين وقيل المعنى فاستوى القرآن في صدره صلى الله عليه وإله وسلم وقال الحسن فاستوى يعني الله عز وجل على العرش
النجم : ( 7 ) وهو بالأفق الأعلى
( وهو بالأفق الأعلى ) هذه الجملة في محل نصب على الحال أي فاستوى جبريل حال كونه


"""""" صفحة رقم 106 """"""
بالأفق الأعلى والمراد بالأفق الأعلى جانب المشرق وهو فوق جانب المغرب وقيل المعنى فاستوى عاليا والأفق ناحية السماء وجمعه آفاق قال قتادة ومجاهد هو الموضع الذي تطلع منه الشمس وقيل هو يعني جبريل والنبي صلى الله عليه وإله وسلم بالأفق الأعلى ليلة المعراج ويجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة
النجم : ( 8 ) ثم دنا فتدلى
( ثم دنا فتدلي ) أي دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى أي قرب من الأرض فتدلي فنزل على النبي صلى الله عليه وإله وسلم بالوحي وقيل في الكلام تقديم وتأخير والتقدير ثم تدلى فدنى قاله ابن الأنباري وغيره قاله ابن الأنباري وغيره قال الزجاج معنى دنا فتدلى واحد أي قرب وزاد في القرب كما تقول فدنا منى فلان وقرب ولو قلت قرب منى ودنا جاز قال الفراء الفاء في فتدلى بمعنى الواو والتقدير ثم تدلى جبريل ودنا ولكنه جائز إذا كان معنى الفعلين واحدا أن تقدم أيهما شئت قال الجمهور والذي دنا فتدلى هو جبريل وقيل هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى دنا منه أمره وحكمه والأول اولى قيل ومن قال إن الذي استوى هو جبريل ومحمد فالمعنى عنده ثم دنا محمد من ربه دنو كرامة فتدلى أي هوى للسجود وبه قال الضحاك
النجم : ( 9 ) فكان قاب قوسين . . . . .
( فكان قاب قوسين أو أدنى ) أى فكان مقدار ما بين جبريل ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو ما بين محمد وربه قاب قوسين أي قدر قوسين عربيين والقاب والقيب والقاد والقيد المقدار ذكر معناه في الصحاح قال الزجاج أى فيما تقدرون أنتم والله سبحانه عالم بمقادير الأشياء ولكنه يخاطبنا على ما جرت به عادة المخاطبة فيما بيننا وقيل أو بمعنى الواو أي وأدنى وقيل بمعنى أي بل أدنى وقال سعيد بن جبير وعطاء وأبو إسحاق الهمداني وأبو وائل شقيق بن سلمة ( فكان قاب قوسين ) قدر ذراعين والقوس الذراع يقاس بها كل شيء وهي لغة بعض الحجازيين وقيل هي لغة أزد شنوءة وقال الكسائي فكان قاب قوسين أراد قوسا واحد
النجم : ( 10 ) فأوحى إلى عبده . . . . .
( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) أي فأوحى جبريل إلى محمد صلى الله عليه وإله وسلم ما أوحى وفيه تفخيم للوحي الذي أوحى إليه والوحي إلقاء الشيء بسرعة ومنه الوحا وهو السرعة والضمير في عبده يرجع إلى الله كما في قوله ما ترك على ظهرها من دابة وقيل المعنى فأوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحى وبالأول قال الربيع والحسن وأبن زيد وقتادة وقيل فأوحى الله إلى عبده محمد قيل وقد إبهم الله سبحانه ما أوحاه جبريل إلى محمد أو ما أوحاه الله إلى عبده جبريل أو إلى محمد ولم يبينه لنا فليس لنا أن نعترض لتفسيره وقال سعيد بن جبير الذي أوحى إليه هو ألم نشرح لك صدرك الخ و ألم يجدك يتيما فآوى الخ وقيل أوحى الله إليه إن الجنة حرام على الأنبياء حتى تدخلها وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك وقيل إن ما للعموم لا للإبهام والمراد كل ما أوحى به إليه والحمل على الإبهام أولى لما فيه من التعظيم
النجم : ( 11 ) ما كذب الفؤاد . . . . .
( ما كذب الفؤاد ما رأى ) أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وإله وسلم ما رآه بصره ليلة المعراج يقال كذبه إذا قال له الكذب ولم يصدقه قال المبرد معنى الآية أنه رأى شيئا فصدق فيه قرأ الجمهور ما كذب مخففا وقرأ هشام وأبو جعفر بالتشديد وما في ما رأى موصولة أو مصدرية في محل نصب بكذب مخففا ومشددا
النجم : ( 12 ) أفتمارونه على ما . . . . .
( أفتمارونه على ما يرى ) قرأ الجمهور افتمارونه بالألف من المماراة وهي المجادلة والملاحاة وقرأ حمزة والكسائي أفتمرونه بفتح التاء وسكون الميم أي أفتجدونه واختار أبو عبيد القراءة الثانية قال لأنهم لم يماروه وإنما جحدوه يقال مراه حقه أي جحده ومريته أنا جحدته قال ومنه قول الشاعر لأن هجوت أخا صدق ومكرمة
لقد مريت أخا ما كان يمريكا


"""""" صفحة رقم 107 """"""
أي جحدته قال المبرد يقال أمرأة عن حقه وعلى حقه إذا منعه منه ودفعه وقيل على بمعنى عن وقرأ ابن مسعود والشعبي ومجاهد والأعرج افتمرونه بضم التاء من أمريت أي أتريبونه وتشكون فيه قال جماعة من المفسرين المعنى على قراءة الجمهورأإفتجا دلونه وذلك أنهم جادلوه حين أسرى فقالوا صف لنا مسجد بيت المقدس أي افتجادلونه جدالا ترمون به دفعه عما شاهده وعلمه
النجم : ( 13 ) ولقد رآه نزلة . . . . .
واللام في قوله ( ولقد رآه نزلة أخرى ) هي الموطئة للقسم أي والله لقد رآه نزلة أخرى والنزلة المرة من النزول فانتصابها على الظرفية أو منتصبة على المصدر الواقع موقع على الحال أي راى جبريل نازلا نزلة أخرى أو على أنه صفة مصدر مؤكد محذوف أي رآه رؤية أخرى قال جمهور المفسرين المعنى أنه رأى محمد جبريل مرة أخرى وقيل رأى محمد ربه مرة أخرى بفؤاده
النجم : ( 14 ) عند سدرة المنتهى
( عند سدرة المنتهى ) الظرف منتصب برأه والسدر هو شجر النبق وهذه السدرة هي في السماء السادسة كما في الصحيح وروى أنها في السماء السابعة والمنتهى مكان الانتهاء أو هو مصدر ميمي والمراد به الانتهاء نفسه قيل إليها ينتهى علم الخلائق ولا يعلم أحد منهم ما وراءها وقيل ينتهي إليها ما يعرج به من الأرض وقيل تنتهي إليها أرواح الشهداء وقيل غيره ذلك وإضافة الشجرة إلى المنتهى من إضافة الشيء إلى مكانه
النجم : ( 15 ) عندها جنة المأوى
( عندها جنة المأوى ) أي عند تلك السدرة جنة تعرف بجنة المأوى وسميت جنة المأوى لأنه أوى إليها أدم وقيل أن أرواح المؤمنين تأوي إليها قرأ الجمهور جنة برفع جنة على إنها مبتدأ وخبرها الظرف المتقدم وقرأ على وأبو الدرداء وأبو هريرة وأبن الزبير وأنس وزر بن حيش ومحمد بن كعب ومجاهد وأبو سبرة الجهني جنة فعلا ماضيا من جن يجن أي ضمه المبيت أو سترة إيواء الله له قال الأخفش أدركه كما تقول جنة الليل أي سترة وأدركه والجملة في محل نصب على الحال
النجم : ( 16 ) إذ يغشى السدرة . . . . .
( إذ يغشي السدرة ما يغشى ) العامل في الظرف رآه أيضا وهو ظرف زمان والذي قبله ظرف مكان والغشيان بمعنى التغطية والستر وبمعنى الإتيان يقال فلان يغشاني كل حين أي يأتيني وفي الإبهام في قوله ( ما يغشى ) من التفخيم ما لا يخفى وقيل يغشاها جراد من ذهب وقيل طوائف من الملائكة وقال مجاهد رفرف أخضر وقيل رفرف من طيور خضر وقيل غشيها أمر الله والمجئ بالمضارع لحكاية الحال الماضية استحضارا للصورة البديعة أو للدلالة على الاستمرار التجددي
النجم : ( 17 ) ما زاغ البصر . . . . .
( ما زاغ البصر ) أي ما مال بصر النبي صلى الله عليه وإله وسلم عما رآه ( وما طغى ) أي ما جاوز ما رأى وفي هذا وصف أدب النبي صلى الله عليه وأله وسلم في ذلك المقام حيث لم يلتفت ولم يمل بصره ولم يمده إلى غير ما رأى وقيل ما جاوز ما امر به
النجم : ( 18 ) لقد رأى من . . . . .
( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) أي والله لقد رأى تلك الليلة من أيات ربه العظام ما لا يحيط به الوصف قيل رأى رفرفا سد الأفق وقيل رأى جبريل في حلة خضراء قد ملأ ما بين السماء والأرض له ستمائة جناح وكذا في صحيح مسلم وغيره وقال الضحاك رأى سدرة المنتهى وقيل هو كل ما رآه تلك الليلة في مسراه وعوده ومن للتبعيض ومفعول رأى الكبرى ويجوز أن يكون المفعول محذوفا أي رأى شيئا عظيما من أيات ربه ويجوز أن تكون من زائدة ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) لما قص الله سبحانه هذه الأقاصيص قال للمشركين موبخا لهم ومقرعا
النجم : ( 19 - 20 ) أفرأيتم اللات والعزى
( أفرأيتم ) أي أخبروني عن الآلهة التي تعبدونها من دون الله هل لها قدرة توصف بها وهل أوحت إليكم شيئا كما أوحى الله إلى محمد أم هي جمادات لا تعقل ولا تنفع ثم ذكر هذه الأصنام الثلاثة التي أشتهرت في العرب وعظم اعتقادهم فيها وقال الواحدي وغيره وكانوا يشتقون لها أسماء من أسماء الله تعالى فقالوا من الله اللات ومن العزيز العزى وهي تأنيث الأعز بمعنى العزيزة ومناة من منى الله الشيء إذا قدره قرأ الجمهور ( اللات ) بتخفيف التاء فقيل هو مأخوذ من أسم الله سبحانه كما تقدم


"""""" صفحة رقم 108 """"""
وقيل أصله لات يليت فالتاء أصلية وقيل هي زائدة وأصله لوى يلوي لأنهم كانوا يلوون أعناقهم إليها أو يلتوون عليها ويطوفون بها واختلف القراء هل يوقف عليها بالتاء أو بالهاء فوقف عليها الجمهور بالتاء ووقف عليها الكسائي بالهاء واختار الزجاج الفراء والوقف بالتاء لاتباع رسم المصحف فإنها تكتب بالتاء وقرأ أبن عباس وأبن الزبير ومجاهد ومنصور بن المعتمر وأبو الجوزاء وأبو صالح وحميد ( اللات ) بتشديد التاء ورويت هذه القراءة عن أبن كثير فقيل هو أسم رجل كان يلت السويق ويطعمه الحاج فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه فهو أسم فاعل في الأصل غلب على هذا الرجل قال مجاهد كان رجلا في رأس جبل وسمنها حيسا ويطعم الحاج وكان ببطن نخلة فلما مات عبدوه وقال الكلبي كان رجلا من ثقيف له صرمة غنم وقيل إنه عامر بن الظرب العدواني وكان هذا الصنم لثقيف وفيه يقول الشاعر لا تنصروا اللات إن الله مهلكها
وكيف ينصركم من ليس ينتصر
قال في الصحاح واللات أسم صنم لثقيف وكان بالظائف وبعض العرب يقف عليها بالتاء وبعضهم بالهاء ( والعزى ) صنم قريش وبني كنانة قال مجاهد هي شجرة كانت بغطفان وكانوا يعبدونها فبعث إليها النبي صلى الله عليه وإله وسلم خالد بن الوليد فقطعها وقيل كانت شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة وقال نم سعيد بن جبير العزى حجر أبيض كانوا يعبدونه وقال قتادة هي بيت كان ببطن نخلة ( ومناه ) صنم بني هلال وقال أبن هشام صنم هذيل وخزاعة وقال قتادة كانت للأنصار قرأ الجمهور مناة بألف من دون همزة وقرأ أبن كثير وأبن محيصن وحميد ومجاهد والسلمي بالمد والهمزة فأما قراءة الجمهور فاشتقاقها من منى يمنى أي صب لأن دماء النسائك كانت تصب عندها يتقربون بذلك إليها وأما على القراءة الثانية فاشتقاقها من النوء وهو المطر لأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء وقيل هما لغتان للعرب ومما جاء على القراءة الأولى قول جرير أزيد مناة توعد يا بن تيم
تأمل أين تاه بك الوعيد
ومما جاء على القراءة الأخرى قول الحارثي إلا هل أتى التيم بن عبد مناءة
على السر فيما بيننا أبن غيم
وقف جمهور القراء عليها بالتاء اتباعا لرسم المصحف ووقف أبن كثير وأبن محيصن عليها بالهاء قال في الصحاح ومناة أسم صنم كان بين مكة والمدينة والهاء للتأنيث ويسكت عليها بالتاء وهي لغة قوله ( الثالثة الأخرى ) هذا وصف لمناة وصفها بأنها ثالثة وبأنها أخرى والثالثة لا تكون إلا أخرى قال أبو البقاء فالوصف بالأخرى للتأكيد وقد استشكل وصف الثالثة بالأخرى والعرب إنما تصف به الثانية فقال الخليل إنما قال ذلك لوفاق رؤوس الآي كقوله مآرب أخرى وقال الحسين بن الفضل فيه تقديم وتأخير والتقدير أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة وقيل إن وصفها بالأخرى لقصد التعظيم لأنها كانت عند المشركين عظيمة وقيل إن ذلك للتحقير والذم وإن المراد المتأخرة الوضيعة كما في قوله قالت أخراهم لأولاهم أي وضعاؤهم لرؤسائهم
النجم : ( 21 ) ألكم الذكر وله . . . . .
ثم كرر سبحانه توبيخهم وتقريعهم بمقالة شنعاء قالوها فقال ( ألكم الذكر وله الأنثى ) أي كيف تجعلون لله ما تكرهون من الإناث وتجعلون لأنفسكم ما تحبون من الذكور وقيل وذلك قولهم إن الملائكة بنات الله وقيل المراد كيف تجعلون اللات والعزى ومناة وهي إناث في زعمكم شركاء الله ومن شأنهم أن


"""""" صفحة رقم 109 """"""
يحتقروا الإناث
النجم : ( 22 ) تلك إذا قسمة . . . . .
ثم ذكر سبحانه أن هذه التسمية والقسمة المفهومة من الاستفهام قسمة جائزة فقال ( تلك إذا قسمة ضيزى ) قرأ الجمهور ضيزى بياء ساكنة بغير همزة وقرأ أبن كثير بهمزة ساكنة والمعنى أنها قسمة خارجة عن الصواب جائرة عن العدل ومائلة عن الحق قال الأخفش يقال ضاز في الحكم أي جار وضازه حقه يضيزه ضيزا أي نقصه وبخسه قال وقد يهمز وأنشد فإن تناء عنا تنتقصك وإن تغب
فحقك مضئوز وأنفك راغم
وقال الكسائى ضاز يضيز ضيزا وضاز يضوز ضوزا إذا تعدى وظلم وبخس وانتقص ومنه قول الشاعر ضازت بنو أسد بحكمهم
إذ يجعلون الرأس كالذنب
قال الفراء وبعض العرب يقول ضيزى بالهمزة وحكى أبو حاتم عن أبي زيد أنه سمع العرب تهمز ضيزى قال البغوي ليس في كلام العرب فعلى بكسر الفاء في النعوت إنما تكون في الأسماء مثل ذكرى قال المؤرخ كرهوا ضم الضاد في ضيزى وخافوا انقلاب الياء واوا وهي من بنات الواو فكسروا الضاد لهذه العلة كما قالوا في جمع أبيض بيض وكذا قال الزجاج وقيل هي مصدر كذكرى فيكون المعنى قسمة ذات جور وظلم
النجم : ( 23 ) إن هي إلا . . . . .
ثم رد سبحانه عليهم بقوله ( إن هي إلا أسماء سميتوها أنتم وآباؤكم ) أي ما الأوثان أو الأصنام باعتبار ما تدعونه من كونها آلهة إلا أسماء محضة ليس فيها شيء من معنى الآلوهية التي تدعونها لأنها لا تبصر ولا تسمع ولا تعقل ولا تفهم ولا تضر ولا تنفع فليست إلا مجرد أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم قلد الآخر فيها الأول وتبع في ذلك الأبناء الآباء وفي هذا من التحقير لشأنها ما لا يخفى كما تقول في تحقير رجل ما هو إلا أسم إذا لم يكن مشتملا على صفة معتبرة ومثل هذه الآية قوله تعالى ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها يقال سميته زيدا وسميته بزيد فقوله سميتموها صفة الأصنام والضمير يرجع إلى الأسماء لا إلى الأصنام أي جعلتموها أسماء لا جعلتم لها أسماء وقيل إن قوله هي راجع إلى الأسماء الثلاثة المذكورة والأول أولى ( ما أنزل الله بها من سلطان ) أي ما أنزل بها من حجة ولا برهان قال مقاتل لم ينزل لنا كتابا لكم فيه حجة كما تقولون إنها آلهة ثم أخبر عنهم بقوله ( إن يتبعون إلا الظن ) أي ما يتبعون فيما ذكر من التسمية والعمل بموجبها إلا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا والتفت من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عنهم وتحقيرا لشأنهم فقال ( وما تهوى الأنفس ) أي تميل إليه وتشهيه من غير النفات إلى ما هو الحق الذي يجب الاتباع له قرأ الجمهور يتبعون بالتحتية على الغيبة وقرأ عيسى بن عمر وأيوب وابن السيفع بالفوقية على الخطاب ورويت هذه القراءة عن أبن مسعود وأبن عباس وطلحة وابن وثاب ( ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) أي البيان الواضح الظاهر بأنها ليست بآلهة والجملة في محل نصب على الحال من فاعل يتبعون ويجوز أن يكون اعتراضا والأول أولى والمعنى كيف يتبعون ذلك والحال أن قد جاءهم ما فيه هدى لهم من عند الله على لسان رسوله الذي بعثه الله بين ظهرانيهم وجعله من أنفسهم
النجم : ( 24 ) أم للإنسان ما . . . . .
( أم للإنسان ما تمنى ) أم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة التي للإنكار فأضرب عن إتباعهم الظن الذي هو مجرد التوهم وعن إتباعهم هوى الأنفس وما تميل إليه وانتقل إلى إنكار أن يكون لهم ما يتمنون من كون الأصنام تنفعهم وتشفع لهم
النجم : ( 25 ) فلله الآخرة والأولى
ثم علل انتفاء أن يكون للإنسان ما تمنى بقوله ( فلله الآخرة والأولى ) أي أن أمور الآخرة والدنيا بأسرها لله عز وجل فليس لهم معه أمر من الأمور ومن جملة ذلك أمنياتهم الباطلة وأطماعهم الفارغة
النجم : ( 26 ) وكم من ملك . . . . .
ثم أكد ذلك وزاد في إبطال ما يتمنونه فقال ( وكم من ملك في السموات لا تغنى شفاعتهم شيئا ) وكم هنا هي الخبرية


"""""" صفحة رقم 110 """"""
المفيدة للتكبير ومحلها الرفع على الإبتداء والجملة بعدها خبرها ولما في كم من معنى التكثير جمع الضمير في شفاعتهم مع إفراد الملك والمعنى التوبيخ لهم بما يتمنون ويطعمون فيه من شفاعة الأصنام مع كون الملائكة مع كثرة عبادتها وكرامتها على الله لا تشفع إلا لمن أذن أن يشفع له فكيف بهذه الجمادات الفاقدة للعقل والفهم وهو معنى قوله ( إلا من بعد أن يأذن الله ) لهم بالشفاعة ( لمن يشاء ) أن يشفعوا له ( ويرضى ) بالشفاعة له لكونه من أهل التوحيد وليس للمشركين في ذلك حظ ولا يأذن الله بالشفاعة لهم ولا يرضاها لكونهم ليسوا من المستحقين لها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير عن أبن عباس ( والنجم إذا هوى ) قال إذا انصب وأخرج أبن المنذر عنه قال هو الثريا إذا تدلت وأخرج عنه أيضا قال أقسم الله أن ما ضل محمد ولا غوى وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( ذو مرة ) قال ذو خلق حسن وأخرج أحمد وأبن جرير وأبن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ في العظمة عن أبن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم لم ير جبريل في صورته إلا مرتين أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فأراه صورته فسد الأفق وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد فذلك قوله ( وهو بالأفق الأعلى لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) قال خلق جبريل وأخرج ابن جرير وابو الشيخ عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال رأيت جبريل عند سدرة المنتهى له ستمائة جناح وأخرجه أحمد عنه أيضا وأخرج ابن المنذر عن بن عباس وهو بالأفق الأعلى قال مطلع الشمس وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن بن مسعود في قوله فكان قاب قوسين أو أدنى قال رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جبريل له ستمائة جناح وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والترمذي وصححه وأبن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وأبن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عنه في قوله ( ما كذب الفؤاد وما رأى ) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم جبريل عليه حلقا رفرف أخضر قد ملأ ما بين السماء والأرض وأخرج أبن أبي حاتم والطبراني وأبن مردويه عن أبن عباس في قوله ( ثم دنا فتدلى ) قال هو محمد صلى الله عليه وإله وسلم دنا فتدلى إلى ربه وأخرج أبن جرير وأبن مردويه عنه قال دنا ربه فتدلى وأخرج أبن جرير وأبن المنذر عن أبن مسعود في قوله ( فكان قاب قوسين أو أدنى ) قال دنا جبريل منه حتى كان قدر ذراع أو ذراعين وأخرج الطبراني وأبن مردويه والضياء في المختارة عن أبن عباس قال القاب القيد والقوسين الذراعين وأخرج أبن المنذر وأبن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال لما أسرى بالنبي صلى الله عليه وإله وسلم اقترب من ربه فكان قاب قوسين أو أدنى ألم تر إلى القوس ما أقربها من الوتر وأخرج النسائي وأبن المنذر وأبن جرير وابن أبي حاتم وأبن مردويه عن أبن عباس ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) قال عبده محمد صلى الله عليه وإله وسلم وأخرج مسلم والطبراني وأبن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عنه في قوله ( ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى ) قال رأى محمد ربه بقلبه مرتين وأخرج نحوه عنه عبد حميد والترمذي وحسنه وأبن جرير وأبن المنذر والطبراني وأبن مردويه وأخرج أبن مردويه عن أنس قال راى محمد ربه وأخرج أبن مردويه عن أبن عباس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رأى ربه بعينه وأخرج الطبراني وأبن مردويه عنه قال رأى محمد ربه مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده وأخرج الترمذي وحسنه الطبراني وأبن مردويه والبيهقي عنه أيضا قال لقد رأى النبي صلى الله عليه وإله وسلم ربه عز وجل وأخرج النسائي والحاكم وصححه وأبن مردويه عنه أيضا قال أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد وقد روى نحو هذا عنه من طرق واخرج


"""""" صفحة رقم 111 """"""
مسلم والترمذي وأبن مردويه عن أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم هل رأيت ربك قال نوراني آراه وأخرج مسلم وأبن مردويه عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم هل رأيت ربك قال رأيت نورا وأخرج عبد بن حميد والنسائي وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا قال رأى رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره وأخرج مسلم عن أبي هريرة في قوله ( ولقد رآه نزلة أخرى ) قال جبريل وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي وأبن المنذر وأبن مردويه والبيهقي عن أبن مسعود قال لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وإله وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة ينتهي ما يعرج من الأرواح فيقبض منها وإليها ينتهى ما يهبط به من فوقها فيقبض منها ( إذ يغشى السدرة ما يغشى ) قال فراش من ذهب وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبن مسعود قال الجنة في السماء السابعة العليا والنار في الأرض السابعة السفلى وأخرج البخاري وغيره عن أبن عباس قال كان اللات رجلا يلت السويق للحاج وأخرج الطبراني وأبن مردويه عنه أن العزى كانت ببطن نخلة وأن اللات كانت بالطائف وأن مناة كانت بقديد وأخرج أبن جرير عن أبن عباس ( ضيزى ) قال جائرة لا حق لها
سورة النجم ( 27 42
النجم : ( 27 ) إن الذين لا . . . . .
قوله ) إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ( أي أن هؤلاء الذين لا يؤمنون بالبعث وما بعده من الدار الآخرة وهم الكفار يضمون إلى كفرهم مقالة شنعاء وجهالة جهلاء وهي أنهم يسمون الملائكة لنبرهن عن كل نقص تسمية الأنثى وذلك أنهم زعموا أنها بنات الله فجعلوهم إناثا وسموهم بنات
النجم : ( 28 ) وما لهم به . . . . .
( وما لهم به من


"""""" صفحة رقم 112 """"""
علم ) هذه الجملة في محل نصب على الحال أي يسمونهم هذه التسمية والحال أنهم غير عالمين بما يقولون فإنهم لم يعرفوهم ولا شاهدوهم ولا بلغ إليهم ذلك من طريق من الطرق التي يخبر عنها المخبرون عنها بل قالوا ذلك جهلا وضلالة وجرأة وقرئ ما لهم بها أي بالملائكة أو التسمية ( إن يتبعون إلا الظن ) أي ما يتبعون في هذه المقالة إلا مجرد الظن والتوهم ثم أخبر سبحانه عن الظن وحكمه فقال ( وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا ) أي إن جنس الظن لا يغنى من الحق شيئا من الإغتناء والحق هنا العلم وفيه دليل على إن مجرد الظن لا يقوم مقام العلم وأن الظان غير عالم وهذا في الأمور التي يحتاج فيها إلى العلم وهي المسائل العلمية لا فيما يكتفي فيه بالظن وهي المسائل العملية وقد قدمنا تحقيق هذا ولا بد من هذا التخصيص فإن دلالة العموم والقياس وخبر الواحد ونحو ذلك ظنيه فالعمل بها عمل بالظن وقد وجب علينا العمل به في مثل هذه الأمور فكانت أدلة وجوبه العمل به فيها مخصصة لهذا العموم وما ورد في معناه من الذم لمن عمل بالظن والنهي عن إتباعه
النجم : ( 29 ) فأعرض عن من . . . . .
( فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ) أي أعرض عمن أعرض عن ذكرنا والمراد بالذكر هنا القرآن أو ذكر الآخرة أو ذكر الله على العموم وقيل المراد بالذكر هنا الإيمان والمعنى أترك مجادلتهم فقد بلغت إليهم ما أمرت به وليس عليك إلا البلاغ وهذا منسوخ بآية السيف ( ولم يرد إلا الحياة الدنيا ) أي لم يرد سواها ولا طلب غيرها بل قصر نظره عليها فإنه غير متأهل للخير ولا مستحق للاعتناء بشأنه
النجم : ( 30 ) ذلك مبلغهم من . . . . .
ثم صغر سبحانه شأنهم وحقر أمرهم فقال ( ذلك مبلغهم من العلم ) أي إن ذلك التولى وقصر الإرادة على الحياة الدنيا هو مبلغهم من العلم ليس لهم غيره ولا يلتفتون إلى سواه من أمر الدين قال الفراء أي ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الإخرة وقيل الإشارة بقوله ذلك إلى جعلهم للملائكة بنات الله وتسميتهم لهم تسمية الأنثى والأول أولى والمراد بالعلم هنا مطلق الأدراك الذي يندرج تحته الظن الفاسد والجملة مستأنفة لتقرير جهلهم وإتباعهم مجرد الظن وقيل معترضة بين المعلل والعلة وهي قوله ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن أهتدى ) فإن هذا تعليل للأمر بالإعراض والمعنى أنه سبحانه أعلم بمن حاد عن الحق وأعرض عنه ولم يهتد إليه وأعلم بمن اهتدى فقبل الحق وأقبل إليه وعمل به فهو مجاز كل عامل بعمله وإن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وإرشاده له بأنه لا يتعب نفسه في دعوة من أصر على الضلالة وسبقت له الشقاوة فإن الله قد علم حال هذا الفريق الضال كما علم حال الفريق الراشد
النجم : ( 31 ) ولله ما في . . . . .
ثم أخبر سبحانه عن سعة قدرته وعظيم ملكه فقال ( ولله ما في السموات وما في الأرض ) أي هو المالك لذلك والمتصرف فيه ولا يشاركه فيه أحد واللام في ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ) متعلقة بما دل عليه الكلام كأنه قال هو مالك ذلك يضل من يشاء ويهدى من يشاء ليجزي المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه وقيل إن قوله ولله ما في السموات وما في الأرض معترضة والمعنى إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن أهتدى ليجزي وقيل هي لام العاقبة أي وعاقبة أمر الخلق الذين فيهم المحسن والمسيء أن يجزي الله كلا منهما بعمله وقال مكي إن اللام متعلقة بقوله لا تغني شفاعتهم وهو بعيد من حيث اللفظ ومن حيث المعنى قرأ الجمهور ليجزي بالتحتية وقرأ زيد بن علي بالنون ومعنى ( بالحسنى ) أي بالمثوبة الحسنى وهي الجنة أو بسبب أعمالهم الحسنى
النجم : ( 32 ) الذين يجتنبون كبائر . . . . .
ثم وصف هؤلاء المحسنين فقال ( الذين يجتنبون كبائر الأثم والفواحش ) فهذا الموصول في محل نصب على إنه نعت للموصول الأول في قوله الذين أحسنوا وقيل بدل منه وقيل بيان له وقيل منصوب على المدح بإضمار أعني أو في محل رفع على إنه خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين يجتنبون كبائر الإثم قرأ الجمهور كبائر على الجمع وقرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب كبير على الإفراد والكبائر كل ذنب توعد الله عليه بالنار أو ذم فاعله ذما شديدا ولأهل العلم في تحقيق الكبائر كلام


"""""" صفحة رقم 113 """"""
طويل وكما اختلفوا في تحقيق معناها وماهيتها اختلفوا في عددها والفواحش جمع فاحشة وهي ما فحش من كبائر الذنوب كالزنا ونحوه وقال مقاتل كبائر الإثم كل ذنب ختم بالنار والفواحش كل ذنب فيه الحد وقيل الكبائر الشرك والفواحش الزنا وقد قدمنا في سورة النساء ما هو أبسط من هذا وأكثر فائدة والاستثناء بقوله ( إلا اللمم ) منقطع وأصل اللمم في اللغة ما قل وصغر ومنه ألم بالمكان قل لبثه فيه وألم بالطعام قل أكله منه قال المبرد أصل اللمم أن تلم بالشيء من غير أن تركبه يقال ألم بكذا إذا قاربه ولم يخالطه قال الأزهري العرب تستعمل الإلمام في معنى الدنو والقرب ومنه قول جرير بنفسي من تجنبه عزيز
على ومن زيارته لمام وقول الآخر
متى تأتينا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزيلا نارا تأججا
قال الزجاج أصل اللمم والإلمام ما يعمله الإنسان المرة بعد المرة ولا يتعمق فيه ولا يقيم عليه يقال ألممت به إذا زرته وانصرفت عنه ويقال ما فعلته إلا لماما وإلماما أي الحين بعد الحين ومنه إلمام الحيال قال الأعشى
ألم خيال من قبيله بعد ما وهي حبلها من حبلنا فتصرما
قال في الصحاح ألم الرجل من ألمم وهو صغائر الذنوب ويقال هو مقاربة المعصية من غير مواقعة وأنشد غيره
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب وقل أن كملينا فما ملك القلب
وقد اختلفت أقوال أهل العلم في تفسير هذا اللمم المذكور في الآية فالجمهور على أنه صغائر الذنوب وقيل هو ما كان دون الزنا من القبلة والغمزة والنظرة وقيل هو الرجل يلم بذنب ثم يتوب وبه قال مجاهد والحسن والزهري وغيرهم ومنه
إن تغفر اللهم تغفر جما وأى عبد لك لا ألما
اختار هذا القول الزجاج والنحاس وقيل هو ذنوب الجاهلية فإن الله لا يؤاخذ بها في الإسلام وقال نفطويه هو أن يأتي بذنب لم يكن له بعادة قال والعرب تقول ما تأتينا إلا إلماما أي في الحين بعد الحين قال ولا يكون أن يلم ولا يفعل لأن العرب لا تقول ألم بنا إلا إذا فعل لا إذا هم ولم يفعل والراجح الأول وجملة ( إن ربك واسع المغفرة ) تعليل لما تضمنه الاستثناء أي إن ذلك وإن خرج عن حكم المؤاخذة فليس يخلو عن كونه ذنبا يفتقر إلى مغفرة الله ويحتاج إلر رحمته وقيل إنه سبحانه يغفر لمن تاب عن ذنبه ثم ذكر سبحانه إحاطة علمه باحوال عباده فقال ( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ) أي خلقكم منها في ضمن خلق أبيكم آدم وقيل المراد آدم فإنه خلقه من طين وإذا أنتم أجنة أي هو لم بأحوالكم وقت كونكم أجنة والأجنة جمع جنين وهو الولد ما دام في البطن سمى بذلك لاجتنانه أي استتاره ولهذا قال ( في بطون أمهاتكم ) فلا يسمى من خرج عن البطن جنينا والجملة مستأنفة لتعزير ما قبلها ( فلا تزكوا أنفسكم ) أي لا تمدحوها ولا تبرئوها عن الآثام ولا تثنوا عليها فإن ترك تزكية النفس أبعد من الرياء وأقرب إلى الخشوع وجملة ( هو أعلم بمن أتقى ) مستأنفة مقررة للنهي أي هو أعلم بمن أتقى عقوبة الله وأخلص العمل له قال الحسن وقد علم سبحانه من كل نفس ما هي عاملة وما هي صانعة وإلى ما هي صائرة
النجم : ( 33 ) أفرأيت الذي تولى
ثم لما بين سبحانه جهالة المشركين على العموم خص بالذم بعضهم فقال ( أفرأيت الذي تولى ) أي تولى عن الخير وأعرض عن إتباع الحق
النجم : ( 34 ) وأعطى قليلا وأكدى
( وأعطى قليلا وأكدى ) أي أعطى عطاء


"""""" صفحة رقم 114 """"""
قليلا أو أعطى شيئا قليلا وقطع ذلك وأمسك عنه وأصل أكدى من الكدية وهي الصلابة يقال لمن حفر بئرا بلغ فيها إلى حجر لا يتهيأ له فيه حفر قد أكدى ثم استعمله العرب لمن أعطى فلم يتم ولمن طلب شيئا فلم يبلغ آخره ومنه قول الحطيئة فأعطى قليلا ثم أكدى عطاؤه
ومن يبذل المعروف في الناس يحمد
قال الكسائي وأبو زيد يقال كديت أصابعه أذا أمحلت من الحفر وكدت يده إذا كلت فلم تعمل شيئا وكدت الأرض إذا قل نباتها وأكديت الرجل عن الشيء رددته وأكدى الرجل إذا قل خيره قال الفراء معنى الآية أمسك من العطية وقطع وقال المبرد منع منعا شديدا قال مجاهد وأبن زيد ومقاتل نزلت في الوليد بن المغيرة وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم على دينه فعيره بعض المشركين فترك ورجع إلى شركه قال مقاتل كان الوليد مدح القرآن ثم أمسك عنه فأعطى قليلا من لسانه من الخير ثم قطعه وقال الضحاك نزلت في النضر بن الحارث وقال محمد بن كعب القرظبي نزلت في أبي جهل
النجم : ( 35 ) أعنده علم الغيب . . . . .
( أعنده علم الغيب فهو يرى ) الاستفهام للتقريع والتوبيخ والمعنى أعند هذا المكدى علم ما غاب عنه من أمر العذاب فهو يعلم ذلك
النجم : ( 36 - 37 ) أم لم ينبأ . . . . .
( أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ) أي ألم يخبرونهم يحدث بما في صحف موسى يعنى أسفاره وهي التوراة وبما في صحف إبراهيم الذي وفى أي تمم وأكمل ما أمر به قال المفسرون أي بلغ قومه ما أمر به وأداه إليهم وقيل بالغ في الوفاء بما عاهد الله عليه
النجم : ( 38 ) ألا تزر وازرة . . . . .
ثم بين سبحانه ما في صحفهما فقال ( ألا تزر وازرة وزر أخرى ) أي لا تحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى ومعناه لا تؤخذ نفس بذنب غيرها وأن هي المخففة من الثقيلة وأسمها ضمير شأن مقدر وخبرها الجملة بعدها ومحل الجملة الجر على إنها بدل من صحف موسى وصحف إبراهيم أو الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف وقد مضى تفسير هذه الآية في سورة الأنعام
النجم : ( 39 ) وأن ليس للإنسان . . . . .
( وأن ليس الإنسان إلا ما سعى ) عطف على قوله ( ألا تزر ) وهذا أيضا مما في صحف موسى والمعنى ليس له إلا أجر سعيه وجزاء عمله ولا ينفع أحدا عمل أحد وهذا العموم مخصوص بمثل قوله سبحانه ألحقنا بهم ذرياتهم وبمثل ما ورد في شفاعة الأنبياء والملائكة للعباد ومشروعية دعاء الأحياء الأموات ونحو ذلك ولم يصب من قال إن هذه الآية منسوخة بمثل هذه الأمور فإن الخاص لا ينسخ العام بل يخصصه فكل ما قام الدليل على أن الإنسان ينتفع به وهو من غير سعيه كان مخصصا لما في هذه الآية من العموم
النجم : ( 40 ) وأن سعيه سوف . . . . .
( وأن سعيه سوف يرى ) أي يعرض عليه ويكشف له يوم القيامة
النجم : ( 41 ) ثم يجزاه الجزاء . . . . .
( ثم يجزأه ) أي يجزى الإنسان سعيه يقال جزاه الله بعمله وجزاه على عمله فالضمير المرفوع عائد إلى الإنسان والمنصوب إلى سعيه وقيل إن الضمير المنصوب راجع إلى الجزاء المتأخر وهو قوله ( الجزاء الأوفى ) فيكون الضمير راجعا إلى متأخر عنه هو مفسرا له ويجوز أن يكون الضمير المنصوب راجعا إلى الجزاء الذي هو مصدر يجزاه ويجعل الجزاء الأوفى تفسيرا للجزاء المدلول عليه بالفعل كما في قوله اعدلوا هو أقرب قال الأخفش يقال جزيته الجزاء وجزيته بالجزاء سواء لا فرق بينهما
النجم : ( 42 ) وأن إلى ربك . . . . .
( وأن إلى ربك المنتهى ) أي المرجع والمصير إليه سبحانه لا إلى غيره فيجازيهم بأعمالهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن مردويه عن أبن عباس في قوله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ) قال الكبائر ما سمى الله فيه النار والفواحش ما كان فيه حد الدنيا وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبن عباس قال ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وإله وسلم قال إن الله كتب على أبن آدم حظه


"""""" صفحة رقم 115 """"""
من الزنا ادرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبن مسعود في قوله ( إلا اللمم ) قال زنا العينين النظر وزنا الشفتين التقبيل وزنا اليدين البطش وزنا الرجلين المشي ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه فإن تقدم بفرجه كان زانيا وإلا فهو اللمم وأخرج مسدد وأبن جرير وأبن أبي حاتم عن أبي هريرة أنه سئل عن قوله ( إلا اللمم ) قال هي النظرة والغمزة والقبلة والمباشرة فإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل وهو الزنا وأخرج سعيد بن منصور والترمذي وصححه والبزار وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبن عباس قال في قوله إلا اللمم هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب منها قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم إن تغفر اللهم تغفر جما
وأي عبد لك لا ألما
وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه في قوله ( إلا اللمم ) يقول إلا ما قد سلف وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم وأبن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة في قوله 0 إلا اللمم ) قال اللمة من الزنا ثم يتوب ولا يعود واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود فذلك الإلمام وأخرج عبد بن حميد وأبن جرير عن أبن عباس قال اللمم كل شيء بين الحدين حد الدنيا وحد الأخرة بكفره الصلاة وهو دون كل موجب فأما حد الدنيا فكل حد فرض الله عقوبته في الدنيا وأما حد الآخرة فكل شيء ختمه الله بالنار وأخر عقوبته إلى الآخرة واخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم والطبراني وأبن مردويه وابو نعيم في المعرفة عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال كانت اليهود إذا هلك لهم صبي صغير قالوا هو صديق فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال كذبت يهود ما من نسمة يخلقها في بطن أمها إلا أنه شقى أو سعيد فأنزل الله عند ذلك ( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ) الآية كلها وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود عن زينب بنت أبي سلمة أنها سميت برة فقال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم سموها زينب وأخرج أبن مردويه عن أبن عباس في قوله أعطى قليلا وأكدى قال قطع نزلت في العاص بن وائل وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عنه قال أطاع قليلا ثم انقطع وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن أبي حاتم وأبن مردويه والشيرازي في الألقاب والديلمي قال السيوطي بسند ضعيف عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وإله وسلم قال اتدرون ما قوله ( وإبراهيم الذي وفى ) قالوا الله ورسوله أعلم قال وفي عمل يومه بأربع ركعات كان يصليهن وزعم أنها صلاة الضحى وفي إسناده جعفر بن الزبير وهو ضعيف وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال سهام الإسلام ثلاثون سهما لم يتممها أحد قبل إبراهيم عليه السلام قال الله وإبراهيم الذي وفى واخرج أبن جرير عنه في الآية قال يقول إبراهيم الذي استكمل الطاعة فيما فعل بابنه حين رأى الرؤيا والذي في صحف موسى ألا تزر وازرة وزر أخرى إلى آخر الآية وأخرج أبن أبي حاتم عن سهل بن معاذ بن انس عن أبيه عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى إنه كان يقول كلما أصبح وأمسى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى آخر الآية وفي إسناده أبن لهيعة وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه وأبن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت والنجم فبلغ وإبراهيم الذي وفى قال وفي إلا تزر وازرة وزر آخرى إلى قوله من النذر


"""""" صفحة رقم 116 """"""
الأولى واخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ وأبن جرير وابن المنذر وأبن مردويه عنه قال ( وان ليس للإنسان إلا ما سعى ) فأنزل الله بعد ذلك والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم فأدخل الله الأبناء الجنة بصلاح الآباء وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرأ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) استرجع واستكان وأخرج الدارقطني في الأفراد والبغوي في تفسيره عن أبي كعب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( وأن إلى ربك المنتهى ) قال لا فكرة في الرب
سورة النجم ( 43 62
النجم : ( 43 ) وأنه هو أضحك . . . . .
قوله ( وأنه هو أضحك وأبكى ) أي هو الخالق لذلك والقاضي بسببه قال الحسن والكلبي أضحك أهل الجنة في الجنة وأبكى أهل النار في النار وقال الضحاك أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر وقيل أضحك من شاء في الدنيا بأن سره وأبكى من شاء بأن غمه وقال سهل بن عبد الله أضحك المطيعين بالرحمة وأبكى العاصين بالسخط
النجم : ( 44 ) وأنه هو أمات . . . . .
(وأنه هو أمات وأحيا ) أي قضى أسباب الموت والحياة ولا يقدر على ذلك غيره وقيل خلق نفس الموت والحياة كما في قوله خلق الموت والحياة وقيل امات الآباء وأحيا الأبناء وقيل أمات في الدنيا وأحيا للبعث وقيل المراد بهما النوم واليقظة وقال عطاء أمات بعدله واحيا بفضله وقيل أمات الكافر في وأحيا المؤمن كما في قوله أو من كان ميتا فأحييناه
النجم : ( 45 - 46 ) وأنه خلق الزوجين . . . . .
( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى ) المراد بالزوجين الذكر ولأنثى من كل حيوان ولا يدخل في ذلك آدم وحواء فإنهما لم يخلقا من النطفة والنطفة الماء القليل ومعنى إذ تمنى ) إذ تصب في الرحم وتدفق فيه كذا قال الكلبي والضحاك وعطاء بن أبي رباح وغيرهم يقال منى الرجل وأمنى أي صب المني وقال أبو عبيدة إذا تمنى إذا تقدر يقال منيت الشيء إذا قدرته ومنى له أي قدر له ومنه قول الشاعر حتى تلاقى ما يمنى لك الماني ط والمعنى أنه يقدر منها للولد
النجم : ( 47 ) وأن عليه النشأة . . . . .
( وأن عليه النشأة الأخرى ) أي إعادة الأرواح إلى الأجسام عند البعث وفاء بوعده قرأ الجمهور النشأة بالقصر بوزن الضربة وقرأ أبن كثير وأبو عمرو بالمد بوزن الكفالة وهما على القراءتين مصدران
النجم : ( 48 ) وأنه هو أغنى . . . . .
( وأنه هو أغنى وأقنى ) أي أغنى من شاء وأفقر من شاء ومثله قوله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وقوله يقبض ويبسط قاله أبن


"""""" صفحة رقم 117 """"""
زيد واختاره أبن جرير وقال مجاهد وقتادة والحسن أغنى مول وأقنى أخدم وقيل معنى أقنى أعطي القنية وهي ما يتأثل من الأموال وقيل معنى أقني أرضى بما أعطى أي أغناه ثم رضاه بما أعطاه قال الجوهري قني الرجل قنى مثل غنى غنى أي أعطاه ما يقتني وأقناه أرضاه والقني الرضى قال أبو زيد مائة من الإبل فقد أعطى المنى قال الأخفش وأبن كيسان أقني أفقر وهو يؤيد القول الأول
النجم : ( 49 ) وأنه هو رب . . . . .
( وأنه هو رب الشعري ) هي كوكب خلف الجوزاء كانت خزاعة تعبدها والمراد بها الشعري التي يقال لها العبور وهي أشد ضياء من الشعري التي يقال لها الغميصاء وإنما ذكر سبحانه أنه رب الشعري مع كونه ربا لكل الأشياء للرد على من كان يعبدها وأول من عبدها أبو كبشة وكان من أشراف العرب وكانت قريش تقول لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أبن أبي كبشة تشبيها له به لمخالفته دينهم كما خالفهم أبو كبشة ومن ذلك قول أبي سفيان يوم الفتح لقد أمر أمر أبن أبي كبشة
النجم : ( 50 ) وأنه أهلك عادا . . . . .
( وأنه أهلك عادا الأولى ) وصف عادا بالأولى لكونهم كانوا من قبل ثمود قال أبن زيد قيل لها عادا الأولى لأنهم أول أمة أهلكت بعد نوح وقال أبن إسحاق هما عادان فالأولى أهلكت بالصرصر والأخرى أهلكت بالصيحة وقيل عاد الأولى قوم هود وعاد الأخرى إرم قرأ الجمهور عادا الأولى بالتنوين والهمز وقرأ نافع وأبن كثير وأبن محيصن بنقل حركة الهمزة على اللام وإدغام التنوين فيها
النجم : ( 51 ) وثمود فما أبقى
( وثمودا فما أبقى ) أي وأهلك ثمودا كما أهلك عادا فما أبقى أحدا من الفريقين وثمود هم قوم صالح أهلكوا بالصيحة وقد تقدم الكلام على عاد وثمود في غير موضع
النجم : ( 52 ) وقوم نوح من . . . . .
( وقوم نوح من قبل ) أي وأهلك قوم نوح من قبل إهلاك عاد وثمود ( إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ) اي أظلم من عاد وثمود وأطغى منهم أو أظلم وأطغى من جميع الفرق الكفرية أو اظلم وأطغى من مشركي العرب وإنما كانوا كذلك لأنهم عتوا على الله بالمعاصي مع طول مدة دعوة نوح لهم كما في قوله فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما
النجم : ( 53 ) والمؤتفكة أهوى
( والمؤتفكة أهوى ) لائتفاك الانقلاب والمؤتفكة مدائن قوم لوط وسميت المؤتفكة لأنها انقلبت بهم وصار عليها سافلها تقول أفكته إذا قلبته ومعنى أهوى أسقط أي أهواها جبريل بعد أن رفعها قال المبرد جعلها تهوى
النجم : ( 54 ) فغشاها ما غشى
( فغشاها ما غشى ) أي ألبسها ما ألبسها من الحجارة التي وقعت عليها كما في قوله فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل وفي هذه العبارة تهويل للأمر الذي غشاها به وتعظيم له وقيل إن الضمير راجع إلى جميع الأمم المذكورة أي فغشاها من العذاب ما غشى على اختلاف أنواعه
النجم : ( 55 ) فبأي آلاء ربك . . . . .
( فبأى الآء ربك تتمارى ) هذا خطاب للإنسان المكذب أي فبأي نعم ربك أيها الإنسان المكذب تشكك وتمتري وقيل الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تعريضا لغيره وقيل لكل من يصلح له وإسناد فعل التماري إلى الواحد باعتبار تعدده بحسب تعدد متعلقه وسمى هذه المور المذكورة آلاء أي نعما مع كون بعضها نقما لا نعما لأنها مشتملة على العبر والمواعظ ولكون فيها انتقام من العصاة وفي ذلك نصرة للأنبياء والصالحين قرأ الجمهور تتمارى من غير إدغام وقرأ يعقوب وأبن محيصن بإدغام إحدى التاءين في الأخرى
النجم : ( 56 ) هذا نذير من . . . . .
( هذا نذير من النذر الأولى ) أي هذا محمد رسول إليكم من الرسل المتقدمين قبله فإنه أنذركم كما أنذروا قومهم كذا قال ابن جريج ومحمد بن كعب وغيرهما وقال قتادة يريد القرآن وأنه أنذر بما أنذرت به الكتب الأولى وقيل هذا الذي أخبرنا به عن أخبار الأمم تخويف لهذه الأمة من أن ينزل بهم ما نزل بأولئك كذا قال أبو مالك وقال أبو صالح إن الإشارة بقوله هذا إلى ما في صحف موسى وإبراهيم والأول أولى
النجم : ( 57 ) أزفت الآزفة
( أزفت الآزفة ) أي قربت الساعة ودنت سماها آزفه لقرب قيامها وقيل لدنوها من الناس


"""""" صفحة رقم 118 """"""
كما في قوله اقتربت الساعة أخبرهم بذلك ليستعدوا لها قال في الصحاح أزفت الآزفة يعني القيامة وأزفت الرجل عجل ومنه قول الشاعر أزف الترحل غير أن ركابنا
لما تزل برحالنا وكأن قد
النجم : ( 58 ) ليس لها من . . . . .
( ليس لها من دون الله كاشفة ) أي ليس لها نفس قادرة على كشفها عند وقوعها إلا الله سبحانه وقيل كاشفة بمعنى إنكشاف والهاء فيها كالهاء في العاقبة والداهية وقيل كاشفة بمعنى كاشف والهاء للمبالغة كرواية والأول أولى وكاشفة صفة الموصوف محذوف كما ذكرنا والمعنى أنه لا يقدر على كشفها إذا غشت الخلق بشدائدها وأهوالها أحد غير الله كذا قال عطاء والضحاك وقتادة وغيرهم
النجم : ( 59 ) أفمن هذا الحديث . . . . .
ثم وبخهم سبحانه فقال ( أفمن هذا الحديث تعجبون ) المراد بالحديث القرآن أي كيف تعجبون منه تكذيبا
النجم : ( 60 ) وتضحكون ولا تبكون
( وتضحكون ) منه استهزاء مع كونه غير محل للتكذيب ولا موضع للأستهزاء ( ولا تبكون ) خوفا وانزجارا لما فيه من الوعيد الشديد
النجم : ( 61 ) وأنتم سامدون
وجملة ( وأنتم سامدون ) في محل نصب على الحال ويجوز أن تكون مستأنفة لتقرير ما فيها والسمود الغفلة والسهو عن الشيء وقال في الصحاح سمد سمودا رفع رأسه تكبرا فهو سامد قال الشاعر سوامد الليل خفاف الأزواد وقال أبن الأعرابي السمود اللهو والسامد اللاهي يقال للقينة أسمدينا أي ألهينا بالغناء وقال المبرد سامدون خامدون قال الشاعر
رمى الحدثان نسوة آل عمرو بمقدار سمدن له سمودا
فرد شعورهن السود بيضا
ورد وجوههن البيض سودا
النجم : ( 62 ) فاسجدوا لله واعبدوا
( فاسجدوا لله واعبدوه ) لما وبخ سبحانه المشركين على الأستهزاء بالقرآن والضحك منه والسخرية به وعدم الانتفاع بمواعظه وزواجره أمر عباده المؤمنين بالسجود لله والعبادة له والفاء جواب شرط محذوف أي إذا كان الأمر من الكفار كذلك فاسجدوا لله واعبدوا فإنه المستحق لذلك منكم وقد تقدم في فاتحة السورة أن النبي صلى الله عليه وإله وسلم سجد عند تلاوه هذه الآيه وسجد معه الكفار فيكون المراد بها سجود التلاوة وقيل سجود الفرض
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( وأنه هو أغنى وأقنى ) قال أعطى وأرضى وأخرج أبن جرير عنه ( وأنه هو رب الشعرى ) قال هو الكوكب الذي يدعي الشعرى وأخرج الفاكهي عنه أيضا قال نزلت هذه الآية في خزاعة وكانوا يعبدون الشعري وهو الكوكب الذي يتبع الجوزاء وأخرج أبن مردويه عنه أيضا في قوله ( هذا نذير من النذر الأولى ) قال محمد صلى الله عليه وإله وسلم ) وأخرج أبن جرير عنه أيضا قال الآزفة من أسماء القيامة وأخرج أبن أبي شيبة واحمد في الزهد وهناد وعبد بن حميد وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن صالح أبي الخليل قال لما نزلت هذه الآية ( أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون ) فما ضحك النبي صلى الله عليه وإله وسلم بعد ذلك إلا أن يتبسم ولفظ عبد بن حميد فما رؤى النبي صلى الله عليه وإله وسلم ضاحكا ولا متبسما حتى ذهب من الدنيا واخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وأبن جرير وبن المنذر وأبن أبي حاتم والطبراني وأبن مردويه عن أبن عباس في قوله


"""""" صفحة رقم 119 """"""
( سامدون ) قال لاهون معرضون عنه واخرج الفريابي وأبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وأبن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبزار وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه ( وأنتم سامدون ) قال الغناء باليمانية كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا واخرج الفريابي وأبو يعلي وأبن جرير وأبن أبي حاتم وأبن مردويه عنه ايضا في قوله 119 ( سامدون ) قال كانوا يمرون على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) شامخين ألم تر إلى البعير كيف يخطر شامخا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبن جرير عن أبي خالد الوالبي قال خرج علي بن أبي طالب علينا وقد أقيمت الصلاة ونحن قيام ننتظره ليتقدم فقال مالكم سامدون لا أنتم في صلاة ولا أنتم في جلوس تنتظرون
ع54
تفسير
سورة القمر
ويقال سورة اقتربت وهي خمس وخمسون آية
حول السورة
وهي مكية كلها في قول الجمهور وقال مقاتل هي مكية إلا ثلاث آيات من قوله ( أم يقولون نحن جميع منتصر ) إلى قوله ( والساعة أدهى وأمر ) قال القرطبي ولا يصح وأخرج ابن الضريس وأبن مردويه والنحاس والبيهقي في الدلائل عن أبن عباس أنها نزلت بمكة وأخرج أبن مردويه عن أبن الزبير مثله واخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال اقتربت تدعى في التوراة المبيضة تبيض وجه صاحبها يوم تبيض الوجوه قال البيهقي منكر وأخرج أبن الضريس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة رفعه من قرا اقتربت الساعة في كل ليلتين بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر وأخرج أبن الضريس نحوه عن ليث بن معن عن شيخ من همدان رفعه وقد تقدم أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ بقاف واقتربت الساعة في الأضحى والفطر سورة القمر ( 1 17 )


"""""" صفحة رقم 120 """"""
القمر : ( 1 ) اقتربت الساعة وانشق . . . . .
قوله ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) أي قربت ولا شك أنها قد صارت باعتبار نسبة ما بقي بعد قيام النبوة المحمدية إلى ما مضى من الدنيا قريبة ويمكن أن يقال إنها لما كانت متحققة الوقوع لا محالة كانت قريبة فكل آت قريب ( وانشق القمر ) أي وقد انشق القمر وكذا قرأ حذيفة بزيادة قد والمراد الانشقاق الواقع في أيام النبوة معجزة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإلى هذا ذهب الجمهور من السلف والخلف قال الواحدى وجماعة المفسرين على هذا إلا ما روى عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال المعنى سينشق القمر والعلماء كلهم على خلافة قال وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر لأن انشقاقه من علامات نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونبوته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة قال ابن كيسان في الكلام تقديم وتأخير أي انشق القمر واقتربت الساعة وحكى القرطبي عن الحسن مثل قول عطاء أنه الانشقاق الكائن يوم القيامة وقيل معنى وانشق القمر وضح الأمر وظهر والعرب تضرب بالقمر المثل فيما وضح وقيل انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه وطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فلقا لانفلاق الظلمة عنه قال ابن كثير قد كان الانشقاق في زمان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة قال وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات قال الزجاج زعم قوم عندوا عن القصد وما عليه أهل العلم أن تأويله أن القمر ينشق يوم القيامة والأمر بين في اللفظ وإجماع أهل العلم
القمر : ( 2 ) وإن يروا آية . . . . .
لأن قوله ( وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) يدل على أن هذا كان في الدنيا لا في القيامة انتهى ولم يأت من خالف الجمهور وقال إن الانشقاق سيكون يوم القيامة إلا بمجرد استبعاد فقال لأنه لو انشق في زمن النبوة لم يبق أحد إلا رآه لأنه آية والناس في الآيات سواء ويجاب عنه بأنه لا يلزم أن يراه كل أحد لا عقلا ولا شرعا ولا عادة ومع هذا فقد نقل إلينا بطريق التواتر وهذا بمجرده يدفع الاستبعاد ويضرب به في وجه قائله والحاصل أنا إذا نظرنا إلى كتاب الله فقد أخبرنا بأنه انشق ولم يخبرنا بأنه سينشق وإن نظرنا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم فقد ثبت في الصحيح وغيره من طرق متواترة أنه قد كان ذلك في أيام النبوة وإن نظرنا إلى أقوال أهل العلم فقد اتفقوا على هذا ولا يلتفت إلى شذوذ من شذ واستبعاد من استبعد وسيأتي ذكر بعض ما ورد في ذلك إن شاء الله ( وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) قال الواحدي قال المفسرون لما انشق القمر قال المشركون سحرنا محمد فقال الله ( وإن يروا آية ) يعني انشقاق القمر يعرضوا عن التصديق والإيمان بها ويقولوا سحر قوى شديد يعلو كل سحر من قولهم استمر الشيء إذا قوى واستحكم وقد قال بأن معنى مستمر قوي شديد جماعة من أهل العلم قال الأخفش هو مأخوذ من إمرار الحبل وهو شدة فتله وبه قال أو العالية والضحاك واختاره النحاس ومنه قول لقيط حتى استمر على شر لا يزنه
صدق العزيمة لا رثا ولا ضرعا
وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة ( سحر مستمر ) أي ذاهب من قولهم مر الشيء واستمر ذا ذهب وبه قال قتادة ومجاهد وغيرهما واختاره النحاس وقيل معنى مستمر دائم مطرد ومنه قول الشاعر ألا إنما الدنيا ليال وأعصر وليس على شيء قديم بمستمر
أي بدائم باق وقيل مستمر باطل روى هذا عن أبي عبيدة أيضا وقيل يشبه بعضه بعضا وقيل قد مر من


"""""" صفحة رقم 121 """"""
الأرض إلى السماء وقيل هو من المرارة يقال مر الشيء صار مرا أي مستبشع عندهم وفي هذه الآية أعظم دليل على أن الانشقاق قد كان كما قررناه سابقا
القمر : ( 3 ) وكذبوا واتبعوا أهواءهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه تكذيبهم فقال ( وكذبوا واتبعوا أهواءهم ) أي وكذبوا رسول الله وما عاينوا من قدرة الله واتبعوا أهواءهم وما زينه لهم الشيطان الرجيم وجملة ( وكل أمر مستقر ) مستأنفة لتقرير بطلان ما قالوه من التكذيب وإتباع الأهواء أي وكل أمر من الأمور منته إلى غاية فالخير يستقر بأهل الخيروالشر يستقر بأهل الشر قال الفراء يقول يستقر قرار تكذيبهم وقرار قول المصدقين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب قال الكلبي المعنى لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر وما كان منه في الآخرة فسيعرف قرأ الجمهور مستقر بكسر القاف وهو مرتفع على إنه خبر المبتدأ وهو كل وقرأ أبو جعفر وزيد بن علي بجر مستقر على إنه صفة لأمر وقرا شيبة بفتح القاف ورويت هذه القراءة عن نافع قال أبو حاتم ولا وجه لها وقيل لها وجه بتقدير مضاف محذوف أي وكل أمر ذواستقرار أو زمان استقرار أو مكان استقرار على إنه مصدر أو ظرف زمان أو ظرف مكان
القمر : ( 4 ) ولقد جاءهم من . . . . .
( ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر ) أي ولقد جاء كفار مكة أو الكفار على العموم من الأنباء وهي أخبار الأمم المكذبة المقصوصة علينا في القرآن ما فيه مزدجر أي إزدجار على أنه مصدر ميمي يقال زجرته إذا نهيته عن السوء ووعظته ويجوز أن يكون أسم مكان والمعنى جاءهم ما فيه موضع ازدجار أي أنه في نفسه موضع لذلك وأصله مزتجر وتاء الافتعال تقلب دالا مع الزاي والدال والذال كما تقرر في موضعه وقرأ زيد بن علي مزجر بقلب تاء الافتعال زايا وإدغام الزاى في الزاى ومن في قوله من الأنباء للتبعيض وهي وما دخلت عليه في محل نصب على الحال
القمر : ( 5 ) حكمة بالغة فما . . . . .
وارتفاع ( حكة بالغة ) على أنها خبر مبتدأ محذوف أو بدل من ما بدل كل من كل أو بدل اشتمال والمعنى أن القرآن حكمة قد الغاية ليس فيها نقص ولا خلل وقرئ بالنصب على أنها حال من ما أي حال كون ما فيه مزدجر حكمة بالغة ( فما تغن النذر ) ما يجوز أن تكون استفهامية وأن تكون نافية أبي أي شيء تعني النذر أو لم تغن النذر شيئا والفاء لترتيب عدم الإغناء على مجئ الحكمة البالغة والنذر جمع نذير بمعنى المنذر أو بمعنى الإنذار على إنه مصدر
القمر : ( 6 ) فتول عنهم يوم . . . . .
ثم أمره الله سبحانه بالإعراض عنهم فقال ( فتول عنهم ) أي أعرض عنهم حيث لم يؤثر فيهم الإنذار وهي منسوخة بآية السيف ( ويوم يدع الداع إلى شيء نكر ) انتصاب الظرف إما بفعل مقدر أي اذكر وإما بيخرجون المذكور بعده وإما بقوله ( فما تغن ) ويكون قوله ( فتول عنهم ) اعتراض أو بقوله يقول الكافرون أو بقوله خشعا وسقطت الواو من يدع إتباعا للفظ وقد وقعت في الرسم هكذا وحذفت الياء من الداع للتخفيف واكتفاء بالكسرة والداع هو إسرافيل والشيء النكر الأمر الفظيع الذي ينكرونه استبعاظا لعدم تقدم العهد لهم بمثله قرأ الجمهور بضم الكاف وقرأ أبن كثير بسكونها تخفيفا وقرأ مجاهد وقتادة بكسر الكاف وفتح الراء على صيغة الفعل المجهول
القمر : ( 7 ) خشعا أبصارهم يخرجون . . . . .
( خشعا أبصارهم ) قرأ الجمهور خشعا جمع خاشع وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو خاشعا على الإفراد ومنه قول الشاعر وشباب حسن أو جههم من
إياد بن نزار بن معد
وقرأ أبن مسعود خاشعة قال الفراء الصفة إذا تقدمت على الجماعة جاز فيها التذكير والتأنيث والجمع يعني جمع التكسير لا جمع السلامة لأنه يكون من الجمع بين فاعلين ومثل قراءة الجمهور امرئ القيس وقوفا بها صحبي على مطيهم
يقولون لا تهلك أسى وتجلد


"""""" صفحة رقم 122 """"""
وانتصاب خشعا على الحال من فاعل يخرجون أو من الضمير في عنهم والخشوع في البصر الخضوع والذلة وأضاف الخشوع إلى الأبصار لأن العز والذل يتبين فيها ( يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر ) أي يخرجون من القبور وواحد الأجداث جدث وهو القبر كأنهم لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض جراد منتشر أي منبث في الأقطار مختلط بعضه ببعض
القمر : ( 8 ) مهطعين إلى الداع . . . . .
( مهطعين إلى الداع ) الإهطاع الإسراع أي قال كونهم مسرعين إلى الداعي وهو إسرافيل ومنه قول الشاعر بدجلة دارهم ولقد أراهم
بدجلة مهطعين إلى السماع
أي مسرعين إليه وقال الضحاك مقبلين وقال قتادة عامدين وقال عكرمة فاتحين آذانهم إلي الصوت والأول أولى وبه قال أبو عبيدة وغيره وجملة ( يقول الكافرون هذا يوم عسر ) في محل نصب على الحال من ضمير مهطعين والرابط مقدر أو مستأنفه جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا يكون حينئذ والعسر الصعب الشديد وفي إسناد هذا القول إلى الكفار دليل على أن اليوم ليس بشديد على المؤمنين
القمر : ( 9 ) كذبت قبلهم قوم . . . . .
ثم ذكر سبحانه تفصيل بعض ما تقدم من الأنباء المجملة فقال ( كذبت قبلهم قوم نوح ) أي كذبوا نبيهم وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وقوله فكذبوا عبدنا تفسير لما قبله من التكذيب المبهم وفيه مزيد تقرير وتأكيد أي فكذبوا عبدنا نوحا وقيل المعنى كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا نوحا بتكذيبهم للرسل فإنه منهم ثم بين سبحانه أنهم لم يقتصروا على مجرد التكذيب فقال ( وقالوا مجنون ) أي نسبوا نوحا إلى الجنون وقوله ( وازدجر ) معطوف على قالوا أي وزجر عن دعوى النبوة وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر والدال بدل من تاء الافتعال كما تقدم قريبا وقيل إنه معطوف على مجنون أي وقالوا إنه ازدجر أي ازدجرته الجن وذهبت بلبه والأول أولى قال مجاهد هو من كلام الله سبحانه أخبر عنه بأنه انتهر وزجر بالسب وأنواع الأذى قال الرازي وهذا أصح لأن المقصود تقوية قلب النبي صلى الله عليه وإله وسلم بذكر من تقدمه
القمر : ( 10 ) فدعا ربه أني . . . . .
( فدعا ربه إني مغلوب فانتصر ) أي دعا نوح على قومه بأني مغلوب من جهة قومي لتمردهم عن الطاعة وزجرهم لي عن تبليغ الرسالة فانتصر لي أي انتقم لي منهم طلب من ربه سبحانه النصرة عليهم لما أيس من إجابتهم وعلم تمردهم وعتوهم وإصرارهم على ضلالتهم قرأ الجمهور أني ط بفتح الهمزة أي بأني وقرأ ابن أبي إسحاق والأعمش بكسر الهمزة ورويت هذه القراءة عن عاصم على تقدير إضمار القول أي نقال
القمر : ( 11 ) ففتحنا أبواب السماء . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما عاقبهم به فقال ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ) أي منصب انصبابا شديدا والهمر الصب بكثرة يقال همر الماء والدمع يهمر وهمورا إذا كثر ومنه قول الشاعر أعيني جودا بالدموع الهوامر
على خير باد من معد وحاضر
ومنه قول امرئ القيس يصف عينا راح تمر به الصبا ثم انتحى
فيه بشؤبوب جنوب منهمر
قرأ الجمهور فتحا مخففا وقرأ أبن عامر ويعقوب بالتشديد
القمر : ( 12 ) وفجرنا الأرض عيونا . . . . .
( وفجرنا الأرض عيونا ) أي جعلنا الأرض كلها عيونا متفجرة والأصل فجرنا عيون الأرض قرأ الجمهور فجرنا بالتشديد وقرأ أبن مسعود وأبو حيوة وعاصم في رواية عنه بالتخفيف قال عبيد بن عمير أوحى الله إلى الأرض أن تخرج ماءها فتفجرت بالعيون فالتقى الماء على أمر قد قدر أي التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قضى عليهم أي كائنا على حال قدرها الله وقضى بها وحكى أبن قتيبة أن المعنى على مقدار لم يرد أحدهما على الآخر بل كان ماء السماء وماء


"""""" صفحة رقم 123 """"""
الأرض على سواء قال قتادة قدر لهم إذ كفروا أن يغرقوا وقرأ الجحدري فالتقى المان وقرأ فالتقى الماوان ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب ومحمد بن كعب
القمر : ( 13 ) وحملناه على ذات . . . . .
( وحملناه على ذات ألواح ودسر أي وحملنا نوحا على سفينة ذات ألواح وهي الأخشاب العريضة ودسر قال الزجاج هي المسامير التي تشد بها الألواح واحدها دسار وكل شيء أدخل في شيء يشده فهو الدسر وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب وأبن زيد وسعيد بن جبير وغيرهم وقال الحسن وشهر بن حوشب وعكرمة الدسر ظهر السفينة التي يضربها الموج سميت بذلك لأنها تدسر الماء أي تدفعه والدسر الدفع وقال الليث الدسار خيط تشد به ألواح السفينه قال في الصححاح الدسار واحد الدسر وهي خيوط تشد بها ألواح السفينه ويقال هي المسامير
القمر : ( 14 ) تجري بأعيننا جزاء . . . . .
( تجري بأعيننا ) أي بمنظر ومرأي منا وحفظ لها كما في قوله واصنع الفلك بأعيننا وقيل بأمرنا وقيل بوحينا وقيل بالأعين التابعة من الأرض وقيل بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها ( جزاء لمن كان كفر ) قال الفراء فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثوابا لمن كفر به وجحد أمره وهو نوح عليه السلام فإنه كان لهم نعمة كفروها فانتصاب جزاء على العلة وقيل على المصدرية بفعل مقدر أي جازيناهم جزاء قرا الجمهور كفر مبنيا للمفعول والمراد به نوح وقيل هو الله سبحانه فإنهم كفروا به وجحدوا نعمته وقرأ يزيد بن رومان وقتادة ومجاهد وحميد وعيسى كفر بفتح الكاف والفاء مبنيا للفاعل أي جزاء وعقابا لمن كفر بالله
القمر : ( 15 ) ولقد تركناها آية . . . . .
( ولقد تركناها آية ) أي السفينة تركها الله عبرة للمعتبرين وقيل المعنى ولقد تركنا هذه الفعلة التي فعلناها بهم عبرة وموعظة ( فهل من مذكر ) أصله مذتكر فأبدلت التاء دالا مهملة ثم أبدلت المعجمة مهملة لتقاربهما وأدغمت الدال في الدال والمعنى هل من متعظ ومعتبر يتعظ بهذه الآية ويعتبر بها
القمر : ( 16 ) فكيف كان عذابي . . . . .
( فكيف كان عذابي ونذر ) أي إنذاري قال الفراء والإنذار والنذر مصدران والاستفهام للتهويل والتعجيب أي كانا على كيفية هائلة عجيبة لا يحيط بها الوصف وقيل نذر جمع نذير ونذير بمعنى الإنذار كنكير بمعنى الإنكار
القمر : ( 17 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . .
( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) أي سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه وقيل هيأناه للتذكر والاتعاظ ( فهل من مدكر ) أي متعظ بمواعظه ومعتبر بعبره وفي الآية الحث على درس القرآن والاستكثار من تلاوته والمسارعة في تعلمه ومدكر أصله مذتكر كما تقدم قريبا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما ) وروى عنه من طريق أخرى عند مسلم والترمذي وغيرهم وقال ( فنزلت أقتربت الساعة وانشق القمر ) وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أشهدوا وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه قال رأيت القمر منشقا شقتين مرتين مرة بمكة قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وإله وسلم شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء وذكر أن هذا سبب نزول الآية واخرج أحمد وعبد بن حميد وأبن جرير والحاكم وصححه وأبن مردويه وأبو نعيم عنه أيضا قال رأيت القمر وقد انشق وأبصرت الجبل بين فرجتي القمر وله طرق عنه وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبن عباس قال انشق القمر في زمن النبي صلى الله عليه وإله وسلم وله طرق عنه وأخرج مسلم والترمذي وغيرهما عن أبن عمر في قوله ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) قال كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم انشق فرقتين فرقة من دون الجبل وفرقة خلفه فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم اشهد واخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وأبن جرير والحاكم وصححه وأبن


"""""" صفحة رقم 124 """"""
مردويه وابو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم عن أبيه في قوله ( وانشق القمر ) قال انشق القمر ونحن بمكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم حتى صار فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل فقال الناس سحرنا محمد فقال رجل إن كان سحركم فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم وأخرج أبن أبي شيبة وعبدين حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبن جرير وأبن مردويه وأبو نعيم عن عبد الرحمن السلمي قال خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اقتربت الساعة وانشق القمر ألا وإن الساعة قد اقتربت ألا وأن القمر قد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ألا وأن الدنيا قد آذنت بفراق اليوم المضمار وغدا السياق وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( مهطعين ) قال ناظرين وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ) قال كثير لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب وفتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم فالقى الماآن وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضا ( على ذات ألواح ودسر ) قال الألواح ألواح السفينة والدسر معاريضها التي تشد بها السفينة وأخرج أبن جرير وابن المنذر عنه أيضا في قوله ( ودسر ) قال المسامير وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عنه قال الدسر كلكل السفينة وأخرج أبن أبي حاتم وأبن مردويه والبهيقي عنه أيضا في قوله ( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) قال لولا ان الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلموا بكلام الله وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعا مثله واخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عن أبن عباس ( فهل من مدكر ) قال هل من متذكر
سورة القمر ( 18 40 )


"""""" صفحة رقم 125 """"""
القمر : ( 18 ) كذبت عاد فكيف . . . . .
قوله ( كذبت عاد ) هم قوم عاد ( فكيف كان عذابي ونذر ) أي فاسمعوا كيف كان عذابي لهم وإنذاري إياهم ونذر مصدر بمعنى إنذار كما تقدم تحقيقه والاستفهام للتهويل و التعظيم
القمر : ( 19 ) إنا أرسلنا عليهم . . . . .
( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ) هذه الجملة مبينة لما أجمله من العذاب والصرصر شدة البرد أي ريح شديدة البرد وقيل الصرصر شدة الصوت وقد تقدم بيانه في سورة حم السجدة ( في يوم نحس مستمر ) أي دائم الشؤم استمر عليهم بنحوسه وقد كانوا يتشاءمون بذلك اليوم قال الزجاج قيل في يوم الأربعاء في آخر الشهر قرأ الجمهور في يوم نحس بإضافة يوم إلى نحس مع سكون الحاء وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة أو على تقدير مضاف أي في يوم عذاب نحس وقرا الحسن بتنوين يوم على أن نحس صفة له وقرا هارون بكسر الحاء قال الضحاك كان ذلك اليوم مرا عليهم وكذا حكى الكسائى عن قوم أنهم قالوا هو من المرارة وقيل هو من المرة بمعنى القوة أي في يوم قوى الشؤم مستحكمة كالشيء المحكم القتل الذي لا يطاق نقضه والظاهر أنه من الاستمرار لا من المرارة ولا من المرة أي دام عليهم العذاب فيه حتى أهلكهم وشمل بهلاكه كبيرهم وصغيرهم
القمر : ( 20 ) تنزع الناس كأنهم . . . . .
وجملة ( ى تنزع الناس ) في محل نصب على أنها صفة لريحا أو حال منها ويجوز أن يكون استئنافا أي تقلعهم من الأرض من تحت أقدامهم اقتلاع النخلة من أصلها قال مجاهد كانت تقلعهم من الأرض فترمي بهم على رءوسهم فتدق أعناقهم وتبين رءوسهم من أجسادهم وقيل تنزع الناس من البيوت وقيل من قبورهم لأنهم حفروا حفائر ودخلوها ( كأنهم أعجاز نخل منقعر ) الأعجاز جمع عجز وهو مؤخر الشيء والمنقعر المنقطع من أصله يقال قعرت النخلة إذا قلعتها من أصلها حتى تسقط شبههم في طول قاماتهم حين صرعتهم الريح وطرحتهم على وجوههم بالنخل الساقط على الأرض التي ليست لها رءوس وذلك أن الريح قلعت رءوسهم أولا ثم كتبتهم على وجوههم وتذكير منقعر مع كونه صفة لأعجاز نخل وهي مؤنثه اعتبارا باللفظ ويجوز تأنيثه اعتبارا بالمعنى كما قال أعجاز نخل خاوية قال المبرد كل ما ورد عليك من هذا الباب إن شئت رددته إلى اللفظ وتذكيرا أو إلى المعنى تأنيثا وقيل إن النخل والنخيل يذكر ويؤنث
القمر : ( 21 ) فكيف كان عذابي . . . . .
( فكيف كان عذابي ونذر ) قد تقدم تفسيره قريبا
القمر : ( 22 - 23 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . .
وكذلك قوله ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) ثم لما ذكر سبحانه تكذيب عاد أتبعه بتكذيب ثمود فقال ( كذبت ثمود بالنذر ) يجوز أن يكون جمع نذير أي كذبت بالرسل المرسلين إليهم ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإنذار أي كذبت بالإنذار الذي أنذروا به وإنما كان تكذيبهم لرسولهم وهو صالح تكذيبا للرسل لأن من كذب واحدا من الإنبياء فقد كذب سائرهم لاتفاقهم في الدعوة إلى كليات الشرائع
القمر : ( 24 ) فقالوا أبشرا منا . . . . .
( فقالوا أبشر منا واحدا نتبعه ) الاستفهام لإنكار أي كيف نتبع بشرا كائنا من جنسنا منفردا وحده لا متابع له على ما يدعوا إليه قرأ الجمهور بنصب بشرا على الاشتغال أي أنتبع بشرا واحدا وقرأ أبو السماك والداني وأبو الأشهب وأبن السميفع بالرفع على الإبتداء وواحدا صفته ونتبعه خبره وروى عن أبي السماك أنه قرأ برفع بشرا ونصب واحدا على الحال ( إنا إذا لفي ضلال ) أي إنا إذا اتبعناه لفي خطأ وذهاب عن الحق ( وسعر ) أي عذاب


"""""" صفحة رقم 126 """"""
وعناد وشدة كذا قال الفراء وغيره وقال أبو عبيدة هو جمع سعير وهو لهب النار والسعر الجنون يذهب كذا وكذا لما يلتهب به من الحدة وقال مجاهد وسعر وبعد عن الحق وقال السدي في احتراق وقيل المراد به هنا الجنون من قولهم ناقة مسعورة أي كأنها من شدة نشاطها مجنونة ومنه قول الشاعر يصف ناقة تخال بها سعرا إذ السعر هزها
ذميل وإيقاع من السير متعب
القمر : ( 25 ) أؤلقي الذكر عليه . . . . .
ثم كرروا الإنكار والاستبعاد فقالوا ( ألقى الذكر عليه من بيننا ) أي كيف خص من بيننا بالوحي والنبوة وفينا من هو أحق بذلك منه ثم أضربوا عن الاستنكار وانتقلوا إلى الجزم بكونه كذابا أشرا فقالوا ( بل هو كذاب أشر ) والأشر المرح والنشاط أو البطر والتكبر وتفسيره بالبطر والتكبر أنسب بالمقام ومنه قول الشاعر أشرتم بلبس الخز لما لبستم ومن قبل لا تدرون من فتح القرى
قرأ الجمهور أشر كفرح وقرأ أبو قلابة وأبو جعفر بفتح الشين وتشديد الراء على أنه أفعل تفضيل ونقل الكسائي عن مجاهد أنه قرأ بضم الشين مع فتح الهمزة
القمر : ( 26 ) سيعلمون غدا من . . . . .
ثم أجاب سبحانه عليهم بقوله ( سيعلمون عدا من الكذاب الأشر ) والمراد بقوله غدا وقت نزول العذاب بهم في الدنيا أو في يوم القيامة جريا على عادة الناس في التعبير بالغد عن المستقبل من الأمر وإن بعد كما في قولهم إن مع اليوم غدا وكما في قول الحطيئة
للموت فيها سهام غير مخطئة من لم يكن ميتا في اليوم مات غدا
ومنه قول أبي الطماح
إلا علالاني قبل نوح النوائح وقبل اضطراب النفس بين الجوانح
وقبل غد يا لهف نفسي على غد
إذا راح أصحابي ولست برائح
قرأ الجمهور سيعلمون بالتحتية إخبار من الله سبحانه لصالح عن وقوع العذاب عليهم بعد مدة وقرأ أبو عمرو وأبن عامر وحمزة بالفوقية على إنه خطاب من صالح لقومه
القمر : ( 27 ) إنا مرسلو الناقة . . . . .
وجملة ( إنا مرسلوا الناقة ) مستأنفة لبيان ما تقدم إجماله من الوعيد أي انا مخرجوها من الصخرة على حسب ما اقترحوه فتنة لهم أي ابتلاء وامتحانا وانتصاب فتنة على العلة ( فارتقبهم ) أي انتظر ما يصنعون ( واصطبر على ما يصيبك من الأذى منهم
القمر : ( 28 ) ونبئهم أن الماء . . . . .
( ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ) أي بين ثمود وبين الناقة لها يوم ولهم يوم كما في قوله لها شرب ولكم شرب يوم معلوم وقال نبئهم بضمير العقلاء تغليبا ( كل شرب محتضر ) الشرب بكسر الشين الحظ من الماء ومعنى محتضر أنه يحضره من هو له فالناقة تحضره يوما وهم يحضرونه يوما قال مجاهد إن ثمود يحضرون الماء يوم نوبتهم فيشربون ويحضرون يوم نوبتها فيحتلبون قرأ الجمهور قسمة بكسر القاف بمعنى مقسوم وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بفتحها
القمر : ( 29 ) فنادوا صاحبهم فتعاطى . . . . .
( فنادوا صاحبهم ) أي نادى ثمود صاحبهم وهو قدار بن سالف عاقر الناقة يحضونه على عقرها فتعاطى فعقر اي تناول الناقة بالعقر فعقرها أو اجترأ على تعاطي اسباب العقر فعقر قال محمد بن إسحاق كمن لها في أصل شجرة على طريقها فرماها بسهم فانتظم به عضله ساقها ثم شد عليها بالسيف فكسر عرقوبها ثم نحرها والتعاطي تناول شيء بتكلف
القمر : ( 30 ) فكيف كان عذابي . . . . .
( فكيف كان عذابي ونذر ) قد تقدم تفسيره في هذه السورة
القمر : ( 31 ) إنا أرسلنا عليهم . . . . .
ثم بين ما أجمله من العذاب فقال ( إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة ) قال عطاء نريد صيحة جبريل وقد مضى بيان هذا في سورة هود وفي الأعراف ( فكانوا كهشيم محتضر ) قرأ الجمهور بكسر الظاء والهشيم حطام الشجر ويابسه والمحتظر صاحب الحظيرة وهو الذي يتخذ لغنمه حظيرة تمنعها عن برد الريح يقال احتظر على غنمه إذا جمع الشجر ووضع بعضه فوق بعض قال في الصحاح والمختظر الذي يعمل الحظيرة وقرأ الحسن وقتادة وأبو العالية بفتح


"""""" صفحة رقم 127 """"""
الظاء أي كهشيم الحظيرة فمن قرأ بالكسر أراد الفاعل للاحتظار ومن قرأ بالفتح أراد الحظيرة وهي فعيلة بمعنى مفعولة ومعنى الآية أنهم صاروا كالشجر إذا يبس في الحظيرة وداسته الغنم بعد سقوطه ومنه قول الشاعر أثرن عجاجه كدخان نار
تشب بغرقد بال هشيم
وقال قتادة هو العظام النخرة المحترقة وقال سعيد بن جبير هو التراب المتناثر من الحيطان في يوم ريح وقال سفيان الثوري هو ما يتناثر من الحظيرة إذا ضربتها بالعصى قال ابن زيد العرب تسمى كل شيء كان رطبا فيبس هشيما ومنه قول الشاعر ترى جيف المطي بجانبيه
كأن عظامها خشب الهشيم
4
القمر : ( 32 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . .
(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) تقدم تفسير هذا في هذه السورة
القمر : ( 33 ) كذبت قوم لوط . . . . .
ثم اخبر سبحانه عن قوم لوط بأنهم كذبوا رسل الله كما كذبهم غيرهم فقال ( كذبت قوم لوط بالنذر ) وقد تقدم تفسير النذر قريبا
القمر : ( 34 ) إنا أرسلنا عليهم . . . . .
ثم بين سبحانه ما عذبهم به فقال ( إنا أرسلنا عليهم حاصبا ) أي ريحا ترميهم بالحصباء وهي الحصى قال أبو عبيدة والنضر بن شميل الحاصب الحجارة في الريح قال في الصحاح الحاصب الريح الشديدة التي تثير الحصباء ومنه قول الفرزدق مستقبلين شمال الشام يضربها
بحاصب كنديف القطن منثور
( إلا آل لوط نجيناهم بسحر ) يعني لوطا ومن تبعه والسحر آخر الليل وقيل هو في كلام العرب اختلاط سواد الليل ببياض أول النهار وانصرف سحر لأنه أنكره لم يقصد به سحر ليلة معينة ولو قصد معينا لا متنع كذا قال الزجاج والأخفش وغيرهما
القمر : ( 35 ) نعمة من عندنا . . . . .
وانتصاب ( نعمة من عندنا ) على العلة أو على المصدرية أي إنعاما منا على لوط ومن تبعه ( كذلك نجزي من شكر ) أي مثل ذلك الجزاء نجزي من شكر نعمتنا ولم يكفرها
القمر : ( 36 ) ولقد أنذرهم بطشتنا . . . . .
( ولقد أنذرهم بطشتنا ) اي أنذر لوط قومه بطشة الله بهم وهي عذابه الشديد وعقوبته البالغة ( فتماروا بالنذر ) أي شكوا في الإنذار ولم يصدقوه وهو تفاعلوا من المرية وهي الشك
القمر : ( 37 ) ولقد راودوه عن . . . . .
( لقد راودوه عن ضيفه ) أي أرادوا منه تمكينهم ممن أتاه من الملائكة ليفجروا بهم كما هو دأبهم يقال راودته عن كذا مراودة وروادا أي أردته وراد الكلام يروده رودا أي طلبه وقد تقدم تفسير المراودة مستوفي في سورة هود ( فطمسنا أعينهم ) أي صيرنا أعينهم ممسوحة لا يرى لها شق كما تطمس الريح الأعلام بما تسقى عليها من التراب وقيل أذهب الله نور أبصارهم مع بقاء الأعين على صورتها قال الضحاك طمس الله على أبصارهم فلم يروا الرسل فرجعوا ( فذوقوا عذابي ونذر ) قد تقدم تفسيره في هذه السورة
القمر : ( 38 ) ولقد صبحهم بكرة . . . . .
( ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر ) أي أتاهم صباحا عذاب مستقر بهم نازل عليهم لا يفارقهم ولا ينفك عنهم قال مقاتل استقر بهم العذاب بكرة وانصراف بكرة لكونه لم يرد بها وقتا بعينه كما سبق في بسحر
القمر : ( 39 - 40 ) فذوقوا عذابي ونذر
( فذوقوا عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) قد تقدم تفسير هذا في هذه السورة ولعل وجه تكرير تيسير القرآن للذكر في هذه السورة الاشعار بأنه منه عظيمة لا ينبغي لأحد أن يغفل عن شكرها وقد أخرج أبن جرير عن ابن عباس في قوله ( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ) قال باردة ( في يون نحس ) قال أيام شداد واخرج أبن المنذر وأبن مردويه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم الأربعاء يوم نحس مستمر وأخرجه عنه أبن مردويه من وجه آخر مرفوعا وأخرجه أبن مردويه عن علي


"""""" صفحة رقم 128 """"""
مرفوعا وأخرجه أبن مردويه أيضا عن أنس مرفوعا وفيه قيل وكيف ذاك يا رسول الله قال أغرق الله فيه فرعون وقومه وأهلك فيه عادا وثمودا وأخرج أبن مردويه والخطيب بسند قال السيوطي ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر وأخرج أبن المنذر عنه ( كأنهم أعجاز نخل ) قال أصول النخل ( منقعر ) قال منقلع وأخرج أبن أبي حاتم عنه ايضا في الآية قال إعجاز مواد النخل وأخرج أبن المنذر عنه ايضا وسعر ) قال شقاء واخرج أبن جرير وأبن المنذر عنه أيضا قال ( كهشيم المحتظر ) قال كحظائر من الشجر محترقة وأخرج أبن جرير عنه أيضا في الآية كالعظام المحترقة وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عنه قال كالحشيش تأكله الغنم
سورة القمر ( 41 55
القمر : ( 41 ) ولقد جاء آل . . . . .
( النذر ) يجوز أن يكون جمع نذير ويجوز أن يكون مصدر بمعنى الإنذار كما تقدم وهي الآيات التي أنذرهم بها موسى وهذا أولى
القمر : ( 42 ) كذبوا بآياتنا كلها . . . . .
لقوله ( كذبوا بآياتنا كلها ) فإنه بيان لذلك والمراد بها الآيات التسع التي تقدم ذكرها ( فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ) أي أخذناهم بالعذاب أخذ غالب في انتقامه قادر على إهلاكهم لا يعجزه شيء
القمر : ( 43 ) أكفاركم خير من . . . . .
ثم خوف سبحانه كفار مكة فقال ( أكفارهم خير من أولئكم ) والاستفهام للإنكار والمعنى النفي أي ليس كفاركم يا أهل مكة أو يا معشر العرب خير من كفار من تقدمكم من الأمم الذين أهلكوا بسبب كفرهم فكيف تطمعون في السلامة من العذاب وأنتم شر منهم
القمر : ( 44 ) أم يقولون نحن . . . . .
ثم أضرب سبحانه عن ذلك وانتقل إلى تبكيتهم بوجه آخر هو أشد من التبكيت بالوجه الأول فقال ( أم لكم براءة في الزبر ) والزبر هي الكتب المنزلة على الأنبياء والمعنى إنكار أن تكون لهم براءة من عذاب الله في شيء من كتب الأنبياء ثم أضرب عن هذا التبكيت وانتقل إلى التبكيت لهم بوجه آخر فقال ( أم يقولون نحن جميع منتصر ) أي جماعة لا تطاق لكثرة عددنا وقوتنا أو أمرنا مجتمع لانغلب وأفرد منتصرا اعتبارا بلفظ جميع قال الكلبي المعنى نحن جميع أمرنا ننتصر من أعدائنا
القمر : ( 45 ) سيهزم الجمع ويولون . . . . .
فرد الله سبحانه عليهم بقوله ( سيهزم الجمع ) أي جمع كفار مكة أو كفار العرب على العموم قرأ الجمهور سيهزم بالتحتية مبنيا للمفعول وقرأ ورش عن يعقوب سنهزم بالنون وكسر الزاي ونصب الجمع وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة


"""""" صفحة رقم 129 """"""
لتحتية مبنيا للفاعل وقرىء بالفوقية مبنيا للفاعل ( ويولون الدبر ) قرأ الجمهور يولون بالتحتية وقرأ عيسى ابن أبي إسحاق وورش عن يعقوب بالفوقية على الخطاب والمراد بالدبر الجنس وهو في معنى الإدبار وقد هزمهم الله يوم بدر وولوا الأدبار وقتل رؤساء الشرك وأساطين الكفر فلله الحمد
القمر : ( 46 ) بل الساعة موعدهم . . . . .
( بل الساعة موعدهم ) أي موعد عذابهم الأخروي وليس هذا العذاب الكائن في الدنيا بالقتل والأسر والقهر هو تمام ما وعدوا به من العذاب وإنما هو مقدمة من مقدماته وطليعة من طلائعه ولهذا قال ( والساعة أدهى وأمر ) أي وعذاب الساعة أعظم في الضر وأفظع مأخوذ من الدهاء وهو النكر والفظاعة ومعنى أمر أشد مرارة من عذاب الدنيا يقال دهاه أمر كذا أي أصابه دهوا ودهيا
القمر : ( 47 ) إن المجرمين في . . . . .
( إن المجرمين في ضلال وسعر ) أي في ذهاب عن الحق وبعد عنه وقد تقدم في هذه السورة تفسير وسعر فلا نعيده
القمر : ( 48 ) يوم يسحبون في . . . . .
( يوم يسحبون في النار على وجوههم ) والظرف منتصب بما قبله أي كائنون في ضلال وسعر يوم يسحبون أو بقول مقدر بعده أي يوم يسحبون يقال لهم ( ذوقوا مس سقر ) أي قاسوا حرها وشدة عذابها وسقر علم لجهنم وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بإدغام سين مس في سين سقر
القمر : ( 49 ) إنا كل شيء . . . . .
( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) قرأ الجمهور بنصب كل على الاشتغال وقرأ أبو السماك بالرفع والمعنى أن كل شيء من الأشياء خلقه الله سبحانه ملتبسا بقدر قدره وقضاء قضاه سبق في علمه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل وقوعه والقدر التقدير وقد قدمنا الكلام على تفسير هذه الآية مستوفى
القمر : ( 50 ) وما أمرنا إلا . . . . .
( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) أي إلا مرة واحدة أو كلمة واحدة كلمح بالبصر في سرعته واللمح النظر على العجلة والسرعة وفي الصحاح لمحه وألمحه إذا أبصره بنظر خفيف والاسم اللمحة قال الكلبي وما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة إلا كطرف البصر
القمر : ( 51 ) ولقد أهلكنا أشياعكم . . . . .
( ولقد أهلكنا أشياعكم ) أي أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم وقيل أتباعكم وأعوانكم ( فهل من مدكر ) يتذكر ويتعظ بالمواعظ ويعلم أن ذلك حق فيخاف العقوبة وأن يحل به ما حل بالأمم السالفة
القمر : ( 52 ) وكل شيء فعلوه . . . . .
( وكل شيء فعلوه في الزبر ) أي جميع ما فعلته الأمم من خير أو شر مكتوب في اللوح المحفوظ وقيل في كتب الحفظة
القمر : ( 53 ) وكل صغير وكبير . . . . .
( وكل صغير وكبير مستطر ) أي كل شيء من أعمال الخلق وأقوالهم وأفعالهم مسطور في اللوح المحفوظ صغيره وكبيره وجليله وحقيره يقال سطر يسطر سطرا كتب وأسطر مثله
القمر : ( 54 ) إن المتقين في . . . . .
ثم لما فرغ سبحانه من ذكر حال الأشقياء ذكر حال السعداء فقال ( إن المتقين في جنات ونهر ) أي في بساتين مختلفة وجنان متنوعة وأنهار متدفقة قرأ الجمهور ونهر بفتح الهاء على الإفراد وهو جنس يشمل أنهار الجنة وقرأ مجاهد والأعرج وأبو السماك بسكون الهاء وهما لغتان وقرأ أبو مجلز وأبو نهشل والأعرج وطلحة بن مصرف وقتادة نهر بضم النون والهاء على الجمع
القمر : ( 55 ) في مقعد صدق . . . . .
( في مقعد صدق ) أي في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة ( عند مليك مقتدر ) أي قادر على ما يشاء لا يعجزه شيء وعندها هنا كناية عن الكرامة وشرف المنزلة وقرأ عثمان البتى في مقاعد صدق
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس ( أكفاركم خير من أولئكم ) يقول ليس كفاركم خير من قوم نوح وقوم لوط وأخرج ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عنه في قوله ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) قال كان ذلك يوم بدر قالوا ( نحن جميع منتصر ) فنزلت هذه الآية وفي البخاري وغيره عنه أيضا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال وهو في قبة له يوم بدر أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم نعبد بعد اليوم أبدا فأخذ أبو بكر بيده وقال حسبك يا رسول الله ألححت على ربك فخرج وهو يثب في الدرع ويقول ( سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) وأخرج أحمد وعبد بن حميد


"""""" صفحة رقم 130 """"""
ومسلم والترمذي وابن ماجة وغيرهم عن أبي هريرة قال جاء مشركو قريش إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يخاصمونه في القدر فنزلت ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ) وأخرج مسلم عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كل شيء بقدر حتى العجز والكيس وأخرج ابن المنذر عنه في قوله ( وكل صغير وكبير مستطر ) قال مسطور في الكتاب 1 ه
ع55
تفسير
سورة الرحمن
هي ست وسبعون آية
حول السورة
وهي مكية قال القرطبي كلها في قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر قال قال ابن عباس إلا آية منها وهي قوله ( يسأله من في السموات والأرض ) الآية وقال ابن مسعود ومقاتل هي مدنية كلها والأول أصح ويدل عليه ما أخرجه النحاس عن ابن عباس قال نزلت سورة الرحمن بمكة وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال أنزل بمكة سورة الرحمن وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت نزلت سورة الرحمن علم القرآن بمكة وأخرج أحمد وابن مردويه قال السيوطي بسند حسن عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يسمعون ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ويؤيد القول الثاني ما أخرجه ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال نزلت سورة الرحمن بالمدينة ويمكن الجمع بين القولين بأنه نزل بعضها بمكة وبعضها بالمدينة وأخرج الترمذي وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله قال خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال مالي أراكم سكوتا لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كلما أتيت على قوله ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) قالوا لا شيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد وحكى عن الإمام أحمد أنه كان يستنكر روايته عن زهير وقال البزار لا نعرفه يروى إلا من هذا الوجه وأخرجه البزار وابن جرير وابن المنذر والدار قطني في الإفراد وابن مردويه والخطيب في تاريخه من حديث ابن عمر وصحح السيوطي إسناده وقال البزار لا نعلمه يروى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد وأخرج البيهقي في الشعب عن على سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول لكل شيء عروس وعروس القرآن الرحمن


"""""" صفحة رقم 131 """"""
سورة الرحمن 1 25
الرحمن : ( 1 - 2 ) الرحمن
قوله ( الرحمن علم القرآن ) ارتفاع الرحمن على أنه مبتدأ وما بعده من الأفعال أخبار له ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي الله الرحمن قال الزجاج معنى ( علم القرآن ) يسره قال الكلبي علم القرآن محمدا وعلمه محمد أمته وقيل جعله علامة لما يعبد الناس به قيل نزلت هذه الآية جوابا لأهل مكة حين قالوا إنما يعلمه بشر وقيل جوابا لقولهم وما الرحمن ولما كانت هذه السورة لتعداد نعمه التي أنعم بها على عباده قدم النعمة التي هي أجلها قدرا وأكثرها نفعا وأتمها فائدة وأعظمها عائدة وهي نعمة تعليم القرآن فإنها مدار سعادة الدارين وقطب رحى الخيرين وعماد الأمرين
الرحمن : ( 3 ) خلق الإنسان
ثم امتن بعد هذه النعمة بنعمة الخلق التي هي مناط كل الأمور ومرجع جميع الأشياء فقال ( خلق الإنسان ) ثم امتن ثالثا بتعليمه البيان الذي يكون به التفاهم ويدور عليه التخاطب وتتوقف عليه مصالح المعاش والمعاد لأنه لا يمكن إبراز ما في الضمائر ولا إظهار ما يدور في الخلد إلا به قال قتادة والحسن المراد بالإنسان آدم
الرحمن : ( 4 ) علمه البيان
والمراد بالبيان أسماء كل شيء وقيل المراد به اللغات وقال ابن كيسان المراد بالإنسان ها هنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبالبيان بيان الحلال من الحرام والهدى من الضلال وهو بعيد وقال الضحاك البيان الخير والشر وقال الربيع بن أنس هو هو ما ينفعه مما يضره وقيل البيان الكتابة بالقلم والأولى حمل الإنسان على الجنس وحمل البيان على تعليم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به
الرحمن : ( 5 ) الشمس والقمر بحسبان
( الشمس والقمر بحسبان ) أي يجريان بحساب ومنازل لا يعدوانها ويدلان بذلك على عدد الشهور والسنين قال قتادة وأبو مالك يجريان بحسبان في منازل لا يعدوانها ولا يحيدان عنها وقال ابن زيد وابن كيسان يعنى أن بهما تحسب الأوقات والآجال والأعمار ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب لأن الدهر يكون كله ليلا أو نهارا وقال الضحاك معنى بحسبان بقدر وقال مجاهد بحسبان كحسبان الرحى يعنى قطبهما الذي يدوران عليه قال الأخفش الحسبان جماعة الحساب مثل شهب وشهبان وأما الحسبان بالضم فهو العذاب كما مضى في سورة الكهف
الرحمن : ( 6 ) والنجم والشجر يسجدان
( والنجم والشجر يسجدان ) النجم ما لا ساق له من النبات والشجر ما له ساق قال الشاعر لقد أنجم القاع الكثير عضاهه
وتم به حيا تميم ووائل وقال زهير
مكلل بأصول النجم تنسجه ريح الجنوب لضاحى ما به حبك


"""""" صفحة رقم 132 """"""
والمراد بسجودهما انقيادهما لله تعالى انقياد الساجدين من المكلفين وقال الفراء سجودهما أنهما يستقبلان الشمس إذا طلعت ثم يميلان معها حين ينكسر الفيء وقال الزجاج سجودهما دوران الظل معهما كما في قوله يتفيؤ ظلاله وقال الحسن ومجاهد المراد بالنجم نجم السماء وسجوده طلوعه ورجح هذا ابن جرير وقيل سجوده أفوله وسجود الشجر تمكينها من الاجتناء لثمارها قال النحاس أصل السجود الاستسلام والانقياد لله وهذه الجملة والتي قبلها خبران آخران للرحمن وترك الرابط فيها لظهوره كأنه قيل الشمس والقمر بحسبانه والنجم والشجر يسجدان له
الرحمن : ( 7 ) والسماء رفعها ووضع . . . . .
( والسماء رفعها ) قرأ الجمهور بنصب السماء على الاشتغال وقرأ أبو السماك بالرفع على الابتداء والمعنى أنه جعل السماء مرفوعة فوق الأرض ( ووضع الميزان ) المراد بالميزان العدل أي وضع في الأرض العدل الذي أمر به كذا قال مجاهد وقتادة والسدي وغيرهم قال الزجاج المعنى أنه أمرنا بالعدل
الرحمن : ( 8 ) ألا تطغوا في . . . . .
ويدل عليه قوله ( ألا تطغوا في الميزان ) أي لا تجاوزوا العدل وقال الحسن والضحاك المراد به آلة الوزن ليتوصل بها إلى الإنصاف وقيل الميزان القرآن لأن فيه بيان ما يحتاج إليه وبه قال الحسين بن الفضل والأول أولى
الرحمن : ( 9 ) وأقيموا الوزن بالقسط . . . . .
ثم أمر سبحانه بإقامة العدل بعد إخباره للعباد بأنه وضعه لهم فقال ( وأقيموا الوزن بالقسط ) أي قوموا وزنكم بالعدل وقيل المعنى أقيموا لسان الميزان بالعدل وقيل المعنى أنه وضع الميزان في الآخرة لوزن الأعمال و أن في قوله ألا تطغوا مصدرية أي لئلا تطغوا ولا نافية أي وضع الميزان لئلا تطغوا وقيل هي مفسرة لأن في الوضع معنى القول والطغيان مجاوزة الحد فمن قال الميزان العدل قال طغيانه الجور ومن قال الميزان الآلة التي يوزن بها قال طغيانه البخس ( ولا تخسروا الميزان ) أي لا تنقصوه أمر سبحانه أولا بالتسوية ثم نهى عن الطغيان الذي هو المجاوزة للحد بالزيادة ثم نهى عن الخسران الذي هو النقص والبخس قرأ الجمهور تخسروا بضم التاء وكسر السين من أخسر وقرأ بلال بن أبي برزة وأبان بن عثمان وزيد بن علي بفتح التاء والسين من خسر وهما لغتان يقال أخسرت الميزان وخسرته
الرحمن : ( 10 ) والأرض وضعها للأنام
ثم لما ذكر سبحانه أنه رفع السماء ذكر أنه وضع الأرض فقال ( والأرض وضعها للأنام ) أي بسطها على الماء لجميع الخلق مما له روح وحياة ولا وجه لتخصيص الأنام بالإنس والجن قرأ الجمهور بنصب الأرض على الاشتغال وقرأ أبو السماك بالرفع على الابتداء
الرحمن : ( 11 ) فيها فاكهة والنخل . . . . .
وجملة ( فيها فاكهة ) في محل نصب على أنها حال من الأرض مقدرة وقيل مستأنفة لتقرير مضمون الجملة التي قبلها والمراد بها كل ما يتفكه به من أنواع الثمار ثم أفرد سبحانه النخل بالذكر لشرفه ومزيد فائدته على سائر الفواكه فقال ( والنخل ذات الأكمام ) الأكمام جمع كم بالكسر وهو وعاء التمر قال الجوهري والكم بالكسر والكمامة وعاء الطلع وغطاء التنور والجمع كمام وأكمة وأكمام قال الحسن ذات الأكمام أي ذات الليف فإن النخلة تكسم بالليف وكمامها ليفها وقال ابن زيد ذات الطلع قبل أن يتفتق وقال عكرمة ذات الأحمال
الرحمن : ( 12 ) والحب ذو العصف . . . . .
( والحب ذو العصف والريحان ) الحب هو جميع ما يقتات من الحبوب والعصف قال السدى والفراء هو بقل الزرع وهو أول ما ينبت به قال ابن كيسان يبدو أولا ورقا وهو العصف ثم يبدو له ساق ثم يحدث الله فيه أكماما ثم يحدث في الأكمام الحب قال الفراء والعرب تقول خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه قبل أن يدرك وكذا قال الصحاح وقال الحسن العصف التبن وقال مجاهد هو ورق الشجر والزرع وقيل هو ورق الزرع الأخضر إذا قطع رأسه ويبس ومنه قوله كعصف مأكول وقيل هو الزرع الكثير يقال قد أعصف الزرع ومكان معصف أي كثير الزرع ومنه قول أبي قيس بن الأسلت


"""""" صفحة رقم 133 """"""
إذا جمادى منعت قطرها
إن جناني عطن معصف
والريحان الورق في قول الأكثر وقال الحسن وقتادة والضحاك وابن زيد إنه الريحان الذي يشم وقال سعيد بن جبير هو ما قام على ساق وقال الكلبي إن العصف هو الورق الذي لا يؤكل والريحان هو الحب المأكول وقال الفراء أيضا العصف المأكول من الزرع والريحان ما لا يؤكل وقيل الريحان كل بقلة طيبة الريح قال ابن الأعرابي يقال شيء ريحاني وروحاني أي له روح وقال في الصحاح الريحان نبت معروف والريحان الرزق تقول خرجت أبتغي ريحان الله قال النمر بن تولب
سلام الإله وريحانه ورحمته وسماء درر
وقيل العصف رزق البهائم والريحان رزق الناس قرأ الجمهور ( والحب ذو العصف والريحان ) برفع الثلاثة عطفا على فاكهة وقرأ ابن عامر وأبو حيوة والمغيرة بنصبهما عطفا على الأرض أو على إضمار فعل أي وخلق الحب ذا العصف والريحان وقرأ حمزة والكسائي والريحان بالجر عطفا على العصف
الرحمن : ( 13 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) الخطاب والجن والأنس لأن لفظ الأنام يعمهما وغيرهما ثم خصص بهذا الخطاب من يعقل وبهذا قال الجمهور من المفسرين ويدل عليه قوله فيما سيأتي ( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) ويدل على هذا ما قدمنا في فاتحة هذه السورة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأها على الجن والإنس وقيل الخطاب للإنس وثناه على قاعدة العرب في خطاب الواحد بلفظ التثنية كما قدمنا في قوله ألقيا في جهنم والآلاء النعم قال القرطبي وهو قول جميع المفسرين واحدها إلى مثل معي وعصى وقال ابن زيد إنها القدرة أي فبأي قدرة ربكما تكذبان وبه قال الكلبي وكرر سبحانه هذه الآية في هذه السورة تقريرا للنعمة وتأكيدا للتذكير بها على عادة العرب في الاتساع قال القتيبي إن الله عدد في هذه السورة نعماءه وذكر خلقه آلاءه ثم أتبع كل خلة وضعها بهذه الآية وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها كما تقول لمن تتابع له إحسانك وهو يكفره ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا والتكرير حسن في مثل هذا ومنه قول الشاعر
لا تقتلى رجلا إن كنت مسلمة
إياك من دمه إياك إياك
قال الحسين بن الفضل التكرير طرد للغفلة وتأكيد للحجة
الرحمن : ( 14 ) خلق الإنسان من . . . . .
( خلق الإنسان من صلصال كالفخار ) لما ذكر سبحانه خلق العالم الكبير وهو السماء والأرض وما فيهما ذكر خلق العالم الصغير والمراد بالإنسان هنا آدم قال القرطبي باتفاق من أهل التأويل ولا يبعد أن يراد الجنس لأن بني آدم مخلوقون في ضمن خلق أبيهم آدم والصلصال الطين اليابس الذي يسمع له صلصلة وقيل هو طين خلط برمل وقيل هو الطين المنتن يقال صل اللحم وأصل إذا أنتن وقد تقدم بيانه في سورة الحجر والفخار الخزف الذي طبخ بالنار والمعنى أنه خلق الإنسان من طين يشبه في يبسه الخزف
الرحمن : ( 15 ) وخلق الجان من . . . . .
( وخلق الجان من مارج من نار ) يعنى خلق أبا الجن أو جنس الجن من مارج من نار والمارج اللهب الصافي من النار وقيل الخالص منها وقيل لسانها الذي يكون في طرفها إذا التهبت وقال الليث المارج الشعلة الصادعة ذات اللهب الشديد قال المبرد المارج النار المرسلة التي لا تمنع قال أبو عبيدة المارج خلط النار من مرج إذا اختلط واضطرب قال الجوهري مارج من نار نار لا دخان فيها خلق منها الجان
الرحمن : ( 16 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي الاء ربكما تكذبان ) فإنه أنعم عليكما في تضاعيف خلقكما من ذلك بنعم لا تحصى
الرحمن : ( 17 ) رب المشرقين ورب . . . . .
( رب


"""""" صفحة رقم 134 """"""
المشرقين ورب المغربين ) قرأ الجمهور رب بالرفع على إنه خبر مبتدأ محذوف أي هو رب المشرقين والمغربين وقيل مبتدأ وخبره مرج البحرين وما بينهما اعتراض الأول أولى والمراد بالمشرقين مشرقا الشتاء والصيف وبالمغربين مغربين مغرباهما
الرحمن : ( 18 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأى آلاء ربكما تكذبان ) فإن في ذلك من النعم ما لا يحصى ولا يتيسر لمن أنصف من نفسه تكذيب فرد من أفراده
الرحمن : ( 19 ) مرج البحرين يلتقيان
( مرج البحرين يلتقيان ) المرج التخلية والإرسال يقال مرجت الدابة إذا أرسلتها وأصله الإهمال كما تمرج الدابة في المرعى والمعنى أنه أرسل كل واحد منهما يلتقيان أي يتجاوران لافصل بينهما في مرأى العين ومع ذلك فلم متختلطا
الرحمن : ( 20 ) بينهما برزخ لا . . . . .
ولهذا قال ( بينهما برزخ ) أي حاجز يحجز بينهما ( لا يبغيان ) أي لا يبغي أحدهما على الآخر بأن يدخل فيه ويختلط به قال الحسن وقتادة هما بحر فارس والروم وقال أبن جريج هما البحر المالح والأنهار العذبة وقيل بحر المشرق والمغرب وقيل بحر اللؤلؤ والمرجان وقيل بحر السماء وبحر الأرض قال سعيد بن جبير يلتقيان في كل عام وقيل يلتقي طرفاهما وقوله ( يلتقيان ) في محل نصب على الحال من البحرين وجملة ( بينهما برزخ ) يجوز أن تكون مستأنفة وأن تكون حالا
الرحمن : ( 21 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأى الأء ربكما تكذبان ) فإن هذه الآية وأمثالها لا يتيسر تكذيبها بحال
الرحمن : ( 22 ) يخرج منهما اللؤلؤ . . . . .
( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) قرأ الجمهور يخرج بفتح الياء وضم الراء مبنيا للفاعل وقرأ نافع وأبو عمرو بضم الياء وفتح الراء ومبنيا للمفعول واللؤلؤ والدر المرجان الخرز الأحمر المعروف وقال الفراء اللؤلؤ العظام والمرجان ما صغر قال الواحدي وهو قول جميع أهل اللغة وقال مقاتل والسدي ومجاهد اللؤلؤ صغاره والمرجان كباره وقال ( يخرج منهما ) وإنما يخرج ذلك من المالح لا من العذب لأنه إذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما وكذا قال الزجاج وغيره وقال أبو علي الفارسي هو من باب حذف المضاف أي من أحدهما كقوله على رجل من القريتين عظيم وقال الأخفش زعم قوم أنه يخرج اللؤلؤ من العذب وقيل هما بحران يخرج من أحدهما اللؤلؤ ومن الآخر المرجان وقيل هما بحر السماء وبحر الأرض فإذا وقع ماء السماء في صدف البحر انعقد لؤلؤا فصار خاجا منهما
الرحمن : ( 23 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأى آلاء ربكما تكذبان ) فإن في ذلك من الآيات مالا يستطيع أحد تكذيبه ولا يقدر على إنكاره
الرحمن : ( 24 ) وله الجوار المنشآت . . . . .
( وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) المراد بالجوار السفن الجارية في البحر والمنشآت المرفوعات التي رفع بعض خشبها على بعض وركب حتى أرتفعت وطالت حتى صارت في البحر كالأعلام وهي الجبال والعلم الجبل الطويل وقال قتادة المنشآت المخلوقات للجري وقال الأخفش المنشآت المجريات وقد مضى بيان الكلام في هذا في سورة الشورى قرأ الجمهور الجوار بكسر الراء وحذف الياء لالتقاء الساكنين وقرأ أبن مسعود والحسن وأبو عمرو في رواية عنه برفع الراء تناسيا للحذف وقرأ يعقوب بإثبات الياء وقرأ الجمهور المنشآت بفتح الشين وقرا حمزة وأبو بكر في رواية عنه بكسر الشين
الرحمن : ( 25 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأى الآء ربكما تكذبان ) فإن ذلك من الوضوح والظهور بحيث لا يمكن تكذيبه ولا إنكاره
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبن عباس في قوله ( الشمس والقمر بحسبان ) قال بحساب منازل يرسلان وأخرج الفريابي وأبن أبي حاتم عنه ( والأرض وضعها للأنام قال للناس وأخرج أبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا قال للخلق وأخرج أبن جرير عنه أيضا قال كل شيء فيه روح واخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا ( والنخل ذات الأكمام ) قال أوعية الطلع وأخرج أبن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( والحب ذو العصف ) قال التين ( والريحان ) قال خضرة الزرع وأخرج أبن جرير عنه أيضا قال ( العصف ) ورق الزرع إذا يبس ( والريحان )


"""""" صفحة رقم 135 """"""
ما أنبتت الأرض من الريحان الذي يشم وأخرج أبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا قال ( العصف ) الزرع أول ما يخرج بقلا ( والريحان ) حين يستوي على سوقه ولم يسنبل وأخرج أبن جرير عنه أيضا قال كل ريحان في القرآن فهو رزق وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) قال يعني بأي نعمة الله وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال يعني الجن والأنس وأخرج عبد بن حميد وأبن جرير وابن المنذر عنه أيضا ( من مارج من نار ) قال من لهب النار وأخرج أبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال خالص النار وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( رب المشرقين ورب المغربين ) قال الشمس مطلع في الشتاء ومغرب في الشتاء ومطلع في الصيف ومغرب في الصيف غير مطلعها في الشتاء وغير مغربهما في الشتاء وأخرج أبن أبي حاتم عنه في الآية قال مشرق الفجر ومشرق الشفق ومغرب الشمس ومغرب الشفق وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( مرج البحرين يلتقيان ) قال أرسل البحرين ( بينهما برزخ ) قال ( حاجز ) ( لا يبغيان ) لا يختلطان وأخرج أبن جرير عنه أيضا قال بحر السماء وبحر الأرض وأخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا ( بينهما برزخ لا يبغيان ) قال بينهما من البعد ما لا يبغي كل واحد منهما على صاحبه وأخرج أبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) قال إذا مطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها من قطر السماء فهو اللؤلؤ واخرج عبد بن حميد وابن جرير عن علي بن أبي طالب قال المرجان عظام اللؤلؤ واخرج أبن جرير عن أبن عباس قال اللؤلؤ ما عظم منه والمرجان اللؤلؤ الصغار وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وأبن جرير وابن المنذر والطبراني عن أبن مسعود قال المرجان الخرز الأحمر
سورة الرحمن ( 26 45 )


"""""" صفحة رقم 136 """"""
الرحمن : ( 26 ) كل من عليها . . . . .
قوله ( كل من عليها فان ) أي كل من على الأرض من الحيوانات هالك وغلب العقلاء على غيرهم فعبر عن لجميع بلفظ من وقيل أراد من عليها من الجن والأنس
الرحمن : ( 27 ) ويبقى وجه ربك . . . . .
( ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) الوجه عبارة عن ذاته سبحانه ووجوده وقد نقدم في سورة البقرة بيان معنى هذا وقيل معنى ( يبقى وجه ربك ) تبقى حجته التي يتقرب بها إليه والجلال العظمة والكبرياء واستحقاق صفات المدح يقال جل الشيء أي عظم وأجللته أي أعظمته وهو أسم من جل ومعنى ذو الأكرام أنه يكرم عن كل شيء لا يليق به وقيل أنه ذو الإكرام لأوليائه والخطاب في قوله ربك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له قرأ الجمهور ذو الجلال على إنه صفة الوجه وقرأ أبي وابن مسعود ذي الجلال على أنه صفة لرب
الرحمن : ( 28 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي الأء ربكما تكذبان ) وجه النعمة في فناء الخلق أن الموت سبب النقلة إلى دار الجزاء والثواب وقال مقاتل وجه النعمة في فناء الخلق التسوية بينهم في الموت ومع الموت تستوي الأقدام
الرحمن : ( 29 ) يسأله من في . . . . .
( يسأله من السموات والأرض ) أي يسألونه جميعا لأنهم محتاجون إليه لا يستغني عنه أحد منهم قال أبو صالح يسأله أهل السموات المغفرة ولا يسألونه الرزق واهل الأرض يسألونه الأمرين جميعا وقال مقاتل يسأله أهل الأرض الرزق والمغفرة وتسأل لهم الملائكة أيضا الرزق والمغفرة وكذا قال أبن جرير وقيل يسألونه الرحمة قال قتادة لا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض والحاصل أنه يسأله كل مخلوق من مخلوقات بلسان المقال أو لسان الحال ما يطلبونه من خيري الدارين أو من خير إحداهما ( كل يوم هو في شأن ) انتصاب كل بالأستقرار الذي تضمنه الخبر والتقدير استقر سبحانه في شأن كل وقت من الأوقات واليوم عبارة عن الوقت والشأن هو الأمر ومن جملة شئونه سبحانه إعطاء أهل السموات والأرض ما يطلبونه منه على اختلاف حاجاتهم وتباين أغراضهم قال المفسرون من شأنه أنه يحيى ويميت ويرزق ويفقر ويعز ويذل ويمرض ويشفي ويعطي ويمنع ويغفر ويعاقب إلى غير ذلك مما لا يحصى وقيل المراد باليوم المذكور هو يوم الدنيا ويوم الآخرة قال أبن بحر الدهر كله يومان أحدهما مدة أيام الدنيا والآخر يوم القيامة وقيل المراد كل يوم من أيام الدنيا
الرحمن : ( 30 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فان اختلاف شئونه سبحانه في تدبير عبادة نعمة لا يمكن جحدها ولا يتيسر لمكذب تكذيبها
الرحمن : ( 31 ) سنفرغ لكم أيها . . . . .
( سنفرغ لكم أيه الثقلان ) هذا وعيد شديد من الله سبحانه للجن والإنس قال الزجاج والكسائي وأبن الأعرابي وابو علي الفارسي إن الفراغ ها هنا ليس هو الفراغ من شغل ولكن تأويله القصد أي سنقصد لحسابكم قال الواحدي حاكيا عن المفسرين إن هذا تهديد منه سبحانه لعباده ومن هذا قول القائل لمن يريد تهديده إذن أتفرغ لك أي أقصدك قصدك وفرغ يجئ بمعنى قصد وأنشد أبن الأنباري قول الشاعر الآن وقد فرغت إلى نمير
فهذا حين كنت له عذابا
يريد وقد قصدت وأنشد النحاس قول الشاعر فرغت إلى العبد المقيد في الحجل
أي قصدت وقيل إن الله سبحانه وعد على التقوى وأوعد على المعصية ثم قال سنفرغ لكم مما وعدناكم ونوصل كلا إلى ما وعدناه وبه قال الحسن ومقاتل وأبن زيد ويكون الكلام على طريق التمثيل قرأ الجمهور سنفرغ بالنون


"""""" صفحة رقم 137 """"""
وضم الراء وقرأ حمزة والكسائي بالتحتية مفتوحة مع ضم الراء أي سيفرغ الله وقرأ الأعرج بالنون مع فتح الراء قال الكسائي هي لغة تميم وقرأ عيسى الثقفي بكسر النون وفتح الراء وقرأ الأعمش وإبراهيه بضم الياء وفتح الراء على البناء للمفعول وسمى الجن والإنس ثقلين لعظم شأنهما بالنسبة إلى غيرهما من حيوانات الأرض وقيل سموا بذلك لأنهم ثقل على الأرض إحياء وأمواتا كما في قوله وأخرجت الأرض أثقالها وقال جعفر الصادق سميا ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب وجمع في قوله لكم ثم قال إيها الثقلان لأنهما فريقان وكل فريق جمع قرأ الجمهور أيه الثقلان بفتح الهاء وقرأ أهل الشام بضمها
الرحمن : ( 32 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن من جملتها ما في هذا التهديد من النعم فمن ذلك أنه ينزجر به المسيء عن إساءته ويزداد به المحسن إحسانا فيكون ذلك سببا للفوز بنعيم الدار الآخرة الذي هو النعيم في الحقيقة
الرحمن : ( 33 ) يا معشر الجن . . . . .
( يا معشر الجن والإنس ) قدم الجن هنا لكون خلق أبيهم متقدما على خلق آدم ولوجود جنسهم قبل جنس الإنس ( إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض ) أي أن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض ونواحيهما هربا من قضاء الله وقدره ( فانفذوا ) منها وخلصوا أنفسكم يقال نفذ الشيء من الشيء إذا خلص منه كما يخلص السهم ( لا تنفذون إلا بسلطان ) أي لا تقدرون على النفوذ إلا بقوة وقهر ولا قوة لكم على ذلك ولا قدرة والسلطان القوة التي يتسلط بها صاحبها على الأمر والأمر بالنفوذ أمر تعجيز قال الضحاك بينما الناس في أسواقهم إذ انفتحت السماء ونزلت الملائكة فهرب الجن والإنس فتحدق بهم الملائكة فذلك قوله لا تنفذون إلا بسلطان قال أبن المبارك إن ذلك يكون في الآخرة وقال الضحاك أيضا معنى الآية إن استطعتم أن تهربوا من الموت فاهربوا وقيل إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموه ولن تعلموه إلا بسلطان أي ببينة من الله وقال قتادة معناها لا تنفذوا إلا بملك وليس لكم ملك وقيل الباء بمعنى إلى أي لا تنفذون إلا إلى سلطان
الرحمن : ( 34 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ومن جملتها هذه النعمة الحاصلة بالتحذير والتهديد فإنها تزيد المحسن إحسانها وتكف المسيء عن إساءته مع أن من حذركم وأنذركم قادر على الإيقاع بكم من دون مهلة
الرحمن : ( 35 ) يرسل عليكما شواظ . . . . .
( يرسل عليكما شواظ من نار ) قرأ الجمهور يرسل بالتحتية مبنيا للمفعول وقرأ زيد بن علي بالنون ونصب شواظ والشوظ اللهب الذي لا دخان معه وقال مجاهد الشواظ اللهب الأخضر المتقطع من النار وقال الضحاك هو الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب وقال الأخفش وأبو عمرو هو النار والدخان جميعا قرأ الجمهور شواظ بضم الشين وقرأ أبن كثير بكسرها وهما لغتان وقرأ الجمهور ( ونحاس ) بالرفع عطفا على شواظ وقرأ أبن كثير وأبن محيصن ومجاهد وأبو عمرو بخفضة عطفا على نار وقرأ الجمهور نحاس بضم النون وقرأ مجاهد وعكرمة وحميد وأبو العالية بكسرها وقرأ مسلم بن جندب والحسن ونحس والنحاس الصفر المذاب ويصب على رؤوسهم قاله مجاهد وقتادة وغيرهما وقال سعيد بن جبير هو الدخان الذي لا لهب له وبه قال الخليل وقال الضحاك هو دردي الزيت المغلي وقال الكسائي هو النار التي لها ريح شديدة وقيل هو المهل ( فلا تنتصران ) أي لا تقدران على الإمتناع من عذاب الله
الرحمن : ( 36 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن من جملتها هذا الوعيد الذي يكون به الانزجار عن الشر والرغوب في الخير
الرحمن : ( 37 ) فإذا انشقت السماء . . . . .
( فإذا انشقت السماء ) أي انصدعت بنزول الملائكة يوم القيامة ( فكانت وردة كالدهان ) أي كوردة حمراء قال سعيد بن جبير وقتادة المعنى فكانت حمراء وقيل فكانت كلون الفرس الورد وهو الأبيض الذي يضرب إلى الحمرة أو الصفرة قال الفراء وأبو عبيدة تصير السماء كالإديم لشدة حر النار وقال الفراء أيضا شبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل وشبه الورد في ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه والدهان جمع دهن وقيل المعنى


"""""" صفحة رقم 138 """"""
تصير السماء في حمرة الورد وجريان الدهن أي تذوب مع الانشقاق حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم وتصير مثل الدهن لذوبانها وقيل الدهان الجلد الأحمر وقال الحسن كالدهان أي كصبيب الدهن فإنك إذا صببته ترى فيه اللون وقال زيد بن أسلم إنها تصير كعصير الزيت قال الزجاج إنها اليوم خضراء وسيكون لها لون أحمر قال الماوردي وزعم المتقدمون أن أصل ألوان السماء الحمرة وأنها لكثيرة الحوائل وبعد المسافة ترى بهذا الالوان الأزرق
الرحمن : ( 38 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن من جملتها ما في هذا التهديد والتخويف من حسن العاقبة بالإقبال على الخير والإعراض عن الشر
الرحمن : ( 39 ) فيومئذ لا يسأل . . . . .
( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) أي يوم تشقق السماء لا يسأل أحد من الإنس ولا من الجن عن ذنبه لأنهم يعرفون بسيماهم عند خروجهم من قبورهم والجمع بين هذه الآية وبين مثل قوله فوربك لنسألنهم أجمعين أن ما هنا يكون في وقف والسؤال في موقف آخر من مواقف القيامة وقيل إنهم لا يسألون هنا سؤال استفهام عن ذنوبهم لأن الله سبحانه قد أحصى الأعمال وحفظها على العباد ولكن يسألون سؤال توبيخ وتقريع ومثل هذه الآية قوله ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون قال أبو العالية المعنى لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم وقيل إن عدم السؤال هو عند البعث والسؤال هو في موقف الحساب
الرحمن : ( 40 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن من جملتها هذا الوعيد الشديد لكثرة ما يترتب عليه من الفؤائد
الرحمن : ( 41 ) يعرف المجرمون بسيماهم . . . . .
( يعرف المجرمون بسيماهم ) هذه الجملة جارية مجرى التعليل لعدم السؤال السيما العلامة قال الحسن سيماهم سواد الوجوه وزرقة الأعين كما في قوله ونحشر المجرمين يومئذ زرقا وقال يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وقيل سيماهم ما يعلوهم من الحزن والكآبة ( فيؤخذ بالنواصي والأقدام ) الجار والمجرور في محل رفع على أنه النائب والنواصي شعور مقدم الرؤوس والمعنى أنها تجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي وتلقيهم الملائكة في النار قال الضحاك يجمع بين ناصيته وقدمه في سلسلة من وراء ظهره وقيل تسحهم الملائكة إلى النار تارة تأخذ بنواصيهم وتجرهم على وجوههم وتارة تأخذ بأقدامهم وتجرهم على رؤوسهم
الرحمن : ( 42 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن من جملتها هذا الترهيب الشديد والوعيد البالغ الذي ترجف له القلوب وتضطرب لهوله الأحشاء
الرحمن : ( 43 ) هذه جهنم التي . . . . .
(هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ) أي يقال لهم عند ذلك هذه جهنم التي تشاهدونها وتنظرون إليها مع أنكم كنتم تكذبون بها وتقولون إنها لا تكون والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا يقال لهم عند الآخذ بالنواصي والإقدام فقيل يقال لهم هذه جهتهم تقريعا لهم وتوبيخا
الرحمن : ( 44 ) يطوفون بينها وبين . . . . .
( يطوفون بينها ) أي بين جهنم فتحرقهم ( وبين حميم آن ) فتصب على وجوههم والحميم الماء الحار والآن الذي قد انتهى حره وبلغ غايته كذا قال الفراء قال الزجاج أنى يأتي أنى فهو آن إذا انتهى في النضج والحرارة ومنه قول النابغة الذبياني وتخضب لحية غدرت وخانت
بأحمر من نجيع الجوف آن
وقيل هو واد من أودية جهنم يجمع فيه صديد أهل النار فيغمسون فيه قال قتادة يطوفون مرة في الحميم ومرة بين الجحيم
الرحمن : ( 45 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن من جملتها النعمة الحاصلة بهذا التخويف وما يحصل به من الترغيب في الخير والترهيب عن الشر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير وأبن المنذر وابن أبي حاتم وابو الشيخ في العظمة وأبن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبن عباس في قوله ( ذو الجلال والإكرام ) ذو الكبرياء والعظمة وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عنه ( ويسأله من في السموات ) قال مسألة عباده إياه الرزق والموت والحياة كل يوم هو في ذلك وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده والبزار وأبن جرير والطبراني وأبو الشيخ في العظمة وأبن منده وأبن مردويه


"""""" صفحة رقم 139 """"""
وأبو نعيم وابن عساكر عن عبد الله بن المنيب قال تلا علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ( كل يوم هو في شأن ) فقلنا يا رسول الله وما ذلك الشأن قال أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين واخرج البخاري في تاريخه وأبن ماجه وأبن أبي عاصم والبزار وأبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن حيان والطبراني وأبو الشيخ في العظمة وأبن مردويه وأبن عساكر والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الآية قال من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين زاد البزار ويجيب داعيا وقد رواه البخاري تعليقا وجعله من كلام أبي الدرداء وأخرج البزار البزار عن أبن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الآية قال يغفر ذنبا ويفرج كربا واخرج أبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبن عباس في قوله ( سنفرغ لكم أيه الثقلان ) قال هذا وعيد من الله لعباده وليس بالله شغل وفي قوله ( لا تنفذون إلا بسلطان ) يقول لا تخرجون من سلطاني وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه في قوله ( يرسل عليكما شواظ من نار ) قال لهب النار ( ونحاس ) قال دخان النار وأخرج أبن جرير عنه أيضا ونحاس قال الصفر يعذبون به واخرج أبن أبي حاتم عنه ( فكانت وردة ) يقول حمراء ( كالدهان ) قال هو الإديم الأحمر وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا ( فكانت وردة كالدهان ) قال مثل لون الورد وأخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله 0 يومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) قال لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا لأنه أعلم بذلك منهم ولكن يقول لهم لم عملتم كذا وكذا واخرج ابن أبي حاتم وأبن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عنه أيضا في قوله ( فيؤخذ بالنواصي والأقدام ) قال تأخذ البزبانية بناصيته وقدميه ويجمع فيكسر كما يكسر الحطب في التنور وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله 0 وبين حميم آن ) قال هو الذي انتهى حره
سورة الرحمن ( 46 78 )


"""""" صفحة رقم 140 """"""
الرحمن : ( 46 ) ولمن خاف مقام . . . . .
لما فرغ سبحانه من تعداد النعم الدنيوية على الثقلين ذكر نعمه الأخروية التي أنعم بها عليهم فقال ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) مقامه سبحانه هو الموقف الذي يقف فيه العباد للحساب كما في قوله يوم يقوم الناس لرب العالمين فالمقام مصدر بمعنى القيام وقيل المعنى خاف قيام ربه عليه وهو إشرافه على أحواله واطلاعه على أفعاله وأقواله كما في قوله أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت قال مجاهد والنخعي هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من خوفه واختلف في الجنتين فقال مقاتل يعني جنة عدن وجنة النعيم وقيل إحداهما التي خلقت له والأخرى ورثها وقيل إحداهما منزلة والأخرى منزل أزواجه وقيل إحداهما أسافل القصور والأخرى أعاليها وقيل جنة للخائف والإنسى جنة للخائف الجني وقيل جنة لفعل الطاعة وأخرى لترك المعصية وقيل جنة للعقيدة التي يعتقدها وأخرى للعمل الذي يعمله وقيل جنة بالعمل وجنة بالتفضيل وقيل جنة روحانية وجنة جسمانية وقيل جنة لخوفه من ربه وجنة لتركه شهوته وقال الفراء إنما هي جنة واحدة والتثنية لأجل موافقة رؤوس الآى قال النحاس وهذا القول من أعظم الغلظ على كتاب الله فإن الله يقول ( جنتان ) ويصفهما بقوله فيهما فيهما الخ
الرحمن : ( 47 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن من جملتها هذه النعمة العظيمة وهي إعطاء الخائف من مقام ربه جنتين متصفتين بالصفات الجليلة العظيمة
الرحمن : ( 48 ) ذواتا أفنان
( ذواتا أفنان ) هذه صفة للجنتان وما بينهما اعتراض والأفنان الأغصان واحدها فنن وهو الغصن المستقيم طولا وبهذا قال مجاهد وعكرمة وعطية وغيرهم وقال الزجاج الأفنان الألوان واحدها فن وهو الضرب من كل شيء وبه قال عطاء وسعيد بن جبير وجمع عطاء بين القولين فقال في كل غصن فنون من الفاكهة ومن إطلاق الفنن على الغصن قول النابغة دعاء حمامة تدعو هديلا
مفجعة على فنن تغنى
وقول الآخر ما هاج شوقك من هدير حمامة تدعو على فنن الغصون حماما
وقيل معنى ( ذواتا أفنان ) ذواتا فضل وسعة على ما سواهما قاله قتادة وقيل الأفنان ظل الأغصان على الحيطان روى هذا عن مجاهد وعكرمة
الرحمن : ( 49 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن كل واحد منها ليس بمحل للتكذيب ولا بموضع للإنكار
الرحمن : ( 50 ) فيهما عينان تجريان
( فيهما عينان تجريان ) هذا أيضا صفة أخرى لجنتان أي في كل واحدة منهما عين جارية قال الحسن إحداهما السلسبيل والأخرى التسنيم وقال عطية أحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين قيل كل واحدة منهما مثل الدنيا أضعافا مضاعفة
الرحمن : ( 51 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن من جملتها هذه النعمة


"""""" صفحة رقم 141 """"""
الكائنة في الجنة لأهل السعادة
الرحمن : ( 52 ) فيهما من كل . . . . .
( فيهما من كل فاكهة زوجان ) هذا صفة ثالثة لجنتان والزوجان الصنفان والنوعان والمعنى أن في الجنتين من كل نوع يتفكه به ضربين يستلذ بكل نوع من أنواعه قيل أحد الصنفين رطب والآخر يابس لا يقصر أحدهما عن الآخر في الفضل والطيب
الرحمن : ( 53 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن في مجرد تعداد هذه النعم ووصفها في هذا الكتاب العزيز من الترغيب إلى فعل الخير والترهيب عن فعل الشر ما لا يخفى على من يفهم وذلك نعمة عظمى ومنه كبرى فكيف بالتنعيم به عند الوصول إليه
الرحمن : ( 54 ) متكئين على فرش . . . . .
( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق ) انتصاب متكئين على الحال من فاعل قوله ( ولمن خاف ) وإنما جمع حملا على معنى من وقيل عاملها محذوف والتقدير يتنعمون متكئين وقيل منصوب على المدح والفرش جمع فرش والبطائن هي التي تحت الظهائر وهي جمع بطانه قال الزجاج هي ما يلي الأرض والإستبرق ما غلظ من الديباج وإذا كانت البطائن من استبرق فكيف تكون الظهائر قيل لسعيد بن جبير البطائن من استبرق فما الظواهر قال هذا بما قال الله فيه فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين قيل إنما اقتصر على ذكر البطائن لأنه لم يكن أحد في الأرض يعرف ما في الظهائر وقال الحسن بطائنها من استبرق وظهائرها من نور جامد وقال الحسن البطائن هي الظهائر وبه قال الفراء وقال قد تكون البطانة الظهارة والظهارة البطانة لأن كل واحد منهما يكون وجها والعرب تقول هذا ظهر السماء وهذا بطن السماء لظاهرها الذي نراه وأنكر أبن قتيبة هذا وقال لا يكون هذا إلا في الوجهين المتساويين ( وجنى الجنتين دان ) مبتدأ وخبره والجنى ما يجنى من الثمار قيل إن الشجرة تدنو حتى يجنيها من يريد جناها ومنه قول الشاعر هذا جناي وخياره فيه
إذ كل جان يده إلى فيه
4 قرأ الجمهور فرش بضمتين وقرأ أبو حيوة بضمه وسكون وقرأ الجمهور جنى بفتح الجيم وقرأ عيسى أبن عمر بكسرها وقرأ عيسى أيضا بكسر النون على الإمالة
الرحمن : ( 55 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإنها كلها بموضع لا يتيسر لمكذب أن يكذب بشيء منها لما تشتمل عليه من الفوائد العاجلة والآجلة
الرحمن : ( 56 ) فيهن قاصرات الطرف . . . . .
( فيهن قاصرات الطرف ) أي في الجنتين المذكورتين قال الزجاج وإنما قال فيهن لأنه عنى الجنتين وما أعد لصاحبهما فيها من النعم وقيل فيهن أي في الفرش التي بطائنها من استبرق ومعنى ( قاصرات الطرف ) أنهن يقصرن أبصارهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم وقد تقدم تفسير هذا في سورة الصافات ( لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان ) قال الفراء الطمث الافتضاض وهو النكاح بالتدمية يقال طمث الجارية إذ افترعها قال الواحدى قال المفسرون لم يطأهن ولم يغشهن ولم يجامعهن قبلهم أحد قال مقاتل لأنهن خلقن في الجنة والضمير في قبلهم يعود إلى الأزواج المدلول عليه بقاصرات الطرف وقيل يعود إلى متكئين والجملة في محل رفع صفة لقاصرات لأن إضافتها لفظية وقيل الطمث المس أي لم يمسسهن قاله أبو عمرو وقال المبرد أي لم يذللهن والطمث التذليل ومن استعمال الطمث فيما ذكره الفراء قول الفرزدق دفعن إلى لم يطمنن قبلي
وهن أصح من بيض النعمام
قرأ الجمهور يطمثهن بكسر الميم وقرأ الكسائي بضمها وقرأ الجحدري وطلحة بن مصرف بفتحها وفي هذه الآية بل في كثير من آيات هذه السورة دليل أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا بالله سبحانه وعملوا بفرائضه وانتهوا عن مناهيه
الرحمن : ( 57 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن في مجرد هذا الترغيب في هذه النعم نعمة جليلة ومنه عظيمة


"""""" صفحة رقم 142 """"""
لأن به يحصل الحرص على الأعمال الصالحة والفرار من الأعمال الطالحة فكيف بالوصول إلى هذه النعم وبالتنعم بها في جنات النعيم بلا انقطاع ولا زوال
الرحمن : ( 58 ) كأنهن الياقوت والمرجان
( كأنهن الياقوت والمرجان ) هذا صفة لقاصرات أو حال منهن شبههن سبحانه في صفاء اللون مع حمرته بالياقوت والمرجان والياقوت هو الحجر المعروف والمرجان قد قدمنا الكلام فيه في هذه السورة على الخلاف في كونه صغار الدر أو الأحمر المعروف قال الحسن هن في صفاء الياقوت وبياض المرجان وإنما خص المرجان على القول بأنه صغار الدر لأن صفاءها أشد من صفاء كبار الدر
الرحمن : ( 59 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن نعمه كلها لا يتيسر تكذيب شيء منها كائنة ما كانت فكيف بهذه النعم الجليلة والمنن الجزيلة
الرحمن : ( 60 ) هل جزاء الإحسان . . . . .
( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها والمعنى ما جزاء من أحسن االعمل في الدنيا إلا الأحسان إليه في الأخرة كذا قال أبن زيد وغيره قال عكرمة هل جزاء من قال لا إله إلا الله إلا الجنة وقال الصادق هل جزاء من أحسنت إليه في الأزل إلا حفظ الأحسان عليه في الأبد قال الرازي في هذه الآية وجوه كثيرة حتى قيل إن في القرآن ثلاث آيات في كل واحدة منها مائة قول إحداها قوله تعالى فاذكروني أذكركم وثانيها وإن عدتم عدنا وثالثها ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) قال محمد بن الحنفية هي للبر والفاجر البر في الآخرة والفاجر في الدنيا
الرحمن : ( 61 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن من جملتها الإحسان إليكم في الدنيا والآخرة بالخلق والرزق والإرشاد إلى العمل الصالح والزجر عن العمل الذي لا يرضاه
الرحمن : ( 62 ) ومن دونهما جنتان
(ومن دونهما جنتان ) أي ومن دون تينك الجنتين الموصوفتين بالصفات المتقدمة جنتان آخريان لمن دون أصحاب الجنتين السابقتين من أهل الجنة ومعنى من دونهما أي من أمامهما ومن قبلهما أي هما أقرب منهما وأدنى إلى العرش وقيل الجنتان الأوليان جنة عدن وجنة النعيم والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى قال أبن جريج هي أربع جنات جنتان منهما للسابقين المقربين فيهما من كل فاكهة زوجان وعينان تجريان وجنتان لأصحاب اليمين فيهما فاكهة ونخل ورمان و فيهما عينان نضاختان قال أبن زيد إن الأوليين من ذهب للمقربين والأخريين من ورق لأصحاب اليمين
الرحمن : ( 63 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإنها كلها حق ونعم لا يمكن جحدها
الرحمن : ( 64 ) مدهامتان
ثم وصف سبحانه هاتين الجنتين الأخريين فقال 0 مدهامتان ) وما بينهما اعتراض قال أبو عبيدة والزجاج من خضرتهما قد اسودتا من الزي وكل ما علاه السواد ريا فهو مدهم قال مجاهد مسودتان والدهمة في اللغة السواد يقال فرس أدهم وبعير أدهم إذا اشتدت ورقته حتى ذهب البياض الذي فيه
الرحمن : ( 65 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن جميعها نعم ظاهره واضحة لا تجحد ولا تنكر
الرحمن : ( 66 ) فيهما عينان نضاختان
( فيهما عينان نضاختان ) النضخ فوران الماء من العين والمعنى أن في الجنتين المذكورتين عينين فوارتين قال أهل اللغة والنضخ بالخاء المعجمة أكثر من النضح بالحاء المهملة قال الحسن ومجاهد تنضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة كما ينضخ رش المطر وقال سعيد بن جبير إنها تنضخ بأنواع الفواكه والماء
الرحمن : ( 67 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإنها ليست بموضع للتكذيب ولا بمكان للجحد
الرحمن : ( 68 ) فيهما فاكهة ونخل . . . . .
( فيهما فاكهة ونخل ورمان ) هذا من صفات الجنتين المذكورتين قريبا والنخل والرمان وإن كانا من الفاكهة لكنهما خصصا بالذكر لمزيد حسنهما وكثرة نفعهما بالنسبة إلى سائر الفواكه كما حكاه الزجاج والأزهري وغيرهما وقيل إنما خصهما لكثرتهما في أرض العرب وقيل خصهما لأن النخل فاكهة وطعام والرمان فاكهة ودواء وقد ذهب إلى أنهما من جملة الفاكهة جمهور أهل العلم ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة وقد خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد
الرحمن : ( 69 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن من جملتها هذه النعم التي في جنات النعيم ومجرد الحكاية لها أثر في نفوس السامعين وتجذبهم إلى طاعة رب العالمين
الرحمن : ( 70 ) فيهن خيرات حسان
( فيهن خيرات حسان ) قرأ الجمهور خيرات


"""""" صفحة رقم 143 """"""
بالتخفيف وقرأ قتادة وأبن السميفع وأبو رجاء العطاردي وبكر بن حبيب السهمي وأبن مقسم والنهدي بالتشديد فعلى القراءة الأولى هي جمع خيرة بزنة فعله بسكون العين يقال امرأة خيرة وأخرى شرة أو جمع خيرة مخفف خيرة وعلى القراءة الثانية جمع خيرة بالتشديد قال الواحدي قال المفسرون الخيرات النساء خيرات الأخلاق حسان الوجوه قيل وهذه الصفة عائدة إلى الجنان الأربع ولا وجه لهذا فإنه قد وصف نساء الجنتين الأوليين بأنهن قاصرات الطرف كانهن الياقوت والمرجان وبين الصفتين بون بعيد
الرحمن : ( 71 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن شيئا منها كائنا ما كان لا يقبل التكذيب
الرحمن : ( 72 - 73 ) حور مقصورات في . . . . .
( حور مقصورات في الخيام ) أي محبوسات ومنه القصر لأنه يحبس من فيه والحور جمع حوراء وهي شديدة بياض العين شديدة سوادها وقد تقدم بيان معنى الحوراء والخلاف فيه وقيل معنى مقصورات أنهن قصرن على أزواجهن فلا يردن غيرهم وحكاه الواحدى عن المفسرين والأول أولى وبه قال أبو عبيدة ومقاتل وغيرهما قال في الصحاح قصرت الشيء أقصره مقصرا حبسته والمعنى أنهن خدرن في الخيام والخيام جمع خيمة وقيل جمع خيم والخيم جمع خيمة وهي أعواد تنصب وتظلل بالثياب فتكون أبرد من الأخبية قيل الخيمة من خيام الجنة درة مجوفة فرسخ في فرسخ وارتفاع حور على البدلية من خيرات
الرحمن : ( 74 ) لم يطمثهن إنس . . . . .
( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) قد تقدم تفسيره في صفة الجنتين الأوليين
الرحمن : ( 75 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإنها كلها نعم لا تكفر ومنن لا تجحد
الرحمن : ( 76 ) متكئين على رفرف . . . . .
( متكئين على رفرف خضر ) انتصاب متكئين على الحال أو المدح كما سبق قال أبو عبيدة الرفارف البسط وبه قال الحسن ومقاتل والضحاك وغيرهم وقال ابن عيينة هي الزرابي وقال أبن كيسان هي المرافق وروى عن أبي عبيدة أنه قال هي حاشية الثوب وقال الليث ضرب من الثياب الخضر وقيل الفرش المرتفعة وقيل كل ثوب عريض قال في الصحاح والرفرف ثياب خضر يتخذ منها المحابس الواحدة رفرفة وقال الزجاج قالوا الرفرف هنا رياض الجنة وقالوا الرفرف الوسائد وقالوا الرفوف المحابس ومن القائلين بأنها رياض الجنة سعيد بن جبير واشتقاق الرفرف من رفر يرف إذا ارتفع ومنه رفرفة الطائر وهي تحريك جناحيه في الهواء قرأ الجمهور رفرف على الإفراد وقرأ عثمان بن عفان والحسن والجحدري رفارف على الجمع ( وعبقري حسان ) العبقري الزرابي والطنافس الموشية قال أبو عبيدة كل وشي من البسط عبقري وهو منسوب إلى أرض يعمل فيها الوشي قال الفراء العبقري الطنافس الثمان وقيل الزرابى وقيل البسط وقيل الديباج قال أبن الإنباري الأصل فيه ان عبقر قرية تسكنها الجن ينسب إليها كل فائق قال الخليل العبقري عند العرب كل جليل فاضل فاخر من الرجال والنساء ومنه قول زهير تخيل عليها جنة عبقرية
جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا
قال الجوهري العبقري موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن قال لبيد كهول وشبان كجنة عبقري ثم نسبوا إليه كل شيء تعجبوا من حذقه وجوده صنعته وقوته فقالوا عبقري وهو واحد وجمع قرأ الجمهور عبقري وقرأ عثمان بن عفان والحسن الجحدري عباقري وقرئ عباقر وهما نسبه إلى عباقر أسم بلد وقال قطرب ليس بمنسوب وهو مثل كرسي كراسي وبجني وبجاني قرأ الجمهور خضر بضم الخاء وسكون الصاد وقرئ بضمهما وهي لغة قليلة
الرحمن : ( 77 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فإن كل واحد منها أجل من أن يتطرق إليه التكذيب وأعظم من أن يجحده جاحد أو ينكر منكر وقد قد منا في أول هذه السورة وجه تكرير هذه الآية فلا نعيده
الرحمن : ( 78 ) تبارك اسم ربك . . . . .
( تبارك أسم ربك ذي الجلال والإكرام ) تبارك تفاعل من البركة قال الرازي وأصل التبارك من التبرك وهو الدوام والثبات ومنه برك البعير وبركه الماء فإن الماء يكون دائما والمعنى دوام اسمه وثبت


"""""" صفحة رقم 144 """"""
أو دوام الخير عنده لأن البركة وإن كانت من الثبات لكنها تستعمل في الخير أو يكون معناه علا وارتفع شأنه وقيل معناه تنزيه الله سبحانه وتقديسه وإذا كان هذا التبارك منسوبا إلى أسمه عز وجل فما ظنك بذاته سبحانه وقيل الاسم بمعنى الصفة وقيل هو مقحم كما في قول الشاعر إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وقد تقدم تفسير ذي الجلال والإكرام في هذه السورة قرأ الجمهور ذي الجلال على إنه صفة للرب سبحانه وقرأ ابن عامر ذو الجلال على أنه صفة لاسم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اخرج أبن جرير عن ابن عباس في قوله ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) قال وعد الله المؤمنين الذين خافوا مقامه فأدوا فرائضه الجنة وأخرج أبن جرير عنه في الآية يقول خاف ثم اتقى والخائف من ركب طاعة الله وترك معصيته وأخرج أبن أبي حاتم وابو الشيخ في العظمة عن عطاء أنها نزلت في أبي بكر وأخرج أبن أبي حاتم عن أبن شوذب مثله واخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود في الآية قال لمن خافه في الدنيا وأخرج أبن أبي شيبة واحمد وابن منيع والحاكم والترمذي والنسائي والبزار وابو يعلى وابن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وإله وسلم قرأ هذه الاية ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) فقلت وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الثانية ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) فقلت وإن زنى وإن سرق فقال الثالثة ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) فقلت وإن زنى وإن سرق قال نعم وإن رغم أنف أبي الدرداء ) وأخرج أبن مردويه عن أبي هريره قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ولمن خاف مقام ربه جنتان ) فقال أبو الدرداء وإن زنى وإن سرق يا رسول الله قال وإن زنى وإن سرق وإن رغم أنف أبي الدرداء ) وأخرج أبن جرير وأبن المنذر عن يسار مولى لآل معاوية عن أبي الدرداء في قوله ( ولمن خاف مقام ربه حنتان ) قال قبل لأبي الدرداء وإن زنى وإن سرق قال من خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق وأخرج أبن مردويه عن أبن شهاب قال كنت عند هشام بن عبد الملك فقال قال أبو هريرة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) قال أبو هريرة وإن زنى وإن سرق فقلت إنما كان ذلك قبل ان تنزل الفرائض فلما نزلت الفرائض ذهب هذا وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى ا الأشعري أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال جنان الفردوس أربع جنات جنتان من ذهب حليتهما وأبنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة حليتهما وأبنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وأخرج أبن جرير وابن أبي حاتم وأبن مردويه عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وإله وسلم في قوله ولمن خاف مقام ربه جنتان وفي قوله ومن دونهما جنتان ) قال جنتان من ذهب للمقربين وجنتان من ورق لأصحاب اليمين واخرج أبن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبن المنذر والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي موسى في قوله ولمن خاف مقام ربه جنتان قال جنتان من ذهب للسابقين وجنتان من فضة للتابعين وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله 0 ذواتا أفنان ) قال ذواتا ألوان وأخرج أبن جرير وأبن المنذر عنه قال فن غصونها يمس بعضها بعضا واخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضا قال الفن الغصن واخرج الفريابي وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبن جرير وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبن مردويه في البعث عن ابن مسعود في قوله ( متكئين على فرش بطائنها من استبرق ) قال أخبرتم بالبطائن


"""""" صفحة رقم 145 """"""
فكيف بالظهائر وأخرج عبد بن حميد وأبن جرير وابن المنذر عن أبن عباس أنه قيل له بطائنها من استبرق فما الظواهر قال ذلك مما قال الله فلا تعلم نفس بنفس نفسى ما أخفى لهم من قرة أعين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في البعث عنه في قوله ( وجنى الجنتين دان ) قال جناها ثمرها والداني القريب منك ما يناله القائم والقاعد واخرج أبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في البعث عنه أيضا في قوله فيهن قاصرات الطرف يقول عن غير أزواجهن لم يطمثهن يقول لم يدن منهن أو لم يدمهن وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( كأنهن القاقوت والمرجان ) قال تنظر إلى وجهها في خدرها أصفى من المرآة وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب وانه يكون عليها سبعون ثوبا وينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك واخرج أبن أبي شيبة وهناد بن السري والترمذي وأبن أبي الدنيا في صفة الجنة وأبن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ان المرأة من نساء اهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها وذلك أن الله يقول كأنهن الياقوت والمرجان فأما الياقوت فإنه من حجر أو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه وقد رواه الترمذي موقوفا وقال هو أصح واخرج أبن أبي حاتم وأبن مردويه والبيهقي في الشعب وضعفه عن أبن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) قال ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبغوي في تفسيره والديلمي في مسند الفردوس وابن النجار في تاريخه عن أنس مرفوعا مثله واخرج أبن مردويه عن جابر مرفوعا في الاية قال هل جزاء من أنعمنا عليه بالإسلام إلا أن أدخله الجنة وأخرج أبن النجار في تاريخه عن علي بن أبي طالب مرفوعا مثل حديث أبن عمر وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وابن مردويه عن أبن عباس في قوله هل جزاء الإحسان إلا الإحسان قال هل جزاء من قال لا إله إلا الله في الدنيا إلا الجنة في الآخرة وأخرج أبن عدي وابو الشيخ وأبن مردويه والديلمي والبيهقي في الشعب وضعفه عن أبن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ط أنزل الله على هذه الآية في سورة الرحمن للكافر والمسلم هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وأخرجه أبن مردويه موقوفا على أبن عباس وأخرج هناد وأبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ( مدهامتان ) قال هما خضراوان وأخرج أبن أبي حاتم عنه في الآية قال اسودتا من الخضرة من الري من الماء وأخرج الفريابي وأبن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن جرير عن أبن عبد الله بن الزبير نحوه وأخرج الطبراني وأبن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال سالت النبي صلى الله عليه وغله وسلم عن قوله 0 مدهامتان ) قال خضراوان وأخرج أبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس ( نضاختان ) قال فائضتان وأخرج عبد بن حميد عنه قال ينضخان بالماء وأخرج أبن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في صفة الجنة وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن مردويه عن ابن مسعود في قوله ( خيرات حسان ) قال لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة ولكل خيمة أربعة ابواب يدخل عليها من الله كل يوم تحفة وكرامة وهدية لم تكن قبل ذلك لا مراحات ولا طماحات ولا بخرات ولا دفرات حور عين كأنهن بيض مكنون وأخرجه أبن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( حور ) قال بيض ( مقصورات ) قال محبوسات ( في الخيام ) قال في بيوت اللؤلوء وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وابن


"""""" صفحة رقم 146 """"""
أبي حاتم قال الحور سود الحدق وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عن أبن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الخيام در مجوف واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها للمؤمن أهل لايراهم الآخرون يطوف عليهم المؤمن واخرج الفريابي وعبد بن حميد وأبن جرير وابن المنذر عن أبن عباس في قوله ( متكئين على رفرف ) قال فضول المحابس والفرش والبسط وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب قال هي فضول المحابس وأخرج أبن جرير وابن أبي حاتم وأبن المنذر والبيهقي في البعث من طرق عن أبن عباس ( رفرف خضر ) قال المحابس ( وعبقري حسان ) قال الزرابي واخرج عبد بن حميد عنه في الآية قال الرفرف الرياض والعبقري الزرابي
ع56
تفسير
سورة الواقعة
هي سبع وتسعون أو ست وتسعون آية
حول السورة
وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وجابر عطاء وقال أبن عباس وقتادة إلا آية منها نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) وقال الكلبي إنها مكية إلا أربع آيات منها وهي ( أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) وقوله ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) وأخرج أبن الضريس والنحاس وأبن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبن عباس قال نزلت سورة الواقعة بمكة وأخرج أبن مردويه عن أبن الزبير مثله واخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس والحارث بن أبي أسامة وابو يعلي وأبن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبن مسعود سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول من قرا سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا واخرج أبن عساكر عن أبن عباس عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال سورة الواقعة سورة الغنى فاقرؤوها وعلموها أولادكم وأخرج الديلمي عن انس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علموا نساءكم سورة الواقعة فإنها سورة الغنى وقد تقدم قوله ( صلى الله عليه وسلم ) شيبتني هود والواقعة
سورة الواقعة ( 1 26 )


"""""" صفحة رقم 147 """"""
الواقعة : ( 1 ) إذا وقعت الواقعة
قوله ( إذا وقعت الواقعة ) الواقعة اسم للقيامة كالآزفة وغيرها وسميت واقعة لأنها كائنة لا محالة أو لقرب وقوعها أو لكثرة ما يقع فيها من الشدائد وانتصاب إذا بمضمر أي اذكر وقت وقوع الواقعة أو بالنفي المفهوم من قوله
الواقعة : ( 2 ) ليس لوقعتها كاذبة
( ليس لوقعتها كاذبة ) أي لا يكون عند وقوعها تكذيب والكاذبة مصدر كالعاقبة أي ليس لمجيئها وظهورها كذب أصلا وقيل إذا شرطية وجوابها مقدر أي إذا وقعت كان كيت وكيت والجواب هذا هو العامل فيها وقيل إنها شرطية والعامل فيها الفعل الذي بعدها واختار هذا أبو حيان وقد سبقه إلى هذا مكي فقال والعامل وقعت قال المفسرون والواقعة هنا هي النفخة الآخرة ومعنى الآية أنها إذا وقعت النفخة الآخرة عند البعث لم يكن هناك تكذيب بها أصلا أو لا يكون هناك نفس تكذب على الله وتكذب بما أخبر عنه من أمور الآخرة قال الزجاج ليس لوقعتها كاذبة أي لا يردها شيء وبه قال الحسن وقتادة وقال الثوري ليس لوقعتها أحد يكذب بها وقال الكسائى ليس لها تكذيب أي لا ينبغي أن يكذب بها أحد
الواقعة : ( 3 ) خافضة رافعة
( خافضة رافعة ) قرأ الجمهور برفعهما على إضمار مبتدأ أي هي خافضة رافعة وقرأ الحسن وعيسى الثقفى بنصبهما على الحال قال عكرمة والسدى ومقاتل خفضت الصوت فأسمعت من دنا ورفعت الصوت فأسمعت من نأى إي أسمعت القريب والبعيد وقال قتادة خفضت أقواما في عذاب الله ورفعت أقواما إلى طاعة الله وقال محمد بن كعب خفضت أقواما كانوا في الدنيا مرفوعين ورفعت أقواما كانوا في الدنيا مخفوضين والعرب تستعمل الخفض والرفع في المكان والمكانة والعز والإهانة ونسبة الخفض والرفع إليها على طربق المجاز والخافض والرافع في الحقيقة هو الله سبحانه
الواقعة : ( 4 ) إذا رجت الأرض . . . . .
( إذا رجت الأرض رجا ) أي إذا حركت حركة شديدة يقال رجه يرجه رجا إذا حركه والرجة الاضطراب وارتج البحر اضطرب قال المفسرون ترتج كما يرتج الصبي في المهد حتى ينهدم كل ما عليها وينكسر كل شيء من الجبال وغيرها قال قتادة ومقاتل ومجاهد معنى رجت زلزلت والظرف متعلق بقوله خافضة رافعة أي تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال لأنه عند ذلك يرتفع ما هو منخفض وينخفض ما هو مرتفع وقيل إنه بدل من الظرف الأول ذكره الزجاج فيكون معنى وقوع الواقعة هو رج الأرض وبس الجبال
الواقعة : ( 5 ) وبست الجبال بسا
( بست الجبال بسا ) البس الفت يقال بس الشيء إذا فته حتى يصير فتاتا ويقال بس السويق إذا لته بالسمن أو بالزيت قال مجاهد ومقاتل المعنى أن الجبال فتتت فتا وقال السدى كسرت كسرا وقال الحسن قلعت من أصلها وقال مجاهد أيضا بست كما يبس الدقيق بالسمن أو بالزيت والمعنى أنها خلطت فصارت كالدقيق الملتوت وقال أبو زيد البس السوق والمعنى على هذا سيقت الجبال سوقا قال أبو عبيد بس الإبل وأبسها لغتان إذا زجرها وقال عكرمة المعنى هدت هدا
الواقعة : ( 6 ) فكانت هباء منبثا
( فكانت هباء منبثا ) أي غبارا متفرقا منتشرا قال مجاهد الهباء الشعاع الذي يكون في الكوة كهيئة الغبار وقيل هو الرهج الذي يسطع من حوافر الدواب ثم يذهب وقيل ما تطاير من النار إذا اضطرمت على


"""""" صفحة رقم 148 """"""
سورة الشرر فإذا وقع لم يكن شيئا وقد تقدم بيانه في الفرقان عند تفسير قوله فجعلناه هباء منثورا قرأ الجمهور منبثا بالمثلثه وقرأ مسروق والنخعي وأبو حبوة بالتاء المثناة من فوق أي منقطعا من قولهم بته الله أي قطعة
الواقعة : ( 7 ) وكنتم أزواجا ثلاثة
ثم ذكر سبحانه أحوال الناس واختلافهم فقال ( وكنتم أزواجا ثلاثة ) والخطاب لجميع الناس أو للأمة الحاضرة والأزواج الأصناف والمعنى وكنتم في ذلك اليوم أصنافا ثلاثة
الواقعة : ( 8 ) فأصحاب الميمنة ما . . . . .
ثم فسر سبحانه هذه الأصناف فقال ( فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ) أي أصحاب اليمين وهم الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم أو الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وأصحاب الميمنة مبتدأ وخبره ما أصحاب الميمنة أي أي شيء هم في حالهم وصفتهم والاستفهام للتعظيم والتفخيم وتكرير المبتدأ هنا بلفظه معنى عن الضمير الرابط كما في قوله الحاقة ما الحاقة والقارعة ما القارعة ولا يجوز مثل هذا إلا في مواضع التفخيم والتعظيم
الواقعة : ( 9 ) وأصحاب المشأمة ما . . . . .
( و ) الكلام في ( أصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ) كالكلام في أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة والمراد الذي يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار أو يأخذون صحائف أعمالهم بشمالهم والمراد تعجيب السامع من حال الفريقين في الفخامة والفظاعة كأنه قيل فأصحاب الميمنة في نهاية السعادة وحسن الحال وأصحاب المشأمة في نهاية الشقاوة وسوء الحال وقال السدي أصحاب الميمنة هم الذين كانوا عن يمين حين آدم أخرجت الذرية من صلبه المشأمة وأصحاب المشأمة هم الذين كانوا عن شماله وقال زيد أبن أسلم أصحاب الميمنة هم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن واصحاب المشامة هم الذين أخذوا من شقة الأيسر وقال أبن جريج أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات وقال الحسن والربيع أصحاب الميمنة هم الميامين على إنفسهم بالأعمال الصالحة وأصحاب المشأمة هم المشائيم على إنفسهم بالأعمال القبيحة وقال المبرد أصحاب الميمنة أصحاب التقدم وأصحاب المشأمة أصحاب التأخر والعرب تقول اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك أي اجعلني من المتقدمين ولا تجعلني من المتأخرين ومنه قول أبن الدمينة أبنيتي أفى يمنى يديك جعلتني
فأفرح أم صيرتني في شمالك
الواقعة : ( 10 ) والسابقون السابقون
ثم ذكر سبحانه الصنف الثالث فقال ( والسابقون السابقون ) والتكرير فيه للتفخيم والتعظيم كما مر في القسمين الأولين كما تقول أنت أنت وزيد زيد والسابقون مبتدأ وخبره السابقون وفيه تأويلان أحدهما أنه بمعنى السابقون هم الذين اشتهرت حالهم بذلك والثاني أن متعلق السابقين مختلف والتقدير والسابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة والأول أولى لما فيه من الدلالة على التفخيم والتعظيم قال الحسن وقتادة هم السابقون إلى الإيمان من كلامه وقال محمد بن كعب إنهم الأنبياء وقال أبن سيرين هم الذين صلوا إلى القبلتين وقال مجاهد هم الذين سبقوا إلى الجهاد وبه قال الضحاك وقال سعيد بن جبير هم السابقون إلى التوبة وأعمال البر وقال الزجاج المعنى والسابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله قيل ووجه تأخير هذا الصنف الثالث مع كونه أشرف من الصنفين الأولين هو أن يقترن به وما بعده
الواقعة : ( 11 - 12 ) أولئك المقربون
وهو قوله ( أولئك المقربون في جنات النعيم ) فالإشارة هي إليهم أي المقربون إلى جزيل ثواب الله وعظيم كرامته أو الذين قربت درجاتهم وأعليت مراتبهم عند الله وقوله في جنات النعيم متعلق بالمقربون أي مقربون عند الله في جنات النعيم ويجوز أن يكون خبرا ثانيا لأولئك وأن يكون حالا من الضمير في المقربون أي كائنين فيها قرأ الجمهور في جنات بالجمع وقرأ طلحة بن مصرف في جنة بالإفراد وإضافة الجنات إلى النعيم من إضافة المكان إلى ما يكون فيه كما يقال دار الضيافة ودار الدعوة ودار العدل
الواقعة : ( 13 ) ثلة من الأولين
وارتفاع ( ثلة من الأولين ) على أنه خبر مبتدأ محذوف أي


"""""" صفحة رقم 149 """"""
هم ثلة والثلة الجماعة التي لا يحصر عددها قال الزجاج معنى ثلة معنى فرقة من ثللت الشيء إذا قطعته والمراد بالأولين هم الأمم السابقة من لدن آدم إلى نبينا ( صلى الله عليه وسلم )
الواقعة : ( 14 ) وقليل من الآخرين
( وقليل من الآخرين ) أي من هذه الأمة وسموا قليلا بالنسبة إلى من كان قبلهم وهم كثيرون لكثرة الأنبياء فيهم وكثرة من إجابهم قال الحسن سابقوا من مضى أكثر من سابقينا قال الزجاج الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدقوا بهم أكثر ممن عاين النبي صلى الله عليه وإله وسلم ولا يخالف هذا ما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وإله وسلم أني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ثم قال ثلث أهل الجنة ثم قال نصف أهل الجنة لأن قوله ثلة من الأولين وقليل من الآخرين إنما هو تفصيل للسابقين فقط كما سيأتي في ذكر أصحاب اليمين أنهم ثلة من الأولين وثلة من الأخرين فلا يمتنع أن يكون في أصحاب اليمين من هذه الأمة من هو أكثر من أصحاب اليمين من غيرهم فيجتمع من قليل سابقي هذه الأمة ومن ثلة أصحاب اليمين منها من يكون نصف أهل الجنة والمقابلة بين الثلتين في أصحاب اليمين لا تستلزم استواءهما لجواز أن يقال هذه الثلة أكثر من هذه الثلة كما يقال هذه الجماعة أكثر من هذه الجماعة وهذه الفرقة أكثر من هذه الفرقة وهذه القطعة أكثر من هذه القطعة وبهدا تعرف أنه لم يصب من قال إن هذه الآية منسوخة بالحديث المذكور
الواقعة : ( 15 ) على سرر موضونة
ثم ذكر سبحانه حالة أخرى للسابقين المقربين فقال ( على سرر موضونة ) قرأ الجمهور سرر بضم السين والراء الأولى وقرأ أبو السماك وزيد بن علي بفتح الراء وهي لغة كما تقدم والموضونة المنسوخة والوضن النسخ المضاعف قال الواحدي قال المفسرون منسوخة بقضبان الذهب وقيل مشبكة بالدر والياقوت والزبرجد وقيل إن الموضونة المصفوفة وقال مجاهد الموضونة المرمولة بالذهب
الواقعة : ( 16 ) متكئين عليها متقابلين
وانتصاب ( متكئين عليها ) على الحال وكذا انتصاب ( متقابلين ) والمعنى مستقرين على سرر متكئين عليها متقابلين لاينظر بعضهم قفا بعض
الواقعة : ( 17 ) يطوف عليهم ولدان . . . . .
( يطوف عليهم ولدان مخلدون ) الجملة في محل نصب على الحال من المقربين أو مستأنفة لبيان بعض ما أعد الله لهم من النعيم والمعنى يدور حولهم للخدمة غلمان لا يهرمون ولا يتغيرون بل شكلهم شكل الولدان دائما قال مجاهد المعنى لا يموتون وقال الحسن والكلبي لا يهرمون ولا يتغيرون قال الفراء والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط للرجل إنه لمخلد وقال سعيد بن جبير مخلدون مقرطون قال الفراء ويقال مخلدون مقرطون يقال خلد جاريته إذا حلاها بالخلدة وهي القرطة وقال عكرمة مخلدون منعمون ومنه قول امرئ القيس وهل ينعمن إلاسعيد مخلد
قليل الهموم ما يبيت بأوجال
وقيل مستورون بالحلية وروى نحوه عن الفراء ومنه قول الشاعر ومخلدات باللجين كأنما أعجازهن أقاوز الكثبان
وقيل مخلدون ممنطقون قيل وهم ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة وقيل هم أطفال المشركين ولا يبعد أن يكونوا مخلوقين في الجنة للقيام بهذه الخدمة
الواقعة : ( 18 ) بأكواب وأباريق وكأس . . . . .
والأكواب هي الأقداح المستديرة الأفواه التي لا آذان لها ولا عرى وقد مضى بيان معناها في سورة الزخرف والأباريق هي ذات العرى والخراطيم واحدها إبريق وهو الذي يبرق لونه من صفائه ( وكأس من معين ) أي من خمر جارية أو من ماء جار والمراد به ها هنا الخمر الجارية من العيون وقد تقدم بيان معنى الكأس في سورة الصافات
الواقعة : ( 19 ) لا يصدعون عنها . . . . .
( لا يصدعون عنها ) أي لا تتصدع رؤوسهم من شربها كما تتصدع من شرب خمر الدنيا والصداع هو الداء المعروف الذي يلحق الإنسان


"""""" صفحة رقم 150 """"""
في رأسه وقيل معنى لا يصدعون لا يتفرقون كما يتفرق الشراب ويقوى هذا المعنى قراءة مجاهد يصدعون بفتح الياء وتشديد الصاد والأصل يتصدعون أي يتفرقون والجملة مستأنفة لبيان ما أعد الله لهم من النعيم أو في محل نصب على الحال وجملة ( ولا ينزفون ) معطوف على الجملة التي قبلها وقد تقدم اختلاف القراء في هذا الحرف في سورة الصافات وكذلك تقدم تفسيره أي لا يسكرون فتذهب عقولهم من أنزف الشارب إذا نفذ عقله أو شرابه ومنه قول الشاعر لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم
لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
الواقعة : ( 20 ) وفاكهة مما يتخيرون
( وفاكهة مما يتخيرون ) أي يختارونه يقال تخيرت الشيء إذا أخذت خيره قرأ الجمهور وفاكهة بالجر
الواقعة : ( 21 ) ولحم طير مما . . . . .
و ( كذا ) ( لحم ) عطفا على أكواب أي يطوفون عليهم بهذه الأشياء المأكول والمشروب والمتفكه به وقرأ زيد أبن على وأبو عبد الرحمن برفعهما على الابتداء والخبر مقدر أي ولهم فاكهة ولحم ومعنى ( مما يشتهون ) مما يتمنونه وتشتهيه أنفسهم
الواقعة : ( 22 - 23 ) وحور عين
( وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ) قرأ الجمهور حور عين برفعهما عطفا على ولدان أو على تقدير مبتدأ أي نساؤهم حور عين أو على تقدير خبر أي ولهم حور عين قرأ حمزة والكسائي بجرهما عطفا على أكواب قال الزجاج وجائز أن يكون معطوفا على جنات أي هم في جنات وفي حور على تقدير مضاف محذوف أي وفي معاشرة حور قال الفراء في توجيه العطف على أكواب إنه يجوز الجر على الإتباع في اللفظ وإن اختلفا في المعنى لأن الحور لا يطاف بهن كما في قول الشاعر إذا ما الغانيات برزن يوما
وزججن الحواجب والعيونا
والعين لا تزجج وإنما تكحل ومن هذا قول الشاعر علفتها تبنا وماء باردا وقول الآخر متقلدا سيفا ورمحا قال قطرب هو معطوف على الأكواب والأباريق من غير حمل على المعنى قال ولا ينكر أن يطاف عليهم بالحور ويكون لهم في ذلك لذة وقرأ الأشهب العقيلي والنخعي وعيسى بن عمر بنصبهما على تقدير إضمار فعل كأنه قيل ويزوجون حورا عينا أو ويعطون ورجح أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الجمهور ثم شبههن سبحانه باللؤلؤ المكنون وهو الذي لم تمسه الأيدي ولا وقع عليه الغبار فهو أشد ما يكون صفاء
الواقعة : ( 24 ) جزاء بما كانوا . . . . .
وانتصاب جزاء في قوله ( جزاء بما كانوا يعملون ) على أنه مفعول له أي يفعل بهم ذلك كله للجزاء بأعمالهم ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا لفعل محذوف أي يجزون جزاء وقد تقدم تفسير الحور العين في سورة الطور غيرها
الواقعة : ( 25 ) لا يسمعون فيها . . . . .
( لايسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ) اللغو الباطل من الكلام والتأثيم النسبة إلى الإثم قال محمد بن كعب لا يؤثم بعضهم بعضا وقال مجاهد لا يسمعون شتما ولا مأثما والمعنى أنه لا يقول بعضهم لبعضهم أثمت لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم
الواقعة : ( 26 ) إلا قيلا سلاما . . . . .
( إلا قيلا سلاما سلاما ) القيل القول والاستثناء منقطع أي لكن يقولون قيلا أو يسمعون قيلا وانتصاب سلاما سلاما على إنه بدل من قبلا أو صفة له أو هو مفعول به لقيلا أي إلا أن يقولوا سلاما سلاما واختار هذا الزجاج أو على أنه منصوب بفعل هو محكى بقيلا أي إلا قيلا سلموا سلاما سلاما والمعنى في الآية أنهم يسمعون إلا تحية بعضهم لبعض قال عطاء يحيى بعضهم بعضا بالسلام وقيل إن الاستثناء متصل وهو بعيد لأن التحية ليست مما يندرج تحت اللغو والتأثيم قرئ سلام سلام بالرفع قال مكى ويجوز الرفع على معنى سلام عليكم مبتدأ وخبر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اخرج ابن أبي شيبة وأبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن مردويه عن أبن عباس في قوله ( إذا


"""""" صفحة رقم 151 """"""
( وقعت الواقعة ( قال يوم القيامة ( ليس لوقعتها كاذبة ) قال ليس لها مرد يرد ( خافضة رافعه ) قال تخفض ناسا وترفع آخرين وأخرج أبن جرير وأبن مردويه عنه ( خافضة رافعة ) قال أسمعت القريب والبعيد وأخرج أبن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب ( خافضة رافعة ) قال الساعة خفضت أعداء الله إلى النار ورفعت أولياء الله إلى الجنة وأخرج أبن جرير وأبن المنذر عن أبن عباس في قوله ( إذا رجت الأرض رجا ) قال زلزلت ( وبست الجبال بسا ) قال فتنت ( فكانت هباء منبثا ) قال شعاع الشمس وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عنه ( فكانت هباء منبثا ) قال الهباء الذي يطير من النار إذا أضرمت يطير منها الشرر فإذا وقع لم يكن شيئا وأخرج أبن المنذر عنه أيضا قال الهباء ما يثور مع شعاع الشمس وإنبثائه تفرقه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبن المنذر عن علي بن أبي طالب قال الهباء المنبث دهج الدواب والهباء المنثور غبار الشمس الذي تراه في شعاع الكوة وأخرج أبن أبي حاتم عن أبن عباس ( وكنتم أزواجا ) قال أصنافا وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه في قوله ( وكنتم أزواجا ثلاثة ) قال هي التي في سورة الملائكة ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات وأخرج أبن أبي حاتم وأبن مردويه عنه أيضا في قوله ( والسابقون السابقون ) قال يوشع بن نون سبق إلى موسى ومؤمن آل ياسين سبق إلى عيسى وعلى بن أبي طالب سبق إلى رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وأخرج أبن مردويه عنه أيضا في الآية قال نزلت في حز قيل آل فرعون وحبيب النجار الذي ذكر في يس وعلي بن أبي طالب وكل رجل منهم سابق أمته وعلى أفضلهم سبقا واخرج أحمد عن معاذ بن جبل ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تلا هذه الآية ( وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال ) فقبض بيديه قبضتين فقال هذه افي لجنة ولا أبالي وهذه في النار ولا أبالي واخرج أحمد أيضا عن عائشة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة قالوا الله ورسوله أعلم قال الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوا بذلوا وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم ) وأخرج أحمد وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال لما نزلت ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) شق على أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إني لأرجو أن تكونوا ربه أهل الجنة ثلث الجنة بل أنتم نصف أهل الحنة أو شطر أهل الجنة وتقاسموهم النصف الثاني وأخرج أبن جرير و أبن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عباس ( على سرر موضونه ) قال مصفوفه واخرج سعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في البعث عنه قال مرمولة بالذهب وأخرج أبن أبي الدنيا في صفة الجنة والبزار وأبن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الله بن مسعود قال قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهبه فيخر بين يديك مشوبا وأخرج أحمد والترمذي والضياء عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة فقال أبو بكر يا رسول الله إن هذه الطير لناعمة قال آكلها أنعم منها وإني لأرجوا أن تكون ممن يأكل منها وفي الباب أحاديث وأخرج ابن المنذر عن أبن عباس في قوله ( كأمثال اللؤلؤ المكنون ) قال الذي في الصدف وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه ( لا يسمعون فيها لغوا ) قال باطلا ( ولا تأثيما ) قال كذبا


"""""" صفحة رقم 152 """"""
سورة الواقعة ( 27 56
الواقعة : ( 27 ) وأصحاب اليمين ما . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر أحوال السابقين وما أعده لهم من النعيم المقيم ذكر أحوال أصحاب اليمين فقال ( وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ) قد قدمنا وجه إعراب هذا الكلام وما في هذه الجملة الاستفهامية من التفخيم والتعظيم وهي خبر المبتدأ وهو أصحاب اليمين
الواقعة : ( 28 ) في سدر مخضود
وقوله ( في سدر مخضود ) خبر ثان أو خبر مبتدا محذوف أي هم في سدر مخضود والسدر نوع من الشجر والمخضود الذي خضد شوكه أي قطع فلا شوك فيه قال أمية بن أبي الصلت يصف الجنة إن الحدائق في الجنان ظليلة
فيها الكواعب سدرها مخضود
4 وقال الضحاك ومجاهد ومقاتل بن جيان إن السدر المخضود الموقر حملا
الواقعة : ( 29 ) وطلح منضود
( وطلح منضود ) قال أكثر المفسرين إن الطلح في الآية هو شجر الموز وقال جماعة ليس هو شجر الموز ولكنه الطلح المعروف وهو أعظم أشجار العرب قال الفراء وأبو عبيدة هو شجر عظام لها شوك قال الزجاج الطلح هو أم غيلان ولها نور طيب فخوطبوا ووعدوا ما يحبون إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا قال ويجوز أن يكون في الجنة وقد ازيل شوكه قال السدي طلح الجنة يشبه طلح الدنيا لكن له ثمر أحلى من العسل والمنضود المتراكب الذي قد نضد أوله وآخره بالحمل ليس له سوق بارزة قال مسروق أشجار الجنة من عروقها إلى افنانها نضيد ثمر كله كلما أخذت ثمرة عاد مكانها أحسن منها
الواقعة : ( 30 ) وظل ممدود
( وظل ممدود ) اي دائم باق لا يزول ولا ننسخه الشمس قال أبو عبيدة والعرب تقول لكل شيء طويل لا ينقطع ممدود ومنه قول ألم تر إلى ربك كيف مد الظل والجنة كلها ظل لا شمس معه قال الربيع بن أنس يعني ظل العرش ومن أستعمال العرب للممدود في الدائم الذي لا ينقطع قول لبيد غلب العزاء وكان غير مغلب
دهر طويل دائم ممدود


"""""" صفحة رقم 153 """"""
الواقعة : ( 31 ) وماء مسكوب
( وماء مسكوب ) أي منصب يجري بالليل والنهار أينما شاؤوا لا ينقطع عنهم فهو مسكوب يسكبه الله في مجاريه وأصل السكب الصب يقال سكبه سكبا أي صبه
الواقعة : ( 32 ) وفاكهة كثيرة
( وفاكهة كثيرة ) أي ألوان متنوعة متكثرة
الواقعة : ( 33 ) لا مقطوعة ولا . . . . .
( لا مقطوعة ) في وقت من الأوقات كما تنقطع فواكه الدنيا في بعض الأوقات ( ولا ممنوعة ) أي لا تمتنع على من أرادها في أي وقت على أي صفة بل هي معدة لمن أرادها لا يحول بينه وبينها حائل قال ابن قتيبة يعني أنها غير محظورة عليها كما يحظر على بساتين الدنيا
الواقعة : ( 34 ) وفرش مرفوعة
( وفرش مرفوعة ) أي مرفوع بعضها فوق بعض أو مرفوعة على الأسرة وقيل إن الفرش هنا كناية عن النساء اللواتي في الجنة وارتفاعها كونها على الأرائك أو كونها مرتفعات الأقدار في الحسن والكمال
الواقعة : ( 35 ) إنا أنشأناهن إنشاء
( إنا أنشأناهن إنشاء ) أي خلقناهن خلقا جديدا من غير توالد وقيل المراد نساء بني آدم والمعنى أن الله سبحانه أعادهن بعد الموت إلى حال الشباب والنساء وإن لم يتقدم لهن ذكر لكنهن قد دخلن في أصحاب اليمين وأما على قول من قال إن الفرش المرفوعة عين النساء فمرجع الضمير ظاهر
الواقعة : ( 36 ) فجعلناهن أبكارا
( فجعلناهن أبكارا ) لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان
الواقعة : ( 37 ) عربا أترابا
( عربا أترابا ) العرب جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها قال المبرد هي العاشقة لزوجها ومنه قول لبيد وفي الخباء عروب غير فاحشة
ريا الروادف يعشي ضوؤها البصرا
وقال زيد بن أسلم هي الحسنة الكلام قرأ الجمهور بضم العين والراء وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بإسكان الراء وهما لغتان في جمع فعول والأتراب هن اللواتي على ميلاد واحد وسن واحد وقال مجاهد أترابا أمثالا وأشكالا وقال السدي أترابا في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسد
الواقعة : ( 38 ) لأصحاب اليمين
قوله ( لأصحاب اليمين ) متعلق بإنشأناهن أو بجعلنا أو بأترابا والمعنى أن الله أنشأهن لأجلهم أو خلقهن لأجلهم أو هن مساويات لأصحاب اليمين في السن أو هو خبر لمبتدأ محذوف أي هن لأصحاب اليمين
الواقعة : ( 39 - 40 ) ثلة من الأولين
( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) هذا راجع إلى قوله ( وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ) أي هم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين وقد تقدم تفسير الثلة عند ذكر السابقين والمعنى أنهم جماعة أو أمة أو فرقة أو قطعة من الأولين وهم من لدن آدم إلى نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) وجماعة أو أمة أو فرقة قطعة من الآخرين وهم أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقال أبو العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك ثلة من الأولين يعني من سابقي هذه الأمة وثلة من الآخرين من هذه الأمة من آخرها
الواقعة : ( 41 ) وأصحاب الشمال ما . . . . .
ثم لما فرغ سبحانه مما أعده لأصحاب اليمين شرع في ذكر أصحاب الشمال وما أعده لهم فقال ( وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ) الكلام في إعراب هذا وما فيه من التفخيم كما سبق في أصحاب اليمين
الواقعة : ( 42 ) في سموم وحميم
وقوله ( في سموم وحميم ) إما خبر ثان لأصحاب الشمال أو خبر مبتدأ محذوف والسموم حر النار والحميم الماء الحار الشديد الحرارة وقد سبق بيان معناه وقيل السموم الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن
الواقعة : ( 43 ) وظل من يحموم
( وظل من يحموم ) اليحموم يفعول من الأحم وهو الأسود والعرب تقول أسود يحموم إذا كان شديد السواد والمعني أنهم يفزعون إلى الظل فيجدونه ظلا من دخان جهنم شديد السواد وقيل وهو مأخوذ من الحم وهو الشحم المسود باحتراق النار وقيل مأخوذ من الحمم وهو الفحم قال الضحاك النار سوداء وأهلها سود وكل ما فيها أسود
الواقعة : ( 44 ) لا بارد ولا . . . . .
ثم وصف هذا الظل بقوله ( لا بارد ولا كريم ) أي ليس كغيره من الظلال التي تكون باردة بل هو حار لأنه من دخان نار جهنم قال سعيد بن المسيب ولا كريم أي ليس فيه حسن منظر وكل مالا خير فيه فليس بكريم قال الضحاك ولا كريم ولا عذب قال الفراء العرب تجعل الكريم تابعا لكل شيء نفت عنه وصفا تنوي


"""""" صفحة رقم 154 """"""
به الذم تقول ما هو بسمين ولا بكريم وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة
الواقعة : ( 45 ) إنهم كانوا قبل . . . . .
ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي استحقوا بها هذا العذاب فقال ( إنهم كانوا قبل ذلك مترفين ) وهذه الجملة تعليل لما قبلها أي إهم كانوا قبل هذا العذاب النازل بهم مترفين في الدنيا أي منعمين بما لا يحل لهم والمترف المتنعم وقال السدى مشركين وقيل متكبرين والأول أولى
الواقعة : ( 46 ) وكانوا يصرون على . . . . .
( وكانوا يصرون على الحنث العظيم ) الحنث الذنب أي يصرون على الذنب العظيم قال الواحدى قال أهل التفسير عني به الشرك أي كانوا لا يتوبون عن الشرك وبه قال الحسن والضحاك وابن زيد وقال قتادة ومجاهد هو الذنب العظيم الذي لا يتوبون عنه وقال الشعبي هو اليمين الغموس
الواقعة : ( 47 ) وكانوا يقولون أئذا . . . . .
( وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ) الهمزة في ] الموضعين للإنكار والاستبعاد وقد تقدم الكلام على هذا في الصافات وفي سورة الرعد والمعنى أنهم أنكروا واستبعدوا أن يبعثوا بعد الموت وقد صاروا عظاما وترابا والمراد أنه صار لحمهم وجلودهم ترابا وصارت عظامهم نخرة بالية والعامل في الظرف ما يدل عليه مبعوثون لأن ما بعد الاستفهام لا يعمل فيما قبله أي انبعث إذا متنا الخ
الواقعة : ( 48 ) أو آباؤنا الأولون
( وآباؤنا الأولون ) معطوف على الضمير في لمبعوثون لوقوع الفصل بينهما بالهمزة والمعنى أن بعث آبائهم الأولين أبعد لتقدم موتهم وقرىء وآباؤنا
الواقعة : ( 49 - 50 ) قل إن الأولين . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يجيب عليهم ويرد استبعادهم فقال ( قل إن الأولين والآخرين لمجموعون ) أي قل لهم يا محمد إن الأولين من الأمم والآخرين منهم الذين أنتم من جملتهم لمجموعون بعد البعث ( إلى ميقات يوم معلوم ) وهو يوم القيامة
الواقعة : ( 51 ) ثم إنكم أيها . . . . .
( ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ) هذا وما بعده من جملة ما هو داخل تحت القول وهو معطوف على إن الأولين ووصفهم سبحانه بوصفين قبيحين وهما الضلال عن الحق والتكذيب له
الواقعة : ( 52 ) لآكلون من شجر . . . . .
( لآكلون من شجر من زقوم أي لآكلون في الآخرة من شجر كريه المنظر كريه الطعم وقد تقدم تفسيره في سورة الصافات ومن الأولى لابتداء الغاية والثانية بيانية ويجوز أن تكون الأولى مزيدة والثانية بيانية وأن تكون الثانية مزيدة والأولى للابتداء
الواقعة : ( 53 ) فمالئون منها البطون
( فمالئون منها البطون ) أي مالئون من شجر الزقوم بطونكم لما يلحقكم من شدة الجوع
الواقعة : ( 54 ) فشاربون عليه من . . . . .
( فشاربون عليه من الحميم ) الضمير في عليه عائد إلى الزقوم والحميم الماء الذي قد بلغ حره إلى الغاية والمعنى فشاربون على الزقوم عقب أكله من الماء الحار ويجوز أن يعود الضمير إلى شجر لأنه يذكر ويؤنث ويجوز أن يعود إلى الأكل المدلول عليه بقوله لآكلون وقرىء من شجرة بالإفراد
الواقعة : ( 55 ) فشاربون شرب الهيم
( فشاربون شرب الهيم ) قرأ الجمهور شرب الهيم بفتح الشين وقرأ نافع وعاصم وحمزة بضمها وقرأ مجاهد وأبو عثمان النهدي بكسرها وهي لغات قال أبو زيد سمعت العرب تقول بضم السين وفتحها وكسرها قال المبرد الفتح على أصل المصدر والضم اسم المصدر والهيم الإبل العطاش التي لا تروى لداء يصيبها وهذه الجملة بيان لما قبلها أي لا يكون شربكم شربا معتادا بل يكون مثل شرب الهم التي تعطش ولا تروى بشرب الماء ومفرد الهيم أهيم والأنثى هيماء قال قيس بن الملوح يقال به داء الهيام أصابه
وقد علمت نفسي مكان شفائيا
وقال الضحاك وابن عيينة والأخفش وابن كيسان الهيم الأرض السهلة ذات الرمل والمعنى أنهم يشربون كما تشرب هذه الأرض الماء ولا يظهر له فيها أثر قال في الصحاح الهيام بالضم أشد العطش والهيام كالجنون من العشق والهيام داء يأخذ الإبل تهيم في الأرض لا ترعى يقال ناقة هيماء والهيماء أيضا المفازة لا ماء بها والهيام بالفتح الرمل الذي لا يتماسك في اليد للينه والجمع هيم مثل قذال وقذل والهيام


"""""" صفحة رقم 155 """"""
بالكسر الإبل العطاش
الواقعة : ( 56 ) هذا نزلهم يوم . . . . .
( هذا نزلهم يوم الدين ) قرأ الجمهور نزلهم بضمتين وروى عن أبي عمروا وابن محيصن بضمة وسكون وقد تقدم أن النزل ما يعد للضيف ويكون أول ما يأكله ويوم الدين يوم الجزاء وهو يوم القيامة والمعني أن ما ذكر من شجر الزقوم وشراب الحميم هو الذي يعد لهم ويأكلونه يوم القيامة وفي هذا تهكم بهم لأن النزل هو ما يعد للأضياف تكرمة لهم ومثل هذا قوله فبشرهم بعذاب أليم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الحاكم وصححه والبيهقى عن أبي أمامة قال كان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقولون إن الله ينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابي يوما فقال يا رسول الله ذكر في القرآن شجرة مؤذية وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها قال وما هي قال السدر فإن لها شوكا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أليس الله يقول ( في سدر مخضود ) يخضد الله شوكة فيجعل مكان كل شوكة ثمرة فإنها تنبت ثمرا يتفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ما منها لون يشبه الآخر وأخرج ابن أبي داود والطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه عن عيينه بن عبد السلمي قال كنت جالسا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فجاء أعرابي فقال يا رسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكا منها يعني الطلح فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله يجعل مكان كل شوكة منها مثل خصية التيس الملبود يعني الخصى منها فيها سبعون لونا من الطعام لا يشبه لون آخر وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ( سدر مخضود ) قال خضده وقره من الحمل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طرق عنه قال المخضود الذي لا شوك فيه وأخرج عبد بن حميد أيضا قال المخضود الموقر الذي لا شوك فيه وأخرج عبد الرزاق والفريابي وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن على بن أبي طالب في قوله ( وطلح منضود ) قال هو الموز وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عباس مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة مثله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب أنه قرأ وطلع منضود وأخرج ابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن قيس بن عباد قال قرأت على علي أبن أبي طالب ( وطلح منضود ) فقال علي ما بال الطلح أما تقرأ وطلح ثم قال ( وطلع نضيد ) فقيل له يا أمير المؤمنين أنحكها في المصحف قال لا يهاج القرآن اليوم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ( منضود ) قال بعضه على بعض وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها اقرؤوا إن شئتم ( وظل ممدود ) وأخرج البخاري وغيره نحوه من حديث أنس وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما نحوه من حديث أبي سعيد وأخرج أحمد والترمذي وحسنة والنسائي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( وفرش مرفوعة ) قال ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد انتهى ورشد بن ضعيف وإخراج الفرياني وهناد وعبد ابن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقى في البعث عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( إنا أنشأناهن إنشاء ) قال إن المنشئات التي كن في الدنيا عجائز عمشا رمصا قال الترمذي بعد إخراجه غريب وموسى ويزيد ضعيفان وأخرج الطيالسى وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وابن قانع والبيهقي في البعث عن سلمة بن يزيد الجعفي سمعت النبي صلى الله عليه


"""""" صفحة رقم 156 """"""
وآله وسلم يقول في قوله ( إنا أنشأناهن إنشاء ) قال الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال خلقهن غير خلقهن الأول وأخرج ابن أبي حاتم عنه ( أبكارا ) قال عذارى وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقى في البعث من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ( عربا ) قال عواشق ( أترابا ) يقول مستويات وأخرج ابن أبي حاتم عنه ( عربا ) قال عواشق لأزواجهن وأزواجهن لهن عاشقون ( أترابا ) قال في سن واحد ثلاثا وثلاثين سنة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا قال العروب الملقة لزوجها وأخرج مسدد في مسنده وابن المنذر والطبرانى وابن مردويه بسند حسن عن أبي بكرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) قال جميعهما من هذه الأمة وأخرج أبو داود الطيالسى ومسدد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن أبي بكرة في قوله ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) قال هما جميعا من هذه الأمة وأخرج الفرياني وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن عدى وابن مردويه قال السيوطى بسند ضعيف عن ابن عباس في قوله ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هما جميعا من أمتي وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال الثلتان جميعا من هذه الأمة وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ( وظل من يحموم ) قال من دخان أسود وفي لفظ من دخان جهنم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( شرب الهيم ) قال الإبل العطاش
سورة الواقعة ( 57 74
الواقعة : ( 57 ) نحن خلقناكم فلولا . . . . .
قوله ) نحن خلقناكم فلولا تصدقون ( التفت سبحانه إلى خطاب الكفيرة تبكيتا لهم وإلزاما للحجة أي فهلا تصدقون بالبعث أوبالخلق قال مقاتل خلقناكم ولم تكونوا شيئا وأنتم تعلمون ذلك فهلا تصدقون بالبعث
الواقعة : ( 58 ) أفرأيتم ما تمنون
أفرأيتم ماتمنون أي تقذفون أو وتصبون في إرحام النساء من النطف ومعنى أفرأيتم أخبروني ومفعولها الأول ما تمنون
الواقعة : ( 59 ) أأنتم تخلقونه أم . . . . .
والثاني والجملة الإستفهامية وهي ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون أي تقدرونه وتصورونه بشرا


"""""" صفحة رقم 157 """"""
أم نحن المقدرون المصورون له وأم هي المتصلة وقيل هي المنقطعة والأول أولى قرأ الجمهور تمنون بضم الفوقية من أمنى يمنى وقرأ ابن عباس وأبو السماك ومحمد بن السميفع والأشهب العقيلي بفتحها من منى يمنى وهما لغتان وقيل معناهما مختلف يقال أمنى إذا أنزل عن جماع ومنى إذا أنزل عن احتلام وسمى المنى منيا لأنه يمنى أي يراق
الواقعة : ( 60 ) نحن قدرنا بينكم . . . . .
( نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين ) قرأ الجمهور قدرنا بالتشديد وقرأ مجاهد وحميد وابن محيصن وابن كثير بالتخفيف وهما لغتان يقال قدرت الشيء وقدرته أي قسمناه عليكم ووقتناه لكل فرد من أفرادكم وقيل قضينا وقيل كتبنا والمعنى متقارب قال مقاتل فمنكم من يموت كبيرا ومنكم من يموت صغيرا وقال الضحاك معناه أنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء وما نحن بمسبوقين بمغلوبين بل قادرين
الواقعة : ( 61 ) على أن نبدل . . . . .
( على أن نبدل أمثالكم ) أي نأتي بخلق مثلكم قال الزجاج إن أردنا أن نخلق خلقا غيركم لم يسبقنا سابق ولا يفوتنا قال ابن جرير المعنى نحن قدرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم بعد موتكم بآخرين من جنسكم وما نحن بمسبوقين في آجالكم أي لا يتقدم متأخر ولا يتأخر متقدم ( وننشئكم فيما لا تعلمون ) من الصور والهيئات قال الحسن أي نجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم وقيل المعنى ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا وقال سعيد بن المسيب فيما لا تعلمون يعنى في حواصل طيور سود تكون ببرهوت كأنها الخطاطيف وبرهوت واد باليمن وقال مجاهد ( فيما لا تعلمون ) يعنى في أي خلق شئنا ومن كان قادرا على هذا فهو قادر على البعث
الواقعة : ( 62 ) ولقد علمتم النشأة . . . . .
( ولقد علمتم النشأة الأولى ) وهي ابتداء الخلق من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ولم تكونوا قبل ذلك وقال قتادة والضحاك يعنى خلق آدم من تراب ( فلولا تذكرون ) أي فهلا تذكرون قدرة الله سبحانه على النشأة الأخيرة وتقيسونها على النشأة الأولى قرأ الجمهور النشأة بالقصر وقرأ مجاهد والحسن وابن كثير وأبو عمرو بالمد وقد مضى تفسير هذا في سورة العنكبوت
الواقعة : ( 63 ) أفرأيتم ما تحرثون
( أفرأيتم ما تحرثون ) أي خبروني ما تحرثون من أرضكم فتطرحون فيه البذر
الواقعة : ( 64 ) أأنتم تزرعونه أم . . . . .
( ءأنتم تزرعونه ) أي تنبتونه وتجعلونه زرعا فيكون فيه السنبل الحب ( أم نحن الزارعون ) أي المنبتون له الجاعلون له زرعا لا أنتم قال المبرد يقال زرعه الله أي أنماه فإذا أقررتم بهذا فكيف تنكرون البعث
الواقعة : ( 65 ) لو نشاء لجعلناه . . . . .
( لو نشاء جعلناه حطاما ) أي لو نشاء لجعلنا ما تحرثون حطاما أي متحطما متكسرا والحطام الهشيم الذي لا ينتفع به ولا يحصل منه حب ولا شيء مما يطلب من الحرث ( فظلتم تفكهون ) أي صرتم تعجبون قال الفراء تفكهون تتعجبون فيما نزل بكم في زرعكم قال في الصحاح وتفكه تعجب ويقال تندم قال الحسن وقتادة وغيرهما معنى الآية تعجبون من ذهابها وتندمون مما حل بكم وقال عكرمة تلامون وتندمون على ما سلف منكم من معصية الله وقال أبو عمرو والكسائي هو التلهف على ما فات قرأ الجمهور ( فظلتم ) بفتح الظاء مع لام واحدة وقرأ أبو حيوة وأبو بكر في رواية عنه بكسر الظاء وقرأ ابن عباس والجحدرى فظللتم بلامين أولاهما مكسورة على الأصل وروى عن الجحدري فتحها وهي لغة وقرأ الجمهور تفكهون وقرأ أبو حزام العكلى تفكنون بالنون مكان الهاء أي تندمون قال ابن خالويه نفكه تعجب وتفكن تندم وفي الصحاح التفكن التندم
الواقعة : ( 66 ) إنا لمغرمون
( إنا لمغرمون ) قرأ الجمهور بهمزة واحدة على الخبر وقرأ أبو بكر والمفضل وزر بن حبيش بهمزتين على الاستفهام والجملة بتقدير القول أي تقولون إنا لمغرمون أي ملزمون غرما بما هلك من زرعنا والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض قاله الضحاك وابن كيسان وقيل إنا لمعذبون قاله قتادة وغيره وقال مجاهد وعكرمة لمولع بنا ومنه قول النمر بن تولب


"""""" صفحة رقم 158 """"""
سلا عن تذكره تكتما
وكان رهينا بها مغرما
يقال أغرم فلان بفلان أي أولع وقال مقاتل مهلكون قال النحاس مأخوذ من الغرام وهو الهلاك ومنه قول الشاعر ويوم النسار ويوم الجبا
ركان عليكم عذابا مقيما
الواقعة : ( 67 ) بل نحن محرومون
والظاهر من السياق المعنى الأول أي إنا لمغرمون بذهاب ما حرثناه ومصيره حطاما ثم أضربوا عن قولهم هذا وانتقلوا فقالوا ( بل نحن محرومون ) أي حرمنا رزقنا بهلاك زرعنا والمحروم الممنوع من الرزق الذي لا حظ له فيه وهو المحارف
الواقعة : ( 68 ) أفرأيتم الماء الذي . . . . .
( أفرأيتم الماء الذي تشربون ) فتسكنون به ما يلحقكم من العطش وتدفعون به ما ينزل بكم من الظمأ واقتصر سبحانه على ذكر الشرب مع كثرة فوائد الماء ومنافعه لأنه أعظم فوائده وأجل منافعه
الواقعة : ( 69 ) أأنتم أنزلتموه من . . . . .
( ءأنتم أنزلتموه من المزن ) أي السحاب قال في الصحاح قال أبو زيد المزنة السحابة البيضاء والجمع مزن والمزنة المطر قال الشاعر ألم تر أن الله أنزل مزنة
وعفر الظبا في الكنائس تقمع
ومما يدل على أنه السحاب قول الشاعر فنحن كماء المزن ما في نصابنا
كهام ولا فينا يعد بخيل
وقول الآخر فلا مزنة ودقت ودقها
ولا أرض أبقل إبقالها
( أم نحن المنزلون ) له بقدرتنا دون غيرنا فإذا عرفتم ذلك فكيف لا تقرون بالتوحيد وتصدقون بالبعث
الواقعة : ( 70 ) لو نشاء جعلناه . . . . .
ثم بين لهم سبحانه أنه لو يشاء لسلبهم هذه النعمة فقال ( لو نشاء جعلناه أجاجا ) الأجاج الماء الشديد الملوحة الذي لا يمكن شربه وقال الحسن هو الماء المر الذى لا ينتفعون به في شرب ولا زرع ولا غيرهما ( فلولا تشكرون ) أي فهلا تشكرون نعمة الله الذي خلق لكم ماء عذبا تشربون منه وتنتفعون به
الواقعة : ( 71 ) أفرأيتم النار التي . . . . .
( أفرأيتم النار التي تورون ) أي أخبروني عنها ومعنى تورون تستخرجونها بالقدح من الشجر الرطب يقال أوريت النار إذا قدحتها
الواقعة : ( 72 ) أأنتم أنشأتم شجرتها . . . . .
( ءأنتم أنشأتم شجرتها ) التي يكون منها الزنود وهي المرخ والعفار تقول العرب في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار ( أم نحن المنشئون ) لها بقدرتنا دونكم ومعنى الإنشاء الخلق وعبر عنه بالإنشاء للدلالة على ما في ذلك من بديع الصنعة وعجيب القدرة
الواقعة : ( 73 ) نحن جعلناها تذكرة . . . . .
( نحن جعلناها تذكرة ) أي جعلنا هذه النار التي في الدنيا تذكرة لنار جهنم الكبرى قال مجاهد وقتادة تبصرة للناس في الظلام وقال عطاء موعظة ليتعظ بها المؤمن ( ومتاعا للمقوين ) أي منفعة للذين ينزلون بالقواء وهي الأرض القفر كالمسافرين وأهل البوادي النازلين في الأراضي المقفرة يقال أرض قواء بالمد والقصر أي مقفرة ومنه قول النابغة يا دار مية بالعلياء فالسند
أقوت وطال عليها سالف الأمد
وقال عنترة حييت من طلل تقادم عهده
أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
وقول الآخر ألم تسأل الربع القواء فينطق
وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق
ويقال أقوى إذا سافر أي نزل القوي وقال مجاهد المقوين المستمتعين بها من الناس أجمعين في الطبخ والخبز والاصطلاء والاستضاءة وتذكر نار جهنم وقال ابن زيد للجائعين في إصلاح طعامهم يقال أقويت منذ كذا وكذا أي ما أكلت شيئا وبات فلان القوي أي بات جائعا ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 159 """"""
وإني لأختار القوي طاوى الحشا
محافظة من أن يقال لئيم
وقال قطرب المقوى من الأضداد يكون بمعنى الفقر ويكون بمعنى الغنى يقال أقوى الرجل إذا لم يكن معه زاد وأقوى إذا قويت دوابه وكثر ماله وحكى الثعلبي عن أكثر المفسرين القول الأول وهو الظاهر
الواقعة : ( 74 ) فسبح باسم ربك . . . . .
( فسبح باسم ربك العظيم ) الفاء لترتيب ما بعدها من ذكر الله سبحانه وتنزيهه على ما قبلها مما عدده من النعم التي أنعم بها على عبادة وجحود المشركين لها وتكذيبهم بها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البزار بن رجرير وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الشعب وضعفه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يقولن أحدكم زرعت ولكن يقول حرثت قال أبو هريرة ألم تسمعوا الله يقول ( أفرأيتم ما تحرثون ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون واخرج أبن جرير عن أبن عباس ( تفكهون ) قال تعجبون وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس قال ( المزن ) السحاب وأخرج عبد بن حميد وأبن جرير المنذر وأبن أبي حاتم وأبن مردويه من طرق عن أبن عباس ( نحن جعلناها تذكرة ) قال تذكرة للنار الكبرى ( ومتاعا للمقوين ) قال للمسافرين
سورة الواقعة ( 75 96
الواقعة : ( 75 ) فلا أقسم بمواقع . . . . .
قوله ( فلا أقسم ) ذهب جمهور المفسرين إلى أن لا مزيدة للتوكيد والمعنى فأقسم ويؤيد هذا قوله بعد ( وإنه لقسم ) وقال جماعة من المفسرين إنها للنفي وإن المنفي بها محذوف وهو كلام الكفار الجاحدين قال الفراء هي نفي والمعنى ليس الأمر كما تقولون ثم أستأنف فقال أقسم وضعف هذا بأن حذف أسم لا وخبرها غير جائز كما قال أبو حيان وغيره وقيل أنها لام الابتداء والأصل فلا أقسم فأشعت الفتحة فتولد بها ألف كقول الشاعر أعوذ بالله من العقراب
قد قرأ هكذا ( فلا أقسم ) بدون ألف الحسن وحميد وعيسى بن عمر وعلى هذا القول وهذه القراءة يقدر


"""""" صفحة رقم 160 """"""
مبتدأ محذوف والتقدير فلأنا أقسم بذلك وقيل إن لا هنا بمعنى ألا التي للتنبيه وهو بعيد وقيل لا هنا على ظاهرها وإنها لنفي القسم أي فلا أقسم على هذا لأن الأمر أوضح من ذلك
الواقعة : ( 76 ) وإنه لقسم لو . . . . .
وهذا مدفوع بقوله ( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) مع تعيين المقسم به والمقسم عليه ومعنى قوله ( بمواقع النجوم ) مساقطها وهي مغاربها كذا قال قتادة وغيره وقال عطاء بن أبي رباح منازلها وقال الحسن انكدارها وانتثارها يوم القيامة وقال الضحاك هي الأنواء التي كان أهل الجاهلية يقولون مطرنا بنوء كذا وقيل المراد بمواقع النجوم نزول القرآن نجوما من اللوح المحفوظ وبه قال السدي وغيره وحكى الفراء عن أبن مسعود أن مواقع النجوم هو محكم القرآن قرأ الجمهور مواقع على الجمع وقرأ أبن مسعود والنخعي وحمزة والكسائي وأبن محيصن وورث عن يغقوب بموقع على الإفراد قال المبرد موقع ها هنا مصدر فهو يصلح للواحد والجمع ثم أخبر سبحانه عن تعظيم هذا القسم وتفخيمه فقال ( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) هذه الجملة معترضة بين المقسم به والمقسم عليه وقوله ( لو تعلمون ) جملة معترضة بين جزأى الجملة المعترضة فهو اعتراض في أعتراض قال الفراء والزجاج هذا يدل على أن المراد بمواقع النجوم نزول القرآن والضمير في إنه على القسم الذي يدل عليه أقسم والمعنى أن القسم بمواقع النجوم لقسم عظيم لو تعامون
الواقعة : ( 77 ) إنه لقرآن كريم
ثم ذكر سبحانه المقسم عليه فقال ( إنه لقرآن كريم ) أي كرمه الله وعزه ورفع قدره على جميع الكتب وكرمه عن أن يكون سحرا أو كهانة أو كذبا وقيل إنه كريم لما فيه من كرم الأخلاق ومعالي الأمور وقيل لأنه يكرم حافظه ويعظم قارئه وحكى الواحدي عن أهل المعاني أن وصف القرآن بالكريم لأن من شأنه أن يعطي الخير الكثير بالدلائل التي تؤدي إلى الحق في الدين قال الأزهري الكريم أسم جامع لما يحمد والقرآن الكريم يحمد لما فيه من المهدى والبيان والعلم والحكمة
الواقعة : ( 78 ) في كتاب مكنون
( في كتاب مكنون ) أي مستور مصون وقيل محفوظ عن الباطل وهو اللوح المحفوظ قاله جماعة وقيل هو كتاب وقال عكرمة هو التوراة والإنجيل فيهما ذكر القرآن ومن ينزل عليه وقال السدي هو الزبور وقال مجاهد وقتادة هو المصحف الذي في أيدينا
الواقعة : ( 79 ) لا يمسه إلا . . . . .
( لا يمسه إلا المطهرون ) قال الواحدي أكثر المفسرين على أن الضمير عائد إلى الكتاب المكنون أي لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون وهم الملائكة وقيل هم الملائكة والرسل من بني آدم ومعنى لا يمسه المس الحقيقي وقيل معناه لا ينزل به إلا المطهرون وقيل معناه لا يقرؤه وعلى كون المراد بالكتاب المكنون هو القرآن فقيل لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والأنجاس كذا قال قتادة وغيره وقال الكلبي المطهرون من الشرك وقال الربيع بن أنس المطهرون من الذنوب والخطايا وقال محمد بن الفضل وغيره معنى لا يمسه لا يقرؤه إلا المطهرون أي إلا الموحدون وقال الفراء لا يجد نفعه وبركته إلا المطهرون أي المؤمنون وقال الحسين بن الفضل لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق وقد ذهب الجمهور إلى منع المحدث من مس المصحف وبه قال علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعطاء والزهري والنخعي والحكم وحماد وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي وروى عن أبن عباس والشعبي وجماعة منهم أبو حنيفة أنه يجوز للمحدث مسه وقد أوضحنا ما هو الحق في هذا في شرحنا للمنتقي فليرجع إليه قرأ الجمهور المطهرون بتخفيف الطاء وتشديد الهاء مفتوحة اسم مفعول وقرأ سلمان الفارسي بكسر الهاء على أنه اسم فاعل أي المطهرون أنفسهم وقرأ نافع وأبن عمر وفي روية عنهما عيسى بن عمر بسكون الطاء وفتح الهاء خفيفة اسم مفعول من اطهر وقرأ الحسن وزيد بن علي وعبد الله بن عوف بتشديد الطاء وكسر الهاء وأصله


"""""" صفحة رقم 161 """"""
المتطهرون
الواقعة : ( 80 ) تنزيل من رب . . . . .
( تنزيل من رب العالمين ) قرأ الجمهور بالرفع وقرئ بالنصب فالرفع على إنه صفة أخرى لقرآن أو خبر مبتدأ محذوف والنصب على الحال
الواقعة : ( 81 ) أفبهذا الحديث أنتم . . . . .
( أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ) الإشارة إلى القرآن المنعوت بالنعوت السابقة والمدهن والمداهن المنافق كذا قال الزجاج وغيره وقال عطاء وغيره هو الكذاب وقال مقاتل بن سليمان وقتادة مدهنون كافرون كما في قوله ودوا لو تدهن فيدهنون وقال الضحاك مدهنون معرضون وقال مجاهد ممالئون للكفار على الكفر وقال أبو كيسان المدهن الذي لا يعقل حق الله عليه ويدفعه بالعلل والأول أولى لأن أصل المدهن الذي ظاهره خلاف باطنه كأنه يشبه الدهن في سهولته قال المؤرخ المدهن المنافق الذي يلين جانبه ليخفي كفره والإدهان والمداهنة التكذيب والكفر والنفاق وأصله اللين وأن يسر خلاف ما يظهر وقال في الكشاف مدهنون أي متهاونون به كمن يدهن في الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به انتهى قال الراغب والإدهان في الأصل مثل التدهين لكل جعل عبارة عن المداراة والملاينة وترك الجد كما جعل التقريد وهو نزع القراد عبارة عن ذلك ويؤيد ما ذكره قول أبي قيس بن الأسلت الحزم والقوة خير من
الأدهان والعهه والهاع
الواقعة : ( 82 ) وتجعلون رزقكم أنكم . . . . .
( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) في الكلام مضاف محذوف كما حكاه الواحدي عن المفسرين أي تجعلون شكر رزقكم أنكم تكذبون بنعمة الله فتضعون التكذيب موضع الشكر وقال الهيثم إن أزدشنوءة يقولون ما رزق فلان أي ما شكر وعلى هذه اللغة لا يكون في الآية مضاف محذوف بل معنى الرزق الشكر ووجه التعبير بالرزق عن الشكر أن الشكر يفيض زيادة الرزق فيكون الشكر رزقا تعبيرا بالسبب عن المسبب ومما يدخل تحت هذه الآية قول الكفار إذا سقاهم الله وأنزل عليهم المطر سقينا بنوء كذا ومطرنا بنوء كذا قال الأزهري معنى الآية وتجعلون بدل شكركم رزقكم الذي رزقكم الله التكذيب بأنه من عند الله الرزاق وقرأ علي وأبن عباس وتجعلون شكركم وقرأ الجمهور أنكم تكذبون بالتشديد من التكذيب وقرأ علي وعاصم في رواية عنه بالتخفيف من الكذب
الواقعة : ( 83 ) فلولا إذا بلغت . . . . .
( فلولا إذا بلغت الحلقوم ) أي فهلا إذا بلغت الروح أو النفس الحلقوم عند الموت ولم يتقدم لها ذكر لأن المعنى مفهوم عندهم إذا جاؤوا بمثل هذه العبارة ومنه قول حاتم طي أماوى ما يغني الثراء عن الفتى
إذا بلت حشرجت يوما وضاق بها الصدر
الواقعة : ( 84 ) وأنتم حينئذ تنظرون
( وأنتم حينئذ تنظرون ) إلى ما هو فيه ذلك الذي بلغت نفسه أو روحه الحلقوم قال الزجاج وأنتم يا أهل الميت في تلك الحال ترون الميت قد صار إلى أن تخرج نفسه والمعنى أنهم في تلك الحال لا يمكنهم الدفع عنه ولا يستطيعون شيئا ينفعه أو يخفف عنه ما هو فيه
الواقعة : ( 85 ) ونحن أقرب إليه . . . . .
( ونحن أقرب إليه منكم ) أي بالعلم والقدرة والرؤية وقيل أراد ورسلنا الذين يتولون قبضة أقرب إليه منكم ( ولكن لا تبصرون ) أي لا تدركون ذلك لجهلكم بأن الله أقرب إلى عبده من حبل الوريد أو لا تبصرون ملائكة الموت الذين يحضرون الميت ويتولون قبضه
الواقعة : ( 86 - 87 ) فلولا إن كنتم . . . . .
( فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها ) يقال دان السلطان رعيته إذا ساسهم واستعبدهم قال الفراء دنته ملكته وأنشد للحطيئة لقد دنت أمر بنيك حتى
تركتهم أدق من الطحين
أي ملكت ويقال دانه إذا أذلة واستعبده وقيل معنى مدينين محاسبين وقيل مجزيين ومنه قول الشاعر ولم يبق سوى العدوا
ن دناهم كما دانوا
والمعنى الأول ألصق بمعنى الآية أي فهلا إن كنتم غير مربوبين ومملوكين ترجعونها أي النفس التي قد


"""""" صفحة رقم 162 """"""
بلغت الحلقوم إلى مقرها الذي كانت فيه ( إن كنتم صادقين ) ولن ترجعوها فبطل زعمكم إنكم غير مربوبين ولا مملوكين والعامل في قوله إذا بلغت هو قوله ترجعونها ولولا الثانية تأكيد للأولى قال الفراء وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد
الواقعة : ( 88 ) فأما إن كان . . . . .
ثم ذكر سبحانه طبقات الخلق عند الموت وبعده فقال ( فاما أن كان من المقربين ) أبي السابقين من الثلاثة الأصناف المتقدم تفصيل أحوالهم
الواقعة : ( 89 ) فروح وريحان وجنة . . . . .
( فروح وريحان وجنة نعيم ) قرأ الجمهور روح بفتح الراء ومعناها الراحة من الدنيا والاستراحة من أحوالها وقال الحسن الروح الرحمة وقال مجاهد الروح الفرح وقرأ ابن عباس وعائشة والحسن وقتادة ونصر بن عاصم والجحدري فروح بضم الراء ورويت هذه القراءة عن يعقوب قيل ومعنى هذه القراءة الرحمة لأنها كالحياة للمرحوم والريحان الرزق في الجنة قاله مجاهد وسعيد أبن جبير ومقاتل قال مقاتل هوالرزق بلغة حمير يقال خرجت أطلب ريحان الله أي رزقه ومنه قول النمر أبن تولب سلام الإله وريحانه
ورحمته وسماء درر
وقال قتادة إنه الجنة وقال الضحاك هو الرحمة وقال الحسن هو الريحان المعروف الذي يشم قال قتادة والربيع بن خيثم هذا عند الموت والجنة مخبوءة له إلى أن يبعث وكذا قال أبو الجوزاء وأبو العالية ومعنى وجنة نعيم أنها ذات تنعم وارتفاع روح وما بعده على الإبتداء والخبر محذوف أي فله روح
الواقعة : ( 90 ) وأما إن كان . . . . .
( وأما إن كان ) ذلك المتوفى ( من أصحاب اليمين ) وقد تقدم ذكرهم وتفصيل أحوالهم وما أعده الله لهم من الجزاء
الواقعة : ( 91 ) فسلام لك من . . . . .
( فسلام لك من أصحاب اليمين ) أي لست ترى فيهم إلا ما تحب من السلامة فلا تهتم بهم فإنه يسلمون من عذاب الله وقيل المعنى سلام لك منهم أي أنت سالم من الاغتمام بهم وقيل المعنى إنهم يدعون لك ويسلمون عليك وقيل إنه صلى الله عليه وإله وسلم يحيى السلام بالسلام إكراما وقيل هو إخبار من الله سبحانه بتسليم بعضهم على بعض وقيل المعنى سلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين
الواقعة : ( 92 ) وأما إن كان . . . . .
( وأما إن كان من المكذبين الضالين ) أي المكذبين بالبعث الضالين عن الهدى وهو أصحاب الشمال المتقدم ذكرهم وتفصيل أحوالهم
الواقعة : ( 93 ) فنزل من حميم
( فنزل من حميم ) أي فله نزل يعد لنزوله من حميم وهو الماء الذي قد تناهت حرارته وذلك بعد أن يأكل من الزقوم كما تقدم بيانه
الواقعة : ( 94 ) وتصلية جحيم
( وتصلية جحيم ) يقال إصلاة النار وصلاة أي إذا جعله في النار وهو منة إضافة المصدر إلى المفعول أو إلى المكان قال المبرد وجواب الشرط في هذه الثلاثة المواضع محذوف والتقدير مهما يكن من شيء فروح الخ وقال الأخفش إن الفاء في المواضع الثلاثة هي جواب أما وجواب حرف الشرط قرأ الجمهور وتصلية بالرفع عطفا على فنزل وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بالجر عطفا على حميم أي فنزل من حميم ومن تصلية جحيم
الواقعة : ( 95 ) إن هذا لهو . . . . .
( إن هذا لهو حق اليقين ) الإشارة إلى ما ذكر في هذه السورة أو إلى المذكور قريبا من أحوال المتفرقين لهو حق اليقين أي محض اليقين وخالصه وإضافة حق إلى اليقين من باب إضافة الشيء إلى نفسه قال المبرد هو كقولك عين اليقين ومحض اليقين هذا عند الكوفيين وجوزوا ذلك لاختلاف اللفظ وأما البصريون فيجعلون المضاف إليه محذوفا والتقدير حق الأمر اليقين أو الخبر اليقين
الواقعة : ( 96 ) فسبح باسم ربك . . . . .
والفاء في ( فسبح باسم ربك العظيم لترتيب ما بعدها على ما قبلها أي نزهه عما لا يليق بشأنه والباء متعلقة بمحذوف أي فسبح ملتبسا باسم ربك للتبرك به وقيل المعنى فصل بذكر ربك وقيل الباء زائدة والاسم بمعنى الذات وقيل هي للتعدية لأن سبح يتعدى بنفسه تارة ويتعدى بالحرف أخرى والأول أولى


"""""" صفحة رقم 163 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد اخرج النسائي وابن جرير ومحمد بن نصر والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبن عباس قال أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم فرق في السنين وفي لفظ ثم نزل من السماء الدنيا إلى الأرض نجوما ثم قرأ ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) وأخرج عبد بن حميد وأبن جرير ومحمد بن نصر وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه فلا أقسم بمواقع النجوم قال القرآن وإنه لقسم لو تعلمون عظيم قال القرآن وأخرج بن مردويه عنه ايضا في الآية قال نجوم القرآن حين ينزل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في المعرفة من طرق عن ابن عباس أيضا لا يمسه إلا المطهرون قال الكتاب المنزل من السماء لا يمسه إلا الملائكة وأخرج سعيد بن منصور بن المنذر ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال الملائكة وأخرج عبد الرزاق وأبن المنذر عن علقمة قال أتينا سلمان الفارسي فخرج علينا من كنيف فقلنا له لو توضأت يا أبا عبد الله ثم قرأت علينا سورة كذا وكذا قال إنما قال الله ( في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ) وهو الذي في السماء لا يمسه إلا الملائكة ثم قرأ علينا من القرآن ما شئنا وأخرج عبد الرزاق وأبن أبي داود وأبن المنذر عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه قال في كتاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لعمرو بن حزم لا تمس القرآن إلا على طهر وأخرجه مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر وأخرجه أبو داود في المراسيل من حديث الزهري قال قرأت في صحيفة عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ولا يمس القرآن إلا طاهر وقد اسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم وعبد الله بن عمر وعثمان بن أبي العاص وفي أسانيدها نظر واخرج أبن المنذر عن أبن عمر أنه كان لا يمس المصحف إلا متوضئا وأخرج سعيد بن منصور وأبن أبي شيبة في المصنف وأبن المنذر والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن زيد قال كنا مع سلمان فانطلق إلى حا جة فتوارى عنا ثم خرج إلينا فقلنا لو توضأت فسألناك عن أشياء من القرآن فقال سلوني فإني لست أمسه إنما يمسه المطهرون ثم تلا ( لا يمسه إلا المطهرون ) وأخرج الطبراني وأبن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يمس القرآن إلا طاهر وأخرج أبن مردويه عن معاذ بن جبل أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما بعثه إلى اليمن كتب له في عهده أن لا يمس القرآن إلا طاهر واخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( أنتم مدهنون ) قال مكذبون وأخرج مسلم وابن المنذر وأبن مردويه عن أبن عباس قال مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا هذه رحمة وضعها الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا فنزلت هذه الآية ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) حتى بلغ ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) وأصل الحديث بدون ذكر أنه سبب نزول الآية ثابت في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني ومن حديث أبي سعيد الخدري وفي الباب أحاديث وأخرج أحمد وأبن منيع وعبد بن حميد والترمذي وحسنه أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن على عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) قال شكركم تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وبنجم كذا وكذا وأخرج أبن عساكر في تاريخه عن عائشة قالت ما فسر رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم من القرآن إلا آيات يسيرة قوله ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) قال شكركم وأخرج بن مردويه عن على أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ وتجعلون شكركم وأخرج أبو عبيد في فضله بن منصور وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر وأبن مردويه عن ابن عباسأنه كان يقرأ وتجعلون شكركم يعني الأنواء وما مطر


"""""" صفحة رقم 164 """"""
قوم إلا أصبح بعضهم كافرا كانوا يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا فأنزل الله وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون وأخرج أبن مردويه عن أبي عبد الرحمن السلمي عن على أنه قرأ وتجعلون شكركم ) وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يقرؤها كذلك وأخرج أبن جرير وابن المنذر عن بن عباس ي في قوله ( غير مدينين ) قال غير محاسبين واخرج أبن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وأبن المنذر عن الربيع بن خيثم ( فأما إن كان من المقربين ) الآية قال هذا له عند الموت ( وجنة نعيم ) تخبأ له الجنة إلى يوم يبعث وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم قال هذا عند الموت وتصليه جحيم قال تخبأ له الجحيم الي يوم البعث وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( فروح ) قال ( رائحة ) ( وريحان ) قال استراحة وأخرج أبن جرير عنه قال يعني بالريحان المستريح من الدنيا ( وجنة نعيم ) يقول مغفرة ورحمة وأخرج أبن المنذر عنه أيضا قال الريحان الرزق وأخرج أبن جرير وأبن المنذر عنه أيضا في قوله ( فسلام لك من أصحاب اليمين قال تأتيه الملائكة بالسلام من قبل الله تسلم عليه وتخبره أنه من أصحاب اليمين وأخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا ( إن هذا لهو حق اليقين ) قال ما قصصنا عليك في هذه السورة وأخرج عنه ايضا ( فسبح باسم ربك العظيم ) قال فصل لربك وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في سننه عن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسبح بسم ربك العظيم قال اجعلوه في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم )
ع5
تفسير
سورة الحديد
هي تسع وعشرون آية
حول السورة
وهي مدنية قال القرطبي في قول الجميع وأخرج أبن الضريس والنحاس وأبن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة الحديد بالمدينة وأخرج أبن مردويه عن بن الزبير مثله وأخرج الطبراني وأبن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف عن أبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم نزلت سورة الحديد يوم الثلاثاء وخلق الله الحديد يوم الثلاثاء وقتل أبن آدم أخاه يوم الثلاثاء ونهى رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم عن الحجامة يوم الثلاثاء وأخرج الديلمي عن جابر مرفوعا لا تحتجموا يوم الثلاثاء فإن سورة الحديد أنزلت على يوم الثلاثاء وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وأبن مردويه والبيهقي في الشعب عن العرباض أبن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد وقال إن فيهن آية أفضل من ألف آية وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال معروف وقد أخرجه النسائي عن خالد بن معدان قال كان رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ولم يذكر العرباض بن سارية فهو مرسل وأخرج أبن الضريس عن يحيى أبن أبي كثير قال كان رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم لا ينام حتى يقرأ المسبحات وكان يقول إن فيهن آية أفضل من ألف آية قال يحيى فتراها الآية التي في آخر الحشر وقال أبن كثير في تفسيره والآية المشار إليها والله أعلم هي قوله ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) الآية والمسبحات المذكورة هي الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن


"""""" صفحة رقم 165 """"""
سورة الحديد ( 1 6
الحديد : ( 1 ) سبح لله ما . . . . .
قوله ( سبح لله ما في السموات والأرض ) أي نزهه ومجده قال المقاتلان يعني كل شيء من ذي روح وغيره وقد تقدم الكلام في تسبيح الجمادات عند تفسير قوله وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم والمراد بالتسبيح المسند إلى ما في السموات والأرض من العقلاء وغيرهم الحيوانات والجمادات هو ما يعم التسبيح بلسان المقال كتسبيح الملائكة والإنس والجن وبلسان الحال كتسبيح غيرهم فإن كل موجود يدل على الصانع وقد أنكر الزجاج أن يكون التسبيح غير الفعلاء هو لاتسبيبح الدلالة وقال لو كان هذا تسبيح الدلالة وظهور آثار الصنعة لكانت مفهومة فلم قال ولكن لا تفقهون تسبيحهم وإنما هو تسبيح مقال واستدل بقوله وسخرنا مع داود الجبال يسبحن فلو كان هذا التسبيح من الجبال تسبيح دلالة لم يكن لتخصيص داود فائدة وفعل التسبيح قد يتعدى بنفسه تارة كما في قوله وسبحوه وباللام أخرى كهذه الآية وأصله أن يكون متعديا بنفسه لأن معنى سبحته بعدته عن السوء فإذا استعمل باللام فهي إما مزيدة للتأكيد كما في شكرته وشكرت له أو هي للتعليل أي افعل التسبيح لأجل الله سبحانه خالصا له وجاء هذا الفعل في بعض الفواتح ماضيا كهذه الفاتحة وفي بعضها مضارعا وفي بعضها أمرا للإشارة إلى أن هذه الإشيا مسبحة في كل الأوقات لا يختص تسبيحها بوقت دون وقت بل هي مسبحة أبدا في الماضي وستكون مسبحة أبدا في المستقبل ( وهو العزيز ) أي القادر الغالب الذي لا ينازعه أحد ولا يمانعه ممانع كائنا ما كان ( الحكيم ) الذي يفعل أفعال الحكمة والصواب
الحديد : ( 2 ) له ملك السماوات . . . . .
( له ملك السموات والأرض ) يتصرف فيه وحده ولا ينفذ غير تصرفه وأمره وقيل أراد خزائن المطر والنبات وسائر الأرزاق ( يحيي ويميت ) الفعلان في محل رفع على أنهما خبر مبتدأ محذوف أو في محل نصب على الحال من ضمير له أو كلام مستأنف لبيان بعض أحكام الملك والمعنى أنه يحيي في الدنيا ويميت الأحياء وقيل يحيي النطف وهي موات ويميت الأحياء وقيل يحيي الأموات للبعث ( وهو على كل شيء قدير ) لا يعجزه شيء كائنا ما كان
الحديد : ( 3 ) هو الأول والآخر . . . . .
( هو الأول ) قبل كل شيء ( والآخر ) بعد كل شيء أي الباقي بعد فناء خلقه ( والظاهر ) العالي الغالب على كل شيء أو الظاهر وجوده بالأدلة الواضحة ( والباطن ) أي العالم بما


"""""" صفحة رقم 166 """"""
بطن من قولهم فلان يبطن أمر فلان أي يعلم داخله أمره ويجوز أن يكون المعنى المحتجب عن الإبصار والعقول وقد فسر هذه الأسماء الأربعة رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم كما سيأتي فيتعين المصير إلى ذلك ( هو بكل شيء عليم ) لا يعزب عن علمه شيء من المعلومات
الحديد : ( 4 ) هو الذي خلق . . . . .
( وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ) هذا بيان لبعض ملكه للسموات والأرض وقد تقدم تفسيره في سورة الأعراف وفي غيرها مستوفى ( يعلم ما يلج في الأرض ) أي يدخل فيها من مطر وغيره ( وما يخرج منها ) من نبات وغيره ( وما ينزل من السماء ) من مطر وغيره ( وما يعرج فيها ) أي يصعد إليها من الملائكة وأعمال العباد وقد تقدم تفسير هذا في سورة سبأ ( وهو معكم أينما كنتم ) أي بقدرته وسلطانه وعلمه وهذا تمثيل للأحاطة بما يصدر منهم أينما داروا في الأرض من بر وبحر ( والله بما تعملون بصير ) لا يخفي عليه من أعمالكم شيء
الحديد : ( 5 ) له ملك السماوات . . . . .
( له ملك السموات والأرض ) هذا التكرير للتأكيد ( وإلى الله ترجع الأمور ) لا إلى غيره قرأ الجمهور ترجع مبنيا للمفعول وقرأ حمزة والكسائي وأبن عامر على البناء للفاعل
الحديد : ( 6 ) يولج الليل في . . . . .
( يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ) قد تقدم تفسير هذا في سورة آل عمران وفي مواضع ( وهو عليم بذات الصدور ) أي بضمائر الصدور ومكنوناتها لا يخفي عليه من ذلك خافية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن أبي شيبة ومسلم والترمذي والبيهقي عن أبي هريرة قال جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم تسأله خادما فقال قولي اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم وربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإنجيل والفرقان فالق الحب والنوى أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك دونك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة من وجه آخر مرفوعا مثل هذا في الأربعة الأسماء المذكورة وتفسيرها وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبن عمر وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وإله وسلم قال لا يزال الناس يسألون عن كل شيء حتى يقولوا هذا الله كان قبل كل شيء فماذا كان قبل الله فإن قالوا لكم ذلك فقولوا هو الأول قبل كل شيء والآخر فليس بعده شيء وهو الظاهر فوق كل شيء وهو الباطن دون كل شيء وهو بكل شيء عليم وأخرج أبو داود عن أبي زميل قال سألت أبن عباس فقلت ما شيىء أجده في صدري قال ما هو قلت والله لا أتكلم به قال فقال لي أشيء من شك قال وضحك قال ما نجا من ذلك أحد قال حتى أنزل الله فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك الآية قال وقال لي إذا وجدت في نفسك شيئا فقل هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم وأخرج أبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( وهو معكم أينما كنتم ) قال عالم بكم أينما كنتم
سورة الحديد ( 7 11 )


"""""" صفحة رقم 167 """"""
الحديد : ( 7 ) آمنوا بالله ورسوله . . . . .
قوله ( آمنوا بالله ورسوله ) أي صدقوا بالتوحيد وبصحة الرسالة وهذا خطاب لكفار العرب ويجوز أن يكون خطابا للجميع ويكون المراد بالأمر بالإيمان في حق المسلمين الاستمرار عليه أو الازدياد منه ثم لما أمرهم بالإيمان أمرهم بالإنفاق في سبيل الله فقال ( وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) أي جعلكم خلفاء في التصرف فيه من غير أن تملكوه حقيقة فإن المال مال الله والعباد خلفاء الله في أمواله فعليهم أن يصرفوها فيما يرضيه وقيل وجعلكم خلفاء من كان قبلكم ممن ترثونه وستنقل إلى غيركم ممن يرثكم فلا تبخلوا به كذا قال الحسن وغيره وفيه الترغيب إلى الإنفاق في سبيل الخير قبل أن ينتقل عنهم ويصير إلى غيرهم والظاهر أن معنى الآية الترغيب في الإنفاق في الخير وما يرضاه الله على العموم وقيل هو خاص بالزكاة المفروضة ولا وجه لهذا التخصيص ثم ذكر سبحانه ثواب من أنفق في سبيل الله فقال ( فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ) أي الذين جمعوا بين الإيمان بالله ورسوله وبين الإنفاق في سبيل الله لهم أجر كبير وهو الجنة
الحديد : ( 8 ) وما لكم لا . . . . .
( وما لكم لا تؤمنون بالله ) هذا الاستفهام للتوبيخ والتقريع أي أبي عذر لكم وأي مانع من الإيمان وقد أزيحت عنكم العلل وما مبتدأ ولكم خبره ولا تؤمنون في محل نصب على الحال من الضمير في لكم والعامل ما فيه من معنى الاستقرار وقيل المعنى أي شيء لكم من الثواب في الآخرة إذا لم تؤمنوا وجملة ( والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ) في محل نصب على الحال من ضمير لا تؤمنون على التداخل ولتؤمنوا متعلق بيدعوكم أي يدعوكم للإيمان والمعنى أي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه وينبهكم عليه وجملة ( وقد أخذ ميثاقكم ) في محل نصب على الحال من فاعل يدعوكم على التداخل أيضا أي والحال أن قد أخذ الله ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر أبيكم آدم أو بما نصب لكم من الأدلة الدالة على التوحيد ووجوب الإيمان قرأ الجمهور وقد أخذ مبنيا للفاعل وهو الله سبحانه لتقدم ذكره وقرأ أبو عمرو على البناء للمفعول ( إن كنتم مؤمنين ) بما أخذ عليكم من الميثاق أو بالحج والدلائل أو إن كنتم مؤمنين بسبب من الإسباب فهذا أعظم أسبابه وأوضح موجباته
الحديد : ( 9 ) هو الذي ينزل . . . . .
( هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ) أي واضحات ظاهرات وهي الآيات القرآنية وقيل المعجزات والقرآن أعظمها ( ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) أي ليخرجكم الله بتلك الآيات من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان أو ليخرجكم الرسول بتلك الآيات أو بالدعوة ( وإن الله بكم لرءوف رحيم ) أي لكثيرة الرأفة والرحمة بليغهما حيث أنزل كتبه وبعث رسله الهداية عباده فلا رأفة ولا رحمة أبلغ من هذه
الحديد : ( 10 ) وما لكم ألا . . . . .
والاستفهام في قوله ( وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ) للتقريع والتوبيخ والكلام في إعرب هذا كالكلام في إعراب قوله وما لكم لا تؤمنون بالله وفي هذه الآية دليل على أن الإنفاق المأمور به في قوله ( وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) هو الإنفاق في سبسيل الله كما بينا ذلك والمعنى أي عذر لكم وأي شيء يمنعكم من ذلك والأصل في أن لا تنفقوا وقيل إن أن زائدة وجملة ( ولله ميراث السموات والأرض ) في محل نصب على الحال من فاعل ( ألا تنفقوا أو من مفعوله والمعنى أي شيء يمنعكم من الإنفاق في ذلك الوجه والحال أن كل ما في السموات والأرض راجع إلى الله سبحانه بانقراض العالم كرجوع الميراث إلى


"""""" صفحة رقم 168 """"""
الوارث ولا يبقى لهم منه شيء وهذا أدخل في التوبيخ وأكمل في التقريع فإن كون تلك الأموال تخرج عن أهلها وتصير لله سبحانه ولا يبقى أحد من مالكيها أقوى في إيجاب الإنفاق عليهم من كونها لله في الحقيقة وهم خلفاؤه في التصرف فيها ثم بين سبحانه فضل من سبق بالإنفاق في سبيل الله فقال ( لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح ) قيل المراد بالفتح فتح مكة وبه قال أكثر المفسرين وقال الشعبي والزهري فتح الحديبية قال قتادة كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر ونفقتان إحداهما أفضل من الأخرى كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل من القتال والنفقة بعد ذلك وكذا قال مقاتل وغيره وفي الكلام حذف والتقدير لا يستوي من أنفق من قبل الفتح ( وقاتل ) ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل فحذف لظهوره ولدلالة ما سيأتي عليه وإنما كانت النفقة والقتال قبل الفتح أفضل من النفقة والقتال بعد الفتح لأن حاجة الناس كانت إذ ذاك أكثر وهم أقل وأضعف وتقديم الإنفاق على القتال للإيزان بفضيلة الإنفاق لما كانوا عليه من الحاجة فإنهم كانوا يجودون بأنفسهم ولا يجدون مايجدون به من الأموال والجود بالنفس أقصى غاية الجود والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى من باعتبار معناها وهو مبتدأ وخبره ( أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ) أي أرفع منزلة وأعلا رتبة من الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله من بعد الفتح وقاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم قال عطاء درجات الجنة تتفاضل فالذين أنفقوا من قبل الفتح في أفضلها قال الزجاج لأن المتقدمين نالهم من المشقة أكثر مما نال من بعدهم وكانت بصائرهم أيضا أنفذ وقد أرشد صلى الله عليه وإله وسلم إلى هذه الفضيلة بقوله فيما صح عنه لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وهذا خطاب منه صلى الله عليه وإله وسلم للمتأخرين وصحبة كما يرشد إلى ذلك السبب الذي ورد فيه هذا الحديث ( وكلا وعد الله الحسنى ) أي وكل واحد من الفريقين وعد الله لمثوبة الحسنى وهي الجنة مع تفاوت درجاتهم فيها قرأ الجمهور وكلا بالنصب على أنه مفعول به للفعل المتأخر وقرأ ابن عامر بالرفع على الإبتداء والجملة بعده خبره والعائد محذوف أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ومثل هذا قوال الشاعر قد أصبحت أم الخيار تدعى
على ذنبا كله لم أصنع
( والله بما تعملون خبير ) لا يخفى عليه من ذلك شيء
الحديد : ( 11 ) من ذا الذي . . . . .
ثم رغب سبحانه في الصدقة فقال ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) أي من ذا الذي ينفق ماله في سبيل الله فإنه كمن يقرضه والعرب تقول لكل من فعل فعلا حسنا قد أقرض ومنه قول الشاعر وإذا جوزيت قرضا فأجزه
إنما يجزى الفتى ليس الجمل
قال الكلبي ( قرضا ) أي صدقة ( حسنا ) أي محنسبا من قلبه بلا من ولا أذى قال مقاتل حسنا طيبة به نفسه وقد تقدم تفسير الآية في سورة البقرة ( فيضاعفه له ) قرأ أبن عامر وأبن كثير ( فيضعفه ) بإسقاط الألف إلا أن بن عامر ويعقوب نصبوا الفاء وقرأ نافع وأهل الكوفة والبصرة فيضاعفه بالألف وتخفيف العين إلا أن عاصما نصب الفاء ورفع الباقون قال أبن عطية الرفع على العطف على يقرض أو الاستئناف والنصب لكون الفاء في جواب الاستفهام وضعف النصب أبو علي الفارسي قال لأن السؤال لم يقع عن القرض وإنما وقع عن فاعل القرض وإنما تنصب الفاء فعلا مردودا على فعل مستفهم عنه لكن هذه الفرقة حملت ذلك على المعنى كأن قوله ( من ذا الذي يقرض الله ) بمنزلة قوله أيقرض الله أحد ( وله أجر كريم ) وهو الجنة والمضاعفة هنا هي كون الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف على اختلاف الأحوال والأشخاص والأوقات


"""""" صفحة رقم 169 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم وأبن مردويه وأبو نعيم في الدلائل من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يوشك أن يأتي قوم يحقرون أعمالكم مع أعمالهم قلنا من هم يا رسول الله أقريش قال لا ولكنهم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا فقلنا أهم خير منا يا رسول الله قال لو كان لأحدهم جبل من ذهب ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه إلا ان هذا فصل ما بيننا وبين الناس ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) الآية وهذا الحديث قال أبن كثير هو غريب بهذا الإسناد وقد رواه أبن جرير ولم يذكر فيه الحديبية وأخرج أحمد عن أنس قال كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن أبن عوف كلام فقال خالد لعبد الرحمن تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فبلغ النبي صلى الله عليه وإله وسلم فقال دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم والذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم بلفظ لا تسبوا اصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما ادرك مد أحدهم ولا نصيفه ) وفي لفظ ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري وأخرج أبن أبي شيبة عن أبن عمر قال لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وإله وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره
سورة الحديد ( 12 15
الحديد : ( 12 ) يوم ترى المؤمنين . . . . .
قوله ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات ) العامل في الظرف مضمر وهو اذكر أو كريم أو فيضاعفه أو العامل في لهم وهو الأستقرار والخطاب لكل من يصلح له وقوله ( يسعى نورهم ) في محل نصب على الحال من مفعول ترى والنور هو الضياء الذي يرى ( بين ايديهم وبأيمانهم ) وذلك على الصراط يوم القيامة وهو دليلهم إلى الجنة قال قتادة إن المؤمن يضيء له نور كما بين عدن إلى صنعاء حتى إن من المؤمنين من لا يضيء له نوره إلا موضع قدميه وقال الضحاك ومقاتل وبأيمانهم كتبهم التي أعطوها فكتبهم بأيمانهم ونورهم بين أيديهم قال الفراء الباء بمعنى في أيمانهم أو بمعنى عن قال الضحاك أيضا نورهم هداهم وأيمانهم كتبهم واختار هذا أبن جرير الطبري أي يسعى أيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم وفي إيمانهم كتب أعمالهم


"""""" صفحة رقم 170 """"""
قرأ الجمهور بأيمانهم جمع يمين وقرأ سهل بن سعد الساعدي وأبو حيوة بإيمانهم بكسر الهمزة على أن المراد بالإيمان ضد الكفر وقيل هو القرآن والجار والمجرور في الموضعين في محل نصب على الحال من نورهم أي كائنا بين أيديهم وبأيمانهم ( بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) بشراكم مبتدأ وخبره جنات على تقدير مضاف أي دخول جنات والجملة مقول قول مقدر أي يقال لهم هذا والقائل لهم هم الملائكة قال مكي واجاز الفراء نصب جنات على الحال ويكون اليوم خبر بشراكم وهذا بعيد جدا خالدين فيها حال مقدرة والإشارة بقوله ( ذلك إلى النور البشري وهو مبتدأ وخبره ( هو الفوز العظيم ) أي لا يقادر قدره حتى كأنه لا فوز غيره ولا اعتداد بما سواه
الحديد : ( 13 ) يوم يقول المنافقون . . . . .
( يوم يقول المنافقون والمنافقات ) يوم بدل من يوم الأول ويجوز ان يكون العامل فيه الفوز العظيم ويجوز ان يكون منصوبا بفعل مقدر أي أذكر ) للذين آمنوا ( اللام للتبليغ كنظائرها قرأ الجمهور ( انظرونا ) أمرا بوصل الهمزة وضم الظاء من النظر بمعنى الأنتظار أي انتظرونا يقولون ذلك لما رأوا المؤمنين يسرع بهم إلى الجنة وقرأ الأعمش وحمزة ويحيى بن وثاب بقطع الهمزة وكسر الظاء من الإنظار أي أمهلوني وأنشد قول عمرو بن كلثوم أبا هند فلا تعجل علينا
وأنظرنا نخبرك اليقينا
وقيل معنى انظرونا أنظروا إلينا لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنورهم ( نقتبس من نوركم ) أي نستضيئ منه والقبس الشعلة من النار والسراج فلما قالوا ذلك ( قيل ارجعوا وراءكم ) أي قال لهم المؤمنون أو الملائكة زجرا لهم وتهكما بهم أي ارجعوا وراءكم إلى الموضع الذي أخذنا منه النور ( فالتمسوا نورا ) أي أطلبوا هنالك نورا لأنفسكم فإنه من هنالك يقتبس وقيل المعنى أرجعوا إلى الدنيا فالتمسوا النور بما التمسناه به من الإيمان والأعمال الصالحة وقيل أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة تهكما بهم ( فضرب بينهم بسور ) السور هو الحاجز بين الشيئين والمراد به هنا الحاجز بين الجنة والنار أو بين أهل الجنة وأهل النار قال الكسائي والباء في بسور زائدة ثم وصف سبحانه السور المذكور فقال ( له باب باطنه فيه الرحمة ) أي باطن ذلك السور وهو الجانب الذي يلي أهل الجنة فيه الرحمة وهي الجنة ( وظاهره ) وهو الجانب الذي يلي أهل النار ( من قبله العذاب ) أي من جهته عذاب جهنم وقيل إن المؤمنين يسبقونهم فيدخلون الجنة والمنافقون يحصلون في العذاب وبينهم السور وقيل إن الرحمة التي في باطنه نور المؤمنين والعذاب الذي في ظاهره ظلمة المنافقين
الحديد : ( 14 ) ينادونهم ألم نكن . . . . .
ولما ضرب بالسور بين المؤمنين والمنافقين أخبر الله سبحانه عما قاله المنافقون إذ ذاك فقال ( ينادونهم الم تكن معكم ) أي موافقين لكم في الظاهر نصلي بصلاتكم في مساجدكم ونعمل بأعمال الإسلام مثلكم والجملة مستأنفة كأنه قيل فماذا قال المنافقون بعد ضرب السور بينهم وبين المؤمنين فقال ( ينادونهم ) ثم أخبر سبحانه عما أجابهم به المؤمنون فقال ( قالوا بلى ) أي كنتم معنا في الظاهر ( ولكنكم فتنتم أنفسكم ) بالنفاق وإبطان الكفر قال مجاهد أهلكتموها بالنفاق وقيل بالشهوات واللذات ( وتربصتم ) بمحمد صلى الله عليه وإله وسلم وبمن معه من المؤمنين حوادث الدهر وقيل تربصتم بالتوبة والأول أولى ( وارتبتم ) أي شككتم في امر الدين ولم تصدقوا ما نزل من القرآن ولا بالمعجزات الظاهرة ( وغرتكم الأماني ) الباطلة التي من جملتها ما كنتم فيه من التربص وقيل هو طول الأمل وقيل ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين وقال قتادة الأماني هنا غرور الشيطان


"""""" صفحة رقم 171 """"""
وقيل الدنيا وقيل هو طمعهم في المغفرة وكل هذه الأشياء تدخل في مسمى الأماني ( حتى جاء أمر الله ) وهو الموت وقيل نصره سبحانه لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وقال قتادة هو إلقاؤهم في النار ( وغركم بالله الغرور ) قرأ الجمهور الغرور بفتح الغين وهو صفة على فعول والمراد به الشيطان أي خدعكم بحلم الله وإمهاله الشيطان وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السميفع وسماك بن حرب بضمها وهو مصدر
الحديد : ( 15 ) فاليوم لا يؤخذ . . . . .
( فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ) تفدون بها أنفسكم من النار أيها المنافقون ( ولا من الذين كفروا ) بالله ظاهرا وباطنا ( مأواكم النار ) أي منزلكم الذي تأوون إليه النار ( هي مولاكم ) أي هي أولى بكم والمولى في الأصل من يتولى مصالح الإنسان ثم استعمل فيمن يلازمه وقيل معنى مولاكم مكانكم عن قرب من الولى وهو القرب وقيل إن الله يركب في النار الحياة والعقل فهي تتميز غيظا على الكفار وقيل المعنى هي ناصركم على طريقة قول الشاعر تحية بينهم ضرب وجيع
( وبئس المصير ) الذي تصيرون إليه وهو النار
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود ( يسعى نورهم بين أيديهم ) قال يؤتون نورهم على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة وأدناهم نورا من نوره على إبهامه يطفأ مرة ويوقد أخرى وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نورا فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه وكان النور دليلهم من الله إلى الجنة فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا إلى النور تبعوهم فأظلم الله على المنافقين فقالوا حينئذ ( انظرونا نقتبس من نوركم ) فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون ( ارجعوا وراءكم ) من حيث جئتم من الظلمة ( فالتمسوا ) هنالك النور وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا منه على عبادة وأما عند الصراط فإن الله يعطى كل مؤمن نورا وكل منافق نورا فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات فقال المنافقون انظرونا نقتبس من نوركم وقال المؤمنون ربنا أتمم لنا نورنا فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا وفي الباب أحاديث وآثار وأخرج عبد بن حميد عن عبادة بن الصامت أنه كان على سور بيت المقدس فبكى فقيل له ما يبكيك فقال هاهنا أخبرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه رأى جهنم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال إن السور الذي ذكره الله في القرآن ( فضرب بينهم بسور ) هو السور الذي ببيت المقدس الشرقي ( باطنه فيه الرحمة ) المسجد ( وظاهره من قبله العذاب ) يعنى وادي جهنم وما يليه ولا يخفاك أن تفسير السور المذكور في القرآن في هذه الآية بهذا السور الكائن ببيت المقدس فيه من الإشكال مالا يدفعه مقال ولا سيما بعد زيادة قوله باطنه فيه الرحمة المسجد فإن هذا غير ما سيقت له الآية وغير ما دلت عليه وأين يقع بيت المقدس أو سوره بالنسبة إلى السور الحاجز بين فريقي المؤمنين والمنافقين وأي معنى لذكر مسجد بيت المقدس هاهنا فإن كان المراد أن الله سبحانه ينزع سور بيت المقدس ويجعله في الدار الآخرة سورا مضروبا بين المؤمنين والمنافقين فما معنى تفسير باطن السور وما فيه من الرحمة بالمسجد وإن كان المراد أن الله يسوق فريقي المؤمنين والمنافقين إلى بيت المقدس فيجعل المؤمنين داخل السور في المسجد ويجعل المنافقين خارجه فهم إذ ذاك على الصراط وفي طريق الجنة وليسوا ببيت المقدس فإن كان مثل هذا


"""""" صفحة رقم 172 """"""
التفسير ثابتا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبلناه وآمنا به وإلا فلا كرامة ولا قبول وأخرج البيهقى في الشعب عن ابن عباس في قوله ( ولكنكم فتنتم أنفسكم ) قال بالشهوات واللذات ( وتربصتم ) قال بالتوبة ( وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله ) قال الموت ( وغركم بالله الغرور ) قال الشيطان
سورة الحديد 16 19
الحديد : ( 16 ) ألم يأن للذين . . . . .
قوله ( ألم يأن للذين آمنوا ) يقال أنى لك يأنى أنى إذا حان قرأ الجمهور ألم يأن وقرأ الحسن وأبو السماك ألما يأن وأنشد ابن السكيت ألما يأن لي أن تجلى عمايتي
وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا
و ( أن تخشع قلوبهم ) فاعل يأن أي ألم يحضر خشوع قلوبهم ويجيء وقته ومنه قول الشاعر ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا
وأن يحدث الشيب المنير لنا عقلا
هذه الآية نزلت في المؤمنين قال الحسن يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه وقيل إن الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد قال الزجاج نزلت في طائفة من المؤمنين حثوا على الرقة والخشوع فأما من وصفهم الله بالرقة والخشوع فطبقة فوق هؤلاء وقال السدى وغيره المعنى ألم يأن للذين آمنوا في الظاهر وأسروا الكفر أن تخشع قلوبهم ( لذكر الله ) وسيأتي في آخر البحث ما يقوى قول من قال إنها نزلت في المسلمين والخشوع لين القلب ورقته والمعنى أنه ينبغي أن يورثهم الذكر خشوعا ورقة ولا يكونوا كمن لا يلين قلبه للذكر ولا يخشع له ( وما نزل من الحق ) معطوف على ذكر الله والمراد بما نزل من الحق القرآن فيحمل الذكر المعطوف عليه على ما عداه مما فيه ذكر الله سبحانه باللسان أو خطور بالقلب وقيل المراد بالذكر هو القرآن فيكون هذا العطف من باب عطف التفسير أو باعتبار تغاير المفهومين قرأ الجمهور نزل مشددا مبنيا للفاعل وقرأ نافع وحفص بالتخفيف مبنيا للفاعل وقرأ الجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمرو في رواية عنه مشددا مبنيا للمفعول وقرأ بن مسعود أنزل مبنيا للفاعل ( ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ) قرأ الجمهور بالتحيتة على الغيبة جريا على ما تقدم وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بالفوقية على الحساب التفاتا وبها قرأ عيسى وابن إسحاق والجملة معطوفة على تخشع أي ألم يأن لهم أن تخشع قلوبهم ولا يكونوا والمعنى النهى لهم عن أن يسكوا سبيل اليهود النصارى الذين أوتوا التوراة والإنجيل من قبل نزول القرآن ( فطال عليهم الأمد ) أي طال عليهم الزمان بينهم


"""""" صفحة رقم 173 """"""
وبين أنبيائهم قرأ الجمهور الأمد بتخفيف الدال وقرأ بن كثير في رواية عنه بتشديدها أي الزمن الطويل وقيل المراد بالأمد على القراءة الأولى الأجل والغاية يقال أمد فلان كذا أي غايته ( فقست قلوبهم ) بذلك السبب فلذلك حرفوا وبدلوا فنهى الله سبحانه أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن يكونوا مثلهم ( وكثير منهم فاسقون ) أي خارجون عن طاعة الله لأنهم تركوا العمل بما أنزل إليهم وحرفوا وبدلوا ولم يؤمنوا بما نزل على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هم الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هم الذين ابتدعوا الرهبانية وهم أصحاب الصوامع
الحديد : ( 17 ) اعلموا أن الله . . . . .
( اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها ) فهو قادر على أن يبعث الأجسام بعد موتها ويلين القلوب بعد قسوتها ( قد بينا لكم الآيات ) التي من جملتها هذه الآيات ( لعلكم تعقلون ) أي كي تعقلوا ما تضمنته من المواعظ وتعملوا بموجب ذلك
الحديد : ( 18 ) إن المصدقين والمصدقات . . . . .
( إن المصدقين والمصدقات ) قرأ الجمهور بتشديد الصاد في الموضعين من الصدقة وأصله المتصدقين المتصدقات فأدغمت الياء في الصاد وقرأ أبي المتصدقين والمتصدقات بإثبات التاء على الأصل وقرأ ابن كثير بتخفيف الصاد من التصديق أي صدقوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما جاء به ( وأقرضوا الله قرضا حسنا ) معطوف على اسم الفاعل في المصدقين لأنه لما وقع صله للألف واللام الموصولة حل محل الفعل فكأنه قال إن الذين تصدقوا وأقرضوا كذا قال أبو على الفارسي وغيره وقيل جملة وأقرضوا معترضة بين اسم إن وخبرها وهو يضاعف وقيل هي صلة لموصول محذوف أي والذين أقرضوا والقرض الحسن عبارة عن التصدق والإنفاق في سبيل الله مع خلوص نية وصحة قصد واحتساب أجر قرأ الجمهور ( يضاعف لهم ) بفتح العين على البناء للمفعول والقائم مقام الفاعل إما الجار والمجرور أو ضمير يرجع إلى المصدقين على حذف مضاف أي ثوابهم وقرأ الأعمش يضاعفه بكسر العين وزيادة الهاء وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعف بتشديد العين وفتحها ( ولهم أجر كريم ) وهو الجنة والمضاعفة هنا أن الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف
الحديد : ( 19 ) والذين آمنوا بالله . . . . .
( والذين آمنوا بالله ورسله ) جميعا والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى الموصول وخبره قوله ( هم الصديقون والشهداء ) والجملة خبر الموصول قال مجاهد كل من آمن بالله ورسله فهو صديق قال المقاتلان هم الذين لم يشكوا في الرسل حين أخبروهم ولم يكذبوهم وقال مجاهد هذه الآية للشهداء خاصة وهم الأنبياء الذين يشهدون للأمم وعليهم واختار هذا الفراء والزجاج وقال مقاتل بن سليمان هم الذين استشهدوا في سبيل الله وكذا قال ابن جرير وقيل هم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة لأنبيائهم بالتبليغ والظاهر أن معنى الآية إن الذين آمنوا بالله ورسله جميعا بمنزلة الصديقين والشهداء المشهورين بعلو الدرجة عند الله وقيل إن الصديقين هم المبالغون في الصدق حيث آمنوا بالله وصدقوا جميع رسله والقائمون لله سبحانه بالتوحيد ثم بين سبحانه ما لهم من الخير بسبب ما اتصفوا به من الإيمان بالله ورسله فقال ( لهم أجرهم ونورهم ) والضمير الأول راجع إلى الموصول والضميران الأخيران راجعان إلى الصديقين والشهداء أي لهم مثل أجرهم ونورهم وأما على قول من قال إن الذين آمنوا بالله ورسله هم نفس الصديقين والشهداء فالضمائر الثلاثة كلها راجعة إلى شيء واحد والمعنى لهم الأجر والنور الموعودان لهم ثم لما ذكر حال المؤمنين وثوابهم ذكر حال الكافرين وعقابهم فقال ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ) أي جمعوا بين الكفر وتكذيب الآيات والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى الموصول باعتبار ما في صلته من اتصافهم بالكفر والتكذيب وهذا مبتدأ وخبره ( أصحاب الجحيم ) يعذبون بها ولا أجر لهم ولا نور بل عذاب مقيم وظلمة دائمة


"""""" صفحة رقم 174 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال استبطأ الله قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن فأنزل الله ( ألم يأن للذين آمنوا ) الآية وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على نفر من أصحابه في المسجد وهم يضحكون فسحب رداءه محمرا وجهه فقال أتضحكون ولم يأتكم أمان من ربكم بأنه قد غفر لكم ولقد أنزل على في ضحككم آية ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) قالوا يا رسول الله فما كفارة ذلك قال تبكون بقدر ما ضحكتم وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ( ألم يأن للذين آمنوا ) إلا أربع سنين وأخرج نحوه عنه ابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه من طريق أخرى وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عنه أيضا قال لما نزلت هذه الآية أقبل بعضنا على بعض أي شيء أحدثنا أي شيء صنعنا وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال إن الله استبطا قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن ( ألم يأن للذين آمنوا ) الآية وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد العزيز بن أبي رواد أن أصحاب النبي صلى الله عليه وإله وسلم ظهر فيهم المزاح والضحك فنزلت هذه الآية ألم يأن للذين أمنوا وأخرج أبن المبارك عن أبن عباس ( اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها ) قال يعني أنه يلين القلوب بعد قسوتها وأخرج أبن جرير عن البراء بن عازب سمعت رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يقول مؤمنو أمتي شهداء ثم تلا النبي صلى الله عليه وإله وسلم ( والذين أمنوا بالله ورسله أولائك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ) وأخرج أبن المنذر عن ابن مسعود قال كل مؤمن صديق وشهيد وأخرج الحاكم وصححه عن أبن مسعود قال إن الرجل ليموت على فراشه وهو شهيد ثم تلا هذه الآية وأخرج أبن أبي حاتم عن أبي هريرة نحوه وأخرج أبن جرير عن أبن عباس ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) قال هذه مفصولة والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم وأخرج أبن حبان عن عمرو بن مرة الجهني قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وإله وسلم فقال يا رسول الله أرأيت إن شهدة أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته فممن أنا قال من الصديقين والشهداء


"""""" صفحة رقم 175 """"""
سورة الحديد ( 20 24
الحديد : ( 20 ) اعلموا أنما الحياة . . . . .
قوله ( أعلموا أنا الحياة الدنيا لعب ولهو ) لما ذكر سبحانه حال الفريق الثاني وما وقع منهم من الكفر والتكذيب وذلك بسبب ميلهم إلى الدنيا وتأثيرها بين لهم حقارتها وأنها أحقر من أن تؤثر على الدار الآخرة واللعب هو الباطل اللهو كل شيء يتلهى به ثم يذهب قال قتادة لعب ولهو أكل وشرب قال مجاهد كل لعب ولهو وقيل اللعب ما رغب في الدنيا واللهو ما ألهى عن الآخرة وشغل عنها وقيل اللعب الاقتناء واللهو النساء وقد تقدم تحقيق هذا في سورة الأنعام والزينة التزين بمتاع الدنيا من دون عمل للآخرة ( وتفاخر بينكم ) قرأ الجمهور بتنوين تفاخر والظرف صفة له أو معمول له وقرأ السلمي بالإضافة أي يفتخر به بعضكم على بعض وقيل يتفاخرون بالخلقة والقوة وقيل بالأنساب والأحساب كما كانت عليه العرب ( وتكاثر في الأموال والأولاد ) أي يتكاثرون بأموالهم وأولادهم ويتطاولون بذلك على الفقراء ثم بين سبحانه لهذه الحياة شبها وضرب لها مثلا فقال ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ) أي كمثل مطر أعجب الزراع نباته والمراد بالكفار هنا الزراع لأنهم يكفرون البذر أي يغطونه بالتراب ومعنى نباته النبات الحاصل به ( ثم يهيج ) أي يجف بعد خضرته وييبس ( فتراه مصفرا ) أي متغيرا عما كان عليه من الخضرة والرونق إلى لون الصفرة والذبول ( ثم يكون حطاما ) أي فتاتا هشيما متكسرا متحطما بعد يبسه وقد تقدم تفسير هذا المثل في سورة يونس والكهف والمعنى أن الحياة الدنيا كالزرع يعجب الناظرين إليه لخضرته وكثرة نضارته ثم لا يلبث أن يصير هشيما تبنا كأن لم يكن وقرئ مصفارا والكاف في محل نصب على الحال أو في محل رفع على أنها خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف ثم لما ذكر سبحانه حقارة الدنيا وسرعة زوالها ذكر ما أعده للعصاة في الدار الأخرة فقال ( وفي الآخرة عذاب شديد ) واتبعه بما أعده لأهل الطاعة فقال ( ومغفرة من الله ورضوان ) والتنكير فيهما للتعظيم قال قتادة عذاب شديد لأعداء الله ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه وأهل طاعته قال الفراء التقدير في الآية إما عذاب شديد وإما مغفرة فلا يوقف على شديد ثم ذكر سبحانه بعد الترهيب والترغيب حقارة الدنيا فقال ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) لمن اعتر بها ولم يعمل لآخرته قال سعيد بن جبير متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خبر منه وهذه الجملة مقررة للمثل المتقدم ومؤكدة له
الحديد : ( 21 ) سابقوا إلى مغفرة . . . . .
ثم ندب عبادة إلى المسابقة إلى ما يوجب المغفرة من التوبة والعمل الصالح فإن ذلك سبب إلى الجنة فقال ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم ) أي سارعوا مسارعة السابقين بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم وتوبوا مما وقع منكم من المعاصي وقيل المراد بالآية التكبيرة الأولى مع الإمام قاله مكحول وقيل المراد الصف الأول ولا وجه لتخصيص ما في الآية بمثل هذا بل هو من جملة ما تصدق عليه صدقا شموليا أو بدليا ( وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ) أي كعرضهما وإذا كان هذا قدر عرضها فما ظنك بطولها قال الحسن يعني جميع السموات والأرضين مبسوطات كل واحدة إلى صاحبتها وقيل المراد بالجنة التي عرضها هذا العرض هي جنة كل واحد من أهل الجنة وقال أبن كيسان عني به جنة واحدة من الجنات والعرض أقل من الطول ومن عادة العرب أنها تعبر عن الشيء بعرضه دون طوله ومن ذلك قول الشاعر كأن بلاد الله وهي عريضة
على الخائف المطلوب كفه حابل


"""""" صفحة رقم 176 """"""
وقد مضى تفسير هذا في سورة آل عمران ثم وصف سبحانه تلك الجنة بصفة أخرى فقال ( اعدت للذين آمنوا بالله ورسله ) ويجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة وفي هذا دليل على أن استحقاق الجنة يكون بمجرد الإيمان بالله ورسله ولكن هذا مقيد بالأدلة الدالة على أنه لا يستحقها إلا من عمل بما فرض الله عليه واجتنب ما نهاه الله عنه وهي أدلة كثيرة في الكتاب والسنة والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى وعد به سبحانه من المغفرة والجنة وهو مبتدأ وخبره ( فضل الله يؤتيه من يشاء ) أي يعطيه من يشاء إلا إعطاءه إياه وتفضلا وإحسانا ( والله ذو الفضل العظيم ) فهو يتفضل على من يشاء بما يشاء لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع والخير كله بيده وهو الكريم المطلق والجواد الذي لا يبخل
الحديد : ( 22 ) ما أصاب من . . . . .
ثم بين سبحانه أن ما يصاب به العباد من المصائب قد سبق بذلك قضاؤه وقدره وثبت في أم الكتاب فقال ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ) من قحط مطر وضعف نبات ونقص ثمار قال مقاتل القحط وقلة النبات والثمار وقيل الجوائح في الزرع ( ولا في أنفسكم ) قال قتادة بالأوصاب والأسقام وقال مقاتل إقامة الحدود وقال أبن الجريج ضيق المعاش ( إلا في كتاب ) في محل نصب على الحال من مصيبة أي إلا حال كونها مكتوبة في كتاب وهو اللوح المحفوظ وجملة ( من قبل أن نبرأها ) في محل جر صفة الكتاب والضمير في نبرأها عائد إلى المصيبة أو إلى الأنفس أو إلى الأرض أو إلى جميع ذلك ومعنى نبرأها نخلقها ( إن ذلك على الله يسير ) أي أن إثباتها في الكتاب على كثرته على الله يسير غير عسير
الحديد : ( 23 ) لكي لا تأسوا . . . . .
لكيلا تأسوا على ما فاتكم ) أي اختبرناكم بذلك لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا ( ولا تفرحوا بما آتاكم ) منها أي أعطاكم منها فإن ذلك يزول عن قريب وكل زائل عن قريب لا يستحق أن يفرح بحصوله ولا يحزن على فواته ومع أن الكل بقضاء الله وقدره فلن يعدو أمرا ما كتب له وما كان حصوله كائنا لا محالة فليس بمستحق للفرح بحصوله ولا للحزن على فوته قيل والحزن والفرح المنهى عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز وإلا فليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح قرأ الجمهور ( بما آتاكم ) بالمد أي أعطاكم وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم وأبو عمرو بالقصر أي جاءكم واختار القراءة الأولى أبو حاتم واختار القراءة الثانية أبو عبيد ( والله لا يحب كل محتال فخور ) أي لا يحب من اتصف بهاتين الصفتين وهما الاختيال والافتخار قيل هو ذم للفرح الذي يختال فيه صاحبه ويبطر وقيل إن من فرح بالحظوظ الدنيوية وعظمت في نفسه اختال وافتخر بها وقيل المختال الذي ينظر إلى نفسه والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الاستحقار والأولى تفسير هاتين الصفتين بمعناهما الشرعي ثم اللغوي فمن حصلتا فيه فهو الذي لا يحبه الله
الحديد : ( 24 ) الذين يبخلون ويأمرون . . . . .
( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) الموصول في محل رفع بالأبتداء وهو كلام مستأنف لا تعلق له بما قبله والخبر مقدر أي الذين يبخلون فالله غني عنهم ويدل على ذلك قوله ( ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) وقيل الموصول في محل جر بدل من مختال وهو بعيد فإن هذا البخل بما في اليد وأمر الناس بالبخل ليس هو المعنى المختال الفخور لا لغة ولا شرعا وقيل هو في محل جر نعت له وهو أيضا بعيد قال سعيد بن جبير الذين يبخلون بالعلم ويأمرون الناس بالبخل به لئلا يعلموا الناس شيئا وقال زيد بن أسلم إنه البخل بأداء حق الله وقيل وأنه البخل بالصدقة وقال طاووس إنه البخل بما في يديه وقيل أراد رؤساء اليهود الذين بخلوا بيان صفة محمد صلى الله عليه وإله وسلم في كتبهم لئلا يؤمن به الناس فتذهب مآكلهم قال السدي والكلبي قرأ الجمهور بالبخل بضم الباء وسكون الخاء وقرأ أنس وعبيد بن عمير ويحيى بن يعمر ومجاهد وحميد وأبن حميصن وحمزة والكسائي بفتحتين


"""""" صفحة رقم 177 """"""
وهي لغة الأنصار وقرأ أبو العالية وأبن السميفع بفتح الباء وإسكان الخاء وقرأ نصر بن عاصم بضمهما وكلها لغات ( ومن يتول فإن الله فإن هو الغني الحميد ) أي ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله عني محمود عنه خلفه لا يضره ذلك قرأ الجمهور هو الغني بإثبات ضمير الفصل وقرأ نافع وابن عامر فإن الله الغني الحميد بحذف الضمير
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم ) يقول في الدين والدنيا ( إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) قال نخلقها ( لكيلا تاسوا على ما فاتكم ) من الدنيا ( ولا تفرحوا بما آتاكم ) منها وأخرج أبن جرير عنه في الآية قال هو شيء قد فرغ منه من قبل أن تبرأ الأنفس وأخرج أبن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عنه أيضا في قوله ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ) الآية قال ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح ولكن من أصابته مصيبة جعلها صبرا ومن أصابه خير جعله شكرا وأخرج ابن المنذر عنه في الآية قال يريد مصائب المعاش ولا يريد مصائب الدين وإنه قال ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) وليس هذا من مصائب الدين أمرهم أن يأسوا على السيئة ويفرحوا بالحسنة
سورة الحديد ( 25 29
الحديد : ( 25 ) لقد أرسلنا رسلنا . . . . .
( قوله ( لقد ارسلنا رسلنا بالبينات ) أي بالمعجزات البينة والشرائع الظاهرة ( وأنزلنا معهم الكتاب المراد الجنس فيدخل فيه كتاب كل رسول ( والميزان ليقوم الناس بالقسط ) قال قتادة ومقاتل بن حيان الميزان العدل والمعنى أمرناهم بالعدل كما في قوله والسماء رفعها ووضع الميزان وقوله الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وقال أبن زيد وهو ما يوزن به ويتعامل به ومعنى ليقوم الناس بالقسط ليتبعوا ما أمروا به من العدل فيتعاملوا فيما بينهم بالنصفة والقسط العدل وهو يدل على أن المراد بالميزان العدل ومعنى إنزاله إنزال أسبابه


"""""" صفحة رقم 178 """"""
وموجباته وعلى القول بأن المراد به الآله التي يوزن بها فيكون إنزاله بمعنى إرشاد الناس إليه وإلهامهم الوزن به ويكون الكلام من باب علفتها تبنا وماء باردا وأنزلنا الحديد ( اي خلقناه كما في قوله وأنزل لكم من الأنعام ثمانية ازواج والمعنى أنه خلقه من المعادن وعلم الناس صنعته وقيل إنه نزل مع آدم ( فيه بأس شديد ) لأنه تتخذ منه آلات الحرب قال الزجاج يمتنع به ويحارب والمعنى أنه تتخذ منه آلة للدفع وآلة للضرب قال مجاهد فيه جنة وسلاح ومعنى ( ومنافع للناس ) أنهم ينتفعون به في كثير مما يحتاجون إليه مثل السكين والفاس والإبرة وآلات الزراعة والنجارة والعمارة ( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ) معطوف على قوله ليقوم الناس أي لقد أرسلنا رسلنا وفعلنا كيت وكيت ليقوم الناس وليعلم وقيل معطوف على علة مقدرة كأنه قيل ليستعملوه وليعلم الله والأول أولى والمعنى أن الله أمر في الكتاب الذي أنزل بنصره دينه ورسله فمن نصر دينه ورسله علمه ناصرا ومن عصى علمه بخلاف ذلك وبالغيب في محل نصب على الحال من فاعل ينصره أو من مفعوله أي غائبا عنهم أو غائبين عنه ( إن الله قوى عزيز ) أي قادر على كل شيء غالب لكل شيء وليس له حاجة في إن ينصره أحد من عباده وينصر رسله بل كلفهم بذلك لينتفعوا به إذا امتثلوا ويحصل لهم ما وعد به عباده المطيعين
الحديد : ( 26 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
( ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم ) لما ذكر سبحانه إرسال الرسل إجمالا أشار هنا إلى نوع تفصيل فذكر رسالته لنوح وإبراهيم وكرر القسم للتوكيد ( وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ) أي جعلنا فيهم النبوة والكتب المنزلة على الإنبياء منهم وقيل جعل بعضهم أنبياء وبعضهم يتلون الكتاب ( فمنهم مهتد ) أي فمن الذرية من اهتدى بهدى نوح وإبراهيم وقيل المعنى فمن المرسل إليهم من قوم الأنبياء مهتد بما جاء به الأنبياء من الهدى ( وكثير منهم فاسقون ) خارجون عن الطاعة
الحديد : ( 27 ) ثم قفينا على . . . . .
( ثم قفينا على آثارهم برسلنا ) أي اتبعنا على آثار الذرية أو على أثار نوح وإبراهيم برسلنا الذين أرسلناهم إلى الامم كموسى وإلياس وداود وسليمان وغيرهم ( وقفينا بعيسى ابن مريم أي أرسلنا رسولا بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى ابن مريم وهو من ذرية إبراهيم من جهة أمه ( وآتيناه الإنجيل ) وهو الكتاب الذي أنزله الله عليه وقد تقدم ذكر اشتقاقه في سورة آل عمران قرأ الجمهور الأنجيل بكسر الهمزة وقرأ الحسن بفتحها ( وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ) الذين اتبعوه هم الحواريون جعل الله في قلوبهم مودة لبعضهم البعض ورحمة يتراحمون بها بخلاف اليهود فإنهم ليسوا كذلك وأصل الرأفة اللين والرحمة الشفقة وقيل الرأفة أشد الرحمة ( ورهبانية ابتدعوها ) انتصاب رهبانية على الأشتغال أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها وليس بمعطوفة على ما قبلها وقيل معطوفه على ما قبلها أي وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعه من عند أنفسهم والأول أولى ورجحه أبو علي الفارسي وغيره وجملة ( ما كتبناها عليهم ) صفة ثانية لرهبانية أو مستأنفة مقررة لكونها مبتدعة من جهة أنفسهم والمعنى ما فرضناها عليهم والرهبانية بفتح الراء وضمها وقد قرئ بهما وهي بالفتح الخوف من الرهب وبالضم منسوبة إلى الرهبان وذلك لأنهم غلوا لي العبادة وحملوا على إنفسهم المشقات في الأمتناع من المطعم والمشرب والمنكح وتعلقوا بالكهوف والصوامع لأن ملوكهم غيروا وبدلوا وبقي منهم نفر قليل فترهبوا وتبتلوا ذكر معناه الضحاك وقتادة وغيرهما ( إلا ابتغاء رضوان الله ) الاستثناء منقطع أي ما كتبناها نحن عليهم رأسا ولكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله وقال الزجاج ما كتبناها عليهم معناه لم نكتب عليهم شيئا ألبتة قال يكون ( إلا ابتغاء رضوان الله ) بدلا من الهاء والألف في كتبناها والمعنى ما كتبنا عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ( فما رعوها حق رعايتها ) أي لم يرعوا هذه الرهبانية التي إبتدعوها من جهة أنفسهم بل صنعوها وكفروا بدين عيسى ودخلو في دين الملوك الذين غيروا


"""""" صفحة رقم 179 """"""
وبدلو وتركوا الترهب ولم يبق على دين عيسى إلا قليل منهم وهم المرادون بقوله ( فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ) الذي يستحقونه بالإيمان وذلك لأنهم آمنوا بعيسى وثبتوا على دينه حتى آمنوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) لما بعثه الله ( وكثير منهم فاسقون ) خارجون عن الإيمان بما امروا أن يؤمنوا به ووجه الذم لهم على تقدير أن الاستثناء منقطع أنهم قد كانوا ألزموا أنفسهم الرهبانية معتقدين أنها طاعة وإن الله يرضاها فكان تركها وعدم رعايتها حق الرعاية يدل على عدم مبالاتهم بما يعتقدونه دينا وأما على القول بأن الاستثناء متصل وأن التقدير ما كتبناها عليهم لشيء من الأشياء إلا ليبتغوا بها رضوان الله بعد أن وفقناهم لابتداعها فوجه الذم ظاهر
الحديد : ( 28 ) يا أيها الذين . . . . .
ثم أمر سبحانه المؤمنين بالرسل المتقدمين بالتقوى والإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فقال 0 يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) بترك ما نهاكم عنه ( أمنوا برسوله ) محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ( يؤتكم كفلين من رحمته ) أي نصيبين من رحمته بسبب إيمانكم برسوله بعد آيمانكم بمن قبله من الرسل وأصل الكفل الحظ والنصيب وقد تقدم الكلام على تفسيره في سورة النساء ( ويجعل لكم نورا تمشون به ) يعني على الصراط كما قال نورهم يسعى بين أيديهم وقيل المعنى ويجعل لكم سبيلا واضحا في الدين تهتدون به ( ويغفر لكم ) ما سلف من ذنوبكم ( والله غفور رحيم ) أي بليغ المغفرة والرحمة
الحديد : ( 29 ) لئلا يعلم أهل . . . . .
( لئلا يعلم اهل الكتاب ) اللام متعلقة بما تقدم من الأمر بالإيمان والتقوى والتقدير اتقوا وأمنوا يؤتكم كذا وكذا ليعلم الذين لم يتقوا ولا آمنوا من أهل الكتاب ( وأن لا يقدرون على شيء من فضل الله ) ولا في قوله لئلا زائدة للتوكيد قاله الفراء والأخفش وغيرهما وأن في قوله أن لا يقدرون هي المخففة من الثقيلة وأسمها ضمير شأن محذوف وخبرها ما بعدها والجملة في محل نصب على إنها مفعول يعلم والمعنى ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على أن ينالوا شيئا من فضل الله الذي تفضل به على من آمن بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولا يقدرون على دفع ذلك الفضل الذي تفضل الله به على المستحقين له وجملة ( وأن الفضل بيد الله ) معطوفة على الجملة التي قبلها أي ليعلموا أنهم لا يقدرون وليعلموا أن الفضل بيد الله سبحانه وقوله ( يؤتيه من يشاء ) خبر ثان لأن أو هو الخبر والجار والمجرور في محل نصب على الحال ( والله ذو الفضل العظيم ) هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها والمراد بالفضل هنا ما تفضل به على الذين أتقوا وآمنوا برسوله من الأجر المضاعف وقال الكلبي هو رزق الله وقيل نعم الله التي لا تحصى وقيل هو الإسلام وقد قيل إن لا في لئلا غير مزيدة وضمير لا يقدرون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه والمعنى لئلا يعتقد أهل الكتاب أنه لا يقدر النبي والمؤمنين والمؤمنون على شيء من فضل الله الذي هو عبارة عما أوتوه والأول أولى وقرأ ابن مسعود لكيلا يعلم وقرأ خطاب بن عبدالله لأن يعلم وقرأ عكرمة ليعلم وقرىء ليلا بقلب الهمزة ياء وقرىء بفتح اللام
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اخرج عبد بن حميد والحكيم والترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلي وأبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طرق أبن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يا عبد الله قلت لبيك يا رسول الله ثلاث مرات قال هل تدري رأي عرى الإسلام أوثق قلت الله ورسوله أعلم قال أفضل الناس أفضلهم عملا إذا فقهوا في دينهم يا عبد الله هل تدري أي الناس أعلم قلت الله ورسوله اعلم قال فإن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس وإن كان مقصرا بالعمل وإن كان يزحف على أسته واختلف من كان قبلنا على اثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث وهلك سائرها فرقه وازرت الملوك وقاتلتهم على دين الله وعيسى أبن مريم وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازرة الملوك فأقاموا بين ظهراني قومهم


"""""" صفحة رقم 180 """"""
فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى فقتلهم الملوك ونشرتهم بالمناشير وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازرة الملوك ولا بالمقام معهم فساحوا في الجبال وترهبوا فيها وهم الذين قال الله ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ) هم الذين آمنوا بي وصدقوني ( وكثير منهم فاسقون ) الذين جحدوني وكفروا بي وأخرج النسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال كانت ملوك بعد عيسى بدلت التوراة والإنجيل فكان منهم مؤمنون يقرؤون التوراة والإنجيل فقيل لملوكهم ما نجد شيئا أشد من شتم يشتمنا هؤلاء إنهم يقرؤون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون فأولئك هم الفاسقون مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم فادعوهم فليقرؤوا كما نقرأ وليؤمنوا كما آمنا فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو ليتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منهما فقالوا ما تريدون إلى ذلك دعونا فقالت طائفة منهم ابنوا لنا أسطوانة ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا ولا نرد عليكم وقالت طائفة دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونأكل مما تأكل منه الوحوش ونشرب مما تشرب فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا وقالت طائفة ابنوا لنا دورا في الفيافي ونحتفر الآبار ونحرث البقول فلا نرد عليكم ولا نمر بكم وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم ففعلوا ذلك فأنزل الله ( رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ) وقال الآخرون ممن تعبد من أهل الشرك وفنى من فنى منهم قالوا نتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم فلما بعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يبق منهم إلا القليل انحط صاحب الصومعة من صومعته وجاء السياح من سياحته وصاحب الدير من ديره فآمنوا به وصدقوه فقال الله ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ( أجرين بإيمانهم بعيسى ونصب أنفسهم والتوراة والإنجيل وبإيمانهم بمحمد وتصديقهم ( ويجعل لكم نورا تمشون به ) القرآن وأتباعهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج أحمد والحكيم الترمذي وأبو يعلى والبيهقي في الشعب عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري في قوله ( كفلين ) قال ضعفين وهي بلسان الحبشة وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر في قوله ( يؤتكم كفلين من رحمته ) قال الكفل ثلثمائة جزء وخمسون جزءا من رحمة الله


"""""" صفحة رقم 181 """"""
ع58
تفسير
سورة المجادلة
هي ثنتان وعشرون آية
حول السورة
وهي مدنية قال القرطبي في قول الجميع إلا رواية عن عطاء أن العشر الأول منها مدني وباقيها مكي وقال الكلبي نزلت جميعها بالمدينة غير قوله ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) نزلت بمكة وأخرج ابن الصريس والنحاس وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة المجادلة بالمدينة وأخرج ابن مردويه عن الزبير مثله سورة المجادلة
( 1 4
المجادلة : ( 1 ) قد سمع الله . . . . .
قوله ) قد سمع الله ( قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بإدغام الدال في السين وقرأ الباقون بالإظهار قال الكسائي من بين الدال عند السين فلسانه أعجمي وليس بعربي ) قول التي تجادلك في زوجها ( أي تراجعك الكلام في شأنه ) وتشتكي إلى الله ( معطوف على تجادلك والمجادلة هذه الكائنة منها مع رسول الله أنه كان كلما قال لها قد حرمت عليه قالت والله ما ذكر طلاقا ثم تقول أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي وإن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول اللهم إني أشكو إليك فهذا معنى قوله ) وتشتكي إلى الله ( قال الواحدي قال المفسرون نزلت هذه الآية في خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس ابن الصامت وكان به لمم فاشتد به لممه ذات يوم فظاهر منها ثم ندم على ذلك وكان الظهار طلاقا في الجاهلية وقيل هي خولة بنت حكيم وقيل اسمها جميلة والأول أصح وقيل هي بنت خويلد وقال الماوردي إنها نسبت تارة إلى أبيها وتارة إلى جدها وأحدهما أبوها والآخر جدها فهي خولة بنت ثعلبة بن خويلد وجملة ) والله يسمع تحاوركما ( في محل نصب على الحال أو مستأنفة جارية مجرى التعليل لما قبلها أي والله يعلم تراجعكما في الكلام ) إن الله سميع بصير ( يسمع كل مسموع ويبصر كل مبصر ومن جملة ذلك ما جادلتك به هذه


"""""" صفحة رقم 182 """"""
المرأة
المجادلة : ( 2 ) الذين يظاهرون منكم . . . . .
ثم بين سبحانه شأن الظهار في نفسه وذكر حكمه فقال ) الذين يظاهرون منكم من نسائهم ( قرأ الجمهور يظهرون بالتشديد مع فتح حرف المضارعة وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي يظاهرون بفتح الياء وتشديد الظاء وزيادة ألف وقرأ أبو العالية وعاصم وزر بن حبيش يظاهرون بضم الياء وتخفيف الظاء وكسر الهاء وقد تقدم مثل هذا في سورة الأحزاب وقرأ أبي يتظاهرون بفك الإدغام ومعنى الظهار أن يقول لامرأته أنت علي كظهر أمي أي ولا خلاف في كون هذا ظهارا واختلفوا إذا قال أنت علي كظهر ابنتي أو أختي أو غير ذلك من ذوات المحارم فذهب جماعة منهم أبو حنيفة ومالك إلى أنه ظهار وبه قال الحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري وقال جماعة منهم قتادة والشعبي إنه لا يكون ظهارا بل يختص الظهار بالأم وحدها واختلفت الرواية عن الشافعي فروى عنه كالقول الأول وروى عنه كالقول الثاني وأصل الظهار مشتق من الظهر واختلفوا إذا قال لامرأته أنت علي كرأس أمي أو يدها أو رجلها أو نحو ذلك هل يكون ظهارا أم لا وهكذا إذا قال أنت علي كأمي ولم يذكر الظهر والظاهر أنه إذا قصد بذلك الظهار كان ظهارا وروى عن أبي حنيفة أنه إذا شبهها بعضو من أمه يحل له النظر إليه لم يكن ظهارا وروى عن الشافعي أنه لا يكون الظهار إلا في الظهر وحده واختلفوا إذا شبه امرأته بأجنبية فقيل يكون ظهارا وقيل لا والكلام في هذا مبسوط في كتب الفروع وجملة ( ما هن أمهاتهم ) في محل رفع على أنها خبر الموصول أي ما نساؤهم بأمهاتهم فذلك كذب منهم وفي هذا توبيخ للمظاهرين وتبكيت لهم قرأ الجمهور أمهاتهم بالنصب على اللغة الحجازية في إعمال ما عمل ليس وقرأ أبو عمرو والسلمي بالرفع على عدم الإعمال وهي لغة نجد وبني أسد ثم بين سبحانه لهم أمهاتهم على الحقيقة فقال ) إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ( أي ما أمهاتهم إلا النساء اللائي ولدنهم ثم زاد سبحانه في توبيخهم وتقريعهم فقال ) وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ( أي وإن المظاهرين ليقولون بقولهم هذا منكرا من القول أي فظيعا من القول ينكره الشرع والزور الكذب وانتصاب منكرا وزورا على أنهما صفة لمصدر محذوف أي قولا منكر وزورا ) وإن الله لعفو غفور ( أي بليغ العفو والمغفرة إذ جعل الكفارة عليهم مخلصة لهم عن هذا القول المنكر
المجادلة : ( 3 ) والذين يظاهرون من . . . . .
) والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ( لما ذكر سبحانه الظهار إجمالا ووبخ فاعليه شرع في تفصيل أحكامه والمعنى والذين يقولون ذلك القول المنكر الزور ثم يعودون لما قالوا أي إلى ما قالوا بالتدارك والتلافي كما في قوله أن تعودوا لمثله أي إلى مثله قال الأخفش ( لما قالوا ) وإلى ما قالوا يتعاقبان قال وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وقال فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقال بأن ربك أوحى لها وقال وأوحى إلى نوح وقال الفراء اللام بمعنى عن والمعنى ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء وقال الزجاج المعنى ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا قال الأخفش أيضا الآية فيها تقديم وتأخير والمعنى والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما كانوا عليه من الجماع ( فتحرير رقبة ) لما قالوا أي فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا فالجار في قوله ( لما قالوا ) متعلق بالمحذوف الذي هو خبر المبتدأ وهو فعليهم واختلف أهل العلم في تفسير العود المذكور على أقوال الأول أنه العزم على الوطء وبه قال العراقيون أبو حنيفة وأصحابه وروي عن مالك وقيل هو الوطء نفسه وبه قال الحسن وروى أيضا عن مالك وقيل هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق وبه قال الشافعي وقيل هو الكفارة والمعنى أنه لا يستبيح


"""""" صفحة رقم 183 """"""
وطأها إلا بكفارة وبه قال الليث بن سعد وروى عن أبي حنيفة وقيل هو تكرير الظهار بلفظه وبه قال أهل الظاهر وروى عن بكير بن الأشبح وأبي العالية والفراء والمعنى ثم يعودون إلى قول ما قالوا والموصول مبتدأ وخبره ( فتحرير رقبة ) على تقدير فعليهم تحرير رقبة كما تقدم أو قالوا وجب عليهم إعتاق رقبة يقال حررته أي جعلته حرا والظاهر أنها تجزىء أي رقبة كانت وقيل يشترط أن تكون مؤمنة كالرقبة في كفارة القتل وبالأول قال أبو حنيفة وأصحابه وبالثاني قال مالك والشافعي واشترطا أيضا سلامتها من كل عيب ( من قبل أن يتماسا ) المراد بالتماس هنا الجماع وبه قال الجمهور فلا يجوز للمظاهر الوطء حتى يكفر وقيل إن المراد به الاستمتاع بالجماع أو اللمس أو النظر إلى الفرج بشهوة وبه قال مالك وهو أحد قول الشافعي والإشارة بقوله ( ذلكم ) إلى الحكم المذكور وهو مبتدأ وخبره ( توعظون به ) أي تؤمرون به أو تزجرون به عن ارتكاب الظهار وفيه بيان لما هو المقصود من شرع الكفارة قال الزجاج معنى الآية ذلكم التغليظ في الكفارة توعظون به أي إن غلظ الكفارة وعظ لكم حتى تتركوا الظهار ) والله بما تعملون خبير ( لا يخفى عليه شيء من أعمالكم فهو مجازيكم عليها
المجادلة : ( 4 ) فمن لم يجد . . . . .
ثم ذكر سبحانه حكم العاجز عن الكفارة فقال ) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ( أي فمن لم يجد الرقبة في ملكه ولا تمكن من قيمتها فعليه صيام شهرين متتابعين متواليين لا يفطر فيهما فإن أفطر استأنف إن كان الإفطار لغير عذر وإن كان لعذر من سفر أو مرض فقال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي والشافعي ومالك إنه يبنى ولا يستأنف وقال أبو حنيفة إنه يستأنف وهو مروي عن الشافعي ومعنى ( من قبل أن يتماسا ) هو ما تقدم قريبا فلو وطىء ليلا أو نهارا عمدا أو خطأ استأنف وبه قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي لا يستأنف إذا وطىء ليلا لأنه ليس محلا للصوم والأول أولى ( فمن لم يستطع ) يعنى صيام شهرين متتابعين ( فإطعام ستين مسكينا ) أي فعليه أن يطعم ستين مسكينا لكل مسكين مدان وهما نصف صاع وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وقال الشافعي وغيره لكل مسكين مد واحد والظاهر من الآية أن يطعمهم حتى يشبعوا مرة واحدة أو يدفع إليهم ما يشبعهم ولا يلزمه أن يجمعهم مرة واحدة بل يجوز له أن يطعم بعض الستين في يوم وبعضهم في يوم آخر والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما تقدم ذكره من الأحكام وهو مبتدأ وخبره مقدر أي ذلك واقع ) لتؤمنوا بالله ورسوله ( ويجوز أن يكون اسم الإشارة في محل نصب والتقدير فعلنا ذلك لتؤمنوا أي لتصدقوا أن الله أمر به وشرعه أو لتطيعوا الله ورسوله في الأوامر والنواهي وتقفوا عند حدود الشرع ولا تتعدوها ولا تعودوا إلى الظهار الذي هو منكر من القول وزور والإشارة بقوله ( وتلك ) إلى الأحكام المذكورة وهو مبتدأ وخبره ( حدود الله ) فلا تجاوزا حدوده التي حدها لكم فإنه قد بين لكم أن الظهار معصية وأن كفارته المذكورة توجب العفو والمغفرة ( وللكافرين ) الذين لا يقفون عند حدود الله ولا يعملون بما حده الله لعباده ( عذاب أليم ) وهو عذاب جهنم وسماه كفرا تغليظا وتشديدا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قالت تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهي تقول يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك قالت فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات ) قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ( وهو أوس بن الصامت وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال كان


"""""" صفحة رقم 184 """"""
أول من ظاهر في الإسلام أوس وكانت تحته ابنة عم له يقال لها خولة بنت خويلد فظاهر منها فأسقط في يده وقال ما أراك إلا قد حرمت علي فانطلقي إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فاسأليه فأتت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه فأخبرته فقال يا خولة ما أمرنا في أمرك بشيء فأنزل الله على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا خولة أبشري قالت خيرا قال خيرا فقرأ عليها ) قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ( الآيات وأخرج أحمد وأبو داود وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام قال حدثتني خولة بنت ثعلبة قالت في والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة قالت كنت عنده وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب فقال أنت علي كظهر أمي ثم رجع فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي قلت كلا والذي نفس خولة بيده لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا ثم جئت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكرت ذلك له فما برحت حتى نزل القرآن فتغشى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما كان يتغشاه ثم سرى عنه فقال لي يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك ثم قرأ علي ) قد سمع الله قول التي تجادلك ( إلى قوله ) عذاب أليم ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مريه فليعتق رقبة قلت يا رسول الله ما عنده ما يعتق قال فليصم شهرين متتابعين قلت والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام قال فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر قلت والله ما ذاك عنده قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنا سأعينه بعرق من تمر فقلت وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر فقال قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصى بابن عمك خيرا قالت ففعلت وفي الباب أحاديث وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ( ثم يعودون لما قالوا ) قال هو الرجل يقول لامرأته أنت علي كظهر أمي فإذا قال ذلك فليس يحل له أن يقربها بنكاح ولا غيره حتى يكفر بعتق رقبة ( فمن ) فإن ( لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ) والمس النكاح 0 ( فمن ) فإن ( لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ) وإن هو قال لها أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا فليس يقع في ذلك ظهار حتى يحنث فإن حنث فلا يقربها حتى يكفر ولا يقع في الظهار طلاق وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال ثلاث فيه مد كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة الصيام وأخرج البزار والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال أتى رجل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إني ظاهرت من امرأتي فرأيت بياض خلخالها في ضوء القمر فوقعت عليها قبل أن أكفر فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ألم يقل الله من قبل أن يتماسا قال قد فعلت يا رسول الله قال أمسك عنها حتى تكفر وأخرج عبد الرزاق وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي عن ابن عباس ان رجلا قال يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها من قبل أن أكفر فقال وما حملك على ذلك قال رأيت خلخالها في ضوء القمر قال فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة والطبراني والبغوي في معجمه والحاكم وصححه عن سلمة بن صخر الأنصاري قال كنت رجلا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب منها في ليلي فأتتابع في ذلك ولا أستطيع أن أنزع حتى يدركني الصبح فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ انكشف لي منها شيء فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري فقلت انطلقوا معي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره بأمري فقالوا لا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا القرآن


"""""" صفحة رقم 185 """"""
أو يقول فينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مقالة يبقى علينا عارها ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك قال فخرجت فأتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرته خبري فقال أنت بذاك قلت أنا بذاك قال أنت بذاك قلت أنا بذاك قال أنت بذاك قلت أنا بذاك وها أنا ذا فامض في حكم الله فإني صابر لذلك قال اعتق رقبة فضربت عنقي بيدي فقلت لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها قال فصم شهرين متتابعين فقلت هل أصابني ما أصابني إلا في الصيام قال فأطعم ستين مسكينا قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشا ما لنا عشاء قال اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك فأطعم عنك منها وسقا ستين مسكينا ثم استعن بسائرها عليك وعلى عيالك فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) السعة والبركة أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي فدفعوها إليه
سورة المجادلة ( 5 10
المجادلة : ( 5 ) إن الذين يحادون . . . . .
قوله ) إن الذين يحادون الله ورسوله ( لما ذكر سبحانه المؤمنين الواقفين عند حدوده ذكر المحادين والمحادة المشاقة والمعاداة والمخالفة ومثله قوله ) إن الذين يحادون الله ورسوله ( قال الزجاج المحادة أن تكون في حد يخالف صاحبك وأصلها الممانعة ومنه الحديد ومنه الحداد للبواب ) كبتوا كما كبت الذين من قبلهم ( أي أذلوا وأخزوا يقال كبت الله فلانا إذا أذله والمردود بالذل يقال له مكبوت قال المقاتلان أخزوا كما أخزى الذين من قبلهم من أهل الشرك وكذا قال قتادة وقال أبو عبيدة والأخفش أهلكوا وقال


"""""" صفحة رقم 186 """"""
ابن زيد عذبوا وقال السدي لعنوا وقال الفراء أغيظوا والمراد بمن قبلهم كفار الأمم الماضية المعادين لرسل الله وعبر عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه وقيل المعنى على المضي وذلك ما وقع للمشركين يوم بدر فإن الله كبتهم بالقتل والأسر والقهر وجملة ) وقد أنزلنا آيات بينات ( في محل نصب على الحال من الواو في كبتوا أي والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حاد الله ورسله من الأمم المتقدمة وقيل المراد الفرائض التي أنزلها الله سبحانه وقيل هي المعجزات ( وللكافرين عذاب مهين ) أي للكافرين بكل ما يجب الإيمان به فتدخل الآيات المذكورة هنا دخولا أوليا والعذاب المهين الذي يهين صاحبه ويذله ويذهب بعزه
المجادلة : ( 6 ) يوم يبعثهم الله . . . . .
( يوم يبعثهم الله جميعا ) الظرف منتصب بإضمار اذكر أو بمهين أو بما تعلق به اللام من الاستقرار أو بأحصاه المذكور بعده وانتصاب جميعا على الحال أي مجتمعين في حالة واحدة أو يبعثهم كلهم لا يبقى منهم أحد غير مبعوث ( فينبئهم بما عملوا ) أي يخبرهم بما عملوه في الدنيا من الأعمال القبيحة توبيخا لهم وتبكيتا ولتكميل الحجة عليهم وجملة ( أحصاه الله ونسوه ) مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل كيف ينبئهم بذلك على كثرته واختلاف أنواعه فقيل أحصاه الله جميعا ولم يفته منه شيء والحال أنهم قد نسوه ولم يحفظوه بل وجدوه حاضرا مكتوبا في صحائفهم ( والله على كل شيء شهيد ) لا يخفى عليه شيء من الأشياء بل هو مطلع وناظر
المجادلة : ( 7 ) ألم تر أن . . . . .
ثم أكد سبحانه بيان كونه عالما بكل شيء فقال ( ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ) أي ألم تعلم أن علمه محيط بما فيهما بحيث لا يخفى عليه شيء مما فيهما وجملة ( ما يكون من نجوى ثلاثة ) الخ مستأنفة لتقرير شمول علمه وإحاطته بكل المعلومات قرأ الجمهور يكون بالتحتية وقرأ أبو جعفر بن القعقاع والأعرج وأبو حيوة بالفوقية وكان على القراءتين تامة ومن مزيدة للتأكيد ونجوى فاعل كان والنجوى السرار يقال قوم نجوى أي ذو نجوى وهي مصدر والمعنى ما يوجد من تناجي ثلاثة أو من ذوى نجوى ويجوز أن تطلق النجوى على الأشخاص المتناجين فعلى الوجه الأول انخفاض ثلاثة بإضافة نجوى إليه وعلى الوجهين الآخرين يكون انخفاضها على البدل من نجوى أو الصفة لها قال الفراء ثلاثة نعت للنجوى فانخفضت وإن شئت أضفت نجوى إليها ولو نصبت على إضمار فعل جاز وهي قراءة ابن أبي عبلة ويجوز رفع ثلاثة على البدل من موضع نجوى ) إلا هو رابعهم ( هذه الجملة في موضع نصب على الحال وكذا قوله إلا هو خامسهم ( إلا هو معهم ) أي ما يوجد شيء من هذه الأشياء إلا في حال من هذه الأحوال فالاستثناء مفرغ من أعم الأحوال ومعنى رابعهم جاعلهم أربعة وكذا سادسهم جاعلهم ستة من حيث إنه يشاركهم في الاطلاع على تلك النجوى ( ولا خمسة ) أي ولا نجوى خمسة وتخصيص العددين بالذكر لأن أغلب عادات المتناجين أن يكونوا ثلاثة أو خمسة أو كانت الواقعة التي هي سبب النزول في متناجين كانوا ثلاثة في موضع وخمسة في موضع قال الفراء العدد غير مقصود لأنه سبحانه مع كل عدد قل أو كثر يعلم السر والجهر لا تخفى عليه خافية ( ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم ) أي ولا أقل من العدد المذكور كالواحد والاثنين ولا أكثر منه كالستة والسبعة إلا هو معهم يعلم ما يتناجون به لا يخفى عليه منه شيء قرأ الجمهور ولا أكثر بالجر بالفتحة عطفا على لفظ نجوى وقرأ الحسن والأعمش وابن أبي إسحاق وأبو حيوة ويعقوب وأبو العالية ونصر وعيسى بن عمر وسلام بالرفع عطفا على محل نجوى وقرأ الجمهور ولا أكثر بالمثلثة وقرأ الزهري وعكرمة بالموحدة قال الواحدي قال المفسرون إن المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم ويوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوءهم فيحزنون لذلك فلما طال ذلك وكثر شكوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأمرهم أن لا يتناجوا دون


"""""" صفحة رقم 187 """"""
المسلمين فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم فأنزل الله هذه الآيات ومعنى ( أينما كانوا ) إحاطة علمه بكل تناج يكون منهم في أي مكان من الأمكنة ( ثم ينبئهم ) أي يخبرهم ( بما عملوا يوم القيامة ) توبيخا لهم وتبكيتا وإلزاما للحجة ( إن الله بكل شيء عليم ) لا يخفى عليه شيء كائنا ما كان
المجادلة : ( 8 ) ألم تر إلى . . . . .
) ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ( هؤلاء الذين نهوا ثم عادوا لما نهوا عنه هم من تقدم ذكره من المنافقين واليهود قال مقاتل كان بين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبين اليهود مواعدة فإذا مر بهم الرجل من المؤمنين تناجوا بينهم حتى يظن المؤمن شرا فنهاهم الله فلم ينتهوا فنزلت وقال ابن زيد كان الرجل يأتي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيسأله الحاجة ويناجيه والأرض يومئذ حرب فيتوهمون أنه يناجيه في حرب أو بلية أو أمر مهم فيفزعون لذلك ( ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول ) قرأ الجمهور يتناجون بوزن يتفاعلون واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله فيما بعد ( إذا تناجيتم فلا تتناجوا ) وقرأ حمزة وخلف وورش عن يعقوب وينتجون بوزن يفتعلون وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه وحكى سيبويه أن تفاعلوا وافتعلوا يأتيان بمعنى واحد نحو تخاصموا واختصموا وتقاتلوا واقتتلوا ومعنى الإثم ما هو إثم في نفسه كالكذب والظلم والعدوان ما فيه عدوان على المؤمنين ومعصية الرسول مخالفته قرأ الجمهور ومعصية بالإفراد وقرأ الضحاك وحميد ومجاهد ومعصيات بالجمع ( وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ) قال القرطبي إن المراد بها اليهود كانوا يأتون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيقولون السام عليك يريدون بذلك السلام ظاهرا وهم يعنون الموت باطنا فيقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عليكم وفي رواية أخرى وعليكم ( ويقولون في أنفسهم ) أي فيما بينهم ( لولا يعذبنا الله بما نقول ) أي هلا يعذبنا بذلك ولو كان محمد نبيا لعذبنا بما يتضمنه قولنا من الاستخفاف به وقيل المعنى لو كان نبيا لاستجيب له فينا حيث يقول وعليكم ووقع علينا الموت عند ذلك ( حسبهم جهنم ) عذابا ( يصلونها ) يدخلونها ( فبئس المصير ) أي المرجع وهو جهنم
المجادلة : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ( لما فرغ سبحانه عن نهي اليهود والمنافقين عن النجوى أرشد المؤمنين إذا تناجوا فيما بينهم أن لا يتناجوا بما فيه إثم وعدوان ومعصية لرسول الله كما يفعله اليهود والمنافقون ثم بين لهم ما يتناجون به في أنديتهم وخلواتهم فقال ) وتناجوا بالبر والتقوى ( أي بالطاعة وترك المعصية وقيل الخطاب للمنافقين والمعنى يا أيها الذين آمنوا ظاهرا أو بزعمهم واختار هذا الزجاج وقيل الخطاب لليهود والمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى والأول أولى ثم خوفهم سبحانه فقال ) واتقوا الله الذي إليه تحشرون ( فيجزيكم بأعمالكم
المجادلة : ( 10 ) إنما النجوى من . . . . .
ثم بين سبحانه أن ما يفعله اليهود والمنافقون من التناجي هو من جهة الشيطان فقال ( إنما النجوى ) يعنى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ( من الشيطان ) لا من غيره أي من تزيينه وتسويله ( ليحزن الذين آمنوا ) أي لأجل أن يوقعهم في الحزن بما يحصل لهم من التوهم أنها في مكيدة يكادون بها ( وليس بضارهم شيئا ) أو وليس الشيطان أو التناجي الذي يزينه الشيطان بضار المؤمنين شيئا من الضرر ( إلا بإذن الله ) أي بمشيئته وقيل بعلمه ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) أي يكلون أمرهم إليه ويفوضونه في جميع شؤونهم ويستعيذون بالله من الشيطان ولا يبالون بما يزينه من النجوى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب قال السيوطي بسند جيد عن ابن عمر إن اليهود كانوا يقولون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) السام عليك يريدون بذلك شتمه ثم يقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول فنزلت هذه الآية ) وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ( وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري والترمذي وصححه عن أنس أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وآله


"""""" صفحة رقم 188 """"""
وسلم وأصحابه فقال السام عليكم فرد عليه القوم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هل تدرون ما قال هذا قالوا الله أعلم سلم يا نبي الله قال لا ولكنه قال كذا وكذا ردوه علي فردوه قال قلت السام عليكم قال نعم قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عند ذلك إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك قال عليك ما قلت قال ( وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ) وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم فقالت عائشة عليكم السام واللعنة فقال يا عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا المتفحش قلت ألا تسمعهم يقولون السام فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو ما سمعتني أقول وعليكم فأنزل الله ) وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال كان المنافقون يقولون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا حيوه سام عليك فنزلت وأخرج ابن مردويه عنه قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا بعث سرية وأغزاها التقى المنافقون فأنغضوا رؤوسهم إلى المسلمين ويقولون قتل القوم وإذا رأوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تناجوا وأظهروا الحزن فبلغ ذلك من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن المسلمين فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ( الآية وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه واخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد قال كنا نتناوب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بطرقه أمر أو يأمر بشيء فكثر اهل النوب والمحتسبون ليلة حتى إذا كنا أنداء نتحدث فخرج علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الليل فقال ما هذه النجوى ألم تنهوا عن النجوى قلنا يا رسول الله إنا كنا في ذكر المسيح فرقا منه فقال ألا أخبركم مما هو أخوف عليكم عندي منه قلنا بلى يا رسول الله قال الشرك الخفي أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل قال ابن كثير هذا إسناد غريب وفيه بعض الضعفاء
سورة المجادلة ( 11 13
المجادلة : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس ( يقال فسح له يفسخ فسحا أي وسع له ومنه قولهم بلد فسيح أمر الله سبحانه بحسن الأدب مع بعضهم بعضا بالتوسعة في المجلس وعدم التضايق فيه قال قتادة ومجاهد والضحاك كانوا يتنافسون في مجلس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض


"""""" صفحة رقم 189 """"""
وقال الحسن ويزيد بن أبي حبيب هو مجلس القتال إذا اصطفوا للحرب كانوا يتشاحون على الصف الأول فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في القتال لتحصيل الشهادة ( فافسحوا يفسح الله لكم ) أي فوسعوا يوسع الله لكم في الجنة أو في كل ما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق وغيرهما قرأ الجمهور تفسحوا في المجلس وقرأ السلمي وزر بن حبيش وعاصم في المجالس على الجمع لأن لكل واحد منهم مجلسا وقرأ قتادة والحسن وداود ابن أبي هند وعيسى بن عمر تفاسحوا قال الواحدي والوجه التوحيد في المجلس لأنه يعني به مجلس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال القرطبي الصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر سواء كان مجلس حرب أو ذكر أو يوم الجمعة وأن كل واحد أحق بمكانه الذي سبق إليه ولكن يوسع لأخيه ما لم يتأذ بذلك فيخرجه الضيق عن موضعه ويؤيد هذا حديث ابن عمر عند البخاري ومسلم وغيرهما عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال لا يقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) قرأ الجمهور بكسر الشين فيها وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بضمها فيهما وهما لغتان بمعنى واحد يقال نشز أي ارتفع ينشز وينشز كعكف يعكف ويعكف والمعنى إذا قيل لكم انهضوا فانهضوا قال جمهور المفسرين أي انهضوا إلى الصلاة والجهاد وعمل الخير وقال مجاهد والضحاك وعكرمة كان رجال يتثاقلون عن الصلاة فقيل لهم إذا نودي للصلاة فانهضوا وقال الحسن انهضوا إلى الحرب وقال ابن زيد هذا في بيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان كل رجل منهم يحب أن يكون آخر عهده بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال الله تعالى ) وإذا قيل انشزوا ( عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( فانشزوا ) فإن له حوائج فلا تمكثوا وقال قتادة المعنى أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف والظاهر حمل الآية على العموم والمعنى إذا قيل لكم انهضوا إلى أمر من الأمور الدينية فانهضوا ولا تتثاقلوا ولا يمنع من حملها على العموم كون السبب خاصا فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو الحق ويندرج ما هو سبب النزول فيها اندراجا أوليا وهكذا يندرج ما فيه السياق وهو التفسيح في المجلس اندراجا أوليا وقد قدمنا أن معنى نشز ارتفع وهكذا يقال نشز ينشز إذا تنحى عن موضعه ومنه امرأة ناشز أي متنحية عن زوجها وأصله مأخوذ من النشز وهو ما ارتفع من الأرض وتنحى ذكر معناه النحاس ( يرفع الله الذين آمنوا منكم ) في الدنيا والآخرة بتوفير نصيبهم فيهما ( والذين أوتوا العلم درجات ) أي ويرفع الذين أوتوا العلم منكم درجات عالية في الكرامة في الدنيا والثواب في الآخرة ومعنى الآية أنه يرفع الذين آمنوا على من لم يؤمن درجات ويرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا درجات فمن جمع بين الإيمان والعلم رفعه الله بإيمانه درجات ثم رفعه بعلمه درجات وقيل المراد بالذين آمنوا من الصحابة وكذلك الذين أوتوا العلم وقيل المراد بالذين أوتوا العلم الذين قرؤوا القرآن والأولى حمل الآية على العموم في كل مؤمن وكل صاحب علم من علوم الدين من جميع أهل هذه الملة ولا دليل يدل على تخصيص الآية بالبعض دون البعض وفي هذه الآية فضيلة عظيمة للعلم وأهله وقد دل على فضله وفضلهم آيات قرآنية وأحاديث نبوية ( والله بما تعملون خبير ) لا يخفى عليه شيء من أعمالكم من خير وشر فهو مجازيكم بالخير خيرا وبالشر شرا
المجادلة : ( 12 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ( المناجاة المساررة والمعنى إذا أردتم مساررة الرسول في أمر من أموركم فقدموا بين يدي مساررتكم له صدقة قال الحسن نزلت بسبب أن قوما من المسلمين كانوا يستخلون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يناجونه فظن بهم قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في النجوى فشق عليهم ذلك فأمرهم الله بالصدقة عند النجوى لتقطعهم عن استخلائه وقال زيد


"""""" صفحة رقم 190 """"""
ابن أسلم نزلت بسبب أن المنافقين واليهود كانوا يناجون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويقولون إنه أذن يسمع كل ما قيل له وكان لا لمنح أحدا من مناجاته وكان ذلك يشق على المسلمين لأن الشيطان كان يلقي في أنفسهم أنهم ناجوه بأن جموعا اجتمعت لقتاله فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول فلم ينتهوا فأنزل الله هذه الآية فانتهى أهل الباطل عن النجوى لأنهم لم يقدموا بين يدي نجواهم صدقة وشق ذلك على أهل الإيمان وامتنعوا عن النجوى لضعف كثير منهم عن الصدقة فخفف الله عنهم بالآية التي بعد هذه والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما تقدم من تقديم الصدقة بين يدي النجوى وهو مبتدأ وخبره ( خير لكم وأطهر ) لما فيه من طاعة الله وتقييد الأمر بكون امتثاله خيرا لهم من عدم الامتثال وأطهر لنفوسهم يدل على أنه أمر ندب لا أمر وجوب ( فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ) يعنى من كان منهم لا يجد تلك الصدقة المأمور بها بين يدي النجوى فلا حرج عليه في النجوى بدون صدقة
المجادلة : ( 13 ) أأشفقتم أن تقدموا . . . . .
( ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ) أي أخفتم الفقر والعيلة لأن تقدموا ذلك والإشفاق الخوف من المكروه والاستفهام للتقرير وقيل المعنى أبخلتم وجمع الصدقات هنا باعتبار المخاطبين قال مقاتل بن حيان إنما كان ذلك عشر ليال ثم نسخ وقال الكلبي ما كان ذلك إلا ليلة واحدة وقال قتادة ما كان إلا ساعة من النهار ( فإذ لم تفعلوا ) ما أمرتم به من الصدقة بين يدي النجوى وهذا خطاب لمن وجد ما يتصدق به ولم يفعل وأما من لم يجد فقد تقدم الترخيص له بقوله ) فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ( ) وتاب الله عليكم ( بان رخص لكم في الترك وإذ على بابها في الدلالة على المضي وقيل هي بمعنى إذا وقيل بمعنى إن وتاب معطوف على لم تفعلوا أي وإذا لم تفعلوا وإذ تاب عليكم ( فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) والمعنى إذا وقع منكم التثاقل عن امتثال الأمر بتقديم الصدقة بين يدي النجوى فاثبتوا على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله فيما تؤمرون به وتنهون عنه ( والله خبير بما تعملون ) لا يخفى عليه من ذلك شيء فهو مجازيكم وليس في الآية ما يدل على تقصير المؤمنين في امتثال هذا الأمر أما الفقراء منهم فالأمر واضح وأما من عداهم من المؤمنين فإنهم لم يكلفوا بالمناجاة حتى تجب عليهم الصدقة بل أمروا بالصدقة إذا أرادوا المناجاة فمن ترك المناجاة فلا يكون مقصرا في امتثال الأمر بالصدقة على أن في الآية ما يدل على أن الأمر للندب كما قدمنا وقد استدل بهذه الآية من قال بأنه يجوز النسخ قبل إمكان الفعل وليس هذا الاستدلال بصحيح فإن النسخ لم يقع إلا بعد إمكان الفعل وأيضا قد فعل ذلك البعض فتصدق بين يدي نجواه كما سيأتي
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال أنزلت هذه الآية ) إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس ( يوم جمعة ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يومئذ في الصفة وفي المكان ضيق وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس فقاموا حيال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فرد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عليهم ثم سلموا على القوم بعد ذلك فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فعرف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما يحملهم على القيام فلم يفسح لهم فشق ذلك عليه فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر قم يا فلان وأنت يا فلان فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام من أهل بدر فشق ذلك على من أقيم من مجلسه فنزلت هذه الآية وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال ذلك في مجلس القتال ( وإذا قيل


"""""" صفحة رقم 191 """"""
انشزوا ) قال إلى الخير والصلاة وأخرج أبن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في المدخل عن أبن عباس في قوله ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) قال يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤمنوا درجات وأخرج سعيد بن منصور وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن مسعود في تفسير هذه الاية قال يرفع الله الذين آمنوا منكم وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات وأخرج أبن المنذر عنه قال ما خص الله العلماء في شيء من القرآن ما خصهم في هذه الآية فضل الله الذين آمنوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم وأخرج أبن المنذر وابن أبي حاتم وأبن مردويه عن ابن عباس في قوله ( إذا ناجيتم الرسول ) الآية قال إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف عن نبيه فلما قال ذلك ظن كثير من الناس وكفوا عن المسألة فأنزل الله بعد هذا ( أأشفقتم ) الآية فوسع الله عليهم ولم يضيق واخرج أبن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وأبو يعلي وأبن جرير وأبن المنذر والنحاس وأبن مردويه عن علي بن أبي طالب قال لما نزلت ( يا ايها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) قال لي النبي صلى الله عليه وإله وسلم ما ترى دينار قلت لا يطيقونه قال فنصف دينار قلت لا يطيقونه قال فكم قلت شعيره قال إنك لزهيد قال فنزلت أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات الآية في خفف الله عن هذه الأمة ) والمراد بالشعيرة هنا وزن شعيرة من ذهب وليس المراد واحدة من حب الشعير وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن مردويه عنه قال ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت وما كانت إلا ساعة يعني آية النجوى وأخرج سعيد بن منصور وأبن راهويه وأبن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبن مردويه عنه أيضا قال إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية النحوى ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت كلما ناجيت رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم قدمت بين يدي نجواي درهما ثم نسخت فلم يعمل بها أحد فنزلت أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات الآية وأخرج الطبراني وأبن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف عن سعد بن أبي وقاص قال نزلت ( يا ايها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقه ) فقدمت شعيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم إنك لزهيد فنزلت الآية الأخرى أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات
سورة المجادلة ( 14 22 )


"""""" صفحة رقم 192 """"""
المجادلة : ( 14 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ( ألم تر إلى الذين تولوا قوما ) أي والوهم قال قتادة هم المنافقين تولوا اليهود وقال السدي ومقاتل هم اليهود تولوا المنافقين وبدل على الأول قوله ( غضب الله عليهم ) فإن المغضوب عليهم هم اليهود ويدل على الثاني قوله ( ما هم منكم ولا منهم ) فإن هذه صفة المنافقين كما قال الله فيهم مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وجملة ( ما هم منكم ولا منهم ) في محل نصب على الحال أو هي مستأنفة ( ويحلفون على الكذب ) أي يحلفون أنهم مسلمون أو يحلفون أنهم ما نقلوا الأخبار إلي اليهود والجملة عطف على تولوا داخله في حكم التعجيب من فعلهم وجملة ( وهم يعلمون ) في محل نصب على الحال أي والحال أنهم يعلمون بطلان ما حلفوا عليه وأنه كذب لا حقيقة له
المجادلة : ( 15 ) أعد الله لهم . . . . .
( أعد الله لهم عذابا شديدا ) بسبب هذا التولي والحلف على الباطل ( إنهم ساء ما كانوا يعملون ) من الأعمال القبيحة
المجادلة : ( 16 ) اتخذوا أيمانهم جنة . . . . .
( اتخذوا أيمانهم جنة ) قرأ الجمهور أيمانهم بفتح الهمزة جمع يمين وهي ما كانوا يحلفون عليه من الكذب بأنهم من المسلمين توقيا من القتل فجعلوا هذه الأيمان وقاية وسترة دون دمائهم كما يجعل المقاتل الجنة وقاية له من أن يصاب بسيف أو رمح أو سهم وقرأ الحسن وأبو العالية إيمانهم بكسر الهمزة أي جعلوها تصديقهم جنة من القتل فآمنت ألسنتهم من خوف القتل ولم تؤمن قلوبهم ( فصدوا عن سبيل الله ) أي منعوا الناس عن الإسلام بسبب ما يصدر عليهم من التشبيط وتهوين أمر المسلمين وتضعيف شوكتهم وقيل المعنى فصدوا المسلمين عن قتالهم بسبب إظهارهم للإسلام ( فلهم عذاب مهين ) أي يهينهم ويخزيهم قيل هو تكرير لقوله ( أعد الله لهم عذابا شديدا ) للتأكيد وقيل الأول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة ولا وجه للقول بالتكرر فإن العذاب الموصوف بالشدة غير العذاب الموصوف بالإهانة
المجادلة : ( 17 ) لن تغني عنهم . . . . .
( لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ) أي لن تغني عنهم من عذابه شيئا من الإغناء قال مقاتل قال المنافقون إن محمدا يزعم أنه ينصر يوم القيامة لقد شقينا إذن فوالله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا إن كانت قيامة فنزلت الآية ( أولئك ) الموصوفون بما ذكر ( أصحاب النار ) لا يفارقونها ( هم فيها خالدون ) لا يخرجون منها
المجادلة : ( 18 ) يوم يبعثهم الله . . . . .
( يوم يبعثهم الله جميعا ) الظرف منصوب بقوله مهين أو بمقدر أي اذكر ( فيحلفون له كما يحلفون لكم ) أي يحلفون لله يوم القيامة على الكذب كما يحلفون لكم في الدنيا وهذا من شدة شقاوتهم ومزيد الطبع على قلوبهم فإن يوم القيامة قد انكشفت الحقائق وصارت الأمور معلومة بضرورة المشاهدة فكيف يجترؤون على أن يكذبوا في ذلك الموقف ويحلفون على الكذب ( ويحسبون أنهم على شيء ) أي يحسبون في الآخرة أنهم بتلك الأيمان الكاذبة على شيء مما يجلب نفعا


"""""" صفحة رقم 193 """"""
أو يدفع ضررا كما كانوا يحسبون ذلك في الدنيا ( ألا أنهم هم الكاذبون ) أي الكاملون في الكذب المتهالكون عليه البالغون فيه إلى حد لم يبلغ غيرهم إليه بإقدامهم عليه وعلى الإيمان الفاجرة في موقف القيامة بين يدي الرحمن
المجادلة : ( 19 ) استحوذ عليهم الشيطان . . . . .
( استحوذ عليهم الشيطان ) أي غلب عليهم واستعلى واستولى قال المبرد استحوذ على الشيء حواه وأحاط به وقيل قوى عليهم وقيل جمعهم يقال أحوذ الشيء أي جمعه وضم بعضه إلى بعض والمعاني متقاربة لأنه إذا جمعهم فقد قوى عليهم وغلبهم واستعلى عليهم واستولى وأحاط بهم ( فأنساهم ذكر الله ) أي أوامره والعمل بطاعاته فلم يذكروا شيئا من ذلك وقيل زواجره في النهي عن معاصيه وقيل لم يذكروه وبقلوبهم ولا بألسنتهم والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى المذكورين الموصوفين بتلك الصفات وهو مبتدا وخبره ( حزب الشيطان ) أي جنوده وأتباعه ورهطه ( ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) أي الكاملون في الخسران حتى كأن خسران غيرهم بالنسبة إلى خسرانهم ليس بخسران لأنهم باعوا الجنة والهدى بالضلالة وكذبوا على الله وعلى نبيه وحلفوا الأيمان الفاجرة في الدنيا والآخرة
المجادلة : ( 20 ) إن الذين يحادون . . . . .
( إن الذين يحادون الله ورسوله ) تقدم معنى المحادة لله ولرسوله في أول هذه السورة والجملة تعليل لما قبلها ( أولئك في الأذلين ) أي أولئك المحادون لله ورسوله المتصفون بتلك الصفات المتقدمة من جملة من أذلة الله من الأمم السابقة واللاحقة لأنهم لما حادوا الله ورسوله صاروا من الذل بهذا المكان قال عطاء يريد الذل في الدنيا والخزي في الآخرة
المجادلة : ( 21 ) كتب الله لأغلبن . . . . .
( كتب الله لأغلبن وأنا ورسلي ) الجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها مع كونهم في الأذلين أي كتب في اللوح المحفوظ وقضى في سابق علمه لأغلبن أنا ورسلي بالحجة والسيف قال الزجاج معنى غلبة الرسل على نوعين من بعث منهم بالحرب فهو غالب في الحرب ومن بعث منهم بغير الحرب فهو غالب بالحجة قال الفراء كتب بمعنى قال وقوله أنا توكيد ثم ذكر مثل قول الزجاج ( إن الله قوي عزيز ) فهو قوي على نصر أوليائه غالب لأعدائه لا يغلبه أحد
المجادلة : ( 22 ) لا تجد قوما . . . . .
( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أو لكل من يصلح له أي يحبون ويوالون من عادي الله ورسوله وشاقهما وجملة يوادون في محل نصب على أنها المفعول الثاني لتجد إن كان متعديا إلى مفعولين أو في محل نصب على الحال إن كان متعديا إلى مفعول واحد أو صفة أخرى لقوما أي جامعون بين الإيمان والموادة لمن حاد الله ورسوله ( ولو كانوا آباءهم وأبناءهم أو أخواتهم أو عشيرتهم ) أي ولو كان المحادون لله ورسوله أباء الموادين الخ فإن الإيمان يزجر عن ذلك ويمنع منه ورعايته أقوى من رعاية الأبوة والبنوة والأخوة والعشيرة ( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ) يعني الذين لا يوادون من حاد الله ورسوله ومعنى ( كتب في قلوبهم الإيمان ) خلقه وقيل أثبته وقيل جعله وقيل جمعه والمعاني متقاربة ( وأيدهم بروح منه ) أي قواهم بنصر منه على عدوهم في الدنيا وسمى نصره لهم روحا لأن به يحيا أمرهم وقيل هو نور القلب وقال الربيع بن أنس بالقرآن والحجة وقيل بجبريل وقيل بالإيمان وقيل برحمة وقرأ الجمهور كتب مبنيا للفاعل ونصب الإيمان على المفعولية وقرأ زر بن حبيش والمفضل عن عاصم على البناء للمفعول ورفع الإيمان على النيابة وقرأ زر بن حبيش عشيراتهم بالجمع ورويت هذه القراءة عن عاصم ( ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) على الأبد ( رضي الله عنهم ) أي قبل أعمالهم وأفاض عليهم آثار رحمته العاجلة والآجلة ( ورضوا عنه ) أي فرحوا بما أعطاهم عاجلا وآجلا ( اولئك حزب الله ) أي جنده الذين يمتثلون أوامره ويقاتلون أعداءه وينصرون أولياءه وفي أضافتهم إلى الله سبحانه تشريف لهم عظيم وتكريم فخيم ( ألا إن حزب الله هم


"""""" صفحة رقم 194 """"""
المفلحون ) أي الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة الكاملون في الفلاح الذين صار فلاحهم هو الفرد الكامل حتى كان فلاح غيرهم بالنسبة إلى فلاحهم كلا فلاح
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد والبزار وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم جالسا في ظل حجرة من حجرة وعنده نفر من المسلمين فقال إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعين شيطان فإذا جاءكم فلا تكلموه فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق فقال حين رآه علام تشتمني أنت وأصحابك فقال ذرني آتيك بهم فحلفوا واعتذروا فأنزل الله ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ) الآية والتي بعدها وأخرج أبن أبي حاتم والطبراني والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن عبد الله بن شوذب قال جعل والد أبي عبيدة بن الجراح يتقصد لأبي عبيدة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر قصدجه أبو عبيدة فقتله ( فنزلت ( لا تجد قوما يؤمنون بالله ) الآية
ع59
تفسير
سورة الحشر
هي أربع وعشرون آية
حول السورة
وهي مدنية قال القرطبي في قول الجميع وأخرج أبن الضريس والنحاس وأبن مردويه والبيهقي عن أبن عباس قال نزلت سورة الحشر بالمدينة وأخرج أبن مردويه عن ابن الزبير مثله واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعيد بن جبير قال قلت لأبن عباس سورة الحشر قال سورة النضير يعني أنها نزلت في بني النضير كما صرح بذلك في بعض الروايات
سورة الحشر ( 1 7 )


"""""" صفحة رقم 195 """"""
الحشر : ( 1 ) سبح لله ما . . . . .
قوله 0 سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ) قد تقدم تفسير هذا في سورة الحديد
الحشر : ( 2 ) هو الذي أخرج . . . . .
( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ) هم بنو النضير وهم رهط من اليهود من ذرية هارون نزلوا المدينة في فتن بني اسرائيل انتظارا منهم لمحمد صلى الله عليه وإله وسلم فغدروا بالنبي صلى الله عليه وإله وسلم بعد أن عاهدوه وصاروا عليه مع المشركين فحاصرهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى رضوا بالجلاء قال الكلبي كانوا أول من أجلى من أهل الذمة من جزيرة العرب ثم اجلى آخرهم في زمن عمر بن الخطاب فكان جلاؤهم أدل حشر من المدينة وآخر حشر إجلاء عمر لهم وقيل إن أول الحشر إخراجهم من حصونهم إلى خيبر وآخر الحشر إخراجهم من خيبر إلى الشام وقيل آخر الحشر هو حشر جميع الناس إلى أرض المحشر وهي الشام قال عكرمة من شك أن المحشر يوم القيامة في الشام فليقرأ هذه الآية وأن النبي صلى الله عليه وغله وسلم قال لهم اخرجوا قالوا إلى أين قال إلى أرض المحشر قال أبن العربي الحشر اول وأوسط وآخر فالأول إجلاء بني النضير والأوسط إجلاء أهل خيبر والآخر يوم القيامة وقد أجمع المفسرون على أن هؤلاء المذكورين في الآية هم بنو النضير ولم يخالف في ذلك لا الحسن البصري فقال هم بنو قريظة وهو غلط فإن بني قريضة ما حشروا بل قتلوا بحكم سعد بن معاذ لما رضوا بحكمه فحكم عليهم بأن تقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم وتغنم أموالهم فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لسعد لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة واللام في لأول الحشر متعلقة بأخرج وهي اللام التوقيت كقوله لدلوك الشمس ( ما ظننتم أن يخرجوا ) هذا خطاب للمسلمين أي ما ظننتم أيها المسلمون أن بني النضير يخرجون من ديارهم لعزتهم ومنعتهم وذلك أنهم كانوا أهل حصون مانعة وعقار ونخيل واسعة وأهل عدد وعدة ( وظنوا أنهم مانعتم حصونهم من الله ) أي وظن بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من بأس الله وقوله مانعتهم خبر مقدم وحصونهم مبتدأ مؤخر والجملة خبر أنهم ويجوز أن يكون مانعتهم خبر أنهم وحصونهم فاعل مانعتهم ورجح الثاني أو حيان والأول أولى ( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) أي أتاهم أمر الله من حيث لم يخطر ببالهم أنه ياتيهم أمره من تلك الجهة وهو أنه سبحانه أمر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بقتالهم وإجلالهم وكانوا لا يظنون ذلك وقيل هو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف قاله أبن جريج والسدي وأبو صالح فإن قتله أضعف شوكتهم وقيل أن الضمير في أتاهم ولم يحتسبوا للمؤمنين أي فأتاهم نصر الله من حيث لم يحتسبوا والأول اولى لقوله ( وقذف في قلبوهم الرعب ) فإن قذف الرعب كان في قلوب بني النضير لا في قلوب


"""""" صفحة رقم 196 """"""
المسلمين قال أهل اللغة الرعب الخوف الذي يرعب الصدر أي يملؤه وقذفه إثباته فيه وقيل كان قذف الرعب في قلوبهم بقتل سيدهم كعب بن الأشرف والأولى عدم تقييده بذلك وتفسيره به بل المراد بالرعب الذي قذفه الله في قلوبهم وهو الذي ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وإله وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) وذلك أنهم لما أيقنوا بالجلاء حسدوا المسلمين أن يسكنوا منازلهم فجعلوا يخربونها من داخل والمسلمون من خارج قال قتادة والضحاك كان المؤمنون يخربون من خارج ليدخلوا واليهود من داخل ليبنوا به ما خرب من حصنهم قال الزجاج معنى تخريبها بأيدي المؤمنين أنهم عرضوها لذلك قرأ الجمهور يخربون بالتخفيف وقرأ الحسن والسلمي ونصر بن عاصم وأبو العالية وأبو عمرو بالتشديد قال أبو عمرو إنما اخترت القراءة بالتشديد لأن الإخراب ترك الشيء خرابا وإنما خربوها بالهدم وليس ما قاله بمسلم فإن التخريب والإخراب عند أهل اللغة بمعنى واحد قال سيبويه إن معنى فعلت وأفعلت يتعاقبان نحو أخربته وخربته وأخرجته وفرحته اختار القراءة الأولى أبو عبيد وأبو حاتم قال الزهري وأبن زيد وعروة بن الزبير لما صالحهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على أن لهم ما أقلت الإبل كانوا يستحسنون الخشبة أو العمود فيهدمون بيوتهم ويحملون ذلك على إبلهم ويخرب المؤمنون بأميها وقال الزهري أيضا يخربون بيوتهم ينقض المعاهدة وايدي المؤمنين بالمقاتلة وقال أبو عمرو بأيديهم في تركهم لها وبأيدي المؤمنين في إجلائهم عنها والجملة إما مستأنفة لبيان ما فعلوه أو في محل نصب على الحال ( فاعتبروا يا أولى الأبصار ) أي اتعظوا وتدبروا وانظروا ( فيما نزل بهم يا أهل العقول والبصائر قال الواحدي ومعنى الاعتبار النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها
الحشر : ( 3 ) ولولا أن كتب . . . . .
( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ) أي لولا أن كتب الله عليهم الخروج من أوطانهم على ذلك الوجه وقضى به عليهم لعذبهم بالقتل والسبي في الدنيا كما فعل ببني قريظة والجلاء مفارقة الوطن يقال جلاء بنفسه جلاء وأجلاه غيره إجلاء والفرق بين الجلاء والإخراج وإن كان معناهما في الإبعاد واحدا من جهتين إحداهما أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد والأخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد الثاني أن الجلاء لا يكون إلا الجماعة والإخراج يكون لجماعة ولواحد كذا قال الماوردي ( ولهم في الآخرة عذاب النار ) هذه الجملة مستأنفة غير متعلقة بجواب لولا متضمنه لبيان ما يحصل لهم في الآخرة من العذاب وإن نجوا من عذاب الدنيا
الحشر : ( 4 ) ذلك بأنهم شاقوا . . . . .
والإشارة بقوله 0 ذلك ) إلى ما تقدم ذكره من الجلاء في الدنيا والعذاب في الآخرة ( بأنهم شاقوا الله ورسوله ) أي بسبب المشاقة منهم لله ولرسوله بعدم الطاعة والميل مع الكفار ونقض العهد ( ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ) اقتصر ها هنا على مشاقه الله لأن مشاقته مشاقة لرسوله قرأ الجمهور يشاق بالإدغام وقرأ طلحة بن مصرف ومحمد بن السميفع يشاقق بالفك
الحشر : ( 5 ) ما قطعتم من . . . . .
( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ) قال مجاهد إن بعض المهاجرين وقعوا في قطع النخل فنهاهم بعضهم وقالو إنما هي مغانم للمسلمين وقال الذين قطعوا بل هو غيظ للعدو فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطع النخل وتحليل من قطعه من الإثم فقال ما قطعتم من لينة قال قتادة والضحاك إنهم قطعوا من تخيلهم واحرقوا ست نخلات وقال محمد بن إسحاق إنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة فقال بنو النضير وهم أهل كتاب يا محمد ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر وهل وجدت فيما أنزل عليك إباحة الفساد في الأرض فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ووجد المسلمون في أنفسهم فنزلت الآية ومعنى الآية أي شيء


"""""" صفحة رقم 197 """"""
قطعتم من ذلك أو تركتم فبإذن الله والضمير في تركتموها عائد إلى ما لتفسيرها باللينة وكذا في قوله ( قائمة على أصولها ) ومعنى على أصولها أنها باقية على ما هي عليه واختلف المفسرون في تفسير اللينة فقال الزهري ومالك وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل إنها النخل كله إلا العجوة وقال مجاهد أنها النخل كله ولم يستثن عجوة ولا غيرها وقال الثوري هي كرام النخل وقال أبو عبيدة إنها جميع أنواع التمر سوى العجوة والبرني وقال جعفر بن محمد إنها العجوة خاصة وقيل هي ضرب من النخل يقال لتمرة اللون ثمرة أجود التمر وقال الأصمعي هي الدقل وأصل اللينة لونه فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وجمع اللينة لين وقيل ليان وقرأ أبن مسعود ما قطعتم من لينة ولا تركتم قوما على أصولها أي قائمة على سوقها وقرئ على أصلها وقرئ قائما على أصوله ( وليخزي الفاسقين أي لبذل الخارجين عن الطاعة وهم اليهود ويغيظهم في مقطعها وتركها لأنهم إذا رأوا المؤمنين يتحكمون في أموالهم كيف شاءوا من القطع والترك ازدادوا غيظا قال الزجاج وليخزي الفاسقين بأن يريهم أموالهم يتحكم فيها المؤمنون كيف أحبوا من قطع وترك والتقدير وليخزي الفاسقين أذن في ذلك يدل على المحذوف قوله ( فبأذن الله ) وقد استدل بهذه الآية على جواز الاجتهاد وعلى تصويب المجتهدين والبحث مستوفى في كتب الأصول
الحشر : ( 6 ) وما أفاء الله . . . . .
( وما أفاء الله على رسوله منهم ) أي ما رده عليه من أموال الكفار يقال فاء يفيء إذا رجع والضمير في منهم عائد إلى بني النضير ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) يقال وجف الفرس والبعير يجف وجفا وهو سرعة السير وأوجفه صاحبه إذا حمله على السير السريع ومنه قول تميم بن مقبل مذ أو بد بالبيض الحديد صقالها
عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا
4 وقال نصيب ألا رب ركب قد قطعت وحيفهم
إليك ولولا أنت لم يوجف الركب
و ما في ( فما أوجفتم ) نافية والفاء جواب الشرط إن كانت ما في قوله ( ما أفاء الله ) شرطيه وإن موصولة فالفاء زائدة ومن في قوله ( من خيل ) زائدة للتأكيد والركاب ما يركب من الإبل خاصة والمعنى أن مارد الله على رسوله من أموال بني النضير لم تركبو لتحصيله خيلاء ولا إبلا ولا تجشمتم لها شقة ولا لقيتم بها جريا ولا مشقة وإنما كانت من المدينة على ميلين فجعل الله سبحانه أموال بني النضير لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة لهذا السبب فإنه افتتحها صلحا وأخذ أموالها وقد كان سأله المسلمون أن يقسم لهم فنزلت الآية ( ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ) من اعدائه وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم دون أصحابه لكونهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب بل مشوا إليها مشيا ولم يقاسوا فيها شيئا من شدائد الحروب ( والله على كل شيء قدير ) يسلط من يشاء على من أراد ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
الحشر : ( 7 ) ما أفاء الله . . . . .
( وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) هذا بيان لمصارف الفيء بعد بيان أنه لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم خاصة والتكرير لقصد التقرير والتأكيد ووضع أهل القرى موضع قوله منهم أي من بني النضير للإشعار بأن هذا الحكم لا يختص ببني النضير وحدهم بل هو حكم على كل قرية يفتحها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صلحا ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب قيل والمراد بالقرى بنو النضير وقريظة وفدك وخيبر وقد تكلم أهل العلم في هذه الآية والتي قبلها هل معناهما متفق أو مختلف فقيل معناهما متفق كما ذكرنا وقيل مختلف وفي ذلك كلام لأهل العلم طويل قال أبن


"""""" صفحة رقم 198 """"""
العربي لا أشكال أنها ثلاثة معان في ثلاث آيات أما الآية الأولى وهي قوله ( وما أفاء الله على رسوله منهم ) فهي خاصة برسول الله صلى الله عليه وإله وسلم خالصة له وهي أموال بني النضير وما كان مثلها وأما الآية الثانية وهي قوله ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) فهذا كلام مبتدأ غير الأول بمستحق غير الأول وإن اشتركت هي والأولى في أن كل واحدة منهما تضمنت شيئا أفاءه الله على رسوله واقتضت الآية الأولى أنه حاصل بغير قتال واقتضت آية الأنفال وهي الآية الثالثة أنه حاصل بقتال وعريت الآية الثانية وهي قوله ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) عن ذكر حصوله بقتال أو بغير قتال فنشأ الخلاف من ها هنا فطائفة قالت هي ملحقة بالأولى وهي مال الصلح وطائفة قالت هي ملحقة بالثالثة وهي آية الأنفال والذين قالوا إنها ملحقة بآية الأنفال اختلفوا هل هي منسوخة أو محكمة هذا معنى حاصل كلامه وقال مالك ان الآية الأولى من هذه السورة خاصة برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والآية الثانية هي في بني قريظة ويعني أن عناها يعود إلى آية الأنفال ومذهب الشافعي أن سبيل الفي ء خمس خمس الغنيمة وإن أربعة أخماسه كانت للنبي صلى الله عليه وإله وسلم وهي بعده لمصالح المسلمين ( فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وأبن السبيل ) المراد بقوله لله أنه ( يحكم فيه بما يشاء وللرسول يكون ملكا له ولذي القربى وهو بنو هاشم وبنو المطلب لأنهم قد منعوا من الصدقة فجعل لهم حقا في الفيء قيل زتكون القسمة في هذا المال على أن يكون أربعة أخماسه لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وخمسه يقسم أخماسا للرسول خمس ولكل صنف من الأصناف الأربعة المذكورة خمس وقيل يقسم أسداسا السادس سهم الله سبحانه ويصرف إلى وجوه القرب كعمارة المساجد ونحو ذلك ( كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم أي كيلا يكون الفيء دولة بين الأغنياء دون والفقراء والدولة اسم للشيء يتداوله القوم بينهم يكون لهذا مرة ولهذا مرة قال مقاتل المعنى أنه يغلب الأغنياء الفقراء فيقسمونه بينهم قرأ الجمهور ط يكون بالتحتية دولة بالنصب أي كيلا يكون الفيءدولة وقرأ جعفر والأعرج وهشام وأبو حيان تكون بالفوقية دولة بالرفع أي كيلا تقع أو توجد دولة وكان تامة وقرأ الجمهور دولة بضم الدال وقرأ أبو حيوة والسلمي بفتحها قال عيسى بن عمر ويونس والأصمعي هما لغتان بمعنى واحد وقال أبو عمرو أبن العلاء الدولة بالفتح الذي يتداول من الأموال وبالضم الفعل وكذا قال أبو عبيدة ثم لما بين لهم سبحانه مصارف هذا المال أمرهم بالإقتداء برسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) أي ما أعطاكم من مال الغنيمة فخذوه وما نهاكم عن أخذه فانتهوا عنه ولا تأخذوه قال الحسن والسدي ما أعطاكم من مال الفيء فاقبلوه وما منعكم منه فلا تطلبوه وقال أبن جريج ما آتاكم من طاعتي فافعلوا وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه والحق أن هذه الآية عامة في كل شيء يأتي به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من امر أو نهي أو قول أو فعل وإن كان السبب خاصا فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وكل شيء أتانا به من الشرع فقد أعطانا إياه واوصله إلينا وما أنفع هذه الآية واكثر فائدتها ثم لما أمرهم بأخذ ما أمرهم به الرسول وترك ما نهاهم عنه أمرهم بتقواه وخوفهم شدة عقوبته فقال ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) فهو معاقب من لم يأخذها ما آتاه الرسول ولم يترك ما نهاه عنه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة اشهر من وقعة بدر وكان منزلهم ونخلهم في ناحية المدينة فحاصرهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة


"""""" صفحة رقم 199 """"""
يعني السلاح فأنزل الله فيهم ( سبح لله ما في السموات وما في الأرض ) إلى قوله ( لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا ) فقاتلهم النبي صلى الله عليه وإله وسلم حتى صالحهم على الإجلاء وجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصيبهم جلاء فيما خلا وكان الله قد كتب عليهم ذلك ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي وأما قوله ( لأول الحشر ) فكان إجلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام وأخرج البزار وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال من شك أن المحشر بالشام فليقرا هذه الآية ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ) قال لهم رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يومئذ اخرجوا قالوا إلى أين قال إلى أرض المحشر واخرج أبن جرير وأبن مردويه والبيهقي في الدلائل وأبن عساكر عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وإله وسلم قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ فأعطوه ما أراد منهم فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم وأن يخرجهم من أرضهم واوطانهم وأن يسيروا إلى أذرعات الشام وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء وفي البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة ولها يقول حسان لهان على سراة بني لؤي
حريق بالبويرة مستطير
فأنزل الله ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبأذن الله ليخزي الفاسقين ) وأخرج الترمذي وحسنه النسائي وأبن أبي حاتم وأبن مردويه عن أبن عباس في الآية قال اللينة النخلة ( وليخزي الفاسقين ) قال استنزلوهم فلنسألن من حصونهم وأمروا بقطع النخل فحك في صدورهم فقال المسلمون قد قطعنا بعضا وتركنا بعضا فلنسألن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هل لنا فيما قطعنا من أجر وهل علينا فيما تركنا من وزر فأنزل الله ( ما قطعتم من لينة ) الآية وفي الباب أحاديث والكلام في صلح بني النضير مبسوط في كتب السير وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب قال كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله ومما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكانت لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم خاصة فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله واخرج أبن مردويه عن أبن عباس في قوله ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) فجعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يحكم فيه ما أراد ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها قال والإيجاف أن يوضعوا السير وهي لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم فكان من ذلك خيبر وفدك وقرى عرينة وأمر رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أن يعمد لينبع فأتاها رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم فاحتواها كلها فقال ناس هلا قسمها الله فأنزل الله عذره فقال 0 ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) الآية واخرج أبن مردويه عنه أيضا قال كان ما أفاء الله على رسوله من خيبر نصف لله ورسوله والنصف الآخر للمسلمين فكان الذي لله ورسوله من ذلك المتيبة والوطيح وسلالم ووحدوه وكان الذي للمسلمين الشق والشق ثلاثة عشر سهما ونطاة خمسة أسهم ولم يقسم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من خيبر لأحد من المسلمين إلا لمن شهد الحديبية ولم يأذن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم لأحد من المسلمين تخلف عنه عند مخرجه إلى الحديبية أن يشهد معه خيبر إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري وأخرج أبو داود وأبن مردويه عن عمر بن الخطاب قال كان لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم صفايا في النضير وخيبر وفدك فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه وأما فدك فكانت لأبن السبيل واما خيبر فجزأها ثلاثة أجزاء قسم منها جزءين بين المسلمين وحبس جزءا لنفسه ولنفقة أهله فما فضل عن نفقة أهله


"""""" صفحة رقم 200 """"""
ردها على فقراء المهاجرين واخرج عبد الرزاق وأبن سعد وأبن أبي شيبة وابن زنجويه في الأموال وعبد بن حميد وأبن المنذر عن عمر بن الخطاب قال ما على وجه الأرض مسلم إلا وله في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبن مسعود قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمضات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله ) فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت أبن مسعود فقالت بلغني أنك لعنت كيت وكيت قال وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وهو في كتاب الله قالت لقد قرأت ما بين الدفتين فما وجدت فيه شيئا من هذا قال لئن كنت قرأته لقد وجدته أما قرأت ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) قالت بلى فإنه قد نهى عنه
سورة الحشر ( 8 10
الحشر : ( 8 ) للفقراء المهاجرين الذين . . . . .
قوله ( للفقراء ) قيل هو بدل من لذي القربى وما عطف عليه ولا يصح أن يكون بدلا من الرسول وما بعده لئلا يستلزم وصف رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم بالفقر وقيل التقدير كي لا يكون دولة ولكن يكون للفقراء وقيل التقدير اعجبوا للفقراء وقيل التقدير والله شديد العقاب للفقراء أي شديد العقاب للكفار بسبب الفقراء وقيل هو عطف على ما مضى بتقدير الواو كما تقول المال لزيد لعمرو لبكر والمراد با ( المهاجرين ) الذين هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم رغبة في الدين ونصره له قال قتادة هؤلاء المهاجرون هم الذين تركوا الديار والأموال والأهلين ومعنى ( أخرجوا من ديارهم ) أن كفار مكة أخرجوهم منها واضطروهم إلى الخروج وكانوا مائة رجل ( يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) أي يطلبون منه أن يتفضل عليهم بالرزق في الدنيا وبالرضوان في الآخرة ( وينصرون الله ورسوله ) بالجهاد للكفار وهذه الجملة معطوفة على يبتغون ومحل الجملتين النصب على الحال الأولى مقارنة والثانية مقدرة أي ناوين لذلك ويجوز أن تكون حالا مقارنة لأن خروجهم على تلك الصفة نصرة لله ورسوله والإشارة بقوله ( أولئك ) إليهم من حيث اتصافهم بتلك الصفات وهو مبتدأ وخبره ( هم الصادقون ) أي الكاملون في الصدق الراسخون فيه
الحشر : ( 9 ) والذين تبوؤوا الدار . . . . .
ثم لما فرغ من مدح المهاجرين مدح الأنصار فقال 0 والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ) المراد بالدار المدينة وهي دار الهجرة ومعنى تبوئهم الدار والإيمان أنهم اتخذوها مباءة أي تمكنوا منهما تمكنا شديدا والتبوأ في الأصل إنما يكون للمكان ولكنه جعل الإيمان مثله لتمكنهم فيه تنزيلا للحال منزلة المحل وقيل إن الإيمان منصوب بفعل غير الفعل المذكور والتقدير واعتقدوا الإيمان أو وأخلصوا الإيمان كذا قال أبو علي الفارسي ويجوز أن


"""""" صفحة رقم 201 """"""
يكون على حذف مضاف أي تبوؤوا الدار وموضع الإيمان ويجوز أن يكون تبوؤوا مضمنا لمعنى لزموا والتقدير لزموا الدار والإيمان ومعنى من قبلهم من قبل هجرة المهاجرين فلا بد من تقدير مضاف لأن الأنصار إنما آمنوا بعد إيمان المهاجرين والموصول مبتدأ وخبره ( يحبون من هاجر إليهم ) وذلك لأنهم أحسنوا إلى المهاجرين وأشركوهم في أموالهم ومساكنهم ( ولا يجدون في صدورهم حاجة ) أي لا يجد الأنصار في صدورهم حسدا وغيظا وحزازة ( مما أوتوا ) أي مما أوتي المهاجرون دونهم من الفيء بل طابت أنفسهم بذلك وفي الكلام مضاف محذوف أي لا يجدون في صدورهم مس حاجة أو أثر حاجة وكل ما يجده الإنسان في صدره مما يحتاج إليه فهو حاجة وكان المهاجرون في دور الأنصار فلما غنم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بني النضير دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين من إنزالهم إياهم في منازلهم وإشراكهم في أموالهم ثم قال إن أحببتم قسمت ما أفاء الله علي من بني النضير بينكم وبين المهاجرين وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم والمشاركة لكم في أموالكم وإن أحببتم أعطيتهم ذلك خرجوا من دياركم فرضوا بقسمة ذلك في المهاجرين وطابت أنفسهم ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) الإيثار تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا رغبة في حظوظ الآخرة يقال آثرته بكذا أي خصصته به والمعنى ويقدمون المهاجرين على أنفسهم في حظوظ الدنيا ولو كان بهم خصاصة أي حاجة وفقر والخصاصة مأخوذة من خصائص البيت وهي الفرج التي تكون فيه وجملة ولو كان بهم خصاصة في محل نصب على الحال وقيل إن الخصاصة ماخوذة من الاختصاص وهو الانفراد بالأمر فالخصاصة الانفراد بالحاجة ومنه قول الشاعر إن الربيع إذا يكون خصاصه
عاش السقيم به واثرى المقتر
( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) قرأ الجمهور يوق بسكون الواو وتخفيف القاف من الوقاية وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة بفتح الواو وتشديد القاف وقرأ الجمهور شح نفسه بضم الشين وقرأ ابن عمر وابن أبي عبلة بكسرها والشح البخل مع حوص كذا في الصحاح وقيل الشح أشد من البخل قال مقاتل شح نفسه حرص نفسه قال سعيد بن جبير شح النفس هو أخذ الحرام ومنع الزكاة قال ابن زيد من لم يأخذ شيئا نهاه الله عنه ولم يمنع شيئا أمره الله بأدائه فقد وقي شح نفسه قال طاووس البخل أن يبخل الإنسان بما في يده والشح أن يشح بما في أيدي الناس يحب أن يكون له ما في أيديهم بالحلال والحرام لا يقنع وقال ابن عيينة الشح الظلم وقال الليث ترك الفرائض وانتهاك المحارم والظاهر من الآية أن الفلاح مترتب على عدم شح النفس بشيء من الأشياء التي يفبح الشح بها شرعا من زكاة أو صدقة أو صلة رحم أو نحو ذلك كما تفيده إضافة الشح إلى النفس والإشارة بقوله ( فأولئك ) إلى من باعتبار معناها وهو مبتدأ وخبره ( هم المفلحون ) والفلاح الفوز والظفر بكل مطلوب
الحشر : ( 10 ) والذين جاؤوا من . . . . .
ثم لما فرغ سبحانه من الثناء على المهاجرين والأنصار ذكر ما ينبغي أن يقوله من جاء بعدهم فقال ( والذين جاءوا من بعدهم ) وهم التابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة وقيل هم الذين هاجروا بعد ما قوى الإسلام والظاهر شمول الآية لمن جاء بعد السابقين من الصحابة المتأخر إسلامهم في عصر النبوة ومن تبعهم من المسلمين بعد عصر النبوة إلى يوم القيامة لأنه يصدق على الكل أنهم جاءوا بعد المهاجرين الأولين والأنصار والموصول مبتدأ وخبره ( يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) ويجوز أن يكون الموصول معطوفا على قوله ( والذين تبوءوا الدار والإيمان ) فيكون يقولون في محل نصب على الحال أو مستأنف لا محل له والمراد بالأخوة هنا أخوة الدين أمرهم الله أن يستغفروا لأنفسهم ولمن تقدمهم من المهاجرين


"""""" صفحة رقم 202 """"""
والأنصار ( ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ) أي غشا وبغضا وحسدا أمرهم الله سبحانه بعد الأستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه أن ينزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الإطلاق فيدخل في ذلك الصحابة دخولا أوليا لكونهم أشرف المؤمنين ولكون السياق فيهم فمن لم يتسغفر للصحابة على العموم ويطلب رضوان الله لهم فقد خالف ما أمره الله به في هذه الآية فإن وجد في قلبه غلا لهم فقد أصابه نزغ من الشيطان وحل به نصيب وافر من عصيان الله بعداوة أوليائه وخير أمته نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وانفتح له باب من الخذلان يفد به على نار جهنم إن لم يتدارك نفسه باللجوء إلى الله سبحانه والاستغاثة به بأن ينزع عن قلبه ما طرقه من الغل لخير القرون وأشرف هذه الأمة فإن جاوز ما يجده من الغل إلى شتم أحد منهم فقد انقاد للشيطان بزمام ووقع في غضب الله وسخطه وهذا الداء العضال إنما يصاب به من ابتلى بمعلم من الرافضة أو صاحب من أعداء خير الأمة الذين تلاعب بهم الشيطان وزين لهم الأكاذيب المختلفة والأقاصيص المفتراة والخرافات الموضوعة وصرفهم عن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وعن سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المنقولة إلينا بروايات الأئمة الأكابر في كل عصر من العصور فاشتروا الضلالة بالهدى واستبدلوا الخسران العظيم بالربح الوافر وما زال الشيطان الرجيم ينقلهم من منزلة إلى منزلة ومن رتبة إلى رتبة حتى صاروا أعداء كتاب الله وسنة رسوله وخير أمته وصالحي عباده وسائر المؤمنين وأهملوا فرائض الله وهجروا شعائر الدين وسعوا في كيد الإسلام وأهله كل السعي ورموا الدين وأهله بكل حجر ومدر والله من ورائهم محيط ( ربنا إنك رءوف رحيم ) أي كثير الرأفة والرحمة بليغهما لمن يستحق ذلك من عبادك
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب إنه قال أوصى الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال أتى رجل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال ألا رجل يضيف هذه الليلة رحمه الله فقال رجل من الأنصار وفي رواية فقال أبو طلحة الأنصاري أنا يا رسول الله فذهب به إلى أهله فقال لأمرأته اكرمي ضيف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تدخريه شيئا قالت والله ما عندي إلا قوت الصبية قال فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالى فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة لضيف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ففعلت ثم غدا الضيف على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لقد عجب الله الليلة من فلان وفلانة وأنزل فيهما ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) وأخرج الحاكم وصححه ابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال أهدى إلي رجل من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رأس شاة فقال إن أخي فلانا وعياله أحوج إلى هذا منا فبعث به إليه فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات حتى رجعت إلى الأول فنزلت فيهم ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أن رجلا قال إني أخاف أن أكون قد هلكت قال وما ذاك قال إني سمعت الله يقول ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج مني شيء فقال له أبن مسعود ليس ذاك بالشح ولكنه البخل ولا خير في البخل وإن الشح الذي


"""""" صفحة رقم 203 """"""
ذكره الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلما وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عمر في الآية قال ليس الشح ان يمنع الرجل ماله ولكنه البخل وإنه لشر إنما الشح أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له وأخرج ابن المنذر عن علي ابن أبي طالب قال من أدى زكاة ماله فقط وقى شح نفسه وأخرج الحكيم والترمذي وأبو يعلى وابن مردويه عن انس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما محق الإسلام محق الشح شيء قط وأخرج أحمد والبخاري في الأدب ومسلم والبيهقي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم وقد وردت أحاديث كثيرة في ذم النسح وأخرج الحاكم وصححه وأبن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال الناس على ثلاث منازل قد مضت منزلتان وبقيت منزلة فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت ثم قرأ ( والذين جاءوا من بعدهم ) الآية وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن الأنباري في المصاحف وأبن مردويه عن عائشة قالت أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وإله وسلم فسبوهم ثم قرأت هذه الآية ( والذين جاءوا من بعدهم ) واخرج أبن مردويه عن ابن عمر أنه سمع رجلا وهو يتناول بعض المهاجرين فقرأ عليه ( للفقراء المهاجرين ) الآية ثم قال هؤلاء المهاجرون أفمنهم أنت قال لا ثم قرا عليه 0 والذين تبوءوا الدار والإيمان ) الآية ثم قال هؤلاء الأنصار أفأنت منهم قال لا ثم قرأ عليه ( والذين جاءوا من بعدهم ) الآية ثم قال أفمن هؤلاء أنت قال أرجو قال ليس من هؤلاء من سب هؤلاء
سورة الحشر ( 11 20 )


"""""" صفحة رقم 204 """"""
الحشر : ( 11 ) ألم تر إلى . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر الطبقات الثلاث من المؤمنين ذكر ما جرى بين المنافقين واليهود من المقاولة لتعجيب المؤمنين من حالهم فقال ( ألم تر إلى الذين نافقوا ) والخطاب لرسول الله أو لكل من يصلح له والذين نافقوا هم عبد الله بن أبي وأصحابه وجملة يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ) مستأنفة لبيان المتعجب منه والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة أو للدلالة على الاستمرار وجعلهم إخوانا لهم لكون الكفر قد جمعهم وإن اختلف نوع كفرهم فهم إخوان في الكفر واللام في لإخوانهم هي لام التبليغ وقيل هو من قول بني النضير لبني قريظة والأول أولى لأن بني النضير وبني فريظة هم يهود والمنافقون غيرهم واللام في قوله 0 لئن أخرجتم ) هي الموطئة للقسم أي والله لئن أجرجتم من دياركم ( لنخرجن معكم ) هذا جواب القسم أي لنخرجن من ديارنا في صحبتكم ( ولا نطيع فيكم ) أي في شأنكم ومن أجلكم ( أحدا ) ممن يريد أن يمنعنا من الخروج معكم وإن طال الزمان وهو معنى قوله ( أبدا ) ثم لما وعدوهم بالخروج معهم وعدوهم بالنصرة لهم فقالوا ( وإن قوتلتم لننصرنكم ) على عدوكم ثم كذبهم سبحانه فقال ( والله يشهد إنهم لكاذبون ) فيما وعدوهم به من الخروج معهم والنصرة لهم
الحشر : ( 12 ) لئن أخرجوا لا . . . . .
ثم لما أجمل كذبهم فيما وعدوا به فصل ما كذبوا فيه فقال ( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ) وقد كان الأمر كذلك فإن المنافقين لم يخرجوا مع من أخرج من اليهود وهم بنو النضير ومن معهم ولم ينصروا من قوتل من اليهود وهم بنو قريظة وأهل خيبر ( ولئن نصروهم ) أي لو قدر وجود نصرهم إياهم لأن ما نفاه الله لا يجوز وجوده قال الزجاج معناه لو قصدوا نصر اليهود 0 ليولن الأدبار ) منهزمين ( ثم لا ينصرون ) يعني اليهود لا يصيرون منصورين إذا انهزم ناصرهم وهم المنافقون وقيل يعني لا يصير المنافقون منصورين بعد ذلك بل يذلهم الله ولا ينفعهم نفاقهم وقيل معنى الآية لا ينصرونهم طائعين ولئن نصروهم مكرهين ليولن الأدبار وقيل معنى لا ينصرونهم لا يدومون على نصرهم والأول أولى ويكون من باب قوله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه
الحشر : ( 13 ) لأنتم أشد رهبة . . . . .
( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ) أي لأنتم يا معشر المسلمين أشد خوفا وخشية في صدور المنافقين أو صدور اليهود أو صدور الجميع من الله أي من رهبة الله والرهبة هنا بمعنى المرهوبية لأنها مصدر من المبني للمفعول وانتصابها على التمييز ( ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ) أي ما ذكر من الرهبة الموصوفة بسبب عدم فقههم لشيء من الأشياء ولو كان لهم فقه لعلموا أن الله سبحانه هو الذي سلطكم عليهم فهو أحق بالرهبة منه دونكم
الحشر : ( 14 ) لا يقاتلونكم جميعا . . . . .
ثم اخبر سبحانه بمزيد فشلهم وضعف نكايتهم فقال ( لا يقاتلونكم جميعا ) يعني لا يبرز اليهود والمنافقون مجتمعين لقتالكم ولا يقدرون على ذلك ( إلا في قرى محصنة بالدروب والدور ( أو من وراء جدر ) أي من خلف الحيطان التي يستترون بها لجبنهم ورهبتهم قرأ الجمهور جدر بالجمع وقرأ أبن عباس مجاهد وابن محيصن وأبن كثير وأبو عمرو جدار بالإفراد واختار القراءة الأولى أبو عبيد وأبو حاتم لأنها موافقة لقوله قرى محصنة وقرأ بعض المكيين جدر بفتح الجيم وإسكان الدال وهي لغة في الجدار ( بأسهم بينهم شديد ) أي بعضهم غليظ فظ على بعض وقلوبهم مختلفة ونياتهم متباينة قال السدي المراد اختلاف قلوبهم حتى لا يتلقوا على أمر واحد وقال مجاهد بأسهم بينهم شديد بالكلام


"""""" صفحة رقم 205 """"""
الوعيد ليفعلن كذا والمعنى أنهم إذا انفردوا نسبوا أنفسهم إلى الشدة والبأس وإذا لاقوا عدوا ذلوا وخضعوا وانهزموا وقيل المعنى أن بأسهم بالنسبة إلى أقرانهم شديد وإنما ضعفهم بالنسبة إليكم لما قذف الله في قلوبهم من الرعب والأول أولى لقوله ( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) فإنه يدل على أن اجتماعهم إنما هو في الظاهر مع تخالف قلوبهم في الباطن وهذا التخالف هو البأس الذي بينهم الموصوف بالشدة ومعنى شتى متفرقة قال مجاهد يعنى اليهود والمنافقين تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى وروى عنه أيضا أنه قال المراد المنافقون وقال الثوري هم المشركون وأهل الكتاب قال قتادة تحسبهم جميعا أي مجتمعين على أمر ورأى وقلوبهم شتى متفرقة فأهل الباطل مختلفة آراؤهم مختلفة شهاداتهم مختلفة أهوائهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق وقرأ بن مسعود وقلوبهم أشت أى أشد اختلافا ( ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ) أي ذلك الاختلاف والتشتت بسبب أنهم قوم لا يعقلون شيئا ولو عقلوا لعرفوا الحق واتبعوه
الحشر : ( 15 ) كمثل الذين من . . . . .
( كمثل الذين من قبلهم ) أي مثلهم كمثل الذين من قبلهم والمعنى أن مثل المنافقين واليهود كمثل الذين من قبلهم من كفار المشركين ( قريبا ) يعنى في زمان قريب وانتصاب قريبا لي الظرفية أي يشبهونهم في زمن قريب وقيل العامل فيه ذاقوا أي ذاقوا في زمن قريب ومعنى ( ذاقوا وبال أمرهم ) أي سوء عاقبة كفرهم في الدنيا بقتلهم يوم بدر وكان ذلك قبل غزوة بني النضير بستة أشهر قاله مجاهد وغيره وقيل المراد بنو النضير حيث أمكن الله منهم قاله قتادة وقيل قتل بني قريظة قاله الضحاك وقيل هو عام في كل من انتقم الله منه بسبب كفره والأول أولى ( ولهم عذاب أليم ) أي في الآخرة
الحشر : ( 16 ) كمثل الشيطان إذ . . . . .
ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلا آخر فقال ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر ) أي مثلهم في تخاذلهم وعدم تناصرهم فهو إما خبر مبتدأ محذوف أو خبر آخر للمبتدأ المقدر قبل قوله ( كمثل الذين من قبلهم ) على تقدير حذف حرف العطف كما تقول أنت عاقل أنت عالم أنت كريم وقيل المثل الأول خاص باليهود والثاني خاص بالمنافقين وقيل المثل الثاني بيان للمثل الأول ثم بين سبحانه وجه الشبه فقال ( إذ قال للإنسان اكفر ) أي أغراه بالكفر وزينه له وحمله عليه والمراد بالإنسان هنا جنس من أطاع الشيطان من نوع الإنسان وقيل هو عابد كان في بني إسرائيل حمله الشيطان على الكفر فأطاعه ( فلما كفر قال إني بريء منك أي فلما كفر الإنسان مطاوعة الشيطان وقبولا لتزيينه قال الشيطان إني بريء منك وهذا يكون منه يوم القيامة وجملة ( إني أخاف الله رب العالمين ) تعليل لبراءته من الإنسان بعد كفره وقيل المراد بالإنسان هنا أبو جهل والأول أولى قال مجاهد المراد بالإنسان هنا جميع الناس في غرور الشيطان إياهم قيل وليس قول الشيطان ( إني أخاف الله ) على حقيقته إنما هو على وجه التبرى من الإنسان فهو تأكيد لقوله ( إني برىء منك ) قرأ الجمهور إني بإسكان الياء وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتحها
الحشر : ( 17 ) فكان عاقبتهما أنهما . . . . .
( فكان عاقبتهما أنهما في النار ) قرأ الجمهور عاقبتهما بالنصب على أنه خبر كان واسمها أنهما في النار وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد بالرفع على أنها اسم كان والخبر ما بعده والمعنى فكان عاقبة الشيطان وذلك الإنسان الذي كفر أنهما صائران إلى النار ( خالدين فيها ) قرأ الجمهور خالدين بالنصب على الحال وقرأ ابن مسعود والأعمش وزيد بن علي وابن أبي عبلة خالدان على أنه خبر أن والظرف متعلق به ( وذلك جزاء الظالمين ) أي الخلود في النار جزاء الظالمين ويدخل هؤلاء فيهم دخولا أوليا
الحشر : ( 18 ) يا أيها الذين . . . . .
ثم رجع سبحانه إلى خطاب المؤمنين بالموعظة الحسنة فقال ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) أي اتقوا عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه ( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) أي لتنظر أي شيء قدمت من الأعمال ليوم القيامة والعرب تكنى أن المستقبل بالغد وقيل ذكر الغد تنبيها على قرب الساعة ( واتقوا الله ) كرر الأمر بالتقوى للتأكيد ( إن الله


"""""" صفحة رقم 206 """"""
خبير بما تعملون ) لا تخفى عليه من ذلك خافية فهو مجازيكم بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر
الحشر : ( 19 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
( ولا تكونوا كالذين نسوا الله ) أي تركوا أمره أو ما قدروه حق قدره أو لم يخافوه أو جميع ذلك ( فأنساهم أنفسهم ) أي جعلهم ناسين لها بسبب نسيانهم له فلم يشتغلوا بالأعمال التي تنجيهم من العذاب ولم يكفوا عن المعاصي التي توقعهم فيه ففي الكلام مضاف محذوف أي أنساهم حظوظ أنفسهم قال سفيان نسوا حق الله فأنساهم حق أنفسهم وقيل نسوا الله في الرخاء فأنساهم أنفسهم في الشدائد ( أولئك هم الفاسقون ) أي الكاملون في الخروج عن طاعة الله
الحشر : ( 20 ) لا يستوي أصحاب . . . . .
( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ) في الفضل والرتبة والمراد الفريقان على العموم فيدخل في فريق أهل النار من نسى الله منهم دخولا أوليا ويدخل في فريق أهل الجنة الذين اتقوا دخولا أولياء لأن السياق فيهم وقد تقدم الكلام في معنى مثل هذه الآية في سورة المائدة وفي سورة السجدة وفي سورة ص ثم أخبر سبحانه وتعالى عن أصحاب الجنة بعد نفي التساوي بينهم وبين أهل النار فقال ( أصحاب الجنة هم الفائزون أي الظافرون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ( ألم تر إلى الذين نافقوا ) قال عبد الله بن أبي ابن سلول ورفاعة بن تابوت وعبد الله بن نبتل وأوس بن قيظي وإخوانهم بنو النضير وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عنه أن رهطا من بني عوف بن الحارث منهم عبد الله بن أبي ابن سلول ووديعة بن مالك وسويد وداعس بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإننا لا نسلمكم وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة ففعل فكان الرجل منهم يهدم بيته فيضعه على ظهر بعير فينطلق به فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في قوله ( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) قال هم المشركون وأخرج عبد الرزاق وابن راهويه وأحمد في الزهد وعبد ابن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن علي ابن أبي طالب أن رجلا كان يتعبد في صومعة وأن امرأة كان لها إخوة فعرض لها شيء فأتوه بها فزينت له نفسه فوقع عليها فحملت فجاءة الشيطان فقال اقتلها فإنهم إن ظهروا عليك افتضحت فقتلها ودفنها فجاؤوه فأخذوه فذهبوا به فبينما هم يمشون إذ جاءه الشيطان فقال إني أنا الذي زينت لك فاسجد لي سجدة أنجيك فسجد له فذلك قوله ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر ) الآية قلت وهذا لا يدل على أن هذا الإنسان هو المقصود بالآية بل يدل على أنه من جملة من تصدق عليه وقد أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس بأطول من هذا وليس فيه ما يدل على أنه المقصود بالآية وأخرجه بنحوه ابن جرير عن ابن مسعود وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله ( كمثل الشيطان ) قال ضرب الله مثل الكفار والمنافقين الذين كانوا على عهد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر سورة الحشر من 21 24


"""""" صفحة رقم 207 """"""
الحشر : ( 21 ) لو أنزلنا هذا . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة وأهل النار وبين عدم استوائهم في شيء من الأشياء ذكر تعظيم كتابه الكريم وأخبر عن جلالته وأنه حقيق بأن تخشع له القلوب وترق له الأفئدة فقال ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) أي من شأنه وعظمته وجودة ألفاظه وقوه مبانيه وبلاغته واشتماله على المواعظ التي تلين لها القلوب أنه لو أنزل على جبل من الجبال الكائنة في الأرض لرأيته مع كونه في غاية القسوة وشدة الصلابة وضخامة الجرم خاشعا متصدعا أي متشققا من خشية الله سبحانه حذرا من عقابه وخوفا من أن لا يؤدى ما يجب عليه من تعظيم كلام الله وهذا تمثيل وتخييل يقتضى علو شأن القرآن وقوة تأثيره في القلوب ويدل على هذا قوله ) وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ( فيما يجب عليهم التفكر فيه ليتعظوا بالمواعظ وينزجروا بالزواجر وفيه توبيخ وتقريع للكفار حيث لم يخشعوا للقرآن ولا اتعظوا بمواعظه ولا انزجروا بزواجره والخاشع الذليل المتواضع وقيل الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت ولتصدع من نزوله عليه وقد أنزلناه عليك وثبتناك له وقويناك عليه فيكون على هذا من باب الامتنان على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأن الله سبحانه ثبته لما لا تثبت له الجبال الرواسي
الحشر : ( 22 ) هو الله الذي . . . . .
ثم أخبر سبحانه بربوبيته وعظمته فقال ( هو الله الذي لا إله إلا هو ) وفي هذا تقرير للتوحيد ودفع للشرك ( عالم الغيب والشهادة ) أي عالم ما غاب من الإحساس وما حضر وقيل عالم السر والعلانية وقيل ما كان وما يكون وقيل الآخرة والدنيا وقدم الغيب على الشهادة لكونه متقدما وجودا ( هو الرحمن الرحيم ) قد تقدم تفسير هذين الاسمين
الحشر : ( 23 ) هو الله الذي . . . . .
( هو الله الذي لا إله إلا هو ) كرره للتأكيد والتقرير لكون التوحيد حقيقا بذلك ( الملك القدوس ) أي الطاهر من كل عيب المنزه عن كل نقص والقدس بالتحريك في لغة أهل الحجاز السطل لأنه يتطهر به ومنه القادوس لواحد الأواني التي يستخرج بها الماء قرأ الجمهور القدوس بضم القاف وقرأ أبو ذر وأبو السماك بفتحها وكان سيبويه يقول سبوح قدوس بفتح أولهما وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه سمع عند الكسائي أعرابيا فصيحا يقرأ القدوس بفتح القاف قال ثعلب كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس فإن الضم فيهما أكثر وقد يفتحان ( السلام ) أي الذي سلم من كل نقص وعيب وقيل المسلم على عبادة في الجنة كما قال سلام قولا من رب رحيم وقيل الذي سلم الخلق من ظلمه وبه قال الأكثر وقيل المسلم لعباده وهو مصدر وصف به للمبالغة ( المؤمن ) أي الذي وهب لعباده الأمن من عذابه وقيل المصدق لرسله بإظهار المعجزات وقيل المصدق للمؤمنين بما وعدهم به من الثواب والمصدق للكافرين بما أوعدهم به من العذاب يقال أمنه من الأمن وهو ضد الخوف ومنه قول النابغة والمؤمن العائذات الطير يمسحها
ركبان مكة بين الغيل والسند
وقال مجاهد المؤمن الذي وحد نفسه بقوله شهد الله أنه لا إله إلا هو قرأ الجمهور المؤمن بكسر الميم اسم فاعل من آمن بمعنى أمن وقرأ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بفتحها بمعنى المؤمن به على الحذف كقوله واختار موسى قومه وقال أبو حاتم لا تجوز هذه القراءة لأن معناه أنه كان خائفا فأمنه غيره ( المهيمن ) أي


"""""" صفحة رقم 208 """"""
الشهيد على عباده بأعمالهم الرقيب عليهم كذا قال مجاهد وقتادة ومقاتل يقال هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيبا على الشيء قال الواحدي وذهب كثير من المفسرين إلى أن أصله مؤيمن من آمن يؤمن فيكون بمعنى المؤمن والأول أولى وقد قدمنا الكلام على المهيمن في سورة المائدة ( العزيز ) الذي لا يوجد له نظير وقيل القاهر وقيل الغالب غير المغلوب وقيل القوي ( الجبار ) جبروت الله عظمته والعرب تسمى الملك الجبار ويجوز أن يكون من جبر إذا أغنى الفقير وأصلح الكسير ويجوز أن يكون من جبره على كذا إذا أكرهه على ما أراد فهو الذي جبر خلقه على ما أراد منهم وبه قال السدى ومقاتل واختاره الزجاج والفراء قال هو من أجبره على الأمر أي قهره قال ولم أسمع فعالا من أفعل إلا في جبار من أجبر ودراك من أدرك وقيل الجبار الذي لا تطاق سطوته ( المتكبر ) أي الذي تكبر عن كل نقص وتعظم عما لا يليق به وأصل التكبر الامتناع وعدم الانقياد ومنه قول حميد بن ثور عفت مثل ما يعفو الفصيل فأصبحت
بها كبرياء الصعب وهي ذلول
والكبر في صفات الله مدح وفي صفات المخلوقين ذم قال قتادة هو الذي تكبر عن كل سوء قال ابن الأنباري المتكبر ذو الكبرياء وهو الملك ثم نزه سبحانه نفسه عن شرك المشركين فقال ( سبحان الله عما يشركون ) أي عما يشركونه أو عن إشراكهم به
الحشر : ( 24 ) هو الله الخالق . . . . .
( هو الخالق ) أي المقدر للأشياء على مقتضى إرادته ومشيئته ( البارىء ) أي المنشىء المخترع للأشياء الموجد لها وقيل المميز لبعضها من بعض ( المصور ) أي الموجد للصور المركب لها على هيئات مختلفة فالتصوير مترتب على الخلق والبراية وتابع لهما ومعنى التصوير التخطيط والتشكيل قال النابغة
الخالق البارىء المصور في ال أرحام ماء حتى يصير دما
وقرأ حاطب بن أبي بلتعة الصحابي المصور بفتح الواو ونصب الراء على أنه مفعول به للبارىء أي الذي برأ المصور أي ميزه ( له الأسماء الحسنى ) قد تقدم بيانها والكلام فيها عند تفسير قوله ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ( يسبح له ما في السموات والأرض ) أي ينطق بتنزيهه بلسان الحال أو المقال كل ما فيهما 0 وهو العزيز الحكيم ) أي الغالب لغيره الذي لا يغالبه مغالب الحكيم في كل الأمور التي يقضى بها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ( قال يقول لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه تصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله فأمر الله الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع قال كذلك يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون وأخرج الديلمي عن ابن مسعود وعلي مرفوعا في قوله ) لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ( إلى آخر السورة قال هي رقية الصداع رواه الديلمي بإسنادين لا ندري كيف حال رجالهما وأخرج الخطيب في تاريخه بإسناده إلى إدريس ابن عبد الكريم الحداد قال قرأت على خلف فلما بلغت هذه الآية قال ضع يدك على رأسك فإني قرأت على حمزة فلما بلغت هذه الآية قال ضع يدك على رأسك فإني قرأت على الأعمش ثم ساق الإسناد مسلسلا هكذا إلى ابن مسعود فقال فإني قرأت على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلما بلغت هذه الآية قال لي ضع يدك على رأسك فإن جبريل لما نزل بها قال لي ضع يدك على رأسك فإنها شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت قال الذهبي هو باطل وأخرجه ابن السني في عمل يوم وليلة وابن مردويه عن أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 209 """"""
أمر رجلا إذا آوى إلى فراشه أن يقرأ آخر سورة الحشر وقال إن مت مت شهيدا وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من تعوذ بالله من الشيطان ثلاث مرات ثم قرأ آخر سورة الحشر بعث الله سبعين ملكا يطردون عنه شياطين الإنس والجن إن كان ليلا حتى يصبح وإن كان نهارا حتى يمسى وأخرج أحمد والدارمي والترمذي وحسنه والطبراني وابن الضريس والبيهقي في الشعب عن معقل بن يسار عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسى وإن مات ذلك اليوم مات شهيدا ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة قال الترمذي بعد إخراجه غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وأخرج ابن عدي وابن مردويه والخطيب والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ خواتيم الحشر في ليل أو نهار فمات من يومه أو ليلته أوجب الله له الجنة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( عالم الغيب والشهادة ) قال السر والعلانية وفي قوله ( المؤمن ) قال المؤمن خلقه من أن يظلمهم وفي قوله ( المهيمن ) قال الشاهد
ع60
تفسير
سورة الممتحنة
هي ثلاث عشرة آية
حول السورة
وهي مدنية قال القرطبي في قول الجميع وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة الممتحنة بالمدينة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله والممتحنة بكسر الحاء اسم فاعل أضيف الفعل إليها مجازا كما سميت سورة براءة الفاضحة لكشفها عن عيوب المنافقين وقيل الممتحنة بفتح الحاء اسم مفعول أضافه إلى المرأة التي نزلت فيها وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط لقوله سبحانه فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن
سورة الممتحنة ( 1 3 )


"""""" صفحة رقم 210 """"""
الممتحنة : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . .
قال المفسرون نزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ( في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى مشركي قريش يخبرهم بمسير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إليهم وسيأتي ذكر القصة آخر البحث إن شاء الله وقوله ( عدوي ) هو المفعول الأول ( وعدوكم ) معطوف عليه والمفعول الثاني أولياء وأضاف سبحانه العدو إلى نفسه تعظيما لجرمهم والعدو مصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة والآية تدل على النهى عن موالاة الكفار بوجه من الوجوه ( تلقون إليهم بالمودة ) أي توصلون إليهم المودة على أن الباء زائدة أو هي سببية والمعنى تلقون إليهم أخبار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بسبب المودة التي بينكم وبينهم قال الزجاج تلقون إليهم أخبار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وسره بالمودة التي بينكم وبينهم والجملة في محل نصب على الحال من ضمير تتخذوا ويجوز أن تكون مستأنفة لقصد الإخبار بما تضمنته أو لتفسير موالاتهم إياهم ويجوز أن تكون في محل نصب صفة لأولياء وجملة ( وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) في محل نصب على الحال من فاعل تلقون أو من فاعل لا تتخذوا ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان حال الكفار قرأ الجمهور بما جاءكم بالباء الموحدة وقرأ الجحدري وعاصم في رواية عنه لما جاءكم باللام أي لأجل ما جاءكم من الحق على حذف المكفور به أي كفروا بالله والرسول لأجل ما جاءكم من الحق أو على جعل ما هو سبب للإيمان سببا للكفر توبيخا لهم ( يخرجون الرسول وإياكم ) الجملة مستأنفة لبيان كفرهم أو في محل نصب على الحال وقوله ( أن تؤمنوا بالله ربكم ) تعليل للإخراج أي يخرجونكم لأجل إيمانكم أو كراهة أن تؤمنوا ( إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ) جواب الشرط محذوف أي إن كنتم كذلك فلا تلقوا إليهم بالمودة أو إن كنتم كذلك فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء وانتصاب جهادا وابتغاء على العلة أي إن كنتم خرجتم لأجل الجهاد في سبيلي ولأجل ابتغاء مرضاتي وجملة ( تسرون إليهم بالمودة ) مستأنفة للتقريع والتوبيخ أي تسرون إليهم الأخبار بسبب المودة وقيل هي بدل من قوله تلقون ثم أخبر سبحانه بأنه لا يخفى عليه من أحوالهم شيء فقال ( وأنا اعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ) والجملة في محل نصب على الحال أي بما أضمرتم وما أظهرتم والباء في بما زائدة يقال علمت كذا وعلمت بكذا هذا على أن أعلم مضارع وقيل هو أفعل تفضيل أي أعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون ( ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ) أي من يفعل ذلك الاتخاذ لعدوي وعدوكم أولياء ويلقى إليهم بالمودة فقد أخطأ طريق الحق والصواب وضل عن قصد السبيل
الممتحنة : ( 2 ) إن يثقفوكم يكونوا . . . . .
( إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ) أي إن يلقوكم ويصادفوكم يظهروا لكم ما في قلوبهم من العداوة ومنه المثاقفة وهي طلب مصادفة الغرة في المسابقة وقيل المعنى إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم والمعنيان متقاربان ( ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ) أي يبسطوا إليكم أيديهم بالضرب ونحوه وألسنتهم بالشتم ونحوه ( وودوا لو تكفرون ) هذا معطوف على جواب الشرط أو على جملة الشرط والجزاء ورجح هذا أبو حيان والمعنى أنهم تمنوا ارتدادهم وودوا رجوعهم إلى الكفر
الممتحنة : ( 3 ) لن تنفعكم أرحامكم . . . . .
( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم ) أي لا تنفعكم القرابات على عمومها ولا الأولاد وخصهم بالذكر مع دخولهم في الأرحام لمزيد المحبة لهم والحنو عليهم والمعنى أن هؤلاء لا ينفعونكم حتى توالوا الكفار لأجلهم كما وقع في قصة حاطب بن أبي بلتعة بل الذي ينفعكم هو ما أمركم الله به من معاداة الكفار وترك موالاتهم وجملة ( يوم القيامة يفصل بينكم ) مستأنفة لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد في ذلك اليوم ومعنى ( يفصل بينكم ) يفرق بينكم فيدخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار وقيل المراد بالفصل بينهم


"""""" صفحة رقم 211 """"""
أنه يفر كل منهم من الآخر من شدة الهول كما في قوله يوم يفر المرء من أخيه الآية قيل ويجوز أن يتعلق يوم القيامة بما قبله أي لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة فيوقف عليه ويبتدأ بقوله ( يفصل بينكم ) والأولى أن يتعلق بما بعده كما ذكرنا ( والله بما تعملون بصير ) لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم فهو مجازيكم على ذلك قرأ الجمهور يفصل بضم الياء وتخفيف الفاء وفتح الصاد مبنيا للمفعول واختار هذه القراءة أبو عبيد وقرأ عاصم بفتح الياء وكسر الصاد مبنيا للفاعل وقرأ حمزة والكسائي بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد مشددة وقرأ علقمة بالنون وقرأ قتادة وأبو حيوة بضم الياء وكسر الصاد مخففة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن علي بن أبي طالب قال بعثني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنا والزبير والمقداد فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فأتوني به فخرجنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب قالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما هذا يا حاطب قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) صدق فقال عمر دعني أضرب عنقه فقال إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ونزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ( وفي الباب أحاديث مسندة ومرسلة متضمنة لبيان هذه القصة وأن هذه الآيات إلى قوله ) قد كانت لكم أسوة حسنة ( في إبراهيم نازلة في ذلك


"""""" صفحة رقم 212 """"""
سورة الممتحنة ( 4 9
الممتحنة : ( 4 ) قد كانت لكم . . . . .
لما فرغ سبحانه من النهي عن موالاة المشركين والذم لمن وقع منه ذلك ضرب لهم إبراهيم مثلا حين تبرأ من قومه فقال ( قد كانت لكم إسوة حسنة ) أي خصلة حميدة تقتدون بها يقال لي به أسوة في هذا الأمر أي اقتداء فأرشدهم سبحانه إلى الاقتداء به في ذلك إلا في استغفاره لأبيه قرأ الجمهور إسوة بكسر الهمزة وقرأ عاصم بضمها وهما لغتان وأصل الأسوة بالضم والكسر القدوة ويقال هو أسوتك أي مثلك وأنت مثله وقوله في إبراهيم والذين معه متعلق بأسوة أو بحسنة أو هو نعت لأسوة أو حال من الضمير المستتر في حسنة أو خبر كان ولكم للبيان والذين معه هم أصحابه المؤمنون وقال ابن زيد هم الأنبياء قال الفراء يقول أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم فتتبرأ من أهلك كما تبرأ إبراهيم من أبيه وقومه والظرف في قوله ( إذ قالوا لقومهم ) هو خبر كان أو متعلق به أي وقت قولهم لقومهم الكفار ( إنا برآء منكم ) جمع بريء مثل شركاء وشريك وظرفاء وظريف قرأ الجمهور برآء ) بضم الباء وفتح الراء وألف بين همزتين ككرماء في كريم وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق بكسر الباء وهمزة واحدة بعد ألف ككرام في جمع كريم وقرأ أبو جعفر بضم الباء وهمزة بعد ألف ( ومما تعبدون من دون الله ) وهي الأصنام ( كفرنا بكم ) أي بما آمنتم به من الأوثان أو بدينكم أو بأفعالكم ( وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا ) أي هذا دأبنا معكم ما دمتم على كفركم ( حتى تؤمنوا بالله وحده ) وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك فإذا فعلتم ذلك صارت تلك العداوة موالاة والبغضاء محبة ( إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ) هو استثناء متصل من قوله في إبراهيم بتقدير مضاف محذوف ليصح الاستثناء أي قد كانت لكم أسوة حسنة في مقالات إبراهيم إلا قوله لأبيه أو من أسوة حسنة وصح ذلك لأن القول من جملة الأسوة كأنه قيل قد كانت أسوة حسنة في إبراهيم في جميع أقواله وأفعاله إلا قوله لأبيه أو من التبرى والقطيعة التي ذكرت أي لم يواصله إلا قوله ذكر هذا ابن عطية أو هو منقطع أي لكن قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك فلا تأتسوا به فتستغفرون للمشركين فإنه كان عن موعدة وعدها إياه أو أن ذلك إنما وقع منه لأنه ظن أنه قد أسلم فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه وقد تقدم تحقيق هذا في سورة براءة ) وما أملك لك من الله من شيء ( هذا من تمام القوم المستثنى يعني ما أغني عنك وما أدفع عنك من عذاب الله شيئا والجملة في محل نصب على الحال من فاعل لأستغفرن فالاستثناء متوجه إلى الاستغفار لا إلى هذا القيد فإنه إظهار للعجز وتفويض للأمر إلى الله وذلك من خصال الخير ) ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ( هذا من دعاء إبراهيم وأصحابه ومما فيه أسوة حسنة يقتدى به فيها وقيل هو تعليم للمؤمنين أن يقولوا هذا القول والتوكل هو تفويض الأمور إلى الله والإنابة الرجوع والمصير المرجع وتقديم الجار والمجرور لقصر التوكل والإنابة والمصير على الله
الممتحنة : ( 5 ) ربنا لا تجعلنا . . . . .
) ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ( قال الزجاج لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على حق فيفتنوا بذلك وقال مجاهد لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا ) واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز ( أي الغالب الذي لا يغالب ( الحكم ) ذو الحكمة البالغة
الممتحنة : ( 6 ) لقد كان لكم . . . . .
( لقد كان لكم فيهم إسوة


"""""" صفحة رقم 213 """"""
حسنة ) أي لقد كان لكم في إبراهيم والذين معه قدوة حسنة وكرر هذا للمبالغة والتأكيد وقيل إن هذا نزل بعد الأول بمدة ) لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ( بدل من قوله لكم بدل بعض من كل والمعنى أن هذه الأسوة إنما تكون لمن يخاف الله ويخاف عقاب الآخرة أو يطمع في الخير من الله في الدنيا وفي الآخرة ) ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ( أي يعرض عن ذلك فإن الله هو الغني عن خلقه الحميد إلى أوليائه
الممتحنة : ( 7 ) عسى الله أن . . . . .
) عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ( وذلك بأن يسلموا فيصيروا من أهل دينكم وقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة وحسن إسلامهم ووقعت بينهم وبين من تقدمهم في الإسلام مودة وجاهدوا وفعلوا الأفعال المقربة إلى الله وقيل المراد بالمودة هنا تزويج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأم حبيبة بنت أبي سفيان ولا وجه لهذا التخصيص وإن كان من جملة ما صار سببا إلى المودة فإن أبا سفيان بعد ذلك ترك ما كان عليه من العداوة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولكنها لم تحصل المودة إلا بإسلامه يوم الفتح وما بعده ( والله قدير ) أي بليغ القدرة كثيرها ) والله غفور رحيم ( أي بليغهما كثيرهما
الممتحنة : ( 8 ) لا ينهاكم الله . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه ما ينبغي للمؤمنين من معاداة الكفار وترك موادتهم فصل القول فيمن يجوز بره منهم ومن لا يجوز فقال ) لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ( أي لا ينهاكم عن هؤلاء ( أن تبروهم ) هذا بدل من الموصول بدل اشتمال وكذا قوله ( وتقسطوا إليهم ) يقال أقسطت إلى الرجل إذا عاملته بالعدل قال الزجاج المعنى وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد ) إن الله يحب المقسطين ( أي العادلين ومعنى الآية أن الله سبحانه لا ينهى عن بر أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال وعلى أن لا يظاهروا الكفار عليهم ولا ينهى عن معاملتهم بالعدل قال ابن زيد كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال ثم نسخ قال قتادة نسختها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقيل هذا الحكم كان ثابتا في الصلح بين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبين قريش فلما زال الصلح بفتح مكة نسخ الحكم وقيل هي خاصة في حلفاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن بينه وبينه عهد قاله الحسن وقال الكلبي هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناف وقال مجاهد هي خاصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا وقيل هي خاصة بالنساء والصبيان وحكى القرطبي عن أكثر أهل التأويل أنها محكمة
الممتحنة : ( 9 ) إنما ينهاكم الله . . . . .
ثم بين سبحانه من لا يحل بره ولا العدل في معاملته فقال ) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم ( وهم صناديد الكفر من قريش ) وظاهروا على إخراجكم ( أي عاونوا الذين قاتلوكم على ذلك وهم سائر أهل مكة ومن دخل معهم في عهدهم وقوله ) أن تولوهم ( بدل اشتمال من الموصول كما سلف ) ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ( أي الكاملون في الظلم لأنهم تولوا من يستحق العداوة لكونه عدوا لله ولرسوله ولكتابه وجعلوهم أولياء لهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس ) إلا قول إبراهيم لأبيه ( قال نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه وقوله ) ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ( لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولون لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه ) لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ( قال في صنيع إبراهيم كله إلا في الاستغفار لأبيه وهو مشرك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ( قال لا تسلطهم علينا فيفتنونا وأخرج ابن مردويه عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال أول من قاتل أهل الردة على إقامة دين الله أبو سفيان بن حرب وفيه نزلت هذه الآية ) عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ( وأخرج


"""""" صفحة رقم 214 """"""
ابن أبي حاتم عن الزهري أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن فلما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أقبل فلقى ذا الخمار مرتدا فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين قال وهو فيمن قال الله فيه ) عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ( وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر وابن عدي وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في الآية قال كانت المودة التي جعل بينهم تزويج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أم حبيبة بنت أبي سفيان فصارت أم المؤمنين فصار معاوية خال المؤمنين وفي صحيح مسلم عن ابن عباس أن أبا سفيان قال يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال نعم قال تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها الحديث وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والحاكم وصححه وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا ضباب وأقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسألته فأنزل الله ) لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ( الآية فأمرها أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها وزاد ابن أبي حاتم في المدة التي كانت بين قريش ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفي البخاري وغيره عن أسماء بنت أبي بكر قالت أتتني أمي راغبة وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أأصلها فأنزل الله ) لا ينهاكم الله ( الآية فقال نعم صلي أمك


"""""" صفحة رقم 215 """"""
سورة الممتحنة ( 10 13
الممتحنة : ( 10 ) يا أيها الذين . . . . .
لما ذكر سبحانه حكم فريقي الكافرين في جواز البر والإقساط للفريق الأول دون الفريق الثاني ذكر حكم من يظهر الإيمان فقال ) يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ( من بين الكفار وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما صالح قريشا يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاءهم من المسلمين فلما هاجر إليه النساء أبى الله أن يرددن إلى المشركين وأمر بامتحانهن فقال ) فامتحنوهن ( أي فاختبروهن وقد اختلف فيما كان يمتحن به فقيل كان يستحلفن بالله ما خرجن من بغض زوج ولا رغبة من أرض إلى أرض ولا لالتماس دنيا بل حبا لله ولرسوله ورغبة في دينه فإذا حلفت كذلك أعطى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها إليه وقيل الامتحان هو أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقيل ما كان الامتحان إلا بأن يتلو عليهن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الآية وهي يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات إلى آخرها واختلف أهل العلم هل دخل النساء في عهد الهدنة أم لا على قولين فعلى القول بالدخول تكون هذه الآية مخصصة لذلك العهد وبه قال الأكثر وعلى القول بعدمه لا نسخ ولا تخصيص ) الله أعلم بإيمانهن ( هذه الجملة معترضة لبيان أن حقيقة حالهن لا يعلمها إلا الله سبحانه ولم يتعبدكم بذلك وإنما تعبدكم بامتحانهن حتى يظهر لكم ما يدل على صدق دعواهن في الرغوب في الإسلام ) فإن علمتموهن مؤمنات ( أي علمتم ذلك بحسب الظاهر بعد الامتحان الذي أمرتم به ) فلا ترجعوهن إلى الكفار ( أي إلى أزواجهن الكافرين وجملة ) لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ( تعليل للنهي عن إرجاعهن وفيه دليل على أن المؤمنة لا تحل لكافر وأن إسلام المرأة يوجب فرقتها من زوجها لا مجرد هجرتها والتكرير لتأكيد الحرمة أو الأول لبيان زوال النكاح والثاني لامتناع النكاح الجديد ) وآتوهم ما أنفقوا ( أي وأعطوا أزواج هؤلاء اللاتي هاجرن وأسلمن مثل ما أنفقوا عليهن من المهور قال الشافعي وإذا طلبها غير الزوج من قراباتها منع منها بلا عوض ) ولا جناح عليكم أن تنكحوهن ( لأنهن قد صرن من أهل دينكم ) إذا آتيتموهن أجورهن ( أي مهورهن وذلك بعد انقضاء عدتهن كما تدل عليه أدلة وجوب العدة ) ولا تمسكوا بعصم الكوافر ( قرأ الجمهور تمسكوا بالتخفيف من الإمساك واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله فأمسكوهن بمعروف وقرأ الحسن وأبو العالية وأبو عمرو بالتشديد من التمسك والعصم جمع عصمة وهي ما يعتصم به والمراد هنا عصمة عقد النكاح والمعنى أن من كانت له امرأة كافرة فليست له بامرأة لانقطاع عصمتها باختلاف الدين قال النخعي هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر وكان الكفار يزوجون المسلمين والمسلمون يتزوجون المشركات ثم نسخ ذلك بهذه الآية وهذا خاص بالكوافر المشركات دون الكوافر من أهل الكتاب وقيل عامة في جميع الكوافر مخصصة بإخراج الكتابيات منها وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه إذا أسلم وثني أو كتابي لا يفرق بينهما إلا بعد انقضاء العدة وقال بعض أهل العلم يفرق بينهما بمجرد إسلام الزوج وهذا إنما هو إذا كانت المرأة مدخولا بها وأما إذا كانت غير مدخول بها فلا خلاف بين أهل العلم في انقطاع العصمة بينهما بالإسلام إذ لا عدة عليها ) واسألوا ما أنفقتم (


"""""" صفحة رقم 216 """"""
أي اطلبوا مهور نسائكم اللاحقات بالكفار ) وليسألوا ما أنفقوا ( قال المفسرون كان من ذهب من المسلمات مرتدة إلى الكفار من أهل العهد يقال للكفار هاتوا مهرها ويقال للمسلمين إذا جاءت امرأة من الكفار إلى المسلمين وأسلمت ردوا مهرها على زوجها الكافر ) ذلكم حكم الله ( أي ذلكم المذكور من إرجاع المهور من الجهتين حكم الله وقوله ) يحكم بينكم ( في محل نصب على الحال أو مستأنفة ) والله عليم حكيم ( أي بليغ العلم لا تخفى عليه خافية بليغ الحكمة في أقواله وأفعاله قال القرطبي وكان هذا مخصوصا بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة بإجماع المسلمين
الممتحنة : ( 11 ) وإن فاتكم شيء . . . . .
) وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار ( لما نزلت الآية المتقدمة قال المسلمون رضينا بحكم الله وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا فنزل قوله ) وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار ( مما دفعتم إليهم من مهور النساء المسلمات وقيل المعنى وإن انفلت منكم أحد من نسائكم إلى الكفار بأن ارتدت المسلمة ) فعاقبتم ( قال الواحدي قال المفسرون فعاقبتم فغنمتم قال الزجاج تأويله وكانت العقبى لكم أي كانت الغنيمة لكم حتى غنمتم ) فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ( من مهر المهاجرة التي تزوجوها ودفعوه إلى الكفار ولا تؤتوه زوجها الكافر قال قتادة ومجاهد إنما أمروا أن يعطرا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة وهذه الآية منسوخة قد انقطع حكمها بعد الفتح وحاصل معناها أن من أزواجكم يجوز أن يتعلق بفاتكم أي من جهة أزواجكم ويراد بالشيء المهر الذي غرمه الزوج ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لشيء ثم يجوز في شيء أن يراد به المهر ولكن لا بد على هذا من مضاف محذوف أي من مهر أزواجكم ليتطابق الموصوف وصفته ويجوز أن يراد بشيء النساء أي نوع وصنف منهن وهو ظاهر قوله ) من أزواجكم ( وقوله ) فآتوا الذين ذهبت أزواجهم ( والمعنى أنهم يعطون من ذهبت زوجته إلى المشركين فكفرت ولم يرد عليه المشركون مهرها كما حكم الله مثل ذلك المهر الذي أنفقه عليها من الغنيمة ) واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ( أي احذروا أن تتعرضوا لشيء مما يوجب العقوبة عليكم فإن الإيمان الذي أنتم متصفون به يوجب على صاحبه ذلك
الممتحنة : ( 12 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ( أي قاصدات لمبايعتك على الإسلام و ) على أن لا يشركن بالله شيئا ( من الأشياء كائنا ما كان هذا كان يوم فتح مكة فإن نساء أهل مكة أتين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يبايعنه فأمره الله أن يأخذ عليهن أن لا يشركن ) ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ( وهو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات ) ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ( أي لا يلحقن بأزواجهن ولدا ليس منهم قال الفراء كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها وليس المراد هنا أنها تنسب ولدها من الزنا إلى زوجها لأن ذلك قد دخل تحت النهي عن الزنا ) ولا يعصينك في معروف ( أي في كل أمر هو طاعة لله قال عطاء في كل بر وتقوى وقال المقاتلان عنى بالمعروف النهي عن النوح وتمزيق الثياب وجز الشعر وشق الجيب وخمش الوجوه والدعاء بالويل وكذا قال قتادة وسعيد بن المسيب ومحمد بن السائب وزيد ابن أسلم ومعنى القرآن أوسع مما قالوه قيل ووجه التقييد بالمعروف مع كونه ( صلى الله عليه وسلم ) لا يأمر إلا به التنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق ( فبايعهن ) هذا جواب إذا والمعنى إذا بايعنك على هذه الأمور فبايعهن ولم يذكر في بيعتهن الصلاة والزكاة والصيام والحج لوضوح كون هذه الأمور ونحوها من أركان الدين وشعائر الإسلام وإنما خص الأمور المذكورة لكثرة وقوعها من النساء ) واستغفر لهن الله ( أي اطلب من الله المغفرة لهن بعد هذه المبايعة لهن منك ) إن الله غفور رحيم ( أي بليغ المغفرة والرحمة لعباده


"""""" صفحة رقم 217 """"""
الممتحنة : ( 13 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ( هم جميع طوائف الكفر وقيل اليهود خاصة وقيل المنافقون خاصة وقال الحسن اليهود والنصارى والأول أولى لأن جميع طوائف الكفر تتصف بأن الله سبحانه غضب عليها ) قد يئسوا من الآخرة ( من لابتداء الغاية أي أنهم لا يوقنون بالآخرة ألبتة بسبب كفرهم ) كما يئس الكفار من أصحاب القبور ( أي كيأسهم من بعث موتاهم لاعتقادهم عدم البعث وقيل كما يئس الكفار الذين قد ماتوا منهم من الآخرة لأنهم قد وقفوا على الحقيقة وعلموا أنه لا نصيب لهم في الآخرة فتكون من على الوجه الأول ابتدائية وعلى الثاني بيانية والأول أولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء مسلمات فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ( حتى بلغ ) ولا تمسكوا بعصم الكوافر ( فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك وأخرجه أيضا من حديثهما بأطول من هذا وفيه كانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهي عانق فجاء أهلها يسألون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يرجعها إليهم حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ( فامتحنوهن ) قال كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فإذا علموا أن ذلك حقا منهن لم يرجعن إلى الكفار وأعطى بعلها في الكفار الذين عقد لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صداقها الذي أصدقها وأحلهن للمؤمنين إذا آتوهن أجورهن وأخرج ابن مردويه عنه قال نزلت سورة الممتحنة بعد ذلك الصلح فكان من أسلم من نسائهم فسئلت ما أخرجك فإن كانت خرجت فرارا من زوجها ورغبة عنه ردت وإن كانت خرجت رغبة في الإسلام أمسكت ورد على زوجها مثل ما أنفق وأخرج ابن أبي أسامة والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وابن مردويه بسند حسن كما قال السيوطي عن ابن عباس في قوله ) إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ( قال كان إذا جاءت المرأة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حلفها عمر بن الخطاب بالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض وبالله ما خرجت من بغض زوج وبالله ما خرجت التماس دنيا وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله وأخرج ابن منيع من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال أسلم عمر بن الخطاب وتأخرت امرأته في المشركين فأنزل الله ) ولا تمسكوا بعصم الكوافر ( وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري والترمذي وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية ) يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ( إلى قوله ) غفور رحيم ( فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد بايعتك كلاما والله ما مست يده يد امرأة قط من المبايعات ما بايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أميمة بنت رقيقة قالت أتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في نساء لنبايعه فأخذ علينا ما في القرآن أن لا نشرك بالله شيئا حتى بلغ ولا يعصينك في معروف فقال فيما استطعتن وأطقتن فقلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا يا رسول الله ألا تصافحنا قال إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة وفي الباب أحاديث وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبادة بن الصامت قال كنا عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا وقرأ آية النساء فمن وفى منكم فأجره على


"""""" صفحة رقم 218 """"""
الله ومن أحباب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريح عن ابن عباس في قوله ( ولا يأتين ببهتان يفترينه ) قال كانت الحرة تولد لها الجارية فتجعل مكانها غلاما وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم ( ولا يعصينك في معروف ) قال إنما هو شرط شرطه الله للنساء وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذى وحسنه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم سلمة الأنصاريه قالت قالت امرأة من النسوة ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه قال لا تنحن قلت يا رسول الله إن بني فلان أسعدوني على عمي لا بد لي من قضائهن فأبى على فعاودته مرارا فأذن لي في قضائهن فلم أنح بعد ولم يبق من النسوة امرأة إلا وقد ناحت غيري وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أم عطية قالت بايعنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقرأ علينا أن لا نشرك بالله شيئا ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة منا يدها فقالت يا رسول الله إن فلانة أسعدتني وأنا أريد أن أجزيها فلم يقل لها شيئا فذهب ثم رجعت فقالت ما وفت منا امرأة إلا أم سليم وأم العلاء وبنت أبي سبرة امرأة معاذ أو بنت أبي سبرة وامرأة معاذ ) وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن النوح وأخرج أبو إسحاق وابن المنذر عن ابن عباس قال كان عبد الله بن عمرو وزيد بن الحارث يودان رجلا من اليهود فأنزل الله ( يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ) الآية وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله ( قد يئسوا من الآخرة ) قال فلا يؤمنون بها ولا يرجونها كما يئس الكافر إذا مات وعاين ثوابه واطلع عليه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال هم الكفار أصحاب القبور الذين يئسوا من الآخرة وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال من مات من الذين كفروا فقد يئس الأحياء من الذين كفروا أن يرجعوا إليهم أو يبعثهم الله
ع61
تفسير
سورة الصف
هي أربع عشرة آية
حول السورة
وهي مدنية قال الماوردي في قول الجميع وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة الصف بالمدينة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج النحاس عن ابن عباس قال نزلت سورة الصف بمكة ولعل هذا لا يصح عنه ويؤيد كونها مدنية ما أخرجه أحمد عن عبد الله بن سلام قال تذاكرنا أيكم يأتي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيسأله أي الأعمال أحب إلى الله فلم يقم أحد منا فأرسل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلينا رجلا رجلا فجمعنا فقرأ علينا هذه السورة يعنى سورة الصف كلها وأخرجه ابن أبي حاتم وقال في آخره فنزلت فيهم هذه السورة وأخرجه أيضا الترمذي وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين والبيهقي في الشعبي والسنن


"""""" صفحة رقم 219 """"""
سورة الصف ( 1 9
الصف : ( 1 ) سبح لله ما . . . . .
قوله ( سبح لله ما في السموات وما في الأرض ) قد تقدم الكلام على هذا ووجه التعبير في بعض السور بلفظ الماضي كهذه السورة وفي بعضها بلفظ المضارع وفي بعضها بلفظ الأمر الإرشاد إلى مشروعية التسبيح في كل الأوقات ماضيها ومستقبلها وحالها وقد قدمنا نحو هذا في أول سورة الحديد ( وهو العزيز الحكيم ) أي الغالب الذي لا يغالب الحكيم في أفعاله وأقواله
الصف : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . .
( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون ) هذا الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي لم تقولون من الخير مالا تفعلونه ولم مركبة من اللام الجارة وما الاستفهامية وحذفت ألفها تخفيفا لكثرة استعمالها كما في نظائرها
الصف : ( 3 ) كبر مقتا عند . . . . .
ثم ذمهم سبحانه على ذلك فقال ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون ) أي عظيم ذلك في المقت وهو البغض والمقت والمقاتة مصدران يقال رجل مقيت وممقوت إذا لم يحبه الناس قال الكسائي ( أن تقولوا ) في موضع رفع لأن كبر فعل بمعنى بئس ومقتا منتصب على التمييز وعلى هذا فيكون في كبر ضمير مبهم مفسر بالنكرة وأن تقولوا هو المخصوص بالذم ويجىء فيه الخلاف هل رفعه بالابتداء وخبره الجملة المتقدمة عليه أو خبره محذوف أو هو خبر مبتدأ محذوف أو قيل إنه قصد بقوله كبر التعجب وقد عده ابن عصفور من أفعال التعجب وقيل إنه ليس من أفعال الذم ولا من أفعال التعجب بل هو مسند إلى أن تقولوا ومقتا تمييز محول عن الفاعل
الصف : ( 4 ) إن الله يحب . . . . .
) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ( قال المفسرون إن المؤمنين قالوا وددنا أن الله يخبرنا بأحب الأعمال إليه حتى نعمله ولو ذهبت فيه أموالنا وأنفسنا فأنزل الله ( إن الله يحب الذين يقاتلون ) الآية وانتصاب صفا على المصدرية والمفعول محذوف أي يصفون أنفسهم


"""""" صفحة رقم 220 """"""
صفا وقيل هو مصدر في موضع الحال أي صافين أو مصفوفين قرأ الجمهور يقاتلون على البناء للفاعل وقرأ زيد بن علي على البناء للمفعول وقرىء يقتلون بالتشديد وجملة ( كأنهم بنيان مرصوص ) في محل نصب على الحال من فاعل يقاتلون أو من الضمير في صفا على تقدير أنه مؤول بصافين أو مصفوفين ومعنى مرصوص ملتزق بعضه ببعض يقال رصصت البناء أرصه رصا إذا ضممت بعضه إلى بعض قال الفراء مرصوص بالرصاص قال المبرد هو مأخوذ من رصصت البناء إذا لا يمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة وقيل هو من الرصيص وهو ضم الأشياء بعضها إلى بعض والتراص التلاصق
الصف : ( 5 ) وإذ قال موسى . . . . .
( وإذ قال موسى لقومه ) لما ذكر سبحانه أنه يحب المقاتلين في سبيله بين أن موسى وعيسى أمرا بالتوحيد وجاهدا في سبيل الله وحل العقاب بمن خالفهم والظرف متعلق بمحذوف هو اذكر أي اذكر يا محمد لهؤلاء المعرضين وقت قول موسى ويجوز أن يكون وجه ذكر قصة موسى وعيسى بعد محبة المجاهدين في سبيل الله التحذير لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن يفعلوا مع نبيهم ما فعله قوم موسى وعيسى معهما ( يا قوم لم تؤذونني ) هذا مقول القول أي لم تؤذونني بمخالفة ما أمركم به من الشرائع التى افترضها الله عليكم أو لم تؤذونني بالشتم والانتقاص ومن ذلك رميه بالأدرة وقد تقدم بيان هذا في سورة الأحزاب وجملة ( وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ) في محل نصب على الحال وقد لتحقق العلم أو لتأكيده وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار والمعنى كيف تؤذونني مع علمكم بأني رسول الله والرسول يحترم ويعظم ولم يبق معكم شك في الرسالة لما قد شاهدتم من المعجزات التي توجب عليكم الاعتراف برسالتي وتفيدكم العلم بها علما يقينيا ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) أي لما أصروا على الزيغ واستمروا عليه أزاغ الله قلوبهم عن الهدى وصرفها عن قبول الحق وقيل فلما زاغوا عن الإيمان أزاغ الله قلوبهم عن الثواب قال مقاتل لما عدلوا عن الحق أمال الله قلوبهم عنه يعني أنهم لما تركوا الحق بإيذاء نبيهم أمال الله قلوبهم عن الحق جزاء بما ارتكبوا ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها قال الزجاج لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق والمعنى أنه لا يهدي كل متصف بالفسق وهؤلاء من جملتهم
الصف : ( 6 ) وإذ قال عيسى . . . . .
( وإذ قال عيسى بن مريم ) معطوف على ( وإذ قال موسى ) معمول لعامله أو معمول لعامل مقدر معطوف على عامل الظرف الأول ( يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ) أي إني رسول الله إليكم بالإنجيل مصدقا لما بين يدي من التوراة لأنى لم آتكم بشيء يخالف التوراة بل هي مشتملة على التبشير بي فكيف تنفرون عني وتخالفونني وانتصاب مصدقا على الحال ( و ) كذا ( مبشرا ) والعامل فيهما ما في الرسول من معنى الإرسال والمعنى أني أرسلت إليكم حال كوني مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا بمن يأتي بعدي وإذا كنت كذلك في التصديق والتبشير فلا مقتضى لتكذيبي وأحمد اسم نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) وهو علم منقول من الصفة وهي تحتمل أن تكون مبالغة من الفاعل فيكون معناها أنه أكثر حمدا لله من غيره أو من المفعول فيكون معناها أنه يحمد بما فيه من خصال الخير أكثر مما يحمد غيره قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والسلمي وزر بن حبيش وأبو بكر عن عاصم ( من بعدي ) بفتح الياء وقرأ الباقون بإسكانها ( فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ) أي لما جاءهم عيسى بالمعجزات قالوا هذا الذي جاءنا به سحر واضح ظاهر وقيل المراد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أي لما جاءهم بذلك قالوا هذه المقالة والأول أولى قرأ الجمهور سحر وقرأ حمزة والكسائي ساحر
الصف : ( 7 ) ومن أظلم ممن . . . . .
( ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ) أي لا أحدا أكثر ظلما منه حيث يفترى على الله الكذب والحال أنه يدعي إلى دين الإسلام الذي هو خير الأديان


"""""" صفحة رقم 221 """"""
وأشرفها لأن من كان كذلك فحقه أن لا يفتري على غيره الكذب فكيف يفتري على ربه قرأ الجمهور وهو يدعي من الدعاء مبنيا للمفعول وقرأ طاحة بن مصرف يدعي بفتح الياء وتشديد الدال من الادعاء مبنيا للفاعل وإنما عدى بإلى لأنه ضمن معنى الانتماء والانتساب ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها والمعنى لا يهدي من اتصف بالظلم والمذكورون من جملتهم
الصف : ( 8 ) يريدون ليطفئوا نور . . . . .
( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ) الإطفاء الإخماد وأصله في النار واستعير لما يجري مجراها من الظهور والمراد بنور الله القرآن أي يريدون إبطاله وتكذيبه بالقول أو الإسلام أو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو الحجج والدلائل أو جميع ما ذكر ومعنى بأفواههم بأقوالهم الخارجة من أفواههم المتضمنة للطعن ( والله متم نوره ) بإظهار في الآفاق وإعلائه على غيره قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم متم نوره بالإضافة والباقون بتنوين متم ( ولو كره الكافرون ) ذلك فإنه كائن لا محالة والجملة في محل نصب على الحال قال ابن عطية واللام في ليطفئوا لام مؤكدة دخلت على المفعول لأن التقدير يريدون أن يطفئوا وأكثر ما تلزم هذه اللام المفعول إذا تقدم كقولك لزيد ضربت ولرؤيتك قصدت وقيل هي لام العلة والمفعول محذوف أي يريدون إبطال القرآن أو دفع الإسلام أو هلاك الرسول ليطفئوا وقيل إنها بمعنى أن الناصبة وأنها ناصبة بنفسها قال الفراء العرب تجعل لام كي في موضع أن في أراد وأمر وإليه ذهب الكسائي ومثل هذا قوله يريد الله ليبين لكم
الصف : ( 9 ) هو الذي أرسل . . . . .
وجملة ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) مستأنفة مقررة لما قبلها والهدى القرآن أو المعجزات ومعنى دين الحق الملة الحقة وهي ملة الإسلام ومعنى ليظهره ليجعله ظاهرا على جميع الأديان عاليا عليها غالبا لها ولو كره المشركون ذلك فإنه كائن لا محالة قال مجاهد ذلك إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض دين إلا دين الإسلام والدين مصدر يعبر به عن الأديان المتعددة وجواب لو في الموضعين محذوف والتقدير أتمه وأظهره
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون وددنا لو أن الله أخبرنا بأحب الأعمال فنعمل به فأخبر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن أحب الأعمال إيمان بالله لا شك فيه وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به فلما نزل الجهاد كره ذلك أناس من المؤمنين وشق عليهم أمره فقال الله ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون ) وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في قوله ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون ) قال هذه الآية في القتال وحده وهم قوم كانوا يأتون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيقول الرجل قاتلت وضربت بسيفي ولم يفعلوا فنزلت وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عنه أيضا قال قالوا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لفعلناه فأخبرهم الله فقال ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) فكرهوا ذلك فأنزل الله ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ( كأنهم بنيان مرصوص ) قال مثبت لا يزول ملصق بعضه على بعض وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر الذي يحشر الله الناس على قدمي وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا العاقب والعاقب الذي ليس بعده نبي


"""""" صفحة رقم 222 """"""
سورة الصف من 10 14
الصف : ( 10 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) جعل العمل المذكور بمنزلة التجار لأنهم يربحون فيه كما يربحون فيها وذلك بدخولهم الجنة ونجاتهم من النار قرأ الجمهور تنجيكم بالتخفيف من الإنجاء وقرأ الحسن وابن عامر وأبو حيوه بالتشديد من التنجية
الصف : ( 11 ) تؤمنون بالله ورسوله . . . . .
ثم بين سبحانه هذه التجارة التي دل عليها فقال ( تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ) وهو خبر في معنى الأمر للإيذان بوجوب الامتثال فكأنه قد وقع فأخبر بوقوعه وقدم ذكر الأموال على الأنفس لأنها هي التي يبدأ بها في الإنفاق والتجهز إلى الجهاد قرأ الجمهور تؤمنون وقرأ ابن مسعود آمنوا وجاهدوا على الأمر قال الأخفش تؤمنون عطف بيان لتجارة والأولى أن تكون الجملة مستأنفة مبينة لما قبلها والإشارة بقوله ( ذلكم ) إلى ما ذكر من الإيمان والجهاد وهو مبتدأ وخبره ( خير لكم ) أي هذا الفعل خير لكم من أموالكم وأنفسكم ( إن كنتم تعلمون ) أي إن كنتم ممن يعلم فإنكم تعلمون أنه خير لكم لا إذا كنتم من أهل الجهل فإنكم لا تعلمون ذلك
الصف : ( 12 ) يغفر لكم ذنوبكم . . . . .
( يغفر لكم ذنوبكم ) هذا جواب الأمر المدلول عليه بلفظ الخبر ولهذا جزم قال الزجاج والمبرد قوله تؤمنون في معنى آمنوا ولذلك جاء يغفر لكم مجزوما وقال الفراء يغفر لكم جواب الاستفهام فجعله مجزوما لكونه جواب الاستفهام وقد غلطه بعض أهل العلم قال الزجاج ليسوا إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا وقال الرازي في توجيه قول الفراء إن هل أدلكم في معنى الأمر عنده يقال هل أنت ساكت أي اسكت وبيانه أن هل بمعنى الاستفهام ثم يتدرج إلى أن يصير عرضا وحثا والحث كالإغراء والإغراء أمر وقرأ زيد بن علي تؤمنوا وتجاهدوا على إضمار لام الأمر وقيل إن يغفر لكم مجزوم بشرط مقدر أي إن تؤمنوا يغفر لكم وقرأ بعضهم بالإدغام في يغفر لكم والأولى ترك الإدغام لأن الراء حرف متكرر فلا يحسن إدغامه في اللام ( ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) قد تقدم بيان كيفية جرى الأنهار من تحت الجنات ( ومساكن طيبة في جنات عدن ) أي في جنات إقامة ( ذلك الفوز العظيم ) أي ذلك المذكور من المغفرة وإدخال الجنات الموصوفة بما ذكر هو الفوز الذي لا فوز بعده والظفر الذي لا ظفر يماثله
الصف : ( 13 ) وأخرى تحبونها نصر . . . . .
( وأخرى تحبونها ) قال الأخفش والفراء أخرى معطوفة على تجارة فهي في محل خفض أي وهل أدلكم على خصلة


"""""" صفحة رقم 223 """"""
أخرى تحبونها في العاجل مع ثواب الأخرة قيل هي في محل رفع أي ولكم خصلة أخرى وقيل في محل نصب أي ويعطيكم خصلة اخرى ثم بين سبحانه هذه الأخرى فقال ( نصر من الله وفتح قريب ) أي هي نصر من الله لكم وفتح قريب يفتحه عليكم وقيل نصر بدل من أخرى على تقدير كونها في محل رفع وقيل التقدير ولكم نصر وفتح قريب قال الكلبي يعني النصر على قريش وفتح مكة وقال عطاء يريد فتح فارس والروم ( وبشر المؤمنين ) معطوف على محذوف أي قل يا ايها الذين آمنوا وبشر أو على تؤمنون لأنه في معنى الأمر والمعنى وبشر يا محمد المؤمنين بالنصر والفتح أو بشرهم بالنصر في الدنيا والفتح وبالجنة في الآخرة أو وبشرهم بالجنة في الآخرة
الصف : ( 14 ) يا أيها الذين . . . . .
ثم حض سبحانه المؤمنين على نصرة دينه فقال ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ) أي دوموا على ما أنتم عليه من نصر الدين قرأ أبن كثير وأبو عمرو ونافع أنصار الله بالتنوين وترك الإضافة وقرأ الباقون بالإضافة والرسم يحتمل القراءتين معا واختار أبو عبيدة قراءة الإضافة لقوله نحن أنصار الله بالإضافة ( كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله ) أي انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى ( من انصاري إلى الله ) فقالوا ( نحن أنصار الله ) والكاف في كما قال نعت مصدر محذوف تقديره كونوا كونا كما قال وقيل الكاف في محل نصب على إضمار الفعل وقيل هو كلام محمول على معناه دون لفظه والمعنى كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم من أنصاري إلى الله وقوله ( إلى الله ) قيل بمعنى مع أي من أنصاري مع الله وقيل التقدير من أنصاري فيما يقرب إلى الله وقيل التقدير من أنصاري متوجها إلى نصرة الله وقد تقدم الكلام على هذا في سورة آل عمران والحواريون هم أنصار المسيح وخلص أصحابي وأول من آمن به وقد تقدم بيانهم ( فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ) أي آمنت طائفة بعيسى وكفرت به طائفة وذلك لأنهم لما اختلفوا بعد رفعه تفرقوا وتقاتلوا ) فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم ( أي قوينا المحقين منهم على المبطلين ( فأصبحوا ظاهرين ) أي عالبن غالبين غالبين وقيل المعنى فأيدنا الآن المسلمين على الفرقتين جميعا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد اخرج أبن مردويه عن أبي هريرة قال قالوا لو كنا نعلم أي الأعمال أحب إلى الله فنزلت ( يا أيها الذين آمنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) فكرهوا فنزلت يا ايها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون إلى قوله بنيان موصوص واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبن المنذر عن قتادة في قوله ( يا ايها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ) قال قد كان ذلك بحمد الله جاءه سبعون رجلا فبايعوه عند العقبة وآووه ونصروه حتى أظهر الله دينه واخرج أبن إسحاق وأبن سعد عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم للنفر الذين لقوه بالعقبة أخرجوا إلى أثني عشر منكم يكونون كفلاء على قومهم كما كفلت الحواريون لعيسى أبن مريم وأخرج أبن سعد عن محمود بن لبيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم للنقباء إنكم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى أبن مريم وأنا كفيل قومي قالوا نعم واخرج أبن المنذر عن ابن عباس ( فأيدنا الذين آمنوا قال فقوينا الذين آمنوا وأخرج أبن أبي حاتم عنه فأيدنا الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وإله وسلم وأمته على عدوهم فأصبحوا اليوم ظاهرين


"""""" صفحة رقم 224 """"""
ع62
تفسير
سورة الجمعة
هي إحدى عشرة آية
حول السورة
وهي مدنية قال القرطبي في قول الجميع واخرج أبن الضريس والنحاس وأبن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبن عباس قال نزلت سورة الجمعة بالمدينة وأخرج أبن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله واخرج مسلم وأهل السنن عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يقرأ في الجمعة سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون وأخرج مسلم وأهل السنن عن ابن عباس نحوه وأخرج أبن حبان والبيهقي في سننه عن جابر بن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقون
سورة الجمعة ( 1 8
الجمعة : ( 1 ) يسبح لله ما . . . . .
قوله ( يسبح لله ما في السموات وما في الأرض ) قد تقدم تفسير هذا في أول سورة الحديد وما بعدها من المسبحات ( والملك القدوس العزيز الحكيم ) قرأ الجمهور بالجر في هذه الصفات الأربع على أنها نعت لله وقيل على البدل والأول اولى وقرأ أبو وائل بن محارب وأبو العالية ونصر بن عاصم ورؤبة بالرفع على إضمار مبتدأ وقرأ الجمهور القدوس بضم القاف وقرأ زيد بن علي بفتحها وقد تقدم تفسيره
الجمعة : ( 2 ) هو الذي بعث . . . . .
(هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم) المراد بالأمين العرب من كان يحسن الكتابة منهم ومن لا يحسنها لأنهم لم يكونوا أهل كتاب


"""""" صفحة رقم 225 """"""
والأمي في الأصل الذي لا يكتب ولا يقرا المكتوب وكان غالب العرب كذلك وقد مضى بيان معنى الأمي في سورة البقرة ومعنى منهم من انفسهم ومن جنسهم ومن جملتهم وما كان حي من أحياء االعرب لا ولرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم فيهم قرابة ووجه الأمتنان بكونه منهم أن ذلك أقرب إلى الموافقة لأن الجنس أميل إلى جنسه وأقرب إليه 0 يتلوا عليهم آياته ) يعني القرآن مع كونه أميا لا يقرا ولا يكتب ولا تعلم ذلك من أحد والجملة صفة لرسولا وكذا قوله ( ويزكيهم قال ابن جريج ومقاتل أي يطهرهم من دنس الكفر والذنوب قال السدي يأخذ زكاة أموالهم وقيل يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان ( ويعلمهم الكتاب والحكمة ) هذه صفة ثالثة لرسولا والمراد بالكتاب القرآن وبالحكمة السنة كذا قال الحسن وقيل الكتاب الخط بالقلم والحكمة الفقه في الدين كذا قال مالك بن انس ( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) أي وإن كانوا من قبل بعثته فيهم في شرك وذهاب عن الحق
الجمعة : ( 3 ) وآخرين منهم لما . . . . .
( وآخرين منهم ) معطوف على الأميين أي بعث في الأميين وبعث في آخرين منهم ( لما يلحقوا بهم ذلك الوقت وسيلحقون بهم من بعد أو هو معطوف على المفعول الأول في يعلمهم أي ويعلم آخرين أو على مفعول يزكيهم أي يزكيهم ويزكي آخرين منهم والمراد بالآخرين من جاب بعد الصحابة إلى يوم القيامة وقيل المراد بهم من اسلم من غير العرب وقال عكرمة هم التابعون وقال مجاهد هم الناس كلهم وكذا قال أبن زيد والسدي وجملة ( لما يلحقوا بهم ) صفة لآخرين والضمير في منهم ولهم راجع إلى الأميين وهذا يؤيد أن المراد بالآخرين هم من يأتي بعد الصحابة من العرب خاصة إلى يوم القيامة وهو صلى الله عليه وإله وسلم وإن كان مرسلا إلى جميع الثقلين فتخصيص العرب ها هنا لقصد الامتنان عليهم وذلك لا ينافي عموم الرسالة ويجوز أن يراد بالأخرين العجم لأنهم وإن لم يكونوا من العرب فقد صاروا بالإسلام منهم والمسلمون كلهم من أمة واحدة وإن اختلفت أجناسهم ( وهو العزيز الحكيم ) أي بليغ العزة والحكمة
الجمعة : ( 4 ) ذلك فضل الله . . . . .
والإشارة بقوله 0 ذلك ) إلى ما تقدم وقال الكلبي يعني الإسلام وقال قتادة يعني الوحي والنبوة وقيل إلحاق العجم بالعرب وهو مبتدأ وخبره 0 فضل الله يؤتيه من يشاء ) أي يعطيه من يشاء من عباده ( والله ذو الفضل العظيم ) الذي لا يساويه فضل ولا يدانيه
الجمعة : ( 5 ) مثل الذين حملوا . . . . .
( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ) ضرب سبحانه لليهود الذين تركوا العمل بالتوراة مثلا فقال ( مثل الذين حملوا التوراة ) أي كلفوا القيام بها والعمل بما فيها ) ثم لم يحملوها أي لم يعملوا بموجبها ولا اطاعوا ما امروا به فيها ( كمثل الحمار يحمل أسفارا ) هي جمع سفر وهو الكتاب الكبير لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ قال ميمون بن مهران الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبل فهكذا اليهود وقال الجرجاني هو يعني حملوا من الحمالة بمعنى الكفالة أي ضمنوا أحكام التوراة وقوله يحمل في محل نصب على الحال أو صفة للحمار إذ ليس المراد به حمارا معينا فهو في حكم النكرة كما في قول الشاعر ولقد أمر على اللئيم يسبني
فمضيت ثم وقلت لا يعنيني
( بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ) أي بئس مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله على أن التمييز محذوف والفاعل المفسر به مضمر ومثل القوم هو المخصوص بالذم أو مثل القوم فاعل بئس والمخصوص بالذم الموصول بعده على حذف مضاف أي مثل الذين كذبوا ويجوز أن يكون الموصول صفة للقوم فيكون في محل جر والمخصوص بالذم محذوف والتقدير بئس مثل القوم المكذبين مثل هؤلاء ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) يعني على العموم فيدخل فيهم اليهود دخولا أوليا
الجمعة : ( 6 ) قل يا أيها . . . . .
( قل يا ايها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله


"""""" صفحة رقم 226 """"""
من دون الناس ) المراد بالذين هادوا الذين تهودوا وذلك أن اليهود ادعوا الفضيلة على الناس وأنهم أولياء الله من دون الناس كما في قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه وقولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى فأمر الله سبحانه رسوله أن يقول لهم لما ادعوا هذه الدعوة الباطلة ) فتمنوا الموت ) لتصيروا إلى ما تصيرون إليه من الكرامة في زعمكم ( إن كنتم صادقين ) في هذا الزعم فإن من علم أنه من أهل الجنة أحب الخلوص من هذه الدار وقرأ الجمهور فتمنوا بضم الواو وقرأ أبن السميفع بفتحها تخفيفا وحكى الكسائي إبدال الواو همزة
الجمعة : ( 7 ) ولا يتمنونه أبدا . . . . .
ثم أخبر الله سبحانه أنهم لا يفعلون ذلك أبدا بسبب ذنوبهم فقال ( ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم ) أي بسبب ما عملوا من الكفر والمعاصي والتحريف والتبديل ( والله عليم بالظالمين ) يعني على العموم وهؤلاء اليهود داخلون فيهم دخولا أوليا
الجمعة : ( 8 ) قل إن الموت . . . . .
ثم امر الله سبحانه رسوله أن يقول لهم بان الفرار من الموت لا ينجيهم وأنه نازل بهم فقال ( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ) لا محالة ونازل بكم بلا شك والفاء في قوله فإنه داخلة لتضمن الاسم معنى الشرط وقال الزجاج لا يقال أن زيدا فمنطلق وها هنا قال فإنه ملاقيكم لما في معنى الذي من الشرط والجزاء أي إن فررتم منه فإنه ملاقيكم ويكون مبالغة في الدلالة على إنه لا ينفع الفرار منه وقيل إنها مزيدة وقيل إن الكلام قد تم عند قوله تفرون منه ثم ابتدأ فقال فإنه ملاقيكم ( ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ) وذلك يوم القيامة ( فينبئكم بما كنتم تعملون ) من الأعمال القبيحة ويجازيكم عليها
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبن المنذر والحاكم والبيهقي في الشعب عن عطاء بن السائب عن ميسرة أن هذه الآية مكتوبة في التوراة بسبعمائة آية ( يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم ) أول سورة الجمعة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبن عمر عن النبي صلى الله عليه وإله وسلم قال إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب واخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وإله وسلم حين نزلت سورة الجمعة فتلاها فلما بلغ ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال له رجل يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا فوضع يده على سلمان الفارسي وقال والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء وأخرجه أيضا مسلم من حديثه مرفوعا بلفظ لو كان الإيمان عند الثريا لذهب به رجال من فارس أو قال من أبناء فارس واخرج سعيد بن منصور وأبن مردويه عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم قال لو كان الإيمان بالثريا لناله ناس من أهل فارس وأخرج الطبراني وأبن مردويه والضياء عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم إن في أصلاب أصلاب رجال من أصحابي رجالا ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب ثم قرأ ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم وأخرج أبن المنذر عن أبن عباس في قوله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) قال الدين وأخرج عبد أبن حميد من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ) قال اليهود وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( اسفارا ) قال كتبا
سورة الجمعة ( 9 11 )


"""""" صفحة رقم 227 """"""
الجمعة : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله 0 يا ايها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة ) أي وقع النداء لها والمراد به الأذان إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم نداء سواه وقوله 0 من يوم الجمعة ) بيان لإذا وتفسير لها وقال أبو البقاء أن من بمعنى في كما في قوله أروني ماذا خلقوا من الأرض أي في الأرض قرأ الجمهور الجمعة بضم الميم وقرأ عبد الله بن الزبير والأعمش بإسكانها تخفيفا وهما لغتان وجمعها جمع وجمعات قال الفراء يقال الجمعة بسكون الميم وبفتحها وبضمها وهي صفة لليوم أي يوم يجمع الناس قال الفراء أيضا وأبو عبيد والتخفيف أخف واقيس نحو غرفة وغرف وطرفة وطرف وحجرة وحجر وفتح الميم لغة عقيل وقيل إنما سميت جمعة لأن الله جمع فيها خلق آدم وقيل لأن الله فرغ فيها من خلق كل شيء فاجتمعت فيها جميع المخلوقات وقيل لاجتماع الناس فيها للصلاة ( فاسعوا إلى ذكر الله ) قال عطاء يعني الذهاب والمشي إلى الصلاة وقال الفراء المضى والسعي والذهاب في معنى واحد ويدل على ذلك قراءة عمر بن الخطاب وابن مسعود فامضوا إلى ذكر الله وقيل المراد القصد قال الحسن والله ما هو سعي على الأقدام ولكنه قصد بالقلوب والنيات وقيل هو العمل كقوله من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن وقوله إن سعيكم لشتى وقوله وأن ليس للإنسان إلا ما سعى قال القرطبي وهذا قول الجمهور ومنه قول زهير سعى بعدهم قوم لكى يدركوهم
وقال أيضا
سعى ساعيا غيظ بن مرة بعد ما تنزل ما بين العشيرة بالدم
أي فاعملوا على المضى إلى ذكر الله واشتغلوا بأسبابه من الغسل والوضوء والتوجه إليه ويؤيد هذا القول قول الشاعر
أسعى على جل بني مالك كل امرئ في شأنه ساعي
( وذروا البيع ) أي اتركوا المعاملة به ويلحق به سائر المعاملات قال الحسن إذا أذن المؤذن يوم الجمعة لم يحل الشراء والبيع والإشارة بقوله ( ذلكم ) إلى السعي إلى ذكر الله وترك البيع وهو مبتدأ وخبره ( خير لكم ) أي خير لكم من فعل البيع وترك السعي لما في الأمتثال من الأجر والجزاء وفي عدمه من عدم ذلك إذا لم يكن موجبا للعقوبة ( إن كنتم تعلمون ) أي إن كنتم من أهل العلم فإنه لا يخفى عليكم أن ذلكم خير لكم
الجمعة : ( 10 ) فإذا قضيت الصلاة . . . . .
( فإذا قضيت الصلاة ) أي إذا فعلتم الصلاة وأديتموها وفرغتم منها ( فانتشروا في الأرض ) للتجارة والتصرف فيما تحتاجون إليه من أمر معاشكم ( وابتغوا من فضل الله ) أي من رزقه الذي يتفضل به على عباده بما يحصل لهم من الأرباح في المعاملات والمكاسب وقيل المراد به ابتغاء ما عند الله من الأجر بعمل الطاعات واجتناب ما لا يحل ( واذكروا الله كثيرا ) أي ذكرا كثيرا بالشكر له على ما هداكم إليه من الخير الأخروي والدنيوي وكذا اذكروه بما يقربكم إليه من الإذكار كالحمد والتسبيح والتكبير والاستغفار ونحو ذلك ( لعلكم تفلحون ) أي كي تفوزوا بخير الدارين وتظفروا به
الجمعة : ( 11 ) وإذا رأوا تجارة . . . . .
( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) سبب نزول هذه الآية أنه كان بأهل المدينة فاقة وحاجة فأقبلت عير من الشام والنبي صلى الله عليه وإله وسلم يخطب يوم الجمعة فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا في المسجد ومعنى انفضوا إليها تفرقوا خارجين إليها وقال المبرد مالوا إليها والضمير للتجارة وخصت بإرجاع الضمير إليها دون اللهو لأنها كانت أهم عندهم وقيل التقدير وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهوا انفضوا إليه فحذف الثاني لدلالة الأول عليه كما في قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 228 """"""
نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
وقيل إنه اقتصر على ضمير التجارة لأن الانفضاض إليها إذا كان مذموما مع الحاجة إليها فكيف بالانفضاض إلى اللهو وقيل غير ذلك ( وتركوك قائما ) أي على المنبر ثم أمره الله سبحانه أن يخبرهم بأن العمل للآخرة خير من العمل للدنيا فقال ( قل ما عند الله ) يعني من الجزاء العظيم وهو الجنة ( خير من اللهو ومن التجارة ) الذين ذهبتم إليهما وتركتم البقاء في المسجد وسماع خطبة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأجلها ( والله خير الرازقين ) فمنه اطلبوا الرزق وإليه توسلوا بعمل الطاعة فإن ذلك من أسباب تحصيل الرزق وأعظم ما يجليه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد اخرج سعيد بن منصور وأبن مردويه عن أبي هريرة قال قلت يا رسول الله لأي شيء سمى يوم الجمعة قال لأن فيه جمعت طينة أبيكم آدم وفيه الصعقة والبعثة وفي آخره ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها بدعوة أستجاب له وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي وأبن أبي حاتم والطبرا ني وأبن مردويه عن سلمان قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أتدري ما يوم الجمعة قلت الله ورسوله أعلم قالها ثلاث مرات ثم قال في الثالثة هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم آدم أفلا أحدثكم عن يوم الجمعة الحديث وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه اخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة وفي الباب أحاديث مصرحة بأنه خلق فيه آدم وورد في فضل يوم الجمعة أحاديث كثيرة وكذلك في فضل صلاة الجمعة وعظيم أجرها وفي الساعة التي فيها وأنه يستجاب الدعاء فيها وقد أوضحت ذلك في شرحي للمنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره وأخرج أبو عبيدة في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بن المنذر أبن الأنباري في المصاحف عن خرشة بن الحر قال رأي معى عمر بن الخطاب لوحا مكتوبا فيه ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) فقال من املى عليك هذا قلت أبي بن كعب قال إن أبيا أقرأنا للمنسوخ أقرأها فأمضوا إلى ذكر الله وروى هؤلاء ما عدا أبا عبيد عن أبن عمر قال لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وما نقرأ هذه الآية التي في سورة الجمعة إلا فامضوا إلى ذكر الله وأخرجه عنه ايضا الشافعي في الأيام وعبد الرزاق والفريابي وأبن جرير وأبن أبي حاتم وأخرجوا كلهم أيضا عن أبن مسعود أنه كان يقرا فامضوا إلى ذكر الله قال ولو كان فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي وأخرج عبد بن حميد عن أبي بن كعب أنه قرأ كذلك واخرج عبد أبن حميد عن أبن عباس ( فاسعوا إلى ذكر الله ) قال فامضوا وأخرج عبد بن حميد عنه أن السعي العمل وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب أن رجلين من اصحاب النبي صلى الله عليه وإله وسلم كانا يختلفان في تجارتهما إلى الشام فربما قدما يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يخطب فيدعونه ويقومون فنزلت الآية ( وذروا البيع ) فحرم عليهم ما كان قبل ذلك وأخرج أبن جرير عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم في قوله فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله قال ليس الطلب دنبا ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله وأخرج أبن مردويه عن ابن عباس في الآية قال لم تؤمروا بشيء من طلب الدنيا إنما هو عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر عن عبد الله قال بينما النبي صلى الله عليه وإله وسلم يخطب يوم الجمعة قائما إذا قدمت عير المدينة فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلا منهم أنا فيهم


"""""" صفحة رقم 229 """"""
أبو بكر وعمر فأنزل الله ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ) إلى آخر السورة وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في الآية قال جاءت عير عبد الرحمن بن عوف تحمل الطعام فخرجوا من الجمعة بعضهم يريد أن يشتري وبعضهم يريد أن ينظر إلى دحية وتركوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قائما على المنبر وبقي في المسجد اثنا عشر رجلا وسبع نسوة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لو أخرجوا كلهم لاضطرم المسجد عليهم نارا وفي الباب روايات متضمنة لهذا المعنى عن جماعة من الصحابة وغيرهم
ع63
تفسير
سورة المنافقين
هي إحدى عشرة آية
حول السورة
وهي مدنية قال القرطبي في قول الجميع واخرج ابن الضريس والنحاس وأبن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة المنافقين بالمدينة واخرج أبن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج سعيد بن منصور والطبراني في الأوسط قال السيوطي بسند حسن عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة فيحرض بها على المؤمنين وفي الثانية بسورة المنافقين فيقرع بها المنافقين وأخرج البزار والطبراني عن أبي عنبة الخولاني مرفوعا نحوه


"""""" صفحة رقم 230 """"""
سورة المنافقين ( 1 8
المنافقون : ( 1 ) إذا جاءك المنافقون . . . . .
قوله إذا جاءك المنافقون ) أي إذا وصلوا إليك وحضروا مجلسك وجواب الشرط قالوا وقيل محذوف وقالوا حال والتقدير جاؤوك قائلين كيت وكيت فلا تقبل منهم وقيل الجواب اتخذوا أيمانهم جنة وهو بعيد ( قالوا نشهد إنك لرسول الله ) أكدوا شهادتهم بإن واللام للإشعار بأنها صادرة من صميم قلوبهم مع خلوص اعتقادهم والمراد بالمنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه ومعنى نشهد لخلف فهو يجري مجرى القسم ولذلك يتلقى بما يتلقى به القسم ومن هذا قول قيس بن ذريح واشهد عند الله أني أحبها
فهذا لها عندي فما عندها ليا
ومثل نشهد نعلم فإنه يجري مجرى القسم كما في قول الشاعر ولقد علمت لتأتين منيتي
إن المنايا لا تطيش سهامها
وجملة ( والله يعلم إنك لرسوله ) معترضة مقررة لمضمون ما قبلها وهو ما أظهروه من الشهادة وإن كانت بواطنهم على خلاف ذلك ( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) أي في شهادتهم التي زعموا أنها من صميم القلب وخلوص الأعتقاد لا إلى منطوق كلامهم وهو الشهادة بالرسالة فإنه حق والمعنى والله يشهد إنهم لكاذبون فيما تضمنه كلامهم من التأكيد الدال على أن شهادتهم بذلك صادرة عن خلوص اعتقاد وطمأنينة قلب وموافقة باطن لظاهر
المنافقون : ( 2 ) اتخذوا أيمانهم جنة . . . . .
( أتخذوا أيمانهم جنة ) أي جعلوا حلفهم الذي حلفوا لكم به إنهم لمنكم وإن محمدا لرسول الله وقاية تقيهم منكم وسترة يستترون بها من القتل والأسر والجملة مستأنفة لبيان كذبهم وحلفهم عليه وقد تقدم قول من قال إنها جواب الشرط قرأ الجمهور أيمانهم بفتح الهمزة وقرأ الحسن بكسرها وقد تقدم تفسير هذا في سورة المجادلة ( فصدوا عن سبيل الله ) أي منعوا الناس عن الإيمان والجهاد وأعمال الطاعة بسبب ما يصدر منهم من التشكيك والقدح في النبوة هذا معنى الصد الذي بمعنى الصرف ويجوز أن يكون من الصدود أي أعرضوا عن الدخول في سبيل الله وإقامة أحكامه ( إنهم ساء ما كانوا يعملون ) من النفاق والصد وفي ساء معنى التعجب
المنافقون : ( 3 ) ذلك بأنهم آمنوا . . . . .
والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما تقدم ذكره من الكذب والصد وقبح الأعمال وهو مبتدأ وخبره ( بأنهم آمنوا ) أي بسبب أنهم آمنوا في الظاهر نفاقا ( ثم كفروا ) في الباطن أو أظهروا الإيمان للمؤمنين وأظهروا الكفر للكافرين وهذا صريح في كفر المنافقين وقيل نزلت الآيه في قوم آمنوا ثم ارتدوا والأول أولى كما يفيده السياق ( فطبع على قلوبهم ) أي ختم عليها بسبب كفرهم قرأ الجمهور فطبع على البناء للمفعول والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور بعده وقرأ زيد بن علي على البناء للفاعل والفاعل ضمير يعود إلى الله سبحانه ويدل على هذا قراءة الأعمش فطبع الله على قلوبهم ( فهم لا يفقهون ) ما فيه من صلاحهم ورشادهم وهو الإيمان
المنافقون : ( 4 ) وإذا رأيتهم تعجبك . . . . .
( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ) أي هيئاتهم ومناظرهم يعني أن لهم أجساما تعجب من يراها لما فيها من النضارة والرونق ( وإن يقولوا تسمع لقولهم ) فتحسب أن قولهم حق وصدق لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم وقد كان عبد الله بن أبي رأس المنافقين فصيحا جسيما جميلا وكان يحضر مجلس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا قال سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مقالته قال الكلبي المراد عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قيس كانت لهم أجسام


"""""" صفحة رقم 231 """"""
ومنظر وفصاحة والخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل لكل من يصلح له ويدل عليه قراءة من هو يسمع على البناء للمفعول وجملة ( كأنهم خشب مسندة ) مستأنفة لتقرير ما تقدم من أن أجسامهم تعجب الرائي وتروق الناظر ويجوز أن تكون في محل رفع على أنها خبر مبتدا محذوف شبهوا في جلوسهم في مجالس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مستندين بها بالخشب المنصوبة المسندة إلى الحائط التي لا تفهم ولا تعلم وهم كذلك لخلوهم عن الفهم النافع والعلم الذي ينتفع به صاحبه قال الزجاج وصفهم بتمام الصون ثم أعلم أنهم في ترك الفهم والاستبصار بمنزلة الخشب قرأ الجمهور خشب بضمتين وقرأ أبو عمرو والكسائي وقنبل بإسكان الشين وبها قرأ البراء بن عازب واختارها أبو عبيد لأن واحدتها خشبة كبدنه وبدن واختار القراءة الأولى أبو حاتم وقرأ سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب بفتحتين ومعنى مسندة أنها اسندت إلى غيرها من قولهم أسندت كذا إلى كذا والتشديد للتكثير ثم عابهم الله سبحانه بالجبن فقال ( يحسبون كل صيحة عليهم ) أي يحسبون كل صيحة يسمعونها واقعة عليهم نازلة بهم لفرط جبنهم ورعب قلوبهم وفي المفعول الثاني للحسبان وجهان أحدهما أنه عليهم ويكون قوله ( هم العدو ) جملة مستأنفة لبيان أنهم الكاملون في العداوة لكونهم يظهرون غير ما يبطنون والوجه الثاني أن المفعول الثاني للحسبان هو قوله هم العدو يكون قوله ) عليهم ( متعلقا بصيحة وإنما جاء بضمير الجماعة باعتبار الخبر وكان حقه أن يقال هو العدو والوجه الأول أولى قال مقاتل والسدي أي إذا نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة ظنوا أنهم المرادون لما في قلوبهم من الرعب ومن هذا قول الشاعر ما زلت تحسب كل شيء بعدهم
خيلا تكر عليهم ورجالا
وقيل كان المنافقون على وجل من أن ينزل فيهم ما يهتك أستارهم ويبيح دماءهم وأموالهم ثم امر الله سبحانه رسوله بأن يأخذ حذره منهم فقال ( فاحذرهم ) أن يتمكنوا من فرصة منك أو يطلعوا على شيء من أسرارك لأنهم عيون لاعدائك من الكفار ثم دعا عليهم بقوله 0 قاتلهم الله أنى يؤفكون ) أي لعنهم الله وقد تقول العرب هذه الكلمة على طريق التعجب كقولهم قاتله الله من شاعر أو ما أشعره وليس بمراد هنا بل المراد ذمهم وتوبيخهم وهو طلب من الله سبحانه طلبه من ذاته عز وجل أن يلعنهم ويخزيهم أو هو تعليم للمؤمنين أن يقولوا ذلك ومعنى ( أنى يؤفكون ) كيف يصرفون عن الحق ويميلون عنه إلى الكفر قال قتادة معناه يعدلون عن الحق وقال الحسن معناه يصرفون عن الرشد
المنافقون : ( 5 ) وإذا قيل لهم . . . . .
( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله ) أي إذا قال لهم القائل من المؤمنين قد نزل فيكم ما نزل من القرآن فتوبوا إلى الله ورسوله وتعالوا يستغفر لكم رسول الله ( لووا رءوسكم ) أي حركوها استهزاء بذلك قال مقاتل عطفوا رؤوسهم رغبة عن الاستغفار قرأ الجمهور لووا بالتشديد وقرأ نافع بالتخفيف واختار القراءة الأولى أبو عبيد ( ورايتهم يصدون ) أي يعرضون عن قول من قال لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله أو يعرضون عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجملة ( وهم مستكبرون ) في محل نصب على الحال من فاعل الحال الأولى وهي يصدون لأن الرؤية بصرية فيصدون في محل نصب على الحال والمعنى ورأيتهم صادين مستكبرين
المنافقون : ( 6 ) سواء عليهم أستغفرت . . . . .
( سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ) أي الأستغفار وعدمه سواء لا ينفعهم ذلك لأحرارهم على النفاق واستمرارهم على الكفر قرأ الجمهور أستغفرت بهمزة مفتوحة من غير مد وحذف همزة الاستفهام ثقة بدلالة أم عليها وقرأ يزيد بن القعقاع بهمزة ثم الف ( لن يغفر الله لهم ) أي ما داموا على النفاق ( إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ) أي الكاملين في الخروج عن الطاعة والأنهماك في معاصي الله


"""""" صفحة رقم 232 """"""
ويدخل فيهم المنافقون دخولا أوليا
المنافقون : ( 7 ) هم الذين يقولون . . . . .
ثم ذكر سبحانه بعض قبائحهم فقال 0 هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) أي حتى يتفرقوا عنه يعنون بذلك فقراء المهاجرين والجملة مستأنفة جارية مجرى التعليل لفسقهم أو لعدم مغفرة الله لهم قرأ الجمهور ينفضوا من الانفضاض وهو التفرق وقرأ الفضل بن عيسى الرقاشي ينفضوا من انفض القوم إذا فنيت أزوادهم يقال نفض الرجل وعاءه من الزاد فانفض ثم أخبر سبحانه بسعة ملكه فقال ( ولله خزائن السموات والأرض ) أي أنه هو الرزاق لهؤلاء المهاجرين لأن خزائن الرزق له فيعطي من شاء ماشاء ويمنع من شاء ما شاء ( ولكن المنافقين لا يفقهون ) ذلك ولا يعلمون أن خزائن الأرزاق بيد الله عز وجل وأنه لباسط القابض المعطي المانع
المنافقون : ( 8 ) يقولون لئن رجعنا . . . . .
ثم ذكر سبحانه مقالة شنعاء قالوها فقال ( يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) القائل لهذه المقالة هو عبد الله بن أبي راس المنافقين وعنى بالأعز نفسه ومن معه وبالأذل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه ومراده بالرجوع رجوعهم من تلك الغزوة وإنما أسند القول إلى المنافقين مع كون القائل هو فرد من أفرادهم وهو عبد الله بن أبي لكونه كان رئيسهم وصاحب أمرهم وهم راضون بما يقوله سامعون له مطيعون ثم رد الله سبحانه على قائل تلك المقالة فقال ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) أي القوة والغلبة لله وحده ولمن أفاضها عليه من رسله وصالحي عباده لا لغيرهم اللهم كما جعلت العزة للمؤمنين على المنافقين فاجعل العزة للعادلين من عبادك وأنزل الذلة على الجائرين الظالمين ( ولكن المنافقين لا يعلمون ) بما فيه النفع فيفعلونه وبما فيه الضر فيجتنبونه بل هم كالأنعام لفرط جهلهم ومزيد حيرتهم والطبع على قلوبهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن زيد بن أرقم قال خرجنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في سفر فأصاب الناس شدة فقال عبد الله بن أبي لأصحابه ( لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) من حوله وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) فأتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرته بذلك فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله فاجتهد يمينه ما فعل فقالوا كذب زيد رسول الله فوقع في نفسي مما قالوا شدة حتى أنزل الله تصديقي في إذا جاءك المنافقون فدعاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليستغفر لهم فلوو رؤوسهم وهو قوله ( كأنهم خشب مسندة ) قال كانوا رجالا أجمل شيء وأخرجه عنه بأطول من هذا ابن سعد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وأخرج أبن مردويه عن أبن عباس قال إنما سماهم الله منافقين لأنهم كتموا الشرك وأظهروا الإيمان وأخرج أبن المنذر عنه ( اتخذوا أيمانهم جنة ) قال حلفهم بالله إنهم لمنكم اجتنبوا بأيمانهم من القتل والحرب وأخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا ( كأنهم خشب مسندة ) قال نخل قيام واخرج أبن مردويه والضياء في المختارة عنه أيضا قال نزلت هذه الآية ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) في عسيف لعمر بن الخطاب وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم وابن مسعود أنهما قرآ ( لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ) وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال كنا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في غزاة قال سفيان يرون أنها غزوة بني المصطلق فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال المهاجري يا للمهاجرين وقال الأنصاري يا للأنصار فسمع ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ما بال دعوة الجاهلية قالوا رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعوها فإنها منتنة فسمع


"""""" صفحة رقم 233 """"""
ذلك عبد الله بن أبي فقال أو قد فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منه الأذل فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقام عمر فقال يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه زاد الترمذي فقال له ابنه عبد الله والله لا تنفلت حتى تقرأنك الذليل ورسول الله العزيز ففعل
سورة المنافقين ( 9 11
المنافقون : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . .
لما ذكر سبحانه قبائح المنافقين رجع إلى خطاب المؤمني مرغبا لهم في ذكره فقال ) يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ( فحذرهم عن أخلاق المنافقين الذين ألهتهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله ومعنى لا تلهكم لا تشغلكم والمراد بالذكر فرائض الإسلام قاله الحسن وقال الضحاك الصلوات الخمس وقيل قراءة القرآن وقيل هو خطاب للمنافقين ووصفهم بالإيمان لكونهم آمنوا ظاهرا والأول أولى ) ومن يفعل ذلك ( أي يلتهى بالدنيا عن الدين ) فأولئك هم الخاسرون ( أي الكاملون في الخسران
المنافقون : ( 10 ) وأنفقوا من ما . . . . .
) وأنفقوا من ما رزقناكم ( الظاهر أن المراد الإنفاق في الخير على عمومه ومن للتبعيض أي أنفقوا بعض ما رزقناكم في سبيل الخير وقيل المراد الزكاة المفروضة ) من قبل أن يأتي أحدكم الموت ( بأن تنزل به أسبابه ويشاهد حضور علاماته وقدم المفعول على الفاعل للاهتمام ) فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب ( أي يقول عند نزول ما نزل به مناديا لربه هلا أمهلتني وأخرت موتي إلى أجل قريب أي أمد قصير ( فأصدق ) أي فأتصدق بمالي ( وأكن من الصالحين ) قرأ الجمهور فأصدق بإدغام التاء في الصاد وانتصابه على أنه جواب التمني وقيل إن لا في لولا زائدة والأصل لو أخرتني وقرأ أبي وابن مسعود وسعيد بن جبير فأتصدق بدون إدغام على الأصل وقرأ الجمهور وأكن بالجزم على محل فأتصدق كأنه قيل إن أخرتني أتصدق وأكن قال الزجاج معناه هلا أخرتني وجزم أكن على موضع فأصدق لأنه على معنى إن أخرتني أصدق وأكن وكذا قال أبو علي الفارسي وابن عطية وغيرهم وقال سيبويه حاكيا عن الخليل إنه جزم على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني وجعل سيبويه هذا نظير قول زهير بدا لي أني لست مدرك ما مضى
ولا سابق شيئا إذا كان حائيا
فخفض ولا سابق عطفا على مدرك الذي هو خبر ليس على توهم زيادة الباء فيه وقرأ أبو عمرو وابن محيصن ومجاهد وأكون بالنصب عطفا على فأصدق ووجهها واضح ولكن قال أبو عبيد رأيت في مصحف عثمان وأكن بغير واو وقرأ عبيد بن عمير وأكون بالرفع على الاستئناف أي وأنا أكون قال الضحاك لا ينزل بأحد الموت لم يحج ولم يؤد زكاة إلا سأل الرجعة وقرأ هذه الآية
المنافقون : ( 11 ) ولن يؤخر الله . . . . .
ثم أجاب الله سبحانه عن هذا المتمني فقال ) ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ( أي إذا حضر أجلها وانقضى عمرها ) والله خبير بما تعملون ( لا يخفى


"""""" صفحة رقم 234 """"""
عليه شيء منه فهو مجازيكم بأعمالكم قرأ الجمهور تعملون بالفوقية على الخطاب وقرأ أبو بكر عن عاصم والسلمي بالتحتية على الخبر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم ( الآية قال هم عباد من أمتي الصالحون منهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وعن الصلوات الخمس المفروضة وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من كان له مال يبلغه حج بيت الله أو تجب عليه فيه الزكاة فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت فقال رجل يا ابن عباس اتق الله فإنما يسأل الرجعة الكافر فقال سأتلوا عليكم بذلك قرآنا ) يا أيها الذين آمنوا ( إلى آخر السورة وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ( فأصدق وأكن من الصالحين ) قال أحج
ع64
تفسير
سورة التغابن
هي ثمان عشرة آية
حول السورة
وهي مدنية في قول الأكثر وقال الضحاك هي مكية وقال الكلبي هي مدنية ومكية وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال نزلت سورة التغابن بالمدينة واخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج النحاس عن ابن عباس قال نزلت سورة التغابن بمكة إلا آيات من آخرها نزلن بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي شكا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جفاء أهله وولده فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ( إلى آخر السورة وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار نحوه وأخرج ابن حبان في الضعفاء والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن عبد الله ابن عمر قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما من مولود يولد إلا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من سورة التغابن وقال ابن كثير وهو غريب جدا بل منكر وأخرج البخاري في تاريخه عن عبد الله بن عمرو قال ما من مولود يولد إلا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من أول سورة التغابن
سورة التغابن ( 1 5 )


"""""" صفحة رقم 235 """"""
سورة التغابن ( 6
التغابن : ( 1 ) يسبح لله ما . . . . .
قوله ) يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض ( أي ينزهه سبحانه جميع مخلوقاته التي في سماواته وأرضه عن كل نقص وعيب ) له الملك وله الحمد ( يختصان به ليس لغيره منهما شيء وما كان لعباده منهما فهو من فيضه وراجع إليه ) وهو على كل شيء قدير ( لا يعجزه شيء
التغابن : ( 2 ) هو الذي خلقكم . . . . .
) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ( أي فبعضكم كافر وبعضكم مؤمن قال الضحاك فمنكم كافر في السر مؤمن في العلانية كالمنافق ومنكم مؤمن في السر كافر في العلانية كعمار بن ياسر ونحوه ممن أكره على الكفر وقال عطاء فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب قال الزجاج إن الله خلق الكافر وكفره فعل له وكسب مع أن الله خالق الكفر وخلق المؤمن وإيمانه فعل له وكسب مع أن الله خالق الإيمان والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه لأن الله تعالى قدر ذلك عليه وعلمه منه لأن وجود خلاف المقدر عجز ووجود خلاف المعلوم جهل قال القرطبي وهذا أحسن الأقوال وهو الذي عليه جمهور الأمة وقدم الكافر على المؤمن لأنه الأغلب عند نزول القرآن ) والله بما تعملون بصير ( لا تخفى عليه من ذلك خافية فهو مجازيكم بأعمالكم
التغابن : ( 3 ) خلق السماوات والأرض . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه خلق العالم الصغير أتبعه بخلق العالم الكبير فقال ) خلق السماوات والأرض بالحق ( أي بالحكمة البالغة وقيل خلق ذلك خلقا يقينا لا ريب فيه وقيل الباء بمعنى اللام أي خلق ذلك لإظهار الحق وهو أن يجزى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ثم رجع سبحانه إلى خلق العالم الصغير فقال ) وصوركم فأحسن صوركم ( قيل المراد آدم خلقه بيده كرامة له كذا قال مقاتل وقيل المراد جميع الخلائق وهو الظاهر أي أنه سبحانه خلقهم في أكمل صورة وأحسن تقويم وأجمل شكل والتصوير التخطيط والتشكيل قرأ الجمهور فأحسن صوركم بضم الصاد وقرأ زيد بن علي والأعمش وأبو زيد بكسرها ( وإليه المصير ) في الدار الآخرة لا إلى غيره
التغابن : ( 4 ) يعلم ما في . . . . .
) يعلم ما في السماوات والأرض ( لا تخفى عليه من ذلك خافية ) ويعلم ما تسرون وما تعلنون ( أي ما تخفونه وما تظهرونه والتصريح به مع اندراجه فيم قبله لمزيد التأكيد في الوعد والوعيد ) والله عليم بذات الصدور ( هذه الجملة مقررة لما قبلها من شمول علمه لكل معلوم وهي تذييلية
التغابن : ( 5 ) ألم يأتكم نبأ . . . . .
) ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل ( وهم كفار الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود والخطاب لكفار العرب ) فذاقوا وبال أمرهم ( بسبب كفرهم والوبال الثقل والشدة والمراد بأمرهم هنا ما وقع منهم من الكفر والمعاصي وبالوبال ما أصيبوا به من عذاب الدنيا ) ولهم عذاب أليم ( وذلك في الآخرة وهو عذاب النار
التغابن : ( 6 ) ذلك بأنه كانت . . . . .
والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما ذكر من العذاب في الدارين وهو مبتدأ وخبره ) بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ( أي بسبب أنها كانت تأتيهم الرسل المرسلة إليهم بالمعجزات الظاهرة ( فقالوا أبشر يهدوننا ) أي قال كل قوم منهم لرسولهم هذا القول منكرين أن يكون الرسول من جنس البشر متعجبين من ذلك وأراد بالبشر الجنس ولهذا قال يهدوننا ( فكفروا وتولوا ) أي كفروا بالرسل وبما جاءوا به وأعرضوا عنهم ولم يتدبروا فيما جاءوا به وقيل كفروا بهذا القول الذي قالوه للرسل ( واستغنى الله ) عن إيمانهم وعبادتهم وقال مقاتل استغنى الله بما أظهره لهم من البرهان وأوضحه من المعجزات وقيل استغنى بسلطانه عن طاعة عباده ) والله غني حميد ( أي غير محتاج إلى العالم ولا إلى عبادتهم له محمود من كل مخلوقاته بلسان المقال والحال


"""""" صفحة رقم 236 """"""
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا مكث المنى في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس فعرج به إلى الرب فيقول يارب أذكر أم أنثى فيقضى الله ما هو قاض فيقول أشقي أم سعيد فيكتب ما هو لاق وقرأ أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات إلى قوله ) وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير ( وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) العبد يولد مؤمنا ويعيش مؤمنا ويموت مؤمنا والعبد يولد كافرا ويعيش كافرا ويموت كافرا وإن العبد يعمل برهة من دهره بالسعادة ثم يدركه ما كتب له فيموت شقيا وأن العبد يعمل برهة من دهره بالشقاء ثم يدركه ما كتب له فيموت سعيدا
سورة التغابن ( 7 13
التغابن : ( 7 ) زعم الذين كفروا . . . . .
قوله ) زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ( الزعم هو القول بالظن ويطلق على الكذب قال شريح لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا و ) أن لن يبعثوا ( قائم مقام مفعول زعم وأن هي المخففة من الثقيلة لا المصدرية لئلا يدخل ناصب على ناصب والمراد بالكفار كفار العرب والمعنى زعم كفار العرب أن الشأن أن يبعثوا أبدا ثم أمر سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يرد عليهم ويبطل زعمهم فقال ) قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن ( بل هي التي لإيجاب النفي فالمعنى بلى تبعثون ثم أقسم على ذلك وجواب القسم لتبعثن أي لتحرجن من قبوركم لتنبؤن ( بما عملتم ) أي لتخبرن بذلك إقامة للحجة عليكم ثم تجزون به ( وذلك ) البعث والجزاء ) على الله يسير ( إذ الإعادة أيسر من الابتداء
التغابن : ( 8 ) فآمنوا بالله ورسوله . . . . .
) فآمنوا بالله ورسوله ( الفاء هي الفصيحة الدالة على شرط مقدر أي إذا كان الأمر هكذا فصدقوا بالله ورسوله محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) والنور الذي أنزلنا ( وهو القرآن لأنه نور يهتدى به من ظلمه الضلال ) والله بما تعملون خبير ( لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم فهو مجازيكم على ذلك
التغابن : ( 9 ) يوم يجمعكم ليوم . . . . .
) يوم يجمعكم ليوم الجمع ( العامل في الظرف لتنبؤن قال النحاس وقال غيره العامل فيه خبير وقيل العامل فيه محذوف هو اذكر وقال أبو البقاء العامل فيه ما دل عليه الكلام أي تتفاوتون يوم يجمعكم قرأ الجمهور


"""""" صفحة رقم 237 """"""
يجمعكم بفتح الياء وضم العين وروى عن أبي عمرو إسكانها ولا وجه لذلك إلا التخفيف وإن لم يكن هذا موضعا له كما قرىء في وما يشعركم بسكون الراء وكقول الشاعر فاليوم أشرب غير مستحقب
إثما من الله ولا واغل
بإسكان باء أشرب وقرأ زيد بن علي والشعبي ويعقوب ونصر وابن أبي إسحاق والجحدري نجمعكم بالنون ومعنى ( ليوم الجمع ) ليوم القيامة فإنه يجمع فيه أهل المحشر للجزاء ويجمع فيه بين كل عامل وعمله وبين كل نبي وأمته وبين كل مظلوم وظالمه ) ذلك يوم التغابن ( يعنى أن يوم القيامة هو يوم التغابن وذلك أنه يغبن فيه بعض أهل المحشر بعضا فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل ويغبن فيه أهل الإيمان أهل الكفر وأهل الطاعة أهل المعصية ولا غبن أعظم من غبن أهل الجنة أهل النار عند دخول هؤلاء الجنة وهؤلاء النار فنزلوا منازلهم التي كانوا سينزلونها لو لم يفعلوا ما يوجب النار فكأن أهل النار استبدلوا الخير بالشر والجيد بالرديء والنعيم بالعذاب وأهل الجنة على العكس من ذلك يقال غبنت فلانا إذا بايعته أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة كذا قال المفسرون فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة ) ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ( أي من وقع منه التصديق مع العمل الصالح استحق تكفير سيئاته قرأ الجمهور يكفر ( ويدخله ) بالتحتية وقرأ نافع وابن عامر بالنون فيهما وانتصاب ) خالدين فيها أبدا ( على أنها حال مقدرة والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما ذكر من التكفير والإدخال وهو مبتدأ وخبره الفوز العظيم ) أي الظفر الذي لا يساويه ظفر
التغابن : ( 10 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ( المراد بالآيات إما التنزيلية أو ما هو أعم منها ذكر سبحانه حال السعداء وحال الأشقياء ها هنا لبيان ما تقدم من التغابن وأنه سيكون بسبب التكفير وإدخال الجنة للطائفة الأولى وبسبب إدخال الطائفة الثانية النار وخلودهم فيها
التغابن : ( 11 ) ما أصاب من . . . . .
) ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ( أي ما أصاب كل أحد من مصيبة من المصائب إلا بإذن الله أي بقضائه وقدره قال الفراء إلا بإذن الله أي بأمر الله وقيل إلا بعلم الله قيل وسبب نزولها أن الكفار قالوا لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا ) ومن يؤمن بالله يهد قلبه ( أي من يصدق ويعلم انه لا يصيبه إلا ما قدره الله عليه يهد قلبه للصبر والرضا بالقضاء قال مقاتل بن حيان يهد قلبه عند المصيبة فيعلم انها من الله فيسلم لقضائه ويسترجع وقال سعيد بن جبير يهد قلبه عند المصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون وقال الكلبي هو إذا ابتلى صبر وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظلم غفر قرأ الجمهور يهد بفتح الياء وكسر الدال أي يهده الله وقرأ قتادة والسلمي والضحاك وأبو عبد الرحمن بضم الياء وفتح الدال على البناء للمفعول وقرأ طلحة بن مصرف والأعرج وسعيد بن جبير وابن هرمز والأزرق نهد بالنون وقرأ مالك بن دينار وعمرو بن دينار وعكرمة يهدأ بهمزة ساكنة ورفع قلبه أي يطمئن ويسكن ) والله بكل شيء عليم ( أي بليغ العلم لا تخفى عليه من ذلك خافية
التغابن : ( 12 ) وأطيعوا الله وأطيعوا . . . . .
) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( أي هونوا على أنفسكم المصائب واشتغلوا بطاعة الله وطاعة رسوله ) فإن توليتم ( أي أعرضتم عن الطاعة ) فإنما على رسولنا البلاغ المبين ( ليس عليه غير ذلك وقد فعل وجواب الشرط محذوف والتقدير فلا بأس على الرسول وجملة ) فإنما على رسولنا ( تعليل للجواب المحذوف
التغابن : ( 13 ) الله لا إله . . . . .
ثم أرشد إلى التوحيد والتوكل فقال ) الله لا إله إلا هو ( أي هو المستحق للعبودية دون غيره فوحدوه ولا تشركوا به ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( أي يفوضوا أمورهم إليه ويعتمدوا عليه لا على غيره


"""""" صفحة رقم 238 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قيل له ما سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول في زعموا قال سمعته يقول بئس مطية الرجل وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عنه أنه كره زعموا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال يوم التغابن من أسماء يوم القيامة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه في قوله ) ذلك يوم التغابن ( قال غبن أهل الجنة أهل النار وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود في قوله ) ما أصاب من مصيبة ( قال هي المصيبات تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله فيسلم لها ويرضى وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) يهد قلبه ( قال يعنى يهد قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه
سورة التغابن ( 14 18
التغابن : ( 14 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ( يعنى أنهم يعادونكم ويشغلونكم عن الخير ويدخل في ذلك سبب النزول دخولا أوليا وهو أن رجالا من مكة أسلموا وأرادوا أن يهاجروا فلم يدعهم أزواجهم ولا أولادهم فأمر الله سبحانه بأن يحذروهم فلا يطيعوهم في شيء مما يريدونه منهم مما فيه مخالفة لما يريده الله والضمير في ( فاحذروهم ) يعود إلى العدو أو إلى الأزواج والأولاد لكن لا على العموم بل إلى المتصفين بالعداوة منهم وإنما جاز جمع الضمير على الوجه الأول لأن العدو يطلق على الواحد والاثنين والجماعة ثم أرشدهم الله إلى التجاوز فقال ) وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ( أي تعفوا عن ذنوبكم التي ارتكبوها وتتركوا التثريب عليها وتستروها ) فإن الله غفور رحيم ( بالغ المغفرة والرحمة لكم ولهم قيل كان الرجل الذي ثبطه أزواجه وأولاده عن الهجرة إذا رأى الناس قد سبقوه إليها وفقهوا في الدين هم أن يعاقب أزواجه وأولاده فأنزل الله ) وأن تعفوا ( الآية والآية تعم وإن كان السبب خاصا كما عرفناك غير مرة قال مجاهد والله ما عادوهم في الدنيا ولكن حملتهم مودتهم على أن اتخذوا لهم الحرام فأعطوهم إياه
التغابن : ( 15 ) إنما أموالكم وأولادكم . . . . .
ثم أخبر الله سبحانه بأن الأموال والأولاد فتنة فقال ) أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( أي بلاء واختبار ومحنة يحملونكم على كسب الحرام ومنع حق الله فلا تطيعوهم في معصية الله ) والله عنده أجر عظيم ( لمن آثر طاعة الله وترك معصيته في محبة ماله وولده
التغابن : ( 16 ) فاتقوا الله ما . . . . .
ثم أمرهم سبحانه بالتقوى والطاعة فقال ) فاتقوا الله ما استطعتم ( أي ما أطقتم وبلغ إليه جهدكم وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله سبحانه فاتقوا الله حق تقاته ومنهم قتادة والربيع بن أنس والسدى وابن زيد وقد أوضحنا الكلام في قوله فاتقوا الله حق تقاته ومعنى ) واسمعوا وأطيعوا ( أي اسمعوا ما تؤمرون به وأطيعوا الأوامر قال مقاتل اسمعوا أي اصغوا إلى ما ينزل عليكم وأطيعوا لرسوله فيما يأمركم وينهاكم وقيل معنى اسمعوا اقبلوا


"""""" صفحة رقم 239 """"""
ما تسمعون لأنه لا فائدة في مجرد السماع ) وأنفقوا خيرا لأنفسكم ( أي أنفقوا من أموالكم التي رزقكم الله إياها في وجوه الخير ولا تبخلوا بها وقوله ) خيرا لأنفسكم ( منتصب بفعل مضمر دل عليه أنفقوا كأنه قال ائتوا في الإنفاق خيرا لأنفسكم أو قدموا خيرا لها كذا قال سيبويه وقال الكسائي والفراء هو نعت لمصدر محذوف أي إنفاقا خيرا وقال أبو عبيدة هو خبر لكان المقدرة أي يكن الإنفاق خيرا لكم وقال الكوفيون هو منتصب على الحال وقيل هو مفعول به لأنفقوا أي فأنفقوا خيرا والظاهر في الآية الإنفاق مطلقا من غير تقييد بالزكاة الواجبة وقيل المراد زكاة الفريضة وقيل النافلة وقيل النفقة في الجهاد ) ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( أي ومن يوق شح نفسه فيفعل ما أمر به من الإنفاق ولا يمنعه ذلك منه فأولئك هم الظافرون بكل خير الفائزون بكل مطلب وقد تقدم تفسير هذه الآية
التغابن : ( 17 ) إن تقرضوا الله . . . . .
) إن تقرضوا الله قرضا حسنا ( فتصرفون أموالكم في وجوه الخير بإخلاص نية وطيب نفس ( يضاعفه لكم ) فيجعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وقد تقدم تفسير هذه الآية واختلاف القراءة في قراءتها في سورة البقرة وسورة الحديد ( ويغفر لكم ) أي يضم لكم إلى تلك المضاعفة غفران ذنوبكم ) والله شكور حليم ( يثيب من أطاعه بأضعاف مضاعفة ولا يعاجل من عصاه بالعقوبة
التغابن : ( 18 ) عالم الغيب والشهادة . . . . .
) عالم الغيب والشهادة ( أي ما غاب وما حضر لا تخفى عليه منه خافية وهو ) العزيز الحكيم ( أي الغالب القاهر ذو الحكمة الباهرة وقال ابن الأنباري الحكيم هو المحكم لخلق الأشياء
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ( في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم فلما أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فرأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فنزلت إلى قوله ) فإن الله غفور رحيم ( وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه وابن مردويه عن بريدة قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يخطب فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من المنبر فحملهما واحدا من ذا الشق وواحدا من ذا الشق ثم صعد المنبر فقال صدق الله ) أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( إني لما نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان ويعثران لم أصبر أن قطعت كلامي ونزلت إليهما وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول الله استقرضت عبدي فأبى أن يقرضني وشتمني عبدي وهو لا يدري يقول وادهراه وادهراه وأنا الدهر ثم تلا أبو هريرة ( إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم )


"""""" صفحة رقم 240 """"""
ع65
تفسير
سورة الطلاق
هي إحدى عشرة آية وقيل اثنتا عشرة
حول السورة
وهي مدنية قال القرطبي في قول الجميع وأخرج ابن الضريس وابن النحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة الطلاق بالمدينة
سورة الطلاق ( 1 5
الطلاق : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . .
قوله ) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ( نادى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أولا تشريفا له ثم خاطبه مع أمته أو الخطاب له خاصة والجمع للتعظيم وأمته أسوته في ذلك والمعنى إذا أردتم تطليقهن وعزمتم عليه ) فطلقوهن لعدتهن ( أي مستقبلات لعدتهن أو في قبل عدتهن أو لقبل عدتهن وقال الجرجاني إن اللام في لعدتهن بمعنى في أي في عدتهن وقال أبو حيان هو على حذف مضاف أي لاستقبال عدتهن واللام للتوقيت نحو لقيته لليلة بقيت من شهر كذا والمراد أن يطلقوهن في طهر لم يقع فيه جماع ثم يتركن حتى تنقضي عدتهن فإذا طلقوهن هكذا فقد طلقوهن لعدتهن وسيأتي بيان هذا من السنة في آخر البحث إن شاء الله ) وأحصوا العدة ( أي احفظوها واحفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق حتى تتم العدة وهي ثلاثة قروء


"""""" صفحة رقم 241 """"""
والخطاب للأزواج وقيل للزوجات وقيل للمسلمين على العموم والأول أولى لأن الضمائر كلها لهم ( واتقوا الله ربكم ) فلا تعصوه فيما أمركم ولا تضاروهن ( لا تخرجوهن من بيوتهن ) أي التي كنا فيها عند الطلاق ما دمن في العدة وأضاف البيوت إليهن وهي لأزواجهن لتأكيد النهي وبيان كمال استحقاقهن للسكنى في مدة العدة ومثله قوله واذكرن ما يتلى في بيوتكن وقوله وقرن في بيوتكن ثم لما نهى الأزواج عن إخراجهن من البيوت التي وقع الطلاق وهن فيها الزوجات عن الخروج أيضا فقال ( ولا يخرجن ) أي لا يخرجن من تلك البيوت ما دمن في العدة إلا لأمر ضروري كما سيأتي بيان ذلك وقيل المراد لا يخرجن من أنفسهن إلا إذا أذن لهن الأزواج فلا بأس والأول أولى ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) هذا الاستثناء هو من الجملة الأولى أي لا تخرجوهن من بيوتهن لا من الجملة الثانية قال الواحدي أكثر المفسرين على أن المراد بالفاحشة هنا الزنا وذلك أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها وقال الشافعي وغيره هي البذاء في اللسان والاستطالة بها على من هو ساكن معها في ذلك البيت ويؤيد هذا ما قال عكرمة إن في مصحف أبي إلا أن يفحشن عليكم وقيل المعنى إلا أن يخرجن تعديا فإن خروجهن على هذا الوجه فاحشة وهو بعيد والإشارة بقوله ( وتلك ) إلى ما ذكر من الإحكام وهو مبتدأ وخبره ( حدود الله ) والمعنى أن هذه الأحكام التي بينها لعباده هي حدوده التي حدها لهم لا يحل لهم أن يتجاوزوها إلى غيرها ( ومن يتعد حدود الله ) أي يتجاوزها إلى غيرها أو يخل بشيء منها ( فقد ظلم نفسه ) بإيرادها مورد الهلاك وأوقعها في مواقع الضرر بعقوبة الله له على مجاوزته لحدوده وتعديه لرسمه وجملة ( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) مسستأنفة لتقرير مضمون ما قبلها وتعليله قال القرطبي قال جميع المفسرين أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة والمعنى التحريض على طلاق الواحدة والنهي عن الثلاث فإنه إذا طلق ثلاثا أخر بنفسه عند الندم على الفراق والرغبة في الإرتجاع فلا يجد إلى المراجعة سبيلا وقال مقاتل بعد ذلك أي بعد طلقة أو طلقتين أمرا بالمراجعة قال الواحدى الأمر الذي يحدث أن يوقع في قلب الرجل المحبة لرجعتها بعد الطلقة والطلقتين قال الزجاج وإذا طلقها ثلاثا في وقت واحد فلا معنى لقوله لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
الطلاق : ( 2 ) فإذا بلغن أجلهن . . . . .
( فإذا بلغن أجلهن ) أي قاربن انقضاء أجل العدة وشارفن آخرها 0 فأمسكوهن بمعروف ) أي راجعوهن بحسن معاشرة ورغبة فيهن من غير قصد إلى مضارة لهن ( أو فارقوهن بمعروف ) أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيملكن نفوسهن مع إيفائهن بما هو لهن عليكم من الحقوق وترك المضارة لهن ( وأشهدوا ذوى عدل منكم ) على الرجعة وقيل على الطلاق وقيل عليهما قطعا للتنازع وحسما لمادة الخصومة والأمر للندب كما في قوله واشهدوا إذا تبايعتم وقيل إنه للوجوب وإليه ذهب الشافعي قال الإشهاد واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة وإليه ذهب أحمد بن حنبل وفي قول للشافعي إن الرجعة لا تفتقر إلى الإشهاد كسائر الحقوق وروى نحو هذا عن أبي حنيفة وأحمد ( وأقيموا الشهادة لله ) هذا أمر للشهود بأن يأتوا بما شاهدوا به تقربا إلى الله وقد تقدم تفسير هذا في سورة البقرة وقيل الأمر للأزواج بأن يقيموا الشهادة أي الشهود عند الرجعة فيكون قوله 0 واشهدوا ذوى عدل منكم ) أمرا بنفس الإشهاد ويكون قوله ( وأقيموا الشهادة ) أمرا بأن تكون خالصة لله والإشارة بقوله ( ذلكم ) إلى ما تقدم من الأمر بالإشهاد وإقامة الشهادة لله وهو مبتدأ وخبره ويوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ) وخص المؤمن بالله واليوم الآخر لأنه المنتفع بذلك دون غيره ( ومن يتقي الله يجعل له مخرجا ) أي من يتقي عذاب الله بإمتثال أوامره وإجتناب نواهيه والوقوف على حدوده التي حدها لعباده وعدم مجاوزتها يجعل له مخرجا مما وقع فيه من الشدائد والمحن
الطلاق : ( 3 ) ويرزقه من حيث . . . . .
( ويرزقه من حيث لا يحتسب ) أي من وجه


"""""" صفحة رقم 242 """"""
لا يخطر بباله ولا يكون في حسابه قال الشعبي والضحاك هذا في الطلاق خاصة أي من طلق كما أمره الله يكن له مخرج في الرجعة في العدة وأنه يكون كأحد الخطاب بعد العدة وقال الكلبي ومن يتق الله بالصبر عند المصيبة يجعل له مخرجا من النار إلى الجنة وقال الحسن مخرجا مما نهى الله عنه وقال أبو العالية مخرجا من كل شيء ضاق على الناس وقال الحسين بن الفضل ومن يتق الله في أداء الفرائض يجعل له مخرجا من العقوبة ويرزقه الثواب من حيث لا يحتسب أي يبارك له فيما آتاه وقال سهل بن عبد الله ومن يتق الله في إتباع السنة يجعل له مخرجا من عقوبة اهل البدع ويرزقه الجنة من حيث لا يحتسب وقيل غير ذلك وظاهر الآية العموم ولا وجه للتخصيص بنوع خاص ويدخل ما فيه السياق دخولا أوليا ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) أي ومن وثق بالله فيما نابه كفاه ما أهمه ( إن الله بالغ امره ) قرأ الجمهور بالغ أمره بتنوين بالغ ونصب أمره وقرأ حفص بالإضافة وقرأ أبن أبي عبلة وداود بن أبي هند وأبو عمرو في رواية عنه بتنوين بالغ ورفع أمره على أنه فاعل بالغ أو 4 على أن أمره مبتدأ مؤخرا وبالغ مقدم قال الفراء في توجيه هذه القراءة أي أمره بالغ والمعنى على القراءة الأولى والثانية أن الله سبحانه بالغ ما يريده من الأمر لا يفوته شيء ولا يعجزه مطلوب وعلى القراءة الثالثة أن الله نافذ أمره لا يرده شيء وقرا المفضل بالغا بالنصب على الحال ويكون خبر إن قوله ( قد جعل الله لكل شيء قدرا ) أي تقديرا وتوقيتا أو مقدرا فقد جعل سبحانه للشدة أجلا تنتهي إليه وللرخاء أجلا ينتهي إليه وقال السدي هو قدر الحيض والعدة
الطلاق : ( 4 ) واللائي يئسن من . . . . .
( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ) وهن الكبار اللاتي قد انقطع حيضهن وأيسن منه ( إن ارتبتم ) أي شككتم وجهلتم كيف عدتهن ( فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن لصغرهن وعدم بلوغهن سن المحيض أي فعدتهن ثلاثة اشهر وحذف هذا لدلالة ما قبله عليه ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) أي انتهاء عدتهن وضع الحمل وظاهر الآية أن عدة الحوامل بالوضع سواء كن مطلقات أو متوفي عنهن وقد تقدم الكلام في هذا في سورة البقرة مستوفى وحققنا البحث في هذه الآية وفي الآية الأخرى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وقيل معنى ( إن ارتبتم ) إن تيقنتم ورجح ابن جرير أنه بمعنى الشك وهوالظاهر قال الزجاج إن ارتبتم في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن يحضن مثلها وقال مجاهد إن ارتبتم يعني لم تعلموا عدة الآيسة والتي لم تحض فالعدة هذه وقيل المعنى إن ارتبتم في الدم الذي يظهر منها هل هو حيض أم لا بل استحاضة فالعدة ثلاثة أشهر ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) أي من يتقه في امتثال أوامره واجتناب نواهيه يسهل عليه أمره في الدنيا والآخرة وقال الضحاك من يتق الله فليطلق للسنة يجعل له من أمره يسرا في الرجعة وقال مقاتل من يتق الله في إجتناب معاصيه ويجعل له من أمره يسرا في توفيقه للطاعة
الطلاق : ( 5 ) ذلك أمر الله . . . . .
والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما ذكر من الأحكام أي ذلك المذكور من الأحكام ( أمر الله أنزله إليكم ) أي حكمه الذي حكم به بين عباده وشرعه الذي شرعه لهم ومعنى ( أنزله إليكم ) أنزله في كتابه على رسوله وبينه لكم وفصل أحكامه وأوضح حلاله وحرامه ( ومن يتق الله ) يترك ما لا يرضاه ( يكفر عنه سيئاته التي اقترفها لأن التقوى من أسباب المغفرة للذنوب ( ويعظم له أجرا ) أي يعطه من الأجر في الآخرة أجرا عظيما وهو الجنة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد اخرج أبن أبي حاتم عن أنس قال طلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حفصة فأتت أهلها فأنزل الله ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) فقبل له راجعها فإنها صوامة قوامة وهي من أزواجك في الجنة وأخرجه ابن جرير عن قتادة مرسلا وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال طلق عبد يزيد أبو ركانة


"""""" صفحة رقم 243 """"""
أم ركانة ثم نكح امرأة من مزينة فجاءت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت يا رسول الله ما يغني عني إلا ما تغني عني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها فأخذت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حمية عند ذلك فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ركانة وأخوته ثم قال لجلسائه أترون كذا من وكذا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لعبد يزيد طلقها ففعل فقال لأبي ركانة ارتجعها فقال يا رسول الله إني طلقتها قال قد علمت ذلك فارتجعها فنزلت ( يا ايها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) قال الذهبي إسناده واه والخبر خطأ فإن عبد يزيد لم يدرك الإسلام وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبن عمر أنه طلق امراته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ثم قال ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض وتطهر فإن بدأ له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء وقرأ النبي صلى الله عليه وإله وسلم ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن من قبل بعدتهن ) وأخرج عبد الرزاق في المصنف وأبن المنذر والحاكم وأبن مردويه عن أبن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم قرأ ( فطلقوهن في قبل عدتهن ) وأخرج أبن الأنباري عن أبن عمر أنه قرأ فطلقوهن لقبل عدتهن وأخرج أبن الأنباري وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن المنذر والبيهقي عن مجاهد أنه قرأ كذلك واخرج عبد الرزاق وأبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن مردويه والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ كذلك وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبن مردويه عن ابن مسعود قال من أراد أن يطلق للسنة كما أمره الله فليطلقها طاهرا في غير جماع وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله ( فطلقوهن لعدتهن ) قال طاهرا من غير جماع وفي الباب أحاديث وأخرج عبد بن حميد عن أبن مسعود ( وأحصوا العدة ) قال الطلاق طاهرا في غير جماع وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر في قوله 0 ولا يخرجن إلا أن ياتين بفاحشة مبينة ) قال خروجها قبل انقضاء العدة من بيتها هي الفاحشة المبينة وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عن أبن عباس ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) قال الزنا واخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن راهويه وعبد بن حميد وأبن جرير وابن مردويه والبيهقي من طرق عن أبن عباس قال الفاحشة المبينة أن تبدو المراة على أهل الرجل فإذا بذت عليهم بلسانها فقد حل لهم إخراجها وأخرج أبن أبي حاتم عن فاطمة بنت قيس في قوله ( لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) قالت هي الرجعة وأخرج عبد الرزاق عن أبن سيرين أن رجلا سأل عمران بن حصين أن رجلا طلق ولم يشهد قال بئس ما صنع طلق في بدعة وارتجع في غير سنة فيشهد على طلاقه وعلى مراجعته ويستغفر الله وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) قال مخرجه أن يعلم أنه من قبل الله وأن الله هو الذي يعطيه وهو يمنعه وهو يبتليه وهو يعافيه وهو يدفع عنه وفي قوله ( ويرزقه من حيث لا يحتسب قال من حيث لا يدري وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) قال ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة واخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق سالم بن أبي الجعد عن جابر قال ط نزلت هذه الآية ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) في رجل من أشجع كان فقيرا خفيف ذات اليد كثير العيال فأتي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أتق الله واصبر فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء أبن له بغنم كان العدو أصابوه فأتي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسأله عنها وأخبره خبرها فقال كلها فنزلت


"""""" صفحة رقم 244 """"""
ومن يتق الله الآية واخرج أبن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن أبن عباس قال جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله إن أبني أسره العدو وجزعت أمه فما تأمرني قال آمرك وإياها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فقالت المرأة نعم ما أمرك فجعلا يكثران منها فتغفل عنه العدو فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه فنزلت ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) الآية وفي الباب روايات تشهد لهذا وأخرج أبن أبي حاتم عن عائشة في الآية قالت يكفيه هم الدنيا وغمها وأخرج أحمد وصححه وأبن مردويه وابو نعيم في المعرفة والبيهقي عن أبي ذر قال جعل رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يتلو هذه الآية ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) فجعل يردوها حتى نعست ثم قال يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم وفي الباب أحاديث وأخرج أبن مردويه عن أبن مسعود في قال ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) قال ليس المتوكل الذي يقول تقضي حاجتي وليس كل من يتوكل على الله كفاه ما أهمه ودفع عنه ما يكره وقضى حاجته ولكن الله جعل فضل من توكل على من لم يتوكل أن يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا وفي قوله 0 إن الله بالغ أمره ) قال يقول قاضي أمره على من توكل وعلى من لم يتوكل ولكن المتوكل يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا وفي قوله 0 قد جعل الله لكل شيء قدرا ) قال يعني أجلا ومنتهى ينتهي إليه واخرج ابن المبارك والطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وأبن ماجه وابو يعلي والحاكم وصححه والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق خ الطير تغدو خماصا وتروح بطانا وأخرج إسحاق بن راهويه وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي كعب أن ناسا من أهل المدينة لما نزلت هذه الآية في البقرة في عدة النساء قالوا لقد بقي من عدة النساء عدد لم يذكر في القرآن الصغار والكبار اللاتي قد انقطع حيضهن وذوات الحمل فأنزل الله ( واللائي يئسن من المحيض ) الآية وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وأبو يعلي والضياء في المختارة وأبن مردويه عن أبي كعب قال قلت للنبي صلى الله عليه وإله وسلم ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) أهي المطلقة ثلاثا أو المتوفي عنها قال هي المطلقة ثلاثا والمتوفي عنها وأخرج نحوه عنه مرفوعا أبن جرير وأبن أبي حاتم وأبن مردويه والدارقطني من وجه آخر وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي وأبن ماجه وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والطبراني وأبن مردويه من طرق عن أبن مسعود أنه بلغه أن عليا قال تعتد آخر الأجلين فقال من شاء لاعنته إن الآية في سورة النساء القصرى نزلت بعد سورة البقرة ( وأولات الأحمال أجلهن ان يضعن حملهن ) بكذا وكذا أشهرا وكل مطلقة أو متوفي عنها زوجها فأجلها أن تضع حملها وروى نحو هذا عنه من طرق وبعضها في صحيح البخاري وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أم سلمة أن سبيعة الأسلمية توفي عنها زوجها وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة فخطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وفي الباب أحاديث سورة الطلاق ( 6 7 )


"""""" صفحة رقم 245 """"""
الطلاق : ( 6 ) أسكنوهن من حيث . . . . .
قوله ( آسكنوهن من حيث سكنتم ) هذا كلام متبدأ يتضمن بيان ما يجب للنساء من السكنى ومن للتبعيض أي بعض مكان سكناكم وقيل زائدة ( من وجدكم ) أي من سعتكم وطاقتكم والوجد القدرة قال الفراء يقول على ما يجد فإن كان موسعا عليه وسع عليها في المسكن والنفقة وإن كان فقيرا فعلى قدر ذلك قال قتادة إن لم تجد إلا ناحية بيتك فأسكنها فيه وقد اختلف أهل العلم في المطلقة ثلاثا هل لها سكنى ونفقة أم لا فذهب مالك والشافعي أن لها السكنى ولا نفقة لها وذهب أبو حنيفة وأصحابه أن لها السكنى والنفقة وذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور أنه لا نفقة لها ولا سكنى وهذا هو الحق وقد قررته في شرحي للمنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره ( ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ) نهى سبحانه عن مضارتهن بالتضيق عليهن في المسكن والنفقة وقال مجاهد في المسكن وقال مقاتل في النفقة وقال أبو الضحى هو أن يطلقها فإذا بقي يومان من عدتها راجعها ثم طلقها ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) أي إلى غاية هي وضعهن للحمل ولا خلاف بين العلماء في وجوب النفقة والسكنى للحامل المطلقة فأما الحامل المتوفي عنها زوجها فقال علي وأبن عمر وأبن مسعود وشريح والنخعي والشعبي وحماد وأبن أبي ليلى وسفيان وأصحابه ينفق عليها من جميع المال حتى تضع وقال أبن عباس وأبن الزبير وجابر بن عبد الله ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه لا ينفق عليها إلا من نصيبها وهذا هو الحق للأدلة الواردة في ذلك من السنة ( فإن أرضعن لكم ) أولادكم بعد ذلك ( فآتوهن أجورهن ) أي أجور إرضاعهن والمعنى أن المطلقات إذا أرضعن أولاد الأزواج المطلقين لهن منهن فلهن أجورهن على ذلك ( وأتمروا بينكم بمعروف ) هو خطاب للأزواج والزجات أي تشاوروا بينكم بما هو المعروف غير منكر وليقبل بعضكم من بعض من المعروف والجميل وأصل معناه ليأمر بعضكم بعضا بما هو متعارف بين الناس غير منكر عندهم قال مقاتل المعنى ليتراض الأب والأم على أجر مسمى قيل والمعروف الجميل من الزوج أن يوفر لها الأجر والمعروف الجميل منها أن لا تطلب ما يتعاسر الزوج من الأجر ( وإن تعاسرتم ) أي في أجر الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الأم الأجر وأبت الأم أن ترضعه إلا بما تريد من الأجر ( فسترضع له أخرى ) أي يستأجر مرضعة اخرى ترضع ولده ولا يجب عليه أن يسلم ما تطلبه الزوجة ولا يجوز له أن يكرهها على الأرضاع بما يريد من الأجر قال الضحاك إن أبت الأم أن ترضع استأجر لولده أخرى فإن لم تقبل فإن لم تقبل أجبرت أمه على الرضاع بالأجر
الطلاق : ( 7 ) لينفق ذو سعة . . . . .
( لينفق كل ذو سعة من سعته ) فيه الأمر لأهل السعة بأن يوسعوا على المرضعات من نسائهم على قدر سعتهم ( ومن قدر عليه رزقه ) إي كان رزقه بمقدار القوت أو مضيق ليس بموسع ( فلينفق مما أتاه الله ) أي مما أعطاه من الرزق ليس عليه غير ذلك ( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) أي ما أعطاها من الرزق فلا يكلف الفقير بأن ينفق ما ليس في وسعه بل عليه ما يقدر عليه وتبلغ إليه طاقته مما أعطاه الله من الرزق ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) أي بعد ضيق وشده وسعة وغنى


"""""" صفحة رقم 246 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله من وجدكم قال من سعتكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن قال في المسكن وأخرج ابن المنذر عنه في قوله وإن كن أولات حمل الآية قال فهذه في المرأة يطلقها زوجها وهي حامل فأمره الله أن يسكنها وينفق عليها حتى تضع وإن أرضعت حتى تفطم فإن أبان طلاقها وليس بها حمل فلها السكنى حتى تنقضى عدتها ولا نفقة لها وأخرج عبد بن حميد عن أبي سنان قال سألة عمر بن الخطاب عن أبي عبيدة فقيل إنه يلبس الغليظ من الثياب ويأكل أخشن الطعام فبعث إليه بألف دينار وقال لرسول أنظر ماذا يصنع بها إذا أخذها فما لبث أن لبس ألين الثياب وأكل أطيب الطعام فجاء الرسول فأخبره فقال رحمه الله تأول هذه الآية لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله سورة التغابن الآية 8 - 12
الطلاق : ( 8 ) وكأين من قرية . . . . .
لما ذكر سبحانه ما تقدم من الأحكام حذر من مخالفتها وذكر عتو قوم خالفوا أوامره فحل بهم عذابه فقال وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله يعني عصت والمراد أهلها والمعنى وكم من أهل قرية عصوا أمر الله ورسله أو أعرضوا عن أمر الله ورسله على تضمين عتت معنى أعرضت وقد قدمنا الكلام في كأين في سورة آل عمران وغيرها فحسبناها حسابا شديدا أي شددنا على أهلها في الحساب بما عملوا قال مقاتل حاسبها الله بعملها في الدنيا فجازها بالعذاب وهو معنى قوله وعذبناها عذابا نكرا أي عذبنا أهلها عذابا عظيما منكرا في الآخرة وقيل في الكلام تقديم وتأخير أي عذبنا أهلها عذابا نكرا في الدنيا بالجوع والقحط والسيف والخسف والمسخ وحاسبناهم في الآخرة حسابا شديدا والنكر المنكر
الطلاق : ( 9 ) فذاقت وبال أمرها . . . . .
فذاقت وبال أمرها أي عاقبة كفرها وكان عاقبة أمرها خسرا أي هلاكا في الدنيا وعذابا في الآخرة أعد الله لهم عذابا شديدا في الآخرة وهو عذاب النار والتكرير للتأكيد فاتقوا الله يا أولى الألباب أي يا أولى العقول الراجحة وقوله الذين آمنوا في محل نصب بتقدير أعنى بيانا للمنادي بقوله يا أولى الألباب أو عطف بيان له أو نعت قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا قال الزجاج إنزال الذكر دليل على إضمار أرسل أي أنزل إليكم قرآنا وأرسل إليكم رسولا وقال أبو علي الفارسي إن رسولا منصوب بالمصدر وهو ذكرا لأن المصدر المنون يعمل والمعنى أنزل إليكم ذكر الرسول وقيل إن رسولا بدل من ذكرا وكأنه جعل الرسول نفس الذكر مبالغة وقيل إنه يدل


"""""" صفحة رقم 247 """"""
منه على حذف مضاف من الأول تقديره أنزل ذا ذكر رسولا أو صاحب ذكر رسولا وقيل إن رسولا نعت على حذف مضاف أي ذكرا ذا رسول فذا رسول نعت للذكر وقيل إن رسولا بمعنى رسالة فيكون رسولا بدلا صريحا من غير تأويل أو بيانا وقيل إن رسولا منتصب على الإغراء كأنه قال ألزموا رسولا وقيل أن الذكر هاهنا بمعنى الشرف كقوله لقد أزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم وقوله وإنه لذكر لك ولقومك
الطلاق : ( 10 ) أعد الله لهم . . . . .
ثم بين هذا الشرف فقال رسولا وقد ذهب الأكثر إلى أن المراد بالرسول هنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقال الكلبي هو جبريل والمراد بالذكر القرآن ويختلف المعنى باختلاف وجوه الإعراب السابقة كما لا يخفي
الطلاق : ( 11 ) رسولا يتلو عليكم . . . . .
ثم نعت سبحانه الرسول المذكور بقوله يتلوا عليكم آيات الله مبينات أي حال كونها مبينات قرأ الجمهور مبينات على صيغة اسم المفعول أي بينها الله وأوضحها وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي على صيغة اسم الفاعل أي الآيات تبين للناس ما يحتاجون إلى من الأحكام ورجح القراءة الأولى أبو حاتم وأبو عبيد لقوله قد بينا لكم الآيات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور اللام متعلقة بيتلو أي ليخرج الرسول الذي يتلو الآيات الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ظلمات الضلالة إلى نور الهداية ويجوز أن تتعلق اللام بأنزل فيكون المخرج هو الله سبحانه ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا أي يجمع بين التصديق والعمل بما فرض الله عليه مع اجتناب ما نهاه عنه ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار قرأ الجمهور يدخله بالتحتية وقرأ نافع وابن عامر بالنون وجمع الضمير في خالدين فيها أبدا باعتبار معنى من ووحده في يدخله باعتبار لفظها وجملة قد أحسن الله له رزقا في محل نصب على الحال من الضمير في خالدين على التداخل أو من مفعول يدخله على الترادف ومعنى قد أحسن الله له رزقا أي وسع له رزقه في الجنة
الطلاق : ( 12 ) الله الذي خلق . . . . .
(الله الذي خلق سبع سموات) الاسم الشريف مبتدأ وخبره الموصول مع صلته ومن الأرض مثلهن أي وخلق من الأرض مثلهن يعنى سبعا واختلف في كيفية طبقات الأرض قال القرطبي في تفسير واختلف فيهن على قولين أحدهما وهو قوله الجمهور أنها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض وفي كل أرض سكان من خلق الله وقال الضحاك أنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق بخلاف السموات والأول أصح لأن الأخبار دالة عليه في الترمذي والنسائي وغيرهما وقد مضى ذلك مبينا في البقرة قال وفي صحيح مسلم عن سعيد بن زيد قال سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول من أخذا شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين إلى آخر كلامه وسيأتي في آخر البحث ما يقوى قول الجمهور قرأ الجمهور مثلهن بالنصب عطفا على سبع سموات أو على تقدير فعل أي وخلق من الأرض مثلهن وقرأ عاصم في رواية عنه بالرفع على الابتداء والجار والمجرور قبله خبره يتنزل الأمر بينهن الجملة مستأنفة ويجوز أن تكون صفة لما قبلها والأمر الوحى قال مجاهد يتنزل الأمر من السموات السبع إلى السبع الأرضين وقال الحسن بين كل سماء وبين الأرض وقال قتادة في كل أرض من أرضه وسماء من سمائه خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه وقيل بينهن إشارة إلى ما بين الأرض السفلى التي هي أدناها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها وقيل هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبيره فينزل المطر ويخرج النبات ويأتي بالليل والنهار والصيف والشتاء ويخلق الحيوانات على اختلاف أنواعها وهيئتها فينقلهم من حال إلى حال قال ابن كيسان وهذا هو مجال اللغة واتساعها كما يقال للموت أمر الله وللريح والسحاب ونحوها قرأ الجمهور


"""""" صفحة رقم 248 """"""
يتنزل الأمر من التنزل ورفع الأمر على الفاعلية وقرأ أبو عمرو في رواية عنه ينزل من الإنزال ونصب الأمر على المفعولية والفاعل الله سبحانه واللام في ( لتعلموا أن الله على كل شيء قدير ) متعلق بخلق أو بيتنزل أو بمقدر أي فعل ذلك لتعلموا كمال قدرته وإحاطته بالأشياء وهو معنى ( وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) فلا يخرج عن علمه شيء منها كائنا ما كان وانتصاب علما على المصدرية لأن احاط بمعنى علم أو هو صفة لمصدر محذوف أي احاط إحاطة علما ويجوز أن يكون تمييزا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير عن أبن عباس في قوله ( فحاسبناها حسابا شديدا ) يقول لم ترحم ( وعذبناها عذابا نكرا ) يقول عظيما منكرا واخرج أبن مردويه عنه ( قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا ) قال محمد صلى الله عليه وإله وسلم وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر من طريق سعيد بن جبير عن أبن عباس أنه قال له رجل ( الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ) إلى آخر السورة فقال أبن عباس ما يؤمنك أن أخبرك بها فتكفر وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من طريق أبي الضحى عن ابن عباس في قوله ( ومن الأرض مثلهن ) قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى قال البيهقي هذا إسناده صحيح وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا وأخرج أبن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم إن الأرضيين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام والعليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء والحوت على صخرة والصخرة بيد ملك والثانية مسجن الريح فلما أراد الله أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل علي ريحا يهلك عادا فقال يا رب أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور فقال له الجبار إذن تكفا الأرض ومن عليها ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم فهي التي قال الله في كتابه ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم والثالثة فيها حجارة جهنم والرابعة فيها كبريت جهنم فقالوا يا رسول الله للنار كبريت قال نعم والذي نفسي بيده إن فيها لأدوبة من كبريت لو أرسل فيها الجبال الرواسي لماعت إلى آخر الحديث قال الذهبي متعقبا للحاكم هو حديث منكر وأخرج عثمان بن سعيد الدرامي عن أبن عباس قال سيد السموات السماء التي فيها العرش وسيد الأرضين الأرض التي نحن فيها


"""""" صفحة رقم 249 """"""
ع66
تفسير
سورة التحريم
هي اثنتا عشرة آية
حول السورة
وهي مدنية قال القرطبي في قول الجميع وتسمى سورة النبي وأخرج أبن الضريس والنحاس وأبن مردويه عن أبن عباس قال نزلت سورة التحريم بالمدينة ولفظ أبن مردويه سورة المحرم واخرج أبن مردويه عن أبن الزبير قال أنزلت بالمدينة سورة النساء ( يا أيها النبي لم تحرم )
سورة التحريم ( 1 5
التحريم : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . .
قوله ( يا ايها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) اختلف في سبب نزول الآية على أقوال الأول قول أكثر المفسرين قال الواحدي قال المفسرون كان النبي صلى الله عليه وإله وسلم في بيت حفصة فزارت باها فلما رجعت أبصرت مارية في بيتها مع النبي صلى الله عليه وإله وسلم فلم تدخل حتى خرجت مارية ثم دخلت فلما رأى النبي صلى الله عليه وإله وسلم في وجه حفصة الغيرة والكآبة قال لها لا تخبري عائشة ولك على أن لا أقربها أبدا فأخبرت حفصة عائشة وكانتا متصافيتن فغضبت عائشة ولم تزل بالنبي صلى الله عليه وإله وسلم حتى حلف أن لا يقرب مارية فأنزل الله هذه السورة قال القرطبي أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في حفصة وذكر القصة وقيل السبب أنه كان صلى الله عليه وإله وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش فتواطأت عائشة وحفصة أن تقولا له إذا دخل عليهما إنا نجد منك ريح مغافير وقيل السبب المراة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وإله وسلم وسيأتي دليل هذه الأقوال آخر البحث إن شاء الله وستعرف كيفية الجمع بينهما وجملة ( تبتغي مرضات أزواجك ) مستأنفة أو مفسرة لقوله ( تحرم ) أو في محل نصب على الحال من فاعل تحرم أي مبتغيا به مرضاة أزواجك ومرضاة اسم مصدر وهو الرضى وأصله مرضوة وهو مضاف


"""""" صفحة رقم 250 """"""
إلى المفعول أي أن ترضى أزواجك أو إلى الفاعل أي أن يرضين هن 0 والله غفور رحيم ) أي بليغ المغفرة والرحمة لما فرط منك من تحريم ما أحل الله لك قيل وكان لك ذنبا من الصغائر فلذا عاتبه الله عليه وقيل أنها معاتبة على ترك الأولى
التحريم : ( 2 ) قد فرض الله . . . . .
( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) أي شرع لكم تحليل أيمانكم وبين لكم ذلك وتحلة أصلها تحلله فأدغمت وهي من مصادر التفعيل كالتوصية والتسمية فكأن اليمين عقد والكفاره حل لأنها تحل للحالف ما حرمه على نفسه قال مقاتل المعنى قد بين الله كفارة أيمانكم في سورة المائدة أمر الله نبيه صلى الله عليه وإله وسلم أن يكفر يمينه ويراجع وليدته فأعتق رقبة قال الزجاج وليس لأحد أن يحرم ما أحل الله قلت وهذا هو الحق أن تحريم ما أحل الله لا ينعقد ولا يلزم صاحبه فالتحليل والتحريم هو إلى الله سبحانه لا إلى غيره ومعاتبتة لنبيه صلى الله عليه وإله وسلم في هذه السورة أبلغ دليل على ذلك والبحث طويل والمذاهب فيه كثيرة والمقالات فيه طويلة وقد حققناه في مؤلفاتنا بما يشفى واختلف العلماء هل مجرد التحريم يمين يوجب الكفارة أم لا وفي ذلك خلاف وليس في الآية ما يدل على أنه يمين لأن الله سبحانه عاتبه على تحريم ما احله له ثم قال ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) وقد ورد في القصة التي ذهب أكثر المفسرين إلى أنها هي سبب نزول الآية أنه حرم أولا ثم حلف ثانيا كما قدمنا ( والله مولاكم ) أي وليكم وناصركم والمتولى لأموركم ( وهو العليم ) بما فيه صلاحكم وفلا حكم ( الحكيم ) في أفعاله وأقواله
التحريم : ( 3 ) وإذ أسر النبي . . . . .
( وإذا اسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) قال اكثر المفسرين هي حفصة كما سبق والحديث هو تحريم مارية أو العسل أو تحريم التي وهبت نفسها له والعامل في الظرف فعل مقدر أي وأذكر إذ اسر وقال الكلبي الكلبي اسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتي على أمتي من بعدي ( فلما نبأت به ) أي أخبرت به غيرها ( وأظهره الله عليه ) أي أطلع الله نبيه على ذلك الواقع منها من الإخبار لغيرها ( عرف بعضه ) أي عرف حفصة بعض ما أخبرت به قرأ الجمهور عرف مشددا من التعريف وقرأ علي وطلحة بن مصرف وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة والكسائي بالتخفيف واختار أبو عبيد وابو حاتم القراءة الأولى لقوله ( وأعرض عن بعض ) أي لم يعرفها إياه ولو كان مخففا لقال في ضده وانكر بعضا ( وأعرض عن بعض ) أي وأعرض عن تعريف بعض ذلك كراهة أن ينتشر في الناس وقيل الذي أعرض عنه هو حديث مارية وللمفسرين ها هنا خبط وخلط وكل جماعة منهم ذهبوا إلى تفسير التعريف والإعراض بما يطابق بعض ما ورد في سبب النزول وسنوضح لك ذلك أن شاء الله ( فلما نبأها به ) أي أخبرها بما أفشت من الحديث ( قالت من أنبأك هذا ) أي من أخبرك به 0 قال نبأني العليم الخبير ) أي أخبرني الذي لا تخفى عليه خافية
التحريم : ( 4 ) إن تتوبا إلى . . . . .
( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما الخطاب لعائشة وحفصة أي إن تتوبا إلى الله فقد وجد منكما ما يوجب التوبة ومعنى ( صغت ) عدلت ومالت عن الحق وهو أنهما أحبتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وهو إفشاء الحديث وقيل المعنى إن تتوبا إلى الله فقد مالت قلوبكما إلى التوبة وقال قلوبكما ولم يقل قلبا كما لأن العرب تستكره الجمع بين تثنيتين في لفظ واحد ( وإن تظاهرا عليه ) أي تتظاهرا قرأ الجمهور تظاهرا بحذف إحدى التاءين تخفيفا وقرأ عكرمة تتظاهرا على الأصل وقرأ الحسن وأبو رجاء ونافع وعاصم في رواية عنهما تظهرا بتشديد الظاء والهاء بدون ألف والمراد بالتظاهر التعاضد والتعاون والمعنى وإن تعاضدا وتعاونا في الغيرة عليه منكما وإفشاء سره


"""""" صفحة رقم 251 """"""
( فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) أي فإن الله يتولى نصره وكذلك جبريل ومن صلح من عباده المؤمنين فلن يعدم ناصرا بنصره ( والملائكة بعد ذلك ) أي بعد نصر الله له ونصر جبريل وصالح المؤمنين ( ظهير ) أي أعوان يظاهرونه والملائكة مبتدأ وخبره ظهير قال أبو علي الفارسي قد جاء فعيل للكثرة كقولة ولا يسأل حميم حميما قال الواحدي وهذا من الواحد الذي يؤدي عن الجمع كقوله وحسن أولئك رفيقا وقد تقرر في علم النحو أن مثل جريح وصبور وظهير يوصف به الواحد والمثنى والجمع وقيل كان التظاهر بين عائشة وحفصة في التحكم على النبي صلى الله عليه وإله وسلم في النفقة
التحريم : ( 5 ) عسى ربه إن . . . . .
( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) أي يعطيه بدلكن أزواجا أفضل منكن وقد علم الله سبحانه أنه لا يطلقهن ولكن اخبر عن قدرته على انه إن وقع منه الطلاق أبدله خيرا منهن تخويفا لهن وهو كقوله وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم فإنه أخبار عن القدرة وتخويف لهم ثم نعت سبحانه الأزواج بقوله 0 مسلمات مؤمنات ) أي قائمات بفرائض الإسلام مصدقات بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره وقال سعيد بن جبير مسلمات أي مخلصات وقيل معناه مسلمات لأمر الله ورسوله ( قانتات ) مطيعات لله والقنوت الطاعة وقيل مصليات ( تائبات ) يعني من الذنوب ( عابدات ) لله متذللات له قال الحسن وسعيد بن جبير كثيرات العبادة ( سائحات ) أي صائمات وقال زيد بن أسلم مهاجرات وليس في أمة محمد صلى الله عليه وإله وسلم سياحة إلا الهجرة قال أبن قتيبة والفراء وغيرهما وسمى الصيام سياحة لأن السائح لا زاد معه وقيل المعنى ذاهبات في طاعة الله من ساح الماء إذا ذهب وأصل السياحة الجولان في الأرض وقد مضى الكلام على السياحة في سورة براءة ( ثيبات وأبكارا ) وسط بينهما العاطف لتنافيهما والثيبات جمع ثيب وهي المرأة التي قد تزوجت ثم ثابت عن زوجها فعادت كما كانت غير ذات زوج والأبكار جمع بكر وهي العذراء سميت بذلك لأنها على أول حالها التي خلقت عليه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وغيره عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها لبنا أو عسلا فتواصيت أنا وحفصة إن أتينا دخل عليها النبي صلى الله عليه وإله وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير فدخل على إحداهما فقالت ذلك له فقال لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود ( فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) إلى قوله ( إن تتوبا إلى الله ) لعائشة وحفصة ( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) لقوله بل شربت عسلا وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم والطبراني وأبن مردويه قال السيوطي بسند صحيح عن أبن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم شرب من شراب عند سودة من العسل فدخل على عائشة فقالت ( إني أجد منك ريحا فدخل على حفصة فقالت إني أجد منك ريحا أراه من شراب شربته عند سودة والله لا أشربه أبدا فأنزل الله ( يا ايها النبي لم تحرم ) الآية واخرج بن سعد عن عبد الله بن رافع قال سألت أم سلمة عن هذه الآية ( يا أيها النبي لم تحرم ) قالت كانت عندي عكة من عسل أبيض فكان النبي صلى الله عليه وإله وسلم يلعق منها وكان يحبه فقالت له عائشة نحلها تجرس عرفطا فحرمها فنزلت الآية واخرج النسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كانت له أمة يطؤها فلم تزل عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراما فأنزل الله هذه الآية ( يا ايها النبي لم تحرم ) وأخرج البزار والطبراني قال السيوطي بسند صحيح عن أبن عباس قال قلت لعمر بن الخطاب من المرأتان اللتان تظاهرتا قال عائشة وحفصة وكان بدو الحديث


"""""" صفحة رقم 252 """"""
في شأن مارية القبطية أم إبراهيم أصابها النبي صلى الله عليه وإله وسلم في بيت حفصة في يومها فوجدت حفصة فقالت يا رسول الله لقد جئت إلى بشيء ما جئته إلى أحد من أزواجك في يومي وفي دوري على فراشي قال ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها أبدا قالت بلى فحرمها وقال لا تذكري ذلك لأحد فذكرته لعائشة فأظهره الله عليه فأنزل الله ( يا ايها النبي لم تحرم ) الآيات كلها فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم كفر عن يمينه واصاب مارية وأخرجه أبن سعد وأبن مردويه عنه بأطول من هذا وأخرجه أبن مردويه أيضا من وجه آخر عنه بأخصر منه وأخرجه أبن المنذر والطبراني وأبن مردويه عنه مختصرا بلفظ قال حرم سريته وجعل ذلك سبب النزول في جميع ما روى عنه من هذه الطرق واخرج الهيثم بن كليب في مسنده والضياء المقدسي في المختارة من طريق نافع عن أبن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وإله وسلم لحفصة لا تحدثي أحدا وإن أن إبراهيم على حرام فقالت أتحرم ما احل الله لك قال فوالله لا أقربها فلم يقربها حتى أخبرت عائشة فأنزل الله ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) وأخرج الطبراني في الأوسط وأبن مردويه عن أبي هريرة أن سبب نزول الآية تحريم مارية كما سلف وسنده ضعيف فهذان سببان صحيحان لنزول الآية والجمع ممكن بوقوع القصتين قصة العسل وقصة مارية وأن القرآن نزل فيهما جميعا وفي كل واحد منهما أنه أسر الحديث إلى بعض أزواجه وأما ما قيل من أن السبب هو تحريم المرأة التي وهبت نفسها فليس في ذلك إلا ما روى أبن أبي حاتم وابن مردويه عن أبن عباس قال نزلت هذه الآية ( يا ايها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) في المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وإله وسلم قال السيوطي وسنده ضعيف ويرد هذا أيضا أن النبي صلى الله عليه وإله وسلم لم يقبل تلك الواهبة لنفسها فكيف يصح أن يقال إنه نزل في شأنها ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) فإن من رد ما وهب له لم يصح أن يقال إنه حرمه على نفسه وايضا لا ينطبق على هذا السبب قوله ( وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) إلى آخره ما حكاه الله وأما ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن أبن عباس سأل عمر بن الخطاب عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم فأخبره أنهما عائشة وحفصة ثم ذكر قصة الإيلاء كما في الحديث الطويل فليس في هذا نفي لكون السبب هو ما قدمناه من قصة العسل وقصة السرية لأنه إنما أخبره بالمتظاهرتين وذكر فيه أن ازواج النبي صلى الله عليه وإله وسلم يراجعنه وتهجره حداهن اليوم إلى الليل وأن ذلك سبب الأعتزال لا سبب نزول ( يا ايها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) ويؤيد هذا ما قدمنا عن ابن عباس أنه قال لعمر من المرأتان اللتان تظاهرتا فأخبره بأنهما حفصة وعائشة وبين له أن السبب قصة مارية هذا ما تيسر من تلخيص سبب نزول الآية ودفع الاختلاف في شأنه فاشدد عليه يديك لتنجو به من الخبط والخلط الذي وقع للمفسرين واخرج عبد الرزاق والبخاري وأبن مردويه عن أبن عباس قال في الحرام يكفر وقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وأخرج أبن المنذر والطبراني والحاكم وأبن مردويه عنه أنه جاءه رجل فقال إني جعلت امرتي على حراما فقال كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا ( لم تحرم ما أحل الله لك ) قال عليك أغلظ الكفارات عتق رقبة واخرج الحارث بن أبي أسامة عن عائشة قالت لما حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح فأنزل الله ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) فأحل يمينه وانفق عليه وأخرج أبن عدي وأبن عساكر عن عائشة في قوله ( وإذا اسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا قالت أسر إليها أن أبا بكر خليفتي من بعدي وأخرج أبن عدي وأبو نعيم في الصحابة والعشارى في فضائل الصديق وأبن مردويه وأبن عساكر من طرق عن علي وأبن عباس قال والله ان إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب ( وإذا اسر النبي إلى بعض


"""""" صفحة رقم 253 """"""
أزواجه حديثا ) قال لحفصة أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي فإياك أن تخبري أحدا بهذا قلت وهذا ليس فيه أنه سبب نزول قوله ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) بل فيه أن الحديث الذي أسره صلى الله عليه وإله وسلم هو هذا فعلى فرض أن له إسنادا يصلح للاعتبار هو معارض بما سبق من تلك الروايات الصحيحة وهي مقدمة عليه ومرجحة بالنسبة إليه واخرج أبن جرير وأبن مردويه عن ابن عباس في قوله ( فقد صغت قلوبكما ) قال زاغت وأتخت وأخرج أبن المنذر عنه قال مالت وأخرج أبن عساكر من طريق عبد الله بن بريدة عن أبيه في قوله ( وصالح المؤمنين ) قال أبو بكر وعمر وأخرج أبن عساكر عن أبن مسعود مثله وأخرج الطبراني وأبن مردويه وأبو نعيم في فضائل الصحابة من وجه آخر عنه مثله واخرج أبن مردويه عن ابن عمر وأبن عباس مثله واخرج الحاكم عن أبي أمامة مرفوعا مثله وأخرج أبن أبي حاتم قال السيوطي بسند ضعيف عن على مرفوعا قال هو علي بن أبي طالب واخرج أبن مردويه عن اسماء بنت عميس سمعت رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يقول ( وصالح المؤمنين ) علي بن أبي طالب واخرج ابن مردويه وأبن عساكر عن ابن عباس في قوله 0 وصالح المؤمنين ) قال هو علي بن أبي طالب وأخرج الطبراني وابن مردويه عن بريدة في قوله ( ثيبات وابكارا ) قال وعد الله نبيه صلى الله عليه وإله وسلم في هذه أن يزوجه بالثيب آسية امرأة فرعون وبالبكر مريم بنت عمران
سورة التحريم ( 6 8
التحريم : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ( يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم ) بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه ( وأهليكم ) بأمرهم بطاعة الله ونهيهم عن معاصيه ( نارا وقودها الناس والحجارة ) أي نارا عظيمة تتوقد بالناس وبالحجارة كما يتوقد غيرها بالحطب وقد تقدم بيان هذا في سورة البقرة قال مقاتل بن سليمان المعنى قوا أنفسكم وأهليكم بالأدب الصالح النار في الآخرة وقال قتادة ومجاهد قو أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم قال ابن جرير فعلينا أن نعلم أولادنا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الآدب ومن هذا قوله وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها وقوله وانذر عشيرتك الأقربين ( وعليها ملائكة غلاظ شداد ) أي على النار خزنة من الملائكة يلون أمرها وتعذيب أهلها غلاظ على أهل النار شداد عليهم لا يرجمونهم إذا استرحموهم لأن الله سبحانه خلقهم من غضبه وحبب إليهم تعذيب خلقه وقيل المراد غلاظ القلوب شداد الأبدان وقيل غلاظ الأقوال شداد الأفعال وقيل الغلاظ ضخام الأجسام والشداد الأقوياء ( لا يعصون الله ما أمرهم ) أي لا يخافونه في أمره و ما في ( ما أمرهم )


"""""" صفحة رقم 254 """"""
يجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف أي لا يعصفون الله الذي أمرهم به ويجوز أن تكون مصدرية أي لا يعصون الله أمره على أن يكون ما أمرهم بدل أشتمال من الاسم الشريف أو على تقدير نزع الخافض أي لا يعصون الله في أمره ( ويفعلون ما يؤمرون ) أي يؤدونه في وقته من غير تراخ لا يؤخرونه عنه ولا يقدمونه
التحريم : ( 7 ) يا أيها الذين . . . . .
( يا ايها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم ) أي يقال لهم هذا القول عند إدخالهم النار تأبيسا لهم وقطعا لأطماعهم ( إنما تجزون ما كنتم تعملون ) من الأعمال في الدنيا ومثل هذا قوله فاليوم لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون
التحريم : ( 8 ) يا أيها الذين . . . . .
( يا ايها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) أي تنصح صاحبها بترك العودة إلى ما تاب عنه وصنف بذلك على الإسناد المجازي وهو في الأصل وصف للتائبين أن ينصحوا بالتوبة من أنفسهم بالعزم على الترك للذنب وترك المعاودة له والتوبة فرض على الأعيان قال قتادة التوبة النصوح الصادقة وقيل الخالصة وقال الحسن التوبة النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره وقال الكلبي التوبة النصوح الندم بالقلب والاستغفار باللسان والإقلاع بالبدن والاطمئنان على أن لا يعود وقال سعيد بن جبير هي التوبة المقبولة قرأ الجمهور نصوحا بفتح النون على الوصف للتوبة أي توبة بالغة في النصح وقرا الحسن وخارجه وأبو بكر عن عاصم بضمها أي توبة نصح لأنفسكم ويجوز أن يكون جمع ناصح وأن يكون مصدرا يقال نصح نصاحة ونصوحا قال المبرد أراد توبة ذات نصح ( عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) بسبب تلك التوبة وعسى وإن كان أصلها للإطماع فهي من الله واجبة لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ويدخلكم معطوف على يكفر منصوب بناصبة وبالنصب قرأ الجمهور وقرئ بالجزم عطفا على محل عسى كأنه قال توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم ( يوم لا يخزي الله النبي ) الظرف متعلق بيدخلكم اي يدخلنكم يوم لا يخزي الله النبي ( والذين آمنوا معه ) والموصول معطوف على النبي وقيل الموصول مبتدا وخبره ( نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ) والأول أولى وتكون جملة ( نورهم يسعى ) في محل نصب على الحال أو مستأنفة لبيان حالهم وقد تقدم في سورة الحديد أن النور يكون معهم حال الحال مشيهم على الصراط وجملة ( يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ) في محل نصب على الحال أيضا وعلى الوجه الآخر تكون خبرا آخر وهذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين كما تقدم بيانه وتفصيله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب في قوله 0 قو أنفسكم وأهليكم نارا ) قال علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم وأخرج أبن جرير وابن المنذر عن أبن عباس في الآية قال اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله وأمروا أهلكم بالذكر ينجيكم الله من النار وأخرج عبد بن حميد عنه في الآية قال أدبوا أهليكم وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبي عمران الجوني قال بلغنا أن خزنة النار تسعة عشر ما بين منكب أحدهم مسيرة مائة خريف ليس في قلوبهم رحمة إنما خلقوا للعذاب يضرب الملك منهم الرجل من أهل النار الضربة فيتركه طحنا من لدن قرنه إلى قدمه واخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وأبن أبي شيبة وهناد وأبن منيع وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن النعمان بن بشير أن عمر أبن الخطاب سئل عن التوبة النصوح قال أن يتوب الرجل من العمل السيء ثم لا يعود إليه أبدا واخرج احمد


"""""" صفحة رقم 255 """"""
وابن مردويه والبيهقي عن أبن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم التوبة من الذنب أن يتوب سنة ثم لا يعود إليه أبدا وفي إسناده إبراهيم بن مسلم الهجري وهو ضعيف والصحيح الموقوف كما أخرجه موقوفا عنه أبن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبن جرير وابن المنذر والبيهقي وأخرج الحاكم وصححه عن أبن مسعود قال التوبة النصوج تكفر كل سيئة وهو في القرآن ثم قرأ هذه الآية وأخرج الحاكم والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله ( يوم لا يخزي الله النبى والذين آمنوا معه نورهم يسعى ) الآية قال ليس أحد من الموحدين لا يعطي نورا يوم القيامة فأما المنافق فيطفأ نوره والمؤمن مشفق مما رأى من إطفاء نور المنافق فهو يقول ربنا أتمم لنا نورنا )
سورة التحريم ( 9 12
التحريم : ( 9 ) يا أيها النبي . . . . .
قوله ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ) أي بالسيف والحجة وقد تقدم الكلام على هذه الآية في سورة براءة 0 واغلظ عليهم ) أي شدد عليهم في الدعوة واستعمل الخشونة في أمرهم بالشرائع قال الحسن أي جاهدهم بإقامة الحدود عليهم فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود ( ومأواهم جهنم ) أي مصيرهم إليها يعني الكفار والمنافقين ( وبئس المصير ) أي المرجع الذي يرجعون إليه
التحريم : ( 10 ) ضرب الله مثلا . . . . .
( ضرب الله مثلا للذين كفروا ) وقد تقدم غير مرة أن المثل قد يراد به إيراد حالة غريبة يعرف بها حالة أخرى مماثلة لها في الغرابة أي جعل الله مثلا لحال هؤلاء الكفرة وأنه لا يغني أحد عن أحد ( امرأت نوح وامرأت لوط ) هذا هو المفعول الأول ومثلا المفعول الثاني حسبما قدمنا تحقيقه وإنما أخر ليتصل به ما هو تفسير له وإيضاح لمعناه ( كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ) وهما نوح ولوط أي كانتا في عصمة نكاحهما ( فخانتاهما ) أي فوقعت منهما الخيانة لهما قال عكرمة والضحاك بالكفر وقيل كانت امرأة نوح تقول للناس أنه مجنون وكانت امرأة لوط تخبر قومه بأضيافه وقد وقع الإجماع على أنه ما زنت امرأة نبي قط وقيل كانت خيانتهما بالنفاق وقيل خانتاهما بالنميمة ( فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ) أي فلم ينفعهما نوح ولوط بسبب كونهما زوجتين لهما شيئا من النفع ولا دفعا عنهما من عذاب الله مع كرامتهما على الله شيئا من الدفع ( وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) أي وقيل لهما في الآخرة أو عند موتهما ادخلا النار مع الداخلين لها من أهل الكفر والمعاصى وقال يحيى بن سلام ضرب الله مثلا للذين كفروا يحذر به عائشة وحفصة من


"""""" صفحة رقم 256 """"""
المخالفة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين تظاهرتا عليه وما أحسن من قال فإن ذكر امرأتي النبيين بعد ذكر قصتهما ومظاهرتهما على رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يرشد أقم إرشاد ويلوح أبلغ تلويح إلى ان المراد تخويفهما مع سائر أمهات المؤمنين وبيان أنهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله وخاتم رسله فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئا وقد عصمهما الله عن ذنب تلك المظاهرة بما وقع منهما من التوبة الصحيحة الخالصة
التحريم : ( 11 ) وضرب الله مثلا . . . . .
( وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون ) الكلام في هذا كالكلام في المثل الذي قبله أي جعل الله حال امرأة فرعون مثلا لحال المؤمنين ترغيبا لهم في الثبات على الطاعه والتمسك بالدين والصبر في الشدة وأن صولة الكفر لا تضرهم كما لم تضر امرأة فرعون وقد كانت تحت أكفر الكافرين وصارت بإيمانها بالله في جنات النعيم ( إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ) الظرف متعلق بضرب أو بمثلا أي أبن لي بيتا قريبا من رحمتك أو في أعلى درجات المقربين منك أو في مكان لا يتصرف فيه إلا بإذنك وهو الجنة ( ونجني من فرعون وعمله ) أي من ذاته وما يصدر عنه من أعمال الشر ( ونجني من القوم الظالمين ) قال الكلبي هم أهل مصر وقال مقاتل هم القبط قال الحسن وأبن كيسان نجاها الله أكرم نجاة ورفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب
التحريم : ( 12 ) ومريم ابنة عمران . . . . .
( ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها ) معطوف على امرأة فرعون أي وضرب الله مثلا للذين آمنوا مريم ابنه عمران أي حالها وصفتها وقيل إن الناصب لمريم فعل مقدر أي واذكر مريم والمقصود من ذكرها أن الله سبحانه جمع لها بين كرامة الدنيا والآخرة واصطفاها على نساء العالمين مع كونها بين قوم كافرين ( التي أحصنت فرجها ) أي عن الفواحش وقد تقدم تفسير هذا في سورة النساء قال المفسرون المراد بالفرج هنا الجيب لقوله ( فنفخنا فيه من روحنا ) وذلك أن جبريل نفخ في جيب درعها فحبلت بعيسى ( وصدقت بكلمات ربها ) يعني شرائعه التي شرعها لعباده وقيل المراد بالكلمات هنا هو قول جبريل لها إنما أنا رسول ربك الاية وقال مقاتل يعني بالكلمات عيسى قرأ الجمهور وصدقت بالتشديد وقرأ حمزة الأموي ويعقوب وقتادة وأبو مجلز وعاصم في رواية عنه بالتخفيف وقرأ الجمهور بكلمات بالجمع وقرأ الحسن ومجاهد والجحدري بكلمة بالإفراد وقرأ الجمهور ( وكتابة ) بالإفراد وقرأ أهل البصرة وحفص كتبه بالجمع والمراد على قراءة الجمهور الجنس فيكون في معنى الجمع وهي الكتب المنزلة على الأنبياء ( وكانت من القانتين ) قال قتادة من القوم المطيعين لربهم وقال عطاء من المصلين كانت تصلي بين المغرب والعشاء ويجوز أن يراد بالقانتين رهطها وعشيرتها الذين كانت منهم وكانوا مطيعين أهل بيت صلاح وطاعة وقال من القانتين ولم يقل من القانتات لتغليب الذكور على الإناث
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن أبي الدنيا وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن أبن عباس في قوله ( فخانتاهما ) قال ما زنتا أما خيانة امرأة نوح فكانت تقول للناس إنه مجنون وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل على الضيف فتلك خيانتهما وأخرج أبن المنذر عنه قال ما بغت امرأة نبي قط وقد رواه أبن عساكر مرفوعا واخرج أبن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وأبن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن سلمان قال كانت امراة فرعون تعذب بالشمس فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها وكانت ترى بيتها في الجنة وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة أن فرعون وتد لامراته أربعة أوتاد واضجعها على صدرها وجعل على صدرها رحى واستقبل بها عين الشمس


"""""" صفحة رقم 257 """"""
فرفعت رأسها إلى السماء ( فقالت رب ابن لي عندك بيتا من الجنة ) إلى قوله ( من الظالمين ) ففرج الله لها عن بيتها في الحنة فرأته وأخرج أحمد والطبراني والحاكم وصححه عن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قص الله علينا من خبرها في القرآن قالت ( رب ابن لي عندك بيتا ) الآية وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وإله وسلم قال كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وأخرج وكيع في الغرر عن أبن عباس في قوله ونجني من فرعون وعمله ) قال من جماعته
ع6
تفسير
سورة الملك
وتسمى سورة تبارك والواقية والمنجية والمانعة وهي ثلاثون آية
حول السورة وفضلها
وهي مكية قال القرطبي في قول الجميع وأخرج أبن الضريس والنحاس وأبن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت بمكة سورة تبارك الملك وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وأبن ماجه وأبن الضريس والحاكم وصححه وأبن مردويه والبهيقي في الشعب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ط إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له ( تبارك الذي بيده الملك ) قال الترمذي هذا حديث حسن وأخرج الطبراني في الأوسط وأبن مردويه والضياء في المختارة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم سورة في القرآن خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة ) تبارك الذي بيده الملك ) وأخرج الترمذي والحاكم وصححه وأبن مردويه وابن نصر والبيهقي في الدلائل عن أبن عباس قال ط ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وإله وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث غريب من هذا الوجه واخرج أبن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله علسه وإله وسلم تبارك هي المانعة من عذاب القبر وأخرجه أيضا النسائي وصححه الحاكم وأخرج أبن مردويه عن رافع بن خديج وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول أنزلت على سورة تبارك وهي ثلاثون آية جملة واحدة وهي المانعة في القبور وأخرج عبد بن حميد في مسنده والطبراني والحاكم وأبن مردويه عن ابن عباس أنه قال لرجل إلا أتحفك بحديث نفرح به قال بلى قال أقرا ( تبارك الذي بيده الملك ) وعلمها أهلك وجميع أولادك وصبيان بيتك وجيرانك فإنها المنجية والمجادلة تجادل يوم القيامة عند ربها لقارئها وتطلب له أن ينجيه الله من عذاب النار وينجو بها صاحبها من عذاب القبر قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم لوددت أنها في قلب كل أنسان من أمتي


"""""" صفحة رقم 258 """"""
سورة الملك ( 1 11
الملك : ( 1 ) تبارك الذي بيده . . . . .
قوله ( تبارك الذي بيده الملك 9 تبارك تفاعل من البركة والبركة النماء والزيادة وقيل تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين وقيل دام فهو الدائم الذي لا أول لوجود ولا آخر لدوامه وقال الحسن تبارك تقدس وصيغة التفاعل للمبالغة واليد مجاز عن القدرة والاستيلاء والملك هو ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة فهو يعز من يشاء ويذل من يشاء ويرفع من يشاء ويضع من يشاء وقيل المراد بالملك ملك النبوة والأول أولى لأن الحمل على العموم أكثر مدحا وأبلغ ثناء ولا وجه للتخصيص ( وهو على كل شيء قدير ) أي بليغ القدرة لا يعجزه شيء من الأشياء يتصرف في ملكه كيف يريد من إنعام وانتقام ورفع ووضع وإعطاء ومنع
الملك : ( 2 ) الذي خلق الموت . . . . .
( الذي خلق الموت والحياة ) الموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته له والحياة تعلق الروح بالبدن واتصاله به وقيل هي ما يصح بوجوده الإحساس وقيل ما يوجب كون الشيء حيا وقيل المراد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة وقدم الموت على الحياة لأن أصل الأشياء عدم الحياة والحياة عارضة لها وقيل لأن الموت اقرب إلى القهر وقال مقاتل خلق الموت يعني النطفة والمضغة والعلقة والحياة يعني خلقه إنسانا وخلق الروح فيه وقيل خلق الموت على صورة كبش لا يمر على شيء إلا مات وخلق الحياة على صورة فرس لا تمر بشيء إلا حي قاله مقاتل والكلبي وقد ورد في التنزيل قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم وقوله ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة وقوله توفته رسلنا وقوله الله يتوفى الأنفس حين موتها وغير ذلك من الآيات ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) اللام متعلقة بخلق أي خلق الموت والحياة ليعاملكم معاملة من يختبركم أيكم أحسن عملا


"""""" صفحة رقم 259 """"""
فيجازيهم على ذلك وقيل المعنى ليبلوكم أيكم أكثر للموت ذكرا واشد منه خوفا وقي أيكم أسرع إلى طاعة الله وأورع عن محارم الله قال الزجاج اللام متعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت وقال الزجاج أيضا والفراء إن قوله ليبلوكم لم يقع على أي لأن فيما بين البلوى وأي إضمار فعل كما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع ومثله قوله سلهم أيهم بذلك زعيم أس سلهم ثم أنظر إيهم فأيكم في الآية مبتدأ وخبره أحسن لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله وإيراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل لجميع أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبيح لا إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن المراد بالذات والمقصد الأصلى من الابتلاء هو ظهور كمال إحسان المحسنين ( وهو العزيز ) أي الغالب الذي لا يغالب ( الغفور ) لمن تاب وأناب
الملك : ( 3 ) الذي خلق سبع . . . . .
( الذي خلق سبع سموات طباقا ) الموصول يجوز أن يكون تابعا للعزيز الغفور نعتا أو بيانا أو بدلا وأن يكون منقطعا عنه على إنه خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح وطباقا صفة لسبع سموات أي بعضها فوق بعض وهو جمع طبق نحو جبل و جبال أو جمع طبقة نحو رحبة ورحاب أو مصدر طابق يقال طابق مطابقة وطباقا ويكون على هذا الوجه الوصف بالمصدر للمبالغة أو على حذف مضاف أي ذات طباق ويجوز أن يكون منتصبا على المصدرية بفعل محذوف أي طوبقت طباقا ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) هذه الجملة صفة ثانية لسبع سموات أو مستأنفة لتقرير ما قبلها والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أو لكل من يصلح له ومن مزيده لتأكيدالنفي قرأ الجمهور من تفاوت وقرأ ابن مسعود واصحابه وحمزة والكسائي تفوت مشددا بدون الف وهما لغتان كالتعاهد والتعهد والتحامل والتحمل والمعنى على القراءتين ما ترى في خلق الرحمن من تناقض ولا تباين ولا اعوجاج ولا تخالف بل هي مستوية مستقيمة دالة على خالقها وإن اختلفت صورها وصفاتها فقد اتفقت من هذه الحيثية ( فارجع البصر هل ترى من فطور ) الفطور الشقوق والصدوع والخروق أي اردد طرفك حتى يتضح لك ذلك بالمعاينة أخبر أولا بأنه لا تفاوت في خلقه في خاتمة ثم امر ثانيا بترديد البصر في ذلك لزيادة التأكيد وحصول الطمأنينة قال مجاهد والضحاك الفطور الشقوق جمع فطر وهو الشق وقال قتادة هل ترى من خلل وقال السدي هل ترى من خروق وأصله من التفطر والانفطار وهو التشقق والانشقاق ومنه قول الشاعر بنى لكم بلا عمد سماء وزينها فما فيها فطور
وقول الآخر
شققت القلب ثم رددت فيه هواك فليم فالتام الفطور
( ثم ارجع البصر كرتين ) أي رجعتين مرة بعد مرة وانتصابه على المصدر والمراد بالتثنية التكثير كما في لبيك وسعديك أي رجعه بعد رجعة وإن كثرت ووجه الأمر بتكرير النظر على هذه الصفة أنه لا قد يرى ما يظنه من العيب في النظرة الأولى ولا في الثانية ولهذا قال أولا ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) ثم قال ثانيا ( فارجع البصر
الملك : ( 4 ) ثم ارجع البصر . . . . .
ثم قال ثالث ( ثم ارجع البصر كرتين ) فيكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة واقطع للمعذرة ( ينقلب إليك البصر خاسئا ) أي يرجع إليك البصر ذليلا صاغرا عن أن يرى شيئا من ذلك وقيل معنى خاسئا مبعدا مطرودا عن أن يبصر ما التمسه من العيب يقال خسأت الكلب أي أبعدته وطردته قرأ الجمهور ينقلب بالجزم جوابا للأمر وقرأ الكسائي في رواية بالرفع على الاستئناف ( وهو حسير ) أي كليل منقطع قال الزجاج أي وقد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللاوهو فعيل بمعنى فاعل من الحسور وهو الأعياء يقال حسر بصره يحسر حسورا أي كل وانقطع ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 260 """"""
نظرت إليها بالمحصف من منى
فعاد إلى الطرف وهو حسير
الملك : ( 5 ) ولقد زينا السماء . . . . .
( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ) بين سبحانه بعد خلق السموات وخلوها من العيب والخلل أنه زينها بهذه الزينة فصارت في أحسن خلق وأكمل صورة وابهج شكل والمجيء بالقسم لإبراز كمال العناية والمصابيح جمع مصباح وهو السراج وسميت الكواكب مصابيح لأنها تضيء كإضاءة السراج وبعض الكواكب وإن كان في غير سماء الدنيا من السموات التي فوقها فهي تتراءى كأنها كلها في سماء الدنيا لأن اجرام السموات لا تمنع من رؤية ما فوقها مما له إضاءة لكونها أجراما صقيلة شفافة ( وجعلناها رجوما للشياطين ) أي وجعلنا المصابيح رجوما يرجم بها الشياطين وهذه فائدة أخرى غير الفائدة الأولى وهي كونها زينة للسماء الدنيا والمعنى أنها يرجم بها الشياطين وهذه الذين يسترقون السمع والرجوم جمع رجم بالفتح وهو في الأصل مصدر أطلق على المرجوم به كما في قولهم الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه ويجوز أن يكون باقيا على مصدريته ويقدر مضاف محذوف أي ذات رجم وجمع المصدر باعتبار أنواعه وقيل إن الضمير في قوله ( وجعلناها ) راجع إلى المصابيح على حذف مضاف أي شبها وهي نارها المقتبسة منها لا هي أنفسها لقوله إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ووجه هذا أن المصابيح التي زين الله بها السماء لا تزول ولا يرجم بها كذا قال أبو علي الفارسي جوابا لمن سأله كيف تكون المصابيح زينة وهي رجوم قال القشيري وأمثل من قوله هذا أن نقول هي زينة قبل أن يرجم بها الشياطين قال قتادة خلق الله النجوم لثلاث زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدي بها في البر والبحر فمن تكلم فيها بغير ذلك فقد تكلم فيما لا يعلم وتعدى وظلم وقيل معنى الآية وجعلناها ظنونا لشياطين الإنس وهم المنجمون ( واعتدنا لهم عذاب السعير ) أي وأعتدنا للشياطين في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب عذاب السعير أي عذاب النار والسعير أشد الحريق يقال سعرت النار فهي مسعورة
الملك : ( 6 ) وللذين كفروا بربهم . . . . .
( وللذين كفروا بربهم ) من كفار بني آدم أو من كفار الفريقين عذاب جهنم قرأ الجمهور برفع عذاب على أنه مبتدا وخبره للذين كفروا وقرأ الحسن والضحاك والأعرج بنصبه عطفا على عذاب السعير ( وبئس المصير ) ما يصيرون إليه وهو جهنم
الملك : ( 7 ) إذا ألقوا فيها . . . . .
( إذا ألقوا فيها ) أي طرحوا فيها كما يطرح الحطب في النار ( سمعوا لها شهيقا ) أي صوتا كصوت الحمير عند أول نهيقها وهو أقبح الأصوات وقوله لها في محل نصب على الحال أي كائنا لها لأنه في الأصل صفة فلما قدمت صارت حالا وقال عطاء الشهيق هو من الكفار عند إلقائهم في النار وجملة ( وهي تفور ) في محل نصب على الحال أي والحال أنها تغلي بهم غليان المرجل ومنه قول حسان تركتم قدركم لا شيء فيه
وقدر الغير حامية تفور
الملك : ( 8 ) تكاد تميز من . . . . .
( تكاد تميز من الغيظ ) أي تكاد تتقطع وينفصل بعضها من بعض من تغيظها عليهم قال ابن قتيبة تكاد تنشق غيظا على الكفار قرأ الجمهور تميز بتاء واحدة مخففة والأصل تتميز بتاءين وقرأ طلحة بتاءين على الأصل وقرأ البزى عن أبن كثير بتشديدها بإدغام إحدى التاءين في الأخرى وقرأ الضحاك تمايز بالألف وتاء واحدة والأصل تتمايز وقرأ زيد بن علي تميز من مان يميز والجملة في محل نصب على الحال أو في محل رفع على أنها خبر آخر لمبتدأ وجملة ( كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ) مستأنفة لبيان حال أهلها أو في محل نصب على الحال من فاعل تميز والفوج الجماعة من الناس أي كلما ألقى في جهنم جماعة من الكفار سألهم خزنتها من الملائكة سؤال توبيخ عن وتقريع ( ألم تأتكم ) في الدنيا ( نذير ) ينذركم هذا اليوم ويحذركم منه
الملك : ( 9 ) قالوا بلى قد . . . . .
وجملة ( قالوا بلى قد


"""""" صفحة رقم 261 """"""
جاءنا نذير ) مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالوا بعد هذا السؤال فقال قالوا بلى قد جاءنا نذير فأنذرنا وخوفنا واخبرنا بهذا اليوم ( فكذبنا ) ذلك النذير ( وقلنا ما نزل الله من شيء ) من الأشياء على ألسنتكم ( إن أنتم إلا في ضلال كبير ) أي في ذهاب عن الحق وبعد عن الصواب والمعنى انه قال كل فوج من تلك الأفواج حاكيا لخزنة جهنم ما قاله لمن أرسل إليه ما أنتم أيها الرسل فيم تدعون أن الله نزل عليكم آيات تنذرونا بها إلا في ذهاب عن الحق وبعد الصواب كبير لا يقادر قدره
الملك : ( 10 ) وقالوا لو كنا . . . . .
ثم حكى عنهم مقالة أخرى قالوها بعد تلك المقالة فقال ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) أي لو كنا نسمع ما خاطبنا به الرسل أو نعقل شيئا من ذلك ما كنا في عداد أهل النار ومن جملة من يعذب بالسعير وهم الشياطين كما سلف قال الزجاج لو كنا نسمع سمع من يعي أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من اهل النار
الملك : ( 11 ) فاعترفوا بذنبهم فسحقا . . . . .
فلما اعترفوا هذا الاعتراف قال الله سبحانه (فاعترفوا بذنبهم ) الذي استحقوا به عذاب النار وهو الكفر وتكذيب الأنبياء ( فسحقا لأصحاب السعير ) أي فبعدا لهم من الله ومن رحمته وقال سعيد بن جبير وأبو صالح هو واد في جهنم يقال له السحق قرأ الجمهور فسحقا بإسكان الحاء وقرأ الكسائي وأبو جعفر بضمها وهما لغتان مثل السحت والرعب قال الزجاج وأبو علي الفارسي فسحقا منصوب على المصدر أي أسحقهم الله سحقا قال أبو علي الفارسي وكان القياس إسحاقا فجاء المصدر على الحذف واللام في ( لأصحاب السعير ) للبيان كما في هيت لك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله ( سبع سموات طباقا ) قال بعضها فوق بعض وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ( قال ما تفوت بعضه بعضا تفاوتا مفرقا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبن مردويه عنه أيضا في قوله ( من تفاوت ) قال من تشقق وفي قوله ( هل ترى من فطور ) قال شقوق وفي قوله ( خاسئا ) قال ذليلا ( وهو حسير ) كليل واخرج أبن جرير عنه أيضا قال الفطور الوهى وأخرج أبن المنذر عنه أيضا ( من فطور ) قال من تشقق أو خلل وفي قوله ( ينقلب إليك البصر ) قال يرجع إليك ( خاسئا ) قال صاغرا ( وهو حسير ) قال معي ولا يرى شيئا وأخرج ابن جرير وأبن المنذر عنه أيضا خاسئا قال ذليلا ( وهو حسير ) قال عي مرتجع وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن ابن عباس ( تكاد تميز ) قال تتفرق واخرج أبن جرير وابن المنذر عنه أيضا ( تكاد ) تميز قال يفارق بعضا بعض وأخرج أبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ( فسحقا ) قال بعدا
سورة الملك ( 12 21 )


"""""" صفحة رقم 262 """"""
الملك : ( 12 ) إن الذين يخشون . . . . .
قوله ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب ) لما فرغ سبحانه من ذكر أحوال أهل النار ذكر أهل الجنة وبالغيب حال من الفاعل أو المفعول أي غائبين عنه أو غائبا عنهم والمعنى أنهم يخشون عذابه ولم يروه فيؤمنون به خوفا من عذابه ويجوز ان يكون المعنى يخشون ربهم حال كونهم غائبين عن أعين الناس وذلك في خلواتهم أو المراد بالغيب كون العذاب غائبا عنهم لأنهم في الدنيا وهو إنما يكون يوم القيامة فتكون الباء على هذا سببية ( لهم مغفرة ) عظيمة يغفر الله بها ذنوبهم ( واجر كبير ) وهو الجنة ومثل هذه الآية قوله من خشي الرحمن بالغيب
الملك : ( 13 ) وأسروا قولكم أو . . . . .
ثم عاد سبحانه إلى خطاب الكفار فقال ( واسروا قولكم أو أجهروا به ) هذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان تساوي الإسرار والجهر بالنسبة إلى علم الله سبحانه والمعنى إن اخفيتم كلامكم أو جهرتم به في أمر رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم فكل ذلك يعلمه الله لا يخفى عليه منه خافية وجملة ( إنه عليم بذات الصدور ) تعليل للاستواء المذكور وذات الصدور هي مضمرات القلوب
الملك : ( 14 ) ألا يعلم من . . . . .
والاستفهام في قوله ( ألا يعلم من خلق ) للإنكار والمعنى ألا يعلم السر ومضمرات القلوب من خلق ذلك واوجده فالموصول عبارة عن الخالق ويجوز أن يكون عبارة عن المخلوق وفي يعلم ضمير يعود إلى الله أي ألا يعلم الله المخلوق الذي هو من جملة خلقه فإن الاسرار والجهر ومضمرات القلوب من جملة خلقه وجملة ( وهو اللطيف الخبير ) في محل نصب على الحال من فاعل يعلم أي الذي لطف علمه بما في القلوب الخبير بما تسره وتضمره من الأمور لا تخفى عليه من ذلك خافية
الملك : ( 15 ) هو الذي جعل . . . . .
ثم امتن سبحانه على عباده فقال ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا ) أي سهلة لينة تستقرون عليها ولم يجعلها خشنة بحيث يمتنع عليكم السكون فيها والمشي عليها والذلول في الأصل هو المنقاد الذي يذل لك ولا يستصعب عليك والمصدر الذل والفاء في قوله ( فامشوا في مناكبها ) لترتيب الأمر بالمشي على الجعل المذكور والأمر للإباحة قال مجاهد والكلبي ومقاتل مناكبها طرقها واطرافها وجوانبها وقال قتادة وشهر بن حوشب مناكبها جبالها واصل المنكب الجانب ومنه منكب الرجل ومنه الريح النكباء لأنها تأتي من جانب دون جانب ( وكلوا من رزقه ) أي مما رزقكم وخلقه لكم في الأرض ( وإليه النشور ) أي وإليه البعث من قبوركم لا إلى غيره وفي هذا وعيد شديد
الملك : ( 16 ) أأمنتم من في . . . . .
ثم خوف سبحانه الكفار فقال ( ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) قال الواحدي قال المفسرون يعني عقوبة من في السماء وقيل من في السماء قدرته وسلطانه وعرشه وملائكته وقيل من في السماء من الملائكة وقيل المراد جبريل ومعنى ( أن يخسف بكم الأرض ) يقلعها ملتبسة بكم كما فعل بقارون بعد ما جعلها لكم ذلولا تمشون في مناكبها وقوله ( أن يخسف ) بدل اشتمال من الموصول أي ءأمنتم خسفه أو على حذف من اي من أن يخسف ( فإذا هي تمور ) أي تضطرب وتتحرك على خلاف ما كانت عليه من السكون قرأ الجمهور ءأمنتم بهمزتين وقرأ البصريون والكوفيون بالتخفيف وقرا أبن كثير بقلب الأولى واوا
الملك : ( 17 ) أم أمنتم من . . . . .
ثم كرر سبحانه التهديد لهم بوجه آخر فقال ( أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ) أي حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط واصحاب الفيل وقيل سحاب فيها حجارة


"""""" صفحة رقم 263 """"""
وقيل ريح فيها حجارة ) فستعلمون كيف نذير ( أي إنذاري إذا عاينتم العذاب ولا ينفعكم هذا العلم وقيل النذير هنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قال عطاء والضحاك والمعنى ستعلمون رسولي وصدقه والأول أولى والكلام في ) أن يرسل عليكم حاصبا ( كالكلام في ) أن يخسف بكم الأرض ( فهو إما بدل اشتمال أو بتقدير من
الملك : ( 18 ) ولقد كذب الذين . . . . .
) ولقد كذب الذين من قبلهم ( أي الذين قبل كفار مكة من كفار الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وأصحاب الرس وقوم فرعون ) فكيف كان نكير ( أي فكيف كان إنكاري عليهم بما أصبتهم به من العذاب الفظيع
الملك : ( 19 ) أولم يروا إلى . . . . .
) أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ( الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر أي أغفلوا ولم ينظروا ومعنى ( صافات ) أنها صافة لأجنحتها في الهواء وتبسيطها عند طيرانها ( ويقبضن ) أي يضممن أجنحتهن قال النحاس يقال للطائر إذا بسط جناحه صاف وإذا ضمها قابض كأنه يقبضها وهذا معنى الطيران وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط ومنه قول أبي خراش يبادر جنح الليل فهو مزايل
تحت الجناح بالتبسط والقبض
وإنما قال ( ويقبضن ) ولم يقل قابضات كما قال صافات لان القبض يتجدد تارة فتارة وأما البسط فهو الأصل كذا قيل وقيل إن معنى ( ويقبضن ) قبضهن لأجنحتهن عند الوقوف من الطيران لا قبضها في حال الطيران وجملة ( ما يمسكهن إلا الرحمن ) في محل نصب على الحال من فاعل يقبضن أو مستأنفة لبيان كمال قدرة الله سبحانه والمعنى أنه ما يمسكهن في الهواء عند الطيران إلا الرحمن القادر على كل شيء ) إنه بكل شيء بصير ( لا يخفى عليه شيء كائنا ما كان
الملك : ( 20 ) أم من هذا . . . . .
) أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ( الاستفهام للتقريع والتوبيخ والمعنى أنه لا جند لكم يمنعكم من عذاب الله والجند الحزب والمنعة قرأ الجمهور أمن هذا بتشديد الميم على إدغام ميم أم في ميم من وأم بمعنى بل ولا سبيل إلى تقدير الهمزة بعدها كما هو الغالب في تقدير أم المنقطعة ببل والهمزة لأن بعدها هنا من الاستفهامية فأعنت عن ذلك التقدير ومن الاستفهامية مبتدأ واسم الإشارة خبره والموصول مع صلته صفة اسم الإشارة وينصركم صفة لجند ومن دون الرحمن في محل نصب على الحال من فاعل ينصركم والمعنى بل من هذا الحقير الذي هو في زعمكم جند لكم متجاوزا نصر الرحمن وقرأ طلحة بن مصرف بتخفيف الأولى وتثقيل الثانية وجملة ) إن الكافرون إلا في غرور ( معترضة مقررة لما قبلها ناعية عليهم ما هم فيه من الضلال والمعنى ما الكافرون إلا في غرور عظيم من جهة الشيطان يغرهم به
الملك : ( 21 ) أم من هذا . . . . .
) أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ( الكلام في هذا كالكلام في الذي قبله قراءة وإعرابا أي من الذي يدر عليكم الأرزاق من المطر وغيره إن أمسك الله ذلك عنكم ومنعه عليكم ) بل لجوا في عتو ونفور ( أي لم يتأثروا لذلك بل تمادوا في عناد واستكبار عن الحق ونفور عنه ولم يعتبروا ولا تفكروا وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه أي إن أمسك رزقه فمن يرزقكم غيره والعتو العناد والطغيان والنفور الشرود
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس ) إن الذين يخشون ربهم بالغيب ( قال أبو بكر وعمر وعلي وأبو عبيدة ابن الجراح وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله ) في مناكبها ( قال جبالها وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال أطرافها وأخرج الطبراني وابن عدي والبيهقي في الشعب والحكيم الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله يحب العبد المؤمن المحترف وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) بل لجوا في عتو ونفور ( قال في ضلال


"""""" صفحة رقم 264 """"""
سورة الملك ( 22 30
الملك : ( 22 ) أفمن يمشي مكبا . . . . .
ضرب سبحانه مثلا للمشرك والموحد لإيضاح حالهما وبيان مآلهما فقال ) أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ( والمكب والمنكب الساقط على وجهه يقال كببته فأكب وانكب وقيل هو الذي يكب رأسه فلا ينظر يمينا ولا شمالا ولا أماما فهو لا يأمن العثور والانكباب على وجهه وقيل أراد به الأعمى الذي لا يهتدى إلى الطريق فلا يزال مشيه ينكسه على وجهه قال قتادة هو الكافر يكب على معاصي الله في الدنيا فيحشره الله يوم القيامة على وجهه والهمزة للاستفهام الإنكاري أي هل هذا الذي يمشي على وجهه أهدى إلى المقصد الذي يريده ) أم من يمشي سويا ( معتدلا ناظرا إلى ما بين يديه ) على صراط مستقيم ( أي على طريق مستوى لا اعوجاج به ولا انحراف فيه وخبر من محذوف لدلالة خبر من الأولى وهو أهدى عليه وقيل لا حاجة إلى ذلك لأن من الثانية معطوفة على من الأولى عطف المفرد على المفرد كقولك أزيد قائم أم عمرو وقيل أراد بمن يمشي مكبا على وجهه من يحشر على وجهه إلى النار ومن يمشي سويا من يحشر على قدميه إلى الجنة وهو كقول قتادة الذي ذكرناه ومثله قوله ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم
الملك : ( 23 ) قل هو الذي . . . . .
قل هو الذي أنشأكم أمر سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخبرهم بأن الله هو الذي أنشأهم النشأة الأولى ( وجعل ) لهم ( السمع ) ليسمعوا به ( والأبصار ) ليبصروا بها ووجه إفراد السمع مع جمع الأبصار أنه مصدر يطلق على القليل والكثير وقد قدمنا بيان هذا في مواضع مع زيادة في البيان ( والأفئدة ) القلوب التي يتفكرون بها في مخلوقات الله فذكر سبحانه ها هنا أنه قد جعل لهم ما يدركون به المسموعات والمبصرات والمعقولات إيضاحا للحجة وقطعا للمعذرة وذما لهم على عدم شكر نعم الله ولهذا قال ) قليلا ما تشكرون ( وانتصاب قليلا على أنه نعت مصدر محذوف وما مزيدة للتأكيد أي شكرا قليلا أو زمانا قليلا وقيل أراد بقلة الشكر عدم وجوده منهم قال مقاتل يعنى أنكم لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه
الملك : ( 24 ) قل هو الذي . . . . .
) قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ( أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يخبرهم أن الله هو الذي خلقهم في الأرض ونشرهم فيها وفرقهم على ظهرها وأن حشرهم للجزاء إليه لا إلى غيره
الملك : ( 25 ) ويقولون متى هذا . . . . .
ثم ذكر سبحانه أنهم يستعجلون العذاب فقال ) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( أي متى هذا الوعد الذي تذكرونه لنا من


"""""" صفحة رقم 265 """"""
الحشر والقيامة والنار والعذاب إن كنتم صادقين في ذلك والخطاب منهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولمن معه من المؤمنين وجواب الشرط محذوف والتقدير إن كنتم صادقين فأخبرونا به أو فبينوه لنا وهذا منهم استهزاء وسخرية
الملك : ( 26 ) قل إنما العلم . . . . .
ثم لما قالوا هذا القول أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجيب عليهم فقال ) قل إنما العلم عند الله ( أي إن وقت قيام الساعة علمه عند الله لا يعلمه غيره ومثله قوله قل إنما علمها عند ربي ثم أخبرهم أنه مبعوث للإنذار لا للإخبار بالغيب فقال ) وإنما أنا نذير مبين ( أنذركم وأخوفكم عاقبة كفركم وأبين لكم ما أمرني الله ببيانه
الملك : ( 27 ) فلما رأوه زلفة . . . . .
ثم ذكر الله سبحانه حالهم عند معاينة العذاب فقال ( فلما رأوه زلفة ) يعنى رأوا العذاب قريبا وزلفة مصدر بمعنى الفاعل أي مزدلفا أو حال من مفعول رأوا بتقدير مضاف أي ذا زلفة وقرب أو ظرف أي رأوه في مكان ذي زلفة قال مجاهد أي قريبا وقال الحسن عيانا قال أكثر المفسرين المراد عذاب يوم القيامة وقال مجاهد المراد عذاب بدر وقيل رأوا ما وعدوا به من الحشر قريبا منهم كما يدل عليه قوله ) وإليه تحشرون ( وقيل لما رأوا عملهم السيء قريبا ) سيئت وجوه الذين كفروا ( أي اسودت وعلتها الكآبة وغشيتها الذلة يقال ساء الشيء يسوء فهو سيء إذا قبح قال الزجاج المعنى تبين فيها السوء أي ساءهم ذلك العذاب فظهر عليهم بسببه في وجوههم ما يدل على كفرهم كقوله يوم تبيض وجوه وتسود وجوه قرأ الجمهور بكسر السين بدون إشمام وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وابن محيصن بالإشمام ) وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ( أي قيل لهم توبيخا وتقريعا هذا المشاهد الحاضر من العذاب هو العذاب الذي كنتم به تدعون في الدنيا أي تطلبونه وتستعجلون به استهزاء على أن معنى تدعون الدعاء قال الفراء تدعون تفتعلون من الدعاء أي تتمنون وتسألون وبهذا قال الأكثر من المفسرين وقال الزجاج هذا الذي كنتم به تدعون الأباطيل والأحاديث وقيل معنى تدعون تكذبون وهذا على قراءة الجمهور تدعون بالتشديد فهو إما من الدعاء كما قال الأكثر أو من الدعوى كما قال الزجاج ومن وافقه والمعنى أنهم كانوا يدعون أنه لا بعث ولا حشر ولا جنة ولا نار وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق ويعقوب والضحاك تدعون مخففا ومعناها ظاهر قال قتادة هو قولهم ربنا عجل لنا قطنا وقال الضحاك هو قولهم اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية قال النحاس تدعون وتدعون بمعنى واحد كما تقول قدر واقتدر وغدا واغتدى إلا أن أفعل معناه مضى شيئا بعد شيء وفعل يقع على القليل والكثير
الملك : ( 28 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي ( أي أخبروني إن أهلكني الله بموت أو قتل ومن معي من المؤمنين ( أو رحمنا ) بتأخير ذلك إلى أجل وقيل المعنى إن أهلكني الله معي من بالعذاب أو رحمنا فلم يعذبنا ) فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ( أي فمن يمنعهم ويؤمنهم من العذاب والمعنى أنه لا ينجيهم من ذلك أحد سواء أهلك الله ورسوله والمؤمنين معه كما كان الكفار يتمنونه أو أمهلهم وقيل المعنى إنا مع إيماننا بين الخوف والرجاء فمن يجيركم مع كفركم من العذاب ووضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالكفر وبيان أنه السبب في عدم نجاتهم
الملك : ( 29 ) قل هو الرحمن . . . . .
) قل هو الرحمن آمنا به ( وحده لا نشرك به شيئا ) وعليه توكلنا ( لا على غيره والتوكل تفويض الأمور إليه عز وجل ) فستعلمون من هو في ضلال مبين ( منا ومنكم وفي هذا تهديد شديد مع إخراج الكلام مخرج الإنصاف قرأ الجمهور ستعلمون بالفوقية على الخطاب وقرأ الكسائي بالتحتية على الخبر
الملك : ( 30 ) قل أرأيتم إن . . . . .
ثم احتج سبحانه عليهم ببعض نعمه وخوفهم بسلب تلك النعمة عنهم فقال ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا ( أي أخبروني إن صار ماؤكم غائرا في الأرض بحيث لا يبقى له وجود فيها أصلا أو صار ذاهبا في الأرض إلى مكان بعيد بحيث لا تناله الدلاء يقال


"""""" صفحة رقم 266 """"""
غار الماء غورا أي نضب والغور الغائر وصف بالمصدر للمبالغة كما يقال رجل عدل وقد تقدم مثل هذا في سورة الكهف ) فمن يأتيكم بماء معين ( أي ظاهر تراه العيون وتناله الدلاء وقيل هو من معن الماء أي كثر وقال قتادة والضحاك أي جار وقد تقدم معنى المعين في سورة المؤمن وقرأ ابن عباس فمن يأتيكم بماء عذب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ( أفمن يمشي مكبا ) قال في الضلالة ( أمن يمشي سويا ) قال مهتديا وأخرج الخطيب في تاريخه وابن النجار عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من اشتكى ضرسه فليضع إصبعه عليه وليقرأ هذه الآية ) هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ( وأخرج الدار قطني في الأفراد عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه وليقرأ هاتين الآيتين سبع مرات وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع إلى يفقهون و ) هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ( فإنه يبرأ بإذن الله وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) إن أصبح ماؤكم غورا ( قال داخلا في الأرض ) فمن يأتيكم بماء معين ( قال الجاري وأخرج ابن المنذر عنه ) إن أصبح ماؤكم غورا ( قال يرجع في الأرض وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ( بماء معين ) قال ظاهر وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا ( بماء معين ) قال عذب
ع68
تفسير
سورة ن
هي اثنتان وخمسون آية
حول السورة
وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر وروى عن ابن عباس وقتادة أن من أولها إلى قوله ) سنسمه على الخرطوم ( مكي ومن بعد ذلك إلى قوله 0 من الصالحين ) مدني وباقيها مكي كذا قال الماوردي وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد الله فيها ما يشاء وكان أول ما نزل من القرآن ) اقرأ باسم ربك ( ثم نون ثم المزمل ثم المدثر وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي عنه قال نزلت سورة ن بمكة وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله
سورة ن ( 1 11 )


"""""" صفحة رقم 267 """"""
سورة ن
( 12 16
القلم : ( 1 ) ن والقلم وما . . . . .
قوله ( ن ) قرأ أبو بكر وورش وابن عامر والكسائي وابن محيصن وابن هبيرة بإدغام النون الثانية من هجائها في الواو وقرأ الباقون بالإظهار وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر بالفتح على إضمار فعل وقرأ ابن عامر ونضر وابن إسحاق بكسرها على إضمار القسم أو لأجل التقاء الساكنين وقرأ محمد بن السميفع وهارون بضمها على البناء قال مجاهد ومقاتل والسدي هو الحوت الذي يحمل الأرض وبه قال مرة الهمذاني وعطاء الخراساني والكلبي وقيل إن نون آخر حرف من حروف الرحمن وقال ابن زيد هو قسم أقسم الله به وقال ابن كيسان هو فاتحة السورة وقال عطاء وأبو العالية هي النون من نصر وناصر قال محمد بن كعب أقسم الله تعالى بنصره المؤمنين وقيل هو حرف من حروف الهجاء كالفواتح الواقعة في أوائل السور المفتتحة بذلك وقد عرفناك ما هو الحق في مثل هذه الفواتح في أول سورة البقرة والواو في قوله ( والقلم ) واو القسم أقسم الله بالقلم لما فيه من البيان وهو واقع على كل قلم يكتب به وقال جماعة من المفسرين المراد به القلم الذي كتب به اللوح المحفوظ أقسم الله به تعظيما له قال قتادة القلم من نعمة الله على عباده ( وما يسطرون ) ما موصولة أي والذي يسطرون والضمير عائد إلى أصحاب القلم المدلول عليهم بذكره لأن ذكر آلة الكتابة تدل على الكاتب والمعنى والذي يسطرون أي يكتبون كل ما يكتب أو الحفظة على ما تقدم ويجوز أن تكون ما مصدرية أي وسطرهم وقيل الضمير راجع إلى القلم خاصة من باب إسناد الفعل إلى الآلة وإجرائها مجرى العقلاء
القلم : ( 2 ) ما أنت بنعمة . . . . .
وجواب القسم قوله ) ما أنت بنعمة ربك بمجنون ( ما نافية وأنت اسمها وبمجنون خبرها قال الزجاج أنت هو اسم ما وبمجنون خبرها وقوله ( بنعمة ربك ) كلام وقع في الوسط أي انتفى عنك الجنون بنعمة ربك كما يقال أنت بحمد الله عاقل قيل الباء متعلقة بمضمر هو حال كأنه قيل أنت بريء من الجنون ملتبسا بنعمة الله التي هي النبوة والرياسة العامة وقيل الباء للقسم أي وما أنت ونعمة ربك بمجنون وقيل النعمة هنا الرحمة والآية رد على الكفار حيث قالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون
القلم : ( 3 ) وإن لك لأجرا . . . . .
( وإن لك لأجرا أي ثوابا على ما تحملت من أثقال النبوة وقاسيت من أنواع الشدائد ( غير ممنون ) أي غير مقطوع يقال مننت الحبل إذا قطعته وقال مجاهد غير ممنون غير محسوب وقال الحسن غير ممنون غير مكدر بالمن وقال الضحاك أجرا بغير عمل وقيل غير مقدر وقيل غير ممنون به عليك من جهة الناس
القلم : ( 4 ) وإنك لعلى خلق . . . . .
) وإنك لعلى خلق عظيم ( قيل هو الإسلام والدين حكى هذا الواحدي على الأكثرين وقيل هو القرآن روى هذا عن الحسن والعوفي وقال قتادة هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهى عنه من نهى الله قال الزجاج المعنى إنك على الخلق الذي أمرك الله به في القرآن وقيل هو رفقه بأمته وإكرامه إياهم وقيل المعنى إنك على طبع كريم قال الماوردي وهذا هو الظاهر وحقيقة الخلق في اللغة ما يأخذ الإنسان نفسه به من الأدب وقد ثبت في الصحيح عن عائشة أنها سئلت عن خلق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت كان خلقه القرآن وهذه الجملة والتي قبلها معطوفتان
القلم : ( 5 ) فستبصر ويبصرون
على جملة جواب القسم ( فستبصر ويبصرون ) أي ستبصر يا محمد ويبصر الكفار إذا تبين الحق وانكشف الغطاء وذلك يوم القيامة
القلم : ( 6 ) بأيكم المفتون
) بأيكم المفتون ( الباء زائدة للتأكيد أي أيكم المفتون بالجنون كذا قال الأخفش وأبو عبيدة وغيرهما ومثله قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 268 """"""
نحن بنو جعدة أصحاب العلج
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
وقيل ليست الباء زائدة والمفتون مصدر جاء على مفعول كالمعقول والميسور والتقدير بأيكم الفتون أو الفتنة ومنه قول الشاعر الراعي
حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحما ولا لفؤاده معقولا
أي عقلا وقال الفراء إن الباء بمعنى في أي في أيكم المفتون أفي الفريق الذي أنت فيه أم في الفريق الآخر ويؤيد هذا قراءة ابن أبي عبلة في أيكم المفتون وقيل الكلام على حذف مضاف أي بأيكم فتن المفتون فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه روى هذا عن الأخفش أيضا وقيل المفتون المعذب من قول العرب فتنت الذهب بالنار إذا أحميته ومنه قوله يوم هم على النار يفتنون وقيل المفتون هو الشيطان لأنه مفتون في دينه والمعنى بأيكم الشيطان وقال قتادة هذا وعيد لهم بعذاب يوم بدر والمعنى سترى ويرى أهل مكة إذا نزل بهم العذاب ببدر بأيكم المفتون
القلم : ( 7 ) إن ربك هو . . . . .
وجملة ) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ( تعليل للجملة التي قبلها فإنها تتضمن الحكم عليهم بالجنون لمخالفتهم لما فيه نفعهم في العاجل والآجل واختيارهم ما فيه ضرهم فيهما والمعنى هو أعلم بمن ضل عن سبيله الموصل إلى سعادة الدارين ) وهو أعلم بالمهتدين ( إلى سبيله الموصل إلى تلك السعادة الآجلة والعاجلة فهو مجاز كل عامل بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر
القلم : ( 8 ) فلا تطع المكذبين
) فلا تطع المكذبين ( نهاه سبحانه عن ممايلة المشركين وهم رؤساء كفار مكة لأنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائه فنهاه الله عن طاعتهم أو هو تعريض بغيره عن أن يطيع الكفار أو المراد بالطاعة مجرد المداراة بإظهار خلاف ما في الضمير فنهاه الله عن ذلك
القلم : ( 9 ) ودوا لو تدهن . . . . .
كما يدل عليه قوله ) ودوا لو تدهن فيدهنون ( فإن الإدهان هو الملاينة والمسامحة والمداراة قال الفراء المعنى لو تلين فيلينوا لك وكذا قال الكلبي وقال الضحاك والسدى ودوا لو تكفر فيتمادوا على الكفر وقال الربيع بن أنس ودوا لو تكذب فيكذبون وقال قتادة ودوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك وقال الحسن ودوا لو تصانفهم في دينك فيصانعونك وقال مجاهد ودوا لو تركن إليهم وتترك ما أنت عليه من الحق فيمايلونك قال ابن قتيبة كانوا أرادوه على أن يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا الله مدة وقوله فيدهنون عطف على تدهن داخل في حيز لو أو هو خبر مبتدأ محذوف أي فهم يدهنون قال سيبويه وزعم قالون أنها في بعض المصاحف ) ودوا لو تدهن فيدهنون ( بدون نون والنصب على جواب التمني المفهوم من ودوا والظاهر من اللغة في معنى الإدهان هو ما ذكرناه أولا
القلم : ( 10 ) ولا تطع كل . . . . .
) ولا تطع كل حلاف ( أي كثير الحلف بالباطل ( مهين ) فعيل من المهانة وهي القلة في الرأي والتمييز وقال مجاهد هو الكذاب وقال قتادة المكثار في الشر وكذا قال الحسن وقيل هو الفاجر العاجز وقيل هو الحقير عند الله وقيل هو الذليل وقيل هو الوضيع
القلم : ( 11 ) هماز مشاء بنميم
( هماز مشاء بنميم ) الهماز المغتاب للناس قال ابن زيد هو الذي يهمز بأخيه وقيل الهماز الذي يذكر الناس في وجوههم واللماز الذي يذكرهم في مغيبهم كذا قال أبو العالية والحسن وعطاء بن أبي رباح وقال مقاتل عكس هذا والمشاء بنميم الذي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم يقال نم ينم إذا سعى بالفساد بين الناس ومنه قول الشاعر
ومولى كبيت النمل لا خير عنده
لمولاه إلا سعيه بنميم
وقيل النميم جمع نميمة
القلم : ( 12 ) مناع للخير معتد . . . . .
( مناع للخير ) أي بخيل بالمال لا ينفقه في وجهه وقيل هو الذي يمنع أهله وعشيرته عن


"""""" صفحة رقم 269 """"""
الإسلام قال الحسن يقول لهم من دخل منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا ) معتد أثيم ( أي متجاوز الحد في الظلم كثير الإثم
القلم : ( 13 ) عتل بعد ذلك . . . . .
( عتل ) قال الواحدي والمفسرون يقولون هو الشديد الخلق الفاحش الخلق وقال الفراء هو الشديد الخصومة في الباطل وقال الزجاج هو الغليظ الجافي وقال الليث هو الأكول المنوع يقال عتلت الرجل أعتله إذا جذبته جذبا عنيفا ومنه قول الشاعر نقرعه قرعا ولسنا نعتله
( بعد ذلك زنيم ) أي هو بعد ما عد من معايبه زنيم والزنيم هو الدعى الملصق بالقوم وليس هو منهم مأخوذ من الزنمة المتدلية في حلق الشاة أو الماعز ومنه قول حسان
زنيم تداعاه الرجال زيادة
كما زيد في عرض الأديم الأكارع
وقال سعيد بن جبير الزنيم المعروف بالشر وقيل هو رجل من قريش كان له زنمة كزنمة الشاة وقيل هو المظلوم
القلم : ( 14 ) أن كان ذا . . . . .
) أن كان ذا مال وبنين ( متعلق بقوله لا تطع أي لا تطع من هذه مثالبه لكونه ذا مال وبنين قال الفراء والزجاج أي لأن كان والمعنى لا تطعه لماله وبنيه قرأ ابن عامر وأبو جعفر والمغيرة وأبو حيوة أن كان بهمزة واحدة ممدودة على الاستفهام وقرأ حمزة وأبو بكر والمفضل أأن كان بهمزتين مخففتين وقرأ الباقون بهمزة واحدة على الخبر وعلى قراءة الاستفهام يكون المراد به التوبيخ والتقريع حيث جعل مجازاة النعم التي خوله الله من المال والبنين أن كفر به وبرسوله وقرأ نافع في رواية عنه بكسر الهمزة على الشرط
القلم : ( 15 ) إذا تتلى عليه . . . . .
وجملة ) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ( مستأنفة جارية مجرى التعليل للنهي وقد تقدم معنى أساطير الأولين في غير موضع
القلم : ( 16 ) سنسمه على الخرطوم
) سنسمه على الخرطوم ( أي سنسمه بالكي على خرطومه قال أبو عبيدة وأبو زيد والمبرد الخرطوم الأنف قال مقاتل سنسمه بالسواد على الأنف وذلك أنه يسود وجهه قبل دخول النار قال الفراء والخرطوم وإن كان قد خص بالسمة فإنه في مذهب الوجه لأن بعض الوجه يؤدى عن بعض قال الزجاج سيجعل له في الآخرة العلم الذي يعرف به أهل النار من اسوداد وجوههم وقال قتادة سنلحق به شيئا لا يفارقه واختار هذا ابن قتيبة قال والعرب تقول قد وسمه ميسم سوء يريدون ألصق به عارا لا يفارقه فالمعنى أن الله ألحق به عارا لا يفارقه كالوسم على الخرطوم وقيل معنى سنسمه سنحطمه بالسيف وقال النضر بن شميل المعنى سنحده على شرب الخمر وقد يسمى الخمر بالخرطوم ومنه قول الشاعر تظل يومك في لهو وفي طرب
وأنت بالليل شراب الخراطيم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات والخطيب في تاريخه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال إن أول شيء خلقه الله القلم فقال له اكتب فقال يا رب وما أكتب قال اكتب القدر فجرى من ذلك اليوم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ثم طوى الكتاب ورفع القلم وكان عرشه على الماء فارتفع بخار الماء ففتقت منه السموات ثم خلق النون فبسطت الأرض عليه والأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت الجبال فإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة ثم قرأ ابن عباس ) ن والقلم وما يسطرون ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن مردويه عن عبادة بن الصامت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فجرى بما هو كائن إلى الأبد وأخرج ابن جرير من حديث معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا نحوه وأخرج ابن


"""""" صفحة رقم 270 """"""
جرير وابن المنذر عن أبن عباس قال إن الله خلق النون وهي الدواة وخلق القلم فقال اكتب قال وما أكتب قال اكتب ماهر كائن إلى يوم القيامة وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال أن الدواة وأخرج ابن مردويه عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) النون السمكة التي عليها قرار الأرضين والقلم الذي خط به ربنا عز وجل القدر خيره وشره وضره ونفعه ( وما يسطرون ) قال الكرام الكاتبون وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله ( وما يسطرون ) قال ما يكتبون وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ( وما يسطرون ) قال وما يعلمون وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن سعد بن هشام قال أتيت عائشة فقلت يا أم المؤمنين أخبريني بخلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالت كان خلقه القرآن أما تقرأ القرآن ( إنك لعلى خلق عظيم ) وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والواحدي عنها قالت ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال لبيك فلذلك أنزل الله ( وإنك لعلى خلق عظيم ) وأخرج ابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي الدرداء قال سئلت عائشة عن خلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه وابن مردويه عن أبي عبد الله الجدلي قال قلت لعائشة كيف كان خلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالت لم يكن فاحشا ولا متفاحشا ولا صحابا في الأسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( فستبصر ويبصرون ) قال تعلم ويعلمون يوم القيامة ( بأيكم المفتون ) قال الشيطان كانوا يقولون إنه شيطان وإنه مجنون وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال بأيكم المجنون وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) يقول لو ترخص لهم فيرخصون وأخرج ابن مردويه عنه أيضا ( ولا تطع كل حلاف مهين الآية قال يعني الأسود بن عبد يغوث وأخرج ابن مردويه عن أبي عثمان النهدي قال ( قال مروان لما بايع الناس ليزيد سنة أبي بكر وعمر فقال عبد الرحمن ابن أبي بكر إنها ليست بسنة أبي بكر وعمر ولكنها سنة هرقل فقال مروان هذا الذي أنزل فيه والذي قال لوالديه أف لكما الآية قال فسمعت ذلك عائشة فقالت إنها لم تنزل في عبد الرحمن ولكن نزل في أبيك ( ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم ) وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال نزل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم ) فلم نعرف حتى نزل عليه بعد ذلك زنيم فعرفناه له زنمة كزغمة الشاة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال العتل هو الدعى والزنيم هو المريب الذي يعرف بالشر وأخرج عبد بن حميد وابن عساكر عنه قال الزنيم هو الدعى وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه عنه أيضا قال الزنيم الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال هو الرجل يمر على القوم فيقولون رجل سوء وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( زنيم ) قال ظلوم وقد قيل إن هذه الآيات نزلت في الأخنس بن شريق وقيل في الوليد بن المغيرة


"""""" صفحة رقم 271 """"""
سورة ن ( 17 33
القلم : ( 17 ) إنا بلوناهم كما . . . . .
قوله ( إنا بلوناهم ) يعني كفار مكة فإن الله ابتلاهم بالجوع والقحط بدعوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليهم والابتلاء الاختبار والمعنى أعطيناهم الأموال ليشكروا لا ليبطروا فلما بطروا ابتليناهم بالجوع والقحط ( كما بلونا أصحاب الجنة ) المعروف خبرهم عندهم وذلك أنها كانت بأرض اليمن على فرسخين من صنعاء لرجل يؤدي حق الله منها فمات وصارت إلى أولاده فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله فيها قال الواحدى هم قوم من ثقيف كانوا باليمن مسلمين ورثوا من أبيهم ضيعة فيها جنات وزرع ونخيل وكان أبوهم بجعل مما فيها من كل شيء حظا للمساكين عند الحصاد والصرام فقالت بنوه المال قليل والعيال كثير ولا يسعنا أن نفعل كما كان يفعل أبونا وعزموا على حرمان المساكين فصارت عاقبتهم إلى ما قص الله في كتابه قال الكلبي كان بينهم وبين صنعاء فرسخان فبلاهم الله بأن حرق جنتهم وقيل هي جنة كانت بصوران وصوران على فراسخ من صنعاء وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى بيسير ( إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ) أي حلفوا ليقطعنها داخلين في وقت الصباح والصرم القطع للثمر والزرع وانتصاب مصبحين على الحال من فاعل ليصرمنها والكاف في كما بلونا نعت مصدر محذوف أي بلوناهم ابتلاء كما بلونا وما مصدرية أو بمعنى الذي وإذ ظرف لبلونا منتصب به وليصرمنها جواب القسم
القلم : ( 18 ) ولا يستثنون
( ولا يستثنون ) يعنى ولا يقولون إن شاء الله وهذه الجملة مستأنفة لبيان ما وقع منهم أو حال وقيل المعنى ولا يستثنون للمساكين من جملة ذلك القدر الذي كان يدفعه أبوهم إليهم قاله عكرمة
القلم : ( 19 ) فطاف عليها طائف . . . . .
( فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ) أي طاف على تلك الجنة طائف من جهة الله سبحانه والطائف قيل هو نار أحرقتها حتى صارت سوداء كذا قال مقاتل وقيل الطائف جبريل اقتلعها وجملة ( وهم نائمون ) في محل نصب على الحال
القلم : ( 20 ) فأصبحت كالصريم
( فأصبحت كالصريم ) أي كالشيء الذي صرمت ثماره أي قطعت فعيل بمعنى مفعول وقال الفراء كالصريم كالليل المظلم ومنه قول الشاعر تطاول ليلك الجون الصريم
فما ينجاب عن صبح بهيم
والمعنى أنها حرقت فصارت كالليل الأسود قال والصريم الرماد الأسود بلغة خزيمة وقال الأخفش


"""""" صفحة رقم 272 """"""
أي كالصبح انصرم من الليل يعنى أنها يبست وابيضت وقال المبرد الصريم الليل والصريم النهار أي ينصرم هذا عن هذا وذاك عن هذا وقيل سمى الليل صريما لأنه يقطع بظلمته عن التصرف وقال الؤرج الصريم الرملة لأنها لا يثبت عليها شيء ينتفع به وقال الحسن صرم منها الخير أي قطع
القلم : ( 21 ) فتنادوا مصبحين
فتنادوا مصبحين أي نادى بعضهم بعضا داخلين في الصباح قال مقاتل لما أصبحوا قال بعضهم لبعض
القلم : ( 22 ) أن اغدوا على . . . . .
ان اغدوا على حرثكم وأن في قوله أن اغدوا هي المفسره لأن في التنادي معنى القول أو هي المصدرية أي بان اغدوا والمراد اخرجوا غدوة والمراد بالحرث الثمار والزرع إن كنتم صارمين أي قاصدين للصرم والغدو يتعدي بإلى وعلى فلا حاجة إلى تضمينه معنى الإقبال كما قيل وجواب الشرط محذوف أي إن كنتم صارمين فاغدوا وقيل معنى صارمين ماضين في العزم من قولك سيف صارم
القلم : ( 23 ) فانطلقوا وهم يتخافتون
فانطلقوا وهم يتخافتون أي ذهبوا إلى جنتهم وهم يسرون الكلام بينهم لئلا يعلم أحد بهم يقال خفت يخفت إذا سكن ولم ينبس ومنه قول دريد بن الصمة وإني لم أهلك ملالا ولم أمت
خفاتا وكلا ظنه بي عويمر
وقيل المعنى يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم فيقصدوهم كما كانوا يقصدون أباهم وقت الحصاد والأول أولى
القلم : ( 24 ) أن لا يدخلنها . . . . .
لقوله أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين فإن ان هي المفسرة للتخافت المذكور لما فيه من معنى القول والمعنى يسر بعضهم إلى بعض هذا القول وهو لا يدخل هذه الجنة اليوم عليكم مسكين فيطلب منكم أن تعطوه منها ما كان يعطيه أبوكم
القلم : ( 25 ) وغدوا على حرد . . . . .
وغدوا على حرد قادرين الحرد يكون بمعنى المنع والقصد قال قتادة ومقاتل والكلبي والحسن ومجاهد الحرد هنا بمعنى القصد لأن القاصد إلى الشيء حارد يقال حرد يحرد إذا قصد تقول حردت حردك أي قصدت قصدك ومنه قول الراجز أقبل سيل جاء من عند الله
يحرد حرد الجنة المحله
وقال أبو عبيدة والمبرد والقتيبي على حرد على منع من قولهم حردت الإبل حردا إذا قلت ألبانها والحرود من النوق هي القليلة اللبن وقال السدي وسفيان والشعبي على حرد على غضب ومنه قول الشاعر إذا جياد الخيل جاءت تردى
مملوءة من غضب وحرد
وقل الآخر تساقوا على حرد دماء الأساود ومنه قيل أسد حارد وروى عن قتادة ومجاهد أيضا أنهما قالا على حرد أي على حسد وقال الحسن أيضا على حاجة وفاقة وقيل على حرد على انفراد يقال حرد يحرد حردا أو حرودا إذا تنحى عن قومه ونزل منفردا عنهم ولم يخالطهم وبه قال الأصمعي وغيره وقال الأزهري حرد اسم قريتهم وقال السدي اسم جنتهم قرأ الجمهور حرد بسكون الراء وقرأ أبو العالية وابن السميفع بفتحها وانتصاب قادرين على الحال قال الفراء ومعنى قادرين قد قدروا أمرهم وبنوا عليه وقال قتادة قادرين على جنتهم عند أنفسهم وقال الشعبي يعنى قادرين على المساكين
القلم : ( 26 ) فلما رأوها قالوا . . . . .
فلما رأوها أي لما رأوا جنتهم وشادوا ما قد حل بها من الآفة التي أذهبت ما فيها قالوا إنا لضالون أي قال قد ضللنا طريق جنتنا وليست هذه
القلم : ( 27 ) بل نحن محرومون
ثم لما تأملوا وعلموا أنها جنتهم وأن الله سبحانه قد عاقبهم بإذهاب ما فيها من الثمر والزرع قالوا بل نحن محرومون أي حرمنا جنتنا بسبب ما وقع منا من العزم على منع المساكين من خيرها فأضربوا عن قولهم الأول إلى هذا القول وقل مهتى قولهم إنا لضالون أنهم ضلوا عن الصواب بما وقع منهم
القلم : ( 28 ) قال أوسطهم ألم . . . . .
قال أوسطهم أي أمثلهم وأعقلهم وخيرهم ألم أقل لكم لمولا تسبحون أي هلا


"""""" صفحة رقم 273 """"""
تسبحون يعني تستثنون وسمى الاستثناء تسبيحا لأنه تظيم لله وإقرار به وهذا يدل على أن أوسطهم كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه وقال مجاهد وأبو صالح وغيرهما كان استثناؤهم تسبيحا قال النحاس أصل التسبيح التنزيه لله عز وجل فجعل التسبيح في موضع إن شاء الله وقيل المعنى هلا تستغفرون الله من فعلكم وتتوبون إليه من هذه النية التي عزمتم عليها وكانوسطهم قد قال لهم ذلك
القلم : ( 29 ) قالوا سبحان ربنا . . . . .
فلما قال لهم ذلك بعد مشاهدتهم للجنة على تلك الصفة قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين أي تنزيها له عن أن يكون ظالما فيها صنع بجنتنا فإن في ذلك بسبب ذنبنا الذي فعلناه وقيل معنى تسبيحهم الاستغفار أي نستغفر ربنا من ذنبنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا في منعنا للمساكين
القلم : ( 30 ) فأقبل بعضهم على . . . . .
فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون أي يلوم بعضهم بعضا في منعهم للمساكين وعزمهم على على ذلك
القلم : ( 31 ) قالوا يا ويلنا . . . . .
ثم نادوا على أنفسهم بالويل حيث قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين أي عاصي متجاوزين حدود الله بمنع الفقراء وترك الاستثناء قال ابن كيسان أي طغينا نعم الله فلم نشكرها كما شكرها أبونا من قبل
القلم : ( 32 ) عسى ربنا أن . . . . .
ثم رجعوا إلى الله وسألوه أن يعوضهم بخير منها فقالوا عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها لما اعترفوا بالخطيئة رجوا من الله عز وجل أن يبدلهم جنة خيرا من جنتهم قيل إنهم تعاقدوا فيما بينهم وقالوا إن أبدلنا الله خيرا منها لنصنعن كما صنع أبونا فدعوا لله وتضرعوا فأبدلهم من ليلتهم ما هو خير منها قرأ الجمهور يبدلنا بالتخفيف وقرأ أبو عمرو وأهل المدينة بالتشديد وهما لغتان والتبديل تغيير ذات الشيء أو تغيير صفته والابدال رفع الشيء جملة ووضع آخر مكانه كما مضى في سورة سبأ إنا إلى ربنا راغبون أي طالبون منه الخير راجون لعفوه راجعون إليه وعدى بإلى وهو إنما يتعدى بعن أو في لتضمينه معنى الرجوع
القلم : ( 33 ) كذلك العذاب ولعذاب . . . . .
كذلك العذاب أي مثل ذلك العذاب الذي بلوناهم به وبلونا أهل مكة عذاب الدنيا والعذاب مبتدأ مؤخر وكذلك خبره ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون أي أشد وأعظم لو كان المشركون يعملون أنه كذلك ولكنهم لا يعلمون
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله كما بلونا أصحاب الجنة قال هم ناس من الحبشة كان لأبيهم جنة وكان يطعم منها المساكين فمات أبوهم قال بنوه أن كان أبونا لأحمق كان يطعم المساكين فأقسموا ليصر منها مصبحين وأن لا يطعموا مسكينا وأخرج ابن جرير عنه فطاف عليها طائف قال أمر من الله وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إياكم والمعصية فإن العبد ليذنب الذنب الواحد فينسى به الباب من العلم وإن العبد ليذنب فيحرم به قيام الله وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقا قد كان هيء له ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فطاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم قد حرموا خير جنهم بذنبهم وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله كالصريم قال مثل الليل الأسود وأخرج ابن المنذر عنه وهم يتخافتون قال الإسرار والكلام الخفي وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا على حرد قادرين يقول ذو قدرة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله إنا لضالون قال أضللنا مكان جنتنا وأخرج عنه أيضا قال أوسطهم قال أعدلهم إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم أفتجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيها لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون


"""""" صفحة رقم 274 """"""
سورة ن 34 52
القلم : ( 34 ) إن للمتقين عند . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر حال الكفار وتشبيه ابتلائهم بابتلاء أصحاب الجنة المذكورة ذكر حال المتقين وما أعده لهم من الخير فقال ( إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ) أي المتقين ما يوجب سخطه من الكفر والمعاصي عنده عز وجل في الدار الآخرة جنات النعيم الخالص الذي لا يشوبه كدر ولا ينغصه خوف زوال
القلم : ( 35 ) أفنجعل المسلمين كالمجرمين
( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ) الاستفهام للإنكار وكان صناديد كفار قريش يرون وفور حظهم في الدنيا وقلة حظوظ المسلمين فيها فلما سمعوا بذكر الآخرة وما يعطى الله المسلمين فيها قالوا إن صح ما يزعمه محمد لم يكن حالنا وحالهم إلا مثل ما هي في الدنيا فقال الله مكذبا لهم رادا عليهم أفنجعل المسلمين الآية والفاء للعطف على مقدر كنظائره ث
القلم : ( 36 ) ما لكم كيف . . . . .
م وبخهم الله فقال ( ما لكم كيف تحكمون ) هذا الحكم الأعوج كأن أمر الجزاء مفوض إليكم تحكمون فيه بما شئتم
القلم : ( 37 ) أم لكم كتاب . . . . .
( أم لكم كتاب فيه تدرسون ) أي تقرؤون فيه فتجدون المطيع كالعاصي ومثل هذا قوله تعالى أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم
القلم : ( 38 ) إن لكم فيه . . . . .
ثم قال سبحانه ( إن لكم فيه لما تخيرون ) قرأ الجمهور بكسر إن على أنها معمولة لتدرسون أي تدرسون في الكتاب ( إن لكم فيه لما تخيرون ) فلما دخلت اللام كسرت الهمزة كقوله علمت إنك لعاقل بالكسر أو على الحكاية للمدروس كما في قوله وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين وقيل قد تم الكلام عند قوله ( تدرسون ) ثم ابتدأ فقال ( إن لكم فيه لما تخيرون ) أي ليس لكم ذلك وقرأ طلحة بن مصرف والضحاك أن لكم بفتح الهمزة على أن العامل فيه تدرسون مع زيادة لام التأكيد ومعنى ( تخيرون ) تختارون وتشتهون
القلم : ( 39 ) أم لكم أيمان . . . . .
ثم زاد سبحانه في التوبيخ فقال ( أم لكم أيمان علينا بالغة ) أي عهود مؤكدة موثقة متناهية والمعنى أم لكم أيمان على الله استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة وقوله ( إلى يوم القيامة ) متعلق بالمقدر في لكم أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى يحكمكم يومئذ وجواب القسم قوله ( إن لكم لما تحكمون ) لأن معنى ( أم لكم أيمان ) أي أم أقسمنا لكم قال الرازي والمعنى أم ضمنا لكم وأقسمنا لكم


"""""" صفحة رقم 275 """"""
بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد وقيل قد تم الكلام عند قوله ( إلى يوم القيامة ) ثم ابتدأ فقال ( إن لكم لما تحكمون ) أي ليس الأمر كذلك قرأ الجمهور ( بالغة ) بالرفع على النعت لأيمان وقرأ الحسن وزيد بن علي بنصبها على الحال من أيمان لأنها قد تخصصت بالوصف أو من الضمير في لكم أو من الضمير في علينا
القلم : ( 40 ) سلهم أيهم بذلك . . . . .
( سلهم أيهم بذلك زعيم ) أي سل يا محمد الكفار موبخا لهم ومقرعا أيهم بذلك الحكم الخارج عن الصواب كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين فيها وقال ابن كيسان الزعيم هنا القائم بالحجة والدعوى وقال الحسن الزعيم الرسول
القلم : ( 41 ) أم لهم شركاء . . . . .
( أم لهم شركاء ) يشاركونهم في هذا القول ويوافقونهم فيه ( فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين ) فيما يقولون وهو أمر تعجيز وجواب الشرط محذوف وقيل المعنى أم لهم شركاء يجعلونهم مثل المسلمين في الآخرة
القلم : ( 42 ) يوم يكشف عن . . . . .
( يوم يكشف عن ساق ) يوم ظرف لقوله فليأتوا أي فليأتوا بها يوم الكشف عن ساق ويجوز أن يكون ظرفا لفعل مقدر أي اذكر يوم يكشف قال الواحدي قال المفسرون في قوله ( عن ساق ) عن شدة من الأمر قال ابن قتيبة أصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه شمر عن ساقه فيستعار الكشف عن الساق في موضع الشدة وأنشد لدريد بن الصمة كميش الإزار خارج نصف ساقه
صبور على الجلاء طلاع أنجد
وقال وتأويل الآية يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يكشف عن ساق قال أبو عبيدة إذا اشتد الحرب والأمر قيل كشف الأمر عن ساقه والأصل فيه من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه فاستعير الساق والكشف عن موضع الشدة وهكذا قال غيره من أهل اللغة وقد استعملت ذلك العرب في أشعارها ومن ذلك قول الشاعر أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها
وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقول آخر والخيل تعدوا عند وقت الاشراق
وقامت الحرب بنا على ساق
وقول آخر أيضا قد كشفت عن ساقها فشدوا
وجدت الحرب بكم فجدوا
وقول آخر أيضا في سنة قد كشفت عن ساقها حمرا
تبرى اللحم عن عراقها
وقيل ساق الشيء أصله وقوامه كساق الشجرة وساق الإنسان أي يوم يكشف عن ساق الأمر فتظهر حقائقه وقيل يكشف عن ساق جهنم وقيل عن ساق العرش وقيل هو عبارة عن القرب وقيل يكشف الرب سبحانه عن نوره وسيأتى في آخر البحث ما هو الحق وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل قرأ الجمهور يكشف بالتحية مبنيا للمفعول وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبن أبي عبلة تكشف بالفوقية مبنيا للفاعل أي الشدة أو الساعة وقرىء بالفوقية مبنيا للمفعول وقرىء بالنون وقرىء بالفوقية المضمونة وكسر الشين من أكشف الأمر أي دخل في الكشف ( ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) قال الواحدى قال المفسرون يسجد الخلق كلهم لله سجدة واحدة ويبقى الكفار والمنافقون يريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون لأن أصلابهم تيبس فلا تلين للسجود قال الربيع بن أنس يكشف عن الغطاء فيقع من كان أمن بالله في الدنيا فيسجدون له ويدعى الآخرون إلى السجود فلا يستطيعون لأنهم لم يكونوا أمنوا بالله في الدنيا
القلم : ( 43 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . .
وانتصاب ( خاشعة أبصارهم ) على الحال من ضمير يدعون وأبصارهم مرتفع به على الفاعلية ونسبة الخشوع إلى الأبصار وهو الخضوع


"""""" صفحة رقم 276 """"""
والذلة لظهور أثره فيها ( ترهقهم ذلة ) أي تغشاهم ذلة شديدة وحسرة وندامة ( وقد كانوا يدعون إلى السجود أي في الدنيا ( وهو سالمون ) أي معافون عن العلل متمكنون من الفعل قال إبراهيم التيمي يدعون بالأذان والإقامة فيأبون وقال سعيد بن جبير يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون قال كعب الأحبار والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات وقيل يدعون بالتكليف المتوجه عليهم بالشرع فلا يجيبون وجمله ( وهو سالمون ) في محل نصب على الحال من ضمير يدعون
القلم : ( 44 ) فذرني ومن يكذب . . . . .
( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث ) أي حل بيني وبينه وكل أمره إلى فأنا أكفيكه قال الزجاج معناه لا يشتغل به قلبك كله إلى فأنا أكفيك أمره والفاء لترتيب ما بعدها من الأمر على ما قبلها و من منصوب بالعطف على ضمير المتكلم أو على أنه مفعول معه والمراد بهذا الحديث القرآن قاله السدى وقيل يوم القيامة وفي هذا تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجملة ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) مستأنفة لبيان كيفية التعذيب لهم المستفاد من قوله ذرني ومن يكذب بهذا الحديث والضمير عائد إلى من باعتبار معناها والمعنى سنأخذهم بالعذاب على غفلة ونسوقهم إليه درجة فدرجة حتى نوقعهم فيه من حيث لا يعلمون أن ذلك استدراج لأنهم يظنونه إنعاما ولا يفكرون في عاقبته وما سيلقون في نهايته قال سفيان الثوري يسبغ عليهم النعم وينسيهم الشكر وقال الحسن كم من مستدرج بالإحسان إليه وكم من مفتون بالثناء عليه وكم من مغرور بالستر عليه والاستدراج ترك المعاجلة وأصله النقل من حال إلى حال ويقال استدرج فلان فلانا أي استخرج ما عنده قليلا قليلا ويقال درجة إلى كذا واستدرجه يعنى أدناه إلى التدريج فتدرج هو
القلم : ( 45 ) وأملي لهم إن . . . . .
ثم ذكر سبحانه أنه يمهل الظالمين فقال ( وأملي لهم ) أي أمهلهم ليزدادوا إثما وقد مضى تفسير هذا في سورة الأعراف والطور وأصل الملاوة المدة من الدهر يقال أملي الله له أي أطال له المدة والملأ مقصور الأرض الواسعة سميت به لامتدادها ( إن كيدي متين ) أي قوي شديد فلا يفوتني شيء وسمى سبحانه إحسانه كيدا كما سماه استدراجا لكونه في صورة الكيد باعتبار عاقبته ووصفه بالمتانة لقوة أثره في التسبب للهلاك
القلم : ( 46 ) أم تسألهم أجرا . . . . .
( أم تسألهم أجرا ) أعاد سبحانه الكلام إلى ما تقدم من قوله أم لهم شركاء أي أم تلتمس منهم ثوابا على ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله ( فهم من مغرم مثقلون ) المغرم الغرامة أي فهم من غرامة ذلك الأجر ومثقلون أي يثقل عليهم حمله لشحهم ببذل المال فأعرضوا عن إجابتك بهذا السبب والاستفهام للتوبيخ والتقريع لهم والمعنى أنك لم تسألهم ذلك ولم تطلبه منهم
القلم : ( 47 ) أم عندهم الغيب . . . . .
( أم عندهم الغيب فهم يكتبون ) أي اللوح المحفوظ أو كل ما غاب عنهم فهم من ذلك الغيب يكتبون ما يريدون من الحجج التى يزعمون أنها تدل على قولهم ويخاصمونك بما يكتبونه من ذلك ويحكمون لأنفسهم بما يريدون ويستغنون بذلك عن الإجابة لك والامتثال لما تقوله
القلم : ( 48 ) فاصبر لحكم ربك . . . . .
( فاصبر لحكم ربك ) أي لقضائه الذي قد قضاه في سابق علمه قيل والحكم هنا هو إمهالهم وتأخير نصرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليهم وقيل هو ما حكم به عليه من تبليغ الرسالة قيل وهذا منسوخ بآية السيف ( ولا تكن كصاحب الحوت ) يعنى يونس عليه السلام أي لا تكن مثله في الغضب والضجر والعجلة والظرف في قوله ( إذ نادى ) منصوب بمضاف محذوف أي لا تكن حالك كحالة وقت ندائه وجملة ( وهو مكظوم ) في محل نصب على الحال من فاعل نادى والمكظوم المملوء غيظا وكربا قال قتادة إن الله يعزى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ويأمره بالصبر ولا يعجل كما عجل صاحب الحوت وقد تقدم بيان قصته في سورة الأنبياء ويونس والصافات وكان النداء منه بقوله لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين


"""""" صفحة رقم 277 """"""
وقيل إن المكظوم المأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس قاله المبرد وقيل هو المحبوس والأول أولى ومنه قول ذي الرمة وأنت من حب مى مضمر حزنا
عانى الفؤاد قريح القلب مكظوم
القلم : ( 49 ) لولا أن تداركه . . . . .
( لولا أن تدراكه نعمة من ربه ) أي لو لا أن تدارك صاحب الحوت نعمة من الله وهى توفيقه للتوبة فتاب الله عليه ( لنبذ بالعراء أي لألقى من بطن الحوت على وجه الأرض الخالية من النبات ( وهو مذموم ) أي يذم ويلام بالذنب الذي أذنبه ويطرد من الرحمة والجملة في محل نصب على الحال من ضمير نبذ قال الضحاك النعمة هنا النبوة وقال سعيد بن جبير عبادته التى سلفت وقال ابن زيد هي نداؤه بقوله لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين وقيل مذموم مبعد وقيل مذنب قرأ الجمهور تداركه على صيغة الماضي وقرأ الحسن وابن هرمز والأعمش بتشديد الدال والأصل تتداركه بتاءين مضارعا فأدغم وتكون هذه القراءة على حكاية الحال الماضية وقرأ أبي وابن مسعود وابن عباس تداركته بتاء التأنيث
القلم : ( 50 ) فاجتباه ربه فجعله . . . . .
( فاجتباه ربه ) أي استخلصه واصطفاه واختاره للنبوة ( فجعله من الصالحين ) أي الكاملين في الصلاح وعصمه من الذنب وقيل رد إليه النبوة وشفعه في نفسه وفي قومه وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون كما تقدم
القلم : ( 51 ) وإن يكاد الذين . . . . .
( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ) إن هي المخففة من الثقيلة قرأ الجمهور ليزلقونك بضم الياء من أزلقه أي أزل رجله يقال أزلقه عن موضعه إذا نحاه وقرأ نافع وأهل المدينة بفتحها من زلق عن موضعه إذا تنحى قال الهروى أي فيغتالونك بعيونهم فيزلقونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوة لك وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش ومجاهد وأبو وائل ليرهقونك أي يهلكونك وقال الكلبي يزلقونك أي يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة وكذا قال السدى وسعيد بن جبير وقال النضر بن شميل والأخفش يفتنونك وقال الحسن وابن كيسان ليقتلونك قال الزجاج في الآية مذهب أهل اللغة والتأويل أنهم من شدة إبغاضهم وعداوتهم يكادون ينظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك وهذا مستعمل في الكلام يقول القائل نظر إلى نظرا يكاد يصرعنى ونظرا يكاد يأكلني قال ابن قتيبة ليس يريد الله أنهم يصيبونك بأعينهم كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء يكاد يسقطك كما قال الشاعر يتعارضون إذا التقوا في مجلس
نظرا يزيل مواطىء الأقدام
( لما سمعوا الذكر ) أي وقت سماعهم للقرآن لكراهتهم لذلك أشد كراهة ولما ظرفية منصوبة بيزلقونك وقيل هي حرف وجوابها محذوف لدلالة ما قبله عليه أي لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك ( ويقولون إنه مجنون ) أي ينسبونه إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن
القلم : ( 52 ) وما هو إلا . . . . .
فرد الله عليهم بقوله ( وما هو إلا ذكر للعالمين ) والجملة مستأنفة أو في محل نصب على الحال من فاعل يقولون أي والحال أنه تذكير وبيان لجميع ما يحتاجون إليه أو شرف لهم كما قال سبحانه وإنه لذكر لك ولقومك وقيل الضمير لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإنه مذكر للعالمين أو شرف لهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البخاري وغيره عن أبي سعيد قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا وهذا الحديث ثابت من طرق في الصحيحين وغيرهما وله ألفاظ في بعضها طول وهو


"""""" صفحة رقم 278 """"""
حديث مشهور معروف وأخرج ابن مسنده عن أبي هريرة في الآية قال يكشف الله عز وجل عن ساقه وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن منده عن ابن مسعود في الآية قال يكشف عن ساقه تبارك وتعالى وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وضعفه وابن عساكر عن أبي موسى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الآية قال ( عن نور عظيم فيخرون له سجدا وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن منده والبيهقي عن إبراهيم النخعي عن ابن عباس في الآية قال يكشف عن أمر عظيم ثم قال قد قامت الحرب على ساق قال وقال ابن مسعود يكشف عن ساقه فيسجد كل مؤمن ويقسو ظهر الكافر فيصير عظما واحدا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقى في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه سئل عن قوله ( يوم يكشف عن ساق ) قال إذا خفى عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر وقامت الحرب بنا على ساق
قال ابن عباس هذا يوم كرب شديد روى عنه نحو هذا من طرق أخرى وقد أغنانا الله سبحانه في تفسير صذه الآية بما صح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما عرفت وذلك لا يستلزم تجسيما ولا تشبيها فليس كمثله شيء
دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) قال هم الكفار يدعون في الدنيا وهم آمنون فاليوم يدعون وهم خائفون وأخرج البيهقى في الشعب عنه في الآية قال الرجل يسمع الأذان فلا يجيب الصلاة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا في قوله ( ليزلقونك بأبصارهم ) قال ينفذونك بأبصارهم
ع69
تفسير
سورة الحاقة
هي إحدى وخمسون آية وقيل اثنتان وخمسون
حول السورة
وهي مكية قال القرطبي في قول الجميع وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة الحاقة بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج الطبراني عن أبي برزة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ في الفجر بالحاقة ونحوها سورة الحاقة من ( 1 - 9 )
( 118 )


"""""" صفحة رقم 279 """"""
الحاقة : ( 1 ) الحاقة
قوله سورة الحاقه ( 10 - 18 ) هي القيامة لأن الأمر يحق فيها وهي تحق في نفسها من غير شك قال الأزهرى يقال حاققته فحققته أحقه غالبته فغلبته أغلبه فالقيامة حاقة لأنها تحاق كل محاق في دين الله بالباطل وتخصم كل مخاصم وقال في الصحاح حاقه أي خاصمه في صغار الأشياء ويقال ماله فيها حق ولا حقاق ولا خصومة والتحاق التخاصم والحاقة والحقة والحق ثلاث لغات بمعنى قال الواحدى هي القيامة في قول كل المفسرين وسميت بذلك لأنها ذات الحواق من الأمور وهي الصادقة الواجبة الصدق وجميع أحكام القيامة صادقة واجبة الوقوع والوجود قال الكسائي والمؤرج الحاقة يوم الحق وقيل سميت بذلك لأن كل إنسان فيها حقيق بأن يجزى بعمله وقيل سميت بذلك لأنها أحقت لقوم النار وأحقت لقوم الجنة وهي مبتدأ
الحاقة : ( 2 ) ما الحاقة
وخبرها قوله ( ما الحاقة ) على أن ما الاستفهامية مبتدأ ثان وخبره الحاقة والجملة خبر للمبتدأ الأول والمعنى أي شيء هي في حالها أو صفاتها وقيل إن ما الاستفهامية خبر لما بعدها وهذه الجملة وإن كان لفظها لفظ الاستفهام فمعناها التعظيم والتفخيم لشأنها كما تقول زيد ما زيد وقد قدمنا تحقيق هذا المعنى في سورة الواقعة
الحاقة : ( 3 ) وما أدراك ما . . . . .
ثم زاد سبحانه في تفخيم أمرها وتفظيع شأنها وتهويل حالها فقال ( وما أدراك ما الحاقة ) أي أي شيء أعلمك ما هي أي كأنك لست تعلمها إذا لم تعانيها وتشاهد ما فيها من الأهوال فكأنها خارجة عن دائرة علم المخلوقين قال يحيى بن سلام بلغني أن كل شىء في القرآن وما أدراك فقد أدراه إياه وعلمه وكل شيء قال فيه وما يدريك فإنه أخبره به وما مبتدأ وخبره أدراك وما الحاقة جملة من مبتدأ وخبر محلها النصب بإسقاط الخافض لأن أدرى يتعدى إلى المفعول الثاني بالباء كما في قوله ولا أدراكم به فلما وقعت جملة الاستفهام معلقة له كانت في موضع المفعول الثاني وبدون الهمزة يتعدى إلى مفعول واحد بالباء نحو دريت بكذا وإن كان بمعنى العلم تعدى إلى مفعولين وجملة وما أدراك معطوفة على جملة ما الحاقة
الحاقة : ( 4 ) كذبت ثمود وعاد . . . . .
( كذبت ثمود وعاد بالقارعة ) أي بالقيامة وسميت بذلك لأنها تقرع الناس بأهوالها وقال المبرد عنى بالقارعة القرآن الذي نزل في الدنيا على أنبيائهم وكانوا يخوفونهم بذلك فيكذبونهم وقيل القارعة مأخوذة من القرعة لأنها ترفع أقواما وتحط آخرين والأول أولى ويكون وضع القارعة موضع ضمير الحاقة للدلالة على عظيم هولها وفظاعة حالها والجملة مستأنفة لبيان بعض أحوال الحاقة
الحاقة : ( 5 ) فأما ثمود فأهلكوا . . . . .
( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ) ثمود هم قوم صالح وقد تقدم بيان هذا في غير موضع وبيان منازلهم وأين كانت والطاغية الصحيحة التى جاوزت الحد وقيل بطغيانهم وكفرهم وأصل الطغيان مجاوزة الحد
الحاقة : ( 6 ) وأما عاد فأهلكوا . . . . .
( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر ) عاد هم قوم هود وقد تقدم بيان هذا وذكر منازلهم وأين كانت في غير موضع والريح الصرصر هي الشديدة البرد مأخوذ من الصر وهو البرد وقيل هي الشديدة الصوت وقال مجاهد


"""""" صفحة رقم 280 """"""
السموم والعاتية التي عنت عن الطاعة فكأنها عنت على خزانها فلم تطعهم ولم يقدروا على ردها لشدة هبوبها أو عتت على عاد فلم يقدروا على ردها بل أهلكتهم
الحاقة : ( 7 ) سخرها عليهم سبع . . . . .
( سخرها عليهم سبع ليال ) هذه الجملة مستأنفة لبيان كيفية إهلاكهم ومعنى سخرها سلطها كذا قال مقاتل وقيل أرسلها وقال الزجاج أقامها عليهم كما شاء والتسخير استعمال الشيء بالاقتدار ويجوز أن تكون هذه الجملة صفة لريح وأن تكون حالا منها لتخصيصها بالصفة أو من الضمير في عاتية ( وثمانية أيام ) معطوف على سبع ليال وانتصاب ( حسوما ) على الحال أي ذات حسوم أو على المصدر بفعل مقدر أي تحسمهم حسوما أو على أنه مفعول به والحسوم التتابع فإذا تتابع الشيء ولم ينقطع أوله عن آخره قيل له الحسوم قال الزجاج الذي توجبه اللغة في معنى قوله حسوما أي تحسمهم حسوما تفنيهم وتذهبهم قال النضر بن شميل حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم وقال الفراء الحسوم الاتباع من حسم الداء وهو الكي لأن صاحبه يكوى بالمكواة ثم يتابع ذلك عليه ومنه قول أبي دؤاد يفرق بينهم زمن طويل
تتابع فيه أعواما حسوما
وقال المبرد هو من قولك حسمت الشىء إذا قطعته وفصلته عن غيره وقيل الحسم الاستئصال ويقال للسيف حسام لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته والمعنى أنها حسمتهم أي قطعتهم وأذهبتهم ومنه قول الشاعر فأرسلت ريحا دبورا عقيما
فدارت عليهم فكانت حسوما
قال ابن زيد أي حسمتهم فلم تبق منهم أحدا وروى عنه أنه قال حسمت الأيام والليالي حتى استوفتها لأنها بدأت بطلوع الشمس من أول يوم وانقطعت بغروب الشمس من آخر يوم وقال الليث الحسوم هي الشؤم أي تحسم الخير عن أهلها كقوله في ايام نحسات واختلف في أولها فقيل غداة الأحد وقيل غداة الجمعة وقيل غداة الأربعاء قال وهب وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز كان فيها برد شديد وريح شديدة وكان أولها يوم الأربعاء وآخرها يوم الأربعاء ( فترى القوم فيها صرعى ) الخطاب لكل من يصلح له على تقدير أنه لو كان حاضرا حينئذ لرأى ذلك والضمير في فيها يعود إلى الليالي والأيام وقيل إلى مهاب الريح والأول أولى وصرعى جمع صريع يعني موتى ( كأنهم أعجاز نخل خاوية ) أي أصول نخل ساقطة أو بالية وقيل خالية لا جوف فيها والنخل يذكر ويؤنث ومثله قوله كأنهم أعجاز نخل منقعر وقد تقدم تفسيره وهو إخبار عن عظم أجسامهم قال يحيى بن سلام إنما قال خاوية لأن أبدانهم خلت من أرواحهم مثل النخل الخاوية
الحاقة : ( 8 ) فهل ترى لهم . . . . .
( فهل ترى لهم من باقية ) أي من فرقة باقية أو من نفس باقية أو من على ان باقيه مصدر كالعاقبة والعافية قال ابن جريج أقاموا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عذاب الريح فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر
الحاقة : ( 9 ) وجاء فرعون ومن . . . . .
( وجاء فرعون ومن قبله ) أي من الأمم الكافرة قرأ الجمهور قبله بفتح القاف وسكون الباء أي ومن تقدمه من القرون الماضية والأمم الخالية وقرأ أبو عمرو والكسائي بكسر القاف وفتح الباء أي ومن هو في جهته من أتباعه واختار أبو حاتم وأبو عبيد القراءة الثانية لقراءة أبن مسعود وأبي ومن معه ولقراءة أبي موسى ومن يلقاه ( والمؤتفكات ) قرأ الجمهور والمؤتفكات بالجمع وهي قرى قوم لوط وقرأ الحسن الجحدري المؤتفكة بالإفراد واللام للجنس فهي في معنى الجمع والمعنى وجاءت المؤتفكات ( بالخاطئة ) أي بالفعلة الخاطئة ) أو الخطأ على أنها مصدر والمراد أنها جاءت بالشرك والمعاصي قال مجاهد بالخطايا وقال الجرجاني بالخطأ العظيم


"""""" صفحة رقم 281 """"""
الحاقة : ( 10 ) فعصوا رسول ربهم . . . . .
( فعصوا رسول ربهم ) أي فعصت كل أمة رسولها المرسل إليها قال الكلبي هو موسى وقيل لوط لأنه أقرب قيل ورسول هنا بمعنى رسالة ومنه قول الشاعر لقد كذب الواشون ما بحت عندهم
بسر ولا أرسلتهم برسول
أي برسالة ( فأخذهم أخذة رابية ) أي أخذهم الله أخذة نامية زائدة على أخذات الأمم والمعنى أنها بالغة في الشدة إلى الغاية يقال ربي لشيء يربوا إذا زاد وتضاعف قال الزجاج تزيد على الأخذات قال مجاهد شديدة
الحاقة : ( 11 ) إنا لما طغى . . . . .
( إنا لما طغى الماء ) أي تجاوز حدة في الأرتفاع والعلو وذلك في زمن نوح لما أصر قومه على الكفر وكذبوه وقيل طغى على خزانة من الملائكة غضبا لربه فلم يقدروا على حبسه قال قتادة زاد على كل شيء خمسة عشر درعا ( حملناكم في الجارية ) أي في أصلاب آبائكم أو حملناهم وحملناكم في أصلابهم تغليبا للمخاطبين على الغائبين والجارية سفينة نوح وسميت جارية لأنها تجري في الماء ومحل في الجارية النصب على الحال أي رفعناكم فوق الماء حال كونكم في السفينة
الحاقة : ( 12 ) لنجعلها لكم تذكرة . . . . .
ولما كان المقصود من ذكر قصص هذه الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب زجر هذه الأمة عن الأقتداء بهم في معصية الرسول قال ( لنجعلها لكم تذكرة ) أي لنجعل هذه الأمور المذكورة لكم با امة محمد عبرة وموعظة تستدلون بها على عظيم قدرة الله وبديع صنعه أو لنجعل هذه الفعلة التي هي عبارة عن إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين لكم تذكرة ( وتعيها أذن واعية ) أي تحفظها بعد سماعها أذن حافظة لما سمعت قال الزجاج يقال أوعيت كذا أي حفظته في نفسي أعيه وعيا ووعيت العلم ووعيت ما قلته كله بمعنى وأوعيت المتاع في الوعاء ويقال لكل ما وعيته في غير نفسك أوعيته بالألف ولما حفظته في نفسك وعيته بغير ألف قال قتادة في تفسير هذه الاية أذن سمعت وعقلت ما سمعت قال الفراء المعنى لتحفظها كل اذن عظة لمن يأتي بعد قرأ الجمهور تعيها بكسر العين وقرأ طلحة بن مصرف وحميد الأعرج وأبو عمرو في رواية عنه بإسكان العين تشبيها لهذه الكلمة برحم وشهد وإن لكن يكن من ذلك قال الرازي وروى عن أبن كثير إسكان العين جعل حرف المضارعة مع ما بعده بمنزلة كلمة واحدة فخفف وأسكن كما أسكن الحرف المتوسط من فخذ وكبد وكتف انتهى والأولى أن يكون هذا من باب إجراء الوصل مجرى الوقف كما في قراءة من قرأ وما يشعركم بسكون الراء قال القرطبي واختلفت القراءة فيها عن عاصم وأبن كثير يعني تعيها
الحاقة : ( 13 ) فإذا نفخ في . . . . .
( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ) هذا شروع في بيان الحاقة وكيف وقوعها بعد بيان شانها بإهلاك المكذبين قال عطاء يريد النفخة الأولى وقال الكلبي ومقاتل يريد النفخة الأخيرة قرأ الجمهور ط نفخة 4 واحدة بالرفع فيهما على أن نفخة مرتفعة على النيابة وواحدة تأكيد لها وحسن تذكير الفعل لوقوع الفصل وقرا أبو السماك بنصبهما على أن النائب هو الجار والمجرور قال الزجاج قوله ( في الصور ) يقوم مقام ما لم يسم فاعله
الحاقة : ( 14 ) وحملت الأرض والجبال . . . . .
( وحملت الأرض والجبال ) أي رفعت من أماكنها وقلعت عن مقارها بالقدرة الإلهية قرأ الجمهور حملت بتخفيف الميم وقرا الأعمش وأبن أبي عبلة وأبن مقسم وأبن عامر في رواية عنه بتشديدها للتكثير أو للتعدية ( فدكتا دكة واحدة ) أي فكسرتا كسرة واحدة لا زيادة عليها أو ضربتا ضربة واحدة بعضهما ببعض حتى صارتا كثيبا مهيلا وهباء منبثا قال الفراء ولم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة ومثله قوله تعالى أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وقيل دكتا بسطة واحدة ومنه أندك سنام البعير إذا انفرش على ظهره
الحاقة : ( 15 ) فيومئذ وقعت الواقعة
( فيومئذ وقعت الواقعة ) أي قامت القيامة
الحاقة : ( 16 ) وانشقت السماء فهي . . . . .
( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ) أي انشقت بنزول ما فيها من الملائكة


"""""" صفحة رقم 282 """"""
فهي في ذلك اليوم ضعيفة مسترخية قال الزجاج يقال لكل ما ضعف جدا وقد وهى فهو واه وقال الفراء
الحاقة : ( 17 ) والملك على أرجائها . . . . .
وهيها تشققها ( والملك على أرجائها ) أي جنس الملك على أطرافها وجوانبها وهي جمع رجى مقصور وتثنيتة رجوان مثل قفا وقفوان والمعنى أنها لما تشققت السماء وهي مساكنهم لجؤوا إلى أطرافها قال الضحاك إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت وتكون الملائكة على حافاتها حتى يأمرهم الرب فينزلون إلى الأرض ويحيطون بالأرض ومن عليها وقال سعيد بن جبير المعنى والملك على حافات الدنيا أي ينزلون إلى الأرض وقيل إذا صارت السماء قطعا يقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) أي يحمله فوق رؤوسهم يوم القيامة ثمانية أملاك وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله عز وجل وقيل ثمانية اجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة قاله الكلبي وغيره
الحاقة : ( 18 ) يومئذ تعرضون لا . . . . .
( يومئذ تعرضون ) أي تعرض العباد على الله لحسابهم ومثله وعرضوا على ربك صفا وليس ذلك العرض عليه وسبحانه ليعلم به ما لم يكن عالما به وإنما هو عرض الاختبار والتوبيخ بالأعمال وجملة ( لا تخفى منكم خافية ) في محل نصب على الحال من ضمير تعرضون أي تعرضون حال كونه لا يخفى على الله سبحانه من ذواتكم أو أقوالكم وأفعالكم خافية كائنة ما كانت والتقدير أي نفس خافية أو فعلة خافية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس قال ( الحاقة ) من أسماء القيامة واخرج الفريابي وعبد أبن حميد وأبن جرير عنه قال ما أرسل الله شيئا من ريح إلا بمكيال ولا قطرة من ماء إلا بمكيال إلا يوم نوح ويوم وعاد فأما يوم نوح فإن الماء طغى على خزانه فلم يكن لهم عليه سبيل ثم قرأ إنا لما طغى الماء وأما يوم عاد فإن الريح عتت على خزائنها فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ ( بريح صرصر عاتية ) وأخرج أبن جرير عن علي بن أبي طالب نحوه واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبن عباس عن النبي صلى الله عليه وإله وسلم قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وأخرج أبن أبي حاتم عن ابن عمر مرفوعا قال ما أمر الخزان على عاد إلا مثل موضع الخاتم من الريح فعتت على الخزان فخرجت من نواحي الأبواب فذلك قوله ( بريح صرصر عاتية ) قال عتوها عتت على الخزان وأخرج أبن المنذر وابن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( بريح صرصر عاتية ) قال الغالب وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر والطبراني والحاكم وصححه عن أبن مسعود في قوله ( حسوما ) قال متتابعات واخرج عبد بن حميد وابن جرير من طرق عن ابن عباس في قوله 0 حسوما ) قال تباعا وفي لفظ متتابعات واخرج أبن المنذر عنه ( كأنهم أعجاز نخل ) قال هي أصولها وفي قوله ( خاوية ) قال خربة وأخرج سعيد بن منصور وأبن المنذر عنه أيضا في قوله 0 إنا لما طغى الماء ) قال طغى على خزانه فنزل ولم ينزل من السماء ماء إلا بمكيال أو ميزان لا زمن نوح فإنه طغى على خزانه فنزل بغير كيل ولا وزن وأخرج سعيد بن منصور وأبن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق مكحول عن علي بن أبي طالب في قوله وتعيها اذن واعية قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي فقال علي ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم شيئا فنسيته قال أبن كثير وهو حديث مرسل واخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وأبن عساكر وأبن النجار عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم لعلى إن الله أمرني أن أدنيك ولا أفضيك وأن أعلمك وأن تعي وحق لك أن تعي فنزلت هذه الآية ( وتعيها اذن واعية ) فأنت أذن واعية لعلى قال ابن كثير ولا يصح واخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عن ابن عمر في قوله ( أذن واعية ) قال


"""""" صفحة رقم 283 """"""
أذن عقلت عن الله واخرج الحاكم والبيهقي في البعث عن أبي بن كعب في قوله ( وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ) قال تصيران غبره على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين وذلك قوله وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة واخرج أبن أبي حاتم عن ابن عباس ( فهي يومئذ واهية ) قال متخرقة وأخرج الفريابي وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه في قوله ( والملك على أرجائها ) قال على حافاتها على مالم يهيء منها وأخرج عبد بن حميد وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية وأبو يعلي وأبن المنذر وأبن خزيمة والحاكم وصححه ابن مردويه والخطيب في ( تالي التلخيص ) عنه أيضا في قوله ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) قال ثمانية أملاك على صورة الأوعال وأخرج أبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا من طرق في الآية قال يقال ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله ويقال ثمانية أملاك رؤوسهم عند العرش في السماء السابعة واقدامهم في الأرض السفلى ولهم قرون كفرون الوعلة ما بين أصل قرن احدهم إلى منتهاه خمسمائة عام واخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجه وأبن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتات فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعند ذلك تطاير الصحف في الأبدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ) وأخرج أبن جرير والبيهقي في البعث عن أبن مسعود نحوه
سورة الحاقة ( 19 52 )


"""""" صفحة رقم 284 """"""
الحاقة : ( 19 ) فأما من أوتي . . . . .
لما ذكر سبحانه الغرض ذكر ما يكون فيه فقال ( فأما من أوتى كتابه بيمينه ) أي أعطى كتابه الذي كتبته الحفظه عليه من أعماله ( فيقول هاؤم أقرءوا كتابيه ) يقول ذلك سرورا وابتهاجا قال أبن السكيت والكسائي العرب تقول ها يارجل واللاثنين هاؤما يا رجلان وللجمع هاؤم يا رجال قيل والأصل هاؤكم فأبدلت الهمزة من الكاف قال أبن زيد ومعنى هاؤم تعالوا وقال مقاتل هلم وقيل خذوا والذي صرح به النحاة أنها بمعنى خذ يقول ها بمعنى خذ وهاؤما بمعنى خذا وهاؤم بمعنى خذوا . فهي أسم فعل وقد يكون فعلا صريحا لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة بها وفيها ثلاث لغات كما هو معروف في علم الإعراب وقوله ط كتابيه معمول لقوله أقرؤوا لأنه أقرب الفعلين ومعمول ط هاؤم محذوف يدل عليه معمول أقرءوا والتقدير هاؤم كتابيه واقرؤوا كتابيه والهاء في كتابيه وحسابيه وسلطاني وماليه هي هاء السكت قرأ الجمهور في هذه بإثبات الهاء وقفا ووصلا مطابقة لرسم المصحف ولولا ذلك لحذفت في الوصل كما هو شأن هاذ السكت واختار أبو عبيد أن يعتمد الوقف عليها ليوافق اللغة في إلحاق الهاء في السكت ويوافق الخط يعني خط المصحف وقرأ أبن محيصن وأبن أبي إسحاق وحميد ومجاهد والأعمش ويعقوب بحذفها وصلا وإثباتها وقفا في جميع هذه الألفاظ ورويت هذه القراءة عن حمزة واختار أبو حاتم هذه القراءة اتباعا للغة وروى عن أبن محيصن أنه قرأ بحذفها وصلاو وقفا
الحاقة : ( 20 ) إني ظننت أني . . . . .
( إني ظننت أني ملاق حسابيه ) أي علمت وأيقنت في الدنيا أني أحاسب في الاخرة وقيل المعنى إني ظننت إني أن ياخذني الله بسيئاتي فقد تفضل على بعفوه ولم يؤاخذني قال الضحاك كل ظن في القرآن فهو يقين ومن الكافر فهو شك قال مجاهد ظن الآخرة يقين وظن الدنيا شك قال الحسن في هذه الآية إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل للآخرة وإن الكافر أساء الظن بربه فأساء العمل قيل والتعبير بالظن هنا للإشعار بأنه لا يقدح في الإعتقاد ما يهجس في النفس من الخطرات التي لا تنفك عنها العلوم النظرية غالبا
الحاقة : ( 21 ) فهو في عيشة . . . . .
( فهو في عيشة راضية ) أي في عيشة مرضية رولا مكروهة أو ذات رضى أي يرضى لها صاحبها قال أبو عبيدة والفراء أراضية أي مرضية كقوله ماء دافق أي مدفوق فقد أسند إلى العيشة ما هو لصاحبها فكان ذلك من المجاز في الإسناد
الحاقة : ( 22 ) في جنة عالية
( في جنة عالية ) أي مرتفعة المكان لأنها في السماء أو مرتفعة المنازل أو عظيمة في النفوس
الحاقة : ( 23 ) قطوفها دانية
( قطوفها دانية ) القطوف جمع بكسر القاف ما قطف ما يقطف من الثمار والقطف بالفتح المصدر والقطاف بالفتح والكسر وقت القطف والمعنى أن ثمارها قريبة ممن يتناولها من قائم أو قاعد أو مضطجع
الحاقة : ( 24 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . .
( كلوا واشربوا ) أي يقال لهم كلوا وأشربوا في الجنة ( هنيئا ) أي أكلا وشربا هنيئا لا تكدير فيه ولا تنغيص ( بما أسلفتم في الأيام الخالية ) أي بسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة في الدنيا وقال مجاهد هي أيام الصيام
الحاقة : ( 25 ) وأما من أوتي . . . . .
( وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول ) حزنا وكربا لما رأى فيه من سيئاته ( يا ليتني لم اوت كتابيه ) أي لم أعط كتابيه
الحاقة : ( 26 - 27 ) ولم أدر ما . . . . .
( ولم أدر ما حسابيه ) أي لم ادر أي شيء حسابي لأن كله عليه ( يا ليتها كانت القاضية ) أي ليت الموتة التي منها كانت القاضية ولم أحي بعدها ومعنى القاضية القاطعة للحياة والمعنى أنه تمنى دوام الموت وعدم البعث لما شاهد من سوء عمله وما يصير إليه من العذاب فالضمير في ليتها يعود إلى الموتة التي قد كان ماتها وإن لم تكن مذكورة لأنها لظهورها كانت كالمذكورة قال قتادة تمنى


"""""" صفحة رقم 285 """"""
لموت ولم يكن في الدنيا شيء عنده أكره منه وشر من الموت ما يطلب منه الموت وقيل الضمير يعود إلى الحالة التي شاهدها عند مطالعة الكتاب والمعنى يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضيت على
الحاقة : ( 28 ) ما أغنى عني . . . . .
( ما أغنى عني ماليه ) أي لم يدفع عني من عذاب الله شيئا على أن ما نافية أو استفهامية والمعنى أي شيء أغنى عني ماليه
الحاقة : ( 29 ) هلك عني سلطانيه
( هلك عني سلطانيه ) اي هلكت عني حجتي وضلت عني كذا قال مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك وقال أبن زيد يعني سلطانيه الذي في الدنيا وهو الملك وقيل تسلطي على جوارحي قال مقاتل يعني حين شهدت عليه الجوارح بالشرك وحينئذ يقول الله عز وجل
الحاقة : ( 30 ) خذوه فغلوه
( خذوه فغلوه ) أي اجمعوا يده إلى عنقه بالأغلال
الحاقة : ( 31 ) ثم الجحيم صلوه
( ثم صلوه ) أي ادخلوه الجحيم والمعنى لا تصلوه إلا الجحيم وهي النار العظيمة
الحاقة : ( 32 ) ثم في سلسلة . . . . .
( ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) السلسلة حلق منتظمة وذرعها طولها قال الحسن الله أعلم بأي ذراع هو قال نوف الشامي كل ذراع سبعون باعا كل باع أبعد مما بينك وبين مكه وكان نوف في رحبة الكوفة قال مقاتل لو أن حلقة منها وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص ومعنى فاسلكوه فاجعلوه فيها يقال سلكته الطريق إذا ادخلته فيه قال سفيان بلغنا أنها تدخل في دبره حتى تخرج من فيه وقال الكلبي تسلك سلك الخيط في اللؤلؤ وقال سويد بن أبي نجيح بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة وتقديم السلسلة للدلالة على الاختصاص كتقديم الجحيم
الحاقة : ( 33 ) إنه كان لا . . . . .
وجملة ( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ) تعليل لما قبلها
الحاقة : ( 34 ) ولا يحض على . . . . .
( ولا يحض على طعام المسكين ) أي لا يحث على إطعام المسكين من ماله أو لا يحث الغير على إطعامه ووضع الطعام موضع الإطعام كما يوضع العطاء موضع الإعطاء كما قال الشاعر أكفرا بعد رد موتي عني
وبعد عطائك المال الرعابا
أي بعد إعطائك ويجوز أن يكون الطعام على معناه غير موضع المصدر والمعنى أنه لا يحث نفسه أو غيره على بذل نفس طعام المسكبن وفي جعل هذا قرينا لترك الإيمان بالله من الترغيب في التصدق على المساكين وسد فاقتهم وحث النفس والناس على ذلك ما يدل أبلغ دلالة ويفيد أكمل فائدة على أن منعهم من أعظم الجرائم وأشد المآثم
الحاقة : ( 35 ) فليس له اليوم . . . . .
( فليس له اليوم ها هنا حميم ) أي ليس له يوم القيامة في الآخرة قريب ينفعه أو يشفع له لأنه يوم يفر فيه القريب من قريبه ويهرب عنده الحبيب من حبيبه
الحاقة : ( 36 ) ولا طعام إلا . . . . .
( لا طعام إلا من غسلين ) أي وليس له طعام يأكله إلا من صديد أهل النار وما ينغسل من أبدانهم من القيح والصديد وغسلين فعلين من الغسل وقال الضحاك والربيع بن أنس هو شجر يأكله اهل النار وقال قتادة هو شر الطعام وقال ابن زيد لا يعلم ما هو ولا ما الزقوم إلا الله تعالى وقال سبحانه في موضع آخر ليس لهم طعام إلا من ضريع فيجوز أن يكون الضريع هو الغسلين وقيل في الكلام تقديم وتأخير والمعنى فليس له اليوم ها هنا حميم إلا من غسلين على أن الحميم هو الماء الحار ( ولا طعام ) أي ليس لهم طعام يأكلونه ولا ملجئ لهذا التقديم والتأخير
الحاقة : ( 37 ) لا يأكله إلا . . . . .
وجملة ( لا يأكله إلا الخاطئون ) صفة الغسلين والمراد أصحاب الخطايا وأرباب الذنوب قال الكلبي المراد الشرك قرأ الجمهور الخاطؤون مهموزا وهو اسم فاعل من خطئ إذا فعل غير الصواب متعمدا والمخطئ من يفعله غير متعمد وقرأ الزهري وطلحة بن مصرف والحسن والخاطيون بياء مضمومه بدل الهمزة وقرا نافع في رواية عنه بضم الطاء بدون همزة
الحاقة : ( 38 - 39 ) فلا أقسم بما . . . . .
( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ) هذا رد لكلام المشركين كأنه قال ليس الأمر كما تقولون ولا زائدة والتقدير فأقسم بما تشاهدونه وما لا تشاهدونه قال قتادة أقسم بالأشياء كلها ما يبصر منها وما لم يبصر فيدخل في هذا جميع المخلوقات وقيل إن لا ليست زائدة بل هي لنفي القسم


"""""" صفحة رقم 286 """"""
الحاقة : ( 40 ) إنه لقول رسول . . . . .
لا احتاج إلى قسم لوضوح الحق في ذلك الأول أولى ( إنه لقول رسول كريم ) أي إن القرآن لتلاوة رسول كريم على أن المراد بالرسول محمد صلى الله عليه وإله وسلم أو إنه لقول يبلغه رسول كريم قال الحسن والكلبي ومقاتل يريد به جبريل دليله قوله ( إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين ) وعلى كل حال فالقرآن ليس من قول محمد صلى الله عليه وإله وسلم ولا من قول جبريل عليه السلام بل هو قول الله فلا بد من تقدير التلاوة أو التبليغ
الحاقة : ( 41 ) وما هو بقول . . . . .
( وما هو بقول شاعر ) كما تزعمون لأنه ليس من اصناف الشعر ولا مشابه لها ( قليلا ما تؤمنون ) أي إيمانا قليلا تؤمنون وتصديقا يسيرا تصدقون وما زائدة
الحاقة : ( 42 ) ولا بقول كاهن . . . . .
( ولا بقول كاهن ) كما تزعمون فإن الكهانة آمر آخر لا جامع بينها وبين هذا ( قليلا ما تذكرون ) أي تذكرا قليلا أو زمانا قليلا تتذكرون وما زائدة والقلة في الموضعين بمعنى النفي أي لا تؤمنون ولا تتذكرون أصلا
الحاقة : ( 43 ) تنزيل من رب . . . . .
( تنزيل من رب العالمين ) قرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو تنزيل وقرا أبو السماك بالنصب على المصدرية بإضمار فعل أي نزل تنزيلا والمعنى إنه لقول رسول كريم وهو تنزيل من رب العالمين على لسانه
الحاقة : ( 44 ) ولو تقول علينا . . . . .
( ولو تقول علينا بعض الأقاويل ) أي ولو تقول ذلك الرسول وهو محمد أو جبريل على ما تقدم والتقول تكلف القول والمعنى لو تكلف ذلك وجاء به من جهة نفسه وسمى الافتراء تقولا لأنه قول متكلف وكل كاذب يتكلف ما يكذب به قرأ الجمهور تقول مبنيا للفاعل وقرئ مبنيا للمفعول مع رفع بعض وقرأ أبن ذكوان ولو يقول على صيغة المضارع والأقاويل جمع أقوال والأقوال جمع قول
الحاقة : ( 45 ) لأخذنا منه باليمين
( لأخذنا منه باليمين ) أي بيده اليمين قال أبن جرير إن هذا الكلام خرج مخرج الإذلال على عادة الناس في الأخذ بيد من يعاقب وقال الفراء والمبرد والزجاج وأبن قتيبة لأخذنا منه باليمين أي بالقوة والقدرة قال أبن قتيبة وإنما أقام اليمين مقام القوة لأن قوة كل شيء في ميامنه ومن هذا قول الشاعر إذا ما راية نصبت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
وقول الآخر ولما رأيت الشمس أشرق نورها
تناولت منها حاجتي بيميني
الحاقة : ( 46 ) ثم لقطعنا منه . . . . .
( ثم لقطعنا منه الوتين ) الوتين عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب وهو تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه قال الواحدي والمفسرون يقولون إنه نياط القلب انتهى ومن هذا قول الشاعر إذا بلغتني وحملت رحلى
عرابة فأشرقى بدم الوتين
الحاقة : ( 47 ) فما منكم من . . . . .
( فما منكم من أحد عنه حاجزين ) أي ليس منكم أحد يحجزنا عنه ويدفعنا منه فكيف يتكلف الكذب على الله لأجلكم مع علمه أنه لو تكلف ذلك لعاقبناه ولا تقدرون على الدفع عنه منه والحجز المنع ( وحاجزين ) صفة لأحد أو خبر لما الحجازية
الحاقة : ( 48 ) وإنه لتذكرة للمتقين
وإنه لتذكرة للمتقين أي إن القرآن لتذكرة لأهل التقوى لأنهم المنتفعون به
الحاقة : ( 49 ) وإنا لنعلم أن . . . . .
(وإنا لنعمل أن منكم مكذبين ) أي أن بعضكم يكذب بالقرآن فنحن نجازيهم على ذلك وفي هذا وعيد شديد
الحاقة : ( 50 ) وإنه لحسرة على . . . . .
( وإنه لحسرة على الكافرين ) أي وإن القرآن لحسرة وندامة على الكافرين يوم القيامة عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين وقيل هي حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحديهم بأن يأتوا بسورة من مثله
الحاقة : ( 51 ) وإنه لحق اليقين
( وإنه لحق اليقين ) أي وإن القرآن لكونه من عند الله حق فلا يحول حوله ريب ولا يتطرق إليه الشك
الحاقة : ( 52 ) فسبح باسم ربك . . . . .
( فسبح باسم ربك العظيم ) أي نزهه عما لا يليق به وقيل فصل لربك والأول أولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير عن ابن عباس في قوله ( إني ظننت ) قال أيقنت واخرج سعيد بن منصور وأبن


"""""" صفحة رقم 287 """"""
أبي حاتم عن البراء بن عازب ( قطوفها دانية ) قال قريبة واخرج أبن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبن المنذر عن البراء في الآية قال يتناول الرجل من فواكهها وهو قائم وأخرج أبن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله ( فاسلكوه ) قال السلسلة تدخل في أسته ثم تخرج من فيه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود ثم يشوى واخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وأبن المنذر عن أبي الدرداء قال إن الله سلسلة لم تزل تغلي منها مراحل النار منذ خلق الله جهنم إلى يوم تلقى في أعناق الناس وقد نجانا الله من نصفها بإيماننا بالله العظيم فحضي على طعام المسكين يا أم الدرداء وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال الغسلين الدم والماء والصديد الذي يسيل من لحومهم وأخرج الحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري 4 عن النبي صلى الله عليه وإله وسلم قال لو أن دلوا من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا وأخرج أبن المنذر عن أبن عباس قال الغسلين اسم طعام من أطعمة أهل النار واخرج أبن جرير عنه ( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ) يقول بما ترون وما لا ترون واخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( لأخذنا منه باليمين ) قال بقدرة واخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عنه قال 0 الوتين ) عرق القلب واخرج الفريابي وسعيد ابن منصور وعبد بن حميد وأبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عنه أيضا قال ( الوتين ) نياط القلب واخرج أبن المنذر والحاكم وصححه عنه أيضا فال هو حبل القلب الذي في الظهر
ع70
تفسير
سورة سأل سائل ويقال سورة المعارج
هي أربع وأربعون آية
حول السورة
وهي مكية قال القرطبي باتفاق واخرج أبن الضريس والنحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة سأل بمكة واخرج أبن مردويه عن أبن الزبير مثله
سورة المعارج ( 1 18 )


"""""" صفحة رقم 288 """"""
المعارج : ( 1 ) سأل سائل بعذاب . . . . .
قوله ( سأل سائل بعذاب واقع ) قرا الجمهور سأل بالهمزة وقرأ نافع وأبن عامر بغير همزة فمن همز فهو من السؤال وهي اللغة الفاشية وهو إما مضمن معنى الدعاء فلذلك عدى بالباء كما تقول دعوت لكذا والمعنى دعا داع على نفسه بعذاب واقع ويجوز أن يكون على أصله والباء بمعنى عن كقوله فاسئل به خبيرا ومن لم يهمز فهو أما من باب التخفيف بقلب الهمزة ألفا فيكون معناها معنى قراءة من همز أو يكون من السيلان والمعنى سال واد في جهنم يقال له سائل كما قال زيد بن ثابت ويؤيد قراءة أبن عباس سال سيل وقيل إن سال بمعنى التمس والمعنى ألتمس ملتمس عذابا للكفار فتكون الباء زائدة كقوله تنبت بالدهن والوجه الأول هو الظاهر وقال الأخفش يقال خرجنا نسال عن فلان وبفلان قال أبو علي الفارسي وإذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفصولين ويجوز الاقتصار على أحدهما ويتعدى إليه بحرف الجر وهذا السائل هو النضر بن الحارث حين قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم وهو ممن قتل يوم بدر صبرا وقيل هو أبو جهل وقيل هو الحارث بن النعمان الفهري والأول أولى لما سياتي وقرا أبي وابن مسعود سال سال مثل مال مال على أن الأصل سائل فحذفت العين تخفيفا كما قيل في شاك شائك السلاح وقيل السائل هو نوح عليه السلام سأل العذاب للكافرين وقيل هو رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم دعا بالعقاب عليهم وقوله ( بعذاب واقع ) يعني إما في الدنيا كيوم بدر أو في الآخرة
المعارج : ( 2 ) للكافرين ليس له . . . . .
وقوله ( للكافرين ) صفة اخرى لعذاب أي كائن للكافرين أو متعلق بواقع واللام للعلة أو يسأل على تضمينه معنى دعا أو في محل رفع على تقدير هو للكافرين أو تكون اللام بمعنى على ويؤيده قراءة أبي بعذاب واقع على الكافرين قال الفراء التقدير بعذاب للكافرين واقع بهم فالواقع من نعت العذاب وجملة ( ليس له دافع ) صفة أخرى لعذاب أو حال منه أو مستأنفة والمعنى أنه لا يدفع ذلك العذاب الواقع به أحد
المعارج : ( 3 ) من الله ذي . . . . .
وقوله ( من الله ) متعلق بواقع أي واقع من جهته سبحانه أو بدافع أي ليس له دافع من جهته تعالى ( ذي المعارج ) أي ذي الدرجات التي تصعد فيها الملائكة وقال الكلبي هي السموات وسماها معارج لأن الملائكة تعرج فيها وقيل المعارج مراتب نعم الله سبحانه على الخلق وقيل المعارج العظمة وقيل هي العرف وقرأ أبن مسعود ذي المعاريج بزيادة الياء يقال معارج ومعاريج مثل مفاتح ومفاتيح
المعارج : ( 4 ) تعرج الملائكة والروح . . . . .
( تعرج الملائكة والروح إليه ) أي تصعد في تلك المعارج التي جعلها الله لهم وقرأ الجمهور تعرج بالفوقية وقرأ أبن مسعود وأصحابه والكسائي والسلمي بالتحتية والروح جبريل إفرد بالذكر بعد الملائكة لشرفه ويؤيد هذا قوله نزل به الروح الأمين وقيل الروح هنا ملك آخر عظيم غير جبريل وقال أبو صالح إنه خلق من خلق الله سبحانه كهيئة الناس وليسوا من الناس وقال قبيصة بن ذؤيب إنه روح الميت حين تقبض والأول أولى ومعنى إليه أي إلى المكان الذي ينتهون إليه وقيل إلى عرشه وقيل هو كقول إبراهيم إني ذاهب إلى ربي أي إلى حيث أمرني ربي ( في يوم كان مقدارة خمسين ألف سنة ) قال أبن إسحاق والكلبي ووهب بن منبه أي عرج الملائكة إلى المكان الذى هو محلها في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة وبه قال مجاهد وقال عكرمة وروى عن مجاهد أن مدة عمر الدنيا هذا المقدار لا يدري أحد كم مضى ولا كم بقي ولا يعلم ذلك إلا الله وقال قتادة والكلبي ومحمد بن كعب إن المراد يوم القيامة يعني أن مقدار الأمر فيه لو تولاه غيره سبحانه خمسون ألف سنة وهو سبحانه يفرغ منه في ساعة وقيل أن مدة موقف العباد للحساب هي هذا المقدار ثم يستقر بعد ذلك أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وقيل إن مقدار يوم القيامة على الكافرين


"""""" صفحة رقم 289 """"""
خمسون ألف سنة وعلى المؤمنين مقدار ما بين الظهر والعصر وقيل ذكر هذا المقدار لمجرد التمثيل والتخييل لغاية ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها أو لطول يوم القيامة باعتبار ما فيه من الشدائد والمكاره كما تصف العرب أيام الشدة بالطول وأيام الفرح بالقصر ويشبهون اليوم القصير بابهام القطاة والطويل بظل الرمح ومنه قول الشاعر ويوم كظل الرمح قصر طوله
دم الزق عنا واصطفاف المزاهر
وقيل في الكلام تقديم وتأخير أي ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه وقد قدمنا الجمع بين هذه الآية وبين قوله في سورة السجدة في يوم كان مقداره ألف سنة فارجع إليه وقد قيل في الجمع إن من أسفل العالم إلى العرش خمسين الف سنة ومن أعلى سماء الدنيا إلى الأرض ألف سنة لأن غلظ كل سماء خمسمائة عام وما بين اسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة عام فالمعنى أن الملائكة إذا عرجت من اسفل العالم إلى العرش كان مسافة ذلك خمسين ألف سنة وإن عرجوا من هذه الأرض التي نحن فيها إلى باطن هذه السماء التي هي سماء الدنيا كان مسافة ذلك الف سنة وسيأتي في آخر البحث ما يؤيد هذا عن أبن عباس
المعارج : ( 5 ) فاصبر صبرا جميلا
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وإله وسلم بالصبر فقال ( فاصبر صبرا جميلا ) أي اصبر يا محمد على تكذيبهم لك وكفرهم بما جئت به صبرا جميلا لا جزع فيه ولا شكوى إلى غير الله وهذا معنى الصبر الجميل وقيل هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدري بأنه مصاب قال أبن زيد وغيره هي منسوخة بآية السيف
المعارج : ( 6 ) إنهم يرونه بعيدا
( إنهم يرونه بعيدا ) أي يرون العذاب الواقع بهم أو يرون يوم القيامة بعيدا أي غير كائن لأنهم لا يؤمنون به فمعنى بعيدا أي مستبعدا محالا وليس المراد أنهم يرونه بعيدا غير قريب قال الأعمش يرون البعث بعيدا لأنهم لا يؤمنون به كأنهم يستبعدونه على جهة الاستحالة كما تقول لمن تناظره هذا بعيد أي لا يكون
المعارج : ( 7 ) ونراه قريبا
( ونراه قريبا ) أي نعلمه كائنا قريبا لأن ما هو آت قريب وقيل المعنى ونراه هينا في قدرتنا غير متعسر ولا متعذر والجملة تعليل للأمر بالصبر
المعارج : ( 8 ) يوم تكون السماء . . . . .
ثم أخبر سبحانه متى يقع بهم العذاب فقال ( يوم تكون السماء كالمهل ) والظرف متعلق بمضمر دل عليه واقع أو بدل من قوله ( في يوم ) على تقدير تعلقه بواقع أو متعلق بقريبا أو مقدر بعده أي يوم تكون الخ كان كيت وكيت أو بدل من الضمير في نراه والأول أولى والتقدير يقع بهم العذاب ( يوم تكون السماء كالمهل ) والمهل ما إذيت من النحاس والرصاص والفضة وقال مجاهد هو القيح من الصديد والدم وقال عكرمة وغيره هو دردى الزيت وقد تقدم تفسيره في سورة الكهف والدخان
المعارج : ( 9 ) وتكون الجبال كالعهن
( وتكون الجبال كالعهن ) أي كالصوف المصبوغ ولا يقال للصوف عهن إلإ إذا كان مصبوغا قال الحسن تكون الجبال كالعهن وهو الصوف الأحمر وهو أضعف الصوف وقيل العهن الصوف ذو الألوان فشبه الجبال به في تكونها ألوانا كما في قوله جدد بيض وحمر وغرابيب فإذا بست وطيرت في الهواء اشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح
المعارج : ( 10 ) ولا يسأل حميم . . . . .
( ولا يسأل حميم حميما ) أي لا يسأل قريب قريبه عن شأنه في ذلك اليوم لما نزل بهم من شدة الأهوال التي أذهلت القريب عن قريبه والخليل عن خليله كما قال سبحانه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وقيل المعنى لا يسأل حميم عن حميم فحذف الحرف ووصل الفعل قرأ الجمهور لا يسأل مبنيا للفاعل قيل والمفعول الثاني محذوف والتقدير لا يسأله نصره ولا شفاعته وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وشيبة وأبن كثير في رواية عنه على البناء للمفعول وروى هذه القراءة البزي عن عاصم والمعنى لا يسأل حميم إحضار حميمه وقيل هذه القراءة على إسقاط حرف الجر أي لا يسأل حميم عن حميم بل كل إنسان يسأل عن نفسه وعن عمله
المعارج : ( 11 ) يبصرونهم يود المجرم . . . . .
وجملة ( يبصرونهم ) مستأنفة أو صفة لقوله ( حميما ) أي يبصر كل حميم


"""""" صفحة رقم 290 """"""
حميمه لا يخفى منهم أحد عن أحد وليس في القيامة مخلوق وإلا وهو نصب عين صاحبه ولا يتساءلون ولا يكلم بعضهم بعضا لاشتغال كل أحد منهم بنفسه وقال ابن زيد يبصر الله الكفار في النار الذين أضلوهم في الدنيا وهم الرؤساء المتبوعون وقيل أن قوله ( يبصرونهم ) يرجع إلى الملائكة أي يعرفون أحوال الناس لا يخفون عليهم وإنما جمع الضمير في يبصرونهم وهما للحميمين حملا على معنى العموم لأنهما نكرتان في سياق النفي قرأ الجمهور يبصرونهم بالتشديد وقرأ قتادة بالتخفيف ثم ابتدأ سبحانه الكلام فقال ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ) المراد بالمجرم الكافر أو كل مذنب ذنبا يستحق به النار لو يفتدي من عذاب يوم القيامة الذي نزل به ( ببنيه
المعارج : ( 12 ) وصاحبته وأخيه
(وصاحبته واخيه ) فإن هؤلاء أعز الناس عليه أكرمهم لديه فلو قبل منه الفداء لفدى بهم نفسه وخلص مما نزل من العذاب والجملة مستأنفة لبيان أن اشتغال كل محرم بنفسه بلغ إلى حد يود الافتداء من العذاب بمن ذكر قرا الجمهور ( من عذاب يومئذ ) بإضافة عذاب إلى يومئذ وقرأ أبو حيوة بتنوين عذاب وقطع الإضافة وقرأ الجمهور يومئذ بكسر الميم وقرأ نافع والكسائي والأعرج وابو حيوة بفتحها
المعارج : ( 13 ) وفصيلته التي تؤويه
( وفصيلته التي تؤويه ) أي عشيرته الأقربين الذين يضمونه في النسب أو عند الشدائد ويأوي إليهم قال أبو عبيد الفصيلة دون القبيلة وقال ثعلب هم آباؤهم الأدنون قال المبرد الفصيلة القطعة من أعضاء الجسد وسميت عشيرة الرجل فصيلة تشبيها لها بالبعض منه وقال مالك إن الفصيلة هي التي تربيه
المعارج : ( 14 ) ومن في الأرض . . . . .
( ومن في الأرض جميعا ) أي ويود المجرم لو افتدى بمن في الأرض جميعا من الثقلين وغيرهما من الخلائق وقوله ( ثم ينجيه ) معطوف على يفتدي أي يود لو يفتدي ثم ينجيه الافتداء وكان العطف بثم لدلالتها على استبعاد النجاة وقيل إن يود تقتضي جوابا كما في قوله ودوا لو تدهن فيدهنون والجواب ثم ينجيه والأول أولى
المعارج : ( 15 ) كلا إنها لظى
وقوله ( كلا ) ردع للمجرم عن تلك الودادة وبيان امتناع ما وده من الافتداء و كلا ياتي بمعنى حقا وبمعنى لا مع تضمنها لمعنى الزجر والردع والضمير في قوله ( إنها لظى ) عائد إلى النار المدلول عليها بذكر العذاب أو هو ضمير مبهم يفسره ما بعده ولظى علم لجهنم واشتقاقها من التلظي في النار وهو التلهب وقيل أصله لظظ بمعنى دوام العذاب فقلبت إحدى الظاءين ألفا وقيل لظى هي الدركة الثانية من طباق جهنم
المعارج : ( 16 ) نزاعة للشوى
( نزاعة للشوى ) قرأ الجمهور نزاعة بالرفع على أنه خبر ثان لإن أو خبر مبتدأ محذوف أو تكون لظى بدلا من الضمير المنصوب ونزاعة خبر أن أو على نزاعه صفة للظى على تقدير عدم كونها علما أو يكون الضمير في إنها للقصة ويكون لظى مبتدأ ونزاعة خبره والجملة خبر أن وقرأ حفص بن عاصم وأبو عمرو في رواية عنه وأبو حيوة والزعفراني والترمذي وأبن مقسم نزاعة بالنصب على الحال وقال أبو علي الفارسي حمله على الحال بعيدا لأنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال وقيل العامل فيها ما دل عليه الكلام من معنى التلظي أو النصب على الاختصاص والشوى الأطراف أو جمع شواه وهي جلدة الرأس ومنه قول الأعشى قالت قتيلة ماله
قد جللت شيبا شواته
وقال الحسن وثابت البناني نزاعة للشوى أي المكارم الوجه وحسنه وكذا قال أبو العالية وقتادة وقال قتادة تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك فيه شيئا وقال الكسائي هي المفاصل وقال أبو صالح هي اطراف اليدين والرجلين
المعارج : ( 17 ) تدعو من أدبر . . . . .
( تدعوا من أدبر ) أي تدعو لظى من أدبر عن الحق في الدنيا ( وتولى ) أي أعرض عنه
المعارج : ( 18 ) وجمع فأوعى
( وجمع فأوعى ) أي جمع المال فجعله في وعاء قيل إنها تقول إلى يا مشرك إلي يا منافق وقيل معنى تدعوا تهلك تقول العرب دعاك الله أي أهلكك وقيل ليس هو الدعاء باللسان ولكن دعاؤها إياهم تمكنها من


"""""" صفحة رقم 291 """"""
عذابهم وقيل المراد أن خزنة جهنم تدعو الكافرين والمنافقين فأسند الدعاء إلى النار من باب إسناد ما هو للحال إلى المحل وقيل هو تمثيل وتخييل ولا دعاء في الحقيقة والمعنى أن مصيرهم إليها كما قال الشاعر ولقد هبطنا الواد بين قوادنا
ندعو الأنيس به الغصيص الأبكم
والغصيص الأبكم الذباب وهي لا تدعو وفي هذا ذم لمن جمع المال فأوعاه وكنزه ولم ينفقه في سبل الخير أو لم يؤد زكاته
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد والنسائي وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبن مردويه عن ابن عباس في قوله 0 سأل سائل ) قال هو النضر بن الحرث قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء وفي قوله 0 بعذاب واقع ) قال كائن ( للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج ) قال ذي الدرجات وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عنه في قوله 0 سأل سائل ) قال سال واد في جهنم وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( ذي المعارج ) قال ذي العلو والفواضل وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق سبع سموات مقدار خمسين ألف سنة ويوم كان مقداره ألف سنة قال يعني بذلك ينزل الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد فذلك مقدار ألف سنة لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام واخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا قال غلظ كل أرض خمسمائة عام وغلظ كل سماء خمسمائة عام وبين كل أرض إلى أرض خمسمائة عام ومن السماء إلى السماء خمسمائة عام فذلك أربعة عشر ألف عام وبين السماء السابعة وبين العرش مسيرة ستة وثلاثين ألف عام فذلك قوله ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) وأخرج أبن جرير وأبن المنذر والبيهقي في البعث عنه أيضا في قوله في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون قال هذا في الدنيا تعرج الملائكة في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون وفي قوله ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) فهذا يوم القيامة جعله الله على الكافر مقدار خمسين ألف سنة وأخرج أبن أبي حاتم والبيهقي عنه أيضا في قوله ( في يوم كان مقداره خمسين الف سنة ) قال لو قدرتموه لكان خمسين ألف سنة من أيامكم قال يعني يوم القيامة وقد قدمنا عن أبن عباس الوقف في الجمع بين الآيتين في سورة السجدة وأخرج أحمد وأبو يعلي وأبن جرير وأبن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يوم كان يوم مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم فقال والذي نفس بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أهون عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا وفي إسناده دراج عن أبي الهيثم وهما ضعيفان وأخرج أبن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في البعث عن أبي هريرة مرفوعا قال ما قدر طول يوم القيامة على المؤمنين إلا كقدر ما بين الظهر إلى العصر وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبن عباس في قوله ( فاصبر صبرا جميلا ) قال لا تشكو إلى أحد غيري واخرج أحمد وعبد بن حميد وأبن المنذر والخطيب في المتفق والمفترق والضياء في المنحتارة عن ابن عباس في قوله ( يوم تكون السماء كالمهل ) قال كدردى الزيت وأخرج أبن جرير عنه قال ( يبصرونهم ) يعرف بعضهم بعضا ويتعارفون ثم يفر بعضهم من بعض وأخرج أبن جرير عنه أيضا في قوله ( نزاعة للشوى ) قال تنزع أم الرأس


"""""" صفحة رقم 292 """"""
سورة المعارج ( 19 39
المعارج : ( 19 ) إن الإنسان خلق . . . . .
قوله ( إن الإنسان خلق هلوعا ) قال في الصحاح الهلع في اللغة أشد الحرص وأسوا الجزع وأفحشه يقال هلع بالكسر فهو هلع وهلوع على التكثير وقال عكرمة هو الضجور قال الواحدي والمفسرون يقولون تفسيرا الهلع ما بعده يعني قوله ( إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا
المعارج : ( 20 - 21 ) إذا مسه الشر . . . . .
أي إذا أصابه الفقر والحاجة أوالمرض أو نحو ذلك فهو جزوع أي كثير الجزع وإذا أصابه الخير من الغنى والخصب والسعة ونحو ذلك فهو كثير المنع والإمساك وقال أبو عبيدة الهلوع هو الذي إذا مسه الخير لم يشكر وإذا مسه الشر لم يصبر قال ثعلب قد فسر الله الهلوع هو الذي أصابه الشر أظهر شدة الجزع وإذا أصابه الخير بخل به ومنعه الناس والعرب تقول ناقة هلوع وهلواع إذا كانت سريعة السير خفيضة ومنه قول الشاعر شكا ذعلبة إذا استدبرتها حرج إذا استقبلتها هلواع
والذعبلة الناقة السريعة وانتصاب هلوعا وجزوعا ومنوعا على أنها أحوال مقدرة أو محققة لكونها طبائع جبل الإنسان عليها والظرفان معمولان الجزوعا ومنوعا
المعارج : ( 22 ) إلا المصلين
( إلا المصلين ) أي المقيمين للصلاة وقيل المراد بهم أهل التوحيد يعني أنهم ليسوا على تلك الصفات من الهلع والجزع والمنع وأنهم على صفات محمودة وخلال مرضية لأن إيمانهم وما تمسكوا به من التوحيد ودين الحق يزجرهم عن الاتصاف بتلك الصفات ويحملهم على الاتصاف بصفات الخير
المعارج : ( 23 ) الذين هم على . . . . .
ثم بينهم سبحانه فقال ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) ألا لا يشغلهم عنها شاغل ولا يصرفهم عنها صارف وليس المراد بالدوام أنهم يصلون أبدا قال الزجاج هم الذين لا يزيلون وجوههم عن سمت القبلة وقال الحسن وأبن جريج هو التطوع منها قال النخعي المراد بالمصلين الذين يؤدون الصلاة المكتوبة وقيل الذين يصلونها لوقتها والمراد بالآية جميع المؤمنين وقيل الصحابة خاصة ولا وجه لهذا التخصيص لاتصاف كل مؤمن بأنه من المصلين
المعارج : ( 24 ) والذين في أموالهم . . . . .
( والذين في أموالهم حق معلوم ) قال قتادة ومحمد بن سيرين


"""""" صفحة رقم 293 """"""
لمراد الزكاة المفروضة وقال مجاهد سوى الزكاة وقيل صلة الرحم والظاهر أنه الزكاة لوصفه بكونه معلوما ولجعله قرينا للصلاة
المعارج : ( 25 ) للسائل والمحروم
وقد تقدم تفسير السائل والمحروم في سورة الذاريات مستوفى
المعارج : ( 26 ) والذين يصدقون بيوم . . . . .
) والذين يصدقون بيوم الدين ( أي بيوم الجزاء وهو يوم القيامة لا يشكون فيه ولا يجحدونه وقيل يصدقونه بأعمالهم فيتعبون أنفسهم في الطاعات
المعارج : ( 27 ) والذين هم من . . . . .
) والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ( أي خائفون وجلون مع ما لهم من أعمال الطاعة استحقارا لأعمالهم واعترافا بما يجب لله سبحانه عليهم
المعارج : ( 28 ) إن عذاب ربهم . . . . .
وجملة ) إن عذاب ربهم غير مأمون ( مقررة لمضمون ما قبلها مبينة أن ذلك مما لا ينبغي أن يأمنه أحد وأن حق كل أحد أن يخافه
المعارج : ( 29 - 31 ) والذين هم لفروجهم . . . . .
) والذين هم لفروجهم حافظون ( إلى قوله ) فأولئك هم العادون ( قد تقدم تفسيره في سورة المؤمنين مستوفى
المعارج : ( 32 ) والذين هم لأماناتهم . . . . .
) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ( أي لا يخلون بشيء من الأمانات التي يؤتمنون عليها ولا ينقضون شيئا من العهود التي يعقدونها على أنفسهم قرا الجمهور لأماناتهم بالجمع قرأ ابن كثير وابن محيصن لأمانتهم بالإفراد والمراد الجنس
المعارج : ( 33 ) والذين هم بشهاداتهم . . . . .
) والذين هم بشهاداتهم قائمون ( أي يقيمونها على من كانت عليه من قريب أو بعيد أو رفيع أو وضيع ولا يكتمونها ولا يغيرونها وقد تقدم القول في الشهادة في سورة البقرة قرأ الجمهور بشهادتهم بالإفراد وقرأ حفص ويعقوب وهي رواية عن ابن كثير بالجمع قال الواحدي والإفراد أولى لأنه مصدر ومن جمع ذهب إلى اختلاف الشهادات قال الفراء ويدل على قراءة التوحيد قوله تعالى وأقيموا الشهادة لله
المعارج : ( 34 ) والذين هم على . . . . .
) والذين هم على صلاتهم يحافظون ( أي على أذكارها وأركانها وشرائطها لا يخلون بشيء من ذلك قال قتادة على وضوئها وركوعها وسجودها وقال ابن جريج المراد التطوع وكرر ذكر الصلاة لاختلاف ما وصفهم به أولا وما وصفهم به ثانيا فإن معنى الدوام هو أن لا يشتغل عنها بشيء من الشواغل كما سلف ومعنى المحافظة أن يراعى الأمور التي لا تكون صلاة بدونها وقيل المراد يحافظون عليها بعد فعلها من أن يفعلوا ما يحبطها ويبطل ثوابها وكرر الموصولات للدلالة على أن كل وصف من تلك الأوصاف لجلالته يستحق أن يستقل بموصوف منفرد
المعارج : ( 35 ) أولئك في جنات . . . . .
والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى الموصوفين بتلك الصفات ) في جنات مكرمون ( أي مستقرون فيها مكرمون بأنواع الكرامات وخبر المبتدأ قوله ) في جنات ( وقوله ( مكرمون ) خبر آخر ويجوز أن يكون الخبر مكرمون وفي جنات متعلق به
المعارج : ( 36 ) فمال الذين كفروا . . . . .
) فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ( أ ي أي شيء لهم حواليك مسرعين قال الأخفش مهطعين مسرعين ومنه قول الشاعر بمكة أهلها ولقد أراهم
إليهم مهطعين إلى السماع
وقيل المعنى ما بالهم يسرعون إليك يجلسون حواليك ولا يعملون بما تأمرهم وقيل ما بالهم مسرعين إلى التكذيب وقيل ما بال الذين كفروا يسرعون إلى السماع إليك فيكذبونك ويستهزئون بك وقال الكلبي إن تعنى مهطعين ناظرين إليك وقال قتادة عامدين وقيل مسرعين إليك مادي أعناقهم مديمي النظر إليك
المعارج : ( 37 ) عن اليمين وعن . . . . .
(عن اليمين وعن الشمال عزين ) أي عن يمين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعن شماله جماعات متفرقة وعزين جمع عزة وهي العصبة من الناس ومنه قول الشاعر
ترانا عنده والليل داج على أبوابه حلقا عزينا قال الراعي
أخليفة الرحمن إن عشيرتي
أمسى سراتهم إليك عزينا قال عنترة وقرن قد تركت لدى ولى
عليه الطير كالعصب العزينا
وقيل أصلها عزوة من العزو كأن كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزى إليه الأخرى قال في الصحاح


"""""" صفحة رقم 294 """"""
والعزة الفرقة من الناس والهاء عوض من التاء والجمع عزى وعزون وقوله ) عن اليمين وعن الشمال ( متعلق بعزين أو بمهطعين
المعارج : ( 38 ) أيطمع كل امرئ . . . . .
) أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ( قال المفسرون كان المشركون يقولون لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلن قبلهم فنزلت الآية قرأ الجمهور ( أن يدخل ) مبنيا للمفعول وقرأ الحسن وزيد بن علي وطلحة بن مصرف والأعرج ويحيى بن يعمر وأبو رجاء وعاصم في رواية عنه على البناء للفاعل
المعارج : ( 39 ) كلا إنا خلقناهم . . . . .
ثم رد الله سبحانه عليهم فقال ) كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ( أي من القذر الذين يعلمون به فلا ينبغى لهم هذا التكبر وقيل المعنى إنا خلقناهم من أجل ما يعلمون وهو امتثال الأمر والنهي وتعريضهم للثواب والعقاب كما في قوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ومنه قول الأعشى ءأزمعت من آل ليلى ابتكارا
وشطت على ذي هوى أن يزارا 2
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال سئل ابن عباس عن الهلوع فقال هو كما قال الله ) إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ( وأخرج ابن المنذر عنه ( هلوعا ) قال الشره وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود ) الذين هم على صلاتهم دائمون ( قال على مواقيتها وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمران بن حصين ) الذين هم على صلاتهم دائمون ( قال الذي لا يلتفت في صلاته وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عقبة بن عامر ) الذين هم على صلاتهم دائمون ( قال هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا وأخرج ابن المنذر من طريق أخرى عنه نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ( قال ينظرون ) عن اليمين وعن الشمال عزين ( قال العصب من الناس عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به وأخرج مسلم وغيره عن جابر قال دخل علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المسجد ونحن حلق متفرقون فقال مالي أراكم عزين وأخرج أحمد وابن ماجة وابن سعد وابن أبي عاصم والباوردي وابن قانع والحاكم والبيهقي في الشعب والضياء عن بشر بن جحاش قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ( إلى قوله ) كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ( ثم بزق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على كفه ووضع عليها إصبعه وقال يقول الله ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أو أتى أوان الصدقة
سورة المعارج ( 40 44
المعارج : ( 40 ) فلا أقسم برب . . . . .
قوله ( فلا أقسم ) لا زائدة كما تقدم قريبا والمعنى فأقسم ( برب المشارق والمغارب ) يعنى مشرق كل يوم من أيام السنة ومغربه قرأ الجمهور المشارق والمغارب بالجمع وقرأ أبو حيوة وابن محيصن وحميد بالإفراد ) إنا لقادرون )
المعارج : ( 41 ) على أن نبدل . . . . .
(على أن نبدل خيرا منهم ( أي على أن نخلق أمثل منهم وأطوع لله حين عصوه ونهلك هؤلاء


"""""" صفحة رقم 295 """"""
) وما نحن بمسبوقين ( أي بمغلوبين إن أردنا ذلك بل نفعل ما أردنا لا يفوتنا شيء ولا يعجزنا أمر ولكن مشيئتنا وسابق علمنا اقتضيا تأخير عقوبة هؤلاء وعدم تبديلهم بخلق آخر
المعارج : ( 42 ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا . . . . .
) فذرهم يخوضوا ويلعبوا ( أي اتركهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم واشتغل بما أمرت به ولا يعظمن عليك ما هم فيه فليس عليك إلا البلاغ ) حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ( وهو يوم القيامة وهذه الآية منسوخة بآية السيف قرأ الجمهور يلاقوا وقرأ أبو جعفر وابن محيصن وحميد ومجاهد حتى يلقوا
المعارج : ( 43 ) يوم يخرجون من . . . . .
) يوم يخرجون من الأجداث سراعا ( يوم بدل من يومهم وسراعا منتصب على الحال من ضمير يخرجون قرأ الجمهور يخرجون على البناء للفاعل وقرا السلمي والأعمش والمغيرة وعاصم في رواية على البناء للمفعول والأجداث جمع جدث وهو القبر ) كأنهم إلى نصب يوفضون ( قرأ الجمهور نصب بفتح النون وسكون الصاد وقرأ ابن عامر وحفص بضم النون والصاد وقرأ عمرو بن ميمون وأبو رجاء بضم النون وإسكان الصاد قال في الصحاح والنصب ما نصب فعبد من دون الله وكذا النصب بالضم وقد يحرك قال الأعشى وذا النصب المنصوب لا تعبدنه
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
والجمع والأنصاب وقال الأخفش والفراء النصب جمع النصب مثل رهن ورهن والأنصاب جمع النصب فهو جمع الجمع وقيل النصب جمع نصاب وهو حجر أو صنم يذبح عليه ومنه قوله وما ذبح على النصب وقال النحاس نصب ونصب بمعنى واحد وقيل معنى ( إلى نصب ) إلى غاية وهي التي تنصب إليها بصرك وقال الكلبي إلى شيء منصوب علم أو راية أي كأنهم إلى علم يدعون إليه أو راية تنصب لهم يوفضون قال الحسن كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمس إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون الله لا يلوى أولهم على آخرهم وقال أبو عمرو النصب شبكة الصائد يسرع إليها عند وقوع الصيد فيها مخافة انفلاته ومعنى يوفضون يسرعون والإيفاض الإسراع يقال أوفض إيفاضا أي أسرع إسراعا ومنه قول الشاعر
فوارس ذبيان تحت الحديد كالجن يوفض من عبقر
وعبقر قرية من قرى الجن كما تزعم العرب ومنه قول لبيد كهول وشبان كجنة عبقر
المعارج : ( 44 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . .
وانتصاب ( خاشعة أبصارهم ) على الحال من ضمير يوفضون وأبصارهم مرتفعة به والخشوع الذلة والخضوع أي لا يرفعونها لما يتوقعونه من العذاب ( ترهقهم ذلة ) أي تغشاهم ذلة شديدة قال قتادة هي سواد الوجوه ومنه غلام مراهق إذا غشيه الاحتلام يقال رهقه بالكسر يرهقه رهقا أي غشيه ومثل هذا قوله ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما تقدم ذكره وهو مبتدأ وخبره ( اليوم الذي كانوا يوعدون ) أي الذي كانوا يوعدونه في الدنيا على ألسنة الرسل قد حاق بهم وحضر ووقع بهم من عذابه ما وعدهم الله به وإن كان مستقبلا فهو في حكم الذي قد وقع لتحقق وقوعه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فلا أقسم برب المشارق والمغارب ( قال للشمس كل يوم مطلع تطلع فيه ومغرب تغرب فيه غير مطلعها بالأمس وغير مغربها بالأمس وأخرج ابن جرير عنه ) إلى نصب يوفضون ( قال إلى علم يستبقون


"""""" صفحة رقم 296 """"""
ع71
تفسير
سورة نوح
هي تسع وعشرون آية أو ثمان وعشرون آية وهي مكية
حول السورة
وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال نزلت سورة ) إنا أرسلنا نوحا ( بمكة سورة نوح
( 1 20
نوح : ( 1 ) إنا أرسلنا نوحا . . . . .
قوله ) إنا أرسلنا نوحا إلى قومه ( قد تقدم أن نوحا أول رسول أرسله الله وهو نوح بن لامك بن متوشلخ ابن أخنوخ بن قينان بن شيث بن آدم وقد تقدم مدة لبثه في قومه وبيان جميع عمره وبيان السن التي أرسل وهو فيها في سورة العنكبوت ) أن أنذر قومك ( أي بأن أنذر على أنها مصدرية ويجوز أن تكون هي المفسرة لأن في الإرسال معنى القول وقرأ ابن مسعود أنذر بدون أن وذلك على تقدير القول أي انقلنا له أنذر ) من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ( أي عذاب شديد الألم وهو عذاب النار وقال الكلبي هو ما نزل بهم من


"""""" صفحة رقم 297 """"""
الطوفان
نوح : ( 2 ) قال يا قوم . . . . .
وجملة ) قال يا قوم إني لكم نذير مبين ( مستأنفة استئنافا بيانيا على تقدير سؤال كأنه قيل فماذا قال نوح فقال قال لهم الخ والمعنى إني لكم منذر من عقاب الله ومخوف لكم ومبين لما فيه نجاتكم
نوح : ( 3 ) أن اعبدوا الله . . . . .
) أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ( أن هي التفسيرية لنذير أو هي المصدرية أي بأن اعبدوا الله ولا تشركوا به غيره واتقوه أي اجتنبوا ما يوقعكم في عذابه وأطيعون فيما آمركم به فإني رسول إليكم من عند الله
نوح : ( 4 ) يغفر لكم من . . . . .
) يغفر لكم من ذنوبكم ( هذا جواب الأمر ومن للتبعيض أي بعض ذنوبكم وهو ما سلف منها قبل طاعة الرسول وإجابة دعوته وقال السدى المعنى يغفر لكم ذنوبكم فتكون من على هذا زائدة وقيل المراد بالبعض ما لا يتعلق بحقوق العباد وقيل هي لبيان الجنس وقيل يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها ) ويؤخركم إلى أجل مسمى ( أي يؤخر موتكم إلى الامد الأقصى الذي قدره الله لكم بشرط الإيمان والطاعة فوق ما قدره لكم على تقدير بقائكم على الكفر والعصيان وقيل التأخير بمعنى البركة في أعمارهم أن آمنوا وعدم البركة فيها إن لم يؤمنوا قال مقاتل يؤخركم إلى منتهى آجالكم وقال الزجاج أي يؤخركم عن العذاب فتموتوا غير ميتة المستأصلين بالعذاب وقال الفراء المعنى لا يميتكم غرقا ولا حرقا ولا قتلا ) إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ( أي ما قدره لكم على تقدير بقائكم على الكفر من العذاب إذا جاء وأنتم باقون على الكفر لا يؤخر بل يقع لا محالة فبادروا إلى الإيمان والطاعة وقيل المعنى إن أجل الله وهو الموت إذا جاء لا يمكنكم الإيمان وقيل المعنى إذا جاء الموت لا يؤخر سواء كان بعذاب أو بغير عذاب ) لو كنتم تعلمون ( أي شيئا من العلم لسارعتم إلى ما أمرتكم به أو لعلمتم أن أجل الله إذا جاء لا يؤخر
نوح : ( 5 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ( أي قال نوح مناديا لربه وحاكيا له ما جرى بينه وبين قومه وهو أعلم به منه إني دعوت قومي إلى ما أمرتني بأن أدعوهم إليه من الإيمان دعاء دائما في الليل والنهار من غير تقصير
نوح : ( 6 ) فلم يزدهم دعائي . . . . .
) فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ( عما دعوتهم إليه وبعدا عنه قال مقاتل يعنى تباعدا من الإيمان وإسناد الزيادة إلى الدعاء لكونه سببها كما في قوله زادتهم إيمانا قرأ الجمهور دعائي بفتح الياء وقرأ الكوفيون ويعقوب والدوري عن أبي عمرو بإسكانها والاستثناء مفرغ
نوح : ( 7 ) وإني كلما دعوتهم . . . . .
) وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم ( أي كلما دعوتهم إلى سبب المغفرة وهو الإيمان بك والطاعة لك ) جعلوا أصابعهم في آذانهم ( لئلا يسمعوا صوتي ) واستغشوا ثيابهم ( أي غطوا بها وجوههم لئلا يروني وقيل جعلوا ثيابهم على رؤوسهم لئلا يسمعوا كلامي فيكون استغشاء الثياب على هذا زيادة في سد الآذان وقيل هو كناية عن العداوة يقال لبس فلان ثياب العداوة وقيل استغشوا ثيابهم لئلا يعرفهم فيدعوهم ( وأصروا ) أي استمروا على الكفر ولم يقلعوا عنه ولا تابوا عنه ( واستكبروا ) عن قبول الحق وعن امتثال ما أمرهم به ( استكبارا ) شديدا
نوح : ( 8 ) ثم إني دعوتهم . . . . .
) ثم إني دعوتهم جهارا ( أي مظهرا لهم الدعوة مجاهرا لهم بها
نوح : ( 9 ) ثم إني أعلنت . . . . .
) ثم إني أعلنت لهم ( أي دعوتهم معلنا لهم بالدعاء ( وأسررت لهم إسرارا ) أي وأسررت لهم الدعوة إسرارا كثيرا قيل المعنى أن يدعو الرجل بعد الرجل يكلمه سرا فيما بينه وبينه والمقصود أنه دعاهم على وجوه متخالفة وأساليب متفاوتة فلم ينجع ذلك فيهم قال مجاهد معنى أعلنت صحت وقيل معنى أسررت أتيتهم في منازلهم فدعوتهم فيها وانتصاب جهارا على المصدرية لأن الدعاء يكون جهارا ويكون غير جهار فالجهار نوع من الدعاء كقولهم قعد القرفصاء ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف أي دعاء جهارا وأن يكون مصدرا في موضع الحال أي مجاهرا ومعنى ثم الدلالة على تباعد الأحوال لأن الجهار أغلظ من الإسرار والجمع بين الأمرين أغلظ من أحدهما قرأ الجمهور إني بسكون الياء وقرأ أبو عمرو والحرميون بفتحها
نوح : ( 10 ) فقلت استغفروا ربكم . . . . .
) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ( أي سلوه المغفرة من ذنوبكم السابقة بإخلاص النية


"""""" صفحة رقم 298 """"""
) إنه كان غفارا ( أي كثير المغفرة للمذنبين وقيل معنى استغفروا توبوا عن الكفر إنه كان غفارا للتائبين
نوح : ( 11 ) يرسل السماء عليكم . . . . .
) يرسل السماء عليكم مدرارا ( أي يرسل ماء السماء عليكم ففيه إضمار وقيل المراد بالسماء المطر كما في قول الشاعر إذا نزل السماء بأرض قوم
رعيناه وإن كانوا غضابا
والمدرار الدرور وهو التحلب بالمطر وانتصابه إما على الحال من السماء ولم يؤنث لأن مفعالا لا يؤنث تقول امرأة مئناث ومذكار أو على انه نعت لمصدر محذوف أي إرسالا مدرارا وقد تقدم الكلام عليه في سورة الأنعام وجزم يرسل لكونه جواب الأمر وفي هذه الآية دليل على أن الاستغفار من أعظم أسباب المطر وحصول أنواع الأرزاق
نوح : ( 12 ) ويمددكم بأموال وبنين . . . . .
ولهذا قال ) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ( يعنى بساتين ) ويجعل لكم أنهارا ( جارية قال عطاء المعنى يكثر أموالكم وأولادكم أعلمهم نوح عليه السلام أن إيمانهم بالله يجمع لهم مع الحظ الوافر في الآخرة الخصب والغنى في الدنيا
نوح : ( 13 ) ما لكم لا . . . . .
) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( أي أي عذرا لكم في ترك الرجاء والرجاء هنا بمعنى الخوف أي ما لكم لا تخافون الله والوقار العظمة من التوقير وهو التعظيم والمعنى لا تخافون حق عظمته فتوحدونه وتطيعونه و ( لا ترجون ) في محل نصب على الحال من ضمير المخاطبين والعامل فيه معنى الاستقرار في لكم ومن إطلاق الرجاء على الخوف قول الهذلي إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وقال سعيد بن جبير وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح ما لكم لا ترجون لله ثوابا ولا تخافون منه عقابا وقال مجاهد والضحاك ما لكم لا تبالون لله عظمة قال قطرب هذه لغة حجازية وهذيل وخزاعة ومضر يقولون لم أرج لم أبل وقال قتادة ما لكم لا ترجون لله عاقبة الإيمان وقال ابن كيسان ما لكم لا ترجون في عبادة الله وطاعته أن يثيبكم على توقيركم خيرا وقال ابن زيد ما لكم لا تؤدون لله طاعة وقال الحسن ما لكم لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة
نوح : ( 14 ) وقد خلقكم أطوارا
وجملة ) وقد خلقكم أطوارا ( في محل نصب على الحال أي والحال أنه سبحانه قد خلقكم على أطوار مختلفة نطفة ثم مضغة ثم علقة إلى تمام الخلق كما تقدم بيانه في سورة المؤمنين والطور في اللغة المرة وقال ابن الأنباري الطور الحال وجمعه أطوار وقيل أطوارا صبيانا ثم شبانا ثم شيوخا وقيل الأطوار اختلافهم في الأفعال والأقوال والأخلاق والمعنى كيف تقصرون في توقير من خلقكم على هذه الأطوار البديعة
نوح : ( 15 ) ألم تروا كيف . . . . .
) ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ( الخطاب لمن يصلح له والمراد الاستدلال بخلق السموات على كمال قدرته وبديع صنعه وأنه الحقيق بالعبادة والطباق المتطابقة بعضها فوق بعض كل سماء مطبقة على الأخرى كالقباب قال الحسن خلق الله سبع سموات على سبع أرضين بين كل سماء وسماء وأرض وأرض خلق وأمر وقد تقدم تحقيق هذا في قوله ومن الأرض مثلهن وانتصاب طباقا على المصدرية تقول طابقه مطابقة وطباقا أو حال بمعنى ذات طباق فحذف ذات وأقام طباقا مقامه وأجاز الفراء في غير القرآن جر طباقا على النعت
نوح : ( 16 ) وجعل القمر فيهن . . . . .
) وجعل القمر فيهن نورا ( أي منورا لوجه الأرض وجعل القمر في السموات مع كونها في سماء الدنيا لأنها إذا كانت في إحداهن فهي فيهن كذا قال ابن كيسان قال الأخفش كما تقول أتاني بنو تميم والمراد بعضهم وقال قطرب فيهن بمعنى معهن أي خلق القمر والشمس مع خلق السموات والأرض كما في قول امرىء القيس
وهل ينعمن من كان آخر عهده ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
أي مع ثلاثة أحوال ( وجعل الشمس سراجا ) أي كالمصباح لأهل الأرض ليتوصلوا بذلك إلى التصرف فيما


"""""" صفحة رقم 299 """"""
يحتاجون إليه من المعاش
نوح : ( 17 ) والله أنبتكم من . . . . .
) والله أنبتكم من الأرض نباتا ( يعنى آدم خلقه الله من أديم الأرض والمعنى أنشأكم منها إنشاء فاستعير الإنبات للإنشاء لكونه أدل على الحدوث والتكوين ونباتا إما مصدر لأنبت على حذف الزوائد أو مصدر لفعل محذوف أي أنبتكم من الأرض فنبتم نباتا وقال الخليل والزجاج هو مصدر محمول على المعنى لأن معنى أنبتكم جعلكم تنبتون نباتا وقيل المعنى والله أنبت لكم من الأرض النبات فنباتا على هذا مفعول به قال ابن بحر أنبتهم في الأرض بالكبر بعد الصغر وبالطول بعد القصر
نوح : ( 18 ) ثم يعيدكم فيها . . . . .
) ثم يعيدكم فيها ( أي في الأرض ) ويخرجكم إخراجا ( يعنى يخرجكم منها بالبعث يوم القيامة
نوح : ( 19 ) والله جعل لكم . . . . .
) والله جعل لكم الأرض بساطا ( أي فرشها وبسطها لكم تتقلبون عليها تقلبكم على بسطكم في بيوتكم
نوح : ( 20 ) لتسلكوا منها سبلا . . . . .
) لتسلكوا منها سبلا فجاجا ( أي طرقا واسعة والفجاج جمع فج وهو الطريق الواسع كذا قال الفراء وغيره وقيل الفج المسلك بين الجبلين وقد مضى تحقيق هذا في سورة الأنبياء وفي سورة الحج مستوفى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) جعلوا أصابعهم في آذانهم ( قال لئلا يسمعوا ما يقول ) واستغشوا ثيابهم ( قال ليتنكروا فلا يعرفهم ) واستكبروا استكبارا ( قال تركوا التوبة وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه ) واستغشوا ثيابهم ( قال غطوا وجوههم لئلا يروا نوحا ولا يسمعوا كلامه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب عنه أيضا في قوله ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( قال لا تعلمون لله عظمة وأخرج ابن جرير والبيهقي عنه أيضا ( وقارا ) قال عظمة وفي قوله ) وقد خلقكم أطوارا ( قال نطفة ثم علقة ثم مضغة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال لا تخافون لله عظمة وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال لا تخشون له عقابا ولا ترجون له ثوابا وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن علي بن أبي طالب أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رأى ناسا يغتسلون عراة ليس عليهم أزر فوقف فنادى بأعلى صوته ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن عبد الله بن عمرو قال الشمس والقمر وجوههما قبل السماء وأقفيتهما قبل الأرض وأنا أقرأ بذلك عليكم انه من كتاب الله ) وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ( وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابو الشيخ في العظمة عن عبد الله بن عمر قال تضيء لأهل السموات كما تضيء لأهل الأرضر وأخرج عبد ابن حميد عن شهر بن حوشب قال اجتمع عبد الله بن عمرو بن العاص وكعب الإحبار وقد كان بينهما بعض العتب فتعاتبا فذهب ذلك فقال عبد الله بن عمرو لكعب سلني عما شئت فلا تسألني عن شيء إلا أخبرتك بتصديق قولي من القرآن فقال له أرأيت ضوء الشمس والقمر أهو في السموات السبع كما هو في الأرض قال نعم ألم تروا إلى قول الله ) خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ( وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه عن ابن عباس ) وجعل القمر فيهن نورا ( قال وجهه في السماء إلى العرش وقفاه إلى الأرض وأخرج عبد بن حميد من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه ) وجعل القمر فيهن نورا ( قال خلق فيهن حين خلقهن ضياء لأهل الأرض وليس في السماء من ضوئه شيء وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا ) سبلا فجاجا ( قال طرقا مختلفة


"""""" صفحة رقم 300 """"""
سورة نوح ( 21 28
نوح : ( 21 ) قال نوح رب . . . . .
قوله ) قال نوح رب إنهم عصوني ( أي استمروا على عصياني ولم يجيبوا دعوتي شكاهم إلى الله عز وجل وأخبره بأنهم عصوه ولم يتبعوه وهو أعلم بذلك ) واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ( أي اتبع الأصاغر رؤساءهم وأهل الثروة منهم الذين لم يزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالا في الدنيا وعقوبة في الآخرة قرأ أهل المدينة والشام وعاصم وولده بفتح الواو واللام وقرأ الباقون بسكون اللام وهي لغة في الولد ويجوز أن يكون جمعا وقد تقدم تحقيقه ومعنى واتبعوا أنهم استمروا على اتباعهم لا أنهم أحدثوا الاتباع
نوح : ( 22 ) ومكروا مكرا كبارا
) ومكروا مكرا كبارا ( أي مكرا كبيرا عظيما يقال كبير وكبار وكبار مثل عجيب وعجاب وعجاب وجميل وجمال وجمال قال المبرد كبارا بالتشديد للمبالغة ومثل كبارا قراء لكثير القراء وأنشد ابن السكيت بيضاء تصطاد القلوب وتستبي
بالحسن قلب المسلم القراء
قرأ الجمهور كبارا بالتشديد وقرأ ابن محيصن وحميد ومجاهد بالتخفيف قال أبو بكر هو جمع كبير كأنه جعل مكرا مكان ذنوب أو أفاعيل فلذلك وصفه بالجمع وقال عيسى بن عمر هي لغة يمانية واختلف في مكرهم هذا ما هو فقيل هو تحريشهم سفلتهم على قتل نوح وقيل هو تغريدهم على الناس بما أوتوا من المال والولد حتى قال الضعفة لولا أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم وقال الكلبي هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد وقال مقاتل هو قول كبرائهم لأتباعهم لا تذرن آلهتكم وقيل مكرهم كفرهم
نوح : ( 23 ) وقالوا لا تذرن . . . . .
) وقالوا لا تذرن آلهتكم ( أي لا تتركوا عبادة آلهتكم وهي الأصنام والصور التي كانت لهم ثم عبدتها العرب من بعدهم وبهذا قال الجمهور ( ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ) أي لا تتركوا عبادة هذه قال محمد ابن كعب هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فنشأ بعدهم قوم يقتدون بهم في العبادة فقال لهم إبليس لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأسوق إلى العبادة ففعلوا ثم نشأ قوم من بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك الوقت وسميت هذه الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صورة أولئك القوم وقال عروة بن الزبير وغيره إن هذه كانت أسماء لأولاد آدم وكان ود أكبرهم قال الماوردي فأما ود فهو أول صنم معبود سمى ودا لودهم له وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل وفيه يقول شاعرهم


"""""" صفحة رقم 301 """"""
حياك ود فإن لا يحل لنا
لهو النساء وإن الدين قد غربا
وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجرف من سبأ في قول قتادة وقال المهدوي المراد ثم لغطفان وأما يعوق فكان لهمدان في قول قتادة وعكرمة وعطاء وقال الثعلبي كان الكهلان بن سبأ ثم توارثوه حتى صار في همدان وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني يريش الله في الدنيا ويبري
ولا يبري يعوق ولا يريش
وأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير في قول قتادة ومقاتل قرأ الجمهور ودا بفتح الواو وقرأ نافع بضمها قال الليث ود بضم الواو صنم لقريش وبفتحها صنم كان لقوم نوح وبه سمى عمرو بن ود قال في الصحاح والور بالفتح الوتد في لغة أهل نجد كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال وقرأ الجمهور ولا يغوث ويعوق يغير تنوين فإن كانا عربيين فالمنعق من الصرف للعلمية ووزن الفعل وإن كانا عجميين فللعجمية والعلمية وقرأ الأعمش ولا يغوثا ويعوقا بالصرف قال أبن عطية وذلك وهم ووجه تخصيص هذه الأصنام بالذكر مع دخولها تحت الألهة لأنها كانت أكبر أصنامهم وأعظمها
نوح : ( 24 ) وقد أضلوا كثيرا . . . . .
( وقد ضلوا كثيرا ) أي أضل كبراؤهم ورؤساؤهم كثيرا من الناس وقيل الضمير راجع إلى الأصنام أي أضل بسببها كثير من الناس كقول إبراهيم رب أنهن أضللن كثيرا من الناس واجرى عليهم ضمير من يعقل لاعتقاد الكفار الذين يعبدونها أنها تعقل ( ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ) معطوف على رب إنهم عصوني ووضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا عليهم بالظلم وقال أبو حيان إنه معطوف على قد أضلوا ومعنى الأضلالا إلا عذابا كذا قال أبن بحر واستدل على ذلك بقوله إن المجرمين في ضلال وسعر وقيل إلا خسرانا وقيل إلا فتنة بالمال والولد وقيل الضياع وقيل ضلالا في مكرهم
نوح : ( 25 ) مما خطيئاتهم أغرقوا . . . . .
( مما خطيئاتهم أغرقوا ) ما مزيدة للتأكيد والمعنى من خطيئاتهم أي من أجلها وبسببها أغرقوا بالطوفان ( فأدخلوا نارا ) عقب ذلك وهي نار الآخرة وقيل عذاب القبر قرا الجمهور خطيئاتهم على جمع السلامة وقرا أبو عمرو خطاياهم على جمع التكسير وقرأ الجحدري وعمرو بن عبيد والأعمش وأبو حيوة وأشهب العقيلي خطيئتهم على الإفراد قال الضحاك عذبوا بالنار في الدنيا مع الغرق في حالة واحدة كانوا يغرقون في جانب ويحترقون في جانب قرأ الجمهور أغرقوا من أغرق وقرا زيد بن علي غرقوا بالتشديد ( فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ) أي لم يجدوا أحدا يمنعهم من عذاب الله ويدفعه عنهم ( وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) معطوف على
نوح : ( 26 ) وقال نوح رب . . . . .
( قال نوح رب إنهم عصوني ) لما أيس نوح عليه السلام من إيمانهم وإقلاعهم عن الكفر دعا عليهم بالهلاك قال قتادة دعا عليهم بعد ان أوحى إليه إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فأجاب الله دعوته وأغرقهم وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع بن أنس وأبن زيد وعطية إنما قال هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم وأعقم أرحام النساء وأصلاب الآباء قبل العذاب بسبعين سنة وقيل بأربعين قال قتادة لم يكن فيهم صبي وقت العذاب وقال الحسن وأبو العالية لو اهلك الله أطفالهم معهم كان عذابا من الله لهم وعدلا فيهم ولكن أهلك ذريتهم وأطفالهم بغير عذاب ثم أهلكهم بالعذاب ومعنى ديارا من يسكن الديار واصله ديوار على فيعال من دار يدور فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الآخرى مثل القيام أصله قيوام وقال القتيبي أصله في الدار أي نازل بالدار يقال ما بالدار ديار أي أحد وقيل الديار صاحب الديار والمعنى لا تدع أحد منهم إلا أهلكته
نوح : ( 27 ) إنك إن تذرهم . . . . .
( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ) أي أن تتركهم على الأرض يضلوا عبادك عن طريق الحق ( ولا يلدوا إلا


"""""" صفحة رقم 302 """"""
فاجرا كفارا ) أي إلا فاجرا بترك طاعتك كفارا لنعمتك أي كثير الكفران لها والمعنى إلا من سيفجر ويكفر
نوح : ( 28 ) رب اغفر لي . . . . .
ثم لما دعا على الكافرين أتبعه بالدعاء لنفسه و والدية والمؤمنين فقال ( رب أغفر لي ولوالدي ) وكانا مؤمنين وأبوه لأمك بن متوشلخ كما تقدم وأمه سمحاء بنت أنوش وقيل أراد آدم وحواء وقال سعيد بن جبير أراد بوالديه أباه وجده وقرأ سعيد بن جبير ولوالدي بكسر الدال على الإفراد ( ولمن دخل بيتي قال الضحاك والكلبي يعني مسجده وقيل منزله الذي هو ساكن فيه وقيل سفينته وقيل لمن دخل في دينه بيته وانتصاب ( مؤمنا ) على الحال أي لمن دخل بيتي متصفا بصفة الإيمان فيخرج من دخله غير متصف بهذه الصفة كامرأته وولده الذي قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ثم عمم الدعوة فقال ( وللمؤمنين والمؤمنات ) أي واغفر لكل متصف بالإيمان من الذكور والإناث ثم عاد إلى الدعاء على الكافرين فقال ( ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) أي لا تزد المتصفين بالظلم إلا هلاكا وخسرانا ودمارا وقد شمل دعاؤه هذا كل ظالم إلى يوم القيامة كما شمل دعاؤه للمؤمنين والمؤمنات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير وأبن المنذر عن أبن عباس في قوله ( ولا تذرن ود ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ) قال هذه الأصنام كانت تعبد في زمن نوح وأخرج البخاري وأبن المنذر وابن مردويه عنه قال صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح في العرب أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل واما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف واما يعوق فكانت لهمدان واما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجلسهم الذي كانوا يجلسون فيه إنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ ألعلم 2 فعبدت
ع72
تفسير
سورة الجن
هي ثمان وعشرون آية
حول السورة
وهي مكية قال القرطبي في قول الجميع واخرج أبن الضريس والنحاس وأبن مردويه والبيهقي عن أبن عباس قال نزلت سورة الجن بمكة وأخرج أبن مردويه عن عائشة وأبن الزبير مثله


"""""" صفحة رقم 303 """"""
سورة الجن 1 13 ) قوله ( قل أوحى إلى ) قرأ الجمهور أوحى رباعيا وقرا أبن أبي عبلة وأبو أياس والعتكي عن أبي عمرو وحى ثلاثيا وهما لغتان واختلف هل رآهم النبي صلى الله عليه وإله وسلم أم لم يرهم فظاهر القرآن أنه لم يرهم لأن المعنى قل يا محمد لأمتك أوحى إلى على لسان جبريل ( أنه استمع نفر من الجن ) ومثله قوله وإذ صرفنا إليك نفر من الجن يستعمون القرآن ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح عن أبن عباس قال ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم على الجن وما رآهم قال عكرمة والسورة التي كان يقرؤها رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم هي أقرأ باسم ربك الذي خلق وقد تقدم في سورة الأحقاف ذكر ما يفيد زيادة في هذا قوله ( أنه استمع نفر من الجن ) هذا هو القائم مقام الفاعل ولهذا فتحت أن والضمير للشأن وعند الكوفيين والأخفش يجوز أن يكون القائم مقام الفاعل الجار والمجرور والنفر أسم للجماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة قال الضحاك والجن ولد الجان وليسوا شياطين وقال الحسن إنهم ولد إبليس قيل هم أجسام عاقلة خفية تغلب عليهم النارية والهوائية وقيل نوع من الأرواح المجردة وقيل هي النفوس البشرية المفارقة لأبدانها وقد أختلف أهل العلم في دخول مؤمني الجن الجنة كما يدخل عصاتهم النار لقوله في سورة تبارك وجعلناها رجوما للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير وقول الجن فيما سيأتي في هذه السورة وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وغير ذلك من الآيات فقال الحسن يدخلون الجنة وقال مجاهد لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار والأول أولى لقوله في سورة الرحمن لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان وفي سورة الرحمن آيات غير هذه تدل على ذلك فراجعها وقد قدمنا أن الحق أنه لم يرسل الله إليهم رسلا منهم بل الرسل جميعا من الإنس وإن أشعر قوله ألم يأتكم رسل منكم بخلاف هذا فهو مدفوع الظاهر بآيات كثيرة في الكتاب العزيز دالة على أن الله سبحانه لم يرسل الرسل إلا من بني آدم وهذه الأبحاث الكلام فيها يطول والمراد الإشارة بأحصر عبارة 0 فقالوا إذا سمعنا قرآنا عجبا ) أي قالوا لقومهم لما رجعوا إليهم أي سمعنا كلاما مقروءا عجبا في فصاحته وبلاغته وقيل عجبا في مواعظه وقيل في بركته وعجبا مصدر وصف به للمبالغة أو على حذف المضاف أي ذا عجب أو المصدر بمعنى اسم الفاعل أي معجبا
الجن : ( 2 ) يهدي إلى الرشد . . . . .
( يهدي إلى الرشد ) أي إلى مراشد الأمور وهي الحق والصواب وقيل إلى معرفة الله والجملة صفة أخرى للقرآن ( فآمنا به ) أي صدقنا به بأنه من عند الله ( ولن نشرك بربنا أحدا ) من خلقه ولا نتخذ معه إله آخر لأنه المتفرد بالربوبية وفي هذا توبيخ للكفار من بني آدم حيث آمنت الجن بسماع القرآن مرة واحدة وانتفعوا بسماع آيات يسيرة منه وأدركوا بعقولهم أنه كلام الله وآمنوا به ولم ينتفع كفار الإنس لا سيما رؤساؤهم وعظماؤهم بسماعة مرات متعددة وتلاوته عليهم في أوقات مختلفة مع كون الرسول منهم


"""""" صفحة رقم 304 """"""
يتلوه عليهم بلسانهم لا جرم صرعهم الله أذل مصرع وقتلهم أقبح مقتل ولعذاب الآخرة أشد لو كانوا يعلمون
الجن : ( 3 ) وأنه تعالى جد . . . . .
( وأنه تعالى جد ربنا ) قرأه حمزة والكسائي وأبن عامر وحفص وعلقمة ويحيى بن وثاب والأعمش وخلف والسلمي ( وأنه تعالى ) بفتح أن وكذا قرؤوا فيما بعدها مما هو معطوف عليها وذلك أحد عشر موضعا إلى قوله ( وأنه لما قام عبد الله ) وقرأ الباقون بالكسر في هذه المواضع كلها إلا في قوله ( وإن المساجد لله ) فإنهم اتفقوا على الفتح أما من قرأ بالفتح في هذه المواضع فعلى العطف على محل الجار والمجرور في ( فآمنا به ) كأنه قيل فصدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا الخ وأما من قرأ بالكسر في هذه المواضع فعلى العطف على إنا سمعنا أي فقالوا إنا سمعنا قرآنا وقالوا أنه تعالى جد ربنا إلى آخره واختار أبو حاتم وأبو عبيد قراءة الكسر لأنه كله من كلام الجن ومما هو محكي عنهم بقوله فقالوا إنما سمعنا وقرأ أبو جعفر وشعبة بالفتح في ثلاثة مواضع وهي وأنه تعالى جد ربنا أنه كان يقول سفيهنا وانه كان رجال من الإنس قالا لأنه من الوحي وكسرا ما بقي لأنه من كلام الجن وقرأ الجمهور وانه لما قام عبد الله بالفتح لأنه معطوف على قوله أنه استمع وقرا نافع وأبن عامر وشيبة وزر بن حبيش وأبو بكر والمفضل عن عاصم بالكسر في هذا الموضع عطفا على فآمنا به بذلك التقرير السابق واتفقوا على الفتح في أنه استمع كما اتفقوا على الفتح في أن المساجد وفي وأن لو استقاموا واتفقوا على الكسر في فقالوا إنا سمعنا و قل إنما أدعوا ربي وقل إن أدرى و قل إني لا أملك لكم والجد عند أهل اللغة العظمة والجلال يقال جد في عيني أي عظم فالمعنى ارتفع عظمة ربنا وجلاله وبه قال عكرمة ومجاهد وقال الحسن المراد تعالى غناه ومنه قيل للحظ جد ورجل مجدود أي محظوظ وفي الحديث ولا تنفع ذا الجد منك الجد قال أبو عبيد والخليل أي لا ينفع ذا الغنى منك الغنى أي إنما تنفعه الطاعة وقال القرطبي والضحاك جده آلاؤه ونعمة على خلقه وقال أبو عبيدة والأخفش ملكه وسلطانه وقال السدي أمره وقال سعيد بن جبير ( وأنه تعالى جد ربنا ) أي تعالى ربنا وقيل جده قدرته وقال محمد بن علي بن الحسين وأبنه جعفر الصادق والربيع بن انس ليس لله جد وإنما قالته الجن للجهالة قرأ الجمهور جد بفتح الجيم وقرأ عكرمة وأبو حيوة ومحمد بن السميفع بكسر الجيم وهو ضد الهزل وقرأ أبو الأشهب جدى ربنا أي جدواه ومنفعته وروى عن عكرمة أيضا أنه قرا بتنوين جد ورفع ربنا على انه بدل من جد ( ما أتخذ صاحبة ولا ولدا ) هذا بيان لتعالي جده سبحانه قال الزجاج تعالى جلال ربنا وعظمته عن أن يتخذ صاحبه أو ولدا وكأن الجن نبهوا بهذا على خطأ الكفار الذين ينسبون إلى الله الصاحبة والولد ونزهوا الله سبحانه عنهما
الجن : ( 4 ) وأنه كان يقول . . . . .
( وإنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) الضمير في أنه للحديث أو الأمر وسفيهنا يجوز أن يكون اسم كان ويقول الخبر ويجوز أن يكون سفيهنا فاعل يقول والجملة خبر كان وأسمها ضمير يرجع إلى الحديث أو الأمر ويجوز أن تكون كان زائدة ومرادهم بسيفهم عصاتهم ومشركوهم وقال مجاهد وأبن جريج وقتادة أرادو به إبليس والشطط الغلو في الكفر وقال أبو مالك الجور وقال الكلبي الكذب واصله البعد عن القصد ومجاوزه الحد ومنه قول الشاعر بأية حال حكموا فيك فاشتطوا
وما ذاك إلا حيث يمحك الوحط
الجن : ( 5 ) وأنا ظننا أن . . . . .
( وإنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ( أي إنا حسبنا أن الإنس والجن كانوا لا يكذبون على الله بأن له شريكا وصاحبه وولدا فلذلك صدقناهم في ذلك حتى سمعنا القرآن فعلمنا بطلان قولهم وبطلان ما كنا نظنه بهم من الصدق وانتصاب كذبا على أنه مصدر مؤكد ليقول لأن الكذب نوع من القول أو صفه


"""""" صفحة رقم 305 """"""
لمصدر محذوف أي قولا كذبا وقرأ يعقوب والجحدري وأبن أبي إسحاق أن لن تقول من التقول فيكون على هذه القراءة كذبا مفعول به
الجن : ( 6 ) وأنه كان رجال . . . . .
وإنه كان رجال من الإنس يعودون برجال من الجن قال الحسن وأبن زيد وغيرهما كان العرب إذا نزل الرجل بواد قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في جواره حتى يصبح فنزلت هذه الاية قال مقاتل كان أول من تعوذ بالجن قوم من أهل اليمين ثم من بنى حنيفة ثم فشا ذلك في العرب فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم ( فزادوهم رهقا أي زاد رجال الجن من تعوذ بهم من رجال الإنس رهقا أي سفها وطغيانا أو تكبرا وعتوا أو زاد المستعيذون من رجال الإنس من استعاذوا بهم من رجال الجن رهقا لأن المستعاذ بهم كانوا يقولون سدنا الجن والإنس وبالأول قال مجاهد وقتادة وبالثاني قال أبو العالية وقتادة الربيع بن أنس وأبن زيد والرهق في كلام العرب الإثم وغشيان المحارم ورجل رهق إذا كان كذلك ومنه قوله ترهقهم ذلة أي تغشاهم ومنه قول الأعشى لا شيء ينفعني من دون رؤيتها
هل يشتفي عاشق ما لم يصب رهقا
يعني إثما وقيل الرهق الخوف أي أن الجن زادت الإنس بهذا التعوذ بهم خوفا منهم وقيل كان الرجل من الإنس يقول أعوذ بفلان من سادات العرب من جن هذا الوادي ويؤيد هذا ما قيل من أن لفظ رجال لا يطلق على الجن فيكون قوله برجال وصفا لمن يستعيذون به من رجال الإنس أي يعوذون بهم من شر الجن فيكون قوله برجال وصفا لمن يستعيذون به من رجال الإنس أي يعوذون بهم من شر الجن وهذا فيه بعد وإطلاق لفظ رجال على الجن على تسليم عدم صحته لغة لا مانع من إطلاقه عليهم هنا من باب المشاكلة
الجن : ( 7 ) وأنهم ظنوا كما . . . . .
( وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله احدا ) هذا من قول الجن وللإنس أي وإن الجن ظنوا كما ظننتم أيها الإنس أنه لا بعث وقيل المعنى وإن الإنس ظنوا كما ظننتم أيها الجن والمعنى أنهم لا يؤمنون بالبعث كما انكم لا تؤمنون
الجن : ( 8 ) وأنا لمسنا السماء . . . . .
( وإنا لمسنا السماء ) هذا من قول الجن أيضا أي طلبنا خبرها كما به جرت عادتنا ( فوجدناها ملئت حرسا ) من الملائكة يحرسونها عن استراق السمع والحرس جمع حارس و ( شديد ) صفة لحرسا أي قويا ( وشهبا ) جمع شهاب وهو الشعلة المقتبسة من نار الكوكب كما تقدم بيانه في تفسير قوله وجعلناها رجوما للشياطين ومحل قوله ( ملئت حرسا شديدا ) النصب على أنه ثاني مفعولي وجدنا لأنه يتعدى إلى مفعولين ويجوز أن يكون متعديا إلى مفعول واحد فيكون محل الجملة النصب على الحال بتقدير قد وحرسا منصوب على التمييز ووصفه بالمفرد اعتبارا باللفظ كما يقال السلف الصالح أي الصالحين
الجن : ( 9 ) وأنا كنا نقعد . . . . .
( وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ) أي وأنا كنا معشر الجن قبل هذا نقعد من السماء مقاعد للسمع أي مواضع نقعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء وللسمع متعلق ينقعد أي لأجل السمع أو بمضمر هو صفة لمقاعد أي مقاعد كائنة للسمع والمقاعد جمع مقعد اسم مكان وذلك أن مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليسمعوا من الملائكة أخبار السماء فيلقونها إلى الكهنة فحرسها الله سبحانه ببعثه رسوله صلى الله عليه وإله وسلم بالشهب المحرقة وهو معنى قوله ( فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ) أي أرصد له ليرمي به أو لأجله لمنعه من السماع وقوله الآن هو ظرف للحال واستعير للاستقبال وانتصاب رصدا على أنه صفة لشهابا أو مفعول له وهو مفرد ويجوز أن يكون اسم جمع كالحرس وقد اختلفوا هل كانت الشياطين ترمي بالشهب قبل المبعث أم لا فقال قوم لم يكن ذلك وحكى الواحدي عن معمر قال قلت للزهري أكان يرمي بالنجوم في الجاهلية قال نعم قلت أفرأيت قوله وأنا


"""""" صفحة رقم 306 """"""
كنا نقعد منها ) الآية قال غلظت وشدد أمرها حين بعث محمد صلى الله عليه وإله وسلم قال ابن قتيبة إن الرجم قد كان قبل مبعثه ولكنه لم يكن مثله في شدة الحراسة بعد مبعثه وكانوا يسترقون في بعض الأحوال فلما بعث منعوا من ذلك اصلا وقال عبد الملك بن سابور لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد فلما بعث محمد صلى الله عليه وإله وسلم حرست السماء ورميت الشياطين بالشهب ومنعت من الدنو إلى السماء وقال نافع بن جبير كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمي فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم رميت بالشهب وقد تقدم البحث عن هذا
الجن : ( 10 ) وأنا لا ندري . . . . .
( وإنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) أي لا ندري قال أشر أريد بأهل الأرض بسبب هذه الحراسة للسماء أم أراد بهم ربهم رشدا أي خبرا قال أبن زيد قال إبليس لا ندري أراد الله بهدا المنع أن ينزل على أهل الأرض عذابا أو يرسل إليهم رسولا وارتفاع أشر على الأشتغال أو على الابتداء وخبره ما بعده والأول أولى والجملة سادة مسد مفعولي ندري والأولى أن هذا من قول الجن فيما بينهم وليس من قول إبليس كما قال ابن زيد
الجن : ( 11 ) وأنا منا الصالحون . . . . .
( وأنا منا الصالحون ) أي قال بعض لبعض لما دعوا أصحابهم إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وإله وسلم وأنا كنا قبل استماع القرآن منا الموصوفون بالصلاح ( ومنا دون ذلك ) أي قوم ذلك أي دون الموصوفين بالصلاح وقيل أراد بالصالحون المؤمنين وبمن هم دون ذلك الكافرين والأول أولى ومعنى ( كنا طرائق قددا ) أي جماعات متفرقة وأصنافا مختلفة والقدة القطعة من الشيء وصار القوم قددا إذا تفرقت أحوالهم ومنه قول الشاعر القابض الباسط الهادي لطاعته
في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد
والمعنى كنا ذوي طرائق قددا أو كانت طرائقنا طرائق قددا أو كنا مثل طرائق قددا ومن هذا قول لبيد لم تبلغ العين كل نهمتها
يوم تمشي الجياد بالقدد
وقوله ايضا ولقد قلت وزيد حاسر يوم ولت خيل عمرو قددا
قال السدي والضحاك أديانا مختلفة وقال قتادة أهواء متباينة وقال سعيد بن المسيب كانوا مسلمين ويهود ونصاري ومجوس وكذا قال مجاهد قال الحسن الجن أمثالكم قدريه ومرجئة ورافضة وشيعه وكذا قال السدي
الجن : ( 12 ) وأنا ظننا أن . . . . .
( وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ) الظن هنا بمعنى العلم واليقين أي وإنا علمنا أن الشأن لن نعجز الله في الأرض أينما كنا فيها ولن نفوته إن أراد بنا أمرا ( ولن نعجزه هربا ) أي هاربين منها فهو مصدر في موضع الحال
الجن : ( 13 ) وأنا لما سمعنا . . . . .
( وأنا لما سمعنا اهدى ) يعنون القرآن ( أمنا به ) وصدقنا أنه من عبد الله ولم نكذب به كما كذبت به كفرة الإنس ( فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) أي لا يخاف نقصا في عمله وثوابه ولا ظلما ومكروها يغشاه والبخس النقصان والرهق العدوان والطغيان والمعنى لا يخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يزاد في سيئاته وقد تقدم تحقيق الرهق قريبا قرأ الجمهور بخسا بسكون الخاء وقرأ يحيى بن وثاب بفتحها وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش فلا يخف جزما على جواب الشرط ولا وجه لهذا بعد دخول الفاء والتقدير فهو لا يخاف والأمر ظاهر
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد اخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن أبن عباس قال انطلق النبي صلى الله عليه وإله وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا مالكم فقالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب


"""""" صفحة رقم 307 """"""
قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها لتعرفوا ما هذا الأمر الذي حال بينكم وبين خبر السماء فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وإله وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له قالوا هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهناك حين رجعوا إلى قومهم ( فقالوا ) يا قومنا ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ) فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وإله وسلم ( قل اوحي إلى أنه استمع نفر من الجن ) وإنما أوحي إليه قول الجن وأخرج أبن مردويه عن ابن مسعود في قوله 0 قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن ) قال كانوا من جن نصيبين وأخرج أبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله 0 وأنه تعالى جد ربنا ) قال آلاوه وعظمته وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه في الآية قال أمره وقدرته وأخرج أبن مردويه والديلمي قال السيوطي بسند واه عن أبي موسى الأشعري مرفوعا في قوله 0 وأنه كان يقول سفيهنا ) قال إبليس وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء والطبرني وأبو الشيخ في العظمة وأبن مردويه وأبن عساكر عن عكرمة بن أبي السائب الأنصاري قال خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك اول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم بمكة فآوانا المبيت إلى راعى غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال يا عامر الوادي أنا جارك فنادى مناديا سرحان أرسله فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم وأنزل الله على رسوله بمكة ( وأنه كان رجال من الأنس يعوذون برجال من الجن ) الآية وأخرج أبن جرير وأبن مردويه عن أبن عباس في قوله ( فزادوهم رهقا ) قال إنما وأخرج أبن مردويه عنه قال كان القوم في الجاهلية إذا نزلوا بالوادي قالوا نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه فلا يكون بشيء أشد ولعا منهم بهم فذلك قوله ( فزادهم رهقا ) واخرج أبن أبي شيبة واحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وأبن جرير والطبراني وأبن مردويه وابو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال كانت الشياطين لهم مقاعد في السماء يسمعون فيها الوحي فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا فأما الكلمة فتكون حقا وأما ما زادوا فيكون باطلا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم منعوا مقاعدهم فذكروا ذلك لإبليس ولم تكن النجوم يرمي بها قبل ذلك فقال لهم ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم قائما يصلي بين جبلين بمكة فأتوه فأخبروه فقال هذا الحدث الذي حدث في الأرض واخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عنه في قوله ( وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ) يقول منا المسلم ومنا المشرك و ( كنا طرائق قددا ) أهواء شتى وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا ( فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) قال لا يخاف نقصا من حسناته ولا زيادة في سيئاته
( سورة الجن 14 28 )


"""""" صفحة رقم 308 """"""
الجن : ( 14 ) وأنا منا المسلمون . . . . .
قوله ( وأنا منا المسلمون ) هم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وإله وسلم ( ومنا القاسطون ) أي الجائرون الظالمون الذين حادوا عن طريق الحق ومالوا إلى طريق الباطل يقال قسط إذا جار وأقسط إذا عدل ( فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ) أي قصدوا طريق الحق قال الفراء أمنوا الهدى
الجن : ( 15 ) وأما القاسطون فكانوا . . . . .
( وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) أي وقودا للنار توقد بهم كما توقد بكفرة الإنس
الجن : ( 16 ) وأن لو استقاموا . . . . .
( وألوا استقاموا على الطريقة ) هذا ليس من قول الجن بل هو معطوف على ( أنه استمع نفر من الجن ) والمعنى وأوحى إلى أن الشأن لو استقام الجن والإنس أو كلاهما على الطريقة وهي طريقة الإسلام وقد قدمنا أن الفراء اتفقوا على فتح أن ههنا قال أبن الأنباري والفتح هنا على إضمار يمين تأويلها والله أن لو استقاموا على الطريقة كما فعل يقال في الكلام والله لو أقمت لقمت كما في قول الشاعر أما والله أن لو كنت حرا
ولا بالحر أنت ولا العتيق
قال أبو علي أوحى إلى انه استمع وأن لو استقاموا أو على آمنا به اي آمنا به وبأن لو استقاموا قرأ الجمهور بكسر الواو من لو لالتقاء الساكنين وقرأ ابن وثاب والأعمش بضمها ( لأسقيناهم ماء غدقا ) أي كثيرا واسعا قال مقاتل ماء كثيرا من السماء وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين وقال ابن قتيبة المعنى لو آمنوا جميعا لوسعنا عليهم في الدنيا وضرب الماء الغدق مثلا لأن الخير كله والرزق بالمطر وهذا كقوله ولو أن اهل الكتاب آمنوا واتقوا الآية وقوله ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وقوله استغفروا ربكم إنه كان غفار يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين الآية وقيل المعنى وأن لو استقام أبوهم على عبادته وسجد لآدم ولم يكفر وتبعه ولده على الإسلام لأنعمنا عليهم واختار هذا الزجاج والماء الغدق هو الكثير في لغة العرب
الجن : ( 17 ) لنفتنهم فيه ومن . . . . .
( لنفتنهم فيه ) أي لنختبرهم فنعلم كيف شكرهم على تلك النعم وقال الكلبي والمعنى وأن لو استقاموا على الطريقة التي هم عليها من الكفر فكانوا كلهم كفارا لأوسعنا أرزاقهم مكرا بهم واستدراجا حتى يفتنوا بها فنعذبهم في الدنيا والآخرة وبه قال الربيع بن أنس وزيد بن اسلم وابنه عبد الرحمن والثمالي ويمان بن زيان وأبن كيسان وأبو مجلز واستدلوا بقوله فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم


"""""" صفحة رقم 309 """"""
أبواب كل شيء وقوله ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة الآية والأول اولى ( ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) أي ومن يعرض عن القرآن أو عن العبادة أو عن الموعظة أو عن جميع ذلك يسلكه أي يدخله عذابا صعدا أي شاقا صعبا قرا الجمهور نسلكه بالنون مفتوحة وقرأ الكوفيون وأبو عمرو في رواية عنه بالباء التحتية واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله عن ذكر ربه ولم يقل عن ذكرنا وقرأ مسلم بن جندب وطلحة بن مصرف والأعرج بضم النون وكسر اللام من أسلكه وقراءه الجمهور من سلكه والصعد في اللغة المشقة تقول تصعد بي الأمر إذا شق عليك وهو مصدر صعد يقال صعد صعدا وصعودا فوصف به العذاب مبالغة لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه قال أبو عبيد الصعد مصدر أي عذابا ذا صعد وقال تكرمة الصعد هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم كما في قوله سأرهقه صعودا والصعود العقبة الكئود
الجن : ( 18 ) وأن المساجد لله . . . . .
( وان المساجد لله ) قد قدمنا اتفاق القراء هنا على الفتح فهو معطوف على أنه استمع أي وأوحى إلى ان المساجد مختصة بالله وقال الخليل التقدير ولأن المساجد والمساجد المواضع التي بنيت للصلاة فيها وقال سعيد بن جبير قالت الجن كيف لنا أن نأتي المساجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك فنزلت وقال الحسن أراد بها كل البقاع لأن الأرض كلها مسجد وقال سعيد بن المسيب وطلق بن حبيب أراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد وهي القدمان والركبتان واليدان والجبهة يقول هذه أعضاء أنعم الله بها عليك فلا تسجد بها لغيره فتجحد نعمة الله وكذا قال عطاء وقيل المساجد هي الصلاة لأن السجود من جملة أركانها قاله الحسن ( فلا تدعوا مع الله أحدا ) من خلقه كائنا ما كان
الجن : ( 19 ) وأنه لما قام . . . . .
( وأنه لما قام عبد الله ) قد قدمنا أن الجمهور قرؤوا هنا بفتح أن عطفا على أنه استمع أي وأوحى إلى أن الشأن لما قام عبد الله وهو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( يدعوه ) أي يدعوا الله ويعبده وذلك ببطن نخلة كما تقدم حين قام رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يصلي ويتلوا القرآن وقد قدمناه أيضا قراءة من قرأ بكسر إن هنا وفيها غموض وبعد عن المعنى المراد ( كادوا يكونون عليه لبدا ) أي كاد الجن يكونون على رسول الله لبدا أي متراكمين من ازدحامهم عليه لسماع القرآن منه قال الزجاج ومعنى لبدا يركب بعضهم بعضا ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التي تفرش قرأ الجمهور لبدا بكسر اللام وفتح الباء وقرأ مجاهد وابن محيصن وهشام بضم اللام وفتح الباء وقرا أبو حيوة ومحمد بن السميفع والعقيلي والجحدري بضم الباء واللام وقرأ الحسن وأبو العالية والأعرج بضم اللام وتشديد الباء مفتوحة فعلى القراءة الأولى المعنى ما ذكرناه وعلى قراءة ضم اللام يكون المعنى كثيرا كما في قوله أهلكت مالا لبدا وقيل المعنى كاد المشركون يركب بعضهم بعضا حردا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال الحسن وقتادة وأبن زيد لما قام عبد الله محمد بالدعوة تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفؤوه فأبي الله إلا ان ينصره ويتم نوره واختار هذا أبن جرير قال مجاهد لبدا أي جماعات وهو من تلبد الشيء على الشيء أي اجتمع ومنه اللبد الذي يفرش لتراكم صوفه وكل شيء آلصقته إلصاقا شديدا فقد لبدته وايقال للشعر الذي على ظهر الأسد لبده وجمعها لبد ويقال للجراد الكثير لبد ويطلق اللبد بضم اللام وفتح الباء على الشيء الدائم ومنه قيل لنسر لقمان لبد الطول بقائه وهو المقصود بقول النابغة اخنى عليها الذي أخنى على لبد
الجن : ( 20 ) قل إنما أدعو . . . . .
( قال إنما أدعوا ربي ) أي قال عبد الله إنما أدعو ربي وأعبده ( ولا اشرك به احدا ) من خلقه قرا الجمهور قال وقرا عاصم وحمزة قل على لأمر وسبب نزولها أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وإله وسلم إنك جئت بأمر عظيم وقد عاديت


"""""" صفحة رقم 310 """"""
الناس كلهم فارجع عن هذا فنحن نجيرك
الجن : ( 21 ) قل إني لا . . . . .
( قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ) أي لا اقدر أن أدفع عنكم ضرا ولا أسوق إليكم خيرا وقيل الضر الكفر والرشد الهدى والأول أولى لوقوع النكرتين في سياق النفي فهما يعمان كل ضرر وكل رشد في الدنيا والدين
الجن : ( 22 ) قل إني لن . . . . .
( قل إني لن يجيرني من الله أحد ) أي لا يدفع عني أحد عذابه إن أنزله بي ( ولن أجد من دونه ملتحدا ) أي ملجأ ومعدلا وحرزا والملتحد معناه في اللغة الممال أي موضعا أميل إليه قال قتادة مولى وقال السدى حرزا وقال الكلبي مدخلا في الأرض مثل السرب وقيل مذهبا ومسلكا والمعنى متقارب ومنه قول الشاعر يا لهف نفسي ولهفا غير مجدية
عني وما من قضاء الله ملتحد
الجن : ( 23 ) إلا بلاغا من . . . . .
والاستثناء في قوله 0 إلا بلاغا من الله ) هو من قوله لا أملك أي لا أملك ضرا ولا رشدا إلا التبليغ من الله فإن فيه أعظم الرشد أو من ملتحدا أي لن أجد من دونه ملجأ ألا التبليغ قال مقاتل ذلك الذي يجيرني من عذابه وقال قتادة إلا بلاغا من الله فذلك الذي أملكه بتوفيق الله فأما الكفر والإيمان فلا أملكهما قال الفراء لكن أبلغكم ما أرسلت به فهو على هذا منقطع وقال الزجاج هو منصوب على البدل من قوله ملتحدا أي ولن أجد من دونه ملتحدا إلا أن أبلغ ما ياتي من الله وقوله ( ورسالاته ) معطوف على بلاغا أي إلا بلاغا من الله وإلا رسالاته التي أرسلني بها إليكم أو إلا أن أبلغ عن الله أعمل برسالاته فآخذ نفسي بما آمر به غيري وقيل الرسالات معطوفه على الاسم الشريف ألا بلاغا عن الله وعن رسالاته كذا قال أبو حيان ورجحه ( ومن يعص الله ورسوله ) في الأمر بالتوحيد لأن السياق فيه 0 فإن له نار جهنم ) قرا الجمهور بكسر إن على أنها جملة مستأنفة وقرئ بفتح الهمزة لأن ما بعد فاء الجزاء موضع ابتداء والتقدير فجزاؤه أن له نار جهنم أو فحكمه أن له نار جهنم وانتصاب ( خالدين فيها ) على الحال أي في النار أو في جهنم والجمع باعتبار معنى من كما أن التوحيد في قوله فإن له باعتبار لفظها وقوله أبدا تأكيد لمعنى الخلود أي خالدين فيها بلا نهاية
الجن : ( 24 ) حتى إذا رأوا . . . . .
( حتى إذا رأوا ما يوعدون ) يعني من العذاب في الدنيا أو في الاخرة والمعنى لا يزالون على ماهم عليه من الإصرار على الكفر وعداوة النبي صلى الله عليه وإله وسلم والمؤمنين حتى إذا رأوا الذي يوعدون به 0 فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ) أي من هو أضعف جندا ينتصر به واقل عددا أهم أم المؤمنون
الجن : ( 25 ) قل إن أدري . . . . .
( قل إن أدري أقريب ما توعدون ) أي ما ادري أقريب حصول ما توعدون من العذاب ( أم يجعل له ربي أمدا ) أي غاية ومدة أمره الله سبحانه أن يقول لهم هذا القول لما قالوا له متى يكون هذا الذي توعدنا به قال عطاء يريد أنه لا يعرف يوم القيامة إلا الله وحده والمعنى أن علم وقت العذاب علم غيب لا يعلمه إلا الله قرأ الجمهور ربي بإسكان الياء وقرا الحرميان وأبو عمرو بفتحها ( ومن ) في من اضعف موصولة وأضعف خبر مبتدأ محذوف أي هو أضعف والجملة صلة الموصول ويجوز أن تكون استفهامية مرتفعة على الابتداء وأضعف خبرها والجملة في محل نصب سادة مسد مفعولي أدري وقوله أقريب خبر مقدم وما توعدون مبتدأ مؤخر
الجن : ( 26 ) عالم الغيب فلا . . . . .
( عالم الغيب ) قرأ الجمهور بالرفع على أنه بدل من ربي أو بيان له أو خبر مبتدأ محذوف والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها من عدم الدراية وقرئ بالنصب على المدح وقرأ السري علم الغيب بصيغة الفعل ونصب الغيب والفاء في ( فلا يظهر على غيبه أحدا ) لترتيب عدم إلأظهار على تفرده بعلم الغيب أي لا يطلع على الغيب الذي يعلمه هو ما غاب عن العباد أحدا منهم
الجن : ( 27 ) إلا من ارتضى . . . . .
ثم استثنى فقال ( إلا من ارتضى من رسول ) أي إلا من اصطفاه من الرسل )


"""""" صفحة رقم 311 """"""
أو من ارتضاه منهم لإظهاره على بعض غيبه ليكون ذلك دالا على نبوته قال القرطبي قال العلماء لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان دليل أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ثم استثنى من ارتضى من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكف ويزجر الطين ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه فهو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه وقال سعيد بن جبير إلا من ارتضى من رسول هو جبريل وفيه بعد وقيل المراد بقوله إلا من ارتضى من رسول ) فإنه يطلعه على بعض غيبه وهو ما يتعلق برسالته كالمعجزة وأحكام التكاليف وجزاء الأعمال وما يبينه من أحوال الآخرة لا مالا يتعلق برسالته من العيوب كوقت قيام الساعة ونحوه قال الواحدي وفي هذا دليل على أن من ادعى أن النجوم تدله على ما يكون من حادث فقد كفر بما في القرآن قال في الكشاف وفي هذا إبطال للكرامات لأن الذين تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين فإيسوا برسل وقد خص الله الرسل من بين المرتضيين بالاطلاع على الغيب وإبطال للكهانة والتنجيم لأن أصحابهما أبعد شيء من الارضاء وادخله في السخط قال الرازي وعندي لادلالة في الآية على شيء مما قالوه إذا لا صيغة عموم في غيبه فتحمل على غيب واحد وهو وقت القيامة لأنه واقع بعد قوله ( أقريب ما توعدون ) الآية فإن قيل فما معنى الاستثناء حينئذ قلنا لعله إذا قربت القيامة يظهره وكيف لا وقد قال يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا فتعلم الملائكة حينئذ قيام القيامة أو هو استثناء منقطع أي من ارتضاه من رسول يجعل بين يديه ومن خلفه حفظة يحفظونه من شر مرده الجن والإنس ويدل على أنه ليس المراد به لا يطلع أحد على شيء من المغيبات أنه ثبت كما يقارب التواتر أن شقا وسطيحا كانا كاهنين وقد عرفا بحديث النبي صلى الله عليه وإله وسلم قبل ظهوره وكانا مشهورين بهذا العلم عند العرب حتى رجع إليهما كسرى فثبت أن الله تعالى قد يطلع غير الرسل على شيء من المغيبات وأيضا أطبق أهل الملل على أن معبر الرؤيا يخبر عن أمور مستقبله ويكون صادقا فيها وايضا قد نقل السلطان سنجر بن ملك شاة كاهنة من بغداد إلى خراسان وسألها عن أمور مستقبلة فأخبرته بها فوقعت على وفق كلامها قال وأخبرني ناس محققون في علم الكلام والحكمة أنها اخبرت عن امور غائبة بالتفصيل فكانت على وفق خبرها وبالغ أبو البركات في كتاب التعبير في شرح حالها وقال فحصت عن حالها ثلاثين سنة فتحققت أنها كانت تخبر عن المغيبات إخبارا مطابقا وايضا فإنا نشاهد ذلك في أصحاب الإلهامات الصادقة وقد يوجد ذلك في السحرة أيضا وقد نرى الأحكام النجومية مطابقة وإن كانت قد تتخلف ولو قلنا إن القرآن يدل على خلاف هذه الأمور المحسوسة لتطرق الطعن إلى القرآن فيكون التأويل ما ذكرنا انتهى كلامه قلت أما قوله إذ لا صيغة عموم في غيبه فباطل فإن إضافة المصدر واسم الجنس من صيغ العموم كما صرح به أئمة الأصول وغيرهم وأما قوله أو هو استثناء منقطع فمجرد دعوى يأباه النظم القرآني وأما قوله إن شقا وسطيحا الخ فقد كانا في زمن تسترق فيه الشياطين السمع ويلقون ما يسمعونه إلى الكهان فيخلطون الصدق بالكذب كما ثبت في الحديث الصحيح وفي قوله إلا من خطف الخطفة ونحوها من الآيات فباب الكهانة قد ورد بيانه في هذه الشريعة وأنه كان طريقا لبعض الغيب بواسطة استراق الشياطين حتى منعوا ذلك بالبعثة المحمدية وقالوا إنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وانا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع


"""""" صفحة رقم 312 """"""
الأن يجد له شهابا رصدا فباب الكهانة في الوقت الذي كانت فيه مخصوص بأدلته فهو من جملة ما يخصص به هذا العموم فلا يرد ما زعمه من إيراد الكهانة على هذه الآية واما حديث المراة الذي أورده فحديث خرافة ولو سلم وقوع شيء مما حكاه عنها من الأخبار لكان من باب ما ورد في الحديث إن في هذه الأمة محدثين وإن منهم عمر فيكون كالتخصيص لعموم هذه الآية لا انقضاء لها وأما ما أجترا به على الله وعلى كتابه من قوله في آخر كلامه فلو قلنا إن القرآن يدل على خلاف هذه الأمور المحسوسة لتطرق الطعن إلى القرآن فيقال له ما هذه بأول زلة من زلاتك وسقطة من سقطاتك وكم لها لديك من أشباه ونظائر نبض بها عرق فلسفتك وركض بها الشيطان الذي صار يتخبطك في مباحث تفسيرك يا عجبا لك أن يكون ما بلغك من خبر هذه المرأة ونحوه موجبا لتطرق الطعن إلى القرآن وما أحسن ما قاله بعض أدباء عصرنا وإذا رامت الذبابة للشمس
غطاءء مدت عليها جناحا
وقلت من أبيات مهب رياح سدة بجناح
وقابل بالمصباح ضوء صباح
فإن قلت إذن قد تقرر بهذا الدليل القرآني أن الله يظهر من ارتضى من رسله على ما شاء من غيبه فهل للرسول الذي أظهره الله على ما شاء من غيبه أن يخبر به بعض أمته قلت نعم ولا مانع من ذلك وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم من هذا ما لا يخفى على عارف بالسنة المطهرة فمن ذلك ما صح أنه قام مقاما أخبر فيه بما سيكون إلى يوم القيامة وما ترك شيئا مما يتعلق بالفتن ونحوها حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه وكذلك ما ثبت من أن حذيفة بن اليمان كان قد اخبره رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم بما يحدث من الفتن بعده حتى سأله عن ذلك أكابر الصحابة ورجعوا إليه وثبت في الصحيح وغيره أن عمر بن الخطاب سأله عن الفتنة التي تموج كموج البحر فقال إن بينك وبينها بابا فقال عمر هل يفتح أو يكسر فقال بل يكسر فعلم عمر أنه الباب وأن كسرة قتله كما في الحديث الصحيح المعروف أنه قيل لحذيفة هل كان عمر يعلم ذلك فقال نعم كان يعلم أن دون غد الليلة وكذلك ما ثبت من إخباره لأبي ذر بما يحدث له وإخباره لعلى بن أبي طالب بخبر ذي الثدية ونحو هذا مما يكثر تعدده ولو جمع لجاء منه مصنف مستقل وإذا تقرر هذا فلا مانع من أن يختص بعض صلحاء هذه الأمة بشيء من أخبار الغيب التي أظهرها الله لرسوله وأظهرها رسوله لبعض أمته وأظهرها هذا البعض من الأمة لمن بعدهم فتكون كرامات الصالحين من هذا القبيل والكل من الفيض الرباني بواسطة الجناب النبوي ثم ذكر سبحانه أنه يحفظ ذلك الغيب الذي يطلع عليه الرسول فقال ( فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) والجملة تقرير للإظهار المستفاد من الاستثناء والمعنى انه يجعل سبحانه بين يدي الرسول ومن خلفه حرسا من الملائكة يحرسونه من تعرض الشياطين لما أظهره عليه من الغيب أو يجعل بين يدي الوحي وخلفه حرسا من الملائكة يحوطونه من أن تسترقه الشياطين فتلقيه إلى الكهنة والمراد من جميع الجوانب قال الضحاك ما بعث الله نبيا إلا ومعه ملائكة يحفظونه من الشياطين أن يتشبهوا بصورة الملك فإذا جاءه شيطان في صورة الملك قالوا هذا شيطان فاحذره وإن جاءه الملك قالوا هذا رسول ربك قال أبن زيد رصدا أي حفظة يحفظون النبي صلى الله عليه وإله وسلم من أمامه وورائه من الجن والشياطين قال قتادة وسعيد بن المسيب هم أربعة من الملائكة حفظة وقال الفراء المراد جبريل قال في الصحاح الرصد القوم يرصدون


"""""" صفحة رقم 313 """"""
كالحرس يستوى فيه الواحد والجمع والمؤنث والرصد للشيء الراقب له يقال رصده يرصده رصدا ورصدا والترصد الترقب والمرصد موضع الرصد
الجن : ( 28 ) ليعلم أن قد . . . . .
( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) اللام متعلق بيسلك والمراد به العلم لمتعلق بالإبلاغ الموجود بالفعل وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن والخبر الجملة والرسالات عبارة عن الغيب الذي أريد إظهاره لمن ارتضاه الله من رسول وضمير أبلغوا يعود إلى الرصد وقال قتادة ومقاتل ليعلم محمد أن الرسل قبله قد أبلغوا الرسالة كما أبلغ هو الرسالة وفيه حذف تتعلق به اللام أي أخبرناه بحفظنا الوحي ليعلم أن الرسل قبله كانوا على حالته من التبليغ وقيل ليعلم محمد أن جبريل ومن معه قد أبلغوا إليه رسالات ربه قاله سعيد بن جبير وقيل ليعلم الرسل أن الملائكة قد بلغوا رسالات ربهم وقيل ليعلم إبليس أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم من غير تخليط وقال أبن قتيبة أي ليعلم الجن أن الرسل قد أبلغوا ما أنزل إليهم ولم يكونوا هم المبلغين باستراق السمع عليهم وقال مجاهد ليعلم من كذب الرسل ان الرسل قد ابلغوا رسالات ربهم قرا الجمهور ليعلم بفتح التحتية على البناء للفاعل وقرا ابن عباس ومجاهد وحميد ويعقوب وزيد بن علي بضمها على البناء للمفعول أي ليعلم الناس أن الرسل قد ابلغوا وقال الزجاج ليعلم الله أن رسله قد ابلغوا رسالاته أي ليعلم ذلك عن مشاهدة كما علمه غيبا وقرأ أبن أبي عبلة والزهري بضم الياء وكسر اللام ( واحاط لديهم ) أي بما عنده الرصد من الملائكة أو بما عند الرسل المبلغين لرسالاته والجملة في محل نصب على الحال من فاعل يسلك بإضمار قد أي والحال أنه تعالى قد أحاط بما لديهم من الأحوال قال سعيد بن جبير ليعلم أن ربهم قد احاط بما لديهم فبلغوا رسالاته ( وأحصى كل شيء عددا ) من جميع الأشياء التي كانت والتي ستكون وهو معطوف على أحاط وعددا يجوز أن يكون منتصبا على التمييز محولا من المفعول به أي وأحصى عدد كل شيء كما في قوله وفجرنا الأرض عيونا ويجوز أن يكون منصوبا على المصدرية أو في موضع الحال معدودا والمعنى أن علمه سبحانه بالأشياء ليس على وجه الإجمال بل على وجه التفصيل أي أحصى كل فرد من مخلوقاته على حدة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبن جرير عن ابن عباس قال ( القاسطون ) العادلون عن الحق وأخرج أبن جرير عنه في قوله ( وألو استقاموا على الطريقة ) قال أقاموا ما أمروا به ( لاسقيناهم ماء غدقا ) قال معينا واخرج عبد بن حميد وأبن جرير عن السدي قال قال عمر ولو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه قال حيثما كان الماء كان المال وحيثما كان المال كانت الفتنة وأخرج أبن جرير عن ابن عباس ( لنفتنهم فيه ) قال نبتليهم به وفي قوله ( ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) قال شقة من العذاب يصعد فيها أخرج هناد وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه عنه في قوله ( يسلكه عذابا صعدا ) قال حبلا في جهنم أخرج ابن جرير عنه ايضا عذابا صعدا قال لا راحة فيه وأخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( وأن المساجد لله ) قال لم يكن يوم نزلت هذه الاية في الأرض مسجدا إلا مسجد الحرام ومسجد إيلياء ببيت المقدس أخرج أبن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم قبل الهجره إلى نواحي مكة فخط لى خطا وقال لا تحدثن شيئا حتى آتيك ثم قال لا يهولنك شيئا تراه فتقدم شيئا ثم جلس فإذا رجال سود كأنهم رجال الزط وكانوا كما قال الله تعالى كادوا يكونون عليه لبدا أخرج أبن جرير وأبن مردويه عن ابن عباس في الآية قال لما سمعوا النبي صلى الله عليه وإله وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول فجعل يقرئه قل أوحى إلى أنه


"""""" صفحة رقم 314 """"""
( استمع نفر من الجن ) وأخرج عبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء في المختارة عنه أيضا في الآية قال لما أتي الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وهو يصلي بأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده فعجبوا من طواعية أصحابه فقالوا لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا وأخرج أبن المنذر عنه أيضا لما قام عبد الله يدعوه أي يدعو الله وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه ( كادوا يكونو عليه لبدا قال أعوانا وأخرج أبن المنذر وأبن مردويه عنه أيضا ( فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ط قال أعلم الله الرسول من الغيب والوحي وأظهره عليه مما أوحى إليه من غيبه وما يحكم الله فإنه لا يعلم ذلك غيره وأخرج أبن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا رصدا قال هي معقبات من الملائكة يحفظون رسول الله من الشياطين حتى تبين الذي أرسل إليهم به وذلك حتى يقول أهل الشرك قد أبلغوا رسالات ربهم وأخرج أبن مردويه عنه أيضا قال ما أنزل الله على نبيه آية من القرآن إلا ومعها أربعة من الملائكة يحفظونها حتى يؤدوها إلى رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ثم قرأ ( عالم الغيب فلا تظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) يعني الملائكة الأربعة ( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) أ ه
ع73
تفسير
سورة المزمل
هي تسع عشرة آية وقيل عشرون آية
حول السورة
وهي مكية قال الماوردي كلها في قول الحسن وعكرمة وجابر قال وقال أبن عباس وقتادة إلا آيتين منها ( واصبر على ما يقولون ) والتي تليها وقال الثعلبي إلا قوله ( إن ربك يعلم انك تقوم ) إلى آخر السورة فإنه نزل بالمدينة وأخرج أبن الضريس وأبن مردويه والبيهقي عن أبن عباس قال نزلت ( يا أيها لمزمل ) بمكة وأخرج أبن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج النحاس عن ابن عباس قال نزلت سورة المزمل بمكة إلا آيتين ( إن ربك يعلم إنك تقوم أدنى ) وأخرج البزار والطبراني في الأوسط وابو نعيم في الدلائل عن جابر قال اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا سمعوا هذا الرجل اسما تصدون الناس عنه فقالوا كاهن قالوا ليس بكاهن قالوا مجنون قالوا ليس بمجنون قالوا ساحر قالوا ليس بساحر فتفرق المشركون على ذلك فبلغ النبي صلى الله عليه وإله وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها فأتاه جبريل فقال يا أيها المزمل يا ايها المدثر قال البزار بعد إخراجه من طريق معلى بن عبد الرحمن إن معلى قد حدث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه لكنه إذا تفرد بالأحاديث لا يتابع عليها وأخرج أبو داود والبيهقي في السنن عن أبن عباس قال بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وإله وسلم يصلي من الليل فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر فحزرت قيامه في كل ركعة بقدر يا ايها المزمل
سورة المزمل 1 18 )


"""""" صفحة رقم 315 """"""
المزمل : ( 1 ) يا أيها المزمل
قوله ( يا ايها المزمل ) اصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي والتزمل التلفف في الثوب قرأ الجمهور المزمل بالإدغام وقرأ أبي المتزمل على الأصل وقرأ عكرمة بتخفيف الزاي ومثل هذه القراءة قول امرئ القيس كأن ثبيرا في أفانين وبله
كبير أناس في لحاد مزمل
وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وإله وسلم وقد اختلف في معناه فقال جماعة إنه كان يتزمل صلى الله عليه وإله وسلم بثيابه في أول ما جاءه جبريل بالوحي فرقا منه حتى أنس به وقيل المعنى يا ايها المزمل بالنبوة والملتزم للرسالة وبهذا قال عكرمة وكان يقرا ( يا ايها المزمل ) بتخفيف الزاي وفتح الميم مشددة اسم مفعول وقيل المعنى ( يا ايها المزمل ) بالقرآن وقال الضحاك تزمل بثيابه لمنامه وقيل بلغه من المشركين سوء قول فتزمل في ثيابه وتدثر فنزلت يا ايها المزمل ويا ايها المدثر وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وإله وسلم لما سمع صوت الملك ونظر إليه أخذته الرعدة فأتى أهله وقال زملوني دثروني وكان خطابه ( صلى الله عليه وسلم ) بهذا الخطاب في أول نزول الوحي ثم بعد ذلك خوطب بالنبوه والرسالة
المزمل : ( 2 ) قم الليل إلا . . . . .
( قم الليل إلا قليلا ) أي قم للصلاة في الليل قرأ الجمهور قم بكسر الميم لالتقاء الساكنين وقرأ أبو السماك بضمها اتباعا لضمة القاف قال عثمان بن جنى الغرض بهذه الحركة الهرب من التقاء الساكنين فبأي حركة تحرك فقد وقع الغرض وانتصاب الليل على الظرفية وقيل أن معنى قم صل عبر به عنه واستعير له واختلف هل كان هذا القيام الذي أمر به فرضا عليه أو نفلا وسيأتي إن شاء الله ما روى في ذلك وقوله إلا فليلا استثناء من الليل أي صل الليل كله إلا يسيرا منه والقليل من الشيء هو ما دون النصف وقيل ما دون السدس وقيل ما دون العشر وقال مقاتل والكلبي المراد بالقليل هنا الثلث
المزمل : ( 3 ) نصفه أو انقص . . . . .
وقد أغنانا عن هذا الاختلاف قوله ( نصفه ) الخ وانتصاب نصفه على انه بدل من الليل قال الزجاج نصفه بدل من الليل وإلا قليلا استثناء من النصف والضمير في منه وعليه عائد إلى النصف والمعنى قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث أو زد عليه قليلا إلى الثلثين فكأنه قال قم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه وقيل إن نصفه بدل من قوله قليلا فيكون المعنى قم الليل إلا نصفه أو أقل من نصفه أوأكثر من نصفه قال الأ الأخفش نصفه أي أو نصفه كما يقال أعطه درهما درهمين ثلاثة يريد أو درهمين أو ثلاثة


"""""" صفحة رقم 316 """"""
قال الواحدي قال المفسرون أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث
المزمل : ( 4 ) أو زد عليه . . . . .
أو زد على النصف إلى الثلثين جعل له سعة في مدة قيامه في الليل وخيره في هذه الساعات للقيام فكان النبي صلى الله عليه وإله وسلم وطائفة معه يقومون على هذه المقادير وشق ذلك عليهم فكان الرجل لا يدري كم صلى أو كم بقي من الليل فكان يقوم الليل كله حتى خفف الله عنهم وقيل الضميران في منه وعليه راجعان للأقل من النصف كأنه قال قم اقل من نصفه أو قم أنقص من ذلك الأقل أو أزيد منه قليلا وهو بعيد جدا والظاهر أن نصفه بدل من قليلا والضميران راجعان إلى النصف المبدل من قليلا واختلف في الناسخ لهذا الأمر فقيل هو قوله إن ربك يعلم إنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه إلى آخر السورة وقيل هو قوله علم أن لن تحصوه وقيل هو قوله علم أن سيكون منكم مرضى وقيل هو منسوخ بالصلوات الخمس وبهذا قال مقاتل والشافعي وأبن كيسان وقيل هو قوله فاقرؤوا ما تيسر منه وذهب الحسن وأبن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو قدر حلب شاة ( ورتل القرآن ترتيلا ) أي اقرأه على مهل مع تدبر قال الضحاك اقرأه حرفا حرفا قال الزجاج هو أن يبين جميع الحروف ويوفي حقها من الإشباع وأصل الترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام وتأكيد الفعل بالمصدر يدل على المبالغة على وجه لا يلتبس فيه بعض الحروف وببعض ولا ينقص من النطق بالحرف من مخرجه المعلوم مع استيفاء حركته المعتبرة
المزمل : ( 5 ) إنا سنلقي عليك . . . . .
( إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا ) أي سنوحي إليك القرآن وهو قول ثقيل قال قتادة ثقيل والله فرائضه وحدوده قال مجاهد حلاله وحرامه قال الحسن العمل به قال أبو العالية ثقيلا بالوعد والوعيد والحلال والحرام وقال محمد بن كعب ثقيل على المنافقين والكفار لما فيه من الاحتجاج عليهم والبيان لضلالهم وسب آلهتم وقال السدي ثقيل بمعنى كريم من قولهم فلان ثقيل على أي يكرم على قال الفراء ثقيلا دزينا ليس بالخفيف السفساف لأنه كلام ربنا وقال الحسين بن الفضل ثقيلا لا يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق ونفس مزينة بالتوحيد وقيل صفة بكونه ثقيلا حقيقة لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وإله وسلم كان إذا أوحى إليه وهو على ناقته وضعت جرانها على الأرض فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرى عنه
المزمل : ( 6 ) إن ناشئة الليل . . . . .
( إن ناشئة الليل ) أي ساعاته وأوقاته لأنها تنشأ أولا فأولا يقال نشأ الشيء ينشا إذا ابتدأ وأقبل شيئا بعد شيء فهو ناشيء وأنشأه الله فنشأ ومنه نشأت السحاب إذا بدأت فناشئة فاعله من نشأ ينشأ فهي ناشئة قال الزجاج ناشئة الليل كل ما نشأ منه أي حدث فهو ناشئة قال الواحدي قال المفسرون الليل كله ناشئة والمراد أن ساعات الليل الناشئة فاكتفى بالوصف عن الاسم الموصوف وقيل إن ناشئة الليل هي النفس التي تنشأ من مضجعها للعبادة أي تنهض من نشأ من مكانه أذا نهض وقيل الناشئة بالحبشية قيام الليل وقيل إنما يقال لقيام الليل ناشئة إذا كان بعد نوم قال أبن الأعرابي إذا نمت من أول الليل ثم قمت فتلك المنشأة والنشأة ومنه ناشئة الليل قيل وناشئة الليل هي ما بين المغرب والعشاء لأن معنى نشأ ابتدأ ومنه قول نصيب ولولا أن يقال صبا نصيب
لقلت بنفسي النشء الصغار
قال عكرمة وعطاء إن ناشئة الليل بدو الليل وقال مجاهد وغيره هي في الليل كله لأنه ينشأ بعد النهار واختار هذا مالك وقال ابن كيسان هي القيام من آخر الليل قال في الصحاح ناشئة الليل أول ساعاته وقال الحسن هي ما بعد العشاء الآخرة إلى الصبح ( هي أشد وطأ ) قرأ الجمهور وطأ بفتح الواو وسكون الطاء


"""""" صفحة رقم 317 """"""
مقصورة واختار هذه القراءة أبو حاتم وقرأ أبو العالية وأبن أبي إسحاق ومجاهد وأبو عمرو وابن عامر وحميد وأبن محيصن والمغيرة وابو حيوة بكسر الواو وفتح الطاء ممدودة واختار هذه القراءة أبو عبيد فالمعنى على القراءة الأولى أن الصلاة في ناشئة الليل أثقل على المصلي من صلاة النهار لأن الليل للنوم قال أبن قتيبة المعنى أنها أثقل على المصلى من ساعات النهار من قول العرب اشتدت على القوم وطأة السلطان إذا اثقل عليهم ما يلزمهم منه ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم اشدد وطأتك على مضر والمعنى على القراءة الثانية أنها أشد مواطأة أي موافقة من قولهم واطأت فلانا على كذا ومواطأة ووطاء إذا وافقته عليه قال مجاهد وأبن أبي مليكة أي أشد موافقة بين السمع والبصر والقلب واللسان لانقطاع الأصوات والحركات فيها ومنه ليواطئوا عدة ما حرم الله أي ليوافقوا وقال الأخفش أشد قياما وقال الفراء أي أثبت للعمل وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة والليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش فعبادته تدوم ولا تنقطع وقال الكلبي أشد نشاطا ( وأقوم قيلا ) أي وأشد مقالا وأثبت قراءة لحضور القلب فيها وهدوء الأصوات وأشد استقامة واستمرار على الصواب لأن الأصوات فيها هادئة والدنيا ساكنة فلا يضطرب على المصلى ما يقرؤه قال قتادة ومجاهد أي أصوب للقراءة وأثبت للقول لأنه زمان التفهم قال أبو علي الفارسي أقوم قيلا أي أشد استقامة لفراغ البال بالليل قال الكلبي أي أبين قولا بالقرآن وقال عكرمة أي أتم نشاطا وإخلاصا وأكثر بركة وقال أبن زيد أجدر أن يتفقه في القرآن وقيل أعجل إجابة للدعاء
المزمل : ( 7 ) إن لك في . . . . .
( إن لك في النهار سبحا طويلا ) قرأ الجمهور سبحا بالحاء المهملة أي تصرفا في حوائجك وإقبالا وإدبارا وذهابا ومجيئا والسبح الجري والدوران ومنه السباحة في الماء لتقلبه ببدنه ورجليه وفرس سابح أي شديد الجري وقيل السبح الفراغ أي إن لك فراغا بالنهار للحاجات فصل بالليل قال أبن قتيبة أي تصرفا وإقبالا وإدبارا في حوائجك وأشغالك وقال الخليل إن لك في النهار سبحا أي نوما والتسبح التمدد قال الزجاج المعنى إن فاتك في الليل شيء فلك في النهار فراغ للاستدراك وقرأ يحيى بن يعمر وأبو وائل وأبن أبي عبلة سبحا بالحاء المعجمة وقيل معنى هذه القراءة الخفة والسعة والاستراحة قال الأصمعي يقال سبخ الله عنك الحمى أي خففها وسبخ الحر فتر وخف ومنه قول الشاعر فسبح عليك الهم واعلم بأنه
إذا قدر الرحمن شيئا فكائن
أي خفف عنك الهم والتسبيح من القطن ما ينسج بعد الندف ومنه قول الأخطل فأرسلوهن يذرين التراب كما
تدري سبائخ قطن ندف أوتار
قال ثعلب السبخ بالحاء المعجمة التردد والاضطراب والسبخ السكون وقال أبو عمرو السبخ النوم والفراغ
المزمل : ( 8 ) واذكر اسم ربك . . . . .
( واذكر اسم ربك ) أي ادعه بأسمائه الحسنى وقيل اقرأ باسم ربك في ابتداء صلاتك وقيل اذكر اسم ربك في وعده ووعيده لتوفر على طاعته وتبعد عن معصيته وقيل المعنى دم على ذكر ربك ليلا ونهارا واستكثر من ذلك وقال الكلبي المعنى صل لربك ( وتبتل إليه تبتيلا ) أي انقطع إليه انقطاعا بالاشتغال بعبادته والتبتل الانقطاع يقال بتلت الشيء أي قطعته وميزته من غيره وصدقة بتلة أي منقطعة من مال صاحبها ويقال لراهب متبتل لانقطاعه عن الناس ومنه قول الشاعر تضيء الظلام بالعشاء كأنها
منارة ممسى راهب متبتل


"""""" صفحة رقم 318 """"""
ووضع تبتيلا مكان تبتلا لرعاية الفواصل قال الواحدي والتبتل رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله
المزمل : ( 9 ) رب المشرق والمغرب . . . . .
( رب المشرق والمغرب ) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وأبن عامر بجر رب على النعت لربك أو لبدل منه أو البيان له وقرأ الباقون برفعه على أنه مبتدأ وخبره ( لا إله إلا هو ) أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو رب المشرق وقرأ زيد بن علي بنصبه على المدح وقرأ الجمهور المشرق والمغرب مفردين وقرأ أبن مسعود وأبن عباس المشارق والمغارب على الجمع وقد قدمنا تفسير المشرق والمغرب والمشرقين والمغربين والمشارق والمغارب ( فاتخذه وكيلا ) أي إذا عرفت أنه المختص بالربوبية فاتخذه وكيلا أي قائما بأمورك وعول عليه في جميعها وقيل كفيلا بما وعدك من الجزاء والنصر
المزمل : ( 10 ) واصبر على ما . . . . .
( واصبر على ما يقولون ) من الأذى والسب والاستهزاء ولا تجزع من ذلك ( واهجرهم هجرا جميلا ) أي لا تتعرض لهم ولا تشتغل بمكافأتهم وقيل الهجر الجميل الذي لا جزع فيه وهذا كان قبل الأمر بالقتال
المزمل : ( 11 ) وذرني والمكذبين أولي . . . . .
( وذرني والمكذبين أي دعني وإياهم ولا تهتم بهم فإنى أكفيك أمرهم وأنتقم لك منهم قيل نزلت في المطعمين يوم بدر وهم عشرة وقد تقدم ذكرهم وقال يحيى بن سلام هم بنو المغيرة وقال سعيد بن جبير أخبرت أنهم اثنا عشر ( أولي النعمة ) أي أرباب الغنى والسعة والترفة واللذة في الدنيا ( ومهلهم قليلا ) أي تمهيلا قليلا على أنه نعت لمصدر محذوف أو زمانا قليلا على أنه صفة لزمان محذوف والمعنى أمهلهم إلى انقضاء آجالهم وقيل إلى نزول عقوبة الدنيا بهم كيوم بدر وألأول أولى
المزمل : ( 12 ) إن لدينا أنكالا . . . . .
لقوله ( إن لدينا أنكالا ) وما بعده فإنه وعيد لهم بعذاب الآخرة والأنكال جمع نكل وهو القيد كذا اقل الحسن ومجاهد وغيرهما وقال الكلبي الأنكال الأغلال والأول أعرف في اللغة ومنه قول الحنساء أتوك فقطعت أنكالهم
وقد كن قبلك لا تقطع
وقال مقاتل هي أنواع العذاب الشديد وقال أبو عمران الجوني هي قيود لا تحل ( وجحيما ) أي نار مؤججة
المزمل : ( 13 ) وطعاما ذا غصة . . . . .
( وطعاما ذا غصة ) أي لا يسوغ في الحلق بل ينشب فيه فلا ينزل ولا يخرج قال مجاهد هو الزقوم وقال الزجاج هو الضريع كما قال ليس لهم طعام إلا من ضريع قال وهو شوك العوسج قال عكرمة هو شوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج والغصة الشجا في الحلق وهو ما ينشب فيه من أعظم أو غيره وجمعها غصص ( وعذابا أليما ) أي ونوعا آخر من العذاب غير ما ذكر
المزمل : ( 14 ) يوم ترجف الأرض . . . . .
( يوم ترجف الأرض والجبال ) انتصاب الظرف إما بذرني أو بالأستقرار المتعلق به لدينا أو هو صفة لعذاب فيتعلق بمحذوف أي عذابا واقعا يوم ترجف أو متعلق بأليما قرأ الجمهور ترجف بفتح التاء وضم الجيم مبنيا للفاعل وقرأ زيد بن علي على البناء للمفعول مأخوذ من أرجفها والمعنى تتحرك وتضطرب بمن عليها والرجفة الزلزلة والرعد الشديد ( وكانت الجبال كثيبا مهيلا ) أي وتكون الجبال وإنما عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه والكثيب الرمل المجتمع والمهيل الذي يمر تحت الأرجل قال الواحدي أي رملا سائلا يقال لكل شيء أرسلته إرسلا من تراب أو طعام أهلته هيلا قال الضحاك والكلبي المهيل الذي إذا وطئته بالقدم زل من تحتها وإذا أخذت أسفله أنهال ومنه قول حسان عرفت ديار زينب بالكثيب
كحظ الوحي في الورق القشيب
المزمل : ( 15 ) إنا أرسلنا إليكم . . . . .
( إنا أرسلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم ) الخطاب لأهل مكة أو لكفار العرب أو لجميع الكفار والرسول محمد صلى الله عليه وإله وسلم والمعنى يشهد عليكم يوم القيامة بأعمالكم ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ) يعني


"""""" صفحة رقم 319 """"""
موسى
المزمل : ( 16 ) فعصى فرعون الرسول . . . . .
( فعصى فرعون الرسول ) الذي أرسلناه إليه وكذبه ولم يؤمن بما جاء به ومحل الكاف النصب على أنها نعت لمصدر محذوف والمعنى إنا أرسلنا إليكم رسولا فعصيتموه كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصاه ( فأخذناه أخذا وبيلا ) أي شديدا ثقيلا غليظا والمعنى عاقبنا فرعون عقوبة شديدة بالغرق وفيه تخويف لأهل مكة أنه سينزل بهم من العقوبة مثل ما أنزل به وإن واختلف نوع العقوبة قال الزجاج أي ثقيلا وغليظا ومنه قيل للمطر وابل وقال الأخفش شديدا والمعنى متقارب ومنه طعام وبيل إذا كان لا يستمرأ ومنه قول الخنساء لقد أكلت بجيلة يوم لاقت
فوارس مالك أكلا وبيلا
المزمل : ( 17 ) فكيف تتقون إن . . . . .
( فكيف تتقون ) أي كيف تقون أنفسكم ( إن كفرتم ) أي إن يقيتم على كفركم ( يوما ) أي عذاب يوم ( يجعل الولدان شيبا ) لشدة هوله أي يصير الولدان شيوخا والشيب جمع أشيب وهذا يجوز أن يكون حقيقة وأنهم يصيرون كذلك أو تمثيلا لأن من شاهد الهول العظيم تقاصرت قواه وضعفت أعضاؤه وصار كالشيخ في الضعف وسقوط القوة وفي هذا تقريع لهم شديد وتوبيخ عظيم قال الحسن أي كيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم وكذا قرأ أبن مسعود وعطية ويوما مفعول به لتتقون قال أبن الأنباري ومنهم من نصب اليوم بكفرتم وهذا قبيح والولدان الصبيان
المزمل : ( 18 ) السماء منفطر به . . . . .
ثم زاد في وصف ذلك اليوم بالشدة فقال ( السماء منفطر به ) أي متشققة به لشدته وعظيم هوله والجملة صفة أخرى اليوم والباء سببية وقيل هي بمعنى في اي منفطر فيه وقيل بمعنى اللام أي منفطر له وإنما قال منفطر ولم يقل منفطرة لتنزيل السماء منزلة شيء لكونها قد تغيرت ولم يبق منها إلا ما يعبر عنه بالشيء وقال أبو عمرو بن العلاء لم يقل منفطرة لأن مجازها السقف كما قال الشاعر فلو رفع السماء إليه قوما
لحقنا بالسماء وبالسحاب
فيكون هذا كما في قوله وجعلنا السماء سقفا محفوظا وقال الفراء السماء تذكر وتؤنث وقال أبو علي الفارسي هو من باب الجراد المنتشر والشجر الأخضر و أعجاز نخل منقعر قال أيضا أي السماء ذات انفطار كقولهم امرأة مرضع أي ذات ارضاع على طريق النسب وانفطارها لنزول الملائكة كما قال إذا السماء انفطرت وقوله والسموات يتفطرن من فوقهن وقيل منفطر به أي بالله والمراد بأمره والأول أولى ( كان وعده مفعولا ) أي كان وعد الله بما وعد به من البعث والحساب وغير ذلك كائنا لا محالة والمصدر مضاف إلى فاعله أو وكان وعد اليوم مفعولا فالمصدر مضاف إلى مفعوله وقال مقاتل كان وعده أن يظهر دينه على الدين كله
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال قلت لعائشة أنبئيني عن قيام رسول الله قالت ألست تقرأ هذه السورة يا أيها المزمل قلت بلى قالت فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله خاتمها في السماء اثني عشر شهرا ثم انزل التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعا من بعد فرضه وقد روى هذذ الحديث عنها من طرق وأخرج أبن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وأبن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها وكان بين أولها وآخرها نحو


"""""" صفحة رقم 320 """"""
من سنة وأخرج عبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر وأبن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال لما نزلت يا ايها المزمل قاموا حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت فاقرؤوا ما تيسر منه فاستراح الناس وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وأبن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال في المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه نسختها الآية التي فيها علم ان لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن وناشئة اليل أوله كان صلاتهم أول الليل يقول هذا اجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ وقوله ( أقوم قيلا ) هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن وقوله ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) يقول فراغا طويلا وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله 0 يا ايها المزمل ) قال زملت هذا الأمر فقم به واخرج أبن المنذر عنه في الآية أيضا قال يتزمل بالثياب وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضا ( ورتل القرآن ترتيلا ) قال تقرأ آيتين ثلاثا ثم تقطع لا تهدر وأخرج أبن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبن منيع في مسنده وأبن المنذر وأبن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضا ( ورتل القرآن ترتيلا ) قال بينه تبيينا واخرج العسكري في المواعظ عن علي بن أبي طالب مرفوعا نحوه واخرج أحمد وعبد بن حميد وأبن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وإله وسلم كان إذا أوحى إليه وهو على ناقته وضعت جرانها فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرى عنه وتلت إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وأبن المنذر وأبن نصر والبيهقي في سننه عن أبن عباس في قوله ( إن ناشئة الليل ) قال قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالو نشأ وأخرج البيهقي عنه قال ( ناشئة الليل ) أوله وأخرج ابن المنذر وأبن نصر عنه أيضا قال الليل كله ناشئة واخرج أبن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبن مسعود قال ( ناشئة الليل ) بالحبشة قيام الليل واخرج أبن أبي شيبة في المصنف وأبن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال ( ناشئة الليل ) ما بين المغرب والعشاء وأخرج عبد بن حميد وأبن نصر وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن أبن عباس في قوله 0 إن لك في النهار سبحا طويلا ) قال السبح الفراغ للحاجة والنوم وأخرج أبو يعلي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت لما نزلت ( وذرني والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلا ) لم يكن إلا يسيرا حتى كانت وقعة بدر واخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ( إن لدينا أنكالا ) قال قيودا وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبن جرير وأبن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس ( وطعاما ذا غصة ) قال شجرة الزقوم واخرج الحاكم وصححه عنه في قوله ( كثيبا مهيلا ) قال المهيل الذي إذا أخذت منه شيئا تبعك آخره واخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا ( كثيبا مهيلا ) قال الرمل السائل وفي قوله ( أخذا وبيلا ) قال شديدا وأخرج الطبراني وأبن مردويه عنه أيضا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ ( يجعل الولدان شيبا ) قال ذلك يوم القيامة وذلك يوم يقول الله لآدم قم فابعث من ذريتك بعثا إلى النار قال من كم يا رب قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد فاشتد ذلك على المسلمين فقال حين ابصر ذلك في وجوههم إن بني آدم كثير وإن ياجوج ومأجوج من ولد آدم إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل ففيهم وفي أشباههم جنة لكم وأخرج أبن المنذر عن أبن مسعود نحوه بأخصر منه وأخرج الفريابي وأبن جرير وأبن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله ( السماء منفطر به ) قال ممتلئة بلسان الحبشة وأخرج أبن أبي حاتم عنه قال مثقلة موقرة واخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال يعني تشقق السماء


"""""" صفحة رقم 321 """"""
سورة المزمل ( 19 20
المزمل : ( 19 ) إن هذه تذكرة . . . . .
الإشارة بقوله ( إن هذه ) إلى ما تقدم من الآيات والتذكرة الموعظة والإشارة إلى جميع آيات القرآن إلى ما في هذه السورة فقط ( فمن شاء أتخذ إلى ربه سبيلا ) اي أتخذ بالطاعة التي أهم أنواعها التوحيد إلى ربه طريقا توصله إلى الجنة
المزمل : ( 20 ) إن ربك يعلم . . . . .
( إن ربك يعلم إنك تقوم إدنى من ثلثي الليل ) معنى أدنى أقل استعير له بالأدنى لأن المسافة بين السنين إذا دنت قل ما بينهما ( ونصفه ) معطوف على أدنى ( وثلثه ) معطوف على نصفه والمعنى أن الله يعلم أن رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) يقوم اقل من ثلثي الليل ويقوم نصفه ويقوم ثلثه ) وبالنصف قرأ بن كثير والكوفيون وقرأ الجمهور ونصفه وثلثه بالجر عطفا على ثلثي الليل والمعنى أن الله يعلم أن رسوله صلى الله عليه وإله وسلم يقوم أقل من ثلثي الليل وأقل من نصفه وأقل من ثلثه واختار قراءة الجمهور أبو عبيد وأبو حاتم لقوله علم أن لن تحصوه فكيف يقومون نصفه وثلثه وهم لا يحصونه وقال الفراء القراءة الأولى أشبه بالصواب لأنه قال أقل من ثلثي الليل ثم فسر نفس القلة ( وطائفة من الذين معك ) معطوف على الضمير في تقوم أي وتقوم وذلك القدر معك طائفة من أصحابك ( والله يقدر الليل والنهار ) أي بعلم مقادير الليل والنهار على حقائقها ويختص بذلك دون غيره وأنتم لا تعلمون ذلك على الحقيقة قال عطاء يريد لا يفوته علم ما تفعلون أي أنه يعلم مقادير الليل والنهار فيعلم قدر الذي تقومونه من الليل ( علم أن لن تحصوه ) ان لن تطيقوا علم مقادير الليل والنهار على الحقيقة وفي أن الضمير شأن محذوف وقيل المعنى لن تطيقوا قيام الليل قال القرطبي والأول اصح فإن قيام الليل ما فرض كله قط قال مقاتل وغيره لما نزل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه شق ذلك عليهم وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه فيقوم حتى يصبح مخافة ان يخطئ فانتفخت أقدامهم وانتقعت ألوانهم فرحمهم الله وخفف عنهم فقال 0 علم أن لن تحصوه ) أي علم أن لن تحصوه لأنكم إن زدتم ثقل عليكم واحتجتم إلى تكلف ما ليس فرضا وإن نقصتم شق ذلك عليكم ( فتاب عليكم ) أي فعاد عليكم بالعفو ورخص لكم في ترك القيام وقيل فتاب عليكم من فرض القيام إذ عجزتم وأصل التوبة الرجوع كما تقدم فالمعنى رجع بكم من التثقيل إلى التخويف ومن العسر إلى اليسر ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) أي فاقرؤوا في الصلاة بالليل ما خف عليكم وتيسر لكم منه من غير أن ترقبوا وقتا قال الحسن هو ما نقرأ في صلاة المغرب والعشاء قال السدي ما تيسر منه هو مائة آية قال الحسن أيضا من قرا مائة آية


"""""" صفحة رقم 322 """"""
في ليلة لم يحاجه القرآن وقال كعب من قرا في ليلة مائة آية كتب من القانتين وقال سعيد خمسون آية وقيل معنى ( فاقرءوا ما تيسر منه ) فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل والصلاة تسمى قرأنا كقوله وقرآن الفجر قيل ان هذه الاية نسخت قيام الليل ونصفه والنقصان من النصف والزيادة عليه فيحتمل أن يكون ما تضمنته هذه الآية فرضا ثابتا ويحتمل أن يكون منسوخا لقوله ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال الشافعي الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين فوجدنا سنة رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم تدل على ان لا واجب من الصلاة إلا الخمس وقد ذهب قوم إلى أن قيام الليل نسخ في حقه ( صلى الله عليه وسلم ) وفي حق أمته وقيل نسخ التقدير بمقدار وبقي أصل الوجوب وقيل إنه نسخ في حق الأمة وبقي فرضا في حقه ( صلى الله عليه وسلم ) والأول ألاولى القول بنسخ قيام الليل على العموم في حقه صلى الله عليه وإله وسلم وفي حق أمته وليس في قوله ( فاقرءوا ما تيسر منه ) ما يدل على بقاء شئ من الوجوب لأنه 4 إن كان المراد به القراة من القرآن فقد وجدت في صلاة المغرب والعشاء وما يتبع من النوافل المؤكدة وإن كان المراد به الصلاة من الليل فقد وجدت صلاة الليل بصلاة المغرب والعشاء وما يتبعهما من التطوع وأيضا الأحاديث الصحيحة المصرحة بقول السائل لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم هل على غيرها يعني الصلوات الخمس فقال لا إلا أن تطوع تدل على عدم وجوب غيرها فارتفع بهذا وجوب قيام الليل وصلاته على الأمة كما ارتفع وجوب ذلك على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله ومن الليل فتهجد به نافلة لك قال الواحدي قال المفسرون في قوله فاقرؤوا ما تيسر منه كان هذا في صدر الإسلام ثم نسخ بالصلوات الخمس عن المؤمنين وثبت على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة وذلك قوله وأقيموا الصلاة ثم ذكر سبحانه عذرهم فقال ( علم أن سيكون منكم مرضى ) فلا يطيقون قيام الليل ( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ) أي يسافرون فيها للتجارة والأرباح يطلبون من رزق الله ما يحتاجون إليه في معاشهم فلا يطيقون قيام الليل ( وآخرون يقاتلون في سبيل الله ) يعني المجاهدين فلا يطيقون قيام الليل ذكر سبحانه ها هنا ثلاثة اسباب مقتضية للترخيص ورفع وجوب قيام الليل فرفعه عن جميع الأمة لأجل هذه الأعذار التي تنوب بعضهم ثم ذكر ما يفعلونه بعد هذا الترخيص فقال ( فاقرءوا ما تيسر منه ) وقد سبق تفسيره قريبا والتكرير للتأكيد ( وأقيموا الصلاة ) يعني المفروضة وهي الخمس لوقتها ( وآتوا الزكاة ) يعني الواجبة في الأموال وقال الحارث العكلي هي صدقة الفطر لأن زكاة الأموال وجبت بعد ذلك وقيل صدقة التطوع وقيل كل أفعال الخير ( وأقرضوا الله قرضا حسنا ) أي أنفقوا في سبيل الخير من أموالكم إنفاقا حسنا وقد مضى تفسيره في سورة الحديد قال زيد ابن اسلم القرض الحسن النفقة على ا لأهل وقيل النفقة في الجهاد وقيل هو أخراج الزكاة المفترضة على وجه حسن فيكون تفسيرا لقوله ( وآتوا الزكاة ) والأول أولى لقوله ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) فإن ظاهرة العموم أي خير كان مما ذكر ومما لم يذكر ( هو خيرا وأعظم أجرا ) مما تؤخرونه إلى عند الموت أو توصون به ليخرج بعد موتكم وانتصاب خيرا على انه ثاني مفعولي تجدوه وضمير هو ضمير فصل وبالنصب قرأ الجمهور وقرأ أبو السماك وابن السميفع بالرفع على أن يكون هو مبتدا وخبر خبره والجملة في محل نصب على أنها ثاني مفعولي تجدوه قال أبو زيد وهي لغة تميم يرفعون ما بعد ضمير الفصل وأنشد سيبويه تحن إلى ليلى وأنت تركتها وكنت
عليها بالملاء أنت أقدر
4 وقرأ الجمهور أيضا واعظم بالنصب عطفا على خيرا وقرأ أبو السماك وابن السميفع بالرفع كما قرا برفع


"""""" صفحة رقم 323 """"""
خير وانتصاب أجرا على التمييز ( واستغفروا الله ) أي أطلبوا منه المغفرة لذنوبكم فإنكم لا تخلون من ذنوب تقترفونها ( إن الله غفور رحيم ) أي كثير المغفرة لمن استغفره كثير الرحمة لمن استرحمه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن أبي حاتم وأبن مردويه والطبراني عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( فاقرءوا ما تيسر منه ) قال مائة آية واخرج الدارقطني والبيهقي في سننه وحسناه عن قيس بن أبي حازم قال صليت خلف أبن عباس فقرا في أول ركعة بالحمد لله رب العالمين وأول آية من البقرة ثم ركع فلما انصرفنا أقبل علينا فقال إن الله يقول ( فاقرءوا ما تيسر منه ) قال أبن كثير وهذا حديث غريب جدا لم أره إلا في معجم الطبراني وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن أبي سعيد قال أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر وقد قدمنا في البحث الأول من هذه السورة وما روى أن هذه الآيات المذكورة هنا هي الناسخة لوجوب قيام الليل فارجع إليه
ع74
تفسير
سورة المدثر
هي ست وخمسون آية وهي مكية بلا خلاف
حول السورة
وأخرج أبن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة المدثر بمكة واخرج أبن مردويه عن ابن الزبير مثله وسيأتي أن اول هذه السورة أول ما نزل من القرآن
سورة المدثر ( 1 30 )


"""""" صفحة رقم 324 """"""
المدثر : ( 1 - 2 ) يا أيها المدثر
قال الواحدي قال المفسرون لما بدئ رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم بالوحي أتاه جبريل فرآه رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم على سرير بين السماء والأرض كالنور المتلألئ ففزع ووقع مغشيا عليه فلما افاق دخل على خديجة ودعا بماء فصبه عليه وقال دثروني دثروني فدثروه بقطيفة فقال ( يا ايها المدثر قم فأنذر ) ومعنى يا ايها المدثر يا أيها الذي قد تدثر بثيابه أي تغشى بها وأصله المتدثر فأدغمت التاء في الدال لتجانسهما وقد قرأ الجمهور بالإدغام وقرأ أبي المتدثر على الأصل والدثار هو ما يلبس فوق الشعار والشعار هو الذي يلي الجسد وقال عكرمة المعنى يا ايها المدثر بالنبوة وأثقالها وقال أبن العربي وهذا مجاز بعيد لأنه لم يكن نبيا إذ ذاك ( قم فأنذر ) أي أنهض فخوف أهل مكة وحذرهم العذاب إن لم يسلموا أو قم من مضجعك أو قم قيام عزم وتصميم وقيل الإنذار هنا هو إعلامهم بنبوته وقيل إعلامهم بالتوحيد وقال الفراء المعنى قم فصل وأمر بالصلاة
المدثر : ( 3 ) وربك فكبر
( وربك فكبر ) أي واختص سيدك ومالكك ومصلح أمورك بالتكبير وهو صفة سبحانه بالكبرياء والعظمة وأنه أكبر من أن يكون له شريك كما يعتقده الكفار وأعظم من أن يكون له صاحبه أو ولده قال أبن العربي المراد به تكبير التقديس والتنزية بخلع الأضداد والأنداد والأصنام ولا يتخذ وليا غيره ولا يعبد سواه ولا يرى لغيره فعلا إلا له ولا نعمة إلا منه قال الزجاج إن الفاء في فكبر دخلت على معنى الجزاء كما دخلت في فأنذر وقال أبن جنى هو كقولك زيدا فاضرب أي زيدا اضرب فالفاء زائدة
المدثر : ( 4 ) وثيابك فطهر
( وثيابك فطهر ) المراد بها الثياب الملبوسة على ما هو المعنى اللغوي أمره الله سبحانه بتطهير ثيابه وحفظها عن النجاسات وإزالة ما وقع فيها منها وقيل المراد بالثياب العمل وقيل القلب وقيل النفس وقيل الجسم وقيل الأهل وقيل الدين وقيل الأخلاق قال مجاهد وأبن زيد وأبو رزين أي عملك فأصلح وقال قتادة نفسك فطهر من الذنب والثباب عبارة عن النفس وقال سعيد بن جبير قلبك فطهر ومن هذا قول امرئ القيس فسلى ثيابي من ثيابك تنسل
وقال عكرمة المعنى البسها على غير غدر وغير فجرة وقال أما سمعت قول الشاعر
وإني بحمد الله لأثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع
والشاعر هو غيلان بن سلمة الثقفي ومن إطلاق الثياب على النفس قول عنترة
فشككت بالرمح الطويل ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم
وقول الآخر
ثياب بني عوف طهارى نقية وقال الحسن القرظي إن المعنى وأخلاقك فطهر لأن خلق الإنسان مشتمل على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه ومنه قول الشاعر
ويحيى لا يلام بسوء خلق
ويحيى طاهر الأثواب حر
وقال الزجاج المعنى وثيابك فقصر لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسات إذا انجر على الأرض وبه قال طاوس والأول أولى لأنه المعنى الحقيقي وليس في استعمال الثياب مجاز عن غيرها لعلاقة مع قرينه ما يدل على أنه المراد عند الإطلاق وليس في مثل هذا الأصل أعنى الحمل على الحقيقة عند الإطلاق خلاف وفي الآية دليل على وجوب طهارة الثياب في الصلاة
المدثر : ( 5 ) والرجز فاهجر
( والرجز فاهجر ) الرجز معناه في اللغة العذاب وفيه لغتان كسر الراء وضمها وسمى الشرك وعبادة الأوثان رجزا لأنها سبب الرجز قرأ الجمهور الرجز بكسر الراء وقرأ الحسن ومجاهد وعكرمة وحفص وأبن محيصن بضمها وقال مجاهد وعكرمة الرجز الأوثان كما في قوله


"""""" صفحة رقم 325 """"""
فاجتنبوا الرجز من الأوثان وبه قال أبن زيد وقال إبراهيم النخعي الرجز المأثم والهجر الترك وقال قتادة الرجز إساف ونائله وهما صنمان كانا عند البيت وقال أبو العالية والربيع والكسائي الرجز بضم الوثن وبالكسر العذاب وقال السدي الرجز بضم الراء والوعيد والأول أولى
المدثر : ( 6 ) ولا تمنن تستكثر
( ولا تمنن تستكثر ) قرأ الجمهور لا تمنن بفك الإدغام وقرأ الحسن وأبو اليمان والأشهب العقيلي بالإدغام وقرأ الجمهور تستكثر بالرفع على أنه حال أي ولا تمنن حال كونك مستكثرا وقيل على حذف أن والأصل ولا تمنن أن تستكثر فلما حذفت رفع قال الكسائي فإذا حذف أن رفع الفعل وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش تستكثر بالنصب على تقدير أن وبقاء عملها ويؤيد هذه القراءة قراءة ابن مسعود ولا تمنن أن تستكثر بزيادة أن وقرأ الحسن أيضا وأبن أبي عبلة تستكثر بالجزم على أنه بدل من تمنن كما في قوله يلق أثاما يضاعف له وقول الشاعر متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا
تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
أو الجزم لإجراء الوصل مجرى الوقف كما في قول امرئ القيس فاليوم أشرب غير مستحقب
إثما من الله ولا واغل
بتسكين أشرب وقد اعترض على هذه القراءة لأن قوله تستكثر لا يصح أن يكون بدلا من تمنن لأن المن غير الأستكثار ولا يصح أن يكون جوابا للنهي واختلف السلف في معنى الآية فقيل المعنى لا تمنن على ربك بما تتحمله من أعباء النبوة كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير وقيل لا تعط عطية تلتمس فيها أفضل منها قاله عكرمة وقتادة قال الضحاك هذا حرمة لله على ورسوله لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق وأباحة لأمته وقال مجاهد لا تضعف أن تستكثر من الخير من قولك حبل متين إذا كان ضعيفا وقال الربيع بن أنس لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من لخير وقال ابن كيسان لا تستكثر عملا فتراه من نفسك إنما عملك منه من الله عليك إذ جعل لك سبيلا إلى عبادته وقيل لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجراة تستكثره وقال محمد بن كعب لا تعط تعظ مالك مصانعة وقال زيد بن اسلم إذا اعطيت عطية فأعطها لربك
المدثر : ( 7 ) ولربك فاصبر
( ولربك فاصبر ) أي لوحه ربك فاصبر على طاعته وفرائضه والمعنى لأجل ربك وثوابه وقال مقاتل ومجاهد أصبر على الأذى والتكذيب وقال أبن زيد قلت امرا عظيما فحاربتك العرب والعجم فاصبر عليه لله وقيل اصبر تحت موارد القضاء لله وقيل فاصبر على البلوى وقيل على الأوامر والنواهي
المدثر : ( 8 ) فإذا نقر في . . . . .
( فإذا نقر في الناقور ) الناقور فاعول من النقر كأنه من شأنه أن ينقر فيه للتصويت والنقر في كلام العرب الصوت ومنه قول امرىء القيس أخفصه بالنقر لما علوته
ويقولون نقر باسم الرجل إذا دعاه والمراد هنا النفخ في الصور والمراد النفخة الثانية وقيل الأولى وقد تقدم الكلام في هذا في سورة الأنعام وسورة النحل والفاء للسببية كأنه قيل أصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة أمرهم والعامل في إذا ما دل عليه
المدثر : ( 9 - 10 ) فذلك يومئذ يوم . . . . .
قوله ( فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين ) فإن معناه عسر الأمر عليهم وقيل العامل فيه ما دل عليه فذلك لأنه إشارة إلى النقر ويومئذ بدل من إذا أو مبتدا وخبره يوم عسير والجملة خبر فذلك وقيل هو ظرف للخبر لأن التقدير وقوع يوم عسير وقوله ( غير يسير ) تأكيد لعسرة عليهم لأن كونه غير يسير قد فهم من قوله يوم عسير
المدثر : ( 11 ) ذرني ومن خلقت . . . . .
( ذرني ومن خلقت وحيدا ) أي دعني وهي كلمة تهديد ووعيد والمعنى دعني والذي خلقته حال كونه وجيدا في بطن أمة لا مال له ولا


"""""" صفحة رقم 326 """"""
ولد هذا على أن وحيدا منتصب على الحال من الموصول أو من الضمير العائد إليه المحذوف ويجوز أن يكون حالا من الياء في ذرني أي دعني وحدي معه فإني أكفيك في الانتقام منه والأول أولى قال المفسرون هو الوليد بن المغيرة قال مقاتل يقول خل بيني وبينه فأنا أنفرد بهلكته و 4 إنما خص بالذكر لمزيد كفره وعظيم جحوده لنعم الله عليه وقيل أراد بالوحيد الذي لا يعرف ابوه وكان يقال في الوليد بن المغيرة أنه دعى
المدثر : ( 12 ) وجعلت له مالا . . . . .
( وجعلت له مالا ممدودا ) أي كثيرا أو يمد بالزيادة والنماء شيئا بعد شيء قال الزجاج مالا غير منقطع عنه وقد كان الوليد بن المغيرة مشهورا بكثره المال على اختلاف أنواعه قيل كان يحصل له من غلة أمواله ألف ألف دينار وقيل أربعة ألأف دينار وقيل ألف دينار
المدثر : ( 13 ) وبنين شهودا
( وبنين شهودا ) أي وجعلت له بنين حضورا بمكة معه لا يسافرون ولا يحتاجون إلى التفرق في طلب الرزق لكثرة مال أبيهم قال الضحاك كانوا سبعة ولدوا بمكة وخمسة ولدوا بالطائف وقال سعيد بن جبير كانوا ثلاثة عشر ولدا وقال مقاتل كانوا سبعة كلهم رجال أسلم منهم ثلاثة خالد وهشام والوليد بن الوليد فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك وقيل معنى شهودا أنه إذا ذكر ذكروا معه وقيل كانوا يشهدون معه ما كان يشهده ويقومون بما كان يباشره
المدثر : ( 14 ) ومهدت له تمهيدا
( ومهدت له تمهيدا ) أي بسطت له في العيش وطول العمر والرياسة في قريش والتمهيد عند العرب التوطئة ومنه مهد الصبي وقال مجاهد إنه المال بعضه فوق بعض كما يمهد الفراش
المدثر : ( 15 ) ثم يطمع أن . . . . .
( ثم يطمع أن أزيد ) أي يطمع بعد هذا كله في الزيادة لكثرة حرصه وشدة طعمه مع كفرانه للنعم وإشراكه بالله قال الحسن لم يطمع أن أدخله الجنة وكان يقول إن كان محمد صادقا فما خلقت الجنة إلا لي
المدثر : ( 16 ) كلا إنه كان . . . . .
ثم ردعه الله سبحانه وزجره فقال ( كلا ) أي لست أزيده ثم علل ذلك بقوله ( إنه كان لآياتنا عنيدا ) أي معاندا لها وكافرا بما أنزلناه منها على رسولنا يقال عند يعند بالكسرة إذا خالف الحق ورده وهو يعرفه فهو عنيد وعاند والعاند الذي يجوز عن الطريق ويعدل عن القصد ومنه قول الحارثي إذا ركبت فاجعلاني وسطا
إني كبير لا أطيق العندا
قال أبو صالح عنيدا معناه مباعدا وقال قتادة جاحدا وقال مقاتل معرضا
المدثر : ( 17 ) سأرهقه صعودا
( سأرهقه صعودا ) أي سأكلفه مشقة من العذاب وهو مثل لما يلقاه من العذاب الصعب الذي لا يطاق وقيل المعنى إنه يكلف أن يصعد جبلا من نار والإرهاق في كلام العرب أن يحمل الإنسان الشيء الث 4 قيل
المدثر : ( 18 ) إنه فكر وقدر
وجملة ( إنه فكر وقدر ) تعليل لما تقدم من الوعيد أي إنه فكر في شأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما أنزل عليه من القرآن وقدر في نفسه أي هيأ الكلام في نفسه والعرب تقول هيأت الشيء إذا قدرته وقدرت الشيء إذا هيأته وذلك أنه لما سمع القرآن لم يزل يفكر ماذا يقول فيه وقدر في نفسه ما يقول
المدثر : ( 19 ) فقتل كيف قدر
فذمه الله وقال ( فقتل كيف قدر ) أي لعن وعذب كيف قدر أي على أي حال قدر ما قدر من الكلام كما يقال في الكلام لأضربنه كيف اصنع أي على أي حال كانت منه وقيل المعنى قهر وغلب كيف قدر ومنه قول الشاعر وما ذرفت عيناك إلا لتضربي
بسهميك في أعشار قلب مقتل
وقال الزهري عذب وهو من باب الدعاء عليه
المدثر : ( 20 ) ثم قتل كيف . . . . .
والتكرير في قوله ( ثم قتل كيف قدر ) للمبالغة والتأكيد
المدثر : ( 21 ) ثم نظر
( ثم نظر ) أي بأس بأي شيء يدفع القرآن ويقدح فيه أو فكر في القرآن وتدبر ما هو
المدثر : ( 22 ) ثم عبس وبسر
( ثم عبس ) أي قطب وجهه لما لم يجد مطعنا يطعن به في القرآن والعبس مصدر عبس مخففا يعبس عبسا عبوسا إذا قطب وقيل عبس


"""""" صفحة رقم 327 """"""
في وجوه المؤمنين وقيل عبس في وجه النبي صلى الله عليه وإله وسلم ( وبسر ) أي كلح وجهه وتغير ومنه قول الشاعر صبحنا تميما غداة الحفار
بشهباء ملموسة باسرة
وقول الآخر وقد رابني منها صدود رأيته وإعراضها عن حاجتي وبسورها
وقيل إن ظهور العبوس في الوجه يكون بعد المجاورة وظهور البسور في الوجه قبلها والعرب تقول وجه باسر إذا تغير واسود وقال الراغب البسر استعجال الشر قبل أوانه نحو بسر الرجل حاجته أي طلبها في غير أوانها قال ومنه قوله عبس وبسر أي أظهر العبوس قبل اوانه وقبل وقته وأهل اليمن يقولون بسر المركب وأبسر أي وقف لا يتقدم ولا يتأخر وقد ابسرنا أي صرنا إلى البسور
المدثر : ( 23 ) ثم أدبر واستكبر
( ثم أدبر واستكبر ) أي أعرض عن الحق وذهب إلى أهله وتعظم عن أن يؤمن
المدثر : ( 24 ) فقال إن هذا . . . . .
( فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ) أي يأثره عن غيره ويرويه عنه والسحر إظهار الباطل في صورة الحق أو الخديعة على ما تقدم بيانه في سورة البقرة يقال أثرت الحديث بأثره إذا ذكرته عن غيرك ومنه قول الأعشى
إن الذي فيه تحاربتما بين للسامع والأثر
المدثر : ( 25 ) إن هذا إلا . . . . .
( إن هذا إلا قول البشر ) يعني أنه كلام الإنس وليس بكلام الله وهو تأكيد لما قبله وسيأتي أن الوليد بن المغيرة إنما قال هذا القول إرضاء لقومه بعد اعترافه أن له حلاوة وأن عليه طلاوة إلى أخر كلامه
المدثر : ( 26 ) سأصليه سقر
ولما قال هذا القول الذي حكاه الله عنه قال الله عز وجل ( سأصليه سقر ) أي سأدخله النار وسقر من أسماء النار ومن دركات جهنم وقيل أن هذه الجملة بدل من قوله ( سأرهقه صعودا
المدثر : ( 27 ) وما أدراك ما . . . . .
ثم بالغ سبحانه في وصف النار وشدة أمرها فقال ( وما أدراك ما سقر ) أي وما أعلمك أي شيء هي والعرب تقول وما أدراك ما كذا إذا أرادوا المبالغة في أمره وتعظيم شأنه وتهويل خطبه وما الأولى مبتدأ وجملة ما سقر خبر المبتدأ
المدثر : ( 28 ) لا تبقي ولا . . . . .
ثم فسر حالها فقال ( لا تبقي ولا تذر ) والجملة مستأنفة لبيان حال سقر والكشف عن وصفها وقيل هي في محل نصب على الحال والعامل فيها معنى التعظيم لأن قوله ( وما أدراك ما سقر ) يدل على التعظيم فكأنه قال استعظموا سقر في هذه الحال والأول أولى ومفعول الفعلين محذوف قال السدي لا تبقي لهم لحما ولا تزد لهم عظما وقال عطاءلا تبقي من فيها حيا ولا تذره ميتا وقيل هما لفظان بمعنى واحد كررا للتأكيد كقولك صد عني وأعرض عني
المدثر : ( 29 ) لواحة للبشر
( لواحة للبشر ) قرأ الجمهور لواحة بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وقيل على أنه نعت لسقر والأول أولى قرأ الحسن وعطية العوفي ونصر بن عاصم وعيسى بن عمر وأبن أبي عبلة وزيد بن علي بالنصب على الحال أو الاختصاص للتهويل يقال لاح يلوح أي ظهر والمعنى أنها تظهر للبشر قال الحسن تلوح لهم جهنم حتى يرونها عيانا كقوله وبرزت الجحيم لمن يرى وقيل معنى ( لواحة للبشر ) أي مغيرة لهم ومسودة قال مجاهد والعرب تقول لاحة الحر والبرد والسقم والحزن إذا غيره وهذا أرجح من ألأول وإليه ذهب جمهور المفسرين ومنه قول الشاعر
وتعجب هند أن رأتني شاحبا تقول لشيء لوحته السمايم
في غيرته ومنه قول رؤية بن العجاج
لوح منه بعد بدن وشبق تلويحك الضامر يطوي للسبق


"""""" صفحة رقم 328 """"""
وقال الأخفش المعنى أنها معطشة للبشر وأنشد سقتنى على لوح من الماء شربة
سقاها به الله الرهام الغواديا
والمراد بالبشر إما جلدة الإنسان الظاهرة كما قاله الأكثر أو المراد به أهل النار من الإنس كما قال الأخفش
المدثر : ( 30 ) عليها تسعة عشر
( عليها تسعة عشر ) قال المفسرون يقول على النار تسعة ع 4 شر من الملائكة هم خزنتها وقيل تسعة عشر صنفا من أصناف الملائكة وقيل تسعة عشر صفا من صفوفهم وقيل تسعة عشر نقيبا مع كل نقيب جماعة من الملائكة والأول أولى قال الثعلبي ولا ينكر هذا فإذا كان ملك واحد يقبض أرواح جميع الخلائق كان أحرى أن يكونوا تسعة عشر على عذاب بعض الخلق قرأ الجمهور تسعة عشر بفتح الشين من عشر وقرأ أبو جعفر ابن القعقاع وطلحة بن سليمان بإسكانها
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال إن أول ما نزل من القرآن ( يا أيها المدثر ) فقال له يحيى بن أبي كثير يقولون إن أول ما نزل اقرأ باسم ربك الذي خلق فقال أبو سلمة سألت جابر بن عبد الله عن ذلك قلت له مثل ما قلت فقال جابر لا أحدثنك إلا ما حدثنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فحثيت منه رعبا فرجعت فقلت دثروني فدثروني فنزلت ( يا أيها المدثر قم فأنذر ) إلى قوله ( والرجز فاهجر ) وسيأتي في سورة اقرأ ما يدل على أنها أول سورة أنزلت والجمع ممكن وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس ( يا أيها المدثر ) فقال دثر هذا الأمر فقم به وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه ( يا أيها المدثر ) قال النائم ( وثيابك فطهر ) قال لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب باطل ( والرجز فاهجر ) قال الأصنام ( ولا تمنن تستكثر ) قال لا تعط تلمس بها أفضل منها وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه أيضا ( وثيابك فطهر ) قال من الإثم قال وهي في كلام العرب نقي الثياب وأخرج ابن مردويه عنه أيضا ( وثيابك فطهر نال من الغدر لا تكن غدارا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري وابن مردويه عن عكرمة عنه أيضا أنه سئل عن قوله ( وثيابك فطهر ) قال لا تلبسها على غدرة ثم قال ألا تسمعون قول غيلان بن سلمة وإني بحمد الله لا ثوب فاجر
لبست ولا من غدره أتقنع
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عنه أيضا ( ولا تمنن تستكثر ) قال لا تعط الرجل عطاء رجاء أن يعطيك أكثر منه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عنه أيضا ( فإذا نقر في الناقور ) قال الصور ( يوم عسير ) قال شديد وأخرج ابن مردويه عنه أيضا ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) قال الوليد بن المغيرة وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عنه أيضا أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله قال قد علمت قريش أني من أكثرها مالا قال فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له وأنك كارة له قال وماذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني لا برجزه ولا بقصيدة


"""""" صفحة رقم 329 """"""
ولا بأشعار الجن والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئا من هذا ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته قال والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه قال فدعني حتى أفكر فلما فكر قال هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) وقد أخرج هذا عبد الرزاق عن عكرمة مرسلا وكذا أخرجه ابن جرير وابن إسحاق وابن المنذر وغير واحد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن قوله ( وجعلت له مالا ممدودا ) قال غلة شهر بشهر وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ( وجعلت له مالا ممدودا ) قال ألف دينار وأخرج هناد عن أبي سعيد الخدرى في قوله ( سأرهقه صعودا ) قال هو جبل في النار يكلفون أن يصعدوا فيه فكلما وضعوا أيديهم عليه ذابت فإذا رفعوها عادت كما كانت وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ( عنيدا ) قال جحودا وأخرج أحمد والترمذى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الصعود جبل في النار يصعد فيه الكافر سبعين خريفا ثم يهوى وهو كذلك فيه أبدا قال الترمذى بعد إخراجه غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة عن دراج قال ابن كثير وفيه غرابة ونكارة انتهى وقد أخرجه جماعة من قول أبي سعيد وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ( صعودا ) صخرة في جهنم يسحب عليها الكافر على وجهه وأخرج ابن المنذر عنه قال جبل في النار وأخرج ابن المنذر عنه أيضا في قوله ( لا تبقي ولا تذر ) قال لا تبقي منهم شيئا وإذا بدلوا خلقا آخر لم تذر أن تعاودهم سبيل العذاب الأول وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا ( لواحة للبشر ) قال تلوح الجلد فتحرقه وتغير لونه فيصير أسود من الليل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ( لواحة ) قال محرقة وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن البراء أن رهطا من اليهود سألوا بعض أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن خزنة جهنم فقال الله ورسوله أعلم فجاء جبريل فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت عليه ساعتئذ ( عليها تسعة عشر ) سورة المدثر ( 31 37
المدثر : ( 31 ) وما جعلنا أصحاب . . . . .
لما نزل قوله سبحانه ( عليها تسعة عشر ) قال أبو جهل أما لمحمد من الأعوان إلا تسعة عشر يخوفكم محمد بتسعة عشر وأنتم الدهم أفيعجز كل مائة رجل منكم أن يبطشوا بواحد منهم ثم يخرجون من النار فقال أبو الأشد وهو رجل من بني جمح يا معشر قريش إذا كان يوم القيامة فأنا أمشي بين أيديكم فأدفع عشرة


"""""" صفحة رقم 330 """"""
بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر ونمضي ندخل الجنة فأنزل الله ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ) يعني ما جعلنا المدبرين لأمر النار القائمين بعذاب من فيها إلا ملائكة فمن يطيق الملائكة ومن يغلبهم فكيف تتعاطون أيها الكفار مغالبتهم وقيل جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنس المخلوقين من الجن والإنس فلا يأخذهم ما يأخذ المجالس من الرقة والرأفة وقيل لأنهم أقوم خلق الله بحقه والغضب له وأشدهم بأسا وأقواهم بطشا ( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة ) أي ضلالة ( للذين ) استقلوا عددهم ومحنة لهم والمعنى ما جعلنا عددهم هذا العدد المذكور في القرآن إلا ضلالة ومحنة لهم حتى قالوا ما قالوا ليتضاعف عذابهم ويكثر غضب الله عليهم وقيل معنى إلا فتنة إلا عذابا كما في قوله يوم هم على النار يفتنون أي يعذبون واللام في قوله ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ) متعلق بجعلنا والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى لموافقة ما نزل من القرآن بأن عدة خزنة جهنم تسعة عشر لما عندهم قاله قتادة والضحاك ومجاهد وغيرهم والمعنى أن الله جعل عدة الخزنة هذه العدة ليحصل اليقين لليهود والنصارى بنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لموافقة ما في القرآن لما في كتبهم ( ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) وقيل المراد الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وقيل أراد الذين آمنوا المؤمنين من أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى ليزدادوا يقينا إلى يقينهم لما رأوا من موافقة أهل الكتاب لهم وجملة ( ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ) مقررة لما تقدم من الاستيقان وازدياد الإيمان والمعنى نفى الارتياب عنهم في الدين أو في أن عدة خزنة جهنم تسعة عشر ولا ارتياب في الحقيقة من المؤمنين ولكنه من باب التعريض لغيرهم ممن في قلبه شك ( وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ) المراد بالذين في قلوبهم مرض هم المنافقون والسورة وإن كانت مكية ولم يكن إذ ذاك نفاق فهو إخبار بما سيكون في المدينة أو المراد بالمرض مجرد حصول الشك والريب وهو كائن في الكفار قال الحسين بن الفضل السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق فالمرض في هذه الآية الخلاف والمراد بقوله ( والكافرون ) كفار العرب من أهل مكة وغيرهم ومعنى ( ماذا أراد الله بهذا مثلا ) أي شيء أراد بهذا العدد المستغرب استغراب المثل قال الليث المثل الحديث ومنه قوله مثل الجنة التى وعد المتقون أي حديثها والخبر عنها ( كذلك يضل الله من يشاء ) أي مثل ذلك الإضلال المتقدم ذكره وهو قوله ( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا يضل الله من يشاء ) من عباده والكاف نعت مصدر محذوف ( ويهدى من يشاء ) من عباده والمعنى مثل ذلك الإضلال للكافرين والهداية للمؤمنين يضل الله من يشاء إضلاله ويهدي من يشاء هدايته وقيل المعنى كذلك يضل الله عن الجنة من يشاء ويهدي إليها من يشاء ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) أي ما يعلم عدد خلقه ومقدار جموعه من الملائكة وغيرهم إلا هو وحده لا يقدر على علم ذلك أحد وقال عطاء يعنى من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار لا يعلم عدتهم إلا الله والمعنى أن خزنة النار وإن كانوا تسعة عشر فلهم من الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه ثم رجع سبحانه إلى ذكر سقر فقال ( وما هي إلا ذكرى للبشر ) أي وما سقر وما ذكر من عدد خزنتها إلا تذكرة وموعظة للعالم وقيل ( وما هي ) أي الدلائل والحجج والقرآن إلا تذكرة للبشر وقال الزجاج نار الدنيا تذكرة لنار الآخرة وهو بعيد وقيل ما هي أي عدة خزنة جهنم إلا تذكرة للبشر ليعلموا كمال قدرة الله وأنه لا يحتاج إلى أعوان وأنصار وقيل الضمير في ( وما هي ) يرجع إلى الجنود
المدثر : ( 32 ) كلا والقمر
ثم ردع سبحانه المكذبين وزجرهم فقال ( كلا والقمر ) قال الفراء كلا صلة للقسم التقدير أي والقمر وقيل المعنى حقا والقمر قال ابن جرير المعنى رد زعم من زعم أنه يقاوم خزنة جهنم أي ليس الأمر كما يقول
المدثر : ( 33 ) والليل إذ أدبر
ثم أقسم على ذلك بالقمر


"""""" صفحة رقم 331 """"""
وبما بعده وهذا هو الظاهر من معنى الآية ( والليل إذ أدبر ) أي ولى قرأ الجمهور إذا بزيادة الألف دبر بزنة ضرب على أنه ظرف لما يستقبل من الزمان وقرأ نافع وحفص وحمزة إذ بدون ألف أدبر بزنة أكرم ظرف لما مضى من الزمان ودبر وأدبر لغتان كما يقال أقبل الزمان وقبل الزمان يقال دبر الليل وأدبر إذا تولى ذاهبا
المدثر : ( 34 ) والصبح إذا أسفر
( والصبح إذا أسفر ) أي أضاء وتبين
المدثر : ( 35 ) إنها لإحدى الكبر
( إنها لإحدى الكبر ) هذا جواب القسم والضمير راجع إلى سقر أي إن سقر لإحدى الدواهي أو البلايا الكبر والكبر جمع كبرى وقال مقاتل إن الكبر اسم من أسماء النار وقيل إنها أي تكذيبهم لمحمد لإحدى الكبر وقيل إن قيام الساعة لإحدى الكبر ومنه قول الشاعر يا بن المعلى نزلت إحدى الكبر
داهية الدهر وصماء الغير
قرأ الجمهور لإحدى بالهمزة وقرأ نصر بن عاصم وابن محيصن وابن كثير في روايه عنه إنها لحدى بدون همزة وقال الكلبي أراد بالكبر دركات جهنم وأبوابها
المدثر : ( 36 ) نذيرا للبشر
( نذيرا للبشر ) انتصاب نذيرا على الحال من الضمير في إنها قاله الزجاج وروى عنه وعن الكسائي وأبي علي الفارسي أنه حال من قوله قم فأنذر أي قم يا محمد فأنذر حال كونك نذيرا للبشر وقال الفراء هو مصدر بمعنى الإنذار منصوب بفعل مقدر وقيل إنه منتصب على التمييز لإحدى لتضمنها معنى التنظيم كأنه قيل أعظم الكبر إنذارا وقيل إنه مصدر منصوب بأنذر المذكور في أول السورة وقيل منصوب بإضمار أعني وقيل منصوب بتقدير ادع وقيل منصوب بتقدير ناد أو بلغ وقيل إنه مفعول لأجله والتقدير وإنها لإحدى الكبر لأجل إنذار البشر قرأ الجمهور بالنصب وقرأ أبي بر كعب وابن أبي عبلة بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي نذير أو هو نذير وقد اختلف في النذير فقال الحسن هي النار وقيل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقال أبو رزين المعنى أنا نذير لكم منها وقيل القرآن نذير للبشر لما تضمنه من الوعد والوعيد
المدثر : ( 37 ) لمن شاء منكم . . . . .
( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر هو بدل من قوله للبشر أي نذيرا لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الطاعة أو يتأخر عنها والمعنى أن الإنذار قد حصا لكل من آمن وكفر وقيل فاعل المشيئة هو الله سبحانه أي لمن شاء الله أن يتقدم منكم بالإيمان أو يتأخر بالكفر والأول أولى وقال السدى لمن شاء منكم أن يتقدم إلى النار المتقدم ذكرها أو يتأخر إلى الجنة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال لما سمع أبو جهل ( عليها تسعة عشر ) قال لقريش ثكلتكم أمهاتكم أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدهم أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطش برجل من خزنة جهنم وأخرج ابن مردويه عنه في قوله ( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ) قال أبو الأشد خلوا بيني وبين خزنة جهنم أنا أكفيكم مؤنتهم قال وحدثت أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وصف خزان جهنم فقال كأن أعينهم البرق وكأن أفواههم الصياصي يجرون أشعارهم لهم مثل قوة لثقلين يقبل أحدهم بالأمة من الناس يسوقهم على رقبته جبل حتى يرمي بهم في النار فيرمي بالجبل عليهم وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو الشيخ عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حدثهم عن ليلة أسرى به قال فصعدت أنا وجبريل إلى السماء الدنيا فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل وهو صاحب سماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك مع كل ملك جنده مائة ألف وتلا هذه الآية ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) وأخرج أحمد عن أبي ذر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) آطت السماء وحق ما أن تنط ما فيها موضع أصبع إلا عليه ملك ساجد وأخرجه الترمذي وابن ماجة قال الترمذي حسن غريب ويروى عن


"""""" صفحة رقم 332 """"""
أبي ذر موقوفا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ( إذ أدبر ) قال دبور ظلامه وأخرج مسدد في مسنده وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال سألت ابن عباس عن قوله ( والليل إذ أدبر ) فسكت عني حتى إذا كان من آخر الليل وسمع الأذان ناداني يا مجاهد هذا حين دبر الليل وأخرج ابن جرير عنه في قوله ( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) قال من شاء اتبع طاعة الله ومن شاء تأخر عنها
سورة المدثر ( 38 56
المدثر : ( 38 ) كل نفس بما . . . . .
قوله ( كل نفس بما كسبت رهينة ) أي ماخوذة بعملها ومرتهنة به إما خلصها وإما أوبقها والرهينة اسم بمعنى الرهن كالشيمة بمعنى الشيم وليست صفة ولو كانت صفة لقيل رهين لأن فعيلا يستوي فيه المذكر والمؤنث والمعنى كل نفس رهن بكسبها غير مفكوكة
المدثر : ( 39 ) إلا أصحاب اليمين
( إلا أصحاب اليمين ) فإنهم لا يرتهنون بذنوبهم بل يفكون بما احسنوا من أ 4 عمالهم واختلف في تعيينهم فقيل هم الملائكة وقيل المؤمنون وقيل أولاد المسلمين وقيل الذين كانوا عن يمين آدم وقيل أصحاب الحق وقيل هم المعتمدون على الفضل دون العمل وقيل هم الذين أختارهم الله لخدمته
المدثر : ( 40 ) في جنات يتساءلون
( في جنات ) هو محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة استئناف جوابا عن سؤال نشأ مما قبله ويجوز أن يكون في جنات حالا من أصحاب اليمين وأن يكون حالا من فاعل يتساءلون وأن يكون ظرفا ليتساءلون وقوله ( يتساءلون ) يجوز أن يكون على بابه أي يسأل بعضهم بعضا ويجوز أن يكون بمعنى يسألون أي يسألون غيرهم نحو وتداعيته فعلى الوجه الأول يكون
المدثر : ( 41 ) عن المجرمين
( عن المجرمين ) متعلقا بيتساءلون أي يسأل بعضهم بعضا عن أحوال المجرمين وعلى الوجه الثاني تكون عن زائدة أي يسألون المجرمين
المدثر : ( 42 ) ما سلككم في . . . . .
وقوله ( ما سلككم في سقر ) هو على تقدير القول أي يتساءلون عن المجرمين يقولون لهم ما سلككم في سقر أو يسألونهم قائلين لهم ما سلككم في سقر والجملة على كلا التقديرين في محل نصب على الحال والمعنى ما أدخلكم في سقر تقول سلكت الخيط في كذا إذا دخلته فيه قال الكلبي يسأل الرجل من أهل الجنة الرجل من أهل النار باسمه فيقول له يا فلان ما سلكك في النار وقيل أن الملائكة يسألون الملائكة عن أقربائهم فتسأل الملائكة المشركين يقولون لهم ما سلككم في سقر قال الفراء في هذا ما يقوى أن اصحاب اليمين هم الولدان لأنهم


"""""" صفحة رقم 333 """"""
لا يعرفون الذنوب
المدثر : ( 43 ) قالوا لم نك . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما أجاب به اهل النار عليهم فقال ( قالوا لم نك من المصلين ) أي من المؤمنين الذين يصلون لله في الدنيا
المدثر : ( 44 ) ولم نك نطعم . . . . .
( ولم نك نطعم المسكين ) أي لم نتصدق على المساكين قيل وهذان محمولان على الصلاة الواجبة والصدقة الواجبة لأنه لا تعذيب على غير الواجب وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالشرعيات
المدثر : ( 45 ) وكنا نخوض مع . . . . .
( وكنا نخوض مع الخائضين ) أي نخالط أهل الباطل في باطلهم قال قتادة كلما غوى غاو غوينا معه وقال السدي كنا نكذب مع المكذبين وقال ابن زيد كنا نخوض مع الخائضين في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وهو قولهم كاذب مجنون ساحر شاعر
المدثر : ( 46 ) وكنا نكذب بيوم . . . . .
( وكنا نكذب بيوم الدين ) أي بيوم الجزاء والحساب
المدثر : ( 47 ) حتى أتانا اليقين
( حتى أتانا اليقين ) وهو الموت كما في قوله واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
المدثر : ( 48 ) فما تنفعهم شفاعة . . . . .
( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) أي شفاعة الملائكة والنبيين كما تنفع الصالحين
المدثر : ( 49 ) فما لهم عن . . . . .
( فما لهم عن التذكرة معرضين ) التذكرة التذكير بمواعظ القرآن والفاء لترتيب إنكار إعراضهم عن التذكرة على ما قبله من موجبات الإقبال عليها وانتصاب معرضين على الحال من الضمير في متعلق الجار والمجرور أي شيء حصل لهم حال كونهم معرضين عن القرآن الذي هو مشتمل على التذكرة الكبرى والموعظة العظمى
المدثر : ( 50 ) كأنهم حمر مستنفرة
ثم شبههم في نفورهم عن القرآن بالحمر فقال ( كأنهم حمر مستنفرة ) والجملة حال من الضمير في معرصين على التداخل ومعنى مستنفرة نافرة يقال نفر واستنفر مثل عجب واستعجب والمراد الحمر الوحشية قرأ الجمهور مستنفرة بكسر الفاء أي نافرة وقرأ نافع وأبن عامر بفتحها أي منفرة مذعورة واختار القراءة الثانية أبو حاتم وأبو عبيد قال في الكشاف المستنفرة الشديدة النفار كأنها تطلب النفار من نفوسها في جمعها له وحملها عليه
المدثر : ( 51 ) فرت من قسورة
( فرت من قسورة ) أي من رماة يرمونها والقسور الرامي وجمعة قسورة قاله سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وقتادة وابن كيسان وقيل هو الأسد قاله عطاء والكلبي قال أبن عرفة من القسر بمعنى القهر لأنه يقهر السباع وقيل القسورة أصوات الناس وقيل القسورة بلسان العرب الأسد وبلسان الحبشة الرماة وقال أبن الأعرابي القسورة أول الليل أي فرت من ظلمة الليل وبه قال عكرمة والأول أولى وكل شديد عند العرب فهو قسورة ومنه قول الشاعر يابنت كوني خيرة لخيره
أخوالها الحي وأهل القسورة
ومنه قول لبيد إذا ما هتفنا هتفة في ندينا
أتانا الرجال العابدون القساورة
ومن إطلاقه على الأسد قول الشاعر مضمر تحذره الإبطال
كأنه القسور الرهال
المدثر : ( 52 ) بل يريد كل . . . . .
( بل يريد كل امرئ منهم أن يوتى صحفا منشرة ) عطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل لا يكتفون بتلك التذكرة بل يريد قال المفسرون إن كفار قريش قالوا لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله أنك رسول الله والصحف الكتب واحدتها صحيفة والمنشره المنشوره والمنتشره المفتوحه ومثل هذه الآية قوله سبحانه حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قرأ الجمهور منتشرة بالتشديد وقرا سعيد بن جبير بالتخفيف وقرأ الجمهور أيضا بضم الحاء من صحف وقرأ سعيد بن جبير بإسكانها
المدثر : ( 53 ) كلا بل لا . . . . .
ثم ردعهم الله سبحانه عن هذه المقالة وزجرهم فقال ( كلا بل لا يخافون الآخرة ) يعني عذاب الآخرة لأنهم لو خافوا النار لما اقترحوا الآيات وقيل كلا بمعنى حقا
المدثر : ( 54 ) كلا إنه تذكرة
ثم كرر الردع والزجر لهم فقال 0 كلا إنه تذكرة ) يعني القرآن أو حقا إنه تذكرة والمعنى أنه يتذكر به ويتعظ بمواعظه
المدثر : ( 55 ) فمن شاء ذكره
( فمن شاء ذكره ) أي فمن شاء أن يتعظ به اتعظ
المدثر : ( 56 ) وما يذكرون إلا . . . . .
ثم رد سبحانه المشيئة


"""""" صفحة رقم 334 """"""
إلى نفسه فقال ( وما يذكرون إلا أن يشاء الله ) قرأ الجمهور ط يذكرون بالياء التحتية وقرأ نافع ويعقوب بالفوقية واتفقوا على التخفيف وقوله إلا أن يشاء الله استثناء مفرغ من أعم الأحوال قال مقاتل إلا أن يشاء الله لهم الهدى ( هو أهل التقوى ) أي هو الحقيق بأن يتقين المتقون بترك معاصيه والعمل بطاعاته ( وأهل المغفرة ) أي هو الحقيق بأن يغفر للمؤمنين ما فرط منهم من الذنوب والحقيق بأن يقبل توبة التائبين من العصاة فيغفر ذنوبهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير عن ابن عباس في قوله ( كل نفس بما كسبت رهينة ) قال مأخوذة بعملها واخرج أبن المنذر عنه في قوله ( إلا أصحاب اليمين ) قال هم المسلمون وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وأبن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب ( إلا أصحاب اليمين ) قال هم أطفال المسلمين واخرج أبن أبي حاتم عن ابن عباس ( حتى أتانا اليقين ) قال الموت وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي موسى الأشعري في قوله ( فرت من قسورة ) قال هم الرماة رجال القسى وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عن أبن عباس قال القسورة الرجال الرماة القنص واخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبي حمرة قال قلت لأبن عباس القسورة الأسد فقال ما أعلمه بلغة أحد من العرب الأسد هم عصبة الرجال وأخرج سفيان أبن عيينة وعبد الرزاق وأبن المنذر عن ابن عباس ( من قسورة ) قال هو ركز الناس يعني أصواتهم وأخرج أحمد والدارمي والترمذي وحسنه والنسائي وأبن ماجه والبزار وأبو يعلي وأبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن عدى وصححه وأبن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم قرأ هذه الآية ( هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) فقال قال ربكم أنا اهل أن أتقي فلا يجعل معي إله فمن أتقاني فلم يجعل معي إلها فأنا اهل أغفر له واخرج أبن مردويه عن أبي هريرة وأبن عمر وابن عباس مرفوعا نحوه
ع75
تفسير
سورة القيامة
هي تسع وثلاثون آية
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف واخرج أبن الضريس والنحاس وابن مردويه والبهيقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال نزلت سورة القيامة وفي لفظ سورة لا أقسم بمكة واخرج أبن مردويه عن أبن الزبير قال أنزلت سورة لا أقسم بمكة
سورة القيامة ( 1 25 )


"""""" صفحة رقم 335 """"""
القيامة : ( 1 ) لا أقسم بيوم . . . . .
قوله ( لا أقسم بيوم القيامة ) قال أبو عبيدة وجماعة من المفسرين إن لا زائدة والتقدير أقسم قال السمرقندي أجمع المفسرون أن معنى لا اقسم أقسم واختلفوا في تفسير لا فقال بعضهم هي زائدة وزيادتها جارية في كلام العرب كما في قوله ما منعك ألا تسجد يعني أن تسجد و لئلا يعلم أهل الكتاب ومن هذا قول الشاعر تذكرت ليلى فاعترتنى صبابة
وكاد صميم القلب لا يتقطع
وقال بعضهم هي رد لكلامهم حيث أنكروا البعث كأنه قال ليس الأمر كما ذكرتم أقسم بيوم القيامة وهذا قول الفراء وكثير من النحويين كقول القائل لا والله فلا رد لكلام قد تقدمها ومنه قول الشاعر فلا وأبيك ابنة العامري
لا يدعى القوم أنى أفر
وقيل هي للنفي لكن لا لنفي الإقسام بل لنفي ما ينبئ عنه من إعظام المقسم به وتفخيمه كأن معنى لا أقسم بكذا لا أعظمه بإقسامى به حق إعظامه فإنه حقيق بأكثر من ذلك وقيل أنها لنفي الإقسام لوضوح الأمر وقد تقدم الكلام على هذا في تفسير قوله فلا أقسم بمواقع النجوم وقرأ الحسن وأبن كثير في روايه عنه والزهري وأبن هرمز لا أقسم بدون ألف على أن اللام لام الابتداء والقول الأول هو ارجح هذه الأقوال وقد اعترض عليه الرازى بما لا يقدح في قوته ولا يفت في عضد رجحانه وإقسامه سبحانه بيوم القيامة لتعظيمه وتفخيمه ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته
القيامة : ( 2 ) ولا أقسم بالنفس . . . . .
( ولا أقسم بالنفس اللوامة ) ذهب قوم إلى انه سبحانه أقسم بالنفس اللوامة كما أقسم بيوم القيامة فيكون الكلام في لا هذه كالكلام في الأولى وهذا قول الجمهور وقال الحسن أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة قال الثعلبي والصحيح أنه اقسم بهما جميعا ومعنى النفس اللوامة النفس التي تلوم صاحبها على تقصيره أو تلوم جميع النفوس على تقصيرها قال الحسن هي والله نفس المؤمن لا يرى المؤمن إلا يلوم نفسه ما اردت بكذا ما أردن بكذا والفاجر لا يعاتب نفسه قال مجاهد هي التي تلوم على ما فات وتندم فتلوم نفسها على الشر لم تعمله وعلى الخير لم لم تستكثر منه قال الفراء ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها وإن كانت عملت خيرا قالت هلا ازددت وإن كانت عملت سوءا قالت ليتني لم افعل وعلى هذا فالكلام خارج مخرج المدح للنفس فيكون الإقسام بها حسنا سائغا وقيل اللوامة هي الملومة المذمومة فهي صفة ذم وبهذا احتج من نفي أن يكون قسما إذ ليس لنفس العاصي خطر يقسم به قال مقاتل هي نفس الكافر يلوم نفسه ويتحسر في الآخرة على ما فرط في جنب الله والأول أولى
القيامة : ( 3 ) أيحسب الإنسان ألن . . . . .
( أيحسب


"""""" صفحة رقم 336 """"""
الإنسان أن لن نجمع عظامه ) المراد بالإنسان الجنس وقيل الإنسان الكافر والهمزة للإنكار وأن هي المخفضة من الثقيلة واسمها ضمير شأن محذوف والمعنى أيحسب الإنسان أن الشأن أن لن نجمع عظامه بعد أن صارت رفاتا فنعيدها خلقا جديدا وذلك حسبان باطل فإنا نجمعها وما يدل عليه هذا الكلام هو جواب القسم قال الزجاج أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة ليجمعن العظام للبعث فهذا جواب القسم وقال النحاس جواب القسم محذوف أي ليبعثن والمعنى أن الله سبحانه يبعث جميع أجزاء الإنسان وإنما خص العظام لأنها قالب الخلق
القيامة : ( 4 ) بلى قادرين على . . . . .
( بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) بل إيجاب لما بعد النفي المنسحب إليه الاستفهام والوقف على هذا اللفظ وقف حسن ثم يبتدئ الكلام بقوله قادرين وانتصاب قادرين على الحال أي بلى نجمعها قادرين فالحال من ضمير الفعل المقدر وقيل المعنى بل نجمعها نقدر قادرين قال الفراء أي نقدر ونقوي قادرين على أكثر من ذلك وقال أيضا إنه يصلح نصبه على التكرير أي بلى فليحسبنا قادرين وقيل التقدير بل كنا قادرين وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميفع ( بلى قادرون ) على تقدير مبتدأ أي بلى نحن قادرون ومعنى ( على أن نسوي بنانه ) على أن نجمع بعضها إلى بعض فنردها كما كانت مع لطافتها وصغرها فكيف بكبار الأعضاء فنبه سبحانه بالبيان وهي الأصابع على بقية الأعضاء وأن الاقتدار على بعثها وإرجاعها كما كانت أولى في القدرة من إرجاع الأصابع الصغيرة اللطيفة المشتملة على المفاصل والأظافر والعروق اللطاف والعظام الدقاق فهذا وجه تخصيصها بالذكر وبهذا قال الزجاج وابن قتيبة وقال جمهور المفسرين إن معنى الآية أن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار صفيحة واحدة لا شقوق فيها فلا يقدر على أن ينتفع بها في الأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة ونحوهما ولكنا فرقنا أصابع لينتفع بها وقيل المعنى بل نقدر على أن نعيد الإنسان في هيئة البهائم فكيف في صورته التي كان عليها والأول أولى ومنه قول عنترة وإن الموت طوع يدي إذا ما
وصلت بنانها بالهندوان
فنبه بالبنان على بقية الأعضاء
القيامة : ( 5 ) بل يريد الإنسان . . . . .
( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) هو عطف على أيحسب إما على أنه استفهام مثله وأضرب عن التوبيخ بذلك إلى التوبيخ بهذا أو على أنه إيجاب انتقل إليه من الاستفهام والمعنى بل يريد الإنسان ان يقدم فجوره فيما بين يديه من الأوقات وما يستقبله من الزمان فيقدم الذنب ويؤخر التوبة قال ابن الأنباري يريد أن يفجر ما امتد عمره وليس في نيته أن يرجع عن ذنب يرتكبه قال مجاهد والحسن وعكرمة والسدي وسعيد بن جبير يقول سوف اتوب ولا يتوب حتى يأتيه الموت وهو على أشر أحواله قال الضحاك هو الأمل يقول سوف أعيش وأصيب من الدنيا ولا يذكر الموت والفجور أصله الميل عن الحق فيصدق على كل من مال عن الحق بقول أو فعل ومنه قول الشاعر
أقسم بالله أبو حفص عمر ما مسها من نقب ولا دبر
أغفر له اللهم إن كان فجر
القيامة : ( 6 ) يسأل أيان يوم . . . . .
وجملة ( يسأل أيان يوم القيامة ) مستأنفة لبيان معنى يفجر والمعنى يسأل متى يوم القيامة سؤال استبعاد واستهزاء
القيامة : ( 7 ) فإذا برق البصر
( فإذا برق البصر ) أي فزع وتحير من برق الرجل إذا نظر إلى البرق فدهش بصره قرأ الجمهور برق بكسر الراء قال أبو عمرو بن العلاء والزجاج وغيرهما المعنى تحير فلم يطرف ومنه قول ذي الرمة ولو أن لقمان الحكيم تعرضت
لعينيه مي بسافرا كاد يبرق
وقال الخليل والفراء برق بالكسر فزع وبهت وتحير والعرب تقول للإنسان المبهوت قد برق فهو برق وانشد الفراء


"""""" صفحة رقم 337 """"""
ونفسك فانع ولا تنعني
وداو الكلوم ولا تبرق
4 أي لا تفزع من كثرة الكلوم التي بك وقرأ نافع وأبان عن عاصم برق بفتح الراء أي لمع بصره من شدة شخوصه للموت قال مجاهد وغيره هذا عند الموت وقيل برق يبرق شق عينيه وفتحهما وقال أبو عبيدة فتح الراء وكسرها لغتان بمعنى
القيامة : ( 8 ) وخسف القمر
( وخسف القمر ) قرأ الجمهور خسف بفتح الخاء والسين مبنيا للفاعل وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى والأعرج وابن أبي عبلة وأبو حيوة بضم الخاء وكسر السين مبنيا للمفعول ومعنى خسف القمر ذهب ضوؤه ولا يعود كما يعود إذا خسف الدنيا ويقال خسف إذا ذهب جميع ضوئه وكسف إذا ذهب بعض ضوئه
القيامة : ( 9 ) وجمع الشمس والقمر
(وجمع الشمس والقمر ) أي ذهب ضوؤهما جميعا ولم يقل جمعت لأن التأنيث مجازي قاله المبرد وقال أبو عبيدة هو لتغليب المذكر على المؤنث وقال الكسائي حمل على معنى جمع النيران وقال الزجاج والفراء ولم يقل جمعت لأن المعنى جمع بينهما في ذهاب نورهما وقيل جمع بينهما في طلوعهما من الغرب أسودين مكورين مظلمين قال عطاء يجمع بينهما يوم القيامة ثم يقذفان في البحر فيكونان نار الله الكبرى وقيل تجمع الشمس والقمر فلا يكون هناك تعاقب ليل ونهار وقرأ ابن مسعود وجمع بين الشمس والقمر
القيامة : ( 10 ) يقول الإنسان يومئذ . . . . .
( يقول الإنسان يومئذ أين المفر ) أي يقول عند وقوع هذه الأمور أين المفر أي الفرار والمفر مصدر بمعنى الفرار قال الفراء يجوز أن يكون موضع الفرار ومنه قول الشاعر أين المفر والكباش تنقطح
وكل كبش فر منها يفتضح
قال الماوردي يحتمل وجهين أحدهما أين المفر من الله سبحانه استحياء منه والثاني ين المفر من جهنم حذرا منها قرأ الجمهور أين المفر بفتح الميم والفاء مصدرا كما تقدم وقرا بن عباس ومجاهد والحسن وقتادة بفتح الميم وكسر الفاء على أنه اسم مكان أي أين مكان الفرار وقال الكسائي هما لغتان مثل مدب ومدب ومصح ومصح وقرأ الزهري بكسر الميم وفتح الفاء على أن المراد به الإنسان الجيد الفرار ومنه قول امرئ القيس مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من عل
4 أي جيد الفر والكر
القيامة : ( 11 ) كلا لا وزر
( كلا ولا وزر ) أي لا جبل ولا حصن ولا ملجأ من الله وقال ابن جبير لا محيص ولا منعة والوزر في اللغة ما يلجأ إليه الإنسان من حصن أو جبل أو غيرهما ومنه قول طرفة ولقد تعلم بكر أننا
فاضلوالرأى وفي الرورع وزر
وقال آخر لعمري ما للفتي من وزر
من الموت يدركه والكبر
4 قال السدي كانوا إذا فزعوا في الدنيا تحصنوا بالجبال فقال لهم الله لا وزر يعصمكم مني يومئذ وكلا للردع أو لنفي ما قبلهااو بمعنى حقا
القيامة : ( 12 ) إلى ربك يومئذ . . . . .
( إلى ربك يومئذ المستقر ) أي المرجع والمنتهى والمصيرة لا إلى غيره وقيل إليه الحكم بين العباد لا إلى غيره وقيل المستقر الاستقرار حيث يقره الله
القيامة : ( 13 ) ينبأ الإنسان يومئذ . . . . .
( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم واخر ) اي يخبر يوم القيامة بما عمل من خير وشر وقال قتادة بما عمل من طاعة وما أخر من طاعة فلم يعمل بها وقال زيد بن اسلم بما قدم من أمواله وما خلف للورثة وقال مجاهد بأول عمله و آخره وقال الضحاك بما قدم من فرض وأخر من فرض قال القشيري هذا الانباء يكون يوم القيامة عند وزن الأعمال ويجوز أن يكون عند الموت قال القرطبي والأول أظهر
القيامة : ( 14 ) بل الإنسان على . . . . .
( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) ارتفاع بصيرة على أنها خبر الإنسان على نفسه متعلق ببصيرة قال الأخفش جعله هو البصيرة كما تقول للرجل أنت حجة على نفسك


"""""" صفحة رقم 338 """"""
وقيل المعنى إن جوارحه تشهد عليه بما عمل كما في قوله يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وارجلهم بما كانوا يعملون وأنشد الفراء كأن على ذي العقل عينا بصيرة
بمقعده أو منظر هو ناظر
فيكون المعنى بل جوارج الإنسان عليه شاهدة قال أبو عبيدة والقتيبي إن هذه الهاء في بصيرة هي التي بسميها أهل الأعراب هاء المبالغة كما في قولهم علامة وقيل المراد بالبصيرة الكاتبان اللذان يكتبان ما يكون منه من خير وشر والتاء على هذا للتأنيث وقال الحسن أي بصيرة بعيوب نفسه
القيامة : ( 15 ) ولو ألقى معاذيره
( ولو القى معاذيره ) أي ولو اعتذر وجادل عن نفسه لم ينفعه ذلك يقال معذرة ومعاذير قال الفراء أي وإن اعتذر فعليه من يكذب عذره وقال الزجاج المعاذير الستور والواحد معذار أي وإن أرخى الستور يريد أن يخفي نفسه فنفسه شاهدة عليه كذا قال الضحاك والسدي والستر بلغة اليمن يقال له معذار كذا قال المبرد ومنه قول الشاعر ولكنها ضنت بمنزل ساعة
علينا وأطت يومها بالعاذر
والأول أولى وبه قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وابن زيد وأبو العالية ومقاتل ومثله قوله يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم وقوله ولا يؤذن لهم فيعتذرون وقول الشاعر فما حسن أن يعذر المرء نفسه
وليس له من سائر الناس عاذر
القيامة : ( 16 ) لا تحرك به . . . . .
( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحرك شفتيه ولسانه بالقرآن إذا أنزل عليه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي حرصا على أن يحفظه ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت هذه الآية أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي لتأخذه على عجل مخافة أن يتفلت منك ومثل هذا قوله ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه الآية
القيامة : ( 17 ) إن علينا جمعه . . . . .
( إن علينا جمعه ) في صدرك حتى لا يذهب عليك منه شيء و ( قرآنه ) إي إثبات قراءته في لسانك قال الفراء القراءة والقزآن مصدران وقال قتادة فاتبع قرآنه أي شرائعه وأحكامه
القيامة : ( 18 ) فإذا قرأناه فاتبع . . . . .
( فإذا قرآناه ) أي أتممناه قراءته عليك بلسان جبريل ( فاتبع قرآنه ) أي قراءته
القيامة : ( 19 ) ثم إن علينا . . . . .
( ثم إن علينا بيانه ) أي تفسير ما فيه من الحلال والحرام وبيان ما أشكل منه قال الزجاج المعنى علينا أن ننزله عليك قرآنا عربيا فيه بيان للناس وقيل المعنى إن علينا أن نبينه بلسانك
القيامة : ( 20 ) كلا بل تحبون . . . . .
( كلا بل تحبون العاجلة ) كلا للردع عن العجلة والترغيب في الأناة وقيل هي ردع لمن لا يؤمن بالقرآن وبكونه بينا من الكفار قال عطاء أي لا يؤمن أبو جهل بالقرآن وبيانه قرأ أهل المدينة والكوفيون بل تحبون
القيامة : ( 21 ) وتذرون الآخرة
( وتذرون ) بالفوقية في الفعلين جميعا وقرأ الباقون بالتحتية فيهما فعلى القراءة الأولى يكون الخطاب لهم تقريعا وتوبيخا وعلى القراءة الثانية يكون الكلام عائدا إلى الإنسان لأنه بمعنى الناس والمعنى تحبون الدنيا وتتركون الآخرة فلا تعملون لها
القيامة : ( 22 ) وجوه يومئذ ناضرة
( وجوه يومئذ ناضرة ) أي ناعمة غضة حسنة يقال شجر ناظر وروض ناضر أي حسن ناعم ونضارة العيش حسنة وبهجته قال الواحدي والمفسرون يقولون مضيئة مسفرة مشرقة
القيامة : ( 23 ) إلى ربها ناظرة
( إلى ربها ناظرة ) هذا من النظر أي إلي خالقها ومالك أمرها ناظرة أي تنظر إليه هكذا قال جمهور أهل العلم والمراد به ماتواترت به الأحاديث الصحيحة من أن العباد ينظرون ربهم يوم القيامة كما ينظرون إلى القمر ليلة البدر قال ابن كثير وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام وهداة الأنام وقال مجاهد إن النظر هنا انتظار ما لهم عند الله من الثواب وروي نحوه عن عكرمة وقيل لا يصح هذا إلا عن مجاهد وحده قال الأزهري وقول مجاهد خطأ لأنه لا يقال


"""""" صفحة رقم 339 """"""
نظر إلى كذا بمعنى الانتظار وإن قول القائل نظرت إلى فلان ليس إلا رؤية عين إذا أرادوا الانتظار قالوا نظرته كما في قول الشاعر فإنكما إن تنظراني ساعة
من الدهر تنفعني لدى أم جندب
فإذا أرادوا نظر العين قالوا نظرت إليه كما قال الشاعر نظرت إليها والنجوم كأنها
مصابيح رهبان تشب لفعال
وقول الآخر إني إليك لما وعدت لناظر نظر الفقير إلى الفني الموسر
أي أنظر إليك نظر دل كما ينظر الفقير إلى الغني وأشعار العرب وكلماتهم في هذا كثيرة جدا ووجوه مبتدأ وجاز الابتداء به مع كونه نكرة لأن المقام مقام تفصيل وناضرة صفة لوجوب ويومئذ ظرف لناظرة ولو لم يكن المقام مقام تفصيل لكان وصف النكرة بقوله ناضرة مسوغا للأبتداء بها ولكن مقام التفصيل بمجرده مسوغ للأبتداء بالنكرة
القيامة : ( 24 ) ووجوه يومئذ باسرة
( ووجوه يومئذ باسرة ) أي كالحة عابسة كئيبة قال في الصحاح بسر الرجل وجهه بسورا أي كلح قال السدي باسرة أي متغيرة وقيل مصفرة والمراد بالوجوه هنا وجوه الكفار
القيامة : ( 25 ) تظن أن يفعل . . . . .
( تظن أن يفعل بها فاقرة ) الفاقرة الداهية العظيمة يقال فقرته الفاقرة أي كسرت فقار ظهره قال قتادة الفاقرة الشر وقال السدي الهلاك وقال ابن زيد دخول النار وأصل الفاقرة الوسم على أنف البعير بحديدة أو نار حتى تخلص إلى العظم كذا قال الأصمعي ومن هذا قولهم قد عمل بهم الفاقرة قال النابغة
أبا لي قبر لا يزال مقابلي وضربة فأس فوق رأسي فاقرة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن سعيد بن جبير قال سألت ابن عباس عن قوله ( لا أقسم بيوم القيامة ) قال يقسم ربك بما شاء من خلقه قلت ( ولا أقسم بالنفس اللوامة ) قال النفس اللؤوم قلت ( أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بل قادرين على أن نسوي بنانه ) قال لو شاء لجعله خفا أو حافرا وأخرج أبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه 0 اللوامة ) قال المذمومة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضا قال التي تلوم على الخير والشر تقول لو فعلت كذا وكذا وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال تندم على ما فات وتلوم عليه وأخرج ابن جرير عنه أيضا ( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) قال يمضي قدما وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال هو الكافر الذي يكذب بالحساب وأخرج أبن جرير عنه أيضا في الآية قال يعني الأمل يقول أعمل ثم أتوب واخرج ابن أبي الدنيا في ذم الأمل والبيهقي في الشعب عنه ايضا في الآية قال يقدم الذنب ويؤخر التوبة وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وأبن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عنه أيضا ( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) يقول سوف أتوب ( يسأل أيان يوم القيامة ) قال يقوم متى يوم القيامة قال فبين له ( إذا برق البصر ) واخرج أبن جرير عنه قال ( إذا برق البصر ) يعني الموت وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدينا وابن المنذر وأبن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ( لاوزر ) قال لا حصن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله ( لا وزر ) قال لا حصن ولا ملجأ وفي لفظ لا حرز وفي لفظ لا جبل وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله ( ينبؤ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) قال بما قدم من عمل واخر من سنة عمل بها من بعده من خير أو شر واخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه


"""""" صفحة رقم 340 """"""
واخرج ابن جرير عن ابن عباس قال بما قدم من المعصية وأخر من الطاعة فينبؤ بذلك وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر من طرق عنه في قوله ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) قال شهد على نفسه وحده ( ولو ألقى معاذيره ) قال ولو اعتذر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) قال سمعه وبصره ويديه ورجليه وجوارحه ( ولو القى معاذيره ) ولو تجرد من ثيابه واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ويعالج من التنزيل شدة فكان يحرك به لسانه وشفتيه مخافة أن يتفلت منه يريد أن يحفظه فأنزل الله ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ) قال يقول إن علينا أن نجمعه في صدرك ثم تقرأه ( فإذا قرأناه ) يقول إذا أنزلناه عليك ( فاتبع قرآنه فاستمع له وانصت ( ثم إن علينا بيانه ) أن نبينه بلسانك وفي لفظ علينا أن نقرأه فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد ذلك إذا أتاه جبريل أطرق وفي لفظ استمع فإذا ذهب قرأه كما وعده الله وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وابن أبي حاتم عنه ( فإذا قرأناه ) قال بيناه ( فاتبع قرآنه ) يقول اعمل به وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ابن مسعود في قوله ( كلا بل تحبون العاجلة ) قال عجلت لهم الدنيا شرها وخيرها وغيبت الآخرة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ( وجوه يومئذ ناضرة ) قال ناعمة وأخرج أبن المنذر والآجري في الشريعة واللالكائي في السنة والبيهقي في الرؤية عنه ( وجوه يومئذ ناضرة ) قال يعني حسنها ( إلى ربها ناظرة ) قال نظرت إلى الخالق وأخرج ابن مردويه عنه أيضا ( إلى ربها ناظرة ) قال تنظر إلى وجه ربها واخرج أبن مردويه عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله علسه وآله وسلم وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) قال ينظرون إلى ربهم بلا كيفية ولا حد محدود ولا صفة معلومة واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال قال الناس يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا يا رسول الله فهل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة نحوه وقد قدمنا أن أحاديث الرؤية متواترة فلا نطيل بذكرها وهي تأتي في مصنف مستقل ولم يتمسك من نفاها واستبعدها بشي يصلح للتمسك به لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله وقد أخرج أبن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وأبن جرير وابن المنذر والطبراني والدارقطني والحاكم وأبن مردويه والبيهقي عن أبن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانة وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) وأخرجه أحمد في المسند من حديثه بلفظ أن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله كل يوم مرتين وأخرج النسائي والدارقطتني وصححه وابو نعيم عن أبي هريرة قال قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا قال هل ترون الشمس في يوم لا غيم فيه وترون القمر في ليلة لا غيم فيها قلنا نعم قال فإنكم سترون ربكم عز وجل حتى إن أحدكم ليحاضر ربه محاضرة فيقول عبدي هل تعرف ذنب كذا وكذا فيقول ألم تغفر لي فيقول بمغفرتي صرت إلى هذا
سورة القيامة ( 26 40 )


"""""" صفحة رقم 341 """"""
القيامة : ( 26 ) كلا إذا بلغت . . . . .
قوله ( كلا ) ردع وزجر أي بعيد أن يؤمن الكافر بيوم القيامة ثم استأنف فقال ( إذا بلغت التراقي ) أي بلغت النفس أو الروح التراقي وهي جمع ترقوة وهي عظم بين ثغرة النحر والعاتق ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشفاء على الموت ومثله قوله فلولا إذا بلغت الحلقوم وقيل معنى كلا حقا أي حقا المساق إلى الله إذا بلغت التراقي والمقصود تذكيرهم شدة الحال عند نزول الموت قال دريد بن الصمة ورب كريهة دافعت عنها
وقد بلغت نفوسهم التراقي
القيامة : ( 27 ) وقيل من راق
( وقيل من راق ) أي قال من حضر صاحبها من برقية ويشتفي برقيته قال قتادة التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئا وبه قال أبو قلابة ومنه قول الشاعر هل للفتى من بنات الموت من واقى
أم هل له من حمام الموت من راقى
وقال أبو الجوزاء هو من رقى يرقي إذا صعد والمعنى من يرقى بروحه إلى السماء أم ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب وقيل إنه يقول ذلك ملك الموت وذلك أن نفس الكافر تكره الملائكة قربها
القيامة : ( 28 ) وظن أنه الفراق
( وظن أنه الفراق ) أي وأيقن الذي بلغت روحه التراقي أنه الفراق من الدنيا من الأهل والمال والولد
القيامة : ( 29 ) والتفت الساق بالساق
( والتفت الساق بالساق ) أي التفت ساقه بساقه عند نزول الموت به وقال جمهور المفسرين المعنى تتابعت عليه الشدائد وقال الحسن هما ساقاه إذا التفتا في الكفن وقال زيد بن أسلم التفت ساق الكفن بساق الميت وقيل ماتت رجلاه ويبست ساقاه ولم تحملاه وقد كان جوالا عليهما وقال الضحاك اجتمع عليه أمران شديدان الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه وبه قال أبن زيد والعرب لا تذكر الساق إلا في الشدائد الكبار والمحن العظام ومنه قولهم قامت الحرب على ساق وقيل الساق الأول تعذيب روحه عند خروج نفسه والساق الاخر شدة البعث وما بعده
القيامة : ( 30 ) إلى ربك يومئذ . . . . .
( إلى ربك يومئذ المساق ) أي إلى خالقك يوم القيامة المرجع وذلك جمع العباد إلى الله يساقون إليه
القيامة : ( 31 ) فلا صدق ولا . . . . .
( فلا صدق ولا صلى ) أي لم يصدق بالرسالة ولا بالقرآن ولا صلى لربه والضمير يرجع إلى الإنسان المذكور في أول هذه السورة قال قتادة فلا صدق بكتاب الله ولا صلى لله وقيل فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه قال الكسائي لا بمعنى لم وكذا قال الأخفش والعرب تقول لاذهب أي لم يذهب وهذا مستفيض في كلام العرب ومنه إن تغفر اللهم نغفر جما
وأى عبد لك لا ألما
4
القيامة : ( 32 ) ولكن كذب وتولى
( ولكن كذب وتولى ) أي كذب بالرسول وبما جاء به وتولى عن الطاعة والإيمان
القيامة : ( 33 ) ثم ذهب إلى . . . . .
( ثم ذهب إلى اهله يتمطى ) أي يتبختر ويختال في مشيته افتخارا بذلك وقيل هو مأخوذ من المطي وهو الظهر والمعنى يلوي مطاه وقيل أصله يتمطط وهو التمدد والتثاقل أي يتثاقل ويتكاسل عن الداعي إلى الحق
القيامة : ( 34 - 35 ) أولى لك فأولى
( أولى لك فأولى ثم اولى لك فاولى ) أي وليك الويل واصله أولاك الله ما تكرهه واللام مزيدة كما في ردف لكم وهذا تهديد شديد


"""""" صفحة رقم 342 """"""
والتكرير للتأكيد أي يتكرر عليك ذلك مرة بعد مرة قال الواحدي قال المفسرون أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بيد أبي جهل ثم قال ( أولى لك فأولى ) فقال أبو جهل بأي شيء تهددني لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا وإني لأعز أهل هذا الوادي فنزلت هذه الآية وقيل معناه الويل لك ومنه قول الخنساء هممت بنفسي بعض الهمو
م فأولى لنفسي أولى لها
وعلى القول بأنه الويل قيل هو من المقلوب كأنه قيل أويل لك ثم أخر الحرف المعتل قيل ومعنى التكرير لهذا اللفظ أربع مرات والويل لك حيا والويل لك ميتا والويل لك يوم البعث والويل لك يوم تدخل النار وقيل المعنى إن الذم لم اولى لك من تركه وقيل المعنى أنت أولى واجدر بهذا العذاب قاله ثعلب وقال الأصمعي أولى في كلام العرب معناه مقاربة الهلاك قال المبرد كأنه يقول قد وليت الهلاك وقد دانيته وأصله من الولي وهو القرب وانشد الفراء فاولى أن يكون لك الولاء
أي قارب أن يكون لك وأنشد ايضا
أولى لمن هاجت له أن يكمدا
القيامة : ( 36 ) أيحسب الإنسان أن . . . . .
( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) أي هملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يحاسب ولا يعاقب وقال السدي معناه المهمل ومنه إبل سدي أي ترعى بلا راع وقيل المعنى أيحسب أن يترك في قبره كذلك أبدا لا يبعث
القيامة : ( 37 ) ألم يك نطفة . . . . .
وجملة ( ألم يك نطفة من مني يمنى ) مستأنفة أي الم يك ذلك الأنسان قطرة من مني يراق في الرحم وسمي المني منيا لإراقته والنطفة الماء القليل يقال نطف الماء إذا قطر قرا الجمهور ألم يك بالتحتية على إرجاع الضمير إلى الإنسان وقرأ الحسن بالفوقية على الالتفات إليه توبيخا له وقرأ الجمهور أيضا تمنى بالفوقية على ان الضمير للنطفة وقرأ حفص وأبن محيصن ومجاهد ويعقوب بالتحتية على أن الضمير للمني ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو واختارها أبو حاتم
القيامة : ( 38 ) ثم كان علقة . . . . .
( ثم كان علقة ) أي كان بعد النطفة علقة أي دما ( فخلق ) أي فقدر بأن جعلها مضغة مخلقة ( فسوى ) اي فعد له وكمل نشأته ونفخ فيه الروح
القيامة : ( 39 ) فجعل منه الزوجين . . . . .
( فجعل منه ) أي حصل من الإنسان وقيل من المنى ( الزوجين ) اي الصنفين من نوع الإنسان ثم بين ذلك فقال ( الذكر والأنثى ) أي الرجل والمراة
القيامة : ( 40 ) أليس ذلك بقادر . . . . .
( أليس ذلك ) أي ليس ذلك الذي أنشأ هذا الخلق البديع وقدر عليه ( بقادر على أن يحيى الموتى ) أي يعيد الأجسام بالبعث كما كانت عليه في الدنيا فإن الإعادة أهون من الأبتداء وأيسر مؤنة منه قرأ الجمهور بقادر وقرأ زيد بن علي يقدر فعلا مضارعا وقرأ الجمهور يحيى بنصبه بأن وقرأ طلحة بن سليمان والفياض بن غزوان بسكونها تخفيفا أو على إجراء الوصل مجرى الوقف كما مر في مواضع
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله 0 وقيل من راق ) قال تنتزع نفسه حتى إذا كانت في تراقيه قيل من يرقي بروحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ( والتفت الساق بالساق ) قال التفت عليه الدنيا والآخرة وملائكة العذاب أيهم يرقى به واخرج عبد بن حميد عنه ( وقيل من راق ) قل من راق يرقى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا ( والتفت الساق بالساق ) يقول آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من ايام الآخرة فتلقى الشدة بالشدة إلا من رحم الله واخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا قال يتمطى يختال واخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والنسائي وأبن جرير وأبن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وأبن مردويه عن سعيد بن جبير قال سالت أبن عباس عن قوله ( أولى لك فأولى ) اشي قاله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأبي جهل من قبل نفسه أم أمره الله به قال بل قاله من قبل نفسه ثم انزله الله واخرج أبن جرير وأبن الممنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس ( أن يترك سدى ) قال


"""""" صفحة رقم 343 """"""
هملا وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري عن صالح بن أبي الخليل قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرأ هذه الاية ( اليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) قال سبحانك اللهم وبلى واخرج أبن مردويه عن البراء أبن عازب قال لما نزلت هذه الآية ( أليس الله بقادر على أن يحيي الموتى ) قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سبحانك ربي وبلى واخرج أبن النجار في تاريخه عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يقول عند قراءنه لهذه الآية بلى وانا على ذلك من الشاهدين واخرج أحمد وابو داود والترمذي وأبن المنذر والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها أليس الله بأحكم الحاكمين فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ لا أقسم بيوم القيامة فانتهى إلى قوله أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى فليقل بلى ومن قرأ والمرسلات عرفا فبلغ فبأي حديث بعده يؤمنون فليقل آمنا بالله وفي إسناده رجل مجهول وأخرج أبن المنذر ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم إذا قرأت لااقسم بيوم القيامة فبلغت أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى فقل بلى
ع76
تفسير
سورة الإنسان
هي إحدى وثلاثون آية
حول السورة
قال الجمهور هي مدنية وقال مقاتل والكلبي هي مكية واخرج النحاس عن ابن عباس أنها نزلت بمكة واخرج أبن مردويه عن ابن الزبير مثله وقيل فيها مكى من قوله ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ) إلى آخر السورة وما قبله مدني واخرج الطبراني وابن مردويه وأبن عساكر عن أبن عمر قال جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سل واستفهم فقال يا رسول الله فضلتم علينا بالألوان والصور والنبوة أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت به إني كائن معك في الجنة قال نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة الف عام ثم قال من قال لا آله إلا الله كان له عهد عند الله ومن قال سبحان الله وبحمده كتب له مائة الف حسنة وأربع وعشرون الف حسنة ونزلت هذه السورة ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) إلى قوله ( ملكا كبيرا ) فقال الحبشي وإن عيني لنرى ما ترى عيناك في الجنة قال نعم فاشتكى حتى فاضت نفسه قال أبن عمر فلقد رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يدليه في حفرته بيده واخرج أحمد في الزهد عن محمد بن مطرف قال حدثني الثقة إن رجلا أسود كان يسأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن التسبيح والتهليل فقال له عمر بن الخطاب أكثرت على رسول الله فقال مه يا عمر وأنزلت على النبي صلى الله عليه وغله وسلم هل أتى على الإنسان حين من الدهر حتى إذا أتى على ذكر الجنة زفر الأسود زفرة خرجت نفسه فقال النبي صلى الله عليه وإله وسلم مات شوقا إلى الجنة واخرج نحوه أبن وهب عن ابن زيد مرفوعا مرسلا واخرج أحمد والترمذي وحسنه وأبن ماجه وأبن منيع وابو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه والضياء عن أبي ذر قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( هل أتى على الإنسان ) حتى ختمها ثم قال إني أرى ما لا ترون واسمع مالا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع اصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل


"""""" صفحة رقم 344 """"""
سورة الإنسان ( 1 12
الإنسان : ( 1 ) هل أتى على . . . . .
حكى الواحدي عن المفسرون وأهل المعاني أن ( هل ) هنا بمعنى قد وليس باستفهام وقد قال بهذا سيبويه والكسائي والفراء وأبو عبيدة قال الفراء هل تكون جحدا وتكون خبرا فهذا من الخبر لأنك تقول هل أعطيتك تقرره بأنك أعطيته والجحد أن تقول هل يقدر أحد على مثل هذا وقيل هي وإن كانت بمعنى قد ففيها معنى الاستفهام والأصل أهل أتى فالمعنى أقد أتي والاستفهام للتقرير والتقريب والمراد بالإنسان هنا آدم قاله قتادة والثوري وعكرمة والسدي وغيرهم ( حين من الدهر ) قيل أربعون سنة قبل أن ينفخ فيه الروح وقيل إنه خلق من طين أربعين سنة ثم من حمأ مسنون أربعين سنة ثم من صلصال أربعين سنة فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة وقيل الحين المذكور هنا لا يعرف مقداره وقيل المراد بالإنسان بنو آدم والحين مدة الحمل وجملة ( لم يكن شيئا مذكورا ) في محل نصب على الحال من الإنسان أو في محل رفع صفة لحين قال الفراء وقطرب وثعلب المعنى أنه كان جسدا مصورا ترابا وطينا لا يذكر ولا يعرف ولا يدري ما اسمه ولا ما يراد به ثم نفخ فيه الروح فصار مذكورا وقال يحيي بن سلام لم يكن شيئا مذكورا في الخلق وإن كان عند الله شيئا مذكورا وقيل ليس المراد بالذكر هنا الأخبار فإن إخباره الرب عن الكائنات قديم بل هو الذكر بمعنى الخطر والشرف كما في قوله وإنه لذكر لك ولقومك قال القشري ما كان مذكورا للخلق وإن كان مذكورا لله سبحانه قال الفراء كان شيئا لم يكن مذكورا فجعل النفي متوجها إلى القيد وقيل المعنى قد مضت أزمته وما كان آدم شيئا ولا مخلوقا ولا مذكورا لأحد من الخليقة وقال مقاتل في الكلام تقديم وتأخير وتقديره هل أتى حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا لأنه خلقه بعد خلق الحيوان كله ولم يخلق بعده حيوان
الإنسان : ( 2 ) إنا خلقنا الإنسان . . . . .
( إنا خلقنا الإنسان من نطفة ) المراد بالإنسان هنا أبن آدم قال القرطبي من غير خلاف والنطفة الماء الذي يقطر وهو المني وكل ماء قليل في وعاء فهو نطفة وجمعها نطف و ( أمشاج ) صفة لنطفة وهي جمع مشج أو مشيج وهي


"""""" صفحة رقم 345 """"""
الأخلاط والمراد نطفة الرجل ونطفة المرأة واختلاطهما يقال مشج هذا بهذا فهو ممشوج أي خلط هذا بهذا فهو مخلوط قال المبرد مشج يمشج إذا اختلط وهو هنا اختلاط النطفة بالدم قال رؤبة بن العجاج يطرحن كل معجل مشاج
لم يكس جلدا من دم أمشاج
قال الفراء أمشاج اختلاط ماء الرجل وماء المرأة والدم والعلقة ويقال مشج هذا إذا خلط وقيل الأمشاج الحمرة في البياض والبياض في الحمرة قال القرطبي وهذا قول يختاره كثير من أهل اللغة قال الهذلي كأن الريش والفوقين منه
حلاف النصل نيط به مشيج
وذلك لأن ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فيخلق منهما الولد قال أبن السكيت الأمشاج الأخلاط لأنها ممتزجة من انواع يخلق الإنسان منه وطباع مختلفة وقيل الأمشاج لفظ مفرد كبرمة أعشار ويؤيد هذا وقوعه نعتا لنطفة وجملة ( نبتليه ) في محل نصب على الحال من فاعل خلقنا أي مريدين إبتلاءه ويجوز أن يكون حالا من الإنسان والمعنى نبتليه بالخير والشر وبالتكاليف قال الفراء معناه والله أعلم ( جعلناه سميعا بصيرا ) نبتليه وهي مقدمة معناها التأخير لأن الابتلاء لا يقع إلا بعد تمام الخلقة وعلى هذا تكون هذه الحال مقدرة وقيل مقارنة وقيل معنى الابتلاء نقله من حال إلى حال على طريقة الاستعارة والأول أولى
الإنسان : ( 3 ) إنا هديناه السبيل . . . . .
ثم ذكر سبحانه أنه أعطاه ما يصح معه الابتلاء فقال ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) أي بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر كما في قوله وهديناه النجدين قال مجاهد أي بينا السبيل إلى الشقاء والسعادة وقال الضحاك والسدي وأبو صالح السبيل هنا خروجه من الرحم وقيل منافعه ومضاره التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله وانتصاب شاكرا وكفورا على الحال من مفعول هديناه أي مكناه من سلوك الطريق في حالتيه وقيل على الحال من سبيل على المجاز أي عرفناه السبيل إماسبيلا شاكرا وإماسبيلا كفورا وحكى مكى عن الكوفيين أن قوله إما هي إن شرطية زيدت بعدها ما أي بينا له الطريق إن شكر وإن كفر واختار هذا الفراء ولا يجبره البصريون لأن إن الشرطية لا تدخل على الأسماء إلا أن يضمر بعدها فعل ولا يصح هنا إضمار الفعل لأنه كان يلزم رفع شاكرا وكفورا ويمكن أن يضمر فعل ينصب شاكرا وكفورا وتقديره إن خلقناه شاكر فشكورا وإن خلقناه كافرا فكفورا وهذاعلى قراءة الجمهور إما شاكرا وإما كفورا بكسر همزة إما وقرأ أبو السماك وابو العجاج بفتحها وهي على الفتح إما العاطفة في لغة بعض العرب أو هي التفصيلية وجوابها مقدر وقيل انتصب شاكرا وكفورا باضمار كان والتقدير سواء كان شاكرا أو كان كفورا
الإنسان : ( 4 ) إنا أعتدنا للكافرين . . . . .
ثم بين سبحانه ما أعد للكافرين فقال ( إنا اعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا ) قرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم وهشام عن أبن عامر سلاسلا بالتنوين ووقف قنبل عن ابن كثير وحمزة بغير ألف والباقون وقفوا بالألف ووجه من قرأ بالتنوين في سلاسل مع كون فيه صيغة منتهى الجموع أنه قصد بذلك التناسب لأن ما قبله وهو إما شاكرا وإما كفورا وما بعده وهو أغلالا وسعيرا منون أو على لغة من يصرف جميع ما لا ينصرف كما حكاه الكسائي وغيره من الكوفيين عن بعض العرب قال الأخفش سمعنا من العرب من يصرف كل ما لا ينصرف لأن الأصل في الأسماء الصرف وترك الصرف العارض فيها قال الفراء هو على لغة من يجر الأسماء كلها إلا على قولهم هو أظرف منك فإنهم لا يجرونه وانشد أبن الأنباري في ذلك قول عمرو بن كلثوم كأن سيوفنا فينا وفيهم
مخاريق بأيدي لاعبينا


"""""" صفحة رقم 346 """"""
ومن ذلك قول الشاعر وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم
خضع الرقاب نواكس الأبصار
بكسر السين من نواكس وقول لبيد وحسور أستار دعوني لحتفها
بمعالق متشابه أعلاقها
وقوله ايضا فضلا وذو كرم بعين على الندى
سمح لشوب رغائب غنامها
4 وقيل إن التنوين لموافقة رسم المصاحف المكية والمدنية والكوفية فإنها فيها بالألف وقيل إن هذا التنوين بدل من حرف الإطلاق ويجري الوصل مجرى الوقف والسلاسل قد تقدم تفسيرها والخلاف فيها هل هي القيود أو ما يجعل في الأعناق كما في قول الشاعر ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل والأغلال
جمع غل به الأيدي إلى الأعناق والسعير والوقود الشديد وقد تقدم تفسير السعير
الإنسان : ( 5 ) إن الأبرار يشربون . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما أعده للشاكرين فقال ( إن الأبرار يشربون من كاس ) الأبرار أهل الطاعة والإخلاص والصدق جمع بر أو بار قال في الصحاح جمع بر الأبرار وجمع البار البررة وفلان يبر خالقه ويبرره أي يطيعه وقال الحسن البر الذي لا يؤذي الذر وقال قتادة الأبراء الذين يؤدون حق الله ويوفون بالنذر والكأس في اللغة هو الإناء الذي فيه الشراب وإذا لم يكن فيه الشراب لم يسم كأسا ولا وجه لتخصيصه بالزجاجة بل يكون من الزجاج ومن الذهب والفضة والصيني وغير ذلك وقد كانت كاسات العرب من أجناس مختلفة وقد يطلق الكأس على نفس الخمر كما في قول الشاعر
وكأس شربت على لذة واخرى تداويت منهابها
( كان مزاجها كافورا ) أي يخالطها وتمزج به يقال مزجة يمزجه مزجا أي خلطه يخلطه خلطا ومنه قول الشاعر
كأن سبية من بيت راس كان مزاجها عسل وماء
وقول عمرو بن كلثوم
صددت الكأس عنا أم عمرو وكان الكأس مجراها اليمينا
معتقة كأن الخص فيها
إذا ما الماء خالطها سحينا
ومنه مزاج البدن وهو ما يمازجه من الأخلاط والكافور قيل هو اسم عين في الجنة يقال لها الكافوري تمزج خمر الجنة بماء هذه العين وقال قتادة ومجاهد تمزج لهم بالكافور وتختم لهم بالمسك وقال عكرمة مزاجها طعمها وقيل إنما الكافور في ريحها لا في طعمها وقيل إنما أراد الكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده لأن الكافور لا يشرب كما في قوله حتى إذا جعله نارا أي كنار وقال أبن كيسان طيبها المسك والكافور والزنجبيل وقال مقاتل ليس هو كافور الدنيا وإنما سمى الله ما عنده بما عندكم حتى تهتدى له القلوب والجملة في محل جر صفة لكأس وقيل إن كان هنا زائدة اي من كاس مزاجها كافورا
الإنسان : ( 6 ) عينا يشرب بها . . . . .
( عينا يشرب بها عباد الله ) انتصاب عينا على أنها بدل من كافورا لأن ماءها في بياض الكافور وقال مكي إنها بدل من محل من كأس على حذف مضاف كأنه قيل يشربون خمرا خمرعين وقيل إنها منتصبة على أنها مفعول يشربون أي عينا من كأس وقيل هي منتصبة على الأختصاص قاله الأخفش وقيل منتصبه باضمار فعل يفسره ما بعده أي


"""""" صفحة رقم 347 """"""
يشربون عينا يشرب بها عباد الله والأول أولى وتكون جملة يشرب بها عباد الله صفة لعينا وقيل إن الباء في يشرب بها زائدة وقيل بمعنى من قاله الزجاج ويعضده قراءة ابن أبي عبلة يشربها عباد الله وقيل إن يشرب مضمن معنى يلتذ وقيل هي متعلقة بيشرب والضمير يعود إلى الكأس وقال الفراء يشربها ويشرب بها سواء في المعنى وكأن يشرب بها يروى بها وينتفع بها وأنشد قول الهذلي شربن بماء البحر ثم ترفعت
قال ومثله تكلم بكلام حسن وتكلم كلاما حسنا ( يفجرونها تفجيرا ) أي يجرونها إلى حيث يريدون وينتفعون بها كما يشاؤون ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان يريدون وصوله إليه فهم يشقونها شقا كما يشق النهر ويفجرالى هنا وهنا قال مجاهد يقودونها حيث شاؤوا وتتبعهم حيث مالوا مالت معهم والجملة صفة أخرى لعينا
الإنسان : ( 7 ) يوفون بالنذر ويخافون . . . . .
وجملة ( يوفون بالنذر ) مستأنفة مسوقة لبيان ما لأجله رزقوا ما ذكر وكذا ما عطف عليها ومعنى النذر في اللغة الإيجاب والمعنى بوفون بما أوجبه الله عليهم من الطاعات قال قتادة ومجاهد يوفون بطاعة الله من الصلاة الحج ونحوهما وقال عكرمة يوفون إذا نذروا في حق الله سبحانه والنذر في الشرع ما أوجبه المكلف على نفسه فالمعنى يوفون بما أجبوه على أنفسهم قال الفراء في الكلام إضمار أي كانوا يوفون بالنذر في الدنيا وقال الكلبي يوفون بالعهد أي يتممون العهد والأولى حمل النذر هنا على ما أوجبه العبد على نفسه من غير تخصيص ( ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) المراد يوم القيامة ومعنى استطارة شره فشوه وانتشاره يقال استطار يستطير استطارة فهو مستطير وهو استفعل من الطيران ومنه قول الأعشى
فباتت وقد أثارت في الفؤاد صدعا على نأيها مستطيرا
والعرب تقول استطار الصدع في القارورة والزجاجة إذا امتد ويقال استطار الحريق إذا انتشر قال الفراء المستطير المستطيل قال قتادة استطار شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض قال مقاتل كان شره فاشيا في السموات فانشقت وتناثرت الكواكب وفزعت الملائكة وفي الأرض نسفت الجبال وغارت المياه
الإنسان : ( 8 ) ويطعمون الطعام على . . . . .
( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) أي يطعمون هؤلاء الثلاثة الأصناف الطعام على حبه لديهم وقلته عندهم قال مجاهد على قلته وحبهم إياه وشهوتهم له فقوله على حبه في محل نصب على الحال أي كائنين على حبه ومثله قوله لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وقيل على حب الإطعام لرغبتهم في الخير قال الفضيل بن عياض على حب إطعام الطعام وقيل الضمير في حبه يرجع إلى الله أي يطعمون الطعام على حب الله أي تطعمون إطعاما كائنا على حب الله
الإنسان : ( 9 ) إنما نطعمكم لوجه . . . . .
ويؤيد هذا قوله ( إنما نطعمكم لوجه الله ) والمسكين ذو المسكنة وهو الفقير أو من هو أفقر من الفقير والمراد باليتم يتامى المسلمين والأسير الذي يؤسر فيحبس قال قتادة ومجاهد الأسير المحبوس وقال عكرمه الأسير العبد وقال أبو حمزة الثمالي الأسير المرأة قال سعيد بن جبير نسخ هذا الإطعام آية الصدقات وآية للسيف في حق الأسير الكافر وقال غيره بل هي محكمة وإطعام المسكين واليتيم على التطوع وإطعام الأسير لحفظ نفسه إلى أن يتخير فيه الأمام وجملة ( إنما نطعمكم لوجه الله ) في محل نصب على الحال بتقدير القول أي يقولون إنما نطعمكم أو قائلين إنما نطعمكم يعني أنهم لا يتوقعون المكافأة ولا يريدون ثناء الناس عليهم بذلك قال الواحدي قال المفسرون لم يستكملوا بهذا ولكن علمه الله من قلوبهم فأثنى عليهم وعلم من ثنائه أنهم فعلوا ذلك خوفا من الله ورجاء ثوابه ( لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) أي لا نطلب منكم المجازاة على هذا الإطعام ولا نريد منكم الشكر لنا بل هو خالص لوجه الله وهذه الجملة مقررة لما


"""""" صفحة رقم 348 """"""
قبلها لأن من اطعم لوجه الله لا يريد المكأفأة ولا يطلب الشكر له ممن أطعمه
الإنسان : ( 10 ) إنا نخاف من . . . . .
( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) أي نخاف عذاب يوم متصف بهاتين الصفتين ومعنى عبوسا أنه يوم تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته فالمعنى أنه ذو عبوس قال الفراء وأبو عبيدة والمبرد يوم قمطرير وقماطر إذا كان صعبا شديدا وانشد الفراء بني عمنا هل تذكرون بلاءنا
عليكم إذا ما كان يوم قماطر
4 قال الأخفش القمطرير أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء ومنه قول الشاعر ففروا إذا ما ألحرب ثار غبارها
ولج بها اليوم العبوس القماطر
4 قال الكسائي اقمطر اليوم وازمهر إذا كان صعبا شديدا ومنه قول الشاعر بنو الحرب أوصينا لهم بقمطرة
ومن يلق منا ذلك اليوم يهرب
وقال مجاهد إن العبوس بالشفتين والقطمير بالجبهة والحاجبين فجعلهما من صفات المتغير في ذلك اليوم لما يراه من الشدائد وأنشد بن الأعرابي يقدر على الصيد بعود منكسر ويقمطر ساعة ويكفهر قال أبو عبيدة يقال فطمرير أي منقبض ما بين العينين الحاجبين نين قال الزجاج يقال اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطربها ورمت بأنفها ما يسبقها من القطر وجعل الميم مزيدة
الإنسان : ( 11 ) فوقاهم الله شر . . . . .
( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ) أي دفع عنهم شره بسبب خوفهم منه وإطعامهم لوجهه ( ولقاهم نضرة وسرورا ) أي أعطاهم بدل العبوس في الكفار نضرة في الوجود وسرورا في القلوب قال الضحاك والنضرة البياض والنقاء في وجوههم وقال سعيد أبن جبير الحسن والبهاء وقيل النضرة أثر النعمة
الإنسان : ( 12 ) وجزاهم بما صبروا . . . . .
( وجزاهم بما صبروا ) أي بسبب صبرهم على التكاليف وقيل على الفقر وقيل على الجوع وقيل على الصوم والأولى حمل الآية على الصبر على كل شيء يكون الصبر عليه طاعة لله سبحانه وما مصدرية والتقدير بصبرهم ( جنة وحريرا ) أي أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير وهو لباس أهل الجنة عوضا عن تركه في الدنيا امتثالا لما ورد في الشرع من تحريمه وظاهر هذه الآيات العموم في كل من خاف من يوم القيامة واطعم لوجه الله وخاف من عذابه والسبب وإن كان خاصا كما سيأتي فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ويدخل سبب التنزيل تحت عمومها دخولا أوليا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد اخرج ابن المنذر عن أبن عباس في قوله ( هل أتى على الإنسان ) قال كل إنسان وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبن مسعود في قوله ( أمشاج ) قال أمشاجها عروقها وأخرج سعيد بن منصور وأبن أبي حاتم ( أمشاج ) قال العروق وأخرج عبد بن حبيب بن أبي حاتم عن بن عباس من نطفة أمشاج قال ماء الرجل وماء المرأة حين يختلطان وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال ( أمشاج ) ألوان نطفة الرجل بيضاء وحمراء ونطفة المرأة خضراء وحمراء وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال الأمشاج الذي يخرج على أثر البول كقطع الأوتار ومنه يكون الولد وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) كان شره مستطيرا ( قال فاشيا وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عنه أيضا في قوله ( وأسيرا ) قال هو المشرك وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( مسكينا ) قال فقيرا ( ويتيما ) قال لا أب له ( وأسيرا ) قال المملوك والمسجون وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) ويطعمون الطعام (


"""""" صفحة رقم 349 """"""
) الآية قال نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) يوما عبوسا ( قال ضيقا ( قمطريرا ) قال طويلا وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) يوما عبوسا قمطريرا ( قال يقبض ما بين الأبصار وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عباس قال القمطرير الرجل المنقبض ما بين عينيه ووجهه وأخرج ابن المنذر عنه ) ولقاهم نضرة وسرورا ( قال نضرة في وجوههم وسرورا في صدورهم
سورة الإنسان ( 13 22
الإنسان : ( 13 ) متكئين فيها على . . . . .
قوله ) متكئين فيها على الأرائك ( منصوب على الحال من مفعول جزاهم والعامل فيها جزى ولا يعمل فيها صبروا لأن الصبر إنما كان في الدنيا وجوز أبو البقاء أن يكون صفة لجنة قال الفراء وإن شئت جعلت متكئين تابعا كأنه قال جزاهم جنة متكئين فيها وقال الأخفش يجوز أن يكون منصوبا على المدح والضمير من فيها يعود إلى الجنة والأرائك السرر في الحجال وقد تقدم تفسيرها في سورة الكهف ) لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ( الجملة في محل نصب على الحال من مفعول جزاهم فتكون من الحال المترادفة أو من الضمير في متكئين فتكون من الحال المتداخلة أو صفة أخرى لجنة والزمهرير أشد البرد والمعنى أنهم لا يرون في الجنة حر الشمس ولا برد الزمهرير ومنه قول الأعشى منعمة طفلة كالمها
لم تر شمسا ولا زمهريرا
وقال ثعلب الزمهرير القمر بلغة طي وأنشد لشاعرهم
وليلة ظلامها قد اعتكر قطعتها والزمهرير ما زهر
ويروى ما ظهر أي لم يطلع القمر وقد تقدم تفسير هذا في سورة مريم
الإنسان : ( 14 ) ودانية عليهم ظلالها . . . . .
) ودانية عليهم ظلالها ( قرأ الجمهور دانية بالنصب عطفا على محل لا يرون أو على متكئين أو صفة لمحذوف أي وجنة دانية كأنه قال وجزاهم جنة دانية وقال الزجاج هو صفة لجنة المتقدم ذكرها وقال الفراء هو منصوب على المدح وقرأ أبو حيوة ودانية بالرفع على أنه خبر مقدم وظلالها مبتدأ مؤخر والجملة في موضع النصب على الحال والمعنى أن


"""""" صفحة رقم 350 """"""
ظلال الأشجار قريبة منهم مظلة عليهم زيادة في نعيمهم وإن كان لا شمس هنالك قال مقاتل يعنى شجرها قريب منهم وقرأ ابن مسعود ودانيا عليهم ) وذللت قطوفها تذليلا ( معطوف على دانية كأنه قال ومذللة ويجوز أن تكون الجملة في محل نصب على الحال من الضمير في عليهم ويجوز أن تكون مستأنفة والقطوف الثمار والمعنى أنها سخرت ثمارها لمتناوليها تسخيرا كثيرا بحيث يتناولها القائم والقاعد والمضطجع لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك قال النحاس المذلل القريب المتناول ومنه قولهم حائط ذليل أي قصير قال ابن قتيبة ذللت أدنيت من قولهم حائط ذليل أي كان قصير السمك وقيل ذللت أي جعلت منقادة لا تمتنع على قطافها كيف شاؤوا
الإنسان : ( 15 ) ويطاف عليهم بآنية . . . . .
) ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب ( أي تدور عليهم الخدم إذا أرادوا الشراب بآنية الفضة والأكواب جمع كوب وهو الكوز العظيم الذي لا أذن له ولا عروة ومنه قول عدي متكىء تقرع أبوابه
يسعى عليه العبد بالكوب
وقد مضى تفسيره في سورة الزخرف ) كانت قواريرا )
الإنسان : ( 16 ) قوارير من فضة . . . . .
(قوارير من فضة ( أي في وصف القوارير في الصفاء وفي بياض الفضة فصفاؤها صفاء الزجاج ولونها لون الفضة قرأ نافع والكسائي وأبو بكر قواريرا قواريرا بالتنوين فيهما مع الوصل وبالوقف عليهما بالألف وقد تقدم وجه هذه القراءة في تفسير قوله سلاسلا من هذه السورة وبينا هنالك وجه صرف ما فيه صيغة منتهى الجموع فارجع إليه وقرأ حمزة بعدم التنوين فيهما وعدم الوقف بالألف ووجه هذه القراءة ظاهر لأنهما ممتنعان لصيغة منتهى الجموع وقرأ هشام بعدم التنوين فيهما مع الوقف عليهما بالألف وقرأ ابن كثير بتنوين الأول دون الثاني والوقف على الأول بالألف دون الثاني وقرأ أبو عمرو وحفص وابن ذكوان بعدم التنوين فيهما والوقف على الأول بالألف دون الثاني والجملة في محل جر صفة لأكواب قال أبو البقاء وحسن التكرير لما اتصل به من بيان أصلها قال الواحدي قال المفسرون جعل الله قوارير أهل الجنة من فضة فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير قال الزجاج القوارير التي في الدنيا من الرمل فأعلم الله فضل تلك القوارير أن أصلها من فضة يرى من خارجها ما في داخلها وجملة ( قدروها تقديرا ) صفة لقوارير قرأ الجمهور قدروها بفتح القاف على البناء للفاعل أي قدرها السقاة من الخدم الذين يطوفون عليهم على قدر ما يحتاج إليه الشاربون من أهل الجنة من دون زيادة ولا نقصان قال مجاهد وغيره أتوا بها على قدر ريهم بغير زيادة ولا نقصان قال الكلبي وذلك ألذ وأشهى وقيل قدرها الملائكة وقيل قدرها أهل الجنة الشاربون على مقدار شهواتهم وحاجتهم فجاءت كما يريدون في الشكل لا تزيد ولا تنقص وقرأ علي وابن عباس والسلمي والشعبي وزيد بن علي وعبيد بن عمير وأبو عمرو في رواية عنه قدروها بضم القاف وكسر الدال مبنيا للمفعول أي جعلت لهم على قدر إرادتهم قال أبو علي الفارسي هو من باب القلب قال لأن حقيقة المعنى أن يقال قدرت عليهم لا قدروها لأنه في معنى قدروا عليها وقال أبو حاتم التقدير قدرت الأواني على قدر ريهم فمفعول ما لم يسم فاعله محذوف قال أبو حيان والأقرب في تخريج هذه القراءة الشاذة أن يقال قدر ريهم منها تقديرا فحذف المضاف فصار قدروها وقال المهدوي إن القراءة الأخيرة يرجع معناها إلى معنى القراءة الاولى وكأن الأصل قدروا عليها فحذف حرف الجر كما أنشد سيبويه
آليت حب العراق الدهر آكله والحب يأكله في القرية السوس
أي آليت على حب العراق
الإنسان : ( 17 ) ويسقون فيها كأسا . . . . .
) ويسقون فيها كأسا كان مزاجها ( قد تقدم أن الكأس هو الإناء فيه الخمر وإذا كان خاليا عن الخمر فلا يقال له كأس والمعنى أن أهل الجنة يسقون في الجنة كأسا من الخمر


"""""" صفحة رقم 351 """"""
ممزوجة بالزنجبيل وقد كانت العرب تستلذ مزج الشراب بالزنجبيل لطيب رائحته وقال مجاهد وقتادة الزنجبيل اسم للعين التي يشرب بها المقربون وقال مقاتل هو زنجبيل لا يشبه زنجبيل الدنيا
الإنسان : ( 18 ) عينا فيها تسمى . . . . .
) عينا فيها تسمى سلسبيلا ( انتصاب عينا على أنها بدل من كأسا ويجوز أن تكون منصوبة بفعل مقدر أي يسقون عينا ويجوز أن تكون منصوبة بنزع الخافض أي من عين والسلسبيل الشراب اللذيذ مأخوذ من السلاسة تقول العرب هذا شراب سلس وسلسال وسلسبيل أي طيب لذيذ قال الزجاج السلسبيل في اللغة اسم لماء في غاية السلاسة حديد الجرية يسوغ في حلوقهم ومنه قول حسان بن ثابت يسقون من ورد البريص عليهم
كأسا يصفق بالرحيق السلسل
الإنسان : ( 19 ) ويطوف عليهم ولدان . . . . .
) ويطوف عليهم ولدان مخلدون ( لما فرغ سبحانه من وصف شرابهم ووصف آنيتهم ووصف السقاة الذين يسقونهم ذلك الشراب ومعنى ( مخلدون ) باقون على ما هم عليه من الشباب والطراوة والنضارة لا يهرمون ولا يتغيرون وقيل معنى ( مخلدون ) لا يموتون وقيل التخليد التحلية أي محلون ) إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ( إذا نظرت إليهم ظننتهم لمزيد حسنهم وصفاء ألوانهم ونضارة وجوههم لؤلؤا مفرقا قال عطاء يريد في بياض اللون وحسنه واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط كان أحسن منه منظوما قال أهل المعاني إنما شبهوا بالمنثور لانتثارهم في الخدمة ولو كانوا صفا لشبهوا بالمنظوم وقيل إنما شبههم بالمنثور لأنهم سراع في الخدمة بخلاف الحور العين فإنه شبههن باللؤلؤ المكنون لأنهن لا يمتهن بالخدمة
الإنسان : ( 20 ) وإذا رأيت ثم . . . . .
) وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ( أي وإذا رميت ببصرك هناك يعنى في الجنة رأيت نعيما لا يوصف وملكا كبيرا لا يقادر قدره وثم ظرف مكان والعامل فيها رأيت قال الفراء في الكلام ما مضمرة أي وإذا رأيت ما ثم كقوله لقد تقطع بينكم أي ما بينكم قال الزجاج معترضا على الفراء إنه لا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة ولكن رأيت يتعدى في المعنى إلى ثم والمعنى إذا رأيت ببصرك ثم ويعنى بثم الجنة قال السدي النعيم ما يتنعم به والملك الكبير استئذان الملائكة عليهم وكذا قال مقاتل والكلبي وقيل إن رأيت ليس له مفعول ملفوظ ولا مقدر ولا منوى بل معناه أن بصرك أينما وقع في الجنة رأيت نعيما وملكا كبيرا
الإنسان : ( 21 ) عاليهم ثياب سندس . . . . .
) عاليهم ثياب سندس ( قرأ نافع وحمزة وابن محيصن عاليهم بسكون الياء وكسر الهاء على أنه خبر مقدم وثياب مبتدأ مؤخر أو على أن عاليهم مبتدأ وثياب مرتفع بالفاعلية وإن لم يعتمد الوصف كما هو مذهب الأخفش وقال الفراء هو مرفوع بالابتداء وخبره ثياب سندس واسم الفاعل مراد به الجمع وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الهاء على أنه ظرف في محل رفع على انه خبر مقدم وثياب مبتدأ مؤخر كأنه قيل فوقهم ثياب قال الفراء إن عاليهم بمعنى فوقهم وكذا قال ابن عطية قال أبو حيان عال وعالية اسم فاعل فيحتاج في كونهما ظرفين إلى أن يكون منقولا من كلام العرب وقد تقدمه إلى هذا الزجاج وقال هذا مما لا نعرفه في الظروف ولو كان ظرفا لم يجز إسكان الياء ولكنه نصب على الحال من شيئين أحدهما الهاء والميم في قوله ) يطوف عليهم ( أي على الأبرار ( ولدان ) عاليا الأبرار ( ثياب سندس ) أي يطوف عليهم في هذه الحال والثاني أن يكون حالا من الولدان أي إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علو الثياب أبدانهم وقال أبو علي الفارسي العامل في الحال إما لقاهم نضرة وسرورا وإما جزاهم بما صبروا قال ويجوز أن يكون ظرفا وقرأ ابن سيرين ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة عليهم وهي قراءة واضحة المعنى ظاهرة الدلالة واختار أبو عبيد القراءة الأولى لقراءة ابن مسعود عاليتهم وقرأ الجمهور بإضافة ثياب إلى سندس وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بتنوين


"""""" صفحة رقم 352 """"""
ثياب وقطعها عن الإضافة ورفع سندس و ( خضر واستبرق ) على أن السندس نعت للثياب لأن السندس نوع من الثياب وعلى أن خضر نعت لسندس لأنه يكون أخضر وغير أخضر وعلى أن إستبرق معطوف على سندس أي وثياب إستبرق والجمهور من القراء اختلفوا في خضر وإستبرق مع اتفاقهم على جر سندس بإضافة ثياب إليه فقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم وابن محيصن بجر خضر نعتا لسندس ورفع إستبرق عطفا على ثياب أي عليهم ثياب سندس وعليهم إستبرق وقرأ أبو عمرو وابن عامر برفع خضر نعتا لثياب وجر إستبرق نعت لسندس واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد لأن الخضر أحسن ما كانت نعتا للثياب فهي مرفوعة والإستبرق من جنس السندس وقرأ نافع وحفص برفع خضر وإستبرق لأن خضر نعت للثياب وإستبرق عطف على الثياب وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي بجر خضر وإستبرق على أن خضر نعت للسندس وإستبرق معطوف على سندس وقرؤوا كلهم بصرف إستبرق إلا ابن محيصن فإنه لم يصرفه قال لأنه أعجمي ولا وجه لهذا لأنه نكرة إلا أن يقول إنه علم لهذا الجنس من الثياب والسندس ما رق من الديباج والإستبرق ما غلظ منه وقد تقدم تفسيرهما في سورة الكهف ) وحلوا أساور من فضة ( عطف على يطوف عليهم ذكر سبحانه هنا أنهم يحلون بأساور الفضة وفي سورة فاطر يحلون فيها من أساور من ذهب وفي سورة الحج يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولا تعارض بين هذه الآيات لإمكان الجمع بأن يجعل لهم سوارات من ذهب وفضة ولؤلؤ أو بأن المراد أنهم يلبسون سوارات الذهب تارة وسوارات الفضة تارة وسوارات اللؤلؤ تارة أو أنه يلبس كل أحد منه ما تميل إليه نفسه من ذلك ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال من ضمير عاليهم بتقدير قد ) وسقاهم ربهم شرابا طهورا ( هذا نوع آخر من الشراب الذي يمن الله عليهم به قال الفراء يقول هو طهور ليس بنجس كما كان في الدنيا موصوفا بالنجاسة والمعنى أن ذلك الشراب طاهر ليس كخمر الدنيا قال مقاتل هو عين ماء على باب الجنة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غش وغل وحسد قال أبو قلابة وإبراهيم النخعي يؤتون بالطعام فإذا كان آخره أتوا بالشراب الطهور فيشربون فتضمر بطونهم من ذلك ويفيض عرق من أبدانهم مثل ريح المسك
الإنسان : ( 22 ) إن هذا كان . . . . .
) إن هذا كان لكم جزاء ( أي يقال لهم إن هذا الذي ذكر من أنواع النعم كان لكم جزاء بأعمالكم أي ثوابا لها ) وكان سعيكم مشكورا ( أي كان عملكم في الدنيا بطاعة الله مرضيا مقبولا وشكر الله سبحانه لعمل عبده هو قبوله لطاعته
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال الزمهرير هو البرد الشديد وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اشتكت النار إلى ربها فقالت رب آكل بعضي بعضا فجعل لها نفسين نفسا في الصيف ونفسا في الشتاء فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدون في الصيف من الحر من سمومها وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد بن السري وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله ) ودانية عليهم ظلالها ( قال قريبة ) وذللت قطوفها تذليلا ( قال إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين وعلى أي حال شاؤوا وفي لفظ قال ذللت فيتناولون منها كيف شاءوا وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال ) بآنية من فضة ( وصفاؤها كصفاء القوارير ) قدروها تقديرا ( قال قدرت للكف وأخرج عبد الرزاق


"""""" صفحة رقم 353 """"""
وسعيد بن منصور والبيهقي عنه قال لو أخذت فضة من فضة الدنيا فضربتها حتى جعلتها مثل جناح الذباب لم ير الماء من ورائها ولكن قوارير الجنة ببياض الفضة في صفاء القوارير وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال ليس في الجنة شيء إلا وقد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة وأخرج الفريابي عنه أيضا في قوله ) قدروها تقديرا ( قال أتوابها على قدر الفم لا يفضلون شيئا ولا يشتهون بعدها شيئا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضا ) قدروها تقديرا ( قال قدرتها السقاة وأخرج ابن المبارك وهناد وعبد بن حميد والبيهقي في البعث عن ابن عمرو قال إن أدنى أهل الجنة منزلا من يسعى عليه ألف خادم كل خادم على عمل ليس عليه صاحبه وتلا هذه الآية ) إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا (
سورة الإنسان ( 23 31
الإنسان : ( 23 ) إنا نحن نزلنا . . . . .
قوله ) إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ( أي فرقناه في الإنزال ولم ننزله جملة واحدة وقيل المعنى نزلناه عليك ولم تأت به من عندك كما يدعيه المشركون
الإنسان : ( 24 ) فاصبر لحكم ربك . . . . .
) فاصبر لحكم ربك ( أي لقضائه ومن حكمه وقضائه تأخير نصرك إلى أجل اقتضته حكمته قيل وهذا منسوخ بآية السيف ) ولا تطع منهم آثما أو كفورا ( أي لا تطع كل واحد من مرتكب لإثم وغال في كفر فنهاه الله سبحانه عن ذلك قال الزجاج إن الألف هنا آكد من الواو وحدها لأنك إذا قلت لا تطع زيدا وعمرا فأطاع أحدهما كان غير عاص لأنه أمره أن لا يطيع الاثنين فإذا قال لا تطع منهم آثما أو كفورا دل ذلك على أن كل واحد منهما أهل أن يعصى كما أنك إذا قلت لا تخالف الحسن أو ابن سيرين فقد قلت إنهما أهل أن يتبعا وكل واحد منهما أهل أن يتبع وقال الفراء أو هنا بمنزلة لا كأنه قال ولا كفورا وقيل المراد بقوله ( آثما ) عتبة بن ربيعة وبقوله ( أو كفورا ) الوليد بن المغيرة لأنهما قالا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بالمال والتزويج
الإنسان : ( 25 ) واذكر اسم ربك . . . . .
) واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ( أي دم على ذكره في جميع الأوقات وقيل المعنى صل لربك أول النهار وآخره فأول النهار صلاة الصبح وآخره صلاة العصر
الإنسان : ( 26 ) ومن الليل فاسجد . . . . .
) ومن الليل فاسجد له ( أي صل المغرب والعشاء وقيل المراد الصلاة في بعضه من غير تعيين ومن للتبعيض على كل تقدير ) وسبحه ليلا طويلا ( أي نزهه عما لا يليق به فيكون المراد الذكر بالتسبيح سواء كان في الصلاة أو في غيرها وقيل المراد التطوع في الليل قال ابن زيد وغيره إن هذه الآية منسوخة بالصلوات الخمس وقيل الأمر الندب وقيل هو مخصوص بالنبي ( صلى الله عليه وسلم )
الإنسان : ( 27 ) إن هؤلاء يحبون . . . . .
( إن هؤلاء يحبون العاجلة ) يعنى كفار مكة ومن هو موافق لهم والمعنى أنهم يحبون الدار العاجلة وهي دار الدنيا


"""""" صفحة رقم 354 """"""
) ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ( أي يتركون ويدعون وراءهم أي خلفهم أو بين أيديهم وأمامهم يوما شديدا عسيرا وهو يوم القيامة وسمى ثقيلا لما فيه من الشدائد والأهوال ومعنى كونه يذرونه وراءهم أنهم لا يستعدون له ولا يعبئون به فهم كمن ينبذ الشيء وراء ظهره تهاونا به واستخفافا بشأنه وإن كانوا في الحقيقة مستقبلين له وهو أمامهم
الإنسان : ( 28 ) نحن خلقناهم وشددنا . . . . .
) نحن خلقناهم ( أي ابتدأنا خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة إلى ان كمل خلقهم ولم يكن لغيرنا في ذلك عمل ولا سعى لا اشتراكا ولا استقلالا ( وشددنا أسرهم ) الأسر شدة الخلق يقال شد الله أسر فلان أي قوى خلقه قال مجاهد وقتادة ومقاتل وغيرهم شددنا خلقهم قال الحسن شددنا أوصالهم بعضا إلى بعض بالعروق والعصب قال أبو عبيد يقال فرس شديد الأسر أي الخلق قال لبيد ساهم الوجه شديد أسره
مشرف الحارك محبوك القتد
وقال الأخطل
من كل مجتنب شديد أسره سلس القياد تخاله مختالا
وقال ابن زيد الأسر القوة واشتقاقه من الإسار وهو القد الذي تشد به الأقتاب ومنه قول ابن أحمر يصف فرسا
يمشي بأوطفة شداد أسرها
شم السبائك لا تفي بالجدجد
) وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ( أي لو شئنا لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم وقيل المعنى مسخناهم إلى أسمج صورة وأقبح خلقة
الإنسان : ( 29 ) إن هذه تذكرة . . . . .
) إن هذه تذكرة ( يعنى إن هذه السورة تذكير وموعظة ) فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ( أي طريقا يتوسل به إليه وذلك بالإيمان والطاعة والمراد إلى ثوابه أو إلى جنته
الإنسان : ( 30 ) وما تشاؤون إلا . . . . .
) وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ( أي وما تشاءون أن تتخذوا إلى الله سبيلا إلا أن يشاء الله فالأمر إليه سبحانه ليس إليهم والخير والشر بيده لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع فمشيئة العبد مجردة لا تأتى بخير ولا تدفع شرا وإن كان يثاب على المشيئة الصالحة ويؤجر على قصد الخير كما في حديث إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى قال الزجاج أي لستم تشاءون إلا بمشيئة الله ) إن الله كان عليما حكيما ( في أمره ونهيه أي بليغ العلم والحكمة
الإنسان : ( 31 ) يدخل من يشاء . . . . .
) يدخل من يشاء في رحمته ( أي يدخل في رحمته من يشاء أن يدخله فيها أو يدخل في جنته من يشاء من عباده قال عطاء من صدقت نيته أدخله جنته ) والظالمين أعد لهم عذابا أليما ( انتصاب الظالمين بفعل مقدر يدل عليه ما قبله أي يعذب الظالمين نصب الظالمين لأن ما قبله منصوب أي يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين أي المشركين ويكون أعد لهم تفسيرا لهذا المضمر والاختيار النصب وإن جاز الرفع وبالنصب قرأ الجمهور وقرأ أبان بن عثمان بالرفع على الابتداء ووجهه أنه لم يكن بعده فعل يقع عليه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس ) وشددنا أسرهم ( قال خلقهم وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة ) وشددنا أسرهم ( قال هي المفاصل


"""""" صفحة رقم 355 """"""
ع7
تفسير
سورة المرسلات
هي خمسون آية
حول السورة
وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر قال قتادة إلا آية منها وهي قوله ) وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ( فإنها مدنية وروى هذا عن ابن عباس وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة المرسلات بمكة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال بينما نحن مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في غار بمنى إذ نزلت سورة المرسلات عرفا فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وإن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اقتلوها فابتدرناه فذهبت فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيت شركم كما وقيتم شرها وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس أن أم الفضل سمعته وهو يقرأ والمرسلات عرفا فقالت يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها آخر ما سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ بها في المغرب تفسير
سورة المرسلات
( 1 28
المرسلات : ( 1 ) والمرسلات عرفا
قوله ) والمرسلات عرفا ( قال جمهور المفسرين هي الرياح وقيل هي الملائكة وبه قال مقاتل وأبو صالح والكلبي وقيل هم الأنبياء فعلى الأول أقسم سبحانه بالرياح المرسلة لما يأمرها به كما في قوله وأرسلنا الرياح لواقح وقوله ويرسل الرياح وغير ذلك وعلى الثاني أقسم سبحانه بالملائكة المرسلة بوحيه وأمره ونهيه وعلى


"""""" صفحة رقم 356 """"""
الثالث أقسم سبحانه برسله المرسلة إلى عباده لتبليغ شرائعه وانتصاب ( عرفا ) على انه مفعول لأجله أي المرسلات لأجل العرف وهو ضد النكر ومنه قول الشاعر من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
أو على أنه حال بمعنى متتابعة يتبع بعضها بعضا كعرف الفرس تقول العرب سار الناس إلى فلان عرفا واحدا إذا توجهوا إليه وهم على فلان كعرف الضبع إذا تألبوا عليه أو على انه مصدر كأنه قال والمرسلات إرسالا أي متتابعة أو على أنه منصوب بنزع الخافض أي والمرسلات بالعرف قرأ الجمهور عرفا بسكون الراء وقرأ عيسى بن عمر بضمها وقيل المراد بالمرسلات السحاب لما فيها من نعمة ونقمة
المرسلات : ( 2 ) فالعاصفات عصفا
) فالعاصفات عصفا ( وهي الرياح الشديدة الهبوب قال القرطبي بغير اختلاف يقال عصف بالشيء إذا أباده وأهلكه وناقة عصوف أي تعصف براكبها فتمضى كأنها ريح في السرعة ويقال عصفت الحرب بالقوم إذا ذهبت بهم وقيل هي الملائكة الموكلون بالرياح يعصفون بها وقيل يعصفون بروح الكافر وقيل هي الآيات المهلكة كالزلازل ونحوها
المرسلات : ( 3 ) والناشرات نشرا
) والناشرات نشرا ( يعنى الرياح تأتى بالمطر وهي تنشر السحاب نشرا أو الملائكة الموكلون بالسحاب ينشرونها أو ينشرون أجنحتهم في الجو عند النزول بالوحي أو هي الأمطار لأنها تنشر النبات وقال الضحاك يريد ما ينشر من الكتب وأعمال بني آدم وقال الربيع إنه البعث للقيامة بنشر الأرواح وجاء بالواو هنا لأنه استئناف قسم آخر
المرسلات : ( 4 ) فالفارقات فرقا
) فالفارقات فرقا ( يعنى الملائكة تأتى بما يفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام وقال مجاهد هي الريح تفرق بين السحاب فتبدده وروى عنه أنها آيات القرآن تفرق بين الحق والباطل وقيل هي الرسل فرقوا ما بين ما أمر الله به ونهى عنه وبه قال الحسن
المرسلات : ( 5 ) فالملقيات ذكرا
) فالملقيات ذكرا ( هي الملائكة قال القرطبي بإجماع أي تلقى الوحي إلى الأنبياء وقيل هو جبريل وسمى باسم الجمع تعظيما له وقيل هي الرسل يلقون إلى أممهم ما أنزل الله عليهم قاله قطرب قرأ الجمهور فالملقيات بسكون اللام وتخفيف القاف اسم فاعل وقرأ ابن عباس بفتح اللام وتشديد القاف من التلقية وهي إيصال الكلام إلى المخاطب والراجح أن الثلاثة الأول للرياح والرابع والخامس للملائكة وهو الذي اختاره الزجاج والقاضي وغيرهما
المرسلات : ( 6 ) عذرا أو نذرا
) عذرا أو نذرا ( انتصابهما على البدل من ذكرا أو على المفعولية والعامل فيهما المصدر المنون كما في قوله أو إطعام في يوم ذي مسبغة يتيما أو على المفعول لأجله أي للإعذار والإنذار أو على الحال بالتأويل المعروف أي معذرين أو منذرين قرأ الجمهور بإسكان الذال فيهما وقرأ زيد بن ثابت وابنه خارجة بن زيد وطلحة بضمهما وقرأ الحرميان وابن عامر وأبو بكر بسكونها في عذرا وضمها في نذرا وقرا الجمهور عذرا أو نذرا على العطف بأو وقرأ إبراهيم التيمي وقتادة على العطف بالواو بدون ألف والمعنى أن الملائكة تلقى الوحي إعذارا من الله إلى خلقه وإنذارا من عذابه كذا قال الفراء وقيل عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين قال أبو علي الفارسي يجوز أن يكون العذر والنذر بالتثقيل جمع عاذر وناذر كقوله هذا نذير من النذر الأولى فيكون نصبا على الحال من الإلقاء أي يلقون الذكر في حال العذر والإنذار أو مفعولان لذكرا أي تذكر عذرا أو نذرا قال المبرد هما بالتثقيل جمع والواحد عذير ونذير
المرسلات : ( 7 ) إنما توعدون لواقع
ثم ذكر سبحانه جواب القسم فقال ) إنما توعدون لواقع ( أي إن الذي توعدونه من مجيء الساعة والبعث كائن لا محالة
المرسلات : ( 8 ) فإذا النجوم طمست
ثم بين سبحانه متى يقع ذلك فقال ) فإذا النجوم طمست ( أي محى نورها وذهب ضوؤها يقال طمس الشيء إذا درس وذهب أثره
المرسلات : ( 9 ) وإذا السماء فرجت
( وإذا السماء


"""""" صفحة رقم 357 """"""
فرجت ) أي فتحت وشقت ومثله قوله وفتحت السماء فكانت أبوابا
المرسلات : ( 10 ) وإذا الجبال نسفت
) وإذا الجبال نسفت ( أي قلعت من مكانها بسرعة يقال نسفت الشيء وأنسفته إذا أخذته بسرعة وقال الكلبي سويت بالأرض والعرب تقول نسفت الناقة الكلأ إذا رعته وقيل جعلت كالحب الذي ينسف بالمنسف ومنه قوله وبست الجبال بسا والأول أولى قال المبرد نسفت قلعت من مواضعها
المرسلات : ( 11 ) وإذا الرسل أقتت
) وإذا الرسل أقتت ( الهمزة في أقتت بدل من الواو المضمومة وكل واو انضمت وكانت ضمتها لازمة يجوز إبدالها بالهمزة وقد قرأ بالواو أبو عمرو وشيبة و الأعرج وقرأ الباقون بالهمزة والوقت الأجل الذي يكون عنده الشيء المؤخر إليه والمعنى جعل لها وقت للفصل والقضاء بينهم وبين الأمم كما في قوله سبحانه يوم يجمع الله الرسل وقيل هذا في الدنيا أي جمعت الرسل لميقاتها الذي ضرب لها في إنزال العذاب بمن كذبها والأول أولى قال أبو علي الفارسي أي جعل يوم الدين والفصل لها وقتا وقيل أقتت أرسلت لأوقات معلومة على ما علم الله به
المرسلات : ( 12 ) لأي يوم أجلت
) لأي يوم أجلت ( هذا الاستفهام للتعظيم والتعجيب أي لأي يوم عظيم يعجب العباد منه لشدته ومزيد أهواله ضرب لهم الأجل لجمعهم والجملة مقول قول مقدر هو جواب لإذا أو في محل نصب على الحال من الضمير في أقتت قال الزجاج المراد بهذا التأقيت تبيين الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم
المرسلات : ( 13 ) ليوم الفصل
ثم بين هذا اليوم فقال ( ليوم الفصل ) قال قتادة يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة والنار
المرسلات : ( 14 ) وما أدراك ما . . . . .
ثم عظم ذلك اليوم فقال ( وما أدراك ما يوم الفصل ) أي وما أعلمك بيوم الفصل يعنى انه أمر بديع هائل لا يقادر قدره وما مبتدأ وأدراك خبره أو العكس كما اختاره سيبويه
المرسلات : ( 15 ) ويل يومئذ للمكذبين
ثم ذكر حال الذين كذبوا بذلك اليوم فقال ) ويل يومئذ للمكذبين ( أي ويل لهم في ذلك اليوم الهائل وويل أصل مصدر ساد مسد فعله وعدل به إلى الرفع للدلالة على الثبات والويل الهلاك أو هو اسم واد في جهنم وكرر هذه الآية في هذه السورة لأنه قسم الويل بينهم على قدر تكذيبهم فإن لكل مكذب بشيء عذابا سوى تكذيبه بشيء آخر ورب شيء كذب به هو أعظم جرما من التكذيب بغيره فيقسم له من الويل على قدر ذلك التكذيب
المرسلات : ( 16 ) ألم نهلك الأولين
ثم ذكر سبحانه ما فعل بالكفار من الأمم الخالية فقال ) ألم نهلك الأولين ( أخبر سبحانه بإهلاك الكفار من الأمم الماضية من لدن آدم إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قال مقاتل يعنى بالعذاب في الدنيا حين كذبوا رسلهم
المرسلات : ( 17 ) ثم نتبعهم الآخرين
) ثم نتبعهم الآخرين ( يعنى كفار مكة ومن وافقهم حين كذبوا محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) قرا الجمهور نتبعهم بالرفع على الاستئناف أي ثم نحن نتبعهم قال أبو البقاء ليس بمعطوف لأن العطف يوجب أن يكون المعنى أهلكنا الأولين ثم أتبعناهم الآخرين في الإهلاك وليس كذلك لأن إهلاك الآخرين لم يقع بعد ويدل على الرفع قراءة ابن مسعود ثم سنتبعهم الآخرين وقرأ الأعرج والعباس عن أبي عمرو نتبعهم بالجزم عطفا على نهلك قال شهاب الدين على جعل الفعل معطوفا على مجموع الجملة من قوله ألم نهلك
المرسلات : ( 18 ) كذلك نفعل بالمجرمين
( كذلك نفعل بالمجرمين ) أي مثل ذلك الفعل الفظيع نفعل بهم يريد من يهلكه فيما بعد والكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف أي مثل ذلك الإهلاك نفعل بكل مشرك إما في الدنيا أو في الآخرة
المرسلات : ( 19 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( أي ويل يوم ذلك الإهلاك للمكذبين بكتب الله ورسله قيل الويل الاول لعذاب الآخرة وهذا لعذاب الدنيا
المرسلات : ( 20 ) ألم نخلقكم من . . . . .
) ألم نخلقكم من ماء مهين ( أي ضعيف حقير وهو النطفة
المرسلات : ( 21 ) فجعلناه في قرار . . . . .
( فجعلناه في قرار مكين ) أي مكان حريز وهو الرحم
المرسلات : ( 22 ) إلى قدر معلوم
) إلى قدر معلوم ( أي إلى مقدار معلوم وهو مدة الحمل وقيل إلى أن يصور
المرسلات : ( 23 ) فقدرنا فنعم القادرون
( فقدرنا ) قرأ الجمهور فقدرنا بالتخفيف وقرا نافع والكسائي بالتشديد من التقدير قال الكسائي والفراء وهما لغتان بمعنى تقول قدرت كذا وقدرته ( فنعم القادرون ) أي نعم المقدرون نحن قيل المعنى قدرناه قصيرا أو طويلا وقيل معنى


"""""" صفحة رقم 358 """"""
قدرنا ملكنا
المرسلات : ( 24 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( بقدرتنا على ذلك ث
المرسلات : ( 25 ) ألم نجعل الأرض . . . . .
م بين لهم بديع صنعه وعظيم قدرته ليعتبروا فقال ) ألم نجعل الأرض كفاتا ( معنى الكفت في اللغة الضم والجمع يقال كفت الشيء إذا ضمه وجمعه ومن هذا يقال للجراب والقدر كفت والمعنى ألم نجعل الأرض ضامة للأحياء على ظهرها والأموات في باطنها تضمهم وتجمعهم قال الفراء يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم وتكفتهم أمواتا في بطنها أي تحوزهم
المرسلات : ( 26 ) أحياء وأمواتا
وهو معنى قوله ( أحياء وأمواتا ) وأنشد سيبويه كرام حين تنكفت الأفاعي
إلى أجحارهن من الصقيع
قال أبو عبيدة كفاتا أوعية ومنه قول الشاعر
فأنت اليوم فوق الأرض حي وأنت غدا تضمن في كفات
أي في قبر وقيل معنى جعلها كفاتا أنه يدفن فيها ما يخرج من الإنسان من الفضلات وقال الأخفش وأبو عبيدة الأحياء والأموات وصفان للأرض أي الأرض منقسمة إلى حي وهو الذي ينبت وإلى ميت وهو الذي لا ينبت قال الفراء انتصاب أحياء وأمواتا بوقوع الكفات عليه أي ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات فإذا نون نصب ما بعده وقيل نصبا على الحال من الأرض أي منها كذا ومنها كذا وقيل هو مصدر نعت به للمبالغة وقال الأخفش كفاتا جمع كافتة والأرض يراد بها الجمع فنعتت بالجمع وقال الخليل التكفت تقليب الشيء ظهرا لبطن أو بطنا لظهر ويقال انكفت القوم إلى منازلهم أي ذهبوا
المرسلات : ( 27 ) وجعلنا فيها رواسي . . . . .
) وجعلنا فيها رواسي شامخات ( أي جبالا طوالا والرواسي الثوابت والشامخات الطوال وكل عال فهو شامخ ) وأسقيناكم ماء فراتا ( أي عذبا والفرات الماء العذب يشرب منه ويسقى به قال مقاتل وهذا كله أعجب من البعث
المرسلات : ( 28 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( بما انعمنا عليهم من نعمنا التي هذه من جملتها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة ) والمرسلات عرفا ( قال هي الملائكة أرسلت بالعرف وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود والمرسلات عرفا قال الريح ) فالعاصفات عصفا ( قال الريح ) والناشرات نشرا ( قال الريح وأخرج ابن راهويه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب أنه جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال ما العاصفات عصفا قال الرياح وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) والمرسلات عرفا ( قال الريح ) فالعاصفات عصفا ( قال الريح ) فالفارقات فرقا ( قال الملائكة ) فالملقيات ذكرا ( قال الملائكة وأخرج ابن المنذر عنه ) والمرسلات عرفا ( قال الملائكة ) فالفارقات فرقا ( قال الملائكة فرقت بين الحق والباطل ) فالملقيات ذكرا ( قال بالتنزيل وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود قال ويل واد في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار فجعل للمكذبين وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) من ماء مهين ( قال ضعيف وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ( كفاتا ) قال كنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) رواسي شامخات ( قال جبالا مشرفات وفي قوله ( فراتا ) قال عذبا


"""""" صفحة رقم 359 """"""
سورة المرسلات ( 29 50
المرسلات : ( 29 ) انطلقوا إلى ما . . . . .
) انطلقوا إلى ما كنتم ( هو بتقدير القول أي يقال لهم توبيخا وتقريعا ) انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ( في الدنيا تقول لهم ذلك خزنة جهنم أي سيروا إلى ما كنتم تكذبون به من العذاب وهو عذاب النار
المرسلات : ( 30 ) انطلقوا إلى ظل . . . . .
) انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ( أي إلى ظل من دخان جهنم قد سطع ثم افترق ثلاث فرق تكونون فيه حتى يفرغ الحساب وهذا شأن الدخان العظيم إذا ارتفع تشعب شعبا قرأ الجمهور انطلقوا في الموضعين على صيغة الأمر على التأكيد وقرأ رويس عن يعقوب بصيغة الماضي في الثاني أي لما أمروا بالانطلاق امتثلوا ذلك فانطلقوا وقيل المراد بالظل هنا هو السرادق وهو لسان من النار يحيط بهم ثم يتشعب ثلاث شعب فيظلهم حتى يفرغ من حسابهم ثم يصيرون إلى النار وقيل هو الظل من يحموم كما في قوله في سموم وحميم وظل من يحموم على ما تقدم
المرسلات : ( 31 ) لا ظليل ولا . . . . .
ثم وصف سبحانه هذا الظل تهكما بهم فقال ) لا ظليل ولا يغني من اللهب ( أي لا يظل من الحر ولا يغنى من اللهب قال الكلبي لا يرد حر جهنم عنكم
المرسلات : ( 32 ) إنها ترمي بشرر . . . . .
ثم وصف سبحانه النار فقال ( إنها ترمي بشرر كالقصر ) أي كل شررة من شررها التي ترمى بها كالقصر من القصور في عظمها والشرر ما تطاير من النار متفرقا والقصر البناء العظيم وقيل القصر جمع قصرة ساكنة الصاد مثل حمر وحمرة وتمر وتمرة وهي الواحدة من جزل الحطب الغليظ قال سعيد بن جبير والضحاك وهي أصول الشجر العظام وقيل أعناقه قرأ الجمهور كالقصر بإسكان الصاد وهو واحد القصور كما تقدم وقرأ ابن عباس ومجاهد وحميد والسلمي بفتح الصاد أي أعناق النخل والقصرة العنق جمعه قصر وقصرات وقال قتادة أعناق الإبل وقرأ سعيد بن جبير بكسر القاف وفتح الصاد وهي أيضا جمع قصرة مثل بدر وبدرة وقصع وقصعة وقرأ الجمهور بشرر بفتح الشين وقرأ ابن عباس وابن مقسم بكسرها مع ألف بين الراءين وقرأ عيسى كذلك إلا أنه يفتح الشين وهي لغات
المرسلات : ( 33 ) كأنه جمالة صفر
ثم شبه الشرر باعتبار لونه فقال ( كأنه جمالات صفر ) وهي جمع جمال وهي الإبل أو جمع جمالة قرأ الجمهور جمالات بكسر الجيم وقرأ حمزة والكسائي وحفص جمالة جمع جمل وقرأ ابن عباس والحسن وابن جبير وقتادة وأبو رجاء جمالات بضم الجيم وهي حبال السفن قال الواحدي والصفر معناها السود في قول المفسرين قال الفراء الصفر سواد الإبل لا يرى أسود من الإبل إلا وهو مشرب صفرة لذلك سمت العرب سود الإبل صفرا قيل والشرر إذا تطاير وسقط وفيه بقية من لون النار أشبه شيء بالإبل السود ومنه قول الشاعر تلك خيلي وتلك ركابي
هن صفر أولادها كالزبيب
أي هن سود قيل وهذا القول محال في اللغة أن يكون شيء يشوبه شيء قليل فينسب كله إلى ذلك


"""""" صفحة رقم 360 """"""
الشائب فالعجب لمن قال بهذا وقد قال تعالى ) جمالة صفر ( وأجيب بأن وجهه أن النار خلقت من النور فهي مضيئة فلما خلق الله جهنم وهي موضع النار حشى ذلك الموضع بتلك النار وبعث إليها سلطانه وغضبه فاسودت من سلطانه وازدادت سوادا وصارت أشد سوادا من كل شيء فيكون شررها أسود لأنه من نار سوداء قلت وهذا الجواب لا يدفع ما قاله القائل لأن كلامه باعتبار ما وقع في الكتاب العزيز هنا من وصفها بكونها صفراء فلو كان الأمر كما ذكره المجيب من اسوداد النار واسوداد شررها لقال الله كأنها جمالات سود ولكن إذا كانت العرب تسمى الأسود أصفر لم يبق إشكال لأن القرآن نزل بلغتهم وقد نقل الثقات عنهم ذلك فكان ما في القرآن هنا واردا على هذا الاستعمال العربي
المرسلات : ( 34 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( لرسل الله وآياته
المرسلات : ( 35 ) هذا يوم لا . . . . .
( هذا يوم لا ينطقون ) أي لا يتكلمون قال الواحدي قال المفسرون قي يوم القيامة مواقف ففي بعضها يتكلمون وفي بعضها يختم على أفواههم فلا يتكلمون وقد قدمنا الجمع بهذا في غير موضع وقيل إن هذا إشارة إلى وقت دخولهم النار وهم عند ذلك لا ينطقون لأن مواقف السؤال والحساب قد انقضت وقال الحسن لا ينطقون بحجة وإن كانوا ينطقون قرا الجمهور برفع يوم على انه خبر لإسم الإشارة وقرأ زيد بن علي والأعرج والأعمش وأبو حيوة وعاصم في رواية عنه بالفتح على البناء لإضافته إلى الفعل ومحله الرفع على الخبرية وقيل هو منصوب على الظرفية والإشارة بهذا إلى ما تقدم من الوعيد كأنه قيل هذا العقاب المذكور كائن يوم لا ينطقون
المرسلات : ( 36 ) ولا يؤذن لهم . . . . .
) ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( قرأ الجمهور يؤذن على البناء للمفعول وقرأ زيد بن علي ولا يأذن على البناء للفاعل أي لا يأذن الله لهم أي لا يكون لهم إذن من الله فيكون لهم اعتذار من غير أن يجعل الاعتذار مسببا عن الأذن كما لو نصب قال الفراء الفاء في فيعتذرون نسق على يؤذن وأجيز ذلك لأن أواخر الكلام بالنون ولو قال فيعتذروا لم يوافق الآيات وقد قال لا يقضى عليهم فيموتوا بالنصب والكل صواب
المرسلات : ( 37 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( بما دعتهم إليه الرسل وأنذرتهم عاقبته
المرسلات : ( 38 ) هذا يوم الفصل . . . . .
) هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين ( أي ويقال لهم هذا يوم الفصل الذي يفصل فيه بين الخلائق ويتميز فيه الحق من الباطل والخطاب في جمعناكم للكفار في زمن نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بالأولين كفار الأمم الماضية
المرسلات : ( 39 ) فإن كان لكم . . . . .
) فإن كان لكم كيد ( أي إن قدرتم على كيد الآن ( فكيدون ) وهذا تقريع وتوبيخ لهم قال مقاتل يقول إن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم وقيل المعنى فإن قدرتم على حرب فحاربون وقيل إن هذا من قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيكون كقول هود فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون
المرسلات : ( 40 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( لأنه قد ظهر لهم عجزهم وبطلان ما كانوا عليه في الدنيا
المرسلات : ( 41 ) إن المتقين في . . . . .
ثم ذكر سبحانه المؤمنين فقال ) إن المتقين في ظلال وعيون ( أي في ظلال الأشجار وظلال القصور لا كالظل الذي للكفار من الدخان أو من النار كما تقدم قال مقاتل والكلبي المراد بالمتقين الذين يتقون الشرك بالله لأن السورة من أولها إلى آخرها في تقريع الكفار على كفرهم قال الرازي فيجب أن تكون هذه الآية مذكورة لهذا الغرض وإلا لتفككت السورة في نظمها وترتيبها وإنما يتم النظم بأن يكون الوعد للمؤمنين بسبب إيمانهم فأما جعله سببا للطاعة فلا يليق بالنظم كذا قال والمراد بالعيون الأنهار
المرسلات : ( 42 ) وفواكه مما يشتهون
وبالفواكه ما يتفكه به مما تطلبه أنفسهم وتستدعيه شهواتهم
المرسلات : ( 43 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . .
) كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ( أي يقال لهم ذلك فالجملة مقدرة بالقول وهي في محل نصب على الحال من ضمير المتقين والباء للسببية أي بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة
المرسلات : ( 44 ) إنا كذلك نجزي . . . . .
) إنا كذلك نجزي المحسنين ( أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي المحسنين في أعمالهم قرأ الجمهور


"""""" صفحة رقم 361 """"""
في ظلال وقرأ الأعمش والزهري وطلحة والأعرج في ظلل جمع ظلة
المرسلات : ( 45 ) ويل يومئذ للمكذبين
( ويل يومئذ للمكذبين ) حيث صاروا في شقاء عظيم وصار المؤمنين في نعيم مقيم
المرسلات : ( 46 ) كلوا وتمتعوا قليلا . . . . .
( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ) الجملة بتقدير القول في محل نصب على الحال من المكذبين أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكير لهم بحالهم في الدنيا أو يقال لهم هذا في الدنيا والمجرمون المشركون بالله وهذا وإن كان في اللفظ أمرا فهو في المعنى تهديد وزجر عظيم
المرسلات : ( 47 ) ويل يومئذ للمكذبين
( ويل يومئذ للمكذبين ) كرره لزيادة التوبيخ والتقريع
المرسلات : ( 48 ) وإذا قيل لهم . . . . .
( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) أي وإذا أمروا بالصلاة لا يصلون قال مقاتل نزلت في ثقيف امتنعوا من الصلاة بعد أن أمرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بها فقالوا لا ننحنى فإنها مسبة علينا فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود وقيل إنما يقال لهم ذلك في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون وقيل المعنى بالركوع الطاعة والخشوع
المرسلات : ( 49 ) ويل يومئذ للمكذبين
( ويل يومئذ للمكذبين بأوامر الله سبحانه ونواهيه
المرسلات : ( 50 ) فبأي حديث بعده . . . . .
( فبأي حديث بعده يؤمنون ) أي فبأي حديث بعد القرآن يصدقون إذا لم يؤمنوا به قرأ الجمهور يؤمنون بالتحتية على الغيبية وقرأ أبن عامر في رواية عنه ويعقوب بالفوقية على الخطاب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن بن عباس في قوله ( بشرر كالقصر ) قال القصر العظيم وقوله ( جمالات صفر ) قال قطع النحاس وأخرج عبد الرزاق والفريابي وهناد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير ابن المنذر والحاكم وابن مردويه من طريق عبد الرحمن بن عابس قال سمعت بن عباس يسأل عن قوله ( إنها ترمي بشرر كالقصر ) قال كنا نرفع الخشب بقدر ثلاثة أذرع أو أقل فنرفعه للشتاء فنسميه القصر قال وسمعته يسأل عن قوله ( جمالات صفر ) قال حبال السفن يجمع بعضها بعض حتى يكون كأوساط الرجال ولفظ البخاري كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك فنرفعه للشتاء فنسميه القصر ( كأنه جمالات صفر ) حبال السفن تجمع حتى تكون كأوساط الرجال وأخرج أبن جرير وابن المنذر عنه أنه قرأ كالقصر بفتح القاف والصاد وقال قصر النخل يعني الأعتاق واخرج أبن مردويه عنه ايضا قال كانت العرب في الجاهلية تقول أقصروا لنا الحطب فيقطع على قدر الذراع والذراعين واخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وأبن أبي حاتم والطبراني في الأوسط عن أبن مسعود في قوله 0 ترمي بشرر كالقصر ) قال إنها ليست كالشجر والجبال ولكنها مثل المدائن الحصون وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عن ابن عباس في قوله كالقصر قال هو القصر وفي قوله ( جمالات صفر ) قال الإبل وأخرج الحاكم وصححه من طريق عكرمة قال سأل نافع أبن الأرزق أبن عباس عن قوله ( هذا يوم لا ينطقون ) ولا تسمع إلا همسا وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وهاؤم اقرؤوا كتابيه فقال له ويحك هل سألت عن هذا أحدا قبلي قال لا قال أما أنك لو كنت سألت هلكت أليس قال الله وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون قال بلى قال فإن لكل مقدار يوم من هذه الأيام لونا من الألوان واخرج أبن جرير عن أبن عباس ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) يقول يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا


"""""" صفحة رقم 362 """"""
ع78
تفسير
سورة عم وتسمى سورة النبأ
وهي أربعون آية وقيل إحدى وأربعون آية
حول السورة
وهي مكية عند الجميع واخرج أبن الضريس وابن النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت ( عم يتساءلون ) بمكة وأخرج أبن مردويه عن ابن الزبير مثله
سورة عم ( 1 30
النبأ : ( 1 ) عم يتساءلون
قوله 0 عم يتساءلون ) أصله عن ما فأدغمت النون في الميم لأن الميم تشاركها في الغنة كذا قال الزجاج وحذفت الألف ليتميز الخبر عن الاستفهام وكذلك فيم وقم ونحو ذلك والمعنى عن أي شيء يسأل بعضهم بعضا قرأ الجمهور عم بحذف الألف لما ذكرنا وقرأ أبي وأبن مسعود وعكرمة وعيسى بإثباتها ومنه قول الشاعر علاما قام يشتمني لئيم
كخنزير تمرغ في دمان
ولكنه قليل لا يجوز إلا للضرورة وقرأ البزي بهاء السكت عوضا عن الألف وروى ذلك عن أبن كثير قال الزجاج اللفظ لفظ استفهام والمعنى تفخيم القصة كما تقول أي شيء تريد إذا عظمت شأنه قال الواحدي قال المفسرون لما بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واخبرهم بتوحيد الله والبعث بعد الموت


"""""" صفحة رقم 363 """"""
وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم يقولون ماذا جاء به محمد وما الذي أتى به فأنزل الله 0 عم يتساءلون ) قال الفراء التساؤل هو أن يسأل بعضهم بعضا كالتقابل وقد يستعمل أيضا في أن يتحدثوا به وان لم يكن بينهم سؤال قال الله تعالى واقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إنى كان لي قرين الآية وهذا يدل على أنه التحدث ولفظ ما موضوع لطلب حقائق الأشياء وذلك يقتضي كون المطلوب مجهولا فجعل الشي العظيم الذي يعجز العقل عن أن يحيط بكنهة كأنه مجهول ولهذا جاء سبحانه بلفظ ما
النبأ : ( 2 ) عن النبإ العظيم
ثم ذكر سبحانه تساؤلهم عن ماذا وبينه فقال ( عن النبأ العظيم ) فأورده سبحانه أولا على طريقة الاستفهام مبهما لتتوجه إليه اذهانهم وتلتفت إليه أفهامهم ثم بينه بما يفيد تعظيمه وتفخيمه كأنه قيل عن اي شيء يتساءلون هل أخبركم به ثم قيل بطريق الجواب عن النبأ العظيم ) على منهاج قوله لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فالجار والمجرور متعلق بالفعل الذي قبله أو بما يدل عليه قال أبن عطية قال أكثر النحاة عن النبأ العظيم متعلق بيتساءلون الظاهر كأنه قال ألم يتساءلون عن النبأ العظيم وقيل ليس بمتعلق بالفعل المذكور لأنه كان يلزم دخول حرف الاستفهام فيكون التقدير أعن النبأ العظيم فلزم أن يتعلق بيتساءلون آخر مقدر وإنما كان ذلك النبأ أي القرآن عظيما لأنه ينبئ عن التوحيد وتصديق الرسول ووقوع البعث والنشور قال الضحاك يعني نبأ يوم القيامة وكذا قال قتادة
النبأ : ( 3 ) الذي هم فيه . . . . .
وقد استدل على أن النبأ العظيم هو القرآن بقوله ( الذي هم فيه مختلفون ) فإنهم اختلفوا في القرآن فجعله بعضهم سحرا وبعضهم شعرا بعضهم كهانة وبعضهم قال هو اساطير الأولين وأما البعث فقد اتفق الكفار إذ ذاك على إنكاره ويمكن أن يقال إنه قد وقع الاختلاف في البعث في الجملة فصدق به المؤمنون وكذب به الكافرون فقد وقع الاختلاف فيه من هذه الحيثية وإن لم يقع الاختلاف فيه بين الكفار أنفسهم على التسليم والتنزل ومما يدل على أنه القرآن في قوله سبحانه قل هو نبأ عظيم أنتم عيه معرضون ومما يدل على أنه البعث أنه أكثر ما كان يستنكره المشركون وتأباه عقولهم السخيفة وأيضا فطوائف الكفار قد وقع الاختلاف بينهم في البعث فأثبت النصارى المعاد الروحاني واثبتت طائفة من اليهود المعاد الجسماني وفي التوراة التصريح بلفظ الجنة باللغة العبرانية بلفظ جنعيذا بجيم مفتوحة ثم نون ساكنة ثم عين مكسورة مهملة ثم تحتية ساكنة ثم ذال معجمة بعدها ألف وفي الإنجيل في مواضع كثيرة التصريح بالمعاد وأنه يكون فيه النعيم للمطيعين والعذاب للعاصين وقد كان بعض طوائف كفار العرب ينكر المعاد كما حكى الله عنهم بقوله إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما نحن بمبعوثين وكانت طائفة منهم غير جازمة بنفيه بل شاكة فيه كما حكى الله عنهم بقوله إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين وما حكاه عنهم بقوله وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فقد حصل الاختلاف بين طوائف الكفر على هذه الصفة وقد قيل إن الضمير في قوله يتساءلون يرجع إلى المؤمنين والكفار لأنهم جميعا كانوا يتساءلون عنه فأما المسلم فيزداد يقينا واستعدادا وبصيرة في دينه وأما الكافر فاستهزاء وسخرية قال الرازي ويحتمل أنهم يسألون الرسول ويقولون ما هذا الذي يعدنا به من أمر الآخرة والموصول في محل جر صفة للنبأ بعد وصفه بكونه عظيما فهو متصف بالعظم ومتصف بوقوع الاختلاف فيه
النبأ : ( 4 ) كلا سيعلمون
( كلا سيعلمون ) ردع لهم وزجر وهذا يدل على أن المختلفين فيه هم الكفار وبه يندفع ما قيل إن الخلاف بينهم وبين المؤمنين فإنه إنما يتوجه الردع والوعيد إلى الكفار فقط وقيل كلا بمعنى حقا
النبأ : ( 5 ) ثم كلا سيعلمون
ثم كرر الردع والزجر فقال ( ثم كلا سيعلمون ) للمبالغة في التأكيد والتشديد في الوعيد قرأ الجمهور بالياء التحتية في الفعلين على الغيبة وقرأ الحسن وأبو العالية وابن دينار وأبن عامر في رواية عنه بالفوقية على الخطاب وقرأ الضحاك الأول بالفوقية


"""""" صفحة رقم 364 """"""
والثاني بالتحتية قال الضحاك أيضا ( كلا سيعلمون ) يعني الكافرين عاقبة تكذيبهم ( ثم كلا سيعلمون ) يعني المؤمنين عاقبة تصديقهم وقيل بالعكس وقيل هو وعيد بعده وعيد وقيل المعنى ( كلا سيعلمون ) عند النزع ( ثم كلا سيعلمون ) عند البعث
النبأ : ( 6 ) ألم نجعل الأرض . . . . .
ثم ذكر سبحانه بديع صنعه وعظيم قدرته ليعرفوا توحيده ويؤمنوا بما جاء به رسوله فقال ( ألم نجعل الأرض مهادا
النبأ : ( 7 ) والجبال أوتادا
(والجبال أوتادا ) أي قدرتنا على هذه الأمور المذكورة أعظم من قدرتنا على الإعادة بالبعث والمهاد الوطأة والفراش كنا في قوله الذي جعل لكم الأرض فراشا قرأ الجمهور مهادا وقرأ مجاهد وعيسى وبعض الكوفيون مهدا والمعنى أنها كالمهد للصبي وهو ما يمهد له فينوم عليه والأوتاد جمع وتد أي جعلنا الجبال أوتادا للأرض لتسكن ولا تتحرك كما يرسي الخيام بالأوتاد وفي هذا دليل على أن التساؤل الكائن بينهم هو أمر البعث لا عن القرآن ولا عن نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كما قيل لأن هذا الدليل إنما يصلح للاستدلال به على البعث
النبأ : ( 8 ) وخلقناكم أزواجا
( وخلقناكم أزواجا ) معطوف على المضارع المنفي داخل في حكمه فهو في قوة أما خلقناكم والمراد بالأزواج هنا الأصناف أي الذكور والإناث وقيل المراد بالأزواج الألوان وقيل يدخل في هذا كل زوج من المخلوقات من قبيح وحسن وطويل وقصير
النبأ : ( 9 ) وجعلنا نومكم سباتا
( وجعلنا نومكم سباتا ) أي راحة لأبدانكم قال الزجاج السبات أن ينقطع عن الحركة والروح في بدنه أي جعلنا نومكم راحة لكم قال أبن الأنباري جعلنا نومكم قطعا لأعمالكم لأن اصل السبت القطع وقيل أصله التمدد يقال سبتت المرأة شعرها إذا حلته وأرسلته ورجل مسبوت الخلق أي ممدوده والرجل إذا اراد أن يستريح تمدد فسمى النوم سباتا وقيل المعنى وجعلنا نومكم موتا والنوم أحد الموتتين فالمسبوت يشبه الميت ولكنه لم تفارقه الروح ومنه قول الشاعر ومطوية الأقراب أما نهارها
فسبت وأما ليلها فذميل
ومن هذا قوله الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها الآية وقوله وهو الذي يتوفاكم بالليل
النبأ : ( 10 ) وجعلنا الليل لباسا
( وجعلنا الليل لباسا ) أي نلبسكم ظلمته ونغشيكم بها كما يغشيكم اللباس وقال سعيد بن جبير والسدي أي سكنا لكم وقيل المراد به ما يستره عند النوم من اللحاف ونحوه وهو بعيد لأن الجعل وقع على الليل لا على ما يستتر به النائم عند نومه
النبأ : ( 11 ) وجعلنا النهار معاشا
( وجعلنا النهار معاشا ) أي وقت معاش والمعاش العيش وكل شيء يعاش به فهو معاش والمعنى أن الله جعل لهم النهار مضيئا ليسعوا فيما يقوم به معاشهم وما قسمه الله لهم من الرزق
النبأ : ( 12 ) وبنينا فوقكم سبعا . . . . .
( وبنينا فوقكم سبعا شدادا ) يريد سبع سموات قوية الخلق محكمة البناء ولهذا وصفها بالشدة وغلظ كل واحدة منها مسيرة خمسمائة عام كما ورد ذلك ( وجعلنا سراجا وهاجا ) المراد به الشمس وجعل هنا بمعنى خلق وهكذا قوله
النبأ : ( 13 ) وجعلنا سراجا وهاجا
( وجعلنا نومكم سباتا ) وما بعده لأن هذه الأفعال قد تعدت إلى مفعولين فلا بد من تضمينها معنى فعل يتعدى إليهما كالخلق والتصيير ونحو ذلك وقيل ان الجعل بمعنى الإنشاء والإبداع في جميع هذه المواضع والمراد به الإنشاء التكويني الذي بمعنى التقدير والتسوية قال الزجاج الوهاج الوقاد وهو الذي وهج يقال وهجت النار تهيج وهجا ووهجانا قال مقاتل جعل فيه نورا حرا والوهج يجمع النور والحرارة
النبأ : ( 14 ) وأنزلنا من المعصرات . . . . .
( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ) المعصرات هي السحاب التي ينعصر بالماء ولم تمطر بعد كالمرأة المعتصرة التي قددنا حيضها كذا قال سفيان والربيع وأبو العالية والضحاك وقال مجاهد ومقاتل وقتادة والكلبي هي الرياح والرياح تسمى معصرات يقال أعصرت الريح تعصر إعصارا إذا أثارت العجاج قال الأزهري هي الرياح ذوات الأعاصير


"""""" صفحة رقم 365 """"""
وذلك أن الرياح تستدر المطر وقال الفراء المعصرات السحاب التي يتحلب منها المطر قال النحاس وهذه الأقوال صحاح يقال للريح التي تأتي بالمطر معصرات والرياح تلقح السحاب فيكون المطر ويجوز أن تكون هذه الأقوال قولا واحدا ويكون المعنى وأنزلنا من ذوات المعصرات ماء ثجاجا قال في الصحاح والمعصرات السحاب تعتصر بالمطر وعصر القوم أي مطروا قال المبرد يقال سحاب معصر أي ممسك للماء يعتصر منه شيء بعد شيء وقال أبي بن كعب والحسن وأبن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان المعصرات السموات والثجاج المنصب بكثرة على جهة التتابع يقال ثج الماء أي سال بكثرة وثجه أي أساله قال الزجاج الثجاج الصباب قال أبن زيد ثجاجا كثيرا
النبأ : ( 15 ) لنخرج به حبا . . . . .
( لنخرج به حبا ونباتا ) أي لنخرج بذلك الماء حبا يقتات كالحنطة والشعير ونحوهما والنبات ما تأكله الدواب من الحشيش وسائر النبات
النبأ : ( 16 ) وجنات ألفافا
( وجنات ألفافا ) أي بساتين ملتف بعضها ببعض لتشعب أغصانها ولا واحد للألفاف كالأوزاع والأخياف وقيل واحدها لف بكسر اللام وضمها ذكره الكسائي وقال أبو عبيدة واحدها لفيف كشريف واشراف وروى عن الكسائي أنها جمع الجمع يقال جنة لفاء ونبت لف والجمع لف بضم اللام مثل حمر ثم يجمع هذا الجمع على ألفاف وقيل هو جمع ملتفة بحذف الزوائد قال الفراء الجنة ما فيه النخيل والفردوس ما فيه الكرم
النبأ : ( 17 ) إن يوم الفصل . . . . .
( إن يوم الفصل كان ميقاتا ) أي وقتا ومجمعا وميعادا للأولين والآخرين يصلون فيه إلى ما وعدوا به من الثواب والعقاب وسمى يوم الفصل لأن الله يفصل فيه بين خلقه وهذا شروع في بيان ما يتساءلون عنه من البعث وقيل معنى ميقاتا أنه حد توقت به الدنيا وتنتهي عنده وقيل حد للخلائق ينتهون إليه
النبأ : ( 18 ) يوم ينفخ في . . . . .
( يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ) أي يوم ينفخ في الصور وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل والمراد هنا النفخة الثانية التي تكون للبعث ( فتأتون ) أي إلى موضع العرض أفواجا أي زمرا زمرا وجماعات جماعات وهي جمع فوج وانتصاب ( يوم ينفخ ) على أنه بدل من يوم الفصل أو بيان له مفيد لزيادة تفخيمه وتهويله وإن كان الفصل متأخرا عن النفخ ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أعنى وانتصاب أفواجا على الحال من فاعل تأتون والفاء في فتأتون فصيحة تدل على محذوف أي فتأتون إلى موضع العرض عقيب ذلك أفواجا
النبأ : ( 19 ) وفتحت السماء فكانت . . . . .
( وفتحت السماء فكانت أبوابا ) معطوف على ينفخ وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع أي فتحت لنزول الملائكة ( فكانت ابوابا ) كما في قوله ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا وقيل معنى فتحت قطعت فصارت قطعا كالأبواب وقيل ابوابها طرقها وقيل تنحل وتتناثر حتى تصير فيه أبواب وقيل إن لكل عبد بابين في السماء باب لرزقه وباب لعمله فإذا قامت القيامة انفتحت الأبواب وظاهر قوله ( فكانت أبوابا ) أنها صارت كلها أبوابا وليس المراد ذلك بل المراد أنها صارت ذات أبواب كثيرة قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي فتحت مخففا وقرأ الباقون بالتشديد
النبأ : ( 20 ) وسيرت الجبال فكانت . . . . .
( وسيرت الجبال فكانت سرابا ) أي سيرت عن أماكنها في الهواء وقلعت عن مقارها فكانت هباء منبثا يظن الناظر أنها سراب والمعنى أن الجبال صارت كلا شيء كما أن السراب يظن الناظر أنه ماء وليس بماء وقيل معنى سيرت أنها نسفت من أصولها ومثل هذا قوله وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب وقد ذكر سبحانه أحوال الجبال بوجوه مختلفة ولكن الجمع بينها أن نقول أول أحوالها الاندتاك وهو قوله وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة وثاني أحوالها أن تصير كالعهن المنفوش كما في قوله وتكون الجبال كالعهن المنفوش وثالث أحوالها أن تصير كالهباء وهو قوله وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا ورابع أحوالها أن تنسف وتحملها الرياح كما في قوله وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب وخامس أحوالها أن تصير سرابا أي


"""""" صفحة رقم 366 """"""
لا شيء كما في هذه الاية
النبأ : ( 21 ) إن جهنم كانت . . . . .
ثم شرع سبحانه في تفصيل أحكام الفصل فقال ( إن جهنم كانت مرصادا ) قال الأزهري المرصاد المكان الذي يرصد الراصد فيه العدو قال المبرد مرصادا يرصدون به أي هو معد لهم يرصد به خزنتها الكفار قال الحسن إن على الباب رصدا لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليهم فمن جاء بجواز جاز ومن لم يجيء بجواز حبس وقال مقاتل محبسا وقيل طريقا وممرا قال في الصحاح الراصد للشيء الراقب له يقال رصده يرصده رصدا والرصد الترقب والمرصد موضع الرصد قال الأصمعي رصدته أرصده ترقبته ومعنى الآية أن جهنم كانت في حكم الله وقضائه موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار ليعذوبهم فيها أو هي في نفسها متطلعة لمن يأتي إليها من الكفار كما يتطلع الرصد لمن يمر به ويأتي إليهم والمرصاد مفعال من أبنية المبالغة كالمعطار والمعمار فكأنه يكثر من جهنم انتظار الكفار
النبأ : ( 22 ) للطاغين مآبا
ثم ذكر من هي مرصد له فقال ( للطاغين مآبا ) أي مرجعا يرجعون إليه والمآب المرجع يقال آب يئوب إذا رجع والطاغي هو من طغى بالكفر وللطاغين نعت لمرصادا متعلق بمحذوف ومآبا بدل من مرصادا ويجوز أن يكون للطاغين في محل نصب على الحال من مآبا قدمت عليه لكونه نكرة
النبأ : ( 23 ) لابثين فيها أحقابا
وانتصاب ( لابثين فيها ) على الحال المقدرة من الضمير المستكن في الطاغين قرأ الجمهور لابثين بالألف وقرأ حمزة والكسائي لبثين بدون ألف وانتصاب ( أحقابا ) على الظرفية أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب وهي لا تنقطع وكلما مضى حقب جاء حقب وهي جمع حقب بضمتين وهو الدهر والأحقاب الدهور والحقب بضم الحاء وسكون القاف قيل هو ثمانون سنة وحكى الواحدي عن المفسرون أنه بضع وثمانون سنة السنة ثلثمائة وستون يوما اليوم ألف سنة من أيام الدنيا وقيل الأحقاب وقت لشربهم الحميم والغساق فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العذاب وقال السدي الحقب سبعون سنة وقال بشير بن كعب ثلثمائة سنة وقال ابن عمر أربعون سنة وقيل ثلاثون ألف سنة قال الحسن الأحقاف لا يدري أحدكم هي ولكن ذكروا أنها مائة حقب والحقب الواحد منها سبعون ألف سنة اليوم منها كألف سنة وقيل الآية محمولة على العصاة الذين يخرجون من النار والأولى ما ذكرناه أولا من أن المقصود بالآية التأبيد لا التقييد وحكى الواحدي عن الحسن أنه قال والله ما هي إلا أنه إذا مضى حقب دخل آخر ثم كذلك إلى الأبد
النبأ : ( 24 - 25 ) لا يذوقون فيها . . . . .
وجملة ( لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا ) مستأنفة لبيان ما اشتملت عليه من أنهم لا يذوقون في جهنم أو في الأحقاب بردا ينفعهم من حرها ولا شرابا ينفعهم من عطشها إلا حميما وهو الماء الحار وغساقا وهو صديد أهل النار ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير الطاغين أو صفة للأحقاب والاستثناء منقطع عند من جعل البرد النوم ويجوز أن يكون متصلا من قوله ( شرابا ) وقال مجاهد والسدي وأبو عبيدة والكسائي والفضل بن خالد وأبو معاذ النحوي البرد المذكور في هذه الآية هو النوم ومنه قول الكندي بردت مراشفها على فصدني
عنها وعن تقبيلها البرد
أي النوم قال الزجاج أي لا يذوقون فيها برد ريح ولا ظل ولا نوم فجعل البرد يشمل هذه الأمور وقال الحسن وعطاء وابن زيد بردا أي روحا وراحة قرأ الجمهور غساقا بالتخفيف وقرأ حمزة الكسائي بتشديد السين وقد تقدم تفسيره وتفسير الحميم والخلاف فيهما في سورة ص
النبأ : ( 26 ) جزاء وفاقا
( جزاء وفاقا ) أي موافقا لأعمالهم وجزاء منتصب على المصدر ووفاقا نعت له قال الفراء والأخفش جازيناهم جزاء وافق أعمالهم قال الزجاج


"""""" صفحة رقم 367 """"""
جوزوا جزاء وافق أعمالهم قال الفراء الوفاق جمع الوفق والوفق والموافق واحد قال مقاتل وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الشرك ولا عذاب أعظم من النار وقال الحسن وعكرمة كانت أعمالهم سيئة فأتاهم الله بما يسوؤهم
النبأ : ( 27 ) إنهم كانوا لا . . . . .
( إنهم كانوا لا يرجون حسابا ) أي لا يرجون ثواب حساب قال الزجاج كانوا لا يؤمنون بالبعث فيرجون حسابهم والجملة تعليل لاستحقاقهم الجزاء المذكور
النبأ : ( 28 ) وكذبوا بآياتنا كذابا
( وكذبوا بآياتنا كذابا ) أي كذبوا بالآيات القرآنية أو كذبوا بما هو أعم منها تكذيبا شديدا وفعال من مصادر التفعل قال الفراء هي لغة فصيحة يمانية تقول كذبت كذابا وخرقت القميص خراقا قال في الصحاح وكذبوا بآياتنا كذابا هو أحد مصادر المشدد لأن مصدره قد يجيء على تفعيل مثل التكليم وعلى فعال مثل كذاب وعلى تفعله مثل توصية وعلى مفعل مثل ومزقناهم كل ممزق قرأ الجمهور كذابا بالتشديد وقرأ علي بن أبي طالب بالتخفيف وقال أبو علي الفارسي التخفيف والتشديد جميعا مصدر المكاذبة وقرأ أبن عمر كذابا بضم الكاف والتشديد جمع كاذب قال أبو حاتم ونصبه على الحال قال الزمخشري وقد يكون يعني على هذه القراءة بمعنى الواحد البليغ في الكذب تقول رجل كذاب كقولك حسان وبخال
النبأ : ( 29 ) وكل شيء أحصيناه . . . . .
( وكل شيء أحصيناه كتابا ) قرأ الجمهور وكل بالنصب على الأشتغال أي واحصينا كل شيء أحصيناه وقرأ أبو السماك برفعه على الابتداء وما بعده خبره وهذه الجملة معترضة بين السبب والمسبب وانتصاب كتابا على المصدرية لأحصيناه لأن أحصيناه في معنى كتبناه وقيل هو منتصب على الحال أي مكتوبا قيل المراد كتبناه في اللوح المحفوظ لتعرفه الملائكة وقيل اراد ما كتبه الحفظة على العباد من أعمالهم وقيل المراد به العلم لأن ما كتب كان ابعد من النسيان والأول أولى لقوله وكل شيء أحصيناه في امام مبين
النبأ : ( 30 ) فذوقوا فلن نزيدكم . . . . .
( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) هذه الجملة مسببة عن كفرهم وتكذيبهم بالآيات قال الرازي هذه الفاء للجزاء فنبه على أن الأمر بالذوق معلل بما تقدم شرحه من قبائح أفعالهم ومن الزيادة في عذابهم أنها كلما نضجت جلودهم بدلهم جلودا غيرها وكلما خبت النار زادهم الله سعيرا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اخرج أبن مردويه عن ابن عباس ( عن النبأ العظيم ) قال القرآن وهذا مروى عن جماعة من التابعين واخرج ابن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عنه في قوله 0 وجعلنا سراجا وهاجا ) قال مضيئا ( وأنزلنا من المعصرات ) قال السحاب ( ماء ثجاجا ) قال منصبا واخرج عبد بن حميد وأبو يعلي وأبن جرير وأبن المنذر عنه ايضا ( ثجاجا ) قال منصبا وأخرج الشافعي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن المنذر وأبن مردويه عن أبن مسعود في قوله 0 وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ) قال يبعث الله الريح فتحمل الماء فيمر به السحاب فتدر كما تدر اللقحة والثجاج ينزل من السماء أمثال الغزالي فتصرفه الرياح فينزل متفرقا وأخرج أبن جرير وأبن الأنباري في المصاحف عن قتادة قال في قراءة أبن عباس ( وأنزلنا من المعصرات ) بالرياح وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه في قوله ( وجنات ألفافا ) قال ملتفة واخرج أبن جرير عنه أيضا في الآية قال يقول التفت بعضها ببعض وأخرج ابن المنذر عنه أيضا في قوله ( وسيرت الجبال فكانت سرابا ) قال سراب الشمس الآل واخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا ( لابثين فيها أحقابا ) قال سنين واخرج عبد الرزاق والفريابي وهناد وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر عن سالم بن أبي الجعد قال سأل علي بن أبي طالب هلال الهجري ما تجدون الحقب في كتاب الله قال نجده ثمانين سنة كل سنة منها اثنا عشر شهرا كل شهر ثلاثون يوما كل يوم ألف سنة واخرج سعيد بن منصور والحاكم وصححه عن ابن مسعود في الاية قال الحقب الواحد ثمانون سنة


"""""" صفحة رقم 368 """"""
وأخرج البزار عن أبي هريرة رفعه قال الحقب ثمانون سنة والسنة ثلاثمائة وستون يوما واليوم كألف سنة مما تعدون واخرج عبد بن حميد عنه قال الحقب ثمانون عاما اليوم منها كسدس الدنيا واخرج أبن أبي حاتم والطبراني وأبن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف عن أبي أمامة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( لابثين فيها أحقابا ) قال الحقب ألف شهر والشهر ثلاثون يوما والسنة اثنا عشر شهرا ثلاثمائة وستون يوما كل يوم منها ألف سنة مما تعدون فالحقب ثلاثون ألف سنة وأخرج البزار وأبن مردويه والديلمي عن أبن عمر عن النبي صلى الله عليه وغله وسلم قال واله يخرج لا تخرج من النار من دخلها حتى يمكث فيها أحقابا والحقب بضع وثمانون سنة كل سنة ثلثمائة وستون يوما واليوم ألف سنة مما تعدون قال أبن عمر فلا يتكلن أحد أنه يخرج من النار أخرج سعيد بن منصور وأبن المنذر عن عبد الله بن عمرو قال الحقب الواحد ثمانون سنة واخرج أبن جرير عن ابن عباس مثله واخرج أبن مردويه عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الحقب أربعون سنة واخرج أبن جرير عن خالد بن معدان في قوله ( لابثين فيها أحقابا ) وقوله إلا ما شاء ربك إنهما في أهل التوحيد من اهل القبلة واخرج عبد بن حميد وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن ابن مسعود قال زمهرير جهنم يكون لهم من العذاب لأن الله يقول ( لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ) وأخرج أبن مردويه عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( لايذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما ) قال قد انتهى حرة ( وغساقا ) قد انتهى حرة وإن الرجل إذا ادنى الإناء من فيه سقط فروة وجهه حتى يبقى عظاما تقعقع ) وأخرج أبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عن ابن عباس ( جزاء وفاقا ) قال وافق أعمالهم وأخرج عبد بن حميد وأبن جرير وابن المنذر عن عبد الله بن عمرو قال ما أنزلت على أهل النار آية قط أشد منها ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) فهم في مزيد من عذاب الله ابدا
سورة عم ( 31 40
النبأ : ( 31 ) إن للمتقين مفازا
قوله 0 إن للمتقين مفازا ) هذا شروع في بيان حال المؤمنين وما أعد الله لهم من الخير بعد بيان حال الكافرين وما أعد الله لهم من الشر والمفاز مصدر بمعنى الفوز والظفر بالنعمة والمطلوب والنجاة من النار ومنه قيل للفلاة مفازة تفاؤلا بالخلاص منها
النبأ : ( 32 ) حدائق وأعنابا
ثم فسر سبحانه هذا المفاز فقال ( حدائق وأعنابا ) وانتصابهما على انهما بدل من مفازا بدل اشتمال أو بدل كل من كل على طريق المبالغة بجعل نفس هذه الأشياء مفازة ويجوز أن يكون النصب بإضمار أعنى وإذا كان مفازا بمعنى الفوز فيقدر مضاف محذوف أي فوز حدائق وهي


"""""" صفحة رقم 369 """"""
جمع حديقة وهي البستان المحوط عليه والأعناب جمع عنب أي كروم أعناب
النبأ : ( 33 ) وكواعب أترابا
( وكواعب أترابا ) الكواعب جمع كاعبة وهي الناهدة يقال كعبت الجارية تكعب تكعيبا وكعوبا ونهدت تنهد نهودا والمراد أنهم نساء كواعب تكعبت ثديهن وتفلكت أي صارت ثديهن كالكعب في صدورهن قال الضحاك الكواعب العذارى قال قيس بن عاصم وكم من حصان قد حوينا كريمة
وكم كاعب لم تدرما البؤس معصر
وقال عمر بن أبي ربيعة وكان مجنى دون ما كنت أتقي
ثلاث شخوص كاعبات ومعصر
4 والأتراب الأقران في السن وقد تقدم تحقيقه في سورة البقرة
النبأ : ( 34 ) وكأسا دهاقا
( وكأسا دهاقا ) أي ممتلئة قال الحسن وقتادة وابن زيد أي مترعه مملوءة يقال أدهقت الكأس أي ملأتها ومنه قول الشاعر ألا أسقني صرفا سقاك الساقي
من مائها بكأسك الدهاق
4 وقال سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد ( دهاقا ) متتابعة يتبع بعضها بعضا وقال زيد بن اسلم ( دهاقا ) صافية والمراد بالكأس الإناء المعروف ولا يقال له الكأس إلا إذا كان فيه الشراب
النبأ : ( 35 ) لا يسمعون فيها . . . . .
( لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) أي لا يسمعون في الجنة لغوا وهو الباطل من الكلام ولا كذابا أي ولا يكذب بعضهم بعضا قرأ الجمهور كذابا بالتشديد وقرأ الكسائي هنا بالتخفيف ووافق الجماعة على التشديد في قوله 0 وكذبوا بآياتنا كذابا ) المتقدم في هذه السورة للتصريح بفعله هناك وقد قدمنا الخلاف في كذابا هل هو من مصادر التفعيل أو من مصادر المفاعلة
النبأ : ( 36 ) جزاء من ربك . . . . .
( جزاء من ربك ) أي جازاهم بما تقدم ذكره جزاء قال الزجاج المعنى جزاهم جزاء وكذا ( عطاء ) أي وأعطاهم عطاء ( حسابا ) قال أبو عبيدة كافيا وقال ابن قتيبة كثيرا يقال أحسبت فلانا أي أكثرت له العطاء ومنه وقول الشاعر ونعطي وليد الحي إن كان جائعا
ونحسبه إن كان ليس بجائع
قال أبن قتيبة أي نعطيه حتى يقول حسبي قال الزجاج حسابا أي ما يكفيهم قال الأخفش يقال أحسبني كذا أي كفاني قال الكلبي حاسبهم فأعطاهم بالحسنة عشرا وقال مجاهد حسابا لما عملوه فالحساب بمعنى القدر أي يقدر ما وجب له في وعد الرب سبحانه فإنه وعد للحسنة عشرا ووعد لقوم سبعمائة ضعف وقد وعد لقوم جزاء لا نهاية له ولا مقدار كقوله إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وقرأ أبو هاشم حسابا بفتح الحاء وتشديد السين أي كفافا قال الأصمعي تقول العرب حسبت الرجل بالتشديد إذا اكرمته ومنه قول الشاعر إذا أتاه ضيفه يحسبه
وقرأ ابن عباس حسانا بالنون
النبأ : ( 37 ) رب السماوات والأرض . . . . .
( رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن ) قرأ ابن مسعود ونافع وابو عمرووابن كثير وزيد عن يعقوب والمفضل عن عاصم برفع 0 رب ) و ( الرحمن ) على أن رب مبتدا والرحمن خبره أو على أن رب خبر مبتدأ مقدر أي هو رب والرحمن صفته و ( لا يملكون ) خبر رب أو على أن رب مبتدأ والرحمن مبتدأ ثان ولا يملكون خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر المبتدأ الأول وقرأ يعقوب في رواية عنه وابن عامر وعاصم في رواية عنه بخفضهما على أن رب بدل من ربك والرحمن صفة له وقرأ ابن عباس وحمزة والكسائي بخفض الأول على البدل ورفع الثاني على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو الرحمن واختار هذه القراءة أبو عبيد وقال هذه القراءة أعدلها فخفض رب لقربه


"""""" صفحة رقم 370 """"""
من ربك فيكون نعتا له ورفع الرحمن لبعده منه على الاستئناف وخبره ( لا يملكون منه خطابا ) أي لا يملكون أن يسألوا إلا فيما أذن لهم فيه وقال الكسائي لا يملكون منه خطابا بالشفاعة إلا بإذنه وقيل الخطاب الكلام أي لا يملكون أن يخاطبوا الرب سبحانه إلا بإذنه دليله لا تكلم نفس إلا بإذنه وقيل أراد الكفار وأما المؤمنون فيشفعون ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال على ما تقدم بيانه ويجوز أن تكون مستأنفة مقررة لما تفيده الربوبية من العظمة والكبرياء
النبأ : ( 38 ) يوم يقوم الروح . . . . .
( يوم يقوم الروح والملائكة صفا ) الظرف منتصب بلا يتكلمون أو بلا يملكون وصفا منتصب على الحال أي مصطفين أو على المصدرية أي يصفون صفا وقوله ( لا يتكلمون ) في محل نصب على الحال أو مستأنف لتقرير ما قبله واختلف في الروح فقيل إنه ملك من الملائكة أعظم من السموات السبع ومن الأرضين السبع ومن الجبال وقيل هو جبريل قاله الشعبي والضحاك وسعيد بن جبير وقيل الروح جند من جنود الله ليسوا ملائكة قاله أبو صالح ومجاهد وقيل هم اشرف الملائكة قاله مقاتل بن حيان وقيل هم حفظة على الملائكة قاله أبن أبي نجيح وقيل هم بنو آدم قاله الحسن وقتادة وقيل هم ارواح بني آدم تقوم صفا وتقوم الملائكة صفا وذلك بين النفختين قبل ان ترد إلى الأجسام قاله عطية العوفي وقيل إنه القرآن قاله زيد بن اسلم وقوله ( إلا من أذن له الرحمن ) يجوز أن يكون بدلا من ضمير يتكلمون وأن يكون منصوبا على أصل الاستثناء والمعنى لا يشفعون أحد إلا من أذن له الرحمن بالشفاعة أو لا يتكلمون إلا في حق من اذن له الرحمن ( و ) كان ذلك الشخص ممن ( قالوا صوابا ) قال الضحاك ومجاهد صوابا يعني حقا وقال أبو صالح لا إله إلا الله وأصل الصواب السداد من القول والفعل قيل لا يتكلمون يعني الملائكة والروح الذين قاموا صفا هيبة وإجلالا إلا من أذن له الرحمن منهم في الشفاعة وهم قد قالوا صوابا قال الحسن إن الروح تقوم يوم القيامة لا يدخل أحد الجنة إلا بالروح ولا النار إلا بالعمل قال الواحدي فهم لا يتكلمون يعني الخلق كلهم إلا من أذن له الرحمن وهم المؤمنون والملائكة وقال في الدنيا صوابا أي شهد بالتوحيد
النبأ : ( 39 ) ذلك اليوم الحق . . . . .
والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى يوم قيامهم على تلك الصفة وهو مبتدا وخبره ( اليوم الحق ) أي الكائن الواقع المتحقق ( فمن شاء أتخذ إلى ربه مآبا ) أي مرجعا يرجع إليه بالعمل الصالح لأنه إذا عمل خيرا قربه إلى الله وإذا عمل شدا باعده منه ومعنى ( إلى ربه ) إلى ثواب ربه قال قتادة مآبا سبيلا
النبأ : ( 40 ) إنا أنذرناكم عذابا . . . . .
ثم زاد سبحانه في تخويف الكفار فقال ( إنا أنذرناكم عذابا قريبا ) يعني العذاب في الآخرة وكل ما هو آت فهو قريب ومثله قوله كانهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها كذا قال الكلبي وغيره وقال قتادة هو عذاب الدنيا لأنه أقرب العذابين قال مقاتل هو قتل قريش ببدر والأول أولى بقوله ( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ) فإن الظرف إما بدل من عذاب أو ظرف لمضمر هو صفة له اي عذابا كائنا ( يوم ينظر المرء ) اي يشاهد ما قدمه من خير أو شر وما موصولة أو استفهامية قال الحسن والمرء هنا هو المؤمن أي يجد لنفسه عملا فاما الكافر فلا يجد لنفسه عملا فيتمنى أن يكون ترابا وقيل المراد به الكافر على العموم وقيل أبى بن خلف وعقبة بن أبي معيط والأول اولى لقوله ( ويقول الكافر يليتني كنت ترابا ) فإن الكافر واقع في مقابلة المرء والمراد جنس الكافر يتمنى أن يكون ترابا لما يشاهده مما قد أعده الله له من أنواع العذاب والمعنى أنه يتمنى أنه كان ترابا في الدنيا فلم يخلق أو ترابا يوم القيامة وقيل المراد بالكافر أبو جهل وقيل أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وقيل إبليس والأول أولى اعتبارا بعموم اللفظ ولا ينافيه خصوص السبب كما تقدم غير مرة


"""""" صفحة رقم 371 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله 0 إن للمتقين مفازا ) قال متنزها ( وكواعب ) قال نواهد ( أترابا ) قال مستويات ( وكأسا دهاقا ) قال ممتلئا وأخرج عبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في البعث عن أبن عباس في قوله ( وكأسا دهاقا ) قال هي الممتلئة المترعة المتتابعة وربما سمعت العباس يقول يا غلام أسقنا وأدهق لنا أخرج عبد بن حميد وأبن جرير وابن المنذر عنه دهاقا قال دراكا وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا قال إذا كان فيها خمر فهي كاس وإذا لم يكن فيها خمر فليس بكأس واخرج أبن أبي حاتم وأبوالشيخ في العظمة وأبن مردويه عنه أيضا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الروح جند من جنود الله ليسوا بملائكة لهم رؤوس وايد وأرجل ثم قرأ ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا ) قال هؤلاء جند وهؤلاء جند وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وابو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبن عباس ( يوم يقوم الروح ) قال هو ملك من أعظم الملائكة خلقا واخرج أبن جرير عن ابن مسعود قال الروح في السماء الرابعة وهو أعظم من السموات والجبال ومن الملائكة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة يخلق الله من كل تسبيحة ملكا من الملائكة يجيء يوم القيامة صفا واحدا ) واخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال إن جبريل يوم القيامة لقائم بين يدي الجبار ترعد فرائصه فرقا من عذاب الله يقول سبحانك لا إله إلا أنت ما عبدناك حق عبادتك ما بين منكبيه كما بين المشرق والمغرب أما سمعت قول الله ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا ) وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عنه في قوله ( يوم يقوم الروح ) قال يعني حين تقوم أرواح الناس مع الملائكة فيما بين النفختين قبل ان ترد الروح إلى الأجساد وأخرج أبن جرير وأبن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضا ( وقال صوابا ) قال لا إله إلا الله واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في البعث والنشور عن أبي هريرة قال يحشر الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء فيبلغ من عذاب الله أن يؤخذ للجماء من الفرناء ثم يقول كوني ترابا فذلك حين يقول الكافر ( يا ليتني كنت ترابا )
ع79
تفسير
سورة النازعات تسمى سورة الساهرة
هي خمس وأربعون آية وقيل ست وأربعون آية
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وأخرج أبن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة النازعات بمكة وأخرج أبن مردويه عن أبن الزبير مثله


"""""" صفحة رقم 372 """"""
سورة النازعات ( 1 26
النازعات : ( 1 ) والنازعات غرقا
أقسم سبحانه بهذه الأشياء التي ذكرها وهي الملائكة التي تنزع أرواح العباد عن أجسادهم كما ينزع النازع في القوس فيبلغ بها غاية المد وكذا المراد بالناشطات والسابحات والسابقات والمدبرات يعني الملائكة والعطف مع اتحاد الكل لتنزيل التغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما في قول الشاعر إلى الملك القرم وأبن الهمام
وليث الكتيبة في المزحم
وهذا قول الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقال السدي ( النازعات ) هي النفوس حين تغرق في الصدور وقال مجاهد هي الموت ينزع النفس وقال قتادة هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق من قولهم نزع إليه إذا ذهب أو من قولهم نزعت بالحبل أي أنها تغرب وتغيب وتطلع من أفق آخر وبه قال أبو عبيدة والأخفش وأبن كيسان وقال عطاء وعكرمة النازعات القسى تنزع بالسهام وإغراق النازع في القوس أن يمده غاية المد حتى ينتهى به إلى النصل وقال يحيى بن سلام تنزع بين الكلأ وتنفر وقيل اراد بالنازعات الغزاة الرماة وانتصاب ( غرقا ) على انه مصدر بحذف الزوائد أي أغراقا والناصب له ما قبله لملاقاته له في المعنى أي أغراقا في النزع حيث تنزعها من أقاصي الأجساد أو على الحال أي ذوات إغراق يقال أغرق في الشيء يغرق فيه إذا أوغل فيه وبلغ غايته ( و ) معنى
النازعات : ( 2 ) والناشطات نشطا
( الناشطات ) أنها تنشط النفوس أي تخرجها من الأجساد كما ينشط العقال من يد البعير إذا حل عنه ونشط الرجل الدلو من البئر إذا أخرجها والنشاط الجذب بسرعة ومنه الأنشوطة للعقدة التي يسهل حلها قال أبو زيد نشطت الحبل أنشطة نشطا عقدته وأنشطته أي حللته وأنشطت الحبل أي مددته قال الفراء أنشط العقال أي حل ونشط أي ربط الحبل في يديه قال الأصمعي بئر أنشاط أي قريبة القعر يخرج الدلو منها بجذبة واحدة وبئر نشوط وهي التي لا يخرج منها الدلو حتى ينشط كثيرا وقال مجاهد هو الموت ينشط نفس الإنسان وقال السدي هي النفوس حين تنشط من القدمين وقال عكرمة وعطاء هي الأوهاق التي تنشط السهام وقال قتادة والحسن والأخفش هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق أي تذهب قال في الصحاح والناشطات نشطا يعني النجوم من برج إلى برج كالثور الناشط من بلد إلى بلد والهموم تنشط بصاحبها وقال أبو عبيدة وقتادة هي الوحوش حين تنشط من بلد إلى بلد وقيل الناشطات لأرواح المؤمنين والنازعات لأرواح الكافرين لأنها تجذب روح المؤمن برفق وتجذب روح الكافر بعنف وقوله 0 نشطا ) مصدر وكذا سبحا وسبقا
النازعات : ( 3 ) والسابحات سبحا
( والسابحات ) الملائكة تسبح في الأبدان لإخراج الروح كما يسبح الغواص في البحر لإخراج شيء منه وقال مجاهد وأبو صالح هي الملائكة ينزلون من


"""""" صفحة رقم 373 """"""
السماء مسرعين لأمر الله كما يقال للفرس الجواد سابح إذا أسرع في جريه وقال مجاهد أيضا السابحات الموت يسبح في نفوس بني آدم وقيل هي الخيل السابحة في الغزو ومنه قول عنترة والخيل تعلم حين تسبح
في حياض الموت سبحا
4 وقال قتادة والحسن هي النجوم تسبح في أفلاكها كما في قوله وكل في فلك يسبحون وقال عطاء هي السفن تسبح في الماء وقيل هي ارواح المؤمنين تسبح شوقا إلى الله
النازعات : ( 4 ) فالسابقات سبقا
( فالسابقات سبقا ) هم الملائكة على قول الجمهور كما سلف قال مسروق ومجاهد تسبق الملائكة الشياطين بالوحي إلى الأنبياء وقال أبو روق هي الملائكة سبقت أبن آدم بالخير والعمل الصالح وروى نحوه عن مجاهد وقال مقاتل هي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة وقال الربيع هي أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة شوقا إلى الله وقال مجاهد أيضا هو الموت يسبق الإنسان وقال قتادة والحسن ومعمر هي النجوم يسبق بعضها في السير بعضا وقال عطاء هي الخيل التي تسبق إلى الجهاد وقيل هي الأرواح التي تسبق الأجساد إلى الجنة أو النار قال الجرجاني عطف السابقات بالفاء لأنها مسببة من التي قبلها أي واللاتي يسجن فيسبقن تقول قام فذهب فهذا يوجب أن يكون القيام سببا للذهاب ولو قلت قام وذهب بالواو لم يكن القيام سببا للذهاب قال الواحدي وهذا غير مطرد في قوله
النازعات : ( 5 ) فالمدبرات أمرا
( فالمدبرات أمرا ) لأنه يبعد أن يجعل السبق سببا للتدبير قال الرازي ويمكن الجواب عما قاله الواحدي بأنها لما امرت سبحت فسبقت فدبرت ما أمرت بتدبيره فتكون هذه أفعالا يتصل بعضها ببعض كقوله قام زيد فذهب ولما سبق في الطاعات وسارعوا إليها ظهرت أمانتهم ففرض إليهم التدبير ويجاب عنه بأن السبق لا يكون سببا للتدبير كسببية السبح للسبق والقيام للذهاب ومجرد الاتصال لا يوجب السببية والمسببية والأولى أن يقال العطف بالفاء في المدبرات طوبق به ما قبله من عطف السابقات بالفاء ولا يحتاج إلى نكته كما احتاج إليها ما قبله لأن النكتة إنما تطلب لمخالفة اللاحق للسابق لا لمطابقته وموافقته ( فالمدبرات أمرا ) قال القشيري أجمعوا على ان المراد هنا الملائكة وقال الماوردي فيه قولان أحدهما الملائكة وهو قول الجمهور والثاني أنها الكواكب السبع حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل وفي تدبيرها الأمر وجهان أحدهما تدبر طلوعها وأفولها الثاني تدبر ما قضاه الله فيها من الأحوال ومعنى تدبير الملائكة للأمر نزولها بالحلال والحرام وتفصيلهما والفاعل للتدبير في الحقيقة وإن كان هو الله عز وجل لكن لما نزلت الملائكة به وصفت به وقيل إن الملائكة لما أمرت بتدبير أهل الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك قيل لها مدبرات قال عبد الرحمن بن ساباط تدبير أمر الدنيا إلآ أربعة من الملائكة جبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل فاما جبريل فموكل بالرياح والجنود وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات وأما عزرائيل فموكل بقبض الأنفس وأما اسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم وجواب القسم بهذه الأمور التي اقسم الله بها محذوف أي والنازعات وكذا وكذا لتبعثن قال الفراء وحذف لمعرفة السامعين به ويدل عليه قوله ( إذا كنا عظاما نخرة ) وقيل إن جواب القسم قوله ( إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) أي ان في يوم القيامة وذكر موسى وفرعون لعبرة لمن يخشى قال أبن الأنباري وهذا قبيح لأن الكلام قد طال بينهما وقيل جواب القسم ( هل أتاك حديث موسى ) لأن المعنى قد أتاك وهذا ضعيف جدا وقيل الجواب ( يوم ترجف الراجفة ) على تقدير ليوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة وقال السجستاني يجوز أن يكون هذا من التقديم والتأخير كانه قال فإذا هم بالساهرة والنازعات قال أبن الأنباري وهذا خطأ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام والأول أولى
النازعات : ( 6 ) يوم ترجف الراجفة
( يوم ترجف الراجفة ) انتصاب هذا الظرف بالجواب المقدر للقسم أو


"""""" صفحة رقم 374 """"""
بإضمار اذكر والراجفة المضطربة يقال رجف يرجف إذا اضطرب والمراد هنا الصيحة العظيمة التي فيها تردد واضطراب كالرعد وهي النفخة الأولى التي يموت بها جميع الخلائق والرادفة النفخة الثانية التي تكون عند البعث وسميت رادفة لأنها ردفت النفخة الأولى كذا قال جمهور المفسرين وقال أبن زيد الراجفة الأرض والرادفة الساعة وقال مجاهد الرادفة الساعة وقال مجاهد الرادفة الزلزلة تتبعها الرادفة الصيحة وقيل الراجفة اضطراب الأرض والرادفة الزلزلة وأصل الرجفة الحركة وليس المراد التحرك هنا فقط بل الراجفة هنا مأخوذة من قولهم رجف الرعد يرجف رجفا ورجيفا إذا ظهر صوته ومنه سميت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها وظهور الأصوات فيها ومنه قول الشاعر أبالأراجيف يا ابن اللؤم توعدني
وفي الأراجيف خلت اللؤوم والخورا
النازعات : ( 7 ) تتبعها الرادفة
ومحل ( تتبعها الرادفة ) النصب على الحال من الراجفة والمعنى لتبعثن يوم النفخة الأولى حال كون النفخة الثانية تابعة لها
النازعات : ( 8 ) قلوب يومئذ واجفة
( قلوب يومئذ واجفه ) قلوب مبتدأ ويومئذ منصوب بواجفة وواجفة صفة قلوب
النازعات : ( 9 ) أبصارها خاشعة
وجملة ( أبصارها خاشعة ) خبر قلوب والراجفة المضطربة به القلقة لما عاينت من اهوال يوم القيامة قال جمهور المفسرين أي خائفة وجلة وقال السدي زائلة عن أماكنها نظيرة إذ القلوب لدى الحناجر وقال المؤرج قلقة مستوفرة وقال المبرد مضطربة يقال وجف القلب يجف وجيفا وإذا خفق كما يقال وجب يجب وجيبا والإيجاف السير السريع فأصل الوجيف اضطراب القلب ومنه قول قيس بن الخطيم إن بنى جحجبى وقومهم
أكبادنا من ورائهم تجف
أبصارها خاشعة أي أبصار أصحابها فحذف المضاف والخاشعة الذليلة والمراد أنها تظهر عليهم الذلة والخضوع عند معاينة أهوال يوم القيامة كقوله خاشعين من الذل قال عطاء يريد أبصار من مات على غير الإسلام ويدل على هذا أن السياق في منكري البعث
النازعات : ( 10 ) يقولون أئنا لمردودون . . . . .
( يقولون ءإنا لمردودون في الحافرة ) هذا حكاية لما يقوله المنكرون للبعث إذا قيل لهم إنكم تبعثون أي أنرد إلى أول حالنا وابتداء أمرنا فنصير أحياء بعد موتنا يقال رجع فلان في حافرته أي رجع من حيث جاء والحافرة عند العرب اسم لأول الشيء وابتداء الأمر ومنه قولهم رجع فلان على حافرته أي على الطريق الذي جاء منه ويقال اقتتل القوم عند الحافرة أي عند أول ما التقوا وسميت الطريق التي جاء منها حافرة لتأثيره فيها بمشيه فيها فهي حافرة بمعنى محفورة ومن هذا قول الشاعر أحافرة على صلع وشيب
معاذ الله من سفه وعار
أي أأرجع إلى ما كنت عليه في شبابي من الغزل بعد الشيب والصلع وقيل الحافرة العاجلة والمعنى إنا لمردودون إلى الدنيا وقيل الحافرة الأرض التي تحفر فيها قبورهم ومنه قول الشاعر آليت لا أنساكم فاعلموا
حتى يرد الناس في الحافرة
والمعنى إنا لمردودون في قبورنا أحياء كذا قال الخليل والفراء وبه قال مجاهد وقال ابن زيد الحافرة النار واستدل بقوله ( تلك إذا كرة خاسرة ) قرأ الجمهور في الحافرة وقرأ أبو حيوة في الحفرة
النازعات : ( 11 ) أئذا كنا عظاما . . . . .
( إذا كنا عظاما نخرة ) أي بالية متفتتة يقال نخر العظم بالكسر إذا بلى وهذا تاكيد لإنكار البعث أي كيف نرد أحياء ونبعث إذا كنا عظاما نخرة والعامل في إذا مضمر يدل عليه مردودون أي أئذا كنا عظاما بالية نرد ونبعث مع كونها أبعد شيء من الحياة قرا الجمهور نخرة وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر ناخرة واختار الفراءة


"""""" صفحة رقم 375 """"""
القراءة الأولى الأول أبو عبيد وأبو حاتم واختار القراءة الثانية الفراء وابن جرير وأبو معاذ النحوي قال أبو عمرو بن العلاء الناخرة التي لم تنخر بعد أي لم تبل ولا بد أن تنخر وقيل هما بمعنى تقول العرب نخر الشيء فهو ناخر ونخر وطمع فهو طامع وطمع ونحو ذلك قال الأخفش هما جميعا لغتان أيهما قرأت فحسن قال الشاعر يظل بها الشيخ الذي كان بادنا
يدب على عوج له نخرات
يعني على قوائم عوج وقيل الناخرة التي أكلت أطرافها وبقيت أوساطها والنخرة التي فسدت كلها وقال مجاهد نخرة أي مرفوتة كما في قوله رفاتا وقد قرئ إذا كنا و أئذا كنا بالاستفهام وبعدمه
النازعات : ( 12 ) قالوا تلك إذا . . . . .
ثم ذكر سبحانه عنهم قولا آخر قالوه فقال ( قالوا تلك إذا كرة خاسرة ) أي رجعة ذات خسران لما يقع على أصحابها من الخسران والمعنى أنهم قالوا إنا رددنا بعد الموت لنخسرن بما يصيبنا بعد الموت مما يقوله محمد وقيل معنى خاسرة كاذبة أي ليست بكائنة كذا قال الحسن وغيره وقال الربيع بن انس خاسرة على من كذب بها وقال قتادة ومحمد بن كعب أي لئن رجعنا بعد الموت لنخسرن بالنار وإنما قالوا هذا لأنهم أوعدوا بالنار والكرة الرجعة والجمع كرات
النازعات : ( 13 ) فإنما هي زجرة . . . . .
وقوله ( فإنما هي زجرة واحدة ) تعليل لما يدل عليه ما تقدم من استبعادهم لبعث العظام النخرة وإحياء الأموات والمعنى لا تستبعدوا ذلك فإنما هو زجرة واحدة وكان ذلك الإحياء والبعث والمراد بالزجرة الصيحة وهي النفخة الثانية التي يكون البعث بها وقيل إن الضمير في قوله إنما هي راجع إلى الرادفة المتقدم ذكرها
النازعات : ( 14 ) فإذا هم بالساهرة
( فإذا هم بالساهرة ) أي فإذا الخلائق الذين قد ماتوا ودفنوا أحياء على وجه الأرض قال الواحدي المراد بالساهرة وجه الأرض وظاهرها في قول الجميع قال الفراء سميت بهذا الأسم لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم وقيل لأنه يسهر في فلاتها خوفا منها فسميت بذلك ومنه قول أبي كثير الهذلي يردون ساهرة كأن حميمها
وغميمها أسداف ليل مظلم
وقول أمية بن أبي الصلت وفيها لحم ساهرة وبحر
وما فاهوا به لهم مقيم
يريد لحم حيوان أرض ساهرة قال في الصحاح الساهرة وجه الأرض ومنه قوله ( فإذا هم بالساهرة ) وقال الساهرة أرض بيضاء وقيل أرض من فضة لم يعص الله سبحانه فيها وقيل الساهرة الأرض السابعة يأتي بها الله سبحانه فيحاسب عليها الخلائق وقال سفيان الثوري الساهرة أرض الشام وقال قتادة هي جهنم أي فإذا هؤلاء الكفار في جهنم وإنما قيل لها ساهرة لأنهم لا ينامون فيها لاستمرار عذابهم
النازعات : ( 15 ) هل أتاك حديث . . . . .
وجملة ( هل أتاك حديث موسى ) مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن تكذيب قومه وأنه يصيبهم مثل ما أصاب من كان قبلهم ممن هو أقوى منهم ومعنى هل أتاك قد جاءك وبلغك هذا على تقدير أن قد سمع من قصص فرعون وموسى ما يعرف به حديثهما وعلى تقدير أن هذا أول ما نزل عليه في شأنهما فيكون المعنى على الاستفهام أي هل أتاك حديثه أنا أخبرك به
النازعات : ( 16 ) إذ ناداه ربه . . . . .
( إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ) الظرف متعلق بحديث لا بأتاك الاختلاف وقتيهما وقد مضى من خبر موسى وفرعون في غير موضع ما فيه كفاية وقد تقدم لاختلاف بين القراء في طوى في سورة طه والواد المقدس المبارك المطهر قال الفراء طوى واد بين المدينة ومصر قال وهو معدل من طاو كما عدل عمر من عامر قال الصرف أحب إلى إذ لم أجد في معدول نظيرا له قيل طوى معناه يا رجل بالعبرانية فكأنه قيل يا رجل أذهب وقيل المعنى إن الواد المقدس بورك فيه مرتين والأول أولى وقد مضى تحقيق القول فيه
النازعات : ( 17 ) اذهب إلى فرعون . . . . .
( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) قيل هو على تقدير القول وقيل هو


"""""" صفحة رقم 376 """"""
تفسير للنداء أي ناداه نداء هو قوله اذهب وقيل هو على حذف أن المفسرة ويؤيده قراءة أبن مسعود أن اذهب لأن في النداء معنى القول وجملة ( إنه طغى ) تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال أي جاوز الحد في العصيان والتكبر والكفر بالله
النازعات : ( 18 ) فقل هل لك . . . . .
( فقل ) له ( هل لك إلي ان تزكى ) أي قوله بعد وصولك إليه هل لك رغبة إلى التزكي وهو التطهر من الشرك واصله تتزكى فحذفت احدى التاءين قرأ الجمهور تزكى بالتخفيف وقرا نافع وأبن كثير بتشديد الزاي على إدغام التاء في الزاي قال أبو عمرو بن العلاء معنى قراءة التخفيف تكون زكيا مؤمنا ومعنى قراءة التشديد الصدقة وفي الكلام مبتدأ مقدر يتعلق به إلى والتقدير هل لك رغبة أو هل لك توجه أو هل لك سبيل إلى التزكى ومثل هذا قولهم هل لك في الخير يريدون هل لك رغبة في الخير ومن هذا قول الشاعر فهل لكم فيها إلى فانني
بصير بما أعيا النطاسي جذيما
النازعات : ( 19 ) وأهديك إلى ربك . . . . .
( وأهديك إلى ربك فتخشى ) اي ارشدك إلى عبادته وتوحيده فتخشى عقابه والفاء لترتيب الخشية على الهداية لأن الخشية لا تكون إلا من مهتد راشد
النازعات : ( 20 ) فأراه الآية الكبرى
( فآراه الآية الكبرى ) هذه الفاء هي الفصيحة لإفصاحها عن كلام محذوف يعني فذهب فقال له ما قال مما حكاه الله في غير موضع وأجاب عليه بما أجاب إلى ان قال إن كنت جئت بآية فأت بها فعند ذلك أراه الآية الكبرى واختلف في الآية الكبرى ما هي فقيل العصا وقيل يده وقيل فلق البحر وقيل هي جميع ما جاء به من الآيات التسع
النازعات : ( 21 ) فكذب وعصى
( فكذب وعصى ) أي فلما أراه الآية الكبرى كذب بموسى وبما جاء به وعصى الله عز وجل فلم يطعمه
النازعات : ( 22 ) ثم أدبر يسعى
( ثم أدبر ) اي تولى واعرض عن الإيمان ( يسعى ) أي يعمل بالفساد في الأرض ويجتهد في معارضة ما جاء به موسى وقيل أدبر هاربا من الحية يسعى خوفا منها وقال الرازي معنى ( أدبر يسعى ) أقبل يسعى كما يقال أقبل يفعل كذا أي أنشأ يفعل كذا فوضع أدبر موضع أقبل لئلا يوصف بالاقبال
النازعات : ( 23 - 24 ) فحشر فنادى
( فحشر ) أي فجمع جنوده للقتال والمحاربة أو جمع السحرة للمعارضة أو جمع الناس للحضور ليشاهدوا ما يقع أو جمعهم ليمنعوه من الحية ( فنادى فقال أنا ربكم الأعلى ) أي قال لهم بصوت عال أو أمر من ينادى بهذا القول ومعنى ( أنا ربكم الأعلى ) أنه لا رب فوقي قال عطاء كان صنع لهم اصناما صغارا وأمرهم بعبادتها وقال أنا رب أصنامكم وقيل اراد بكونه ربهم أنه قائدهم وسائدهم والأول أولى لقوله في آية أخرى ما علمت لكم من إله غيري
النازعات : ( 25 ) فأخذه الله نكال . . . . .
( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) النكال نعت مصدر محذوف أي أخذه أخذة نكال أو هو مصدر لفعل محذوف أي أخذه الله فنكله نكال الآخرة والأولى أو مصدر مؤكد لمضمون الجملة والمراد بنكال الآخرة عذاب النار ونكال الأولى عذاب الدنيا بالغرق وقال مجاهد عذاب أول عمره وآخره وقال قتادة الآخرة قوله أنا ربكم الأعلى والأولى تكذيبه لموسى وقيل الآخرة قوله أنا ربكم الأعلى والأولى قوله ما علمت لكم من إله غيري وكان بين الكلمتين أربعون سنة ويجوز أن يكون انتصاب نكال على أنه مفعول له أي أخذه الله لأجل نكال ويجوز أن ينتصب بنزع الخافض أي بنكال ورجح الزجاج أنه مصدر مؤكد قال لأن معنى أخذه الله نكل الله به فأخرج من معناه لا من لفظه وقال الفراء أي أخذه الله أخذا نكالا أي للنكال والنكال اسم لما جعل نكالا للغير أي عقوبة له يقال نكل فلان بفلان إذا عاقبه وأصل الكلمة من الامتناع ومنه النكول عن اليمين والنكل القيد
النازعات : ( 26 ) إن في ذلك . . . . .
( إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) أي فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل به عبرة عظيمة لمن شأنه أن يخشى الله ويتقيه ويخاف عقوبته ويحاذر غضبه


"""""" صفحة رقم 377 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن علي بن أبي طالب في قوله ( والنازعات غرقا ) قال هي الملائكة تنزع روح الكفار ( والناشطات نشطا ) قال هي الملائكة تنشط أرواح الكفار ما بين الأظفار والجلد حتى تخرجها ( والسابحات سبحا ) هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين بين السماء والأرض ( فالسابقات سبقا ) هي الملائكة يسبق بعضها بعضا بأرواح المؤمنين إلى الله ( فالمدبرات أمرا ) هي الملائكة تدبر امر العباد من السنة إلى السنة وأخرج أبن أبي حاتم عن ابن عباس ( والنازعات غرقا ) قال هي أنفس الكفار تنزع ثم تنشط ثم تغرق في النار واخرج الحاكم وصححه عنه 0 والنازعات غرقا والناشطات نشطا ) قال الموت وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عن ابن مسعود ( والنازعات غرقا ) قال الملائكة الذين يلون أنفس الكفار إلى قوله 0 والسابحات سبحا ) قال الملائكة وأخرج أبن مردويه عن معاذ بن جبل قال قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تمزق الناس فتمزقك كلاب النار ) قال الله ( والناشطات نشطا ) أتدري ما هو قلت يا نبي الله ما هو قال كلاب في النار تنشط اللحم والعظم وأخرج أبن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب أن أبن الكواء سأله عن ( المدبرات أمرا ) قال هي الملائكة يدبرون ذكر الرحمن وأمره وأخرج أبن أبي الدنيا في ذكر الموت عن أبن عباس قال ( المدبرات أمرا ) ملائكة يكونون مع ملك الموت يحضرون الموتى عند قبض أرواحهم فمنهم من يعرج بالروح ومنهم من يؤمن على الدعاء ومنهم من يستغفر للميت حتى يصلي عليه ويدلي في حفرته وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه ( يوم ترجف الراجفة ) قال النفخة الأولى ( تتبعها الرادفة ) قال النفخة الثانية ( قلوب يومئذ واجفة ) قال خائفة ( أئنا لمردودون في الحافرة ) قال الحياة وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وأبن المنذر والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي كعب قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا ذهب ربع الليل قام فقال أيها الناس أذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه وأخرج أبو الشيخ وأبن مردويه والديلمي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ترجف الأرض رجفا وتزلزل بأهلها وهي التي يقول الله ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ) يقول مثل السفينة في البحر تكفأ بأهلها مثل القنديل المعلق بأرجائه واخرج أبن المنذر عن ابن عباس ( قلوب يومئذ واجفه ) قال وجلة متحركة وأخرج عبد بن حميد عنه ( أئنا لمردودون في الحافرة ) قال خلقا جديدا واخرج أبو عبيد في فضائله وأبن الأنباري في الوقف والابتداء وعبد بن حميد وابن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا أنه سئل عن قوله ( فإذا هم بالساهرة ) فقال الساهرة وجه الأرض وفي لفظ قال الأرض كلها ساهرة ألا ترى قول الشاعر صيد بحر وصيد ساهرة
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضا ( هل لك إلى أن تزكى ) قال هل لك أن تقول لا إله إلا الله وأخرج أبن جرير عنه أيضا ( فأخذه الله نكال الآخرة ) قال قوله ( أنا ربكم الأعلى ) والأولى قال قوله ( ما علمت لكم من إله غيري ) واخرج عبد بن حميد وأبن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال كان بين كلمتيه أربعون سنة
سورة النازعات ( 27 46 )


"""""" صفحة رقم 378 """"""
النازعات : ( 27 ) أأنتم أشد خلقا . . . . .
قوله ( أأنتم أشد خلقا أم السماء ) أي أخلقكم بعد الموت وبعثكم أشد عندكم وفي تقديركم أم خلق السماء والخطاب لكفار مكة والمقصود به التوبيخ لهم والتبكيت لأن من قدرعلى خلق السماء التي لها هذا الجرم العظيم وفيها من عجائب الصنع وبدائع القدرة ما هو بين للناظرين كيف يعجز عن إعادة الأجسام التي أماتها بعد أن خلقها أول مرة ومثل هذا قوله سبحانه لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس وقوله أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ثم بين سبحانه كيفية خلق السماء فقال ( بناها
النازعات : ( 28 ) رفع سمكها فسواها
(رفع سمكها فسواها ) أي جعلها كالبناء المرتفع فوق الأرض ورفع سمكها أي أعلاه في الهواء فقوله ( رفع سمكها ) بيان للبناء يقال سمكت الشيء أي رفعته في الهواء وسمك الشيء سموكا ارتفع قال الفراء كل شيء حمل شيئا من البناء يقال سمكت الشيء وبناء مسموك وسنام سامك أي عال والسموكات السموات ومنه قول الفرزدق إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتا دعائمه أعز وأطول
فال البغوي رفع سمكها أي سقفها قال الكسائي والفراء والزجاج ثم الكلام عند قوله ( أم السماء بناها ) لأنه من صلة السماء والتقدير أم السماء التي بناها فحذف التي ومثل هذا الحذف جائز ومعنى ( فسواها ) فجعلها مستوية الخلق معدله الشكل لا تفاوت فيها ولا اعوجاج ولا فطور ولا شقوق
النازعات : ( 29 ) وأغطش ليلها وأخرج . . . . .
( واغطش ليلها ) الغطش الظلمة أي جعله مظلما يقال غطش الليل وأغطشه الله كما يقال أظلم الليل واظلمه الله ورجل أغطش وامراة غطشى لا يهتديان قال الراغب واصله من الأغطش وهو الذي في عينه عمش ومنه فلاة غطشى لا يهتدي فيها والتغاطش التعامي قال الأعشى ودهماء بالليل غطشى الفلاة
يؤنسني صوت قيادها
وقوله وغامرهم مدلهم غطش
يعني غمرهم سواد الليل وأضاف الليل إلى السماء لأن الليل يكون بغروب الشمس والشمس مضافة إلى السماء وأخرج ضحاها أي أبرز نهارها المضيء بإضاءة الشمس وعبر وعبر عن النهار بالضحى لأنه اشرف أوقاته وأطيبها وإضافة إلى السماء لأنه يظهر بظهور الشمس وهي منسوبة إلى السماء
النازعات : ( 30 ) والأرض بعد ذلك . . . . .
( والأرض بعد ذلك دحاها ) اي بعد خلق السماء ومعنى دحاها بسطها وهذا يدل على أن خلق الأرض بعد خلق السماء ولا معارضة بين هذه الآية وبين ما تقدم في سورة فصلت من قوله ثم استوى إلى السماء بل الجمع بأنه سبحانه خلق الأرض أولا غير مدحوة ثم خلق السماء ثم دحا الأرض وقد وقدمنا الكلام على هذا مستوفى هنالك وقدمنا أيضا بحثا في هذا في أول سورة البقرة عند قوله هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا


"""""" صفحة رقم 379 """"""
وذكر بعض أهل العلم أن بعد بمعنى مع كما في قوله عتل بعد ذلك زنيم وقيل بعد بمعنى قبل كقوله ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أي من قبل الذكر والجمع الذي ذكرناه أولى وهو قول أبن عباس وغير واحد واختاره أبن جرير يقال دحوت الشيء أدحوه إذا بسطته ويقال لعش النعامة أدحى لأنه مبسوط على الأرض وانشد المبرد دحاها فلما رآها استوت
على الماء أرسى عليها الجبالا
وقال أمية بن أبي الصلت وبث الخلق فيها إذ دحاها
فهم قطانها حتى التنادي
وقال زيد بن عمرو بن نفيل وأسلمت وجهي لمن اسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما استوت شدها بأيد وأرسى عليها الجبالا
قرأ الجمهور بنصب الأرض على الاشتغال وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون وأبن أبي عبلة وأبو حيوة وابو السماك وعمرو بن عبيد ونصر بن عاصم بالرفع على الابتداء
النازعات : ( 31 ) أخرج منها ماءها . . . . .
( أخرج منها ماءها ومرعاها ) أبي فجر من الأرض الأنهار والبحار والعيون وأخرج منها مرعاها اي النبات الذي يرعى ومرعاها مصدر ميمى أي رعيها وهو في الأصل موضع الرعي والجملة إما بيان وتفسير لدحاها لأن السكني لا تتأتي بمجرد البسط بل لا بد من تسوية أمر المعاش من المأكل والمشرب وإما في محل نصب على الحال
النازعات : ( 32 ) والجبال أرساها
( والجبال أرساها ) أي أثبتها في الأرض وجعلها كالاوتاد للأرض لتثبت وتستقر وأن لا تميد باهلها قرأ الجمهور بنصب الجبال على الاشتغال وقرأ الحسن وعمرو أبن ميمون وابو حيوة وأبو السماك وعمرو بن عبيد ونصر بن عاصم بالرفع على الابتداء قيل لعل وجه تقديم ذكر إخراج الماء والمرعى على إرساء الجبال مع تقدم الإرساء عليه للاهتمام بأمر المأكل والمشرب
النازعات : ( 33 ) متاعا لكم ولأنعامكم
( متاعا لكم ولإنعامكم ) أي منفعة لكم ولأنعامكم من البقر والإبل والغنم وانتصاب متاعا على المصدرية أي متعكم بذلك متاعا أو هو مصدر من غير لفظه لأن قوله ( اخرج منها ماءها ومرعاها ) بمعنى متع بذلك أو على أنه مفعول له أي فعل ذلك لأجل التمتيع وإنما قال لكم ولأنعامكم لأن فائدة ما ذكر من الدحو وإخراج الماء والمرعى كائنة لهم ولأنعامهم والمرعى يعم ما يأكله الناس والدواب
النازعات : ( 34 ) فإذا جاءت الطامة . . . . .
( فإذا جاءت الطامة الكبرى ) أي الداهية العظمى التي تطم على سائر الطامات قال الحسن وغيره وهي النفخة الثانية وقال الضحاك وغيره هي القيامة سميت بذلك لأنها تطم على كل شيء لعظم هولها قال المبرد الطامة عند العرب الداهية التي لا تستطاع وإنما أخذت فيما أحسب من قولهم طم الفرس طميما إذا استفرغ جهده في الجرى وطم الماء إذا ملأ النهر كله وقال غيره هو من طم السيل الركية أي دفنها والطم الدفن قال مجاهد وغيره الطامة الكبرى هي التي تسلم اهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها وجواب إذا قيل هو قوله فأما من طغى وقيل محذوف أي فإن الأمر كذلك أو عاينوا أو علموا أو أدخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة وقال أبو البقاء العامل فيها جوابها
النازعات : ( 35 ) يوم يتذكر الإنسان . . . . .
وهو معنى يومئذ يتذكر الإنسان فإنه منصوب بفعل مضمر أي أعني يوم يتذكر أو يوم يتذكر يكون كيت وكيت وقيل إن الظرف بدل من إذا وقيل هو بدل من الطامة الكبرى ومعنى تذكر الإنسان ما سعى أنه يتذكر ما عمله من خير أو شر لأنه يشاهده مدونا في صحائف عمله وما


"""""" صفحة رقم 380 """"""
مصدرية أو موصولة
النازعات : ( 36 ) وبرزت الجحيم لمن . . . . .
( وبرزت الجحيم لمن يرى ) معطوف على جاءت ومعنى برزت أظهرت إظهارا لا يخفى على أحد قال مقاتل يكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق وقيل ( لمن يرى ) من الكفار لا من المؤمنين والظاهر أن تبرز لكل راء فأما المؤمن فيعرف برؤيتها قدر نعمة الله عليه بالسلامة منها وأما الكافر فيزداد غما إلى غمه وحسرة إلى حسرته قرأ الجمهور لمن يرى بالتحتية وقرأت عائشة ومالك بن دينار وعكرمة وزيد بن علي بالفوقية أي لمن تراه الجحيم أو لمن تراه أنت يامحمد وقرأ أبن مسعود لمن رأى على صيغة الفعل الماضي
النازعات : ( 37 ) فأما من طغى
( فأما من طغى ) أي جاوز الحد في الكفر والمعاصي
النازعات : ( 38 ) وآثر الحياة الدنيا
( وآثر الحياة الدنيا ) أي قدمها عن الآخرة ولم يستعد لها ولا عمل عملها
النازعات : ( 39 ) فإن الجحيم هي . . . . .
( فإن الجحيم هي المأوى ) أي مأواه والألف واللام عوض عن المضاف إليه والمعنى أنها منزلة الذي ينزله ومأواه الذي يأوي إليه لا غيرها
النازعات : ( 40 ) وأما من خاف . . . . .
ثم ذكر القسم الثاني من القسمين فقال ( وأما من خاف مقام ربه ) أي حذر مقامه بين يدي ربه يوم القيامة قال الربيع مقامه يوم الحساب قال قتادة يقول إن لله عز وجل مقاما قد خافه المؤمنون وقال مجاهد هو خوفه في الدنيا من الله عز وجل عند مواقعه الذنب فيقلع عنه نظيره قوله ولمن خاف مقام ربه جنتان والأول أولى ( ونهى النفس عن الهوى ) أي زجرها عن الميل إلى المعاصي والمحارم التي تشتهيها قال مقاتل الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها
النازعات : ( 41 ) فإن الجنة هي . . . . .
( فإن الجنة هي المأوى ) أي المنزل الذي ينزله والمكان الذي يأوي إليه لا غيرها
النازعات : ( 42 ) يسألونك عن الساعة . . . . .
( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) أي متى وقوعها وقيامها قال الفراء أي منتهى قيامها كرسو السفينة قال أبو عبيدة ومرسى السفينة حين تنتهي والمعنى يسألونك عن الساعة متى يقيمها الله وقد مضى بيان هذا في سورة الأعراف
النازعات : ( 43 ) فيم أنت من . . . . .
( فيم أنت من ذكراها ) أي في أي شيء أنت يا محمد من ذكر القيامة والسؤال عنها والمعنى لست في شيء من علمها وذكراها إنما يعلمها الله سبحانه وهو إنكار ورد لسؤال المشركين عنها أي فيم أنت من ذلك حتى يسألونك عنه ولست تعلمه
النازعات : ( 44 ) إلى ربك منتهاها
( إلى ربك منتها ) أي منتهى علمها فلا يوجد علمها عند غيره وهذا كقوله قل إنما علمها عند ربي وقوله إن الله عنده علم الساعة فكيف يسألونك عنها ويطلبون منك بيان وقت قيامها
النازعات : ( 45 ) إنما أنت منذر . . . . .
( إنما أنت منذر من يخشاها ) أي مخوف لمن يخشى قيام الساعة وذلك وظيفتك ليس عليك غيره من الإخبار بوقت قيام الساعة ونحوه مما استأثر الله بعلمه وخص الإنذار بمن يخشى لأنهم المنتفعون بالإنذار وإن كان منذرا لكل مكلف من مسلم وكافر قرأ الجمهور بإضافة منذر إلى ما بعده وقرأ عمر بن عبد العزيز وأبو جعفر وطلحة وابن محيصن وشيبة والأعرج وحميد بالتنوين ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو قال الفراء والتنوين وتركه في منذر صواب كقوله بالغ أمره وموهن كيد الكافرين قال أبو علي الفارسي يجوز أن تكون الإضافة للماضي نحو ضارب زيد أمس
النازعات : ( 46 ) كأنهم يوم يرونها . . . . .
( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) أي إلا قدر آخر نهار أو أوله أو قدر الضحى الذي يلي تلك العشية والمراد تقليل مدة الدنيا كما قال لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وقيل لم يلبثوا في قبورهم إلا عشية أو ضحاها قال الفراء والزجاج المراد بإضافة الضحى إلى العشية إضافة إلى يوم العشية على عادة العرب يقولون آتيك الغداة أو عشيتها وآتيك العشية أو غداتها فتكون العشية في معنى آخر النهار والغداة في معنى أول النهار ومنه قول الشاعر نحن صبحنا عامرا في دارها
جردا تعادي طرفي في نهارها
عشية الهلال أو سرارها والجملة تقرير لما يدل عليه الإنذار من سرعة مجيء المنذر به


"""""" صفحة رقم 381 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( رفع سمكها ) قال بناها ( وأغطش ليلها ) قال أظلم ليلها وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ( وأغطش ليلها ) قال وأظلم ليلها ( وأخرج ضحاها ) قال أخرج نهارها وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا ( والأرض بعد ذلك دحاها ) قال مع ذلك وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضا أن رجلا قال له آيتان في كتاب الله تخالف إحداهما الأخرى فقال إنما أتيت من قبل رأيك قال اقرأ قل ءإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين حتى بلغ ثم استوى إلى السماء وقوله ( والأرض بعد ذلك دحاها ) قال خلق الله الأرض قبل أن يخلق السماء ثم خلق السماء ثم دحى الأرض بعد ما خلق السماء وإنما قوله ( دحاها ) بسطها وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال ( دحاها ) أن أخرج منها الماء والمرعى وشقق فيها الأنهار وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام وما بينهما في يومين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال الطامة من أسماء يوم القيامة وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يسأل عن الساعة فنزلت ( فيم أنت من ذكراها ) وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت ما زال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسأل عن الساعة حتى أنزل الله ( فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها ) فانتهى فلم يسأل عنها ) وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن طارق بن شهاب قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكثر ذكر الساعة حتى نزلت ( فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها ) فكف عنها وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال السيوطي بسند ضعيف أن مشركي مكة سألوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا متى الساعة استهزاء منهم فأنزل الله ) يسألونك عن الساعة أيان مرساها ( يعنى مجيئها ) فيم أنت من ذكراها ( يعنى ما أنت من علمها يا محمد ) إلى ربك منتهاها ( يعنى منتهى علمها وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت كانت الأعراب إذا قدموا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سألوه عن الساعة فينظر إلى أحدث إنسان منهم فيقول إن يعش هذا قامت عليكم ساعتكم
ع80
تفسير
سورة عبس وتسمى سورة السفرة
وهي إحدى وأربعون أو اثنان وأربعون آية
حول السورة
وهي مكية في قول الجميع وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة عبس بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله


"""""" صفحة رقم 382 """"""
سورة عبس ( 1 42
عبس : ( 1 ) عبس وتولى
قوله ) عبس وتولى ( أي كلح بوجهه وأعرض وقرىء عبس بالتشديد
عبس : ( 2 ) أن جاءه الأعمى
) أن جاءه الأعمى ( مفعول لأجله أي لأن جاءه الأعمى والعامل فيه إما عبس أو تولى على الاختلاف بين البصريين والكوفيين في التنازع هل المختار إعمال الأول أو الثاني وقد أجمع المفسرون على أن سبب نزول الآية أن قوما من أشراف قريش كانوا عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد طمع في إسلامهم فأقبل عبد الله بن أم مكتوم فكره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقطع عليه ابن أم مكتوم كلامه فأعرض عنه فنزلت وسيأتى في آخر البحث بيان هذا إن شاء الله
عبس : ( 3 ) وما يدريك لعله . . . . .
) وما يدريك لعله يزكى ( التفت سبحانه إلى خطاب نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) لأن المشافهة أدخل في العتاب أي أي شيء يجعلك داريا بحاله حتى تعرض عنه وجملة ) لعله يزكى ( مستأنفة لبيان أن له شأنا ينافى الإعراض عنه أي لعله يتطهر بالذنوب بالعمل الصالح بسبب ما يتعلمه منك فالضمير في لعله راجع إلى الأعمى وقيل هو راجع إلى الكافر أي وما يدريك أن ما طمعت فيه ممن اشتغلت بالكلام معه عن الأعمى أنه يزكى أو يذكر والأول أولى وكلمة الترجي باعتبار من وجه إليه الخطاب للتنبيه على أن الإعراض عنه مع كونه مرجو التزكي مما لا يجوز قرأ الجمهور ) أن جاءه الأعمى ( على الخبر بدون استفهام ووجهه ما تقدم وقرأ الحسن آن جاءه بالمد على الاستفهام فهو على هذه القراءة متعلق بفعل محذوف دل عليه عبس وتولى والتقدير آن جاءه الأعمى تولى وأعرض ومثل هذه الآية قوله في سورة الأنعام ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي وكذلك قوله في سورة الكهف ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا
عبس : ( 4 ) أو يذكر فتنفعه . . . . .
وقوله ( أو يذكر ) عطف على يزكى داخل معه في حكم الترجي أي أو يتذكر فيتعظ بما تعلمه من المواعظ ( فتنفعه الذكرى ) أي الموعظة قرأ الجمهور فتنفعه بالرفع وقرأ عاصم ابن أبي إسحاق وعيسى والسلمي وزر بن حبيش بالنصب على جواب الترجي
عبس : ( 5 ) أما من استغنى
( أما من استغنى ) أي كان ذا ثروة وغنى أو استغنى عن الإيمان وعما عندك من العلم
عبس : ( 6 ) فأنت له تصدى
( فأنت له تصدى أي تصغي


"""""" صفحة رقم 383 """"""
لكلامه والتصدي الإصغاء قرأ الجمهور تصدى بالتخفيف على طرح إحدى التاءين تخفيفا وقرأ نافع وابن محيصن بالتشديد على الإدغام وفي هذا مزيد تنفير له ( صلى الله عليه وسلم ) عن الإقبال عليهم والإصغاء إلى كلامهم
عبس : ( 7 ) وما عليك ألا . . . . .
) وما عليك ألا يزكى ( أي أي شيء عليك في ان لا يسلم ولا يهتدي فإنه ليس عليك إلا البلاغ فلا تهتم بأمر من كان هكذا من الكفار ويجوز أن تكون ما نافية أي ليس عليك بأس في أن لا يتزكى من تصديت له وأقبلت عليه وتكون الجملة في محل نصب على الحال من ضمير تصدى
عبس : ( 8 ) وأما من جاءك . . . . .
ثم زاد سبحانه في معاتبة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ( وأما من جاءك يسعى ) أي وصل إليك حال كونه مسرعا في المجيء إليك طالبا منك أن ترشده إلى الخير وتعظه بمواعظ الله
عبس : ( 9 ) وهو يخشى
وجملة ( وهو يخشى ) حال من فاعل يسعى على التداخل أو من فاعل جاءك على الترادف
عبس : ( 10 ) فأنت عنه تلهى
( فأنت عنه تلهى ) أي تتشاغل عنه وتعرض عن الإقبال عليه والتلهي التشاغل والتغافل يقال لهيت عن الأمر ألهى أي تشاغلت عنه وكذا تلهيت
عبس : ( 11 ) كلا إنها تذكرة
وقوله ( كلا ) ردع له ( صلى الله عليه وسلم ) عما عوتب عليه أي لا تفعل بعد هذا الواقع منك مثله من الإعراض عن الفقير والتصدي للغنى والتشاغل به مع كونه ليس ممن يتزكى عن إرشاد من جاءك من أهل التزكي والقبول للموعظة وهذا الواقع من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو من باب ترك الأولى فأرشده الله سبحانه إلى ما هو الأولى به ( إنها تذكرة ) أي أن هذه الآيات أو السورة موعظة حقها أن تتعظ بها وتقبلها وتعمل بموجبها ويعمل بها كل أمتك
عبس : ( 12 ) فمن شاء ذكره
) فمن شاء ذكره ( أي فمن رغب فيها اتعظ بها وحفظها وعمل بموجبها ومن رغب عنها كما فعله من استغنى فلا حاجة إلى الاهتمام بأمره قيل الضميران في إنها وفي ذكره للقرآن وتأنيث الأول لتأنيث خبره وقيل الأول للسورة أو للآيات السابقة والثاني للتذكرة لأنها في معنى الذكر وقيل إن معنى ) فمن شاء ذكره ( فمن شاء الله ألهمه وفهمه القرآن حتى يذكره ويتعظ به والأول أولى
عبس : ( 13 ) في صحف مكرمة
ثم أخبر سبحانه عن عظم هذه التذكرة وجلالتها فقال ( في صحف ) أي إنها تذكرة كائنة في صحف فالجار والمجرور صفة لتذكرة وما بينهما اعتراض والصحف جمع صحيفة
عبس : ( 14 ) مرفوعة مطهرة
ومعنى ( مكرمة ) أنها مكرمة عند الله لما فيها من العلم والحكمة أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ وقيل المراد بالصحف كتب الأنبياء كما في قوله إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ومعنى ( مرفوعة ) أنها رفيعة القدر عند الله وقيل مرفوعة في السماء السابعة قال الواحدي قال المفسرون مكرمة يعنى اللوح المحفوظ ( مرفوعة ) يعنى في السماء السابعة قال ابن جرير مرفوعة القدر والذكر وقيل مرفوعة عن الشبه والتناقض مطهرة أي منزهة لا يمسها إلا المطهرون قال الحسن مطهرة من كل دنس قال السدى مصانة عن الكفار لا ينالونها
عبس : ( 15 ) بأيدي سفرة
( بأيدي سفرة ) السفرة جمع سافر ككتبة وكاتب والمعنى أنها بأيدي كتبة من الملائكة ينسخون الكتب من اللوح المحفوظ قال الفراء السفرة هنا الملائكة الذين يسفرون بالوحي بين الله ورسوله من السفارة وهو السعي بين القوم وأنشد فما أدع السفارة بين قومي
ولا أمشي بغير أب نسيب
قال الزجاج وإنما قيل للكتاب سفر بكسر السين والكاتب سافر لأن معناه أنه بين يقال أسفر الصبح إذا أضاء وأسفرت المرأة إذا كشفت النقاب عن وجهها ومنه سفرت بين القوم أسفر سفارة أي أصلحت بينهم قال مجاهد هم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد وقال قتادة السفرة هنا هم القراء لأنهم يقرؤون الأسفار وقال وهب بن منبه هم أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم )
عبس : ( 16 ) كرام بررة
ثم أثنى سبحانه على السفرة فقال ) كرام بررة ( أي كرام على ربهم كذا قال الكلبي وقال الحسن كرام عن المعاصي فهم يرفعون أنفسهم عنها وقيل


"""""" صفحة رقم 384 """"""
يتكرمون أن يكونوا مع ابن آدم إذا خلا بزوجته أو قضى حاجته وقيل يؤثرون منافع غيرهم على منافعهم وقيل يتكرمون على المؤمنين بالاستغفار لهم والبررة جمع بار مثل كفرة وكافر أي أتقياء مطيعون لربهم صادقون في إيمانهم وقد تقدم تفسيره
عبس : ( 17 ) قتل الإنسان ما . . . . .
) قتل الإنسان ما أكفره ( أي لعن الإنسان الكافر ما أشد كفره وقيل عذب قيل والمراد به عتبة بن أبي لهب ومعنى ما أكفره التعجب من إفراط كفره قال الزجاج معناه اعجبوا أنتم من كفره وقيل المراد بالإنسان من تقدم ذكره في قوله أما من استغنى وقيل المراد به الجنس وهذا هو الأولى فيدخل تحته كل كافر شديد الكفر ويدخل تحته من كان سببا لنزول الآية دخولا أوليا
عبس : ( 18 ) من أي شيء . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما كان ينبغي لهذا الكافر أن ينظر فيه حتى ينزجر عن كفره ويكف عن طغيانه فقال ) من أي شيء خلقه ( أي من أي شيء خلق الله هذا الكافر والاستفهام للتقرير
عبس : ( 19 ) من نطفة خلقه . . . . .
ثم فسر ذلك فقال ) من نطفة خلقه ( أي من ماء مهين وهذا تحقير له قال الحسن كيف يتكبر من خرج من مخرج البول مرتين ومعنى ( فقدره ) أي فسواه وهيأه لمصالح نفسه وخلق له اليدين والرجلين والعينين وسائر الآلات والحواس وقيل قدره أطوارا من حال إلى حال نطفة ثم علقة إلى ان تم خلقه
عبس : ( 20 ) ثم السبيل يسره
( ثم السبيل يسره ) أي يسر له الطريق إلى الخير والشر وقال السدى ومقاتل وعطاء وقتادة يسره للخروج من بطن أمه والأول أولى ومثله قوله وهديناه النجدين وانتصاب السبيل بمضمر يدل عليه الفعل المذكور أي يسر السبيل يسره
عبس : ( 21 ) ثم أماته فأقبره
) ثم أماته فأقبره ( أي جعله بعد أن أماته ذا قبر يوارى فيه إكراما له ولم يجعله مما يلقى على وجه الأرض تأكله السباع والطير كذا قال الفراء وقال أبو عبيدة جعل له قبرا وأمر أن يقبر فيه وقال أقبره ولم يقل قبره لأن القابر هو الدافن بيده ومنه قول الأعشى لو أسندت ميتا إلى صدرها
عاش ولم ينقل إلى قابر
عبس : ( 22 ) ثم إذا شاء . . . . .
( ثم إذا شاء أنشره ) أي ثم إذا شاء إنشاره أنشره أي أحياه بعد موته وعلق الإنشار بالمشيئة للدلالة على أن وقته غير متعين بل هو تابع للمشيئة قرأ الجمهور أنشره بالألف وروى أبو حيوة عن نافع وشعيب بن أبي حمزة نشره بغير ألف وهما لغتان فصيحتان
عبس : ( 23 ) كلا لما يقض . . . . .
) كلا لما يقض ما أمره ( كلا ردع وزجر للإنسان الكافر أي ليس الأمر كما يقول ومعنى لما يقض ما أمره لم يقض ما أمره الله به من العمل بطاعته واجتناب معاصيه وقيل المراد الإنسان على العموم وأنه لم يفعل ما أمره الله به مع طول المدة لأنه لا يخلو من تقصير قال الحسن أي حقا لم يعمل ما أمر به وقال ابن فورك أي كلا لما يقض لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان بل أمره بما لم يقض له قال ابن الأنباري الوقف على كلا قبيح والوقف على أمره جيد وكلا على هذا بمعنى حقا وقيل المعنى لما يقض جميع أفراد الإنسان ما أمره بل أخل به بعضها بالكفر وبعضها بالعصيان وما قضى ما أمره الله إلا القليل
عبس : ( 24 ) فلينظر الإنسان إلى . . . . .
ثم شرع سبحانه في تعداد نعمه على عباده ليشكروها وينزجروا عن كفرانها بعد ذكر النعم المتعلقة بحدوثه فقال ) فلينظر الإنسان إلى طعامه ( أي ينظر كيف خلق الله طعامه الذي جعله سببا لحياته وكيف هيأ له أسباب المعاش يستعد بها للسعادة الأخروية قال مجاهد معناه فلينظر الإنسان إلى طعامه أي إلى مدخله ومخرجه والأول أول
عبس : ( 25 ) أنا صببنا الماء . . . . .
ثم بين ذلك سبحانه فقال ) أنا صببنا الماء صبا ( قرأ الجمهور إنا بالكسر على الاستئناف وقرأ الكوفيون ورويس عن يعقوب بالفتح على أنه بدل من طعامه بدل اشتمال لكون نزول المطر سببا لحصول الطعام فهو كالمشتمل عليه أو بتقدير لام العلة قال الزجاج الكسر على الابتداء والاستئناف والفتح على معنى البدل من الطعام المعنى فلينظر الإنسان إلى أنا صببنا الماء صبا وأراد بصب الماء المطر


"""""" صفحة رقم 385 """"""
وقرأ الحسن بن علي بالفتح والإمالة
عبس : ( 26 ) ثم شققنا الأرض . . . . .
) ثم شققنا الأرض شقا ( أي شققناها بالنبات الخارج منها بسبب نزول المطر شقا بديعا لائقا بما يخرج منه في الصغر والكبر والشكل والهيئة
عبس : ( 27 ) فأنبتنا فيها حبا
ثم بين سبب هذا الشق وما وقع لأجله فقال ) فأنبتنا فيها حبا ( يعنى الحبوب الذي يتغذى بها والمعنى أن النبات لا يزال ينمو ويتزايد إلى أن يصير حبا
عبس : ( 28 ) وعنبا وقضبا
وقوله ( وعنبا ) معطوف على حبا أي وأنبتنا فيها عنبا قيل وليس من لوازم العطف أن يقيد المعطوف بجميع ما قيد به المعطوف عليه فلا ضير في خلو إنبات العنب عن شق الأرض والقضب هو القت الرطب الذي يقضب مرة بعد أخرى تعلف به الدواب ولهذا سمى قضبا على مصدر قضبه أي قطعه كأنه لتكرر قطعها نفس القطع قال الخليل القضب الفصفصة الرطبة فإذا يبست فهي القت قال في الصحاح والقضبة والقضب الرطبة قال والموضع الذي ينبت فيه مقضبة قال القتيبي وثعلب وأهل مكة يسمون العنب القضب
عبس : ( 29 ) وزيتونا ونخلا
والزيتون هو ما يعصر منه الزيت وهو شجرة الزيتون المعروفة والنخل هو جمع نخلة
عبس : ( 30 ) وحدائق غلبا
) وحدائق غلبا ( جمع حديقة وهي البستان والغلب العظام الغلاظ الرقاب وقال مجاهد ومقاتل الغلب الملتف بعضها ببعض يقال رجل أغلب إذا كان عظيم الرقبة ويقال للأسد أغلب لأنه مصمت العنق لا يلتفت إلا جميعا قال العجاج ما زلت يوم البين ألوى صلبى
والرأس حتى صرت مثل الأغلب
وجمع أغلب وغلباء غلب كما جمع أحمر وحمراء على حمر وقال قتادة وابن زيد الغلب النخل الكرام وعن ابن زيد أيضا وعكرمة هي غلاظ الأوساط والجذوع
عبس : ( 31 - 32 ) وفاكهة وأبا
والفاكهة ما يأكله الإنسان من ثمار الأشجار كالعنب والتين والخوخ ونحوها والأب كل ما أنبتت الأرض مما لا يأكله الناس ولا يزرعونه من الكلأ وسائر انواع المرعى ومنه قول الشاعر
جدنا قيس ونجد دارنا ولنا الأب بها والمكرع
قال الضحاك الأب كل شيء ينبت على وجه الأرض وقال ابن أبي طلحة هو الثمار الرطبة وروى عن الضحاك أيضا أنه قال هو التين خاصة والأول أولى
عبس : ( 33 ) فإذا جاءت الصاخة
ثم شرع سبحانه في بيان أحوال المعاد فقال ) فإذا جاءت الصاخة ( يعنى صيحة يوم القيامة وسميت صاخة لشدة صوتها لأنها تصخ الأذان أي تصمها فلا تسمع وقيل سميت صاخة لأنها يصيخ لها الأسماع من قولك أصاخ إلى كذا أي استمع إليه والأول أصح قال الخليل الصاخة صيحة تصخ الآذان حتى تصمها بشدة وقعها وأصل الكلمة في اللغة مأخوذة من الصك الشديد يقال صخه بالحجر إذا صكه بها وجواب إذا محذوف يدل عليه قوله ) لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ( أي فإذا جاءت الصاخة اشتغل كل أحد بنفسه
عبس : ( 34 - 36 ) يوم يفر المرء . . . . .
والظرف في قوله ) يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ( إما بدل من إذا جاءت أو منصوب بمقدر أي أعنى ويكون تفسيرا للصاخة أو بدلا منها مبني على الفتح وخص هؤلاء بالذكر لأنهم أخص القرابة وأولاهم بالحنو والرأفة فالفرار منهم لا يكون إلا لهول عظيم وخطب فظيع
عبس : ( 37 ) لكل امرئ منهم . . . . .
) لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ( أي لكل إنسان يوم القيامة شأن يشغله عن الأقرباء ويصرفه عنهم وقيل إنما يفر عنهم حذرا من مطالبتهم إياه بما بينهم وقيل يفر عنهم لئلا يروا ما هو فيه من الشدة وقيل لعلمه أنهم لا ينفعونه ولا يغنون عنه شيئا كما قال تعالى يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا والجملة مستأنفة مسوقة لبيان سبب الفرار قال ابن قتيبة يغنيه أي يصرفه عن قرابته ومنه يقال أغن عني وجهك أي اصرفه قرأ الجمهور يغنيه بالغين المعجمة وقرأ ابن محيصن بالعين المهملة مع فتح الياء أي يهمه من عناه الأمر إذا


"""""" صفحة رقم 386 """"""
رحمه
عبس : ( 38 ) وجوه يومئذ مسفرة
) وجوه يومئذ مسفرة ( وجوه مبتدأ وإن كان نكرة لأنه في مقام التفصيل وهو من مسوغات الابتداء بالنكرة ويومئذ متعلق به ومسفرة خبره ومعنى مسفرة مشرقة مضيئة وهي وجوه المؤمنين لأنهم قد علموا إذ ذاك ما لهم من النعيم والكرامة يقال أسفر الصبح إذا أضاء قال الضحاك مسفرة من آثار الوضوء وقيل من قيام الليل
عبس : ( 39 ) ضاحكة مستبشرة
) ضاحكة مستبشرة ( أي فرحة بما نالته من الثواب الجزيل
عبس : ( 40 ) ووجوه يومئذ عليها . . . . .
ثم لما فرغ من ذكر حال المؤمنين ذكر حال الكفار فقال ) ووجوه يومئذ عليها غبرة ( أي غبار وكدورة لما تراه مما أعده الله لها من العذاب
عبس : ( 41 ) ترهقها قترة
) ترهقها قترة ( أي يغشاها ويعلوها سواد وكسوف وقيل ذلة وقيل شدة والقتر في كلام العرب الغبار كذا قال أبو عبيدة وأنشد قول الفرزدق متوج برداء الملك يتبعه
فوج ترى فوقه الرايات والقترا
ويدفع ما قاله أبو عبيدة تقدم ذكر الغبرة فإنها واحدة الغبار وقال زيد بن أسلم القترة ما ارتفعت إلى السماء والغبرة ما انحطت إلى الأرض ( أولئك ) يعنى أصحاب الوجوه ) هم الكفرة الفجرة ( أي الجامعون بين الكفر بالله والفجور يقال فجر أي فسق وفجر أي كذب وأصله الميل والفاجر المائل عن الحق
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت أنزلت عبس وتولى في ابن أم مكتوم الأعمى أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجعل يقول يا رسول الله أرشدني وعند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رجل من عظماء المشركين فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول أترى بما أقول بأسا فيقول لا ففي هذا أنزلت وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو يعلى عن أنس قال جاء ابن أم مكتوم وهو يكلم أبي بن خلف فأعرض عنه فأنزل الله ) عبس وتولى أن جاءه الأعمى ( فكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد ذلك يكرمه وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال بينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يناجي عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب وأبا جهل بن هشام وكان يتصدى لهم كثيرا ويحرص عليهم أن يؤمنوا فأقبل عليهم رجل أعمى يقال له عبد الله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم فجعل عبد الله يستقرىء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) آية من القرآن قال يا رسول الله علمني مما علمك الله فأعرض عنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعبس في وجهه وتولى وكره كلامه وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نجواه وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله ببعض بصره ثم خفق برأسه ثم أنزل الله ) عبس وتولى ( الآية فلما نزل فيه ما نزل أكرمه نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكلمه وقال له ما حاجتك هل تريد من شيء وإذا ذهب من عنده قال هل لك حاجة في شيء قال ابن كثير فيه غرابة وقد تكلم في إسناده وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) بأيدي سفرة ( قال كتبه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ) بأيدي سفرة ( قال هم بالنبطية القراء وأخرج ابن جرير عنه أيضا ( كرام بررة قال الملائكة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) ثم السبيل يسره ( قال يعنى بذلك خروجه من بطن أمه يسره له وأخرج ابن المنذر عن عبد الله بن الزبير في قوله ) فلينظر الإنسان إلى طعامه ( قال إلى مدخله ومخرجه وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس ) فلينظر الإنسان إلى طعامه ( قال إلى خرئه وأخرج ابن المنذر عنه ) أنا صببنا الماء صبا (


"""""" صفحة رقم 387 """"""
قال المطر ) ثم شققنا الأرض شقا ( قال عن النبات وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( وقضبا ) قال الفصفصة يعنى القت ) وحدائق غلبا ( قال طوالا ) وفاكهة وأبا ( قال الثمار الرطبة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال الحدائق كل ملتف والغلب ما غلظ والأب ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضا ) وحدائق غلبا ( قال شجر في الجنة يستظل به لا يحمل شيئا وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال الأب الكلأ والمرعى وأخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال سئل أبو بكر الصديق عن الأب ما هو فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن يزيد أن رجلا سأل عمر عن قوله ( وأبا ) فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة وأخرج ابن سعد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب والخطيب عن أنس أن عمر قرأ على المنبر ) فأنبتنا فيها حبا وعنبا ( إلى قوله ( وأبا ) قال كل هذا قد عرفناه فما الأب ثم رفض عصى كانت في يده فقال هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك أن لا تدري ما الأب اتبعوا ما بين لكم من هذا الكتاب فاعملوا عليه وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال الصاخة من أسماء يوم القيامة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( مسفرة ) قال مشرقة وفي قوله ( ترهقها قترة ) قال تغشاها شدة وذلة وأخرج ابن أبي حاتم عنه ( قترة ) قال سواد الوجه
ع81
تفسير
سورة التكوير
وهي تسع وعشرون آية
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة ) إذا الشمس كورت ( بمكة وأخرج ابن مردويه عن عائشة وابن الزبير مثله وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت
تفسير
سورة التكوير


"""""" صفحة رقم 388 """"""
سورة التكوير
( 1 29
التكوير : ( 1 ) إذا الشمس كورت
قوله ) إذا الشمس كورت ( ارتفاع الشمس بفعل محذوف يفسره ما بعده على الاشتغال وهذا عند البصريين وأما عند الكوفيين والأخفش فهو مرتفع على الابتداء والتكوير الجمع وهو مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها قال الزجاج لفت كما تلف العمامة يقال كورت العمامة على رأسي أكورها كورا وكورتها تكويرا إذا لففتها قال أبو عبيدة كورت مثل تكوير العمامة تلف فتجمع قال الربيع بن خثيم كورت أي رمى بها ومنه كورته فتكور أي سقط وقال مقاتل وقتادة والكلبي ذهب ضوؤها وقال مجاهد اضمحلت قال الواحدي قال المفسرون تجمع الشمس بعضها إلى بعض ثم تلف فيرمى بها فالحاصل أن التكوير إما بمعنى لف جرمها أو لف ضوئها أو الرمى بها
التكوير : ( 2 ) وإذا النجوم انكدرت
) وإذا النجوم انكدرت ( أي تهافتت وانقضت وتناكرت يقال انكدر الطائر من الهواء إذا انقض والأصل في الانكدار الانصباب قال الخليل يقال انكدر عليهم القوم إذا جاؤوا إرسالا فانصبوا عليهم قال أبو عبيدة انصبت كما ينصب العقاب قال الكلبي وعطاء تمطر السماء يومئذ نجوما فلا يبقى نجم في السماء إلا وقع على الأرض وقيل انكدارها طمس نورها
التكوير : ( 3 ) وإذا الجبال سيرت
) وإذا الجبال سيرت ( أي قلعت عن الأرض وسيرت في الهواء ومنه قوله ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة
التكوير : ( 4 ) وإذا العشار عطلت
) وإذا العشار عطلت ( العشار النوق الحوامل التي في بطونها أولادها الواحدة عشراء وهي التي قد أتى عليها في الحمل عشرة أشهر ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع وخص العشار لأنها أنفس مال عند العرب وأعزه عندهم ومعنى عطلت تركت هملا بلا راع وذلك لما شاهدوا من الهول العظيم قيل وهذا على وجه المثل لأن يوم القيامة لا تكون فيه ناقة عشراء بل المراد أنه لو كان للرجل ناقة عشراء في ذلك اليوم أو نوق عشار لتركها ولم يلتفت إليها اشتغالا بما هو فيه من هول يوم القيامة وسيأتى آخر البحث إن شاء الله ما يفيد أن هذا في الدنيا وقيل العشار السحاب فإن العرب تشبهها بالحامل ومنه قوله والحاملات وقرا وتعطيلها عدم إمطارها قرأ الجمهور عطلت بالتشديد وقرأ ابن كثير في رواية عنه بالتخفيف وقيل المراد أن الديار تعطل فلا تسكن وقيل الأرض التي تعشر زرعها فلا تزرع
التكوير : ( 5 ) وإذا الوحوش حشرت
) وإذا الوحوش حشرت ( الوحوش ما توحش من دواب البر ومعنى حشرت بعثت حتى يقتص بعضها من بعض فيقتص للجماء من القرناء وقيل حشرها موتها وقيل إنها مع نفرتها اليوم من الناس وتبددها في الصحاري تضم ذلك اليوم إليهم قرا الجمهور حشرت بالتخفيف وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون بالتشديد
التكوير : ( 6 ) وإذا البحار سجرت
) وإذا البحار سجرت ( أي أوقدت فصارت نارا تضطرم وقال الفراء ملئت


"""""" صفحة رقم 389 """"""
بأن صارت بحرا واحدا وكثر ماؤها وبه قال الربيع بن خثيم والكلبي ومقاتل والحسن والضحاك وقيل أرسل عذبها على مالحها ومالحها على عذبها حتى امتلأت وقيل فجرت فصارت بحرا واحدا وروى عن قتادة وابن حبان أن معنى الآية يبست ولا يبقى فيها قطرة يقال سجرت الحوض أسجره سجرا إذا ملأته وقال القشيري هو من سجرت التنور أسجره سجرا إذا أحميته قال ابن زيد وعطية وسفيان ووهب وغيرهم أوقدت فصارت نارا وقيل معنى سجرت أنها صارت حمراء كالدم من قولهم عين سجراء أي حمراء قرأ الجمهور سجرت بتشديد الجيم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيفها
التكوير : ( 7 ) وإذا النفوس زوجت
) وإذا النفوس زوجت ( أي قرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة وقرن بين رجل السوء مع رجل السوء في النار وقال عطاء زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين وقرنت نفوس الكافرين بالشياطين وقيل قرن كل شكل إلى شكله في العمل وهو راجع إلى القول الأول وقيل قرن كل رجل إلى من كان يلازمه من ملك أو سلطان كما في قوله احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وقال عكرمة ) وإذا النفوس زوجت ( يعنى قرنت الأرواح بالأجساد وقال الحسن ألحق كل امرىء بشيعته اليهود باليهود والنصارى بالنصارى والمجوس بالمجوس وكل من كان يعبد شيئا من دون الله يلحق بعضهم ببعض والمنافقون بالمنافقين والمؤمنون بالمؤمنين وقيل يقرن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان ويقرن المطيع بمن دعاه إلى الطاعة من الأنبياء والمؤمنين وقيل قرنت النفوس بأعمالها
التكوير : ( 8 ) وإذا الموؤودة سئلت
) وإذا الموؤودة سئلت ( أي المدفونة حية وقد كان العرب إذا ولدت لأحدهم بنت دفنها حية مخافة العار أو الحاجة يقال وأد يائد وأدا فهو وائد والمفعول به موؤود وأصله مأخوذ من الثقل لأنها تدفن فيطرح عليها التراب فيثقلها فتموت ومنه ولا يئوده حفظهما أي لا يثقله ومنه قول متمم بن نويرة وموؤودة مقبورة في مغارة
ومنه قول الراجز
سميتها إذ ولدت تموت
والقبر صهر ضامن رميت
قرأ الجمهور الموءودة بهمزة بين واوين ساكنين كالموعودة وقرأ البزى في رواية عنه بهمزة مضمومة ثم واو ساكنة وقرأ الأعمش المودة بزنة الموزة وقرأ الجمهور سئلت مبنيا للمفعول وقرأ الحسن بكسر السين من سال يسيل
التكوير : ( 9 ) بأي ذنب قتلت
وقرأ الجمهور قتلت بالتخفيف مبنيا للمفعول وقرأ أبو جعفر بالتشديد على التكثير وقرأ علي وابن مسعود وابن عباس سألت مبنيا للفاعل قتلت بضم التاء الأخيرة ومعنى سئلت على قراءة الجمهور أن توجيه السؤال إليها لإظهار كمال الغيظ على قاتلها حتى كان لا يستحق أن يخاطب ويسأل عن ذلك وفيه تبكيت لقاتلها وتوبيخ له شديد قال الحسن أراد الله أن يوبخ قاتلها لأنها قتلت بغير ذنب وفي مصحف أبي وإذا الموؤودة سألت بأي ذنب قتلتني
التكوير : ( 10 ) وإذا الصحف نشرت
) وإذا الصحف نشرت ( يعنى صحائف الأعمال نشرت للحساب لأنها تطوى عند الموت وتنشر عند الحساب فيقف كل إنسان على صحيفته فيعلم ما فيها فيقول مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها قرأ نافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو نشرت بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد على التكثير
التكوير : ( 11 ) وإذا السماء كشطت
) وإذا السماء كشطت ( الكشط قلع عن شدة التزاق فالسماء تكشط كما يكشط الجلد عن الكبش والقشط بالقاف لغة في الكشط وهي قراءة ابن مسعود قال الزجاج قلعت كما يقلع السقف وقال الفراء نزعت فطويت وقال مقاتل كشفت عما فيها قال الواحدي ومعنى الكشط رفعك شيئا عن شيء قد غطاه
التكوير : ( 12 ) وإذا الجحيم سعرت
) وإذا الجحيم سعرت ( أي أوقدت لأعداء الله إيقادا شديدا قرأ الجمهور سعرت بالتخفيف وقرا نافع وابن ذكوان وحفص بالتشديد لأنها أوقدت مرة بعد مرة قال قتادة سعرها غضب الله وخطا يا بني آدم
التكوير : ( 13 ) وإذا الجنة أزلفت
) وإذا الجنة أزلفت (


"""""" صفحة رقم 390 """"""
أي قربت إلى المتقين وأدنيت منهم قال الحسن إنهم يقربون منها لا أنها تزول عن موضعها وقال ابن زيد معنى أزلفت تزينت والأول أولى لان الزلفى في كلام العرب القرب قيل هذه الأمور الاثنا عشر ست منها في الدنيا وهي من أول السورة إلى قوله ) وإذا البحار سجرت ( وست في الآخرة وهي ) وإذا النفوس زوجت ( إلى هنا
التكوير : ( 14 ) علمت نفس ما . . . . .
وجواب الجميع قوله ) علمت نفس ما أحضرت ( على أن المراد الزمان الممتد من الدنيا إلى الآخرة لكن لا بمعنى أنها تعلم ما تعلم في كل جزء من أجزاء هذا الوقت الممتد بل المراد علمت ما أحضرته عند نشر الصحف يعنى ما عملت من خير أو شر ومعنى ما أحضرت ما أحضرت من أعمالها والمراد حضور صحائف الأعمال أو حضور الأعمال نفسها كما ورد أن الأعمال تصور بصور تدل عليها وتعرف بها وتنكير نفس المفيد لثبوت العلم المذكور لفرد من النفوس أو لبعض منها للإيذان بأن ثبوته لجميع أفرادها من الظهور والوضوح بحيث لا يخفى على أحد ويدل على هذا قوله يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وقيل يجوز أن يكون ذلك للإشعار بأنه إذا علمت حينئذ نفس من النفوس ما أحضرت وجب على كل نفس إصلاح عملها مخافة أن تكون هي تلك التي علمت ما أحضرت فكيف وكل نفس تعلمه على طريقة قولك لمن تنصحه لعلك ستندم على ما فعلت وربما ندم الإنسن على فعله
التكوير : ( 15 ) فلا أقسم بالخنس
) فلا أقسم بالخنس ( لا زائدة كما تقدم تحقيقه وتحقيق ما فيه من الأقوال في أول سورة القيامة أي فأقسم بالخنس وهي الكواكب وسميت الخنس من خنس إذا تأخر لأنها تخنس بالنهار فتخفى ولا ترى وهي زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد كما ذكره أهل التفسير ووجه تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم أنها تستقبل الشمس وتقطع المجرة وقال في الصحاح الخنس الكواكب كلها لأنها تخنس في المغيب أو لأنها تخفى نهارا أو يقال هي الكواكب السيارة منها دون الثابتة قال الفراء إنها الكواكب الخمسة المذكورة لأنها تخنس في مجراها وتكنس أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار ويقال سميت خنسا لتأخرها لأنها الكواكب المتحيرة التي ترجع وتستقيم يقال خنس عنه يخنس خنوسا إذا تأخر وأخنسه غيره إذا خلفه ومضى عنه والخنس تأخر الانف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة
التكوير : ( 16 ) الجوار الكنس
ومعنى ( الجوار ) أنها تجرى مع الشمس والقمر ومعنى ( الكنس ) أنها ترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس فخنوسها رجوعها وكنوسها اختفاؤها تحت ضوئها وقيل خنوسها خفاؤها بالنهار وكنوسها غروبها قال الحسن وقتادة هي النجوم التي تخنس بالنهار وإذا غربت والمعنى متقارب لأنها تتأخر في النهار عن البصر لخفائها فلا ترى وتظهر بالليل وتكنس في وقت غروبها وقيل المراد بها بقر الوحش لأنها تتصف بالخنس وبالجوار وبالكنس وقال عكرمة الخنس البقر والكنس الظباء فهي تخنس إذا رأت الإنسان وتنقبض وتتأخر وتدخل كناسها وقيل هي الملائكة والأول أولى لذكر الليل والصبح بعد هذا والكنس مأخوذ من الكناس الذي يختفى فيه الوحش والخنس جمع خانس وخانسة والكنس جمع كانس وكانسة
التكوير : ( 17 ) والليل إذا عسعس
) والليل إذا عسعس ( قال أهل اللغة هو من الأضداد يقال عسعس الليل إذا أقبل وعسعس إذا أدبر ويدل على أن المراد هنا أدبر قوله ) والصبح إذا تنفس ( قال الفراء أجمع المفسرون على أن معنى عسعس أدبر كذا حكاه عنه الجوهري وقال الحسن أقبل بظلامه قال الفراء العرب تقول عسعس الليل إذا أقبل وعسعس الليل إذا أدبر وهذا لا ينافى ما تقدم عنه لأنه حكى عن المفسرين أنهم أجمعوا على حمل معناه في هذه الآية على


"""""" صفحة رقم 391 """"""
أدبر وإن كان في الأصل مشتركا بين الإقبال والإدبار قال المبرد هو من الأضداد قال والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد وهو إبتداء الظلام في أوله وإدباره في آخره قال رؤية بن العجاج يا هند ما أسرع ما تعسعسا
من بعد ما كان فتى ترعرعا
وقال إمرؤ القيس عسعس حتى لو نشاء دنا
كان لنا من ناره مقتبس
وقوله الماء على الربع القديم تعسعسا
التكوير : ( 18 ) والصبح إذا تنفس
( والصبح إذا تنفس ) التنفس في الأصل خروج النسيم من الجوف وتنفس الصبح إقباله لأنه يقبل بروح ونسيم فجعل ذلك تنفسا له مجازا قال الواحدى تنفس أي امتد ضوؤه حتى يصير نهارا ومنه يقال للنهار إذا زاد تنفس وقيل ( إذا تنفس ) إذا انشق وانفلق ومنه تنفست القوس أي تصدعت
التكوير : ( 19 ) إنه لقول رسول . . . . .
ثم ذكر سبحانه جواب القسم فقال ( إنه لقول رسول كريم ) يعنى جبريل لكونه نزل به من جهة الله سبحانه إلى رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وأضاف القول إلى جبريل لكونه مرسلا به وقيل المراد بالرسول في الآية محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والأول أولى
التكوير : ( 20 ) ذي قوة عند . . . . .
ثم وصف الرسول المذكور بأوصاف محمودة فقال ( ذي قوة عند ذي العرش مكين ) أي ذي قوة شديدة في القيام بما كلف به كما في قوله شديد القوى ومعنى ( عند ذي العرش مكين ) أنه ذو رفعة عالية ومكانة مكينة عند الله سبحانه وهو في محل نصب على الحال من مكين وأصله الوصف فلما قدم صار حالا ويجوز أن يكون نعتا لرسول يقال مكن فلان عند فلان مكانة أي صار ذا منزلة عنده ومكانة قال أبو صالح من مكانته عند ذي العرش أنه يدخل سبعين سرادقا بغير إذن
التكوير : ( 21 ) مطاع ثم أمين
ومعنى ( مطاع ) أنه مطاع بين الملائكة يرجعون إليه ويطيعونه ( ثم أمين ) قرأ الجمهور بفتح ثم على أنها ظرف مكان للبعيد والعامل فيه مطاع أو ما بعده والمعنى أنه مطاع في السموات أو أمين فيها أي مؤتمن على الوحي وغيره وقرأ هشيم وأبو جعفر وأبو حيوة بضمها على أنها عاطفة وكان العطف بها للتراخي في الرتبة لأن ما بعدها أعظم مما قبلها ومن قال إن المراد بالرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فالمعنى أنه ذو قوة على تبليغ الرسالة إلى الأمة مطاع يطيعه من اطاع الله امين على الوحي
التكوير : ( 22 ) وما صاحبكم بمجنون
( وما صاحبكم بمجنون ) الخطاب لأهل مكة والمراد بصاحبهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى وما محمد يا أهل مكة بمجنون وذكره بوصف الصحبة للإشعار بأنهم عالمون بأمره وأنه ليس مما يدمونه به من الجنون وغيره في شيء وأنهم افتروا عليه ذلك عن علم منهم بأنه اعقل الناس وأكملهم وهذه الجملة داخلة في جواب القسم فأقسم سبحانه بأن القرآن نزل به جبريل وان محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ليس كما يقولون من أنه مجنون وأنه يأتي بالقرآن من جهة نفسه
التكوير : ( 23 ) ولقد رآه بالأفق . . . . .
( ولقد رآه بالأفق المبين ) اللام جواب قسم محذوف أي وتالله لقد رأي محمد جبريل بالأفق المبين أي بمطلع الشمس من قبل المشرق لأن هذا الأفق إذا كانت الشمس تطلع منه فهو مبين ولأن من جهته ترى الأشياء وقيل بالأفق المبين أقطار السماء ونواحيها ومنه قول الشاعر
اخذنا بأقطار السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع
وإنما قال سبحانه ( ولقد رآه بالأفق المبين ) مع أنه قد رآه غير مرة لأنه رآه هذه المرة في صورته له ستمائة جناح قال سفيان إنه رآه في أفق السماء الشرقي وقال أبن بحر في أفق السماء الغربي وقال مجاهد رآه نحو أجياب نحو أجياد وهو مشرق مكة والمبين صفة للأفق قاله الربيع وقيل صفة لمن رآه قال مجاهد وقيل معنى


"""""" صفحة رقم 392 """"""
الآية ولقد رأى محمد ربه عز وجل وقد تقدم القول في هذا في سورة النجم
التكوير : ( 24 ) وما هو على . . . . .
( وما هو ) أي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ( على الغيب ) يعني خبر السماء وما أطلع عليه مما كان غائبا علمه عن أهل مكة ( بضنين ) بمتهم أي هو ثقة فيما يؤدي عن الله سبحانه وقيل بضنين ببخيل أي لا يبخل بالوحي ولا يقصر في التبليغ وسبب هذا الأختلاف اختلاف القراء فقرأ أبن كثير وأبو عمرو والكسائي بظنين بالظاء المشالة أي بمتهم والظنة التهمة واختار هذه القراءة أبو عبيد قال لأنهم لم يبخلوا ولكن كذبوه وقرأ الباقون بضنين بالضاد أي ببخيل من ضننت بالشيء أخنن ضنا إذا بخلت قال مجاهد أي لا يظن عليكم بما يعلم بل يعلم الخلق كلام الله وأحكامه وقيل المراد جبريل إنه ليس على الغيب بضنين والأول اولى
التكوير : ( 25 ) وما هو بقول . . . . .
( وما هو بقول شيطان رجيم ) أي وما القرآن بقول شيطان من الشياطين المسترقة للسمع المرجومة بالشهب قال الكلبي يقول إن القرآن ليس بشعر ولا كهانة كما قالت قريش قال عطاء يريد بالشيطان الشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في صورة جبريل يريد أن يفتنه
التكوير : ( 26 ) فأين تذهبون
ثم بكتهم سبحانه ووبخهم فقال ( فأين تذهبون ) أي أين تعدلون عن هذا القرآن وعن طاعته كذا قاله قتادة وقال الزجاج معناه أي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم يقال أين تذهب وإلى اين تذهب وحكى الفراء عن العرب ذهبت الشام وخرجت العراق وانطلقت السوق أي إليها قال سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة وأنشد لبعض بني عقيل تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا
وأي الأرض تذهب بالصياح
تريد إلى أي الأرض تذهب فحذف إلى
التكوير : ( 27 ) إن هو إلا . . . . .
(إن هو إلا ذكر للعالمين ) أي ما القرآن إلا موعظة للخلق أجمعين وتذكير لهم
التكوير : ( 28 ) لمن شاء منكم . . . . .
وقوله ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) بدل من العالمين بإعادة الجار ومفعول المشيئة أن يستقيم أي لمن شاء منكم الاستقامة على الحق والإيمان والطاعة
التكوير : ( 29 ) وما تشاؤون إلا . . . . .
( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين أي وما تشاؤون الاستقامة إلا ان يشاء الله تلك المشيئة فأعلمهم سبحانه أن المشيئة في التوفيق إليه وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله وتوفيقه ومثل هذا قوله سبحانه وما كان لنفس أن تؤمن إلا بأذن الله وقوله ولو اننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنو إلا أن يشاء الله وقوله إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء والآيات القرآنية في هذا المعنى كثيرة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله ( إذا الشمس كورت ) قال أظلمت ( وإذا النجوم انكدرت ) قال تغيرت وأخرج أبن أبي حاتم والديلمي عن أبي مريم أن النبي صلى الله عليه وإله وسلم قال في قوله ( إذا السماء كورت ) قال كورت في جهنم ( وإذا النجوم انكدرت ) قال انكدرت في جهنم فكل من عبد من دون الله فهو في جهنم إلا ما كان من عيسى وأمه ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عن أبي العالية قال ست آيات من هذه السورة في الدنيا والناس ينظرون إليها وست في الآخرة ( إذا الشمس كورت ) إلى ( وإذا البحار سجرت ) هذه في الدنيا والناس ينظرون إليها ( وإذا النفوس زوجت ) إلى ( وإذا الجنة أزلفت ) هذه في الآخرة واخرج أبن أبي الدنيا في الأهوال وأبن جرير ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال ست آيات قبل يوم القيامة بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن واختلطت الدواب والطير والوحش فماجوا بعضهم في بعض ( وإذا الوحوش حشرت ) قال اختلطت ( وإذا العشار عطلت ) قال أهملها أهلها ( وإذا البحار سجرت ) قال الجن


"""""" صفحة رقم 393 """"""
الإنس نحن نأتيكم بالخبر فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة وإلى السماء السابعة فبينما هم كذلك إذ جاءتهم ريح فأماتتهم وأخرج الفريابي وسعيد أبن منصور وعبد بن حميد وأبن المنذر والحاكم وصححه وأبن مردويه عن ابن عباس في قوله ( وإذا الوحوش حشرت ) قال حشر البهائم موتها وحشر كل شيء الموت غير الجن والإنس فإنهما يوافيان يوم القيامة وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم والخطيب في المتفق والمفترق عنه في قوله ( وإذا الوحوش حشرت ) قال يحشر كل شيء يوم القيامة حتى أن الدواب لتحشر وأخرج البيهقي في البعث عنه ايضا في قوله ( وإذا البحار سجرت ) قال تسجر حتى تصير نارا وأخرج الطبراني عنه ( سجرت ) قال اختلط ماؤها بماء الأرض وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وأبن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في البعث عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب في قوله ( وإذا النفوس زوجت ) قال يقرن بين الرجل الصالح مع الصالح في الجنة ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار كذلك تزويج الأنفس وفي رواية ثم قرأ احشروا الذين طلموا وأزواجهم وأخرج نحوه أبن مردويه عن النعمان بن بشير مرفوعا وأخرج البزار والحاكم في الكنى والبيهقي في سننه عن عمر بن الخطاب قال جاء قيس بن عاصم التميمي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إني وأدت ثمان بنات لي في الجاهلية فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعتق عن كل واحدة رقبة قال أني صاحب إبل قال فأهد عن كل واحدة بدنة وأخرج أبن المنذر عن ابن عباس ( وإذا الجنة أزلفت ) قال قربت وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن علي بن أبي طالب في قوله ( فلا أقسم بالخنس ) قال هي الكواكب تكنس بالليل وتخنس بالنهار فلا ترى وأخرج أبن أبي حاتم عنه في قوله ( لا أقسم بالخنس ) قال خمسة أنجم زحل وعطارد والمشتري وبهرام والزهرة ليس شيء يقطع المجرة غيرها وأخرج ابن مردويه والخطيب في كتاب النجوم عن ابن عباس في الآية قال هي النجوم السبعة زحل وابهرام وعطارد والمشتري والزهرة والشمس والقمر خنوسها رجوعها وكنوسها تغيبها بالنهار وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأبن سعد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه من طرق عن أبن مسعود في قوله 0 بالخنس الجواري الكنس ) قال هي بقر الوحش وأخرج أبن أبي حاتم عن أبن عباس قال هي البقر تكنس إلى الظل واخرج أبن المنذر عنه قال تكنس لأنفسها في أصول الشجر تتواري فيه وأخرج أبن جرير عنه أيضا قال هي الظباء وأخرج أبن راهويه وعبد أبن حميد والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب في قوله ( والجوار الكنس ) قال هي الكواكب وأخرج عبد بن حميد عن أبن عباس ( الخنس ) البقر ( الجوار الكنس ) الظباء ألم ترها إذا كانت في الظل كيف تكنس بأعناقها ومدت نظرها وأخرج أبو أحمد الحاكم في الكنى عن أبي العديس قال كنا عند عمر بن الخطاب فأتاه رجل فقال يا امير المؤمنين ما 0 الجوار الكنس ) فطعن عمر بمخصرة معه في عمامة الرجل فألقاها عن رأسه فقال عمر أحرورى والذي نفس عمر بن الخطاب بيده لو وجدتك محلوقا لأنحيت القمل عن رأسك وهذا منكر فالحرورية لم يكونوا في زمن عمر ولا كان لهم في ذلك الوقت ذكر واخرج أبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم من طرق عن أبن عباس في قوله ( والليل إذا عسعس ) قال إذا أدبر ( والصبح إذا تنفس ) قال إذا بدا النهار حين طلوع الفجر واخرج الطبراني عنه ( إذا عسعس ) قال إقبال سواده وأخرج ابن المنذر عنه أيضا


"""""" صفحة رقم 394 """"""
( إنه لقول رسول كريم ) قال جبريل واخرج أبن مردويه وابو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود ( ولقد رآه بالأفق المبين ) قال رأى جبريل له ستمائة جناح قد سد الأفق وأخرج الطبراني وأبن مردويه عن أبن عباس في الآية قال إنما عنى جبريل أن محمد رآه في صورته عند سدرة المنتهى وأخرج أبن مردويه عنه بالأفق المبين قال السماء السابعة وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن المنذر وأبن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ ( بضنين ) بالضاد وقال ببخيل وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قرأ ( وما هو على الغيب بظنين ) بالظاء قال ليس بمنهم وأخرج الدارقطني في الأفراد والحاكم وصححه وأبن مردويه والخطيب في تاريخه عن عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرؤه ( بظنين ) الظاء واخرج أبن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال لما نزلت ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) قالوا الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فهبط جبريل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال كذبوا يا محمد ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )
ع82
تفسير
سورة الانفطار
هي تسع عشرة آية
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف واخرج أبن الضريس والنحاس وأبن مردويه عن ابن عباس قال نزلت ( إذا السماء انفطرت ) بمكة وأخرج أبن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج النسائي عن جابر قال قام معاذ فصلى العشاء فطول فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أفتان أنت يا معاذ أين أنت عن سبح اسم ربك الأعلى والضحى وإذا السماء انفطرت واصل الحديث في الصحيحين ولكن بدون ذكر إذا السماء انفطرت وقد تفرد بها النسائي وقد تقدم في سورة التكوير حديث من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأى عين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت
سورة الانفطار ( 1 19 )


"""""" صفحة رقم 395 """"""
الإنفطار : ( 1 ) إذا السماء انفطرت
قوله (إذا السماء انفطرت قال الواحدي قال المفسرون انفطارها انشقاقها كقوله ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا والفطر الشق يقال فطرته فانفطر ومنه فطرناب البعير إذا طلع قيل والمراد أنها انفطرت هنا لنزول الملائكة منها وقيل انفطرت لهيبة الله
الإنفطار : ( 2 ) وإذا الكواكب انتثرت
( وإذا الكواكب انتثرت ) أي تساقطت متفرقة يقال نثرت الشيء أنثره نثرا
الإنفطار : ( 3 ) وإذا البحار فجرت
( وإذا البحار فجرت ) أي فجر بعضها في بعض فصارت بحرا واحدا واختلط العذب منها بالمالح وقال الحسن معنى فجرت ذهب ماؤها ويبست وهذه الأشياء بين يدي الساعة كما تقدم في السورة التي قبل هذه
الإنفطار : ( 4 ) وإذا القبور بعثرت
( وإذا القبور بعثرت ) أي قلب ترابها وأخرج الموتى الذين هم فيها يقال بعثر يبعثر بعثرة إذا قلب التراب ويقال بعثر المتاع قلبه ظهرا لبطن وبعثرت الحوض وبحثرته إذا هدمته وجعلت اعلاه أسفله قال الفراء بعثرت أخرج ما في بطنها من الذهب والفضة وذلك من اشراط الساعة ان تخرج الأرض ذهبها وفضتها
الإنفطار : ( 5 ) علمت نفس ما . . . . .
ثم ذكر سبحانه الجواب عما تقدم فقال ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) والمعنى أنها علمته عند نشر الصحف لا عند البعث لأنه وقت واحد من عند البعث إلى عند مصير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار والكلام في إفراد نفس هنا كما تقدم في السورة الأولى في قوله علمت نفس ما أحضرت ومعنى ( ما قدمت وأخرت ) ما قدمت من عمل خير أو شر وما أخرت من سنة حسنة أو سيئة لأن لها أجرا ما سنته من السنن الحسنة وأجرمت عمل بها وعليها وزر ما سنته من السنن السيئة ووزر من عمل بها وقال قتادة ما قدمت من معصية واخرت من طاعة وقيل ما قدم من فرض وأخر من فرض وقيل أول عمله وآخره وقيل إن النفس تعلم عند البعث بما قدمت وأخرت علما إجماليا لأن المطيع يرى أثار السعادة والعاصي يرى آثار الشقاوة وأما العلم التفصيلي فإنما يحصل عند نشر الصحف
الإنفطار : ( 6 ) يا أيها الإنسان . . . . .
( يا ايها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) هذا خطاب الكفار أي ما الذي غرك وخدعك حتى كفرت بربك الكريم الذي تفضل عليك في الدنيا بإكمال خلقك وحواسك وجعلك عاقلا فاهما ورزقك وأنعم عليك بنعمه التي لا تقدر على جحد شيء منها قال قتادة غره شيطانه المسلط عليه وقال الحسن غره شيطانه الخبيث وقيل حمقه وجهله وقيل غره عفو الله إذا لم يعاجله بالعقوبة أول مرة كذا قال مقاتل
الإنفطار : ( 7 ) الذي خلقك فسواك . . . . .
( الذي خلقك فسواك فعدلك ) أي خلقك من نطفة ولم تك شيئا فسواك رجلا تسمع وتبصر وتعقل فعدلك جعلك معتدلا قال عطاء جعلك قائما معتدلا حسن الصورة وقال مقاتل عدل خلقك في العينين والأذنين واليدين والرجلين والمعنى عدل بين ما خلق لك من الأعضاء قرأ الجمهور فعدلك مشددا وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف واختار أبو حاتم وأبو عبيد القراءة الأولى قال الفراء وأبو عبيد يدل عليها قوله لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ومعنى القراءة الأولى أنه سبحانه جعل أعضاءه متعادلة لا تفاوت فيها ومعنى القراءة الثانية أنه صرفه وأماله إلى أي صورة شاء إما حسنا وإما قبيحا وإما طويلا وإما قصيرا
الإنفطار : ( 8 ) في أي صورة . . . . .
( في أي صورة ما شاء ركبك ) في أي صورة متعلق بركبك وما فريدة وشاء صفة لصورة أي ركبك في أي صورة شاءها من الصور المختلفة وتكون هذه الجملة كالبيان لقوله ( فعدلك ) والتقدير فعدلك ركبك في أي صورة شاءها ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال أي ركبك حاصلا في أي صورة ونقل أبو حيان عن بعض المفسرين أنه متعلق بعدلك واعترض عليه بأن اي لها صدر الكلام فلا يعمل فيها ما قبلها وقال مقاتل والكلبي ومجاهد في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم وقال مكحول إن شاء ذكر وإن شاء أنثى
الإنفطار : ( 9 ) كلا بل تكذبون . . . . .
وقوله ( كلا ) للردع والزجر عن الاغترار بكرم الله سبحانه وجعله ذريعة إلى الكفر به والمعاصي له ويجوز أن يكون بمعنى حقا وقوله ( بل تكذبون بالدين ) إضراب عن جملة مقدرة ينساق إليها الكلام كأنه قيل بعد الردع وأنتم لا ترتدعون عن ذلك بل


"""""" صفحة رقم 396 """"""
تجاوزونه إلى ما هو أعظم منه من التكذيب بالدين وهو الجزاء أو بدين الإسلام قال أبن الآنباري الوقف الجيد على الدين وعلى ركبك و على كلا قبيح والمعنى بل تكذبون يا اهل مكة بالدين أي بالحساب وبل لنفي شيء تقدم وتحقيق غيره وإنكار البعث قد كان معلوما عندهم وإن لم يجر له ذكر قال الفراء كلا ليس الأمر كما غررت به قرأ الجمهور تكذبون بالفوقية على الخطاب وقرأ الحسن وأبو جعفر وشيبة بالتحتية على الغيبة
الإنفطار : ( 10 ) وإن عليكم لحافظين
وجملة ( وإن عليكم لحافظين ) في محل نصب على الحال من فاعل تكذبون أي تكذبون والحال أن عليكم من يدفع تكذيبكم ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة لبيان ما يبطل تكذيبهم والحافظين الرقباء من الملائكة الذين يحفظون على العباد اعمالهم ويكتبونها في الصحف
الإنفطار : ( 11 ) كراما كاتبين
ووصفهم سبحانه بأنهم كرام لديه يكتبون ما يأمرهم به من أعمال العباد
الإنفطار : ( 12 ) يعلمون ما تفعلون
وجملة ( يعلمون ما تفعلون ) في محل نصب على الحال من ضمير كاتبين أو على النعت أو مستأنفة قال الرازي والمعنى التعجيب من حالهم كأنه قال إنكم تكذبون بيوم الدين وملائكة الله موكلون بكم يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة ونظيره قوله تعالى عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
الإنفطار : ( 13 - 14 ) إن الأبرار لفي . . . . .
ثم بين سبحانه حال الفريقين فقال ( إن الإبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ) والجملة مستانفة لتقرير هذا المعنى الذي سيقت له وهي كقوله سبحانه فريق في الجنة وفريق في السعير
الإنفطار : ( 15 ) يصلونها يوم الدين
وقوله يصلونها يوم الدين صفة لجحيم ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من الضمير في متعلق الجار والمجرور أو مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ما حالهم فقيل ( يصلونها يوم الدين ) أي يوم الجزاء الذي كانوا يكذبون به ومعنى يصلونها أنهم يلزمونها مقاسين لوهجها وحرها يومئذ قرأ الجمهور يصلونها مخففا مبنيا للفاعل وقرئ بالتشديد مبنيا للمفعول
الإنفطار : ( 16 ) وما هم عنها . . . . .
( وما هم عنها بغائبين ) أي لا يفارقونها أبدا ولا يغيبون عنها بل هم فيها وقيل المعنى وما كانوا غائبين عنها قبل ذلك بالكلية بل كانوا يجدون حرها في قبورهم
الإنفطار : ( 17 - 18 ) وما أدراك ما . . . . .
ثم عظم سبحانه ذلك اليوم فقال 0 وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين ) أي يوم الجزاء والحساب وكرره تعظيما لقدره وتفخيما لشأنه وتهويلا لأمره كما في قوله القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة و الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة والمعنى أي شيء جعلك داريا ما يوم الدين قال الكلبي الخطاب لإنسان الكافر
الإنفطار : ( 19 ) يوم لا تملك . . . . .
ثم أخبر سبحانه عن اليوم فقال ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ) قرأ أبن كثير وابو عمرو برفع يوم على انه بدل من يوم الدين أو خبر مبتدأ محذوف وقرأ أبو عمرو في رواية يوم بالتنوين والقطع عن الإضافة وقرأ الباقون بفتحة على أنها فتحة إعراب بتقدير أعني أو اذكر فيكون مفعولا به أو على انها فتحة بناء لإضافة إلى الجملة على رأي الكوفيين وهو في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو على أنه بدل من يوم الدين قال الزجاج يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه مبني على الفتح لإضافته إلى قوله ) لا تملك ) وما أضيف إلى غير المتمكن فقد يبني على الفتح وإن كان في موضع رفع وهذا الذي ذكره إنما يجوز عند الخليل وسيبويه إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي وأما إلى الفعل المستقبل فلا يجوز عندهما وقد وافق الزجاج على ذلك أبو علي الفارسي والفراء وغيرهما والمعنى أنها لا تملك نفس من النفوس لنفس أخرى شيئا من النفع أو الضر ( والأمر يومئذ لله ) وحده لا يملك شيئا من الأمر غيره كائنا ما كان قال مقاتل يعني لنفس كافرة شيئا من المنفعة قال قتادة ليس ثم أحد يقضي شيئا أو يصنع شيئا إلا الله رب العالمين والمعنى أن الله لا يملك أحدا في ذلك اليوم شيئا من الأمور كما ملكهم في الدنيا ومثل هذا قوله لمن الملك اليوم لله الواحد القهار


"""""" صفحة رقم 397 """"""
وقد أخرج أبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله ( وإذا البحار فجرت ) قال بعضها في بعض وفي قوله 0 وإذا القبور بعثرت ) قال بحثت وأخرج أبن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ( علمت نفس ما قدمت واخرت ) قال ما قدمت من خير وما أخرت من سنة صالحة يعمل بها من غير ان ينقص من اجورهم شيئا أو سنة سيئة تعمل بعده فإن عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيئا وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس نحوه وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من استن خيرا فاستن به فله اجره ومثل أجور من اتبعه من غير منتقص من أجورهم ومن استن شرا فاستن به فعليه وزره ومثل أوزار من اتبعه من غير منتقص من أوزارهم وتلا حذيفة ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) واخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وأبن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية ( ما غرك بربك الكريم ) قال غرة والله جهله وأخرج أبن جرير عن ابن عباس قال جعل الله على ابن آجم حافظين في الليل وحافظين في النهار يحفظان عمله ويكتبان أثره
ع83
تفسير
سورة المطففين
هي ست وثلاثون آية قال القرطبي
حول السورة
وهي مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل ومدنية في قول الحسن وعكرمة وقال مقاتل أيضا هي أول سورة نزلت بالمدينة وقال ابن عباس وقتادة هي مدنية إلا ثمان آيات من قوله ( إن الذين أجرموا ) إلى آخرها وقال الكلبي وجابر بن زيد نزلت بين مكة والمدينة وأخرج النحاس وأبن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة المطففين بمكة واخرج أبن مردويه عن أبن الزبير مثله وأخرج أبن الضريس عن ابن عباس قال آخر ما نزل بمكة سورة المطففين وأخرج أبن مردويه والبيهقي في الشعب قال السيوطي بسند صحيح عن أبن عباس قال لما قدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله ( ويل للمطففين 9 فأحسنوا الكيل بعد ذلك
سورة المطففين ( 1 17 )


"""""" صفحة رقم 398 """"""
المطففين : ( 1 ) ويل للمطففين
قوله ( ويل للمطففين ) ويل مبتدأ وسوغ الابتداء به كونه دعاء ولو نصب لجاز قال مكي والمختار في ويل وشبهه إذا كان غير مضاف الرفع ويجوز النصب فإن كان مضافا أو معروف كان لاختيار فيه النصب نحو قوله ويلكم لا تفتروا وللمطففين خبره والمطفف المنقص وحقيقته الأخذ في الكيل أو الوزن شيئا طفيفا أي نزرا حقيرا قال أهل اللغة المطفف مأخوذ من الطفف وهو القليل فالمطفف هو المقلل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن قال الزجاج إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف قال أبو عبيدة والمبرد المطفف الذي يبخس في الكيل والوزن والمراد بالويل هنا شدة العذاب أو نفس العذاب أو الشر الشديد أو هو واد في جهنم قال الكلبي قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة وهم يسيئوون كيلهم ووزنهم لغيرهم ويستوفون لأنفسهم فنزلت هذه الآية وقال السدى قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة وكان بها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فأنزل الله هذه الآية قال الفراء هم بعد نزول هذه الآية أحسن الناس كيلا إلى يومهم هذا
المطففين : ( 2 ) الذين إذا اكتالوا . . . . .
ثم بين سبحانه المطففين من هم فقال ( الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ) إي يستوفون الاكتيال والأخذ بالكيل قال الفراء يريد اكتالوا من الناس وعلى ومن في هذا الموضع يعتقبان يقال اكتلت منك أي استوفيت منك وتقول اكتلت عليك أي أخذت ما عليك قال الزجاج إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل ولم يذكر انزنوا لأن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع فأحدهما يدل على الآخر قال الواحدى قال المفسرون يعني الذين إذا اشتروا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن وإذا باعوا ووزنوا لغيرهم نقصوا
المطففين : ( 3 ) وإذا كالوهم أو . . . . .
وهو معنى قوله ( وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) أي كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذفت اللام فتعدى الفعل إلى المفعول فهو من باب الحذف والإيصال ومثله نصحتك ونصحت لك كذا قال الأخفش والكسائي والفراء قال الفراء وسمعت أعرابية تقول إذا صدر الناس أتينا التاجر فيكيلنا المد والمدين إلى الموسم المقبل قال وهو من كلام أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس قال الزجاج لا يجوز الوقف على كالوا حتى يوصل بالضمير ومن الناس من يجعله توكيدا أي توكيدا للضمير المستكن في الفعل فيجيز الوقف على كالوا أو وزنوا قال أبو عبيد وكان عيسى بن عمر يجعلهما حرفين ويقف على كالوا أو وزنوا ثم يقول هم يخسرون قال وأحسب قراءة حمزة كذلك قال أبو عبيد والاختيار أن يكونا كلمة واحدة من جهتين إحداهما الخط ولذلك كتبوهما بغير ألف ولو كانتا مقطوعتين لكانتا كالوا أو وزنوا بالألف والأخرى أنه يقال كلتك ووزنتك بمعنى كلت لك ووزنت لك وهو كلام عربي كما يقال صدتك وصدت لك وكسبتك وكسبت لك وشكرتك وشكرت لك ونحو ذلك وقيل هو على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والمضاف المكيل والموزون أي وإذا كالوا مكيلهم أو وزنوا موزونهم ومعنى يخسرون ينقصون كقوله ولا تخسروا الميزان والعرب تقول خسرت الميزان وأخسرته
المطففين : ( 4 ) ألا يظن أولئك . . . . .
ثم خوفهم سبحانه فقال ( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ) والجملة مستأنفة مسوقة لتهويل ما فعلوه من التطفيف وتفظيعة وللتعجيب من حالهم في الاجتراء عليه والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى المطففين والمعنى أنهم لا يخطرون ببالهم أنهم مبعثون فمسئولون


"""""" صفحة رقم 399 """"""
عما يفعلون قيل والظن هنا بمعنى اليقين أي لا يوقن أولئك ولو أيقنوا ما نقصوا الكيل والوزن وقيل الظن على بابه والمعنى إن كانوا لا يستيقنون البعث فهلا ظنوه حتى يتدبروا فيه ويبحثوا عنه ويتركوا ما يخشون من عاقبته
المطففين : ( 5 ) ليوم عظيم
واليوم العظيم هو يوم القيامة ووصفه بالعظم لكونه زمانا لتلك الأمور العظام من البعث والحساب والعقاب ودخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار
المطففين : ( 6 ) يوم يقوم الناس . . . . .
ثم أخبر عن ذلك اليوم فقال ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) انتصاب الظرف بمبعوثون المذكور قبله أو بفعل مقدر يدل عليه مبعوثون أي يبعثون يوم يقوم الناس أو على البدل من محل ليوم أو بأضمار أعنى أو هو في رفع محل على أنه خبر لمبتدأ محذوف أو في محل جر على البدل من لفظ ليوم وإنما بنى على الفتح في هذين الوجهين لإضافتة إلى الفعل قال الزجاج يوم منصوب بقوله مبعوثون المعنى ألا يظنون أنهم يبعثون يوم القيامة ومعنى يوم يقوم الناس يوم يقومون من قبورهم لأمر رب العالمين أو لجزائه أو لحسابه أو لحكمه وقضائه وفي وصف اليوم بالعظم مع قيام الناس لله خاضعين فيه ووصفه سبحانه بكونه رب العالمين دلالة على عظم ذنب التطفيف ومزيد إثمه وفظاعة عقابه وقيل المراد بقوله ( يوم يقوم الناس ) قيامهم في رشحهم إلى أنصاف آذانهم وقيل المراد قيامهم بما عليهم من حقوق العباد وقيل المراد قيام الرسل بين يدي الله للقضاء والأول أولى
المطففين : ( 7 ) كلا إن كتاب . . . . .
قوله ( كلا ) هي للردع والزجر للمطففين الغافلين عن البعث وما بعده ثم استأنف فقال ( إن كتاب الفجار لفي سجين ) وعند أبي حاتم أن كلا بمعنى حقا متصلة بما بعدها على معنى حقا إن كتاب الفجار لفي سجين
المطففين : ( 8 ) وما أدراك ما . . . . .
وسجين هو ما فسره به سبحانه من قوله ( وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ) فأخبر بهذا أنه كتاب مرقوم أي مسطور قيل هو كتاب جامع لأعمال الشر الصادر من الشياطين والكفرة والفسقة ولفظ سجين علم له وقال قتادة وسعيد بن جبير ومقاتل وكعب إنه صخرة تحت الأرض السابعة تقلب فيجعل كتاب الفجار تحتها وبه قال مجاهد فيكون في الكلام على هذا القول مضاف محذوف والتقدير محل
المطففين : ( 9 ) كتاب مرقوم
(كتاب مرقوم وقال أبو عبيدة والأخفش والمبرد والزجاج ( لفي سجين ) لفي حبس وضيق شديد والمعنى كأنهم في حبس جعل ذلك دليلا على خساسة منزلتهم وهوانها قال الواحدى ذكر قوم أن قوله ( كتاب مرقوم ) تفسير لسجين وهو بعيد لأنه ليس السجين من الكتاب في شيء على ما حكيناه عن المفسرين والوجه أن يجعل بيانا لكتاب المذكور في قوله ( إن كتاب الفجار ) على تقدير هو كتاب مرقوم أي مكتوب قد بينت حروفه انتهى والأولى ما ذكرناه ويكون المعنى إن كتاب الفجار الذين من جملتهم المطففون أي ما يكتب من أعمالهم أو كتابة أعمالهم لفي ذلك الكتاب المدون للقبائح المختص بالشر وهو سجين ثم ذكر ما يدل على تهويله وتعظيمه فقال ( وما أدراك ما سجين ) ثم بينه بقوله ( كتاب مرقوم ) قال الزجاج معنى قوله ( وما أدراك ما سجين ) ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك قال قتادة ومعنى مرقوم رقم لهم بشر كأنه أعلم بعلامة يعرف بها أنه كافر وكذا قال مقاتل وقد اختلفوا في نون سجين فقيل هي أصلية واشتقاقه من السجن وهو الحبس وهو بناء مبالغة كخمير وسكير وفسيق من الخمر والسكر والفسق وكذا قال أبو عبيدة والمبرد والزجاج قال الواحدى وهذا ضعيف لأن الغرب ما كانت تعرف سجينا ويجاب عنه بأن روايه هؤلاء الأئمة تقوم بها الحجة وتدل على أنه من لغة العرب ومنه قول ابن مقبل ورفقة يضربون البيض ضاحية
ضربا تواصت به الأبطال سجينا
وقيل النون بدل من اللام والأصل سجيل مشتقا من السجل وهو الكتاب قال ابن عطية من قال إن سجينا موضع فكتاب مرفوع على أنه خبر إن والظرف وهو قوله ( لفي سجين ) ملغى ومن جعله عبارة عن الكتاب


"""""" صفحة رقم 400 """"""
فكتاب خبر مبتدأ محذوف التقدير هو كتاب ويكون هذا الكلام مفسرا لسجين ما هو كذا قال قال الضحاك مرقوم مختوم بلغة حمير وأصل الرقم الكتابة قال الشاعر سأرقم بالماء القراح إليكم
على بعدكم إن كان للماء راقم
المطففين : ( 10 ) ويل يومئذ للمكذبين
( ويل يومئذ للمكذبين ) هذا متصل بقوله ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) وما بينهما اعتراض والمعنى ويل يوم القيامة لمن وقع منه التكذيب بالبعث وبما جاءت به الرسل
المطففين : ( 11 ) الذين يكذبون بيوم . . . . .
ثم بين سبحانه هؤلاء المكذبين فقال ( الذين يكذبون بيوم الدين ) والموصول صفة للمكذبين أو بدل منه
المطففين : ( 12 ) وما يكذب به . . . . .
( وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ) أي فاجر جائر متجاوز في الإثم منهمك في أسبابه
المطففين : ( 13 ) إذا تتلى عليه . . . . .
( إذا تتلى عليه آياتنا ) المنزلة على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ( قال أساطير الأولين ) أي أحاديثهم وأباطيلهم التي زخرفوها قرأ الجمهور إذا تتلى بفوقيتين وقرأ أبو حيوة وأبو السماك والأشهب العقيل والسلمي بالتحتية
المطففين : ( 14 ) كلا بل ران . . . . .
وقوله ( كلا ) للردع والزجر للمعتدى الأثيم عن ذلك القول الباطع وتكذيب له وقوله ( بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) بيان للسبب الذي حملهم على قولهم بأن القرآن أساطير الأولين قال أبو عبيدة ران على قلوبهم غلب عليها رينا وريونا وكل ما غلبك وعلاك فقد ران بك وران عليك قال الفراء هو أنها كثرت منهم المعاصي والذنوب فأحاطت بقلوبهم فذلك الرين عليها قال الحسن هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب قال مجاهد القلب مثل الكف ورفع كفه فإذا أذنب انقبض وضم أصبعه فإذا أذنب ذنبا آخر انقبض وضم أخرى حتى ضم أصابعه كلها حتى يطبع على قلبه قال وكانوا يرون أن ذلك هو الرين ثم قرأ هذه الآية قال أبو زيد يقال قدرين بالرجل رينا إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ولا قبل له به وقال أبو معاذ النحوي الرين أن يسود القلب من الذنوب والطبع أن يطبع على القلب وهو أشد من الرين والإقفال أشد من الطبع قال الزجاج الرين هو كالصدا يغشى القلب كالغيم الرقيق ومثله الغين
المطففين : ( 15 ) كلا إنهم عن . . . . .
ثم كرر سبحانه الردع والزجر فقال ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) وقيل كلا بمعنى حقا أي حقا إنهم يعنى الكفار عن ربهم يوم القيامة لا يرونه أبدا قال مقاتل يعنى أنهم بعد العرض والحساب لا ينظرون إليه نظر المؤمنين إلى ربهم قال الحسين بن الفضل كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته قال الزجاج في هذه الآية دليل على أن الله عز وجل يرى في القيامة ولو لا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة وقال جل ثناؤه وجوه يومئذ ناضره إلى ربها ناظره فأعلم جل ثناؤه أن المؤمنين ينظرون وأعلم أن الكفار محجوبون عنه وقيل هو تمثيل لإهانتهم بإهانة من يحجب عن الدخول على الملوك وقال قتادة وابن أبي ملكية هو أن لا ينظر إليهم برحمته ولا يزكيهم وقال مجاهد محجوبون عن كرامته وكذا قال ابن كيسان
المطففين : ( 16 ) ثم إنهم لصالوا . . . . .
( ثم إنهم لصالوا الجحيم ) أي داخلوا النار وملازموها غير خارجين منها وثم لنراخي الرتبة لأن صلى الجحيم اشد من الإهانة وحرمان الكرامة
المطففين : ( 17 ) ثم يقال هذا . . . . .
( ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ) أي تقول لهم خزنة جهنم تبكيتا وتوبيخا هذا الذي كنتم به تكذبون في الدنيا فانظروه وذوقوه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه وأخرج الطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عمر قال


"""""" صفحة رقم 401 """"""
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في هذه الآية ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) قال فكيف إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم وأخرج أبو يعلى وابن حبان وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) بمقدار نصف يوم من خمسين ألف سنة فيهون ذلك على المؤمن كتدلى الشمس إلى الغروب إلى أن تغرب وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال إذا حشر الناس قاموا أربعين عاما وأخرجه ابن مردويه من حديثه مرفوعا وأخرج الطبراني عن ابن عمر أنه قال يا رسول الله كم مقام الناس بين يدي رب العالمين يوم القيامة قال ألف سنة لا يؤذن لهم وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر من طريق شمر بن عطية أن ابن عباس سأل كعب الأحبار عن قوله ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ) قال إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء فتأبى السماء أن تقبلها فيهبط بها إلى الأرض فتأبى أن تقبلها فيدخل بها تحت سبع أرضين حتى ينتهي بها إلى سجين وهو خد إبليس فيخرج لها من تحت خد إبليس كتابا فيختم ويوضع تحت خد إبليس أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ( سجين ) أسفل الأرضين وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الفلق جب في جهنم مغطى وأما سجين فمفتوح قال ابن كثير هو حديث غريب منكر لا يصح وأخرج ابن مردويه عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( سجين ) الأرض السابعة السفلى وأخرج ابن مردويه عن جابر نحوه مرفوعا وأخرج عبد بن حميد وابن ماجه والطبراني والبيهقي في البعث عن عبد الله بن كعب بن مالك قال لما حضرت كعبا الوفاة أتته أم بشر بنت البراء فقالت إن لقيت ابني فأقرئيه منى السلام فقال غفر الله لك يا أم بشر نحن أشغل من ذلك فقالت أما سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن نسمة المؤمن تسرح في الجنة حين شاءت وإن نسمة الكافر في سجين قال بلى قالت فهو ذلك وأخرج ابن المبارك نحوه عن سلمان وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذى وصححه والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن العبد إذا أذنب ذنبا نكتت في قلبه نكتة سوداء فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن عاد زادت حتى تغلف قلبه فذلك الران الذي ذكره الله سبحانه في القرآن ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) سورة المطففين من ( 18 36 )


"""""" صفحة رقم 402 """"""
المطففين : ( 18 ) كلا إن كتاب . . . . .
قوله ( كلا ) للردع والزجر عما كانوا عليه والتكرير للتأكيد وجملة ( إن كتاب الأبرار لفي عليين ) مستأنفة لبيان ما تضمنته ويجوز أن يكون كلا بمعنى حقا والأبرار هم المطيعون وكتابهم صحائف حسناتهم قال الفراء عليين ارتفاع بعد ارتفاع لا غاية له ووجه هذا أنه منقول من جمع على من العلو قال الزجاج هو إعلاء الأمكنة قال الفراء والزجاج فأعرب كإعراب الجمع لأنه على لفظ الجمع ولا واحد له من لفظه نحو ثلاثين وعشرين وقنسرين قيل هو علم لديوان الخير الذي دون فيه ما عمله الصالحون وحكى الواحدى عن المفسرين أنه السماء السابعة قال الضحاك ومجاهد وقتادة يعني السماء السابعه فيها أرواح المؤمنين وقال الضحاك هو سدرة المنتهى ينتهي إليه كل شيء من أمر الله لا يعدوها وقيل هو الجنة وقال قتادة أيضا هو فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى وقيل إن عليين صفة للملائكة فإنهم في الملأ الأعلى كما يقال فلان في بني فلان أي في جملتهم
المطففين : ( 19 ) وما أدراك ما . . . . .
( وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم ) أي وما أعلمك يا محمد أي شيء عليون على جهة التفخيم والتعظيم لعليين
المطففين : ( 20 ) كتاب مرقوم
ثم فسره فقال ( كتاب مرقوم ) أي مسطور والكلام في هذا كالكلام المتقدم في قوله ( وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم
المطففين : ( 21 ) يشهده المقربون
وجملة ( يشهده المقربون ) صفة أخرى لكتاب والمعنى أن الملائكة يحضرون ذلك الكتاب المرقوم وقيل يشهدون بما فيه يوم القيامة قال وهب وابن إسحاق المقربون هنا إسرافيل فإذا عمل المؤمن عمل البر صعدت الملائكة بالصحيفة ولها نور يتلألأ في السموات كنور الشمس في الأرض حتى تنتهى بها إلى إسرافيل فيختم عليها
المطففين : ( 22 ) إن الأبرار لفي . . . . .
ثم ذكر سبحانه حالهم في الجنة بعد ذكر كتابهم فقال ( إن الأبرار لفي نعيم ) أي إن أهل الطاعة لفي تنعم عظيم لا يقادر قدره
المطففين : ( 23 ) على الأرائك ينظرون
( على الأرائك ينظرون ) الأرائك الأسرة التى في الحجال وقد تقدم أنها لا تطلق الأريكة على السرير إلا إذا كان في حجلة قال الحسن ما كنا ندري ما الأرائك حتى قدم علينا رجل من اليمن فزعم أن الأريكة عندهم الحجلة إذا كان فيها سرير ومعنى ( ينظرون ) أنهم ينظرون إلى ما أعد الله لهم من الكرامات كذا قال عكرمة ومجاهد وغيرهما وقال مقاتل ينظرون إلى أهل النار وقيل ينظرون إلى وجهه وجلاله
المطففين : ( 24 ) تعرف في وجوههم . . . . .
( تعرف في وجوههم نضرة النعيم ) أي إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعمة لما تراه في وجوههم من النور والحسن والبياض والبهجة والرونق والخطاب لكل راء يصلح لذلك يقال أنضر النبات إذا أزهر ونور قال عطاء وذلك أن الله زاد في جمالهم وفي ألوانهم مالا يصفه واصف قرأ الجمهور تعرف بفتح الفوقية وكسر الراء ونصب نضره وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ويعقوب وشيبة وطلحة وابن أبي إسحاق بضم الفوقية وفتح الراء على البناء للمفعول ورفع نضرة بالنيابة
المطففين : ( 25 ) يسقون من رحيق . . . . .
( يسقون من رحيق مختوم ) قال أبو عبيدة والأخفش والمبرد والزجاج الرحيق من الخمر مالا غش فيه ولا شيء يفسده والمختوم الذي له ختام وقال الخليل الرحيق أجود الخمر وفي الصحاح الرحيق صفرة الخمر وقال مجاهد هو الخمر العتيقة البيضاء الصافية ومنه قول حسان يسقون من ورد البريص عليهم
بردى يصفق بالرحيق السلسل
قال مجاهد ( مختوم ) مطين كأنه ذهب إلى معنى الختم بالطين ويكون المعنى أنه ممنوع من أن تمسه يد إلى أن يفك ختمه للأبرار وقال سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ختامه آخر طعمه
المطففين : ( 26 ) ختامه مسك وفي . . . . .
وهو معنى قوله ( ختامه مسك ) أي آخر طعمه ريح المسك إذا رفع الشارب فاه من آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك وقيل مختوم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطين وكأنه تمثيل لكمال نفاسته وطيب رائحته والحاصل أن المختوم والختام


"""""" صفحة رقم 403 """"""
إما أن يكون من ختام الشيء وهو آخره أو من ختم الشيء وهوجعل الخاتم 4 عليه كما تختم الأشياء بالطين ونحوه قرأ الجمهور ختامه وقرأ على علقمة وشقيق والضحاك وطاووس والكسائي خاتمه بفتح الخاء والتاء وألف بينهما قال علقمة أما رأيت المرأة تقول للعطار اجعل خاتمه مسكا آي آخره والخاتم والختام يتقاربان في المعنى إلا أن الخاتم الاسم والختام المصدر وكذا قال الفراء قال في الصحاح والختام الطيف الذي يختم به وكذا قال أبن زيد قال الفرزدق وتبين بجانبي مصرعات
وبت افض أغلاف الختام
( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) أي فليرغب الراغبون والإشارة بقوله ذلك إلى الرحيق الموصوف بتلك الصفة وقيل إن في بمعنى إلى اي وإلى ذلك فليتبادر المتبادرون في العمل كما في قوله لمثل هذا فليعمل العاملون وأصل التنافس التشاجر على الشيء والتنازع فيه بأن يحب كل واحد أن يتفرد به دون صاحبه يقال نفست الشيء عليه أنفسه نفاسة أي ظننت به ولم أحب أن يصير إليه قال البغوي أصله من الشيء النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس فيريده كل واحد لنفسه وينفس به على غيره أي يظن به قال عطاء المعنى فليستبق المستبقون قال مقاتل بن سليمان المتنازعون المتنازع
المطففين : ( 27 ) ومزاجه من تسنيم
وقوله ( ومزاجه من تسنيم ) معطوف على ( ختامه مسك ) صفة اخرى لرحيق أي ومزاج ذلك الرحيق من تسنيم وهو شراب ينصب عليهم من علو وهو أشرف شراب الجنة واصل التسنيم في اللغة الأرتفاع فهي عين ماء تجري من علو إلى اسفل ومنه سنام البعير لعلوه من بدنه ومنه تسنيم القبور
المطففين : ( 28 ) عينا يشرب بها . . . . .
ثم بين ذلك فقال ( عينا يشرب بها المقربون ) وانتصاب عينا على المدح وقال الزجاج على الحال وإنما جاز أن تكون عينا حالا مع كونها جامدة غير مشتقة لاتصافها بقوله 0 يشرب بها ) وقال الأخفش إنها منصوبة ببسقون أي يسقون عينا أو من عين وقال الفراء إنها منصوبة بتسنيم على أنه مصدر مشتق من السنام كما قي قوله أوإطعام في يوم ذي مسغبة يتيما والأول أولى وبه قال المبرد قيل والباء في بها زائدة أي يشربها أو بمعنى من أي يشرب منها قال ابن زيد بلغنا أنها عين تجري من تحت العرش قيل يشرب بها المقربون صرفا ويمزج بها كأس أصحاب اليمين ث
المطففين : ( 29 ) إن الذين أجرموا . . . . .
م ذكر سبحانه بعض قبائح المشركين فقال ( إن الذين أجرموا ) وهم كفار قريش ومن وافقهم على الكفر ( كانوا من الذين آمنوا يضحكون ) أي كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين ويسخرون منهم
المطففين : ( 30 ) وإذا مروا بهم . . . . .
( وإذا مروا بهم ) أي وإذا مر المؤمنون بالكفار وهم في مجالسهم ( يتغامزون ) من الغمز وهو الإشارة بالجفون والحواجب أي يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم وحواجبهم وقيل يعيرونهم بالإسلام ويعيبونهم به
المطففين : ( 31 ) وإذا انقلبوا إلى . . . . .
( وإذا انقلبوا ) أي الكفار إلى أهلهم من مجالسهم ( انقلبوا فاكهين ) أي معجبين بما هم فيه متلذذين به يتفكهون بذكر المؤمنين والطعن فيهم والاستهزاء بهم والسخرية منهم والانقلاب الانصراف قرأ الجمهور فاكهين وقرأ حفص وأبن القعقاع والأعرج والسلمي فكهين بغير الألف قال الفراء هما لغتان مثل طمع وطامع وحذر وحاذر وقد تقدم بيانه في سورة الدخان أن الفكه الأشر البطر والفاكه النعم المتنعم
المطففين : ( 32 ) وإذا رأوهم قالوا . . . . .
( وإذا رأوهم ) أي إذا رأى الكفار المسلمين في أي مكان ( قالوا إن هؤلاء لضالون ) في اتباعهم محمدا وتمسكهم بما جاء به وتركهم التنعم الحاضر ويجوز أن يكون المعنى وإذا رأى المسلمون الكافرين قالوا هذا القول والأول أولى
المطففين : ( 33 ) وما أرسلوا عليهم . . . . .
وجملة ( وما أرسلوا عليهم حافظين ) في محل نصب على الحال من فاعل قالوا أي قالوا ذلك أنهم لم يرسلوا على المسلمين من جهة الله موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم وأعمالهم
المطففين : ( 34 ) فاليوم الذين آمنوا . . . . .
( فاليوم الذين آمنوا ) المراد باليوم اليوم الآخر ( من الكفار يضحكون ) والمعنى أن المؤمنين


"""""" صفحة رقم 404 """"""
في ذلك اليوم يضحكون من الكفار حين يرونهم أذلاء مغلوبين قد نزل بهم ما نزل من العذاب كما ضحك الكفار منهم في الدنيا
المطففين : ( 35 ) على الأرائك ينظرون
وجملة ( على الأرائك ينظرون ) في محل نصب على الحال من فاعل يضحكون أي يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الحال الفظيع وقد تقدم تفسير الأرائك قريبا قال الواحدي قال المفسرون إن أهل الجنة إذا أرادوا نظروا من منازلهم إلى أعداء الله وهم يعذبون في النار فضحكوا منهم كما ضحكوا منهم في الدنيا وقال أبو صالح يقال لأهل النار أخرجوا ويفتح لهم أبوابها فإذا راوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم فذلك قوله فا اليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون
المطففين : ( 36 ) هل ثوب الكفار . . . . .
( هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ) الجملة مستأنفة لبيان أنه قد وقع الجزاء للكفار بما كان يقع منهم في الدنيا من الضحك من المؤمنين والاستهزاء بهم والاستفهام للتقرير وثوب بمعنى أثيب والمعنى هل جوزى الكفار بما كانوا يفعلونه بالمؤمنين وقيل الجملة في محل نصب بينظرون وقيل هي على إضمار القول أي يقول بعض المؤمنين لبعض هل ثوب الكفار والثواب ما يرجح على العبد في مقابلة عمله ويطلق على الخير والشر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وأبن المنذر من طريق شمر بن عطية أن ابن عباس سأل كعب الأحبار عن قوله ( إن كتاب الأبرار لفي عليين ) قال روح المؤمن إذا قبضت عرج بها إلى السماء ففتح لها أبواب السماء وتلقاها الملائكة بالبشرى حتى تنتهي بها إلى العرش وتعرج الملائكة فيخرج لها من تحت العرش رق فيرقم ويختم ويوضع تحت العرش لمعرفة النجاة لحساب يوم الدين واخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس ( لفي عليين ) قال الجنة وفي قوله ( يشهده المقربون ) قال أهل السماء وأخرج أحمد وأبو داود والطبراني وأبن مردويه عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين واخرج أبن المنذر عن علي بن أبي طالب في قوله 0 نضرة النعيم ) قال عين في الجنة يتوضئون منها ويغتسلون فتجرى عليهم نضرة النعيم وأخرج عبد بن حميد وسعيد بن منصور وأبن أبي شيبة وهناد وأبن المنذر والبهيقي في البعث عن أبن مسعود في قوله ( يسقون من رحيق مختوم ) قال الرحيق الخمر والمختوم يجدون عاقبتها طعم المسك وأخرج أبن أبي شيبة وهناد وأبن المنذر عنه في قوله 0 مختوم ) قال ممزوج ( ختامة مسك ) قال طعمه وريحه واخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن أبن عباس في قوله 0 من رحيق ) قال خمر وقوله ( مختوم ) قال ختم بالمسك وأخرج الفريابي والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن أبن مسعود في قوله ( ختامه مسك قال ليس بخاتم يختم به ولكن خلطه مسك ألم تر إلى المرأة من نسائكم تقول خلطه من الطيب كذا وكذا وأخرج أبن جرير وابن المنذر والبيهقي عن أبي الدرداء ( ختامه مسك ) قال هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريحها وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد أبن حميد وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس قال ( تسنيم ) أشرف شراب أهل الجنة وهو صرف للمتقين ويمزج لأصحاب اليمين واخرج أبن المبارك وسعيد بن منصور وأبن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن مسعود ( مزاجه من تسنيم ) قال عين في الجنة تمزج لأصحاب اليمين ويشربها المقربون صرفا واخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عن ابن عباس أنه سئل عن قوله ( ومزاجه من تسنيم ) قال هذا مما قال الله فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين


"""""" صفحة رقم 405 """"""
ع84
تفسير
سورة الانشقاق
هي ثلاث وعشرون آية وقيل خمس وعشرون آية
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وأخرج أبن الضريس والنحاس وأبن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة الانشقاق بمكة وأخرج أبن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي رافع قال صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ ( إذا السماء انشقت 9 فسجد فقلت له فقال سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وإله وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه واخرج مسلم وأهل السنن وغيرهم عن أبي هريرة قال سجدنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ( إذا السماء انشقت ) واقرأ باسم ربك الأعلى ) وأخرج أبن خزيمة والروياني في مسنده والضياء المقدسي في المختارة عن بريدة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ في الظهر ( إذا السماء انشقت ونحوها
سورة الانشقاق ( 1 25
الإنشقاق : ( 1 ) إذا السماء انشقت
قوله ( إذا السماء انشقت هو كقوله إذا الشمس كورت في إضمار الفعل وعدمه قال الواحدي قال المفسرون انشقاقها من علامات القيامة ومعنى انشقاقها انفطارها بالغمام الأبيض كما في قوله ويوم تشقق السماء بالغمام وقيل تنشق من المجرة والمجرة باب السماء واختلف في جواب إذا فقال الفراء إنه أذنت والواو زائدة وكذلك ألقت قال أبن الأنباري هذا


"""""" صفحة رقم 406 """"""
غلط لأن العرب لا تقحم الواو إلا مع حتى إذا كقوله حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها ومع لما كقوله فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ولا تقحم مع غير هذين وقيل إن الجواب قوله فملاقيه أي فأنت ملاقيه وبه قال الأخفش وقال المبرد إن في الكلام تقديما وتأخيرا أي يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه إذا السماء انشقت وقال المبرد ايضا إن الجواب قوله 0 فأما من أوتى كتابه بيمينه ) وبه قال الكسائي والتقدير إذا السماء انشقت فمن اوتى كتابه بيمينه فحكمه كذا وقيل هو ( يا ايها الإنسان على إضمار الفاء وقيل إنه ( يا ايها الإنسان ) على إضمار القول أي يقال له يا أيها الإنسان وقيل الجواب محذوف تقديره بعثتم أو لا قي كل إنسان عمله وقيل هو ما صرح به في سورة التكوير أي علمت نفس هذا على تقدير أن إذا شرطية وقيل ليست بشرطية وهي منصوبة بفعل محذوف أي أذكر أو هي مبتدأ وخبرها إذا الثانية والواو مزيدة وتقديره وقت انشقاق السماء وقت مد الأرض
الإنشقاق : ( 2 ) وأذنت لربها وحقت
ومعنى ( وأذنت لربها ) أنها أطاعته في الانشقاق من الإذن وهو الاستماع للشيء والإصغاء إليه ( وحقت ) أي وحق لها أن تطيع وتنقاد وتسمع ومن استعمال الإذن في الاستماع قول الشاعر صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وقول الآخر إن يأذنوا ريبة طاروا بها فرحا
منى وما أذنوا من صالح دفنوا
وقيل المعنى وحقق الله عليها الاستماع لأمره بالانشقاق أي جعلها حقيقة بذلك قال الضحاك حقت أطاعت وحق لها أن تطيع ربها لأنه خلقها يقال فلان محقوق بكذا ومعنى طاعتها أنها لا تمنع مما أراده الله بها قال قتادة حق لها أن تفعل ذلك ومن هذا قول كثير فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا
وحقت لها العتبى لدينا وقلت
الإنشقاق : ( 3 ) وإذا الأرض مدت
( وإذا الأرض مدت ) أي بسطت كما تبسط الأدم ودكت جبالها حتى صارت قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا امتا قال مقاتل سويت كمد الأديم فلا يبقى عليها بناء ولا جبل إلا دخل فيها وقيل مدت زيد في سعتها من المدد وهو الزيادة
الإنشقاق : ( 4 ) وألقت ما فيها . . . . .
( وألقت ما فيها ) أي أخرجت ما فيها من الأموات والكنوز وطرحتهم إلى ظهرها ( وتخلت ) من ذلك قال سعيد بن جبير ألقت ما في بطنها من الموتى وتخلت ممن على ظهرها من الأحياء ومثل هذا قوله وأخرجت الأرض أثقالها
الإنشقاق : ( 5 ) وأذنت لربها وحقت
( وأذنت لربها ) أي سمعت وأطاعت لما أمرها به من الإلقاء والتخلي ( وحقت ) أي وجعلت حقيقة بالاستماع لذلك والانقياد له وقد تقدم بيان معنى الفعلين قبل هذا
الإنشقاق : ( 6 ) يا أيها الإنسان . . . . .
( يا أيها الإنسان ) المراد جنس الإنسان فيشمل المؤمن والكافر وقيل هو الإنسان الكافر والأول أولى لما سيأتي من التفصيل ( إنك كادح إلى ربك كدحا ) الكدح في كلام العرب السعي في الشيء بجهد من غير فرق بين أن يكون ذلك الشيء خيرا أو شرا والمعنى أنك ساع إلى ربك في عملك أو إلى لقاء ربك مأخوذ من كدح جلده إذا خدشه قال ابن مقبل وما الدهر إلا تارتان فمنهما
أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
قال قتادة والضحاك والكلبي عامل لربك عملا ( فملاقيه ) أي فملاق عملك والمعنى أنه لا محالة ملاق لجزاء عمله وما يترتب عليه من الثواب قال القتيبي معنى الآية إنك كادح أي عامل ناصب في معيشتك إلى لقاء ربك والملاقاة بمعنى اللقاء أي تلقى ربك بعملك وقيل فملاق كتاب عملك لأن العمل قد انقضى
الإنشقاق : ( 7 ) فأما من أوتي . . . . .
( فأما من أوتى كتابه بيمينه وهم المؤمنون
الإنشقاق : ( 8 ) فسوف يحاسب حسابا . . . . .
( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) لا مناقشة فيه قال مقاتل


"""""" صفحة رقم 407 """"""
لأنها تغفر ذنوبه ولا يحاسب بها وقال المفسرون هو أن تعرض عليه سيئاته ثم يغفرها الله فهو الحساب اليسير
الإنشقاق : ( 9 ) وينقلب إلى أهله . . . . .
( و ينقلب إلى اهله مسرورا ) أي ينصرف بعد الحساب اليسير إلى أهله الذين هم في الجنة من عشيرته أو إلى أهله الذين كانوا له في الدنيا من الزوجات والأولاد وقد سبقوه إلى الجنة أو إلى من أعده الله له في الجنة من الحور العين والوالدان المخلدين أو إلى جميع هؤلاء مسرورا مبتهجا بما أوتى من الخير والكرامة
الإنشقاق : ( 10 ) وأما من أوتي . . . . .
( وأما من أوتى كتابه وراء ظهره ) قال الكلبي لأن يمينه مغلولة إلى عنقه وتكون يده اليسرى خلفه وقال قتاده ومقاتل تفك الواح صدره وعظامه ثم تدخل يده وتخرج من ظهره فيأخذ كتابه كذلك
الإنشقاق : ( 11 ) فسوف يدعو ثبورا
( فسوف يدعوا ثبورا ) أي إذا قرأ كتابه قال يا ويلاه يا ثبوراه والثبور الهلاك
الإنشقاق : ( 12 ) ويصلى سعيرا
( ويصلى سعيرا ) أي يدخلها ويقاسى حر نارها وشدتها قرأ أبو عمرو وحمزة وعاصم بفتح الياء وسكون الصاد وتخفيف اللام وقرأ الباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديدها وروى إسماعيل المكي عن ابن كثير وكذلك خارجه عن نافع وكذلك روى إسماعيل المكي عن ابن كثير أنهم قرؤوا بضم الياء وإسكان الصاد من أصلى يصلى
الإنشقاق : ( 13 ) إنه كان في . . . . .
( إنه كان في أهله مسرورا ) أي كان بين أهله في الدنيا مسرورا باتباع هواه وركوب شهوته بطرا أشرا لعدم خطور الآخرة بباله والجملة تعليل لما قبلها
الإنشقاق : ( 14 ) إنه ظن أن . . . . .
وجملة ( إنه ظن أن لن يحور ) تعليل لكونه كان في الدنيا في أهله مسرورا والمعنى أن سبب ذلك السرور ظنه بأنه لا يرجع إلى الله ولا يبعث للحساب والعقاب لتكذيبه بالبعث وجحده للدار الآخرة وأن في قوله ( أن لن يحور ) هي المخففة من الثقيلة ساده مع ما في حيزها مسد مفعولي ظن والحور في اللغة الرجوع يقال حار يحور إذا رجع وقال الراغب الحور التردد في الأمر ومنه نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه ومحاورة الكلام مراجعته والمحار المرجع والمصير قال عكرمة وداود بن أبي هند يحور كلمة بالحبشية ومعناها يرجع قال القرطبي الحور في كلام العرب الرجوع ومنه قوله صلى الله عليه وإله وسلم اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور يعني من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة وكذلك الحور بالضم وفي المثل حور في محار أي نقصان في نقصان ومنه قول الشاعر والدم يسفى وراد القوم في حور
والحور أيضا الهلكة ومنه قول الراجز
في بئر لا حور سرا وما شعر
قال أبو عبيدة
أي في بئر حور ولا زائدة
الإنشقاق : ( 15 ) بلى إن ربه . . . . .
( بلى إن ربه كان به بصيرا ) بلى إيجاب للمنفي بلن أي بلى ليحورن وليبعثن ثم علل ذلك بقوله ( إن ربه كان به بصيرا ) أي كان به وبأعماله عالما لما يخفى عليه منها خافية قال الزجاج كان به بصيرا قبل أن يخلقه عالما بأن مرجعه إليه
الإنشقاق : ( 16 ) فلا أقسم بالشفق
( فلا أقسم بالشفق ) لا زائدة كما تقدم في أمثال هذه العبارة وقد قدمنا الاختلاف فيها في سورة القيامة فارجع إليه والشفق الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء الآخرة قال الواحدي هذا قول المفسرين وأهل اللغة جميعا قال الفراء سمعت بعض العرب يقول عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق وكان احمر وحكاه القرطبي عن أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء وقال أسد بن عمر وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه أنه البياض ولا وجه لهذا القول ولا متمسك له لا من لغة العرب ولا من الشرع قال الخليل الشفق الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة قال في الصحاح الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب العتمة وكتب اللغة والشرع مطبقة على هذا ومنه قول الشاعر
قم يا غلام أعنى غير مرتبك على الزمان بكأس حشوها شفق
وقال آخر
أحمر اللون كحمرة الشفق
وقال مجاهد الشفق النهار كله لا تراه قال ( والليل وما وسق وقال عكرمة هو ما بقي من النهار وإنما قالا هذا لقوله بعده ( والليل وما وسق ) فكأنه تعالى أقسم بالضياء


"""""" صفحة رقم 408 """"""
والظلام ولا وجه لهذا على أنه قد روى عن عكرمة أنه قال الشفق الذي يكون بين المغرب والعشاء وروى عن اسد بن عمر الرجوع
الإنشقاق : ( 17 ) والليل وما وسق
( والليل وما وسق ) الوسق عند أهل اللغة ضم الشيء بعضه إلى بعض يقال استوسقت الإبل إذا اجتمعت وانضمت والراعي يسقها أي يجمعها قال الواحدي المفسرون يقولون وما جمع وضم وحوى ولف والمعنى أنه جمع وضم ما كان منتشرا بالنهار في تصرفه وذلك أن الليل إذا أقبل آوى كل شيء إلى مأواه ومنه قول ضابي بن الحرث البرجمي فإني وإياكم وسوقا إليكم
كقابض شيئا لم تنله أنامله
4 وقال عكرمة ( وما وسق ) أي وما ساق من شيء إلى حيث يأوي فجعله من السوق لا من الجمع وقيل ( وما وسق ) أي وما جن وستر وقيل وما وسق أي وما حمل وكل شيء حملته فقد وسقته والعرب تقول لا احمله وما وسقت عيني الماء أي حملته ووسقت الناقة تسق وسقا أي حملت قال قتادة والضحاك ومقاتل بن وسليمان وما وسق وما حمل من الظلمة أو حمل من الكواكب قال القشيري ومعنى حمل ضم وجمع والليل يحمل بظلمته كل شيء وقال سعيد بن جبير وما وسق أي وما عمل فيه من التهجد والاستغفار بالأسحار والأول أولى
الإنشقاق : ( 18 ) والقمر إذا اتسق
( والقمر إذا اتسق ) أي اجتمع وتكامل قال الفراء اتساقه امتلاؤه واجتماعه واستواؤه ليلة ثالث عشر ورابع عشر إلى ست عشرة وقد افتعل من الوسق الذي هو الجمع قال الحسن اتسق امتلأ واجتمع وقال قتادة استدار يقال وسقته فاتسق كما يقال وصلته فاتصل ويقال أمر فلان متسق أي مجتمع منتظم ويقال اتسق الشيء إذا تتابع
الإنشقاق : ( 19 ) لتركبن طبقا عن . . . . .
( لتركبن طبقا عن طبق ) هذا جواب القسم قرا جمزة والكسائي وأبن كثير وأبو عمرو لتركبن بفتح الموحدة على أنه خطاب للواحد وهو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له وهي قراءة أبن مسعود وأبن عباس وابي العالية ومسروق وأبي وائل ومجاهد والنخعي والشعبي وسعيد بن جبير وقرا الباقون بضم الواحدة خطابا للجمع وهم الناس قال الشعبي ومجاهد لتركبن يا محمد سماء بعد سماء قال الكلبي يعني تصعد فيها وهذا على القراءة الأولى وقيل درجة بعد درجة ورتبه بعد رتبة في القرب من الله ورفعه المنزلة وقيل المعنى لتركبن حالا بعد حال كل حالة منها مطابقة لأختها في الشدة وقيل المعنى لتركبن أيها الإنسان حالا بعد حال من كونك نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم حيا وميتا وغنيا وفقيرا فالخطاب للإنسان المذكور في قوله يا ايها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا واختار أبو عبيد وابو حاتم القراءة الثانية قالا لأن المعنى بالناس أشبه منه بالنبي صلى الله عليه وغله وسلم وقرأ عمر ليركبن بالتحتية وضم الموحدة على الإخبار وروى عنه وعن أبن عباس أنهما قرأ بالغيبة وفتح الموحدة أي ليركبن الإنسان وروى عن ابن مسعود وأبن عباس أنهما قرأ بكسر حرف المضارعة وهي الغة وقرئ بفتح حرف المضارعة وكسر الموحدة على أنا خطاب للنفس وقيل إن معنى الآية ليركبن القمر أحوالا من سرار واستهلاك وهو بعيد قال مقاتل ( طبقا عن طبق ) يعني الموت والحياة وقال عكرمة رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ ومحل عن طبق النصب على أنه صفة لطيفا أي لطبقا مجاوزا لطبق أو على الحال من ضمير لتركبن أي مجاورين أو مجاوزا
الإنشقاق : ( 20 ) فما لهم لا . . . . .
( فما لهم لا يؤمنون ) الاستفهام للإنكار والفاء لترتيب ما بعدها من الإنكار والتعجيب على ما قبلها من أحوال يوم القيامة أو من غيرها على الاختلاف السابق والمعنى أي شيء للكفار لا يؤمنون بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبما جاء به من القرآن مع وجود موجبات الإيمان بذلك
الإنشقاق : ( 21 ) وإذا قرئ عليهم . . . . .
( وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ) هذه الجملة الشرطية وجوابها في محل نصب على الحال أي أي مانع لهم حال عدم سجودهم وخضوعهم عند قراءة القرآن قال الحسن وعطاء والكلبي ومقاتل ما لهم لا يصلون وقال أبو مسلم المراد الخضوع والإستكانه وقيل المراد نفس السجود


"""""" صفحة رقم 409 """"""
المعروف بسجود التلاوة وقد وقع الخلاف هل هذا الموضع من مواضع السجود عند التلاوة أم لا وقد تقدم في فاتحة هذه السورة الدليل على السجود
الإنشقاق : ( 22 ) بل الذين كفروا . . . . .
( بل الذين كفروا يكذبون ) أي يكذبون بمحمد صلى الله عليه وإله وسلم وبما جاء به من الكتاب المشتمل على إثبات التوحيد والبعث والثواب والعقاب
الإنشقاق : ( 23 ) والله أعلم بما . . . . .
( والله أعلم بما يوعون ) أي بما يضمرونه في أنفسهم من التكذيب وقال مقاتل يكتمون من أفعالهم وقال أبن زيد يجمعون من أعمال الصالحة والسيئة مآخوذا من الوعاء الذي يجمع ما فيه ومنه قول الشاعر الخير أبقى وإن طال الزمان به
والشر أخبث ما أوعيت من زاد
ويقال وعاه حفظه ووعيت الحديث أعيه وعيا ومنه أذن واعية
الإنشقاق : ( 24 ) فبشرهم بعذاب أليم
( فبشرهم بعذاب اليم ) أي اجعل ذلك بمنزلة البشارة لهم لأن علمه سبحانه بذلك على الوجه المذكور موجب لتعذيبهم والأليم المؤلم الموجع والكلام خارج مخرج التهكم بهم
الإنشقاق : ( 25 ) إلا الذين آمنوا . . . . .
( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ) هذا الاستثناء منقطع أي لكن الذين جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح لهم أجر عند الله غير ممنون أي غير مقطوع يقال مننت الحبل إذا قطعته ومنه قول الشاعر فترى خلفهن من سرعة
الرجع
منينا كأنه أهباء
قال المبرد المنين الغبار لأنه تقطعه وراءها وكل ضعيف منين وممنون وقيل معنى غير ممنون أنه لا يمن عليهم به ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا إن أريد من آمن منهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله ( إذا السماء انشقت ) قال تنشقق السماء من المجرة وأخرج أبن المنذر عن ابن عباس ( واذنت لربها وحقت ) قال سمعت حين كلمها وأخرج أبن أبي حاتم عنه ( وأذنت لربها وحقت ) قال أطاعت وحقت بالطاعة وأخرج الحاكم عنه وصححه قال سمعت وأطاعت ( وإذا الأرض مدت ) قال يوم القيامة ( وألقت ما فيها ) قال أخرجت ما فيها من الموتى ( وتخلت ) عنهم وأخرج أبن المنذر عنه أيضا ( والقت ما فيها ) قال سوارى الذهب واخرج الحاكم قال السيوطي بسند جيد عن جابر قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم ثم لا يكون لأبن آدم فيها آلا موضع قدميه ) واخرج أبن جرير عن ابن عباس ( إنك كادح إلى ربك كدحا ) قال عامل عملا ( فملاقيه ) قال فملاق عملك واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ليس أحد يحاسب إلا هلك فقلت أليس يقول الله فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال ليس ذلك بالحساب ولكن ذلك العرض ومن نوقش الحساب هلك واخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول في بعض صلاته اللهم حاسبني حسابا يسيرا فلما انصرف قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير قال أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه إنه من نوقش الحساب هلك وفي بعض ألفاظ الحديث الأول وهذا الحديث الآخر من نوقش الحساب عذب وأخرج البزار والطبراني في الأوسط والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ثلاث من كن فيه يحاسبه الله حسابا ويدخله الجنة برحمته تعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك يسيرا وأخرج أبن المنذر عن ابن عباس في قوله ( يدعوا ثبورا ) قال الويل وأخرج أبن جرير وابن المنذر وأبن أبي حاتم عنه ( إنه ظن أن لن يحور ) قال يبعث وأخرج


"""""" صفحة رقم 410 """"""
ابن أبي حاتم عنه ايضا ( ان لن يحورا ) قال أن لن يرجع وأخرج سمويه في فوائده عن عمر بن الخطاب قال ( الشفق ) الحمرة وأخرج أبن أبي حاتم عن ابن عباس مثله واخرج عبد الرزاق وأبن أبي حاتم عن أبي هريرة قال ( الشفق ) النهار كله واخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( والليل وما وسق ) قال وما دخل فيه واخرج أبو عبيد في فضائله وابن أبي شيبة وأبن جرير وابن المنذر عنه ( وما وسق 9 قال وما جمع واخرج عبد بن حميد وأبن جرير وأبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله 0 والقمر إذا اتسق ) قال إذا استوى واخرج عبد بن حميد وأبن الأنباري من طرق عن ابن عباس أنه سئل عن قوله ( والليل وما وسق ) قال وما جمع أما سمعت قوله إن لنا قلائصا نفانقا
مستوسفات لو يجدن سائقا
وأخرج عبد بن حميد عنه ( والقمر إذا اتسق ) قال ليلة ثلاثة عشر وأخرج عبد بن حميد عن عمر بن الخطاب ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال حالا بعد حال وأخرج البخاري عن أبن عباس ( لتركبن طبقا عن طبق ) حالا بعد حال قال هذا نبيكم صلى الله عليه وإله وسلم وأخرج أبو عبيد في القراءات وسعيد بن منصور وأبن منيع وعبد بن حميد وأبن جرير وابن المنذر وأبن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ ( لتركبن طبقا عن طبق ) يعني بفتح الباء من تركبن وقال يعني نبيكم ( صلى الله عليه وسلم ) حالا بعد حال وأخرج الطيالسي وعبد أبن حميد وأبن أبي حاتم والطبراني عنه قال ( لتركبن ) يا محمد السماء ( طبقا عن طبق ) واخرج عبد بن حميد وأبن المنذر و الحاكم في الكنى والطبراني وابن منده وأبن مردويه عن أبن مسعود أنه قرأ ( لتركبن ) يعني بفتح الباء وقال لتركبن يا محمد سماء بعد سماء وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عنه ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال يعني السماء تنفطر ثم تنشق ثم تحمر وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر والبيهقي عنه أيضا في الآية قال السماء تكون كالمهل وتكون وردة كالدهان وتكون واهية وتشقق فتكون حالا بعد حال وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله 0 والله اعلم بما يوعدون ) قال يسرون
ع85
تفسير
سورة البروج
هي اثنتان وعشرون آية وهي مكية بلا خلاف
حول السورة
وأخرج أبن الضريس والنحاس وأبن مردويه والبيهقي عن أبن عباس قال نزلت ( والسماء ذات البروج ) بمكة وأخرج أحمد قال حدثنا عبد الصمد حدثنا زريق بن أبي سلمى حدثنا أبو المهزم عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء ذات البروج والسماء والطارق وأخرج الطيالسي وأبن أبي شيبة في المصنف وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وحسنه النسائي وأبن حبان والطبراني والبيهقي في سننه عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وإله وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق والسماء ذات البروج


"""""" صفحة رقم 411 """"""
(
سورة البروج 1 22
البروج : ( 1 ) والسماء ذات البروج
قوله ( والسماء ذات البروج ) قد تقدم الكلام في البروج عند تفسير قوله جعل في السماء بروجا قال الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك هي النجوم والمعنى السماء ذات النجوم وقال عكرمة ومجاهد أيضا هي قصور في السماء وقال المنهال بن عمرو ذات الخلق الحسن وقال أبو عبيدة ويحيى بن سلام وغيرهما هي المنازل للكواكب وهي أثنا عشر برجا لأثني عشر كوكبا وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت والبروج في كلام العرب القصور ومنه قوله ولو كنتم في بروج مشيدة شبهت منازل هذه النجوم بالقصور لكونها تنزل فيها وقيل هي أبواب السماء وقيل هي منازل القمر وأصل البرج الظهور سميت بذلك لظهورها
البروج : ( 2 ) واليوم الموعود
( واليوم الموعود ) أبي الموعود به وهو يوم القيامة قال الواحدي في قول جميع المفسرين
البروج : ( 3 ) وشاهد ومشهود
( وشاهد ومشهود ) المراد بالشهود من يشهد في ذلك اليوم من الخلائق أي يحضر فيه والمراد بالشهود ما يشاهد في ذلك اليوم من العجائب وذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الشاهد يوم الجمعة وأنه يشهد على كل عامل بما عمل فيه والمشهود يوم عرفة لأنه يشهد الناس فيه موسم الحج وتحضره الملائكة قال الواحدي وهذا قول الأكثر وحكى القشيري عن أبن عمر وأبن الزبير أن الشاهد يوم الأضحى وقال سعيد بن المسيب الشاهد يوم التروية والمشهود يوم عرفة وقال النخعي الشاهد يوم عرفة المشهود يوم النحر وقيل الشاهد هو الله سبحانه وبه قال الحسن وسعيدبن جبير لقوله وكفى بالله شهيدا وقوله قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وقيل الشاهد محمد صلى الله عليه وإله وسلم لقوله فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا وقوله يا ايها النبي أنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وقوله ويكون الرسول عليكم شهيدا وقيل الشاهد جميع الأنبياء


"""""" صفحة رقم 412 """"""
لقوله فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وقيل هو عيسى بن مريم لقوله وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيها والمشهود على هذه الأقوال الثلاثة أما أمة محمد أو أمم الأنبياء أو أمة عيسى وقيل الشاهد آدم والمشهود ذريته وقال محمد بن كعب الشاهد الإنسان لقوله كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وقال مقاتل أعضاؤه لقوله يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون وقال الحسين بن الفضل الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم لقوله وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس وقيل الشاهد الحفظة والمشهود بنو آدم وقيل الأيام والليالي وقيل الشاهد الخلق يشهدون لله عز وجل بالوحدانية والمشهود له بالوحدانية هو الله سبحانه وسيأتي بيان ما ورد في تفسير الشاهد والمشهود وبيان ما هو الحق إن شاء الله
البروج : ( 4 ) قتل أصحاب الأخدود
( قتل أصحاب الأخدود ) هذا جواب القسم واللام فيه مضمرة وهو الظاهر وبه قال الفراء وغيره وقيل تقديره لقد قتل فحذفت اللام وقد وعلى هذا تكون الجملة خبرية والظاهر أنها دعائية لأن معنى قتل لعن قال الواحدي في قول الجميع والدعائية لا تكون جوابا للقسم فقيل الجواب قوله إن الذين فتنوا المؤمنين وقيل قوله إن بطش ربك لشديد وبه قال المبرد واعترض عليه بطول الفصل وقيل هو مقدر يدل عليه قوله ( قتل أصحاب الأخدود ) كأنه قال أقسم بهذه الأشياء أن كفار قريش ملعونون كما لعن أصحاب الأخدود وقيل تقدير الجواب لتبعثن واختاره أبن الأنباري وقال أبو حاتم السجستاني وأبن الأنباري أيضا في الكلام تقديم وتأخير أي قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج واعترض عليه بانه لا يجوز أن يقال والله قام زيد والأخدود الشق العظيم المستطيل في الأرض كالخندق وجمعه أخاديد ومنه الخد لمجاري الدموع والمخدة لأن الخد يوضع عليها ويقال تخدد وجه الرجل إذا صارت فيه أخاديد من خراج ومنه قول طرفة ووجه كأن الشمس ألقت رداءها
عليه نقى اللون لم يتخدد
4 وسيأتي بيان حديث أصحاب الأخدود إن شاء الله
البروج : ( 5 ) النار ذات الوقود
قرأ الجمهور ( النار ذات الوقود ) بجر النار على أنها بدل اشتمال من الأخدود لأن الأخدود مشتمل عليها وذات الوقود وصف لها بأنها نار عظيمة والوقود الحطب الذي توقد به وقيل هو بدل كل من كل لا بدل اشتمال وقيل إن النار محفوضة على الجوار كذا حكى مكي عن الكوفيين وقرأ الجمهور بفتح الواو من الوقود وقرأ قتادة وأبو رجاء ونصر بن عاصم بضمها وقرأ أشهب العقيلي وأبو حيوة وأبو السماك العدوي وابن السميفع وعيسى برفع النار على أنها خبر مبتدا محذوف أي هي النار أو على أنها فاعل فعل محذوف أي أحرقتهم النار
البروج : ( 6 ) إذ هم عليها . . . . .
( إذ هم عليها قعود ) العامل في الظرف قتل أي لعنوا حين أحذقوا بالنار قاعدين على ما يدنوا منها ويقرب إليها قال مقاتل يعني عند النار قعود يعرضونهم على الكفر وقال مجاهد كانوا قعودا على الكراسي عند الأخدود
البروج : ( 7 ) وهم على ما . . . . .
( وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ) أي الذين خدوا الأخذود وهم الملك وأصحابه على ما يفعلون بالمؤمنين من عرضهم على النار ليرجعوا إلى دينهم شهود أي حضور أو يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأنه لم يقصر فيما أمر به وقيل يشهدون بما فعلوا يوم القيامة ثم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم وقيل على بمعنى مع والتقدير وهم مع ما يفعلون بالمؤمنين شهود قال الزجاج أعلم الله قصة قوم بلغت بصيرتهم وحقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على أن يحرقوا بالنار في الله
البروج : ( 8 ) وما نقموا منهم . . . . .
( وما نقموا منهم ) أي ما أنكروا عليهم ولا عابوا منهم ( إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) أي إلا أن صدقوا بالله الغالب المحمود في كل حال قال الزجاج ما أنكروا عليهم ذنبا إلا إيمانهم وهذا كقوله هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وهذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم كما في قوله


"""""" صفحة رقم 413 """"""
لا عيب فيهم سوى أن النزيل بهم
يسلو عن الأهل والأوطان والحشم
وقول الآخر ولا عيب فيها غير شكله عينها
كذاك عتاق الطير شكلا عيونها
قرأ الجمهور نقموا بفتح النون وقرأ أبو حيوة بكسرها والوصيف الفتح
البروج : ( 9 ) الذي له ملك . . . . .
ثم وصف سبحانه نفسه بما يدل على العظم والفخامة فقال ( الذي له ملك السموات والأرض ) ومن كان هذا شأنه فهو حقيق بأن يؤمن به ويوحد ( والله على كل شيء شهيد ) من فعلهم بالمؤمنين لا يخفى عليه منه خافية وفي هذا وعيد شديد لأصحاب الأخدود ووعد خير لمن عذبوه على دينه من أولئك المؤمنين
البروج : ( 10 ) إن الذين فتنوا . . . . .
ثم بين سبحانه ما أعد لأولئك الذين فعلوا بالمؤمنين ما فعلوا من التحريق فقال ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ) أي حرقوهم بالنار و والعرب تقول فتنت الشي أي أحرقته وفتنت دراهم والدينار إذا أدخلته النار لتنظر جودته ويقال دينار مفتون ويسمى الصائغ الفنان ومنه قوله يوم هم على النار يفتنون أي يحرقون وقيل معنى فتنوا المؤمنين محنوهم في دينهم ليرجعوا عنه ثم لم يتوبوا من قبيح صنعهم ويرجعوا عن كفرهم وفتنتهم فلهم عذاب جهنم أي لهم في الآخرة عذاب جهنم بسبب كفرهم والجملة في محل رفع على أنها خبر إن أو الخبر لهم وعذاب جهنم مرتفع به على الفاعلية والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ولا يضر نسخه بأن خلافا للأخفش ولهم عذاب الحريق أي ولهم عذاب آخر زائد على عذاب كفرهم وهو عذاب الحريق الذي وقع منهم بالمؤمنين وقيل أن الحريق أسم من أسماء النار كالسعير وقيل إنهم يعذبون في جهنم بالزمهرير ثم يعذبون بعذاب الحربق فالأول عذاب بردها والثاني عذاب بحرها وقال الربيع بن أنس إن عذاب الحريق أصيبوا به في الدنيا وذلك أن النار ارتفعت من الأخدود إلى الملك وأصحابه فأحرقتهم وبه قال الكلبي
البروج : ( 11 ) إن الذين آمنوا . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما أعده للمؤمنين الذين أحرقوا بالنار فقال ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) وظاهر الآية العموم فيدخل في ذلك المحرقون في الأخدود بسبب إيمانهم دخولا أوليا والمعنى أن الجامعين بين الإيمان وعمل الصالحات ( لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) أي لهم بسبب الإيمان والعمل الصالح جنات متصفة بهذه الصفة وقد تقدم كيفية جري الأنهار من تحت الجنات في غير موضع وأوضحنا أنه إن اريد بالجنات الأشجار فجرى الأنهار من تحتها واضح وإن أريدج بها الأرض المشتملة عليها فالتحتية باعتبار جزئها الظاهر وهو الشجر لأنها ساترة لساحتها والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما تقدم ذكره مما أعده الله لهم أي ذلك المذكور ( الفوز الكبير ) الذي لا يعد له فوز ولا يقاربه ولا يدانيه والفوز الظفر بالمطلوب
البروج : ( 12 ) إن بطش ربك . . . . .
وجملة ( إن بطش ربك لشديد ) مستانفة لخطاب النبي صلى الله عليه وإله وسلم مبينة لما عند الله سبحانه من الجزاء لمن عصاه والمغفرة لمن اطاعه أي أخذه للجبابرة والظلمة شديد والبطش الأخذ بعنف ووصفه بالشدة يدل على أنه قد تضاعف وتفاقم ومثل هذا قوله إن أخذه أليم شديد
البروج : ( 13 ) إنه هو يبدئ . . . . .
( إنه هو يبدئ ويعيد ) أي يخلق الخلق أولا في الدنيا ويعيدهم أحياء بعد الموت كذا قال الجمهور وقيل يبدئ للكفار عذاب الحريق في الدنيا ثم يعيده لهم في الآخرة واختار هذا أبن جرير والأول أولى
البروج : ( 14 ) وهو الغفور الودود
( وهو الغفور الودود ) أي بالغ المغفرة لذنوب عبادة المؤمنين لا يفضحهم بها بالغ المحبة للمطيعين من أوليائه قال مجاهد الواد لأوليائه فهو فعول بمعنى فاعل وقال أبن زيد معنى الودود الرحيم وحكى المبرد عن إسماعيل القاضي أن الودود هو الذي لا ولد له وأنشد وأركب في الروع عريانة
ذلول الجناح لقاحا ودودا
أي لا ولد لها نحن إليه وقيل الودود بمعنى المودود أي يوده عبادة الصالحون ويحبونه كذا قال الأزهري


"""""" صفحة رقم 414 """"""
قال ويجوز أن يكون فعول بمعنى فاعل أي يكون محبا لهم قال وكلتا الصفتين مدح لأنه جل ذكره إن أحب عباده المطيعين فهو فضل منه وإن أحبه عباده العارفون فلما تقرر عندهم من كريم إحسانه
البروج : ( 15 ) ذو العرش المجيد
قرأ الجمهور ( ذو العرش المجيد ) برفع المجيد على أنه نعت لذو واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم قالا لأن المجد هو النهاية في الكرم والفضل والله سبحانه هو المنعوت بذلك وقرأ الكوفيون إلا عاصما بالجر على أنه نعت للعرش وقد وصف سبحانه عرشه بالكرم كما في آخر سورة المؤمنون وقيل هو نعت لربك ولا يضر الفصل بينهما لأنها صفات لله سبحانه وقال مكيء هو خبر بعد خبر والأول أولى ومعنى ذور العرش ذو الملك والسلطان كما يقال فلان على سرير ملكه ومنه قول الشاعر رأوا عرشي تثلم جانباه
فلما أن تثلم أفردوني
وقول الآخر إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم
بعتيبة بن الحارث بن شهاب
4 وقيل المراد خالق العرش
البروج : ( 16 ) فعال لما يريد
( فعال لما يريد ) أي من الإبداء والإعادة قال عطاء لا يعجز عن شيء يريده ولا يمتنع منه شيء طلبه وارتفاع فعال على أنه خبر مبتدأ محذوف قال الفراء هو رفع على التكرير والاستئناف لأنه نكرة محضة قال أبن جرير رفع فعال وهو نكرة محضة على وجه الاتباع لأعراب الغفور الودود وإنما قال فعال لأن ما يريده ويفعل في غاية الكثرة
البروج : ( 17 ) هل أتاك حديث . . . . .
ثم ذكر سبحانه خبر الجموع الكافرة فقال ( هل أتاك حديث الجنود ) والجملة مستأنفة مقررة لما تقدم من شدة بطشه سبحانه وكونه فعالا لما يريده وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أي هل أتاك يا محمد خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم المتجندة عليها
البروج : ( 18 ) فرعون وثمود
ثم بينهم فقال ( فرعون وثمود ) وهو بدل من الجنود والمراد بفرعون هو وقومه والمراد بثمود القوم المعروفون والمراد بحديثهم ما وقع منهم من الكفر والعناد وما وقع عليهم من العذاب وقصتهم مشهورة قد تكرر في الكتاب العزيز ذكرها في غير موضع واقتصر على الطائفتين لاشتهار أمرهما عند أهل الكتاب وعند مشركي العرب ودل بهما على أمثالهما
البروج : ( 19 ) بل الذين كفروا . . . . .
ثم أضرب عن مماثلة هؤلاءالكفار الموجودين في عصره صلى الله عليه وإله وسلم لمن تقدم ذكره وبين أنهم أشد منهم في الكفر والتكذيب فقال ( بل الذين كفروا في تكذيب ) أي بل هؤلاء المشركون من العرب في تكذيب شديد لك ولما جئت به ولم يعتبروا بمن كان قبلهم من الكفار
البروج : ( 20 ) والله من ورائهم . . . . .
( والله من ورائهم محيط ) أي يقدر على أن ينزل بهم ما أنزل بأولئك والإحاطة بالشيء الحصر له من جميع جوانبه فهو تمثيل لعدم نجاتهم بعدم فوت المحاط به على المحيط
البروج : ( 21 ) بل هو قرآن . . . . .
ثم رد سبحانه تكذيبهم بالقرآن فقال ( بل هو قرآن مجيد ) أي متناه في الشرف والكرم والبركة لكونه بيانا لما شرعه الله لعباده من أحكام الدين والدنيا وليس هو كما يقولون إنه شعر وكهانة وسحر
البروج : ( 22 ) في لوح محفوظ
( في لوح محفوظ ) أي مكتوب في لوح وهو أم الكتاب محفوظ عند الله من وصول الشياطين إليه قرأ الجمهور محفوظ بالجر على أنه نعت للوح وقرأ نافع برفعه على أنه نعت للقرآن أي بل هو قرآن مجيد محفوظ في لوح واتفق القراءعلى فتح اللام من لوح إلا يحيى بن يعمر وأبن السميفع فإنهما قرأ بضمها قال مقاتل اللوح المحفوظ عن يمين العرش قيل والمراد باللوح بضم اللام الهواء الذي فوق السماء السابعة قال أبو الفضل اللوح بضم اللام الهواء وكذا قال أبن خالوية قال في الصحاح اللوح بالضم الهواء بين السماء والأرض
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير عن ابن عباس قال ( البروج ) قصود في السماء وأخرج أبن مردويه عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وإله وسلم سئل عن ( السماء ذات البروج ) فقال الكواكب وسئل عن قوله


"""""" صفحة رقم 415 """"""
الذي جعل في السماء بروجا قال الكواكب وعن قوله في بروج مشيدة قال القصور وأخرج أبن مردويه عن أبن عباس في قوله ( واليوم الموعود وشاهد مشهود ) قال اليوم الموعود يوم القيامة والشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وهو الحج الأكبر فيوم الجمعة جعله الله وعيدا لمحمد وأمته وفضله بها على الخلق اجمعين وهو سيد الأيام عند الله وأحب الأعمال فيه إلى الله وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه وأخرج عبد بن حميد والترمذي وأبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى عليه وإله وسلم اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له ولا يستعيذ من شيء إلا إعاذه منه وآخرج الحاكم وصححه أبن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رفعه ( وشاهد ومشهود ) قال الشاهد يوم عرفة ويوم الجمعة والمشهود هو الموعود يوم القيامة وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عن علي بن أبي طالب قال اليوم الموعود يوم القيامة والمشهود يوم النحر والشاهد يوم الجمعة وأخرج أبن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم اليوم الموعود يوم القيامة والشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وأخرج أبن مردويه وأبن عساكر عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الآية الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وأخرج عبد بن حميد عن أبن عباس وأبي هريرة مثله موقوفا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن مردويه عن سعيد بن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد والمشهود يوم عرفة وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب واخرج أبن ماجه والطبراني وأبن جرير عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وأبن جرير وأبن المنذر عن علي بن أبي طالب في الآية قال الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وأخرج أبن جرير وأبن مردويه عن الحسن بن علي أن رجلا سأله عن قوله ( وشاهد ومشهود ) قال هل سألت أحدا قبلي قال نعم سألت بن عمر وأبن الزبير فقالا يوم الذبح ويوم الجمعة قال لا لكن الشاهد محمد صلى الله عليه وإله وسلم ثم قرأ وجئنا بك على هؤلاء شهيدا والمشهود يوم القيامة ثم قرأ ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وأخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وأبن مردويه عن الحسين بن علي في الآية قال الشاهد جدي رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم والمشهود يوم القيامة ثم تلا إنا أرسلناك شاهدا ذلك يوم مشهود وأخرج عبد بن حميد والنسائي وأبن أبي الدنيا والبزار وأبن جرير وأبن المنذر وأبن مردويه وأبن عساكر من طرق عن أبن عباس قال اليوم الموعود يوم القيامة والشاهد محمد صلى الله عليه وإله وسلم والمشهود يوم القيامة ثم تلا ذلمك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وأخرج أبن جرير عنه قال الشاهد الله والمشهود يوم القيامة وأخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا قال الشاهد الله وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا قال الشاهد الله والمشهود يوم القيامة قلت وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم واستدل من استدل منهم بآيات ذكرا الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود فجعله دليلا على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا


"""""" صفحة رقم 416 """"""
المقام هو ذلك الشاهد والمشهود الذي ذكر في آية أخرى وإلا لزم أن يكون قوله هنا ( وشاهد ومشهود ) هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز أو السنة المطهرة أنه يشهد أو انه مشهود وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض ولم يقل قائل بذلك فإن قلت هل في المرفوع الذي ذكرته من حديث أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل وسعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود والشاهد والمشهود قلت أما اليوم الموعود فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها بل اتفقت على أنه يوم القيامة وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة والأول انه يوم الجمعة وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة فاتفقت هذه الأحاديث عليه ولا تضر زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأول أنه يوم عرفة وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة وفي حديث أبي جبير أبن مطعم أنه يوم عرفة وكذا في حديث سعيد فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وأما اليوم الموعود فقد قدمنا أنه وقع الإجماع على انه يوم القيامة وأخرج عبد الرزاق وأبن أبي شيبة وأحمد عبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم قال كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن انظروا لى غلاما فهما أو قال فطنا لقنا فاعلمه علمي فإني أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه قال فنظروا له على ما وصف فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن وأن يختلف إليه فجعل الغلام يختلف إليه وكان على طريق الغلام راهب في صومعة فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مر به فلم يزل به حتى أخبره فقال إنما أعبد الله فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب ويبطئ على الكاهن فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحصرني فأخبر الغلام الراهب بذلك فقال له الراهب إذا قال لك اين كنت فقل عند اهلي وإذا قال لك أهلك أين كنت فأخبرهم أني كنت عند الكاهن فبينما الغلام على ذلك إذ مر بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة يقال إنها كانت أسدا فاخذ الغلام حجرا فقال اللهم أن كان ما يقول ذلك الراهب حقا فأسألك أن اقتل هذه الدابة وإن كان ما يقول الكاهن حقا فأسألك أن لا أقتلها ثم رمى فقتل الدابة فقال الناس من قتلها فقالوا الغلام ففزع الناس وقالوا قد علم هذا الغلام علما لا لم يعلمه أحد فسمع أعمى فجاءه فقال له إن أنت رددت على بصري فلك كذا وكذا فقال الغلام لا أريد منك هذا ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي رده عليك قال نعم فدعا الله فرد عليه بصره فآمن الأعمى فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم فقال لاقتلن كل واحد منكم قتله لا أقتل بها صاحبه فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله وقتل الآخر بقتلة آخرى ثم امر بالغلام فقال انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من راسه فانطلقوا به إلى ذلك الجبل فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردون حتى لم يبق منهم إلا الغلام ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه فانطلقوا به إلى البحر فغرق الله الذين كانوا معه وأنجاه فقال الغلام للملك إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني بسم الله رب الغلام فأمر به


"""""" صفحة رقم 417 """"""
فصلب ثم رماه قال بسم الله رب الغلام فوقع السهم في صدغه فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات فقال الناس لقد علم هذ 1 الغلام علما ما علمه أحد فإنا نؤمن برب هذا الغلام فقيل للملك أجزعت أن خالفك ثلاثة فهذا العالم كلهم قد خالفوك قال فخد أخدودا ثم ألقى فيه الحطب والنار ثم جمع الناس فقال من رجع عن دينه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار فجعل يلقيهم في تلك الأخدود فقال يقول الله ) قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود ( حتى بلغ ) العزيز الحميد ( فأما الغلام فإنه دفن ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر ابن الخطاب وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله ) أصحاب الأخدود ( قال هم الحبشة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال هم ناس من بني إسرائيل خذوا أخدودا في الأرض أوقدوا فيه نارا ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالا ونساء فعرضوا عليها وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال ) والسماء ذات البروج ( إلى قوله ) وشاهد ومشهود ( قال هذا قسم على ) إن بطش ربك لشديد ( إلى آخرها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) إنه هو يبدئ ويعيد ( قال يبدىء العذاب ويعيده وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ( الودود ) قال الحبيب وفي قوله ) ذو العرش المجيد ( قال الكريم وأخرج ابن المنذر عنه في قوله ) في لوح محفوظ ( قال أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر وإن ذلك اللوح من نور وإنه مسيرة ثلثمائة سنة وأخرج ابن جرير عن أنس قال إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله ) بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ( في جبهة إسرافيل وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق اكتب علمي في خلقي فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة 1 ه
ع86
تفسير
سورة الطارق
هي سبع عشرة آية
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن ضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت والسماء والطارق بمكة وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه والطبراني وابن مردويه عن خالد العدواني أنه أبصر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في سوق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصى حين أتاهم يبتغى النصر عندهم فسمعه يقرأ ) والسماء والطارق ( حتى ختمها قال فوعيتها في الجاهلية ثم قرأتها في الإسلام قال فدعتني ثقيف فقالوا ماذا سمعت من هذا الرجل فقرأتها فقال من معهم من قريش نحن أعلم بصاحبنا لو كنا نعلم ما يقول حقا لاتبعناه


"""""" صفحة رقم 418 """"""
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الطارق ( 2 17 )
الطارق : ( 1 ) والسماء والطارق
أقسم سبحانه بالسماء والطارق وهو النجم الثاقب كما صرح به التنزيل قال الواحدي قال المفسرون أقسم الله بالسماء والطارق يعني الكواكب تطرق بالليل وتخفى بالنهار قال الفراء الطارق النجم لأنه يطلع بالليل وما أتاك ليلا فهو طارق وكذا قال الزجاج والمبرد ومنه قول امرىء القيس ومثلك حبلى قد طرقت ومرضع
فألهيتها عن ذي تمائم محول
وقوله أيضا ألم ترياني كلما جئت طارقا
وجدت بها طيبا وإن لم نطبب
وقد اختلف في الطارق هل هو نجم معين أو جنس النجم فقيل هو زحل وقيل الثريا وقيل هو الذي ترمى به الشياطين وقيل هو جنس النجم قال في الصحاح والطارق النجم الذي يقال له كوكب الصبح ومنه قول هند بنت عتبة نحن بنات طارق
نمشى على النمارق
أي أن ابانا في الشرف كالنجم المضىء وأصل الطروق الدق فسمى قاصد الليل طارقا لاحتياجه في الوصول إلى الدق وقال قوم إن الطروق قد يكون نهارا والعرب تقول أتيتك اليوم طرقتين أي مرتين ومنه قوله صلى الله عليه واله وسلم أعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير
الطارق : ( 2 ) وما أدراك ما . . . . .
ثم بين سبحانه ما هو الطارق تفخيما لشأنه بعد تعظيمه بالإقسام به فقال ) وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب ( الثاقب المضىء ومنه يقال ثقب النجم ثقوبا وثقابة إذا أضاء وثقوبه ضوؤه ومنه قول الشاعر أذاع به في الناس حتى كأنه
بعليا نار أوقدت بثقوب
قال الواحدي الطارق يقع على كل ما طرق ليلا ولم يكن النبي صلى الله عليه واله وسلم يدري ما المراد به لو لم يبينه
الطارق : ( 3 ) النجم الثاقب
بقوله النجم الثاقب قال مجاهد الثاقب المتوهج قال سفيان كل ما في القران وما أدراك فقد أخبره وكل شيء قال وما يدريك لم يخبره به وارتفاع قوله النجم الثاقب على أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر نشأ مما قبله كأنه قيل ما هو فقيل هو النجم الثاقب
الطارق : ( 4 ) إن كل نفس . . . . .
إن كل نفس لما عليها حافظ هذا جواب القسم وما بينهما اعتراض وقد تقدم في سورة هود اختلاف القراء في لما فمن قرأ


"""""" صفحة رقم 419 """"""
بتخفيها كانت إن هنا هي المخففة من الثقيلة فيها ضمير الشأن المقدر وهو اسمها واللام هي الفارقة وما مزيدة أي إن الشأن كل نفس لعليها حافظ ومن قرأ بالتشديد فإن ناقية ولما بمعنى أي ما كل نفس إلا عليها حافظ وقد قرأ هنا بالتشديد ابن عامر وعاصم وحمزة وقرأ الباقون بالتخفيف قيل والحافظ هم الحفظة من الملائكة الذين يحفظون عليها عملها وقولها وفعلها ويحصون ما تكسب من خير وشر وقيل الحافظ هو الله عز وجل وقيل هو العقل يرشدهم إلى المصالح ويكفهم عن المفاسد والأول أولى لقوله وإن عليكم لحافظين وقوله ويرسل عليكم حفظة وقوله له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه والحافظ على الحقيقة هو الله عز وجل كما في قوله فالله خير حافظا وحفظ الملائكة من حفظه لأنهم يأمره
الطارق : ( 5 ) فلينظر الإنسان مم . . . . .
فلينظر الإنسان مم خلق الفاء للدلالة على أن كون على كل نفس حافظ يوجب على الإنسان أن يتفكر في مبتدأ خلقه ليعلم قدره الله على ما هو دون ذلك من البعث قال مقاتل يعني المكذب بالبعث مم خلق من أي شيء خلقه الله والمعنى فلينظر نظر التفكر والاستدلال حتى يعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر على أعادته
الطارق : ( 6 ) خلق من ماء . . . . .
ثم بين سبحانه ذلك فقال ) خلق من ماء دافق ( والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر والماء هو المنى والدفق الصب يقال دفقت الماء أي صببته يقال ماء دافق أي مدفوق مثل عيشة راضية أي مرضية قال الفراء والأخفش ماء دافق أي مصبوب في الرحم قال الفراء وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم كقولهم سر كاتم أي مكتوم وهم ناصب أي منصوب وليل نائم ونحو ذلك قال الزجاج من ماء ذي اندفاق يقال دارع وقايس ونابل أي ذو درع وقوس ونبل وأراد سبحانه ماء الرجل والمرأة لأن الإنسان مخلوق منهما لكن جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما
الطارق : ( 7 ) يخرج من بين . . . . .
ثم وصف هذا الماء فقال ) يخرج من بين الصلب والترائب ( أي صلب الرجل وترائب المرأة والترائب جمع تريبة وهي موضع القلادة من الصدر والولد لا يكون إلا من الماءين قرأ الجمهور يخرج مبنيا للفاعل وقرأ ابن أبي عبلة وابن مقسم مبنيا للمفعول وفي الصلب وهو الظهر لغات قرأ الجمهور بضم الصاد وسكون اللام وقرأ أهل مكة بضم الصاد واللام وقرأ اليماني بفتحهما ويقال صالب على وزن قالب ومنه قول العباس بن عبد المطلب تنقل من صلب إلى رحم
في أبياته المشهورة في مدح النبي صلى الله عليه واله وسلم وقد تقدم كلام في هذا عند تفسير قوله الذين من أصلابكم وقيل الترائب ما بين الثديين وقال الضحاك ترائب المرأة اليدين والرجلين والعينين وقال سعيد بن جبير هي الجيد وقال مجاهد هي ما بين المنكبين والصدر وروى عنه أيضا أنه قال هي الصدر وروى عنه أيضا أنه قال هي التراقى وحكى الزجاج أن الترائب عصارة القلب ومنه يكون الولد والمشهور في اللغة أنها عظام الصدر والنحر ومنه قول دريد بن الصمة
فإن تدبروا نأخذكم في ظهوركم وإن تقبلوا نأخذكم في الترائب قال عكرمة
الترائب الصدر
وأنشد نظام در على ترائبها
قال في الصحاح الترية واحدة الترائب وهي عظام الصدر قال أبو عبيدة جمع الترية تريب ومنه قول المثقب العبدي
ومن ذهب بنين على تريب كلون العاج ليس بذي غضون
وقول امرىء القيس
ترائبها مصقولة كالسجنجل وحكى الزجاج أن الترائب أربع أضلاء


"""""" صفحة رقم 420 """"""
من يمنة الصدر وأربع أضلاع من يسرة الصدر قال قتادة والحسن المعنى ويخرج من صلب الرجل وترائب المرأة وحكى الفراء أن مثل هذا يأتي عن العرب يكون معنى من بين الصلب من الصلب وقيل إن ماء الرجل ينزل من الدماغ ولا يخالف هذا ما في الاية لأنه إذا نزل من الدماغ نزل من بين الصلب والترائب وقيل إن المعنى يخرج من جميع أجزاء البدن ولا يخالف هذا ما في الاية لأن نسبة خروجه إلى بين الصلب والترائب باعتبار أن أكثر أجزاء البدن هي الصلب والترائب وما يجاورها وما فوقها مما يكون تنزله منها
الطارق : ( 8 ) إنه على رجعه . . . . .
) إنه على رجعه لقادر ( الضمير في إنه يرجع إلى الله سبحانه لدلالة قوله خلق عليه فإن الذي خلقه هو الله سبحانه والضمير في رجعه عائد إلى الإنسان والمعنى أن الله سبحانه على رجع الإنسان أي إعادته بالبعث بعد الموت لقادر هكذا قال جماعة من المفسرين وقال مجاهد على أن يرد الماء في الإحليل وقال عكرمة والضحاك على أن يرد الماء في الصلب وقال مقاتل ابن حيان يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة وقال ابن زيد إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر والأول أظهر ورجحه ابن جرير والثعلبي والقرطبي
الطارق : ( 9 ) يوم تبلى السرائر
) يوم تبلى السرائر ( العامل في الظرف على التفسير الأول هو رجعه وقيل لقادر واعترض عليه بأنه يلزم تخصيص القدرة بهذا اليوم وقيل العامل فيه مقدر أي يرجعه يوم تبلى السرائر وقيل العامل فيه مقدر وهو اذكر فيكون مفعولا به وأما على قول من قال إن المراد رجع الماء فالعامل في الظرف مقدر وهو اذكر ومعنى تبلى السرائر تختبر وتعرف ومنه قول الراجز قد كنت قبل اليوم تزدريني
فاليوم أبلوك وتبتليني
أي اختبرك وتختبرني وامتحنك تمتحني والسرائر ما يسر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها والمراد هنا عرض الأعمال ونشر الصحف فعند ذلك يتميز الحسن منها من القبيح والغث من السمين
الطارق : ( 10 ) فما له من . . . . .
) فما له من قوة ولا ناصر ( أي فما للإنسان من قوة في نفسه يمتنع لها عن عذاب الله ولا ناصر ينصره مما نزل به قال عكرمة هؤلاء الملوك ما لهم يوم القيامة من قوة ولا ناصر قال سفيان القوة العشيرة والناصر الحليف والأول أولى
الطارق : ( 11 ) والسماء ذات الرجع
) والسماء ذات الرجع ( الرجع المطر قال الزجاج الرجع المطر لأنه يجىء ويرجع ويتكرر قال الخليل الرجع المطر نفسه والرجع نبات الربيع قال أهل اللغة الرجع المطر قال المتنخل يصف سيفا له أبيض كالرجع رسوب إذا
ما باح في محتفل يختلى
قال الواحدي الرجع المطر في قول جميع المفسرين وفي هذا الذي حكاه عن جميع المفسرين نظر فإن ابن زيد قال الرجع الشمس والقمر والنجوم يرجعن في السماء تطلع من ناحية وتغيب في أخرى وقال بعض المفسرين ذات الرجع ذات الملائكة لرجوعهم إليها بأعمال العباد وقال بعضهم معنى ذات الرجع ذات النفع ووجه تسمية المطر رجعا ما قاله القفال إنه مأخوذ من ترجيع الصوت وهو إعادته وكذا المطر لكونه يعود مرة بعد أخرى سمى رجعا وقيل إن العرب كانوا يزعمون أن السحاب يحمل الماء من بحار الأرض ثم يرجعه إلى الأرض وقيل سمته العرب رجعا لأجل التفاؤل ليرجع عليهم وقيل لأن الله يرجعه وقتا بعد وقت
الطارق : ( 12 ) والأرض ذات الصدع
) والأرض ذات الصدع ( هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات والثمار والشجر والصدع الشق لأنه يصدع الأرض فتنصدع له قال أبو عبيدة والفراء تتصدع بالنبات قال مجاهد والأرض ذات الطرق التي تصدعها المياه وقيل ذات الحرث لأنه يصدعها وقيل ذات الأموات لا نصداعها عنهم عند البعث


"""""" صفحة رقم 421 """"""
والحاصل أن الصدع إن كان اسما للنبات فكأنه قال والأرض ذات النبات وإن كان المراد به الشق فكأنه قال والأرض ذات الشق الذي يخرج منه النبات ونحوه
الطارق : ( 13 ) إنه لقول فصل
وجواب القسم قوله ) إنه لقول فصل ( أي إن القران لقول يفصل بين الحق والباطل بالبيان عن كل واحد منهما
الطارق : ( 14 ) وما هو بالهزل
) وما هو بالهزل ( أي لم ينزل باللعب فهو جد ليس بالهزل والهزل ضد الجد قال الكميت تجد بنا في كل يوم وتهزل
الطارق : ( 15 ) إنهم يكيدون كيدا
) إنهم يكيدون كيدا ( أي يمكرون في إبطال ما جاء به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من الدين الحق قال الزجاج يخاتلون النبي صلى الله عليه واله وسلم ويظهرون ما هم على خلافه
الطارق : ( 16 ) وأكيد كيدا
) وأكيد كيدا ( أي أستدرحهم من حيث لا يعلمون وأجازيهم جزاء كيدهم قيل هو ما أوقع الله بهم يوم بدر من القتل والأسر
الطارق : ( 17 ) فمهل الكافرين أمهلهم . . . . .
فمهل الكافرين أي أخرهم ولا تسأل الله سبحانه تعجيل هلاكهم وارض بما يدبره لك في أمورهم وقوله أمهلهم بدل من مهل ومهل وأمهل بمعنى مثل نزل وأنزل والإمهال الإنظار وتمهل في الأمر اتأد وانتصاب رويدا على أنه مصدر مؤكد للفعل المذكور أو نعت لمصدر محذوف أي أمهلهم إمهالا رويدا أي قريبا أو قليلا قال أبو عبيدة والرويد في كلام العرب تصغيرا لرود وأنشد
كأنها تمشى على رود
أي على مهل وقيل تصغير أرواد مصدر رود تصغير الترخيم ويأتي اسم فعل نحو رويد زيدا أي أمهله ويأتي حالا نحو سار القوم رويدا أي متمهلين ذكر معنى هذا الجوهري والبحث مستوفى في علم النحو
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) والسماء والطارق ( قال أقسم ربك بالطارق وكل شيء طرقك بالليل فهو طارق وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) إن كل نفس لما عليها حافظ ( قال كل نفس عليها حفظة من الملائكة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله ) النجم الثاقب ( قال النجم المضىء ) إن كل نفس لما عليها حافظ ( قال إلا عليها حافظ وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه ) يخرج من بين الصلب والترائب ( قال ما بين الجيد والنحر وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الاية قال تريبة المرأة وهي موضع القلادة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا قال الترائب بين ثديى المرأة وأخرج الحاكم وصححه عنه أيضا قال الترائب أربعة أضلاع من كل جانب من أسفل الأضلاع وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضا ) إنه على رجعه لقادر ( قال على أن يجعل الشيخ شابا والشاب شيخا وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله ) والسماء ذات الرجع ( قال المطر بعد المطر ) والأرض ذات الصدع ( قال صدعها عن النبات وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ) والأرض ذات الصدع ( تصدع الأودية وأخرج ابن منده والديلمي عن معاذ بن أنس مرفوعا ) والأرض ذات الصدع ( قال تصدع بإذن الله عن الأموال والنبات وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) إنه لقول فصل ( قال حق ) وما هو بالهزل ( قال بالباطل وفي قوله ) أمهلهم رويدا ( قال قريبا


"""""" صفحة رقم 422 """"""
ع8
تفسير
سورة الأعلى ويقال سورة سبح
هي تسع عشرة آية
حول السورة
وهي مكية في قول الجمهور وقال الضحاك هي مدنية وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة سبح اسم ربك الأعلى بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير وعائشة مثله وأخرج البخاري وغيره عن البراء بن عازب قال أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه واله وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقراننا القران ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه واله وسلم فما رأيت أهل المدينة فرجوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد جاء فما جاء حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى في سور مثلها وأخرج أحمد والبزاز وابن مردويه عن علي قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يحب هذه السورة سبح اسم ربك الأعلى أخرجه أحمد عن وكيع عن إسرائيل عن عن توبر بن أبي فاختة عن أبيه عن علي وأخرج أحمد ومسلم وأهل السنن عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية وإن وافق يوم جمعة قرأهما جميعا وفي لفظ وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما وفي الباب أحاديث وأخرج مسلم وغيره عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يقرأ في الظهر بسبح اسم ربك الأعلى وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يقرأ في الوتر في الركعة الأولى بسبح وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لمعاذ هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأعلى ( 1 19 )


"""""" صفحة رقم 423 """"""
الأعلى : ( 1 ) سبح اسم ربك . . . . .
قوله ) سبح اسم ربك الأعلى ( أي نزهه عن كل ما لا يليق به قال السدي سبح اسم ربك الأعلى أي عظمه قيل والاسم هنا مقحم لقصد التعظيم كما في قول لبيد إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
والمعنى سبح ربك الأعلى قال ابن جرير المعنى نزه اسم ربك أن يسمى به أحد سواه فلا تكون على هذا مقحمة وقيل المعنى نزه تسمية ربك وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت خاشع معظم ولذكره محترم وقال الحسن معنى سبح اسم ربك الأعلى صل له وقيل المعنى صل بأسماء الله لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية وقيل المعنى ارفع صوتك بذكر ربك ومنه قول جرير قبح الإله وجوه تغلب كلما
سبح الحجيج وكبروا تكبيرا
والأعلى صفة للرب وقيل للاسم والأول أولى
الأعلى : ( 2 ) الذي خلق فسوى
وقوله ) الذي خلق فسوى ( صفة أخرى للرب قال الزجاج خلق الإنسان مستويا ومعنى سوى عدل قامته قال الضحاك خلقه فسوى خلقه وقيل خلق الأجساد فسوى الأفهام وقيل خلق الإنسان وهيأه للتكليف
الأعلى : ( 3 ) والذي قدر فهدى
) والذي قدر فهدى ( صفة أخرى للرب أو معطوف على الموصول الذي قبله قرأ على بن أبي طالب والكسائي والسلمي قدر مخففا وقرأ الباقون بالتشديد قال الواحدي قال المفسرون قدر خلق الذكر والأنثى من الدواب فهدى الذكر للأنثى كيف يأتيها وقال مجاهد هدى الإنسان لسبيل الخير والشر والسعادة والشقاوة وروى عنه أيضا أنه قال في معنى الاية قدر السعادة والشقاوة وهدى للرشد والضلالة وهدى الأنعام لمراعيها وقيل قدر أرزاقهم وأقواتهم وهداهم لمعايشهم إن كانوا إنسا ولمراعيهم أن كانوا وحشا وقال عطاء جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها له وقيل خلق المنافع في الأشياء وهدى الإنسان الوجه استخراجها منها وقال السدى قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر وأقل وأكثر ثم هداه للخروج من الرحم قال الفراء أي قدر فهدى وأضل فاكتفى بأحدهما وفي تفسير الاية أقوال غير ما ذكرنا والأولى عدم تعيين فرد أو افراد مما يصدق عليه قدر وهدى إلا بدليل يدل عليه ومع عدم الدليل يحمل على ما يصدق عليه معنى الفعلين إما على البدل أو على الشمول والمعنى قدر أجناس الأشياء وأنواعها وصفاتها وأفعالها وأقوالها واجالها فهدى كل واحد منها إلى ما يصدر عنه وينبغي له ويسره لما خلق له وألهمه إلى أمور دينه ودنياه
الأعلى : ( 4 ) والذي أخرج المرعى
) والذي أخرج المرعى ( صفة أخرى للرب أي أنبت العشب وما ترعاه النعم من النبات الأخضر
الأعلى : ( 5 ) فجعله غثاء أحوى
) فجعله غثاء أحوى ( أي فجعله بعد أن كان أخضر غثاء أي هشيما جافا كالغثاء الذي يكون فوق السيل أحوى أي أسود بعد اخضراره وذلك أن الكلأ إذا يبس اسود قال قتادة الغثاء الشيء اليابس ويقال للبقل والحشيش إذا انحطم ويبس غثاء وهشيم قال امرؤ القيس كأن ذرى رأس المجمر غدوة
من السيل والأغثاء فلكه مغزل
وانتصاب غثاء على أنه المفعول الثاني أو على الحال وأحوى صفة له وقال الكسائي هو حال من المرعى أي أخرجه أحوى من شدة الخضرة والرى ) فجعله غثاء ( بعد ذلك والأحوى مأخوذ من الحوة وهي سواد يضرب إلى الخضرة قال في الصحاح والحوة سمرة الشفة ومنه قول ذي الرمة


"""""" صفحة رقم 424 """"""
لمياء في شفتيها حوة لعس
وفي اللثات وفي أنيابها شنب
الأعلى : ( 6 ) سنقرئك فلا تنسى
سنقرئك فلا تنسى أي سنجعلك قارئا بأن نلهمك القراءة فلا تنسى ما تقرؤه والجملة مستأنفة لبيان هدايته صلى الله عليه واله وسلم الخاصة به بعد بيان الهداية العامة وهي هدايته صلى الله عليه واله وسلم لحفظ القران قال مجاهد والكلبي كان النبي صلى الله عليه واله وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحى لم يفرغ جبريل من اخر الاية حتى يتكلم النبي صلى الله عليه واله وسلم بأولها مخافة أن ينساها فنزلت ) سنقرئك فلا تنسى )
الأعلى : ( 7 ) إلا ما شاء . . . . .
وقوله ) إلا ما شاء الله ( استثناء مفرغ من أعم المفاعيل أي لا تنسى مما تقرؤه شيئا من الأشياء إلا ما شاء الله أن تنساه قال الفراء وهو لم يشأ سبحانه أن ينسى محمد صلى الله عليه واله وسلم شيئا كقوله خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك وقيل إلا ما شاء الله أن تنسى ثم تذكر بعد ذلك فإذن قد نسى ولكنه يتذكر ولا ينسى شيئا نسيانا كليا وقيل بمعنى النسخ أي إلا ما شاء الله أن ينسخه مما نسخ تلاوته وقيل معنى فلا تنسى فلا تترك العمل إلا ما شاء الله أن تتركه لنسخه ورفع حكمه وقيل المعنى إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله وقيل لا في قوله فلا تنسى للنهي والألف مزيدة لرعاية الفاصلة كما في قوله فأضلونا السبيلا يعني فلا تغفل قراءته وتذكره ) إنه يعلم الجهر وما يخفى ( الجملة تعليل لما قبلها أي يعلم ما ظهر وما بطن والإعلان والإسرار وظاهره العموم فيندرج تحته ما قيل إن الجهر ما حفظه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من القران وما يخفى هو ما نسخ من صدره ويدخل تحته أيضا ما قيل من أن الجهر هو إعلان الصدقة وما يخفى هو إخفاؤها ويدخل تحته أيضا ما قيل إن الجهر جهره صلى الله عليه واله وسلم بالقران مع قراءة جبريل أن مخافة أن يتفلت عليه وما يخفى ما في نفسه مما يدعوه إلى الجهر
الأعلى : ( 8 ) ونيسرك لليسرى
) ونيسرك لليسرى ( معطوف على سنقرئك وما بينهما اعتراض قال مقاتل أي نهون عليك عمل الجنة وقيل نوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل وقيل للشريعة اليسرى وهي الحنيفية السهلة وقيل نهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعمل به والأولى حمل الاية على العموم أي نوفقك للطريقة اليسرى في الدين والدنيا في كل أمر من أمورهما التي تتوجه إليك
الأعلى : ( 9 ) فذكر إن نفعت . . . . .
) فذكر إن نفعت الذكرى ( أي عظ يا محمد الناس بما أوحينا إليك وأرشدهم إلى سبل الخبر واهدهم إلى شرائع الدين قال الحسن تذكرة للمؤمن وحجة على الكافر قال الواحدي إن نفعت أو لم تنفع لأن النبي صلى الله عليه واله وسلم بعث مبلغا للأعذار والإنذار فعليه التذكير في كل حال نفع أو لم ينفع ولم يذكر الحالة الثانية كقوله سرابيل تقيكم الحر الاية قال الجرجاني التذكير واجب وإن لم ينفع فالمعنى إن نفعت الذكرى أو لم تنفع وقيل إنه مخصوص في قوم بأعيانهم وقيل إن بمعنى ما أي فذكر ما نفعت الذكرى لأن الذكرى نافعة بكل حال وقيل إنها بمعنى قد وقيل إنها بمعنى إذ وما قاله الواحدي والجرجاني أولى وقد سبقهما إلى القول به الفراء والنحاس قال الرازي إن قوله ) إن نفعت الذكرى ( للتنبيه على أشرف الحالين وهو وجود النفع الذي لأجله شرعت الذكرى والمعلق بإن على الشيء لا يلزم أن يكون عدما عند عدم ذلك الشيء ويدل عليه آيات منها هذه الاية ومنها قوله تعالى واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون ومنها قوله ولا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة إن خفتم فإن القصر جائز عند الخوف وعدمه ومنها قوله فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله والمراجعة جائزة بدون هذا الظن فهذا الشرط فيه فوائد منها ما تقدم ومنها البعث على الانتفاع بالذكرى كما يقول الرجل لمن يرشده قد أوضحت لك إن كنت تعقل وهو تنبيه للنبي صلى الله عليه واله وسلم على أنها لا تنفعهم الذكرى أو يكون هذا في تكرير الدعوة فأما الدعاء الأول فعام انتهى
الأعلى : ( 10 ) سيذكر من يخشى
ثم بين سبحانه الفرق بين من تنفعه الذكرى ومن لا تنفعه فقال ) سيذكر من يخشى (


"""""" صفحة رقم 425 """"""
أي سيتعظ بوعظك من يخشى الله فيزداد بالتذكير خشية وصلاحا
الأعلى : ( 11 ) ويتجنبها الأشقى
) ويتجنبها الأشقى ( أي ويتجنب الذكرى ويبعد عنها الأشقى من الكفار لإصراره على الكفر بالله وانهماكه في معاصيه
الأعلى : ( 12 ) الذي يصلى النار . . . . .
ثم وصف الأشقى فقال ) الذي يصلى النار الكبرى ( أي العظيمة الفظيعة لأنها أشد حرا من غيرها قال الحسن النار الكبرى نار جهنم والنار الصغرى نار الدنيا وقال الزجاج هي السفلى من أطباق النار
الأعلى : ( 13 ) ثم لا يموت . . . . .
) ثم لا يموت فيها ولا يحيى ( أي لا يموت فيها فيستريح مما هو فيه من العذاب ولا يحيا حياة ينتفع بها ومنه قول الشاعر ألا ما لنفس لا تموت فينقضي
عتاها ولا تحيا حياة لها طعما
وثم للتراخي في مراتب الشدة لأن التردد بين الموت والحياة أفظع من صلى النار الكبرى
الأعلى : ( 14 ) قد أفلح من . . . . .
) قد أفلح من تزكى ( أي من تطهر من الشرك فامن بالله ووحده وعمل بشرائعة قال عطاء والربيع من كان عمله زاكيا ناميا وقال قتادة تزكى بعمل صالح قال قتادة وعطاء وأبو العالية نزلت في صدقة الفطر قال عكرمة كان الرجل يقول أقدم زكاتي بين يدي صلاتي وأصل الزكاة في اللغة النماء وقيل المراد بالاية زكاة الأموال كلها وقيل المراد بها زكاة الأعمال لا زكاة الأموال لأن الأكثر أن يقال في الأموال زكى لا تزكى
الأعلى : ( 15 ) وذكر اسم ربه . . . . .
) وذكر اسم ربه فصلى ( قيل المعنى ذكر اسم ربه بالخوف فعبده وصلى له وقيل ذكر اسم ربه بلسانه فصلى أي فأقام الصلوات الخمس وقيل ذكر موقفه ومعاده فعبده وهو كالقول الأول وقيل ذكر اسم ربه بالتكبير في أول الصلاة لأنها لا تنعقد إلا بذكره وهو قوله الله أكبر وقيل ذكر اسم ربه في طريق المصلى فصلى وقيل هو أن يتطوع بصلاة بعد زكاة وقيل المراد بالصلاة هنا صلاة العيد كما أن المراد بالتزكي في الاية الأولى زكاة الفطر ولا يخفى بعد هذا القول لأن السورة مكية ولم تفرض زكاة الفطر وصلاة العيد إلا بالمدينة
الأعلى : ( 16 ) بل تؤثرون الحياة . . . . .
) بل تؤثرون الحياة الدنيا ( هذا إضراب عن كلام مقدر يدل عليه السياق أي لا تفعلون ذلك بل تؤثرون اللذات الفانية في الدنيا قرأ الجمهور تؤثرون بالفوقية على الخطاب ويؤيدها قراءة أبي بل أنتم تؤثرون وقرأ أبو عمرو بالتحتية على الغيبة قيل والمراد بالاية الكفرة والمراد بإيثار الحياة الدنيا هو الرضا بها والاطمئنان إليها والإعراض عن الاخرة بالكلية وقيل المراد بها جميع الناس من مؤمن وكافر والمراد بإيثارها ما هو أعم من ذلك مما لا يخلو عنه غالب الناس من تأثير جانب الدنيا على الاخرة والتوجه إلى تحصيل منافعها والاهتمام بها اهتماما زائدا على اهتمامه بالطاعات
الأعلى : ( 17 ) والآخرة خير وأبقى
وجملة ) والآخرة خير وأبقى ( في محل نصب على الحال من فاعل تؤثرون أي والحال أن الدار الاخرة التي هي الجنة أفضل وأدوم من الدنيا قال مالك بن دينار لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والاخرة من خزف يبقى لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى على ذهب يفنى فكيف والاخرة من ذهب يبقى والدنيا من خزف يفنى
الأعلى : ( 18 ) إن هذا لفي . . . . .
والإشارة بقوله ) إن هذا ( إلى ما تقدم من فلاح من تزكى وما بعده وقيل إنه إشارة إلى جميع السورة ومعنى ) لفي الصحف الأولى ( أي ثابت فيها
الأعلى : ( 19 ) صحف إبراهيم وموسى
وقوله ) صحف إبراهيم وموسى ( بدل من الصحف الأولى قال قتادة وابن زيد يريد بقوله ) إن هذا ( والاخرة خير وأبقى وقالا تتابعت كتب الله عز وجل أن الاخرة خير وأبقى من الدنيا وقال الحسن تتابعت كتب الله جل ثناؤه إن هذا لفي الصحف الأولى وهو قوله ) وقد أفلح ( إلى اخرالسورة قرأ الجمهور في الصحف الأولى صحف إبراهيم بضم الحاء في الموضعين وقرأ الأعمش وهارون وأبو عمرو في رواية عنه بسكونها فيهما وقرأ الجمهور إبراهيم بالألف بعد الراء وبالياء بعد الهاء وقرأ أبو رجاء بحذفهما وفتح الهاء وقرأ أبو موسى وابن الزبير إبراهام بألفين


"""""" صفحة رقم 426 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه عن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال لنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قا 4 ل اجعلوها في سجودكم ولا مطعن في إسناده وأخرج أحمد وأبو داود والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى قال سبحان ربي الأعلى قال أبو داود خولف فيه وكيع فرواه شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد عن ابن عباس موقوفا وأخرجه موقوفا أيضا عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى قال سبحان ربي الأعلى وفي لفظ لعبد بن حميد عنه قال إذا قرأت سبح اسم ربك الأعلى فقل سبحان ربي الأعلى وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف عن علي بن أبي طالب أنه قرأ سبح اسم ربك الأعلى فقال سبحان ربي الأعلى وهو في الصلاة فقيل له أتزيد في القران قال لا إنما أمرنا بشيء فقلته وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي موسى الأشعري أنه قرأ في الجمعه بسبح اسم ربك الأعلى فقال سبحان ربي الأعلى وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عمر يقرأ سبح اسم ربك الأعلى فقال سبحان ربي الأعلى وكذلك هي في قراءة أبي بن كعب وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر أنه قال إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى قال سبحان ربي الأعلى وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عبد الله بن الزبير أنه قرأ سبح اسم ربك الأعلى فقال سبحان ربي الأعلى وهو في الصلاة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فجعله غثاء ( قال هشيما ) أحوى ( قال متغيرا وأخرج ابن مردويه عنه قال كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يستذكر القران مخافة أن ينسى فقيل له قد كفيناك ذلك ونزلت ) سنقرئك فلا تنسى ( وأخرج الحاكم عن سعد بن أبي وقاص نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) إلا ما شاء الله ( يقول إلا ما شئت أنا فأنسيك وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا ) ونيسرك لليسرى ( قال للخير وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود ونيسرك لليسرى قال الجنة وأخرج البزار وابن مردويه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في قوله ) قد أفلح من تزكى ( قال من شهد أن لا إله إلا الله وقطع الأنداد وشهد إني رسول الله ) وذكر اسم ربه فصلى ( قال هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بمواقيتها قال البزار لا يروي عن جابر إلا من هذا الوجه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) قد أفلح من تزكى ( قال من الشرك وذكر اسم ربه قال وحد الله فصلى قال الصلوات الخمس وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس ) قد أفلح من تزكى ( قال من قال لا إله إلا الله وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وابن مردويه والبيهقي في سننه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه كان يأمر بزكاة الفطر قبل أن يصلي صلاة العيد ويتلو هذه الاية ) قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ( وفي لفظ قال سئل النبي صلى الله عليه واله وسلم عن زكاة الفطر فقال ) قد أفلح من تزكى ( قال هي زكاة الفطر وكثير بن عبد الله ضعيف جدا قال فيه أبو داود هو ركن من أركان الكذب وقد صحح الترمذي حديثا من طريقه وخطىء في ذلك ولكنه يشهد له ما أخرجه ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول ) قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ( ثم يقسم الفطرة قبل أن يغدو إلى المصلى يوم الفطر وليس في هذين الحديثين


"""""" صفحة رقم 427 """"""
ما يدل على أن ذلك سبب النزول بل فيهما أنه صلى الله عليه واله وسلم تلا الاية وقوله هي زكاة الفطر يمكن أن يراد به أنها مما يصدق عليه التزكى وقد قدمنا أن السورة مكية ولم تكن في مكة صلاة عيد ولا فطرة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي سعيد الخدري ) قد أفلح من تزكى ( قال أعطى صدقة الفطر قبل أن يخرج إلى العيد ) وذكر اسم ربه فصلى ( قال خرج إلى العيد وصلى وأخرج ابن مردويه واليبهقي عن ابن عمر قال إنما أنزلت هذه الاية في إخراج صدقة الفطر قبل صلاة العيد ) قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ( وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال قلت لابن عباس أرأيت قوله ) قد أفلح من تزكى ( للفطر قال لم أسمع بذلك ولكن للزكاة كلها ثم عاودته فقال لي والصدقات كلها وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن عرفجة الثقفي قال استقرأت ابن مسعود سبح اسم ربك الأعلى فلما بلغ ) بل تؤثرون الحياة الدنيا ( ترك القراءة وأقبل على أصحابه فقال اثرنا الدنيا على الاخرة فسكت القوم فقال اثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها وزويت عنا الاخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الاجل وقال ) بل تؤثرون الحياة الدنيا ( بالياء وأخرج البزار وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ( قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هي كلها في صحف إبراهيم وموسى وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الاية قال نسخت هذه السورة من صحف إبراهيم وموسى وفي لفظ هذه السورة في صحف إبراهيم وموسى وأخرج عبد ابن حميد وابن مردويه وابن عساكر عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب قال مائة كتاب وأربعة كتب الحديث
ع88
تفسير
سورة الغاشية
هي ست وعشرون آية وهي مكية بلا خلاف
حول السورة
وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة الغاشية بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وقد تقدم حديث النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان يقرأ سبح اسم ربك الأعلى والغاشية في صلاة العيد ويوم الجمعه بسم الله الرحمن الرحيم سورة الغاشية ( 1 26 )


"""""" صفحة رقم 428 """"""
الغاشية : ( 1 ) هل أتاك حديث . . . . .
قوله ) هل أتاك حديث الغاشية ( قال جماعة من المفسرين هل هنا بمعنى قد وبه قال قطرب أي قد جاءك يا محمد حديث الغاشية وهي القيامة لأنها تغشى الخلائق بأهوالها وقيل إن بقاء هل هنا على معناها الاستفهامي المتضمن للتعجيب مما في خبره والتشويق إلى استماعه أولى وقد ذهب إلى أن المراد بالغاشية هنا القيامة أكثر المفسرين وقال سعيد بن جبير ومحمد بن كعب الغاشية النار تغشى وجوه الكفار كما في قوله وتغشى وجوههم النار وقيل الغاشية أهل النار لأنهم يغشونها ويقتحمونها والأول أولى قال الكلبي المعنى إن لم يكن أتاك حديث الغاشية فقد أتاك
الغاشية : ( 1 ) هل أتاك حديث . . . . .
) وجوه يومئذ خاشعة ( الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ماهو أو مستأنفة استئنافا نحويا لبيان ما تضمنته من كون ثم وجوه في ذلك اليوم متصفة بهذه الصفة المذكورة ووجوه مرتفع على الابتداء وإن كانت نكرة لوقوعه في مقام التفصيل وقد تقدم مثل هذا في سورة القيامة وفي سورة النازعات والتنوين في يومئذ عوض عن المضاف إليه أي يوم غشيان الغاشية والخاشعة الذليلة الخاضعة وكل متضائل ساكن يقال له خاشع يقال خشع الصوت إذا خفى وخضع في صلاته إذا تذلل ونكس رأسه والمراد بالوجوه هنا أصحابها قال مقاتل يعني الكفار لأنهم تكبروا عن عبادة الله قال قتادة وابن زيد خاشعة في النار وقيل أراد وجوه اليهود والنصارى على الخصوص والأول أولى
الغاشية : ( 3 ) عاملة ناصبة
قوله ) عاملة ناصبة ( معنى عاملة أنها تعمل عملا شاقا قال أهل اللغة يقال للرجل إذا دأب في سيره عمل يعمل عملا ويقال للسحاب إذا دام برقه قد عمل يعمل عملا قيل وهذا العمل هو جر السلاسل والأغلال والخوض في النار ) ناصبة ( أي تعبة يقال نصب بالكسر ينصب نصبا إذا تعب والمعنى أنها في الاخرة تعبة لما تلاقيه من عذاب الله وقيل إن قوله عامله في الدنيا إذ لا عمل في الاخرة أي تعمل في الدنيا بالكفر والمعاصي وتنصب في ذلك وقيل إنها عاملة في الدنيا ناصبة في الاخرة والأول أولى قال قتادة ) عاملة ناصبة ( تكبرت في الدنيا عن طاعة الله فأعملها الله وأنصبها في النار بجر السلاسل الثقال وحمل الأغلال والوقوف حفاة عراة في العرصات في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال الحسن وسعيد بن جبير لم تعمل لله في الدنيا ولم تنصب فأعملها وأنصبها في جهنم قال الكلبي يجرون على وجوههم في النار وقال أيضا يكلفون ارتقاء جبل من حديد في جهنم فينصبون فيها أشد ما يكون من النصب بمعالجة السلاسل والأغلال والخوض في النار كما تخوض الإبل في الوحل قرأ الجمهور ) عاملة ناصبة ( بالرفع فيهما على أنهما خبران اخران للمبتدأ أو على تقدير مبتدأ وهما خبران له وقرأ ابن محيصن وعيسى وحميد


"""""" صفحة رقم 429 """"""
وابن كثير في رواية عنه بنصبهما على الحال أو على الذم
الغاشية : ( 4 ) تصلى نارا حامية
وقوله تصلى نارا حاميه خبر اخر للمبتدأ أي تدخل نارا متناهية في الحر يقال حمي النهار وحمى التنور أي اشتد حرهما قال الكسائي يقال اشتد حمى النهار وحموه بمعنى قرأ الجمهور تصلى بفتح التاء مبنيا للفاعل وقرأ أبو عمرو ويعقوب وأبو بكر بضمها مبنيا للمفعول وقرأ أبو رجاء بضم التاءوفتح الصاد وتشديد اللام والضمير راجع إلى الوجوه على جميع هذه القراءات والمراد أصحابها كما تقدم وهكذا الضمير
الغاشية : ( 5 ) تسقى من عين . . . . .
) تسقى من عين آنية ( والمراد بالعين الانية المتناهية في الحر والانى الذي قد انتهى حره من الإيناء بمعنى التأخر يقال اناه يؤنيه إيناء أي أخره وحبسه كما في قوله يطوفون بينها وبين حميم ان قال الواحدي قال المفسرون لو وقعت منها نطفة على جبال الدنيا لذابت
الغاشية : ( 6 ) ليس لهم طعام . . . . .
ولما ذكر سبحانه شرابهم عقبة بذكر طعامهم فقال ) ليس لهم طعام إلا من ضريع ( هو نوع من الشوك يقال له الشبرق في لسان قريش إذا كان رطبا فإذا يبس فهو الضريع كذا قال مجاهد وقتادة وغيرهما من المفسرين قيل وهو سم قاتل وإذا يبس لا تقربه دابة ولا ترعاه وقيل هو شيء يرمي به البحر يسمى الضريع من أقوات الأنعام لا من أقوات الناس فإذا رعت منه الإبل لم تشبع وهلكت هزالا قال الخليل الضريع نبات أخضر منتن الريح يرمي به البحر وجمهور أهل اللغة والتفسير قالوا بالأول ومنه قول أبي ذؤيب رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى
وعاد ضريعا بان عنه التحايص
وقال الهذلي يذكر إبلا وسوء مرعاها وحبسن في هرم الضريع وكلها
قرناء دامية اليدين جرود
وقال سعيد بن جبير الضريع الحجارة وقيل هو شجرة في نار جهنم وقال الحسن هو بعض ما أخفاه الله من العذاب وقال ابن كيسان هو طعام يضرعون عنده ويذلون ويتضرعون إلى الله بالخلاص منه فسمي بذلك لأن اكله بتضرع إلى الله في أن يعفى عنه لكراهته وخشونته قال النحاس قد يكون مشتقا من الضارع وهو الذليل أي من شربه يلحقه ضراعة وذلة وقال الحسن أيضا هو الزقوم وقيل هو واد في جهنم وقد تقدم في سورة الحاقة فليس له اليوم ها هنا حميم ولا طعام إلا من غسلين والغسلين غير الضريع كما تقدم وجمع بين الايتين بأن النار دركات فمنهم من طعامه الضريع ومنهم من طعامه الغسلين
الغاشية : ( 7 ) لا يسمن ولا . . . . .
ثم وصف سبحانه الضريع فقال ) لا يسمن ولا يغني من جوع ( أي لا يسمن الضريع اكله ولا يدفع عنه ما به من الجوع قال المفسرون لما نزلت هذه الاية قال المشركون إن إبلنا تسمن من الضريع فنزلت ) لا يسمن ولا يغني من جوع ( وكذبوا في قولهم هذا فإن الإبل لا تأكل الضريع ولا تقربه وقيل اشتبه عليهم أمره فظنوه كغيره من النبات النافع
الغاشية : ( 8 ) وجوه يومئذ ناعمة
ثم شرع سبحانه في بيان حال أهل الجنة بعد الفراغ من بيان حال أهل النار فقال ) وجوه يومئذ ناعمة ( أي ذات نعمة وبهجة وهي وجوه المؤمنين صارت وجوههم ناعمة لما شاهدوا من عاقبة أمرهم وما أعده الله لهم من الخير الذي يفوق الوصف ومثله قوله تعرف في وجوههم نضرة النعيم
الغاشية : ( 9 ) لسعيها راضية
ثم قال لسعيها راضية أي لعملها الذي عملته في الدنيا راضية لأنها قد أعطيت من الأجر ما أرضاها وقرت به عيونها والمراد بالوجوه هنا أصحابها كما تقدم
الغاشية : ( 10 ) في جنة عالية
) في جنة عالية ( أي عاليه المكان مرتفعة على غيرها من الأمكنة أو عالية القدر لأن فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين
الغاشية : ( 11 ) لا تسمع فيها . . . . .
) لا تسمع فيها لاغية ( قرأ الجمهور ) لا تسمع ( بفتح الفوقية ونصب لاغية أي لا تسمع أنت أيها المخاطب أو لا تسمع تلك الوجوه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتحتية مضمومة مبنيا للمفعول ورفع


"""""" صفحة رقم 430 """"""
لاغية وقرأ نافع بالفوقية مضمومة مبنيا للمفعول ورفع لاغية وقرأ الفضل والجحدري بفتح التحتية مبنيا للفاعل ونصب لاغية واللغو الكلام الساقط قال الفراء والأخفش أي لا تسمع فيها كلمة لغو قيل المراد بذلك الكذب والبهتان والكفر قاله قتادة وقال مجاهد أي الشتم وقال الفراء لا تسمع فيها حالفا يحلف بكذب وقال الكلبي لا تسمع في الجنة حالفا بيمين بزة ولا فاجرة وقال الفراء أيضا لا تسمع في كلام أهل الجنة كلمة تلغى لأنهم لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله تعالى على ما رزقهم من النعيم الدائم وهذا أرجح الأقوال لأن النكرة في سياق النفي من صيغ العموم ولا وجه لتخصيص هذا بنوع من اللغو خاص إلا بمخصص يصلح للتخصيص ولاغية إما صفة موصوف محذوف أي كلمة لاغية أو نفس لاغية أو مصدر أي لا تسمع فيها لغوا
الغاشية : ( 12 ) فيها عين جارية
) فيها عين جارية ( قد تقدم في سورة الإنسان أن فيها عيونا والعين هنا بمعنى العيون كما في قوله علمت نفس ومعنى جارية أنها تجري مياهها وتتدفق بأنواع الأشربة المستلذة قال الكلبي لا أدري بماء أو بغيره
الغاشية : ( 13 ) فيها سرر مرفوعة
) فيها سرر مرفوعة ( أي عالية مرتفعة السمك أو عالية القدر
الغاشية : ( 14 ) وأكواب موضوعة
) وأكواب موضوعة ( قد تقدم أن الأكواب جمع كوب وأنه القدح الذي لا عروة له ومعنى موضوعة أنها موضوعة بين أيديهم يشربون منها
الغاشية : ( 15 ) ونمارق مصفوفة
) ونمارق مصفوفة ( النمارق الوسائد قال الواحدي في قول الجميع واحدتها نمرقة بضم النون وزاد الفراء سماعا عن العرب نمرقة بكسرها قال الكلبي وسائد مصفوفة بعضها إلى بعض ومنه قول الشاعر وإنا لنجرى الكأس بين شروبنا
وبين أبي قابوس فوق النمارق
وقال الاخر كهول وشبان حسان وجوههم
على سرر مصفوفة ونمارق
قال في الصحاح النمرق والنمرقة وسادة صغيرة وكذلك النمرقة بالكسر لغة حكاها يعقوب
الغاشية : ( 16 ) وزرابي مبثوثة
) وزرابي مبثوثة ( يعني البسط واحدها زربى وزربية قال أبو عبيدة والفراء الزرابي الطنافس التي لها خمل رقيق واحدها زربية والمبثوثة المبسوطة قاله قتادة وقال عكرمة بعضها فوق بعض قال الواحدي ويجوز أن يكون المعنى أنها مفرقة في المجالس وبه قال القتيب وقال الفراء معنى مبثوثة كثيرة والظاهر أن معنى البث التفرق مع كثرة ومنه وبث فيها من كل دابة
الغاشية : ( 17 ) أفلا ينظرون إلى . . . . .
) أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ( الاستفهام للتقريع والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر كما في نظائره مما مر غير مرة والجملة مسوقة لتقرير أمر البعث والاستدلال عليه وكذا ما بعدها وكيف منصوبة بما بعدها والجملة في محل جر على أنها بدل اشتمال من الإبل والمعنى أينكرون أمر البعث ويستبعدون وقوعه أفلا ينظرون إلى الإبل التي هي غالب مواشيهم وأكبر ما يشاهدونه من المخلوقات ) كيف خلقت ( على ما هي عليه من الخلق البديع من عظم جثتها ومزيد قوتها وبديع أوصافها قال أبو عمرو بن العلاء إنما خص الإبل لأنها من ذوات الأربع تبرك فتحمل عليها الحمولة وغيرها من ذوات الأربع لا يحمل عليه إلا وهو قائم قال الزجاج نبههم على عظيم من خلقه قد ذلله للصغير يقوده وينيخه وينهضه ويحمل عليه الثقيل من الحمل وهو بارك فينهض بثقل حمله وليس ذلك في شيء من الحوامل غيره فأراهم عظيما من خلقه ليدل بذلك على توحيده وسئل الحسن عن هذه الاية وقيل له الفيل أعظم في الأعجوبة فقال أما الفيل فالعرب بعيدة العهد به ثم هو خنزير لا يركب ظهره ولا يؤكل لحمه ولا يحلب دره والإبل من أعز مال العرب وأنفسه تأكل النوى والقت وتخرج اللبن ويأخذ الصبي بزمامها فيذهب بها حيث شاء مع عظمها في نفسها وقال المبرد الإبل هنا هي القطع العظيمة من السحاب وهو خلاف ما ذكره أهل التفسير واللغة


"""""" صفحة رقم 431 """"""
وروى عن الأصمعي أنه قال من قرأ خلقت بالتخفيف عني به البعير ومن قرأ بالتشديد عني به السحاب
الغاشية : ( 18 ) وإلى السماء كيف . . . . .
) وإلى السماء كيف رفعت ( أي رفعت فوق الأرض بلا عمد على وجه لا يناله الفهم ولا يدركه العقل وقيل رفعت فلا ينالها شيء
الغاشية : ( 19 ) وإلى الجبال كيف . . . . .
) وإلى الجبال كيف نصبت ( على الأرض مرساة راسخة لا تميد ولا تميل ولا تزول
الغاشية : ( 20 ) وإلى الأرض كيف . . . . .
) وإلى الأرض كيف سطحت ( أي بسطت والسطح بسط الشيء يقال لظهر البيت إذا كان مستويا سطح قرأ الجمهور سطحت مبنيا للمفعول مخففا وقرأ الحسن بالتشديد وقرأ علي بن أبي طالب وابن السميفع وأبو العالية خلقت ورفعت ونصبت وسطحت على البناء للفاعل وضم التاء فيها كلها
الغاشية : ( 21 ) فذكر إنما أنت . . . . .
ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه واله وسلم بالتذكير فقال ) فذكر ( والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها أي فعظهم يا محمد وخوفهم ثم علل الأمر بالتذكير فقال ) إنما أنت مذكر ( أي ليس عليك إلا ذلك و
الغاشية : ( 22 ) لست عليهم بمصيطر
) لست عليهم بمصيطر ( المصيطر والمسيطر بالسين والصاد المسلط على الشيء ليشرف عليه ويتعهد أحواله كذا في الصحاح أي لست عليهم بمصيطر حتى تكرههم على الإيمان وهذا منسوخ باية السيف قرأ الجمهور بمصيطر بالصاد وقرأ هشام وقنبل في رواية بالسين وقرأ خلف بإشمام الصاد زايا وقرأ هارون الأعور بفتح الطاء اسم مفعول
الغاشية : ( 23 ) إلا من تولى . . . . .
) إلا من تولى وكفر ( هذا استثناء منقطع أي لكن من تولى عن الوعظ والتذكير
الغاشية : ( 24 ) فيعذبه الله العذاب . . . . .
) فيعذبه الله العذاب الأكبر ( وهو عذاب جهنم الدائم وقيل هو استثناء متصل من قوله ) فذكر ( أي فذكر كل أحد إلا من انقطع طمعك عن إيمانه وتولى فاستحق العذاب الأكبر والأول أولى وإنما قال الأكبر لأنهم قد عذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والقتل والأسر وقرأ ابن مسعود ? فإنه يعذبه الله ? وقرأ ابن عباس وقتادة ) إلا من تولى ( على أنها ألا التي للتنبيه والاستفتاح
الغاشية : ( 25 ) إن إلينا إيابهم
) إن إلينا إيابهم ( أي رجوعهم بعد الموت يقال اب يئوب إذا رجع ومنه قول عبيد بن الأبرص وكل ذي غيبة يتوب
وغائب الموت لا يئوب
قرأ الجمهور إيابهم بالتخفيف وقرأ أبو جعفر وشيبة بالتشديد قال أبو حاتم لا يجوز التشديد ولو جاز لجاز مثله في الصيام والقيام وقيل هما لغتان بمعنى قال الواحدي وأما إيابهم بتشديد الياء فإنه شاذ لم يجزه أحد غير الزجاج
الغاشية : ( 26 ) ثم إن علينا . . . . .
) ثم إن علينا حسابهم ( يعني جزاءهم بعد رجوعهم إلى الله بالبعث وثم للتراخي في الرتبة لبعد منزلة الحساب في الشدة عن منزلة الإياب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الغاشية من أسماء القيامة وأخرج ابن أبي حاتم عنه ) هل أتاك حديث الغاشية ( قال الساعة ) وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة ( قال تعمل وتنصب في النار ) تسقى من عين آنية ( قال هي التي قد طال أينها ) ليس لهم طعام إلا من ضريع ( قال الشبرق وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا ) وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة ( قال يعني اليهود والنصارى تخشع ولا ينفعها عملها ) تسقى من عين آنية ( قال قد أنى غليانها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) تصلى نارا حامية ( قال حارة ) تسقى من عين آنية ( قال انتهى حرها ) ليس لهم طعام إلا من ضريع ( يقول من شجر من نار وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا ) إلا من ضريع ( قال الشبرق اليابس وأخرج ابن جرير عنه أيضا ) لا تسمع فيها لاغية ( يقول لا تسمع أذى ولا باطل وفي قوله ) فيها سرر مرفوعة ( قال بعضها فوق بعض ونمارق قال مجالس وأخرج ابن جرير ابن أبي حاتم عنه أيضا ) ونمارق ( قال المرافق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) لست عليهم بمصيطر ( قال جبار ) إلا من تولى وكفر ( قال حسابه على الله وأخرج أبو داود في ناسخه عنه أيضا ) لست عليهم بمصيطر ( ثم نسخ ذلك فقال اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وأخرج ابن المنذر عنه أيضا ) إن إلينا إيابهم ( قال مرجعهم


"""""" صفحة رقم 432 """"""
ع89
تفسير
سورة الفجر
هي ثلاثون آية وقيل تسع وعشرون آية
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن الضريس والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي من طرق عن ابن عباس قال نزلت والفجر بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير وعائشة مثله وأخرج النسائي عن جابر قال صلى معاذ صلاة فجاء رجل فصلى معه فطول فصلى في ناحية المسجد ثم انصرف فبلغ ذلك معاذا فقال منافق فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال يا رسول الله جئت أصلى فطول على فانصرفت فصليت في ناحية المسجد فعلفت ناضحى فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أفتان أنت يا معاذ أين أنت من سبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والفجر والليل إذا يغشى بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفجر ( 1 14
الفجر : ( 1 ) والفجر
أقسم سبحانه بهذه الأشياء كما أقسم بغيرها من مخلوقاته واختلف في الفجر الذي أقسم الله به هنا فقيل هو الوقت المعروف وسمى فجرا لأنه وقت انفجار الظلمة عن النهار من كل يوم وقال قتادة إنه فجر أول يوم من شهر محرم لأن منه تتفجر السنة وقال مجاهد يريد يوم النحر وقال الضحاك فجر ذي الحجة لأن الله قرن الأيام به فقال وليال عشر أي ليالي عشر من ذي الحجة وبه قال السدى والكلبي وقيل المعنى وصلاة الفجر أو رب الفجر والأول أولى وجواب هذا القسم وما بعده هو قوله ) إن ربك لبالمرصاد ( كذا قال ابن الأنباري وقيل محذوف لدلالة السياق عليه أي ليجازين كل أحد بما عمل أو ليعذبن وقدره أبو حيان بما دلت عليه خاتمة السورة التي قبله أي والفجر الخ لإيابهم إلينا وحسابهم علينا وهذا ضعيف جدا وأضعف منه قول من قال إن الجواب قوله هل في ذلك قسم لذي حجر وأن هل بمعنى قد لأن هذا لا يصح أن يكون مقسما عليه أبدا
الفجر : ( 2 ) وليال عشر
) وليال عشر ( هي عشر ذي الحجة في قول جمهور المفسرين وقال الضحاك إنها الأواخر من رمضان وقيل العشر الأول من المحرم إلى عاشرها يوم عاشوراء قرأ الجمهور ليال بالتنوين وعشر صفة لها وقرأ ابن عباس وليالي عشر بالاضافة قيل والمراد ليالي أيام عشر وكان حقه على هذا أن


"""""" صفحة رقم 433 """"""
يقال عشرة لأن المعدود مذكر وأجيب عنه بأنه إذا حذف المعدود جاز الوجهان
الفجر : ( 3 ) والشفع والوتر
(والشفع والوتر) الشفع والوتر يعمان كل الأشياء شفعها ووترها وقيل شفع الليالي ووترها وقال قتادة الشفع والوتر شفع الصلاة ووترها منها شفع ومنها وتر وقيل الشفع يوم عرفة ويوم النحر والوتر ليلة يوم النحر وقال مجاهد وعطية العوفى الشفع الخلق والوتر الله الواحد الصمد وبه قال محمد بن سيرين ومسروق وأبو صالح وقتادة وقال الربيع بن أنس وأبو العالية هي صلاة المغرب فيها ركعتان والوتر الركعة وقال الضحاك الشفع عشر ذي الحجة والوتر أيام مني الثلاثة وبه قال عطاء وقيل هما ادم وحواء لأن ادم كان وترا فشفع بحواء وقيل الشفع درجات الجنة وهي ثمان والوتر دركات النار وهي سبع وبه قال الحسين بن الفضل وقيل الشفع الصفا والمروة والوتر الكعبة وقال مقاتل الشفع الأيام والليالي والوتر اليوم الذي لا ليلة بعده وهو يوم القيامة وقال سفيان بن عيينة الوتر هو الله سبحانه وهو الشفع أيضا لقوله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الاية وقال الحسن المراد بالشفع والوتر العدد كله لأن العدد لا يخلو عنهما وقيل الشفع مسجد مكة والمدينة والوتر مسجد بيت المقدس وقيل الشفع حجج القران والوتر الإفراد وقيل الشفع الحيوان لأنه ذكر وأنثى والوتر الجماد وقيل الشفع ما سمى والوتر مالا يسمى ولا يخفاك ما في غالب هذه الأقوال من السقوط البين والضعف الظاهر والاتكال في التعيين على مجرد الرأي الزائف والخاطر الخاطىء
والذي ينبغي التعويل عليه ويتعين المصير إليه ما يدل عليه معنى الشفع والوتر في كلام العرب وهما معروفان واضحان فالشفع عند العرب الزوج والوتر الفرد فالمراد بالاية إما نفس العدد أو ما يصدق عليه من المعدودات بأنه شفع أو وتر وإذا قام دليل على تعيين شيء من المعدودات في تفسير هذه الاية فإن كان الدليل يدل على أنه المراد نفسه دون غيره فذاك وإن كان الدليل يدل على أنه مما تناولته هذه الاية لم يكن ذلك مانعا من تناولها لغيره قرأ الجمهور والوتر بفتح الواو وقرأ حمزه والكسائي وخلف بكسرها وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه وهما لغتان والفتح لغة قريش وأهل الحجاز والكسر لغة تميم قال الأصمعي كل فرد وتر وأهل الحجاز يفتحون فيقولون وتر في الفرد وحكى يونس عن ابن كثير أنه قرأ بفتح الواو وكسر التاء فيحتمل أن تكون لغة ثالثة ويحتمل أنه نقل كسرة الراء إلى التاء إجراء للوصل مجرى الوقف
الفجر : ( 4 ) والليل إذا يسر
) والليل إذا يسر ( قرأ الجمهور ) يسر ( بحذف الياء وصلا ووقفا اتباعا لرسم المصحف وقرأ نافع وأبو عمرو بحذفها في الوقف وإثباتها في الوصل وقرأ ابن كثير وابن محيصن ويعقوب بإثباتها في الوصل والوقف قال الخليل تسقط الياء منها موافقة لرؤوس الاى قال الزجاج والحذف أحب إلى لأنها فاصلة والفواصل تحذف منها الياآت قال الفراء قد تحذف العرب الياء وتكتفي بكسر ما قبلها وأنشد بعضهم كفاك كف ما تليق درهما
جودا وأخرى تعط بالسيف دما
ما تليق أي ما تمسك قال المؤرج سألت الأخفش عن العلة في إسقاط الياء من يسر فقال لا أجيبك حتى تبيت على باب داري سنة فبت على باب داره سنة فقال الليل لا يسري وإنما يسرى فيه فهو مصروف عن جهته وكل ما صرفته عن جهته بخسته من إعرابه ألا ترى إلى قوله وما كانت أمك بغيا ولم يقل بغية لأنه صرفها من باغية
وفي كلام الأخفش هذا نظر فإن صرف الشيء عن معناه لسبب من الأسباب لا يستلزم صرف لفظه عن بعض ما يستحقه ولو صح ذلك للزم في كل المجازات العقلية واللفظية واللازم باطل فالملزوم مثله والأصل


"""""" صفحة رقم 434 """"""
ههنا إثبات الياء لأنها لام الفعل المضارع المرفوع ولم تحذف لعلة من العلل إلا لاتباع رسم المصحف وموافقة رؤوس الاى إجراء للفواصل مجرى القوافى ومعنى ) والليل إذا يسر ( إذا يمضى كقوله والليل إذا أدبر والليل إذا عسعس وقيل معنى يسر يسار فيه كما يقال ليل نائم ونهار صائم كما في قول الشاعر لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى
ونمت وما ليل المطى بنائم
وبهذا قال الأخفش والقتيبي وغيرهما من أهل المعاني وبالأول قال جمهور المفسرين وقال قتادة وأبو العالية ) والليل إذا يسر ( أي جاء وأقبل وقال النخعي أي استوى قال عكرمة وقتادة والكلبي ومحمد بن كعب هي ليلة المزدلفة خاصة لاختصاصها باجتماع الناس فيها لطاعة الله سبحانه وقيل ليلة القدر لسراية الرحمة فيها والراجح عدم تخصيص ليلة من الليالي دون أخرى
الفجر : ( 5 ) هل في ذلك . . . . .
) هل في ذلك قسم لذي حجر ( هذا الاستفهام لتقرير تعظيم ما أقسم سبحانه به وتفخيمه من هذه الأمور المذكورة والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى تلك الأمور والتذكير بتأويل المذكور أي هل في ذلك المذكور من الأمور التي أقسمنا بها قسم أي مقسم به حقيق بأن تؤكد به الأخبار ) لذي حجر ( أي عقل ولب فمن كان ذا عقل ولب علم أن ما أقسم الله به من هذه الأشياء حقيق بأن يقسم به ومثل هذا قوله وإنه لقسم لو تعلمون عظيم قال الحسن لذي حجر أي لذي حلم وقال أبو مالك لذي ستر من الناس وقال الجمهور الحجر العقل قال الفراء الكل يرجع إلى معنى واحد لذي عقل ولذي حلم ولذي ستر الكل بمعنى العقل وأصل الحجر المنع يقال لمن ملك نفسه ومنعها إنه لذو حجر ومنه سمى الحجر لامتناعه بصلابته ومنه حجر الحاكم على فلان أي منعه قال والعرب تقول إنه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها
الفجر : ( 6 ) ألم تر كيف . . . . .
ثم ذكر سبحانه على طريقة الاستشهاد ما وقع من عذابه على بعض طوائف الكفار بسبب كفرهم وعنادهم وتكذيبهم للرسل تحذيرا للكفار في عصر نبينا صلى الله عليه واله وسلم وتخويفا لهم أن يصيبهم ما أصابهم فقال ) ألم تر كيف فعل ربك بعاد )
الفجر : ( 7 ) إرم ذات العماد
) إرم ذات العماد ( قرأ الجمهور بتنوين عاد على أن يكون إرم عطف بيان لعاد والمراد بعاد اسم أبيهم وإرم اسم القبيلة أو بدلا منه وامتناع صرف إرم للتعريف والتأنيث وقيل المراد بعاد أولاد عاد وهم عاد الأولى ويقال لمن بعدهم عاد الأخرى فيكون ذكر إرم على طريقة عطف البيان أو البدل للدلالة على أنهم عاد الأولى لا عاد الأخرى ولا بد من تقدير مضاف على كلا القولين أي أهل إرم أو سبط إرم فإن إرم هو جد عاد لأنه عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وقرأ الحسن وأبو العالية بإضافة عاد إلى إرم وقرأ الجمهور إرم بكسر الهمزة وفتح الراء والميم وقرأ الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك أرم بفتح الهمزة والراء وقرأ معاذ بسكون الراء تخفيفا وقرىء بإضافة إرم إلى ذات العماد قال مجاهد من قرأ بفتح الهمزة شبههم بالإرم التي هي الأعلام واحدها أرم وفي الكلام تقديم وتأخير أي والفجر وكذا وكذا ) إن ربك لبالمرصاد ( ألم تر أي ألم ينته علمك إلى مافعل ربك بعاد وهذه الرؤية رؤيه القلب والخطاب للنبي صلى الله عليه واله وسلم أو لكل من يصلح له وقد كان أمر عاد وثمود مشهورا عند العرب لأن ديارهم متصلة بديار العرب وكانوا يسمعون من أهل الكتاب أمر فرعون وقال مجاهد أيضا إرم أمة من الأمم وقال قتادة هي قبيلة من عاد وقيل هما عادان فالأولى هي إرم ومنه قول قيس بن الرقيات مجدا تليدا بناه أولهم
أدرك عادا وقبله إرم


"""""" صفحة رقم 435 """"""
قال معمر إرم إليه مجتمع عاد وثمود وكان يقال عاد إرم وعاد ثمود وكانت القبيلتان تنسب إلى أرم قال أبو عبيدة هما عادان فالأولى إرم ومعنى ذات العماد ذات القوة والشدة مأخوذ من قوة الأعمدة كذا قال الضحاك وقال قتادة ومجاهد إنهم كانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج النبت رجعوا إلى منازلهم وقال مقاتل ذات العماد يعني طولهم كان طول الرجل منهم اثنى عشرة ذراعا ويقال رجل طويل العماد أي القامة قال أبو عبيدة ذات العماد ذات الطول يقال رجل معمد إذا كان طويلا وقال مجاهد وقتادة أيضا كان عمادا لقومهم يقال فلان عميد القوم وعمودهم أي سيدهم وقال ابن زيد ذات العماد يعني إحكام البنيان بالعمد قال في الصحاح والعماد الأبنية الرفيعة تذكر وتؤنث قال عمرو بن كلثوم ونحن إذا عماد الحي خرت
على الإخفاض نمنع من يلينا
وقال عكرمة وسعيد المقبري هي دمشق ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك وقال محمد بن كعب هي الإسكندرية
الفجر : ( 8 ) التي لم يخلق . . . . .
(التي لم يخلق مثلها في البلاد) هذه صفة لعاد أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والشدة والقوة وهم الذين قالوا من اشد منا قوة أو صفة القرية على قول من قال إن إرم اسم لقريتهم أو للأرض التي كانوا فيها والأول أولى ويدل عليه قراءة أبي التي لم يخلق مثلهم في البلاد وقيل الإرم الهلاك قال الضحاك إرم ذات العماد أي أهلكهم فجعلم رميما وبه قال شهر بن حوشب وقد ذكر جماعة من المفسرين أن إرم ذات العماد اسم مدينة مبنية بالذهب والفضة قصورها ودورها وبساتينها وإن حصباءها جواهر وترابها مسك وليس بها أنيس ولا فيها ساكن من بني آدم وإنها لا تزال تنتقل من موضع إلى موضع فتارة تكون باليمن وتارة تكون بالشام وتارة تكون بالعراق وتارة تكون بسائر البلاد وهذا كذب بحت لا ينفق على من له أدنى تميز وزاد الثعلبي في تفسيره فقال إن عبدالله بن قلابة في زمان معاوية دخل هذه المدينة وهذا كذب على كذب وافتراء على افتراء وقد أصيب الإسلام وأهله بداهية دهياء وفاقرة عظمى ورزية كبرى من مثال هؤلاء الكذابين الدجالين الذين يجترئون على الكذب تارة على بني إسرائيل وتارة على الأنبياء وتارة على الصالحين وتارة على رب العالمين وتضاعف هذا الشر وزاد كثرة بتصدر جماعة من الذين لا علم لهم بصحيح الرواية من ضعيفها من موضوعها للتصنيف والتفسير للكتاب العزيز فأدخلوا هذه الخرافات المختلفة والأقاصيص المنحولة والأساطير المفتعلة في تفسير كتاب الله سبحانه فحرفوا وغيروا وبدلوا ومن أراد أن يقف على بعض ما ذكرنا فلينظر في كتابي الذي سميته الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة
الفجر : ( 9 ) وثمود الذين جابوا . . . . .
ثم عطف سبحانه القبيلة الآخرة وهي ثمود على قبيلة عاد فقال ) وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ( وهم قوم صالح سموا باسم جدهم ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح ومعنى جابوا الصخر قطعوه والجوب القطع ومنه جاب البلاد إذا قطعها ومنه سمى جيب القميص لأنه جيب أي قطع قال المفسرون أول من نحت الجبال والصخور ثمود فبنوا من المدائن ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة ومنه قوله سبحانه وتنحتون من الجبال بيوتا آمنين وكانوا ينحتون الجبال وينقبونها ويجعلون تلك الأنقاب بيوتا يسكنون فيها وقوله ) بالواد ( متعلق بجابوا أو بمحذوف على أنه حال من الصخر وهو وادي القرى قرأ الجمهور ثمود بمنع الصرف على أنه اسم للقبيلة ففيه التأنيث والتعريف وقرأ يحيى بن وثاب بالصرف على أنه اسم لأبيها وقرأ الجمهور أيضا بالمواد بحذف الياء وصلا ووقفا اتباعا لرسم المصحف وقرأ ابن كثير بأثباتها فيهما وقرأ قنبل في رواية عنه بإثباتها في الوصل دون الوقف
الفجر : ( 10 ) وفرعون ذي الأوتاد
وفرعون ذي الأوتاد أي ذو الجنود الذين لهم خيام كثيرة يشدونها بالأوتاد أو جعل الجنود أنفسهم أوتادا لأنهم يشدون الملك كما تشد الأوتاد الخيام وقيل كان له أوتاد يعذب الناس بها ويشدهم


"""""" صفحة رقم 436 """"""
إليها وقد تقدم بيان هذا في سورة ص
الفجر : ( 11 ) الذين طغوا في . . . . .
) الذين طغوا في البلاد ( الموصول صفة لعاد وثمود وفرعون أي طغت كل طائفة منهم في بلادهم وتمردت وعتت والطغيان مجاوزة الحد
الفجر : ( 12 ) فأكثروا فيها الفساد
) فأكثروا فيها الفساد ( بالكفر ومعاصي الله والجور على عباده ويجوز أن يكون الموصول في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين طغوا أو في محل نصب على الذم
الفجر : ( 13 ) فصب عليهم ربك . . . . .
) فصب عليهم ربك سوط عذاب ( أي أفرغ عليهم وألقى على تلك الطوائف سوط عذاب وهو ما عذبهم به قال الزجاج جعل صوته الذي ضربهم به العذاب يقال صب على فلان خلعة أي ألقاها عليه ومنه قول النابغة فصب عليه الله أحسن صبغة
وكان له بين البرية ناصر
ومنه قول الآخر ألم تر أن الله أظهر جينه
وصب على الكفار سوط عذاب
ومعنى صوت عذاب نصيب عذاب وذكر السوط إشارة إلى أن ما أحله بهم في الدنيا من العذاب العظيم هو بالنسبة إلى ما أعده لهم في الآخرة كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به وقيل ذكر السوط للدلالة على شدة ما نزل بهم وكان السوط عندهم هو نهاية ما يعذب به قال الفراء هي كلمة تقولها العرب لكل نوع من أنواع العذاب وأصل ذلك أن السوط هو عذابهم الذي يعذبون به فجرى لكل عذاب إذا كان فيه عندهم غاية العذاب وقيل معناه عذاب يخالط اللحم والدم من قولهم ساطة يسوطه سوطا أي خلطه فالسوط خلط الشيء بعضه ببعض ومنه قول كعب بن زهير لكنها خلة قد سيط من دمها
فجع وولع وإخلاف وتبديل
وقال الاخر أحارث إنا لو تساط دماؤنا
تزايلن حتى لا يمس دم دما
وقال اخر فسطها ذميم الرأي غير موفق
فلست على تسويطها بمعان
الفجر : ( 14 ) إن ربك لبالمرصاد
إن ربك لبالمرصاد قد قدمنا قول من قال إن هذا جواب القسم والأولى أن الجواب محذوف وهذه الجملة تعليل لما قبلها وفيها إرشاد إلى أن كفار قومه صلى الله عليه واله وسلم سيصيبهم ما أصاب أولئك الكفار ومعنى بالمرصاد أنه يرصد عمل كل إنسان حتى يجازيه عليه بالخير خيرا وبالشر شرا قال الحسن وعكرمة أي عليه طريق العباد لا يفوته أحد والرصد والمرصاد الطريق وقد تقدم بيانه في سورة براءة وتقدم أيضا عند قوله إن جهنم كانت مرصادا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله والفجر قال فجر النهار وأخرج ابن جرير عنه قال يعني صلاة الفجر وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب وابن عساكر عنه أيضا في قوله والفجر قال هو المحرم فجر السنة وقد ورد في فضل صوم شهر محرم أحاديث صحيحة ولكنها لا تدل على أنه المراد بالاية لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما وأخرج أحمد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن جابر أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال ) والفجر وليال عشر والشفع والوتر ( قال إن العشر عشر الأضحى والوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر وفي لفظ هي ليالي من ذي الحجة وأخرج عبد بن حميد عن طلحة بن عبد الله أنه دخل على ابن عمر هو وأبو سلمة بن عبد الرحمن فدعاهم ابن عمر إلى الغداء يوم عرفة فقال أبو سلمة اليس هذه الليالي العشر التي ذكرها الله في القران فقال ابن عمر وما يدربك قال ما أشك قال بلى فاشكك وقد


"""""" صفحة رقم 437 """"""
ورد في فضل هذه العشر أحاديث وليس فيها ما يدل على أنها المرادة بما في القران هنا بوجه من الوجوه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وليال عشر ( قال هي العشر الأواخر من رمضان وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه وابن مردويه عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه واله وسلم سئل عن الشفع والوتر فقال هي الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر وفي إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عن عمران بن حصين وقد روى عن عمران بن عصام على عمران بن حصين بإسقاط الرجل المجهول وقال الترمذي بعد أخراجه بالإسناد الذي فيه الرجل المجهول هو حديث غريب لا نعرفه الا من حديث قتادة قال ابن كثير وعندي أن وقفه على عمران بن حصين أشبه والله أعلم قال ولم يجزم ابن جرير بشيء من هذه الأقوال في الشفع والوتر وقد أخرج هذا الحديث موقوفا على عمران بن حصين عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير فهذا يقوى ما قاله ابن كثير وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله والشفع والوتر فقال كل شيء شفع فهو اثنان والوتر واحد وأخرج الطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه سئل عن الشفع والوتر فقال يومان وليلة يوم عرفة ويوم النحر والوتر ليلة النحر ليلة جمع وأخرج ابن جرير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال الشفع اليومان والوتر اليوم الثالث وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن الزبير أنه سئل عن الشفع والوتر فقال الشفع قول الله فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه والوتر اليوم الثالث وفي لفظ الوتر أوسط أيام التشريق وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس قال الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة وأخرج ابن جرير عنه والليل إذا يسر قال إذا ذهب وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود أنه قرأ والفجر إلى قوله إذا يسر قال هذا قسم على إن ربك بالمرصاد وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس في قوله قسم لذي حجر قال لذي حجى وعقل ونهى وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) بعاد إرم ( قال يعني بالإرم الهالك ألا ترى أنك تقول أرم بنو فلان ) ذات العماد ( يعني طولهم مثل العماد وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه ذكر ) إرم ذات العماد ( فقال كان الرجل منهم يأتي إلى الصخرة فيحملها على كاهله فيلقيها على أي حي أراد فيهلكهم وفي إسناده رجل مجهول لأن معاوية بن صالح رواه عمن حدثه عن المقدام وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) جابوا الصخر بالواد ( قال خرقوها وأخرج ابن جرير عنه في الاية قال كانوا ينحتون من الجبال بيوتا وفرعون ذي الأوتاد قال الأوتاد الجنود الذين يشدون له أمره وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود في قوله ) ذي الأوتاد ( قال وتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) إن ربك لبالمرصاد ( قال يسمع ويرى وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود في قوله ) إن ربك لبالمرصاد ( قال من وراء الصراط جسور جسر عليه الأمانة وجسر عليه الرحم وجسر عليه الرب عز وجل


"""""" صفحة رقم 438 """"""
سورة الفجر ( 15 30 )
الفجر : ( 15 ) فأما الإنسان إذا . . . . .
لما ذكر سبحانه أنه بالمرصاد ذكر ما يدل على اختلاف أحوال عباده عند إصابة الخير وعند إصابة الشر وأن مطمح أنظارهم ومعظم مقاصدهم هو الدنيا فقال ) فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه ( أي امتحنه واختبره بالنعم ) فأكرمه ونعمه ( أي أكرمه بالمال ووسع عليه رزقه ) فيقول ربي أكرمن ( فرحا بما نال وسرورا بما أعطى غير شاكر لله على ذلك ولا خاطر بباله أن ذلك امتحان له من ربه واختبار لحاله وكشف لما يشتمل عليه من الصبر والجزع والشكر للنعمة وكفرانها و ما في قوله إذا ما زائدة وقوله فأكرمه ونعمه تفسير للابتلاء ومعنى أكرمن أي فضلني بما أعطاني من المال وأسبغه على من النعم لمزيد استحقاقي لذلك وكوني موضعا له والإنسان مبتدأ وخبره فيقول ربي أكرمن ودخلت الفاء فيه لتضمن أما معنى الشرط والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر وإن تقدم لفظا فهو مؤخر في المعنى أي فأما الإنسان فيقول ربي أكرمني وقت ابتلائه بالإنعام قال الكلبي الإنسان هو الكافر أبي بن خلف وقال مقاتل نزلت في أمية بن خلف وقيل نزلت في عتبة بن ربيعة وأبي حذيفة بن المغيرة
الفجر : ( 16 ) وأما إذا ما . . . . .
) وأما إذا ما ابتلاه ( أي اختبره وعامله معاملة من يختبره ) فقدر عليه رزقه ( أي ضيقه ولم يوسعه له ولا بسط له فيه ) فيقول ربي أهانن ( أي أولاني هوانا وهذه صفة الكافر الذي لا يؤمن بالبعث لأنه لاكرامة عنده إلا الدنيا والتوسع في متاعها ولا إهانة عنده إلا فوتها وعدم وصوله إلى مايريد من زينتها فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته ويوفقه لعمل الاخرة ويحتمل ن يراد الإنسان على العموم لعدم تيقظة أن ما صار إليه من الخير وما أصيب به من الشر في الدنيا ليس إلا للاختبار والامتحان وأن الدنيا بأسرها لا تعدل عند الله جناح بعوضة ولو كانت تعدل جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء قرأنا نافع بإثبات الياء في أكرمن وأهانن وصلا وحذفهما وقفا وقرأ ابن كثير في رواية البزي عنه وابن محيصن ويعقوب بإثباتهما وصلا ووقفا وقرأ الباقون بحذفهما في الوصل والوقف اتباعا لرسم المصحف والموافقة رؤوس الاى والأصل إثباتها لأنها اسم ومن الحذف قول الشاعر ومن كاشح ظاهر غمره
إذا ما انتصبت له أنكرن


"""""" صفحة رقم 439 """"""
أي أنكرني وقرأ الجمهور فقدر بالتخفيف وقرأ ابن عامر عامر بالتشديد وهما لغتان وقرأ الحرميان وأبو عمرو ربي بفتح الياء في الموضعين وأسكنها الباقون
الفجر : ( 17 ) كلا بل لا . . . . .
وقوله كلا ردع للإنسان القائل في الحالتين ما قال وزجر له فإن الله سبحانه قد يوسع الرزق ويبسط النعم للإنسان لالكرامته ويضيقه عليه لا لإهانته بل للاختبار والامتحان كما تقدم قال الفراء كلا في هذا الموضع بمعنى أنه لم يكن ينبغي للعبد أن يكون هكذا ولكن يحمد الله على الغنى والفقر ثم انتقل سبحانه من بيان سوء أقوال الإنسان إلى بيان سوء أفعاله فقال ) بل لا تكرمون اليتيم ( 6 والالتفات إلى الخطاب لقصد التوبيخ والتقريع على قراءة الجمهور بالفوقية وقرأ أبو عمرو ويعقوب بالتحتية على الخبر وهكذا اختلفوا فيما بعد هذا من الأفعال فقرأ الجمهور تحضون وتأكلون وتحبون بالفوقية على الخطاب فيها وقرأ أبو عمرو ويعقوب بالتحتية فيها والجمع في هذه الأفعال باعتبار معنى الإنسان لأن المراد به الجنس أي بل لكم أفعال هي أقبح مما ذكر وهي أنكم تتركون إكرام اليتيم فتأكلون ماله وتمنعونه من فضل أموالكم قال مقاتل نزلت في قدامة بن مظعون وكان يتيما في حجر أمية بن خلف
الفجر : ( 18 ) ولا تحاضون على . . . . .
) ولا تحاضون على طعام المسكين ( قرأ الجمهور تحضون من حضه على كذا أي أغراه به ومفعوله محذوف أي لا تحضون أنفسكم أو لا يحض بعضكم بعضا على ذلك ولا يأمر به ولا يرشد إليه وقرأ الكوفيون تحاضون بفتح التاء والحاء بعدها ألف وأصله تتحاضون فحذف إحدى التاءين أي لا يحض بعضكم بعضا وقرأ الكسائي في رواية عنه والسلمي تحاضون بضم التاء من الحض وهو الحث وقوله ) على طعام المسكين ( متعلق بتحضون وهو إما اسم مصدر أي على إطعام المسكين أو اسم للمطعوم ويكون على حذف مضاف أي على بذل طعام المسكين أو على إعطاء طعام المسكين
الفجر : ( 19 ) وتأكلون التراث أكلا . . . . .
) وتأكلون التراث ( أصله الوراث فأبدلت التاء من الواو المضمومة كما في تجاه ووجاه والمراد به أموال اليتامى الذين يرثونه من قراباتهم وكذلك أموال النساء وذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون أموالهم ) أكلا لما ( أي أكلا شديدا وقيل معنى لما جمعا من قولهم لممت الطعام إذا أكلته جميعا قال الحسن يأكل نصيبه ونصيب اليتيم وكذا قال أبو عبيدة وأصل اللم في كلام العرب الجمع يقال لممت الشيء ألمه لما جمعته ومنه قولهم لم الله شعثه أي جمع ما تفرق من أموره ومنه قول النابغة ولست بمستبق أخا لا تلمه
على شعث أي الرجال المهذب
قال الليث اللم الجمع الشديد ومنه حجر ملموم وكتيبة ملمومة وللآكل يلم الثريد فيجمعه ثم يأكله وقال مجاهد يسفه سفا وقال ابن زيد هو إذا أكل ما له ألم بمال غيره فأكله ولا يفكر فيما أكل من خبيث وطيب
الفجر : ( 20 ) وتحبون المال حبا . . . . .
) وتحبون المال حبا جما ( أي حبا كثيرا والجم الكثير يقال جم الماء في الحوض إذا كثر واجتمع والجمة المكان الذي يجتمع فيه الماء ثم كرر سبحانه الردع لهم والزجر فقال ) كلا ( أي ما هكذا ينبغي أن يكون عملكم
الفجر : ( 21 ) كلا إذا دكت . . . . .
ثم استأنف سبحانه فقال ) إذا دكت الأرض دكا دكا ( وفيه وعيد لهم بعد الردع والزجر والدك الكسر والدق والمعنى هنا أنها زلزلت وحركت تحريكا بعد تحريك قال ابن قتيبة دكت جبالها حتى استوت قال الزجاج أي تزلزلت فدك بعضها بعضا قال المبرد أي بسطت وذهب ارتفاعها قال والدك حط المرتفع بالبسط وقد تقدم الكلام على الدك في سورة الأعراف وفي سورة الحاقة والمعنى أنها دكت مرة بعد أخرى وانتصاب دكا الأول على أنه مصدر مؤكد للفعل ودكا الثاني تأكيد للأول كذا قال ابن عصفور ويجوز أن يكون النصب على الحال أي حال كونها مدكوكة مره بعد مرة كما يقال علمته الحساب بابا بابا وعلمته


"""""" صفحة رقم 440 """"""
الخط حرفا حرفا والمعنى أنه كرر الدك عليها حتى صارت هباء منبثا
الفجر : ( 22 ) وجاء ربك والملك . . . . .
) وجاء ربك ( أي جاء أمره وقضاوه وظهرت اياته وقيل المعنى أنها زالت الشبه في ذلك اليوم وظهرت المعارف وصارت ضرورية كما يزول الشك عند مجىء الشيء الذي كان يشك فيه وقيل جاء قهر ربك وسلطانه وانفراده بالأمر والتدبير من دون أن يجعل إلى أحد من عباده شيئا من ذلك ) والملك صفا صفا ( انتصاب صفا صفا على الحال أي مصطفين أو ذوي صفوف قال عطاء يريد صفوف الملائكة وأهل كل سماء صف على حده قال الضحاك أهل كل سماء إذا نزلوا يوم القيامة كانوا صفا محيطين بالأرض ومن فيها فيكونون سبعة صفوف
الفجر : ( 23 ) وجيء يومئذ بجهنم . . . . .
) وجيء يومئذ بجهنم ( يومئذ منصوب يجيىء والقائم مقام الفاعل بجهنم وجوز مكي أن يكون يومئذ هو القائم مقام الفاعل وليس بذاك قال الواحدي قال جماعة من المفسرين جىء بها يوم القيامة مزمومة بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها حتى تنصب عن يسار العرش فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا لركبتيه يقول يا رب نفسي نفسي وسيأتي الذي هذا نقله عن جماعة المفسرين مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن شاء الله ) يومئذ يتذكر الإنسان ( يومئذ هذا بدل من يومئذ الذي قبله أي يوم جىء بجهنم يتذكر الإنسان أي يتعظ ويذكر ما فرط منه ويندم على ما قدمه في الدنيا من الكفر والمعاصي وقيل إن قوله يومئذ الثاني بدل من قوله ) إذا دكت ( والعامل فيهما هو قوله ) يتذكر الإنسان ( ) وأنى له الذكرى ( أي ومن أين له التذكر والاتعاظ وقيل هو على حذف مضاف أي ومن أين له منفعة الذكرى قال الزجاج يظهر التوبة ومن أين له التوبة
الفجر : ( 24 ) يقول يا ليتني . . . . .
) يقول يا ليتني قدمت لحياتي ( الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قبل ماذا يقول الإنسان ويجوز أن تكون بدل اشتمال من قوله يتذكر والمعنى يتمنى أنه قدم الخير والعمل الصالح واللام في لحياتي بمعنى لأجل حياتي والمراد حياة الاخرة فإنها الحياة بالحقيقة لأنها دائمة غير منقطعة وقيل إن اللام بمعنى في والمراد حياة الدنيا أي يا ليتني قدمت الأعمال الصالحة في وقت حياتي في الدنيا أنتفع بها هذا اليوم والأول أولى قال الحسن علم والله أنه صادف حياة طويلة لا موت فيها
الفجر : ( 25 ) فيومئذ لا يعذب . . . . .
) فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ( أي يوم يكون زمان ما ذكر من الأحوال لا يعذب كعذاب الله أحد
الفجر : ( 26 ) ولا يوثق وثاقه . . . . .
) ولا يوثق ( ك ) وثاقه أحد ( أو لا يتولى عذاب الله ووثاقه أحد سواه إذ الأمر كله له والصميران على التقديرين في عذابه ووثاقه لله عز وجل وهذا على قراءة الجمهور يعذب ويوثق مبنيين للفاعل وقرأ الكسائي على البناء للمفعول فيهما فيكون الضميران راجعين إلى الإنسان أي لا يعذب كعذاب ذلك الإنسان أحد ولا يوثق كوثاقه أحد والمراد بالإنسان الكافر أي لا يعذب من ليس بكافر كعذاب الكافر وقيل إبليس وقيل المراد به أبي بن خلف قال الفراء المعنى أنه لا يعذب كعذاب هذا الكافر المعين أحد ولا يوثق بالسلاسل والأغلال كوثاقه أحد لتناهيه في الكفر والعناد وقيل المعنى أنه لا يعذب مكانه أحد ولا يوثق مكانه أحد فلا تؤخذ منه فدية وهو كقوله ولا تزر وازرة وزر أخرى والعذاب بمعنى التعذيب والوثاق بمعنى التوثيق واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الكسائي قال وتكون الهاء في الموضعين ضمير الكافر لأنه معروف أنه لا يعذب أحد كعذاب الله قال أبو علي الفارسي يجوز أن يكون الضمير للكافر على قراءة الجماعة أي لا يعذب أحد أحدا مثل تعذيب هذا الكافر
الفجر : ( 27 ) يا أيتها النفس . . . . .
ولما فرغ سبحانه من حكاية أحوال الأشقياء ذكر بعض أحوال السعداء فقال ) يا أيتها النفس المطمئنة ( المطمئنة هي الساكنة الموقنة بالإيمان وتوحيد الله الواصلة إلى ثلج اليقين بحيث لا يخالطها شك ولا يعتريها ريب قال الحسن هي المؤمنة الموقنة وقال مجاهد الراضية بقضاء الله التي علمت أن ما أخطأها لم يكن لصيبها وأن ما أصابها لم يكن ليخطئها


"""""" صفحة رقم 441 """"""
وقال مقاتل هي الامنة المطمئنة وقال ابن كيسان المطمئنة بذكر الله وقيل المخلصة قال ابن زيد المطمئنة لأنها بشرت بالجنة عند الموت وعند البعث ) ارجعي إلى ربك ( أي ارجعي إلى الله ) راضية ( بالثواب الذي أعطاك ) مرضية ( عنده وقيل ارجعي إلى موعده وقيل إلى أمره وقال عكرمة وعطاء معنى
الفجر : ( 28 ) ارجعي إلى ربك . . . . .
) ارجعي إلى ربك ( إلى جسدك الذي كنت فيه واختاره ابن جرير ويدل على هذا قراءة ابن عباس فادخلي في عبدي بالإفراد والأول أولى
الفجر : ( 29 ) فادخلي في عبادي
) فادخلي في عبادي ( أي في زمرة عبادي الصالحين وكوني من جملتهم وانتظمي في سلكهم
الفجر : ( 30 ) وادخلي جنتي
) وادخلي جنتي ( معهم قيل إنه يقال لها إرجعي إلى ربك عند خروجها من الدنيا ويقال لها ادخلي في عبادي وادخلي جنتي يوم القيامة والمراد بالاية كل نفس مطمئنة على العموم ولا ينافى ذلك نزولها في نفس معينة فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أكلا لما ( قال سفا وفي قوله ) حبا جما ( قال شديدا وأخرج ابن جرير عنه أكلا لما قال شديدا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) إذا دكت الأرض دكا دكا ( قال تحريكها وأخرج مسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وأنى له الذكرى ( يقول وكيف له وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) فيومئذ لا يعذب ( الاية قال لا يعذب بعذاب الله أحد ولا يوثق بوثاق الله أحد وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عنه أيضا في قوله ) يا أيتها النفس المطمئنة ( قال المؤمنة ) ارجعي إلى ربك ( يقول إلى جسدك قال نزلت هذه الاية وابو بكر جالس فقال يا رسول الله ما أحسن هذا فقال أما إنه سيقال لك هذا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير نحوه مرسلا وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول نحوه عن أبي بكر الصديق وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) يا أيتها النفس المطمئنة ( قال هو النبي صلى الله عليه واله وسلم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال ) النفس المطمئنة ( المصدقة وأخرج ابن جرير عنه أيضا في الاية قال ترد الأرواح يوم القيامة في الأجساد وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) ارجعي إلى ربك راضية ( قال بما أعطيت من الثواب ) مرضية ( عنها بعملها ) فادخلي في عبادي ( المؤمنين وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن سعيد بن جبير قال مات ابن عباس بالطائف فجاء طير لم ير على خلقته فدخل نعشه ثم لم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الاية على شفير القبر لا ندري من تلاها ) يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ( وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عكرمة مثله


"""""" صفحة رقم 442 """"""
ع90
تفسير
سورة البلد ويقال سورة لا أقسم
هي عشرون آية
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة لا أقسم بهذا البلد بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله بسم الله الرحمن الرحيم
سورة البلد ( 1 20 )
البلد : ( 1 ) لا أقسم بهذا . . . . .
قوله ) لا أقسم ( لا زائدة والمعنى أقسم ) بهذا البلد ( وقد تقدم الكلام على هذا في تفسير لا أقسم بيوم القيامة ومن زيادة لا في الكلام في غير القسم قول الشاعر تذكرت ليلى فاعترتني صبابة
وكاد صميم القلب لا يتصدع
أي يتصدع ومن ذلك قوله ما منعك أن لا تسجد أي أن تسجد قال الواحدي أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد الحرام وهو مكة قرأ الجمهور لا أقسم وقرأ الحسن والأعمش لأقسم من غير ألف وقيل هو نفي للقسم والمعنى لا أقسم بهذا البلد إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه وقال مجاهد إن لا رد على من أنكر البعث ثم ابتدأ فقال أقسم والمعنى ليس الأمر كما تحسبون والأول أولى والمعنى أقسم بالبلد ا 4 لحرام الذي أنت حل فيه وقال الواسطي إن المراد بالبلد المدينة وهو مع كونه خلاف إجماع المفسرين هو أيضا مدفوع لكون السورة مكية لا مدنية
البلد : ( 2 ) وأنت حل بهذا . . . . .
وجملة قوله ) وأنت حل بهذا البلد ( معترضة والمعنى أقسم بهذا البلد ) ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد ( واعترض بينهما بهذه الجملة والمعنى ومن المكابد أن مثلك على عظيم حرمته يستحل بهذا البلد كما يستحل الصيد في غير الحرم وقال الواحدي الحل والحلال والمحل واحد وهو ضد المحرم أحل الله لنبيه صلى الله عليه واله وسلم مكة يوم الفتح حتى قاتل وقد قال صلى الله عليه واله


"""""" صفحة رقم 443 """"""
وسلم لم تحل لأحد قبلى ولا تحل لأحد بعدي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار قال والمعنى أن الله لما ذكر القسم بمكة دل ذلك على عظم قدرها مع كونها حراما فوعد نبيه صلى الله عليه واله وسلم أن يحلها له حتى يقاتل فيها ويفتحها على يده فهذا وعد من الله تعالى بأن يحلها له حتى يكون بها حلا انتهى فالمعنى وأنت حل بهذا البلد في المستقبل كما في قوله إنك ميت وإنهم ميتون قال مجاهد المعنى ما صنعت فيه من شيء فأنت حل قال قتادة أنت حل به لست باثم يعني أنك غير مرتكب في هذا البلد ما يحرم عليك ارتكابه لا كالمشركين الذين يرتكبون فيه الكفر والمعاصي وقيل المعنى لا أقسم بهذا البلد وأنت حال به ومقيم فيه وهو محلك فعلى القول بأن لا نافية غير زائدة يكون المعنى لا أقسم به وأنت حال به فأنت أحق بالإقسام بك وعلى القول بأنها زائدة يكون المعنى أقسم بهذا البلد الذي أنت مقيم به تشريفا لك وتعظيما لقدرك لأنه قد صار بإقامتك فيه عظيما شريفا وزاد على ما كان عليه من الشرف والعظم ولكن هذا إذا تقرر في لغة العرب أن لفظ حل يجيىء بمعنى حال وكما يجوز أن تكون الجملة معترضة يجوز أن تكون في محل نصب على الحال
البلد : ( 3 ) ووالد وما ولد
) ووالد وما ولد ( عطف على البلد قال قتادة ومجاهد والضحاك والحسن وأبو صالح ) ووالد ( أي ادم ) وما ولد ( أي وما تناسل من ولده أقسم بهم لأنهم أعجب ما خلق الله على وجه الأرض لما فيهم من البيان والعقل والتدبير وفيهم الأنبياء والعلماء والصالحون وقال أبو عمران الجوني الوالد إبراهيم وما ولد ذريته قال الفراء إن ما عبارة عن الناس كقوله ما طاب لكم وقيل وقيل الوالد إبراهيم والولد إسماعيل ومحمد صلى الله عليه واله وسلم وقال عكرمة وسعيد ابن جبير ووالد يعني الذي يولد له وما ولد يعني العاقر الذي لا يولد له وكأنهما جعلا ما نافية وهو بعيد ولا يصح ذلك إلا بإضمار الموصول أي ووالد الذي ما ولد ولا يجوز إضمار الموصول عند البصريين وقال عطية العوفي هو عام في كل والد ومولود من جميع الحيوانات واختار هذا ابن جرير
البلد : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . .
) لقد خلقنا الإنسان في كبد ( هذا جواب القسم والإنسان هو هذا النوع الإنساني والكبد الشدة والمشقة يقال كابدت لأمر قاسيت شدته والإنسان لا يزال في مكابدة الدنيا ومقاساة شدائدها حتى يموت وأصل الكبد الشدة ومنه تكبد اللبن إذا غلط واشتد ويقال كبد الرجل إذا وجعت كبده ثم استعمل في كل شدة ومشقة ومنه قول أبي الأصبغ لي ابن عم لو أن الناس في كبد
لظل محتجرا بالنبل يرميني
قال الحسن يكابد مصائب الدنيا وشدائد الاخرة وقال أيضا يكابد الشكر على السراء ويكابد الصبر على الضراء لا يخلو عن أحدهما قال الكلبي نزلت هذه الاية في رجل من بني جمح يقال له أبو الأشدين وكان يأخذ الأديم العكاظي ويجعله تحت رجليه ويقول من أزالني عنه فله كذا فيجذبه عشرة حتى يتمزق ولا تزول قدماه وكان من أعداء النبي صلى الله عليه واله وسلم وفيه نزل ) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ( يعني لقوته ويكون معنى ) في كبد ( على هذا في شدة خلق وقيل معنى ) في كبد ( أنه جرىء القلب غليظ الكبد
البلد : ( 5 ) أيحسب أن لن . . . . .
) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ( أي يظن ابن ادم أن لن يقدر عليه ولا ينتقم منه أحد أو يظن أبو الأشدين أن لن يقدر عليه أحد وأن هي المخففة من الثقيلة واسمهما ضمير شأن مقدر
البلد : ( 6 ) يقول أهلكت مالا . . . . .
ثم أخبر سبحانه عن مقال هذا الإنسان فقال ) يقول أهلكت مالا لبدا ( أي كثيرا مجتمعا بعضه على بعض قال الليث مال لبد لا يخاف فناؤه م كثرته قال الكلبي ومقاتل يقول أهلكت في عداوة محمد مالا كثيرا وقال مقاتل نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل أذنب فاستفتى النبي صلى الله عليه واله وسلم فأمره أن يكفر فقال لقد ذهب مالي في


"""""" صفحة رقم 444 """"""
الكفارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد قرأ الجمهور لبدا بضم اللام وفتح الباء مخففا وقرأ مجاهد وحميد بضم اللام والباء مخففا وقرأ أبو جعفر بضم اللام وفتح الباء مشددا قال أبو عبيدة لبد فعل من التلبيد وهو المال الكثير بعضه على بعض قال الزجاج فعل للكثرة يقال رجل حطم إذا كان كثير الحطم قال الفراء واحدته لبدة والجمع لبد وقد تقدم بيان هذا في سورة الجن
البلد : ( 7 ) أيحسب أن لم . . . . .
) أيحسب أن لم يره أحد ( أي أيظن أنه لم يعاينه أحد قال قتادة أيظن أن الله سبحانه لم يره ولا يسأله عن ماله من أين كسبه وأين أنفقه وقال الكلبي كان كاذبا لم ينفق ما قال فقال الله أيظن أن الله لم ير ذلك منه فعل أ لم يفعل أنفق أو لم ينفق
البلد : ( 8 ) ألم نجعل له . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما أنعم به عليهم ليعتبروا فقال ) ألم نجعل له عينين ( يبصر بهما
البلد : ( 9 ) ولسانا وشفتين
) ولسانا ( ينطق به ) وشفتين ( يستر بهما ثغره قال الزجاج المعنى ألم نفعل به ما يدل على أن الله قادر على أن يبعثه والشفة محذوفة اللام وأصلها شفهة بدليل تصغيرها على شفيهة
البلد : ( 10 ) وهديناه النجدين
) وهديناه النجدين ( النجد الطريق في ارتفاع قال المفسرون بينا له طريق الخير وطريق الشر وقال الزجاج المعنى ألم نعرفه طريق الخير وطريق الشر مبينتين كتبين الطريقين العاليتين وقال عكرمة وسعيد بن المسيب والضحاك النجدان الثديان لأنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه والأول أولى وأصل النجد المكان المرتفع وجمعه نجود ومنه سميت نجد لارتفاعها عن انخفاض تهامة فالنجدان الطريقان العاليان ومنه قول امرىء القيس فريقان منهم قاطع بطن نخلة
واخر منهم قاطع نجد كبكب
البلد : ( 11 ) فلا اقتحم العقبة
) فلا اقتحم العقبة ( الاقتحام الرمى بالنفس في شيء من غير روية يقال منه قحم في الأمر قحوما أي رمى بنفسه فيه من غير روية وتقحيم النفس في الشيء إدخالها فيه من غير روية والقحمة بالضم المهلكة والعقبة في الأصل الطريق التي في الجبل سميت بذلك لصعوبة سلوكها وهو مثل ضربه سبحانه لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة قال الفراء والزجاج ذكر سبحانه هنا لا مرة واحدة والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي في مثل هذا الموضع حتى يعيدوها في كلام اخر كقوله ) فلا صدق ولا صلى ( وإنما أفردها هنا لدلالة اخر الكلام على معناه فيجوز أن يكون قوله ثم كان من الذين امنوا قائما مقام التكرير كأنه قال فلا اقتحم العقبة ولا امن قال المبرد وأبو علي الفارسي إن لا هنا بمعنى لم أي فلم يقتحم العقبة وروى نحو ذلك عن مجاهد فلهذا لم يحتج إلى التكرير ومنه قول زهير وكان طوى كشحا على مستكنة
فلا هو أبداها ولم يتقدم
أي فلم يبدها ولم يتقدم وقيل هو جار مجرى الدعاء كقولهم لانجاء قال أبو زيد وجماعة من المفسرين معنى الكلام هنا الاستفهام الذي بمعنى الإنكار تقديره أفلا اقتحم العقبة أو هلا اقتحم العقبة
البلد : ( 12 ) وما أدراك ما . . . . .
ثم بين سبحانه العقبة فقال ) وما أدراك ما العقبة ( أي أي شيء أعلمك ما اقتحامها
البلد : ( 13 ) فك رقبة
) فك رقبة ( اي هي إعتاق رقبة وتخليصهامن أسار الرق وكل شيء أطلقته فقد فككته ومنه فك الرهن وفك الكتاب فقد بين سبحانه أن العقبة هي هذه القرب المذكورة التي تكون بها النجاة من النار قال الحسن وقتادة هي عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله وقال مجاهد والضحاك والكلبي هي الصراط الذي يضرب على جهنم كحد السيف وقال كعب هي نار دون الجسر قيل وفي الكلام حذف أي وما أدراك ما اقتحام العقبة قرأ أبو عمرو وابن كثير والكسائي فك رقبة على أنه فعل ماض ونصب رقبة على المفعولية وهكذا قرا أو اطعم على أنه فعل


"""""" صفحة رقم 445 """"""
ماض وقرأ الباقون فك أو إطعام على أنهما مصدران وجر رقبة بإضافة المصدر إليها فعلى القراءة الأولى يكون الفعلان بدلا من افتحم أو بيانا له كأنه قيل فلا فك ولا أطعم والفك في الأصل حل القيد سمى العتق فكا لأن الرق كالقيد وسمى المرقوق رقبة لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته
البلد : ( 14 ) أو إطعام في . . . . .
) أو إطعام في يوم ذي مسغبة ( المسغبة المجاعة والسغب الجوع والساغب الجائع قال الراغب يقال منه سغب الرجل سغبا وسغوبا فهو ساغب وسغبان والمسغبة مفعلة منه وأنشد أبو عبيدة فلو كنت حرا بابن قيس بن عاصم
لما بت شبعانا وجارك ساغبا
قال النخعي ) في يوم ذي مسغبة ( أي عزيز فيه الطعام
البلد : ( 15 ) يتيما ذا مقربة
) يتيما ذا مقربة ( أي قرابة يقال فلان ذو قرابتي وذو مقربتي واليتيم في الأصل الضعيف يقال يتم الرجل إذا ضعف واليتيم عند أهل اللغة من لا أب له وقيل هو من لا أب له ولا أم ومنه قول قيس بن الملوح إلى الله أشكو فقد ليلى كما شكا
إلى الله فقد الوالدين يتيم
البلد : ( 16 ) أو مسكينا ذا . . . . .
) أو مسكينا ذا متربة ( أي لا شيء له كأنه لصق بالتراب لفقره وليس له مأوى إلا التراب يقال ترب الرجل يترب تربا ومتربة إذا افتقر حتى لصق بالتراب ضرا قال مجاهد هو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره وقال قتادة هو ذو العيال وقال عكرمة هو المديون وقال أبو سنان هو ذو الزمانة وقال ابن جبير هو الذي ليس له أحد وقال عكرمة هو البعيد التربة الغريب عن وطنه والأول أولى ومنه قول الهذلي وكنا إذا ما الضيف حل بأرضنا
سفكنا دماء البدن في تربة الحال
قرأ الجمهور ذي مسغبة على أنه صفة ليوم ويتيما هو مفعول إطعام وقرأ الحسن ذا مسغبة بالنصب على أنه مفعول إطعام أي يطعمون ذا مسغبة ويتيما بدل منه
البلد : ( 17 ) ثم كان من . . . . .
) ثم كان من الذين آمنوا ( عطف على المنفى بلا وجاء بثم للدلالة على تراخى رتبة الإيمان ورفعة محله وفيه دليل على أن هذه القرب إنما تنفع مع الإيمان وقيل المعنى ثم كان من الذين امنوا بأن هذا نافع لهم وقيل المعنى أنه أتى بهذه القرب لوجه الله ) وتواصوا بالصبر ( معطوف على امنوا أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله وعن معاصيه وعلى ما أصابهم من البلايا والمصائب ) وتواصوا بالمرحمة ( أي بالرحمة على عباد الله فإنهم إذا فعلوا ذلك رحموا اليتيم والمسكين واستكثروا من فعل الخير بالصدقة ونحوها
البلد : ( 18 ) أولئك أصحاب الميمنة
والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الموصول باعتبار اتصافه بالصفات المذكورة هم ) أصحاب الميمنة ( أي أصحاب جهة اليمين أو أصحاب اليمين أو الذين يعطون كتبهم بأيمانهم وقيل غير ذلك مما قد قدمنا ذكره في سورة الواقعة
البلد : ( 19 ) والذين كفروا بآياتنا . . . . .
) والذين كفروا بآياتنا ( أي بالقران أو بما هو أعم منه فتدخل الايات التنزيلية والآيات التكوينية التي تدل على الصانع سبحانه هم أصحاب المشأمة أي أصحاب الشمال أو أصحاب الشؤم أو الذين يعطون كتبهم بشمالهم أو غير ذلك مما تقدم
البلد : ( 20 ) عليهم نار مؤصدة
) عليهم نار مؤصدة ( أي مطبقة مغلقة يقال أصدت الباب وأوصدته إذا أغلقته وأطبقته ومنه قول الشاعر نحن إلى أجبال مكة ناقتي
ومن دونها أبواب صنعاء مؤصدة
قرأ الجمهور موصدة بالواو وقرأ أبو عمرو وحمزة وحفص بالهمزة مكان الواو وهما لغتان والمعنى واحد
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) لا أقسم بهذا البلد ( قال مكة ) وأنت حل بهذا البلد ( يعني بذلك النبي صلى الله عليه واله وسلم أحل الله له يوم دخل مكة أن يقتل من شاء ويستحيي من شاء


"""""" صفحة رقم 446 """"""
فقتل له يومئذ ابن خطل صبرا وهو اخذ بأستار الكعبة فلم يحل لأحد من الناس بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم أن يفعل فيها حراما حرمه الله فأحل الله له ما صنع بأهل مكة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في قوله ) لا أقسم بهذا البلد ( قال مكة ) وأنت حل بهذا البلد ( قال أنت يا محمد يحل لك أن تقاتل فيه وأما غيرك فلا وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي قال نزلت هذه الاية ) لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ( في خرجت فوجدت عبد الله بن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة فضربت عنقه بين الركن والمقام وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس ) لا أقسم بهذا البلد ( قال أحل له أن يصنع فيه ما شاء ) ووالد وما ولد ( قال يعني بالوالد ادم وما ولد ولده وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الاية قال الوالد الذي يلد وما ولد العاقر لا يلد من الرجال والنساء وأخرج ابن جرير والطبراني عنه أيضا ووالد قال ادم ) لقد خلقنا الإنسان في كبد ( 6 قال في اعتدال وانتصاب وأخرج ابن جرير عنه أيضا ) لقد خلقنا الإنسان في كبد ( قال في نصب وأخرج ابن جرير عنه أيضا ) لقد خلقنا الإنسان في كبد ( قال في شدة وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) لقد خلقنا الإنسان في كبد ( قال في شدة حلق ولادته ونبت أسنانه ومعيشته وختانه وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) لقد خلقنا الإنسان في كبد ( قال خلق الله كل شيء يمشي على أربعة إلا الإنسان فإنه خلق منتصبا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عنه أيضا ) لقد خلقنا الإنسان في كبد ( قال منتصبا في بطن أمه أنه قد وكل به ملك إذا نامت الأم أو اضطجعت رفع رأسه لولا ذلك لغرق في الدم وأخرج ابن جرير عنه أيضا في قوله ) مالا لبدا ( قال كثيرا وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود في قوله ) وهديناه النجدين ( قال سبيل الخير والشر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وهديناه النجدين ( قال الهدي والضلالة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه قال سبيل الخير والشر وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سنان بن سعد عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه واله وسلم هما نجدان فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير تفرد به سنان بن سعد ويقال سعد بن سنان وقد وثقه يحيى بن معيت وقال الإمام أحمد والنسائي والجوزجاني منكر الحديث وقال أحمد تركت حديثه لاحنطرابه قد روى خمسة عشر حديثا منكرة كلها ما أعرف منها حديثا واحدا يشبه حديثه حديث الحسن البصري لا يشبه حديث أنس وأخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه من طرق عن الحسن قال ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يقول فذكره وهذا مرسل وكذا رواه قتادة مرسلا أخرجه عنه ابن جرير ويشهد له ما أخرج الطبراني عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال يا إيها الناس إنهما نجدان نجد خير ونجد شر فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير ويشهد له أيضا ما أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال إنما هما نجدان نجد الخير ونجد الشر فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله ) وهديناه النجدين ( قال الثديين وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله ) فلا اقتحم العقبة ( قال جبل زلال في جهنم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال العقبة النار وأخرج عبد بن حميد عنه قال عقبة بين الجنة النار وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عائشة قالت لما نزل ) فلا اقتحم العقبة ( قيل


"""""" صفحة رقم 447 """"""
يا رسول الله ما عند أحدنا ما يعتق إلا أن عند أحدنا الجارية السوداء تخدمه فلو أمرناهن بالزنا فجئن بالأولاد فأعتقناهم فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحب إلى من أن امر بالزنا ثم أعتق الولد وأخرجه ابن جرير عنها بلفظ لعلاقة سوط في سبيل الله أعظم أجرا من هذا وقد ثبت الترغيب في عتق الرقاب بأحاديث كثيرة منها في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى الفرج بالفرج وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) في يوم ذي مسغبة ( قال مجاعة وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) في يوم ذي مسغبة ( قال جوع وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) يتيما ذا مقربة ( قال ذا قرابة وفي قوله ) ذا متربة ( قال بعيد التربة أي غريبا عن وطنه وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه أيضا ) أو مسكينا ذا متربة ( قال هو المطروح الذي ليس له بيت وفي لفظ للحاكم هو الذي لا يقيه من التراب شيء وفي لفظ هو اللازق بالتراب من شدة الفقر وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه واله وسلم ) مسكينا ذا متربة ( قال الذي مأواه المزابل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وتواصوا بالمرحمة ( يعني بذلك رحمة الناس كلهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ) مؤصدة ( قال مغلقة الأبواب وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة ) مؤصدة ( قال مطبقة
ع91
تفسير
سورة الشمس
هي خمس عشرة آية
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت والشمس وضحاها بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان يقرأ في صلاة العشاء والشمس وضحاها وأشباهها من السور وقد تقدم حديث جابر في الصحيح أ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لمعاذ هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه واله وسلم أمره أن يقرأ في صلاة الصبح بالليل إذا يغشى والشمس وضحاها وأخرج البيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن نصلي ركعتي الضحى بسورتيهما بالشمس وضحاها والضحى بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشمس ( 1 15 )


"""""" صفحة رقم 448 """"""
الشمس : ( 1 ) والشمس وضحاها
أقسم سبحانه بهذه الأمور وله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته وقال قوم إن القسم بهذه الأمور ونحوها مما تقدم ومما سيأتي هو على حذف مضاف أي و رب الشمس ورب القمر وهكذا سائرها ولا ملجىء إلى هذا ولا موجب له وقوله ) وضحاها ( هو قسم ثان قال مجاهد وضحاها أي ضوئها وإشراقها وأضاف الضحى إلى الشمس لأنه إنما يكون عند ارتفاعها وكذا قال الكلبي وقال قتادة ضحاها نهارها كله قال الفراء الضحى هو النهار وقال المبرد أصل الضحى الصبح وهو نور الشمس قال أبو الهيثم الضحى نقيض الظل وهو نور الشمس على وجه الأرض وأصله الضحى فاستثقلوا الياء فقلبوها ألفا وقيل المعروف عند العرب أن الضحى إذا طلعت الشمس وبعيد ذلك قليلا فإذا زاد فهو الضحاء بالمد قال المبرد الضحى والضحوة مشتقان من الضح وهو النور فأبدلت الألف والواو من الحاء
واختلف في جواب القسم ماذا هو فقيل هو قوله ) قد أفلح من زكاها ( قاله الزجاج وغيره قال الزجاج وحذفت اللام لأن الكلام قد طال فصار طوله عوضا منها وقيل الجواب محذوف أي والشمس وكذا لتبعثن وقيل تقديره ليدمدمن الله على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحا وأما ) قد أفلح من زكاها ( فكلام تابع لقوله ) فألهمها فجورها وتقواها ( على سبيل الاستطراد وليس من جواب القسم في شيء وقيل هو على التقديم والتأخير بغير حذف والمعنى قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها والشمس وضحاها والأول أولى
الشمس : ( 2 ) والقمر إذا تلاها
) والقمر إذا تلاها ( أي تبعها وذلك بأن طلع بعد غروبها يقال تلا يتلو تلوا إذا تبع قال المفسرون وذلك في النصف الأول من الشهر إذا غربت الشمس تلاها القمر في الاضاءة وخلفها في النور قال الزجاج تلاها حين استدار فكان يتلو الشمس في الضياء والنور يعني إذا كمل ضوءه فصار تابعا للشمس في الإنارة يعني كان مثلها في الإضاءة وذلك في الليالي البيض وقيل إذا تلا طلوعه طلوعها قال قتادة إن ذلك ليلة الهلال إذا سقطت رؤى الهلال قال ابن زيد إذا غربت الشمس في النصف الأول من الشهر تلاها القمر بالطلوع وفي اخر الشهر يتلوها بالغروب وقال الفراء تلاها أخذ منها يعني أن القمر يأخذ من ضوء الشمس
الشمس : ( 3 ) والنهار إذا جلاها
) والنهار إذا جلاها ( أي حلى الشمس وذلك أن الشمس عند انبساط النهار تنجلي تمام الانجلاء فكأنه جلاها مع أنها الذي تبسطه وقيل الضمير عائد إلى الظلمة أي جلى الظلمة وإن لم يجر للظلمة ذكر لأن المعنى معروف قال الفراء كما تقول أصبحت باردة أي أصبحت غداتنا باردة والأول أولى ومنه قول قيس بن الحطيم تجلت لنا كالشمس تحت غمامة
بدا حاجب منها وضنت بحاجب
وقيل المعنى جلى ما في الأرض من الحيوانات وغيرها بعد أن كانت مستترة في الليل وقيل جلى الدنيا وقيل جلى الأرض
الشمس : ( 4 ) والليل إذا يغشاها
) والليل إذا يغشاها ( أي يغشى الشمس فيذهب بضوئها فتغيب وتظلم الافاق وقيل يغشى الافاق وقيل الأرض وإن لم يجر لهما ذكر لأن ذلك معروف والأول أولى
الشمس : ( 5 ) والسماء وما بناها
) والسماء وما بناها ( يجوز أن تكون ما مصدرية أي والسماء وبنيانها ويجوز أن تكون موصولة أي والذي بناها وإيثار ما على من لإرادة الوصفية


"""""" صفحة رقم 449 """"""
لقصد التفخيم كأنه قال والقادر العظيم الشأن الذي بناها ورجح الأول الفراء والزجاج ولا وجه لقول من قال إن جعلها مصدرية مخل بالنظم ورجح الثاني ابن جرير
الشمس : ( 6 ) والأرض وما طحاها
) والأرض وما طحاها ( الكلام في ما هذه كالكلام في التي قبلها ومعنى طحاها بسطها كذا قال عامة المفسرين كما في قوله ) دحاها ( قالوا طحاها ودحاها واحد أي بسطها من كل جانب والطحو البسط وقيل معنى طحاها قسمها وقيل خلقها ومنه قول الشاعر وما يدري جذيمة من طحاها
ولا من ساكن العرش الرفيع
والأول أولى والطحو أيضا الذهاب قال أبو عمرو بن العلاء طحا الدحل إذا ذهب في الأرض يقال ما أدرى أين طحا ويقال طحا به قلبه إذا ذهب به ومنه قول الشاعر طحا بك قلب في الحسان طروب
بعيد الشباب عصر حان مشيب
الشمس : ( 7 ) ونفس وما سواها
) ونفس وما سواها ( الكلام في ما هذه كما تقدم ومعنى سواها خلقها وأنشأها وسوى أعضاءها قال عطاء يريد جميع ما خلق من الجن والإنس والتنكير للتفخيم وقيل المراد نفس ادم
الشمس : ( 8 ) فألهمها فجورها وتقواها
) فألهمها فجورها وتقواها ( أي عرفها وأفهمهما حالهما وما فيهما من الحسن والقبح قال مجاهد عرفها طريق الفجور والتقوى والطاعة والمعصية قال الفراء فألهمها عرفها طريق الخير وطريق الشر كما قال وهديناه النجدين قال محمد بن كعب إذا أراد الله بعبده خيرا ألهمه الخير فعمل به وإذا أراد به الشر ألهمه الشر فعمل به قال ابن زيد جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى وخذلانه إياها للفجور واختار هذا الزجاج وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان قال الواحدي وهذا هو الوجه لتفسير الإلهام فإن التبيين والتعليم والتعريف دون الإلهام والإلهام أن يوقع في قلبه ويجعل فيه وإذا أوقع الله في قلب عبده شيئا ألزمه ذلك الشىء قال وهذا صريح في أن الله خلق في المؤمن تقواه وفي الكافر فجوره
الشمس : ( 9 ) قد أفلح من . . . . .
) قد أفلح من زكاها ( أي قد فاز من زكى نفسه وأنماها واعلاها بالتقوى بكل مطلوب وظفر بكل محبوب وقد قدمنا أن هذا جواب القسم على الراجح وأصل الزكاة النمو والزيادة ومنه زكا الزرع إذا كثر
الشمس : ( 10 ) وقد خاب من . . . . .
) وقد خاب من دساها ( أي خسر من أضلها وأغواها قال أهل اللغة دساها أصله دسسها من التدسيس وهو إخفاء الشيء في الشيء فمعنى دساها في الاية أخفاها وأخملها ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح وكانت أجواد العرب تنزل الأمكنة المرتفعة ليشتهر مكانها فيقصدها الضيوف وكانت لئام العرب تنزل الهضاب والأمكنة المنخفضة ليخفى مكانها عن الوافدين وقيل معنى دساها أغواها ومنه قول الشاعر وأنت الذي دسيت عمرا فأصبحت
حلائله منه أرامل ضيعا
وقال ابن الأعرابي ) وقد خاب من دساها ( أي دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم
الشمس : ( 11 ) كذبت ثمود بطغواها
) كذبت ثمود بطغواها ( الطغوى اسم من الطغيان كالدعوى من الدعاء قال الواحدي قال المفسرون كذبت ثمود بطغيانها أي الطغيان حملتهم على التكذيب والطغيان مجاوزة الحد في المعاصي والباء للسببية وقيل كذبت ثمود بطغواها أي بعذابها الذي وعدت به وسمى العذاب طغوى لأنه طغى عليهم فتكون الباء على هذا للتعدية وقال محمد بن كعب بطغواها أي بأجمعها قرأ الجمهور بطغواها بفتح الطاء وقرأ الحسن والجحدري ومحمد بن كعب وحماد بن سلمة بضم الطاء فعلى القراءة الأولى هو مصدر بمعنى الطغيان وإنما قلبت الياء والواو للفرق بين الاسم والصفة لأنهم يقلبون الياء في الأسماء كثيرا نحو تقوى وسروى وعلى القراءة الثانية هو مصدر كالرجعي والحسنى ونحوهما وقيل هما لغتان
الشمس : ( 12 ) إذ انبعث أشقاها
) إذ انبعث أشقاها ( العامل في الظرف كذبت أو بطغواها أي حين قام أشقى ثمود وهو قدار بن سالف فعقر الناقة ومعنى ابعث انتدب لذلك وقام به يقال بعثته على الأمر فانبعث له وقد


"""""" صفحة رقم 450 """"""
الشمس : ( 13 ) فقال لهم رسول . . . . .
تقدم بيان هذا في الأعراف ) فقال لهم رسول الله ( يعني صالحا ) ناقة الله ( قال الزجاج ناقة الله منصوبة على معنى ذروا ناقة الله قال الفراء حذرهم إياها وكل تحذير فهو نصب ) وسقياها ( معطوف على ناقة وهو شربها من الماء قال الكلبي ومقاتل قال لهم صالح ذروا ناقة الله فلا تعقروها وذروا سقياها وهو شربها من النهر فلا تعرضوا له يوم شربها
الشمس : ( 14 ) فكذبوه فعقروها فدمدم . . . . .
فكذبوا بتحذيره إياهم ) فعقروها ( أي عقرها الأشقى وإنما أسند العقر إلى الجميع لأنهم رضوا بما فعله قال قتادة إنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم قال الفراء عقرها اثنان والعرب تقول هذان أفضل الناس وهذان خير الناس فلهذا لم يقل أشقياها ) فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ( أي أهلكهم وأطبق عليهم العذاب وحقيقة الدمدمة تضعيف العذاب وترديده يقال دمدمت على الشيء أي أطبقت عليه ودمدم عليه القبر أي أطبقه وناقة مدمومة إذا لبسها الشحم والدمدمة إهلاك باستئصال كذا قال المؤرج قال في الصحاح دمدمت الشيء إذا ألزقته بالأرض وطحطحته ودمدم الله عليهم أي أهلكهم وقال ابن الأعرابي دمدم إذا عذب عذابا تاما والضمير في فسواها يعود إلى الدمدمة أي فسوى الدمدمة عليهم وعمهم بها فاستوت على صغيرهم وكبيرهم وقيل يعود إلى الأرض أي فسوى الأرض عليهم فجعلهم تحت التراب وقيل يعود إلى الأمة أي ثمود قال الفراء سوى الأمة أنزل العذاب بصغيرها وكبيرها بمعنى سوى بينهم قرأ الجمهور ) فدمدم ( بميم بين الدالين وقرأ ابن الزبير فدهدم بهاء بين الدالين قال القرطبي وهما لغتان كما يقال امتقع لونه واهتقع لونه
الشمس : ( 15 ) ولا يخاف عقباها
فلا يخاف عقباها أي فعل الله ذلك بهم غير خائف من عاقبة ولا تبعة والضمير في عقباها يرجع إلى الفعلة أو إلى الدمدمة المدلول عليها بدمدم وقال السدى والضحاك والكلبي إن الكلام يرجع إلى العاقر لا إلى الله سبحانه أي لم يخف الذي عقرها عقبى ما صنع وقيل لا يخاف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عاقبة إهلاك قومه ولا يخشى ضررا يعود عليه من عذابهم لأنه قد أنذرهم والأول أولى قرأ الجمهور ولا يخاف بالواو وقرأ نافع وابن عامر بالفاء
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس وضحاها قال ضوئها والقمر إذا تلاها قال تبعها والنهار إذا جلاها قال أضاءها والسماء وما بناها قال الله بني السماء ) والأرض وما طحاها ( قال دحاها ) فألهمها فجورها وتقواها ( قال علمها الطاعة والمعصية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ) والأرض وما طحاها ( يقول قسمها ) فألهمها فجورها وتقواها ( قال من الخير والشر وأخرج الحاكم وصححه عنه أيضا ) فألهمها ( قال ألزمها فجورها وتقواها وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمران بن حصين أن رجلا قال يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه شيء قد قضى عليهم ومضى في قدر قد سبق أو فيما يستقبلون مما أتاهم نبيهم واتخذت عليهم به الحجة قال بل شيء قد قضى عليهم قال فلم يعملون إذن قال من كان الله خلقه لواحدة من المنزلتين يهيئه لعملها وتصديق ذلك في كتاب الله ) ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ( وسيأتي في السورة التي بعد هذه نحو هذا الحديث وأخرج ابن أبي شيبة واحمد والنسائي عن زيد بن أرقم قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول اللهم ات نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها وأخرجه ابن المنذر والطبراني وابن مردويه من حديث ابن عباس وزاد كان إذا تلا هذه الاية ) ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ( قال فذكره وزاد أيضا وهو في الصلاة وأخرج حديث زيد بن أرقم مسلم أيضا وأخرج نحوه أحمد من حديث عائشة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) قد أفلح من زكاها ( يقول


"""""" صفحة رقم 451 """"""
قد أفلح من زكى الله نفسه ) وقد خاب من دساها ( يقول قد خاب من دس الله نفسه فأضله ) ولا يخاف عقباها ( قال لا يخاف من أحد تبعة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) وقد خاب من دساها ( يعني مكر بها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول في قوله ) قد أفلح من زكاها ( الاية أفلحت نفس زكاها الله وخابت نفس خيبها الله من كل خير وجويبر ضعيف وأخرج ابن جرير عنه أيضا ) بطغواها ( قال اسم العذاب الذي جاءها الطغوى فقال كذبت ثمود بعذابها وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن زمعة قال خطب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال ) إذ انبعث أشقاها ( قال انبعث لها رجل عارم عزيز منبع في رهطه مثل أبي زمعة وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والبغوي والطبراني وابن مردويه والحاكم وأبو نعيم في الدلائل عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلى ألا أحدثك بأشقى الناس قال بلى قال رجلان أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك على هذا يعني قرنه حتى تبتل منه هذه يعني لحيته
ع92
تفسير
سورة الليل
هي إحدى وعشرون آية
حول السورة
وهي مكية عند الجمهور وقيل مدنية وأخرج ابن الضريس والنحاس والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت سورة ) والليل إذا يغشى ( بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج البيهقي في سننه عن جابر بن سمرة قال كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يقرأ في الظهر والعصر ) والليل إذا يغشى ( ونحوها وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس أ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صلى بهم الهاجرة فرفع صوته فقرأ ) والشمس وضحاها ( ) والليل إذا يغشى ( فقال له أبي بن كعب يا رسول الله أمرت في هذه الصلاة بشيء قال لا ولكن أردت أن أوقت لكم وقد تقدم حديث فهلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى 0 وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال إني لأقول إن هذه السورة نزلت في السماحة والبخل ) والليل إذا يغشى ( بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الليل ( 1 21 )


"""""" صفحة رقم 452 """"""
الليل : ( 1 ) والليل إذا يغشى
قوله ) والليل إذا يغشى ( أي يغطى بظلمته ما كان مضيئا قال الزجاج يغشى الليل الأفق وجميع ما بين السماء والأرض فيذهب ضوء النهار وقيل يغشى النهار وقيل يغشى الأرض والأول أولى
الليل : ( 2 ) والنهار إذا تجلى
) والنهار إذا تجلى ( أي ظهر وانكشف ووضح لزوال الظلمة التي كانت في الليل وذلك بطلوع الشمس
الليل : ( 3 ) وما خلق الذكر . . . . .
) وما خلق الذكر والأنثى ( ما هنا هي الموصولة أي والذي خلق الذكر والأنثى وعبر عن من بما للدلالة على الوصفية ولقصد التفخيم أي والقادر العظيم الذي خلق صنفى الذكر والأنثى قال الحسن والكلبي معناه والذي خلق الذكر والأنثى فيكون قد أقسم بنفسه قال أبو عبيدة وما خلق أي ومن خلق وقال مقاتل يعني وخلق الذكر والأنثى فتكون ما على هذا مصدرية قال الكلبي ومقاتل يعني ادم وحواء والظاهر العموم قرأ الجمهور ) وما خلق الذكر والأنثى ( وقرأ ابن مسعود ? والذكر والأنثى ? بدون ما خلق
الليل : ( 4 ) إن سعيكم لشتى
) إن سعيكم لشتى ( هذا جواب القسم أي إن عملكم لمختلف فمنه عمل للجنة ومنه عمل للنار قال جمهور المفسرين السعي العمل فساع في فكاك نفسه وساع في عطبها وشتى جمع شتيت كمرضى ومريض وقيل للمختلف شتى لتباعد ما بين بعضه وبعض
الليل : ( 5 ) فأما من أعطى . . . . .
) فأما من أعطى واتقى ( أي بذل ماله في وجوه الخير واتقى محارم الله التي نهى عنها
الليل : ( 6 ) وصدق بالحسنى
) وصدق بالحسنى ( أي بالخلف من الله قال المفسرون فأما من أعطى المعسرين وقال قتادة أعطى حق الله الذي عليه وقال الحسن أعطى الصدق من قلبه وصدق بالحسنى أي بلا إله إلا الله وبه قال الضحاك والسلمي وقال مجاهد بالحسنة بالجنة وقال زيد بن أسلم بالصلاة والزكاة والصوم والأول أولى قال قتادة بالحسنى أي بموعود الله الذي وعده أن يثيبه قال الحسن بالخلف من عطائه واختار هذا ابن جرير
الليل : ( 7 ) فسنيسره لليسرى
) فسنيسره لليسرى ( أي فسنهيئه للخصلة الحسنى وهي عمل الخير والمعنى فسنيسر له الإنفاق في سبيل الخير والعمل بالطاعة لله قال الواحدي قال المفسرون نزلت هذه الايات في أبي بكر الصديق اشترى ستة نفر من المؤمنين كانوا في أيدي أهل مكة يعذبونهم في الله
الليل : ( 8 ) وأما من بخل . . . . .
) وأما من بخل واستغنى ( أي بخل بماله فلم يبذله في سبل الخير واستغنى أي زهد في الأجر والثواب أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الاخرة
الليل : ( 9 ) وكذب بالحسنى
) وكذب بالحسنى ( أي بالخلف من الله عز وجل وقال مجاهد بالجنة وروى عنه أيضا أنه قال بلا إله إلا الله
الليل : ( 10 ) فسنيسره للعسرى
) فسنيسره للعسرى ( أي فسنهيئه للخصلة العسرى ونسهلها له حتى تتعسر عليه أسباب الخير والصلاح ويضعف عن فعلها فيؤديه ذلك إلى النار قال مقاتل يعسر عليه أن يعطى خيرا فيل العسرة الشر وذلك أن الشر يؤدي إلى العذاب والعسرة في العذاب والمعنى سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه قال الفراء سنيسره سنهيئه والعرب تقول قد يسرت الغنم إذا ولدت أو تهيأت للولادة قال الشاعر هما سيدانا يزعمان وإنما
يسوداننا إن يسرت غنماهما
الليل : ( 11 ) وما يغني عنه . . . . .
) وما يغني عنه ماله إذا تردى ( أي لا يغنى عنه شيئا ماله الذي بخل به أو أي شيء يغنى عنه إذا تردى أي هلك يقال ردىء الرجل يردى ردى وتردى يتردي إذا هلك وقال قتادة وأبو صالح وزيد بن أسلم


"""""" صفحة رقم 453 """"""
إذا تردى إذا سقط في جهنم يقال ردى في البئر وتردى إذا سقط فيها ويقال ما أدرى أين ردى أي اين ذهب
الليل : ( 12 ) إن علينا للهدى
) إن علينا للهدى ( هذه الجملة مستأنفة مقررة لما قبلها أي إن علينا البيان قال الزجاج علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال قال قتادة على الله البيان بيان حرامه وطاعته ومعصيته قال الفراء من سلك الهدى فعلى الله سبيله لقوله وعلى الله قصد السبيل يقول من أراد الله فهو على السبيل القاصد قال الفراء أيضا المعنى إن علينا للهدى والإضلال فحذف الإضلال كقوله سرابيل تقيكم الحر وقيل المعنى إن علينا ثواب هداه الذي هديناه
الليل : ( 13 ) وإن لنا للآخرة . . . . .
) وإن لنا للآخرة والأولى ( أي لنا كل ما في الاخرة وكل ما في الدنيا نتصرف به كيف نشاء فمن أرادهما أو إحداهما فليطلب ذلك منا وقيل المعنى إن لنا ثواب الاخرة وثواب الدنيا
الليل : ( 14 ) فأنذرتكم نارا تلظى
) فأنذرتكم نارا تلظى ( أي حذرتكم وخوفتكم نارا تتوقد وتتوهج وأصله تتلظى فحذفت إحدى التاءين تخفيفا وقرأ على الأصل عبيد بن عمير ويحيى بن يعمر وطلحة بن مصرف
الليل : ( 15 ) لا يصلاها إلا . . . . .
) لا يصلاها إلا الأشقى ( أي يصلاها صليا لازما على جهة الخلود إلا الأشقى وهو الكافر وإن صليها غيره من العصاه فليس صليه كصليه والمراد بقوله يصلاها يدخلها أو يجد صلاها وهو حرها
الليل : ( 16 ) الذي كذب وتولى
ثم وصف الأشقى فقال ) الذي كذب وتولى ( أي كذب بالحق الذي جاءت به الرسل وأعرض عن الطاعة والإيمان قال الفراء ) إلا الأشقى ( إلا من كان شقيا في علم الله جل ثناؤه قال ايضا لم يكن كذب برد ظاهر ولكن قصر عما أمر به من الطاعة فجعل تكذيبا كما تقول لقى فلان العدو فكذب إذا نكل ورجع عن اتباعه قال الزجاج هذه الاية هي التي من أجلها قال أهلالإرجاء بالإرجاء فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر ولأهل النار منازل فمنها أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار والله سبحانه كل ما وعد عليه بجنس من العذاب فجدير أن يعذب به وقد قال إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فلو كان كل من لم يشرك لم يعذب لم يكن في قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فائدة وقال في الكشاف الاية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين فأريد أن يبالغ في صفنعديهما المتناقضتين فقيل الأشقى وجعل مختصا بالصلة كأن النار لم تخلق إلا وقيل الأتقى وجعل مختصا بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له وقيل المراد بالأشقى أبو جهل أو أمية بن خلف وبالأتقى أبو بكر الصديق
الليل : ( 17 ) وسيجنبها الأتقى
ومعنى ) وسيجنبها الأتقى ( سيباعد عنها المتقى للكفر اتقاء بالغا قال الواحدي الأتقى أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين انتهى والأولى حمل الأشقى والأتقى على كل متصف بالصفتين المذكورتين ويكون المعنى أنه لا يصلاها صليا تاما لازما إلا الكامل في الشقاء وهو الكافر ولا يجنبها ويبعد عنها تبعيدا كاملا بحيث لا يحوم حولها فضلا عن أن يدخلها إلا الكامل في التقوس فلا ينافى هذا دخول بعض العصاة من المسلمين النار دخولا غير لازم ولا تبعيد بعض من لم يكن كامل التقوى عن النار تبعيدا غير بالغ مبلغ تبعيد الكامل في التقوى عنها والحاصل أن من تمسك من المرجئة بقوله ) لا يصلاها إلا الأشقى ( زاعما أن الأشقى الكافر لأنه الذي كذب وتولى ولم يقع التكذيب من عصاة المسلمين فيقال له فما تقول في قوله ) وسيجنبها الأتقى ( فإنه يدل على أنه لا يجنب النار إلا الكامل في التقوى فمن لم يكن كاملا فيها كعصاة المسلمين لم يكن ممن يجنب النار فإن أولت الأتقى بوجه من وجوه التأويل لزمك مثله في الأشقى فخذ إليك هذه مع تلك وكن كما قال الشاعر على أنني راض بأن أحمل الهوى
وأخرج منه لاعلى ولاليه
قيل اراد بالأشقى والأتقى الشقي والتقي كما قال طرفة بن العبد تمنى رجال أن أموت وإن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد


"""""" صفحة رقم 454 """"""
أي بواحد ولا يخفاك أنه ينافى هذا وصف الأشقى بالتكذيب فإن ذلك لا يكون إلا من الكافر فلا يتم ما اراده قائل هذا القول من شمول الوصفين لعصاة المسلمين
الليل : ( 18 ) الذي يؤتي ماله . . . . .
ثم ذكر سبحانه صفة الأتقى فقال ) الذي يؤتي ماله ( أي يعطيه ويصرفه في وجوه الخير وقوله ) يتزكى ( في محل نصب على الحال من فاعل يؤتى أي حال كونه يطلب أن يكون عند الله زكيا لا يطلب رياء ولا سمعة ويجوز ن يكون بدلا من يؤتى داخلا معه في حكم الصلة قرأ الجمهور يتزكى مضارع تزكى وقرأ على بن الحسين بن علي تزكى بإدغام التاء في الزاى
الليل : ( 19 ) وما لأحد عنده . . . . .
) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( الجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها من كون التزكى على جهة الخلوص غير مشوب بشائبة تنافى الخلوص أي ليس ممن يتصدق بماله ليجازى بصدقته نعمة لأحد من الناس عنده ويكافئه عليها وإنما يبتغي بصدقته وجه الله تعالى ومعنى الاية أنه ليس لأحد من الناس عنده نعمة من شأنها أن يجازى عليها حتى يقصد بإيتاء ما يؤتى من ماله مجازاتها وإنما قال نجزى مضارعا مبنيا للمعفول لأجل الفواصل والأصل يجزيها إياه أو يجزيه إياها
الليل : ( 20 ) إلا ابتغاء وجه . . . . .
) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( قرأ الجمهور ) إلا ابتغاء ( بالنصب على الاستثناء المنقطع لعدم اندراجه تحت جنس النعمة أي لكن ابتغاء وجه ربه الأعلى ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول له على المعنى أي لا يؤتى إلا لابتغاء وجه ربه لا لمكافأة نعمة قال الفراء هو منصوب على التأويل أي ما أعطيتك ابتغاء جزائك بل ابتغاء وجه الله وقرأ يحيى بن وثاب بالرفع على البدل من محل نعمة لأن محلها الرفع إما على الفاعلية وإما على الابتداء ومن مزيدة والرفع لغة تميم لأنهم يجوزون البدل في المنقطع ويجرونه مجرى المتصل قال مكي وأجاز الفراء الرفع في ابتغاء على البدل من موضع نعمة وهو بعيد قال شهاب الدين كأنه لم يطلع عليها قراءة واستبعاده هو البعيد فإنها لغة فاشية وقرأ الجمهور أيضا ابتغاء بالمد وقرأ ابن أبي عبلة بالقصر والأعلى نعت للرب
الليل : ( 21 ) ولسوف يرضى
ولسوف يرضى اللام هي الموطئة للقسم أي وتالله لسوف يرضى بما نعطيه من الكرامة والجزاء العظيم قرأ الجمهور يرضى مبنيا للفاعل وقرىء مبنيا للمفعول
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس ) والليل إذا يغشى ( قال إذا أظلم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن ابن مسعود قال إن أبا بكر الصديق اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبى بن خلف ببردة وعشر أواق فأعتقه لله فأنزل الله ) والليل إذا يغشى ( إلى قوله ) إن سعيكم لشتى ( سعى أبي بكر وأمية وأبى إلى قوله ) وكذب بالحسنى ( قال لا إله إلا الله إلى قوله ) فسنيسره للعسرى ( قال النار وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ) فأما من أعطى ( من الفصل ) واتقى ( قال اتقى ربه ) وصدق بالحسنى ( قال صدق بالخلف من الله ) فسنيسره لليسرى ( قال للخير من الله ) وأما من بخل واستغنى ( قال بخل بماله واستغنى عن ربه ) وكذب بالحسنى ( قال بالخلف من الله ) فسنيسره للعسرى ( قال للشر من الله وأخرج ابن جرير عنه ) وصدق بالحسنى ( قال أيقن بالخلف وأخرج ابن جرير عنه أيضا ) وصدق بالحسنى ( يقول صدق بلا إله إلا الله ) وأما من بخل واستغنى ( يقول من أغناه الله فبخل بالزكاة وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة وكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال له أبوه أي بني أراك تعتق أناسا ضعفا فلو أنك تعتق رجالا جلدا يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك قال أي أبت إنما أريد ما عند الله قال فحدثني بعض أهل بيتي إن هذه الاية نزلت فيه ) فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ( وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس في قوله ) فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى (


"""""" صفحة رقم 455 """"""
قال أبو بكر الصديق ) وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى ( قال أبو سفيان بن حرب وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن علي بن أبي طالب قال كنا مع النبي صلى الله عليه واله وسلم في جنازة فقال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاء ثم قرأ ) فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ( إلى قوله للعسرى وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله أن سراقة بن مالك قال يا رسول الله في أي شيء نعمل أفي شيء ثبتت فيه المقادير وجرت به الأقلام أم في شيء يستقبل فيه العمل قال بل في شيء ثبتت فيه المقادير وجرت فيه الأقلام قال سراقة ففيم العمل إذن يا رسول الله قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وقرأ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هذه الاية ) فأما من أعطى واتقى ( إلى قوله ) فسنيسره للعسرى ( وقد تقدم حديث عمران ابن حصين في السورة التي قبل هذه وفي الباب أحاديث من طريق جماعة من الصحابة وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال لتدخلن الجنة إلا من يأبى قالوا ومن يأبى أن يدخل الجنة فقرأ ) الذي كذب وتولى ( وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي أمامة قال لا يبقى أحد من هذه الأمة إلا أدخله الله الجنة إلا من شرد على الله كما يشرد البعير السوء على أهله فمن لم يصدقني فإن الله يقول ) لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ( كذب بما جاء به محمد صلى الله عليه واله وسلم وتولى عنه وأخرج أحمد والحاكم والضياء عن أبي أمامة الباهلي أنه سئل عن ألين كلمه سمعها من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول ألا كلكم يدخل الله الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله وأخرج أحمد وابن ماجه وابن مرويه عن أبي هريرة قال قال رسول اله صلى الله عليه واله وسلم لا يدخل النار إلا شقي قيل ومن الشقي قال الذي لا يعمل لله بطاعة ولا يترك لله معصية وأخرج أحمد والبخاري عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى قالوا ومن يأبى يا رسول الله قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله بلال وعامر بن فهيرة والنهدية وابنتها وزنيرة وأم عيسى وأمة بني المؤمل وفيه نزلت ) وسيجنبها الأتقى ( إلى اخر السورة وأخرج الحام وصححه عن عامر بن عبد الله ابن الزبير ما قدمنا عنه وزاد فيه فنزلت فيه هذه الاية ) فأما من أعطى واتقى ( إلى قوله ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ( وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عنه نحو هذا من وجه اخر وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وسيجنبها الأتقى ( قال هو أبو بكر الصديق


"""""" صفحة رقم 456 """"""
93
تفسير
سورة الضحى
هي إحدى عشرة آية
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس نزلت ) والضحى ( بمكة وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طريق أبي الحسن المقرى قال سمعت عكرمة بن سليمان يقول قرأت على إسماعيل بن قسطينطين فلما بلغت والضحى قال كبر حتى تختم وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك وأخبره أبي أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أمره بذلك وأبو الحسن المقري المذكور هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقرى قال ابن كثير فهذه سنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزى من ولد القاسم بن أبي بزة وكان إماما في القراات وأما في الحديث فقد ضعفه أبو حاتم الرازي وقال لا أخذت عنه وكذلك أبو جعفر العقيلي قال هو منكر الحديث قال ابن كثير ثم اختلف القراء في موضع هذا التكبير وكيفيته فقال بعضهم يكبر من اخر الليل إذا يغشى وقال اخرون من اخر الضحى وكيفية التكبير عند بعضهم أن يقول الله أكبر ويقتصر ومنهم من يقول الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر وذكروا في مناسبة التكبير من أول الضحى أنه لما تأخر الوحى عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وفتر تلك المدة ثم جاء الملك فأوحى إليه ) والضحى والليل إذا سجى ( السورة كبر فرحا وسرورا ولم يرووا ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جندب البجلي قال اشتكى النبي صلى الله عليه واله وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فأتته امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك لم يقربك ليلتين أو ثلاثا فأنزل الله ) والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ( وأخرج الفريابي وعبد ابن حميد وسعيد بن منصور وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن جندب قال أبطأ جبريل عن النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال المشركون قد ودع محمد فنزلت ) ما ودعك ربك وما قلى ( وأخرج الطبراني عن جندب قال احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه واله وسلم فقالت بعض بنات ت عمه ما أرى صاحبك إلا قد قلاك فنزلت والضحى وأخرجه الترمذي وصححه وابن أبي حاتم عن جندب وفيه فقالت له امرأة ما أرى شيطانك إلا قد تركك فنزلت والضحى بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الضحى ( 1 11 )


"""""" صفحة رقم 457 """"""
الضحى : ( 1 ) والضحى
والمراد بالضحى هنا النهار كله لقوله ) والليل إذا سجى ( فلما قابل الضحى بالليل دل على أن المراد به النهار كله لا بعضه وهو في الأصل اسم لوقت ارتفاع الشمس كما تقدم في قوله والشمس وضحاها والظاهر أن المراد به الضحى من غير تعيين وقال قتادة ومقاتل وجعفر الصادق إن المراد به الضحى الذي كلم الله فيه موسى
الضحى : ( 2 ) والليل إذا سجى
والمراد بقوله ) والليل إذا سجى ( ليلة المعراج وقيل المراد بالضحى هو الساعة التي خر فيها السحرة سجدا كما في قوله وأن يحشر الناس ضحى وقيل المقسم به مضاف مقدر كما تقدم في نظائره أي ورب الضحى وقيل تقديره وضحاوة الضحى ولا وجه لهذا فلله سبحانه أن يقسم بما شاء من خلقه وقيل الضحى نور الجنة والليل ظلمة النار وقيل الضحى نور قلوب العارفين والليل سواد قلوب الكافرين ) والليل إذا سجى ( أي سكن كذا قال قتادة ومجاهد وابن زيد وعكرمة وغيرهم يقال ليلة ساجية أي ساكنة ويقال للعين إذا سكن طرفها ساجية يقال سجا الشيء يسجو سجوا إذا سكن قال عطاء سجا إذا غطى بالظلمة وروى ثعلب عن ابن الأعرابي سجا امتد ظلامه وقال الأصمعي سجو الليل تغطيته النهار مثل ما يسجى الرجل بالثوب وقال الحسن غشى بظلامه وقال سعيد بن جبير أقبل وقال مجاهد أيضا استوى والأول أولى وعليه جمهور المفسرين وأهل اللغة ومعنى سكونه استقرار ظلامه واستواؤه فلا يزاد بعد ذلك
الضحى : ( 3 ) ما ودعك ربك . . . . .
) ما ودعك ربك ( وهذا جواب القسم أي ما قطعك قطع المودع قرأ الجمهور ما ودعك بتشديد الدال من التوديع وهو توديع المفارق وقرأ ابن عباس وعروة بن الزبير وابنه هاشم وابن أبي عبلة وأبو حيوة بتخفيفها من قولهم ودعه أي تركه ومنه قول الشاعر سل أميري ما الذي غيره
عن وصالى اليوم حتى ودعه
والتوديع أبلغ في الودع لأن من ودعك مفارقا فقد بالغ في تركك قال المبرد لا يكادون يقولون ودع ولا وذر لضعف الواو إذا قدمت واستغنوا عنها بترك قال أبو عبيدة ودعك من التوديع كما يودع المفارق وقال الزجاج لم يقطع الوحى وقد قدمنا سبب نزول هذه الاية في فاتحة هذه السورة وما قلى القلى البغض يقال قلاه يقليه فلاء قال الزجاج وما أبغضك وقال وما قلى ولم يقل وما قلاك لموافقة رؤوس الاى والمعنى وما أبغضك ومنه قول امرىء القيس ولست بمقلى الخلال ولا قالي
الضحى : ( 4 ) وللآخرة خير لك . . . . .
) وللآخرة خير لك من الأولى ( اللام جواب قسم محذوف أي الجنة خير لك من الدنيا مع أنه صلى الله عليه واله وسلم قد أوتى في الدنيا من شرف النبوة ما يصغر عنده كل شرف ويتضاءل بالنسبة إليه كل مكرمة في الدنيا ولكنها لما كانت الدنيا بأسرها مشوبة بالأكدار منغصة بالعوارض البشرية وكانت الحياة فيها كأحلام نائم أو كظل زائل لم تكن بالنسبة إلى الاخرة شيئا ولما كانت طريقا إلى الاخرة وسببا لنيل ما أعده الله لعباده الصالحين من الخير العظيم بما يفعلونه فيها من الأعمال الموجبة للفوز بالجنة كان فيها خير في الجملة من هذه الحيثية
الضحى : ( 5 ) ولسوف يعطيك ربك . . . . .
) ولسوف يعطيك ربك فترضى ( هذه اللام قيل هي لام الابتداء دخلت على الخبر لتأكيد مضمون الجملة والمبتدأ محذوف تقديره ولأنت سوف يعطيك الخ وليست للقسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة وقيل هي للقسم قال أبو علي الفارسي ليست هذه اللام هي التي في قولك إن زيدا لقائم بل هي التي في قولك لأقومن ونابت سوف عن إحدى نونى التأكيد فكأنه قال وليعطينك قيل المعنى ولسوف يعطيك ربك الفتح في الدنيا والثواب في الاخرة فترضى وقيل الحوض والشفاعة وقيل ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك وقيل غير


"""""" صفحة رقم 458 """"""
ذلك والظاهر أنه سبحانه يعطيه ما يرضى به من خيرى الدنيا والاخرة ومن أهم ذلك عنده وأقدمه لديه قبول شفاعته لأمته
الضحى : ( 6 ) ألم يجدك يتيما . . . . .
) ألم يجدك يتيما فآوى ( هذا شروع في تعداد ما أفاضه الله سبحانه عليه من النعم أي وجدك يتيما لا أب لك فاوى أي جعل لك مأوى تأوي إليه قرأ الجمهور فاوى بألف بعد الهمزة رباعيا من اواه يؤويه وقرأ أبو الأشهب فأوى ثلاثيا وهو إما بمعنى الرباعي أو هو من أوى له إذا رحمه وعن مجاهد معنى الاية ألم يجدك واحدا في شرفك لا نظير لك فاواك الله بأصحاب يحفظونك ويحوطونك فجعل يتيما من قولهم درة يتيمة وهو بعيد جدا والهمزة لإنكار النفى وتقرير المنفى على أبلغ وجه فكأنه قال قد وجدك يتيما فاوى والوجود بمعنى العلم ويتيما مفعوله الثاني وقيل بمعنى المصادفة ويتيما حال من مفعوله
الضحى : ( 7 ) ووجدك ضالا فهدى
) ووجدك ضالا فهدى ( معطوف على المضارع المنفي وقيل هو معطوف على ما يقتضيه الكلام الذي قبله كما ذكرنا أي قد وجدك يتيما فاوى ووجدك ضالا فهدى والضلال هنا بمعنى الغفلة كما في قوله لا يصل ربي ولا ينسى وكما في قوله وإن كنت من قبله لمن الغافلين والمعنى أنه وجدك غافلا عما يراد بك من أمر النبوة واختار هذا الزجاج وقيل معنى ضالا لم تكن تدري القران ولا الشرائع فهداك لذلك وقال الكلبي والسدى والفراء وجدك في قوم ضلال فهداهم الله لك وقيل وجدك طالبا للقبله فهداك إليها كما في قوله قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ويكون الضلال بمعنى الطلب وقيل وجدك ضائعا في قومك فهداك إليه ويكون الضلال بمعنى الضياع وقيل وجدك محبا للهداية فهداك إليها ويكون الضلال بمعنى المحبة ومنه قول الشاعر عجبا لعزة في اختيار قطيعتي
بعد الضلال فحبلها قد أخلقا
وقيل وجدك ضالا في شعاب مكة فهداك أي ردك إلى جدك عبد المطلب
الضحى : ( 8 ) ووجدك عائلا فأغنى
) ووجدك عائلا فأغنى ( أي وجدك فقيرا لا مال لك فأغناك يقال عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر ومنه قول أحيحة بن الجلاح فما يدري الفقير متى غناه
وما يدري الغنى متى يعيل
أي يفتقر قال الكلبي فأغنى أي رضاك بما أعطاك من الرزق واختار هذا الفراء قال لأنه لم يكن غنيا من كثرة ولكن الله سبحانه رضاه بما اتاه وذلك حقيقة الغنى وقال الأخفش عائلا ذا عيال ومنه قول جرير الله أنزل في الكتاب فريضة
لابن السبيل وللفقير العائل
وقيل فأغنى بما فتح لك من الفتوح وفيه نظر لأن السورة مكية وقيل بمال خديجة بنت خويلد وقيل وجدك فقيرا من الحجج والبراهين فأغناك بها قرأ الجمهور ) عائلا ( وقرأ محمد بن السميفع واليماني ? عيلا ? بكسر الياء المشددة كسيد
الضحى : ( 9 ) فأما اليتيم فلا . . . . .
ثم أوصاه سبحانه باليتامى والفقراء فقال ) فأما اليتيم فلا تقهر ( أي لا تقهره بوجه من وجوه القهر كائنا ما كان قال مجاهد لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيما قال الأخفش لا تسلط عليه بالظلم ادفع إليه حقه واذكر يتمك قال الفراء والزجاج لا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه وكذا كانت العرب تفعل في حق اليتامى تأخذ أموالهم وتظلمهم حقوقهم وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يحسن إلى اليتيم ويبره ويوصى باليتامى قرأ الجمهور ) فلا تقهر ( بالقاف وقرأ ابن مسعود والنخعي والشعبي والأشهب العقيلي ? تكهر ? بالكاف والعرب تعاقب بين القاف والكاف قال النحاس إنما يقال كهره إذا اشتد عليه وغلظ وقيل القهر الغلبة والكهر الزجر قال أبو حيان هي لغة يعني قراءة الكاف مثل قراءة الجمهور واليتيم منصوب


"""""" صفحة رقم 459 """"""
بتقهر
الضحى : ( 10 ) وأما السائل فلا . . . . .
) وأما السائل فلا تنهر ( يقال نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره فهو نهى عن زجر السائل والإغلاظ له ولكن يبذل له اليسير أو يرده بالجميل قال الواحدي قال المفسرون يريد السائل على الباب يقول لا تنهره إذا سألك فقد كنت فقيرا فإما أن تطعمه وإما أن ترده ردا لينا قال قتادة معناه رد السائل برحمة ولين وقيل المراد بالسائل الذي يسأل عن الدين فلا تنهره بالغلظة والجفوة وأجبه برفق ولين كذا قال سفيان والسائل منصوب بتنهر والتقدير مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم ولا تنهر السائل
الضحى : ( 11 ) وأما بنعمة ربك . . . . .
) وأما بنعمة ربك فحدث ( أمره سبحانه بالتحدث بنعم الله عليه وإظهارها للناس وإشهارها بينهم والظاهر النعمة على العموم من غير تخصيص بفرد من أفرادها أو نوع من أنواعها وقال مجاهد الكلبي المراد بالنعمة هنا القران قال الكلبي وكان القران أعظم ما أنعم الله به عليه فأمره أن يقرأه قال الفراء وكان يقرؤه ويحدث به وقال مجاهد أيضا المراد بالنعمة النبوة التي أعطاه الله واختار هذا الزجاج فقال أي بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي اتاك الله وهي أجل النعم وقال مقاتل يعني اشكر ما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة من الهدى بعد الضلالة وجبر اليتم والإغناء بعد العيلة فاشكر هذه النعم والتحدث بنعمة الله شكر والجار والمجرور متعلق بحدث والفاء غير مانعة من تعلقه به وهذه النواهي لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم هي نواه له ولأمته لأنهم أسوته فكل فرد من أفراد هذه الأمة منهى بكل فرد من أفراد هذه النواهي 2
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس ) والليل إذا سجى ( قال إذا أقبل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه ) إذا سجى ( قال إذا ذهب ) ما ودعك ربك ( قال ما تركك ) وما قلى ( قال ما أبغضك وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عنه أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عرض على ما هو مفتوح لأمتي بعدي فأنزل الله ) وللآخرة خير لك من الأولى ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم عنه أيضا قال عرض على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده فسر بذلك فأنزل الله ) ولسوف يعطيك ربك فترضى ( فأعطاه في الجنة ألف قصر من لؤلؤ ترابه المسك في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله ) ولسوف يعطيك ربك فترضى ( قال رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة وأخرج ابن جرير عنه أيضا في الاية قال من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار وأخرج الخطيب في التلخيص من وجه اخر عنه أيضا في الاية قال لا يرضى محمد وأحد من أمته في النار ويدل على هذا ما أخرجه مسلم عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه واله وسلم تلا قول الله في إبراهيم فمن تبعني فإنه منى وقول عيسى إن تعذبهم فإنهم عبادك الاية فرفع يديه وقال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح قال قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي قال أي والله حدثني محمد بن الحنفية عن علي أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال أشفع لأمتي حتى يناديني ربي أرضيت يا محمد فأقول نعم يا رب رضيت ثم أقبل علي فقال إنكم تقولون يا معشر أهل العراق إن أرجى آية في كتاب الله يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا قلت إنا لنقول ذلك قال فكنا أهل البيت نقول إن أرجى آية في كتاب الله ) ولسوف يعطيك ربك فترضى ( وهي الشفاعة وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال قال


"""""" صفحة رقم 460 """"""
رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إنا أهل البيت اختار الله لنا الاخرة على الدنيا ولسوف يعطيك ربك فترضى وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال دخل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من جلد الإبل فلما نظر إليها اقال يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا بنعيم الاخرة فأنزل الله ) ولسوف يعطيك ربك فترضى ( وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال سألت ربي مسئلة وددت أني لم أكن سألته قلت قد كانت قبلى أنبياء منهم من سخرت له الريح ومنهم من كان يحيى الموتى فقال تعالى يا محمد ألم أجدك يتيما فاويتك ألم أجدك ضالا فهديتك ألم أجدك عائلا فأغنيتك ألم أشرح لك صدرك الم أضع عنك وزرك ألم أرفع لك ذكرك قلت بلى يا رب وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت ) والضحى ( على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يمن على ربي وأهل أن يمن ربي وأخرج ابن مردويه عنه في قوله ) ووجدك ضالا فهدى ( قال وجدك بين الضالين فاستنقذك من ضلالتهم وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن علي في قوله ) وأما بنعمة ربك فحدث ( قال ما علمت من الخير وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الاية قال إذا أصبت خيرا فحدث إخوانك وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والبيهقي في الشعب والخطيب في المتفق قال السيوطي بسند ضعيف عن النعمان ابن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على المنبر من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة رحمة وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه أبو يعلى وابن حبان والبيهقي والضياء عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال من أبلى بلاء فذكره فقد شكره وإن كتمه فقد كفره وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود والضياء عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أعطى عطاء فوجد فليجز به فإن لم يجد فليثن به فمن أثنى به فقد شكره ومن كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعط فإنه كلابس ثوبى زور وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أولى معروفا فليكافىء به فإن لم يستطع فليذكره فإن من ذكره فقد شكره
ع94
تفسير
سورة ألم نشرح
هي ثمان آيات
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت ألم نشرح بمكة وزاد بعد الضحى وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت نزلت سورة ألم نشرح بمكة بسم الله الرحمن الرحيم
سورة ألم ( 1 8 )


"""""" صفحة رقم 461 """"""
الشرح : ( 1 ) ألم نشرح لك . . . . .
معنى شرح الصدر فتحه بإذهاب ما يصد عن الإدراك والاستفهام إذا دخل على النفى قرره فصار المعنى قد شرحنا لك صدرك وإنما خص الصدر لأنه محل أحوال النفس من العلوم والإدراكات والمراد الامتنان عليه صلى الله عليه واله وسلم بفتح صدره وتوسيعه حتى قام بما قال به من الدعوة وقدر على ما قدر عليه من حمل أعباء النبوة وحفظ الوحي وقد مضى القول في هذا عند تفسير قوله أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه
الشرح : ( 2 ) ووضعنا عنك وزرك
) ووضعنا عنك وزرك ( معطوف على معنى ما تقدم لا على لفظه أي قد شرحنا لك صدرك ووضعنا الخ ومنه قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
أي أنتم خير من ركب المطايا وأندى الخ قرأ الجمهور نشرح بسكون الحاء بالجزم وقرأ أبو جعفر المنصور العباسي بفتحها قال الزمخشري قالوا لعله بين الحاء وأشبعها في مخرجها فظن السامع أنه فتحها وقال ابن عطية إن الأصل ألم نشرحن بالنون الخفيفة ثم إبدالها ألفا ثم حذفها تخفيفا كما أنشد أبو زيد من أي يومى من الموت أفر
أيوم لم يقدر أم يوم قدر
بفتح الراء من لم يقدر ومثله قوله اضرب عنك الهموم طارقها
ضربك بالسيف قونس الفرس
بفتح الباء من اضرب وهذا مبني على جواز توكيد المجزوم بلم وهو قليل جدا كقوله يحسبه الجاهل مالم يعلما
شيخا على كرسيه معمما
فقد تركبت هذه القراءة من ثلاثة أصول كلها ضعيفة الأول توكيد المجزوم بلم وهو ضعيف الثاني إبدالها إلفا وهو خاص بالوقف فإجراء الوصل مجرى الوقف ضعيف والثالث حذف الألف وهو ضعيف أيضا لأنه خلاف الأصل وخرجها بعضهم على لغة بعض العرب الذين ينصبون بلم ويجزمون بلن ومنه قول الشاعر في كل ما هم مضى رأيه قدما
ولم يشاور في أقدامه أحدا
بنصب الراء من يشاور وهذه اللغة لبعض العرب ما أظنها تصح وإن صحت فليست من اللغات المعتبرة فإنها جاءت بعكس ما عليه لغة العرب بأسرها وعلى كل حال فقراءة هذا الرجل مع شدة جوره ومزيد ظلمه وكثرة جبروته وقلة علمه ليست بحقيقة بالاشتغال بها والوزر الذنب أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية قال الحسن وقتادة والضحاك ومقاتل المعنى حططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية وهذا كقوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تاخر
الشرح : ( 3 ) الذي أنقض ظهرك
ثم وصف هذا الوزر فقال ) الذي أنقض ظهرك ( قال المفسرون أي أثقل ظهرك قال الزجاج أثقله حتى سمع له نقيض أي صوت وهذا مثل معناه أنه لو كان حملا يحمل لسمع نقيض ظهره وأهل اللغة يقولون أنقض الحمل ظهر الناقة إذا سمع له صرير ومنه قول جميل وحتى تداعت بالنقيض حباله
وهمت ثوانى زوره أن تحطما
وقول العباس بن مرداس وأنقض ظهري ما تطويت منهم
وكنت عليهم مشفقا متحننا
قال قتادة كان للنبي صلى الله عليه واله وسلم ذنوب قد أثقلته فغفرها الله له وقوم يذهبون إلى أن هذا تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها سهل الله ذلك عليه حتى تيسرت له وكذا قال أبو عبيدة وغيره


"""""" صفحة رقم 462 """"""
وقرأ ابن مسعود وحللنا عنك وقرك
الشرح : ( 4 ) ورفعنا لك ذكرك
ثم ذكر سبحانه منته عليه وكرامته فقال ) ورفعنا لك ذكرك ( قال الحسن وذلك أن الله لا يذكر في موضع إلا ذكر معه صلى الله عليه واله وسلم قال قتادة رفع الله ذكره في الدنيا والاخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادى فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله قال مجاهد ) ورفعنا لك ذكرك ( يعني بالتأذين وقيل المعنى ذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبله وأمرناهم بالبشارة به وقيل رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء وعند المؤمنين في الأرض والظاهر أن هذا الرفع لذكره الذي امتن الله به عليه يتناول جميع هذه الأمور فكل واحد منها من أسباب رفع الذكر وكذلك أمره بالصلاة والسلام عليه وإخباره صلى الله عليه واله وسلم عن الله عز وجل أن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرا وأمر الله بطاعته كقوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وقوله وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقوله قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وغيرذلك وبالجملة فقد ملأ ذكره الجليل السموات والأرضين وجعل الله له من لسان الصدق والذكر الحسن والثناء الصالح ما لم يجعله لأحد من عباده ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم اللهم صل وسلم عليه وعلى اله عدد ما صلى عليه المصلون بكل لسان في كل زمان وما أحسن قول حسان أغر عليه للنبوة خاتم
من الله مشهور يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي مع اسمه
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله
فذو العرش محمود وهذا محمد
الشرح : ( 5 ) فإن مع العسر . . . . .
) فإن مع العسر يسرا ( أي إن مع الضيقة سعة ومع الشدة رخاء ومع الكرب فرج وفي هذا وعد منه سبحانه بأن كل عسير يتيسر وكل شديد يهون وكل صعب يلين
الشرح : ( 6 ) إن مع العسر . . . . .
ثم زاد سبحانه هذا الوعد تقريرا وتأكيدا فقال مكررا له بلفظ ) إن مع العسر يسرا ( أي إن مع ذلك العسر المذكور سابقا يسرا اخر لما تقرر من أنه إذا أعيد المعرف يكون الثاني عين الأول سواء كان المراد به الجنس أو العهد بخلاف المنكر إذا أعيد فإنه يراد بالثاني فرد مغاير لما أريد بالفرد الأول في الغالب ولهذا قال النبي صلى الله عليه واله وسلم في معنى هذه الاية لن يغلب عسر يسرين قال الواحدي وهذا قول النبي صلى الله عليه واله وسلم والصحابة والمفسرين على أن العسر واحد واليسر اثنان قال الزجاج ذكر العسر مع الألف واللام ثم ثنى ذكره فصار المعنى إن مع العسر يسرين قيل والتنكير في اليسر للتفخيم والتعظيم وهو في مصحف ابن مسعود غير مكرر قرأ الجمهور بسكون السين في العسر واليسر في الموضعين وقرأ يحيى بن وثاب وأبو جعفر وعيسى بضمها في الجميع
الشرح : ( 7 ) فإذا فرغت فانصب
) فإذا فرغت فانصب ( أي إذا فرغت من صلاتك أو من التبليغ أو من الغزو فانصب أي فاجتهد في الدعاء واطلب من الله حاجتك أو فانصب في العبادة والنصب التعب يقال نصب ينصب نصبا أي تعب قال قتادة والضحاك ومقاتل والكلبي إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة بعطك وكذا قال مجاهد قال الشعبي إذا فرغت من التشهد فادعو لدنياك واخرتك وكذا قال الزهري وقال الكلبي أيضا إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب أي استغفر لذنبك وللؤمنين والمؤمنات وقال الحسن وقتادة إذا فرغت من إذا من جهاد عدوك فانصب لعبادة ربك وقال مجاهد أيضا إذا فرغت من دنياك فانصب في صلاتك
الشرح : ( 8 ) وإلى ربك فارغب
) وإلى ربك فارغب ( قال الزجاج أي اجعل رغبتك إلى الله وحده قال عطاء يريد أنه يضرع إليه راهبا من النار راغبا ي الجنة والمعنى أنه يرغب إليه سبحانه لا إلى غيره كائنا من كان فلا يطلب حاجاته إلا منه


"""""" صفحة رقم 463 """"""
ولا يعول في جميع أموره إلا عليه قرأ الجمهور فارغب وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة فرغب بتشديد الغين أي فرغب الناس إلى الله وشوقهم إلى ما عنده من الخير
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) ألم نشرح لك صدرك ( قال شرج الله صدره للإسلام وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال أتاني جبريل فقال إن ربك يقول تدري كيف رفعت ذكرك قلت الله ورسوله أعلم قال إذا ذكرت ذكرت معي وإسناد ابن جرير هكذا حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد وأخرجه أبو يعلى من طريق ابن لهيعة عن دراج وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق يونس بن عبد الأعلى به أخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله ) ورفعنا لك ذكرك ( الاية قال لا يذكر الله إلا ذكر معه وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه واله وسلم جالسا وحياله جحر فقال العسر لو دخل العسر هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه فأنزل الله ) فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ( ولفظ الطبراني وتلا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ( وأخرج ابن النجار عنه مرفوعا نحوه وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضا مرفوعا نحوه قال السيوطي وسنده ضغيف وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في الصبر وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود مرفوعا لو كان العسر في حجر لتبعه اليسر حتى يدخل فيه فيخرجه ولن يغلب عسر يسرين إن الله يقول ) فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ( قال البزار لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح قال فيه أبو حاتم الرازي في حديثه ضعف ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرة عن رجل عن عبد الله بن مسعود وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والحاكم والبيهقي عن الحسن قال خرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوما فرحا مسرورا وهو يضحك يحك ويقول لن يغلب عسر يسرين وإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا وهذا مرسل وروى نحوه مرفوعا مرسلا عن قتادة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله ) فإذا فرغت فانصب ( الاية قال إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء واسأل الله وارغب إليه وأخرج ابن مردويه عنه قال قال الله لرسوله إذا فرغت من الصلاة وتشهدت فانصب إلى ربك واسأله حاجتك وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن ابن مسعود ) فإذا فرغت فانصب ( إلى الدعاء ) وإلى ربك فارغب ( في المسئلة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ) فإذا فرغت فانصب ( قال إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل


"""""" صفحة رقم 464 """"""
ع95
تفسير
سورة التين
هي ثمان آيات
حول السورة
وهي مكية في قول الجمهور وروى القرطبي عن ابن عباس أنها مدنية ويخالف هذه الرواية ما أخرجه ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال أنزلت سورة التين بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن البراء بن عازب قال كان النبي صلى الله عليه واله وسلم في سفر فصلى العشاء فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون فما سمعت أحدا أحسن صوتا ولا قراءة منه وأخرج الخطيب عنه قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المغرب فقرأ بالتين والزيتون وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد في مسنده والطبراني عن عبد الله بن يزيد أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قرأ في المغرب والتين والزيتون وأخرج ابن قانع وابن السكن والشيرازي في الألقاب عن زرعة بن خليفة قال أتيت النبي صلى الله عليه واله وسلم من اليمامة فعرض علينا الإسلام فأسلمنا فلما صلينا الغداة قرأ بالتين والزيتون وإنا أنزلناه في ليلة القدر بسم الله الرحمن الرحيم سورة التين ( 1 8 )
التين : ( 1 ) والتين والزيتون
قال أكثر المفسرين هو التين الذي يأكله الناس ) والزيتون ( الذي يعصرون منه الزيت وإنما أقسم بالتين لأنه فاكهة مخلصة من شوائب التنغيص وفيها أعظم عبرة لدلالتها على من هيأها لذلك وجعلها على مقدار اللقمة قال كثير من أهل الطب إن التين أنفع الفواكه للبدن وأكثرها غذاء وذكروا له فوائد كما في كتب المفردات والمركبات وأما الزيتون فإنه يعصر منه الزيت الذي هو إدام غالب البلدان ودهنهم ويدخل في كثير من الأدوية وقال الضحاك التين المسجد الحرام والزيتون المسجد الأقصى وقال ابن زيد التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس وقال قتادة التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس وقال عكرمة وكعب الأحبار التين دمشق والزيتون بيت المقدس
وليت شعري ما الحامل لهؤلاء الأئمة على العدول عن المعنى الحقيقي في اللغة العربية والعدول إلى هذه التفسيرات البعيدة عن المعنى المبنية على خيالات لا ترجع إلى عقل ولا نقل وأعجب من هذا اختيار ابن جرير للاخر منها مع طول باعة في علم الرواية والدراية قال الفراء سمعت رجلا يقول التين جبال حلوان إلى همدان والزيتون جبال الشام قلت هب أنك سمعت هذا الرجل فكان ماذا فليس بمثل هذا تثبيت اللغة ولا هو نقل


"""""" صفحة رقم 465 """"""
عن الشارع وقال محمد بن كعب التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء وقيل إنه على أحد مضاف أي ومنابت التين والزيتون قال النحاس لا دليل على هذا من ظاهر التنزيل ولا من قول من لا يجوز خلافه
التين : ( 2 ) وطور سينين
) وطور سينين ( هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى اسمه الطور ومعنى سينين المبارك الحسن بلغة الحبشة قاله قتادة وقال مجاهد هو المبارك بالسريانية وقال مجاهد والكلبي سينين كل جبل فيه شجر مثمر فهو سينين وسيناء بلغة النبط قال الأخفش طور جبل وسينين شجر واحدته سينة قال أبو علي الفارسي سينين فعليل فكررت اللام التي هي نون فيه ولم ينصرف سينين كما لم ينصرف سيناء لأنه جعل اسما للبقعة وإنما أقسم بهذا الجبل لأنه بالشام وهي الأرض المقدسة كما في قوله إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله وأعظم بركة حلت به ووقعت عليه تكليم الله لموسى عليه قرأ الجمهور سينين بكسر السين وقرأ ابن إسحاق وعمرو ابن ميمون وأبو رجاء بفتحها وهي لغة بكر وتميم وقرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود والحسن وطلحة سيناء بالكسر والمد
التين : ( 3 ) وهذا البلد الأمين
) وهذا البلد الأمين ( يعني مكة سماه أمينا لأنه امن كما قال أنا جعلنا حرما امنا يقال أمن الرجل أمانة فهو أمين قال الفراء وغيره الأمين بمعنى الامن ويجوز أن يكون فعيك بمعنى مفعول من أمنه لأنه مأمون الغوائل
التين : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . .
) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ( هذا جواب القسم أي خلقنا جنس الإنسان كائنا في أحسن تقويم وتعديل قال الواحدي قال المفسرون إن الله خلق كل ذي روح مكبا على وجهه إلا الإنسان خلقه مديد القامة يتناول مأكوله بيده ومعنى التقويم التعديل يقال قومته فاستقام قال القرطبي هو اعتداله واستواء شأنه كذا قال عامة المفسرين قال ابن العربي ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان فإن الله خلقه حيا عالما قادرا مريدا متكلما سميعا بصيرا مدبرا حكيما وهذه صفات الرب سبحانه وعليها حمل بعض العلماء قوله صلى الله عليه واله وسلم إن الله خلق ادم على صورته يعني على صفاته التي تقدم ذكرها قلت وينبغي أن يضم إلى كلامه هذا قوله سبحانه ليس كمثله شيء وقوله ولا يحيطون به علما ومن أراد أن يقف على حقيقة ما اشتمل عليه الإنسان من بديع الخلق وعجيب الصنع فلينظر في كتاب العبر والاعتبار للجاحظ وفي الكتاب الذي عقده النيسابوري على قوله وفي أنفسكم أفلا تبصرون وهو في مجلدين ضخمين
التين : ( 5 ) ثم رددناه أسفل . . . . .
) ثم رددناه أسفل سافلين ( أي رددناه إلى أرذل العمر وهو الهرم والضعف بعد الشباب والقوة حتى يصير كالصبي فيخرف وينقص عقله كذا قال جماعة من المفسرين قال الواحدي والسافلون هم الضعفاء والزمناء والأطفال والشيخ الكبير أسفل هؤلاء جميعا وقال مجاهد وأبو العاليه والحسن المعنى ثم رددنا الكافر إلى النار وذلك أن النار درجات بعضها أسفل من بعض فالكافر يرد إلى أسفل الدرجات السافلة ولا ينافى هذا قوله تعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار فلا مانع من كون الكفار والمنافقين مجتمعين في ذلك الدرك الأسفل وقوله ) أسفل سافلين ( إما حال من المفعول أي رددناه حال كونه أسفل سافلين أو صفة لمقدر محذوف أي مكانا أسفل سافلين
التين : ( 6 ) إلا الذين آمنوا . . . . .
) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( هذا الاستثناء على القول الأول منقطع أي لكن الذين امنوا الخ ووجهه أن الهرم والرد إلى أرذل العمر يصاب به المؤمن كما يصاب به الكافر فلايكون لاستثناء المؤمنين على وجه الاتصال معنى وعلى القول الثاني يكون الاستثناء متصلا من ضمير رددناه فإنه في معنى الجمع أي رددنا الإنسان أسفل سافلين من النار إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات ) فلهم أجر غير ممنون ( أي غير مقطوع أي فلهم ثواب دائم غير منقطع على طاعاتهم فهذه الجملة على القول الأول مبينة لكيفية حال المؤمنين وعلى القول الثاني مقررة لما يفيده الاستثناء من خروج المؤمنين عن حكم الرد وقال أسفل سافلين على الجمع لأن الإنسان في معنى الجمع


"""""" صفحة رقم 466 """"""
ولو قال أسفل سافل لجاز لأن الإنسان باعتبار اللفظ واحد وقيل معنى رددناه أسفل سافلين رددناه إلى الضلال كما قال إن الإنسان لفى خسر إلا الذين امنوا عملوا الصالحات أي إلا هؤلاء فلا يردون إلى ذلك
التين : ( 7 ) فما يكذبك بعد . . . . .
) فما يكذبك بعد بالدين ( الخطاب للإنسان الكافر والاستفهام للتقريع والتوبيخ وإلزام الحجة إي إذا عرفت أيها الإنسان أن الله خلقك في أحسن تقويم وأنه يردك أسفل سافلين فما يحملك على أن تكذب بالبعث والجزاء وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه واله وسلم أي أي شيء يكذبك يا محمد بعد ظهور هذه الدلائل الناطقة فاستيقن مع ما جاءك من الله أنه أحكم الحاكمين قال الفراء والأخفش المعنى فمن يكذبك أيها الرسول بعد هذا البيان بالدين كأنه قال من يقدر على ذلك أي على تكذيبك بالثواب والعقاب بعد ما ظهر من قدرتنا على خلق الإنسان ما ظهر واختار هذا ابن جرير والدين الجزاء ومنه قول الشاعر دنا تميما كما كانت أوائلنا
دانت أوائلهم من سالف الزمن
وقال الاخر ولما صرح الشر
فأمسى وهو عريان
ولم يبق سوى العدوا
ن دناهم كما دنوا
التين : ( 8 ) أليس الله بأحكم . . . . .
) أليس الله بأحكم الحاكمين ( أي أليس الذي فعل ما فعل مما ذكرنا بأحكم الحاكمين صنعا وتدبيرا حتى تتوهم عدم الإعادة والجزاء وفيه وعيد شديد للكفار ومعنى أحكم الحاكمين أتقن الحاكمين في كل ما يخلق وقيل أحكم الحاكمين قضاء وعدلا والاستفهام إذا دخل على النفى صار الكلام إيجابا كما تقدم تفسير قوله ألم نشرح لك صدرك
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الخطيب وابن عساكر قال السيوطي بسند فيه مجهول عن الزهري عن أنس قال لما أنزلت سورة التين والزيتون على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فرح فرحا شديدا حتى تبين لنا شدة فرحه فسألنا ابن عباس عن تفسيرها فقال التين بلاد الشام والزيتون بلاد فلسطين وطور سيناء الذي كلم الله عليه موسى وهذا البلد الأمين مكة ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ( محمدا ) ثم رددناه أسفل سافلين ( عبدة اللات والعزى ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ) فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين ( إذ بعثك فيهم نبيا وجمعك على التقوى يا محمد ومثل هذا التفسير من ابن عباس لا تقوم به حجة لما تقدم من كون في إسناده ذلك المجهول وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) والتين والزيتون ( قال مسجد نوح الذي بنى على الجودى والزيتون قال بيت المقدس ) وطور سينين ( قال مسجد الطور ) وهذا البلد الأمين ( قال مكة ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ( يقول يرد إلى أرذل العمر كبر حتى ذهب عقله هم نفر كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فسئل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين سفهت عقولهم فأنزل الله عذرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم ) فما يكذبك بعد بالدين ( يقول بحكم الله وأخرج ابن مردويه عنه نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه أيضا ) والتين والزيتون ( قال الفاكهة التي يأكلها الناس ) وطور سينين ( قال الطور الجبل والسينين المبارك وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال سينين هو الحسن وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ( قال في أعدل خلق ) ثم رددناه أسفل سافلين ( يقول


"""""" صفحة رقم 467 """"""
إلى أرذل العمر ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ( يعني غير منقوص يقول فإذا بلغ المؤمن أرذل العمر وكان يعمل في شبابه عملا صالحا كتب له من الأجر مثل ما كان يعمل في صحته وشبابه ولم يضره ما عمل في كبره ولم تكتب عليه الخطابا التي يعمل بعد ما يبلغ أرذل العمر وأخرج الحاكم وصححه البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال من قرأ القران لم يرد إلى أرذل العمر وذلك قوله ) ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( قال لا يكون حتى لا يعلم من بعد علم شيئا وأخرج ابن أبي حاتم عنه ) ثم رددناه أسفل سافلين ( يقول إلى الكبر وضعفه فإذا كبر وضعف عن العمل كتب له مثل أجر ما كان يعمل في شبيبته وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما وأخرج الترمذي وابن مردوية عن أبي هريرة مرفوعا من قرأ التين والزيتون فقرأ أليس الله بأحكم الحاكمين فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعا إذا قرأت التين والزيتون فقرأت أليس الله بأحكم الحاكمين فقيل بلى وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ ) أليس الله بأحكم الحاكمين ( قال سبحانك اللهم قبلى ا ه
ع96
تفسير
سورة اقرأ ويقال سورة العلق
وهي تسع عشرة آية وقيل عشرون آية
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وهي أول ما نزل من القران وأخرج ابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال أول ما نزل من القران ) اقرأ باسم ربك الذي خلق ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس وابن الأنباري والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن أبي موسى الأشعري قال ) اقرأ باسم ربك الذي خلق ( أول سورة أنزلت على محمد وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وصححه عن عائشة قالت إن أول ما نزل من القران ) اقرأ باسم ربك الذي خلق ( ويدل على أن هذه السورة أول ما نزل الحديث الطويل الثابت في البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة وفيه فجاءه الحق وهو في غار حراء فقال له اقرأ الحديث وفي الباب أحاديث واثار عن جماعة من الصحابة وقد ذهب الجمهور إلى أن هذه السورة أول ما نزل من القران بسم الله الرحمن الرحيم
سورة اقرأ ( 1 19 )


"""""" صفحة رقم 468 """"""
العلق : ( 1 ) اقرأ باسم ربك . . . . .
قرأ الجمهور اقرأ بسكون الهمزة أمرا من القراءة وقرأ عاصم في رواية عند بفتح الراء وكأنه قلب الهمزة ألفا ثم حذفها للأمر والأمر بالقراءة يقتضي مقروءا فالتقدير اقرأ ما يوحى إليك أو ما نزل عليك أو ما أمرت بقراءته وقوله ) باسم ربك ( متعلق بمحذوف هو حال أي اقرأ ملتبسا باسم ربك أو مبتدئا باسم ربك أو مفتتحا ويجوز أن تكون الباء زائدة والتقدير اقرأ اسم ربك كقول الشاعر سود المحاجر لا يقرأن بالسور
قال أبو عبيدة وقال أيضا الاسم صلة أي اذكر ربك وقيل الباء بمعنى على أي اقرأ على اسم ربك يقال افعل كذا بسم الله وعلى اسم الله قاله الأخفش وقيل الباء للاستعانة أي مستعينا باسم ربك ووصف الرب بقوله ) الذي خلق ( لتذكير النعمة لأن الخلق هو أعظم النعم وعليه يترتب سائر النعم قال الكلبي يعني الخلائق
العلق : ( 2 ) خلق الإنسان من . . . . .
) خلق الإنسان من علق ( يعني بني ادم والعلقة الدم الجامد وإذا جرى فهو المسفوح وقال من علق بجمع علق لأن المراد بالإنسان الجنس والمعنى خلق جنس الإنسان من جنس العلق وإذا كان المراد بقوله الذي خلق كل المخلوقات فيكون تخصيص الإنسان بالذكر تشريفا له لما فيه من بديع الخلق وعجيب الصنع وإذا كان المراد بالذي خلق الذي خلق الإنسان فيكون الثاني تفسيرا للأول والنكتة ما في الإبهام ثم التفسير من التفات الذهن وتطلعه إلى معرفة ما أبهم أولا ثم فسر ثانيا
العلق : ( 3 ) اقرأ وربك الأكرم
ثم كرر الأمر بالقراءة للتأكيد والتقرير فقال ) اقرأ وربك الأكرم ( أي افعل ما أمرت به من القراءة وجملة ) وربك الأكرم ( مستأنفة لإزاحة ما اعتذر به صلى الله عليه واله وسلم من قوله ما أنا بقارىء يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ وهو أمي فقيل له اقرأ وربك الذي أمرك بالقراءة هو الأكرم قال الكلبي يعني الحليم عن جهل العباد فلم يعجل بعقوبتهم وقيل إنه أمره بالقراءة أولا لنفسه ثم أمره بالقراءة ثانيا للتبليغ فلا يكون من باب التأكيد والأول أولى
العلق : ( 4 ) الذي علم بالقلم
) الذي علم بالقلم ( أي علم الإنسان الخط بالقلم فكان بواسطة ذلك يقدر على أن يعلم كل مكتوب قال الزجاج علم الإنسان الكتابة بالقلم قال قتادة القلم نعمة من الله عز وجل عظيمة لولا ذلك لم يقم دين ولم يصلح عيش فدل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقتالاتهم ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ولولا هي ما استقامت أمور الدين ولا أمور الدنيا وسمى قلما لأنه يقلم أي يقطع
العلق : ( 5 ) علم الإنسان ما . . . . .
) علم الإنسان ما لم يعلم ( هذه الجملة بدل اشتمال من التي قبلها أي علمه بالقلم من الأمور الكلية والجزئية ما لم يعلم به منها قيل المراد بالإنسان هنا ادم كما في قوله وعلم ادم الإسماء كلها وقيل الإنسان هنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والأولى حمل الإنسان على العموم والمعنى أن من علمه الله سبحانه من هذا الجنس بواسطة القلم فقد علمه ما لم يعلم
العلق : ( 6 ) كلا إن الإنسان . . . . .
وقوله كلا ردع وزجر لمن كفر نعم الله عليه بسبب طغيانه وإن لم يتقدم له ذكر ومعنى ) إن الإنسان ليطغى ( أنه يجاوز الحد ويستكبر على ربه وقيل المراد بالإنسان هنا أبو جهل وهو المراد بهذا وما بعده إلى اخر السورة وأنه تأخر نزول هذا وما بعده عن الخمس الايات المذكورة في أول هذه السورة قال كلا هنا بمعنى حقا قاله الجرجاني وعلل ذلك بأنه


"""""" صفحة رقم 469 """"""
ليس قبله ولا بعده شيء يكون كلا ردا له
العلق : ( 7 ) أن رآه استغنى
وقوله ) أن رآه استغنى ( علة ليطغى أي ليطغى أن رأى نفسه مستغنيا والرؤية هنا بمعنى العلم ولو كانت البصرية لامتنع الجمع بين الضميرين في فعلها لشيء واحد لأن ذلك من خواص باب علم ونحوه قال الفراء لم يقل رأى نفسه كما قيل قتل نفسه لأن رأى من الأفعال التي تريد اسما وخبرا نحو الظن والحسبان فلا يقتصر فيه على مفعول واحد والعرب تطرح النفس من هذا الجنس تقول رأيتني وحسبتني ومتى تراك خارجا ومتى تظنك خارجا قيل والمراد هنا أنه استغنى بالعشيرة والأنصار والأموال قرأ الجمهور أن راه بمد الهمزة وقرأ قنبل عن ابن كثير بقصرها قال مقاتل كان أبو جهل إذا أصاب مالا زاد في ثيابه ومركبه وطعامه وشرابه فذلك طغيانه وكذا قال الكلبي
العلق : ( 8 ) إن إلى ربك . . . . .
ثم هدد سبحانه وخوف فقال ) إن إلى ربك الرجعى ( أي المرجع والرجعى والمرجع والرجوع مصادر يقال رجع إليه مرجعا ورجوعا ورجعى وتقدم الجار والمجرور للقصر أي الرجعى إليه سبحانه لا إلى غيره
العلق : ( 9 - 10 ) أرأيت الذي ينهى
) أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ( قال المفسرون الذي ينهى أبو جهل والمراد بالعبد محمد صلى الله عليه واله وسلم وفيه تقبيح لصنعه وتشنيع لفعله حتى كأنه بحيث يراه كل من تتأتى منه من الرؤية
العلق : ( 11 ) أرأيت إن كان . . . . .
) أرأيت إن كان على الهدى ( يعني العبد المنهى إذا صلى وهو محمد صلى الله عليه واله وسلم
العلق : ( 12 ) أو أمر بالتقوى
) أو أمر بالتقوى ( أي بالإخلاص والتوحيد والعمل الصالح الذي تتقى به النار
العلق : ( 13 ) أرأيت إن كذب . . . . .
) أرأيت إن كذب وتولى ( يعني أبا جهل كذب بما جاء به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وتولى عن الإيمان وقوله ) أرأيت ( في الثلاثة المواضع بمعنى أخبرني لأن الرؤية لما كانت سببا للأخبار عن المرئى أجرى الاستفهام عنها مجرى الاستفهام عن متعلقها والخطاب لكل من يصلح له وقد ذكر هنا أرأيت ثلاث مرات وصرح بعد الثالثة منها بجملة استفهامية فتكون في موضع المفعول الثاني لها ومفعولها الأول محذوف وهو ضمير يعود على الذي ينهى الواقع مفعولا أولا لأرأيت الأولى ومفعول أرأيت الأولى الثاني محذوف وهو جملة استفهامية كالجملة الواقعة بعد أرأيت الثانية وأما أرأيت الثانية فلم يذكر لها مفعول لا أول ولا ثاني حذف الأول لدلالة مفعول أرأيت الثالثة عليه فقد حذف الثاني من الأولى والأول من الثالثة والاثنان من الثانية وليس طلب كل من رأيت للجملة الاستفهامية على سبيل التنازع لأنه يستدعي إضمارا والجمل لا تضمير إنما تضمر المفردات وإنما ذلك من باب الحذف للدلالة وأما جواب الشرط المذكور مع أرأيت في الموضعين الاخرين فهو محذوف تقديره إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ) ألم يعلم بأن الله يرى ( وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني ومعنى
العلق : ( 14 ) ألم يعلم بأن . . . . .
) ألم يعلم بأن الله يرى ( أي يطلع على أحواله فيجازيه بها فكيف اجترأ على ما اجترأ عليه والاستفهام للتقريع والتوبيخ وقيل أرأيت الأولى مفعولها الأول الموصول ومفعولها الثاني الشرطية الأولى بجوابها المحذوف المدلول عليه بالمذكور وأرأيت في الموضعين تكرير للتأكيد وقيل كل واحدة من أرأيت بدل من الأولى و ) ألم يعلم بأن الله يرى ( الخبر
العلق : ( 15 ) كلا لئن لم . . . . .
قوله ) كلا ( ردع للناهي واللام في قوله ) لئن لم ينته ( هي الموطئة للقسم أي والله لئن لم ينته عما هو عليه ولم ينزجر ) لنسفعا بالناصية ( السفع الجذب الشديد والمعنى لنأخذن بناصيته ولنجرنه إلى النار وهذا كقوله فيؤخذ بالنواصي والأقدام ويقال سفعت الشيء إذا قبضته وجذبته ويقال سفع بناصية فرسه قال الراغب السفع الأخذ بسفعة الفرس أي بسواد ناصيته وباعتبار السواد قيل به سفعة غضب اعتبارا بما يعلو من اللون الدخاني وجه من اشتد به الغضب وقيل للصقر أسفع لما فيه من لمع السواد وامرأة سفعاء اللون انتهى وقيل هو مأخوذ من سفع النار والشمس إذا غيرت وجهه إلى سواد ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 470 """"""
أثافي سفعا في معرس مرجل
العلق : ( 16 ) ناصية كاذبة خاطئة
وقوله ) ناصية ( بدل من الناصية وإنما أبدل النكرة من المعرفة لوصفها بقوله ) كاذبة خاطئة ( وهذا على مذهب الكوفيين فإنهم لا يجيزون إبدال النكرة من المعرفة إلا بشرط وصفها وأما على مذهب الصريين فيجوز إبدال النكرة من المعرفة بلا شرط وأنشدوا
فلا وأبيك خير منك إني ليؤذيني التحمحم والصهيل
قرأ الجمهور بحر ) ناصية كاذبة خاطئة ( والوجه ما ذكرنا وقرأ الكسائي في رواية عنه برفعها على إضمار مبتدإ أي هي ناصية وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وزيد بن علي بنصبها على الذم قال مقاتل أخبرعنه بأنه فاجر خاطىء فقال ناصية كاذبة خاطئة تأويلها صاحبها كاذب حاطىء
العلق : ( 17 ) فليدع ناديه
) فليدع ناديه ( أي أهل ناديه والنادي المجلس الذي يجلس فيه القوم ويجتمعون فيه من الأهل والعشيرة والمعنى ليدع عشيرته وأهله لعينوه وينصروه ومنه قول الشاعر
واستب بعدك يا كليب المجلس
أي أهله قيل إن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم أتهددني وأنا أكثر الوادي ناديا فنزلت ) فليدع ناديه )
العلق : ( 18 ) سندع الزبانية
) سندع الزبانية ( أي الملائكة الغلاظ الشداد كذا قال الزجاج قال الكسائي والأخفش وعيسى بن عمر واحدهم زابن وقال أبو عبيدة زبنية وقيل زباني وقيل هو اسم للجمع لا واحد له من لفظه كعباديد وأبابيل وقال قتادة هم الشرط في كلام العرب وأصل الزبن الدفع ومنه قول الشاعر
ومستعجب مما يرى من أناتنا
ولو زبنته الحرب لم يترمرم
والعرب تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه ومنه قول الشاعر
مطاعيم في القصوى مطاعين في الوغى
زبانية غلب عظام حلومها
قرأ الجمهور سندع بالنون ولم ترسم الواو كما في قوله يوم يدع الداع وقرأ ابن أبي عبلة سيدعى على البناء للمفعول ورفع الزبانية على النيابة
العلق : ( 19 ) كلا لا تطعه . . . . .
ثم كرر الردع والزجر فقال ) كلا لا تطعه ( أي لا تطعه فيما دعاك إليه من ترك الصلاة ) واسجد ( أي صل لله غير مكترث به ولا مبال بنهيه ) واقترب ( أي تقرب إليه سبحانه بالطاعة والعبادة وقيل المعنى إذا سجدت اقترب من الله بالدعاء وقال زيد بن أسلم واسجد أنت يا محمد واقترب أنت يا أبا جهل من النار والأول أولى والسجود هذا الظاهر أن المراد به الصلاة وقيل سجود التلاوة ويدل على هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه واله وسلم من السجود عند تلاوة هذه الاية كما سيأتي إن شاء الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن عبد الله بن شداد قال أتى جبريل محمدا صلى الله عليه واله وسلم فقال يا محمد اقرأ فقال وما أقرأ فضمه ثم قال يا محمد اقرأ قال وما أقرأ قال ) اقرأ باسم ربك الذي خلق ( حتى بلغ ) ما لم يعلم ( وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة فجاءه الملك فقال اقرأ فقال قلت ما أنا بقارىء قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارىء فغطني الثانية حتى بلغ منه الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد فقال ) اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ( الاية وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال قال أبو جهل لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه فبلغ النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال لو فعل لأخذته الملائكة عيانا وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي


"""""" صفحة رقم 471 """"""
وصححه وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عنه قال كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يصلي فجاء أبو جهل فقال ألم أنهك عن هذا إنك لتعلم أن ما بها رجل أكثر ناديا مني فأنزل الله ) فليدع ناديه سندع الزبانية ( فجاء النبي صلى الله عليه واله وسلم يصلي فقيل ما يمنعك فقال قد اسود ما بيني وبينه قال ابن عباس والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة قال قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قالوا نعم قال واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يصلي ليطأن على رقبته قال فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقى بيده فقيل له مالك فقال إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لودنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا قال وأنزل الله ) كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ( إلى اخر السورة يعني أبا جهل ) فليدع ناديه ( يعني قومه ) سندع الزبانية ( يعني الملائكة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ( قال أبو جهل بن هشام حين رمى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالسلى على ظهره وهو ساجد لله عز وجل وأخرج ابن المنذر عنه في قوله ) لنسفعا ( قال لنأخذن وأخرج ابن جرير عنه أيضا ) فليدع ناديه ( قال ناصره وقد قدمنا أن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يسجد في ) إذا السماء انشقت ( وفي ) اقرأ باسم ربك الذي خلق )
ع9
تفسير
سورة القدر
هي خمس آيات
حول السورة
وهي مكية عند أكثر المفسرين كذا قال الماوردي وقال الثعلبي هي مدنية في قول أكثر المفسرين وذكر الواقدي أنها أول سورة نزلت بالمدينة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة أنها نزلت بمكة بسم الله الرحمن الرحيم
سورة القدر ( 1 5 )
القدر : ( 1 ) إنا أنزلناه في . . . . .
الضمير في أنزلناه للقران وإن لم يتقدم له ذكر أنزل جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ وكان ينزل على النبي صلى الله عليه واله وسلم نجوما على حسب الحاجة وكان بين نزول أوله واخره على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثلاث وعشرون سنة وفي آية أخرى إنا أنزلناه في ليلة مباركة وهي ليلة القدر وفي آية أخرى شهر رمضان الذي أنزل فيه القران وليلة القدر في شهر رمضان قال مجاهد في ليلة القدر ليلة الحكم
القدر : ( 2 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدراك ما ليلة القدر ( ليلة الحكم قيل سميت ليلة القدر لأن الله سبحانه يقدر فيها ما شاء


"""""" صفحة رقم 472 """"""
من أمره إلى السنة القابلة وقيل إنها سميت بذلك لعظيم قدرها وشرفها من قولهم لفلان قدر أي شرف ومنزلة كذا قال الزهري وقيل سميت بذلك لأن للطاعات فيها قدرا عظيما وثوابا جزيلا وقال الخليل سميت ليلة القدر لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة كقوله ومن قدر عليه رزقه أي ضيق
وقد اختلف في تعيين ليلة القدر على أكثر من أربعين قولا قد ذكرناها بأدلتها وبينا الراجح منها في شرحنا للمنتقى ) وما أدراك ما ليلة القدر ( هذا الاستفهام فيه تفخيم لشأنها حتى كأنها خارجة عن دراية الخلق لا يدريها إلا الله سبحانه قال سفيان كل ما في القران من قوله وما أدراك فقد أدراه وكل ما فيه وما يدريك فلم يدره وكذا قال الفراء والمعنى أي شيء تجعله داريا بها وقد قدمنا الكلام في إعراب هذه الجملة في قوله وما أدراك ما الحاقة
القدر : ( 3 ) ليلة القدر خير . . . . .
ثم قال ) ليلة القدر خير من ألف شهر ( قال كثير من المفسرين أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر واختار هذا الفراء والزجاج ولك أن الأوقات إنما يفضل بعضها على بعض بما يكون فيها من الخير والنفع فلما جعل الله الخير الكثير في ليلة كانت خيرا من ألف شهر لا يكون فيها من الخير والبركة ما في هذه الليلة وقيل أراد بقوله ألف شهر جميع الدهر لأن العرب تذكر الألف في كثير من الأشياء على طريق المبالغة وقيل وجه ذكر الألف الشهر أن العابد كان فيما مضى لا يسمى عابدا حتى يعبد الله ألف شهر وذلك ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر فجعل الله سبحانه لأمة محمد عبادة ليلة خيرا من عباده ألف شهر كانوا يعبدونها وقيل إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رأى أعمار أمته قصيرة فخاف أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر وجعلها خيرا من ألف شهر لسائر الأمم وقيل غير ذلك مما لا طائل تحته
القدر : ( 4 ) تنزل الملائكة والروح . . . . .
وجملة ) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم ( مستأنفة مبينة لوجه فضلها موضحة للعلة التي صارت بها خيرا من ألف شهر وقوله ) بإذن ربهم ( يتعلق بتنزيل أو بمحذوف هو حال أي ملتبسين بإذن ربهم والإذن الأمر ومعنى تنزل تهبط من السموات إلى الأرض والروح هو جبريل عند جمهور المفسرين أي تنزل الملائكة ومعهم جبريل ووجه ذكره بعد دخوله في الملائكة التعظيم له والتشريف لشأنه وقيل الروح صنف من الملائكة هم أشرافهم وقيل هم جند من جنود الله من غير الملائكة وقيل الروح الرحمة وقد تقدم الخلاف في الروح عند قوله يوم يقوم الروح والملائكة صفا قرأ الجمهور تنزل بفتح التاء وقرأ طلحة بن مصرف وابن السميفع بضمها على البناء للمفعول وقوله ) من كل أمر ( أي من أجل كل أمر من الأمور التي قضى الله بها في تلك السنة وقيل إن من بمعنى اللام أي لك أمر وقيل هي بمعنى الباء أي بكل أمر قرأ الجمهور أمر وهو واحد الأمور وقرأ علي وابن عباس وعكرمة والكلبي امرىء مذكر امرأة أي من أجل كل إنسان وتأولها الكلبي على أن جبريل ينزل مع الملائكة فيسلمون على كل إنسان فمن على هذا بمعنى على والأول أولى وقد تم الكلام عند قوله من كل أمر
القدر : ( 5 ) سلام هي حتى . . . . .
ثم ابتدأ فقال ) سلام هي ( أي ما هي إلا سلامة وخير كلها لاشر فيها وقيل هي ذات سلامة من أن يؤثر فيها شيطان في مؤمن أو مؤمنة قال مجاهد هي ليلة سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا أذى وقال الشعبي هو تسليم الملائكة على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر يمرون على كل مؤمن ويقولون السلام عليك أيها المؤمن وقيل يعني سلام الملائكة بعضهم على بعض قال عطاء يريد سلام على أولياء الله وأهل طاعته ) حتى مطلع الفجر ( أي حتى وقت طلوعة قرأ الجمهور مطلع بفتح اللام وقرأ الكسائي وابن محيصن بكسرها فقيل هما لغتان في المصدر والفتح أكثر نحو المخرج والمقتل وقيل بالفتح اسم مكان وبالكسر المصدر وقيل العكس وحتى متعلقة


"""""" صفحة رقم 473 """"""
يتنزل على أنها غاية لحكم التنزل أي لمكثهم في محل تنزلهم بأن لا ينقطع تنزلهم فوجا بعد فوج إلى طلوع الفجر وقيل متعلقة سلام بناء على أن الفصل بين المصدر ومعموله بالمبتدأ مغتفر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) إنا أنزلناه في ليلة القدر ( قال أنزل القران في ليلة القدر حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ثم جعل جبريل ينزل على محمد بجواب كلام العباد وأعمالهم وأخرج عبد بن حميد عن أنس قال العمل في ليلة القدر والصدقة والصلاة والزكاة أفضل من ألف شهر وأخرج الترمذي وضعفه وابن جرير والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن الحسن بن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه واله وسلم رأى بني أمية على منبره فساءه ذلك فنزلت إنا أعطيناك الكوثر يا محمد يعني نهرا في الجنة ونزلت ) إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ( يملكها بعدك بنو أمية قال القاسم فعددنا فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقص يوما والمراد بالقاسم هو القاسم بن الفضل المذكور في إسناده قال الترمذي إن يوسف هذا مجهول يعني يوسف بن سعد الذي رواه عن الحسن بن علي قال ابن كثير فيه نظر فإنه قد روى عنه جماعة منهم حماد بن سلمة وخالد الحذاء ويونس بن عبيد وقال فيه يحيى بن معين هو مشهور وفي رواية عن ابن معين قال هو ثقة ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن عيسى ابن مازن قال ابن كثير ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدا قال المزي هو حديث منكر وقول القاسم بن الفضل إنه حسب مدة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد ولا تنقص ليس بصحيح فإن جملة مدتهم من عند أن استقل بالملك معاوية وهي سنة أربعين إلى أن سلبهم الملك بنو العباس وهي سنة اثنين وثلاثين ومائة مجموعها اثنتان وتسعون سنة وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس نحو ما روى عن الحسن بن علي وأخرج الخطيب عن سعيد بن المسيب مرفوعا مرسلا نحوه وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله سلام قال في تلك الليلة تصفد مردة الشياطين وتغل عفاريت الجن وتفتح فيها أبواب السماء كلها ويقبل الله فيها التوبة لكل تائب فلذا قال ) سلام هي حتى مطلع الفجر ( قال وذلك من غروب الشمس إلى أن يطلع الفجر والأحاديث في فضل ليلة القدر كثيرة وليس هذا موضع بسطها وكذلك الأحاديث في تعيينها والاختلاف في ذلك
ع98
تفسير
سورة لم يكن
هي ثمان آيات
حول السورة
وهي مدنية في قول الجمهور وقيل مكية وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة ) لم يكن ( بالمدينة وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت نزلت سورة لم يكن بمكة وأخرج أبو نعيم في المعرفة عن إسماعيل ابن أبي حكيم المزني حدثني فضل سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول إن الله يستمع قراءة ) لم يكن الذين كفروا ( فيقول أبشر عبدي وعزتي وجلالي لأمكنن لك في الجنة حتى ترضى قال ابن كثير حديث غريب جدا وأخرجه أبو موسى المديني عن مطر المزني أو المدني بنحوه وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأبي بن كعب إن الله أمرني أن أقرأ عليك


"""""" صفحة رقم 474 """"""
) لم يكن الذين كفروا ( قال وسماني لك قال نعم فبكى وأخرج أحمد وابن قانع في معجم الصحابة والطبراني وابن مردويه عن أبي حبة البدري قال لما نزلت ) لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ( إلى اخرها قال جبريل يا رسول الله إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيا فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم لأبي إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة فقال أبى وقد ذكرت ثم يا رسول الله قال نعم فبكى بسم الله الرحمن الرحيم
سورة لم يكن ( 1 8 )
البينة : ( 1 ) لم يكن الذين . . . . .
المراد ب ) الذين كفروا من أهل الكتاب ( اليهود والنصارى و المراد ب المشركين مشركو العرب وهم عبدة الأوثان و ) منفكين ( خبر كان يقال فككت الشيء فانفك أي انفصل والمعنى أنهم لم يكونوا مفارقين لكفرهم ولا منتهين عنه ) حتى تأتيهم البينة ( وقيل الانفكاك بمعنى الانتهاء وبلوغ الغاية أي لم يكونوا يبلغون نهاية أعمارهم فيموتوا حتى تأتيهم البينة وقيل منفكين زائلين أي لم تكن مدتهم لتزول حتى تأتيهم البينة يقال ما انفك فلان قائما أي ما زال قائما وأصل الفك الفتح ومنه فك الخلخال وقيل منفكين بارحين أي لم يكونوا ليبرحوا أو يفارقوا الدنيا حتى تأتيهم البينة وقال ابن كيسان المعنى لم يكن أهل الكتاب تاركين صفة محمد صلى الله عليه واله وسلم حتى بعث فلما بعث حسدوه وجحدوه وهو كقوله فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وعلى هذا فيكون قوله ) والمشركين ( أنهم ما كانوا يسيؤون القول في محمد صلى الله عليه واله وسلم حتى بعث فإنهم كانوا يسمونه الأمين فلما بعث عادوه وأساءوا القول فيه وقيل منفكين هالكين من قولهم انفك صلبه أي انفصل فلم يلتئم فيهلك والمعنى لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم وقيل إن المشركين هم أمل الكتاب فيكون وصفا لهم لأنهم قالوا المسيح ابن الله وعزيز ابن الله قال الوحدي ومعنى الاية إخبار الله تعالى عن الكفار أنهم لن ينتهوا عن كفرهم وشركهم بالله حتى أتاهم محمد صلى الله عليه واله وسلم بالقران فبين لهم ضلالتهم وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان وهذا بيان عن النعمة والانقاذ به من الجهل


"""""" صفحة رقم 475 """"""
والضلالة والاية فيمن امن من الفريقين قال وهذه الاية من أصعب ما في القران نظما وتفسيرا وقد تخبط فيها الكبار من العلماء وسلكوا في تفسيرها طرقا لا تفضي بهم إلى الصواب والوجه ما أخبرتك فاحمد الله إذ أتاك بيانها من غير لبس ولا إشكال قال ويدل على أن البينة محمد صلى الله عليه واله وسلم أنه فسرها وأبدل منها
البينة : ( 2 ) رسول من الله . . . . .
فقال ) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ( يعني ما تتضمنه الصحف من المكتوب فيها وهو القران ويدل على ذلك أنه كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن كتاب انتهى كلامه وقيل إن الاية حكاية لما كان يقوله أهل الكتاب والمشركون إنهم لا يفارقون دينهم حتى يبعث النبي الموعود به فلما بعث تفرقوا كما حكاه الله عنهم في هذه السورة والبينة على ما قاله الجمهور هو محمد صلى الله عليه واله وسلم لأنه في نفسه بينة وحجة ولذلك سماه سراجا منيرا وقد فسر الله سبحانه هذه البينة المجملة بقوله ) رسول من الله ( فلتضح الأمر وتبين أنه المراد بالبينة وقال قتادة وابن زيد البينة هي القران كقوله أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى وقال أبو مسلم المراد بالبينة مطلق الرسل والمعنى حتى تأتيهم رسل من الله وهم الملائكة يتلون عليهم صحفا مطهرة والأول أولى قرأ الجمهور لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين وقرأ ابن مسعود لم يكن المشركون وأهل الكتاب قال ابن العربي وهي قراءة في معرض البيان لا في معرض التلاوة وقرأ الأعمش والنخعي والمشركون بالرفع عطفا على الموصول وقرأ أبي فما كان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركون قرأ الجمهور رسول من الله برفع رسول على أنه بدل كل من كل مبالغة أو بدل اشتمال قال الزجاج رسول رفع على البدل من البينة وقال الفراء رفع على أنه خبر مبتدأ مضمر أي هي رسول أو هو رسول وقرأ أبي وابن مسعود رسولا بالنصب على القطع وقوله من الله متعلق بمحذوف هو صفة لرسول أي كائن من الله ويجوز تعلقه بنفس رسول وجوز أبو البقاء أن يكون حالا من صحف والتقدير يتلو صحفا مطهرة منزلة من الله وقوله ) يتلو صحفا مطهرة ( يجوز أن تكون صفة أخرى لرسول أو حالا من متعلق الجار والمجرور قبله ومعنى يتلو يقرأ يقال تلا يتلو تلاوة والصحف جمع صحيفة وهي ظرف المكتوب ومعنى مطهرة أنها منزهة من الزور والضلال قال قتادة مطهرة من الباطل وقيل مطهرة من الكذب والشبهات والكفر والمعنى واحد والمعنى أنه يقرأ ما تتضمنه الصحف من المكتوب فيها لأنه كان صلى الله عليه واله وسلم يتلو عن ظهر قلبه لا عن كتاب كما تقدم
البينة : ( 3 ) فيها كتب قيمة
وقوله ) فيها كتب قيمة ( صفة لصحفا أو حال من ضميرها والمراد الايات والأحكام المكتوبة فيها والقيمة المستقيمة المستوية المحكمة من قول العرب قام الشيء إذا استوى وصح وقال صاحب النظم الكتب بمعنى الحكم كقوله كتب الله لأغلبن أنا ورسلي أي حكم وقوله صلى الله عليه واله وسلم في قصة العسيف لأقضين بينكما بكتاب الله ثم قضى بالرجم وليس لرجم في كتاب الله فالمعنى لأقضين بينكما بحكم الله وبهذا يندفع ما قيل إن الصحف هي الكتب فكيف قال ) صحفا مطهرة فيها كتب قيمة ( وقال الحسن يعني بالصحف المطهرة التي في السماء يعني في اللوح المحفوظ كما في قوله بل هو قران مجيد في لوح محفوط
البينة : ( 4 ) وما تفرق الذين . . . . .
) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( هذه الجملة مستأنفة لتوبيخ أهل الكتاب وتقريعهم وبيان أن ما نسب إليهم من عدم الانفكاك لم يكن لاشتباه الأمر بل كان بعد وضوح الحق وظهور الصواب قال المفسرون لم يزل اهل الكتاب مجتمعين حتى بعث الله محمدا فلما بعث تفرقوا في أمره واختلفوا فآمن به بعضهم وكفر آخرون وخص أهل الكتاب وإن كان غيرهم مثلهم في التفرق بعد مجىء البينة لأنهم كانوا أهل علم فإذا تفرقوا كان غيرهم ممن لا كتاب له أدخل في هذا


"""""" صفحة رقم 476 """"""
الوصف والاستثناء في قوله ) إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( مفرغ من أعم الأوقات أي وما تفرقوا في وقت من الأوقات إلا من بعد ما جاءتهم الحجة الواضحة وهي بعثة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالشريعة الغراء والمحجة البيضاء وقيل البينة البيان الذي في كتبهم أنه نبي مرسل كقوله وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم قال القرطبي قال العلماء من أول السورة إلى قوله ) كتب قيمة ( حكمها فيمن امن من أهل الكتاب والمشركين وقوله ) وما تفرق ( الخ فيمن لم يؤمن من أهل الكتاب والمشركين بعد قيام الحجج
البينة : ( 5 ) وما أمروا إلا . . . . .
وجملة ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله ( في محل نصب على الحال مفيدة لتقريعهم وتوبيخهم بما فعلوا من التفرق بعد مجىء البينة أي والحال أنهم ما أمروا في كتبهم إلا لأجل أن يعبدوا الله ويوحدوه حال كونهم ) مخلصين له الدين ( أي جاعلين دينهم خالصا له سبحانه أو جاعلين أنفسهم خالصة له في الدين وقيل إن اللام في ليعبدوا بمعنى أن أي ما أمروا إلا بأن يعبدوا كقوله ) يريد الله ليبين لكم ( أي أن تبين و يريدون ليطفئوا نور الله أي أن يطفئوا قرأ الجمهور مخلصين بكسر اللام وقرأ الحسن بفتحها وهذه الاية من الأدلة الدالة على وجوب النية في العبادات لأن الإخلاص من عمل القلب وانتصاب حنفاء على الحال من ضمير مخلصين فتكون من باب التداخل ويجوز أن تكون من فاعل يعبدوا والمعنى مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام قال أهل اللغة أصله أن يحنف إلى دين الإسلام أي يميل إليه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة أي يفعلوا الصلوات في أوقاتها ويعطوا الزكاة عند محلها وخص الصلاة والزكاة لأنهما من أعظم أركان الدين قيل إن أريد بالصلاة والزكاة ما في شريعة أهل الكتاب من الصلاة والزكاة فالأمر ظاهر وإن أريد ما في شريعتنا فمعنى أمرهم بهما في الكتابين أمرهم باتباع شريعتنا وهما من جملة ما وقع الأمر به فيها ) وذلك دين القيمة ( أي وذلك المذكور من عبادة الله وإخلاصها وإقامة الصلاة والزكاة ) دين القيمة ( أي دين الملة المستقيمة قال الزجاج أي ذلك دين الملة المستقيمة فالقيمة صفة لموصوف محذوف قال الخليل القيمة جمع القيم والقيم القائم قال الفراء أضاف الدين إلى القيمة وهو نعته لاختلاف اللفظين وقال أيضا هو من إضافة الشيء إلى نفسه ودخلت الهاء للمدح والمبالغة
البينة : ( 6 ) إن الذين كفروا . . . . .
ثم بين سبحانه حال الفريقين في الاخرة بعد بيان حالهم في الدنيا فقال ) إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم ( الموصول إسم إن والشركين معطوف عليه وخبرها في نار جهنم و ) خالدين فيها ( حال من المستكن في الخبر ويجوز أن يكون قوله والمشركين مجرورا عطفا على أهل الكتاب ومعنى كونهم في نار جهنم أنهم يصيرون إليها يوم القيامة والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى من تقدم ذكرهم من أهل الكتاب والمشركين المتصفين بالكون في نار جهنم والخلود فيها ) هم شر البرية ( أي الخليقة يقال برأ أي خلق والبارىء الخالق والبرية الخليقة قرأ الجمهور البرية بغير همز في الموضعين وقرأ نافع وابن ذكوان فيهما بالهمز قال الفراء إن أخذت البرية من البراء وهو التراب لم تدخل الملائكة تحت هذا اللفظ وإن أخذتها من بريت القلم أي قدرته دخلت وقيل إن الهمز هو الأصل لأنه يقال برأ الله الخلق بالهمز أي ابتدعه واخترعه ومنه قوله من قبل أن نبرأها ولكنها خففت الهمزة والتزم تخفيفها عند عامة العرب
البينة : ( 7 ) إن الذين آمنوا . . . . .
ثم بين حال الفريق الاخر فقال ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( أي جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ) أولئك ( المنعوتون بهذا ) هم خير البرية ( قال والمراد أن أولئك شر البرية في عصره صلى الله عليه واله وسلم ولا يبعد أن يكون في كفار الأمم من هو شر منهم وهؤلاء خير البرية في عصره صلى الله عليه واله وسلم ولا يبعد أن يكون في مؤمني الأمم السابقة من هو خير منهم
البينة : ( 8 ) جزاؤهم عند ربهم . . . . .
) جزاؤهم عند ربهم ( اي ثوابهم عند خالقهم بمقابلة ما وقع منهم من الإيمان والعمل الصالح


"""""" صفحة رقم 477 """"""
) جنات عدن تجري من تحتها الأنهار ( والمراد بجنات عدن هي أوسط الجنات وأفضلها يقال عدن بالمكان يعدن عدنا أي أقام ومعدن الشيء مركزه ومستقره ومنه قول الأعشى وإن يتضافوا إلى علمه
يضافوا إلى راجح قد عدن
وقد قدمنا في غير موضع أنه إن أريد بالجنات الأشجار الملتفة فجريان الأنهار من تحتها ظاهر وإن أريد مجموع قرار الأرض والشجر فجرى الأنهار من تحتها باعتبار جزئها الظاهر وهو الشجر ) خالدين فيها أبدا ( لا يخرجون منها ولا يظعنون عنها بل هم دائمون في نعيمها مستمرون في لذاتها ) رضي الله عنهم ورضوا عنه ( الجملة مستأنفة لبيان ما تفضل الله به عليهم من الزيادة على مجرد الجزاء وهو رضوانه عنهم حيث أطاعوا أمره وقبلوا شرائعه ورضاهم عنه حيث بلغوا من المطالب مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويجوز أن تكون الجملة خبرا ثانيا وأن تكون في محل نصب على الحال باضمار قد ) ذلك لمن خشي ربه ( أي ذلك الجزاء والرضوان لمن وقعت منه الخشية لله سبحانه في الدنيا وانتهى عن معاصيه بسبب تلك الخشية التي وقعت له لا مجرد الخشية مع الانهماك في معاصي الله سبحانه فإنها ليست بخشية على الحقيقة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) منفكين ( قال برحين وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال أتعجبون من منزلة الملائكة من الله والذي نفسي بيده لمنزلة العبد المؤمن عند الله يوم القيامة أعظم من منزلة ملك واقرؤوا إن شئتم ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ( وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت قلت يا رسول الله من أكرم الخلق على الله قال يا عائشة أما تقرئين ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ( وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي صلى الله عليه واله وسلم فأقبل علي فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ونزلت ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ( فكان أصحاب محمد صلى الله عليه واله وسلم إذا أقبل قالوا قد جاء خير البرية وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعا على خير البرية وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الاية ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ( قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلي هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين وأخرج ابن مردويه عن علي مرفوعا نحوه وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلا أخبركم بخير البرية قالوا بلى يا رسول الله قال رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلما كانت هيعة استوى عليه ألا أخبركم بشر البرية قالوا بلى قال الذي يسأل بالله ولا يعطى به قال أحمد حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا أبو معشر عن أبي وهب مولى أبو هريرة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فذكره


"""""" صفحة رقم 478 """"""
ع99
تفسير
سورة الزلزلة
هي ثمان آيات
حول السورة
وهي مدنية في قول ابن عباس وقتادة ومكية في قول ابن مسعود وعطاء وجابر أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت ) إذا زلزلت ( بالمدينة وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر والحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمرو قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال أقرئني يا رسول الله قال اقرأ ثلاثا من ذوات الراء فقال الرجل كبر سني واشتد قلبي وغلظ لساني قال اقرأ ثلاثا من ذوات حم فقال مثل مقالته الأولى فقال اقرأ ثلاثا من المسبحات فقال مثل مقالته الأولى وقال ولكن أقرئني يا رسول الله سورة جامعة فاقرأه ) إذا زلزلت الأرض زلزالها ( حتى فرغ منها قال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أفلح الرويجل أفلح الرويجل وأخرج الترمذي وابن مردويه والبيهقي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ إذا زلزلزت الأرض عدلت له بنصف القران ومن قرأ قل هو الله أحد عدلت له بثلث القران ومن قرأ قل يا أيها الكافرون عدلت له بربع القران وأخرج الترمذي وابن الضريس ومحمد بن نصر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا زلزلت تعدل نصف القران وقل هو الله أحد تعدل ثلث القران وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القران قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة وأخرج الترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لرجل من أصحابه هل تزوجت با فلان قال لا والله يا رسول الله ولا عندي ما أتزوج به قال أليس معك قال هو الله أحد قال بلى قال ثلث القران قال أليس معك إذا جاء نصر الله والفتح قال بلى قال ربع القران قال أليس معك قل يا أيها الكافرون قل بلى قال ربع القران قال أليس معك إذا زلزلت الأرض قال بلى قال ربع القران تزوج قال الترمذي هذا حديث حسن وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول من قرأ في ليلة إذا زلزلت كان له عدل نصف القران بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الزلزلة ( 1 8 )
الزلزلة : ( 1 ) إذا زلزلت الأرض . . . . .
قوله ) إذا زلزلت الأرض زلزالها ( أي إذا حركت حركة شديدة وجواب الشرط تحدث والمراد تحركها عند قيام الساعة فإنها تضطرب حتى يتكسر كل شيء عليها قال مجاهد وهي النفخة الأولى لقوله تعالى يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة وذكر المصدر للتأكيد ثم أضافه إلى الأرض فهو مصدر مضاف إلى فاعله والمعنى


"""""" صفحة رقم 479 """"""
زلزالها المخصوص الذي يستحقه ويقتضيه جرمها وعظمها قرأ الجمهور زلزالها بكسر الزاي وقرأ الجحدري وعيسى بفتحها وهما مصدران بمعنى وقيل المكسور مصدر والمفتوح اسم قال القرطبي والزلزال بالفتح مصدر كالوسواس والقلقال
الزلزلة : ( 2 ) وأخرجت الأرض أثقالها
) وأخرجت الأرض أثقالها ( أي ما في جوفها من الأموات والدفائن والأثقال جمع ثقل قال أبو عبيدة والأخفش إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها قال مجاهد أثقالها موتاها تخرجهم في النفخة الثانية وقد قيل للإنس والجن الثقلان وإظهار الأرض في موضع الإضمار لزيادة التقرير
الزلزلة : ( 3 ) وقال الإنسان ما . . . . .
) وقال الإنسان ما لها ( أي قال كل فرد من أفراد الإنسان ما لها زلزلت لما يدهمه من أمرها ويبهره من خطبها وقيل المراد بالإنسان الكافر وقوله مالها مبتدأ وخبر وفيه معنى التعجيب أي أي شيء لها أو لأي شيء زلزلت وأخرجت أثقالها
الزلزلة : ( 4 ) يومئذ تحدث أخبارها
وقوله يومئذ بدل من إذا والعامل فيهما قوله ) تحدث أخبارها ( ويجوز أن يكون العامل في إذا محذوفا والعامل في يومئذ تحدث والمعنى يوم إذا زلزلت وأخرجت تخبر بأخبارها وتحدثهم بما عمل عليها من خير وشر وذلك إما بلسان الحال حيث يدل على ذلك دلالة ظاهرة أو بلسان المقال بأن ينطقها الله سبحانه وقيل هذا متصل بقوله ) وقال الإنسان ما لها ( أي قال مالها ) تحدث أخبارها ( متعجبا من ذلك وقال يحيى بن سلام تحدث أخبارها بما أخرجت من أثقالها وقبل تحدث بقيام الساعة وأنها قد أتت وأن الدنيا قد انقضت قال ابن جرير تبين أخبارها بالرجفة والزلزلة وإخراج الموتى ومفعول تحدث الأول محذوف والثاني هو أخبارها أي تحدث الخلق أخبارها
الزلزلة : ( 5 ) بأن ربك أوحى . . . . .
) بأن ربك أوحى لها ( متعلق بتحدث ويجوز أن يتعلق بنفس أخبارها وقيل الباء زائدة وأن وما في حيزها بدل من أخبارها وقيل الباء سببية أي بسبب إيحاء الله إليها قال الفراء تحدث أخبارها بوحي الله وإذنه لها واللام في أوحى لها بمعنى إلى وإنما أثرت على إلى لموافقة الفواصل والعرب تضع لام الصفة موضع إلى كذا قال أبو عبيدة وقيل إن أوحى يتعدى باللام تارة وبإلى أخرى وقيل إن اللام على بابها من كونها للعلة والموحى إليه محذوف وهو الملائكة والتقدير أوحى إلى الملائكة لأجل الأرض أي لأجل ما يفعلون فيها والأول أولى
الزلزلة : ( 6 ) يومئذ يصدر الناس . . . . .
) يومئذ يصدر الناس أشتاتا ( الظرف إما بدل من يومئذ الذي قبله وإما منصوب بمقدر هو اذكر وإما منصوب بما بعده والمعنى يوم إذ يقع ما ذكر يصدر الناس من قبورهم إلى موقف الحساب أشتاتا أي متفرقين والصدر الرجوع وهو ضد الورود وقيل يصدرون من موضع الحساب إلى الجنة أو النار وانتصاب أشتاتا على الحال والمعنى أن بعضهم امن وبعضهم خائف وبعضهم بلون أهل الجنة وهو البياض وبعضهم بلون أهل النار وهو السواد وبعضهم ينصرف إلى جهة اليمين وبعضهم إلى جهة الشمال مع تفرقهم في الأديان واختلافهم في الأعمال ) ليروا أعمالهم ( متعلق بيصدر وقيل فيه تقديم وتأخير أي تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ليروا أعمالهم ) يومئذ يصدر الناس أشتاتا ( قرأ الجمهور ليروا مبنيا للمفعول وهو من رؤية البصر أي ليريهم الله أعمالهم وقرأ الحسن والأعرج وقتادة وحماد بن سلمة ونصر بن عاصم وطلحة بن مصرف على البناء للفاعل ورويت هذه القراءة عن نافع والمعنى ليروا جزاء أعمالهم
الزلزلة : ( 7 ) فمن يعمل مثقال . . . . .
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره أي وزن نملة وهي أصغر ما يكون من النمل قال مقاتل فمن يعمل في الدنيا مثقال ذرة خيرا يره يوم القيامة في كتابه فيفرح به
الزلزلة : ( 8 ) ومن يعمل مثقال . . . . .
و كذلك ) من يعمل ( في الدنيا ) مثقال ذرة شرا يره ( يوم القيامة فيسوؤه ومثل هذه الاية قوله إن الله لا يظلم مثقال ذرة وقال بعض أهل اللغة إن الذرة هو أن يضرب الرجل بيده على الأرض فما علق من التراب فهو الذرة وقيل الذر ما يرى في شعاع الشمس من الهباء والأول أولى ومنه قول امرىء القيس


"""""" صفحة رقم 480 """"""
من القاصرات الطرف لو دب محول
من الذر فوق الأتب منها لأثرا
و من الأولى عبارة عن السعداء و من الثانية عبارة عن الأشقياء وقال محمد بن كعب فمن يعمل مثقال ذرة من خير من كافر يرى ثوابه في الدنيا وفي نفسه وماله وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في ماله ونفسه وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر والأول أولى قال مقاتل نزلت في رجلين كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة وكان الاخر يتهاون بالذنب اليسير ويقول إنما أوعد الله النار على الكافرين قرأ الجمهور يره في الموضعين بضم الهاء وصلا وسكونها وقفا وقرأ هشام بسكونها وصلا ووقفا ونقل أبو حيان عن هشام وأبي بكر سكونها وعن أبي عمرو ضمها مشبعة وباقي السبعة بإشباع الأولى وسكون الثانية وفي هذا النقل نظر والصواب ما ذكرنا وقرأ الجمهور يره مبنيا للفاعل في الموضعين وقرأ ابن عباس وابن عمر والحسن والحسين ابنا علي وزيد بن علي وأبو حيوة وعاصم والكسائي في رواية عنهما والجحدري والسلمي وعيسى على البناء للمفعول فيهما أي يريه الله إياه وقرأ عكرمه يراه على توهم أن من موصولة أو على تقدير الجزم بحذف الحركة المقدرة في الفعل
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ) إذا زلزلت الأرض زلزالها ( قال تحركت من أسفلها ) وأخرجت الأرض أثقالها ( قال الموتى ) وقال الإنسان ما لها ( قال الكافر يقول مالها ) يومئذ تحدث أخبارها ( قال قال لها ربك قولى ) بأن ربك أوحى لها ( قال أوحى لها ) يومئذ يصدر الناس أشتاتا ( قال من كل من ههنا وههنا وأخرج ابن المنذر عنه ) وأخرجت الأرض أثقالها ( قال الكنوز والموتى وأخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تقىء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجىء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجىء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ويجىء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال قرأ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) يومئذ تحدث أخبارها ( قال أتدرون ما أخبارها قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا وكذا فهذا أخبارها وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال إن الأرض لتجىء يوم القيامة بكل عمل عمل على ظهرها وقرأ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) إذا زلزلت الأرض زلزالها ( حتى بلغ ) يومئذ تحدث أخبارها ( وأخرج الطبراني عن ربيعة الخرشي أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال تحفظوا من الأرض فإنها أمكم وإنه ليس من أحد عامل عليها خيرا أو شرا إلا وهي مخبرة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم في تاريخه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أنس قال بينما أبو بكر الصديق يأكل مع النبي صلى الله عليه واله وسلم إذ نزلت عليه ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( فرفع أبو بكر يده وقال يا رسول الله إني لراء ما عملت من مثقال ذرة من شر فقال يا أبا بكر أرأيت ما ترى في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة وأخرج إسحاق بن راهوية وعبد بن حميد والحاكم وابن مردويه


"""""" صفحة رقم 481 """"""
عن أبي أسماء قال بينا أبو بكر يتغدى مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذ نزلت هذه الاية ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( 6 فأمسك أبو بكر وقال يا رسول الله ما عملنا من شر رأيناه فقال ما ترون مما تكرهون فذاك مما تجزون ويؤخر الخير لأهله في الاخرة وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال أنزلت إذا زلزلت الأرض زلزالها وأبو بكر الصديق قاعد فبكى فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما يبكيك يا أبا بكر قال يبكيني هذه السورة فقال لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر لكم لخلق الله قوما يخطئون ويذنبون فيغفر لهم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال الخيل لثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر الحديث وقال وسئل عن الحمر فقال ما أنزل علي فيها إلا هذه الاية الجامعة الفاذة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
ع100
تفسير
سورة العاديات
هي إحدى عشرة آية
حول السورة
وهي مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء ومدنية في قول ابن عباس وأنس بن مالك وقتادة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة والعاديات بمكة وأخرج أبو عبيد في فضائله عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا زلزلت تعدل نصف القران والعاديات تعدل نصف القران وهو مرسل وأخرج محمد بن نصر من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعا مثله وزاد وقل هو الله أحد تعدل ثلث القران وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القران بسم الله الرحمن الرحيم
سورة العاديات ( 1 11 )
العاديات : ( 1 ) والعاديات ضبحا
) والعاديات ( جمع عاية وهي الجارية بسرعة من العدو وهو المشي بسرعة فأبدلت الواو ياء لكسر ما قبلها كالغازيات من الغزو والمراد بها الخيل العادية في الغزو نحو العدو وقوله ) ضبحا ( مصدر مؤكد الأسم الفاعل فإن الضبح نوع من السير ونوع من العدو يقال ضبح الفرس إذا عدا بشدة مأخوذ من الضبع وهو الدفع وكأن الحاء بدل من العين قال أبو عبيدة والمبرد الضبح من إضباعها في السير ومنه قول عنترة
والخيل تكدح في حياض الموت ضبحا
ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال أي


"""""" صفحة رقم 482 """"""
ضابحات أو ذوات ضبح ويجوز أن يكون مصدرا لفعل محذوف أي تضبح ضبحا وقيل الضبح صوت حوافرها إذا عدت وقال الفراء الضبح صوت أنفاس الخيل إذا عدية قيل كانت تكعم لئلا تصهل فيعلم العدو بهم فكانت تتنفس في هذه الحالة بقوة وقيل الضبح صوت يسمع من صدور الخيل عند العدو ليس بصهيل وقد ذهب الجمهور إلى ما ذكرنا من أن العاديات ضبحا هي الخيل وقال عبيد بن عمير ومحمد بن كعب والسدى هي الإبل ومنه قول صيفة بنت عبد المطلب فلا والعاديات غداة جمع
بأيديها إذا صدع الغبار
ونقل أهل اللغة أن أصل الضبح للثعلب فاستعير للخيل ومنه قول الشاعر تضبح في الكف ضباح الثعلب
العاديات : ( 2 ) فالموريات قدحا
) فالموريات قدحا ( هي الخيل حين تورى النار بسنابكها والإيراء إخراج النار والقدح الصك فجعل ضرب الخيل بحوافرها كالقدح بالزناد قال الزجاج إذا عدت الخيل بالليل وأصاب حوافرها الحجارة انقدح منها النيران والكلام في انتصاب قدحا كالكلام في انتصاب ضبحا والخلاف في كونها الخيل أو الإبل كالخلاف الذي تقدم في العاديات والراجح أنها الخيل كما ذهب إليه الجمهور وكما هو الظاهر من هذه الأوصاف المذكورة في هذه السورة ما تقدم وما سيأتي فإنها في الخيل أوضح منها في الإبل وسيأتي ما في ذلك من الخلاف بين الصحابة
العاديات : ( 3 ) فالمغيرات صبحا
) فالمغيرات صبحا ( أي التي تغير على العدو وقت الصباح يقال أغار يغير أغارة إذا باغت عدوه بقتل أو أسر أو نهب وأسند الإغارة إليها وهي لأهلها للإشعار بأنها عمدتهم في إغارتهم وانتصاب صبحا على الظرفية
العاديات : ( 4 ) فأثرن به نقعا
) فأثرن به نقعا ( معطوف على الفعل الذي دل عليه اسم الفاعل إذ المعنى واللاتى عدون فأثرن أو على اسم الفاعل نفسه لكونه في تأويل الفعل لوقوعه صلة للموصول فإن الألف واللام في الصفات أسماء موصولة فالكلام في قوة واللاتى عدون فأورين فأغرن فأثرن والنقع الغبار الذي أثرته في وجه العدو عند الغزو وتخصيص إثارته بالصبح لأنه وقت الإغارة ولكونه لا يظهر أثر النقع في الليل الذي اتصل به الصبح وقيل المعنى فأثرن بمكان عدوهن نقعا يقال ثار النقع وأثرته أي هاج أو هيجته قرأ الجمهور فأثرن بتخفيف المثلثة وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بالتشديد أي فأظهرن به عبارا وقال أبو عبيدة النقع رفع الصوت وأنشد قول لبيد
فمتى ينقع صراخ صادق يجلبوها ذات جرس وزجل
يقول حين سمعوا صراخا أجلبوا الحرب أي جمعوا لها قال أبو عبيدة وعلى هذا رأيت قول أكثر أهل العلم انتهى والمعروف عند جمهور أهل اللغة والمفسرين أن النقع الغبار ومنه قول الشاعر
يخرجن من مستطار النقع دامية كأن أذنابها أطراف أقلام
وقول عبد الله بن رواحة
عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع من كنفى كداء
وقول الاخر 5 كأن مثار النقع رؤوسنا
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
وهذا هو المناسب لمعنى الاية وليس لتفسير النقع بالصوت فيها كثير معنى فإن قولك أغارت الخيل على بني فلان صبحا فأثرن به صوتا قليل الجدوى مغسول المعنى بعيد من بلاغة القران المعجزة وقيل النقع شق الجيوب وقال محمد بن كعب النقع ما بين مزدلفة إلى منى وقيل إنه طريق الوادي قال في الصحاح النقع


"""""" صفحة رقم 483 """"""
الغبار والجمع أنقاع والنقع محبس الماء وكذلك ما اجتمع في البئر منه والنقع الأرض الحرة الطين فيها الماء
العاديات : ( 5 ) فوسطن به جمعا
) فوسطن به جمعا ( أي توسطن بذلك الوقت أو توسطن ملتبسات بالنقع جمعا من جموع الأعداء صرن بعدوهن وسط جمع الأعداء والباء إما للتعدية أو للحالية أو زائدة يقال وسطت المكان صرت في وسطه وانتصاب جمعا على أنه مفعول به والفاات في المواضع الأربعة للدلاة على ترتب ما بعد واحدة منها على ما قبلها قرأ الجمهور فوسطن بتخفيف السين وقرىء بالتشديد
العاديات : ( 6 ) إن الإنسان لربه . . . . .
) إن الإنسان لربه لكنود ( ه جواب القسم والمراد بالإنسان بعض أفراده وهو الكافر والكنود الكفور للنعمة وقوله لربه متعلق بكنود قدم لرعاية الفواصل ومنه قول الشاعر كنود لنعماء الرجال ومن يكن
كنودا لنعماء الرجال يبعد
أي كفور لنعماء الرجال وقيل هو الجاحد للحق قيل إنها إنما سميت كندة لأنها جحدت أباها وقيل الكنود مأخوذ من الكند وهو القطع كأنه قطع ما ينبغي أن يواصله من الشكر يقال كند الحبل إذا قطعه ومنه قول الأعشى وصول حبال وكنادها
وقيل الكنود البخيل وأنشد أبو زيد
إن نفسي لم تطب منك نفسا غير أني أمسي بدين كنود
وقيل الكنود الحسود وقيل الجهول لقدره وتفسير الكنود بالكفور للنعمة أولى بالمقام والجاحد للنعمة كافر لها ولا يناسب المقام سائر ما قيل
العاديات : ( 7 ) وإنه على ذلك . . . . .
) وإنه على ذلك لشهيد ( أي وإن الإنسان على كنوده لشهيد يشهد على نفسه به لظهور أثره عليه وقيل المعنى وإن الله جل ثناؤه على ذلك من ابن ادم لشهيد وبه قال الجمهور وقال بالأول الحسن وقتادة ومحمد بن كعب وهو أرجح من قول الجمهور لقوله
العاديات : ( 8 ) وإنه لحب الخير . . . . .
) وإنه لحب الخير لشديد ( فإن الضمير راجع إلى الإنسان والمعنى إنه لحب المال قوي مجد في طلبه وتحصيله متهالك عليه يقال هو شديد لهذا الأمر وقوي له إذا كان مطيقا له ومنه قوله تعالى ) إن ترك خيرا ( ومنه قول عدي بن حاتم
ماذا ترجي النفوس من طلب ال خير وحب الحياة كاذبها
وقيل المعنى وإن الإنسان من أجل من المال لبخيل والأول أولى واللام في لحب متعلقة بشديد قال ابن زيد سمى الله المال خيرا وعسى أن يكون شرا ولكن الناس يجدونه خيرا فسماه خيرا قال الفراء أصل نظم الاية أن يقال وإنه لشديد الحب للخير فلما قدم الحب قال لشديد وحذف من اخره ذكر الحب لأنه قد جرى ذكره ولرؤوس الاى كقوله في يوم عاصف والعصوف للريح لا لليوم كأنه قال في يوم عاصف الريح
العاديات : ( 9 ) أفلا يعلم إذا . . . . .
) أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ( الاستفهام للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي يفعل ما يفعل من القبائح فلا يعلم وبعثر معناه نثر وبحث أي نثر ما في القبور من الموتى وبحث عنهم وأخرجوا قال أبو عبيدة بعثرت المتاع جعلت أسفله أعلاه قال الفراء سمعت بعض العرب من بني أسد يقول بحثر بالحاء مكان العين وقد تقدم الكلام على هذا في قوله وإذا القبور بعثرت
العاديات : ( 10 ) وحصل ما في . . . . .
) وحصل ما في الصدور ( أي ميز وبين ما فيها من الخير والشر والتحصيل التمييز كذا قال المفسرون وقيل حصل أبرز قرأ الجمهور ? حصل ? بضم الحاء وتشديد الصاد مكسورا مبنيا للمفعول وقرأ عبيد بن عمير وسعيد بن جبير ويحيى بن يعمر ونصر بن عاصم حصل بفتح الحاء والصاد وتخفيفها مبنيا للفاعل أي ظهر
العاديات : ( 11 ) إن ربهم بهم . . . . .
) إن ربهم بهم يومئذ لخبير ( أي إن رب المبعوثين بهم لخبير لا تخفى عليه منهم خافية فيجازيهم بالخير خيرا وبالشر شرا قال


"""""" صفحة رقم 484 """"""
الزجاج الله خبير بهم في ذلك اليوم وفي غيره ولكن المعنى إن الله يجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم ومثله قوله تعالى أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم معناه أولئك الذين لا يترك الله مجازاتهم قرأ الجمهور إن ربهم بكسر الهمزة وباللام في لخبير وقرأ أبو السماك بفتح الهمزة وإسقاط اللام من لخبير
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني في الأفراد وابن مردويه عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خيلا فاستمرت شهرا لأيأتيه منها خبر فنزلت ) والعاديات ضبحا ( ضبحت بأرجلها ولفظ ابن مردويه ضبحت بمناخرها ) فالموريات قدحا ( قدحت بحوافرها الحجارة فأورت نارا ) فالمغيرات صبحا ( صبحت القوم بغارة ) فأثرن به نقعا ( أثارت بحوافرها التراب ) فوسطن به جمعا ( صبحت القوم جميعا وأخرج ابن مردويه من وجه اخر عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سرية إلى العدو فأبطأ حبرها فشق ذلك عليه فأخبره الله خبرهم وما كان من أمرهم فقال ) والعاديات ضبحا ( قال هي الخيل والضبح نخير الخيل حين تنخر ) فالموريات قدحا ( قال حين تجرى الخيل تورى نارا أصابت سنابكها الحجارة ) فالمغيرات صبحا ( قال هي الخيل أغارت فصبحت العدو ) فأثرن به نقعا ( قال هي الخيل أثرن بحوافرها يقول بعدو الخيل والنقع الغبار ) فوسطن به جمعا ( قال الجمع العدو وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال تقاولت أنا وعكرمة في شأت العاديات فقال قال ابن عباس هي الخيل في القتال وضبحها حين ترخى مشافرها إذا عدت ) فالموريات قدحا ( أرت المشركين مكرهم ) فالمغيرات صبحا ( قال إذا صبحت العدو ) فوسطن به جمعا ( قال إذا توسطت العدو وقال أبو صالح فقلت قال علي هي الإبل في الحج ومولاي كان أعلم من مولاك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال بينما أنا في الحجر جالس إذ أتاني رجل يسأل عن العاديات ضبحا فقلت الخيل حين تغير في سبيل الله ثم تأوى إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم فانفتل عني فذهب إلى علي ابن أبي طالب وهو جالس تحت سقاية زمزم فسأله عن العاديات ضبحا فقال سألت عنها أحدا قبلي قال نعم سألت عنها ابن عباس فقال هي الخيل حين تغير في سبيل الله فقال اذهب فادعه لي فلما وقفت على رأسه قال تفتى الناس بما لا علم لك والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام لبدر وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود فكيف تكون ) والعاديات ضبحا ( إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى المزدلفة فإذا أووا إلى المزدلفة أوقدوا النيران والمغيرات صبحا من المزدلفة إلى منى فذلك جمع وأما قوله ) فأثرن به نقعا ( فهي نقع الأرض تطؤه بأخفافها وحوافرها قال ابن عباس فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود ) والعاديات ضبحا ( قال الإبل أخرجوه عنه من طريق الأعمش عن إبراهيم النخعي قال إبراهيم وقال علي بن أبي طالب هي الإبل وقال ابن عباس هي الخيل فبلغ عليا قول ابن عباس فقال ما كانت لنا خيل يوم بدر قال ابن عباس إنما كانت تلك في سرية بعثت وأخرج عبد بن حميد عن عامر الشعبي قال تمارى علي وابن عباس في العاديات ضبحا فقال ابن عباس هي الخيل وقال علي كذبت يابن فلانة والله ما كان معنا يوم بدر فارس إلا المقداد كان على فرس أبلق قال وكان يقول هي الإبل فقال ابن عباس ألا ترى أنها تثير نقعا فما شيء تثير إلا بحوافرها وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه من طريق مجاهد عن ابن عباس ) والعاديات ضبحا ( قال الخيل ) فالموريات قدحا ( قال الرجل إذا أورى زنده ) فالمغيرات صبحا ( قال الخيل تصبح العدو ) فأثرن به نقعا (


"""""" صفحة رقم 485 """"""
قال التراب ) فوسطن به جمعا ( قال العدو وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ) والعاديات ضبحا ( قال قال ابن عباس القتال وقال ابن مسعود الحج وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عمرو بن دينار عن ابن عباس ) والعاديات ضبحا ( قال ليس شيء من الدواب يضبح إلا الكلب أو الفرس ) فالموريات قدحا ( قال هو مكر الرجل قدح فأورى ) فالمغيرات صبحا ( قال غارة الخيل صبحا ) فأثرن به نقعا ( قال غبارا وقع سنابك الخيل ) فوسطن به جمعا ( قال جمع العدو وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ) والعاديات ضبحا ( قال الخيل ضبحها زحيرها ألم تر أن الفرس إذا عدا قال أح أح فذلك ضبحها وأخرج ابن المنذر عن علي قال الضبح من الخيل الحمحمة ومن الإبل النفس وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ) والعاديات ضبحا ( قال هي الإبل في الحج ) فالموريات قدحا ( إذا سفت الحصى بمناسمها فضرب الحصى بعضه بعضا فيخرج منه النار ) فالمغيرات صبحا ( حين يفيضون من جمع ) فأثرن به نقعا ( قال إذا سرن يثرن التراب وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال الكنود بلساننا أهل البلد الكفور وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في قوله ) إن الإنسان لربه لكنود ( قال لكفور وأخرج عبد بن حميد والبخاري في الأدب والحكيم الترمذي وابن مردويه عن أبي أمامة قال الكنود الذي يمنع رفده وينزل وحده ويضرب عبده ورواه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والديلمي وابن عساكر مرفوعا وضعف إسناده السيوطي وفي إسناده جعفر بن الزبير وهو متروك والموقوف أصح لأنه لم يكن من طريقه وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ) وإنه على ذلك لشهيد ( قال الإنسان ) وإنه لحب الخير ( قال المال وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ) إذا بعثر ما في القبور ( قال بحث ) وحصل ما في الصدور ( قال أبرز
ع101
تفسير
سورة القارعة
هي إحدى عشرة آية وقيل عشر آيات
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة القارعة بمكة بسم الله الرحمن الرحيم
سورة القارعه ( 1 11 )
القارعة : ( 1 ) القارعة
) القارعة ( من أسماء القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع وتقرع أعداء الله بالعذاب والعرب تقول قرعتهم القارعة إذا وقع بهم أمر فظيع قال ابن أحمر


"""""" صفحة رقم 486 """"""
وقارعة من الأيام لولا
سبيلهم لراحت عنك حينا
وقال اخر متى نقرع بمرؤتكم نسؤكم ولم يوقد لنا في القدر نار
والقارعة مبتدأ
القارعة : ( 2 ) ما القارعة
وخبرها قوله ) ما القارعة ( وبالرفع قرأ الجمهور وقرأ عيسى بنصبها على تقدير احذروا القارعة والاستفهام للتعظيم والتفخيم لشأنها كما تقدم بيانه في قوله الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة وقيل معنى الكلام على التحذير قال الزجاج والعرب تحذر وتغري بالرفع كالنصب وأنشد قول الشاعر
لجديرون بالوفاء إذا قال أخو النجدة السلاح السلاح
والحمل على معنى التخيم والتغظيم أولى ويؤيده وضع الظاهر موضع الضمير فإنه أدل على هذا المعنى ويؤيده أيضا قوله
القارعة : ( 3 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدراك ما القارعة ( فإنه تأكيد لشدة هولها ومزيد فظاعتها حتى كأنها خارجة عن دائرة علوم الخلق بحيث لا تنالها دراية أحد منهم وما الاستفهامية مبتدأ وأدرك خبرها وما القارعة مبتدأ وخبر والجملة في محل نصب على أنها المفعول الثاني والمعنى وأي شيء أعلمك ما شأن القارعة
القارعة : ( 4 ) يوم يكون الناس . . . . .
ثم بين سبحانه متى تكون القارعة فقال ) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ( وانتصاب الظرف بفعل محذوف تدل عليه القارعة أي تقرعهم يوم يكون الناس الخ ويجوز أن يكون منصوبا بتقدير اذكر وقال ابن عطية ومكي وأبو البقاء هو منصوب بنفس القارعة وقيل هو خبر مبتدإ محذوف وإنما نصب لإضافته إلى الفعل فالفتحة فتحة بناء لا فتحة إعراب أي هي يوم يكون الخ وقيل التقدير ستأتيكم القارعة يوم يكون وقرأ زيد بن علي برفع يوم على الخبرية للمبتدإ المقدر والفراش الطير الذي تراه يتساقط في النار والسراج والواحدة فراشة كذا قال أبو عبيدة وغيره قال الفراء الفراش هو الطائر من بعوض وغيره ومنه الجراد قال وبه يضرب المثل في الطيش والهوج يقال أطيش من فراشة وأنشد
فراشة الحلم فرعون العذاب وإن يطلب نداه فكلب دونه كلب
وقول آخر
وقد كان أقوام رددت حلومهم عليهم وكانوا كالفراش من الجهل
والمراد بالمبثوث المتفرق المنتشر يقال بثه إذا فرقه ومثل هذا قوله سبحانه في آية أخرى كأنهم جراد منتشر وقال المبثوث ولم يقل المبثوثة لأن الكل جائز كما في قوله أعجاز نخل منقعر و أعجاز نخل خاوية وقد تقدم بيان وجه ذلك
القارعة : ( 5 ) وتكون الجبال كالعهن . . . . .
) وتكون الجبال كالعهن المنفوش ( أي كالصوف الملون بالألوان المختلفة الذي نفش بالندف والعهن عند أهل اللغة الصوف المصبوغ بالألوان المختلفة وقد تقدم بيان هذا في سورة سأل سائل وقد ورد في الكتاب العزيز أوصاف للجبال يوم القيامة وقد قدمنا بيان الجمع بينها
القارعة : ( 6 ) فأما من ثقلت . . . . .
ثم كرر سبحانه أحوال الناس وتفرقهم فريقين على جهة الإجمال فقال ) فأما من ثقلت موازينه )
القارعة : ( 7 ) فهو في عيشة . . . . .
) فهو في عيشة راضية ( قد تقدم القول في الميزان في سورة الأعراف وسورة الكهف وسورة الأنبياء
وقد اختلف فيها هنا فقيل هي جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله وبه قال الفراء وغيره وقيل هي جمع ميزان وهو الالة التي توضع فيها صحائف الأعمال وعبر عنه بلفظ الجمع كما يقال لكل حادثة ميزان وقيل المراد بالموازين الحجج والدلائل كما في قول الشاعر
لقد كنت قبل لقائكم ذا مرة
عندي لكم مخاصم ميزانه
ومعنى عيشة راضية مرضية يرضاها صاحبها قال الزجاج أي ذات رضى يرضاها صاحبها وقيل عيشة


"""""" صفحة رقم 487 """"""
راضية أي فاعلة للرضى وهو اللين والانقياد لأهلها والعيشة كلمة تجمع النعم التي في الجنة
القارعة : ( 8 ) وأما من خفت . . . . .
) وأما من خفت موازينه ( أي رجحت سيئاته على حسناته أو لم تكن له حسنات يعتد بها
القارعة : ( 9 ) فأمه هاوية
) فأمه هاوية ( أي فمسكنه جهنم وسماها أمه لأنه يأوى إليها كما يأوى إلى أمه والهاوية من أسماء جهنم وسميت هاوية لأنه يهوى فيها مع بعد فعرها ومنه قول أمية بن أبي الصلت فالأرض معقلنا وكانت أمنا
فيها مقابرنا وفيها نولد
ووقول الآخر يا عمرو أو نالتك أرماحنا
كنت كمن تهوى به الهاوية
والمهوى والمهواة ما بين الجبلين وتهاوى القوم في المهواة إذا سقط بعضهم في إثر بعض قال قتادة معنى فأمه هاوية فمصيره إلى النار قال عكرمة لأنه يهوى فيها على أم رأسه قال الأخفش أمه مستقره
القارعة : ( 10 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدراك ما هيه ( هذا الاستفهام للتهويل والتفظيع ببيان أنها خارجة عن المعهود بحيث لا تحيط بها علوم البشر ولا ندري كنهها
القارعة : ( 11 ) نار حامية
ثم بينها سبحانه فقال ) نار حامية ( أي قد انتهى حرها وبلغ في الشدة إلى الغاية وارتفاع نار على أنها خبر مبتدإ محذوف أي هي نار حامية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال ) القارعة ( من أسماء يوم القيامة وأخرج ابن المنذر عنه في قوله ) فأمه هاوية ( قال كقوله هوت أمه وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ) فأمه هاوية ( قال أم رأسه هاوية في جهنم وأخرج ابن مردويه عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا مات المؤمن تلقته أرواح المؤمنين يسألونه ما قعل فلان ما فعلت فلانة فإذا كان مات ولم يأتهم قالوا خولف به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية وأخرج ابن مردويه من حديث أبي أيوب الأنصاري نحوه وأخرج ابن المبارك من حديث أبي أيوب نحوه أيضا
ع102
تفسير
سورة التكاثر
هي ثمان آيات
حول السورة
وهي مكية عند الجميع وروى البخاري أنها مدنية وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نزل بمكة ) ألهاكم التكاثر ( وأخرج الحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم قالوا ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية في كل يوم قال أما يستطيع أحدكم أن يقرأ الهاكم التكاثر وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق والديلمي عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ في ليلة ألف آية لقى الله وهو ضاحك في وجهه قيل يا رسول الله ومن يقوى على ألف آية فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ألهاكم التكاثر إلى اخرها ثم قال والذي نفسي بيده إنها لتعدل ألف آية وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن عبد الله بن الشخير قال انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر وفي لفظ وقد أنزلت عليه ألهاكم التكاثر وهو يقول ابن ادم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت وأخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة ولم يذكر فيه قراءة هذه السورة ولا نزولها بلفظ يقول العبد مالي مالي وإنما له من ماله ثلاثة ما أكل فأفنى أو


"""""" صفحة رقم 488 """"""
لبس فأبلى أو تصدق فأقنى وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبيهقي في الشعب وضعفه عن جرير بن عبد الله قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إني قارىء عليكم سورة ألهاكم التكاثر فمن بكى فله الجنة فقرأها فمنا من بكى ومنا من لم يبك فقال الذين لم يبكوا قد حهدنا يا رسول الله أن نبكي فلم نقدر عليه فقال إني قارئها عليكم الثانية فمن بكى فله الجنة ومن لم يقدر أن يبكي فليتباكى بسم الله الرحمن الرحيم
سورة التكاثر ( 1 8 )
التكاثر : ( 1 ) ألهاكم التكاثر
قوله ) ألهاكم التكاثر ( أي شغلكم التكاثر بالأموال والأولاد والتفاخر بكثرتها والتغالب فيها يقال ألهاه عن كذا وألهاه إذا شغله ومنه قول امرىء القيس فألهيتها عن ذي تمائم محول
وقال الحسن معنى ألهاكم أنساكم
التكاثر : ( 2 ) حتى زرتم المقابر
) حتى زرتم المقابر ( أي حتى أدرككم الموت وأنتم على تلك الحال وقال قتادة إن التكاثر التفاخر بالقبائل والعشائر وقال الضحاك ألهاكم التشاغل بالمعاش وقال مقاتل وقتادة أيضا وغيرهما نزلت في اليهود حين قالوا نحن أكثر من بني فلان وبنو فلان أكثر من بني فلان ألهاهم ذلك حتى ماتوا وقال الكلبي نزلت في حيين من قريش بني عبد مناف وبني سهم تعاذوا وتكاثروا بالسيادة والأشراف في الإسلام فقال كل حي منهم نحن أكثر سيدا وأعز عزيزا وأعظم نفرا وأكثر قائدا فكثر بنو عبد مناف بني سهم ثم تكاثروا بالأموات فكثرتهم بهم فنزلت ) ألهاكم التكاثر ( فلم ترضوا ) حتى زرتم المقابر ( مفتخرين بالأموات وقيل نزلت في حيين من الأنصار والمقابر جمع مقبرة بفتح الباء وضمها وفي الاية دليل على أن الاشتغال بالدنيا والمكاثرة بها والمفاخرة فيها من الخصال المذمومة وقال سبحانه ) ألهاكم التكاثر ( ولم يقل عن كذا بل أطلقه لأن الإطلاق أبلغ في الذم لأنه يذهب الوهم فيه كل مذهب فيدخل فيه جميع ما يحتمله المقام ولأن حذف المتعلق مشعر بالتعميم كما تقرر في علم البيان والمعنى أنه شغلكم التكاثر عن كل شيء يجب عليكم الاشتغال به من طاعة الله والعمل للاخرة وعبر عن موتهم بزيارة المقابر لأن الميت قد صار إلى قبره كما يصير الزائر إلى الموضع الذي يزوره هذا على قول من قال إن معنى ) زرتم المقابر ( متم وأما على قول من قال إن معنى ) زرتم المقابر ( ذكرتم الموتى وعددتموهم للمفاخرة والمكاثرة فيكون ذلك على طريق التهكم بهم وقيل إنهم كانوا يزورون المقابر فيقولون هذا قبر فلان وهذا قبر فلان يفتخرون بذلك
التكاثر : ( 3 ) كلا سوف تعلمون
) كلا سوف تعلمون ( ردع وزجر لهم عن التكاثر وتنبيه على أنهم سيعلمون عاقبة ذلك يوم القيامة وفيه وعيد شديد قال الفراء أي ليس الأمر على ما أنتم عليه من التكاثر والتفاخر
التكاثر : ( 4 ) ثم كلا سوف . . . . .
ثم كرر الردع والزجر والوعيد فقال ) ثم كلا سوف تعلمون ( وثم للدلالة على أن الثاني أبلغ من الأول وقيل الأول عند الموت أو في القبر والثاني يوم القيامه قال الفراء هذا التكرار على وجه التغليظ والتأكيد قال مجاهد هو وعيد بعد وعيد وكذا قال الحسن ومجاهد
التكاثر : ( 5 ) كلا لو تعلمون . . . . .
) كلا لو تعلمون علم اليقين (


"""""" صفحة رقم 489 """"""
أي لو تعلمون الأمر الذي أنتم صائرون إليه علما يقينا كعلمكم ما هو متيقن عندكم في الدنيا وجواب لو محذوف أي لشغلكم ذلك عن التكاثر والتفاخر أو لفعلتم ما ينفعكم من الخير وتركتم مالا ينفعكم مما أنتم فيه وكلا في هذا الموضع الثالث للزجر والردع كالموضعين الأولين وقال الفراء هي بمعنى حقا وقيل هي في المواضع الثلاثة بمعنى ألا قال قتادة اليقين هنا الموت وروى عنه أيضا أنه قال هو البعث قال الأخفش التقدير لو تعلمون علم اليقين ما ألهاكم
التكاثر : ( 6 ) لترون الجحيم
وقوله ) لترون الجحيم ( جواب قسم محذوف وفيه زيادة وعيد وتهديد أي والله لترون الجحيم في الاخرة قال الرازي وليس هذا جواب لو لأن جواب لو يكون منفيا وهذا مثبت ولأنه عطف عليه ) ثم لتسألن ( وهو مستقبل لا بد من وقوعه قال وحذف جواب لو كثير والخطاب للكفار وقيل عام كقوله وإن منكم إلا واردها قرأ الجمهور لترون بفتح التاء مبنيا للفاعل وقرأ الكسائي وابن عامر بضمها مبنيا للمفعول
التكاثر : ( 7 ) ثم لترونها عين . . . . .
ثم كرر الوعيد والتهديد للتأكيد فقال ) ثم لترونها عين اليقين ( أي ثم لترون الجحيم الرؤية التي هي نفس اليقين وهي المشاهدة والمعاينة وقيل المعنى لترون الجحيم بأبصاركم على البعد منكم ثم لترونها مشاهدة على القرب وقيل المراد بالأول رؤيتها قبل دخولها والثاني رؤيتها حال دخولها وقيل هو إخبار عن دوام بقائهم في النار أي هي رؤية دائمة متصلة المعنى لو تعلمون اليوم علم اليقين وأنتم في الدنيا لترون الجحيم بعيون قلبوكم وهو أن تتصوروا أمر القيامة وأهوالها
التكاثر : ( 8 ) ثم لتسألن يومئذ . . . . .
) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( أي عن نعيم الدنيا الذي ألهاكم عن العمل للاخرة قال قتادة يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه ولم يشكروا رب النعم حيث عبدوا غيره وأشركوا به قال الحسن لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار وقال قتادة إن الله سبحانه سائل كل ذي نعمة عما أنعم عليه وهذا هو الظاهر ولا وجه لتخصيص النعيم بفرد من الأفراد أو نوع من الأنواع لأن تعريفه للجنس أو الاستغراق ومجرد السؤال لا يستلزم تعذيب المسؤول على النعمة التي يسئل عنها فقد يسأل الله المؤمن عن النعم التي أنعم بها عليه فيم صرفها وبم عمل فيها ليعرف تقصيره وعدم قيامه بما يجب عليه من الشكر وقيل السؤال عن الأمن والصحة وقيل عن الصحة والفراغ وقيل عن الإدراك بالحواس وقيل عن ملاذ المأكول والمشروب وقيل عن الغداء والعشاء وقيل عن بارد الشراب وظلال المساكن وقيل عن اعتدال الخلق وقيل عن لذة النوم والأولى والعموم كما ذكرنا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بردة في قوله ) ألهاكم التكاثر ( قال نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحارث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما فيكم مثل فلان وفلان وقال الاخرون مثل ذلك تفاخروا بالأحياء ثم قالوا انطلقوا بنا إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين تقول فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبر ومثل فلان وفعل الاخرون كذلك فأنزل الله ) ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ( لقد كان لكم فيما زرتم عبرة وشغل وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ألهاكم التكاثر ( قال في الأموال والأولاد وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن زيد بن أسلم عن أبيه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) ألهاكم التكاثر ( يعنى عن الطاعة ) حتى زرتم المقابر ( يقول حتى يأتيكم الموت ) كلا سوف تعلمون ( يعني لو قد دخلتم قبوركم ) ثم كلا سوف تعلمون ( يقول لو قد خرجتم من قبوركم إلى محشركم ) كلا لو تعلمون علم اليقين ( قال لو قد وقفتم على أعمالكم بين يدي ربكم ) لترون الجحيم ( وذلك أن الصراط يوضع وسط جهنم فناج مسلم ومخدوش مسلم ومكدوش في نار جهنم ) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( يعني شبع البطون وبارد


"""""" صفحة رقم 490 """"""
الشرب وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم وأخرج ابن مردويه عن عياض بن غنم مرفوعا نحوه أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله ) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( قال صحة الأبدان والأسماع والأبصار وهو اعلم بذلك منهم وهو قوله إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه واله وسلم ) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( قال الأمن والصحة وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب قال النعيم العافية وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الاية قال من أكل خبز البر وشرب ماء الفرات مبردا وكان له منزل يسكنه فذلك من النعيم الذي يسأل عنه وأخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في الاية أكل خبز البر والنوم في الظل وشرب ماء الفرات مبردا ولعل رفع هذا لا يصح فربما كان من قول أبي الدرداء وأخرج أحمد في الزهد وابن مردويه عن أبي قلابة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الآية قال ناس من أمتى يعقدون السمن والعسل بالنفي فيأكلونه وهذا مرسل وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال لما نزلت هذه الاية قال الصحابة يا رسول الله أي نعيم نحن فيه وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه واله وسلم أن قل لهم أليس تحتذون النعال وتشربون الماء البارد فهذا من النعيم وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وأحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن محمود بن لبيد قال لما نزلت ) ألهاكم التكاثر ( فقرأ حتى بلغ ) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( قالوا يا رسول الله أي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان الماء والتمر وسيوفنا على رقابنا والعدو حاضر فعن أي نعيم نسأل قال أما إن ذلك سيكون وأخرجه عبد بن حميد والترمذي وابن مردويه من حديث أبي هريرة وأخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه من حديث الزبير بن العوام وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة من النعيم أن يقال له ألم نصح لك جسدك ونروك من الماء البارد وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن جابر بن عبد الله قال جاءنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأبو بكر وعمر فأطعمناهم رطبا وسقيناهم ماء فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هذا من النعيم الذي تسألون عنه وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي من حديث جابر بن عبد الله نحوه وأخرج مسلم وأهل السنن وغيرهم عن أبي هريرة قالا خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال ما أخرجكما من بيوتكما الساعة قالا الجوع يا رسول الله قال والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما فقوما فقاما معه فأتى رجلا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت مرحبا فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم أين فلان قالت انطلق يستعذب لنا الماء إذ جاء الأنصاري فنظر إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم وصاحبيه فقال الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني فانطلق فجاء بعذق فيه بسر وتمر فقال كلوا من هذا وأخذ المديه فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إياك والحلوب فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأبي بكر وعمر والذي نفسي بيده لنسألن عن هذا النعيم يوم القيامة وفي الباب أحاديث ا ه


"""""" صفحة رقم 491 """"""
ع103
تفسير
سورة العصر
هي ثلاث آيات
حول السورة
وهي مكية عند الجمهور وقال قتادة هي مدنية وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة العصر بمكة وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن أبي مزينة الدارمي وكانت له صحبة قال كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه واله وسلم إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الاخر سورة العصر ثم يسلم أحدهما على الاخر بسم الله الرحمن الرحيم
سورة العصر ( 1 3 )
العصر : ( 1 ) والعصر
أقسم سبحانه بالعصر وهو الدهر لما فيه من العبر من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار وتعاقب الظلام والضياء فإن في ذلك دلالة بينة على الصانع عز وجل وعلى توحيده ويقال لليل عصر وللنهار عصر ومنه قول حميد بن ثور ولم ينته العصران يوم وليلة
إذا طلبا أن يدركا ما تمنيا
ويقال للغداة والعشى عصران ومنه قول الشاعر وأمطله العصرين حتى يملنى
ويرضى بنصف الدين والأنف راغم
وقال قتادة والحسن المراد به في الاية العشي وهو ما بين زوال الشمس وغروبها ومنه قول الشاعر يروح بنا عمرو وقد قصر العصر
وفي الروحة الأولى الغنيمة والأجر
وروى عن قتادة أيضا أنه اخر ساعة من ساعات النهار وقال مقاتل إن المراد به صلاة العصر وهي الصلاة الوسطى التي أمر الله سبحانه بالمحافظة عليها وقيل هو قسما بعصر النبي صلى الله عليه واله وسلم قال الزجاج قال بعضهم معناه ورب العصر والأول أولى
العصر : ( 2 ) إن الإنسان لفي . . . . .
) إن الإنسان لفي خسر ( هذا جواب القسم الخسر والخسران النقصان وذهاب رأس المال والمعنى أن كل إنسان في المتاجر والمساعى وصرف الأعمار في أعمال الدنيا لفي نقص وضلال عن الحق حتى يموت وقيل المراد بالإنسان الكافر وقيل جماعة من الكفار وهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب بن أسد والأول أولى لما في لفظ الإنسان من العموم ولدلالة الاستثناء عليه قال الأخفش في خسر في هلكة وقال الفراء عقوبة وقال ابن زيد لفي شر قرأ الجمهور والعصر بسكون الصاد وقرؤوا أيضا خسر بضم الخاء وسكون السين وقرأ يحيى بن سلام والعصر بكسر الصاد وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى خسر بضم الخاء والسين ورويت هذه القراءة عن عاصم
العصر : ( 3 ) إلا الذين آمنوا . . . . .
? إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات ?


"""""" صفحة رقم 492 """"""
أي جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح فإنهم في ربح لا في خسر لأنهم عملوا للاخرة ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها والاستثناء متصل ومن قال إن المراد بالإنسان الكافر فقط فيكون منقطعا ويدخل تحت هذا الاستثناء كل مؤمن ومؤمنه ولا وجه لما قيل من أن المراد الصحابة أو بعضهم فإن اللفظ عام لا يخرج عنه أحد ممن يتصف بالإيمان والعمل الصالح ) وتواصوا بالحق ( أي وصى بعضهم بعضا بالحق الذي يحق القيام به وهو الإيمان بالله والتوحيد والقيام بما شرعه الله واجتناب ما نهى عنه قال قتادة بالحق أي بالقران وقيل بالتوحيد والحمل على العموم أولى ) وتواصوا بالصبر ( أي بالصبر عن معاصي الله سبحانه والصبر على فرائضه وفي جعل التواصي بالصبر قريبا للتواصي بالحق دليل على عظيم قدره وفخامة شرفه ومزيد ثواب الصابرين على ما يحق الصبر عليه إن الله مع الصابرين وأيضا التواصي بالصبر مما يندرج تحت التواصي بالحق فإفراده بالذكر وتخصيصه بالنص عليه من أعظم الأدلة الدالة على إنافته على خصال الحق ومزيد شرفه عليها وارتفاع طبقته عنها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) والعصر ( قال الدهر وأخرج ابن جرير عنه قال هو ساعة من ساعات النهار وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال هو ما قبل مغيب الشمس من العشى وأخرج الفريابي وأبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن علي بن أبي طالب أنه كان يقرأ والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفى خسر وإنه فيه إلى اخر الدهر وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود أنه كان يقرأ والعصر إن الإنسان لفي خسر وإنه لفيه إلى اخر الدهر ا ه
ع104
تفسير
سورة الهمزة
هي تسع آيات
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال أنزلت ) ويل لكل همزة لمزة ( بمكة بسم الله الرحمن الرحيم سورة الهمزة ( 1 9 )
الهمزة : ( 1 ) ويل لكل همزة . . . . .
الويل هو مرتفع على الابتداء وسوغ الابتداء به مع كونه نكرة كونه دعاء عليهم وخبره ) لكل همزة لمزة ( والمعنى خزى أو عذاب أو هلكة أو واد في جهنم لكل همزة لمزة قال أبو عبيدة والزجاج الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس وعلى هذا هما بمعنى وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وعطاء بن أبي رباح الهمزة الذي يغتاب الرجل في وجهه واللمزة الذي يغتابه من خلفه وقال قتادة عكس هذا وروى عن قتادة ومجاهد أيضا أن الهمزة الذي يغتاب الناس في أنسابهم وروى عن مجاهد أيضا أن الهمزة الذي يهمز الناس بيده واللمزة


"""""" صفحة رقم 493 """"""
الذي يلمزهم بلسانه وقال سفيان الثوري يهمزهم بلسانه ويهزهم بعينه وقال ابن كيسان ر الهمزة الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ واللهمزة الذي يكسر عينه على جليسه ويشير بيده وبرأسه وبحاجبه والأول أولى ومنه قول زياد الأعجم تدلى بود إذا لاقتيني كذبا
وإن أغيب فأنت الهامز اللمزة
وقول آخر إذا لقيتك من سخط تكاشرني
وإن تغيبت كنت الهامز اللمزة
وأصل الهمز الكسر يقال همز رأسه كسره ومنه قول العجاج ومن همزنا رأسه تهشما
وقيل أصل الهمز واللمز الضرب والدفع يقال همزه يهمزه همزا ولمزه يلمزه لمزا إذا دفعه وضربه ومنه قول الشاعر
ومن همزنا عزه تبركعا على استه زوبعة أو زوبعا
البركعة القيام على أربع يقال بركعه فتبركع أي صرعه فوقع على استه كذا في الصحاح وبناء فعلة يدل على الكثرة ففيه دلالة على أنه يفعل ذلك كثيرا وأنه قد صار ذلك عادة له ومثله ضحكة ولعنة قرأ الجمهور همزة لمزة بضم أولهما وفتح الميم فيهما وقرأ الباقر والأعرج بسكون الميم فيهما وقرأ أبو وائل والنخعي والأعمش ويل للهمزة اللمزة والاية تعم كل من كان متصفا بذلك ولا ينافيه نزولها على سبب خاص فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
الهمزة : ( 2 ) الذي جمع مالا . . . . .
) الذي جمع مالا وعدده ( الموصول بدل من كل أو في محل نصب على الذم وهذا أرجح لأن البدل يستلزم أن يكون المبدل منه في حكم الطرح وإنما وصفه سبحانه بهذا الوصف لأنه يجرى مجرى السبب والعلة في الهمز واللمز وهو إعجابه بما جمع من المال وظنه أنه الفضل فلأجل ذلك يستقصر غيره قرأ الجمهور جمع مخففا وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بالتشديد وقرأ الجمهور وعدده بالتشديد وقرأ الحسن والكلبي ونصر بن عاصم وأبو العالية بالتخفيف والتشديد في الكلمتين يدل على التكثير وهو جمع الشيء بعد الشيء وتعديده مرة بعد أخرى قال الفراء معنى عدده أحصاه وقال الزجاج وعدده لنوائب الدهور يقال أعددت الشيء وعددته إذا أمسكته قال السدي أحصى عدده وقال الضحاك أعد ماله لمن يرثه وقيل المعنى فاخر بكثرته وعدده والمقصود ذمه على جمع المال وإمساكه وعدم إنفاقه في سبيل الخير وقيل المعنى على قراءة التخفيف في عدده أنه جمع عشيرته وأقاربه قال المهدوي من خفف وعدده فهو معطوف على المال أي وجمع عدده
الهمزة : ( 3 ) يحسب أن ماله . . . . .
وجملة ) يحسب أن ماله أخلده ( مستأنفه لتقرير ما قبلها ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال أي يعمل عمل من يظن أن ماله يتركه حيا مخلدا لا يموت وقال عكرمة يحسب أن ماله يزيد في عمره والإظهار في موضع الإضمار للتقريع والتوبيخ وقيل هو تعريض بالعمل الصالح وأنه الذي يخلد صاحبه في الحياة الأبدية لا المال
الهمزة : ( 4 ) كلا لينبذن في . . . . .
وقوله ) كلا ( ردع له عن ذلك الحسبان أي ليس الأمر على ما يحسبه هذا الذي جمع المال وعدده واللام في ) لينبذن في الحطمة ( جواب قسم محذوف أي ليطرحن في النار وليلقين فيها قرأ الجمهور لينبذن وقرأ علي والحسن ومحمد بن كعب ونصر بن عاصم ومجاهد وحميد وابن محيصن لينبذان بالتثنية أي لينبذ هو وماله في النار وقرأ الحسن أيضا لينبذن أي لينبذن ماله في النار
الهمزة : ( 5 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدراك ما الحطمة ( هذا الاستفهام للتهويل والتفظيع حتى كأنها ليست مما تدركه العقول وتبلغه الأفهام


"""""" صفحة رقم 494 """"""
الهمزة : ( 6 ) نار الله الموقدة
ثم بينها سبحانه فقال ) نار الله الموقدة ( أي هي نار الله الموقدة بأمر الله سبحانه وفي إضافتها إلى الاسم الشريف تعظيم لها وتفخيم وكذلك في وصفها بالإيقاد وسميت حطمة لأنها تحطم كل ما يلقى فيها وتهشمه ومنه إنا حطمنا بالقضيب مصعبا
يوم كسرنا أنفه ليغضبا
قيل هي الطبقة السادسة من طبقات جهنم وقيل الطبقة الثانية منها وقيل الطبقة الرابعة
الهمزة : ( 7 ) التي تطلع على . . . . .
) التي تطلع على الأفئدة ( أي يخلص حرها إلى القلوب فيعلوها ويغشاها وخص الأفئدة مع كونها تغشى جميع أبدانهم لأنها محل العقائد الزائغة أو لكون الألم إذا وصل إليها مات صاحبها أي إنهم في حال من يموت وهم لا يموتون وقيل معنى ) تطلع على الأفئدة ( أنها تعلم بمقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب وذلك بأمارات عرفها الله بها
الهمزة : ( 8 ) إنها عليهم مؤصدة
) إنها عليهم مؤصدة ( اي مطبقة مغلقة كما تقدم بيانه في سورة البلد يقال أصدت الباب إذا أغلقته ومنه قول قيس بن الرقيات إن في القصر لو دخلنا غزالا
مصبيا موصدا عليه الحجاب
الهمزة : ( 9 ) في عمد ممددة
) في عمد ممددة ( في محل نصب على الحال من الضمير في عليهم أي كائنين في عمد ممدة موثقين فيها أو في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم في عمد أو صفة لمؤصده أي مؤصده بعمد ممدة قال مقاتل أطبقت الأبواب عليهم ثم شدت بأوتاد من حديد فلا يفتح عليهم باب ولا يدخل عليهم روح ومعنى كون العمد ممدة أنها مطولة وهي أرسخ من القصيرة وقيل العمد أغلال في جهنم وقيل القيود قال قتادة المعنى هم في عمد يعذبون بها واختار هذا ابن جرير قرأ الجمهور في عمد بفتح العين والميم وقيل هو اسم جمع لعمود وقيل جمع له قال الفراء هي جمع لعمود كأديم وأدم وقال أبو عبيدة هي جمع عماد وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بضم العين والميم جمع عمود قال الفراء هما جمعان صحيحان لعمود واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الجمهور قال الجوهري العمود عمود البيت وجمع القلة أعمدة وجمع الكثرة عما وعمد وقرىء بهما قال أبو عبيدة العمود كل مستطيل من خشب أو حديد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه سئل عن قوله ) ويل لكل همزة لمزة ( قال هو المشاء بالنميمة المفرق بين الجمع المغرى بين الإخوان وأخرج ابن جرير عنه ) ويل لكل همزة ( قال طعان ) لمزة ( قال مغتاب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه أيضا في قوله ) إنها عليهم مؤصدة ( قال مطبقة ) في عمد ممددة ( قال عمد من نار وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال هي الأدهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأبواب هي الممدة وأخرج ابن جرير عنه في الاية قال أدخلهم في عمد فمدت عليهم في أعناقهم فشدت بها الأبواب


"""""" صفحة رقم 495 """"""
ع105
تفسير
سورة الفيل
هي خمس آيات
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال أنزلت بمكة ) ألم تر كيف فعل ربك ( بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفيل ( 1 5 )
الفيل : ( 1 ) ألم تر كيف . . . . .
الاستفهام في قوله ) ألم تر ( لتقرير رؤيته صلى الله عليه واله وسلم بإنكار عدمها قال الفراء المعنى الم تخبر وقال الزجاج الم تعلم وهو تعجيب له صلى الله عليه واله وسلم بما فعله الله ) بأصحاب الفيل ( الذين قصدوا تخريب الكعبة من الحبشة وكيف منصوبة بالفعل الذي بعدها ومعلقة لفعل الرؤية والخطاب لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ويجوز أن يكون لكل من يصلح له والمعنى قد علمت يا محمد أو علم الناس الموجودون في عصرك ومن بعدهم بما بلغكم من الأخبار المتواترة من قصة أصحاب الفيل وما فعل الله بهم فما لكم لا تؤمنون والفيل هو الحيوان المعروف وجمعه أفيال وفيول وفيلة قال ابن السكيت ولا تقول أفيلة وصاحبه فيال وسيأتي ذكر قصة أصحاب الفيل إن شاء الله
الفيل : ( 2 ) ألم يجعل كيدهم . . . . .
) ألم يجعل كيدهم في تضليل ( أي الم يجعل مكرهم وسعيهم في تخريب الكعبة واستباحة أهلها في تضليل عما قصدوا إليه حتى لم يصلوا إلى البيت ولا إلى ما أرادوه بكيدهم والهمزة للتقرير كأنه قيل قد جعل كيدهم في تضليل والكيد هو إرادة المضرة بالغير لأنهم أرادوا أن يكيدوا قريشا بالقتل والسبي ويكيدوا البيت الحرام بالتخريب والهدم
الفيل : ( 3 ) وأرسل عليهم طيرا . . . . .
) وأرسل عليهم طيرا أبابيل ( أي أقاطيع يتبع بعضها بعضا كالإبل المؤبلة قال أبو عبيدة أبابيل جماعات في تفرقه يقال جاءت الخيل أبابيل أي جماعات من ههنا وههنا قال النحاس وحقيقته أنها جماعات عظام يقال فلان توبل على فلان أي تعظم عليه وتكبر وهو مشتق من الإبل وهو من الجمع الذي لا واحد له وقال بعضهم واحدة أبول مثل عجول وقال بعضهم أبيل قال الواحدي ولم نر أحدا يجعل لها واحدا قال الفراء لا واحد له من لفظه وزعم الرؤاسى وكان ثقة أنه سمع في واحدها أبالة مشددا وحكى الفراء أيضا أبالة بالتخفيف قال سعيد بن جبير كانت طيرا من السماء لم ير قبلها ولا بعدها قال قتادة هي طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا من كل طائر ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره لا يصيب شيئا إلا هشمه وقيل كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع وقيل كان لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب وقيل في صفتها غير ذلك والعرب تستعمل الأبابيل في الطير كما في قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 496 """"""
تراهم إلى الداعي سراعا كأنهم
أبابيل طير تحت دجن سجن
وتستعملها في غير الطير كقول الاخر كادت تهد من الأصوات راحلتي
أن سالت الأرض بالجرد الأبابيل
الفيل : ( 4 ) ترميهم بحجارة من . . . . .
) ترميهم بحجارة من سجيل ( الجملة في محل نصب صفة لطير قرأ الجمهور ) ترميهم ( بالفوقية وقرأ أبو حنيفة وأبو معمر وعيسى وطلحة بالتحتية واسم الجمع يذكر ويؤنث وقيل الضمير في القراءة الثانية لله عز وجل قال الزجاج ) من سجيل ( أي مما كتب عليهم العذاب به مشتقا من السجل قال في الصحاح قالوا هي حجارة من طين طبخت بنار جهنم مكتوب فيها أسماء القوم قال عبد الرحمن بن أبزي ) من سجيل ( من السماء وهي الحجارة التي نزلت على قوم لوط وقيل من الجحيم التي هي سجين ثم أبدلت النون لاما ومنه قول ابن مقبل ضربا تواصت به الأبطال سجيلا
وإنما هو سجينا قال عكرمة كانت ترميهم بحجارة معها فإذا أصاب أحدهم حجر منها خرج به الجدري وكان الحجر كالحمصة وفوق العدسة وقد قدمنا الكلام في سجيل في سورة هود
الفيل : ( 5 ) فجعلهم كعصف مأكول
) فجعلهم كعصف مأكول ( أي جعل الله أصحاب الفيل كورق الزرع إذا أكلته الدواب فرمت به من أسفل شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزائه وقيل المعنى أنهم صاروا كورق زرع قد أكلت منه الدواب وبقى منه بقايا أو أكلت حبه فبقى بدون حبه والعصف جمع عصفة وعصافة وعصيفة وقد قدمنا الكلام في العصف في سورة الرحمن فارجع إليه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال جاء إصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح فأتاهم عبد المطلب فقال إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحدا قالوا لا نرجع حتى نهدمه وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر فدعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سودا عليها الطين فلما حاذتهم رمتهم فما بقى منهم أحد ألاخذته الحكة فكان لا يحك الإنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه وأخرج ابن المنذر والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عنه قال أقبل أصحاب الفيل حتى إذا دنوا من مكة استقبلهم عبد المطلب فقال لملكهم ما جاء بك إلينا إلا بعثت فنأتيك بكل شيء فقال أخبرت بهذا البيت الذي لا يدخله أحد إلا أمن فجئت أخيف أهله فقال إنا نأتيك بكل شيء تريد فارجع فأبى إلا أن يدخله وانطلق يسير نحوه وتخلف عبد المطلب فقام على جبل فقال لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طير أبابيل قال الله ) ترميهم بحجارة من سجيل ( فجعل الفيل يعج عجا ) فجعلهم كعصف مأكول ( وقصة أصحاب الفيل مبسوطة مطولة في كتب التاريخ والسير فلا نطول بذكرها وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) ترميهم بحجارة من سجيل ( قال حجارة مثل البندق وبها نضح حمرة مختمة مع كل طائر ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره حلقت عليهم من السماء ثم أرسلت عليهم تلك الحجارة فلم تعد عسكرهم وأخرج أبو نعيم من طريق عطاء والضحاك عنه أن أبرهة الأشرم قدم من اليمن يريد هدم الكعبة فأرسل الله عليهم طيرا أبابيل بريد مجتمعه لها خراطيم تحمل حصاة في منقارها وحصاتين في رجليها ترسل واحدة على رأس الرجل فيسيل لحمه ودمه ويبقى عظاما خاوية لا لحم عليها ولا جلد ولا دم وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عنه أيضا ) فجعلهم كعصف مأكول ( يقول كالتبن وأخرج ابن إسحاق في السيرة والواقدي وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن عائشة قالت لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان


"""""" صفحة رقم 497 """"""
وأخرج الواقدي نحوه عن أسماء بنت أبي بكر وأخرج أبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال ولد النبي صلى الله عليه واله وسلم عام الفيل وأخرج ابن إسحاق وأبو نعيم والبيهقي عن قيس بن مخرمة قال ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم عام الفيل
ع106
تفسير
سورة قريش ويقال سورة لإيلاف
وهي أربع آيات
حول السورة
وهي مكية عند الجمهور وقال الضحاك والكلبي هي مدنية
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة لإيلاف بمكة وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أم هانىء بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال فضل الله قريشا بسبع خصال لم يعطها أحدا قبلهم ولا يعطيها أحدا بعدهم أني فيهم وفي لفظ النبوة فيهم والخلافة فيهم والحجابة فيهم والسقاية فيهم ونصروا على الفيل وعبدوا الله سبع سنين وفي لفظ عشر سنين لم يعبده أحد غيرهم ونزلت فيهم سورة من القران لم يذكر فيها أحد غيرهم ) لإيلاف قريش ( قال ابن كثير هو حديث غريب ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن عساكر عن الزبير بن العوام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فضل الله قريشا بسبع خصال فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده إلا قريش وفضلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون وفضلهم بأنها نزلت فيهم سورة من القران لم يدخل فيها أحد من العالمين غيرهم وهي لإيلاف قريش وفضلهم بأن فيهم النبوة والخلافة والسقاية وأخرج الخطيب في تاريخه عن سعيد بن المسيب مرفوعا نحوه وهو مرسل بسم الله الرحمن الرحيم
سورة قريش ( 1 4 )
قريش : ( 1 ) لإيلاف قريش
اللام في قوله ) لإيلاف ( قيل هي متعلقة باخر السورة التي قبلها كأنه قال سبحانه أهلكت أصحاب الفيل لأجل تألف قريش قال الفراء هذه السورة متصلة بالسورة الأولى لأنه ذكر سبحانه أهل مكة بعظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة ثم قال ) لإيلاف قريش ( أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش وذلك أن قريشا كانت تخرج في تجارتها فلا يغار عليها في الجاهلية يقولون هم أهل بيت الله عز وجل حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة ويأخذ حجارتها فيبنى بها بيتا في اليمن يحج الناس إليه فأهلكهم الله عز وجل فذكرهم نعمته أي فعل ذلك لإيلاف قريش أي ليألفوا الخروج ولا يجترأ عليهم وذكر نحو هذا ابن قتيبة قال الزجاج والمعنى فجعلهم كعصف مأكول ) لإيلاف قريش ( أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف وقال في الكشاف إن اللام متعلق بقوله ) فليعبدوا ( أمرهم أن يعبدوه لأجل


"""""" صفحة رقم 498 """"""
إيلافهم الرحلتين ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط لأن المعنى أما لا فليعبدوه وقد تقدم صاحب الكشاف إلى هذا القول الخليل بن أحمد والمعنى إن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة وقال الكسائي والأخفش اللام لام التعجب أي اعجبوا لإيلاف قريش وقيل هي بمعنى إلى قرأ الجمهور لإيلاف بالياء مهموزا من ألفت أؤلف إئلافا يقال ألفت الشيء ألافا وألفا وألفته إيلافا بمعنى ومنه قول الشاعر المنعمين إذا النجوم تغيرت
والظاعنين لرحلة الإيلاف
وقرأ ابن عامر لإلاف بدون الياء وقرأ أبو جعفر لإلف وقد جمع بين هاتين القراءتين الشاعر فقال زعمتم أن إخوتكم قريش
لهم إلف وليس لكم إلاف
وقرأ عكرمة ليألف قريش بفتح اللام على أنها لام الأمر وكذلك هو في مصحف ابن مسعود وفتح لام الأمر لغة معروفة وقرأ بعض أهل مكة ? إلاف قريش ? واستشهد بقول أبي طالب تذود الورى من عصبة هاشمية
إلافهم في الناس خير إلاف
وقريش هم بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي ومن لم يلده النضر فليس قرشي وقريش يأتي منصرفا إن أريد به الحي وغير منصرف إن أريد به القبيلة ومنه قول الشاعر وكفى قريش المعضلات وسادها
وقيل إن بقريشي بنو فهر بن مالك بن النضر والأول أصح
قريش : ( 2 ) إيلافهم رحلة الشتاء . . . . .
وقوله ) إيلافهم ( بدل من إيلاف قريش و ) رحله ( مفعول به لإيلافهم وأفردها ولم يقل رحلتي الشتاء والصيف لأمن الإلباس وقيل إن إيلافهم تأكيد للأول لا بدل والأول أولى ورجحه أبو البقاء وقيل إن رحلة منصوبة بمصدر مقدر أي ارتحالهم رحلة ) الشتاء والصيف ( وقيل هي منصوبة على الظرفية والرحلة الارتحال وكانت إحدى الرحلتين إلى اليمن في الشتاء لأنها بلاد حارة والرحلة الأخرى إلى الشام في الصيف لأنها بلاد باردة وروى أنهم كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف والأول أولى فإن ارتحال قريش للتجارة معلوم معروف في الجاهلية والإسلام قال ابن قتيبة إنما كانت تعيش قريش بالتجارة وكانت لهم رحلتان في كل سنة رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة في الصيف إلى الشام ولولا هاتان الرحلتان لم يمكن بها مقام ولولا الأمن بجوارهم البيت لم يقدروا على التصرف
قريش : ( 3 ) فليعبدوا رب هذا . . . . .
) فليعبدوا رب هذا البيت ( أمرهم سبحانه بعبادته بعد أن ذكر لهم ما أنعم به عليهم أي إن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الخاصة المذكورة والبيت الكعبة وعرفهم سبحانه بأنه رب هذا البيت لأنها كانت لهم أوثان يعبدونها فميز نفسه عنها وقيل لأنهم بالبيت تشرفوا على سائر العرب فذكر لهم ذلك تذكيرا لنعمته
قريش : ( 4 ) الذي أطعمهم من . . . . .
) الذي أطعمهم من جوع ( أي أطعمهم بسبب تينك الرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما وقيل إن هذا الإطعام هو أنهم لما كذبوا النبي صلى الله عليه واله وسلم دعا عليهم فقال اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف فاشتد القحط فقالوا يا محمد ادع الله لنا فإنا مؤمنون فدعا فأخصبوا وزال عنهم الجوع وارتفع القحط ) وآمنهم من خوف ( أي من خوف شديد كانوا فيه قال ابن زيد كانت العرب يغير بعضها على بعض ويسبي بعضها بعضا فأمنت قريش من ذلك لمكان الحرم وقال الضحاك والربيع وشريك وسفيان امنهم من خوف الحبشة مع الفيل
الآثار الواردة في تفسير الآيات
قد أخرج أحمد وابن أبي حاتم عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول ) لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ( ويحكم يا قريش اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من


"""""" صفحة رقم 499 """"""
) جوع وآمنهم من خوف ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) لإيلاف قريش ( قال نعمتي على قريش ) إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ( كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف ) فليعبدوا رب هذا البيت ( قال الكعبة ) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ( قال الجذام وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه ) لإيلاف قريش إيلافهم ( قال لزومهم ) الذي أطعمهم من جوع ( يعني قريشا أهل مكة بدعوة إبراهيم حيث قال وارزق أهله من الثمرات ) وآمنهم من خوف ( حيث قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد امنا وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا في قوله ) لإيلاف قريش ( الاية قال نهاهم عن الرحلة وأمرهم أن يعبدوا رب هذا البيت وكفاهم المؤنة وكانت رحلتهم في الشتاء والصيف ولم يكن لهم راحة في شتاء ولا صيف فأطعمهم الله بعد ذلك من جوع وامنهم من خوف فألفوا الرحلة وكان ذلك من نعمة الله عليهم وأخرج ابن جرير عنه أيضا في الاية قال أمروا أن يألفوا عبادة رب هذا البيت كإلفهم رحلة الشتاء والصيف وقد وردت أحاديث في فضل قريش وإن الناس تبع لهم في الخير والشر وإن هذا الأمر يعني الخلافة لا يزال فيهم ما بقى منهم اثنان وهي في دواوين الإسلام
ع10
تفسير
سورة أرأيت ويقال سورة الدين ويقال سورة الماعون ويقال سورة اليتيم
وهي سبع آيات
حول السورة
وهي مكية في قول عطاء وجابر وأحد قولى ابن عباس ومدنية في قول فتادة واخرين وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت ) أرأيت الذي يكذب بالدين ( بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله بسم الله الرحمن الرحيم سورة أرأيت ( 1 7 )
الماعون : ( 1 ) أرأيت الذي يكذب . . . . .
الخطاب لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم أو لكل من يصلح له والاستفهام لقصد التعجيب من حال من يكذب بالدين والرؤية بمعنى المعرفة والدين الجزاء والحساب في الاخرة قيل وفي الكلام حذف والمعنى أرأيت الذي يكذب بالدين أمصيب هو أم مخطىء قال مقاتل والكلبي نزلت في العاص بن وائل السهمي وقال السدي في الوليد بن المغيرة وقال الضحاك في عمرو بن عائذ وقال ابن جريج في أبي سفيان وقيل في رجل من المنافقين قرأ الجمهور ) أرأيت ( بإثبات الهمزة الثانية وقرأ الكسائي بإسقاطها قال الزجاج لا يقال في رأيت ريت ولكن ألف الاستفهام سهلت الهمزة ألفا وقيل الرؤية هي البصرية فيتعدى إلى مفعول واحد وهو الموصول أي أبصرت المكذب وقيل إنها بمعنى أخبرني فيتعدى إلى اثنين الثاني محذوف أي من هو
الماعون : ( 2 ) فذلك الذي يدع . . . . .
) فذلك الذي يدع اليتيم ( الفاء جواب شرط مقدر أن إن تأملته أو طلبته فذلك الذي يدع اليتيم


"""""" صفحة رقم 500 """"""
ويجوز أن تكون عاطفة على الذي يكذب إما عطف ذات على ذات أو صفة على صفة فعلى الأول يكون اسم الإشارة مبتدأ وخبره الموصول بعده أوخبر لمبتدأ محذوف أي فهو ذلك والموصول صفته وعلى الثاني يكون في محل نصب لعطفه على الموصول الذي هو في محل نصب ومعنى يدع يدفع دفعا بعنف وجفوة أي يدفع اليتيم عن حقه دفعا شديدا ومنه قوله سبحانه يوم يدعون إلى نار جهنم دعا وقد قدمنا أنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان
الماعون : ( 3 ) ولا يحض على . . . . .
) ولا يحض على طعام المسكين ( أي لا يحض نفسه ولا أهله ولا غيرهم على ذلك بخلا بالمال أو تكذيبا بالجزاء وهو مثل قوله في سورة الحاقة ولا يحض على طعام المسكين
الماعون : ( 4 ) فويل للمصلين
) فويل ( يومئذ ) للمصلين ( الفاء جواب لشرط محذوف كأنه قيل إذا كان ما ذكر من عدم المبالاة باليتيم والمسكين فويل للمصلين
الماعون : ( 5 ) الذين هم عن . . . . .
) الذين هم عن صلاتهم ساهون ( أي عذاب لهم أو هلاك أو واد في جهنم لهم كما سبق الخلاف في معنى الويل ومعنى ساهون غافلون غير مبالين بها ويجوز أن تكون الفاء لترتيب الدعاء عليهم بالويل على ما ذكر من قبائحهم ووضع المصلين موضع ضميرهم للتوصل بذلك إلى بيان أن لهم قبائح أخر غير ما ذكر قال الواحدي نزلت في المنافقين الذين لا يرجون بصلاتهم ثوابا إن صلوا ولا يخافون عليها عقابا إن تركوا فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها وإذا كانوا مع المؤمنين صلوا رياء وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا
الماعون : ( 6 ) الذين هم يراؤون
وهو معنى قوله ) الذين هم يراؤون ( أي يراؤون الناس بصلاتهم إن صلوا أو يراؤون الناس بكل ما عملوه من أعمال البر ليثنوا عليهم قال النخعي ) الذين هم عن صلاتهم ساهون ( هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا وهكذا ملتفتا وقال قطرب هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله وقرأ ابن مسعود الذين هم عن صلاتهم لاهون
الماعون : ( 7 ) ويمنعون الماعون
) ويمنعون الماعون ( قال أكثر المفسرين الماعون اسم لما يتعاوزه الناس بينهم من الدلو والفأس والقدر ومالا يمنع كالماء والملح وقيل هو الزكاة أي يمنعون زكاة أموالهم وقال الزجاج وأبو عبيد والمبرد الماعون في الجاهلية كل ما فيه منفعة حتى الفأس والدلو والقدر والقداحة وكل ما فيه منفعة من قليل وكثير وأنشدوا قول الأعشى بأجود منه بماعونه
إذا ما سماؤهم لم تغم
قال الزجاج وابو عبيد والمبرد أيضا والماعون في الإسلام الطاعة والزكاة وأنشدوا قول الراعي أخليفة الرحمن إنا معشر
حنفا نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى الله من أموالنا حق الزكاة منزلا تنزيلا
قوم على الإسلام لما يمنعوا ما عونهم ويضيعوا التهليلا
وقيل الماعون الماء قال الفراء سمعت بعض العرب يقول الماعون الماء وأنشدني
تمج صبيرة الماعون صبا
والصبيرة السحاب وقيل الماعون هو الحق على العبد على العموم وقيل هو المستغل من منافع الأموال مأخوذ من المعن وهو القليل قال قطرب أصل الماعون من القلة والمعن الشيء القليل فسمى الله الصدقة والزكاة ونحو ذلك من المعروف ماعونا لأنه قليل من كثير وقيل هو ما لا يبخل به كالماء والملح والنار
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) أرأيت الذي يكذب بالدين ( قال يكذب بحكم الله ) فذلك الذي يدع اليتيم ( قال يدفعه عن حقه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عنه ) فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ( قال هم المنافقون يراؤون الناس بصلاتهم


"""""" صفحة رقم 501 """"""
إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا ويمنعونهم العارية بغضا لهم وهي الماعون وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا ) الذين هم عن صلاتهم ساهون ( قال هم المنافقون يتركون الصلاة في السر ويصلون في العلانية وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن مصعب بن سعد قال قلت لأبي أرأيت قول الله ) الذين هم عن صلاتهم ساهون ( أينا لا يسهو أينا لا يحدث نفسه قال إنه ليس ذلك إنه إضاعة الوقت وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقاص قال سألت النبي صلى الله عليه واله وسلم عن قوله ) الذين هم عن صلاتهم ساهون ( قال هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها قال الحاكم والبيهقي الموقوف أصح قال ابن كثير وهذا يعني الموقوف أصح إسنادا قال وقد ضعف البيهقي رفعه وصحح وقفه وكذلك الحاكم وأخرج ابن جرير وابن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف عن أبي برزة الأسلمي قال لما نزلت هذه الاية ) الذين هم عن صلاتهم ساهون ( قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الله أكبر هذه الاية خير لكم من أن يعطى كل رجل منكم جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته وإن تركها لم يخف ربه وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف وشيخه مبهم لم يسم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الاية قال هم الذين يؤخرونها عن وقتها وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن ابن مسعود قال كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عارية الدلو والقدر والفأس والميزان وما تتعاطون بينكم وأخرج ابن مردويه عنه قال كان المسلمون يستعيرون من المنافقين القدر والفأس وشبهه فيمنعونهم فأنزل الله ) ويمنعون الماعون ( وأخرج أبو نعيم والديلمي وابن عساكر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في الاية قال ما تعاون الناس بينهم الفأس والقدر والدلو وأشباهه وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن قرة بن دعموص النميري أنهم وفدوا إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالوا يا رسول الله ما تعهد إلينا قال لا تمنعوا الماعون قالوا وما الماعون قال في الحجر والحديدة وفي الماء قالوا فأي الحديدة قال قدوركم النحاس وحديد الفأس الذي تمتهنون به قالوا وما الحجر قال قدوركم الحجارة قال ابن كثير غريب جدا ورفعه منكر وفي إسناده من لا يعرف وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن سعيد بن عياض عن أصحاب النبي صلى الله عليه واله وسلم الماعون الفأس والقدر والدلو وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي والضياء في المختارة من طرق عن ابن عباس في الاية قال عارية متاع البيت وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب قال الماعون الزكاة المفروضة ) يراؤون ( بصلاتهم ) ويمنعون ( زكاتهم


"""""" صفحة رقم 502 """"""
( صلى الله عليه وسلم )
ع108
تفسير
سورة الكوثر
هي ثلاث آيات
حول السورة
وهي مكية في قول ابن عباس والكلبي ومقاتل ومدنية في قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة أنها نزلت سورة الكوثر بمكة بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الكوثر ( 1 3 )
الكوثر : ( 1 ) إنا أعطيناك الكوثر
قرأ الجمهور ) إنا أعطيناك ( وقرأ الحسن وابن محيصن وطلحة والزعفراني ? أنطيناك ? بالنون قيل هي لغة العرب العاربة قال الأعشى حباؤك خير حبا الملوك
يصان الحلال وتنطى الحلولا
و ) الكوثر ( فوعل من الكثرة وصف به للمبالغة في الكثرة مثل النوفل من النفل والجوهر من الجهر والعرب تسمى كل شيء كثير في العدد أو القدر أو الخطر كوثرا ومنه قول الشاعر وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا
فالمعنى على هذا إنا أعطيناك يا محمد الخير الكثير البالغ في الكثرة إلى الغاية وذهب أكثر المفسرين كما حكاه الواحدي إلى أن الكوثر نهر في الجنة وقيل هو حوض النبي صلى الله عليه واله وسلم في الموقف قاله عطاء وقال عكرمة الكوثر النبوة وقال الحسن هو القران وقال الحسن بن الفضل هو تفسير القران وتخفيف الشرائع وقال أبو بكر بن عياش هو كثرة الأصحاب والأمة وقال ابن كيسان هو الإيثار وقيل هو الإسلام وقيل رفعة الذكر وقيل نور القلب وقيل الشفاعة وقيل المعجزات وقيل إجابة الدعوة وقيل لا إله إلا الله وقيل الفقه في الدين وقيل الصلوات الخمس وسيأتي بيان ما هو الحق
الكوثر : ( 2 ) فصل لربك وانحر
) فصل لربك ( الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها والمراد الأمر له صلى الله عليه واله وسلم بالدوام على إقامة الصلوات المفروضة ) وانحر ( البدن التي هي خيار أموال العرب قال محمد بن كعب إن ناسا كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغير الله فأمر الله نبيه صلى الله عليه واله وسلم أن تكون صلاته ونحره له وقال قتادة وعطاء وعكرمة المراد صلاة العيد ونحر الأضحية وقال سعيد بن جبير صل لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع وانحر البدن في منى وقيل النحر وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة حذاء النحر قاله محمد ابن كعب وقيل هو أن يرفع يديه في الصلاة عند التكبيرة إلى حذاء نحره وقيل هو أن يستقبل القبلة بنحره قاله الفراء والكلبي وأبو الأحوص قال الفراء سمعت بعض العرب نتناحر أي نتقابل نحر هذا إلى نحر هذا أي قبالته ومنه قول الشاعر
أبا حكم ما أنت عمرا مجالد وسيد أهل الأبطح المناحر
أي المتقابل وقال ابن الأعرابي هو انتصاب الرجل في الصلاة بازاء المحراب من قولهم منازلهم تتناحر


"""""" صفحة رقم 503 """"""
تتقابل وروى عن عطاء أنه قال أمره أن يستوي بين السجدتين جالسا حتى يبدو نحره وقال سليمان التيمي المعنى وارفع يديك بالدعاء إلى نحرك وظاهر الاية الأمر له صلى الله عليه واله وسلم بمطلق الصلاة ومطلق النحر وأن يجعلهما لله عز وجل لا لغيره وما ورد في السنة من بيان هذا المطلق بنوع خاص فهو في حكم التقييد له وسيأتي إن شاء الله
الكوثر : ( 2 ) فصل لربك وانحر
) إن شانئك هو الأبتر ( أي إن مبغضك هو المنقطع عن الخير على العموم فيعم خيرى الدنيا والاخرة أو الذي لا عقب له أو الذي لا يبقى ذكره بعد موته وظاهر الاية العموم وأن هذا شأن كل من يبغض النبي صلى الله عليه واله وسلم ولا ينافى ذلك كون سبب النزول هو العاص بن وائل فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما مر غير مرة قيل كان أهل الجاهلية إذا مات الذكور من أولاد الرجل قالوا قد بتر فلان فلما مات ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إبراهيم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال بتر محمد فنزلت الاية وقيل القائل بذلك عقبة بن أبي معيط قال أهل اللغة الأبتر من الرجال الذي لا ولد له ومن الدواب الذي لا ذنب له وكل أمر انقطع من الخير أثره ءفهو أبتر وأصل البتر القطع يقال بترت الشيء بترا قطعته
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس قال أغفى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إغفاءه فرفع رأسه مبتسما فقال إنه أنزل علي انفا سورة فقرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( ) إنا أعطيناك الكوثر ( حتى ختمها قال هل تدرون ما الكوثر قالوا الله ورسوله أعلم قال هو نهر أعطانيه ربي في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة انيته كعدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك وأخرجه أيضا مسلم في صحيحه وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر قلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله وقد روى عن أنس من طرق كلها مصرحة بأن الكوثر هو النهر الذي في الجنة وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن جرير وابن مردويه عن عائشة أنها سئلت عن قوله ) إنا أعطيناك الكوثر ( قالت هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه واله وسلم في بطنان الجنة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه نهر في الجنة وأخرج الطبراني في الأوسط عن حذيفة في قوله ) إنا أعطيناك الكوثر ( قال نهر في الجنة وحسن السيوطي إسناده وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أسامة بن زيد مرفوعا أنه قيل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر فقال أجل وأرضه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قال يا رسول الله ما الكوثر قال هو نهر من أنهار الجنة أعطانيه الله فهذه الأحاديث تدل على أن الكوثر هو النهر الذي في الجنة فيتعين المصير إليها وعدم التعويل على غيرها وإن كان معنى الكوثر هو الخير الكثير في لغة العرب فمن فسره بما هو أعم مما ثبت عن النبي صلى الله عليه واله وسلم فهو تفسير ناظر إلى المعنى اللغوي كما أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عطاء بن السائب قال قال محارب بن دثار قال سعيد بن جبير في الكوثر قلت حدثنا عن ابن عباس أنه قال هو الخير الكثير فقال صدق إنه للخير الكثير ولكن حدثنا ابن عمر قال نزلت ) إنا أعطيناك الكوثر ( فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من


"""""" صفحة رقم 504 """"""
العسل وأخرج البخاري وابن جرير والحاكم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في الكوثر هو الخير الذي أعطاه الله إياه قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة قال النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه وهذا التفسير من حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه ناظر إلى المعنى اللغوي كما عرفناك ولكن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد فسره فيما صح عنه أنه النهر الذي في الجنة وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب قال لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه واله وسلم ) إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ( قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لجبريل ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي فقال إنها ليست بنحيرة ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السموات السبع وإن لكل شيء زينة وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة قال النبي صلى الله عليه واله وسلم رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله فما استكانوا لربهم وما يتضرعون وهو من طريق مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن على وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الاية قال إن الله أوحى إلى رسوله أن أرفع يديك حذاء نحرك إذا كبرت للصلاة فذاك النحر وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني في الأفراد وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب في قوله ) فصل لربك وانحر ( قال وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى ثم وضعهما على صدره في الصلاة وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في سننه عن أنس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم مثله وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في سننه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس ) فصل لربك وانحر ( قال إذا صليت فرفعت رأسك من الركوع فاستو قائما وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الاية قال الصلاة المكتوبة والذبح يوم الأضحى وأخرج البيهقي في سننه عنه ) وانحر ( قال يقول واذبح يوم النحر وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش أنت خير أهل المدينة وسيدهم ألا ترى إلى هذا الصابىء المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السقاية وأهل السدانة قال أنتم خير منه فنزلت ) إن شانئك هو الأبتر ( ونزلت ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب إلى قوله فلن تجد له نصيرا قال ابن كثير وإسناده صحيح وأخرج الطبرني وابن مردويه عن أبي أيوب قال لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مشى المشركون بعضهم إلى بعض فقالوا إن هذا الصائي قد بتر الليلة فأنزل الله ) إنا أعطيناك الكوثر ( إلى اخر السورة وأخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم القاسم ثم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية فمات القاسم وهو أول ميت من أهله وولده بمكة ثم مات عبد الله فقال العاص بن وائل السهمي قد انقطع نسله فهو أبتر فأنزل الله ) إن شانئك هو الأبتر ( وفي إسناده الكلبي وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ) إن شانئك هو الأبتر ( قال أبو جهل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) إن شانئك ( يقول عدوك


"""""" صفحة رقم 505 """"""
ع109
تفسير
سورة الكافرون
هي ست آيات
حول السورة
وهي مكية في قول ابن مسعود والحسن وعكرمة ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال أنزلت سورة ) يا أيها الكافرون ( بمكة وأخرج ابن مردويه عن عبد الله ابن الزبير قال أنزلت ) يا أيها الكافرون ( بالمدينة وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قرأ بهذه السورة وبقل هو الله أحد في ركعتي الطواف وفي صحيح مسلم أيضا من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قرأ بهما في ركعتي الفجر وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه وابن حبان وابن مردويه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب بضعا وعشرين مرة أو بضع عشرة مرة ) قل يا أيها الكافرون ( و ) قل هو الله أحد ( وأخرج الحاكم وصححه عن أبي قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوتر بسبح و ) قل يا أيها الكافرون ( و ) قل هو الله أحد ( وأخرج محمد بن نصر والطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) قل هو الله ( أحد تعدل ثلث القران و ) قل يا أيها الكافرون ( تعدل ربع القران وكان يقرأ بهما في ركعتي الفجر وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول من قرأ يا أيها الكافرون كانت له عدل ربع القران وأخرج الطبراني في الصغير والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ ) قل يا أيها الكافرون ( فكأنما قرأ ربع القران ومن قرأ ) قل هو الله أحد ( فكأنما قرأ ثلث القران وأخرج أحمد وابن الضريس والبغوي وحميد بن زنجوية في ترغيبه عن شيخ أدرك النبي صلى الله عليه واله وسلم قال خرجت مع النبي صلى الله عليه واله وسلم في سفر فمر برجل يقرأ ) قل يا أيها الكافرون ( فقال أما هذا فقد برىء من الشرك وإذا اخر يقرأ ) قل هو الله أحد ( فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم بها وجبت له الجنة وفي رواية أما هذا فقد غفر له وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن فروة بن نوفل بن معاوية الأشجعي عن أبيه أنه قال يا رسول الله علمني ما أقول إذا أويت إلى فراشي قال اقرأ ) قل يا أيها الكافرون ( ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك وأخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن مردويه عن عبد الرحمن بن نوفل الأشجعي عن أبيه مرفوعا مثله وأخرج ابن مردويه عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لنوفل بن معاوية الأشجعي إذا أتيت مضجعك للنوم فاقرأ ) قل يا أيها الكافرون ( فإنك إذا قلتها فقد برئت من الشرك وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط عن الحارث بن جبلة وقال الطبراني عن جبلة بن حارثة وهو أخو زيد بن حارثة قال قلت يا رسول الله علمني شيئا أوقهل عند منامي قال إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ ) قل يا أيها الكافرون ( حتى تمر باخرها فإنها براءة من الشرك وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لمعاذ اقرأ ) قل يا أيها الكافرون ( عند منامك فإنها براة من الشرك وأخرج أبو يعلى والطبراني عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلا أدلكم على


"""""" صفحة رقم 506 """"""
كلمة تنجكم من الإشراك بالله تقرؤون ) قل يا أيها الكافرون ( عند منامكم وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه عن خباب أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال إذا أخذت مضجعك فاقرأ ) قل يا أيها الكافرون ( وإن النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يأت فراشه قط إلا قرأ ) قل يا أيها الكافرون ( حتى يختم وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من لقى الله بسورتين فلا حساب عليه ) قل يا أيها الكافرون ( و ) قل هو الله أحد ( وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس عن أبي مسعود الأنصاري قال من قرأ ) قل يا أيها الكافرون ( و ) قل هو الله أحد ( في ليلة فقد أكثر وأطاب بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الكافرون ( 1 6 )
الكافرون : ( 1 ) قل يا أيها . . . . .
الألف واللام في ) يا أيها الكافرون ( للجنس ولكنها لما كانت الاية خطابا لمن سبق في علم الله أنه يموت على كفره كان المراد بهذا العموم خصوص من كان كذلك لأن من الكفار عند نزول هذه الاية من أسلم وعبد الله سبحانه وسبب نزول هذه السورة أن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن يعبد ألهتهم سنة ويعبدوا إلهة سنة
الكافرون : ( 2 ) لا أعبد ما . . . . .
فأمره الله سبحانه أن يقول لهم ) لا أعبد ما تعبدون ( أي لا أفعل ما تطلبون مني من عبادة ما تعبدون من الأصنام قيل والمراد فيما يستقبل من الزمان لأن لا النافية لا تدخل في الغالب إلا على المضارع الذي في معنى الاستقبال كما أن ما لا تدخل إلا على مضارع في معنى الحال
الكافرون : ( 3 ) ولا أنتم عابدون . . . . .
) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( أي ولا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلب منكم من عبادة إلهي
الكافرون : ( 4 ) ولا أنا عابد . . . . .
) ولا أنا عابد ما عبدتم ( أي ولا أنا قط فيما سلف عابد ما عبدتم فيه والمعنى أنه لم يعهد مني ذلك
الكافرون : ( 5 ) ولا أنتم عابدون . . . . .
) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( أي وما عبدتم في وقت من الأوقات ما أنا على عبادته كذا قيل وهذا على قول من قال إنه لا تكرار في هذه الايات لأن الجملة الأولى لنفى العبادة في المستقبل لما قدمنا من أن لا لا تدخل إلا على مضارع في معنى الاستقبال والدليل على ذلك أن لن تأكيد لما تنفيه لا قال الخليل في لن إن أصله لا فالمعنى لا أعبد ما تعبدون في المستقبل ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أطلبه من عبادة الهي ثم قال ) ولا أنا عابد ما عبدتم ( أي ولست في الحال بعابد معبودكم ولا أنتم في الحال بعابدين معبودي وقيل بعكس هذا وهو أن الجملتين الأوليين للحال والجملتين الأخريين للاستقبال بدليل قوله ) ولا أنا عابد ما عبدتم ( كما لو قال القائل أنا ضارب زيدا وأنا قاتل عمرا فإنه لا يفهم منه إلا الاستقبال قال الأخفش والفراء المعنى لا أعبد الساعة ما تعبدون ولا أنتم عابدون الساعة ما أعبد ولا أنا عابد في المستقبل ما عبدتم ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد قال الزجاج نفى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بهذه السورة عبادة الهتهم عن نفسه في الحال وفيما يستقبل ونفى عنهم عبادة الله في الحال وفيما يستقبل وقيل إن كل واحد منهما يصلح للحال والاستقبال ولكنا نخص أحدهما بالحال الثاني بالاستقبال رفعا للتكرار وكل هذا فيه من التكلف والتعسف مالا يخفي على منصف فإن جعل قوله ولا أعبد ما تعبدون للاستقبال وإن كان صحيحا على


"""""" صفحة رقم 507 """"""
مقتضى اللغة العربية ولكنه لا يتم جعل قوله ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( للاستقبال لأن الجملة اسمية تفيد الدوام والثبات في كل الأوقات فدخول النفى عليها يرفع ما دلت عليه من الدوام والثبات في كل الأوقات ولو كان حملها على الاستقبال صحيحا للزم مثله في قوله ) ولا أنا عابد ما عبدتم ( وفي قوله ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( فلا يتم ما قيل من حمل الجملتين الأخريين على الحال وكما يندفع هذا يندفع ما قيل من العكس لأن الجملة الثانية والثالثة والرابعة كلها جمل اسمية مصدرة بالضمائر التي هي المتبدأ في كل واحد منها مخبر عنها باسم الفاعل العامل فيما بعده منفية كلها بحرف واحد وهو لفظ لا في كل واحد منها فكيف يصح القول مع هذا الاتحاد بأن معانيها في الحال والاستقبال مختلفة وأما قول من قال إن كل واحد منها يصلح للحال والاستقبال فهو إقرار منه بالتكرار لأن حمل هذا على معنى وحمل هذا على معنى مع الاتحاد يكون من باب التحكم الذي لا يدل عليه دليل وإذا تقرر لك هذا فاعلم أن القرآن نزل بلسان العرب ومن مذاهبهم التي لا تجحد واستعمالاتهم التي لا تنكر أنهم إذا أرادوا التأكيد كرروا كما أن من مذاهبهم أنهم إذا أرادوا الاختصار أوجزوا هذا معلوم لكل من له علم بلغة العرب وهذا مما لا يحتاج إلى إقامة البرهان عليه لأنه إنما يستدل على مافيه خفاء ويبرهن على ماهو متنازع فيه وأما ما كان من الوضوح والظهور والجلاء بحيث لا يشك فيه شاك ولا يرتاب فيه مرتاب فهو مستغن عن التطويل غير محتاج إلى تكثير القال والقيل وقد وقع في القران من هذا ما يعلمه كل من يتلو القران وربما يكثر في بعض السور كما في سورة الرحمن وسورة المرسلات وفي أشعار العرب من هذا ما لا يأتي عليه الحصر ومن ذلك قول الشاعر بالبكر انشروا لي كليبا
يالبكر أين أين الفرار
وقول الآخر هلا سألت جموع كن
دة يوم ولوا أين أينا
وقول الآخر يا علقمة ياعلقمة يا علقمة
خير تميم كلها وأكرمه
وقول الآخر إلا يا اسلمت ثم اسلمى ثمت اسلمى
ثلاث تحيات وإن لم تكلم
وقول الآخر يا جعفر يا جعفر يا جعفر
إن أك دحداحا فأنت أقصر
وقول الآخر أتاك أتاك اللاحقوك احبس احبس
وقد ثبت عن الصادق المصدوق وهو أفصح من نطق بلغة العرب أنه كان إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاث مرات وإذا عرفت هذا ففائدة ما وقع في السورة من التأكيد هو قطع أطماع الكفار عن أن يجيبهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى ما سألوه من عبادته الهتهم وإنما عبر سبحانه بما التي لغير العقلاء في المواضع الأربعة لأنه يجوز ذلك كما في قوله سبحان ما سخركن لنا ونحوه والنكته في ذلك أن يجرى الكلام على نمط واحد ولا يختلف وقيل إنه إراد الصفة كأنه قال لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق وقيل إن ما في المواضع الأربعة هي المصدرية لا الموصولة أيلا أعبد عبادتكم ولا أنتم عابدون عبادتي الخ
الكافرون : ( 6 ) لكم دينكم ولي . . . . .
وجملة ) لكم دينكم ( مستأنفة لتقرير قوله ) لا أعبد ما تعبدون ( وقوله ) ولا أنا عابد ما عبدتم ( كما أن قوله ) ولي دين ( تقرير لقوله ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( في الموضعين أي إن رضيتم بدينكم فقد رضيت بديني كما في قوله لنا أعمالنا ولكم أعمالكم والمعنى أن دينكم الذي هو الإشراك مقصور على الحصول لكم لا يتجاوزه إلى الحصول لي كما تطمعون وديني الذي هو التوحيد مقصور على الحصول لي لا يتجاوزه إلى الحصول لكم وقيل المعنى لكم جزاؤكم ولي جزائي لأن الدين الجزاء قيل وهذه الاية منسوخة باية السيف وقيل ليست بمنسوخة لأنها أخبار والأخبار لا يدخلها النسخ


"""""" صفحة رقم 508 """"""
قرأ الجمهور بإسكان الياء من قوله ولى وقرأ نافع وهشام وحفص والبزى بفتحها وقرأ الجمهور أيضا بحذف الياء من ديني وقفا ووصلا وأثبتها نصر بن عاصم وسلام ويعقوب وصلا ووقفا قالوا لأنها اسم فلا تحذف ويجاب بأن حذفها لرعاية الفواصل سائغ وإن كانت اسما
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس أن قريشا دعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء فقالوا هذا لك يا محمد وكف عن شتم الهتنا ولا تذكرها بسوء فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صلاح قال ما هي قالوا تعبد الهتنا سنة ونعبد إلهك سنة قال حتى أنظر ما يأتيني من ربي فجاء الوحي من عند الله ) قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ( إلى اخر السورة وأنزل الله قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون إلى قوله بل الله فاعبد وكن من الشاكرين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن سعيد ابن مينا مولى أبي البحتري قال لقى الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قالوا يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله فإن كان الذي نحن عليه أصح من الذي أنت عليه كنت قد أخذت منه حظا وإن كان الذي أنت عليه أصح من الذي نحن عليه كنا قد أخذنا منه حظا فأنزل الله ) قل يا أيها الكافرون ( إلى اخر السورة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس أن قريشا قالت لو استلمت الهتنا لعبدنا إلهك فأنزل الله ) قل يا أيها الكافرون ( السورة كلها
ع110
تفسير
سورة النصر وتسمى سورة التوديع
هي ثلاث آيات
حول السورة
وهي مدنية بلا خلاف وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال أنزل بالمدينة ) إذا جاء نصر الله والفتح ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أوسط أيام التشريق بمنى وهو في حجة الوداع ) إذا جاء نصر الله والفتح ( حتى ختمها فعرف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أئنها الوداع وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت ) إذا جاء نصر الله والفتح ( قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نعيت إلى نفسي وأخرج ابن مردويه عنه قال لما نزلت ) إذا جاء نصر الله والفتح ( قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نعيت إلى نفسي وقرب إلى أجلى وأخرج النسائي وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه أيضا قال لما نزلت ) إذا جاء نصر الله والفتح ( نعيت نعيث لرسول الله نفسه حين أنزلت فأخذ في أشد ما كان قط اجتهادا في أمر الاخرة وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم حبيبة قالت لما أنزل ) إذا جاء نصر الله والفتح ( قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن الله لم يبعث نبيا إلا عمر في أمته شطر ما عمر النبي الماضي قبله فإن عيسى ابن مريم كان أربعين سنة في بني إسرائيل وهذه لي عشرون سنة وأنا ميت في هذه السنة فبكت فاطمة فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم أنت أول أهلي بي لحوقا فتبسمت وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال لما نزلت ) إذا جاء نصر الله والفتح ( دعا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم


"""""" صفحة رقم 509 """"""
فاطمة وقال إنه قد نعيت إلى نفسي فبكت ثم ضحكت وقالت أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت فقال اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت وقد تقدم في تفسير
سورة الزلزلة أن هذه السورة تعدل ربع القران بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النصر ( 1 3 )
النصر : ( 1 ) إذا جاء نصر . . . . .
النصر العون مأخوذ من قولهم قد نصر الغيث الأرض إذا أعان على نباتها ومنع من قحطها ومنه قول الشاعر إذا انصرف الشهر الحرام فودعى
بلاد تميم وانصرى أرض عامر
يقال نصره على عدوه ينصره نصرا إذا أعانه والاسم النصرة واستنصره على عدوه إذا سأله أن ينصره عليه قال الواحدي قال المفسرون ) إذا جاءك ( يا محمد ) نصر الله ( على من عاداك وهم قريش ) والفتح ( فتح مكة وقيل المراد نصره صلى الله عليه واله وسلم على قريش من غير تعيين وقيل نصره على من قاتله من الكفار وقيل هو فتح سائر البلاد وقيل هو ما فتحه الله عليه من العلوم وعبر عن حصول النصر والفتح بالمجىء للإيذان بأنهمها متوجهان إليه صلى الله عليه واله وسلم وقيل إذا بمعنى قد وقيل بمعنى إذ قال الرازي الفرق بين النصر والفتح أن الفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان منغلقا والنصر كالسبب للفتح فلهذا بدأ بذكر النصر وعطف عليه الفتح أو يقال النصر كمال الدين والفتح إقبال الدنيا الذي هو تمام النعمة أو يقال النصر الظفر والفتح الجنة هذا معنى كلامه ويقال الأمر أوضح من هذا وأظهر فإن النصر هو التأييد الذي يكون به قهر الأعداء وغلبهم والاستعلاء عليهم والفتح هو فتح مساكن الأعداء ودخول منازلهم
النصر : ( 2 ) ورأيت الناس يدخلون . . . . .
) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ( أي أبصرت الناس من العرب وغيرهم يدخلون في دين الله الذي بعثك به جماعات فوجا بعد فوج قال الحسن لما فتح رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مكة قال العرب أما إذ ظفر محمد بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا أي جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون واحدا واحدا واثنين اثنين فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام قال عكرمة ومقاتل أراد بالناس أهل اليمن وذلك أنه ورد من اليمن سبعمائة إنسان مؤمنين وانتصاب أفواجا على الحال من فاعل يدخلون ومحل قوله يدخلون في دين الله النصب على الحال إن كانت الرؤية بصرية وإن كانت بمعنى العلم فهو في محل نصب على أنه المفعول الثاني
النصر : ( 3 ) فسبح بحمد ربك . . . . .
) فسبح بحمد ربك ( هذا جواب الشرط وهو العامل فيه والتقدير فسبح بحمد ربك إذا جاء نصر الله وقال مكى العامل في إذا هو جاء ورجحه أبو حيان وضعف الأول بأن ما جاء بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبلها وقوله ) بحمد ربك ( في محل نصب على الحال أي فقل سبحان الله ملتبسا بحمده أو حامدا له وفيه الجمع بين تسبيح الله المؤذن بالتعجب مما يسره الله له مما لم يكن يخطر بباله ولا بال أحد من الناس وبين الحمد له على جميل صنعه له وعظيم منته عليه بهذه النعمة التي هي


"""""" صفحة رقم 510 """"""
النصر والفتح لأم القرى التي كان أهلها قد بلغوا في عداوته إلى أعلى المبالغ حتى أخرجوه منها بعد أن افتروا عليه من الأقوال الباطله والأكاذيب المختلفة ما هو معروف من قولهم هو مجنون هو ساحر هو شاعر هو كاهن ونحو ذلك ثم ضم سبحانه إلى ذلك أمر نبيه صلى الله عليه واله وسلم بالاستغفار أي اطلب منه المغفرة لذنبك هضما لنفسك واستقصارا لعملك واستدراكا لما فرط منك من ترك ما هو الأولى وقد كان صلى الله عليه واله وسلم يرى قصوره عن القيام بحق الله ويكثر من الاستغفار والتضرع وإن كان قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقيل إن الاستغفار منه صلى الله عليه واله وسلم ومن سائر الأنبياء هو تعبد تعبدهم الله به لا لطلب المغفرة لذنب كائن منهم وقيل إنما أمره الله سبحانه بالاستغفار تنبيها لأمته وتعريضا بهم فكأنهم هم المأمورون بالاستغفار وقيل إن الله سبحانه أمره بالاستغفار لأمته لا لذنبه وقيل المراد بالتسبيح هنا الصلاة والأولى حمله على معنى التنزيه مع ما أشرنا إليه من كون فيه معنى التعجب سرورا بالنعمة وفرحا بما هيأه الله من نصر الدين وكبت أعدائه ونزول الذلة بهم وحصول القهر لهم قال الحسن أعلم الله رسوله صلى الله عليه واله وسلم أنه قد اقترب أجله فأمر بالتسبيح والتوبة ليختم له في اخر عمره بالزيادة في العمل الصالح فكان يكثر أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك اغفر لي إنك أنت التواب قال قتادة ومقاتل وعاش صلى الله عليه واله وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين وجملة ) إنه كان توابا ( تعليل لأمره صلى الله عليه واله وسلم بالاستغفار أي من شأنه التوبة على المستغفرين له يتوب عليه ويرحمهم بقبول توبتهم وتواب من صيغ المبالغة ففيه دلالة على أنه سبحانه مبالغ في قبول توبة التائبين وقد حكى الرازي في تفسيره اتفاق الصحابة على أن هذه السورة دلت على نعي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن عمر سألهم عن قول الله ) إذا جاء نصر الله والفتح ( فقالوا فتح المدائن والقصور قال فأنت يا ابن عباس ما تقول قال قلت مثل ضرب لمحمد صلى الله عليه واله وسلم نعيت له نفسه وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله فقال عمر إنه من قد علمتم فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم فقال ما تقولون في قول الله عز وجل ) إذا جاء نصر الله والفتح ( فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وسكت بعضهم فلم يقل شيئا فقال لي أكذاك تقول يا ابن عباس فقلت لا فقال ما تقول فقلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أعلمه الله له قال ) إذا جاء نصر الله والفتح ( فذلك علامة أجلك ) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ( فقال عمر لا أعلم منها إلا ما تقول وأخرج ابن النجار عن سهل بن سعد عن أبي بكر أن سورة ) إذا جاء نصر الله والفتح ( حين أنزلت على رسول الله أن نفسه نعيت إليه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده وأستغفره وأتوب إليه فقلت يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه فقال خبرني ربي أني سأرى علامة من أمتي فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه فقد رأيتها ) إذا جاء نصر الله والفتح ( فتح مكة ) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ( وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك


"""""" صفحة رقم 511 """"""
اللهم اغفر لي يتأول القران يعني إذا جاء نصر الله والفتح وفي الباب أحاديث وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال لما نزلت ) إذا جاء نصر الله والفتح ( قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم جاء أهل اليمن هم أرق قلوبا الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال بينما رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في المدينة إذ قال الله أكبر قد جاء نصر الله والفتح وجاء أهل اليمن قوم رقيقة قلوبهم لينة طاعتهم الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال تلا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ( قال ليخرجن منه أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا
ع111
تفسير
سورة تبت
هي خمس آيات
حول السورة
وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة قالوا نزلت تبت يدا أبي لهب بمكة بسم الله الرحمن الرحيم سورة تبت ( 1 5 )
المسد : ( 1 ) تبت يدا أبي . . . . .
معنى تبت هلكت وقال مقاتل خسرت وقيل خابت وقال عطاء ضلت وقيل صفرت من كل خير وخص اليدين بالستبات لأن أكثر العمل يكون بهما وقيل المراد باليدين نفسه وقد يعبر باليد عن النفس كما في قوله بما قدمت يداك أي نفسك والعرب تعبر كثيرا ببعض الشيء عن كله كقولهم أصابته يد الدهر وأصابته يد المنايا كما في قول الشاعر لما أكبت يد الرزايا
عليه نادي ألا مخبر
وأبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم وقوله ) وتب ( أي هلك قال الفراء الأول دعاء عليه والثاني خبر كما تقول أهلكه الله وقد هلك والمعنى أنه قد وقع ما دعا به عليه ويؤيده قراءة ابن مسعود وقد تب وقيل كلاهما إخبار أراد بالأول هلاك عمله وبالثاني هلاك نفسه وقيل كلاهما دعاء عليه ويكون في هذا شبه من مجيء العام بعد الخاص وإن كان حقيقة اليدين غير مرادة وذكره سبحانه بكنيته لاشتهاره بها ولكون اسمه كما تقدم عبد العزى والعزى اسم صنم ولكون في هذه الكنة ما يدل على أنه ملابس للنار لأن اللهب هي لهب النار وإن كان إطلاق ذلك عليه في الأصل لكونه كان جميلا وأن وجهه يتلهب لمزيد حسنه كما تتلهب النار قرأ الجمهور ) لهب ( بفتح اللام والهاء وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير


"""""" صفحة رقم 512 """"""
وابن محيصن بإسكان الهاء واتفقوا على فتح الهاء في قوله ) ذات لهب ( وروى صاحب الكشاف أنه قرىء تبت يدا أبو لهب وذكر وجه ذلك
المسد : ( 2 ) ما أغنى عنه . . . . .
) ما أغنى عنه ماله وما كسب ( أي ما دفع عنه ما حل به من التباب وما نزل به من عذاب الله ما جمع من المال ولا ما كسب من الأرباح والجاه أو المراد بقوله ما له ورثه من أبيه وبقوله ) وما كسب ( الذي كسبه بنفسه قال مجاهد وما كسب من ولد وولد الرجل من كسبه ويجوز أن تكون ) ما ( في قوله ) ما أغنى ( استفهامية أي أي شيء أغنى عنه وكذا يجوز في قوله ) وما كسب ( أن تكون استفهامية أي وأي شيء كسب ويجوز أن تكون مصدرية أي وكسبه والظاهر أن ما الأولى نافية والثانية موصولة
المسد : ( 3 ) سيصلى نارا ذات . . . . .
ثم أوعده سبحانه بالنار فقال ) سيصلى نارا ذات لهب ( قرأ الجمهور سيصلى بفتح الياء وإسكان الصاد وتخفيف اللام أي سيصلى هو بنفسه وقرأ أبو رجاء وأبو حيوة وابن مقسم والأشهب العقيلي وأبو السماك والأعمش ومحمد بن السميفع بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام ورويت هذه القراءة عن ابن كثير والمعنى سيصليه لله ومعنى ) ذات لهب ( ذات اشتعال وتوقد وهي نار جهنم
المسد : ( 4 ) وامرأته حمالة الحطب
) وامرأته حمالة الحطب ( معطوف على الضمير في يصلى وجاز ذلك للفصل أي وتصلى امرأته نارا ذات لهب وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان وكانت تحمل الغضى والشوك فتطرحه بالليل على طريق النبي صلى الله عليه واله وسلم كذا قال ابن زيد والضحاك والربيع بن أنس ومرة الهمداني وقال مجاهد وقتادة والسدى إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس والعرب تقول فلان يحطب على فلان إذا نم به ومنه قول الشاعر إن بني الأدرم حمالوا الحطب
هم الوشاة في الرضا والغضب
عليهم اللعنة تترى والحرب
وقال اخر
من البيض لم يصطد على ظهر لامة
ولم يمش بين الناس بالحطب الرطب
وجعل الحطب في هذا البيت رطبا لما فيه من التدخين الذي هو زيادة في الشر ومن الموافقة للمشى بالنميمة وقال سعيد بن جبير معنى حمالة الحطب أنها حمالة الخطايا والذنوب من قولهم فلان يحتطب على ظهره كما في قوله وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم وقيل المعنى حمالة الحطب في النار قرأ الجمهور حمالة بالرفع على الخبرية على أنها جملة مسوقة للإخبار بأن امرأة أبي لهب حمالة الحطب وأما على ما قدمنا من عطف وامرأته على الضمير في تصلى فيكون رفع حمالة على النعت لامرأته والإضافة حقيقية لأنها بمعنى المضى أو على أنه خبر مبتدإ محذوف أي هي حمالة وقرأ عاصم بنصب حمالة على الذم أو على أنه حال من امرأته وقرأ أبو قلابة حاملة الحطب
المسد : ( 5 ) في جيدها حبل . . . . .
) في جيدها حبل من مسد ( الجملة في محل نصب على الحال من امرأته والجيد العنق والمسد الليف الذي تفتل منه الحبال ومنه قول النابغة
مقذوفة بدحيض النحض نازلها
له صريف صريف القعواء بالمسد
وقول الاخر
يا مسد الخوص تعوذ منى إن كنت لدنا لينا فإني
وقال أبو عبيدة المسد هو الحبل يكون من صوف وقال الحسن هي حبال تكون من شجر ينبت باليمن تسمى بالمسد وقد تكون الحبال من جلود الإبل أو من أوبارها قال الضحاك وغيره هذا في الدنيا كانت تعير النبي صلى الله عليه واله وسلم بالفقر وهي تحتطب في حبل تجعله في عنقها فخنقها الله به فأهكلها وهو في الاخرة حبل من نار وقال مجاهد وعروة بن الزبير هو سلسلة من نار تدخل في فيها وتخرج من أسفلها وقال قتادة هو قلادة من ودع كانت لها قال الحسن إنما كان خرزا في عنقها وقال سعيد بن المسيب كانت


"""""" صفحة رقم 513 """"""
لها قلادة فاخرة من جوهر فقالت واللات والعزى لأنفقنها في عداوة محمد فيكون ذلك عذابا في جسدها يوم القيامة والمسد الفتل يقال مسد حبله يمسده مسدا أجاد فتله ا ه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فاجتمعوا إليه فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي قالوا ما جربنا عليك كذبا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك إنما جمعتنا لهذا ثم قام فنزلت هذه السورة ) تبت يدا أبي لهب وتب ( وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) تبت يدا أبي لهب ( قال خسرت وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ابنه من كسبه ثم قرأت ) ما أغنى عنه ماله وما كسب ( قالت وما كسب ولده وأخرج عبد الرزاق والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وما كسب ( قال كسبه ولده وأخرج ابن جرير والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس في قوله ) وامرأته حمالة الحطب ( قال كانت تحمل الشكوك فتطرحه على طريق النبي صلى الله عليه واله وسلم ليعفره وأصحابه وقال حمالة الحطب نقالة الحديث ) حبل من مسد ( قال هي حبال تكون بمكة ويقال المسد العصا التي تكون في البكرة ويقال المسد قلادة من ودع وأخرج ابن أبي حاتم وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما نزلت ) تبت يدا أبي لهب ( أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول مذمما أبينا
ودينه قلينا
وأمره عصينا
ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما راها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إنها لن تراني وقرأ قرانا اعتصم به كما قال تعالى ) وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ( فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالت يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني قال لا ورب البيت ما هجاك فولت وهي تقول قد علمت قريش أني ابنة سيدها وأخرجه البزار بمعناه وقال لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد
ع112
تفسير
سورة الإخلاص
هي أربع آيات
حول السورة
وهي مكية في قول ابن مسعود والحسن وعطاء وعكرمة وجابر ومدنية في أحد قولى ابن عباس وقتادة والضحاك والسدى وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن خزيمة وابن أبي عاصم في السنة والبغوي في معجمه وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ابن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه واله وسلم يا محمد انسب لنا ربك فأنزل الله قل هو الله أحد لم يلد ولم يولد الخ ليس شيء يولد إلا سيموت وليس شيء يموت إلا سيورث وإن الله لا يموت ولا يورث ولم يكن له كفوا أحد قال لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء ورواه الترمذي من طريق أخرى عن أبي العالية مرسلا ولم يذكر أبيا ثم قال وهذا أصح وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر


"""""" صفحة رقم 514 """"""
والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والبيهقي عن جابر قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال انسب لنا ربك فأنزل الله ) قل هو الله أحد ( إلى اخر السورة وحسن السيوطي إسناده وأخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمه عن ابن مسعود قال قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم انسب لنا ربك فنزلت هذه السورة ) قل هو الله أحد ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أن اليهود جاءت إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم منهم كعب بن الأشرف وحيى بن أخطب فقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك فأنزل الله ) قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ( فيخرج منه الولد ولم يولد فيخرج منه شيء وأخرج أبو عبيد في فضائله وأحمد والنسائي في اليوم والليلة وابن منيع ومحمد بن نصر وابن مردويه والضياء في المختارة عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القران وأخرج ابن الضريس والبزار والبيهقي في الشعب عن أنس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم من قرأ قل هو الله أحد مائتي مرة غفر له ذنب مائتي سنه قال البزار لا نعلم رواه عن أنس إلا الحسن بن أبي جعفر والأغلب بن تميم وهما يتقاربان في سوء الحفظ وأخرج أحمد والترمذي وابن الضريس والبيهقي في سننه عن أنس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال إني أحب هذه السورة ) قل هو الله أحد ( فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حبك إياها أدخلك الجنة وأخرج ابن الضريس وأبو يعلى وابن الأنباري في المصاحف عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ) قل هو الله أحد ( ثلاث مرات في ليلة فإنها تعدل ثلث القران وإسناده ضعيف وأخرج محمد بن نصر وأبو يعلى عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال من قرأ ) قل هو الله أحد ( خمسين مرة غفر له ذنوب خمسين سنة وإسناده ضعيف وأخرج الترمذي وابن عدي والبيهقي في الشعب عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ ) قل هو الله أحد ( مائتي مرة كتب الله له ألفا وخمسمائة حسنه ومحى عنه ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين وفي إسناده حاتم بن ميمون ضعفه البخاري وغيره ولفظ الترمذي من قرأ في يوم مائتي مرة ) قل هو الله أحد ( محى عنه ذنوب خمسين سنة ألا إن يكون عليه دين وفي إسناده حاتم بن ميمون المذكور وأخرج الترمذي ومحمد بن نصر وأبو يعلى وابن عدي والبيهقي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أراد أن ينام على فراشه من الليل فنام على يمينه ثم قرأ ) قل هو الله أحد ( مائة مرة فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب يا عبدي ادخل على يمينك الجنة وفي إسناده أيضا حاتم ان ميمون المذكور قال الترمذي بعد أخراجه غريب من حديث ثابت وقد روى من غير هذا الوجه عنه وأخرج ابن سعد وابن الضريس وأبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه واله وسلم بالشام وفي لفظ بتبوك فهبط جبريل فقال يا محمد إن معاوية بن معاوية المزنى هلك أفتحب أن تصلي عليه قال نعم فضرب بجناحه الأرض فتضعضع له كل شيء ولزق بالأرض ورفع له سريره فصلى عليه فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم من أي شيء أوتى معاوية هذا الفضل صلى عليه صفان من الملائكة في كل صف ستة الاف ملك قال بقراءة ) قل هو الله أحد ( كان يقرؤها قائما وقاعدا وجائيا وذاهبا ونائما وفي إسناده العلاء بن محمد الثقفي وهو متهم بالوضع وروى عنه من وجه اخر بأطول من هذا وفي إسناده هذا المتهم وفي الباب أحاديث في هذا المعنى وغيره وقد روى من غير الوجه أنها تعدل ثلث القران وفيها ما هو صحيح وفيها ما هو حسن فمن ذلك ما أخرجه مسلم والترمذي وصححه وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله


"""""" صفحة رقم 515 """"""
عليه واله وسلم احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القران فحشد من حشد ثم خرج نبي الله صلى الله عليه واله وسلم فقرأ ) قل هو الله أحد ( ثم دخل فقال بعضنا لبعض قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن ثم خرج نبي الله صلى الله عليه واله وسلم فقال إني قلت سأقرأ عليكم ثلث القران ألا وإنها تعدل ثلث القرآن وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القران يعني ) قل هو الله أحد ( وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأصحابه أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القران في ليلة فشق ذلك عليهم وقالوا أينا يطيق ذلك فقال الله الواحد الصمد ثلث القرآن وأخرج مسلم وغيره من حديث أبي الدرداء نحوه وقد روى نحو هذا بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة وحديث ابن مسعود وحديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وروى نحو هذا عن غير هؤلاء بأسانيد بعضها حسن وبعضها ضعيف ولو لم يرد في فضل هذه السورة إلا حديث عائشة عند البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه واله وسلم بعث رجلا في سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال سلوه لأي شيء يصنع ذلك فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال أخبروه أن الله تعالى يحبه هذا لفظ البخاري في كتاب التوحيد وأخرج البخاري أيضا في كتاب الصلاة من حديث أنس قال كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء فكان كلما افتتح سورة فقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بقل هو الله أحد حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخي معها وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه أصحابه فقالوا إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بالأخرى فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى قال ما أنا بتاركها إن أحببتم أن اؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم تركتكم وكانوا يرون أنه من أفضلهم فكرهوا أن يؤمهم غيره فلما أتاهم النبي صلى الله عليه واله وسلم أخبروه الخبر فقال يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة فقال إني أحبها قال حبك إياها أدخلك الجنة وقد روى بهذا اللفظ من غير وجه عند غير البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الاخلاص ( 1 4 )
الإخلاص : ( 1 ) قل هو الله . . . . .
قوله ) قل هو الله أحد ( الضمير يجوز أن يكون عائدا إلى ما يفهم من السياق لما قدمنا من بيان سبب النزول وأن المشركين قالوا يا محمد انسب لنا ربك فيكون مبتدأ والله مبتدأ ثان وأحد خبر المبتدإ الثاني والجملة خبر المبتدإ الأول ويجوز أن يكون الله بدلا من هو والخبر أحد ويجوز أن يكون الله خبرا أول وأحد خبرا ثانيا ويجوز أن يكون أحد خبرا لمبتدإ محذوف أي هو أحد ويجوز أن يكون هو ضمير شأن لأنه موضع تعظيم والجملة بعده مفسرة له وخبر عنه والأول أولى قال الزجاج هو كناية عن ذكر الله والمعنى إن سألتم تبيين نسبته هو الله أحد قيل وهمزة أحد بدل من الواو وأصله واحد وقال أبو البقاء همزة أحد أصل بنفسها غير مقلوبة وذكر أن أحد يفيد العموم دون واحد ومما يفيد الفرق بينهما ما قاله الأزهري أنه لا يوصف بالأحدية غير الله تعالى لا يقال رجل أحد ولا درهم أحد كما يقال رجل واحد ودرهم واحد


"""""" صفحة رقم 516 """"""
قيل والواحد يدخل في الأحد والأحد لا يدخل فيه فإذا قلت لا يقاومه واحد جاز أن يقال لكنه يقاومه اثنان بخلاف قولك لا يقاومه أحد وفرق ثعلب بين واحد وبين أحد بأن الواحد يدخل في العدد وأحد لا يدخل فيه ورد عليه أبو حيان بأنه يقال أحد وعشرون ونحوه فقد دخله العدد وهذا كما ترى ومن جملة القائلين بالقلب الخليل قرأ الجمهور ) قل هو الله أحد ( بإثبات قل وقرأ عبد الله بن مسعود وأبى الله أحد بدون قل وقرأ الأعمش ? قل هو الله الواحد ? وقرأ الجمهور بتنوين أحد وهو الأصل وقرأ زيد بن علي وأبان بن عثمان وابن أبي إسحاق والحسن وأبو السماك وأبو عمرو في رواية عنه بحذف التنوين للخفة كما في قول الشاعر عمرو الذي هشم الثريد لقومه
ورجال مكة مسنتون عجاف
وقيل إن ترك التنوين لملاقاته لام التعريف فيكون الترك لأجل الفرار من التقاء الساكنين ويجاب عنه بأن الفرار من التقاء الساكنين قد حصل مع التنوين بتحريك الأول منهما بالكسر
الإخلاص : ( 2 ) الله الصمد
) الله الصمد ( الإسم الشريف مبتدأ والصمد خبره والصمد هو الذي يصمد إليه في الحاجات أي يقصد لكونه قادرا على قضائها فهو فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض لأنه مصمود إليه أي مقصود إليه قال الزجاج الصمد السند الذي انتهى إليه السودد فلا سيد فوقه قال الشاعر ألا بكر الناعى بخير بني أسد
بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وقيل معنى الصمد الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزول وقيل معنى الصمد ما ذكر بعده من أنه الذي لم يلد ولم يولد وقيل هو المستغنى عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد وقيل هو المقصود في الرغائب والمستعان به في المصائب وهذان القولان يرجعان إلى معنى القول الأول وقيل هو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وقيل هو الكامل الذي لا عيب فيه وقال الحسن وعكرمة والضحاك وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الله ابن بريدة وعطاء وعطية العوفى والسدى الصمد هو المصمت الذي لا جوف له ومنه قول الشاعر شهاب حروب لا تزال جياده
عوابس يعلكن الشكيم المصمدا
وهذا لا ينافى القول الأول لجواز أن يكون هذا أصل معنى الصمد ثم استعمل في السيد المصمود إليه في الحوائج ولهذا أطبق على القول الأول أهل اللغة وجمهور أهل التفسير ومنه قول الشاعر علوته بحسام ثم قلت له
خذها حذيف فأنت السيد الصمد
وقال الزبرقان بن بدر سيروا جميعا بنصف الليل واعتمدوا
ولا رهينة إلا سيد صمد
وتكرير الاسم الجليل للإشعار بأن من لم يتصف بذلك فهو بمعزل عن استحقاق الألوهية وحذف العاطف من هذه الجملة لأنها كالنتيجة للجملة الأولى وقيل إن الصمد صفة للاسم الشريف والخبر هو ما بعده والأول أولى لأن السياق يقتضي استقلال كل جمله
الإخلاص : ( 3 ) لم يلد ولم . . . . .
) لم يلد ولم يولد ( أي لم يصدر عنه ولد ولم يصدر هو عن شيء لأنه لا يجانسه شيء ولاستحالة نسبة العدم إليه سابقا ولاحقا قال قتادة إن مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الله وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله فأكذبهم الله فقال ) لم يلد ولم يولد ( قال الرازي قدم ذكر نفى الولد مع أن الولد مقدم للاهتمام لأجل ما كان يقوله الكفار من المشركين إن الملائكة بنات الله واليهود عزيز ابن الله والنصارى المسيح ابن الله ولم يدع أحد أن لا له والدا فلهذا السبب بدأ بالأهم


"""""" صفحة رقم 517 """"""
فقال ) لم يلد ( ثم أشار إلى الحجة فقال ) ولم يولد ( كأنه قيل الدليل على امتناع الولد اتفاقنا على أنه ما كان ولدا لغيره وإنما عبر سبحانه بما يفيد انتفاء كونه لم يلد ولم يولد في الماضي ولم يذكر ما يفيد انتفاء كونه كذلك في المستقبل لأنه ورد جوابا عن قولهم ولد الله كما حكى الله عنهم بقوله ألا إنهم من إفكم ليقولون ولد الله فلما كان المقصود من هذه الاية تكذيب قولهم وهم إنما قالوا ذلك بلفظ يفيد النفي فيما مضى وردت الاية لدفع قولهم هذا
الإخلاص : ( 4 ) ولم يكن له . . . . .
) ولم يكن له كفوا أحد ( هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها لأنه سبحانه إذا كان متصفا بالصفات المتقدمة كان متصفا بكونه لم يكافئه أحد ولا يماثله ولا يشاركه في شيء وأخر اسم كان لرعاية الفواصل وقوله له متعلق بقوله كفوا قدم عليه لرعاية الاهتمام لأن المقصود نفى المكافأة عن ذاته وقيل إنه في محل نصب على الحال والأول أولى وقد رد المبرد على سيبويه بهذه الاية لأن سيبويه قال إنه إذا تقدم الظرف كان هو الخبر وههنا لم يجعل خبرا مع تقدمه وقد رد على المبرد بوجهين أحدهما أن سيبويه لم يجعل ذلك حتما بل جوزه والثاني أنا لا نسلم كون الظرف هنا ليس بخبر بل يجوز أن يكون خبرا ويكون كفوا منتصبا على الحال وحكى في الكشاف عن سيبويه على أن الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر واقتصر في هذه الحكاية على نقل أول كلام سيبويه ولم ينظر إلى اخره فإنه قال في اخر كلامه والتقديم والتأخير والألغاء والاستقرار عربي جيد كثير انتهى قرأ الجمهور كفوا بضم الكاف والفاء وتسهيل الهمزه وقرأ الأعرج وسيبويه ونافع في رواية عنه بإسكان الفاء وروى ذلك عن حمزه مع إبداله الهمزة واوا وصلا ووقفا وقرأ نافع في رواية عنه كفأ بكسر الكاف وفتح الفاء من غير مد وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس كذلك مع المد وأنشد قول النابغة لا تقذفني بركن لا كفاء له
والكفء في لغة العرب النظير
يقول هذا كفؤك أي نظيرك والاسم الكفاءة بالفتح
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والمحاملي في أماليه والطبراني وأبو الشيخ في العظمة عن بريد لا أعلمه إلا رفعه قال الصمد الذي لا جوف له ولا يصح رفع هذا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال الصمد الذي لا جوف له وفي لفظ ليس له أحشاء وأخرج ابن أبي عاصم وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس مثله وأخرج ابن المنذر عنه قال ) الصمد ( الذي لا يطعم وهو المصمت وقال أو ما سمعت النائحة وهي تقول لقد بكر الناعى بخير بني أسد
بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وكان لا يطعم عند القتال وقد روى عنه أن الذي يصمد إليه في الحوائج وأنه أنشد البيت واستدل به على هذا المعنى وهو أظهر في المدح وأدخل في الشرف وليس لوصفه بأنه لا يطعم عند القتال كثير معنى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق على أبي أبن طلحة عن ابن عباس قال ) الصمد ( السيد الذي قد كمل في سودده والشريف الذي قد كمل في شرفه والعظيم الذي قد كمل في عظمته والحليم الذي قد كمل في حلمه والغني الذي قد كمل في غناه والجبار الذي قد كمل في جبروته والعالم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمته وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسودد وهو الله سبحانه هذه صفة لا تنبغي إلا له ليس له كفو وليس كمثله شيء وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال ) الصمد ( هو السيد الذي قد انتهى سودده فلا


"""""" صفحة رقم 518 """"""
شيء أسود منه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال ) الصمد ( الذي تصمد إليه الأشياءا إذا نزل بهم كربة أو بلاء وأخرج ابن جرير من طرق عنه في قوله ) ولم يكن له كفوا أحد ( قال ليس له كفوا ولا مثل
ع113
تفسير
سورة الفلق
هي خمس آيات
حول السورة
وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة وأخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق قال السيوطي صحيحه عن ابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين في المصحف يقول لا تخلطوا القران بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب الله إنما أمر النبي صلى الله عليه واله وسلم أن يتعوذ بهما وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما قال البزار لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة وقد صح عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم عن زر بن حبيش قال أتيت المدينة فلقيت أبي بن كعب فقلت له أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه فقال أما والذي بعث محمدا بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سأله غيرك قال قيل لي قل فقلت فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأخرج الطبراني عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه واله وسلم سئل عن هاتين السورتين فقال قيل لي فقلت فقولوا كما قلت وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنزلت علي الليلة آيات لم أر مثلهن قط ) قل أعوذ برب الفلق ( و ) قل أعوذ برب الناس ( وأخرج ابن الضريس وابن الأنباري والحاكم وصححه وابن مردويه في الشعب عن عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله أقرئني سورة يوسف وسورة هود قال يا عقبة اقرأ بقل أعوذ برب الفلق فإنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله وأبلغ منها فإذا استطعت أن لا تفوتك فافعل وأخرج ابن سعد والنسائي والبغوي والبيهقي عن أبي حابس الجهني أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال يا أبا حابس أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون قال بلى يا رسول الله قال ) قل أعوذ برب الفلق ( و ) قل أعوذ برب الناس ( هما المعوذتان وأخرج الترمذي وحسنه وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يتعوذ من عين الجان ومن عين الإنس فلما نزلت سورة المعوذتين أخذ بهما وترك ماسوى ذلك وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يكره عشر خصال ومنها أنه كان يكره الرقى إلا بالمعوذتين وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أحب السور إلى الله ) قل أعوذ برب الفلق ( و ) قل أعوذ برب الناس ( وأخرج النسائي وابن الضريس وابن حبان في صحيحه وابن الأنباري وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال أخذ بمنكني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثم قال اقرأ قلت ما أقرأ بأبى أنت وأمي قال قل أعوذ برب الفلق ثم قال اقرأ قلت بأبي أنت وأمي ما أقرأ قال قل أعوذ برب الناس ولم تقرأ بمثلهما وأخرج مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه


"""""" صفحة رقم 519 """"""
بالمعوذتين وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده عليه رجاء بركتهما وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من طريق مالك بالإسناد المذكور وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن زيد بن أرقم قال سحر النبي صلى الله عليه واله وسلم رجل من اليهود فاشتكى فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وقال إن رجلا من اليهود سحرك والسحر في بئر فلان فأرسل عليا فجاء به فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية ويحل حتى قام النبي صلى الله عليه واله وسلم كأنما نشط من عقال وأخرجه ابن مردويه والبيهقي من حديث عائشة مطولا وكذلك أخرجه ابن مردويه من حديث ابن عباس وقد ورد في فضل المعوذتين وفي قراءة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لهما في الصلاة وغيرهما أحاديث وفيما ذكرناه كفاية وأخرج الطبراني في الصغير عن علي بن أبي طالب قال لدغت النبي صلى الله عليه واله وسلم عقرب وهو يصلي فلما فرغ قال لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره ثم دعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفلق ( 1 5 )
الفلق : ( 1 ) قل أعوذ برب . . . . .
) الفلق ( الصبح يقال هو أبين من فلق الصبح وسمي فلقا لأنه يفلق عنه الليل وهو فعل بمعنى مفعول قال الزجاج لأن الليل ينفلق عنه الصبح ويكون بمعنى مفعول يقال هو أبين من فلق الصبح ومن فرق الصبح وهذا قول جمهور المفسرين ومنه قول ذي الرمة حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق
هادئة في أخريات الليل منتصب
وقول الاخر يا ليلة لم أتمها بت مرتفقا
أرعى النجوم لي أن نور الفلق
وقيل هو سجن في جهنم وقيل هو اسم من أسماء جهنم وقيل شجرة في النار وقيل هو الجبال والصخور لأنها تفلق بالمياه أي تشقق وقيل هو التلفيق بين الجبال لأها تنشق من خوف الله قال النحاس يقال لكل ما اطمأن من الأرض فلق ومنه قول زهير مازلت أرمقهم حتى إذا هبطت
أيدي الركاب بهم من راكس فلقا
والراكس بطن الوادي ومثله قوله النابغة
ودوني راكس فالضواجع وقيل هو الرحم تنفلق بالحيوان وقيل هو كل ما انفلق عن جميع ما خلق الله من الحيوان والصبح والحب والنوى وكل شيء من نبات وغيره قاله الحسن والضحاك قال القرطبي هذا القول يشهد له الانشقاق فإن الفلق الشق فلقت الشيء فلقا شققته والتفليق مثله يقال فلقته فانفلق وتفلق فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحب ونوى وماء فهو فلق قال الله سبحانه فالق الإصباح وقال فالق الحب والنوى انتهى والقول الأول أولى لأن المعنى وإن كان أعم منه وأوسع مما تضمنه لكنه المتبادر عند الإطلاق وقد قيل في وجه تخصيص الفلق الإيماء


"""""" صفحة رقم 520 """"""
إلى أن القادر على إزالة هذه الظلمات الشديدة عن كل هذا العالم يقدر أيضا أن يدفع عن العائذ كل ما يخافه ويخشاه وقيل طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرح فكما أن الإنسان في الليل يكون منتظرا لطلوع الصباح كذلك الخائف يكون مترقبا لطلوع صباح النجاح وقيل غير هذا مما هو مجرد بيان مناسبة ليس فيها كثير فائدة تتعلق بالتفسير
الفلق : ( 2 ) من شر ما . . . . .
) من شر ما خلق ( متعلق بأعوذ أي من شر كل ما خلقه سبحانه من جميع مخلوقاته فيعم جميع الشرور وقيل هو إبليس وذريته وقيل جهنم ولا وجه لهذا التخصيص كما أنه لا وجه لتخصيص من خصص هذا العموم بالمضار البدنية وقد حرف بعض المتعصبين هذه الاية مدافعة عن مذهبه وتقويما لباطله فقرؤوا بتنوين شر على أن ما نافية والمعنى من شر لم يخلقه ومنهم عمرو بن عبيد وعمرو بن عائذ
الفلق : ( 3 ) ومن شر غاسق . . . . .
) ومن شر غاسق إذا وقب ( الغاسق الليل والغسق الظلمة يقال غسق الليل يغسق إذا أظلم قال الفراء يقال غسق الليل وأغسق إذا أظلم ومنه قول قيس بن الرقيات إن هذا الليل قد غسقا
واشتكيت الهم والأرقا
وقال الزجاج قيل لليل غاسق لأنه أبرد من النهار والغاسق البارد والغسق البرد ولأن في الليل تخرج السباع من اجامها والهوام من أماكنها وينبعث أهل الشر على العبث والفساد كذا قال وهو قول بارد فإن أهل اللغة على خلافه وكذا جمهور المفسرين ووقوبه دخول ظلامه ومنه قول الشاعر وقب العذاب عليهم فكأنهم
لحقتهم نار السموم فأخمدوا
أي دخل العذاب عليهم ويقال وقبت الشمس إذا غابت وقيل الغاسق الثريا وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين وإذا طلعت ارتفع ذلك وبه قال ابن زيد وهذا محتاج إلى نقل عن العرب أنهم يصفون الثريا بالغسوق وقال الزهري هو الشمس إذا غربت وكأنه لاحظ معنى الوقوب ولم يلاحظ معنى الغسوق وقيل هو القمر إذا خسف وقيل إذا غاب وبهذا قال قتادة وغيره واستدلوا بحديث أخرجه أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت نظر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوما إلى القمر لما طلع فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا فإن هذا هو الغاسق إذا وقب قال الترمذي بعد إخراجه حسن صحيح وهذا لا ينافى قول الجمهور لأن القمر آية الليل ولا يوجد له سلطان إلا فيه وهكذا يقال في جواب من قال إنه الثريا قال ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث وذلك أن أهل الريب يتحينون وجبة القمر وقيل الغاسق الحية إذا لدغت وقيل الغاسق كل هاجم يضر كائنا ما كان من قولهم غسقت القرحة إذا جرى صديدها وقيل الغاسق هو السائل وقد عرفناك أن الراجح في تفسير هذه الاية هو ما قاله أهل القول الأول ووجه تخصيصه أن الشر فيه أكثر والتحرز من الشرور فيه أصعب ومنه قولهم الليل أخفى للويل
الفلق : ( 4 ) ومن شر النفاثات . . . . .
) ومن شر النفاثات في العقد ( النفاثات هن السواحر أي ومن شر النفوس النفاثات أو النساء النفاثات والنفخ كما يفعل ذلك من يرقى ويسحر قيل مع ريق وقيل بدون ريق والعقد جمع عقدة وذلك أنهن كن ينفثن في عقد الخيوط حين يسحرن بها ومنه قول عنتره فان يبرأ فلم أنفث عليه
وإن يعقد فحق له العقود
وقول متمم بن نويرة نفث في الخيط شبيه الرقى من خشية الجنة والحاسد


"""""" صفحة رقم 521 """"""
قال أبو عبيدة النفاثات هي بنات لبيد الأعصم اليهودي سحرن النبي صلى الله عليه واله وسلم قرأ الجمهور النفاثات جمع نفاثة على المبالغة وقرأ يعقوب وعبد الرحمن بن ساباط وعيسى بن عمر النافثات جمع نافثة وقرأ الحسن النفاثات بضم النون وقرأ أبو الربيع النفثات بدون ألف
الفلق : ( 5 ) ومن شر حاسد . . . . .
) ومن شر حاسد إذا حسد ( الحسد تمنى زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود ومعنى إذا حسد إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه وحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود قال عمر بن عبد العزيز لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من حاسد وقد نظم الشاعر هذا المعنى فقال قل للحسود إذا تنفس طعنة
يا ظالما وكأنه مظلوم
ذكر الله سبحانه في هذه السورة إرشاد رسوله صلى الله عليه واله وسلم إلى الاستعاذة من شر كل مخلوقاته على العموم ثم ذكر بعض الشرور على الخصوص مع اندراجه تحت العموم لزيادة شره ومزيد ضره وهو الغاسق والنفاثات والحاسد فكأن هؤلاء لما فيهم من مزيد الشر حقيقون بإفراد كل واحد منهم بالذكر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن عمرو بن عبسة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقرأ ) قل أعوذ برب الفلق ( فقال يا ابن عبسة أتدري ما الفلق قلت الله ورسوله أعلم قال بئر في جهنم وأخرجه ابن أبي حاتم من قول عمرو بن عبسة غير مرفوع وأخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اقرأ ) قل أعوذ برب الفلق ( هل تدري ما الفلق باب في النار إذا فتحت سعرت جهنم وأخرج ابن مردويه والديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سألت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن قول الله عز وجل ) قل أعوذ برب الفلق ( فقال هو سجن في جهنم يحبس فيه الجبارون والمتكبرون وإن جهنم لتتعوذ بالله منه وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال الفلق جب في جهنم
وهذه الأحاديث لو كانت صحيحة ثابته عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لكان المصير إليها واجبا والقول بها متعينا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الفلق سجن في جهنم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال الفلق الصبح وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال الفلق الخلق وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في قوله ) ومن شر غاسق إذا وقب ( وقال النجم هو الغاسق وهو الثريا وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه اخر عنه غير مرفوع وقد قدمنا تأويل هذا وتأويل ما ورد أن الغاسق القمر وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا ارتفعت النجوم رفعت كل عاهة عن كل بلد وهذا لو صح لم يكن فيه دليل على أن الغاسق هو النجم أو النجوم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ) ومن شر غاسق إذا وقب ( قال الليل إذا أقبل وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ) ومن شر النفاثات في العقد ( قال الساحرات وأخرج ابن جرير عنه في الاية قال هو ما خالط السحر من الرقي وأخرج النسائي وابن مردويه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئا وكل إليه وأخرج ابن سعد وابن ماجه والحاكم وابن مردويه عن أبي هريرة قال جاء النبي صلى الله عليه واله وسلم يعودني فقال ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل


"""""" صفحة رقم 522 """"""
فقلت بلى بأبي أنت وأمي قال بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء فيك ) ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد ( فرقى بها ثلاث مرات وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ومن شر حاسد إذا حسد ( قال نفس ابن ادم وعينه ا ه
ع114
تفسير
سورة الناس
هي ست آيات
حول السورة
والخلاف في كونها مكية أو مدنية كالخلاف الذي تقدم في سورة الفلق وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال أنزل بمكة ) قل أعوذ برب الناس ( وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال أنزل بالمدينة ) قل أعوذ برب الناس ( وقد قدمنا في سورة الفلق ما ورد في سبب نزول هذه السورة وما ورد في فضلها فارجع إليه بسم الله الرحمن الرحيم سورة الناس ( 1 6 )
الناس : ( 1 ) قل أعوذ برب . . . . .
قرأ الجمهور ) قل أعوذ ( بالهمزة وقرىء بحذفها ونقل حركتها إلى اللام وقرأ الجمهور بترك الإمالة في الناس وقرأ الكسائي بالإمالة ومعنى رب الناس مالك أمرهم ومصلح أحوالهم وإنما قال رب الناس مع أنه رب جميع مخلوقاته للدلالة على شرفهم ولكون الاستعاذة وقعت من شر ما يوسوس في صدورهم
الناس : ( 2 ) ملك الناس
وقوله ) ملك الناس ( عطف بيان جىء به لبيان أن ربيته سبحانه ليست كربية سائر الملاك لما تحت أيديهم من مماليكهم بل بطريق الملك الكامل والسلطان القاهر
الناس : ( 3 ) إله الناس
) إله الناس ( هو أيضا عطف بيان كالذي قبله لبيان أن ربوبيته وملكه قد انضم إليهما المعبودية المؤسسة على الألوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلى بالاتحاد والإعدام وأيضا الرب قد يكون ملكا وقد لا يكون ملكا كما يقال رب الدار ورب المتاع ومنه قوله اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله فبين أنه ملك الناس ثم الملك قد يكون إلها وقد لا يكون فبين أنه إله لأن اسم الإله خاص به لا يشاركه فيه أحد وأيضا بدأ باسم الرب وهو اسم لمن قام بتدبيره وإصلاحه من أوائل عمره إلى أن صار عاقلا كاملا فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك فذكر أنه ملك الناس ثم لما علم أن العبادة لازمة له واجبة عليه وأنه عبد مخلوق وأن خالقه إله معبود بين سبحانه أنه إله الناس وكرر لفظ الناس في الثلاثة المواضع لأن عطف البيان يحتاج إلى مزية الإظهار ولأن التكرير يقتضي مزيد شرف الناس
الناس : ( 4 ) من شر الوسواس . . . . .
) من شر الوسواس ( قال الفراء هو بفتح الواو بمعنى الاسم أي الموسوس وبكسرها المصدر أي الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة وقيل هو بالفتح اسم بمعنى الوسوسة والوسوسة هي حديث النفس يقال وسوست إليه نفسه وسوسة أي حدثته حديثا وأصلها الصوت الخفى ومنه قيل لأصوات الحلى وسواس ومنه قول الأعشى تسمع للحلى وسواسا إذا انصرفت
قال الزجاج الوسواس هو الشيطان أي ذي الوسواس


"""""" صفحة رقم 523 """"""
ويقال إن الوسواس ابن لإبليس وقد سبق تحقيق معنى الوسوسة في تفسير قوله فوسوس لهما الشيطان ومعنى ) الخناس ( كثير الخنس وهو التأخر يقال خنس يخنس إذا تأخر ومنه قول العلاء بن الحضرمي يمدح رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فإن دخسوا بالشر فاعف تكرما
وإن خنسوا عند الحديث فلا تسل
قال مجاهد إذا ذكر الله خنس وانقبض وإذا لم يذكر انبسط على القلب ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء ومنه قوله تعالى ) فلا أقسم بالخنس ( يعني النجوم لاختفائها بعد ظهورها كما تقدم وقيل الخناس اسم لابن إبليس كما تقدم في الوسواس
الناس : ( 5 ) الذي يوسوس في . . . . .
) الذي يوسوس في صدور الناس ( الموصول يجوز أن يكون في محل جر نعتا للوسواس ويجوز أن يكون منصوبا على الذم ويجوز أن يكون مرفوعا على تقدير مبتدأ وقد تقدم معنى الوسوسة قال قتادة إن الشيطان له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان فإذا غفل ابن ادم عن ذكر الله وسوس له وإذا ذكر العبد ربه خنس قال مقاتل إن الشيطان في صورة خنزير يجري من ابن ادم مجرى الدم في عروقه سلطه الله على ذلك ووسوسته هي الدعاء إلى طاعته بكلام خفي يصل إلى القلب من غير سماع صوت
الناس : ( 6 ) من الجنة والناس
ثم بين سبحانه الذي يوسوس بأنه ضربان جني وإنسي فقال ) من الجنة والناس ( أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس وأما شيطان الإنس فوسوسته في صدور الناس أنه يرة نفسه كالناصح المشفق فيوقع في الصدر من كلامه الذي أخرجه مخرج النصيحة ما يوقع الشيطان فيه بوسوسته كما قال سبحانه شياطين الإنس والجن ويجوز أن يكون متعلقا بيوسوس أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة ومن جهة الناس ويجوز أن يكون بيانا للناس قال الرازي وقال قوم من الجنة والناس قسمان مندرجان تحت قوله ) في صدور الناس ( لأن القدر المشترك بين الجن والإنس يسمى إنسانا والإنسان أيضا يسمى إنسانا فيكون لفظ الإنسان واقعا على الجنس والنوع بالاشتراك والدليل على أن لفظ الإنسان يندرج فيه لفظ الإنس والجن ما روى أنه جاء نفر من الجن فقيل لهم من أنتم قالوا ناس من الجن وأيضا قد سماهم الله رجالا في قوله وأنه كان رجال من الإنس يعوذن برجال من الجن وقيل يجوز أن يكون المراد أعوذ برب الناس من الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس ومن الجنة والناس كأنه استعاذ ربه من ذلك الشيطان الواحد ثم استعاذ بربه من جميع الجنة والناس وقيل المراد بالناس الناسي وسقطت الياء كسقوطها في قوله يوم يدع الداع ثم بين بالجنة والناس لأن كل فرد من أفراد الفريقين في الغالب مبتلى بالنسيان وأحسن من هذا أن يكون قوله ) والناس ( معطوفا على الوسواس أي من شر الوسواس ومن شر الناس كأنه أمر أن يستعيذ من شر الجن والإنس قال الحسن أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس وأما شيطان الإنس فيأتي علانية وقال قتادة إن من الجن شياطين وإن من الإنس شياطين فنعوذ بالله من شياطين الجن والإنس وقيل إن إبليس يوسوس في صدور الجن كما يوسوس في صدور الإنس وواحد الجنة جنى كما أن واحد الإنس إنسى والقول الأول هو أرجح هذه الأقوال وإن كان وسوسة الإنس في صدور الناس لا تكون إلا بالمعنى الذي قدمنا ويكون هذا البيان تذكر الثقلين للإرشاد إلى أن من استعاذ بالله منهما ارتفعت عنه محن الدنيا والاخرة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي داود عن ابن عباس في قوله ) الوسواس الخناس ( قال مثل الشيطان كمثل ابن عرس واضع فمن على فم القلب فيوسوس إليه فإن ذكر الله خنس وإن سكت عاد إليه فهو الوسواس الخناس


"""""" صفحة رقم 524 """"""
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وأبو يعلى وابن شاهين والبيهقي في الشعب عن أنس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن ادم فإن ذكر الله خنس وإن نسيه التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله الوسواس الخناس قال الشيطان جاث على قلب ابن ادم فإذا سها وغفل وسوس وإذا ذكر الله خنس وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء في المختارة والبيهقي عنه قال ما من مولود يولد إلا على قلبه الوسواس فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس فذلك قوله ) الوسواس الخناس ( وقد ورد في معنى هذا غيره وظاهره أن مطلق ذكر الله يطرد الشيطان وإن لم يكن على طريق الاستعاذة ولذكر الله سبحانه فوائد جليلة حاصلها الفوز بخيري الدنيا والاخرة

=========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب المعجب في اخبار المغرب

    كتاب المعجب في اخبار المغرب  1 . المعجب في تلخيص أخبار المغرب تأليف : عبد الواحد بن علي المراكشي دراسة وتحقيق : الدكتور صلاح الدين ا...